Professional Documents
Culture Documents
ني َِبلْ ِق ْس ِط [النساء ]135 :ما طاب :ما مالت إليه نفوسكم واستطابته. ِ
ُكونُوا قَ اوام َ
وِف قوله تعاىل :وإِ ْن ِخ ْفتم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ
ساء أتويَلت منها :ما رواه البخاري ومسلم َ ْ َ ُ َ ُْ َ
والنسائي والبيهقي ِف «سننه» وغريهم عن عروة بن الزبري أنه سأل عائشة رضي هللا عنها ،عن هذه اآلية فقالت :اي ابن
أخيت هذه اليتيمة تكون ِف حجر وليها تشركه ِف ماله ،ويعجبه ماهلا ومجاهلا ،فرييد وليها أن يتزوجها بغري أن يقسط ِف
صداقها ،فيعطيها مثل ما يعطيها غريه ،فنهوا أن ينكحوهن إَّل أن يقسطوا هلن ،ويبلغوا هبن أعلى سنتهن ِف الصداق،
وأمروا أن ينكحوا ما طاب هلم من النساء سواهن «. »1
وِف بعض الرواايت « »2هذه الزايدة :قالت عائشة رضي هللا عنها :مث إن الناس استفتوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ِ ِ ساء قُ ِل ا ِ ِ بعد هذه اآلية فيهن فأنزل هللا تعاىل :ويست ْفتونَك ِِف النِ ِ
اَّللُ يُ ْفتي ُك ْم في ِه ان َوما يُتْلى َعلَْي ُك ْم ِِف الْكتاب ِِف يَ َ
تامى ََ َْ ُ َ
وه ان [النساء ]127 :قالت :وقوله تعاىلَ :وما يُْتلى َعلَْي ُك ْم ِِف ِ ِ الَلِِت َّل تُ ْؤتُ َ
ساء االنِ ِ
ب َهلُ ان َوتَ ْر َغبُو َن أَ ْن تَ ْنك ُح ُ
وَنُ ان ما ُكت َ
ساء املراد منه هذه اآلية :وإِ ْن ِخ ْفتم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ
ساء. تاب ِِف يتامى النِ ِ الْكِ ِ
َ ْ َ ُ َ ُْ َ ََ
واملعَن على هذه الرواية :وإن علمتم أَّل تعدلوا ِف نكاح اليتامى الَلِت تلوَنن ،فانكحوا ما مالت إليه نفوسكم من النساء
غريهن.
واملقصود ِف احلقيقة النهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل ،إَّل أنه أوثر التعبري عنه َبألمر بنكاح األجنبيات
كراهة النهي الصريح عن نكاح اليتيمات ،وملا فيه من مزيد اللطف ِف صرف املخاطبني عن نكاح اليتامى حال العلم بعدم
العدل ،فكأنه قيل :وإن خفتم أَّل تقسطوا ِف نكاح اليتامى فَل تنكحوهن ،ولكم ِف غريهن من النساء متسع ،فانكحوا ما
طاب لكم.
ومنها أنه ملا نزلت آية َوآتُوا الْيَتامى أ َْموا َهلُْم حترج األولياء من وَّليتهم ،مع أَنم كانوا َّل يتحرجون من ترك العدل ِف حقوق
النساء ،حيث إن حتت الرجل عشر منهن َّل يعدل بينهن فقيل هلم :إن خفتم ترك العدل ِف حقوق اليتامى فتحرجتم،
فخافوا أيضا ترك العدل بني النساء ،وقللوا عدد املنكوحات منهن ،ألن من حترج من ذنب وهو مرتكب مثله فهو غري
متحرج.
1
وقيل :كانوا َّل يتحرجون من الزَن ،وهم يتحرجون من وَّلية اليتامى ،فقيل :إن خفتم احلوب ِف حق اليتامى فخافوا الزَن
فانكحوا ما طاب إخل.
واآلية على أتويل عائشة تشهد ملن قال :إن لغري األب واجلد أن يزوج الصغرية أو يتزوجها ،ألَنا -على هذا التأويل -نزلت
ِف اليتيمة تكون ِف حجر وليها ،فريغب ِف ماهلا ومجاهلا ،وَّل يقسط هلا ِف الصداق.
وأقرب ويل تكون اليتيمة ِف حجره وجيوز له تزوجها هو ابن العم ،فقد تضمنت اآلية جواز أن يتزوج ابن العم اليتيمة اليت
ِف حجره ،وإذا جاز له أن يتزوجها ،فإما أن يلي هو النكاح بنفسه ،وإما أن يزوجه إايها أخوها مثَل ،وأاي ما كان األمر
فلغري األب واجلد أن يزوج الصغرية.
ومن قال من األئمةَّ :ل يزوج الصغرية إَّل األب أو اجلد ،حيمل اآلية على أحد التأويلني اآلخرين ،أو حيمل اليتامى على
الكبار منهن ،ويكون التعبري عنهن َبليتامى َبعتبار ما كان ،لقرب عهدهن َبليتم.
واألمر ِف قوله تعاىل :فَانْكِ ُحوا لإلَبحة ،مثل قوله تعاىلُ :كلُوا َوا ْشَربُوا [البقرة ]60 :وقيل :للوجوب ،أي وجوب اَّلقتصار
َبع َّل وجوب أصل النكاح ،ومتسك الظاهرية هبذه اآلية ِف وجوب أصل َلث َوُر َعلى العدد املأخوذ من قوله تعاىلَ :مثَْن َوثُ َ
صِّبُوا َخ ْريٌ لَ ُك ْم [النساء ]25 :فحكم ِ ِ
النكاح ،وهم حمجوجون بقوله تعاىلَ :وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم طَْوًَّل إىل قوله تعاىلَ :وأَ ْن تَ ْ
تعاىل أبن ترك النكاح ِف هذه الصورة خري من فعله ،فدل ذلك على أنه ليس مبندوب فضَل عن أنه واجب.
طاب أو من مرجعه ،أو بدل منه ،والكلمات الثَلث من ألفاظ العدد، َبع حال من فاعل َ َلث َوُر َ
وقوله تعاىلَ :مثَْن َوثُ َ
َبع تدل علىور َ
َلث تدل على ثَلثة ثَلثةُ ، وتدل واحدة منها على املكرر من نوعها ،ف َمثَْن تدل على اثنني اثنني ،وثُ َ
أربعة أربعة .واملراد منها هنا اإلذن لكل من يريد اجلمع أن ينكح ما شاء من العدد املذكور متفقني فيه وخمتلفني.
ولو أفردت كان املعَن جتويز اجلمع بني هذه األعداد دون التوزيع ،ولو ذكرت (أبو) لذهب جتويز اَّلختَلف ِف العدد ،وِف
هذه اآلية دَّللة على جواز تعدد الزوجات إىل أربع ،وعلى أنه َّل جيوز التزوج أبكثر من أربعة جمتمعات ،ألن هذا العدد قد
ذكر ِف مقام التوسعة على املخاطبني كما علمت ،فلو كان وراء هذا العدد مباح َّل قتضى املقام ذكره.
وقد أمجع فقهاء األمصار على أنه َّل جيوز الزايدة على األربع ،وَّل يقدح ِف هذا اإلمجاع ما ذهب إليه بعض املبتدعة من
جواز التزوج أبي عدد ،فإن اإلمجاع قد وقع ،وانقضى عصر اجملمعني قبل ظهور هؤَّلء الشذاذ املخالفني.
ومتسك اإلمام مالك بظاهر هذه اآلية ِف مشروعية نكاح األربع لألحرار والعبيد ،فالعبيد داخلون ِف اخلطاب بقوله تعاىل:
طاب لَ ُك ْم إخل .فيجوز هلم أن ينكحوا أربعا كاألحرار ،وَّل يتوقف نكاحهم على اإلذن ،ألَنم ْيلكون الطَلق، ِ
فَانْك ُحوا ما َ
فيملكون النكاح.
وذهب احلنفية والشافعية إىل أن العبد َّل جيمع من النساء فوق اثنتني ،ملا روى الليث عن احلكم قال :أمجع أصحاب رسول
طاب ِ
هللا صلى هللا عليه وسلم على أن العبد َّل جيمع من النساء فوق اثنتني ،قالوا :واخلطاب ِف قوله تعاىل :فَانْك ُحوا ما َ
لَ ُكم ِمن النِ ِ
ساء َّل يتناول العبيد ،ألنه إمنا يتناول إنساان مىت طابت له امرأة قدر على نكاحها ،والعبد ليس كذلك ،ألنه َّل ْ َ
جيوز نكاحه إَّل إبذن موَّله ،لقوله صلى هللا عليه وسلم« :أْيا عبد تزوج بغري إذن موَّله فهو عاهر» « ، »1وألن ِف تنفيذ
نكاحه تعييبا له ،فَل ْيلكه دون إذن املوىل.
2
ت أَْْيانُ ُك ْم َّل ْيكن أن يدخل فيه العبيد ،لعدم امللك، اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ وأيضا قوله تعاىل بعد :فَِإ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ
ْ ْ
فحيث َل يدخلوا ِف هذا اخلطاب َل يدخلوا ِف اخلطاب األول ،ألن هذه اخلطاَبت وردت متتالية على نسق واحد ،فبعيد
أن يدخل ِف اخلطاب السابق ما َّل يدخل ِف الَلحق.
ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمْنهُ نَ ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َم ِريئاً [النساء ]4 :والعبد َّل أيكل ِ
وكذلك َّل ْيكن دخوهلم ِف قوله تعاىل :فَإِ ْن ط ْ َ
ما طابت عنه نفس امرأته من املهر ،بل يكون لسيده فيكون اآلكل السيد َّل العبد.
ك أ َْدَن أَاَّل تَعُولُوا املراد َبلعدل هنا العدل بني الزوجات املتعددات، ِ فَإِ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ
ت أَْْيانُ ُك ْم ذل َ اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ ْ ْ
صتُ ْم [النساء ]129 :كأن هللا تعاىل ملا وسع ِ ِ ِ ِ
ني النساء َولَْو َحَر ْ كما صرح بذلك ِف قوله تعاىلَ :ولَ ْن تَ ْستَطيعُوا أَ ْن تَ ْعدلُوا بَْ َ
ِ
َبع أنبأهم أنه قد يلزم من اَّلتساع خوف امليل ،فالواجب َلث َوُر َ طاب لَ ُك ْم ِم َن النِساء َمثَْن َوثُ َ ِ
عليهم بقوله :فَانْك ُحوا ما َ
حينئذ أن حيرتزوا َبلتقليل ،فيقتصروا على الواحدة ،واملعَن :فإن خفتم أَّل تعدلوا بني النساء املتعددات ِف عصمتكم ،كما
خفتموه ِف حق اليتامى ،فاختاروا أو فالزموا واحدة ،أو أي عدد شئتم من السراري من غري حصر ،لقلة تبعتهن ،وخفة
مؤونتهن ،وعدم وجوب القسم فيهن.
وعلى هذا التأويل :يكون املراد من اختيار اإلماء اختيارهن بطريق التسريَّ ،ل بطريق النكاح ،ويشهد له أن الظاهر احتاد
ت أَْْيانُ ُك ْم وعليه يكون الذي خري بني احلرة اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ املخاطبني ِف املعطوف واملعطوف عليه ِف قوله تعاىل :فَو ِ
الواحدة والعدد من اإلماء هو مالك اإلماء َّل غري ،ولو كان التخيري واقعا بني أن يتزوج حرة واحدة ،أو يتزوج من شاء من
اإلماء الَلِت ْيلكهن َّلقتضى ذلك ورود النكاح على ملك اليمني.
وقد قالواَّ :ل جيوز أن يتزوج املوىل أمته ،وَّل املوَّلة عبدها ،ألن للزوجية لوازم تناِف لوازم ملك اليمني ،أَّل ترى أن من لوازم
الزوجية حق اإلخدام على الزوج لزوجته ،ومن لوازم امللك حق اَّلستخدام عليها لسيدها وملن شاء ،ومعلوم أن اإلخدام
واَّلستخدام َّل جيتمعان -وأنه مىت تنافت اللوازم تنافت امللزومات ،فَل جيتمع ملك اليمني والزوجية ،واآلية هنا جارية ِف
اخلطاب على خَلف ما جرت عليه اآلية اآلتية ،وهي قوله تعاىل :ومن ََل يستَ ِطع ِمْن ُكم طَوًَّل أَ ْن ي ْنكِح الْمحص ِ
نات َ َ ُْ َ ََ ْ ْ َ ْ ْ ْ ْ
ِ
ت أَْْيانُ ُك ْم [النساء ]25 :فإن املأمورين َبلنكاح هنا غري املخاطبني مبلك اليمني .وذلك ظاهر الْ ُم ْؤِمنات فَ ِم ْن ما َملَ َك ْ
وه ان إبِِ ْذ ِن أ َْهلِ ِه ان [النساء ]25 :وسيأِت عما قريب إيضاح ذلك إن ِ ِ ِ
بشهادة قولهَ :وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم وقوله بعد :فَانْك ُح ُ
شاء هللا.
ت أَْْيانُ ُك ْم على جواز التزوج وقد حاول اجلصاص « »1اَّلستدَّلل بقوله تعاىل :فَإِ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ
اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ ْ ْ
َبألمة مع وجود الطول إىل احلرة ،وسلك َبآلية طريقا َل يرتضه مجهور املفسرين.
ساء ِف قوله تعاىلَ :وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف وذلك أنه يرى أن قوله تعاىل :أَو ما ملَ َكت أَْْيانُ ُكم معطوف على كلمة النِ ِ
ْ ْ َ ْ
ساء وبذلك يكون التخيري واقعا بني أربع حرائر وأربع إماء :بعقد النكاح ،فيوجب الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ
َ ْ َ ُ َ
ذلك ختيريه بني تزوج احلرة واألمة ،وهذا بعيد كل البعد كما ترى.
ت أَْْيانُ ُك ْم قال :ملا أضاف ملك ويرى أيضا عدم احتاد املخاطبني ِف قوله تعاىل :فَانْكِحوا وقوله تعاىل :فَو ِ
اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ ُ
ِ ِ
اليمني إىل اجلماعة كان املراد نكاح ملك ْيني الغري ،كقوله تعاىلَ :وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم طَْوًَّل إخل ،وقد علمت ما فيه آنفا.
ك أ َْدَن أَاَّل تَعُولُوا اإلشارة إىل اختيار الواحدة والتسري. ِ
ذل َ
3
أ َْدَن معناه أقرب .والعول ِف األصل امليل احملسوس ،يقال :عال امليزان عوَّل إذا مال ،مث نقل إىل امليل املعنوي ،وهو اجلور،
يقال عال احلاكم إذا جار ،واملراد هنا امليل احملظور املقابل للعدل ،املعَن أن ما ذكر من اختيار الواحدة
والتسري أقرب َبلنسبة إىل ما عدامها من أَّل ْييلوا ميَل حمظورا ،فإن من اختار واحدة فقد انتفى عنه امليل واجلور رأسا،
ومن تسرى فقد انتفى عنه خطر اجلور وامليل ،أما من اختار عددا من احلرائر فامليل احملظور متوقع منه َّل حمالة.
وقد حكي عن اإلمام الشافعي رضي هللا عنه أنه فسر أَاَّل تَعُولُوا أبَّل تكثر عيالكم ،وخطأه ِف ذلك اجلصاص تبعا للمّبد
« ، »1وزعما أنه َّل يقال :عال مبعَن كثرت عياله ،وإمنا يقال :أعال يعيل ،ولكن صاحب «الكشاف» « ، »2قال :نقل
الكسائي عن فصحاء العرب :عال يعول إذا كثرت عياله ،وممن نقله األصمعي « »3واألزهري « ، »4وهذا التفسري نقله
ابن أيب حامت عن زيد بن أسلم ،وهو من جلة التابعني ،وقراءة طاووس أَّل تعيلوا مؤيدة له ،فَل وجه لتشنيع من شنع على
اإلمام جاهَل َبللغات واآلاثر اه .
ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمنْهُ نَ ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َم ِريئاً ( )4املراد َبإليتاء :ما يعم ِ ِِ ِ ِ
ص ُدقاِت ان ِْنلَةً فَإِ ْن ط ْ َ
قال هللا تعاىلَ :وآتُوا النساءَ َ
املناولة واَّللتزام.
و (الصدقات) :مجع صدقة بفتح الصاد وضم الدال ،وهي كالصداق مبعَن املهر.
والنحلة :العطية من غري عوض ،ومن ذلك النحلة مبعَن الداينة ،ألَنا عطية من هللا تعاىل ،وكذلك النحل ملا يعطي من
العسل ،والناحل املهزول ،كأنه أعطى حلمه حاَّل بعد حال بَل عوض ،واملنحول من الشعر املنسوب لغري قائله ،ومن فسر
اَّللِ
يضةً ِم َن ا
النحلة هنا َبلفريضة نظر إىل أن هذه العطية مفروضة من هللا حمتومة ،كما قال تعاىل بعد آايت املواريث فَ ِر َ
[النساء. ]11 :
ص ُدقاِتِِ ان لألزواج ،وكان الرجل يتزوج بَل مهر ،يقول :أرثك ِ
ذهب ابن عباس إىل أن اخلطاب ِف قوله تعاىلَ :وآتُوا النساءَ َ
وترثينين ،فتقول :نعم ،فأمروا أن يسرعوا إىل إيتاء املهور ،وقيل :اخلطاب لألولياء :أخرج ابن محيد وابن أيب حامت عن أيب
صاحل قال :كان الرجل إذا زوج أْيا ،أخذ صداقها دوَنا ،فنهاهم هللا عن ذلك ونزلتَ :وآتُوا النِساءَ اآلية «»5
ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمْنهُ نَ ْفساً عائد على الصدقات ،وذكر إلجرائه جمرى اإلشارة، ِ
والضمري اجملرور مبن ِف قوله تعاىل :فَإِ ْن ط ْ َ
وكثريا ما يشار َبملفرد إىل املتعدد ،كأنه قيل :طْب لكم عن شيء من ذلك املذكور ،وهو الصدقات ،كما قال رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ...كأنّه يف اجللد توليع البهق
أراد :كأن ذلك ،وليس املراد من قوله تعاىل :فَ ُكلُوهُ خصوص األكل ،إمنا املراد حل التصرف فيه ،وخص األكل َبلذكر،
ألنه معظم وجوه التصرفات املالية ،وتقدم نظريه ِف قوله تعاىلَ :وَّل َأتْ ُكلُوا أ َْموا َهلُْم إِىل أ َْموالِ ُك ْم [النساء ]2 :واهلينء واملريء
صفتان من هنؤ الطعام يهنؤ هناءة ،فهو هينء ،ومرؤ ْيرؤ مراء ،فهو مريء.
قيل :معنامها واحد ،وهو خفة الطعام على املعدة ،واِنداره عنها بَل ضرر.
وقيل :اهلينء الذي يلذه اآلكل ،واملريء ما حتمد عاقبته ،وقيل :ما ينساغ ِف جمراه ،وهو املريء كأمري ،وهو رأس املعدة
الَلصق َبحللقوم ،مسي بذلك ملرور الطعام فيه أي انسياغه.
دلت هذه اآلية على أمور منها ،أن الفروج َّل تستباح إَّل بصداق ملزم ،سواء مسي ذلك ِف العقد أو َل يسم.
وأن الصداق ليس ِف مقابلة اَّلنتفاع َبلبضع ،ألن هللا تعاىل جعل منافع النكاح:
4
من قضاء الشهوة ،والتوالد ،مشرتكة بني الزوجني ،مث أمر الزوج أبن يؤِت الزوجة املهر ،فكان ذلك عطية من هللا ابتداء.
وأنه جيوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها ،أو جزءا منه ،سواء أكان مقبوضا معينا ،أم كان ِف الذمة ،فشمل ذلك اهلبة
ِ
ْب وَل يقل: واإلبراء ،وأنه ينبغي لألزواج اَّلحتياط فيما أعطت نساؤهم ،حيث بين الشرط على طيب النفس ،فقال :فَإِ ْن ط ْ َ
فإن وهْب إعَلما أبن املراعى ِف ذلك هو جتافيها عن املعطى طيبة به نفسها ،من غري أن يكون السبب فيه شراسة خلق
الزوج ،أو سوء معاشرته.
وأنه حيل للزوج أخذ ما وهب زوجته َبلشرط السابق من غري أن يكون عليه تبعة ِف الدنيا واآلخرة.
ص ُدقاِتِِ ان ِ ِْنلَةً على إجياب املهر كامَل للمخلو هبا خلوة صحيحة ،ولو طلقت ِ
واحتج اجلصاص بقوله تعاىلَ :وآتُوا النساءَ َ
وه ان ِم ْن
قبل املساس ،وأنت تعلم أن هذه اآلية عامة ِف كل النساء بسواء املخلو هبا وغريها ،إَّل أن قوله تعاىلَ :وإِ ْن طَلا ْقتُ ُم ُ
ضتُم َهل ان فَ ِر َ ِ
ضتُ ْم [البقرة ]237 :يدل على أنه َّل جيب للمخلو هبا إَّل نصف ف ما فَ َر ْ
ص ُيضةً فَن ْ قَ ْب ِل أَ ْن متََ ُّس ُ
وه ان َوقَ ْد فََر ْ ْ ُ
املهر ،وهذه اآلية خاصة ،وَّل شك أن اخلاص مقدم على العام ،فاخللوة الصحيحة َّل تقرر املهر كله.
-2املقدمة ىف املرياث
صيب ِمماا تَرَك الْوالِ َد ِان و ْاألَقْ ربو َن ِمماا قَ ال ِمْنه أَو َكثُر نَ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ص ِ ِ ِ ِ
وضا ()7 صيبًا َم ْف ُر ً ُ ْ َ َ َُ يب مماا تَ َرَك الْ َوال َدان َو ْاألَقْ َربُو َن َوللن َساء نَ ٌ َ َ ل ِلر َجال نَ ٌ
وه ْم ِمْنهُ َوقُولُوا َهلُْم قَ ْوًَّل َم ْع ُروفًا ( -)8من النساء ِ ِ
ني فَ ْارُزقُ ُ َوإِ َذا َح َ
ضَر الْق ْس َمةَ أُولُو الْ ُق ْرََب َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َساك ُ
دان و ْاألَقْ ربو َن ِمماا قَ ال ِمْنه أَو َكثُر نَ ِ
ِ ِ ص ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ص ِ ِ ِ ِ
صيباً ُ ْ َ يب مماا تَ َرَك الْوال َ َُ يب مماا تَ َرَك الْوالدان َو ْاألَقْ َربُو َن َوللنساء نَ ٌ قال هللا تعاىل :ل ِلرجال نَ ٌ
َم ْف ُروضاً ( . )7من سورة النساء
هذا شروع ِف بيان أحكام املواريث بعد بيان األحكام املتعلقة أبموال اليتامى اليت آلت إليهم َبملرياث.
كان من عادِتم ِف اجلاهلية أَّل يورثوا النساء وَّل الصغار ،يقولون :إمنا يرث من حيارب وحيمي احلوزة وجيوز الغنيمة .وللرد
عليهم نزلت هذه اآلية ،قال ابن جبري وغريه «. »1
وروي أن أوس بن اثبت مات ،وخلف بنتني وابنا صغريا وزوجة ،فجاء ابنا عمه ،فزواي مرياثه عن أوَّلده وزوجه ،على سنتهم
ِف اجلاهلية ،فقالت امرأته هلما:
تزوجا البنتني ،وكانت هبما دمامة ،فأبيا ،فأتت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فشكت إليه ،فقال:
ِ ِ ِ
يب اآلية ،فأرسل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل ابين العم أن َّلارجعي حىت أنظر ما حيدث هللا ،فنزلت :ل ِلرجال نَص ٌ
اَّلل ِِف أَو ِ
َّلد ُك ْم ِ
يفرقا من مال أوس شيئا ،فإنه قد أنزل علي فيه شيء ،أخّبت أن للذكر واألنثى نصيبا ،مث نزل :يُوصي ُك ُم اُ ْ
[النساء ]11 :إىل قوله:
يم [النساء ]12 :فدعا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َبملرياث ،فأعطى املرأة الثمن ،وقسم ما بقي بني اَّلل علِ ِ
يم َحل ٌ
َو اُ َ ٌ
األوَّلد ،للذكر مثل حظ األنثيني ،وَل يعط ابين العم شيئا «. »2
وِف بعض طرقه أن امليت خلف زوجه وبنتني وابين عم ،فأعطى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الزوجة الثمن ،والبنتني
الثلثني ،وابين العم الباقي.
وللعلماء ِف تفسري هذه اآلية أقوال:
5
فمن الناس من أبقاها على ظاهرها ،فجعل املراد من الرجال الذكور البالغني ،ومن الوالدين األب واألم بَل واسطة ،ومن
النساء اإلانث البالغات .يكون املعَن حينئذ:
للذكور البالغني نصيب مما ترك آَبؤهم وأمهاِتم وأقارهبم ،كإخوِتم وأخواِتم ،وأعمامهم وعماِتم ،ولإلانث البالغات كذلك
نصيب مما ترك آَبؤهن إخل.
ويكون هللا تعاىل قد بني ِف هذه اآلية أن اإلرث غري خمتص َبلرجال كما هو عادِتم ِف اجلاهلية ،بل هو أمر مشرتك بني
الرجال والنساء ،وَّل مانع من اَّلقتصار ِف اآلية على هذا القدر جراي على سنة هللا ِف التشريع اإلسَلمي من التدرج ِف
األحكام ،إذ كان من عادة القوم توريث الكبار من الرجال دون الصغار والنساء كما علمت ،فأراد هللا سبحانه أن ينقلهم
عن تلك العادة قليَل على التدريج ،ألن اَّلنتقال من العادة شاق ثقيل على الطبع ،فإذا كان دفعة عظم وقعه ،وصعب
على النفوس تلقيه َبلقبول ،وإذا كان على التدريج سهل أمره ،وخف على النفوس تعاطيه ،فلهذا املعَن ذكر هللا تعاىل هذا
اجململ أوَّل مث أردفه َبلتفصيل.
وِف اختيار هذا األسلوب التفصيلي -مع أنه كان يكفي أن يقال :للرجال والنساء نصيب إخل -اعتناء بشأن النساء،
وإيذان أبصالتهن ِف استحقاق اإلرث ،ومبالغة ِف إبطال حكم اجلاهلية ،إبلغاء ما كانوا يعتّبونه من األوصاف اخلاصة
َبلرجال سببا مضموما إىل القرابة ِف استحقاق املرياث ،فاهلل قد أهدر وصف الرجولة ِف مرياث اإلنسان من والديه وأقاربه،
وجعل سبب هذا التوارث القرابة فحسب ،والرجال والنساء سواء ِف ذلك ،فكما يكون للرجال نصيب مما ترك الوالدان
واألقربون ،يكون للنساء نصيب مما ترك الوالدان واألقربون.
ومن العلماء من عمم ِف الرجال والنساء ،فجعل املراد من الرجال الذكور مطلقا ،سواء أكانوا كبارا أم صغارا ،واملراد من
النساء اإلانث كذلك ،ويكون املراد التسوية بني الذكور واإلانث ِف أن لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان واألقربون ،ومنهم
من محل الرجال على الصغار من الذكور ،ومحل النساء على الصغار من اإلانث كذلك ،وعلل هذا اَّلقتصار أبن فيه اعتناء
بشأن اليتامى ،وردا صرحيا على طريقة اجلاهلية ِف التوريث.
وعلى كل حال فظاهر اآلية يشهد للحنفية القائلني بتوريث ذوي األرحام ،ألن العمات واخلاَّلت وأوَّلد البنات من األقربني،
فوجب دخوهلم حتت قوله سبحانه:
صيب ِمماا تَرَك الْوالِ ِ
دان َو ْاألَقْ َربُو َن إخل فثبت كوَنم مستحقني ألصل النصيب هبذه اآلية ،وأما املقدار فمستفاد من ِِ ِ ِ
للرجال نَ ٌ َ
دَّلئل أخر كما هو احلال ِف غريهم.
وحاول اإلمام الرازي « »1الرد على احلنفية ،فادعى أن املراد من األقربني الوالدان واألوَّلد ،وحينئذ َّل يدخل فيهم ذوو
األرحام ،وعليه يكون عطف األقربني على الوالدين من عطف العام على اخلاص ،وهو أتويل ظاهر التكلف.
وقوله تعاىلِ :مماا قَ ال ِمْنهُ أ َْو َكثَُر بدل من (ما) الثانية ،إبعادة العامل ،ويقدر مثل هذا ِف اجلملة األوىل ،والفائدة منه
التنصيص على أن التوريث يكون ِف الرتكات الضئيلة ،كما يكون ِف الرتكات العظيمة ،وفيه أيضا دفع توهم اختصاص
بعض األموال ببعض الورثة ،وبذلك تنقطع طماعية الكبار من الورثة ِف أن خيتصوا مبثل السيف واخلامت واملصحف واللباس
البدين.
6
صيباً َم ْف ُروضاً مصدر مؤكد بتأويله مبعَن العطاء ،أو حال ،وأصل الفرض احلز ِف الشيء ،ويسمى احلز ِف سية وكلمة نَ ِ
القوس فرضا ،مث توسع فيه ،فاستعمل مبعَن القطع والتقدير ،وما أوجبه هللا تعاىل ،وأوىل املعاين هنا ِف كلمة َم ْف ُروضاً أَنا
مبعَن مقدرا.
وه ْم ِمْنهُ َوقُولُوا َهلُْم قَ ْوًَّل َم ْع ُروفاً ( )8املراد َبلقسمة: ِ ِ
ني فَ ْارُزقُ ُ قال هللا تعاىلَ :وإِذا َح َ
ضَر الْق ْس َمةَ أُولُوا الْ ُق ْرَب َوالْيَتامى َوالْ َمساك ُ
الرتكة بني الورثة ،وأولوا القرَب :من َّل يرثون ،لكوَنم حمجوبني ،أو لكوَنم من ذوي األرحام.
أيمر هللا إبعطاء من حضر القسمة من هؤَّلء ما جيّب خاطرهم ،وتطيب به نفوسهم ،وقد اختلف العلماء ِف هذه اآلية،
أهي حمكمة أم منسوخة؟ فذهب ابن املسيب والضحاك وابن عباس ِف رواية عطاء عنه إىل أَنا منسوخة آبية املواريث
اَّلل ِِف أَو ِ
َّلد ُك ْم إخل. ِ
يُوصي ُك ُم اُ ْ
وذهب ابن عباس ِف رواية عكرمة عنه ومجهور املفسرين إىل أَنا حمكمة ،مث اختلفوا ِف ذلك اإلعطاء ،أهو واجب أم
مندوب؟ فمن ذهب إىل الوجوب متسك بظاهر األمر ،وأوجب على الوارث الكبري وعلى ويل الصغري أن يرضخا ملن حضر
القسمة شيئا من املال بقدر ما تطيب به نفسه.
ومنهم من قال :على الوارث الكبري الدفع ،وعلى ويل الصغري القول املعروف أبن يعتذر إليهم ،ويعرفهم أن أصحاب املال
صغار َّل يقدرون ما عليهم من احلق ،وإن يكّبوا فسيعرفون حقهم.
وذهب فقهاء األمصار إىل أن هذا اإلعطاء مندوب طولب به الكبار من الورثة ،وحجتهم ِف ذلك أنه لو كان هلؤَّلء حق
معني لبينه هللا تعاىل ،كما بني سائر احلقوق ،وحيث َل يبني ،علمنا أنه غري واجب ،وأيضا لو كان واجبا لتوفرت الدواعي
على نقله ،لشدة حرص الفقراء واملساكني ،ولو كان ذلك لنقل إلينا على سبيل التواتر ،وملا َل يكن األمر كذلك علمنا أنه
ليس بواجب.
وه ْم ِمنْهُ يرجع إىل ما ترك الوالدان واألقربون ،أو إىل القسمة مبعَن املقسوم َبعتبار والضمري اجملرور ِف قوله تعاىل :فَ ْارُزقُ ُ
عاء أ َِخ ِيه [يوسف. ]76 : معناهاَّ ،ل َبعتبار لفظها ،كما ِف قوله تعاىل :مثُا استخرجها ِمن ِو ِ
َْ َْ َ ْ
والقول املعروف مفسر كما تقدم َبلعدة اجلميلة ،وأبَّل يتبع العطية َبملن واألذى َبلقول ،وأبن يعتذر ملن َّل يعطيه شيئا.
اَّللَ َولْيَ ُقولُوا قَ ْوًَّل َس ِديداً ()9
ين لَْو تََرُكوا ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم ذُ ِرياةً ِضعافاً خافُوا َعلَْي ِه ْم فَ ْليَتا ُقوا ا قال هللا تعاىل :ولْيخ ا ِ
ش الذ َ
ََْ َ
ىف النشوز والشقاق -2
ات قانِ ٌ
ض وِمبا أَنْ َف ُقوا ِمن أَمواهلِِم فَال ا ِ ِ ِِ قال هللا تعاىلِ :
تات صاحل ُ ْ ْ ْ ض ُه ْم َعلى بَ ْع ٍ َ
اَّللُ بَ ْع َ
ال ا جال قَ او ُامو َن َعلَى النساء مبا فَض َ
الر ُ
وه ان فَإِ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فََل تَ ْب غُوا الَلِِت َختافُو َن نُشوزه ان فَعِظُوه ان واهجروه ان ِِف الْم ِ ب ِمبا َح ِف َ
ظات لِْلغَْي ِِ
اض ِربُ ُ
ضاج ِع َو ْ َ ُ َ ْ ُُ ُ ُ َُ اَّللُ َو ا
ظ ا حاف ٌ
7
اَّللَ كا َن َعلِيًّا َكبِرياً ( )34قوام :صيغة مبالغة من القيام على األمر مبعَن حفظه ورعايته ،فالرجل قوام على
َعلَْي ِه ان َسبِ ًيَل إِ ان ا
امرأته ،كما يقوم الوايل على رعيته َبألمر والنهي واحلفظ والصيانة.
والقنوت :دوام الطاعة.
وأصل النشز بسكون الشني وفتحها املكان املرتفع ،فالنشوز الرتفع احلسي ،مث توسع فيه ،فاستعمل ِف الرتفع مطلقا ،واملراد
َبلنشوز هنا العصيان والرتفع عن املطاوعة.
والعظة :النصيحة والزجر.
املضاجع :مواضع اَّلضطجاع.
وروى مقاتل أن سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته ،فلطمها ،فانطلق أبوها معها إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقال :أفرشته
كرْييت فلطمها! فقال النيب صلى هللا عليه وسلم :لتقتص من زوجها ،فانصرفت مع أبيها لتقتص منه ،فقال النيب صلى هللا
عليه وسلم :ارجعوا ،هذا جّبيل أاتين وأنزل هللا هذه اآلية ،وتَلها النيب صلى هللا عليه وسلم.
جعل هللا للرجال حق القيام على النساء َبلتأديب والتدبري واحلفظ والصيانة ،وعلل ذلك بسببني:
أوهلما :ما فضل هللا به الرجل على املرأة ِف العقل والرأي والعزم والقوة ،ولذلك خص الرجال َبلرسالة ،والنبوة ،واإلمامة
الكّبى والصغرى ،وإقامة الشعائر:
كاألذان ،واإلقامة ،واخلطبة ،واجلمعة ،واجلهاد ،وجعل هلم اَّلستبداد َبلفراق والرجعة وإليهم اَّلنتساب ،وأَبح هلم تعدد
األزواج ،وخصهم َبلشهادة ِف أمهات القضااي ،وزايدة النصيب ِف املرياث ،والتعصيب ،إىل غري ذلك.
واثنيهما :ما ألزمه هللا إايه من املهر والسكَن والنفقة.
وقد دلت اآلية على أمور:
-1تفضيل الرجل على املرأة ِف املنزلة والشرف.
-2أن للزوج أتديب زوجته ومنعها من اخلروج.
-3أن له حق احلجر على زوجته ِف ماهلا ،فَل تتصرف فيه إَّل إبذنه ،ألن هللا جعله قواما عليها بصيغة املبالغة ،والقوام
الناظر على الشيء ،احلافظ له ،واملالكية يقولون هبذا املبدأ على تفصيل فيه ،حمله كتب الفروع.
-4وجوب النفقة على الزوج لزوجته.
-5أن على الزوجة طاعة زوجها إَّل ِف معصية هللا،
وِف اخلّب« :لو أمرت أحدا أن يسجد ألحد ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها» «. »1
-6أن هلا حق املطالبة بفسخ النكاح عند إعسار الزوج َبلنفقة أو الكسوة ،ألنه
إذا خرج عن كونه قواما عليها ،فقد خرج عن الغرض املقصود َبلنكاح ،وهذا مذهب املالكية والشافعية.
أما احلنفية فيقولون :ليس هلا حق الفسخ لقوله تعاىلَ :وإِ ْن كا َن ذُو عُ ْسَرةٍ فَنَ ِظَرةٌ إِىل َمْي َسَرةٍ [البقرة. ]280 :
اَّللُ هذا شروع ِف تفصيل أحوال النساء ،وكيفية القيام عليهن ،حبسب ظ ا ب ِمبا َح ِف َ
ظات لِلْغَْي ِ ِ
تات حاف ٌات قانِ ٌ
فَال ا ِ
صاحل ُ
اختَلف أحواهلن ،وقد قسمهن هللا قسمني:
طائعات ،وانشزات.
8
فاملرأة القانتة اليت تطيع رهبا ،وتطيع زوجها ،وحتفظه ِف نفسها وعفتها ،وِف ماله وولده ِف حال غيبته -وهي ِف حضوره
أحفظ -مثل هذه يقال هلا امرأة صاحلة وكفى.
وأما املرأة الناشز فطريق القيام عليها َبلتأديب والتقومي هو ما قال هللا تعاىل:
ِ
الَلِِت َختافُو َن نُ ُش َوزُه ان فَعظُ ُ
وه ان إخل. َو ا
وظاهر قوله تعاىل :فَال ا ِ
ات قانِ ٌ
تات إخل أنه خّب ،وبعض العلماء يقول املراد به األمر َبلطاعة ،فاملعَن :لتطع املرأة زوجها، صاحل ُ
ولتحفظه ِف نفسها وِف ماله ،حىت تكون امرأة صاحلة للحياة الزوجية ،تستحق مجيع حقوق الزوجة الصاحلة.
اَّللُ فإن معناه ،أن عليهن أن يطعن أزواجهن ،وحيفظنهمِ ،ف مقابلة ما حفظه هللا هلن من ظ اويؤيد ذلك قوله تعاىلِ :مبا َح ِف َ
حقوق قبل األزواج من مهر ونفقة ومعاشرة َبملعروف ،فهو جار جمرى قوهلم :هذا بذاك ،أي هذا ِف مقابلة ذاك ،وعليه
تكون (ما) اسم موصول.
اَّللُ إن السبب ِف طاعتهن وحفظهن أزواجهن هو حفظ هللا هلن ،وعصمته إايهن ،ولوَّل أن هللا ظ ا وقيل :معَن ِمبا َح ِف َ
حفظهن وعصمهن ما حفظن أزواجهن ،وعليه تكون (ما) مصدرية.
وقد أخرج البيهقي وابن جرير وغريمها عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :خري النساء امرأة إذا نظرت
إليها سرتك ،وإذا أمرِتا أطاعتك ،وإذا غبت عنها حفظتك ِف مالك ونفسها ،مث قرأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم:
ظات لِلْغَْي ِِ ِ
ب .وِف «الصحيح» «»1 جال قَ او ُامو َن َعلَى النِساء إىل قوله تعاىل :حاف ٌ ِ
الر ُ
«نساء قريش خري نساء ركْب اإلبل ،أحناه على ولد ،وأرعاه على زوج ِف ذات يده» .
الَلِِت َختافُو َن نُشوزه ان فَعِظُوه ان واهجروه ان ِِف الْم ِ
وه ان .هذا هو القسم الثاين من قسمي النساء الَلِت جعلاض ِربُ ُ
ضاج ِع َو ْ َ ُ َ ْ ُُ ُ ُ َُ َو ا
هللا للرجال حق القيام عليهن ،كما سبق ،وهو خطاب لألزواج ،وإرشاد هلم إىل طريق القيام عليهن.
وأصل اخلوف فزع القلب عند الشعور حبدوث أمر مكروه ِف املستقبل ،وقد يتوسع فيه ،فيستعمل مبعَن العلم ،ألن خوف
الشيء إمنا يكون للعلم مبوقعه ،وقد علمت أن النشوز هو العصيان ،وظاهر اآلية ترتب العقوَبت املذكورة على خوف
النشوز ،وإن َل يقع النشوز َبلفعل ،وهو بعيد ،لذلك أول العلماء هذه اآلية عدة أتويَلت ،فمنهم من فسر اخلوف َبلعلم،
ومنهم من قدر مضافا :ختافون دوام نشوزهن ،أو أقصى مراتب نشوزهن.
ومنهم من قدر معطوفا حمذوفا :ختافون نشوزهن ونشزن.
ومنهم من أبقى اخلوف على أصله ،وجعل جزاءه الوعظ فقط ،ختافون نشوزهن بظهور أماراته ،كخشونة بعد لني ،وتعبيس
بعد طَلقة ،وإدَبر بعد إقبال ،ومىت ظهرت هذه األمارات كان للزوج أن يعظها فقط ،وخيوفها عقوبة الدنيا وعقوبة اآلخرة،
فإن َل متتثل كان ذلك نشوزا حمققا ،وله فيه الوعظ واهلجران والضرب.
واملراد َبلوعظ أن يقول هلا مثَل :اتقي هللا! فإن يل عليك حقا ،وارجعي عما أنت عليه ،واعلمي أن طاعيت فرض عليك
وِنو ذلك.
واختلفوا ِف معَن اهلجران ِف املضاجع ،فقيل :إنه كناية عن ترك مجاعهن ،وقيل :املراد تركهن منفردات ِف حجرهن وحمل
مبيتهن ،فيكون ِف ذلك ترك مجاعهن وترك مكاملتهن ،وَّل يزيد ِف هجر الكَلم عن ثَلثة أايم.
وفسر العلماء الضرب املباح أبنه الضرب غري املّبح،
9
أخرج اجلصاص « »1عن جابر بن عبد هللا عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه خطب بعرفات ِف بطن الوادي فقال« :اتقوا
هللا ِف النساء فإنكم أخذمتوهن أبمانة هللا ،واستحللتم فروجهن بكلمة هللا ،وأن لكم عليهن أَّل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه،
فإن فعلن فاضربوهن ضرَب غري مّبح ،وهلن عليكم رزقهن وكسوِتن َبملعروف» .
وأخرج ابن جرير «ِ » 2نوه ،وروى ابن جريج عن عطاء قال :الضرب غري املّبح َبلسواك وِنوه ،ومثله عن ابن عباس،
وقال سعيد عن قتادة :ضرَب غري شائن «. »3
وقال العلماء :ينبغي أَّل يوايل الضرب ِف حمل واحد ،وأن يتقي الوجه فإنه جممع احملاسن ،وَّل يضرهبا بسوط وَّل بعصا ،وأن
يراعي التخفيف ِف هذا التأديب على أبلغ الوجوه.
ومع أن الضرب مباح فقد اتفق العلماء على أن تركه أفضل.
أخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي هللا عنه قالت :كان الرجال َنوا عن ضرب النساء ،مث شكوهن
إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فخلى بينهم وبني ضرهبن ،مث قال« :ولن يضرب خياركم» «.»1
وروي ِنوه عن عمر بن اخلطاب عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وفيه« :وَّل جتدون أولئكم خياركم» «»2
ومعناه أن الذين يضربون أزواجهم ليسوا خريا ممن َل يضربوا ،فدل احلديث على أن األوىل ترك الضرب.
واختلف العلماء ِف هذه العقوَبت أهي مشروعة على الرتتيب أم َّل؟ ومنشأ اخلَلف اختَلفهم ِف فهم اآلية ،فمن رأى
وه ان َّل دَّللة هلا على أكثر من ترتيب اجملموع على النشوز ،فله ِ
عدم الرتتيب يقول :الواو َّل تقتضيه ،والفاء ِف قوله :فَعظُ ُ
أن يقتصر على إحدى العقوَبت أاي كانت ،وله أن جيمع من غري ترتيب بينها.
ومن ذهب إىل وجوب الرتتيب يرى أن ظاهر اللفظ وإن دل على مطلق اجلمع ،فإن فحوى اآلية تدل على الرتتيب ،إذ
الواو داخلة على جزاءات خمتلفة متفاوتة واردة على سبيل التدرج من الضعيف إىل القوي إىل األقوى ،فإنه تعاىل ابتدأ
َبلوعظ ،مث ترقى منه إىل اهلجران ِف املضاجع ،مث ترقى منه إىل الضرب ،وذلك جار جمرى التصريح أبنه مهما حصل الغرض
َبلطريق األخف وجب اَّلكتفاء به ،وَل جيز اإلقدام على الطريق األشد.
وروي عن علي رضي هللا عنه ما يؤيد ذلك فإنه قال :يعظها بلسانه ،فإن انتهت فَل سبيل له عليها ،فإن أبت هجر
مضجعها ،فإن أبت ضرهبا ،فإن َل تتعظ َبلضرب بعث احلكمني.
فَإِ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فََل تَ ْب غُوا َعلَْي ِه ان َسبِ ًيَل.
تبغوا :تطلبوا ،أي :فإن رجعن إىل طاعتكم بعد هذا التأديب فَل تطلبوا سبيَل وطريقا إىل التعدي عليهن .أو :فَل تظلموهن
بطريق من طرق التعذيب والتأديب.
اَّللَ كا َن َعلِيًّا َكبِرياً قيل :املقصود منه ِتديد األزواج على ظلم النساء ،واملعَن أنه تعاىل قاهر كبري قادر ينتصف هلن، إِ ان ا
ويستوِف حقهن ،فَل ينبغي أن تغرتوا بكونكم أعلى يدا منهن ،وأكّب درجة.
وقيل :املقصود منه حث األزواج ،وبعثهم على قبول توبة النساء ،واملعَن :أنه تعاىل مع علوه وكّبايئه َّل يؤاخذ العاصي إذا
اتب ،بل يغفر له ،فإذا اتبت املرأة عن نشوزها فأنتم أوىل أبن تقبلوا توبتها ،وترتكوا معاقبتها.
صَلحاً يُ َوفِ ِق ا
اَّللُ بَْي نَ ُهما إِ ان ِ ِ ِ ِِ قال هللا تعاىل :وإِ ْن ِخ ْفتُم ِش َ ِ
قاق بَْين ِهما فَابْ َعثُوا َح َكماً م ْن أ َْهله َو َح َكماً م ْن أ َْهلها إِ ْن يُِريدا إِ ْ ْ َ
اَّللَ كا َن َعلِيماً َخبِرياً ( )35املراد َبخلوف هنا :العلم.
ا
والشقاق :اخلَلف والعداوة ،وأصله من الشق ،وهو اجلانب ،ألن كَل من املتخالفني يكون ِف شق غري شق اآلخر.
10
و (بني) من الظروف املكانية غري املتصرفة ،وإضافة الشقاق إليها توسع ،واألصل شقاقا بينهما ،فللمَلبسة بني الظرف
قاق بَْينِ ِهما.
واملظروف نزل الظرف منزلة الفاعل أو املفعول ،وشبه أبحدمها مث عومل معاملته ِف اإلضافة إليه ،فقيل ِش َ
وقيل :اإلضافة مبعَن (ِف) والضمري ِف (بينهما) للزوجني لدَّللة النشوز -وهو عصيان املرأة زوجها -عليهما.
واخلطاب هنا للحكام ،فإنه تعاىل ملا ذكر نشوز املرأة ،وأن للزوج أن يعظها ،ويهجرها ِف املضجع ،ويضرهبا ،بني أنه َل يبق
بعد الضرب إَّل احملاكمة إىل من ينصف املظلوم من الظاَل منهما ،ويتوجه حكمه عليهما.
وظاهر األمر ِف قوله تعاىل :فَابْ َعثُوا أنه للوجوب ،وبه قال الشافعي ،ألنه من َبب رفع الظَلمات ،وهو من الفروض العامة
واملتأكدة على القاضي.
وظاهر وصف احلكمني أبن أحدمها يكون من أهله ،والثاين يكون من أهلها أن ذلك شرط على سبيل الوجوب ،لكن
العلماء محلوه على وجه اَّلستحباب ،وقالوا :إذا بعث القاضي حكمني من األجانب جاز ،وذلك ألن فائدة بعث احلكمني
استطَلع حقيقة احلال بني الزوجني ،وإجراء الصلح بينهما ،والشهادة على الظاَل منهما ،وهذا الغرض يؤديه األجنيب كما
يؤديه القريب ،إَّل أن األقارب أعرف حبال الزوجني من األجانب ،وأشد طلبا لإلصَلح ،وأبعد عن الظنة َبمليل إىل أحد
الزوجني ،وأقرب إىل أن تسكن إليهم النفس ،فيطلعوا على ما ِف ضمري كل من حب وبغض ،وإرادة صحبة أو فرقة ،لذلك
كان األوىل واألوفق أن يكون أحد احلكمني من أهل الزوج والثاين من أهل الزوجة.
واختلف العلماء فيما يليه احلكمان :أيليان اجلمع والتفريق دون إذن الزوجني ،أم ليس هلما تنفيذ أمر يلزم الزوجني دون إذن
منهما؟
فذهب علي وابن عباس والشعيب ومالك إىل أن هلما أن يلزما الزوجني دون إذَنما ما يراين فيه املصلحة ،مثل أن يطلق
الرجل ،أو تفتدي املرأة بشيء من ماهلا .فهما عندهم حاكمان موليان من قبل اإلمام.
وقال احلسن وأبو حنيفة وأصحابه :ليس للحكمني أن يفرقا إَّل برضا الزوجني ،فهما عندهم وكيَلن للزوجني.
وللشافعي ِف املسألة قوَّلن .وليس ِف اآلية ما يرجح أحد الرأيني على اآلخر ،بل فيها ما يشهد لكل من الرأيني:
فالشهادة للرأي األول أن هللا تعاىل مسى كَل منهما حكما ،واحلكم هو احلاكم ،وإذا جعلهما هللا حاكمني فقد مكنهما
من احلكم.
والشهادة للرأي الثاين أنه تعاىل َل يضف إليهما إَّل اإلصَلح ،وهذا يقتضي أن يكون ما وراء اإلصَلح غري مفوض إليهما،
وملا كانت اآلية حمتملة للرأيني ،وَل يصح ِف املسألة شيء عنه صلى هللا عليه وسلم كانت املسألة اجتهادية ،وكَلم أحد
اجملتهدين َّل يقوم حجة على اآلخر ،فالرتجيح للرأي والقياس ،والذي يظهر لنا أن القياس يقتضي ترجيح الرأي الثاين ،ألنه
َّل خَلف أن الزوج لو أقر قبل التحكيم َبإلساءة إليها َل جيّبها احلاكم على الطَلق ،وأن الزوجة لو أقرت كذلك قبل
التحكيم َبلنشوز َل جيّبها احلاكم على اَّلفتداء ،فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث احلكمني ،فكذلك يكون احلكم بعد
بعثهماَّ ،ل جيوز إيقاع الطَلق من غري رضا الزوج وتوكيله ،وَّل إخراج املال عن ملكها من غري رضاها.
صَلحاً جيوز أن يكون للحكمني ،وجيوز أن يكون للزوجني ،وكذلك الضمري ِف قوله والضمري ِف قوله تعاىل :إِ ْن يُِريدا إِ ْ
اَّللُ بَْي نَ ُهما واألوفق جعل الضمري األول للحكمني ،والثاين للزوجني ،أي إن يقصد احلكمان إصَلح ذات البني تعاىل يُ َوفِ ِق ا
بنية صحيحة ،مع إخَلص النصيحة لوجه هللا تعاىل ،إن يقصدا ذلك يوفق هللا بني الزوجني َبأللفة واحملبة ،ويلقي ِف
نفسيهما املوافقة وحسن العشرة.
11
اَّللَ كا َن َعلِيماً َخبِرياً املراد م نه الوعيد للزوجني وللحكمني ِف سلوك ما خيالف طريق احلق ،فإنه سبحانه عليم بظواهر
إِ ان ا
األمور وبواطنها ،فيعلم ما يريده كل واحد منهم ،وسيجازيهم على حسب ما علم.
ُويل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم فَإِ ْن تَن َاز ْعتُ ْم ِِف َش ْي ٍء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا
اَّللِ ول َوأ ِ
َطيعُوا الار ُس َ اَّلل وأ ِ ِ
آمنُوا أَطيعُوا اَ َ ين َ
اِ
قال هللا تعاىل :اي أَيُّ َها الذ َ
ِ ِ ِ
َح َس ُن َأتْ ِو ًيَل ( .)59من سورة النساء ك َخ ْريٌ َوأ ْ ول إِ ْن ُكْن تُ ْم تُ ْؤِمنُو َن َِب اَّلل َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذل َ
والارس ِ
َ ُ
13
ملا أمر هللا الوَّلة أبن يسريوا ِف حكمهم بني الناس على مقتضى العدل ،وكان العدل َّل يتحقق إَّل أن يلتزمه الناس،
ُويل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم إخل وقد اختلف املفسرون ِف املراد أبويل
ول َوأ ِ اَّلل وأ ِ
َطيعُوا الار ُس َ ِ اِ
آمنُوا أَطيعُوا اَ َ
ين َ
قال هللا تعاىل :اي أَيُّ َها الذ َ
األمر ،فذهب بعضهم إىل أَنم أمراء املسلمني ،فيدخل فيهم اخللفاء الراشدون ،وامللوك والسَلطني ،والقضاة وغريهم،
وذهب بعضهم :إىل أَنم أمراء السرااي ،وقال آخرون :إَنم العلماء الذين يفتون ِف األحكام الشرعية ،ويعلمون الناس
دينهم.
وذهب الروافض إىل أَنم األئمة املعصومون ،بل لقد غلت طائفة منهم وزعمت أن املراد من أويل األمر علي بن أيب
طالب وحده.
وِنن نرى أنه ليس ما ْينع أن يكون اجلميع مرادا عدا ما ذهب إليه اخلوارج ،فاخللفاء واجبو الطاعة ،وأمراء السرااي
واجبو الطاعة ،والعلماء واجبو الطاعة ،كل ذلك واجب ،ما َل يكن إملام مبعصية ،وإَّل فَل طاعة ملخلوق ِف معصية
اخلالق.
ويرى الفخر الرازي أن املراد من أويل األمر أهل احلل والعقد ،ويريد من ذلك أن يستدل َبآلية على حجية اإلمجاع،
وهو يدعم رأيه هذا أبن هللا ذكر ثَلثة ،واجبة طاعتهم :هللا ،ورسوله ،وأولو األمر ،وهللا ورسوله مقطوع بعصمتهم،
فوجب أن يكون أولوا األمر كذلك ،وَّل جند من أويل األمر على ما ذكره املفسرون من هو واجب العصمة إَّل أهل
احلل والعقد عند اجتماعهم على أمر من األمور« ،لن جتتمع أميت على ضَللة»
فينبغي أن يكون املراد من أويل األمر أهل احلل والعقد ،ويكون ذلك دليَل على حجية اإلمجاع.
وقد ذكر هللا األمر بطاعة هللا واألمر بطاعة الرسول وأويل األمر ،مث أمر برد ما يتنازع فيه إىل هللا والرسول ،جعل ذلك
حمققا لإلْيان َبهلل ورسوله واليوم اآلخر ،ووصفه أبنه خري وأحسن مآَّل ،وذلك يقتضي أن يكون الرد إىل هللا والرسول
غري طاعة هللا والرسول ،وإَّل كان ذلك تكرارا حمضا ،إذ يؤول الكَلم إىل أطيعوا هللا والرسول وأويل األمر ،فإن تنازعتم
ول َوأ ِ
ُويل اَّلل وأ ِ
َطيعُوا الار ُس َ ِ
ِف شيء فأطيعوا هللا والرسول وذلك لغو ينزه القرآن عن مثله إذ لو اقتصر على قوله :أَطيعُوا اَ َ
ْاأل َْم ِر ِمنْ ُك ْم لفهم األمر َبلطاعة ِف كل األحوال.
وأيضا فإنه كيف يتأتى النزاع ِف أمر علم حكم هللا ورسوله نصا فيه؟ إن ذلك يكون خروجا عما يقضي به األمر
َبلطاعة ،ومن أجل ذلك قيل :إنه جيب أن يكون األمر بطاعة هللا ورسوله فيما ثبت نصا عنهما أنه حكم هللا ِف كتابه
أو سنة رسوله ،فأما ما َل ينص فيهما على حكمه فهذا الذي يصح أن يتنازع الناس ِف حكمه ،ألَنم َّل جيدون نصا
يلزمهم طاعته ،ومبا أنه َّل ْيكن أن حيوي الكتاب وَّل أن حتوي السنة نصوص األحكام ِف أشخاص املسائل ،إذ
أشخاص املسائل َّل تتناهى .فجاز أن تكون حوادث َّل جند هلا حكما ِف كتاب وَّل سنة ،فهذه هي اليت قال هللا لنا
فيها:
اَّللِ والارس ِ ٍ
ول أي فارجعوا فيه إىل ما ِف الكتاب والسنة من أحكام -حيث يكون احلكم ناز ْعتُ ْم ِِف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا َ ُ
فَإِ ْن تَ َ
قد ورد من أجل حكمة انط الشارع هبا احلكم ،ورتبه عليها ،وحيث جتدون هذه احلكمة فيما جد لديكم من احلوادث-
تعلموا أن هذا احلكم الذي ِف الكتاب أو السنة مرتبا على هذه العلة هو حكم هللا ِف كتابه أو سنة رسوله فيما جد
من احلوادث.
14
وهذا هو القياس الذي فهمه معاذ رضي هللا عنه حني بعثه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل اليمن ،وأقره الرسول
عليه ،حيث روي أنه قال« :كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟» .قال« :أقضي بكتاب هللا» .
قال« :فإن َل يكن ِف كتاب هللا؟» .قال« :أقضي بسنة نيب هللا» .قال« :فإن َل يكن ِف كتاب هللا وسنة رسول
هللا؟» .قال« :أجتهد رأيي َّل آلو» .قال :فضرب على صدره وقال« :احلمد هلل الذي وفق رسول رسول هللا إىل ما
يرضي رسول هللا» «. »1
وإذا جرينا على ما رآه الفخر الرازي من تفسري أويل األمر :أبهل احلل والعقد تكون اآلية دالة على حجية الكتاب
والسنة واإلمجاع والقياس.
اَّللِ والارس ِ
ول ما يشعر بكون املتنازع فيه مما َّل نص فيه ،وإَّل كان واجب الطاعة ،غري حمل للنزاع وِف قوله :فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا َ ُ
كما قدمنا.
15