You are on page 1of 10

La prospective

stratégique

La prospective stratégique
Pour les entreprises
et les territoires

Michel Godet
Philippe Durance

P. Durance
M. Godet
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫الـفهرس‬
‫‪4‬‬ ‫استهالل‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة‬
‫الفصل األول‬
‫‪21‬‬ ‫الصرامة من أجل عدم تقيد فكري‬ ‫ّ‬
‫‪21‬‬ ‫‪I‬ـ التخطيط ‪ ،‬االستشراف و االستراتيجيا‪ :‬ما الفرق ؟‬
‫‪25‬‬ ‫‪1‬ػ توضيح ضروري للمفاىيم‬
‫‪26‬‬ ‫‪ 2‬ػ من رغبات االستشراؼ إذل حقائق االسًتاتيجيا‬
‫‪27‬‬ ‫‪ 3‬ـ أي استراتيجيا ألي درجة من الالّمؤكد؟‬
‫‪28‬‬ ‫‪ 4‬ـ أربعة مواقف تجاه المستقبل‬
‫‪28‬‬ ‫‪ 5‬ػ مسائل االستشراؼ االسًتاتيجي اػبمس األساسيّة‬
‫‪19‬‬ ‫‪ 6‬ػ عوامل التغيَت تكوف داخلية أوال‬
‫‪20‬‬ ‫‪ I .I‬طبسة أفكار مفاتيح لبلستشراؼ‬
‫‪20‬‬ ‫‪1‬ػ العادل يتغَت لكن اؼبشاكل تبقى‬
‫‪21‬‬ ‫‪ 2‬ػ اؼبستقبل‪ :‬شبرة الضرورة واإلرادة‬
‫‪22‬‬ ‫‪3‬ػ كفى تعقيدا للمركب‬
‫‪22‬‬ ‫‪ 4‬ػ طرح األسئلة اعبيدة و االحًتاس من األفكار اؼبسبقة‬
‫‪23‬‬ ‫‪5‬ػ من االستباؽ إذل العمل بالتملك (التبٍت والتحكم)‬
‫‪24‬‬ ‫‪I I I‬ـ طرق االستشراف االستراتيجي‬
‫‪25‬‬ ‫‪1‬ػ التخطيط االسًتاتيجي بالسيناريوىات‬
‫‪26‬‬ ‫‪ 2‬ػ الطريقة ومراحلها‬
‫‪29‬‬ ‫‪1‬ػ أدوات ألجل الصرامة‬
‫‪30‬‬ ‫‪ .4‬مثاالف لتسلسل متميز لؤلدوات‬
‫‪31‬‬ ‫‪5‬ػ حالة من حاالت التخطيط بالسيناريوىات‬
‫‪33‬‬ ‫‪6‬ػ طريق كبو اؼبستقبل‪ :‬االستشراؼ ضمن فرع الفبلحة‬
‫‪35‬‬ ‫‪ IV‬في حسن استعمال المناىج واألدوات‬
‫‪36‬‬ ‫‪ 1‬ػ حلم اؼبسمار و خطر اؼبطرقة‬
‫‪37‬‬ ‫‪ 2‬ػ السيناريوىات ‪ :‬التقاليد واإلفراطات‬
‫‪38‬‬ ‫‪ 1‬ـ كيف نحكم على نوعية سيناريو؟‬
‫‪2‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫‪39‬‬ ‫‪ 4‬ـ التفاصيل "في الغالب" ىي مدخل الشيطان‬


‫‪40‬‬ ‫‪ 5‬ـ ورشات االستشراف االستراتيجي‬
‫الفصل الثاني‬
‫‪43‬‬
‫من مشاكل االستشراف االستراتيجي إلى مناىجو‬
‫‪44‬‬ ‫‪I‬ـ طريقة السيناريوىات نظرة عامة‬
‫‪44‬‬ ‫‪1‬ػ ديناميكية السيناريوىات؟‬
‫‪44‬‬ ‫‪2‬ػ إعداد السيناريوىات‬
‫‪47‬‬ ‫‪3‬ػ اعبدوى و اغبدود‬
‫‪48‬‬ ‫‪II‬ـ بدء العملية ورشات االستشراف االستراتيجي‬
‫‪48‬‬ ‫‪ :1‬ـبتلف أنواع الورشات‬
‫‪50‬‬ ‫‪2‬ـ مبادئ التنفيذ والتنشيط‬
‫‪50‬‬ ‫‪3‬ػ اعبدوى و اغبدود‬
‫‪51‬‬ ‫‪III‬ـ إنجاز التشخيص الكامل للمؤسسة أمام محيطها‬
‫‪51‬‬ ‫‪1‬ػ أشجار الكفاءات‬
‫‪53‬‬ ‫‪2‬ػ مناىج التحليل االسًتاتيجي و أدواتو‬
‫‪54‬‬ ‫‪ 3‬ػ التشخيص االسًتاتيجي‬
‫‪56‬‬ ‫‪IV‬ـ تحديد المتغيرات المفاتيح‬
‫‪56‬‬ ‫‪1‬ػ مراحل التحليل البنيوي‬
‫‪58‬‬ ‫‪1‬ػ ـبتلف أنواع اؼبتغَتات وتفسَتىا‬
‫‪60‬‬ ‫‪1‬ػ إبراز اؼبتغَتات اػبفية‬
‫‪60‬‬ ‫‪4‬ػ اعبدوى و الضوابط‬
‫‪61‬‬ ‫‪V‬ـ تحليل تدخل الفاعلين‬
‫‪62‬‬ ‫‪1‬ػ مراحل التحليل‬
‫‪64‬‬ ‫‪2‬ػ اعبدوى و اغبدود‬
‫‪65‬‬ ‫‪VI‬ـ مسح حقل الممكنات و تقليص االرتياب‬
‫‪65‬‬ ‫‪1‬ـ التحليل المرفولوجي‬
‫‪68‬‬ ‫‪2‬ػ منهج دلفي‬
‫‪70‬‬ ‫‪3‬ػ معداد راينيي‬
‫‪71‬‬ ‫‪ 4‬ػ منهج لآلثار اؼبتقاطعة االحتمالية‬
‫‪74‬‬ ‫‪ VII‬ـ تقييم الخيارات و االختيارات اإلستراتيجية‬
‫‪74‬‬ ‫‪1‬ػ أشجار الوجاىة‬
‫‪3‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫‪76‬‬ ‫‪2‬ػ مولتيبوؿ‬


‫الفصل الثالث‬
‫‪78‬‬
‫االستشراف االستراتيجي ألجل األقاليم‬
‫‪79‬‬ ‫‪ I‬االستشراف اإلقليمي‪ :‬النشأة واالنطالقة‬
‫‪79‬‬ ‫‪ .1‬التخطيط‪ ،‬االستشراؼ وهتيئة اإلقليم‬
‫‪85‬‬ ‫‪ .2‬سياؽ تشريعي حديث ومبلئم للغاية‬
‫‪87‬‬ ‫‪ II‬االستشراف اإلقليمي استشراف استراتيجي‬
‫‪87‬‬ ‫‪.1‬طريقة استشرافية‬
‫‪87‬‬ ‫‪.2‬مقاربة إسًتاتيجية‬
‫‪90‬‬ ‫‪.3‬عملية تشاركيو‬
‫‪90‬‬ ‫‪.4‬الكتب الثبلثة‪ :‬األزرؽ‪ ،‬األصفر‪ ،‬األخضر‬
‫‪91‬‬ ‫‪ III‬االستشراف اإلقليمي والتمهين التنظيمي‬
‫‪91‬‬ ‫‪ .1‬الدراسات االستشرافية‬
‫‪92‬‬ ‫‪.2‬اؼبساعدة على ازباذ القرار‬
‫‪92‬‬ ‫‪.3‬التجنيد‬
‫‪92‬‬ ‫‪.4‬قيادة التغيَت‬
‫‪93‬‬ ‫‪ IV‬بعض األفخاخ التي ينبغي تجنبها‬
‫‪93‬‬ ‫‪ .1‬خطر الديباغوجية التشاركية‬
‫‪94‬‬ ‫‪ .2‬عدـ اػبلط بُت اغبكومة والرشادة يف اغبكم‬
‫‪95‬‬ ‫‪ .3‬سيناريوىات عديدة وقليل من اؼبشاريع النابعة منها‬
‫‪97‬‬ ‫اػببلصة‬
‫‪103‬‬ ‫خاسبة‬
‫‪104‬‬ ‫ملحق‪:‬السيناريوىات أدوات اإلسًتاتيجية والتسيَت‬
‫‪126‬‬ ‫بيبليوغرافيا‬

‫‪4‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫تمهيد‬

‫إذا كاف اؼبستقبل بالنسبة ؿ"غاستوف بارجي" وبتاج " ألف يُبتكر أكثر فبا وبتاج أف يُكتشف"‬
‫فإنو بالنسبة للعادل العريب يف حاجة إذل أف "يعاد اكتشافو"‪.‬‬

‫لقد تبٌت "بارجي" يف مؤلفيو " اغبياة الروحية"‪ 1‬و"الزمن"‪ 2‬مقاربة مذىبية لتحليل عبلقة الزمن‬
‫باؼبستقبل‪ .‬ولفت االنتباه بتحليلو القائم على اللغة واؼبفهوـ واؼبذىب يف كتابو "فينومينولوجيا الزمن‬
‫واالستشراؼ"‪ ، 3‬إذل ىذه الثبلثية اليت يبكن من خبلؽبا معرفة مدى اندماج مكونات اؼبوقف االستشرايف‬
‫يف الثقافة العربية اإلسبلمية‪.‬‬

‫لقد اىتم العادل اإلسبلمي بفكرة اؼبستقبل أثناء اؼبمارسة‪ ،4‬إذ الحظنا بالفعل أف الدراسات‬
‫اؼبستقبلية قد ازدىرت يف ىذا اعبانب‪ ،‬حيث تشكلت ثبلثة موجات نتيجة زخم الفكر االستشرايف‪:‬‬
‫موجة جاءت ما بعد اغبقبة االستعمارية‪ ،‬وأخرى صاحبت حرب اػبليج األوذل وثالثة جاءت بعد ‪22‬‬
‫سبتمرب ‪.1002‬‬

‫قاد األوذل ػ ما بعد اغبقبة االستعمارية ‪ ،‬مثقفوف تكونوا يف اؼبدارس الغربية‪ ،‬كانت لديهم‬
‫نتيجة ذلك رؤية للمستقبل مرتبطة بالتزامهم الثقايف‪ ،‬مثل حالة بورقيبة‪ .‬لقد سعى ىؤالء الرجاؿ والنساء‬
‫إذل إرساء موقف استشرايف قائم على مناىج قادمة من أوروبا بغية تكييفها مع بلداهنم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Revue Prospective : Gaston Berger, un philosophe dans le monde moderne,‬‬
‫‪cahier à l‟hommage de Gaston Berger, n°7, 1961, p.113.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪L'Encyclopédie française, t. XX : Le monde en devenir, 1959, p. 20/38/13-‬‬
‫‪40/05 (reproduit in Prospective, n° 7, p. 89.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪BERGER Gaston, Phénoménologie du temps et prospective, Paris, PUF, 1964.‬‬

‫‪ 4‬يف الواقع توجد دراسات‪ ،‬ولكننا نبلحظ بأهنا تربز يف شكل استشراؼ إيديولوجي أكثر منها يف شكل‬
‫استشراؼ تشاركي نابع من قاعدة اجملتمع اؼبدين‪ ،‬إننا نتجو أكثر كبو تصميم وبناء السيناريوىات أكثر فبا‬
‫نتجو كبو جوىر االستش راؼ ذاتو دبعٌت الفعل يف اغباضر على ضوء اؼبستقببلت اؼبمكنة‬

‫‪5‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫وواكبت اؼبوجة الثانية مرحلة ما بعد حرب اػبليج األوذل وارتبطت بسقوط حائط برلُت يف سنة ‪.2989‬‬
‫إذ بعد سقوط الشيوعية بدا وكأف ىناؾ رؤية أخرى للعادل يبكنها أف تولد‪ ،‬مع ما يبكن أف تًتكو من آثار‬
‫كبَتة أو صغَتة على بلداف العادل العريب واإلسبلمي وخباصة على نظاـ التخطيط السوفيييت‪.‬‬

‫أما اؼبوجة الثالثة فإهنا تلك البلحقة للحادي عشر من سبتمرب ‪ ،1002‬حيث ترؾ ىذا اغبدث تأثَتات‬
‫عدة على اعبغرافية السياسية العاؼبية كاف ؽبا األثر البالغ على العادل اإلسبلمي‪ .‬لكن اؼبوجة الرابعة‪ ،‬موجة‬
‫الػ ‪ 24‬من جانفي اليت ارتبطت بالثورة التونسية‪ 5‬فستكوف أبلغ من غَتىا حيث لوحظ معها وجود عدة‬
‫مراكز دراسات ذات توجو اسًتاتيجي و متعددة التخصصات تابعة للدولة أو منبثقة من لببة اجملتمع‬
‫اؼبدين‪.‬‬

‫إف" اؼبعرفة ىي التنبؤ والتنبؤ ىو السلطة"‪ .‬إف مقولة "أوغست كونت" ىذه تعرب بدقة عن منظور و أفق‬
‫لبلستشراؼ بشكل عاـ ولدى ليونسكو بوجو خاص‪ .‬فمن خبلؿ ما تقوـ بو اليونسكو يف ميادين‬
‫الًتبية‪ ،‬العلوـ‪ ،‬الثقافة واالتصاؿ‪ ،‬تعمل على تعزيز إنتاج اؼبعارؼ ونشرىا واستخدامها واحملافظة عليها‬
‫كأدوات السًتاتي جة شاملة غايتها إرساء السلم و ثقافة السلم‪ ،‬مع الًتكيز على قوة اغبوار وؾبتمعات‬
‫اؼبعرفة الشاملة حقيقة‪.‬‬

‫قيس الهمامي‬
‫باحث وخبَت يف ميداف االستشراؼ‬

‫‪ 5‬إف الطابع غَت اؼبسبوؽ ؽبذه الثورة يتعلق بكل عضو يكوف يف حلة انبثاؽ مستمرة من تلقاء نفسو‪ ،‬إهنا‬
‫ثورة غَت ديكارتية‪ ،‬إف زمنها ليس زمنا ميكانيكا وـبططا‪ ،‬ولكنو زمن مركب مشكل من دفق واحد‪ .‬إهنا‬
‫ثورة تلقا ئية حقيقة ولكنها ثورة ذبمع بنواهتا ؾبموعة مركبة من اؼبكونات تشكل كبل يف حالة انبثاؽ‪ .‬إهنا‬
‫نوع من االستشراؼ الفلسفي الذي ابتكر مستقبلو بنفسو الذي حسب الصيغة األصلية لنيتشة واليت‬
‫أوردىا غاستوف بارجي ‪ " :‬اؼبستقبل ىو أقل من أف يكتشف أف يبتكر"‪ .‬إننا يبكن أف نصف ىذه الثورة‬
‫بأهنا ثورة مصَت غَت مسبوقة يف تاريخ اإلنسانية‪ .‬إهنا ثورة استبقت مستقبلها اػباص من غَت أف تكوف‬
‫لدى مكوناهتا القدرة على زبيل ىذا اؼبستقبل الذي كم كاف مرغوبا‪ ،‬وقطع مع الدكتاتورية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫توطئة‬

‫وإذا عدنا إذل سنة ‪ 2945‬فإف اؼبيثاؽ التأسيسي لليونسكو نص يف ديباجتو على غاية بقدر‬
‫مستلهمة من تقاليد سياسية وفلسفية عدة‪ ،‬ذات طبيعة إنسانية يف اؼبقاـ‬
‫َ‬ ‫ما ىي بسيطة كانت طموحة‪،‬‬
‫األوؿ‪ ،‬تتعلق باغبث على التعاوف الدورل متبنية مبدأ ورؤية أساسية تقوؿ‪ ":‬ؼبا كانت اغبروب تتولد يف‬
‫عقوؿ البشر‪ ،‬ففي عقوؽبم هبب أف تبٌت حصوف السبلـ"‪ .‬ىذه ىي نظرة اليونسكو إذل االستشراؼ إذا‬
‫كاف وال بد منها‪ ،‬من خبلؽبا كبن مطالبوف لتكثيف جهود صبيع الفاعلُت ػ الدوؿ األعضاء‪ ،‬اجملتمع اؼبدين‬
‫ىم مسؤولية اؼبواطنة‪ .‬لقد كاف "غاستوف بارجي" مؤسس‬ ‫و أكثر فأكثر مؤسسات وأفراد وبملوف َّ‬
‫االستشراؼ ىو أوؿ من تبٌت ىذه الرؤية‪ ،‬ففي سنة ‪ ،2946‬كاف عضوا يف الوفد الفرنسي يف الندوة‬
‫األوذل‪ ،‬إذل جانب ليوف بلوـ‪ ،‬ريٍت كاساف‪ ،‬فريديريك جوليوت كوري‪ ،‬لوسياف لوفافر‪ ،‬وأيضا فرانسوا‬
‫مورياؾ‪.‬‬

‫واليوـ‪ ،‬وبعد أكثر من ستُت سنة‪ ،‬لقد توسعت مهمتنا بالنظر إذل اجملاالت اليت نغطيها و‬
‫ازدادت طموحا‪ ،‬مع بقائنا دوما ؿبافظُت على ترقية ُمثل العاؼبية والتنوع‪ .‬إف لدينا اليوـ صبيعا واجبا‬
‫ملزما ذباه اؼبستقبل‪ .‬إف مستقبلنا ىو مستقبل األجياؿ القادمة‪ ،‬الذي يبدو أنو يواجو أزمات متعددة‪.‬‬
‫تشهد عليها تلك األنواع اؼبختلفة والشاملة اليت تفرض ربديا أساسيا على حضارتنا‪ ،‬ازدىارنا ورفاىيتنا ػ‬
‫أزمة مناخية وبيئية ‪ ،‬أزمات مالية‪ ،‬اقتصادية واجتماعية‪ ،‬أزمة فقر مزمنة‪ ،‬أزمة فبلحية‪ ،‬أزمة طاقويةػ‪ .‬إف‬
‫ىذه األزمات عندما تتداخل فيما بينها تعد هتديدات كربى على السبلـ‪ ،‬وتفرض علينا واجب التضامن‬
‫وواجب مشاركة األفراد والشعوب قيمهم األخبلقية‪.‬‬

‫إف اليونسكو بصفتها من فواعل التعاوف اؼبتعدد األطراؼ‪ ،‬ينبغي أف تصغي إذل اغباضر لتنهل‬
‫منو وأف توحي لو باألفكار‪ ،‬القيم واؼبعايَت اليت من شأهنا أف تسهل انبثاؽ بنية مستدامة أخبلقية وثقافية‬
‫للعوؼبة القادمة‪ .‬ولكن كيف مبر من الفكر إذل العمل؟‪.‬‬

‫إننا يف حاجة إذل جسر لبلنتقاؿ من مفهوـ مستقبل مرغوب إذل ذبسيد مستقبل مستداـ‬
‫وقابل للتحقيق‪ .‬ففي اليونسكو يعود األمر إذل االستشراؼ االسًتاتيجي الذي ينبغي عليو أف يساعدػ‬

‫‪7‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫خاصة من خبلؿ وثائق إسًتاذبية متوسطة اؼبدى‪ ، 6‬وميزانيات وبرامج تقدـ مرتُت يف السنة ػ على ترصبة‬
‫اؼبنظور اإلرشادي إذل نشاطات وبرامج ملموسة تقررىا الدوؿ األعضاء لتقوـ أمانتها بتنفيذىا باتفاؽ مع‬
‫اؼبهاـ اػبمس اؼبفتاحية للمنظمة‪ .‬إف اليونسكو تقوـ بأدوار ووظائف عدة‪ :‬منها اؼبتعلقة دبخابر األفكار‪،‬‬
‫أو هبيئات ذات طبيعة معيارية عادة ما تكوف أدواهتا مدؾبة يف التشريعات الوطنية‪ ،‬أو دبراكز تبادؿ‬
‫اؼبعلومات‪ ،‬مثبل عن طريق صبع خرباء ضمن ؾباالت جديدة لؤلخبلقيات العلمية‪ ،‬خاصة يف ؾباؿ‬
‫أخبلقيات علم األحياء‪ ،‬ومنها اؼبتعلقة هبيئات تنمية قدرات الدوؿ األعضاء من خبلؿ تطوير الكفاءات‬
‫واؼبؤسسات الوجيهة‪ ،‬وأخَتا تلك احملفزة للعبلقات الدولية اليت تشجع اليونسكو من خبلؽبا الدوؿ‬
‫األعضاء للعمل يف انسجاـ ولتعزيز اغبوار بُت الثقافات‪.‬‬

‫وللقياـ هبذه اؼبهاـ على أحسن وجو مع ما فيها من طبيعة مركبة ومتنوعة‪ ،‬يعد االستشراؼ‬
‫االسًتاتيجي أداة أساسية خاصة لدمج تطلعاتنا وطموحاتنا والتعبَت عنها ضمن كامل أبعادىا‪ .‬لقد‬
‫ازداد اللجوء ؽبذه األدوات‪ ،‬أي آليات ومناىج االستشراؼ‪ ،‬ضمن سياؽ أصبح فيو نشاط اليونسكو‬
‫يندرج أكثر فأكثر ضمن اإلطار الواسع لؤلمم اؼبتحدة ‪ ،‬إف على اؼبستوى الكلي أو على مستوى‬
‫البلداف‪.‬‬

‫يرتبط بعداف من ىذه األبعاد عضويا بعمل االستشراؼ االسًتاذبي‪ .‬من جهة قبد التسيَت‬
‫الذي يتمحور حوؿ النتائج يدفعنا إذل زيادة االنسجاـ والوجاىة و وزيادة األثر الناتج عن عملنا‪ ،‬حيث‬
‫يتعلق األمر ىنا بالقياـ بواجب استشرايف واستباقي لبلوغ النتائج وربسينها‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يركز تسيَت‬
‫اؼبخاطر انتباىنا على التهديدات والفرص اليت يبكنها أف تؤثر يف بيئتنا الداخلية واػبارجية بصفة غَت‬
‫متوقعة‪ ،‬حيث يتعلق األمر ىنا بالقياـ بواجب استشرايف لفهم البلمؤكد الذي ىو صفة اؼبستقبل‪.‬‬

‫لقد أصبح التسيَت الباحث عن أفضل النتائج والذي يعرؼ ما ىي اؼبخاطر اليت ينبغي خوضها‬

‫‪ 6‬إف الطابع غَت اؼبسبوؽ ؽبذه الثورة يتعلق بكل عضو يكوف يف حلة انبثاؽ مستمرة من تلقاء نفسو‪ ،‬إهنا‬
‫ثورة غَت ديكارتية‪ ،‬إف زمنها ليس زمنا ميكانيكا وـبططا‪ ،‬ولكنو زمن مركب مشكل من دفق واحد‪ .‬إهنا‬
‫ثورة تلقائية حقيقة ولكنها ثورة ذبمع بنواهتا ؾبموعة مركبة من اؼبكونات تشكل كبل يف حالة انبثاؽ‪ .‬إهنا‬
‫نوع من االستشراؼ الفلسفي الذي ابتكر مستقبلو بنفسو الذي حسب الصيغة األصلية لنيتشة واليت‬
‫أوردىا غاستوف بارجي ‪ " :‬اؼبستقبل ىو أقل من أف يكتشف أف يبتكر"‪ .‬إننا يبكن أف نصف ىذه الثورة‬
‫بأهنا ثورة مصَت غَت مسبوقة يف تاريخ اإلنسانية‪ .‬إهنا ثورة استبقت مستقبلها اػباص من غَت أف تكوف‬
‫لدى مكوناهتا القدرة على زبيل ىذا اؼبستقبل الذي كم كاف مرغوبا‪ ،‬وقطع مع الدكتاتورية‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫أو ذبنبها من مبادئ التنظيم بلغة اإلسًتاتيجية‪ ،‬أو اؼبيزانية أو اؼبستخدمُت‪ .‬إف ىذه األبعاد أصبحت‬
‫متداخلة فيما بينها وينبغي التحكم فيها إذا أردنا‪ ،‬حىت ال يُصبح اػبضوع للتغيَت ىو قوة االقًتاح‪ .‬أيضا‬
‫فإننا هننئ أنفسنا‪ ،‬بطبع ىذا الكتاب اػباص باالستشراؼ االسًتاتيجي للمؤسسات واألقاليم‪ ،‬وأف قبدد‬
‫االرتباط مع شراكة مثمرة وؿبفزة كانت قد أعطت قبل ذلك مؤلفا غنيا " من االستباؽ إذل الفعل"‪ 7‬يف‬
‫التسعينيات‪ .‬إف االستباؽ واالستشراؼ ليس ؽبما معٌت يف الواقع إال إذا عملنا على نشر مفاىيمها‬
‫ومناىجهما ػ باعتبار أهنا موجهة إذل اؼبنظمات سواء أكانت عمومية ‪ ،‬خاصة أو صبعوية‪.‬‬

‫إف نشر ىذا اؼبؤلف اعبديد أمر مرحب بو‪ ،‬بقدر ما يبُت كيف أف منظمة ‪ ،‬يبكنها‪ ،‬عل‬
‫الصعيد احمللي‪ ،‬يف اؼبيداف‪ ،‬أف تعد وتنشر بداخلها رؤية‪ ،‬لغة ومرجعيات مشًتكة يبكن تبينيها من قبل‬
‫ؾبموع الفاعلُت اؼبعنيُت‪ ،‬ػ إدارة‪ ،‬مستخدمُت‪ ،‬واىبُت‪ ،‬مسانبُت أو حكومات وطنية أو ؿبلية ػ ‪ .‬إننا‬
‫سننجح بصفتنا استشرافيُت إذا ما سب كنا من ترقية ثقافة استباؽ‪ ،‬مرونة‪ ،‬فضوؿ و ابتكار من شأهنا أف‬
‫تساىم يف إهباد عادل أكثر استدامة وسبلما‪.‬‬
‫ىانس دورفيل‬
‫نائب اؼبدير العاـ لليونسكو للتخطيط االسًتاتيجي‬

‫‪7‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪Voir Michel Godet (1994), From anticipation to action. A handbook of Strategic‬‬
‫‪prospective, UNESCO Publishing, publié dans la collection Future-oriented‬‬
‫‪studies.‬‬

‫‪9‬‬
‫االستشراف االستراتيجي للمؤسسات واألقاليم‬

‫استهالل‬

‫ينبغي أف نشَت بداية أف نقل ىذا الكتاب إذل اللغة العربية يُعد تتمة ؼبا قاـ بو الدكتور قيس‬
‫اؽبمامي‪ ،‬الذي اشتغل باحثا مشاركا يف ـبرب "ليبسور"‪ ،‬من ترصبة أولية للفصلُت األوؿ والثاين ونشرنبا‬
‫على شبكة اإلنًتنت لقراء اللغة العربية‪ .‬وتعززت فكرة استكماؿ نشر ىذا الكتاب على إثر إسباـ الباحث‬
‫لرسالة الدكتوراه ومناقشتها‪ ،‬وقد تبُت من خبلؿ ىذه الرسالة وبصفة جلية‪ ،‬أف لدى العقل العريب‬
‫واإلسبلمي تارىبيا العناصر الفكرية والثقافية واؼبنهجية اليت سبكنو من ذلك‪ ،‬وىو يف حاجة اليوـ إذل إحياء‬
‫ىذه العناصر وذبديدىا دبا هبعلها مواكبة للتطورات اؼبعاصرة يف ؾباؿ تقنيات االستشراؼ اغبديثة‪.‬‬

‫ويعود الفضل أيضا‪ ،‬لَتى ىذا الكتاب النور‪ ،‬إذل األستاذ الدكتور ؿبمد سليم قبللة من جامعة‬
‫اعبزائر الذي كاف قد استخدـ تقنية مصفوفة التأثَت اؼبتبادؿ اليت طورىا "ليبسور"‪ ،‬يف حبثو اؼبستقبلي لنيل‬
‫شهادة الدكتوراه عن " تفاعبلت اؼبنظور اإلسبلمي مع النظاـ الدورل" سنة ‪ ،1994‬ووصل إذل قناعة‬
‫بضرورة تع ميم منهجية الفكر االستشرايف يف العادل العريب من خبلؿ تأسيسو ؼبركز الدراسات التطبيقية‬
‫واالستشراؼ سنة ‪ 2005‬باعبزائر‪ ،‬والشروع يف نقل أىم ما ُكتب يف ىذا اجملاؿ إذل اللغة العربية‪.‬‬
‫وقد اتفق الباحثاف على اعتبار كتابات "ميشاؿ غودي" رئيس كرسي االستشراؼ يف‬
‫"ليبسور " ‪ ،‬و"فيليب دورانس" وغَتنبا تعد رائدة يف ىذا اجملاؿ وىي خَت فبثل ؼبدرسة االستشراؼ‬
‫الفرنسية‪ ،‬فكاف ىذا الكتاب مسانبة منهما يف نقل أىم أفكار ىذه اؼبدرسة يف ؾبارل االستشراؼ من‬
‫أجل اؼبؤسسات واألقاليم‪ ،‬آملُت أف يُتبع بأعماؿ أخرى تساىم يف ترسيخ معادل ىذا اغبقل من اؼبعرفة يف‬
‫العادل العريب‪.‬‬

‫‪10‬‬

You might also like