You are on page 1of 10

‫محاضرات في مادة مناهج‬

‫العلوم القانونية واالجتماعية‬


‫‪-‬المحاضرة السادسة‪-‬‬

‫االفواج ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪3‬‬

‫ذ‪ .‬عبد اللطيف اهادي‬

‫‪1‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منهجية اعداد البحث العلمي‬

‫وقفنا عند دراستنا لداللة المنهج بان هذا االخير هو الطريقة التي يسلكها الباحث لإلجابة‬
‫عن االسئلة التي تثيرها المشكلة موضوع البحث‪ ،‬وخلصنا الى ان المنهج في العلوم القانونية او‬
‫المنهجية القانونية بصفة عامة هي الوسيلة او الطريقة العلمية والمنطقية في التعامل مع المواضيع‬
‫القانونية رغم تعددها وتنوعها أي كيفية التفتيش عن المعلومات‪ ،‬وكيفية عرضها‪ ،‬وكيفية مناقشتها أو‬
‫كتابتها‪.‬‬

‫والمنهجية طريقة لإلجابة عن إشكالية أو سؤال قانوني ما أو لتحليل فكرة ما‪ .‬فهي طريقة في‬
‫الكتابة تقوم على عرض األفكار بأسلوب متسلسل ومرتب ومبوب) معنون(‪ ،‬وتجنب العرض العشوائي‬
‫وغير الموظف للمعلومات أو سردها بأسلوب غير مترابط العناوين‪.‬‬

‫ان طالب الحقوق والباحث القانوني بصفة عامة في مجالي البحث القانوني النظري والتطبيقي‪،‬‬
‫عندما يبحث في مشكلة قانونية ما‪ ،‬فانه يتعين عليه ان يتناولها بأسلوب علمي متعارف عليه من خالل‬
‫معرفة المفاهيم واألسس التي يقوم عليها البحث القانوني‪ ،‬واالختيار السليم للمشكلة محل البحث‪ ،‬واختيار‬
‫أنسب الطرق لجمع المادة العلمية أو التوصل إلى حقائق يمكن الثقة في صحتها‪.‬‬

‫وهذا يعتبر بمثابة خطوات عمل في مجال األبحاث القانونية‪ ،‬او الخطوات الواجب اتباعها‪،‬‬
‫ال إلى جعله بحثا علميا مقبوال او مؤلفا صالحا للنشر‪.‬‬
‫بداية من اختيار الموضوع محل البحث وصو ا‬

‫فالمنهجية اذن مجرد وسيلة وليست غاية بحد ذاتها‪ ،‬فهي أسلوب للتفكير المنظم وهي الخيط‬
‫الخفي الذي يشد اجزاء الموضوع إلى بعضها البعض‪ ،‬بغض النظر عن نوع الموضوع‪.‬‬

‫االلتزام بالمنهج العلمي يحتم على الباحث منذ البداية ان يحدد الخطوات الكبرى التي سيتبعها‬
‫للوصول الى هدفه‪.‬‬

‫وقبل ان نتحدث عن كيفية اعداد وتحضير البحث العلمي او بتعبير اخر قبل ان نوضح ما‬
‫هي خطوات وأدوات البحث العلمي (المبحث الثاني) يستحسن ان نتعرف اوال على المقصود بالبحث‬
‫العلمي‪ ،‬وذلك بتحديد ماهيته(المبحث االول)‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول‪ :‬تحديد ماهية البحث العلمي‬

‫ان ابراز الداللة اللفظية لمفهوم البحث العلمي (المطلب األول)‪ ،‬يعتبر مسالة اساسية ال محيد‬
‫عنها من اجل االلمام بماهية البحث العلمي‪ ،‬غير ان الصورة لن تتضح اكثر حول هذه الماهية اال‬
‫بالتعرف على خصائص البحث العلمي (المطلب الثاني)‪ ،‬ثم بيان انواعه (المطلب الثالث)‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم البحث العلمي‬

‫للوقوف على الداللة اللفظية لمفهوم البحث العلمي فان األمر يستدعي منا في البداية تحديد‬
‫معنى البحث ( الفقرة االولى)‪ ،‬ثم في نقطة ثانية تحديد معنى العلم ( الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة االولى‪ :‬تحديد معنى البحث‬

‫لغويا‪ :‬يفيد فعل "بحث" او البحث عن الشيء في اللغة العربية طلبه او السؤال عنه‪ ،‬وبحث‬
‫االمر او البحث فيه االجتهاد فيه والتعرف على حقيقته‪ ،‬كما تفيد التفتيش والنبش والحفر في التراب‬
‫انطالقا من قوله تعالى‪ ":‬فبعث اهلل غرابا يبحث في االرض"‪ ،‬وهي اية الغاية منها تلقين الغراب لقابيل‬
‫بعد قتل اخيه هابيل كيف يمكن ان يتدبر امر دفنه‪ ،‬وهو نفس المعنى الذي يحمله لفظ ‪Recherche‬‬
‫الفرنسي اي بداللة التفتيش والتنقيب والكشف عن الحقيقة‪.‬‬

‫واصطالحا‪ :‬يعني البحث بذل جهد ذهني وجسدي‪ ،‬من اجل الوصول الى حقيقة امر او ظاهرة‬
‫ما يصادفها االنسان في حياته الخاصة او العلمية او المهنية‪.‬‬

‫فالباحث يبذل جهده في التفتيش والتنقيب والتحليل والمقارنة في موضوع ما‪ ،‬بحيث ينبغي‬
‫عليه ان يتبع خطوات معينة وان يقطع مجموعة من المراحل بشكل تدريجي توخيا للوصول الى‬
‫الحقيقة‪ ،‬مما يتعذر معه اعتبار الوصول الى حقيقة ما بشكل عشوائي‪ ،‬ودون بحث مضن على انه‬
‫بحث بمواصفات علمية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تحديد معنى العلم‬

‫العلم لغة مصدر مشتق من فعل علم يعلم أي عرف الشيء معرفة‪ ،‬وادركه ادراكا‪ ،‬وتيقن‬
‫منه يقينا‪ ،‬وهو ضد الجهل بالشيء‪.‬‬

‫واصطالحا‪ :‬العلم هو مجموع مسائل واصول كلية تدور حول موضوع واحد وتعالج بمنهج‬
‫معين وتنتهي الى بعض النظريات والقوانين‪ ،‬ويعرف العلم ايضا بكونه" ذلك الفرع من فروع الد ارسة‬
‫‪3‬‬
‫الذي يتعلق بجسد مترابط من الحقائق الثابثة المصنفة‪ ،‬والتي تحكمها قوانين عامة‪ ،‬تستخدم طرقا‬
‫ومناهج موثوقا بها الكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق الدراسة‪.‬‬

‫يستخلص من جميع التعاريف التي انكبت على المفهوم االصطالحي للعلم انه السعي وراء‬
‫حقيقة االشياء كيفما كانت طبيعتها وكيفما كانت سبل البحث المنتهجة من اجل ذلك‪ ،‬او هو كما يراه‬
‫البعض في توضيح اوسع" جزء من المعرفة يتضمن الحقائق والمبادئ والقوانين والنظريات والمعلومات‬
‫الثابثة والمنسقة والمصنفة والطرق والمناهج العملية الموثوق بها لمعرفة واكتشاف الحقيقة بصورة‬
‫قطيعة يقينية"‬

‫ويندرج العلم ضمن فروع المعرفة التي تعد مجاال اوسع لكونها تشمل رصيدا واسعا من‬
‫المعارف والعلوم التي راكمها االنسان عبر التاريخ عقال وفك ار وحسا مما يجعل المعرفة على ثالثة‬
‫انواع‪ :‬معرفة حسية يدركها االنسان عن طريق حواسه الخمس‪ ،‬ومعرفة فكرية تاملية‪ ،‬يتحصل عليها‬
‫االنسان من خالل استعمال الفكر ال الحواس بالتامل في اسباب االشياء ومسبباتها‪ ،‬ومعرفة علمية‬
‫وتجريبية تقوم على المالحظة والدراسة والتجريب‪.‬‬

‫انطالقا من داللة كل من البحث والعلم لغة واصطالحا‪ ،‬حاول البعض تعريف البحث العلمي‬
‫من خالل الربط ما بين كلمتي البحث والعلم‪ ،‬فقالوا إن البحث العلمي هو‪ " :‬إعمال الفكر وبذل الجهد‬
‫الذهني المنظم حول مجموعة من المسائل أو القضايا‪ ،‬بالتفتيش والتقصي عن المبادىء أو العالقات التي‬
‫تربط بينها‪ ،‬وصوالا إلى الحقيقة التي ينبني عليها أفضل الحلول لها " والبعض اآلخر كان أكثر عمق ا‬
‫في تعريفهم ف اروا أن البحث العلمي‪ " :‬هو وسيلة لالستعالم واالستقصاء المنظم والدقيق‪ ،‬الذي يقوم به‬
‫الباحث‪ ،‬بغرض اكتشاف معلومات أو عالقات جديدة‪ ،‬باإلضافة إلى تطوير أو تصحيح أو تحقيق‬
‫المعلومات الموجودة فعال‪ ،‬على أن يتبع في هذا الفحص واالستعالم الدقيق‪ ،‬خطوات المنهج العلمي"‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص البحث العلمي‬

‫يتسم البحث العلمي بمجموعة من الخصائص االساسية التي تميزه عن غيره من من انواع‬
‫البحث‪ ،‬سواء على مستوى الجوهر او على مستوى الشكل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬التراكمية‬

‫تفيد خاصية التراكمية ن الباحث من الصعب ان ينطلق في بحثه من الصفر‪ ،‬دون اعتماد ما‬
‫توصل اليه العلماء بمختلف تخصصاتهم العلمية‪ ،‬كيفما كان مجال البحث في العلوم القانونية او‬

‫‪4‬‬
‫السياسية او االقتصادية او االجتماعية‪ ،‬حيث ان العلم المتحصل عليه اليوم نتاج تراكم متوال‬
‫السهامات العديد من العلماء والباحثين والخبراء طيلة قرون وسنين من البحث المضني تدريجيا‪ ،‬اذ‬
‫كل منهم ساهم في بناء صرح ذاك العلم المتخصص فيه بنصيب محدد الى ان نما وعال هذا البناء‬

‫ثانيا‪ :‬الموضوعية‬

‫من اهم خصائص ومميزات البحث العلمي اتصافه بالموضوعية‪ ،‬وتفيد تجرد الباحث من أي‬
‫تعاطف قبلي او بعدي ومن أي تفاعل عاطفي مع الظاهرة وما ينجم عنها من استنتاجات علمية‪،‬‬
‫سواء اثناء اختيار الظاهرة او انتفاء بعض عناصرها او اختيار ادوات البحث والتحليل‪.‬‬

‫ان الموضوعية خالفا للذاتية هي احدى اخالقيات الباحث العلمي في مختلف انواع البحث‪،‬‬
‫واحدى الفضائل السامية التي لن يستقيم البحث في نتائجه ما لم يكن الباحث قد احترمها طيلة مراحل‬
‫البحث اذ تفرض عدم التحيز ألفكار مسبقة او لجهة على حساب جهة اخرى‪ ،‬او االنسياق وراء‬
‫االهواء والنزعات الشخصية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التجريد‬

‫التجريد صفة علمية مالزمة للعلم‪ ،‬ويقصد به تحويل خصائص الظواهر واالشياء الى افكار‬
‫ومفاهيم ذهنية تدرك بالعقل ال بالحواس‪.‬‬

‫وتتطلب خاصية التجريد من الباحث عزل الظاهرة المدروسة عن صفتها وعن سياقها‪،‬‬
‫واالعتكاف عليها في حد ذاتها بمعزل عن محيطها للتمكن من فهم عمقها‪ ،‬وهذا ما ينهجه رجل‬
‫التشريع اثناء وضع القواعد القانونية‪ ،‬حيث من الضروري عند االعتكاف على دراسة ظاهرة اجتماعية‬
‫ما دراستها بشكل مجرد‪ ،‬دون اسقاطها على فئة اجتماعية دون غيرها‪ ،‬حتى يتم اصباغها بالصبغة‬
‫القانونية وتكون قابلة للسريان بكل تجرد ودون تمييز او مجاملة لطرف على حساب طرف اخر‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬التعميم والشمولية وقابلية التكرار‬

‫تفيد خاصية التعميم والشمولية ان الباحث يعمم النتائج التي يصل اليها او القوانين التي‬
‫يصوغها كخالصة للبحث العلمي لبعض الظواهر او النماذج لتصبح قوانين تخضع لها الحاالت‬
‫المشابهة‪ ،‬وهذه التعميمات تفيد في التنبؤ بما يمكن ان يحدث للظواهر تحت ظروف معينة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كما تفيد خاصية العمومية صالحية النتائج المتوصل اليها للتطبيق في الزمان والمكان‬
‫وقابليتها للتكرار‪ ،‬فعندما يقول الباحثون االجتماعيون ان انعدام التوعية والتفكك االسري من العوامل‬
‫المؤدية الى االنحراف االجتماعي‪ ،‬فهذه حقيقة ال تخص مجتمعا بعينه بل قابلة للتعميم على جميع‬
‫المجتمعات‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الدقة واليقين‬

‫تعني الدقة في البحث العلمي استعمال مصطلحات ومفاهيم ومعلومات دقيقة‪ ،‬فالباحث العلمي‬
‫يسعى الى تحديد مشكلته بدقة واجراءاته بدقة وال يستخدم سوى كالم دقيق محدد‪ ،‬وليس كالما غامضا‬
‫او فضفاضا او عبارات عامة او عشوائية‪ .‬كما انه من غير المستساغ االكثار من الشرح والتفسير‬
‫باالطالة واالطناب في التحليل والشرح الموسع‪.‬‬

‫ولكي ينجح الباحث العلمي في ان يكون دقيقا ويحدد مشكالته واجراءاته وفروضه بدقة فانه‬
‫يستخدم لغة خاصة هي لغة الرياضيات من أرقام واحصائيات وجداول‪.‬‬

‫ان استخدام اللغة الرياضية يؤدي الى فهم دقيق للظواهر ال يمكن الوصول اليه اال من خالل‬
‫القياس الكمي الرقمي الدقيق‪ ،‬فاالحكام الكيفية ال تساعد على فهم الظواهر بل قد تعطي فهما خاطئا‬
‫لها‪.‬‬

‫كما أن على الباحث من جهة اخرى ان يستبعد في بحثه كل األفكار المسبقة والمعلومات غير‬
‫الصحيحة أو غير المبرهن عليها التي قد تقود الباحث إلى متاهات وأخطاء علمية‪ .‬فاليقين سمة‬
‫اساسية من سمات المعرفة العلمية‪ ،‬بحيث ينبغي ان تستند الحقيقة العلمية على مجموعة كافية من‬
‫االدلة المقنعة ال يثار أي شك في صدقيتها‪.‬‬

‫واليقين العلمي يختلف عن اليقين الذاتي حين يقتنع شخص ما بفكرة معينة النه تبدو له‬
‫واضحة وصادقة او النه يحس بصدقها ويشعر بصحتها دون وجود ادلة عليها‪ ،‬فهذا اليقين ليس علميا‬
‫لعدم استناده الى ادلة محسوسة‪.‬‬

‫واليقين نسبي ومحدد في الزمان والمكان‪ ،‬إنه يمثل الحقيقة الراهنة التي ال تلغي وجود حقائق‬
‫اخرى‪ ،‬او قابليتها للتجاوز بظهور معطيات جديدة‪ .‬فالكثير من الحقائق العلمية التي سادت فترة من‬
‫الزمن بطلت صحتها نتيجة لجهود علمية جديدة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫فالعلم عدو الثبات وال يعترف بالحقائق الثابتة بل يؤمن بان الحقائق متغيرة او كما يقول‬
‫الفالسفة ليس هناك حقيقة ثابتة فالحقيقة الثابتة الوحيدة هي ان كل الحقائق تتغير‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الواقعية‬

‫تفيد خاصية الواقعية وجوب كون هذا االخير بحثا منطلقا من الواقع المعاش محلال لعناصره‬
‫ومتفاعال مع قضاياه ومشاكله‪ ،‬حتى يمكن ان يستجيب لتطلعاته ويحل مشكالته وتعقيداته في مختلف‬
‫المجاالت الحيوية‪.‬‬

‫كما تعني الواقعية ان البحث العلمي يسعى اليجاد حلول وخالصات ذات طابع واقعي بمعنى‬
‫قابليتها للتنزيل على ارض الواقع‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬التجريبية‬

‫يتفق الباحثون في الحقل العلمي على ان من المفروض اخضاع كافة الدراسات العلمية‬
‫للتجربة‪ .‬أي اعتماد المالحظة والمعاينة العلمية للظاهرة المعيشة في اكثر من مناسبة الستخراج‬
‫الخالصات الالزمة وبناء نظرية علمية واقعية وموضوعية في المجال العلمي المدروس‪.‬‬

‫ويجب التمييز في هذا االطار بين ما يقوم به الباحث العلمي في العلوم الدقيقة من تجارب‬
‫مختبرية‪ ،‬و ما يقوم به الباحث في العلوم االجتماعية والقانونية والسياسية من تجارب علمية مخالفة‪،‬‬
‫حيث ال تعني التجربة ضرورة عزل الظاهرة في المختبرات العلمية‪ ،‬بل تعني في هذا النوع االخير من‬
‫الدراسات اخضاع بعض عناصر الظاهرة المرغوب دراستها لمعاينة ومالحظة دقيقة‪ ،‬والكشف عن‬
‫مختلف عالئقها مع غيرها من العناصر وتتبع مدى تطورها في الزمان والمكان والسياق‪ ،‬كما يمكن ان‬
‫تعني التجربة اجراؤها ذهنيا وتأمليا‪ ،‬وهو ما نستخلص منه ان لكل مجال علمي تجاربه الخاصة به‪ .‬اذ‬
‫حتى في العلوم الدقيقة ذاتها ثمة فروق واسعة فيما بينها على مستوى التجارب‪ ،‬ففي مجال الفيزياء‬
‫المعاصرة مثال من الصعب اجراء المالحظة المباشرة على الظواهر الميكروسكوبية‪ ،‬كما هو شان‬
‫التجارب التي يجريها الباحث على الذرة مثال‪ ،‬بتتبع حركة االلكترونات والبروتونات داخل هذه الذرة‪.‬‬

‫ثامنا‪ :‬التنظيم‬

‫تفيد خاصية تنظيم البحث العلمي اشتغال الباحث بشكل مرتب ومنطقي يحترم فيه تسلسل‬
‫المراحل ومواكبتها بشكل تدريجي ابتداء من تحديده للمشكلة موضوع البحث الى حين استخالص‬
‫استنتاجاته العلمية النهائية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ان اخضاع البحث العلمي لخاصية التنظيم الدقيق هو احد عناصر النجاح فيه‪ ،‬انطالقا من‬
‫ان هذه الخاصية الشكلية هي التي تعين الباحث على االنتقال بتان وهدوء واطمئنان من مرحلة الى‬
‫مرحلة اخرى‪ ،‬بنوع من التمحيص التدريجي للخالصات المرحلية الجزئية للوصول في االخير الى‬
‫النتيجة النهائية المرغوب الوصول اليها‪.‬‬

‫ان مفاد تنظيم البحث العلمي احترام كل التدابير المرحلية انطالقا من شعور الباحث بالمشكلة‬
‫التي تؤرقه والمرغوب دراستها مرو ار عبر تحديد نطاقها بدقة متناهية‪ ،‬تميي از لها عن غيرها من‬
‫الظواهر المشابهة‪ ،‬ووضع الفرضيات الالزمة ذات الصلة بالظاهرة المحددة‪ ،‬والشروع بعد ذلك في‬
‫عملية جمع مخ تلف المعطيات والمعلومات ذات الصلة بالجزئية المطروح فيها السؤال‪ ،‬وذلك من اجل‬
‫القيام في مرحلة موالية باختبار صحة الفرضيات المطروحة من قبل‪ ،‬وهو ما يمكن ان يعينه على‬
‫الشروع في تصنيف تلك المعلومات والمعطيات‪ ،‬حتى ينتقل فيما بعد الى مرحلة الفحص والتحقق ثم‬
‫االستنتاج النهائي للنظريات وللقواعد العامة المتحكمة في الظاهرة المدروسة‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬التناسق‬

‫يعد التناسق احد خصائص البحث العلمي الشكلية‪ ،‬ويفيد التنظيم الشكلي لمراحل البحث من‬
‫جهة ولمكوناته وأجزائه من جهة ثانية‪ ،‬حيث يتعين ترابط مختلف المراحل التي يقطعها الباحث بشكل‬
‫منهجي ومنطقي سليم‪ ،‬يوحي بصلة السببية المباشرة وغير المباشرة بين اجزاء البحث العلمي‪ ،‬كما‬
‫يتعين ان تكون صفة التناسق حاضرة بين الظاهرة المدروسة وبين الخالصات المستنتجة في ذلك‬
‫البحث‪.‬‬

‫عاش ار‪ :‬العمل الممنهج‬

‫العمل الممنهج يفيد اخضاع البحث العلمي الحد مناهج البحث العلمي‪ ،‬ومن المعلوم ان‬
‫مسالة اختيار المنهج العلمي المالئم تبقى رهينة طبيعة الدراسة المرغوب خوض غمار البحث فيها‪،‬‬
‫حيث ان ثمة عددا هاما من المناهج العلمية تختلف طبيعتها باختالف طبيعة العلوم المدروسة‪ .‬وكلما‬
‫غاب العمل المنهجي غابت الصفة العلمية عن البحث‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انواع البحث العلمي‬

‫تعددت التقسيمات التي اعطيت للبحوث العلمية‪ ،‬فهناك بحوث عملية او تطبيقية‪ ،‬وبحوث‬
‫نظرية االولى تتم اعتمادا على وجود مشكلة واقعية يراد ايجاد حل لها‪ ،‬اما الثانية فهي بحوث نظرية‬

‫‪8‬‬
‫بحتة يكون للباحث الحرية المطلقة في اختيار موضوع بحث‪ ،‬دون ان تكون بالضرورة مشكلة يسعى‬
‫الى ايجاد حل لها عن طريق النتائج التي يتوخى الوصول اليها بالبحث‪.‬‬

‫وفي الواقع ليس من السهل التفرقة بين هذين النوعين من البحوث على اساس االهداف‪،‬‬
‫فكالهما يسعى الى الحقيقة‪ .‬ومن جهة اخرى فهناك تداخل بين النوعين من البحوث‪ ،‬فالباحث‬
‫التطبيقي يستعين ببحوث نظرية‪ ،‬والباحث النظري يوظف نتائج بحوث تطبيقية في احايين كثيرة‪.‬‬

‫كما تنقسم البحوث العلمية الى‪:‬‬

‫‪ ‬البحث العلمي بمعنى التنقيب عن الحقائق‪ ،‬وهو البحث الذي يسعى للتنقيب عن‬
‫حقائق معينة مسبقا‪ ،‬دون ان يحاول التعميم او التجاوز لحل المشاكل‪.‬‬
‫‪ ‬البحث العلمي التفسيري النقدي‪ ،‬وهو البحث الذي يسعى للوصول الى حلول لمشاكل‬
‫معينة مسبقا‪ ،‬ويعتمد على التدليل المنطقي‪ ،‬ويصلح اذا تعلق االمر باالفكار اكثر من‬
‫المسائل المتعلقة بالحقائق‪.‬‬
‫‪ ‬البحث العلمي الكامل‪ ،‬وهو البحث الذي يقوم على جمع الحقائق ووضع التصميمات‪،‬‬
‫وتحليل جميع االدلة التي يتم الوصول اليها وتصنيفها من اجل حل المشاكل‪.‬‬
‫‪ ‬البحث العلمي االستطالعي‪ :‬يسعى من خالله الباحث الى التعرف على المشكلة‬
‫موضوع البحث حينما يكون هذا الموضوع جديدا أي لم يسبق ألحد الخوض فيه‬
‫وتكون البيانات والمعلومات المتوفرة نادرة وقليلة‪.‬‬
‫‪ ‬البحث الوصفي التشخيصي‪ :‬وهو البحث الذي يقتصر على وصف ظاهرة معينة‬
‫قائمة سواء باستخدام طرق كمية او وسائل نوعية‪ ،‬واهداف مثل هذه البحوث هي‬
‫جزئية ومحدودة تقتصر اساسا على تشخيص سمات شيء ما كما هو في الواقع‬
‫(مثال‪ :‬ماهي انطباعات الطلبة الشخصية حول نظام الدراسة)‪.‬‬

‫وبالنسبة للبحث العلمي االكاديمي فمن المتعارف عليه أن البحوث ثالثة أنواع هي‪:‬‬

‫‪ ‬بحث االجازة في النظام القديم وبحث نهاية االشغال الدراسية او مشروع بحث‬
‫نهاية السنة في اطار االصالح األخير‪ :‬وهو الذي ينجزه الطالب في احد‬
‫التخصصات الدراسية التي درسها خالل سنوات اإلجازة‪ ،‬ويخضع هذا البحث‬

‫‪9‬‬
‫للتقييم والتقويم في نهاية السنة او الفصل الدراسي‪ .‬ويعتبر بحثا تمهيديا او تجريبيا‬
‫بالنسبة للطالب يطلع من خالل انجازه على طرق ومناهج البحث واالسلوب‬
‫العلمي في الكتابة‪.‬‬
‫والهدف من وراء مشروع بحث نهاية السنة هو حث الطلبة على البحث من اجل‬
‫اكتساب ملكة التنقيب وجمع المعلومات وتصنيفها والعمل على تنظيم االفكار‬
‫والمعطيات العلمية بشكل عام‪ ،‬دون تعمق في الدراسة والتحليل‪.‬‬
‫‪ ‬بحث للحصول عى شهادة الماستر‪ ،‬وهو الخطوة الثانية في البحوث الجامعية في‬
‫اطار االصالح االخير‪ ،‬وبحث الماستر هو اكثر عمقا من حيث البحث‪ ،‬ويناقش‬
‫امام لجنة من االساتذة وبصفة علنية‬
‫‪ ‬بحث الدكتوراه او االطروحة‪:‬‬
‫يعد بحث الدكتوراه اخر مرحلة من مراحل البحث العلمي االكاديمي يحضره‬
‫الطالب الباحث الحاصل على شهادة الدكتوراه‪.‬‬
‫وتهدف االطروحة الى ابتكار شيء جديد او اعادة صياغة لموضوع سابق اعتمادا‬
‫على افكار جديدة في البحث‪ .‬وتناقش االطروحة امام لجنة من االساتذة‬
‫المختصين في موضوع الباحث وبصفة علنية‬

‫‪11‬‬

You might also like