Professional Documents
Culture Documents
173 مقدمة
173 مقدمة
تقف امل�سيحية الإثيوبية –كما برهنت درا�سات الكتاب� -أمام �سرديات عدة،
تتقاطع �أحيان ًا يف ما بينها� :أو ًال :ال�سرد الأوروبي الذي ا�ستفاق مت�أخر ًا على اجلذور
امل�سيحية الأ�صيلة يف �إثيوبيا ،ويتحدث عن الدور الربتغايل يف الت�صدي لهجمات
�أحمد بن �إبراهيم الغازي (الأع�سر) ،بدء ًا من عام 1535لإنقاذ الإمرباطورية
امل�سيحية الإثيوبية ،ثم ي�أتي �إلى دخول الكاثوليكية ب�سبب الت�أثري الإيطايل يف عهد
مو�سوليني .وال�سرد الثاين ،م�صدره الكني�سة القبطية الأرثوذك�سية التي عملت على
تنظيم �ش�ؤون الكني�سة الإثيوبية و�سيامة �أ�ساقفتها حتى نيل ا�ستقاللها يف عهد البابا
كريل�س ال�ساد�س .وبني هذين ال�سردين تربز اال�ستعادة التاريخية الإثيوبية التي
حاولت القول بخ�صو�صية جتربتها و�أ�صالتها ،خ�صو�ص ًا بعد التح ّوالت ال�سيا�سية التي
�أرادت حفظ اال�ستقالل ال�سيا�سي والديني للدولة.
كانت �إثيوبيا من �أوائل الدول التي �أعلنت امل�سيحية دين ًا ر�سمي ًا للبالد يف القرن
الرابع امليالدي ،وقد منحها ذلك مميزات خمتلفة ،فتزعم فر�ضيات الدرا�سات �أنها
مل ُت�ستعمر يف تاريخها �أبد ًا ،عدا ال�سنوات اخلم�س التي احتلها فيها النظام الفا�شي
الإيطايل يف ثالثينيات القرن املا�ضي ،فقط ب�سبب دينها .ويف هذا الزعم نظر ،ال
ينفي �أ ّنها مت َّكنت من حفظ التما�سك الداخلي بف�ضل امل�سيحية املتوائمة مع ثقافاتها
ال�شعبية.
م ّيزت درا�س ٌة م�سارين لت�شكالت امل�سيحية الإثيوبية وعالقتها بالإثنية ،الأ ّول:
كانت امل�سيحية فيه فوق الإثنية وكانت الكني�سة امل�سيحية ،ال النظام امللكي ،هي
الرابط بني الإقطاعيات املتفككة .والأمنوذج الآخر ،ا�ستخدم الإكراه والأيديولوجيا
لبناء الدولة احلديثة ،ف�صنعت «الإثنية التخييلية» التي َ
تخ�ضع امل�سيحية الإثيوبية لها،
فتحولت امل�سيحية �إلى القومية عرب �إعادة �إبراز رواية كتاب «كربا ناغا�ست» (جمد ّ
ف�سر به الباحث �-صاحب خ�ضعت بذلك لتوظيف الأيديولوجيني ،مما ُي ّ امللوك) ،ف�أُ ِ
الفر�ضية -الأحداث التي تواجهها الدولة وجريانها يف الوقت الراهن ،طارح ًا
فكرة «تع ّر�ض الروابط اجلماعية خلطر الطم�س»؛ وبت�سمية الهويات بني الأمهريني
والتيغريني ،حاول فهم جذر ال�صراع الراهن يف املنطقة ،ومداها!
9
المسبــار
ونظر ًا للتقاطعات املتباينة بني الدين والدولة يف القارة الأفريقية ،عر�ضت
درا�سة دور الكني�سة يف جمهورية الكونغو الدميقراطية ،فناق�شت تطور العالقة بني
ال�سلطة ال�سيا�سية والكني�سة امل�سيحية ،من خالل متغريين :التعاون واال�ستيعاب يقابله
ال�صراع واملواجهة ،وتوقفت عند الدور الكن�سي يف التحوالت ال�سيا�سية الرئي�سة التي
طبعت نهاية حكم جوزيف كابيال ( ،)Joseph Kabilaوغريها من الأحداث.
در�س الكتاب احلركات امل�سيحية املتطرفة يف �أفريقيا ،بهدف فهم �أثر ال�صراع
الإثني رّ
وتعث فكرة الدولة وبناء م�ؤ�س�ساتها يف القارة ،فتطرق �إلى حركة البيافرا يف
اجلنوب النيجريي وجي�ش الرب يف �شمال �أوغندا ،وميلي�شيات �أنتي بالكا يف جمهورية
�أفريقيا الو�سطى.
ت�أ�س�ست مراكز الأبحاث املتخ�ص�صة يف الدرا�سات الأفريقية بعد حقبة
اال�ستقالالت ،يف فرن�سا وبريطانيا و�أمريكا .قدمت درا�سة خال�صات مهمة ،ومثرية
للجدل ،ر�أت �أن هذه املراكز دعمت ربط الدين بالدولة يف �أفريقيا امل�سيحية ،يف
الوقت الذي دعت فيه الغرب للف�صل بينهما ،جتنب ًا للمواجهات الدينية الدامية التي
عانت من ويالتها �أوروبا .ناق�شت الدرا�سة االجتاهات النظرية الغربية التي اعتمدت
عليها هذه املراكز يف مقاربة ،دور الدين يف املجتمعات الأفريقية ومنها« :االجتاه
البنيوي الوظيفي» و«االجتاه ال�صراعي» و«االجتاه التفاعلي– الرمزي» ،مطبق ًة ذلك
عدد من املقاالت املختارة.
على ٍ
حاولت درا�سة قراءة موقف الن�سوية الأفريقية م�ستخدمة م�صطلح «الن�سوية
البي�ضاء» ،فعر�ضت لأبرز الكتابات التي قدمتها الن�سويات الأفريقيات يف ما يخ�ص
احلمالت التب�شريية يف القارة ،وت�أثريها يف م�س�ألة اجلندر والأدوار االجتماعية.
وقدمت لأفكار الن�سويات الأفريقيات مثل� :أويرونك �أُيو ِوميي (Oyeronke
)Oyewumiوفيلومينا كالري�س �ستيدي ( )Filomina Clarice Steadyحول
الكني�سة املعا�صرة و«الكولونيالية» وعالقتها بالتغريات وانعكا�سها يف ق�ضايا املر�أة
والعائلة ،و�أبرزت �أفكارهن احلادة والغريبة يف ق�ضية «اخلتان» ،و�سجالهن مع
الن�سوية الغربية.
10
المسبــار
يف اخلتام ،يتوجه مركز امل�سبار بال�شكر لكل الباحثني امل�شاركني يف الكتاب،
ويخ�ص بالذكر الزميلة ريتا فرج التي ن�سقت العدد ،ون�أمل �أن تر�ضيكم ثمرة جهودها
وفريق العمل.
رئيس التحرير
11
المسبــار