Professional Documents
Culture Documents
خطة البحث:
املطلب األول :تعريف اخلطبة ،وبيان ومشروعيتها ،وحكمتها ،وما يرتتب عليها.
تعريف اخلطبة:
تعريف اخلطبة لغة :خطبت على املنرب ُخطبة ابلضم وخطبت املرأة ِخطبة ابلكسر وهي مأخوذة
من اخلطاب وهو الكالم أو احلديث أو التلفظ ،وإما أن تكون مأخوذة من اخلَطُب وهو األمر املهم أو الشأن
املهم.
ذكرت اخلطبة يف القرآن أثناء احلديث عن املرأة املعتدة من الوفاة تعريضاً ال تصرحياً ففي سورة البقرة قوله تعاىل:
ضتُ ْم بِِه ِم ْن ِخطْبَ ِة النِ َس ِاء} 1فهذه اآلية خطاب ملن أراد الزواج ابملرأة املعتدة والتعريض
اح َعلَْي ُك ْم فِ َيما َعَّر ْ
{وال ُجنَ َ
َ
2
هو اإلمياء وهو خالف التصريح وهو جائز يف عدة الوفاة.
مشروعية اخلطبة:
ضتُ ْم بِِه ِم ْن ِخطْبَ ِة النِ َس ِاء أ َْو أَ ْكنَ ْن تُ ْم ِيف أَنْ ُف ِس ُك ْم
اح َعلَْي ُك ْم فِ َيما َعَّر ْ
• من الكتاب ،قوله تعاىلَ { :وَال ُجنَ َ
احوه َّن ِسًّرا إَِّال أَ ْن تَ ُقولُوا قَ ْوًال َم ْع ُروفًا َوَال تَ ْع ِزُموا ُع ْق َد َة النِ َك ِ ِ ِ
وَنُ َّن َولَك ْن َال تُ َواع ُد ُ َعلِ َم َّ
اّللُ أَنَّ ُك ْم َستَ ْذ ُك ُر َ
ِ 3 ِ ِ
اّللَ َغ ُفور َحليم} اّللَ يَ ْعلَ ُم َما ِيف أَنْ ُفس ُك ْم فَ ْ
اح َذ ُروهُ َو ْاعلَ ُموا أ ََّن َّ َجلَهُ َو ْاعلَ ُموا أ ََّن َّ
اب أ َ َح َّّت يَْب لُ َغ الْكتَ ُ
اخلِطبة من مقدمات النكاح وقد شرعها هللا قبل عقد النكاح حّت ال يُقدم أحد الزوجني على صاحبه
إال بعد املعرفة التامة بصاحبه ،فيكون اإلقدام حينئذ على هدى ومعرفة وبصرية ،وقد قَال أهل العلم أن النكاح
جائز بغري خطبة.
اخلطبة هي جمرد طلب أو تقدم للزواج ميكن قبوله أو رده وليست بزواج ،وإَّنا الزواج ال يتم إال بشروطه
وأركانه ،فاخلِطبة إذاً ال يرتتب عليها شيء ،واملرأة املخطوبة امرأة أجنبية كغريها من األجنبيات ال جيوز اخللوة وال
السفر هبا ،وال استدامة النظر إليها كما هو واقع يف حال كثري من األسر يف هذا الزمان ،ومعلوم خطورة اخللوة،
ويف احلديث( :أال ال خيلون رجل ابمرأة إال كان اثلثهما الشيطان) رواه الرتمذي ويف رواية عن ابن عباس رضي
هللا عنهما عن النِب صلى هللا عليه وسلم قَال( :ال خيلو رجل ابمرأة إال مع ذي حمرم) رواه البخاري.
ال شك أن املرأة هي أساس البيت وعماده فإذا كانت املرأة صاحلة صلح البيت ،وإذا كانت فاسدة
فسد البيت ،وهلذا جيب على الرجل أن يفكر طويالً يف اختيار الزوجة ،وأن حيكم العقل ال جمرد العاطفة بل ال
بد من التأين والروية يف اختيار الزوجة ،ومعلوم أن أكثر املشاكل واخلالفات الزوجية تعود إىل سوء اختيار الزوجة
وإىل سوء اختيار الزوج فما هي األسس اليت وضعها الشارع احلكيم يف هذا األمر.
أوال :أن تكون الزوجة ذات دين ،متدينة ،متمسكة بدينها ،وقد رسم لنا النِب صلى هللا عليه وسلم وبني لنا هذا
الطريق بقوله يف احلديث املتفق عليه ( :تنكح املرأة ألربع ،ملاهلا وجلماها وحلسبها ولدينها فاظفر بذات الدين
تربت يداك) رواه البخاري يف كتاب النكاح ابب األكفاء يف الدين.
فهذا أمر من النِب صلى هللا عليه وسلم ابختيار ذات الدين وأن من ظفر بذات الدين فليتمسك هبا وال يعدل
عنها ،ألن املرأة الصاحلة تقوم بواجبها خري قيام من تربية أوالدها ،والقيام حبقوق زوجها ،فاملرأة راعية يف بيت
زوجها ومسؤولة عن رعيتها ،وكما يف احلديث( :الدنيا متاع وخري متاع الدنيا املرأة الصاحلة) رواه مسلم كتاب
الرضاع ابب خري متاع الدنيا.
ومعىن تربت يداك مبعىن التصقتا ابلرتاب وهي كناية عن الفقر وهو خرب مبعىن الدعاء لكن ال يراد به حقيقته،
فهي من أمساء األضداد حيث تطلق أيضاً على الغىن .وقد أتول العلماء معىن «تربت يداك» بعدة أتويالت:
- 1أن هذا كناية عن شدة الفقر اليت تعرتي اإلنسان الَّ ِذي مل يظفر بذات الدين واخللق.
- 3أن مثل هذا الكالم جرى جمرى املخاطبة ،ال يقصد به ذماً وال مدحاً.
اثنيا :أن تكون املرأة كرمية األصل ،ومعناه :أن تكون املرأة من أسرة معروفة ابلصالح واملروءة والشهامة والكرم
ذات خلق وعقل حّت تقف املرأة جبانب زوجها وتشد من أزره فإن اإلنسان يف هذه احلالة تعرتيه الصعوابت.
اثلثا :أن تكون املرأة ولوداً وهذا يعرف أبقارهبا ،من أخواهتا وعماهتا وخالتها وبنات جنسها ،وذلك ألن هذه
املرأة تنجب األوالد وتربيهم تربية صحيحة ،فيكثر النسل ،وبه يتحقق مباهاة النِب صلى هللا عليه وسلم أبُمته يوم
القيامة وذلك بقوله( :تزوجوا الودود الولود فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة)
رابعا :أن تكون املرأة بكراً والبكر هي اليت ال تعرف الرجال وال يعرفوَنا خبالف الثيب ،فالزواج ابألبكار أدعى
إىل االستقرار ودوام احلياة الزوجية ،وقد جاء يف حديث جابر أن النِب صلى هللا عليه وسلم قَال له" :أتزوجت
اي جابر"؟ قَال :نعم ،قَال" :أثيباً أم بكرًا" ،قَال :بل ثيباً ،فقال النِب صلى هللا عليه وسلم" :فهال جارية تالعبها
وتالعبك" متفق عليه.
خامسا :أن تكون الزوجة بعيدة عن الرجل ،أي أَنا ليست من أسرة الرجل وبيئته وأقاربه ،وذلك ألن لكل أسرة
من األسر خصائص ومميزات تتميز هبا عن األخرى فإذا كانت املرأة بعيدة اكتسب األوالد خصائص األسرتني
وال شك أن خصائص األسرتني أقوى من خصائص أسرة واحدة ،ويكون الولد أجنب وهلذا يقال اغرتبوا ال
تضووا ،يعين انكحوا الغرائب كي ال يضعف أوالدكم.
سادسا :أن يكون هناك مثة تقارب بني الزوجني من حيث املستوى واملعيشة والعمر ،ومن الناحية االجتماعية
واالقتصادية والثقافية ،ألن التقارب أدعى إىل االستمرار ،وابتعاد املستوى يؤدي إىل التنافر والقطيعة.
جيب على ويل املرأة أن خيتار لكرميته ووليته الرجل الكفء ،أي الرجل الصاحل ،صاحب الدين والكرم
والشهامة ،إىل آخر الصفات ،ألن الرجل الصاحل ال يظلم املرأة يف الغالب ،وإَّنا يعاملها ابحلسىن ،فهو إن عاشرها
5
عاشرها ابملعروف.
5نقلته من الكتاب :مقدمات النكاح (دراسة مقارنة) املؤلف :حممد بن عبد العزيز السديس الناشر :اجلامعة االسالمية ابملدينة
املنورة الطبعة :العدد -128السنة 1425 -37ه .
املطلب الثالث :أحكام اخلطبة وآداهبا
.1حترم خطبة املسلم على خطبة أخيه الذي أجيب لطلبه ولو تعريضاً ،وعلم الثاين إبجابة األول؛ لقوله
ﷺ( :ال خيطب الرجل على خطبة أخيه حّت ينكح أو يرتك) رواه البخاري؛ وذلك ملا يف التقدم للخطبة
من اإلفساد على األول ،وإيقاع العداوة.
ضتُ ْم بِِه ِم ْن ِخطْبَ ِة ِ
يما َعَّر ْ
اح َعلَْي ُك ْم ف َ
.2حيرم التصريح خبطبة املعتدة البائن؛ لقوله تعاىلَ ( :وَال ُجنَ َ
اء) [البقرة ]235 :فيجوز له التعريض ،كأن يقول :وددت أن ييسر هللا يل امرأة صاحلة ،أو :إين النِس ِ
َ
أريد الزواج ،فنَ ْفي احلرج عن ِ
املعرض ابخلطبة يدل على عدم جواز التصريح ،فقد حيملها احلرص على
الزواج على اإلخبار ابنقضاء عدهتا قبل انقضائها .وأما املعتدة الرجعية ،فيحرم حّت التعريض؛ ألَنا يف
حكم الزوجات.
.3من استشري يف خاطب أو خمطوبة وجب عليه أن يذكر ما فيهما من حماسن ومساوئ ،وال يكون ذلك
6
من الغيبة ،بل من النصيحة املرغب فيها شرعاً.
.4ال الفقهاء" :ويباح ملن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته :نظر ما يظهر غالبا ،بال خلوة ،إن
أمن من الفتنة" انتهى .ويف حديث جابر" :فكنت أختبأ هلا ،حّت رأيت منها بعض ما دعاين إىل
نكاحها".
فدل ذلك على أنه ال خيلو هبا ،وال تكون هي عاملة بذلك ،وأنه ال ينظر منها إال ما جرت العادة
بظهوره من جسمها ،وأن هذه الرخصة ختتص مبن غلب على ظنه إجابته إىل تزوجها ،فإن مل يتيسر
النظر إليها؛ بعث إليها امرأة ثقة تتأملها مث تصفها له؛ ملا روى" :أن النِب صلى هللا عليه وسلم بعث أم
7
سليم تنظر امرأة" ،رواه أمحد.
6نقلته من الكتاب :الفقه امليسر يف ضوء الكتاب والسنة املؤلف :جمموعة من املؤلفني الناشر :جممع امللك فهد لطباعة
املصحف الشريف سنة الطبع 1424 :ه .
7انظر :الكتاب :امللخص الفقهي املؤلف :صاحل بن فوزان بن عبد هللا الفوزان الناشر :دار العاصمة ،الرايض ،اململكة العربية
السعودية الطبعة :األوىل1423 ،ه.
املطلب الرابع :النظر إىل املرأة املخطوبة
ال يصح للرجل أن ينظر إىل املرأة األجنبية منه ،والنظر إليها ال خيلو إما أن يكون لغري سبب فهذا
صا ِرِه ْم} سورة النور اآلية .30فهذا َني عن إطالق ممنوع وحمرم ،لقوله تعاىل{ :قُل لِْلم ْؤِمنِني ي غُ ُّ ِ
ضوا م ْن أَبْ َ ْ ُ َ َ
صا ِرِه َّن} النور اآلية .30فدل على
ض َن م ْن أَبْ َ
ِ ِ ِ
ات ي ْغض ْ ِ
{وقُ ْل ل ْل ُم ْؤمنَ َ ُ
النظر ،مث أمر هللا النساء مبا أمر به الرجال َ
منع النظر بغري سبب .ويف حديث جرير بن عبد هللا سألت النِب صلى هللا عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرين
أن أصرف بصري .رواه مسلم كتاب اآلداب ابب نظر الفجأة .ويف حديث علي" :ايعلي ال تتبع النظرة النظرَة
فإن لك ألوىل وليست لك اآلخرة" رواه أمحد يف املسند .هذه النصوص وما شاهبها دليل على حترمي النظر بدون
سبب.
.1إذا كان للضرورة ،وذلك مثل الطبيب املعاجل ،ينظر إىل موضع احلاجة وال يتعداه إىل غريه ألن الضرورة
تقدر بقدرها.
.2إذا كان النظر ملصلحة :وذلك مثل حتمل الشهادة ،وكذلك يف حال املبايعة.
.3النظر إىل املرأة املخطوبة ،فإنه جيوز للرجل أن ينظر إىل املرأة املخطوبة،
• كما يف حديث جابر بن عبد هللا قوله صلى هللا عليه وسلم" :إذا خطب أحدكم امرأة فإن
استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إىل نكاحها فليفعل" قَال جابر :فخطبت امرأة فكنت أختبأ
هلا حّت نظرت منها ما دعاين إىل نكاحها فتزوجتها .رواه أبو داود.
• وحديث املغرية بن شعبة :أنه خطب امرأة ،فقال له النِب صلى هللا عليه وسلم" :انظر إليها
فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي أدعى إىل اجلمع بني قلبيكما.
• وحديث أِب هريرة أن رجالً خطب امرأة من األنصار ،فقال له النِب صلى هللا عليه وسلم:
"أنظرت إليها" ،قَال :ال ،فقال له النِب صلى هللا عليه وسلم" :اذهب فانظر إليها فإن يف أعني
األنصار شيئاً" .ويف رواية" :هل نظرت إليها فإن يف عيون األنصار شيئاً" رواه مسلم .واختلف
يف املراد بقوله :شيئاً ،فقيل :صفر وقيل :زرقة وقيل :عمش.
• وحديث سهل بن سعد الساعدي يف املرأة الواهبة نفسها ،فنظر إليها النِب صلى هللا عليه
وسلم فصعد النظر وصوبه ،أما صعد ابلتشديد أي رفع ،وأما صوب ابلتشديد أي خفض.
واملراد أنه نظر أعالها وأسفلها.
فهذه النصوص دلت على جواز النظر إىل املرأة املخطوبة.
القول األول :جيوز النظر إىل مجيع بدن املرأة ،وهذا مذهب داود ،واستدل على ذلك حبديث املغرية بن شعبة:
"انظر إليها" وغريه من األحاديث ،فهو جاء بلفظ عام مطلق حيث أطلق النظر ،وعند اإلطالق يشمل مجيع
البدن.
القول الثاين :ينظر إىل الوجه فقط ،وهذه إحدى الروايتني عند اإلمام أمحد ،وعللوا:
أبن النظر إىل املرأة حمرم ،وأبيح يف حال اخلطبة للحاجة فقط ،وتندفع هذه احلاجة ابلنظر إىل الوجه فقط ،ألن
الوجه مكمل اجلمال وجممع احلسن ،فبالنظر إليه يستطيع أن يتعرف على مجاهلا.
القول الثالث :ينظر إىل الوجه والكفني فقط ،وهذا هو مذهب الشافعية واملالكية
كما استدلوا حبديث جابر السابق " :فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إىل نكاحها فليفعل" ،فقالوا :النظر
إىل الوجه والكفني يكفي ،ألن الوجه موضع حسن ،والنظر إىل الكفني يعرف منه نعومة املرأة ولينها وخصوبتها.
القول الرابع :ينظر إىل الوجه والكفني والقدمني وهو قول احلنفية
وعللوا أبن النظر إىل هذه األشياء فيه زايدة إيضاح ابلنسبة للمرأة ،فالوجه يتبعه الشعر ،ويتبع الكفني الذراعني،
ويتبع القدمني الساقني.
القول السادس :وهو املذهب عند احلنابلة :أن يُنظر إىل ما يظهر من املرأة غالبا أي ما ينظر إليه احملارم أو ما
يظهر من املرأة أثناء عملها.
وعللوا هذا أبن األحاديث اليت جاء اإلذن فيها تفيد أن ينظر إىل ما يظهر غالبا من غري حتديد إذ ال ميكن إفراد
الوجه ابلنظر فقط دون غريه ،والنصوص مل تنص على شيء معني ،وال ميكن ختصيص الوجه فقط ،فدل على أن
ين ِزينَ تَ ُه َّن إِال َما ظَ َهَر ِمْن َها} أي ما ظهر منها ِ
{وال يُْبد َ
ينظر إىل ما يظهر عادة ويؤيد هذا قول هللا تعاىلَ :
8
عادة ،فيباح النظر إليه كذوات احملارم.
قلت :والذي يرتجح عندي هو النظر إىل الوجه والكفني فقط .وهللا أعلم.
8املرجع السابق