You are on page 1of 15

‫‪DIPETIK DARI KITAB TAFSIR AHKAM‬‬

‫‪MUHAMMAD ALI AL-SAYIS‬‬

‫تعدد الزوجات والصداق‬ ‫‪-1‬‬


‫ث ورَبع فَإِ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َدةً أ َْو‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اب لَ ُك ْم م َن الن َساء َمثْ ََن َوثََُل َ َ ُ َ َ‬ ‫َوإِ ْن خ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْقسطُوا ِِف الْيَتَ َامى فَانْك ُحوا َما طَ َ‬
‫ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمنْهُ نَ ْف ًسا فَ ُكلُوهُ َهنِيئًا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُدقَاِت ان ِْنلَةً فَإِ ْن ط ْ َ‬
‫ك أ َْد ََن أَاَّل تَعُولُوا (‪َ )3‬وآتُوا الن َساءَ َ‬
‫ت أَْْيَانُ ُك ْم ذَل َ‬
‫َما َملَ َك ْ‬
‫َم ِريئًا (‪ )4‬من سورة النساء‬

‫َبع فَإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تَ ْع ِدلُوا‬ ‫ِ‬


‫طاب لَ ُك ْم ِم َن النِساء َمثَْن َوثُ َ‬
‫َلث َوُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال هللا تعاىل‪َ :‬وإِ ْن خ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْقسطُوا ِِف الْيَتامى فَانْك ُحوا ما َ‬
‫ك أ َْدَن أَاَّل تَعُولُوا (‪ )3‬املراد من اخلوف العلم‪ ،‬عّب عنه بذلك إيذاان بكون املعلوم خموفا‬ ‫ِ‬ ‫فَو ِ‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم ذل َ‬ ‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬
‫حمذورا‪ ،‬واإلقساط‪ :‬اإلنصاف والعدل‪ ،‬أقسط أزال القسوط‪ :‬وهو الظلم واحليف‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫أقسط‪ :‬أي صار ذا قسط‪ ،‬والقسط العدل‪.‬‬

‫ني َِبلْ ِق ْس ِط [النساء‪ ]135 :‬ما طاب‪ :‬ما مالت إليه نفوسكم واستطابته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُكونُوا قَ اوام َ‬
‫وِف قوله تعاىل‪ :‬وإِ ْن ِخ ْفتم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ‬
‫ساء أتويَلت منها‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫والنسائي والبيهقي ِف «سننه» وغريهم عن عروة بن الزبري أنه سأل عائشة رضي هللا عنها‪ ،‬عن هذه اآلية فقالت‪ :‬اي ابن‬
‫أخيت هذه اليتيمة تكون ِف حجر وليها تشركه ِف ماله‪ ،‬ويعجبه ماهلا ومجاهلا‪ ،‬فرييد وليها أن يتزوجها بغري أن يقسط ِف‬
‫صداقها‪ ،‬فيعطيها مثل ما يعطيها غريه‪ ،‬فنهوا أن ينكحوهن إَّل أن يقسطوا هلن‪ ،‬ويبلغوا هبن أعلى سنتهن ِف الصداق‪،‬‬
‫وأمروا أن ينكحوا ما طاب هلم من النساء سواهن «‪. »1‬‬
‫وِف بعض الرواايت «‪ »2‬هذه الزايدة‪ :‬قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬مث إن الناس استفتوا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ِ ِ‬ ‫ساء قُ ِل ا ِ ِ‬ ‫بعد هذه اآلية فيهن فأنزل هللا تعاىل‪ :‬ويست ْفتونَك ِِف النِ ِ‬
‫اَّللُ يُ ْفتي ُك ْم في ِه ان َوما يُتْلى َعلَْي ُك ْم ِِف الْكتاب ِِف يَ َ‬
‫تامى‬ ‫ََ َْ ُ َ‬
‫وه ان [النساء‪ ]127 :‬قالت‪ :‬وقوله تعاىل‪َ :‬وما يُْتلى َعلَْي ُك ْم ِِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَلِِت َّل تُ ْؤتُ َ‬
‫ساء ا‬‫النِ ِ‬
‫ب َهلُ ان َوتَ ْر َغبُو َن أَ ْن تَ ْنك ُح ُ‬
‫وَنُ ان ما ُكت َ‬
‫ساء املراد منه هذه اآلية‪ :‬وإِ ْن ِخ ْفتم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ‬
‫ساء‪.‬‬ ‫تاب ِِف يتامى النِ ِ‬ ‫الْكِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫واملعَن على هذه الرواية‪ :‬وإن علمتم أَّل تعدلوا ِف نكاح اليتامى الَلِت تلوَنن‪ ،‬فانكحوا ما مالت إليه نفوسكم من النساء‬
‫غريهن‪.‬‬
‫واملقصود ِف احلقيقة النهي عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل‪ ،‬إَّل أنه أوثر التعبري عنه َبألمر بنكاح األجنبيات‬
‫كراهة النهي الصريح عن نكاح اليتيمات‪ ،‬وملا فيه من مزيد اللطف ِف صرف املخاطبني عن نكاح اليتامى حال العلم بعدم‬
‫العدل‪ ،‬فكأنه قيل‪ :‬وإن خفتم أَّل تقسطوا ِف نكاح اليتامى فَل تنكحوهن‪ ،‬ولكم ِف غريهن من النساء متسع‪ ،‬فانكحوا ما‬
‫طاب لكم‪.‬‬
‫ومنها أنه ملا نزلت آية َوآتُوا الْيَتامى أ َْموا َهلُْم حترج األولياء من وَّليتهم‪ ،‬مع أَنم كانوا َّل يتحرجون من ترك العدل ِف حقوق‬
‫النساء‪ ،‬حيث إن حتت الرجل عشر منهن َّل يعدل بينهن فقيل هلم‪ :‬إن خفتم ترك العدل ِف حقوق اليتامى فتحرجتم‪،‬‬
‫فخافوا أيضا ترك العدل بني النساء‪ ،‬وقللوا عدد املنكوحات منهن‪ ،‬ألن من حترج من ذنب وهو مرتكب مثله فهو غري‬
‫متحرج‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وقيل‪ :‬كانوا َّل يتحرجون من الزَن‪ ،‬وهم يتحرجون من وَّلية اليتامى‪ ،‬فقيل‪ :‬إن خفتم احلوب ِف حق اليتامى فخافوا الزَن‬
‫فانكحوا ما طاب إخل‪.‬‬
‫واآلية على أتويل عائشة تشهد ملن قال‪ :‬إن لغري األب واجلد أن يزوج الصغرية أو يتزوجها‪ ،‬ألَنا‪ -‬على هذا التأويل‪ -‬نزلت‬
‫ِف اليتيمة تكون ِف حجر وليها‪ ،‬فريغب ِف ماهلا ومجاهلا‪ ،‬وَّل يقسط هلا ِف الصداق‪.‬‬
‫وأقرب ويل تكون اليتيمة ِف حجره وجيوز له تزوجها هو ابن العم‪ ،‬فقد تضمنت اآلية جواز أن يتزوج ابن العم اليتيمة اليت‬
‫ِف حجره‪ ،‬وإذا جاز له أن يتزوجها‪ ،‬فإما أن يلي هو النكاح بنفسه‪ ،‬وإما أن يزوجه إايها أخوها مثَل‪ ،‬وأاي ما كان األمر‬
‫فلغري األب واجلد أن يزوج الصغرية‪.‬‬
‫ومن قال من األئمة‪َّ :‬ل يزوج الصغرية إَّل األب أو اجلد‪ ،‬حيمل اآلية على أحد التأويلني اآلخرين‪ ،‬أو حيمل اليتامى على‬
‫الكبار منهن‪ ،‬ويكون التعبري عنهن َبليتامى َبعتبار ما كان‪ ،‬لقرب عهدهن َبليتم‪.‬‬
‫واألمر ِف قوله تعاىل‪ :‬فَانْكِ ُحوا لإلَبحة‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪ُ :‬كلُوا َوا ْشَربُوا [البقرة‪ ]60 :‬وقيل‪ :‬للوجوب‪ ،‬أي وجوب اَّلقتصار‬
‫َبع َّل وجوب أصل النكاح‪ ،‬ومتسك الظاهرية هبذه اآلية ِف وجوب أصل‬ ‫َلث َوُر َ‬‫على العدد املأخوذ من قوله تعاىل‪َ :‬مثَْن َوثُ َ‬
‫صِّبُوا َخ ْريٌ لَ ُك ْم [النساء‪ ]25 :‬فحكم‬ ‫ِ ِ‬
‫النكاح‪ ،‬وهم حمجوجون بقوله تعاىل‪َ :‬وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم طَْوًَّل إىل قوله تعاىل‪َ :‬وأَ ْن تَ ْ‬
‫تعاىل أبن ترك النكاح ِف هذه الصورة خري من فعله‪ ،‬فدل ذلك على أنه ليس مبندوب فضَل عن أنه واجب‪.‬‬
‫طاب أو من مرجعه‪ ،‬أو بدل منه‪ ،‬والكلمات الثَلث من ألفاظ العدد‪،‬‬ ‫َبع حال من فاعل َ‬ ‫َلث َوُر َ‬
‫وقوله تعاىل‪َ :‬مثَْن َوثُ َ‬
‫َبع تدل على‬‫ور َ‬
‫َلث تدل على ثَلثة ثَلثة‪ُ ،‬‬ ‫وتدل واحدة منها على املكرر من نوعها‪ ،‬ف َمثَْن تدل على اثنني اثنني‪ ،‬وثُ َ‬
‫أربعة أربعة‪ .‬واملراد منها هنا اإلذن لكل من يريد اجلمع أن ينكح ما شاء من العدد املذكور متفقني فيه وخمتلفني‪.‬‬
‫ولو أفردت كان املعَن جتويز اجلمع بني هذه األعداد دون التوزيع‪ ،‬ولو ذكرت (أبو) لذهب جتويز اَّلختَلف ِف العدد‪ ،‬وِف‬
‫هذه اآلية دَّللة على جواز تعدد الزوجات إىل أربع‪ ،‬وعلى أنه َّل جيوز التزوج أبكثر من أربعة جمتمعات‪ ،‬ألن هذا العدد قد‬
‫ذكر ِف مقام التوسعة على املخاطبني كما علمت‪ ،‬فلو كان وراء هذا العدد مباح َّل قتضى املقام ذكره‪.‬‬
‫وقد أمجع فقهاء األمصار على أنه َّل جيوز الزايدة على األربع‪ ،‬وَّل يقدح ِف هذا اإلمجاع ما ذهب إليه بعض املبتدعة من‬
‫جواز التزوج أبي عدد‪ ،‬فإن اإلمجاع قد وقع‪ ،‬وانقضى عصر اجملمعني قبل ظهور هؤَّلء الشذاذ املخالفني‪.‬‬
‫ومتسك اإلمام مالك بظاهر هذه اآلية ِف مشروعية نكاح األربع لألحرار والعبيد‪ ،‬فالعبيد داخلون ِف اخلطاب بقوله تعاىل‪:‬‬
‫طاب لَ ُك ْم إخل‪ .‬فيجوز هلم أن ينكحوا أربعا كاألحرار‪ ،‬وَّل يتوقف نكاحهم على اإلذن‪ ،‬ألَنم ْيلكون الطَلق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فَانْك ُحوا ما َ‬
‫فيملكون النكاح‪.‬‬
‫وذهب احلنفية والشافعية إىل أن العبد َّل جيمع من النساء فوق اثنتني‪ ،‬ملا روى الليث عن احلكم قال‪ :‬أمجع أصحاب رسول‬
‫طاب‬ ‫ِ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم على أن العبد َّل جيمع من النساء فوق اثنتني‪ ،‬قالوا‪ :‬واخلطاب ِف قوله تعاىل‪ :‬فَانْك ُحوا ما َ‬
‫لَ ُكم ِمن النِ ِ‬
‫ساء َّل يتناول العبيد‪ ،‬ألنه إمنا يتناول إنساان مىت طابت له امرأة قدر على نكاحها‪ ،‬والعبد ليس كذلك‪ ،‬ألنه َّل‬ ‫ْ َ‬
‫جيوز نكاحه إَّل إبذن موَّله‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪« :‬أْيا عبد تزوج بغري إذن موَّله فهو عاهر» «‪ ، »1‬وألن ِف تنفيذ‬
‫نكاحه تعييبا له‪ ،‬فَل ْيلكه دون إذن املوىل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم َّل ْيكن أن يدخل فيه العبيد‪ ،‬لعدم امللك‪،‬‬ ‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫وأيضا قوله تعاىل بعد‪ :‬فَِإ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فحيث َل يدخلوا ِف هذا اخلطاب َل يدخلوا ِف اخلطاب األول‪ ،‬ألن هذه اخلطاَبت وردت متتالية على نسق واحد‪ ،‬فبعيد‬
‫أن يدخل ِف اخلطاب السابق ما َّل يدخل ِف الَلحق‪.‬‬
‫ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمْنهُ نَ ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َم ِريئاً [النساء‪ ]4 :‬والعبد َّل أيكل‬ ‫ِ‬
‫وكذلك َّل ْيكن دخوهلم ِف قوله تعاىل‪ :‬فَإِ ْن ط ْ َ‬
‫ما طابت عنه نفس امرأته من املهر‪ ،‬بل يكون لسيده فيكون اآلكل السيد َّل العبد‪.‬‬
‫ك أ َْدَن أَاَّل تَعُولُوا املراد َبلعدل هنا العدل بني الزوجات املتعددات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فَإِ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم ذل َ‬ ‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صتُ ْم [النساء‪ ]129 :‬كأن هللا تعاىل ملا وسع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني النساء َولَْو َحَر ْ‬ ‫كما صرح بذلك ِف قوله تعاىل‪َ :‬ولَ ْن تَ ْستَطيعُوا أَ ْن تَ ْعدلُوا بَْ َ‬
‫ِ‬
‫َبع أنبأهم أنه قد يلزم من اَّلتساع خوف امليل‪ ،‬فالواجب‬ ‫َلث َوُر َ‬ ‫طاب لَ ُك ْم ِم َن النِساء َمثَْن َوثُ َ‬ ‫ِ‬
‫عليهم بقوله‪ :‬فَانْك ُحوا ما َ‬
‫حينئذ أن حيرتزوا َبلتقليل‪ ،‬فيقتصروا على الواحدة‪ ،‬واملعَن‪ :‬فإن خفتم أَّل تعدلوا بني النساء املتعددات ِف عصمتكم‪ ،‬كما‬
‫خفتموه ِف حق اليتامى‪ ،‬فاختاروا أو فالزموا واحدة‪ ،‬أو أي عدد شئتم من السراري من غري حصر‪ ،‬لقلة تبعتهن‪ ،‬وخفة‬
‫مؤونتهن‪ ،‬وعدم وجوب القسم فيهن‪.‬‬
‫وعلى هذا التأويل‪ :‬يكون املراد من اختيار اإلماء اختيارهن بطريق التسري‪َّ ،‬ل بطريق النكاح‪ ،‬ويشهد له أن الظاهر احتاد‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم وعليه يكون الذي خري بني احلرة‬ ‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫املخاطبني ِف املعطوف واملعطوف عليه ِف قوله تعاىل‪ :‬فَو ِ‬
‫الواحدة والعدد من اإلماء هو مالك اإلماء َّل غري‪ ،‬ولو كان التخيري واقعا بني أن يتزوج حرة واحدة‪ ،‬أو يتزوج من شاء من‬
‫اإلماء الَلِت ْيلكهن َّلقتضى ذلك ورود النكاح على ملك اليمني‪.‬‬
‫وقد قالوا‪َّ :‬ل جيوز أن يتزوج املوىل أمته‪ ،‬وَّل املوَّلة عبدها‪ ،‬ألن للزوجية لوازم تناِف لوازم ملك اليمني‪ ،‬أَّل ترى أن من لوازم‬
‫الزوجية حق اإلخدام على الزوج لزوجته‪ ،‬ومن لوازم امللك حق اَّلستخدام عليها لسيدها وملن شاء‪ ،‬ومعلوم أن اإلخدام‬
‫واَّلستخدام َّل جيتمعان‪ -‬وأنه مىت تنافت اللوازم تنافت امللزومات‪ ،‬فَل جيتمع ملك اليمني والزوجية‪ ،‬واآلية هنا جارية ِف‬
‫اخلطاب على خَلف ما جرت عليه اآلية اآلتية‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪ :‬ومن ََل يستَ ِطع ِمْن ُكم طَوًَّل أَ ْن ي ْنكِح الْمحص ِ‬
‫نات‬ ‫َ َ ُْ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ْ ْ ْ ْ‬
‫ِ‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم [النساء‪ ]25 :‬فإن املأمورين َبلنكاح هنا غري املخاطبني مبلك اليمني‪ .‬وذلك ظاهر‬ ‫الْ ُم ْؤِمنات فَ ِم ْن ما َملَ َك ْ‬
‫وه ان إبِِ ْذ ِن أ َْهلِ ِه ان [النساء‪ ]25 :‬وسيأِت عما قريب إيضاح ذلك إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بشهادة قوله‪َ :‬وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم وقوله بعد‪ :‬فَانْك ُح ُ‬
‫شاء هللا‪.‬‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم على جواز التزوج‬ ‫وقد حاول اجلصاص «‪ »1‬اَّلستدَّلل بقوله تعاىل‪ :‬فَإِ ْن ِخ ْفتُم أَاَّل تَع ِدلُوا فَو ِ‬
‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َبألمة مع وجود الطول إىل احلرة‪ ،‬وسلك َبآلية طريقا َل يرتضه مجهور املفسرين‪.‬‬
‫ساء ِف قوله تعاىل‪َ :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم أَاَّل تُ ْق ِسطُوا ِِف‬ ‫وذلك أنه يرى أن قوله تعاىل‪ :‬أَو ما ملَ َكت أَْْيانُ ُكم معطوف على كلمة النِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ساء وبذلك يكون التخيري واقعا بني أربع حرائر وأربع إماء‪ :‬بعقد النكاح‪ ،‬فيوجب‬ ‫الْيتامى فَانْكِحوا ما طاب لَ ُكم ِمن النِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذلك ختيريه بني تزوج احلرة واألمة‪ ،‬وهذا بعيد كل البعد كما ترى‪.‬‬
‫ت أَْْيانُ ُك ْم قال‪ :‬ملا أضاف ملك‬ ‫ويرى أيضا عدم احتاد املخاطبني ِف قوله تعاىل‪ :‬فَانْكِحوا وقوله تعاىل‪ :‬فَو ِ‬
‫اح َدةً أ َْو ما َملَ َك ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليمني إىل اجلماعة كان املراد نكاح ملك ْيني الغري‪ ،‬كقوله تعاىل‪َ :‬وَم ْن ََلْ يَ ْستَط ْع مْن ُك ْم طَْوًَّل إخل‪ ،‬وقد علمت ما فيه آنفا‪.‬‬
‫ك أ َْدَن أَاَّل تَعُولُوا اإلشارة إىل اختيار الواحدة والتسري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذل َ‬

‫‪3‬‬
‫أ َْدَن معناه أقرب‪ .‬والعول ِف األصل امليل احملسوس‪ ،‬يقال‪ :‬عال امليزان عوَّل إذا مال‪ ،‬مث نقل إىل امليل املعنوي‪ ،‬وهو اجلور‪،‬‬
‫يقال عال احلاكم إذا جار‪ ،‬واملراد هنا امليل احملظور املقابل للعدل‪ ،‬املعَن أن ما ذكر من اختيار الواحدة‬
‫والتسري أقرب َبلنسبة إىل ما عدامها من أَّل ْييلوا ميَل حمظورا‪ ،‬فإن من اختار واحدة فقد انتفى عنه امليل واجلور رأسا‪،‬‬
‫ومن تسرى فقد انتفى عنه خطر اجلور وامليل‪ ،‬أما من اختار عددا من احلرائر فامليل احملظور متوقع منه َّل حمالة‪.‬‬
‫وقد حكي عن اإلمام الشافعي رضي هللا عنه أنه فسر أَاَّل تَعُولُوا أبَّل تكثر عيالكم‪ ،‬وخطأه ِف ذلك اجلصاص تبعا للمّبد‬
‫«‪ ، »1‬وزعما أنه َّل يقال‪ :‬عال مبعَن كثرت عياله‪ ،‬وإمنا يقال‪ :‬أعال يعيل‪ ،‬ولكن صاحب «الكشاف» «‪ ، »2‬قال‪ :‬نقل‬
‫الكسائي عن فصحاء العرب‪ :‬عال يعول إذا كثرت عياله‪ ،‬وممن نقله األصمعي «‪ »3‬واألزهري «‪ ، »4‬وهذا التفسري نقله‬
‫ابن أيب حامت عن زيد بن أسلم‪ ،‬وهو من جلة التابعني‪ ،‬وقراءة طاووس أَّل تعيلوا مؤيدة له‪ ،‬فَل وجه لتشنيع من شنع على‬
‫اإلمام جاهَل َبللغات واآلاثر اه ‪.‬‬
‫ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمنْهُ نَ ْفساً فَ ُكلُوهُ َهنِيئاً َم ِريئاً (‪ )4‬املراد َبإليتاء‪ :‬ما يعم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُدقاِت ان ِْنلَةً فَإِ ْن ط ْ َ‬
‫قال هللا تعاىل‪َ :‬وآتُوا النساءَ َ‬
‫املناولة واَّللتزام‪.‬‬
‫و (الصدقات) ‪ :‬مجع صدقة بفتح الصاد وضم الدال‪ ،‬وهي كالصداق مبعَن املهر‪.‬‬
‫والنحلة‪ :‬العطية من غري عوض‪ ،‬ومن ذلك النحلة مبعَن الداينة‪ ،‬ألَنا عطية من هللا تعاىل‪ ،‬وكذلك النحل ملا يعطي من‬
‫العسل‪ ،‬والناحل املهزول‪ ،‬كأنه أعطى حلمه حاَّل بعد حال بَل عوض‪ ،‬واملنحول من الشعر املنسوب لغري قائله‪ ،‬ومن فسر‬
‫اَّللِ‬
‫يضةً ِم َن ا‬
‫النحلة هنا َبلفريضة نظر إىل أن هذه العطية مفروضة من هللا حمتومة‪ ،‬كما قال تعاىل بعد آايت املواريث فَ ِر َ‬
‫[النساء‪. ]11 :‬‬
‫ص ُدقاِتِِ ان لألزواج‪ ،‬وكان الرجل يتزوج بَل مهر‪ ،‬يقول‪ :‬أرثك‬ ‫ِ‬
‫ذهب ابن عباس إىل أن اخلطاب ِف قوله تعاىل‪َ :‬وآتُوا النساءَ َ‬
‫وترثينين‪ ،‬فتقول‪ :‬نعم‪ ،‬فأمروا أن يسرعوا إىل إيتاء املهور‪ ،‬وقيل‪ :‬اخلطاب لألولياء‪ :‬أخرج ابن محيد وابن أيب حامت عن أيب‬
‫صاحل قال‪ :‬كان الرجل إذا زوج أْيا‪ ،‬أخذ صداقها دوَنا‪ ،‬فنهاهم هللا عن ذلك ونزلت‪َ :‬وآتُوا النِساءَ اآلية «‪»5‬‬

‫ْب لَ ُك ْم َع ْن َش ْي ٍء ِمْنهُ نَ ْفساً عائد على الصدقات‪ ،‬وذكر إلجرائه جمرى اإلشارة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والضمري اجملرور مبن ِف قوله تعاىل‪ :‬فَإِ ْن ط ْ َ‬
‫وكثريا ما يشار َبملفرد إىل املتعدد‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬طْب لكم عن شيء من ذلك املذكور‪ ،‬وهو الصدقات‪ ،‬كما قال رؤبة‪:‬‬
‫فيها خطوط من سواد وبلق ‪ ...‬كأنّه يف اجللد توليع البهق‬
‫أراد‪ :‬كأن ذلك‪ ،‬وليس املراد من قوله تعاىل‪ :‬فَ ُكلُوهُ خصوص األكل‪ ،‬إمنا املراد حل التصرف فيه‪ ،‬وخص األكل َبلذكر‪،‬‬
‫ألنه معظم وجوه التصرفات املالية‪ ،‬وتقدم نظريه ِف قوله تعاىل‪َ :‬وَّل َأتْ ُكلُوا أ َْموا َهلُْم إِىل أ َْموالِ ُك ْم [النساء‪ ]2 :‬واهلينء واملريء‬
‫صفتان من هنؤ الطعام يهنؤ هناءة‪ ،‬فهو هينء‪ ،‬ومرؤ ْيرؤ مراء‪ ،‬فهو مريء‪.‬‬
‫قيل‪ :‬معنامها واحد‪ ،‬وهو خفة الطعام على املعدة‪ ،‬واِنداره عنها بَل ضرر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬اهلينء الذي يلذه اآلكل‪ ،‬واملريء ما حتمد عاقبته‪ ،‬وقيل‪ :‬ما ينساغ ِف جمراه‪ ،‬وهو املريء كأمري‪ ،‬وهو رأس املعدة‬
‫الَلصق َبحللقوم‪ ،‬مسي بذلك ملرور الطعام فيه أي انسياغه‪.‬‬
‫دلت هذه اآلية على أمور منها‪ ،‬أن الفروج َّل تستباح إَّل بصداق ملزم‪ ،‬سواء مسي ذلك ِف العقد أو َل يسم‪.‬‬
‫وأن الصداق ليس ِف مقابلة اَّلنتفاع َبلبضع‪ ،‬ألن هللا تعاىل جعل منافع النكاح‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫من قضاء الشهوة‪ ،‬والتوالد‪ ،‬مشرتكة بني الزوجني‪ ،‬مث أمر الزوج أبن يؤِت الزوجة املهر‪ ،‬فكان ذلك عطية من هللا ابتداء‪.‬‬
‫وأنه جيوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها‪ ،‬أو جزءا منه‪ ،‬سواء أكان مقبوضا معينا‪ ،‬أم كان ِف الذمة‪ ،‬فشمل ذلك اهلبة‬
‫ِ‬
‫ْب وَل يقل‪:‬‬ ‫واإلبراء‪ ،‬وأنه ينبغي لألزواج اَّلحتياط فيما أعطت نساؤهم‪ ،‬حيث بين الشرط على طيب النفس‪ ،‬فقال‪ :‬فَإِ ْن ط ْ َ‬
‫فإن وهْب إعَلما أبن املراعى ِف ذلك هو جتافيها عن املعطى طيبة به نفسها‪ ،‬من غري أن يكون السبب فيه شراسة خلق‬
‫الزوج‪ ،‬أو سوء معاشرته‪.‬‬
‫وأنه حيل للزوج أخذ ما وهب زوجته َبلشرط السابق من غري أن يكون عليه تبعة ِف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ص ُدقاِتِِ ان ِ ِْنلَةً على إجياب املهر كامَل للمخلو هبا خلوة صحيحة‪ ،‬ولو طلقت‬ ‫ِ‬
‫واحتج اجلصاص بقوله تعاىل‪َ :‬وآتُوا النساءَ َ‬
‫وه ان ِم ْن‬
‫قبل املساس‪ ،‬وأنت تعلم أن هذه اآلية عامة ِف كل النساء بسواء املخلو هبا وغريها‪ ،‬إَّل أن قوله تعاىل‪َ :‬وإِ ْن طَلا ْقتُ ُم ُ‬
‫ضتُم َهل ان فَ ِر َ ِ‬
‫ضتُ ْم [البقرة‪ ]237 :‬يدل على أنه َّل جيب للمخلو هبا إَّل نصف‬ ‫ف ما فَ َر ْ‬
‫ص ُ‬‫يضةً فَن ْ‬ ‫قَ ْب ِل أَ ْن متََ ُّس ُ‬
‫وه ان َوقَ ْد فََر ْ ْ ُ‬
‫املهر‪ ،‬وهذه اآلية خاصة‪ ،‬وَّل شك أن اخلاص مقدم على العام‪ ،‬فاخللوة الصحيحة َّل تقرر املهر كله‪.‬‬

‫‪ -2‬املقدمة ىف املرياث‬
‫صيب ِمماا تَرَك الْوالِ َد ِان و ْاألَقْ ربو َن ِمماا قَ ال ِمْنه أَو َكثُر نَ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وضا (‪)7‬‬ ‫صيبًا َم ْف ُر ً‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫يب مماا تَ َرَك الْ َوال َدان َو ْاألَقْ َربُو َن َوللن َساء نَ ٌ َ َ‬ ‫ل ِلر َجال نَ ٌ‬
‫وه ْم ِمْنهُ َوقُولُوا َهلُْم قَ ْوًَّل َم ْع ُروفًا (‪ -)8‬من النساء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني فَ ْارُزقُ ُ‬ ‫َوإِ َذا َح َ‬
‫ضَر الْق ْس َمةَ أُولُو الْ ُق ْرََب َوالْيَتَ َامى َوالْ َم َساك ُ‬
‫دان و ْاألَقْ ربو َن ِمماا قَ ال ِمْنه أَو َكثُر نَ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫صيباً‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫يب مماا تَ َرَك الْوال َ َُ‬ ‫يب مماا تَ َرَك الْوالدان َو ْاألَقْ َربُو َن َوللنساء نَ ٌ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬ل ِلرجال نَ ٌ‬
‫َم ْف ُروضاً (‪ . )7‬من سورة النساء‬
‫هذا شروع ِف بيان أحكام املواريث بعد بيان األحكام املتعلقة أبموال اليتامى اليت آلت إليهم َبملرياث‪.‬‬
‫كان من عادِتم ِف اجلاهلية أَّل يورثوا النساء وَّل الصغار‪ ،‬يقولون‪ :‬إمنا يرث من حيارب وحيمي احلوزة وجيوز الغنيمة‪ .‬وللرد‬
‫عليهم نزلت هذه اآلية‪ ،‬قال ابن جبري وغريه «‪. »1‬‬
‫وروي أن أوس بن اثبت مات‪ ،‬وخلف بنتني وابنا صغريا وزوجة‪ ،‬فجاء ابنا عمه‪ ،‬فزواي مرياثه عن أوَّلده وزوجه‪ ،‬على سنتهم‬
‫ِف اجلاهلية‪ ،‬فقالت امرأته هلما‪:‬‬
‫تزوجا البنتني‪ ،‬وكانت هبما دمامة‪ ،‬فأبيا‪ ،‬فأتت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فشكت إليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ِ ِ ِ‬
‫يب اآلية‪ ،‬فأرسل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل ابين العم أن َّل‬‫ارجعي حىت أنظر ما حيدث هللا‪ ،‬فنزلت‪ :‬ل ِلرجال نَص ٌ‬
‫اَّلل ِِف أَو ِ‬
‫َّلد ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫يفرقا من مال أوس شيئا‪ ،‬فإنه قد أنزل علي فيه شيء‪ ،‬أخّبت أن للذكر واألنثى نصيبا‪ ،‬مث نزل‪ :‬يُوصي ُك ُم اُ ْ‬
‫[النساء‪ ]11 :‬إىل قوله‪:‬‬
‫يم [النساء‪ ]12 :‬فدعا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم َبملرياث‪ ،‬فأعطى املرأة الثمن‪ ،‬وقسم ما بقي بني‬ ‫اَّلل علِ ِ‬
‫يم َحل ٌ‬
‫َو اُ َ ٌ‬
‫األوَّلد‪ ،‬للذكر مثل حظ األنثيني‪ ،‬وَل يعط ابين العم شيئا «‪. »2‬‬
‫وِف بعض طرقه أن امليت خلف زوجه وبنتني وابين عم‪ ،‬فأعطى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الزوجة الثمن‪ ،‬والبنتني‬
‫الثلثني‪ ،‬وابين العم الباقي‪.‬‬
‫وللعلماء ِف تفسري هذه اآلية أقوال‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫فمن الناس من أبقاها على ظاهرها‪ ،‬فجعل املراد من الرجال الذكور البالغني‪ ،‬ومن الوالدين األب واألم بَل واسطة‪ ،‬ومن‬
‫النساء اإلانث البالغات‪ .‬يكون املعَن حينئذ‪:‬‬
‫للذكور البالغني نصيب مما ترك آَبؤهم وأمهاِتم وأقارهبم‪ ،‬كإخوِتم وأخواِتم‪ ،‬وأعمامهم وعماِتم‪ ،‬ولإلانث البالغات كذلك‬
‫نصيب مما ترك آَبؤهن إخل‪.‬‬
‫ويكون هللا تعاىل قد بني ِف هذه اآلية أن اإلرث غري خمتص َبلرجال كما هو عادِتم ِف اجلاهلية‪ ،‬بل هو أمر مشرتك بني‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وَّل مانع من اَّلقتصار ِف اآلية على هذا القدر جراي على سنة هللا ِف التشريع اإلسَلمي من التدرج ِف‬
‫األحكام‪ ،‬إذ كان من عادة القوم توريث الكبار من الرجال دون الصغار والنساء كما علمت‪ ،‬فأراد هللا سبحانه أن ينقلهم‬
‫عن تلك العادة قليَل على التدريج‪ ،‬ألن اَّلنتقال من العادة شاق ثقيل على الطبع‪ ،‬فإذا كان دفعة عظم وقعه‪ ،‬وصعب‬
‫على النفوس تلقيه َبلقبول‪ ،‬وإذا كان على التدريج سهل أمره‪ ،‬وخف على النفوس تعاطيه‪ ،‬فلهذا املعَن ذكر هللا تعاىل هذا‬
‫اجململ أوَّل مث أردفه َبلتفصيل‪.‬‬
‫وِف اختيار هذا األسلوب التفصيلي‪ -‬مع أنه كان يكفي أن يقال‪ :‬للرجال والنساء نصيب إخل‪ -‬اعتناء بشأن النساء‪،‬‬
‫وإيذان أبصالتهن ِف استحقاق اإلرث‪ ،‬ومبالغة ِف إبطال حكم اجلاهلية‪ ،‬إبلغاء ما كانوا يعتّبونه من األوصاف اخلاصة‬
‫َبلرجال سببا مضموما إىل القرابة ِف استحقاق املرياث‪ ،‬فاهلل قد أهدر وصف الرجولة ِف مرياث اإلنسان من والديه وأقاربه‪،‬‬
‫وجعل سبب هذا التوارث القرابة فحسب‪ ،‬والرجال والنساء سواء ِف ذلك‪ ،‬فكما يكون للرجال نصيب مما ترك الوالدان‬
‫واألقربون‪ ،‬يكون للنساء نصيب مما ترك الوالدان واألقربون‪.‬‬
‫ومن العلماء من عمم ِف الرجال والنساء‪ ،‬فجعل املراد من الرجال الذكور مطلقا‪ ،‬سواء أكانوا كبارا أم صغارا‪ ،‬واملراد من‬
‫النساء اإلانث كذلك‪ ،‬ويكون املراد التسوية بني الذكور واإلانث ِف أن لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان واألقربون‪ ،‬ومنهم‬
‫من محل الرجال على الصغار من الذكور‪ ،‬ومحل النساء على الصغار من اإلانث كذلك‪ ،‬وعلل هذا اَّلقتصار أبن فيه اعتناء‬
‫بشأن اليتامى‪ ،‬وردا صرحيا على طريقة اجلاهلية ِف التوريث‪.‬‬
‫وعلى كل حال فظاهر اآلية يشهد للحنفية القائلني بتوريث ذوي األرحام‪ ،‬ألن العمات واخلاَّلت وأوَّلد البنات من األقربني‪،‬‬
‫فوجب دخوهلم حتت قوله سبحانه‪:‬‬
‫صيب ِمماا تَرَك الْوالِ ِ‬
‫دان َو ْاألَقْ َربُو َن إخل فثبت كوَنم مستحقني ألصل النصيب هبذه اآلية‪ ،‬وأما املقدار فمستفاد من‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫للرجال نَ ٌ َ‬
‫دَّلئل أخر كما هو احلال ِف غريهم‪.‬‬
‫وحاول اإلمام الرازي «‪ »1‬الرد على احلنفية‪ ،‬فادعى أن املراد من األقربني الوالدان واألوَّلد‪ ،‬وحينئذ َّل يدخل فيهم ذوو‬
‫األرحام‪ ،‬وعليه يكون عطف األقربني على الوالدين من عطف العام على اخلاص‪ ،‬وهو أتويل ظاهر التكلف‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪ِ :‬مماا قَ ال ِمْنهُ أ َْو َكثَُر بدل من (ما) الثانية‪ ،‬إبعادة العامل‪ ،‬ويقدر مثل هذا ِف اجلملة األوىل‪ ،‬والفائدة منه‬
‫التنصيص على أن التوريث يكون ِف الرتكات الضئيلة‪ ،‬كما يكون ِف الرتكات العظيمة‪ ،‬وفيه أيضا دفع توهم اختصاص‬
‫بعض األموال ببعض الورثة‪ ،‬وبذلك تنقطع طماعية الكبار من الورثة ِف أن خيتصوا مبثل السيف واخلامت واملصحف واللباس‬
‫البدين‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫صيباً َم ْف ُروضاً مصدر مؤكد بتأويله مبعَن العطاء‪ ،‬أو حال‪ ،‬وأصل الفرض احلز ِف الشيء‪ ،‬ويسمى احلز ِف سية‬ ‫وكلمة نَ ِ‬
‫القوس فرضا‪ ،‬مث توسع فيه‪ ،‬فاستعمل مبعَن القطع والتقدير‪ ،‬وما أوجبه هللا تعاىل‪ ،‬وأوىل املعاين هنا ِف كلمة َم ْف ُروضاً أَنا‬
‫مبعَن مقدرا‪.‬‬
‫وه ْم ِمْنهُ َوقُولُوا َهلُْم قَ ْوًَّل َم ْع ُروفاً (‪ )8‬املراد َبلقسمة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني فَ ْارُزقُ ُ‬ ‫قال هللا تعاىل‪َ :‬وإِذا َح َ‬
‫ضَر الْق ْس َمةَ أُولُوا الْ ُق ْرَب َوالْيَتامى َوالْ َمساك ُ‬
‫الرتكة بني الورثة‪ ،‬وأولوا القرَب‪ :‬من َّل يرثون‪ ،‬لكوَنم حمجوبني‪ ،‬أو لكوَنم من ذوي األرحام‪.‬‬
‫أيمر هللا إبعطاء من حضر القسمة من هؤَّلء ما جيّب خاطرهم‪ ،‬وتطيب به نفوسهم‪ ،‬وقد اختلف العلماء ِف هذه اآلية‪،‬‬
‫أهي حمكمة أم منسوخة؟ فذهب ابن املسيب والضحاك وابن عباس ِف رواية عطاء عنه إىل أَنا منسوخة آبية املواريث‬
‫اَّلل ِِف أَو ِ‬
‫َّلد ُك ْم إخل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يُوصي ُك ُم اُ ْ‬
‫وذهب ابن عباس ِف رواية عكرمة عنه ومجهور املفسرين إىل أَنا حمكمة‪ ،‬مث اختلفوا ِف ذلك اإلعطاء‪ ،‬أهو واجب أم‬
‫مندوب؟ فمن ذهب إىل الوجوب متسك بظاهر األمر‪ ،‬وأوجب على الوارث الكبري وعلى ويل الصغري أن يرضخا ملن حضر‬
‫القسمة شيئا من املال بقدر ما تطيب به نفسه‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬على الوارث الكبري الدفع‪ ،‬وعلى ويل الصغري القول املعروف أبن يعتذر إليهم‪ ،‬ويعرفهم أن أصحاب املال‬
‫صغار َّل يقدرون ما عليهم من احلق‪ ،‬وإن يكّبوا فسيعرفون حقهم‪.‬‬
‫وذهب فقهاء األمصار إىل أن هذا اإلعطاء مندوب طولب به الكبار من الورثة‪ ،‬وحجتهم ِف ذلك أنه لو كان هلؤَّلء حق‬
‫معني لبينه هللا تعاىل‪ ،‬كما بني سائر احلقوق‪ ،‬وحيث َل يبني‪ ،‬علمنا أنه غري واجب‪ ،‬وأيضا لو كان واجبا لتوفرت الدواعي‬
‫على نقله‪ ،‬لشدة حرص الفقراء واملساكني‪ ،‬ولو كان ذلك لنقل إلينا على سبيل التواتر‪ ،‬وملا َل يكن األمر كذلك علمنا أنه‬
‫ليس بواجب‪.‬‬
‫وه ْم ِمنْهُ يرجع إىل ما ترك الوالدان واألقربون‪ ،‬أو إىل القسمة مبعَن املقسوم َبعتبار‬ ‫والضمري اجملرور ِف قوله تعاىل‪ :‬فَ ْارُزقُ ُ‬
‫عاء أ َِخ ِيه [يوسف‪. ]76 :‬‬ ‫معناها‪َّ ،‬ل َبعتبار لفظها‪ ،‬كما ِف قوله تعاىل‪ :‬مثُا استخرجها ِمن ِو ِ‬
‫َْ َْ َ ْ‬
‫والقول املعروف مفسر كما تقدم َبلعدة اجلميلة‪ ،‬وأبَّل يتبع العطية َبملن واألذى َبلقول‪ ،‬وأبن يعتذر ملن َّل يعطيه شيئا‪.‬‬
‫اَّللَ َولْيَ ُقولُوا قَ ْوًَّل َس ِديداً (‪)9‬‬
‫ين لَْو تََرُكوا ِم ْن َخ ْل ِف ِه ْم ذُ ِرياةً ِضعافاً خافُوا َعلَْي ِه ْم فَ ْليَتا ُقوا ا‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬ولْيخ ا ِ‬
‫ش الذ َ‬
‫ََْ َ‬
‫ىف النشوز والشقاق‬ ‫‪-2‬‬

‫ب ِمبَا‬‫ات لِلْغَْي ِ‬ ‫ِ‬


‫ات قَانِتَ ٌ‬
‫ض وِمبَا أَنْ َف ُقوا ِمن أَمواهلِِم فَال ا ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ات َحافظَ ٌ‬ ‫صاحلَ ُ‬ ‫ْ َْ ْ‬ ‫ض ُه ْم َعلَى بَ ْع ٍ َ‬ ‫اَّللُ بَ ْع َ‬
‫ال ا‬
‫ال قَ او ُامو َن َعلَى الن َساء مبَا فَض َ‬ ‫الر َج ُ‬
‫وه ان فَإِ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فَ ََل تَ ْب غُوا َعلَْي ِه ان َسبِ ًيَل إِ ان ا‬ ‫الَلِِت َختافُو َن نُشوزه ان فَعِظُوه ان واهجروه ان ِِف الْمض ِ‬ ‫َح ِف َ‬
‫اَّللَ‬ ‫اض ِربُ ُ‬
‫اج ِع َو ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ْ ُُ ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫اَّللُ َو ا َ‬ ‫ظ ا‬
‫ص ََل ًحا يُ َوفِ ِق ا‬
‫اَّللُ بَْي نَ ُه َما‬ ‫اق بَْينِ ِه َما فَابْ َعثُوا َح َك ًما ِم ْن أ َْهلِ ِه َو َح َك ًما ِم ْن أ َْهلِ َها إِ ْن يُِر َ‬
‫يدا إِ ْ‬ ‫َكا َن َعلِيًّا َكبِ ًريا (‪َ )34‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َق َ‬
‫يما َخبِ ًريا (‪ )35‬من سورة النساء‬ ‫ِ‬ ‫إِ ان ا‬
‫اَّللَ َكا َن َعل ً‬

‫ات قانِ ٌ‬
‫ض وِمبا أَنْ َف ُقوا ِمن أَمواهلِِم فَال ا ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ِ :‬‬
‫تات‬ ‫صاحل ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫ض ُه ْم َعلى بَ ْع ٍ َ‬
‫اَّللُ بَ ْع َ‬
‫ال ا‬ ‫جال قَ او ُامو َن َعلَى النساء مبا فَض َ‬
‫الر ُ‬
‫وه ان فَإِ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فََل تَ ْب غُوا‬ ‫الَلِِت َختافُو َن نُشوزه ان فَعِظُوه ان واهجروه ان ِِف الْم ِ‬ ‫ب ِمبا َح ِف َ‬
‫ظات لِْلغَْي ِ‬‫ِ‬
‫اض ِربُ ُ‬
‫ضاج ِع َو ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ ُُ ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫اَّللُ َو ا‬
‫ظ ا‬ ‫حاف ٌ‬

‫‪7‬‬
‫اَّللَ كا َن َعلِيًّا َكبِرياً (‪ )34‬قوام‪ :‬صيغة مبالغة من القيام على األمر مبعَن حفظه ورعايته‪ ،‬فالرجل قوام على‬
‫َعلَْي ِه ان َسبِ ًيَل إِ ان ا‬
‫امرأته‪ ،‬كما يقوم الوايل على رعيته َبألمر والنهي واحلفظ والصيانة‪.‬‬
‫والقنوت‪ :‬دوام الطاعة‪.‬‬
‫وأصل النشز بسكون الشني وفتحها املكان املرتفع‪ ،‬فالنشوز الرتفع احلسي‪ ،‬مث توسع فيه‪ ،‬فاستعمل ِف الرتفع مطلقا‪ ،‬واملراد‬
‫َبلنشوز هنا العصيان والرتفع عن املطاوعة‪.‬‬
‫والعظة‪ :‬النصيحة والزجر‪.‬‬
‫املضاجع‪ :‬مواضع اَّلضطجاع‪.‬‬
‫وروى مقاتل أن سعد بن الربيع نشزت عليه امرأته‪ ،‬فلطمها‪ ،‬فانطلق أبوها معها إىل النيب صلى هللا عليه وسلم فقال‪ :‬أفرشته‬
‫كرْييت فلطمها! فقال النيب صلى هللا عليه وسلم‪ :‬لتقتص من زوجها‪ ،‬فانصرفت مع أبيها لتقتص منه‪ ،‬فقال النيب صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ :‬ارجعوا‪ ،‬هذا جّبيل أاتين وأنزل هللا هذه اآلية‪ ،‬وتَلها النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫جعل هللا للرجال حق القيام على النساء َبلتأديب والتدبري واحلفظ والصيانة‪ ،‬وعلل ذلك بسببني‪:‬‬
‫أوهلما‪ :‬ما فضل هللا به الرجل على املرأة ِف العقل والرأي والعزم والقوة‪ ،‬ولذلك خص الرجال َبلرسالة‪ ،‬والنبوة‪ ،‬واإلمامة‬
‫الكّبى والصغرى‪ ،‬وإقامة الشعائر‪:‬‬
‫كاألذان‪ ،‬واإلقامة‪ ،‬واخلطبة‪ ،‬واجلمعة‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬وجعل هلم اَّلستبداد َبلفراق والرجعة وإليهم اَّلنتساب‪ ،‬وأَبح هلم تعدد‬
‫األزواج‪ ،‬وخصهم َبلشهادة ِف أمهات القضااي‪ ،‬وزايدة النصيب ِف املرياث‪ ،‬والتعصيب‪ ،‬إىل غري ذلك‪.‬‬
‫واثنيهما‪ :‬ما ألزمه هللا إايه من املهر والسكَن والنفقة‪.‬‬
‫وقد دلت اآلية على أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬تفضيل الرجل على املرأة ِف املنزلة والشرف‪.‬‬
‫‪ -2‬أن للزوج أتديب زوجته ومنعها من اخلروج‪.‬‬
‫‪ -3‬أن له حق احلجر على زوجته ِف ماهلا‪ ،‬فَل تتصرف فيه إَّل إبذنه‪ ،‬ألن هللا جعله قواما عليها بصيغة املبالغة‪ ،‬والقوام‬
‫الناظر على الشيء‪ ،‬احلافظ له‪ ،‬واملالكية يقولون هبذا املبدأ على تفصيل فيه‪ ،‬حمله كتب الفروع‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب النفقة على الزوج لزوجته‪.‬‬
‫‪ -5‬أن على الزوجة طاعة زوجها إَّل ِف معصية هللا‪،‬‬
‫وِف اخلّب‪« :‬لو أمرت أحدا أن يسجد ألحد ألمرت املرأة أن تسجد لزوجها» «‪. »1‬‬
‫‪ -6‬أن هلا حق املطالبة بفسخ النكاح عند إعسار الزوج َبلنفقة أو الكسوة‪ ،‬ألنه‬
‫إذا خرج عن كونه قواما عليها‪ ،‬فقد خرج عن الغرض املقصود َبلنكاح‪ ،‬وهذا مذهب املالكية والشافعية‪.‬‬
‫أما احلنفية فيقولون‪ :‬ليس هلا حق الفسخ لقوله تعاىل‪َ :‬وإِ ْن كا َن ذُو عُ ْسَرةٍ فَنَ ِظَرةٌ إِىل َمْي َسَرةٍ [البقرة‪. ]280 :‬‬
‫اَّللُ هذا شروع ِف تفصيل أحوال النساء‪ ،‬وكيفية القيام عليهن‪ ،‬حبسب‬ ‫ظ ا‬ ‫ب ِمبا َح ِف َ‬
‫ظات لِلْغَْي ِ‬ ‫ِ‬
‫تات حاف ٌ‬‫ات قانِ ٌ‬
‫فَال ا ِ‬
‫صاحل ُ‬
‫اختَلف أحواهلن‪ ،‬وقد قسمهن هللا قسمني‪:‬‬
‫طائعات‪ ،‬وانشزات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫فاملرأة القانتة اليت تطيع رهبا‪ ،‬وتطيع زوجها‪ ،‬وحتفظه ِف نفسها وعفتها‪ ،‬وِف ماله وولده ِف حال غيبته‪ -‬وهي ِف حضوره‬
‫أحفظ‪ -‬مثل هذه يقال هلا امرأة صاحلة وكفى‪.‬‬

‫وأما املرأة الناشز فطريق القيام عليها َبلتأديب والتقومي هو ما قال هللا تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫الَلِِت َختافُو َن نُ ُش َوزُه ان فَعظُ ُ‬
‫وه ان إخل‪.‬‬ ‫َو ا‬
‫وظاهر قوله تعاىل‪ :‬فَال ا ِ‬
‫ات قانِ ٌ‬
‫تات إخل أنه خّب‪ ،‬وبعض العلماء يقول املراد به األمر َبلطاعة‪ ،‬فاملعَن‪ :‬لتطع املرأة زوجها‪،‬‬ ‫صاحل ُ‬
‫ولتحفظه ِف نفسها وِف ماله‪ ،‬حىت تكون امرأة صاحلة للحياة الزوجية‪ ،‬تستحق مجيع حقوق الزوجة الصاحلة‪.‬‬
‫اَّللُ فإن معناه‪ ،‬أن عليهن أن يطعن أزواجهن‪ ،‬وحيفظنهم‪ِ ،‬ف مقابلة ما حفظه هللا هلن من‬ ‫ظ ا‬‫ويؤيد ذلك قوله تعاىل‪ِ :‬مبا َح ِف َ‬
‫حقوق قبل األزواج من مهر ونفقة ومعاشرة َبملعروف‪ ،‬فهو جار جمرى قوهلم‪ :‬هذا بذاك‪ ،‬أي هذا ِف مقابلة ذاك‪ ،‬وعليه‬
‫تكون (ما) اسم موصول‪.‬‬
‫اَّللُ إن السبب ِف طاعتهن وحفظهن أزواجهن هو حفظ هللا هلن‪ ،‬وعصمته إايهن‪ ،‬ولوَّل أن هللا‬ ‫ظ ا‬ ‫وقيل‪ :‬معَن ِمبا َح ِف َ‬
‫حفظهن وعصمهن ما حفظن أزواجهن‪ ،‬وعليه تكون (ما) مصدرية‪.‬‬
‫وقد أخرج البيهقي وابن جرير وغريمها عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬خري النساء امرأة إذا نظرت‬
‫إليها سرتك‪ ،‬وإذا أمرِتا أطاعتك‪ ،‬وإذا غبت عنها حفظتك ِف مالك ونفسها‪ ،‬مث قرأ رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ظات لِلْغَْي ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ .‬وِف «الصحيح» «‪»1‬‬ ‫جال قَ او ُامو َن َعلَى النِساء إىل قوله تعاىل‪ :‬حاف ٌ‬ ‫ِ‬
‫الر ُ‬
‫«نساء قريش خري نساء ركْب اإلبل‪ ،‬أحناه على ولد‪ ،‬وأرعاه على زوج ِف ذات يده» ‪.‬‬
‫الَلِِت َختافُو َن نُشوزه ان فَعِظُوه ان واهجروه ان ِِف الْم ِ‬
‫وه ان‪ .‬هذا هو القسم الثاين من قسمي النساء الَلِت جعل‬‫اض ِربُ ُ‬
‫ضاج ِع َو ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ْ ُُ ُ‬ ‫ُ َُ‬ ‫َو ا‬
‫هللا للرجال حق القيام عليهن‪ ،‬كما سبق‪ ،‬وهو خطاب لألزواج‪ ،‬وإرشاد هلم إىل طريق القيام عليهن‪.‬‬
‫وأصل اخلوف فزع القلب عند الشعور حبدوث أمر مكروه ِف املستقبل‪ ،‬وقد يتوسع فيه‪ ،‬فيستعمل مبعَن العلم‪ ،‬ألن خوف‬
‫الشيء إمنا يكون للعلم مبوقعه‪ ،‬وقد علمت أن النشوز هو العصيان‪ ،‬وظاهر اآلية ترتب العقوَبت املذكورة على خوف‬
‫النشوز‪ ،‬وإن َل يقع النشوز َبلفعل‪ ،‬وهو بعيد‪ ،‬لذلك أول العلماء هذه اآلية عدة أتويَلت‪ ،‬فمنهم من فسر اخلوف َبلعلم‪،‬‬
‫ومنهم من قدر مضافا‪ :‬ختافون دوام نشوزهن‪ ،‬أو أقصى مراتب نشوزهن‪.‬‬
‫ومنهم من قدر معطوفا حمذوفا‪ :‬ختافون نشوزهن ونشزن‪.‬‬
‫ومنهم من أبقى اخلوف على أصله‪ ،‬وجعل جزاءه الوعظ فقط‪ ،‬ختافون نشوزهن بظهور أماراته‪ ،‬كخشونة بعد لني‪ ،‬وتعبيس‬
‫بعد طَلقة‪ ،‬وإدَبر بعد إقبال‪ ،‬ومىت ظهرت هذه األمارات كان للزوج أن يعظها فقط‪ ،‬وخيوفها عقوبة الدنيا وعقوبة اآلخرة‪،‬‬
‫فإن َل متتثل كان ذلك نشوزا حمققا‪ ،‬وله فيه الوعظ واهلجران والضرب‪.‬‬
‫واملراد َبلوعظ أن يقول هلا مثَل‪ :‬اتقي هللا! فإن يل عليك حقا‪ ،‬وارجعي عما أنت عليه‪ ،‬واعلمي أن طاعيت فرض عليك‬
‫وِنو ذلك‪.‬‬
‫واختلفوا ِف معَن اهلجران ِف املضاجع‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه كناية عن ترك مجاعهن‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد تركهن منفردات ِف حجرهن وحمل‬
‫مبيتهن‪ ،‬فيكون ِف ذلك ترك مجاعهن وترك مكاملتهن‪ ،‬وَّل يزيد ِف هجر الكَلم عن ثَلثة أايم‪.‬‬
‫وفسر العلماء الضرب املباح أبنه الضرب غري املّبح‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫أخرج اجلصاص «‪ »1‬عن جابر بن عبد هللا عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه خطب بعرفات ِف بطن الوادي فقال‪« :‬اتقوا‬
‫هللا ِف النساء فإنكم أخذمتوهن أبمانة هللا‪ ،‬واستحللتم فروجهن بكلمة هللا‪ ،‬وأن لكم عليهن أَّل يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه‪،‬‬
‫فإن فعلن فاضربوهن ضرَب غري مّبح‪ ،‬وهلن عليكم رزقهن وكسوِتن َبملعروف» ‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير «‪ِ » 2‬نوه‪ ،‬وروى ابن جريج عن عطاء قال‪ :‬الضرب غري املّبح َبلسواك وِنوه‪ ،‬ومثله عن ابن عباس‪،‬‬
‫وقال سعيد عن قتادة‪ :‬ضرَب غري شائن «‪. »3‬‬
‫وقال العلماء‪ :‬ينبغي أَّل يوايل الضرب ِف حمل واحد‪ ،‬وأن يتقي الوجه فإنه جممع احملاسن‪ ،‬وَّل يضرهبا بسوط وَّل بعصا‪ ،‬وأن‬
‫يراعي التخفيف ِف هذا التأديب على أبلغ الوجوه‪.‬‬
‫ومع أن الضرب مباح فقد اتفق العلماء على أن تركه أفضل‪.‬‬
‫أخرج ابن سعد والبيهقي عن أم كلثوم بنت الصديق رضي هللا عنه قالت‪ :‬كان الرجال َنوا عن ضرب النساء‪ ،‬مث شكوهن‬
‫إىل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فخلى بينهم وبني ضرهبن‪ ،‬مث قال‪« :‬ولن يضرب خياركم» «‪.»1‬‬
‫وروي ِنوه عن عمر بن اخلطاب عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وفيه‪« :‬وَّل جتدون أولئكم خياركم» «‪»2‬‬
‫ومعناه أن الذين يضربون أزواجهم ليسوا خريا ممن َل يضربوا‪ ،‬فدل احلديث على أن األوىل ترك الضرب‪.‬‬
‫واختلف العلماء ِف هذه العقوَبت أهي مشروعة على الرتتيب أم َّل؟ ومنشأ اخلَلف اختَلفهم ِف فهم اآلية‪ ،‬فمن رأى‬
‫وه ان َّل دَّللة هلا على أكثر من ترتيب اجملموع على النشوز‪ ،‬فله‬ ‫ِ‬
‫عدم الرتتيب يقول‪ :‬الواو َّل تقتضيه‪ ،‬والفاء ِف قوله‪ :‬فَعظُ ُ‬
‫أن يقتصر على إحدى العقوَبت أاي كانت‪ ،‬وله أن جيمع من غري ترتيب بينها‪.‬‬
‫ومن ذهب إىل وجوب الرتتيب يرى أن ظاهر اللفظ وإن دل على مطلق اجلمع‪ ،‬فإن فحوى اآلية تدل على الرتتيب‪ ،‬إذ‬
‫الواو داخلة على جزاءات خمتلفة متفاوتة واردة على سبيل التدرج من الضعيف إىل القوي إىل األقوى‪ ،‬فإنه تعاىل ابتدأ‬
‫َبلوعظ‪ ،‬مث ترقى منه إىل اهلجران ِف املضاجع‪ ،‬مث ترقى منه إىل الضرب‪ ،‬وذلك جار جمرى التصريح أبنه مهما حصل الغرض‬
‫َبلطريق األخف وجب اَّلكتفاء به‪ ،‬وَل جيز اإلقدام على الطريق األشد‪.‬‬
‫وروي عن علي رضي هللا عنه ما يؤيد ذلك فإنه قال‪ :‬يعظها بلسانه‪ ،‬فإن انتهت فَل سبيل له عليها‪ ،‬فإن أبت هجر‬
‫مضجعها‪ ،‬فإن أبت ضرهبا‪ ،‬فإن َل تتعظ َبلضرب بعث احلكمني‪.‬‬
‫فَإِ ْن أَطَ ْعنَ ُك ْم فََل تَ ْب غُوا َعلَْي ِه ان َسبِ ًيَل‪.‬‬
‫تبغوا‪ :‬تطلبوا‪ ،‬أي‪ :‬فإن رجعن إىل طاعتكم بعد هذا التأديب فَل تطلبوا سبيَل وطريقا إىل التعدي عليهن‪ .‬أو‪ :‬فَل تظلموهن‬
‫بطريق من طرق التعذيب والتأديب‪.‬‬
‫اَّللَ كا َن َعلِيًّا َكبِرياً قيل‪ :‬املقصود منه ِتديد األزواج على ظلم النساء‪ ،‬واملعَن أنه تعاىل قاهر كبري قادر ينتصف هلن‪،‬‬ ‫إِ ان ا‬
‫ويستوِف حقهن‪ ،‬فَل ينبغي أن تغرتوا بكونكم أعلى يدا منهن‪ ،‬وأكّب درجة‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬املقصود منه حث األزواج‪ ،‬وبعثهم على قبول توبة النساء‪ ،‬واملعَن‪ :‬أنه تعاىل مع علوه وكّبايئه َّل يؤاخذ العاصي إذا‬
‫اتب‪ ،‬بل يغفر له‪ ،‬فإذا اتبت املرأة عن نشوزها فأنتم أوىل أبن تقبلوا توبتها‪ ،‬وترتكوا معاقبتها‪.‬‬
‫صَلحاً يُ َوفِ ِق ا‬
‫اَّللُ بَْي نَ ُهما إِ ان‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬وإِ ْن ِخ ْفتُم ِش َ ِ‬
‫قاق بَْين ِهما فَابْ َعثُوا َح َكماً م ْن أ َْهله َو َح َكماً م ْن أ َْهلها إِ ْن يُِريدا إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّللَ كا َن َعلِيماً َخبِرياً (‪ )35‬املراد َبخلوف هنا‪ :‬العلم‪.‬‬
‫ا‬
‫والشقاق‪ :‬اخلَلف والعداوة‪ ،‬وأصله من الشق‪ ،‬وهو اجلانب‪ ،‬ألن كَل من املتخالفني يكون ِف شق غري شق اآلخر‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫و (بني) من الظروف املكانية غري املتصرفة‪ ،‬وإضافة الشقاق إليها توسع‪ ،‬واألصل شقاقا بينهما‪ ،‬فللمَلبسة بني الظرف‬
‫قاق بَْينِ ِهما‪.‬‬
‫واملظروف نزل الظرف منزلة الفاعل أو املفعول‪ ،‬وشبه أبحدمها مث عومل معاملته ِف اإلضافة إليه‪ ،‬فقيل ِش َ‬
‫وقيل‪ :‬اإلضافة مبعَن (ِف) والضمري ِف (بينهما) للزوجني لدَّللة النشوز‪ -‬وهو عصيان املرأة زوجها‪ -‬عليهما‪.‬‬
‫واخلطاب هنا للحكام‪ ،‬فإنه تعاىل ملا ذكر نشوز املرأة‪ ،‬وأن للزوج أن يعظها‪ ،‬ويهجرها ِف املضجع‪ ،‬ويضرهبا‪ ،‬بني أنه َل يبق‬
‫بعد الضرب إَّل احملاكمة إىل من ينصف املظلوم من الظاَل منهما‪ ،‬ويتوجه حكمه عليهما‪.‬‬
‫وظاهر األمر ِف قوله تعاىل‪ :‬فَابْ َعثُوا أنه للوجوب‪ ،‬وبه قال الشافعي‪ ،‬ألنه من َبب رفع الظَلمات‪ ،‬وهو من الفروض العامة‬
‫واملتأكدة على القاضي‪.‬‬
‫وظاهر وصف احلكمني أبن أحدمها يكون من أهله‪ ،‬والثاين يكون من أهلها أن ذلك شرط على سبيل الوجوب‪ ،‬لكن‬
‫العلماء محلوه على وجه اَّلستحباب‪ ،‬وقالوا‪ :‬إذا بعث القاضي حكمني من األجانب جاز‪ ،‬وذلك ألن فائدة بعث احلكمني‬
‫استطَلع حقيقة احلال بني الزوجني‪ ،‬وإجراء الصلح بينهما‪ ،‬والشهادة على الظاَل منهما‪ ،‬وهذا الغرض يؤديه األجنيب كما‬
‫يؤديه القريب‪ ،‬إَّل أن األقارب أعرف حبال الزوجني من األجانب‪ ،‬وأشد طلبا لإلصَلح‪ ،‬وأبعد عن الظنة َبمليل إىل أحد‬
‫الزوجني‪ ،‬وأقرب إىل أن تسكن إليهم النفس‪ ،‬فيطلعوا على ما ِف ضمري كل من حب وبغض‪ ،‬وإرادة صحبة أو فرقة‪ ،‬لذلك‬
‫كان األوىل واألوفق أن يكون أحد احلكمني من أهل الزوج والثاين من أهل الزوجة‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيما يليه احلكمان‪ :‬أيليان اجلمع والتفريق دون إذن الزوجني‪ ،‬أم ليس هلما تنفيذ أمر يلزم الزوجني دون إذن‬
‫منهما؟‬
‫فذهب علي وابن عباس والشعيب ومالك إىل أن هلما أن يلزما الزوجني دون إذَنما ما يراين فيه املصلحة‪ ،‬مثل أن يطلق‬
‫الرجل‪ ،‬أو تفتدي املرأة بشيء من ماهلا‪ .‬فهما عندهم حاكمان موليان من قبل اإلمام‪.‬‬
‫وقال احلسن وأبو حنيفة وأصحابه‪ :‬ليس للحكمني أن يفرقا إَّل برضا الزوجني‪ ،‬فهما عندهم وكيَلن للزوجني‪.‬‬
‫وللشافعي ِف املسألة قوَّلن‪ .‬وليس ِف اآلية ما يرجح أحد الرأيني على اآلخر‪ ،‬بل فيها ما يشهد لكل من الرأيني‪:‬‬
‫فالشهادة للرأي األول أن هللا تعاىل مسى كَل منهما حكما‪ ،‬واحلكم هو احلاكم‪ ،‬وإذا جعلهما هللا حاكمني فقد مكنهما‬
‫من احلكم‪.‬‬
‫والشهادة للرأي الثاين أنه تعاىل َل يضف إليهما إَّل اإلصَلح‪ ،‬وهذا يقتضي أن يكون ما وراء اإلصَلح غري مفوض إليهما‪،‬‬
‫وملا كانت اآلية حمتملة للرأيني‪ ،‬وَل يصح ِف املسألة شيء عنه صلى هللا عليه وسلم كانت املسألة اجتهادية‪ ،‬وكَلم أحد‬
‫اجملتهدين َّل يقوم حجة على اآلخر‪ ،‬فالرتجيح للرأي والقياس‪ ،‬والذي يظهر لنا أن القياس يقتضي ترجيح الرأي الثاين‪ ،‬ألنه‬
‫َّل خَلف أن الزوج لو أقر قبل التحكيم َبإلساءة إليها َل جيّبها احلاكم على الطَلق‪ ،‬وأن الزوجة لو أقرت كذلك قبل‬
‫التحكيم َبلنشوز َل جيّبها احلاكم على اَّلفتداء‪ ،‬فإذا كان ذلك حكمهما قبل بعث احلكمني‪ ،‬فكذلك يكون احلكم بعد‬
‫بعثهما‪َّ ،‬ل جيوز إيقاع الطَلق من غري رضا الزوج وتوكيله‪ ،‬وَّل إخراج املال عن ملكها من غري رضاها‪.‬‬
‫صَلحاً جيوز أن يكون للحكمني‪ ،‬وجيوز أن يكون للزوجني‪ ،‬وكذلك الضمري ِف قوله‬ ‫والضمري ِف قوله تعاىل‪ :‬إِ ْن يُِريدا إِ ْ‬
‫اَّللُ بَْي نَ ُهما واألوفق جعل الضمري األول للحكمني‪ ،‬والثاين للزوجني‪ ،‬أي إن يقصد احلكمان إصَلح ذات البني‬ ‫تعاىل يُ َوفِ ِق ا‬
‫بنية صحيحة‪ ،‬مع إخَلص النصيحة لوجه هللا تعاىل‪ ،‬إن يقصدا ذلك يوفق هللا بني الزوجني َبأللفة واحملبة‪ ،‬ويلقي ِف‬
‫نفسيهما املوافقة وحسن العشرة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫اَّللَ كا َن َعلِيماً َخبِرياً املراد م نه الوعيد للزوجني وللحكمني ِف سلوك ما خيالف طريق احلق‪ ،‬فإنه سبحانه عليم بظواهر‬
‫إِ ان ا‬
‫األمور وبواطنها‪ ،‬فيعلم ما يريده كل واحد منهم‪ ،‬وسيجازيهم على حسب ما علم‪.‬‬

‫األمر أبداء األمانة والعدل‬ ‫‪-3‬‬

‫اَّللَ نِعِ اما يَعِظُ ُك ْم بِِه إِ ان ا‬


‫ااس أَ ْن َْحت ُك ُموا َِبلْ َع ْد ِل إِ ان ا‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل أيْمرُكم أَ ْن تُؤُّدوا ْاألَم َ ِ‬
‫اَّللَ َكا َن‬ ‫ني الن ِ‬‫اانت إِ َىل أ َْهل َها َوإِذَا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬ ‫َ‬ ‫إِ ان اَ َ ُ ُ ْ َ‬
‫ص ًريا (‪)58‬من النساء‬ ‫َِمسيعا ب ِ‬
‫ً َ‬
‫اَّللَ نِعِ اما يَعِظُ ُك ْم‬
‫ااس أَ ْن َْحت ُك ُموا َِبلْ َع ْد ِل إِ ان ا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني الن ِ‬ ‫اَّللَ َأيْ ُمُرُك ْم أَ ْن تُ َؤ ُّدوا ْاألَماانت إِىل أ َْهلها َوإِذا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬
‫قال هللا تعاىل‪ :‬إِ ان ا‬
‫اَّلل كا َن َِمسيعاً ب ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫صرياً (‪)58‬‬ ‫َ‬ ‫به إ ان اَ‬
‫األمانة مصدر مسي به املفعول وهو ما يؤمتن عليه‪.‬‬
‫روي ِف سبب نزول هذه اآلية أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ملا دخل مكة يوم الفتح أغلق عثمان بن طلحة بن عبد‬
‫الدار َبب الكعبة‪ ،‬وكان سادَنا‪ .‬وصعد إىل السطح‪ ،‬وأَب أن يدفع املفتاح إليه‪ ،‬وقال‪ :‬لو علمت أنه رسول هللا َل أمنعه‪،‬‬
‫فلوى علي بن أيب طالب يده‪ ،‬وأخذ منه املفتاح‪ ،‬وفتح‪ ،‬ودخل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وصلى ركعتني‪ ،‬فلما خرج‬
‫سأله العباس أن يعطيه املفتاح‪ ،‬وجيمع له السقاية والسدانة فنزلت هذه اآلية‪ ،‬فأمر النيب عليا أن يرده إىل عثمان‪ ،‬ويعتذر‬
‫إليه‪ ،‬فقال عثمان لعلي‪ :‬أكرهت وآذيت مث جئت ترفق! فقال‪ :‬لقد أنزل هللا ِف شأنك قرآان‪ ،‬وقرأ عليه اآلية‪ ،‬فقال عثمان‪:‬‬
‫أشهد أن َّل إله إَّل هللا وأن حممدا رسول هللا‪ ،‬فهبط جّبيل عليه السَلم وأخّب النيب صلى هللا عليه وسلم أن السدانة ِف‬
‫أوَّلد عثمان أبدا «‪. »1‬‬
‫نزلت اآلية على هذا السبب اخلاص‪ ،‬وليس ذلك مبخرج اللفظ عن عمومه‪ ،‬فهو عام يتناول كل ما يؤمتن عليه اإلنسان‪،‬‬
‫سواء أكان ذلك ِف حق نفسه أم ِف حق غريه من العباد‪ ،‬أم ِف حق ربه‪ ،‬فكل ذلك جيب رعاية األمانة فيه‪ ،‬فرعاية األمانة‬
‫فيما هو من حقوق هللا أن متتثل أوامره‪ .‬وجتتنب نواهيه‪ ،‬قال ابن مسعود رضي هللا عنه‪:‬‬
‫األمانة ِف كل شيء َّلزمة‪ِ ،‬ف الوضوء واجلنابة والصَلة والزكاة والصوم‪.‬‬
‫وقال ابن عمر رضي هللا عنه‪ :‬خلق هللا فرج اإلنسان وقال‪ :‬هذا أمانة خبأِتا عندك‪ ،‬فاحفظها إَّل حبقها‪.‬‬
‫وأما رعاية األمانة ِف حق النفس‪ ،‬فهو أَّل يقدم اإلنسان إَّل على ما ينفعه ِف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وِف هذا‬
‫يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪« :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» «‪. »2‬‬
‫وأما رعاية األمانة ِف حق الغري فهو رد الودائع والعارية‪ ،‬وعدم غش الناس ِف كل ما يتصل َبملعاملة‪ ،‬من بيع وشراء‪ ،‬وجهاد‬
‫ونصيحة‪ ،‬وأَّل يفشي عيوب الناس‪ ،‬وينشر الفاحشة‪.‬‬
‫ات‬‫ضنَا ْاألَمانَةَ علَى ال اسماو ِ‬ ‫وقد اعتَن القرآن بشأن األمانة‪ ،‬وبني خطرها وعظيم قدرها ِف مواضع كثرية‪ ،‬فقال‪ :‬إِ اان َعَر ْ‬
‫َ‬
‫ين ُه ْم ِألَماانِتِِ ْم َو َع ْه ِد ِه ْم‬ ‫اِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أَ ْن َْحيملْنَها َوأَ ْش َف ْق َن مْنها َو َمحَلَ َها ْاإلنْسا ُن [األحزاب‪ ]72 :‬وقال‪َ :‬والذ َ‬
‫اجلِ ِ‬
‫بال فَأَبَْ َ‬ ‫ض َو ْ‬‫َو ْاأل َْر ِ‬
‫راعُو َن (‪[ )8‬املؤمنون‪ ]8 :‬وقال‪:‬‬
‫ول َوَختُونُوا أَماانتِ ُك ْم [األنفال‪]27 :‬‬
‫اَّللَ َوالار ُس َ‬
‫آمنُوا َّل َختُونُوا ا‬ ‫اِ‬
‫ين َ‬‫اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫وقال عليه الصَلة والسَلم‪َّ« :‬ل إْيان ملن َّل أمانة له» «‪»1‬‬
‫‪12‬‬
‫وقال‪« :‬ثَلثة َّل يكلمهم هللا يوم القيامة وَّل ينظر إليهم وَّل يزكيهم‪ :‬من إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد أخلف‪ ،‬وإذا أؤمتن‬
‫خان» ‪.‬‬
‫قد رأيت أن األماانت عامة واجبة األداء‪َّ ،‬ل فرق بني واحدة منها وواحدة‪ ،‬وَّل بد من دفعها إىل أهلها عند طلبهم إايها‪،‬‬
‫وأما حكم األمانة ِف حال اهلَلك‪ ،‬وأَنا مضمونة أو غري مضمونة‪ ،‬أو بعضها مضمون وبعضها اآلخر غري مضمون‪ ،‬فنحن‬
‫َّل نعرض له‪ ،‬ألان نراه َّل يتصل َبآلية‪ ،‬ومرده إىل أدلته ِف كتب الفقه‪.‬‬
‫ااس أَ ْن َْحت ُك ُموا َِبلْ َع ْد ِل‪.‬‬ ‫َوإِذا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬
‫ني الن ِ‬
‫إقامة العدل بني الناس أمر تقتضيه طبيعة العمران‪ ،‬وتشهد به بداية العقول‪ ،‬وَّل بد للمجتمع اإلنساين منه‪ ،‬حىت أيمن‬
‫الضعيف سطوة القوي‪ ،‬ويستتب األمن والنظام بني الناس‪.‬‬
‫ني الن ِ‬
‫ااس أَ ْن‬ ‫ومن أجل هذا جتد الشرائع السماوية تنادي بوجوب إقامة العدل‪ ،‬قال تعاىل ِف كتابه احلكيم‪َ :‬وإِذا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬
‫اع ِدلُوا َولَْو كا َن ذا قُ ْرَب [األنعام‪:‬‬ ‫سان [النحل‪ ]90 :‬وقال‪َ :‬وإِذا قُلْتُ ْم فَ ْ‬ ‫اإلح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْحت ُك ُموا َِبلْ َع ْد ِل وقال‪ :‬إِ ان ا‬
‫اَّللَ َأيْ ُم ُر َِبلْ َع ْدل َو ِْ ْ‬
‫ااس َِب ْحلَِق‬
‫ني الن ِ‬ ‫اح ُك ْم بَْ َ‬‫ض فَ ْ‬‫ناك َخلِي َفةً ِِف ْاأل َْر ِ‬ ‫داو ُد إِ اان َج َع ْل َ‬
‫ب للتا ْقوى [املائدة‪ ]8 :‬وقال‪ :‬اي ُ‬
‫‪ ]152‬وقال‪ :‬اع ِدلُوا هو أَقْ ر ِ‬
‫ْ َُ َ ُ‬
‫[ص‪. ]26 :‬‬
‫قال النيب صلى هللا عليه وسلم فيما رواه أنس عنه‪َّ« :‬ل تزال هذه األمة خبري ما إذا قالت صدقت‪ ،‬وإذا حكمت عدلت‪.‬‬
‫وإذا اسرتمحت رمحت» ‪.‬‬
‫اِ‬
‫اَّللَ‬
‫ْب ا‬ ‫اج ُه ْم [الصافات‪ ]22 :‬وقال‪َ :‬وَّل َْحت َس َ ا‬ ‫ين ظَلَ ُموا َوأ َْزو َ‬‫اح ُش ُروا الذ َ‬
‫وقد ذم هللا الظلم والظاملني ِف آايت كثرية قال‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك بُيُوُِتُْم خا ِويَةً ِمبا ظَلَ ُموا [النمل‪ ]52 :‬ومن الظلم‬ ‫غاف ًَل َع اما يَ ْع َم ُل الظاال ُمو َن [إبراهيم‪ ]42 :‬وقال ِف عاقبة الظلم‪ :‬فَتِْل َ‬
‫احلكم بغري ما أنزل هللا‪.‬‬
‫ااس مشعر أبنه َّل بد للناسي أن يوجد فيهم من حيكم بينهم‪ .‬وقد دلت األدلة على أن‬ ‫وقوله تعاىل‪َ :‬وإِذا َح َك ْمتُ ْم بَْ َ‬
‫ني الن ِ‬
‫وك فِيما َش َجَر بَْي نَ ُه ْم مثُا َّل‬
‫ك َّل يُ ْؤِمنُو َن َح اىت ُحيَكِ ُم َ‬
‫احلكم إلمام املسلمني‪ ،‬يقضي بني الناس مبا يراه موافقا للشرع فََل َوَربِ َ‬
‫ت َويُ َسلِ ُموا تَ ْسلِيماً (‪[ )65‬النساء‪. ]65 :‬‬ ‫ِ‬
‫َِجي ُدوا ِِف أَنْ ُف ِس ِه ْم َحَرجاً مماا قَ َ‬
‫ضْي َ‬
‫اَّللَ نِعِ اما يَعِظُ ُك ْم بِِه أي نعم شيء يعظكم‪ ،‬أو نعم الذي يعظكم به‪ ،‬واملخصوص َبملدح حمذوف‪ ،‬يرجع إىل املأمور به‬ ‫إِ ان ا‬
‫من أداء األماانت‪ ،‬واحلكم بني الناس َبلعدل‪.‬‬
‫اَّلل كا َن َِمسيعاً ب ِ‬ ‫ِ‬
‫صرياً يبصر ما يكون منكم من أداء األماانت وخيانتها فيحاسبكم عليه‪ ،‬ويسمع ما يكون من حكمكم‬ ‫َ‬ ‫إ ان اَ‬
‫بني الناس فيجازيكم به‪.‬‬

‫‪ -4‬األمر إبطاعة هللا والرسول مث أوىل األمر‬

‫ُويل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم فَإِ ْن تَن َاز ْعتُ ْم ِِف َش ْي ٍء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا‬
‫اَّللِ‬ ‫ول َوأ ِ‬
‫َطيعُوا الار ُس َ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا أَطيعُوا اَ َ‬ ‫ين َ‬
‫اِ‬
‫قال هللا تعاىل‪ :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َس ُن َأتْ ِو ًيَل (‪ .)59‬من سورة النساء‬ ‫ك َخ ْريٌ َوأ ْ‬ ‫ول إِ ْن ُكْن تُ ْم تُ ْؤِمنُو َن َِب اَّلل َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذل َ‬
‫والارس ِ‬
‫َ ُ‬

‫‪13‬‬
‫ملا أمر هللا الوَّلة أبن يسريوا ِف حكمهم بني الناس على مقتضى العدل‪ ،‬وكان العدل َّل يتحقق إَّل أن يلتزمه الناس‪،‬‬
‫ُويل ْاأل َْم ِر ِمْن ُك ْم إخل وقد اختلف املفسرون ِف املراد أبويل‬
‫ول َوأ ِ‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا الار ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫اِ‬
‫آمنُوا أَطيعُوا اَ َ‬
‫ين َ‬
‫قال هللا تعاىل‪ :‬اي أَيُّ َها الذ َ‬
‫األمر‪ ،‬فذهب بعضهم إىل أَنم أمراء املسلمني‪ ،‬فيدخل فيهم اخللفاء الراشدون‪ ،‬وامللوك والسَلطني‪ ،‬والقضاة وغريهم‪،‬‬
‫وذهب بعضهم‪ :‬إىل أَنم أمراء السرااي‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إَنم العلماء الذين يفتون ِف األحكام الشرعية‪ ،‬ويعلمون الناس‬
‫دينهم‪.‬‬
‫وذهب الروافض إىل أَنم األئمة املعصومون‪ ،‬بل لقد غلت طائفة منهم وزعمت أن املراد من أويل األمر علي بن أيب‬
‫طالب وحده‪.‬‬
‫وِنن نرى أنه ليس ما ْينع أن يكون اجلميع مرادا عدا ما ذهب إليه اخلوارج‪ ،‬فاخللفاء واجبو الطاعة‪ ،‬وأمراء السرااي‬
‫واجبو الطاعة‪ ،‬والعلماء واجبو الطاعة‪ ،‬كل ذلك واجب‪ ،‬ما َل يكن إملام مبعصية‪ ،‬وإَّل فَل طاعة ملخلوق ِف معصية‬
‫اخلالق‪.‬‬
‫ويرى الفخر الرازي أن املراد من أويل األمر أهل احلل والعقد‪ ،‬ويريد من ذلك أن يستدل َبآلية على حجية اإلمجاع‪،‬‬
‫وهو يدعم رأيه هذا أبن هللا ذكر ثَلثة‪ ،‬واجبة طاعتهم‪ :‬هللا‪ ،‬ورسوله‪ ،‬وأولو األمر‪ ،‬وهللا ورسوله مقطوع بعصمتهم‪،‬‬
‫فوجب أن يكون أولوا األمر كذلك‪ ،‬وَّل جند من أويل األمر على ما ذكره املفسرون من هو واجب العصمة إَّل أهل‬
‫احلل والعقد عند اجتماعهم على أمر من األمور‪« ،‬لن جتتمع أميت على ضَللة»‬
‫فينبغي أن يكون املراد من أويل األمر أهل احلل والعقد‪ ،‬ويكون ذلك دليَل على حجية اإلمجاع‪.‬‬
‫وقد ذكر هللا األمر بطاعة هللا واألمر بطاعة الرسول وأويل األمر‪ ،‬مث أمر برد ما يتنازع فيه إىل هللا والرسول‪ ،‬جعل ذلك‬
‫حمققا لإلْيان َبهلل ورسوله واليوم اآلخر‪ ،‬ووصفه أبنه خري وأحسن مآَّل‪ ،‬وذلك يقتضي أن يكون الرد إىل هللا والرسول‬
‫غري طاعة هللا والرسول‪ ،‬وإَّل كان ذلك تكرارا حمضا‪ ،‬إذ يؤول الكَلم إىل أطيعوا هللا والرسول وأويل األمر‪ ،‬فإن تنازعتم‬
‫ول َوأ ِ‬
‫ُويل‬ ‫اَّلل وأ ِ‬
‫َطيعُوا الار ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ِف شيء فأطيعوا هللا والرسول وذلك لغو ينزه القرآن عن مثله إذ لو اقتصر على قوله‪ :‬أَطيعُوا اَ َ‬
‫ْاأل َْم ِر ِمنْ ُك ْم لفهم األمر َبلطاعة ِف كل األحوال‪.‬‬
‫وأيضا فإنه كيف يتأتى النزاع ِف أمر علم حكم هللا ورسوله نصا فيه؟ إن ذلك يكون خروجا عما يقضي به األمر‬
‫َبلطاعة‪ ،‬ومن أجل ذلك قيل‪ :‬إنه جيب أن يكون األمر بطاعة هللا ورسوله فيما ثبت نصا عنهما أنه حكم هللا ِف كتابه‬
‫أو سنة رسوله‪ ،‬فأما ما َل ينص فيهما على حكمه فهذا الذي يصح أن يتنازع الناس ِف حكمه‪ ،‬ألَنم َّل جيدون نصا‬
‫يلزمهم طاعته‪ ،‬ومبا أنه َّل ْيكن أن حيوي الكتاب وَّل أن حتوي السنة نصوص األحكام ِف أشخاص املسائل‪ ،‬إذ‬
‫أشخاص املسائل َّل تتناهى‪ .‬فجاز أن تكون حوادث َّل جند هلا حكما ِف كتاب وَّل سنة‪ ،‬فهذه هي اليت قال هللا لنا‬
‫فيها‪:‬‬
‫اَّللِ والارس ِ‬ ‫ٍ‬
‫ول أي فارجعوا فيه إىل ما ِف الكتاب والسنة من أحكام‪ -‬حيث يكون احلكم‬ ‫ناز ْعتُ ْم ِِف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا َ ُ‬
‫فَإِ ْن تَ َ‬
‫قد ورد من أجل حكمة انط الشارع هبا احلكم‪ ،‬ورتبه عليها‪ ،‬وحيث جتدون هذه احلكمة فيما جد لديكم من احلوادث‪-‬‬
‫تعلموا أن هذا احلكم الذي ِف الكتاب أو السنة مرتبا على هذه العلة هو حكم هللا ِف كتابه أو سنة رسوله فيما جد‬
‫من احلوادث‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وهذا هو القياس الذي فهمه معاذ رضي هللا عنه حني بعثه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إىل اليمن‪ ،‬وأقره الرسول‬
‫عليه‪ ،‬حيث روي أنه قال‪« :‬كيف تقضي إن عرض لك قضاء؟» ‪ .‬قال‪« :‬أقضي بكتاب هللا» ‪.‬‬
‫قال‪« :‬فإن َل يكن ِف كتاب هللا؟» ‪ .‬قال‪« :‬أقضي بسنة نيب هللا» ‪ .‬قال‪« :‬فإن َل يكن ِف كتاب هللا وسنة رسول‬
‫هللا؟» ‪ .‬قال‪« :‬أجتهد رأيي َّل آلو» ‪ .‬قال‪ :‬فضرب على صدره وقال‪« :‬احلمد هلل الذي وفق رسول رسول هللا إىل ما‬
‫يرضي رسول هللا» «‪. »1‬‬
‫وإذا جرينا على ما رآه الفخر الرازي من تفسري أويل األمر‪ :‬أبهل احلل والعقد تكون اآلية دالة على حجية الكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع والقياس‪.‬‬
‫اَّللِ والارس ِ‬
‫ول ما يشعر بكون املتنازع فيه مما َّل نص فيه‪ ،‬وإَّل كان واجب الطاعة‪ ،‬غري حمل للنزاع‬ ‫وِف قوله‪ :‬فَ ُرُّدوهُ إِ َىل ا َ ُ‬
‫كما قدمنا‪.‬‬

‫‪15‬‬

You might also like