You are on page 1of 9

‫محاضرات في مادة مناهج‬

‫العلوم القانونية واالجتماعية‬


‫‪-‬المحاضرة الثالثة‪-‬‬

‫االفواج ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪3‬‬

‫ذ‪ .‬عبد اللطيف اهادي‬

‫‪1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬انواع مناهج البحث القانوني واالجتماعي‬

‫تستدعي الدراسات واألبحاث في مجال العلوم القانونية‪ ،‬استخدام عدد من المناهج في التحليل‬
‫والتفسير للظاهرة محل الدراسة‪ ،‬فليس هناك‪ ،‬مبدئيا‪ ،‬ما يقيد الباحث او الدارس من اجل الوصول الى‬
‫الحقيقة‪ ،‬في استعمال هذا المنهج او ذاك إال تقيده بضرورة احترام قواعد البحث المنهجي المنطقي‬
‫السليم‪.‬‬

‫ومن ثم فالعلوم القانونية باعتبارها أحد فروع العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬تخضع من حيث‬
‫الدراسة المنهجية إلى كل األسس والركائز المعتمدة في مجال الدراسات االجتماعية بصفة عامة‪،‬‬
‫بحيث ان طبيعة الموضوع هي التي تحدد المناهج التي يتعين استخدامها‪ ،‬او بعبارة اوضح فان‬
‫اعتماد منهج او مناهج دون اخرى يرتبط بشكل كبير بنوع المشكلة المطروحة للبحث ونوعية‬
‫المعلومات المتوفرة بشأنه‪.‬‬

‫واذا كان االمر كذلك‪ ،‬فان االتجاه السائد اليوم يميل الى الجمع بين المناهج النظرية والمناهج‬
‫التطبيقية‪ ،‬فالبحوث الميدانية بحاجة الى اطار نظري او معرفي تسير على هديه‪ ،‬كما ان نتائج البحث‬
‫الميداني‪ ،‬يجب ان تصاغ في اطار نظري لتوظف الحقا‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن المدرسة األنكلوسكونية تعتمد في تدريسها لمادة القانون أسلوباً مغاي ار‬
‫للمدرسة الالتينية‪ ،‬إذ إنها تنطلق من الجانب التطبيقي لتستخلص منه النظرية المطبقة‪ ،‬على عكس‬
‫الالتينية التي تبدأ بالجانب النظري‪.‬‬

‫دراستنا ألنواع مناهج البحث العلمي ستزاوج بين النوعين وستنصب باألساس على مجموعة‬
‫من المناهج المشتركة بين كل أنواع العلوم تقريباً ومن جملتها العلوم االنسانية التي منها علم القانون‪،‬‬
‫والتي يمكن االستعانة بها في المجال القانوني‪.‬‬

‫المطلب االول‪ :‬المنهج االستنباطي او االستداللي‬

‫لقد ارتبط االستنباط‪ ،‬كمنهج فكري‪ ،‬بمرحلة الفكر الميتافيزيقي‪ ،‬حيث كان االنسان يعتمد فكره‬
‫المقياس الوحيد لكل حقيقة معرفية‪ ،‬وعلى هذا االساس نشأت االبستمولوجية العقالنية في مختلف‬
‫صورها ومستوياتها‪ .‬وكانت المعرفة خاضعة في كل تجلياتها الى احكام المنهج االستداللي الذي‬
‫ينطلق من مخيلة االنسان ومن عقله الصرف‪ .‬ولذلك كان االستدالل كمنهج استنباطي يبحث في‬
‫االمور المنطقية‪ ،‬ناظ ار في ارتباط المقدمات بالنتيجة برباط معين‪ ،‬بحيث اذا قبلنا المقدمات قبلنا‬
‫النتيجة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ولالحاطة بالمنهج االستنباطي (االستداللي) باعتباره من بين المناهج المستخدمة في مجال‬
‫العلوم االجتماعية بصفة عامة‪ ،‬والعلوم القانونية بصفة خاصة‪ ،‬فان االمر يستدعي أوال تعريفه‪ ،‬ثم‬
‫الوقوف على مبادئه وادواته‪ ،‬واخي ار تبيان أهميته في مجال العلوم القانونية‪.‬‬

‫الفقرة االولى ‪ :‬تعريف المنهج االستنباطي او االستداللي‬

‫يشتق مفهوم االستنباط‪ ،‬حسب مختلف المعاجم اللغوية‪ ،‬من فعل استنبط الشيء‪ ،‬يستنبطه‬
‫استنباطا‪ ،‬بمعنى توصل اليه من خالل تحليل مبدإ عام‪ ،‬وذلك بانتقال الذهن من قضية او اكثر الى‬
‫قضية اخرى وفقا لقواعد المنطق‪ ،‬ويفيد بشكل عام استخراج االحكام والوصول اليها بعد اجتهاد ذهني‬
‫وفكري من صاحبه‪.‬‬

‫وقد عرف ابن منظور االستنباط بأنه االستخراج‪ ،‬فالفقيه يستخرج الفقه معتمدا في ذلك على‬
‫ف‬‫الفهم واالجتهاد‪ ،‬وقد ورد هذا المصطلح في قوله تعالى ‪ ﴿ .‬وِا َذا جاء ُهم أَمر ِمن ْاألَم ِن أ َِو اْل َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ ٌْ َ ْ‬
‫ض ُل اللَّ ِه‬
‫ونهُ ِم ْنهُ ْم َولَ ْوَال َف ْ‬
‫ين َي ْستَْنبِطُ َ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬
‫ول َوِالَى أُوِلي ْاأل َْم ِر م ْنهُ ْم لَ َعل َمهُ الذ َ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِ‬
‫اعوا بِه َوَل ْو َرُّدوهُ ِإلَى َّ ُ‬ ‫أَ َذ ُ‬
‫يال ﴾‪.‬‬‫ان ِإ َّال َقِل ً‬
‫ط َ‬ ‫َعلَ ْي ُكم ور ْحمتُهُ َالتََّب ْعتُم َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ََ َ‬
‫ويعد المنهج االستنباطي احد مناهج البحث العلمي التي تتميز بكونها تعتمد على التفكير‬
‫الذهني‪ ،‬ينتقل فيها الباحث من الكل الى الجزء‪ ،‬او من العام الى الخاص‪ ،‬باالنتقال من مسلمات او‬
‫نظريات ليستخلص منها نظريات اخرى محاوال اثباتها بشكل عقلي‪ ،‬وهو ما يصطلح عليه باالستدالل‬
‫التنازلي‪.‬‬

‫فاالستنباط اذن هو االستدالل التنازلي الذي بموجبه يتم دراسة الظاهرة بشكل كلي وصوال إلى‬
‫جزئياتها‪.‬‬

‫ويمكن القول أن االستنباط هو كل استدالل ال تكبر نتيجة المقدمات التي تكون منها ذلك‬
‫االستدالل‪ ،‬ففي كل دليل استنباطي تكون النتيجة دائما مساوية أو أصغر من مقدماتها‪ .‬ومثال ذلك‪:‬‬

‫أحمد إنسان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المقدمة الصغرى‬

‫كل إنسان يموت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ المقدمة الكبرى‬

‫أحمد يموت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ النتيجة‬

‫ما يالحظ أن النتيجة أصغر من المقدمات السابقة عليها‪ ،‬ومن ثم فإن التفكير أخذ طريقه من‬
‫العام إلى الخاص‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ويرجع استخدام المنهج االستنباطي إلى الفيلسوف " أفالطون" من خالل أبحاثه السياسية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ويظهر ذلك في مؤلفه الجمهورية‪ ،‬كما يرجع استخدام المنهج االستنباطي إلى ثقافة‬
‫العلوم الرياضية الواسعة‪.‬‬

‫ولما كان المنهج االستنباطي هو استدالل تنازلي‪ ،‬فإنه من الضروري تحديد مفهوم‬
‫االستدالل‪ ،‬فماذا يقصد بهذا المفهوم‪.‬‬

‫يعرف االستدالل بأنه‪ ":‬البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها) بديهية(‪ ،‬ويسير إلى قضايا‬
‫أخرى تنتج عنها بالضرورة‪ ،‬دون االلتجاء إلى التجربة‪ ،‬وهذا السير يكون بواسطة القول أو الحساب"‬
‫واالستدالل قد يكون عملية عقلية منطقية أولية) واضحة للعقل(‪ ،‬وهو كل برهان دقيق مثل الحساب‬
‫والقياس‪ .‬وقد يكون عبارة عن عملية سلوكية منهجية لتحصيل الحقيقة‪ ،‬وهو السلوك العام المستخدم‬
‫في العلوم والرياضيات‪ ،‬أي التسلسل المنطقي المنتقل من مبادئ وقضايا أولية إلى قضايا أخرى‬
‫تستخلص وتستنج منها بالضرورة‪ ،‬دون استعمال التجربة ومن االمثلة على ذلك العمليات الحسابية‬
‫التي يقوم بها أستاذ الرياضيات دون اجراء تجارب‪ ،‬واالستدالالت التي يستعملها القاضي اعتمادا على‬
‫ما لديه من قضايا ومبادئ قانونية‪.‬‬

‫واجماال يتم االستدالل أو التعليل المنطقي عن طريق تقديم األسباب والحجج والمبررات التي‬
‫بحوزتنا لنتوصل الى استنتاج ما‪ ،‬وذلك من خالل عملية عقلية نتوصل بها من عدة أفكار عامة إلى‬
‫عدة أفكار خاصة‪ ،‬تظهر نتيجتها المنطقية في ثالثة أشكال‪.‬‬

‫األول ‪:‬االستنتاج البسيط‪:‬‬

‫هو ما يحصل بالفعل عندما نقوم بعملية برهان عن حقيقة ما أو عن واقع ما‪ ،‬مثال‪ :‬شاهدت‬
‫ال يفر وفي يده سكيناً‪ ،‬ورايت شاب ًا يتخبط في دمه فأستنتج بكل بساطة‪:‬‬
‫رج ً‬

‫أن حامل السكين قد طعنه‪ .‬وهذا االستنتاج هو المستخدم بطريقة فورية في شتى عملياتنا‬
‫الفكرية وأحاديثنا‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬االستنتاج القياسي‬

‫هو االستدالل المستعار من علم المنطق والذي يطبق كآلية لحل النزاعات القانونية‪ ،‬وهو‬
‫استدالل يتألف من ثالث جمل‪ ،‬ومن الضروري أن توضح العالقة القائمة بين هذه الجمل‪ ،‬فالجملتان‬
‫األولى والثانية تسميان المبادئ أو األمهات‪ ،‬والثالثة تسمى النتيجة‪:‬‬

‫‪ -‬كل إنسان فان = امتداد أكبر أو مقدمة كبرى‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬احمد إنسان = امتداد وسط أو مقدمة صغرى‬

‫‪ -‬احمد فان = النتيجة‬

‫واذا كان القياس عملية منطقية تامة إال أنه ال يسعنا أن نعتمدها بشكل دائم ألنها تقودنا إلى‬
‫شتى المغالطات مثالً‪:‬‬

‫كل إنسان حيوان عاقل ‪ -‬احمد إنسان – اذن احمد عاقل؛ استنتاج منطقي وصحيح‪.‬‬

‫كل إنسان يملك هو رأسمالي ‪ -‬الفالح متملك ‪ -‬الفالح رأسمالي؛ استنتاج منطقي خاطئ‪.‬‬

‫الثالث ‪:‬االستنتاج الرياضي‪:‬‬

‫يعتمد على عالقات بين شتى الجمل التي تكونه كبرهان عن عملية ما وقد يتخذ عادة شكل‬
‫القياس مثل الموازاة بين مثلثين في علم الهندسة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبادئ المنهج االستنباطي االستداللي‬

‫وبعبارة اوضح يعتمد المنهج االستنباطي على مجموعة من المبادئ االستداللية‪:‬‬

‫‪1‬ــ البديهية او البديهيات‪:‬‬

‫يفيد مصطلح البديهيات امور وقضايا واضحة بذاتها‪ ،‬دون ان تكون في حاجة الى برهان او‬
‫دليل‪ ،‬مما جعل البعض يستنتج كونها ذات ثالث صفات‪ ،‬وهي انها بارزة بوضوح بذاتها دون الحاجة الى‬
‫برهنة منطقية‪ ،‬وكذا كونها اولية بالمنطق السليم دوى ان تستند على مبادئ معينة او ان تكون ناتجة‬
‫عنها‪ ،‬ثم كونها قاعدة عامة أي مفهومة ومشتركة بين جميع العقول لوضوحها وطابعها البديهي‪ ،‬ومن‬
‫امثلتها القول بان الكل اكبر من الجزء‪ ،‬او الكل هو مجموع اجزائه‪.‬‬

‫‪ 2‬ــ المسلمة او المسلمات‬

‫تعد المسلمات قضايا اقل يقينية من البديهيات‪ ،‬حيث ال تحظى بالوضوح الالزم على ذاتها‪،‬‬
‫مما يؤدي بالباحث الى ان يسلم مؤقتا او يصادر على صحتها بالرغم من عدم بروزها بشكل واضح‬
‫للعقل‪ .‬مان نصادر على ان االنسان يسعى الى فعل الخير او ان الطالب يسعى الى طلب العلم‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ التعريف او التعريفات‬

‫تعد التعريفات قضايا تعبر عن ماهية الشئ بمفرده وتحدده بشكل يميزه عن غيره من االشياء‬
‫بتحديد دقيق جامع مانع لذلك الشئ‪ ،‬ويكون التعريف هو ذاك الوصف الدقيق المطابق لخصوصية‬
‫‪5‬‬
‫الشئ‪ ،‬والذي يتعين في العديد من المناسبات تمييز االشياء عن بعضها البعض تفاديا لكل خلط او‬
‫تداخل بينها‬

‫ويقصد به أيضا تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات دقيقة تعكس هويته الحقيقية‪،‬‬
‫بحيث يصبح التعريف جامعا ومانعا يجمع كل صفات الشيء ويمنع دخول صفات أو خصائص‬
‫خارجة عنه‪.‬‬

‫فتعريف القانون‪ ،‬ليس هو تعريف النظام او التقنين او القاعدة القانونية‪ ،‬مما يتعين معه تذكرها‬
‫جيدا وحسن استعمالها في الوقت المناسب والمكان المناسب‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬ادوات المنهج االستنباطي او االستداللي‬

‫يعتمد هذا المنهج على مجموعة من االدوات اهمها القياس والتجريب العقلي والتركيب‪:‬‬

‫القياس‪ :‬وهو عملية عقلية منطقية تنطلق من مقدمات مسلم بها او من مسلمات الى نتائج‬
‫افتراضية غير مضمونة صحتها‪.‬‬

‫التجريب العقلي‪ :‬وهو يختلف عن المنهج التجريبي‪ ،‬ويفيد تلك العمليات العقلية التي يقوم بها‬
‫الباحث بشكل ذهني‪ ،‬ودون الحاجة الى القيام بتجارب في الموضوع ويخلص من خاللها الى نتائج‬
‫معينة‪ ،‬ومثال ذلك عمليات الحساب والرياضيات التي ينجز فيها الباحث الرياضي او غيره عمليات‬
‫ذهنية ويستنتج منها العديد من النتائج‪.‬‬

‫التركيب‪ :‬هو عملية عقلية عكسية تبدأ من القضية الصحيحة المعلومة الصحة الى استخراج‬
‫النتائج‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪:‬أهمية المنهج االستنباطي في مجال العلوم القانونية‬

‫يحظى المنهج االستنباطي بأهمية خاصة داخل مجال البحث القانوني‪ ،‬ويعتبر االستدالل أحد‬
‫أعمدة الدراسات القانونية من طرف القضاة والمحامين والباحثين في مجال العلوم القانونية‪ .‬بحيث‬
‫يمكن استخدام هذا المنهج‪ ،‬الذي يعتبر منهج العلوم الرياضية‪ ،‬في مجال قواعد المسطرة‬
‫الجنائية‪(،‬االجراءات الجنائية) وخاصة التحقيقات الجنائية للتوصل إلى األدلة أو القواعد الممكن‬
‫تطبيقها‪ .‬وايضا في مجال قواعد القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أن يستند الباحث في مجال القانون الجنائي إلى قواعده العامة ليرى مدى إمكانية‬
‫تطبيقها على الظواهر االجرامية الحديثة مثل تبييض األموال وجرائم االعتداء على برامج الكمبيوتر‪.‬‬

‫أضف إلى هذا المنهج االستنباطي له أهمية قصوى في العمل القانوني من خالل تدقيق كالم‬
‫الشهود والوثائق لمعرفة صحتها‪ ،‬وفي إعداد االبحاث والمذكرات القانونية‪ ،‬بحيث تلتزم بالقواعد‬
‫المنطقية وعملية تكييف المسائل القانونية‪.‬‬

‫فالقاضي يعتمد على االستدالل في البحث عن الحل القانوني للمسالة المعروضة عليه‪ ،‬فهو‬
‫يطبق االستدالل بناء على ما لديه من قضايا‪.‬‬

‫وتجدر االشارة في االخير الى ان المنهج االستنباطي معروف في الدراسات القانونية بالمنهج‬
‫التحليلي) ويفيد هذا المنهج في إعداد مشروعات األحكام القضائية قبل النطق بها‪ ،‬حيث يوجب‬
‫المنهج التحليلي أو االستنباطي ذكر النصوص القانونية والسوابق القضائية التي يستند إليها منطوق‬
‫الحكم‪ ،‬في مقدمة أو رصد األسباب‪ ،‬ويليها ذكر العناصر الواقعية‪ ،‬وأخي ًار منطوق الحكم‪ ،‬الذي يبنى‬
‫على كل ما سبق‪ ،‬ويعد تطبيقاً له‪(.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المنهج االستقرائي‬

‫الفقرة االولى‪ :‬تعريف المنهج االستقرائي‬

‫يشتق مصطلح المنهج االستقرائي حسب المعاجم اللغوية‪ ،‬من فعل استق ار يستقريء استقراء‪،‬‬
‫أي درس الموضوع بعناية وتتبعه لمعرفة خواصه ‪ ،‬او بمعنى اخر تتبعها عن قرب معاينة ومشاهدة‬
‫من اجل الوصول الى احكام عامة‪ ،‬وهو ما نستنتج منه انه منهج يعتمد االستدالل العقلي لالنتقال من‬
‫الخصوص الى العموم‪.‬‬

‫المنهج االستقرائي هو عبارة عن منهج تصاعدي‪ ،‬حيث ينطلق الباحث من الجزء ليصل إلى‬
‫الكل‪ ،‬أي من دراسة الظاهرة الجزئية وصوال إلى الظاهرة الكلية‪ ،‬أو بعبارة أخرى االنتقال من الخاص‬
‫إلى العام‪ ،‬بخالف المنهج االستنباطي الذي يتم فيه االنتقال من العام إلى الخاص في دراسته‬
‫للظواهر‪.‬‬

‫والهدف من المنهج االستقرائي هو التوصل إلى قانون أو قاعدة كلية تحكم الفرعيات أو‬
‫التفاصيل التي يتم إدراكها من قبل األفراد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ويمكن االستدالل على المنهج االستقرائي‪ ،‬من خالل قيام الباحث بدراسة السلط الموجودة‬
‫داخل الدولة‪ ،‬للوصول إلى تحديد طبيعة السلطة السياسية‪ .‬ومن ثم الوصول إلى نتيجة مفادها مدى‬
‫احترام مبدأ الفصل بين السلط‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خطوات المنهج االستقرائي‬

‫يعتمد المنهج االستقرائي على مجموعة من الخطوات‪ ،‬البد من تتبعها في دراسة الظاهرة‪:‬‬

‫ــ تحديد الظاهرة المراد دراستها‪.‬‬

‫ــ جمع المعلومات المتعلقة بالظاهرة‪.‬‬

‫ــ الوصول إلى النتائج والكشف عنها‪.‬‬

‫فالمنهج االستقرائي يستمد مقومات بنائه من استقراء الوقائع ولهذا االتجاه أساسه الرياضي‪،‬‬
‫حيث يعتمد التنبؤ والتفسير‪ ،‬على االستنتاج من الجزء وصوال إلى الكل ‪.‬فهذا المنهج معروف بهذا‬
‫االسم في مجال العلوم الطبيعية‪ ،‬وبعض العلوم االجتماعية كعلم االقتصاد وعلم االجتماع‪ .‬وفي مجال‬
‫العلوم القانونية‪ ،‬يعبر عن المنهج االستقرائي عادةً بالمنهج التأصيلي ولعل أهم مجاالته ما يتعلق‬
‫باستقراء اتجاهات أحكام القضاء في موضوع معين لبيان القاعدة التي تحكم الموضوع ‪.‬فكأن المنهج‬
‫االستقرائي‪ ،‬أو في مفهوم القانون المنهج التأصيلي‪ ،‬يمر فيه الباحث بعدة مراحل‪:‬‬

‫مرحلة تقصي ظاهرة معينة وفحصها‪ ،‬ومرحلة وصف تلك الظاهرة وتفسيرها‪ ،‬واالنتقال من‬
‫المظاهر الخارجية للظاهرة محل الدراسة إلى مظاهرها الداخلية‪ ،‬وايجاد العالقة بين السبب والمسبب‪،‬‬
‫لينتهي إلى تقرير الحقيقة العامة التي تحكم تلك الظاهرة ‪.‬كل هذا على عكس المنهج االستنباطي ‪.‬‬
‫ومن خالل ذلك‪ ،‬فإن المنهج االستقرائي أصبح مطبقا بشكل واسع من قبل مفكري العصر الحديث في‬
‫مجال القانون الدستوري خصوصا والعلوم االجتماعية عموما‪.‬‬

‫وطبق المنهج التجريبي االستقرائي في دراسة العديد من الظواهر االجتماعية والقانونية‬


‫واإلدارية وغيرها ‪-‬مع بداية القرن الثامن عشر ‪-‬مثل األبحاث والدراسات المتعلقة بعالقة القانون‬
‫بالحياة االجتماعية‪ ،‬وعالقة القانون بمبدأ تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬وتلك المتعلقة بظاهرة الجريمة‬
‫وفلسفة التجريم والعقاب‪ ،‬والدراسات الخاصة بإصالح واعداد السياسات التشريعية والقضائية‪.‬‬

‫وأكثر فروع العلوم القانونية والعلوم اإلدارية قابلية وتطبيق للمنهج التجريبي في الوقت الحاضر‬
‫هو القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬والقانون اإلداري ‪ ،‬نظ ار لطبيعتها الخاصة من حيث كونها أكثر‬
‫فروع العلوم القانونية واإلدارية واقعية وعلمية وتطبيقية واجتماعية ووظيفية‪ ،‬إضافة إلى كونها تتميز‬

‫‪8‬‬
‫بالحيوية والحركية والتغير والتفاعل المباشر مع الواقع المحسوس والمتداخل والمعقد والسريع التطور‬
‫ولعل أهم مجاالت هذا المنهج البحثي هي ما يمكن تطبيقه في مجال الدراسات التاريخية للنظم‬
‫القانونية المقارنة المعاصرة أو القديمة‪ ،‬والتي تتمثل في استقراء اتجاهات أحكام القضاء في موضوع‬
‫معين لتبيان القاعدة العامة التي تحكم الموضوع ‪.‬مثال ذلك استقراء أحكام القضاء اإلداري المتعلقة‬
‫بالرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬أو أحكام القضاء المتعلقة بفكرة الرقابة على دستورية القوانين‪.‬‬

‫ويتفق الباحثون على أن البحث االستقرائي عادة ما ينتهي بمجموعة من الفرضيات‪ ،‬التي‬
‫تستطيع تفسير تلك المالحظات والتجارب‪ ،‬ثم تحقيق هذه الفرضيات بعد اختبارها‪ .‬والبحوث‬
‫االستقرائية تساهم في التوصل إلى اإلجابات عن األسئلة التقليدية المعروفة ‪:‬من‪ ،‬ماذا‪ ،‬متى‪ ،‬كيف‪،‬‬
‫أين ولماذا ‪ .‬فمثالً يقوم الباحث بد ا رسة المسائل القانونية الجزئية أو الفرعية المتشابهة دراسة معمقة‬
‫وذلك بغرض الكشف عن القاسم المتشرك بينها‪ ،‬ومن خالل الربط بين العلة والمعلول‪ ،‬أو بين السبب‬
‫والمسبب‪ ،‬ثم يخلص من ذلك إلى وضع قاعدة عامة أو نظرية عامة تحكم هذه المسائل‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like