You are on page 1of 70

‫مداخلة حول ‪:‬‬

‫دور النظرية في بحـــــوث اإلعـــالم واالتصال‬

‫من إعداد ‪ :‬كريمة عساسي‪ /‬أمال باي‬

‫تقديم‪:‬‬

‫يعتبر البحث العلمي نشاطا منظما وممنهجا يستدعي التقيد بقواعد واجراءات تحدد إطاره‬
‫المعرفي والمنهجي وتنظم خطواته وأساليب تعامله مع الوقائع والمعطيات‪ ،‬وال تستثنى بحوث االعالم‬
‫واالتصال كغيرها من البحوث العلمية من التقيد بهذه الخطوات‪ ،‬حيث يقوم البحث العلمي في علوم‬
‫االعالم واالتصال على نقطة أساسية تتمثل في تبني اإلطار النظري للدراسة باالعتماد على احدى‬
‫النظريات االتصالية الكبرى التي تعد دليال ومرشدا وعاء فكريا يقوم بتوجيه الباحث في ميدان االعالم‬
‫واالتصال في مختلف مراحل اعداد بحثه في شقيه النظري والمنهجي ويبرر مختلف اختياراته بطريقة‬
‫علمية‪ ،‬وانطالقا من ذلك انطلقت هذه الدراسة في محاولة االجابة على التساؤل اآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬ما هو دور النظرية في بحـــــوث اإلعـــالم االتصال ؟‬

‫أوال ‪.‬مفهوم النظرية‪:‬‬

‫‪ ‬لغة‪:‬‬

‫إن مفهوم النظرية يتمثل في الداللة الشائعة ولفظ نظرية مشتق من النظر الذي يحمل داللة معنى‬

‫التأمل العقلي وفي الفرنسية تعني النظرية " بناء أو نسق" متدرج من األفكار الذي يتم االنتقال فيه من‬

‫المقدمات إلى النتائج ‪،‬في حين يعرفها لسان العرب البن منظور على أنها ترتيب أمور معلومة على‬

‫‪1‬‬
‫وجه يؤدي إلى استعالم ما ليس بمعلوم وقيل النظر طلب علم عن علم ‪.‬‬

‫‪ 1‬منال هالل مزاهرة ‪ :‬نظريات االتصال‪ ،‬دار املسرية‪ ،‬األردن ‪ ،2102 ،‬ص ‪062‬‬
‫أما المعجم الفلسفي" الالند " فيعرفها على أنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ وانطلق الالند من‬

‫هذه الفكرة إلى اعتبار أن النظرية بناء فرضي استنباطي يعكس رؤية العالم حول قضية متنازع حولها‬

‫كما أنها تقابل المعرفة الجزئية على أن النظرية تركيب كلي يسعى إلى تفسير عدد من الظواهر ويسلم بها‬

‫‪1‬‬
‫كفرضية تحتمل التصديق أو التكذيب ‪.‬‬

‫‪ ‬اصطالحا‪:‬‬

‫النظرية عبارة عن مجموعة من المفاهيم و التعريفات واالقتراحات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة‬

‫ما عن طريق تحديدها للعالقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بالظاهرة ‪ ،‬وذلك بهدف تفسير تلك‬

‫الظاهرة أو التنبؤ بها مستقبال ‪ ،‬فحسب موريس أنجرس فإنه إذا كانت الفرضية هي إقرار غير حقيقي‬

‫بوجود عالقة بين متغيرين أو أكثر فإن النظرية هي إقرار حقيق لوجود عالقة ما بين متغيرات محققة‬

‫‪2‬‬
‫إمبريقيا‪.‬‬

‫إذا تكمن طبيعة النظرية في إعداد التفسير الحقيقي فيما يخص األحداث ‪ ،‬الوقائع و الظواهر أما‬

‫وظيفتها فهي تعميم التفسيرات المعطاة لألحداث و الظواهر ألنه من دون النظرية تظل العالقات بين‬

‫الظواهر مبهمة ‪،‬كما أن النظرية تعمل على جعل الحقيقة منطقية و مصاغة في سياق مرتب و منظم‬

‫و من هنا يمكننا القول بأن النظرية هي ممارسة عملية دقيقة بعيدة عن العشوائية مادام البحث العلمي‬
‫في غياب النظرية هو بحث أعمى‪. 3‬‬

‫‪ 1‬بسام عبد الرمحن املشاقبة ‪ :‬نظريات اإلعالم ‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،‬األردن‪ ،2100،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 2‬موريس أجنرس‪ :‬منهجية البحث العلمي في العلوم االنسانية ‪،‬ترمجة بوزيد صحراوي وآخرون ‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬اجلزائر‪ ،2116،‬ص ‪45‬‬
‫‪3‬الرامي وفايل‪ :‬البحث العلمي في االتصال‪ ،‬ترمجة ميلود سفاري وآخرون‪ ،‬خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة ‪ ،‬ط‪ ، 2‬اجلزائر‪ .2117،‬ص‬
‫‪.061‬‬
‫ثانيا‪ .‬مفهوم البحث العلمي في الدراسات االعالمية‬

‫‪ .1‬تحديد مفهوم البحث العلمي ‪:‬‬

‫يتكون من كلمتين كلمة البحث التي تقابلها في اللغة الفرنسية ‪ Recherche‬التي تعني‬ ‫لغة ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫حسب الموسوعة العلمية ‪ "Larousse‬لروس" مجموعة أعمال لها هدف الكشف عن معارف‬

‫جديدة في ميدان علمي ‪ ،‬أما في اللغة العربية فإن البحث معناه التفتيش في المكان المجهول‬

‫قصد معرفته ومنه استخدام للداللة على حب االطالع والتعرف على مجاهل األشياء في مجاالت‬

‫النشاط الفكري‪.‬‬

‫‪ -‬أما كلمة علمي المشتقة من مصطلح علم فيقابلها في اللغة الفرنسية كلمة ‪ Science‬الدالة حسب‬

‫الموسوعة العلمية "لروس" على معارف جيدة التنظيم ذات عالقة ببعض الفئات من األحداث‬

‫‪1‬‬
‫أو الظواهر‪.‬‬

‫‪ ‬اصطالحا‬

‫هو نشاط علمي منظم ومحدد ‪ ،‬نقدي وتطبيقي يسعى إلى كشف الحقائق ومعرفة االرتباط بينها‬

‫ثم استخالص المبادئ العامة أو القوانين التفسيرية أو هو التحقق المنظم في موضوع ما أو قضايا‬

‫فرضية للكشف عن الحقائق أو النظريات وتطويرها ‪ ،‬وهذا يعني أن ندرس و أن نحقق و أن نختبر‬

‫وأن نفحص من أجل تحقيق أهداف البحث العلمي ‪ .‬وهذا التعريف الذي يتفق عليه كثير من خبراء‬

‫مناهج البحث العلمي يشير إلى االرتباط بينها واستخالص المبادئ العامة أو القوانين التفسيرية‬

‫‪2‬‬
‫اعتمادا على طرق معينة تتسم بالتحديد والتنظيم والموضوعية‪.‬‬

‫‪ 1‬أمحد بن مرسلي‪:‬مناهج البحث العلمي في علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬ط‪، 3‬ديوان املطبوعات اجلامعية ‪،‬اجلزائر‪ ،2119 ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 2‬حممد عيد احلميد‪ :‬البحث العلمي في الدراسات االعالمية ‪،‬ط‪،2‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪،2115،‬ص‪.8‬‬
‫‪ .2‬تحديد مفهوم البحث في مجال اإلعالم واالتصال‪:‬‬

‫وفي هذا اإلطار يمكن تعريف الدراسة االعالمية أو البحث في مجال اإلعالم واالتصال بأنه‪:‬‬

‫"النشاط العلمي المنظم للكشف عن الظاهرات اإلعالمية والحقائق المتصلة بالعملية اإلعالمية وأطرافها‬

‫والعالقات بينها و أهدافها والسياقات االجتماعية التي تتفاعل معها من أجل تحقيق هذه األهداف‬

‫ووصف هذه الحقائق وتفسيرها والتوقع باتجاهات الحركة فيها"‪. 1‬‬

‫التعريف الحديث المتكامل لبحوث اإلعالم ‪:‬‬


‫بحوث االعالم هي اإلطار الموضوعي الذي يضم كافة األنشطة والعمليات اإلعالمية واالتصالية‬
‫وهي الجهود المنظمة الدقيقة التي تستهدف توفير المعلومات عن الجمهور الموجه إليه الرسالة االعالمية‬
‫وقنوات االتصال ووسائله والتي تستخدم كأساس في اتخاذ الق اررات وتخطيط الجهود اإلعالمية واالتصالية‬
‫كما أن مهمتها تبدأ قبل بدء الجهود اإلعالمية وتستمر باستمرارها وتقيس فعاليتها قياسا مرحليا وشامال‬
‫كما تشمل خدماتها كافة العناصر المتضمنة في العملية االتصالية كالجمهور والوسائل والرسائل‬
‫والمصادر والتأثيرات المستهدفة بطريقة متوازنة ‪ ،‬وهكذا فإنها تعين مخططي االستراتيجيات االعالمية‬
‫على تحديد المدخالت االعالمية الصحيحة وفي التعرف على المخرجات المتحققة ومدى مطابقتها‬
‫‪2‬‬
‫لألهداف المحددة سلفا مما يسهم في تقييم كفاءة الجهود االعالمية وتطويرها وتنميتها باستمرار‪.‬‬

‫‪ .3‬تحديد مفهوم النظرية في مجال البحث العلمي ‪:‬‬

‫المقصود من النظرية في البحث العلمي هو توضيح العالقة بين السبب واألثر " ‪Cause‬‬

‫‪ "effectrelationship‬بين المتغيرات بهدف الشرح أو التنبؤ بظاهرات معينة‪ ،‬وبتعبير أوضح ‪ :‬النظرية‬

‫‪ 1‬حممد عبد احلميد ‪ ،‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص ‪17‬‬


‫‪ 2‬مسري حممد حسني ‪ :‬دراسات في مناهج البحث العلمي بحوث االعالم ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2116،‬ص ‪08‬‬
‫أفكار مرتبطة ومنظمة تساعدنا على تفسير مجموعة من الظواهر المعروفة أو المرصودة وتصلح أن‬

‫تكون أساسا للتوقع أو التنبؤ‪.1‬‬

‫رابعا ‪ .‬أهمية النظرية بالنسبة للبحث العلمي في مجال اإلعالم واالتصال ‪:‬‬

‫إن النظرية باألحرى هي محصلة دراسات وأبحاث ومشاهدات وصلت إلى مرحلة من مراحل‬

‫التطور وضعت في إطار نظري وعملي وتحاول تفسيره ‪ ،‬كما أن النظريات قامت على كم من التنظير‬

‫واالفتراضات التي قويت تدريجيا من خالل إجراء تطبيقات ميدانية ومن هنا فإن أهم ما يميز النظرية‬

‫اإلعالمية قدرتها المستمرة على إيجاد تصورات جديدة بالبحث اإلعالمي ‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإن الباحثين‬

‫عرفوا النظريات اإلعالمية بأنها خالصة نتائج الباحثين والدارسين لالتصال االنساني بالجماهير بهدف‬

‫تفسير ظاهرة االعالم ومحاولة التحكم بها والتنبؤ بتطبيقاتها وأثرها في المجتمع فهي توصيف للنظم‬

‫االعالمية في جميع دول العالم ‪،‬كما أن النظرية هي تحديد نهائي للعالقة بين الحقائق والمتغيرات إذ‬

‫تساعد الباحث في مجال االعالم واالتصال على تقديم تفسير للظاهرة وهو ما يجعله يتوقع اتجاهات‬

‫الحركة فيها ‪ ،‬كونها تمثل اطا ار فكريا لعدد من التعميمات ذات العالقة المشتركة ‪ ،‬ويقدم هذا اإلطار‬

‫‪2‬‬
‫تفسي ار للظواهر العلمية والتنبؤ بها ‪.‬‬

‫وبذلك إ ذا كانت النظرية تمثل مستوى أعلى للتحديد النهائي للعالقات بين المتغيرات قائما على التفسير‬

‫العلمي ‪ ،‬فإنها من ناحية أخرى تمثل وعاء فكريا لفروض أخرى يتم اشتقاقها من خالل هذه النظريات بل‬

‫إنها تعتبر بعد ذلك إطا ار تفسيريا للعالقات يمكن استخدامها في مجاالت علمية أخرى فالنظريات‬

‫الخاصة بعلم النفس المعرفي يتم استخدامها بتوسع في مجاالت االتصال الجماهيري واإلعالم ‪،‬فنظرية‬

‫‪،‬‬ ‫‪1‬املكتبة الشاملة‪:‬البحث العلمي أساسياته النظرية وممارسته العلمية‪http://shamela.ws/browse.php/book-8368/page-110،‬‬


‫‪.00:11 ، 2106/15/05‬‬
‫‪2‬بسام عبد الرمحن املشاقبة ‪ ،‬نظريات اإلعالم ‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع ‪ ،‬األردن ‪ ، 2100،‬ص ‪. 97،81‬‬
‫التعامل الرمزي والبناء االجتماعي للحقيقة بمكن اشتقاق العديد من الحقائق التي تخدم مجاالت علمية‬

‫أخرى مثل توظيفها في بناء التعميمات الخاصة بتأثيرات وسائل اإلعالم وكذلك يمكن توظيفها في بناء‬

‫التعميمات الخاصة بتمويل وسائل االعالم وعالقاتها االقتصادية باإلضافة إلى إمكانية توظيفها في‬

‫العالقات الدولية ‪.‬‬

‫ويمكن القول بأن أهمية النظرية تكمن في أنها توجه الباحث في ميدان االعالم واالتصال إلى‬

‫التساؤالت الصحيحة التي يطرحها وتقع خلف قدرته على اختبار الظاهرة محل الدراسة ‪ ،‬وبدون النظرية‬

‫تظل العالقات مجرد رؤى أو حقائق تم تجميعها ‪،‬ولكنها توحد الحقائق في إطار واحد يفسر ويساعد‬

‫على التنبؤ‪ ،‬وال يعني ارتفاع مستوى النظرية هو ثباتها وعدم تغيرها ‪ ،‬بل إنها تكون قابلة للتغير بتغير‬

‫المعرفة والعلوم التي تم صياغة النظرية في إطارها ‪ ،‬ألن النظرية هي جزء من كل يمثل إطار المعرفة‬

‫المنظمة أو إطار العلوم في تخصصاتها المختلفة ‪ ،‬كما تقدم النظريات في تفسيرها للحقائق والعالقات‬

‫العديد من المفاهيم والمتغيرات المتجددة التي يتم اختبار عالقاتها بعد ذلك في فروض جديدة وهكذا‬

‫‪1‬‬
‫ويعبر ذلك عن عملية للتغير التجديد في المعرفة العلمية‪.‬‬

‫‪ -‬اسهامات البحث العلمي في بناء نظريات االتصال‪:‬‬

‫وأول نقطة تجدر بنا االشارة إليها في تحديد عالقة البحث العلمي بالنظرية واسهاماته فيها هي تبيان‬

‫خصائص القوانين العلمية حيث تعتبر نسبية خاصة في العلوم االنسانية واالجتماعية ‪ ،‬أي أنها محدودة‬

‫في الزمان والمكان وتقريبية ألنها تعبر عن مقدار معرفة الباحثين للظواهر التي يقومون بدراستها مما‬

‫يعني أن صيغها تتغير وفق تطور البحث العلمي‪ ،‬والذي يلعب دو ار هاما في تطوير النظرية فيتم إثراء أو‬

‫تعديل النظرية حسب النتائج الجديدة التي توصل إليها البحث العلمي‪ ،‬كما ُيساهم في إعادة صياغة‬

‫‪1‬حممد عبد احلميد ‪ :‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص ص ‪07-08‬‬


‫النظرية وتوسيع نطاقها وأحيانا إعادة تحديد محور اهتمام النظرية‪ ،‬عندما يبتكر البحث أساليب واجراءات‬

‫‪1‬‬
‫جديدة‪ ،‬يستعين بها في جمع الحقائق وتحليلها ‪ ،‬فيوجــه اهتمام النظرية نحو موضوعات جديدة‬

‫‪ -‬اسهامات النظرية في البحث العلمي في مجال االعالم واالتصال‪:‬‬

‫ان اسهامات النظرية في البحث العلمي يرجع إلى العالقة التي تربط النظرية بالبحث العلمي‬

‫والتي يمكن التعبير عنها بأنها عالقة تبادلية وتفاعلية متينة تتجسد في اإلسهام المتبادل بينهما بحيث ال‬

‫يستغني أحدهما عن اآلخر فالنظرية بدون البحث العلمي الذي يمدها بحقائق جديدة ويمتحن صحتها‬

‫باستمرار تكون عديمة الجدوى ‪ ،‬ألنها قد تبقى مجرد تجريد ال يعكس الواقع و نفس الشيء بالنسبة‬

‫للبحث العلمي الذي ال يمكن أن يتطور دون االعتماد على النظريات على اعتبار أن النظرية تقوم في‬

‫جزء منها بتبرير عملية البحث وتعطيه الشرعية في نموذج معترف به من خالل جعل الحقائق منطقية‬

‫ومصاغة في سياق مرتب ومنتظم ‪ ،‬إذ تستدعي ممارسة البحث العلمي التقيد بقواعد واجراءات تكون‬

‫إطا ار معرفيا ومنهجيا يستفيد منه الباحث في توجيه دراسته العلمية في اتجاه صحيح يعتمد من خالله‬

‫‪2‬‬
‫دراسته ومجاالتها‪.‬‬ ‫على المنهج العلمي الذي يتناسب وطبيعة‬

‫وانطالقا من هذه العالقات التبادلية الموجودة بينهما يستطيع الباحث أو الباحثة في ميدان االعالم‬

‫واالتصال من بناء مجموعة من المقوالت حول الظاهرة موضوع الدراسة حيث تمثل هذه المجموعة‬

‫من االفتراضات التي تريد تفسير هذا الجزء من الواقع موضوع الدراسة النظرية ‪ ،‬فالنظرية وعن‬

‫طريق مجموع افت ارضاتها تلعب دو ار أساسيا في مجال البحث العلمي ألنها تساعد في توحيد وتوضيح‬

‫ما يتم التأكيد عليه حول الواقع المدروس وبالتالي تمنح االنسجام للميدان المعرفي بفضل ما تقترحه‬

‫‪ 1‬عبد اهلل عامر اهلمايل‪ :‬أسلوب البحث االجتماع وتقنياته‪،‬ط‪ 2‬منشورات جامعة قاريونس‪،‬بنغازي‪ ،0775 ،‬ص‪.41‬‬

‫‪ 2‬عبد اهلل عامر اهلمايل ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪40‬‬


‫من تفسيرات يحتمل أن تظل محل اختبار دائم على محك الوقائع واألحداث هذا هو التوضيح الجيد‬

‫‪1‬‬
‫لسيرورة االستنتاج أو االستنباط ‪.‬‬

‫كما يمكن اعتبار النظرية بالنسبة للبحث العلمي بمثابة البوصلة للمكتشف إذ أنها دليل ال غنى عنه‬

‫في اختيار المسالك والطرق التي سيعبرها الباحث حيث تسمح له بتنظيم المالحظات الكثيرة وتبرر‬

‫األدوات التي يستخدمها وباختصار إنها توجه البحث بعد التحقق منها وتدقيقها تصبح النظرية عبارة‬

‫عن نسق من المعلومات تسمح للباحث بأن ينطلق منها لفهم ووضع صياغات جديدة وتفسيرات أكثر‬

‫عمومية فهي تعتبر كأداة يستعان بها للوصول إلى إدراك وفهم أحسن للظواهر ولهذا تبدو النظرية‬

‫كشعاع يضيء جزء من الواقع المبحوث وهكذا تتجاوز بكل بساطة التجريد لتمثل جاذبية مؤكدة‬

‫تؤدي بنا إلى فهم الواقع الذي كان في السابق غامض في أذهاننا ‪ ،‬فهي تساعد الباحث على تنظيم‬

‫نتائج دراسته ومالحظاته في صورة متناسقة تتيح له إضافات جديدة في ميدان عمله وتطبيقات تعم‬

‫أن تولد‬
‫فائدتها المجتمع‪ ،‬كذلك فالنظرية تؤدي إلى مزيد من البحوث وتلك البحوث بدورها يمكن ْ‬
‫‪2‬‬
‫نظريات جديدة وهكذا العالقة قوية بين االثنين‪.‬‬

‫خطوات توظيف النظرية في البحث العلمي‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫يختلف الباحثون في نظرتهم للنظرية حيث ينقسمون إلى اتجاهين بارزين اتجاه يعتبر النظرية‬

‫على أنها براديغم يقتصر على األسس النظرية للبحث أي النظريات الموجهة للبحث‪ ،‬في حين أن‬

‫االتجاه الثاني يتجاوز هذا المعنى الضيق من خالل اعتباره أن النظرية تغطي الجانب النظري والمنهجي‬

‫للبحث من خالل تحديد دورها في كل من تأثيرها في صياغة اشكالية البحث وتساؤالته‪ ،‬تحديد المفاهيم‬

‫موريس اجنرس‪ :‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص ‪.45‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ 2‬موريس أجنرس‪ :‬مرجع سبق ذكره ‪ ،‬ص ‪44‬‬


‫والفرضيات اختيار المنهج وأدوات جمع البيانات وغيرها من الخطوات البارزة في البحث العلمي والتي‬

‫يتم التطرق إليها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تحديد موضوع الدراسة‪:‬‬

‫تعتبر النظرية حج ار أساسيا في البحث العلمي إذ أنه من الواجب أن يكون هناك قد ار من المالئمة‬

‫بين النظرية المتبناة في البحث العلمي وموضوع الدراسة حيث يسترشد بها الباحث كونها اطا ار محددا يتم‬

‫ضمنه صياغة اشكالية البحث وتساؤالته وفروضه والمفاهيم التي البد من تبنيها وتداولها في البحث‬

‫وتحديدا تلك المتضمنة في العنوان إضافة إلى ما تتضمنه االشكالية من مفاهيم لهذا فإنه على الباحث أن‬

‫يختار المفاهيم التي تقوم عليها النظرية المتبناة وأن ال يخلط بين مفاهيم النظريات المتناقضة ‪ ،‬فإذا ما‬

‫تبنى مثال النظرية الوظيفية فإنه في خضم البحث البد له وأن يتطرق ويوظف مفاهيم الدور ‪ ،‬الوظيفة‬

‫البناء‪ ،‬الخلل الوظيفي في حين إذا تم تبني نظرية أخرى فإنه يتم توظيف مفاهيم في سياق هذه النظرية‪.‬‬

‫‪ -‬التوجه المنهجي للبحث‪:‬‬

‫إن تقسيم البحث إلى جزأين منفصلين نظري ومنهجي خطأ ال ينبغي القبول به‪ ،‬فالبحث في موضوع‬

‫معين هو وحدة متكاملة يخدم كل جزء فيه مختلف األجزاء األخرى للبحث‪ ،‬ومن هنا فإن الحديث عن‬

‫التوجه المنهجي للبحث ال يجب أن يكون بمعزل عن التوجه النظري ‪ ،‬بل أن هذا األخير يؤثر بصورة‬

‫مباشرة في كل جزئية من الجانب المنهجي للبحث‪ ،‬ونعني بذلك أنه ينبغي على الباحث اختيار المنهج‬

‫واألدوات المنهجية المالئمة لطبيعة أهدافه البحثية والتي ال تخرج هي األخرى عن التوجه أو النظرية‬

‫‪1‬‬
‫المتبناة في البحث ‪.‬‬

‫‪ -‬اختبار أدوات وعينة الدراسة‪.‬‬

‫‪ -‬تحليل وتفسير نتائج الدراسة‬

‫‪1‬علي غريب‪ :‬أبجديات المنهجية في كتابة الرسائل الجامعية‪،‬ط‪ ،2‬دار الطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬اجلزائر ‪،2117 ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -‬الخطوات اإلجرائية التي يربط بها الباحث بين النظرية والبحث العلمي ‪:‬‬

‫أفضل أنواع البحوث والتي تعتبر إضافة جديدة لميدان التخصص هي هذه البحوث التي يختار‬ ‫‪-1‬‬

‫منها الباحث موضوع دراسته من إحدى النظريات أو من بعض مناهج التخصص ‪ ،‬أو من هذه المساحة‬

‫التي تربط تخصصات معينة ببعضها البعض‪ ،‬للوقوف على الموضوعات التي تحتاج إلى دراسة متعمقة‬

‫والتي تعتبر أكثر فائدة من غيرها ‪ ،‬وهي التي تساعد على تطوير النظريات ومناهج البحث المعتمدة في‬

‫محددا ويريد أن يبحث في النظرية المناسبة له فعليه‬


‫ً‬ ‫موضوعا‬
‫ً‬ ‫الميدان البحثي ‪ ،‬أما إذا اختار الباحث‬

‫أن يضع في اعتباره أال تكون النظريات العامة أو الكبرى هي االختيار األول الذي يلجأ إليه ‪.‬‬

‫على الباحث أال يعمد بعد اختياره موضوع بحثه إلى إلباسه إحدى هذه النظريات بطريقة تعسفية‬ ‫‪-2‬‬

‫دون محاولة الوقوف على مدى صالحية النظرية لموضوع دراسته‬

‫موضوعا ما للدراسة فعليه ‪ -‬قبل أن يلجأ إلى النظريات العامة أو الكبرى ‪-‬‬
‫ً‬ ‫إذا اختار الباحث‬ ‫‪-3‬‬

‫موضوعا عن الطالق‬
‫ً‬ ‫أن يبحث في الجهود التنظيرية التي تناولت موضوع بحثه بالذات ‪ ،‬فإذا اختار‬

‫أو التفكك األسري أو الوعي المهني ‪ ،‬فال ينتقي نظريته كمرحلة أولى من نظريات الصراع أو البنائية‬

‫الوظيفية ‪ ،‬أو التفاعلية الرمزية ‪ ،‬أو االتصال أو النسق المفتوح ليسير على خطاها ‪ ،‬وانما عليه أن يبحث‬

‫تحديدا‬
‫ً‬ ‫عن النظريات الخاصة بالطالق ‪ ،‬أو التفكك األسري أو الوعي المهني ‪ ،‬فهي النظريات األكثر‬

‫‪1‬‬
‫طا بموضوع دراسته‪.‬‬
‫وارتبا ً‬

‫مباشر بموضوع بحثه ‪ ،‬فهناك خطوة أخرى يلزمه‬


‫ًا‬ ‫إذا لم يجد أن هناك نظرية ما ترتبط ارتباطًا‬ ‫‪-4‬‬

‫القيام بها قبل أن يلجأ إلى النظريات العامة التي أشرنا إليها عليه أن يبحث عن الدراسات السابقة في‬

‫‪ 1‬أمحد إبراهيم خضر‪ :‬كيف يربط طالب املاجستري والدكتوراه النظرية بالبحث امليداين ‪،6442/45/45، www.alukah.net/web/khed ،‬‬
‫‪. 44:54h‬‬
‫جيدا ‪ ،‬ويقف على األطر النظرية التي استندت إليها ثم يختار منها عدة حقائق‬
‫موضوع بحثه ويدرسها ً‬

‫إطار نظريًّا يهتدي به وقد يرى البعض أن النظرية بناء‬


‫جزئية تتمتع بالشمولية والتناسق ‪ ،‬ويكون منها ًا‬

‫شمولي يتعارض مع المعرفة الجزئية ‪ ،‬لكننا نرى أنه عند الضرورة يمكن للباحث أن يشكل من هذه‬

‫بناء شموليًّا إلى حد ما ‪.‬‬


‫الحقائق الجزئية ً‬

‫ادعاء الباحث بعدم توفر دراسات سابقة في موضوع دراسته يرفضه العلماء ‪ ،‬ويرون أن هذا‬ ‫‪-5‬‬

‫األمر ال يكون إال في حالتين األولى ‪ :‬عدم توافرها في أماكن محددة ؛ أي في كلية أو جامعة‪ ،‬أو مركز‬

‫بحث ما أو في مكتبة ما‪ ،‬الثانية هي عدم توافرها بلغة ما‪ ،‬فقد تكون موجودة بلغة أخرى ‪ ،‬ويسري هذا‬

‫أيضا‪.‬‬
‫األمر على النظريات ً‬

‫ب عد أن يضع الباحث يده على اإلطار النظري الذي سيحدد له مسار بحثه عليه أن يستخرج من‬ ‫‪-6‬‬

‫هذا اإلطار المفاهيم والفروض والتساؤالت والمتغيرات التي ينطلق منها في دراسته‪ ،‬وهذه خطوة يغفل‬

‫عنها الباحثون ‪ ،‬فهم يختارون موضوع دراستهم ويحددون أهداف وتساؤالت الدراسة ثم يختارون اإلطار‬

‫النظري وهذا خطأ كبير‪.‬‬

‫على الباحث أن يعرف عبر النظرية أو الحقائق الجزئية المستقاة من الدراسات السابقة على أوجه‬ ‫‪-7‬‬

‫القصور أو النقص في المعرفة والجوانب التي لم يتم التوصل إليها أو لم تستكمل بعد ‪ ،‬وهذا يسمح له‬

‫‪1‬‬
‫بطرح تساؤالت كثيرة وصياغة فروض جديدة‪.‬‬

‫على الباحث أن يحدد عبر هذا اإلطار النظري البيانات التي يجب عليه جمعها في بحثه ويعزلها‬ ‫‪-8‬‬

‫عن البيانات غير الضرورية‪.‬‬

‫أمحد إبراهيم خضر‪ :‬كيف يربط طالب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميداني ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 44:54h ،6442/45/45 ، http://www.alukah.net/web/khedr/0/51828/#ixzz460p2UWPM‬‬


‫أن يستعين الباحث بمسلَّمات وفروض النظرية في وصف وتحليل وتفسير الظاهرة التي يدرسها‬ ‫‪-9‬‬

‫والوقوف على العالقات بين متغيراتها‪.‬‬

‫‪ -11‬أن يستفيد الباحث من مالحظاته الميدانية في تنقيح القضايا النظرية التي انطلق منها ويستفيد من‬

‫النظرية في تنمية المهارة النقدية لديه‪.‬‬

‫أن يلجأ إلى النظرية في حل التناقضات بين النتائج التي توصل إليها ‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫‪ -12‬أن يستفيد الباحث من النظرية في رؤية واستشراف مستقبل الظاهرة وفي إعداد وصياغة رؤية‬

‫‪1‬‬
‫مصدر لمداخل نظرية جديدة‪.‬‬
‫ًا‬ ‫للواقع بموضوعية والتي بدورها تعتبر‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫في األخير يمكن القول أن العالقة بين النظرية والبحث العلمي عالقة متينة تتجسد في اإلسهام‬
‫المتبادل بينهما بحيث ال يستغني أحدهما عن اآلخر فالنظرية بدون البحث العلمي الذي يمدها بحقائق‬
‫جديدة ويمتحن صحتها باستمرار تكون عديمة الجدوى‪ ،‬وكذا البحث العلمي الذي ال يمكن أن يتطور دون‬
‫االعتماد على نظريات تقوم بتبرير عملية البحث وتعطيه الشرعية من خالل جعل الحقائق منطقية‬
‫ومصاغة في سياق مرتب ومنتظم ‪.‬‬

‫أمحد إبراهيم خضر‪ :‬كيف يربط طالب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميداني ‪،www.alukah.net/web/khedr/ ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 44:54h ،6442/45/45‬‬


‫توظيف النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال‬
‫من إعداد‪:‬‬
‫أ‪ .‬شهرزاد سويف‪ /‬جامعة عباس لغرور –خنشلة‬

‫يقول كريب »‪"«krep‬إن النظرية مفيدة إذا استطعنا التعلم منها‪ ،‬وال نستطيع التعلم منها إال‬
‫إذا عرفنا كيف نستخدمها‪ .‬ففهم النظرية هو مسألة تتعلق بتعلم التفكري النظري‪...‬حيث نتعلم لغة‬
‫جديدة لتفسري خرباتنا يف سياق احلياة"‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫يشكل البحث يف حقل علوم اإلعالم واالتصال جماال خصبا للباحثني بشىت التخصصات والعلوم‬
‫الرتباطه كمتغري فاعل يف العديد من الظواهر اجملتمعية‪ ،‬وألن هذا العلم مل يتشكل هكذا اعتباطا بل جاء‬
‫نتيجة تكاثف جهود الباحثني واملختصني من جماالت متعددة كعلم النفس‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬االقتصاد‪،‬‬
‫السياسة‪...‬اخل منطلقا من منهجيات ونظرايت مرنة هلا قدرة االسقاط والتفسري للكثري من الظواهر املرتبطة‬
‫ابالتصال واإلعال م فقد تطور البحث فيه على املستوى األكادميي وخمابر البحث ذات الصلة مستندين‬
‫بذلك على منهجية حمددة وأطر نظرية تفسريية واضحة‪.‬‬

‫وبرغم يُفوع االجتهاد يف هذا العلم إال أنه استند إىل مقارابت كبرية من علوم أخرى واملتتبع له قد‬
‫يالحظ أنه يفتقر إىل اجتهاد التنظري فيه برغم احملاوالت الكثرية لكن هذا ال يعطي مربرا إلغفال األمهية‬
‫القصوى للنظرايت سواء على مستوى العلوم األخرى أو على مستوى اسنادها وتطبيقها يف البحوث‬
‫والدراسات األكادميية‪.‬‬

‫وتعد النظرية تلك البوصلة اليت تضبط وحتدد معطيات البحث انطالقا من اختيار املوضوع إىل غاية‬
‫النتيجة النهائية ألهنا مبنية على أسس وافرتاضات مطبقة ومسند لواقع وظاهرة واجتاه حبثي معني ابلتايل جيد‬
‫الباحث نفسه كلما اعتمد منظورا معينا ينطلق منه يف حبثه كلما حدد جماله أكثر وضبط متغريات حبثه‬
‫وطور فيه وفيما تقتضيه املنظورات املقرتحة‪.‬‬
‫لكن ما لفت انتباهنا حنو عالقة الباحث مبوضوعه والنظرية ‪-‬غري الواضحة‪-‬أدى بنا إىل االستقراء‬
‫للوضع هبذه الورقة البحثية حماولني هبا إيضاح دور النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال ورصد واقع‬
‫تطبيقها إضافة إىل إعطاء منوذج تطبيقي شارح لكيفية توظيف النظرية نسعى من خالله أن تصل فكرة‬
‫معينة للباحث مفادها أن أي حبث دون نظرية هو كتلة من الفوضى وعدم االستقرار‪.‬‬

‫ننطلق يف هذا البحث من احملاور التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬تطور البحث يف علوم اإلعالم واالتصال‪.‬‬


‫‪ .2‬النظرية يف علوم اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫‪ .3‬أمهية فهم وتطبيق النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫‪ .4‬رصد لواقع تطبيق النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال ابجلامعات اجلزائرية‪.‬‬
‫‪ .5‬أمنوذج تطبيقي للنظرية‪ /‬نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪.‬‬
‫أوال‪ /‬تطور البحث يف علوم اإلعالم واالتصال‪:‬‬
‫إن البحث يف علوم اإلعالم واالتصال يعين ذلك اإلطار املوضوعي الذي يضم كافة األنشطة‬
‫والعمليات اإلعال مية واالتصالية مع اجلهود املنظمة والدقيقة‪ ،‬وهدفها توفري املعلومات عن اجلمهور املوجه‬
‫إليه الرسالة اإلعالمية وقنوات االتصال ووسائله اليت تستخدم كأساس يف اختاذ القرارات وختطيط اجلهود‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلعالمية االتصالية‪.‬‬
‫مر بعدة مراحل كان األساس فيها هو تعاقب تطور‬ ‫وإن تطور البحث يف علوم اإلعالم واالتصال ّ‬
‫وسائل االتصال على مر العصور‪ ،‬ابتداء من الطباعة إىل غاية عصران احلايل‪ ،‬ويف كل مرة كان البحث يف‬
‫هذا اجملال يتطور بتطور التقنية والعلم واملناهج والنظرايت زد على ذلك تعقد الظواهر املرتبطة ابإلعالم‬
‫(‪)2‬‬
‫واالتصال‪ ،‬وميكن تلخيص هذا التطور يف املراحل التالية‪:‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬وهي املرحلة اليت ابتدأت مع ظهور اهتمام علماء االجتماع بوسائل اإلعالم مطلع‬
‫القرن العشرين‪ ،‬حيث ارتبطت البحوث يف هذه املرحلة بتأثريات األفالم اليت انتشرت بشكل كبري جدا كما‬
‫كان البحث وقتها غي منتظم كما هو احلال اليوم‪ ،‬وكانت الدراسات أيضا حول الوسائل املتوفرة فقط‬
‫كالصحف واإلذاعة‪ ،‬ومع احلرب العاملية األوىل والثانية اهتم الباحثون أكثر ابلدعاية وأساليبها وتقسيماهتا‪،‬‬
‫مث مع الثورة الصناعية تدعمت األعمال واألحباث بدراسات علمية عن أمهية اإلعالن كفاعل اقتصادي هام‬
‫يف سائل اإلعالم‪ ،‬إضافة إىل دراسات اهتمت مبجال احلمالت االنتخابية يف التلفزيون والراديو وانتقل‬

‫‪2‬‬
‫البحث بعدها إىل املؤسسات التعليمية أين اقرتح ‪Robert lee‬عام ‪ 1868‬تكوينا جامعيا خيص جمال‬
‫اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫يف هذه املرحلة كان التنظري يف بدايته وينطلق من اجتهادات علماء االجتماع وعم النفس‬
‫االجتماعي‪ ،‬وسيطر على تفسري الظواهر كل من منوذجي الوضعي والنموذج السلوكي‪ ،‬وكان توجه‬
‫الدراسات أكثر على اجلمهور وأُمهل بشكل كبري املضمون أو الرسالة اإلعالمية‪ ،‬كما تقاطع اجملال املعريف يف‬
‫هذا التخصص مع اجملاالت املعرفية األخرى وتضاربت االجتاهات البحثية واختلفت املناهج والرؤى‬
‫والتقنيات وأدوات القياس ومع االنطالقة احلقيقية للبحث يف علوم اإلعالم واالتصال يف هناية القرن‬
‫العشرين ظهرت أول نظرية تركز على تفسري أتثري وسائل اإلعالم يف اجلمهور وهي نظرية اجملتمع اجلماهريي‬
‫أو الرصاصة السحرية أو احلقنة حتت اجللد‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪1690-1940 :‬‬


‫أتثرت هذه املرحلة من عمر البحث يف جمال علوم اإلعالم واالتصال ابلباحثني األمريكيني الذين‬
‫اعتمدوا يف دراساهتم على نظرايت علم النفس االجتماعي والوظيفة والتأثري واالجتاه إضافة إىل أساليب‬
‫القياس وظهرت دراسات عن بعض املشكالت اجملتمعية كاجلنس والعنف ومدى ارتباط مضامني اإلعالم‬
‫بتطور أو تعقد أو احلد من هذه املشكالت‪ ،‬وكانت الدراسات هنا تركز على التأثري قصري املدى وقد‬
‫اكتشف خالل هذه املرحلة أمهية العوامل االجتماعية الوسيطة وأتثريها على مجهور وسائل اإلعالم‪ ،‬وتبعا‬
‫ملا كان سائدا يف املرحلة السابقة عند الباحثني من خالل نظرية اجملتمع اجلماهريي إىل أن الفرد املتلقي سليب‬
‫ويعد مفردة منعزلة عن مجلة الظروف احمليطة به جاء اجتاه اثن يف البحث خالل هذه املرحلة ينتقد هذا‬
‫الرأي أبن اجلمه ور املتلقي له القدرة على تلقي املضامني اإلعالمية وفقا خلرباته الشخصية وميوالته والعوامل‬
‫( ‪)3‬‬
‫احمليطة به وهنا بدأ االنتقال يف البحث إىل مرحلة جديدة الزال إىل اليوم االنطالق منها مهما ومفيدا‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬من ‪ 1960‬إىل يومنا هذا‬
‫يف هذه املرحلة أخذت حبوث اإلعالم جماال أوسع وأعمق عما سبق‪ ،‬إذ مل تعىن فقط بتأثريات‬
‫وسائل اإلعالم على املدى القصري بل صارت تشمل كافة أوجه النشاط اإلعالمي واالتصايل من مرسل إىل‬
‫رسالة إىل وسيلة إىل متلقي وأيضا عالقة اإلعالم ككل ابألنظمة اجملتمعية األخرى‪ .‬وقد ظهرت مناذج كثرية‬
‫كنموذج ا لتأثري القوي إىل املعتدل إىل احملدود إىل ترتيب األولوايت إىل حارس البوابة إىل دوامة الصمت إىل‬
‫االعتماد واالستخدام واالشباع‪ ....‬وتطورت املناهج والبحوث ما بني الكمية والكيفية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ومع التطور التكنولوجي احلاصل وتبادل األدوار بني كل من طريف العملية اإلعالمية واالتصالية‬
‫وتدفق املعلومات بشكل كبري ومتسارع وبوسائط إعالمية متعددة وتدخل املتلقي يف عملية التفاعل وانتقال‬
‫(‪)4‬‬
‫املعلومات وقد اثبتت العديد من النظرايت قدرهتا على تفسري الظواهر وأخرى قصورها يف تفسريها‪.‬‬
‫اثنيا‪ /‬النظرية يف علوم اإلعالم واالتصال‪:‬‬
‫ان النظرية يف ابسط مفاهيمها تعين تلك‪:‬‬
‫‪ -‬اخلطة العقلية اليت مب التأكد من صحتها ابملالحظة والتجربة‪.‬‬
‫‪ -‬املعارف اليت تكون يف جمموعها مجلة من احلقائق‪.‬‬
‫‪ -‬الشرح املقرتح أو الفروض اليت صممت فعليا لتفسري ظاهرة معينة‪.‬‬
‫كما أ ّن النظرية هي جمموع افرتاضات بعضها ببعض‪ ،‬تقدم وجهة نظر منتظمة حول ظاهرة معينة‬
‫( ‪)5‬‬
‫من خالل شرح العالقة ما بني املفاهيم واألفكار املتعلقة هبذه املظاهر‪.‬‬
‫والنظرية ما هي إال حماولة لتفسري تفاعالتنا مع اآلخرين يف سياق احلياة اليومية‪ ،‬فإننا حاملا نشرع يف‬
‫التفكري يف شيء حمدد ونسعى إىل إجياد تفسري له فإننا نكون بصدد التفكري النظري فيه‪ ،‬خاصة إذا كنا ال‬
‫منلك القدرة على التحكم فيه وملا كانت النظرية تقوم بتفسري أي شيء وتساعد يف حل أي مشكلة فإن‬
‫هذا التفسري أو التدخل يف احلل يستند إىل اخلربات اليت تتجمع حول وقائع وحدات احلياة اليومية وهو ما‬
‫يعين أداة لتنظيم األفكار وفك ما حتمله من خطاب‪ ،‬وذلك جيعل التفكري أمرا صعبا دون االستناد إىل‬
‫( ‪)6‬‬
‫نظرية حمددة‪.‬‬
‫وهناك من يرى أن النظرية ال بد أن تتضمن االشرتاطات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن أتيت مبفهومات تعرب عن قضااي حمددة حتديدا دقيقا‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتناغم وتتناسق القضااي اليت حتويها النظرية مع بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ -‬أن تساهم يف اشتقاق تعميمات معينة بطريقة استنباطية‪.‬‬
‫‪ -‬أن أتيت قضااي أي نظرية من خالل آليات االستقراء املضبوطة تلك اليت عن طريقها يتم‬
‫استخالص املعارف واحلقائق االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬أن ختضع لالختبار واملراجعة حىت يتم التأكد من صدق استنتاجاهتا أو افرتاضاهتا ومن تساوي‬
‫(‪)7‬‬
‫يف اكتشاف وقائع جديدة أو الوصول إىل تعميمات أخرى‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وحسب ذلك فإن ‪ Gibbs‬يرى أن النظرية عبارة عن جمموعة من القضااي اليت ترتبط ارتباطا منطقيا‬
‫فيما بينها يف صورة أتكيدات امربيقية تتعلق خبصائص جمموعة من األحداث‪ ...‬إهنا توجه النظر إىل عدد‬
‫(‪)8‬‬
‫من اخلصائص املشرتكة فيما بينها مبنية على التحديد واملنطقية القائمة على العالقات التفسريية‪.‬‬
‫وختتلف التعريفات يف شأن املفهوم لكن يف اجململ يتفق الباحثون على أن النظرية هتدف إىل الوصول‬
‫الستنتاجات علمية تصف عالقات وظيفية بني متغريات يتم قياسها واستقراؤها ويسبقها يف ذلك مجلة‬
‫فروض علمية يضعها الباحث ملعرفة العالقة بني تلك املتغريات البحثية أي هبدف الوصف أو التنبؤ أو‬
‫(‪)9‬‬
‫التحكم يف الظاهرة املدروسة‪.‬‬
‫ويعترب وجال التنظري يف علوم اإلعالم واالتصال فقريا جدا مقارنة بغريه من العلوم‪ ،‬ويستند أكثر يف‬
‫تفسريه للظواهر على نظرايت علم االجتماع‪ ،‬علم النفس االجتماعي‪ ...‬مع بعض االجتهادات اليت مست‬
‫اجملال من قبل الباحثني من علوم خمتلفة وحىت متخصصني ومهتمني بوسائل اإلعالم وأتثرياهتا والظواهر‬
‫املرتبطة هبا وابلتايل أسسوا للعلم انطالقا من النظرايت اليت فيها ما فيها من قدرة اسقاط وفهم وتوضيح‪،‬‬
‫وعليها ما عليها من قصور‪ ،‬ويشار إىل أن أغلب هذه االجتهادات هي غربية حبتة تنطلق من بيئة ثقافية‬
‫واجتماعية خمتلفة عن بقية اجملتمعات خاصة العربية منها اليت تتعامل مع هذه النظرايت كسرا إلسقاطها‬
‫على ظواهر قد ال يتفق منطلقها ونتائجها مع خصوصية هذه اجملتمعات وسبب ذلك هو قلة االجتهاد‬
‫البتكار نظرايت خاصة تكون هلا قدرة التفسري أكثر من غريها‪.‬‬
‫ويف الوقت ذ اته ال ننفي وجود بعض االجتهاد على مستوى العامل العريب مثال ذلك فكرة من أفكار‬
‫القرن الواحد والعشرين وهي اليت جاء هبا املفكر اجلزائري عزي عبد الرمحن يف نظرية احلتمية القيمية يف‬
‫اإلعالم اليت سنعمد ال حقا إىل متثيل كيفية توظيفها يف البحوث املتعلقة بعلوم اإلعالم واالتصال نظرا‬
‫ملنطلقها االجتماعي والثقايف املشرتك يف العامل العريب‪.‬‬
‫وانطالقا؛ من فكرة أن علم اإلعالم واالتصال يفتقر إىل التنظري فيه فقد خلص الباحث حممد بن‬
‫سعود البشر وهو ابحث بقسم اإلعالم جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪،‬نقال عن بريجر‬
‫(‪)10‬‬
‫‪berger‬أسباب عدم وجود نظرية حمددة يف هذا العلم فيما يلي‪:‬‬
‫عوامل اترخيية مرتبطة أساسا مبن كانوا يبحثون يف البدء ضمن جمال اإلعالم واالتصال‬
‫والذين ينتمون لتخصصات كعلم االجتماع‪ ،‬علم النفس‪ ،‬علم النفس االجتماعي وابلتايل‬
‫اختذ من أدبيات هذه العلوم مرتكزا أساسيا وعامال فاعال يف تطور هذا العلم ما أدى إىل‬
‫أن يسود االعتقاد لدى طلبة الدراسات العليا أن فهم هذا األخري ال يتم مبعزل عن العلوم‬

‫‪5‬‬
‫األخرى وأدبياهتا‪ ،‬إضافة إىل غياب املتخصصني فعليا يف التدريس وإن وجدوا يكونوا‬
‫مهنيني أكثر منهم ابحثني ومفكرين‪.‬‬
‫عوامل منهجية مرتبطة من جهة بتمكن الباحثني والطالب من أساسيات وتقنيات‬
‫وأساليب اإلحصاء دون حماولة فتح جمال أو أفق للتنظري خوفا من الدخول يف مشكلة‬
‫التفكري خارج أسراب العلوم األخرى‪ ،‬ومن جهة أخرى املواد العلمية املقرتحة يف التدريس‬
‫أغلبها مهنية أو تطبيقية بعيدة كل البعد عن كيفية بناء نظرية إعالمية وتطويرها‪.‬‬
‫عامل اخلوف من املسؤولية كون أن الدخول يف جمال التنظري يعد مغامرة علمية كبرية سواء‬
‫على مستوى فكرة النظرية انطالقا من طرحها إىل تطبيقها إىل أتكيدها أو على مستوى‬
‫احمليطني مبن يفكر أو يسعى للتنظري ألنه سيجد صعوبة كبرية يف القبول األكادميي حبكم‬
‫عوامل نفسية معينة ما قد اؤدي حىت إىل حدود النبذ ما أصاب الكثريين ابلفشل قبل البدء‬
‫وهذا يعد عائقا كبريا يف جمال التنظري يف علوم اإلعالم واالتصال‪.‬‬
‫ومع ذلك ما توفر من نظرايت يف جمال اإلعالم واالتصال أو حىت العلوم األخرى يعد لآلن حلقة‬
‫حبث غنية الزال اعتمادها فاعال وجمداي يف تفسري أو االنطالق ابلبحث على كثري من الظواهر املرتبطة‬
‫ابإلعالم واالتصال وميكن ختطيطها للطالب للفهم االنتقايل من األساس إىل العمق ابلشكل التايل دون‬
‫التفصل فيها ألن هدفنا ليس فهم النظرية عمقا ألنه يرتبط ابلطالب ابألساس وقد تفصل يف ذلك الكثري‬
‫من الباحثني بقدر ما يهمنا بعد مرحلة الفهم كيف يتم التوظيف وذلك على النحو اآليت‪:‬‬
‫(‪)11‬‬
‫‪ ‬على الباحث فهم املدارس االبستمولوجية الكربى املتمثلة يف‪:‬‬
‫املدرسة الثورية‬ ‫املدرسة التطورية‬ ‫املدرسة الوضعية‬ ‫املدرسة االمربيقية‬
‫ظهرت خالل القرن ‪.20‬‬ ‫ظهرت خالل القرن ‪.19‬‬ ‫ظهرت خالل القرن ‪.19‬‬ ‫ظهرت خالل القرن ‪.18‬‬
‫الرائد‪ :‬توماس كوهن‪.‬‬ ‫الرائد‪ :‬تشارلز داروين‪.‬‬ ‫الرائد‪ :‬أوجوست كونت‪.‬‬ ‫الرائد‪ :‬دافيد هيوم‪.‬‬
‫التفكري املفضل‪ /‬اجلديل الذي يتجه بني‬ ‫التفكري املفضل‪ /‬االستنباط عن طريق‬ ‫التفكري املفضل‪ /‬االستنباط أي‬ ‫االستدالل املفضل‪ /‬االستقراء أي توافق‬
‫االستقرائي واالستنباطي من ـ ـ ـ ـ إىل‪ .‬حيث‬ ‫مقارنة تطور احلضارات وابلتايل‬ ‫مالحظة الظواهر واستنباطها من‬ ‫احلقيقة مع احلواس‪.‬‬
‫جيب فهم ظروف التطور والنمو لعلم ما‬ ‫نستنتج قوانني التحول‪.‬‬ ‫الطبيعة‪.‬‬ ‫املسلمة وهي أن مبادئ العقل تنتج من‬
‫يف شكل براديغمات ال يف شكل تراكم‬ ‫املسلمة قائمة على قانون تطور‬ ‫املسلمة هي أن املعارف حمدودة‬ ‫التجربة‪.‬‬
‫خطي للمعارف‪.‬‬ ‫الطبيعة البيولوجي والذي يشمل أيضا‬ ‫وابلتايل انطالق العلم من املالحظة‪.‬‬ ‫اخلصائص‪ :‬أن املعرفة تكتسب عن طريق‬
‫املسلمة‪ :‬ال تتطور العلوم ابلرتاكم ولكن‬ ‫الظاهرة االجتماعية‪.‬‬ ‫اخلصائص‪ :‬تستخرج القوانني من‬ ‫املمارسة والتجربة‪.‬‬
‫ابلثورات العلمية اليت تولد براديغمات‬ ‫اخلصائص‪ :‬ختضع احلضارات لقوانني‬ ‫الطبيعة عن طريق املالحظة‪ ،‬هذه‬ ‫صدق املعطيات االمربيقية يسمح لنا بفهم‬
‫جديدة‪.‬‬ ‫تغري تطورية من جمتمعات بسيطة إىل‬ ‫القوانني تسمح بتقدم العامل وتطوره‬ ‫العامل والتأثري فيه‬
‫اخلصائص‪ :‬اتريخ العلم وتطوره قائم على‬ ‫جمتمعات معقدة؛ حيث يصبح اجملتمع‬
‫الثورات فالرباديغم غليان فكري يؤدي‬ ‫معقدا كلما ازدادت كفاءته التقنية‬
‫حلدوث ثورة علمية وهو عامل تقدم‬ ‫والطاقوية‪.‬‬
‫علمي مهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫(‪)12‬‬
‫‪ ‬على الباحث فهم الرباديغمات املهيمنة يف االتصال‪:‬‬
‫الرباديغم التفسريي‬ ‫الرباديغم الوظيفي‬ ‫الرباديغم السلوكي‬ ‫الرباديغم السيربنطيقي‬
‫صادر عن املثالية اجلرمانية‪.‬‬ ‫صادر عن الوضعية‪.‬‬ ‫صادر عن الوضعية وعلم النفس‬ ‫صارد عن الرباديغم النسقي‪.‬‬
‫من خصائصه‪:‬‬ ‫من خصائصه‪:‬‬ ‫من خصائصه‪:‬‬ ‫من خصائصه‪:‬‬
‫ينظر للمجتمع كال تنظيميا يفسر توجد املعاين والدالالت يف األفعال‬ ‫االتصال للتحكم يف اآلالت وحىت عند منوذج‪ :‬مثري‪ /‬استجابة‪.‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫كل مثري تقابله استجابة مالئمة جبملة الوظائف اليت يؤديها‬ ‫الكائنات احلية‪.‬‬
‫حتليل املعاين اليت تكون حمل امجاع يف‬ ‫احلقيقة االجتماعية موضوعية‪.‬‬ ‫وقابلة للتوقع‪.‬‬ ‫علم األنظمة املوجهة واملتحكم فيها‪.‬‬
‫تفسري الواقع‪.‬‬ ‫االتصال عملية‪.‬‬ ‫يفرتض ردود أفعال آلية‪.‬‬ ‫يهدف إىل التنظيم الذايت‪.‬‬
‫يعطي الناس معىن لسلوكهم االتصايل يف‬ ‫الرسالة أهم عنصر يف العملية‬ ‫جمال الدراسة‪:‬‬ ‫جمال الدراسة‪:‬‬
‫عاملهم‬ ‫أتثري وسائل االتصال‪ /‬الدعاية البحث عن العام‪.‬‬ ‫االتصال التنظيمي‪.‬‬
‫اجملتمع بناء مشكل من التجارب الذاتية‬ ‫جمال الدراسة‪:‬‬ ‫واالقناع‪/‬سلطة وسائل االتصال‪/‬‬
‫االستعماالت واالشباعات‪ /‬الوظائف ألعضائه‪.‬‬
‫واالختالالت الظاهرة والكامنة‪ /‬توزيع جمال الدراسة‪:‬‬
‫االتصال التنظيمي من خالل املقاربتني‬ ‫األدوار داخل االتصال التنظيمي‬
‫الثقافية والطبيعية‪ ،‬الطقوس‪ ،‬الصراعات‪،‬‬
‫األنظمة الرمزية‪ /‬دراسة حمتوى الرسالة‬

‫‪ ‬على الباحث فهم نظرايت االتصال واإلعالم وفق جمال الدراسة‪:‬‬


‫نظرايت دراسة احملتوى‬ ‫نظرايت دراسة اجلمهور‬ ‫نظرايت دراسة القائم ابالتصال‬
‫نظرية التفاعلية الرمزية‪.‬‬ ‫نظرية احلقنة حتت اجللد‪.‬‬ ‫نظرية حارس البوابة‪.‬‬
‫نظرية البنائية الوظيفية‪.‬‬ ‫نظريةاالستخدامات واالشباعات‪.‬‬ ‫نظرية تدفق االتصال على مرحلتني‪.‬‬
‫نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪.‬‬ ‫نظرية تدفق االتصال على مرحلتني‪.‬‬ ‫نظرية انتشار املبتكرات‪.‬‬
‫نظرية انتشار املبتكرات‪.‬‬ ‫نظرية البنائية الوظيفية‪.‬‬
‫نظرية احلتمية التكنولوجية‪.‬‬ ‫نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪.‬‬
‫نظرية ترتيب األولوايت‪.‬‬
‫نظرية اإلمناء الثقايف‪.‬‬
‫نظرية االعتماد على وسائل اإلعالم‬
‫نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪.‬‬

‫اثلثا‪ /‬أمهية فهم وتطبيق النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال‪:‬‬


‫يقول كريب "إن النظرية مفيدة إذا استطعنا التعلم منها‪ ،‬وال نستطيع التعلم منها إال إذا عرفنا‬
‫كيف نستخدمها‪ .‬ففهم النظرية هو مسألة تتعلق بتعلم التفكري النظري‪...‬حيث نتعلم لغة جديدة‬
‫(‪)13‬‬
‫لتفسري خرباتنا يف سياق احلياة"‬
‫وعليه فإن من فوائد النظرية أهنا‪:‬‬
‫‪ -‬متتلك القدرة على جتميع احلقائق واملفاهيم واملبادئ وترتيبها‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم توضيح وتفسري لعدد من الظواهر واألحداث‪.‬‬
‫‪ -‬تساعد يف التنبؤ ابلعديد من الظواهر وتتوقع حدوثها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬توجه التفكري العلمي وتضبطه‪.‬‬
‫ومن ذلك ميكن أن نفهم أمهية النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال انطالقا من أهنا‪:‬‬
‫‪ -‬تش ّكل األساس الفكري واملرجعي واملنطلق التصوري لدى الباحث لفهم أبعاد املوضوع أو‬
‫الظاهرة املدروسة‪.‬‬
‫‪ -‬تعد النظرية مبثابة النموذج اإلرشادي الذي يستعني به الباحث يف حبثه لتوجيهه الوجهة العلمية‬
‫الصحيحة واملضبوطة‪.‬‬
‫‪ -‬حتدد النظرية للباحث املعطيات الالزمة من افرتاضات ومبادئ ومفاهيم مع توضيح كيفية‬
‫تنظيمها وتصنيفها وتبيان العالقات املرتابطة واملتداخلة فيما بينها إضافة إىل اإلجراءات املنهجية‬
‫أثناء القيام ابلبحث‪.‬‬
‫‪ -‬تقدم النظرية للباحث مجلة من املفاهيم اليت ميكن أن يستعني هبا يف حبثه وهي بذلك تلخص‬
‫لديه الكثري من احلقائق املرتبطة مبوضوعه‪.‬‬
‫‪ -‬تعترب النظرية البوصلة اليت توجه الباحث عن هدفه بعيدا عن الفوضى والتناقض‪.‬‬
‫‪ -‬النظرية هي املنارة اليت هتدي الرابن إىل شاطئ األمان‪ .‬أي أهنا املرشد للباحث للوصول إىل‬
‫نتائج علمية انضجة وهادفة‪.‬‬
‫رابعا‪ /‬رصد لواقع تطبيق النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال ابجلامعات اجلزائرية‪:‬‬
‫إن تطبيق نظ رية علمية حمددة يف اجلامعات اجلزائرية يف جمال حبوق علوم اإلعالم واالتصال ميكننا‬
‫رصده من خالل االجتاهات التالية واليت استنتجناها بناء على اطالعنا على الكم األكرب من رسائل‬
‫املاجستري والدكتوراه عرب خمتلف جامعات الوطن يف التخصص وعليه‪:‬‬
‫االجتاه األول‪ /‬التوظيف الشكلي للنظرية‪ :‬يسود يف شق معني لرسائل املاجستري وحىت الدكتوراه‬
‫التوظيف الشكلي للنظرية كأي عنصر حبثي توثيقي مدرج يف البحث دون أدىن توضيح أو مؤشر يدل على‬
‫تطبيق عملي وفعلي الفرتاضاهتا ومفاهيمها وحىت التقنيات املنهجية اليت تفرضها كل نظرية عن أخرى‪.‬‬
‫االجتاه الثاين‪ /‬التوظيف دون فهم‪ :‬ما يالحظ يف االجتاه الثاين هو توظيف النظرية مع عنصر بسيط‬
‫حتت عنوان اسقاط النظرية على الدراسة ومن يطلع على هذا االسقاط جيده عبارة عن حماولة كسر لغة‬
‫الفرضية ال غري مع أن االسقاط جيب أن يُلمس ابتداء من اختيار املوضوع إىل غاية النتائج النهائية‪ ،‬كما‬
‫الحظنا أيضا أن بعض الرسائل تتضمن نظرايت ال تتوافق أبي شكل أو آخر مع موضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫االجتاه الثالث‪ /‬التوظيف بفهم النظرية‪ :‬وهناك من الباحثني من يدرك فعليا أمهية النظرية فنلمس‬
‫وجودها انطالقا من عنوان الدراسة كعنوان فرعي أو كمؤشر يدل على أن اجتاه الدراسة حمدد يف جمال معني‬
‫للنظرية وجندهم أيضا يسقطون افرتاضاهتا يف سياق التساؤالت الفرعية إلعادة جتربتها وحىت التأكد من‬
‫صحتها وثباهتا وتوافقها مع اجملتمع جمال وحمل الدراسة‪ ،‬إضافة إىل فهم أي منهج موائم يف إطار النظرية‬
‫وأي أداة وأي عينة قد تناسب تصنيف النظرية سواء على النطاق الكمي أو الكيفي‪.‬‬
‫االجتاه الرابع‪ /‬عدم توظيف النظرية هنائيا‪ :‬ووجدان أيضا بعضا من الرسائل اليت ال تتضمن بتاات أي‬
‫نظرية معينة لتنطلق منها ورمبا يعود ذلك إىل عدم االعرتاف أبمهية النظرية أو نقص التكوين يف هذا اجملال‬
‫أو حىت عدم فهمها وابلتايل وحنن نقرأ معطيات البحث نلمس فوضى وتفكك لبنية البحث وأنه يريد‬
‫دراسة كل شيء يف إطار شيء واحد‪.‬‬
‫خامسا‪ /‬كيف نوظف النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال‪:‬‬
‫‪ ‬مع أمنوذج تطبيقي لنظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪.‬‬
‫‪ .1‬من الناحية الشكلية‪:‬‬
‫توظف النظرية يف البحوث اإلعالمية "املذكرات ليسانس‪ /‬ماسرت‪ ،‬والرسائل ماجستري‪/‬دكتوراه" على‬
‫طريقتني أساسيتني مها‪:‬‬
‫الطريقة الثانية‬ ‫الطريقة األوىل‬
‫كما ميكن أن توظف النظرية يف فصل مستقل‬ ‫توظف يف الفصل األول اخلاص مبوضوع الدراسة‬
‫للرسالة أو البحث‪ ،‬وعرضها بتوثيق الكثري من‬ ‫ومنهجيتها وإطارها النظري ويكون ذلك بشكل‬
‫املعلومات املتعلقة هبا واليت ختدم موضوع الدراسة مع‬ ‫خمتصر نوعا ما وبعرض ل ــ‪:‬‬
‫مراعاة الشروط املنهجية لتوثيق الفصول‪.‬‬ ‫‪ -‬تعريف للنظرية‪.‬‬
‫‪ -‬اخللفية املعرفية للنظرية‪.‬‬
‫‪ -‬مبادئ وافرتاضات النظرية‪.‬‬
‫‪ -‬اسقاط النظرية على موضوع الدراسة‬
‫بكافة مراحله‪.‬‬

‫‪ .2‬من انحية املوضوع‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫إن وجود النظرية يف البحوث اإلعالمية ليس وجودا شكليا فقط بطبيعة احلال وإمنا تتمرحل يف‬
‫أمهيتها من نقطة إىل أخرى يتم تفصيلها كاآليت مع منوذج أو مثال شارح لنظرية احلتمية القيمية يف‬
‫اإلعالم‪:‬‬
‫حيث ظهرت مع بداية الثمانينات من القرن العشرين لصاحبها عزي عبد الرمحن أي منذ‬
‫عودته للجزائر سنة ‪ 1985‬وتعرف النظرية انطالقا من جتزئ املسمى إىل ثالث ألفاظ؛‬
‫فاحلتمية تعين اعتماد متغري واحد على أنه احملرك األساس يف فهم وتفسري الظاهرة‪،‬‬
‫والقيمية من القيمة أي هي ما يرتفع ابلفرد إىل املنزلة املعنوية ويكون يف األساس مصدرها‬
‫الدين فاإلنسان ال يكون مصدر القيمة وإمنا أداة تتجسد فيه القيمة‪ ،‬أما اإلعالم فيعين‬
‫الرسالة اإلعالمية بوسائله التقليدية واحلديثة‪ .‬تنطلق النظرية من افرتاض أساسي مفاده (أن‬
‫التأثري يكون إجيابيا إذا كانت إذا كانت حمتوايت وسائل االتصال وثيقة الصلة ابلقيم وكلما‬
‫كانت الواثئق اشد كان التأثري اجيابيا وابملقابل يكون التأثري سلبيا إذا كانت حمتوايت‬
‫وسائل االتصال ال تتقيد أبي قيمة أو تتناقض مع القيمة وكلما كان االبتعاد عن القيمة‬
‫أكرب كان التأثري السليب أكثر)‪ ،‬وتتضمن النظرية منهجية واضحة تتمثل يف الرؤية القيمية‬
‫للظاهرة يف املقابل هلا أداة أو مقياس حمدد الستجالء القيمة أببعادها وهو مقياس (ع س‬
‫(‪)14‬‬
‫ن) إضافة إىل مجلة مفاهيم تطرحها النظرية‪.‬‬
‫وبعد هذا املختصر املوجز عن النظرية منر إىل شرح كيفية اإلسقاط هذا األخري الذي يتم على‬
‫مستوايت نوضحها كاآليت‪:‬‬
‫‪ .1‬على مستوى اختيار موضوع الدراسة‪ :‬يعترب اختيار موضوع الدراسة أوىل خطوات البحث اليت‬
‫هبا يستطيع هبا الباحث االنطالق يف حبثه‪ ،‬واختيار موضوع للدراسة ليس ابألمر اهلني بل إنه‬
‫عبارة عن تداخل عميق ما بني املستوى الفكري والعلمي للباحث والواقع والوسيط الرابط‬
‫واملؤثر ما يؤدي به إىل اإلحساس بعمق مشكلة ما يف اجملتمع‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪...‬أين حمل النظرية يف اختيار املوضوع؟‬
‫هناك سبيلني يف ذلك‬

‫والسبيل الثاين أن الباحث قد خيتار موضوع حبثه بناء‬ ‫تشكل النظرية نقطة انطالق واضحة وسهلة الختيار‬
‫على احساسه ابملشكلة ومفعول الرتاكمات حبيث‬ ‫املوضوع واحلث فيه‪ ،‬خاصة بعد االطالع على‬
‫يتكون لديه إطار واضح عن الظاهرة املراد دراستها‬ ‫معطياهتا وفهم افرتاضاهتا ليحاول الباحث بعد ذلك‬
‫ومن أي زاوية سيام الرتكيز فيها‪ ،‬وابلتايل حتديد هذه‬ ‫تطبيقها والتأكد من صحة هذه االفرتاضات ويف هذه‬
‫النقطة يعين حتدي النظرية املالئمة للموضوع‪.‬‬ ‫‪10‬‬ ‫احلايل ميكننا التحدث عما يسمى ابالنتماء للنظرية‬
‫وتكثيف جهد البحث يف عناصرها‬
‫املثال‪ :‬انطالقا من االجتاه األول الذي يعين االنتماء ابلبحث إىل نظرية معينة وهي نظرية‬
‫احلتمية القيمية يف اإلعالم اخرتان ابملوازاة مع اإلحساس ابملشكلة املوضوع التايل‪:‬‬
‫إعالانت قناة أم يب سي الفضائية وأثرها على مجهور الطلبة اجلامعيني اجلزائريني‬
‫دراسة مسحية يف ضوء نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‬
‫وألن النظرية قائمة على مجلة افرتاضات واضحة وحمددة اخرتان االنطالق يف البحث من‬
‫التساؤالت التالية بناء على املنطلق الرئيس للنظرية وهو اعتبار القيمة احملرك األساس للبحث‬
‫والقيمة مصدرها الدين واألثر أثر إجيايب وسليب‪ .‬وعليه فإن التساؤالت كالتايل‪:‬‬

‫التساؤل الرئيسي‬

‫ما هو أثر إعالانت قناة أم يب سي الفضائية‬


‫على مجهور الطلبة اجلامعيني اجلزائريني؟‬

‫‪11‬‬
‫‪ .2‬حتديد املفاهيم املرتبطة ابلدراسة‪ :‬انطالقا من املفاهيم اليت اقرتحتها النظرية والرؤية القيمية‬
‫للموضوع فإننا سندرس كل من مفهومي القيمة واألثر حسب اجتاه النظرية‪.‬‬

‫‪ .3‬حتديد البناء املنهجي للدراسة وفق النظرية‪ :‬إذ أنه من املعلوم أن لكل نظرية منهجية تقوم عليها‬
‫سواء أكانت ذات نزعة كميةأو كيفية‪ ،‬واملنهجية هنا تعين االنطالق من رؤية نظرية واسعة قصد‬
‫دراسة الواقع والظواهر املرتبطة به وابلتايل‪:‬‬
‫انطالقا من اعتبار نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم ذات نزعة كمية فإن املنهج املناسب‬
‫هلذا املوضوع الذي اخرتان أن نسقط عليه النظرية هو منهج املسح الوصفي‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نعتمد فيه على أداة هي األخرى تسمح ابستخالص البياانت الكمية وهي استمارة‬
‫االستبيان‪.‬‬
‫وتتيح لنا النظرية مقياس حبثي خاص هبا نعتمده يف بناء هيكل االستمارة وهو مقياس (ع‬
‫س ن)‬
‫والعينة املناسبة للدراسة هي عينة متعددة املراحل‪.‬‬
‫وعند النزول إىل امليدان تفرض علينا النظرية كيفية التعامل مع البياانت بطريقة موضوعية أو‬
‫ذاتية وعليه بناء على النزعة الكمية للدراسة وهبدف تعميم النتائج على اجملتمع الكلي فإن‬
‫من الضروري للباحث أن ينعزل بشخصه عن الظاهرة املدروسة وال يبدي ذاتيته يف معطياته‬
‫واألخذ فقط جبملة البياانت الكمية املتحصل عليها من امليدان‪.‬‬
‫‪ .4‬حتليل وتفسري النتائج انطالقا من النظرية‪ :‬بعد عملية النزول للميدان ومجع املعلومات والبياانت‬
‫وتفريغها يف جداول والقيام ابلعمليات االحصائية املناسبة أييت دور التحليل والتفسري بناء على‬
‫معطيات النظرية املتبناة وافرتاضاهتا‪.‬‬
‫مثال‪ :‬لو توصلنا أن اإلعالانت يف قناة أم يب سي الفضائية تؤثر إجيااب يف تعزيز التواصل‬
‫االجتماعي بني األفراد ميكن تربير ذلك بناء على افرتاض النظرية انه كلما كان احملتوى اإلعالين‬
‫مرتبط ابلقيمة اليت مصدرها الدين كان أثره اجيايب والعكس‪.‬‬

‫خامتة‬

‫نصل بعد هذا التوضيح املختصر لكيفية توظيف النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال إىل القول‬
‫أبنه للنظرية أمهية كبرية يف ضبط معطيات املوضوع مرحلة مبرحلة والباحث إذا استند عليها فهو يؤسس‬
‫لبناء موضوع متكامل شكال ومضموان‪ ،‬وال بد أن نوجه كأساتذة أثناء مراحل التدريس الطلبة إىل أمهيتها‬
‫بتليينها هلم بعيدا عن تلك التفسريات الضخمة واملعقدة ألن النظرية يف النهاية ما هي إال فكرة قد يصح‬
‫مفعوهلا وقد يبطل وهذا ال حيدث إال ابلدراسة املستمرة الفرتاضاهتا‪ ،‬وليس من الضرر أبدا أن يدرس‬
‫الباحث موضوعه انطالقا من نظرية معينة مهما كانت له حماولة لالجتهاد بفكر جديد أو موضوع جديد‪.‬‬
‫وعليه فالنظرية هي تلك البوصلة املرشدة للطريق الصحيح واملنارة اليت من شأهنا أن توصل الباحث إىل‬
‫مبتغاه بعيدا عن الفوضى وتشتت األفكار‪.‬‬

‫اهلوامش‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ .1‬مسري حسني‪ :‬حبوث اإلعالم‪ ،‬األسس واملبادئ‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪ ،1976 ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ .2‬منال هالل املزاهرة‪ :‬مناهج البحث اإلعالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار امليسرة للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،‬عمان‪ /‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص‪-‬ص ‪.47-41‬‬
‫‪ .3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص –ص ‪.50-48‬‬
‫‪ .4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.55-50‬‬
‫‪ .5‬مي العبد هللا‪ :‬نظرايت االتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ /‬لبنان‪ ،2006 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ .6‬شحاتة صيام‪ :‬النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار مصر العربية‬
‫للنشر والطباعة‪ ،‬مصر‪ ،2009 ،‬ص‪.14‬‬
‫‪ .7‬علي احلليب‪ :‬االجتاهات األساسية يف نظرية علم االجتماع‪،‬ط‪ ،1‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،1991‬ص‪.25‬‬
‫‪ .8‬شحاتة صيام‪ :‬النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ .9‬مي العبد هللا‪ :‬نظرايت االتصال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ .10‬حممد بن سعود البشر‪ :‬قصور النظرية يف الدراسات اإلعالمية‪ ،‬دراسة منشورة ابجمللة العربية للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،83‬صيف ‪ ،2003‬ص‪-‬ص ‪.24-15‬‬
‫‪ .11‬أ‪.‬الرامي‪ ،‬ب‪.‬فايل‪ :‬البحث يف االتصال‪ ،‬عناصر منهجية‪ ،‬خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة‪،‬‬
‫اجلزائر‪ ،2009 ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ .12‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ .13‬شحاتة صيام‪ :‬النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ .14‬شهرزاد سويف‪ :‬إعالانت قناة ‪ mbc‬الفضائية وأثرها على مجهور الطلبة اجلامعيني اجلزائريني‪ ،‬دراسة‬
‫مسحية يف ضوء نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪ ،‬رسالة ماجستري مناقشة‪ ،‬كلية العلوم االجتماعية‬
‫واإلنسانية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬قسم العلوم اإلنسانية‪ ،‬شعبة علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة احلاج خلضر‬
‫ابتنة‪ /‬اجلزائر‪ ،2014 ،‬ص –ص ‪.93-63‬‬

‫‪14‬‬
‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي‬
‫مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬
‫باديس لونيس‬

‫قسم علوم اإلعالم واالتصال‬

‫جامعة باتنة‪1‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تجب اإلشارة في البداية إلى أن هذه المداخلة تعتبر خالصة ثالثة مداخالت شاركت بها في ملتقيات‬
‫الحتمية القيمية؛ األولى بعنوان‪ :‬نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم (نحو براديغم إعالمي متميز)‪ ،‬بجامعة‬
‫مستغانم عام ‪ 2011‬م‪ ،‬والثانية تحت عنوان‪ :‬تحديات تواجه نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم (دراسة‬
‫نقدية)‪ ،‬بجامعة األغواط في ‪2013‬م‪ ،‬والثالثة بجامعة مستغانم عام ‪2014‬م‪ ،‬تحت عنوان‪ :‬منهجية‬
‫الحتمية القيمية في اإلعالم (بين النزعتين الكمية والكيفية)‪.‬‬

‫هذا مع بعض اإلضافات التي تساير تطور النظرية وذلك إلعطاء صورة عن تجربة مهمة ونادرة في‬
‫المنطقة في مجال التنظير بصفة عامة والتنظير في علوم اإلعالم واالتصال بشكل خاص‪.‬‬

‫وذلك من خالل العناصر اآلتية‪:‬‬

‫أوال‪ /‬التعريف بالحتمية القيمية‪.‬‬


‫ثانيا‪ /‬الحتمية القيمية براديغم؟‬
‫ثالثا‪ /‬أهم التحديات التي تواجه نظرية الحتمية القيمة‪.‬‬
‫رابعا‪ /‬نظرية الحتمية القيمية بين النزعتين الكمية والكيفية‪.‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫أوال‪ /‬التعريف بالحتمية القيمية‪:‬‬

‫‪ -‬من هو عبد الرحمن عزي؟‬

‫تحصل المفكر الجزائري عبد الرحمن عزي على شهادة الليسانس في الصحافة من جامعة الجزائر‬
‫عام (‪ )1977‬وعلى شهادة الماجستير في الصحافة عام (‪ )1980‬وعلى الدكتوراه في سوسيولوجيا اإلعالم‬
‫عام(‪ )1985‬من جامعة نورث تكساس بأمريكا‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬عمل األستاذ محر ار (تغطية األخبار المحلية)‬
‫في جريدة "الشعب " اليومية (الجزائر) لمدة سنتين‪ .‬و تتجاوز خبرته في التدريس و البحث و اإلشراف ‪24‬‬
‫سنة إذ عمل كمدرس لمدة ‪ 3‬سنوات في جامعة نورث تكساس ‪ ،‬ثم كأستاذ مساعد فأستاذ مشارك فأستاذ‬
‫لمدة ‪ 11‬سنة بمعهد علوم اإلعالم و االتصال‪ ،‬جامعة الجزائر ثم كأستاذ لمدة ‪ 3‬سنوات بقسم االتصال‬
‫بالجامعة العالمية اإلسالمية ماليزيا ثم كأستاذ بقسم اإلعالم بجامعة الملك سعود لمدة ‪ 4‬سنوات‪ ،‬أستاذ‬
‫بقسم االتصال الجماهيري بجامعة اإلمارات العربية المتحدة لمدة ‪ 4‬سنوات‪ ،‬ثم أستاذ بكلية االتصال‪،‬‬
‫جامعة الشارقة منذ ‪.)1( 2006‬‬

‫‪ -‬نشأة نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم ومفاتيح فهمها‪:‬‬

‫رغم أن جل دراساته ‪-‬منذ أول دراسة كتبها عندما عاد إلى الجزائر عام ‪1985‬م‪ -‬تميزت باستناده‬
‫إلى انتمائه الحضاري(‪ ،)2‬إال أن عبد الرحمن عزي صرح أنه بدأ فعليا تحديد مسار نظريته بتقديم النظرية‬
‫االجتماعية الغربية الحديثة وتكييفها مع الواقع الجديد وعالقاتها باالتصال‪ ،‬في كتابه‪" :‬الفكر االجتماعي‬
‫المعاصر والظاهرة اإلعالمية االتصالية‪ :‬بعض األبعاد الحضارية"(‪ .)3‬أما عن تسميتها بـ‪" :‬نظرية الحتمية‬
‫القيمية في اإلعالم فيعود الفضل في ذلك إلى طالبه وزميله اآلن في جامعة الشارقة األستاذ الدكتور‬
‫نصير بوعلي(‪ .)4‬وذلك بعد معارضتها بالحتمية التكنولوجية لمارشال ماكلوهان في دراسة مهمة قام خاللها‬
‫بمقارنة قيمة بين النظريتين(‪.)5‬‬

‫‪ - 1‬للمزيد انظر‪:‬‬
‫‪-www.sharjah.ac.ae/Arabic/Academics/.../Dr.Azzi_CV_ARABIC_2011.pdf (12/05/2011).‬‬
‫‪ - 2‬نصري بوعلي‪ :‬اإلعالم والقيم؛ قراءة يف نظرية املفكر اجلزائري عبد الرمحن عزي‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬عني مليلة‪-‬اجلزائر‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرمحن عزي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 4‬كان ذلك ابعرتاف عبد الرمحن عزي‪ ،‬يف معرض رده على أحد األسئلة على موقع البوابة العربية لعلوم اإلعالم واالتصال‪:‬‬
‫‪http://www.arabmediastudies.net/index.php?option=com_content&task=view&id=167&Itemi‬‬
‫‪d=1.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Nassir bouali: Lectures sur la Théorie; Déterminisme de la Valeur Morale de L'information,‬‬
‫‪la bibliothèque iqraa, Constantine- Algérie, 2009,p-p7-18.‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫ولقراءة النظرية وفهمها فهما صحيحا قدم نصير بوعلي في إحدى دراساته‪ ‬ما اصطلح عليه "بمفاتيح"‬
‫(‪)6‬‬
‫النظرية‪ ،‬وتتمثل هذه المفاتيح استنادا إلى المقاربة البنيوية في‪:‬‬

‫‪ -‬إن نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم كبنية تتضمن عناصر البناء التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬علوم اإلعالم واالتصال كمادة خام‪.‬‬

‫ب‪ -‬الفكر االجتماعي المعاصر في القرن العشرين كمادة مستوردة‪.‬‬

‫ج‪ -‬التراث العربي اإلسالمي على سبيل االجتهاد وليس النقل كمادة محلية‪.‬‬

‫د‪ -‬القرآن الكريم بمثابة االسمنت الذي يمسك النظرية بإحكام‪.‬‬

‫‪ -‬أسبقية النظرية ككل على األجزاء‪ :‬فنظرية الحتمية القيمية في اإلعالم هي ذلك الكل المركب من‬
‫دراسات وأبحاث نظرية عبد الرحمن عزي‪ ،‬ويستحيل فهمها ما لم يكن هناك إلمام بعدد معتبر من دراساته‬
‫التي تزيد عن خمسين دراسة تنطلق كلها تقريبا من إشكالية واحدة هي كيفية فهم الظاهرة االتصالية‬
‫واإلعالمية فهما قيميا وحضاريا‪.‬‬

‫‪ -‬أسبقية العالقة على األجزاء أو القيمة المحددة لها‪ :‬تتضح هذه النظرية أكثر عند إمعاننا النظر في‬
‫العالقة التي تحكم دراسات عزي عبد الرحمن‪ ،‬ألن ذلك سيقود إلى التغلغل في الدواخل وتوليد المعاني‬
‫العميقة للنظرية(‪ )...‬وتعتبر القيمة هي الحلقة أو العالقة بنيويا التي تمسك أبحاث المفكر وتجعلها مساقط‬
‫ال تتحرك إال ضمن دائرة النظرية‪.‬‬

‫‪ -‬إن عناصر نظرية الحتمية القيمية ال تحمل أي معنى إال في إطار السياق العام؛ أي يجب استحضار‬
‫العوامل االجتماعية والثقافية والحضارية والتاريخية التي ساعدت على تبلور هذه النظرية‪.‬‬

‫‪ -‬افتراضات وركائز النظرية‪:‬‬

‫تنطلق النظرية من افتراض أساس يعتبر اإلعالم رسالة وأهم معيار في تقييم الرسالة هو القيمة التي‬
‫تنبع أساسا من المعتقد‪ .‬ولذلك فإن تأثير وسائل اإلعالم يكون إيجابيا إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة‬
‫بالقيم‪ ،‬وكلما كانت الوثائق أشد كان التأثير إيجابيا‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬يكون التأثير سلبيا إذا كانت المحتويات ال‬
‫تتقيد بأية قيمة أو تتناقض مع القيمة‪ ،‬وكلما كان االبتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي أكثر (‪.)7‬‬

‫‪‬أصددر كادااب قيمدا عدو ع‪:‬دوان‪" :‬اإلعالالم والقاليم؛ قالراءة يف نظريالة املفكالر اجلزائالري عبالد الالرمحن عالزي"‪ ،‬ابإلضداةة ىل ىلردراةع علدى نددول حدول نظريدة‬
‫احلامية القيمية أقيمو جبامعة األمري عبد القادر اإلسالمية يف اجلزائر‪ ،‬وىلرراةع على كااب حول ال‪:‬ظرية ضم عدل دراسات ومقاالت لعدل أساتذل‪...‬‬
‫‪ - 6‬نصري بوعلي‪ :‬مفاتيح نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم؛ مقاربة بنيوية‪ ،‬جملة ك‪:‬وز احلكمة‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬مؤسسة ك‪:‬وز احلكمدة‪ ،‬ندوةم ‪2009‬م‪،‬‬
‫ص‪-‬ص ‪.149-144‬‬

‫‪ - 7‬عبد الرمحن عزي‪ :‬دراسات يف نظرية االتصال؛ حنو فكر إعالمي متميز ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫ويعتبر مفهوم السالب والموجب من بين المفاهيم الجديدة التي قدمها عبد الرحمن عزي باإلضافة إلى‬
‫المخيال اإلعالمي (في مقابل الرأي العام)‪ ،‬والزمن اإلعالمي‪ ،‬والرأسمال اإلعالمي الرمزي‪ ،‬والوضع‬
‫والخيال "والتمعقل" (من استخدام العقل) وفعل السمع والبصر‪ ،‬والبنية القيمية وغيرها(‪ .)8‬وهي بمثابة‬
‫مباحث فرعية يرتكز عليها النسق الكلي وهو النظرية‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫أما أهم الركائز –المبدئية‪ -‬التي تقوم عليها النظرية فتتمثل حسب عبد الرحمن عزي في‪:‬‬

‫‪ ‬أن يكون االتصال نابعا ومنبثقا من األبعاد الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها المجتمع‪.‬‬

‫أن يكون االتصال تكامليا؛ فيتضمن االتصال السمعي البصري‪ ،‬والمكتوب والشفوي الشخصي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مع التركيز على المكتوب ألنه من أسس قيام الحضارات‪.‬‬

‫أن يكون االتصال قائما على مشاركة واعية من طرف الجمهور المستقبل ال أن يكون أحاديا‬ ‫‪‬‬
‫متسلطا‪.‬‬

‫أن يكون االتصال دائما حامال للقيم الثقافية والروحية التي تدفع اإلنسان والمجتمع إلى االرتقاء‬ ‫‪‬‬
‫والسمو‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬الحتمية القيمية براديغم؟‬

‫انطالقا من كل ما تقدم سأحاول اآلن البحث في أهم المقومات التي تخول لنظرية الحتمية القيمية‬
‫إمكانية االرتقاء إلى براديغم جديد في اإلعالم‪ ،‬مع اإلدراك الكلي لجرأة هذا الطرح‪ ،‬وما سيثيره من‬
‫استغراب من بقي بعيدا عن النظرية‪ ،‬ومع ذلك ال يخفي حرجا في إبداء تحفظ غامض أو انتقاد ساذج‪ ،‬أو‬
‫تجاهل مريب لها ولصاحبها‪ .‬وسيكون إثبات ما للنظرية من مقومات االرتقاء إلى منظور إرشادي قائم‬
‫بذاته من خالل أهم الشروط التي تناولناها سابقا حتى تصبح نظرية ما براديغما كما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬مجال البحث والمشكالت المطروحة‪:‬‬

‫‪ -2‬المفاهيم‪:‬‬

‫‪ -3‬المنهجية‪:‬‬

‫‪ -4‬الجماعة العلمية‪:‬‬

‫‪ -5‬النظريات الجزئية‪:‬‬

‫ثالثا‪ /‬أهم التحديات التي تواجه نظرية الحتمية القيمة‪:‬‬

‫‪ -8‬للمزيد انظر‪ :‬قراءات يف نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم‪ ،‬ىلعداد نصري بوعلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.146-129‬‬
‫‪ - 9‬عبد الرمحن عزي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.144-143‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫مشكلة القيم‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫مشكلة الحتمية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫مشكلة المنهج‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫مشكلة تأثره باألفكار السابقة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫الشخصيات‪:‬‬

‫النظريات‪:‬‬
‫بعض التحديات األخرى‪:‬‬
‫رابعا‪ /‬نظرية الحتمية القيمية بين النزعتين الكمية والكيفية‪.‬‬
‫كما أسلفنا فإن عبد الرحمن عزي ينظر إلى المنهجية على أنها الرؤية النظرية التي يتبناها الباحث‬
‫وينطلق منها لمقاربة موضوعه‪ ،‬حيث يقول "المنهجية من النهج أو السبيل‪ ،‬أي االنطالق من منظور‬
‫نظري واسع قصد دراسة الواقع (أيا كان الواقع ومن ذلك الواقع اإلعالمي)‪ .‬فاإلطار النظري ما ُيولد‬
‫المنهجية ومن ثم أمكن القول أن لكل إطار (أو فلسفة أو عقيدة) منهجه الخاص‪ ،‬فعلم العمران الخلدوني‬
‫له منهجيته (الخلدونية)‪ ،‬والمسألة الحضارية البنابية لها منهجيتها‪ ،‬والتصوف (عند الغزالي وابن عربي‬
‫والنورسي) له منهجيته‪ ،‬واألمر نفسه بالنسبة للمدارس الغربية الحديثة مثل الوظيفية (بارسونز) والنقدية‬
‫(مدرسة فرانكفورت) الظاهراتية (هوسرل وشوتز) والتفاعلية الرمزية (ميد) والليبرالية واإلمبريقية (التي‬
‫انبثقت منها معظم النظريات الجزئية)(‪.)10‬‬

‫يوافق عبد الرحمن عزي الظاهرتيين في أنه يجب التمييز بين المنهجية واألدوات أو التقنيات‬
‫المستخدمة في المنهجية‪ ،‬فالمنهجية "رؤية" أي أن المنهجية إطار نظري واسع يدلك ويقودك إلى األسئلة‬
‫التي يتعين أن تطرح في البحث‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن المنهجية تأخذ صفة الخلفية النظرية التي‬
‫تؤسسه كان نقول المنهجية الخلدونية‪ ،‬المنهجية المادية الجدلية‪ ،‬المنهجية االمبريقية‪ ،‬ويمكن إضافة مثال‬
‫المنهجية "البنابية" نسبة إلى مالك بن نبي‪ ،‬والمنهجية القيمية نسبة إلى نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم‬
‫(‪ )...‬أما األدوات فهي تقع بين "الرؤية" و "الواقع ويمكن أحيانا تسميتها بالمفاهيم (عامة واجرائية)‪ ،‬فهذه‬
‫األدوات‪ ،‬وان كانت تحمل بعض الرؤى والخلفية النظرية‪ ،‬إال أنها يمكن استخدامها بفعالية بشرط أن يكون‬
‫استخدامها عن وعي وألغراض أخرى(‪.)11‬‬

‫‪ -10‬عبد الرحمن عزي‪ :‬منهجية الحتمية القيمية في اإلعالم‪ ،‬الدار المتوسطية للنشر والتوزيع‪2013 ،‬م‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -11‬عبد الرحمن عزي‪ :‬نظرية الحتمية القيمية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫ويبدو إذن ارتباط مفهوم المنهجية عند عبد الرحمن عزي باألصول المعرفية االبستمولوجية للنظرية‬
‫ارتباطا قويا وتأسيسيا‪ ،‬قد يغفل حتى هو نفسه عن بعض جوانب هذا االرتباط العتبارات التاريخ‪ ،‬أو روح‬
‫المرحلة‪ ،‬أو السياق االجتماعي(‪. )12‬‬

‫وألن كل باحث ‪-‬كما أشار عبد الرحمن عزي نفسه‪ -‬متأثر (عن وعي أو غير وعي) بخلفيته‬
‫وتجربته ومجموعة من المؤثرات الثقافية المتعددة كالمكان والزمان(‪ .)13‬لذلك فإن فكر البروفيسور عزي لم‬
‫يكن لينفصل عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها فقد ذكر أنه فطم في بيئة (بني ورتيالن األمازيغية الواقعة‬
‫شرق الجزائر) مفعمة بالتعاليم الدينية وحفظ القرآن(‪ .)14‬كما أن إقامته بأمريكا بعض الوقت واحتكاكه‬
‫المباشر مع أتباع مختلف النظريات‪ ،‬جعله ‪-‬كما اعترف بذلك هو نفسه‪ -‬يدخل إلى مجال التنظير في‬
‫االتصال تحت تأثير بعض أدوات المنهجية الغربية‪ .‬وقد رأى أن ذلك أم ار عاديا إذا اعتبرنا أن المنهجية‬
‫تولد أدوات أو (طريقة) عقالنية أو واقعية في الوصول إلى مجموعة من الحقائق النسبية‪ .‬فاألدوات تملك‬
‫مجاال مستقال‪ ،‬أي محايدا نسبيا(‪.)15‬‬

‫وقد مكنته تلك األدوات من النظر إلى الذات والثقافة من زاوية خارجية‪ ،‬ما حفزه للنبش في التراث‪،‬‬
‫فدرس ابن خلدون والنظرية الغربية‪ ،‬واستوقفته إسهامات مالك بن نبي أين أضاف عامل اإلعالم إلى‬
‫العناصر األخرى المكونة لنظريته (اإلنسان والتراب والزمان)‪ .‬ورغم أن إسهامات العلماء المسلمين األوائل‬
‫في نظرية االتصال غير واضحة إال أن عبد الرحمن عزي وجد في مناهجهم ما كان سندا أساسيا في‬
‫تطوير نظريته (‪.)16‬‬

‫ومن المهم التأكيد على أن المفكر االتصالي عبد الرحمن عزي ال يطرح نفسه "تأصيليا" بما تواضع‬
‫عليه مفكرو األسلمة من أمثال رواد مدرسة (معهد الفكر اإلسالمي) بهرندن فيرجينية‪ ،‬مع أنه كان لسنوات‬
‫أستاذا بالجامعة العالمية اإلسالمية بكوااللمبور التي اعتبرها كثيرون موئل فكر األسلمة الحديث(‪ ،)17‬ويرى‬

‫‪ -12‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص ‪.9‬‬


‫‪ -13‬عبد الرحمن عزي‪ :‬دراسات في نظرية االتصال؛ نحو فكر إعالمي متميز‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،2003 ،‬ص‪.8‬‬
‫‪14‬‬
‫)‪- http://sites.google.com/site/valuemediadeterminismtheory/bachir(15/11/2010‬‬
‫‪ - 15‬عبد الرحمن عزي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫‪ - 16‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص‪-‬ص ‪.10-9‬‬
‫‪ -‬محمود محمد قلندر‪ ،‬محمد بابكر عوض‪ :‬اتجاهات البحث في علم االتصال؛ نظرة تأصيلية‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪-‬‬ ‫‪17‬‬

‫سوريا‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ‪.124‬‬


‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫أن إضفاء األسلمة على المعرفة الموجودة هو من باب الكسل الفكري والخوف من االندماج في‬
‫اآلخر(‪.)18‬‬

‫إذن يمكن أن نقول أن الخلفية االبيستمولوجية لمنهجية عبد الرحمن عزي اتسمت تنوع المصادر‬
‫كما يوضحه الشكل (‪ ،)1‬فهي أوال تستند إلى القرآن والسنة‪ ،‬ثم إلى التراث اإلسالمي القديم ممثال أساسا‬
‫في (ابن القيم‪ ،‬الغزالي‪ ،‬ابن خلدون‪ ،)...‬والى فكر مجموعة من العلماء المحدثين ( مالك بن نبي‪،‬‬
‫النورسي‪ ،)...‬باالظافة إلى ذلك فإن منهجية الحتمية القيمية تستند أيضا إلى أدوات المدارس الفكرية‬
‫الغربية بتنوعها وتعددها (الظاهرتية‪ ،‬التفاعلية الرمزية‪ ،‬الوظيفية‪.)...‬‬

‫ولكن‪ ،‬السؤال المطروح هنا‪ ،‬هل هذا التنوع يعتبر ثراء معرفيا وسندا قويا للخلفية المعرفية الخاصة‬
‫بالنظرية؟‬

‫أنا اعتقد‪ ،‬أن العكس هو الصحيح تماما؛ فهذا االغتراف المتعدد سيوقع حتما النظرية في تناقضات‬
‫عديدة سببها الرئيسي هو حدة الخالف بين التيارات واالتجاهات الفكرية المستند إليها‪ .‬فمثال لو توجهنا‬
‫إلى األعالم الذين تأثر بهم عزي في الخلفية اإلسالمية فسنجد منهم العقالني كابن رشد‪ ،‬والنقلي كابن‬
‫القيم‪ ،‬وذو النزعة الصوفية كابن عربي أو الغزالي‪ .‬وال يخفى على احد حدة الخالف التي ميزت التيارات‬
‫الثالث في تاريخ الفكر اإلسالمي والنقاشات عالية النبرة التي استمرت منذ قرون إلى وقتنا الحالي‪ .‬والتي‬
‫وصلت إلى حد التكفير والزندقة والحرق كسلوك رافض لألخر وفكره‪.‬‬

‫ولعل مفهوم العقل ودوره كان مربط الفرس في كل تلك النقاشات‪ ،‬فابن القيم ُممثال للتيار (السلفي)‬
‫يرفض قدرة العقل على "تأويل" النص القرآني وفهمه دون الوقوع في "الهوى"‪ ،‬لذلك فهم ينزعون إلى‬
‫الظاهر من النصوص وينظرون بعين الريبة إلى كل دعوة ألفهام جديدة غير مستندة إلى فهم السلف‬
‫الصالح‪ .‬أما ابن رشد ممثال للتيار العقالني(‪.)19‬‬

‫‪ -‬حوار أجراه مع السعيد بومعيزة منشور في كتاب‪ :‬قراءات في نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم‪ ،‬إعداد نصير‬ ‫‪18‬‬

‫بوعلي‪ ،‬دار إقرأ‪ ،‬قسنطينة‪ -‬الجزائر‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.188‬‬


‫‪ - 19‬لعل كتابه " فصل المقال فيا بين الشريعة والحكمة من اتصال"‪ ،‬خير ما يلخص توجهه الفكري‪.‬‬
‫أ‪ .‬باديس لونيس‬ ‫من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم‪ ..‬مسار تجربة‬

‫خاتمة‬

‫‪ ‬إن المالحظ على جل الدراسات التي قام بها (عبد الرحمن عزي)‪ ،‬هو ميله الجلي واستخدامه البين‬
‫ألدوات البراديغم التأويلي الذي ينحى منحى البحوث الكيفية وخاصة منها البنيوية عند استعانته بأداة‬
‫التضاد الثنائي‪ ،‬الظاهراتية عند استئناسه بمستويات الحقيقة‪ ،‬ومبدأ االختزال الذي تطرحه هذه‬
‫المدرسة‪ .‬ورغم هذا الميل الكبير لالتجاه الكيفي إال أن عبد الرحمن عزي‪ ،‬لم يشر –حسب اطالعي‪-‬‬
‫إلى ضرورة اقتفاء هذا المنحى‪.‬‬

‫‪ ‬وقد صرح عبد الرحمن عزي في إحدى دراساته في أنه يتبنى المنهج القيمي‪ ،‬مردفا فيما بعد في أن‬
‫المنهج الذي يستكن إليه ينطلق من الداخل ويكون التدخل الذاتي أساسيا وهو ما ال يتفق بالطبع مع‬
‫النظرة التقنية للبحث وأن الباحث مالحظ مستقل عن الموضوع‪ ،‬مؤكدا‪ ،‬إن البحث في تحليله فعل‬
‫قيمي‪ ،‬والمعرفة الحقيقية إنما تتأتى من الفعل القيمي الناتج من الجهد الذاتي‪ ،‬فهو (أي الفعل القيمي)‬
‫كالنور‪ .‬مستدال‪" :‬قد جاءكم من هللا نور" {سورة المائدة‪" ،}15،‬ومن لم يجعل هللا له نو ار فما له من‬
‫نور" {سورة النور‪ ،}40 ،‬فالحياة االجتماعية حسبه في األصل تأسيس قيمي‪ ،‬يستتبع ذلك أنه من‬
‫خالل الفعل القيمي يمكننا تجربة الحياة االجتماعية بكيفية دالة‪.‬‬

‫‪ ‬يقول عبد الرحمن عزي في كتابه "منهجية الحتمية القيمية"‪ :‬يتصف المجتمع الجزائري بأن أقواله ال‬
‫تنطبق بالضرورة مع أفعاله‪ ،‬فقد يتحدث شفويا عن قيم تبدو "راقية" وقد ُيكثر من االستدالل باآليات‬
‫القرآنية واألحاديث النبوية وقد يشير إلى فولتير وفكتوريغو ولكن ال ترى أثر ذلك في السلوك والفعل‬
‫االجتماعي الدال ثقافيا وحضاريا‪ .‬وقد سمى مالك بن نبي هذه الظاهرة بالقيم المعطلة‪.‬‬

‫ويضيف عزي بعد شرح هذه المشكلة‪" :‬وفي ضوء هذه الخصوصية‪ ،‬يتعين على الباحث أن يدخل‬
‫هذه االعتبارات ليس في إجراءات بحثه فحسب‪ ،‬وانما في تحليل نتائجه‪ ،‬فالنتائج محكومة بالسياقات‬
‫المحيطة"(‪.)20‬‬

‫‪ - 20‬عبد الرحمن عزي‪ :‬منهجية الحتمية القيمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.75-74‬‬
‫نظرية الغرس الثقافي‪ :‬قراءة في السياق الجزائري‬

‫أ‪ .‬وهيبة بشريف‬

‫جامعة باتنة ‪-1-‬‬

‫البريد االلكتروني‪Wahiba2500@hotmail.fr:‬‬

‫الملخص‪:‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬النظرية‪ ،‬الغرس‪ ،‬الغرس الثقافي‪ ،‬السياق الجزائري‪.‬‬

‫لعبت األوضاع السائدة في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬في القرن السبعينيات‪ ،‬في ظهور نظرية‬

‫الغرس الثقافي‪ ،‬هذه النظرية التي ركزت على دراسة عالقة التلفزيون بموجة العنف التي ظهرت في‬

‫أمريكا‪ ،‬وهذه الظاهرة التي سادت في تلك الفترة نتيجة العتقاد المواطنين األمريكيين بأن هنالك عالقة‬

‫بين مشاهدة وسيلة التلفزيون‪ ،‬التي بدأ انتشارها حديثا في الواليات المتحدة األمريكية وبين موجة‬

‫وهذا ما استدعى ضرورة قيام بدراسات حول هذه الظاهرة‪ ،‬لمعرفة التأثيرات التي يمكن أن‬ ‫العنف‪،‬‬

‫يحدثها التلفزيون على المشاهد األمريكي‪ ،‬حيث تمخضت عن تلك الدراسات " نظرية الغرس الثقافي" التي‬

‫اختصت بالسياق األمريكي ومنه بالمواطن األمريكي‪ ،‬ومما سبق نتساءل‪ :‬هل يمكن إسقاط تلك النظرية‬

‫على المجتمع الجزائري؟‪ ،‬وهل سوف نتحصل على نفس النتائج التي تمخضت عن الدراسات األمريكية؟‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫اخذ التأثير مكانة هامة في دراسات االتصال بصورة خاصة‪ ،‬وعلى مستوى الدراسات اإلنسانية‬

‫بصورة عامة‪ ،‬حيث تكمن صعوبة التأثير في معرفة إذا كان يشمل جميع أفراد بطريقة واحدة‪ ،‬أو يختلف‬

‫من مكان إلى أخر‪ ،‬حسب اإليديولوجية التي يتبناها كل فرد‪ ،‬ونظ ار ألهمية السياق الذي يلعب دور في‬
‫إحداث التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬ففي البحوث األولى لدراسات التأثير أثبتت أن التأثير يكون‬

‫مباشر‪ ،‬وفيما بعد جاءت دراسات أخرى تثبت عكس ذلك‪ ،‬بأن تأثير وسائل اإلعالم غير مباشر أو‬

‫انتقائيا‪ ،‬و أحيانا يكون على المدى الطويل‪ ،‬ومن بين تلك النظريات نظرية "الغرس الثقافي"‪ ،‬التي تحاول‬

‫معرفة تأثير الذي يحدث التلفزيون على المشاهدين‪ ،‬ومن هنا يتبادر إلينا طرح اإلشكال التالي‪:‬‬

‫ماهو تفسير نظرية الغرس الثقافي لتأثير التلفزيون على األفراد المشاهدين؟‪.‬‬

‫وتمحورت عن تلك اإلشكالية مجموعة من التساؤالت‪ ،‬تمثلت في‪:‬‬

‫‪ -‬ماهي أهم االفتراضات التي قامت عليها نظرية الغرس الثقافي؟‪.‬‬

‫‪ -‬هل يحدث التلفزيون في المجتمع األمريكي نفس التأثيرات على أفراد المجتمعات األخرى؟‪.‬‬

‫ولإلجابة على اإلشكالية‪ ،‬تعتمد على مجموعة من المحاور التالية‪:‬‬

‫‪ -‬المحور األول‪ :‬مدخل مفاهيمي‪.‬‬

‫‪ -‬المحور الثاني‪ :‬الخلفية النظرية للغرس الثقافي‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬إسقاطات نظرية الغرس الثقافي على المجتمع الجزائري‪.‬‬

‫‪ -‬أوال‪ :‬المدخل المفاهيمي‪:‬‬

‫‪ .1.1‬النظرية‪:‬‬

‫عرفت النظرية تعريفات كثيرة ومختلفة‪ ،‬فهناك من رأى بأنها مجموعة من الفروض التي يمكن‬

‫الوصول بها إلى نتائج‪ ،‬وباحثين آخرين أروا بأنها مفاهيم ومصطلحات وتصورات جاء بها أصحابها‪ ،‬ومنه‬

‫يمكن أن نعرف النظرية بأنها‪:‬‬


‫كما جاءت النظرية في "قاموس المعاني" على أنها "قضية تثبت صحتها بحجة ودليل أو برهان‪ ،‬أما من‬

‫ناحية الفلسفية فتعد النظرية بأنها طائفة من اآلراء تفسر بها بعض"‪.‬‬

‫المبنية على‬
‫ّ‬ ‫أما في معجم اللغة العربية المعاصر‪ ،‬فقد عرفت بأنها(بعض الفروض أو المفاهيم‬

‫(‪)1‬‬
‫الحقائق والمالحظات تحاول توضيح ظاهرة معينة)‪.‬‬

‫وعرفت أيضا بأنها "نظام من األفكار يقوم بتفسير شيء ما‪ ،‬وتعني باللغة االنجليزية ‪Theorem ,‬‬

‫‪.theory , notion‬‬

‫‪- A general proposition not self evident but proved by a chain of reasoning.‬‬

‫)‪- A supposition or system of ideas explanning something, notion .(2‬‬

‫‪.2.1‬عملية الغرس‪:‬‬

‫هي عملية يتم فيها زرع مكونات معرفية ونفسية تقوم بها مصادر المعلومات والخبرة لدى من‬

‫يستعرض لها‪ ،‬وقد أصبح مصطلح الغرس منذ منتصف السبعينات عنوان لنظرية الغرس الثقافي‪ ،‬التي‬

‫حاولت تفسير اآلثار االجتماعية والمعرفية لوسائل اإلعالم وخاصة التلفزيون باعتبار الغرس حالة خاصة‬

‫(‪)3‬‬
‫من عملية أوسع هي التنشئة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬البرنامج التلفزيوني ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.almaany.com/ar/dict/arar/%d9%86%d8%b8%d8%B1%d9%8A%D8%A9%;09/1‬‬
‫‪2/2015;11:14h.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪http://www.almaany.com/ar/dict/aren/home.php?word=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%‬‬
‫‪B8;09/12/2015;11:30h.‬‬
‫‪ 3‬محمد محمد عمارة‪ ،‬دراما الجريمة التلفزيونية‪ :‬دراسة سوسيو اعالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪،2008 ،‬‬
‫ص‪.70‬‬
‫هو أحد األنواع اإلعالمية التي تسعى إلى نقل المعلومات التي تهم الجمهور ونشرها في وقت معين‬

‫(‪)1‬‬
‫عن طريق استخدام تقنية البث التلفزيوني المعتمدة على الصوت والصورة‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا‪ :‬الخلفية النظرية للغرس الثقافي‬

‫‪ .1.2‬تصنيف النظرية‬

‫‪ .1.1.2‬نظرية التأثير المباشر‪ :‬وتندرج تحتها‪:‬‬

‫‪ -‬نظرية الرصاصة السحرية أو طلقة الرصاصة‪.‬‬

‫‪ .2.1.2‬نظرية التأثير غير المباشر‪ :‬وتضم‪:‬‬

‫‪ -‬سريان المعلومات على مرحلتين ل "ال زار سفيلد" و"غوديت"‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫‪ -‬نظرية انتشار المبتكرات(‪ ،)Diffusion of Innovation‬ل "روجرز" و"شموخر"‪.‬‬

‫‪ -‬مدخل اإلستخدمات واالشباعات ل "كاتز" وزمالؤه‪.‬‬

‫‪ .3.1.2‬نظريات التأثير االنتقائي أو نظريات التأثير في حاالت‪:‬‬

‫ترى هذه النظريات أن الوسائل (االتصال) تؤثر في الحاالت التي تطرح مسائل تنسجم مع‬

‫االهتمامات اآلنية‪ ،‬ويكون التأثير حالة استثنائية وليست متسقة في العالقة القائمة بين التلفزيون‬

‫والجمهور(‪ ،)3‬وتندرج ضمنها النظريات التالية‪:‬‬

‫بطرس الحالق‪ ،‬تأثير البرامج التلفزيونية في عملية التنشئة االجتماعية " المجتمع السوري نموذجا"‪ ،‬مجلة جامعة‬ ‫‪1‬‬
‫دمشق‪ ،‬العدد الثاني‪ ،2007 ،‬م‪ ،23‬ص‪,99‬‬
‫مي العبد هللا‪ ،‬نظريات االتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2006 ،‬ص‪.272‬‬ ‫‪2‬‬

‫عزي عبد الرحمان ‪،‬وآخرون‪ ،‬عالم االتصال‪ ،‬بن عكنون ‪:‬ديوان المطبوعات الجامعية‪،1990 ،‬ص‪.41‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪ -1‬نظرية االختالفات الفردية‬

‫‪ -2‬نظرية العالقات االجتماعية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -3‬نظرية الطبقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -4‬نظرية التأثير االنتقائي التي جاء بها كل من "مليفن دفلر" و"روكتش"‪.‬‬

‫‪ .4.1.2‬التأثير على المدى الطويل أو التراكمي‪:‬‬

‫وتشمل النظريات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬نظرية الغرس الثقافي‪.‬‬

‫‪ -2‬نظرية االعتماد على وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪ -3‬نظرية لولب الصمت ل" إليزابيت نيومان"‪.‬‬

‫‪ .2.2‬نشأة نظرية الغرس الثقافي وتطورها‪:‬‬

‫ترجع أصول النظرية إلى مشروع المؤشرات الثقافية ( ‪Cultura indicators Project‬‬

‫الذي قام به فريق من باحثي مدرسة أننبيرج لالتصال ( ‪Tiona annenberg‬‬ ‫‪)Research‬‬

‫‪ )School Communnic‬التابعة لجامعة بنسلفانيا بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬خالل السبعينيات‪،‬‬

‫وذلك بقيادة فريق عمل قاده"جورج جيربنر" ‪ Gorge Gerbnereg‬على مدى أكثر من ربع قرن‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫انشراح الشال‪ ،‬مدخل إلى علم اإلعالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفجر العربي‪،2001 ،‬ص‪.154‬‬ ‫‪1‬‬

‫عمارة‪ ،‬المرجع السابق‪.69 ،‬‬ ‫محمد محمد‬ ‫‪2‬‬


‫ركز مشروع المؤشرات الثقافية على ثالث قضايا متداخلة‪ ،‬تمثلت في‪:‬‬

‫‪ -‬دراسة الرسائل والقيم والصور الذهنية‪ ،‬التي تعكسها وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة الهياكل والضغوط والعمليات التي تؤثر على انتاج الرسائل اإلعالمية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ -‬دراسة المشاركة المستقلة للرسائل الجماهيرية على إدراك الجمهور للواقع االجتماعي‪.‬‬

‫كان الهدف من هذا المشروع إيجاد الدليل اإلمبريقي على تأثير وسائل اإلعالم المختلفة في البيئة‬

‫الثقافية‪ ،‬حيث تركز هذه النظرية على التلفزيون كأحد القنوات التي تقوم بالتنشئة االجتماعية وكقاص‬

‫(‪)2‬‬
‫للحوادث والمصمم األساسي للصور الرمزية التي تساهم في تكوين المعتقدات عن العالم الحقيقي‪.‬‬

‫فالتنشئة االجتماعية في ظل مجتمع وسائل اإلعالم واالتصال الذي نعيشه‪ ،‬أصبحت تعتمد بشكل‬

‫متزايد على التلفزيون في عملية التعلم االجتماعي القائم على اكتساب معايير وسلوك واتجاهات وأدوار ‪،‬‬

‫إلى أخر تلك المكونات التي تقضي في النهاية إلى بلورة الشخصية‪.‬‬

‫‪ .3.3‬افتراضات النظرية‪:‬‬

‫قامت النظرية على مجموعة من االفتراضات الرئيسية‪ ،‬التي تعتبر الركائز التي تقوم عليها‪:‬‬

‫‪ -‬التلفزيون هو أقوى وسائل االتصال الجماهيري‪ ،‬بحيث يساهم نتيجة لدخوله المنازل وسهولة استخدامه‬

‫مع تميزه بتقديم الصوت والصورة معا‪ ،‬في تنشئته األطفال بدرجة ال تحدث مع الوسائل األخرى‪ ،‬كذلك ال‬

‫محمد منير حجاب‪ ،‬نظريات االتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،2010 ،‬ص‪.306‬‬ ‫‪1‬‬

‫أماني عمر الحسني‪ ،‬اإلعالم والمجتمع‪ :‬أطفال في ظروف صعبة ووسائل اإلعالم مؤثرة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬علم الكتب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2005‬ص‪.94‬‬
‫يحتاج التلفزيون إلى مهارات مسبقة للتعرض له‪ ،‬هكذا يمكن تطبيق هذه النظرية على التلفزيون بدرجة‬

‫أكبر من إمكانية تطبيقها على الوسائل األخرى‪.‬‬

‫‪ -‬تشكل رسائل التلفزيون نظاما ثقافيا متماسكا يعبر عن االتجاه السائد‪.‬‬

‫‪ -‬عملية اإلنماء تؤدي إلى خلق مفاهيم عامة توحد االستجابة ألسئلة معينة تأتي هذه المفاهيم من‬

‫التعرض الكلي لبرامج التلفزيون وليس من خالل بعض البرامج المنتقاة‪ ،‬فإن التعرض الكلى هو الذي‬

‫يحقق أهداف عملية اإلنماء بدال من المشاهدة االنتقائية ألنواع معينة من البرامج والبد أن نتجاهل‬

‫االختالفات والتنوع في شكل البرامج وأساليب معالجتها ولكن االهتمام كله موجه تجاه التماثل أو التوافق‬

‫الذي يقدمه المضمون العام للتلفزيون‪.‬‬

‫‪ -‬تحليل الرسائل التلفزيونية يقدم دالئل على عملية الغرس الثقافي‪ :‬ويقوم الدارسون للتدليل على تأثير‬

‫نظرية الغرس على الناس بتحليل محتوى البرامج لكي يثبتوا كيفية قيام الوسيلة بتقديم جوانب مختلفة من‬

‫المجتمع والحياة بطريقة منسجمة ومنسقة‪.‬‬

‫‪ -‬تركز النظرية على مساهمة التلفزيون في نقل الصور الذهنية على المدى البعيد‪ ،‬وتفترض هذه النظرية‬

‫أن عملية الغرس تتم ببطء عن طريق نقل الرموز الشائعة على المدى البعيد‪ ،‬ومع كثرة المشاهدة يتولد‬

‫لدى المشاهدين ما نطلق عليه "االتجاه السائد" الذي يركز عليه التلفزيون‪ ،‬ولقد أثبتت بحوث عديدة أن‬

‫(‪)1‬‬
‫كثيفي المشاهدة من المجموعات المختلفة يستنبطون معاني مشتركة بدرجة أكبر من قليلي المشاهدة‪.‬‬

‫توصلت نتائج تلك البحوث التي قام بها "جورج جورنبرج" إلى‪:‬‬

‫‪ -‬أن كثيفي التعرض للبرامج التلفزيونية يختلفون في إدراكهم للواقع االجتماعي من األفراد قليلي التعرض‪.‬‬

‫أماني عمر الحسيني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬صص ص‪..96،97،98‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪ -‬أن التلفزيون وسيلة فريدة للغرس لدى األشخاص خاصة األطفال‪ ،‬لتمتعه بخصائص منها قيامه بدور‬

‫راوي الحكاية‪ ،‬وامداد الطفل بالمعلومات‪ ،‬وتكرار الصور الذهنية‪.‬‬


‫(‪)1‬‬

‫إن عناصر نظرية الغرس الثقافي تساهم في عملية بناء الواقع االجتماعي من خالل مشاهدة التلفزيون‬

‫والخطوة التالية هي التعلم وتساعدها عوامل تؤدي إلى حدوثه مثل االنتباه والتذكر ومن خالل التعلم يتم‬

‫اكتساب المعلومات المختلفة‪ ،‬ثم تأتي عملية بناء للواقع االجتماعي‪ ،‬وإلدراك الواقع االجتماعي أهمية‬

‫خاصة في التأثير على السلوك‪ ،‬ووفقا ل "بنجري" و"لها كنز" فإن عملية الغرس تنطوي على ثالث‬

‫عمليات‪:‬‬

‫‪ -‬التعلم‪ :‬هو اكتساب المعلومات (بالمصادفة) من خالل التعرض للتلفزيون أي أن التعلم هو العالقة بين‬

‫مشاهدة التلفزيون وما يتم إدراكه من أفكار وحقائق وقيم واتجاهات بالنسبة للواقع االجتماعي المحيط‪.‬‬

‫هو استخدام المعلومات لتكوين أحكام عن الواقع‪ ،‬أي أن البناء هو العالقة بين إدراك ما‬ ‫‪ -‬البناء‪:‬‬

‫يقدم في التلفزيون وادراك الواقع‪ ،‬حيث يتجه األفراد إلى بناء صورة للعالم الحقيقي مستخدمين المعلومات‬

‫المكتسبة من التلفزيون‪.‬‬

‫‪ -‬التعميم‪ :‬هو العالقة بين قياس درجة تعلم المشاهد لصفات وخصائص معينة يعرضها المضمون‬

‫(‪)2‬‬
‫التلفزيوني وبين قياس معتقدات المشاهدين عن الواقع المحيط حول نفس الموضوع‪.‬‬

‫ووجهت لهذه النظرية مجموعة من االنتقادات تمثلت في‪:‬‬

‫منير حجاب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.307‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد محمد عمارة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪,70،72‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪ -‬يوجه ‪ New comb‬انتقادا حادا لرؤية ‪":‬جيربنر" حيث يرى أن أفكار التلفزيون ورموزه التي تتدفق من‬

‫التلفزيون لم تخلق من قبل هذه الوسيلة‪ ،‬وأن األفكار لها تاريخ ومعان في الثقافة التي هي سابقة على‬

‫التلفزيون‪ ،‬وحذر أيضا من إغفال أهمية التجربة اإلنسانية والخبرة الشخصية‪.‬‬

‫‪ -‬عدم وضوح اآللية التي يحدث من خاللها الغرس‪ ،‬الذي يعد بالفعل أحد التحديات لباحثي الغرس ‪،‬‬

‫حيث يرى أنصار هذا االنتقاد أن بحث الغرس يحتاج نوعية من الصدق‪ ،‬الصدق الخارجي وقد يتحقق‬

‫بوجود عالقة ارتباطيه ضعيفة بين التعرض والغرس‪ ،‬وصدق داخلي يرتبط بالعمليات المعرفية وكيفية‬

‫(‪)1‬‬
‫تخزين خبرة التلفزيون لتصبح جزءا من الواقع االجتماعي للفرد الذي يتعود على مشاهدة التلفزيون‪.‬‬

‫‪ -‬ثالثا‪ :‬إسقاطات نظرية الغرس الثقافي على المجتمع الجزائري‪:‬‬

‫أكدت الدراسات التي أجريت في الجزائر‪ ،‬والتي ركزت على العالقة بين التلفزيون وتأثير‪ ،‬بتطبيق‬

‫نظرية الغرس الثقافي‪ ،‬مثلها مثل الدراسات األخرى على التأثير الذي يتسبب به التلفزيون لألفراد الذين‬

‫يشاهدونه لساعات طويلة‪.‬‬

‫أكدت دراسة حول " إعالنات القنوات العربية المتخصصة في برامج األطفال‪ :‬دراسة وصفية تحليلية‬

‫إلعالنات قناة"سبيس تون" الفضائية"‪ ،‬التي تم إجراؤها على مجموعة من األفراد في المجتمع الجزائري‪،‬‬

‫على أن‪:‬‬

‫‪-‬حضور اإلعالن في قناة" سبيس تون "يعد معتب ار ‪ .‬ويعتبر مؤشر المساحة الزمنية األقدر على التدليل‬

‫على قوة حضور اإلعالن في القناة‪.‬‬

‫‪-‬إن هناك هيمنة نمط اإلعالن السلعي على قنوات المتخصصة في برامج األطفال ‪ ،‬حيث برزت هيمنة‬

‫هذا األخير سواء على صعيد عدد اإلعالنات أو المساحة الزمنية اإلعالنية ‪.‬ويمكن تفسير هيمنة نمط‬

‫نفس المرجع‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪1‬‬


‫اإلعالن السلعي كداللة على المرحلة الجديدة التي تعيشها البالد العربية في مجاالت التجارة واقتصاد‬

‫السوق واالنفتاح على األسواق العالمية ‪.‬‬

‫‪-‬بينت النتائج كثافة اإلعالن عن مواد الطفل بما ال يترك حضو ار ملموسا للمواد اإلعالنية ذات العالقة‬

‫باهتمامات أطراف أخرى ‪.‬إذن فالجمهور األساسي إلعالنات القناة يتمثل في فئة األطفال ثم األولياء‬

‫وأخي ار عامة الناس‪ ،‬وهذا يعكس توجه المعلنين نحو قطاعات سوقية جديدة تتمثل في السلع والخدمات‬

‫الخاصة بفئات األطفال‪ ،‬حيث تصبح هذه الجماهير المحركات األساسية لنشاطهم االقتصادي‪.‬‬

‫‪-‬تتضمن إعالنات القنوات التلفزيونية المتخصصة في برامج األطفال الكثير من القيم‪ ،‬لكن القيم‬

‫االقتصادية بدت مهيمنة بوضوح‪ ،‬وأهمها قيمة االستهالك والتي ترتبط كثي ار بالنمط السائد على إعالنات‬

‫القناة أال وهو اإلعالن السلعي‪.‬باإلضافة إلى ذلك فقد تضمنت اإلعالنات بعض القيم االجتماعية والتربوية‬

‫‪ ،‬التي تتمثل عموما في قيم العمل واالنجاز‪ ،‬المشاركة‪ ،‬حب الوطن‪.‬‬

‫‪ -‬اتجهت اإلعالنات التلفزيونية في الغالب لنقل رسائلها إلى التحريض على سلوكيات جديدة ‪ ،‬و هذا‬

‫االتجاه يعتبر في نظر المعلنين األكثر مالئمة لنقل إعالناتهم خصوصا اإلعالنات السلعية منها بغية‬

‫استقطاب عدد كبير من المستهلكين والتأثير على ق ارراتهم الشرائية بفعالية‪.‬‬

‫أما االتجاه إلى الكف عن سلوكيات فيالحظ عليه ضعف استخدامه في إعالنات القناة ‪،‬وهو يالءم نقل‬

‫محتوى اإلعالن التوعوي على وجه الخصوص ‪.‬ويتجنب العديد من المعلنين استخدام هذا االتجاه تخوفا‬

‫من ‪،‬االنعكاسات السلبية التي يمكن أن تنتج عن استخدامه‪ ،‬وامكانية إض ارره بصورة المنتج و سمعة‬

‫(‪)1‬‬
‫المؤسسة في مواجهة المؤسسات المنافسة‪.‬‬

‫أمينة طرابلس‪،‬إعالنات القنوات العربية المتخصصة في برامج األطفال‪ :‬دراسة وصفية تحليلية إلعالنات قناة"سبيس تون"‬ ‫‪1‬‬

‫الفضائية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬تخصص‪ :‬اتصال وعالقات عامة‪ ،‬كلية العلوم‬
‫االجتماعية والعلوم اإلنسانية‪ ،‬قسم علوم االعالم واالتصال‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪ ،2010-2009 ،‬ص‬
‫ص‪.234،235‬‬
‫توصلت إلى أن اإلعالنات التلفزيونية تميل إلى طرح نمط ثقافي يدفع الطفل إلى االغتراب لذا تؤكد‬

‫هذه الدراسة على أن‪:‬‬

‫‪-‬كثافة اإلعالن األجنبي لسلع استهالكية أجنبية المنشأ‪.‬‬

‫‪-‬الظهور الواسع لشخصيات أجنبية مقابل حضور معتبر للشخصيات العربية‪ ،‬وما يخص المظاهر العامة‬

‫لها تجلت هيمنة المظهر الغربي حتى على فئة الشخصيات العربية( في طريقة اللباس‪،‬السلوكيات)‪.‬‬

‫‪-‬اعتماد إعالنات القناة على الغناء والموسيقى األجنبيين مقابل حضور نسبي للموسيقى والغناء العربيين‪.‬‬

‫‪-‬ظهور قيم كالحرية واالختالط إلى جانب هيمنة واسعة للقيم المادية االستهالكية أمام حضور نسبي‬

‫(‪)1‬‬
‫للقيم الدينية واالجتماعية التي تعبر عن الثقافة العربية‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬قام المختصين في الجزائر بالمناداة بمنع بث إشهار الخاص بمنتوج الفرماج‪،‬‬

‫الذي يظهر فيه تسلل الطفلة خفية وقيام بفتح الثالجة وسرقة قطعة الفرماج منه‪ ،‬وهذا ما يتسبب عند‬

‫المختصون بغرس قيم غير المرغوب فيها‪ ،‬كقيمة السرقة‪ ،‬لدى النشء‪.‬‬

‫كما تم إجراء العديد من الدراسات لمعرف تأثير وسائل األعالم في نشر العنف و كانت من أبرز هذه‬

‫الدراسات تلك الدراسة ” التي تناولت مجموعة من األطفال الجائعين من ذكور و إناث ‪ ،‬و من نزالء‬

‫مؤسسات إصالحية متعددة و قد تناولت هذه الدراسة ‪ 368‬طفال جائعا من الذكور و اإلناث ‪ ،‬و قد‬

‫أعرب ‪ % 10‬منهم عن تأثير المباشر للسينما كما أعرب ‪ % 49‬من الجائعين الذكور أن السينما أثارت‬

‫رغبتهم لحمل السالح ناري قاتل و أن ‪ %28‬منهم تعلموا بعض أساليب السرقة التي تعرضها أفالم‬

‫السينما‪.‬‬

‫و أن ‪ %20‬منهم تعلموا كيفية اإلفالت من القبض عليهم ‪ ،‬و التخلص من عقاب القانون ‪ ،‬و أن ‪%45‬‬

‫منهم و جدوا في االنحراف و الجريمة الطريق السريع إلى الثراء العاجل كما تصوره السينما لهم ‪ ،‬و أن‬

‫أمينة طرابلسي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪,240‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪ %26‬منهم تعلموا القسوة و العنف عن طريق تقليد بعض المجرمين في أسلوب معيشتهم الذي أظهرته‬

‫السينما لهم من خالل أفالم العنف ‪.‬‬

‫وتعتبر فئة المراهقين واألطفال من األكثر الفئات تأثي ار بما يشاهدونه في وسائل اإلعالم ألنها تفقد‬

‫المعلومات والخبرة الكافية‪ ،‬كما تميل إلى التقليد ألبطال الفيلم أو رسوم المتحركة وقد تسبب ذلك في كثير‬

‫(‪)1‬‬
‫جرائم‪.‬‬ ‫من األحيان في ارتكاب‬

‫‪ -‬خاتمة‪:‬‬

‫تعتبر نظرية الغرس الثقافي من أبرز نظريات التأثير التراكمي‪ ،‬كونها ركزت على معرفة ودراسة‬

‫التأثير الذي قد يحدثه التلفزيون على المشاهد‪ ،‬حيث ظهرت هذه النظرية في المجتمع األمريكي الذي‬

‫دور في ظهور هذه النظرية‪ ،‬التي‬


‫عرف في تلك الفترة موجة من العنف والسلوك العدواني‪ ،‬الذي لعبت ا‬

‫جاءت كنتيجة لمشروع المؤشرات الثقافية‪.‬‬

‫ان النتائج التي تمخضت عن نظرية الغرس الثقافي طبقت على المجتمع األمريكي الذي يتميز‬

‫بخصوصياته السوسيوثقافية وسياسية و اقتصادية‪ ،‬التي الشك تؤثر على الفرد األمريكي في أثناء تعرضه‬

‫للمضمون اإلعالمي‪ ،‬خاصة المحتوى التلفزيوني‪ ،‬من جهة‪ ،‬وعلى كيفية صناعة هذا المحتوى اإلعالمي‬

‫وطريقة عرضه‪ ،‬من جهة آخرى‪ ،‬وهو بطبع ما يجعل النتائج تختلف وتتباين‪ ،‬حتى وان أكدت على نقطة‬

‫أساسية أال وهي أن التلفزيون يقوم بالغرس الثقافي‪.‬‬

‫لذلك فإن تطبيق أي نظرية إعالمية البد أن يتم تكيف متغيراتها التي تقوم عليها‪ ،‬لتتالءم مع سياق‬

‫المجتمع المدروس‪ ،‬وعينته‪ ،‬فالسياق يلعب دور في إحداث التأثير على الفرد داخل مجتمعه‪ ،‬مثله مثل أية‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.aranthropos.com/%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8,16-04-‬‬
‫‪2016,13:52.‬‬
‫وسيلة إعالمية آخرى‪ ،‬وهو ما يراه البروفسور "عزي عبد الرحمن" تكيف النظريات االتصالية حسب‬

‫السياق والمجتمع المدروس‪.‬‬

‫‪ -‬قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -‬قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ -‬الكتب‪:‬‬

‫‪ -‬الحسني أماني عمر ‪ ،‬اإلعالم والمجتمع‪ :‬أطفال في ظروف صعبة ووسائل اإلعالم مؤثرة‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫القاهرة‪ ،‬علم الكتب‪.2005 ،‬‬

‫‪ -‬العبد هللا مي ‪ ،‬نظريات االتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2006 ،‬‬

‫‪ -‬الشال انشراح ‪ ،‬مدخل إلى علم اإلعالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفجر العربي‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬حجاب محمد منير ‪ ،‬نظريات االتصال‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪.2010 ،‬‬

‫‪ -‬عمارة محمد محمد ‪ ،‬دراما الجريمة التلفزيونية‪ :‬دراسة سوسيو إعالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار العلوم للنشر‬

‫والتوزيع‪.2008 ،‬‬

‫‪ -‬عزي عبد الرحمان ‪،‬وآخرون‪ ،‬عالم االتصال‪ ،‬بن عكنون ‪:‬ديوان المطبوعات الجامعية‪.1990 ،‬‬

‫‪ -‬الدوريات‪:‬‬

‫‪ -‬حالق بطرس ‪ ،‬تأثير البرامج التلفزيونية في عملية التنشئة االجتماعية " المجتمع السوري نموذجا"‪،‬‬

‫مجلة جامعة دمشق‪ ،‬العدد الثاني‪ ،2007 ،‬م‪.23‬‬

‫‪ -‬المذكرات الجامعية و األطروحات‪:‬‬


‫‪ -‬طرابلس أمينة ‪،‬إعالنات القنوات العربية المتخصصة في برامج األطفال‪ :‬دراسة وصفية تحليلية‬

‫إلعالنات قناة"سبيس تون" الفضائية مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬تخصص‪:‬‬

‫اتصال وعالقات عامة‪ ،‬كلية العلوم االجتماعية والعلوم اإلنسانية‪ ،‬قسم علوم اإلعالم واالتصال‪ ،‬جامعة‬

‫منتوري قسنطينة‪.2010-2009 ،‬‬

‫‪ -‬المواقع االلكترونية‪:‬‬

‫‪-http://www.almaany.com/ar/dict/arar/%d9%86%d8%b8%d8%B1%d9%8A%‬‬
‫‪D8-%A9%.‬‬
‫‪-http://www.almaany.com/ar/dict/aren/home.php?word=%D8%A7%D9%84%‬‬
‫‪D9%86%D8%B8 .‬‬
‫‪http://www.aranthropos.com/%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8.‬‬
‫المحور األول‪:‬المدخل الفلسفي لنظريات االتصال(فلسفة العلم وأصل اإلبتسمولوجيا)‬

‫عنوان المداخلة‪:‬إشكالية العلم واألطر المرجعية المفسرة لل تجاهات النظرية الكبرى‬

‫من إعداد ‪:‬‬

‫*بشرى برش‬

‫*فهيمة قابوش‬

‫الدرجة العلمية‪:‬طالبة باحثة سنة أولى دكتوراه‬

‫تخصص‪ :‬وسائل اإلعلم والمجتمع‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫خالل القرن التاسع عشر ظهرت إسهامات واضحة في بناء مفهوم العلم‪،‬خاصة مع ظهور الثورة‬
‫الصناعية ونمو المدن وبروز الطبقة العاملة‪،‬فضال عن تطور العلم وارساء خلفيات ابستومولوجية كان لها‬
‫تأثير كبير في ميدان العلوم االجتماعية‪،‬فنظرية التطور التي وضعها "تشارلز داروين" سنة ‪ ،1859‬والتي‬
‫سميت بالداروينية االجتماعية كانت من أبرز الخلفيات النظرية التي فسرت التطور اإلنساني انطالقا من‬
‫تفسير عوامل التطور والتقدم اإلنساني‪،‬وذلك باالعتماد على الدليل المادي التجريبي وحواس الفرد التي‬
‫تساهم في إنتاج المعرفة اإلنسانية ومن ثم تفسير الظواهر على اختالف أنواعها‪،‬وقد استمرت هذه النظرة‬
‫التطورية وانتشرت في نطاق واسع إلى أن أصبح هناك اعتراف لالستمرار الطبيعي الذي يعتبر المحرك‬
‫األساسي للتطور اإلنساني‪،‬من هذا المنطلق ساد االعتقاد بإمكانية دراسة الظواهر اإلنسانية دراسة تجريبية‬
‫ألن الظاهرة اإلنسانية في نظر هؤالء تخضع لعوامل خارجية كما تخضع لها الظواهر الطبيعية‪،‬على‬
‫النقيض من ذلك ظهرت تيارات تنادي بتبني االتجاهات العقلية في تفسير الظواهر اإلنسانية والتنظير لها‬
‫في ظل هذا التباين والصراع الذي تمخض عن إشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية واالجتماعية ظهرت‬
‫اتجاهات نظرية كبرى تختلف أرائها في دراسة هذه الظواهر حسب طبيعة المسلمات التي تبنتها‪ .‬وهذا ما‬
‫سيتم التطرق إليه من خالل هذه الورقة التي ستحاول أن توضح أهم األطر المرجعية المفسرة لالتجاهات‬
‫النظرية الكبرى ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫انطالقا مما سبق يمكن طرح التساؤل الرئيسي كما يلي‪ :‬ماهي األطر المرجعية التي ساهمت في تأسيس‬
‫االتجاهات النظرية الكبرى؟‬

‫ويتفرع ضمن هذا السؤال مجموعة من األسئلة الفرعية كما يلي‪:‬‬

‫‪1‬ـ ماذا نقصد بالعلم ‪،‬النظرية العلمية‪،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية؟‬

‫‪2‬ـ كيف يتم تفسير إشكالية دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتماعية؟‬

‫‪4‬ـ ماهي االتجاهات النظرية الكبرى الناتجة عن إشكالية العلم؟‬

‫وسيتم اإلجابة عن هذه التساؤالت عبر المحاور التالية‪:‬‬

‫المحور األول‪:‬اإلطار المفاهيمي للموضوع‬

‫المحور الثاني‪:‬إشكالية دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتماعية‬

‫المحور الثالث‪ :‬االتجاهات النظرية الكبرى الناتجة عن إشكالية العلم ودراسة الظواهر اإلنسانية ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المحور األول‪:‬مدخل مفاهيمي للموضوع‬

‫في هذا المدخل سيتم عرض التعاريف الخاصة بالكلمات المفتاحية لموضوع المداخلة‪،‬كالعلم‪،‬والنظرية‬
‫العلمية‪،‬العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬ـ تعريف العلم‪:‬اختلفت اآلراء بين العلماء حول طبيعة النظر إلى العلم‪،‬حيث يرى فريق من العلماء أن‬
‫العلم هو عبارة عن بنية معرفية يتضمن الحقائق والمفاهيم والمبادئ والقوانين والنظريات العلمية التي‬
‫تساعد في تفسير الظواهر الطبيعية والكونية وفهم الوجود‪،‬وهناك من يرى أن العلم يوصف أحيانا بأنه‬
‫منهج بحث إلنتاج المعرفة ‪،‬أو أنه مجموعة من اإلجراءات المعروفة التي تراجع وتصوب باستمرار‪،‬وتعود‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى خلق نظريات تتطور في كنف المعرفة نفسها بحسب توجه العلم‪.‬‬

‫يتضح من التعريف أن العلم نتج بعدما توصل اإلنسان على مر العصور إلى حقائق ومعارف معينة عن‬
‫الكون مكنته من وصف وتفسير كثير من األشياء واألحداث والظواهر الموجودة والتي تحدث من‬
‫حوله‪،‬وهناك من يرى أن العلم يعبر عن أنماط التفكير التي ظهرت قديما عن طريق المحاولة والخطأ‬
‫والتفكير المنطقي وغيرها من أنماط التفكير غير العلمي‪،‬ولقد استطاع اإلنسان عن طريق هذه األنماط‬
‫المختلفة من التفكير أن يحصل على إجابات ويصل إلى تفسيرات معينة لألشياء واألحداث والظواهر من‬
‫حوله‪،‬وكثي ار ما يقبلها اإلنسان دون أن يناقشها ويتساءل عن كيفية التوصل إليها أو التحقق من‬
‫صحتها‪،‬ورغم ذلك فقد ظلت طوال قرون عديدة عاجزة عن توفير الحقيقة كما تدعمها المالحظات الدقيقة‬
‫للوقائع المحسوسة ونتائج التجربة العلمية ‪،‬ثم استطاع اإلنسان بفضل اكتشافه طرق وأساليب التفكير‬
‫العلمي إلى معرفة محققة والى التغلب على المشكالت التي عجز في الماضي عن إيجاد الحلول‬
‫الصحيحة لها‪.‬‬

‫‪2‬ـ تعريف النظرية العلمية‪ :‬يتصور البعض أن النظرية ما هي إال فكرة أو تصور مجموعة من التصورات‬
‫وضعت مسبقا لتفسير شيء ما‪ ،‬ويرى البعض األخر أن النظرية ال تختلف كثي ار عن االفتراض العلمي‬
‫أي قضية تحمل تفسي ار مبدئيا أو حال مقترحا لموضوع أو ظاهرة أو مشكلة معينة‪،‬في حين تعبر البعض‬
‫األخر أن النظرية تمثل نموذجا(براديغم) أو تقترب من عمليات صياغة األنماط بوصفها نوع من التنميط‬
‫(‪)2‬‬
‫يساعد على تحديد العالقات المتداخلة بين خصائص أو ظواهر نحاول توضيحها أو تفسيرها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪3‬ـ العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪:‬هي العلوم التي تدرس الواقع اإلنساني بحوادثه قصد معرفة العوامل‬
‫(‪)3‬‬
‫المؤثرة فيه‪ ،‬والكشف عن نظمه وقوانينه‪،‬أي أنها تدرس اإلنسان وتفاعالته االجتماعية‪.‬‬

‫المحور الثاني‪:‬مدخل عام إلشكالية العلم‬

‫إن البحث في إشكالية العلم يقودنا إلى رصد بعض خلفياته اإليديولوجية‪،‬والتقصي عن األسباب التي‬
‫سمحت بنشوءه ولعل من أهمها بروز نماذج معرفية تأسست على أراء مفكري وفالسفة العصور الوسطى‬
‫وعصر النهضة‪،‬ومع بداية العصر الحديث بدأت بوادر النظام المعرفي تتجسد في أفكار علماء وفالسفة‬
‫ذلك العصر‪،‬الذين كانوا يعتبرون أن المجال الحقيقي للمعرفة البشرية هو الطبيعة‪،‬وأن التنقيب والبحث عن‬
‫خفاياها واستقراء عناصرها المختلفة لغرض ترتيبها وتصنيفها ومعرفة قوانينها العامة هو المجال الحقيقي‬
‫للنشاط الفكري لإلنسان‪،‬إلى جانب ذلك فقد اعتمدوا في البحث عن الماهية الحقيقية للظواهر انطالقا من‬
‫استنادهم لمناهج الفيزياء الرياضية والهندسة ‪،‬والمالحظة والتجريب ‪،‬بحيث تصبح الظواهر مجرد ثوابت‬
‫ومتغيرات داخل المعادالت الرياضية والهدف من هذه العملية هو قياس وتكميم تلك الظواهر بدقة‪،‬وقد‬
‫استعمل "غاليلي" هذا المنهج قاس الزمن والفضاء والحركة‪...‬إلخ‪،‬وواصل فيما بعد "نيوتن" االعتماد على‬
‫(‪)4‬‬
‫المنهج التكميمي وعنوان كتابه"المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية"خير دليل على ذلك‪.‬‬

‫انطالقا من هذه الخلفية العلمية التقى المحدثون والمعاصرون على مستوى ضرورة التكميم ويمكن رصد‬
‫إرهاصات هذا الهيكل المنهجي عند العرب والمسلمين الذين استعملوا حساب الهندسة والتناسب في علم‬
‫الفلك‪،‬ويوجد هذا المنهج أيضا عند اليونانيين عندما كان أفالطون يحلم ببناء عالم المثل إلى أن يكون هذا‬
‫البناء مطابقا للنماذج الهندسية ‪،‬وقد استمرت هذه النظرة حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث طور‬
‫العلماء بعض األساليب العلمية لتفسير مختلف الظواهر حيث استخدموا التجربة التي تنطلق أساسا من‬
‫المالحظة الحسية للظواهر من أجل الكشف عن الحقائق العلمية المرتبطة بهذه الظواهر وتبريرها نتيجة‬
‫لهذا التحول الفكري الذي أجراه مفكري وعلما أفذاذ من أمثال غاليلي ونيوتن وكبلر‪...‬وما فتحتهم مؤلفاتهم‬
‫من أفاق جديدة للفكر اإلنساني فسح المجال أكثر لدراسة الظواهر اإلنسانية وهذا ما اهتمت به العلوم‬
‫االجتماعية في بدايات تفسيرها لهذه الظواهر‪،‬في هذا الصدد نجد أن علماء االجتماع وفي مقدمتهم‬
‫"أوغست كونط"و"دور كايم "و"ماكس فيبر" حاولوا أن يكونوا علميين قدر اإلمكان لتفسير مختلف الظواهر‬
‫اإلنسانية ‪،‬حيث وضعت أعمالهم أساسا منهجيا ونظريا قويا ‪،‬وهو ما نلمسه حديثا في البحوث اإلمبريقية‬
‫(‪)5‬‬
‫التي قام بها علماء اجتماع محترفون أمثال هايسي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تلك البحوث تجاوزت بأسسها المنجية ونتائجها الفهم المتضارب والبديهي للناس العاديين‪،‬وعلى النقيض‬
‫من ذلك ظهرت العديد من االتجاهات التي نادت برفض الوضعية بدعوى أنها اختزلت العلم في مجرد‬
‫"علم الوقائع" وتبني االتجاهات العقلية في دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتماعية حيث ظهرت العديد من‬
‫المناهج العلمية في هذا المجال مثل المنهج الهرمونيطيقي(منهج كيفي) والمنهج النقدي في تفسير هذه‬
‫(‪.)6‬‬
‫الظواهر‪،‬وسيتم توضيح هذه التناقضات في المدخل الخاص بإشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إشكالية دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتماعية‬

‫إن التقدم والتطور الذي حققته الدراسة اإلمبريقية وما أحرزته من نتائج في علوم المادة الجامدة جعل منها‬
‫نموذجا لكل معرفة تسعى لتحقيق الدقة والموضوعية ‪،‬خاصة بعد اقتحام هذه العلوم ميدان الظواهر‬
‫اإلنسانية وللتعرف على ذلك نعرض ما طرحه االتجاه الذي تناول المماثلة والتداخل بين العلوم الطبيعية‬
‫والعلوم اإلنسانية‪.‬‬

‫‪1‬ـ المماثلة والتداخل بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية‪:‬‬

‫إن تبني المقاربات الفكرية اإلمبريقية التي تمخضت عن مفهوم العلم واشكاليته‪،‬أدى إلى ظهور نزعة تعتقد‬
‫بإمكانية تفسير كل الظواهر باختالف أنواعها والتي ظلت دون تفسير في ذلك الوقت ‪،‬وقد تطورت هذه‬
‫الخلفيات االبستيمولوجية أثناء القرن التاسع عشر‪،‬حيث خضع مفكروا هذا العصر وفالسفته لسيطرة‬
‫نموذج "فيزياء نيوتن" القائم على التجربة‪،‬وتم تعميم األسس اإلمبريقية لتشمل العلوم اإلنسانية ‪،‬وكان من‬
‫نتائج ذلك أن تم اختزال الظواهر اإلنسانية في جوانبها الحسية والفيزيقية‪،‬واسقاط كل ماهو متجاوز ومتعال‬
‫وغيبي عن هذا الوجود‪،‬حتى إنه لم يعد هناك فرق بين الظاهرة اإلنسانية والظاهرة الطبيعية‪،‬وقد اعتمد‬
‫(‪)7‬‬
‫أصحاب هذا االتجاه على المسلمات التالية ‪:‬‬

‫إن المجتمع اإلنساني ظاهرة طبيعية فلماذا نستثنيه إذن من كافة القوانين واالنتظامات التي تحكم الظواهر‬
‫الطبيعية األخرى‪.‬‬

‫_ موضعة الظاهرة اإلنسانية‪:‬استطاعت العلوم الطبيعية منذ نشأتها أن توفر شرط الموضوعية الذي‬
‫أعطى لنتائجها مصداقية ال يختلف حولها الدارسون‪،‬وتحت تأثير هذا النجاح حاول أوائل المهتمين‬
‫بالظواهر اإلنسانية استلهام هذا النموذج العلمي بهدف إنتاج معرفة علمية موضوعية تسمح بتحرير‬
‫اإلنسان من سلطة التصورات الالعلمية‪،‬سواء تعلق األمر بالظواهر النفسية (المدرسة السلوكية مع "جون‬

‫‪5‬‬
‫واطسون" في أمريكا أو بالظواهر االجتماعية (المدرسة الوضعية في فرنسا مع "سان سيمون"و"أوغست‬
‫كونط"و"دور كايم")‪،‬وبالتالي فإن الظواهر اإلنسانية واالتصالية تخضع للدراسة العلمية من خالل التعامل‬
‫معها كأشياء أو موضوعات لها وجودها الخارجي المستقل عن الذات‪،‬قابلة للمالحظة والتجريب وتخضع‬
‫مثل ما تخضع له الظواهر الطبيعية لقوانين ثابتة يمكن الكشف عنها‪.‬‬

‫_ األساليب المنجية‪ :‬يرى أوغست كونط أن الظاهرة اإلنسانية يجب أن تكون إمبريقية وقابلة لإلدراك عن‬
‫طريق الحواس‪،‬وعن المنهجية التي تفسر ذلك فتتمثل في االستدالل الفرضي والتحقق من ذلك عن طريق‬
‫إخضاع الظاهرة اإلنسانية للتجربة‪،‬فعندما تقاس الحياة االجتماعية وتحسب إحصائيا فإن العلم االجتماعي‬
‫(‪)8‬‬
‫يمكنه أن يقدم ما تقدمه العلوم الطبيعية‪.‬‬

‫_ الظاهرة االتصالية والعلوم الطبيعية‪:‬‬

‫لقد أسس االتصال حقله المعرفي الخاص داخل فضاء العلوم االجتماعية ‪،‬أحد المداخل األساسية للتساؤل‬
‫عن شرعيته العلمية كعلم قائم بذاته‪،‬وهو ماجعله يبحث عن نماذج تضفي عليه الطابع العلمي‪،‬حيث تبنى‬
‫رؤى العلوم الطبيعية وقام بتكييفها مع خصوصيته األكاديمية‪،‬فمنذ القرن التاسع عشر ظهرت األنظمة‬
‫التقنية األساسية لالتصال‪،‬وتكريس مبدأ التبادل الحر إذ يعتبر القرن الذي احتضن ميالد رؤى وأفكار‬
‫تأسيسية ترى في االتصال عامل اندماج وتواصل المجتمعات اإلنسانية‪،‬فقد تضمن مفهوم االتصال في‬
‫نهاية هذا القرن فكرة إدارة التنوع اإلنساني‪،‬بعد أن تم استحياء التصورات األولى لعلم االتصال من الفكر‬
‫(‪)9‬‬
‫الذي يرى في المجتمع كيانا عضويا‪،‬أو مجموعة أعضاء تؤدي وظائف متكاملة محددة بدقة‪.‬‬

‫‪2‬ـ االختلف بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية‪:‬‬

‫على عكس الرؤية السابقة التي تؤكد على التشابه والتداخل القائم بين العلوم الطبيعية والعلوم‬
‫اإلنسانية‪،‬ظهر موقف يتبنى رؤيته من الصراع المستمر بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية‪،‬ويوضح‬
‫أصحاب هذا الموقف أرائهم في ما يلي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫_ إن من خصائص الظاهرة اإلنسانية أنها ال تقبل المالحظة الحسية‪.‬‬

‫(‪)10‬‬
‫_ البحث في الظواهر اإلنسانية يغلب عليها الطابع الكيفي ال الكمي الذي تمتاز به العلوم الطبيعية‪.‬‬

‫_ الظاهرة اإلنسانية ظاهرة معقدة ألن هناك عوامل عديدة تتداخل في تحديدها‪ ،‬األمر الذي يطرح صعوبة‬
‫في تعليل الظاهرة وتحديد العامل الذي يتحكم في مسارها‪.‬‬

‫_ الظاهرة اإلنسانية ظاهرة طبيعية ذاتية ألن اإلنسان هو الذي يفكر وهذا ما يعيق تحقيق الموضوعية‪.‬‬

‫_ يرى األنثربولوجي المعاصر"ستراوس" أن تشبيه الظاهرة اإلنسانية بالطبيعية رأي فيه الكثير من‬
‫اإلجحاف ألن علوم اإلنسان لم تقدم سوى تفسيرات فضفاضة وتنبؤات تعوزها الدقة‪،‬ومن ثم تظل هذه‬
‫العلوم وسط الطريق متأرجحة بين التفسير والتنبؤ دون أن تحقق تقدما كبي ار يؤهلها لبلوغ مستوى العلوم‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫_ يرى "ايمانويل كانط" أن الظاهرة االجتماعية ال تشبه الطبيعية في شيء ألنه يؤكد أن ملكة العقل هي‬
‫المسؤولة عن نشأة الوجود البشري‪،‬وذلك أن العقل يحاول دائما تجاوز نطاق التجربة بحثا عن الحقيقة‬
‫التي تميز الظواهر‪،‬ويسير"سميل"على خطى كانط بشأن تفسير الظاهرة اإلنسانية واالجتماعية ‪،‬فالعالم لكي‬
‫يدرك الظاهرة االجتماعية يضطر إلى أن ينظم رؤيته لها من خالل أنساق ومقوالت ونماذج‪...‬تكون بمثابة‬
‫(‪)11‬‬
‫أطر للفهم ومحددات له‪.‬‬

‫_ ويذكر"عبد الوهاب لمسيري"أن هناك عدد من االختالفات والفروق بين الظاهرتين الطبيعية واإلنسانية‬
‫تتلخص في النقاط التالية‪:‬‬

‫_ أسباب الظاهرة اإلنسانية يصعب حصرها ألنها متعددة ومتداخلة ومتشابكة‪،‬بينما يسهل تحديد وحصر‬
‫العلة أو العلل التي تكون وراء نشوء الظواهر الطبيعية‪.‬‬

‫_ تتميز الظاهرة الطبيعية بغياب المكون الشخصي أو الثقافي أو التراثي عنها‪،‬فهي بال شخصية وال ثقافة‬
‫وال تراث‪،‬كما أنها مجردة من الزمان والمكان مثل تجردها من الوعي والذاكرة واإلرادة‪،‬وبالمقابل نجد أن هذه‬
‫المكونات الشخصية والثقافية والتراثية مكونات أساسية في بنية الظاهرة اإلنسانية‪،‬أضف إلى ذلك تعدد هذه‬
‫الثقافات وتعدد الشخصيات اإلنسانية‪،‬هذا مع حضور الوعي واإلرادة الحرة والشعور والذاكرة‪...‬في الظاهرة‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫_ دراس ة الظواهر الطبيعية تقود إلى صياغة قوانين عامة يمكن التأكد من وجودها وصحتها بالرجوع إلى‬
‫الواقع‪ ،‬أما دراسة الظواهر اإلنسانية فتوصلنا إلى تعميمات تقريبية‪ ،‬قد تثبت وال تثبت إذا حاولنا تطبيقها‬
‫(‪)12‬‬
‫على مواقف إنسانية جديدة‪.‬‬

‫*إضافة لكل هذه الفروق تختلف وقائع العلوم الطبيعية عن وقائع العلوم اإلنسانية في كون األولى يمكن‬
‫إدراكها عن طريق الحواس ألنها أحداث فيزيقية‪ ،‬أما الثانية فال يمكن إدراكها عن طريق الحواس ألنها‬
‫ذاتية وتختلف من فرد إلى أخر‪،‬ولذلك فهي وقائع تتصف بحريتها وبعدم قابليتها للتكرار‪.‬‬

‫ولقد رفض كثير من العلماء الغربيين الرؤية الساذجة التي تصر على إقصاء الجوانب الفردية للظاهرة‬
‫اإلنسانية‪،‬والتي تدعو إلى إلحاقها بالظواهر الطبيعية‪،‬ويرى "ويلهم ديلتي" أنه توجد حدود فاصلة بين العلوم‬
‫الطبيعية والعلوم اإلنسانية‪،‬ورأى أن العلوم االجتماعية مبنية على أسس منهجية مختلفة عن العلوم‬
‫الطبيعية‪،‬فالفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم االجتماعية يكمن في أن مادة العلوم االجتماعية هي العقول‬
‫البشرية‪،‬وليست مشتقة من أي شيء خارجها مثل العلوم الطبيعية التي هي مشتقة مثل العلوم الطبيعة التي‬
‫هي مشتقة من الطبيعة‪،‬فاإلدراك اإلنساني والنفسي هما غاية العلوم االجتماعية‪،‬ويمكن الوصول إليها من‬
‫خالل التحديد الدقيق للمعاني والقيم التي ندرسها هي عقول الفاعلين االجتماعيين‪،‬وليس من خالل مناهج‬
‫العلوم الطبيعية‪،‬ويوضح هذه الرؤية الفيلسوف "ميرلوبونتي "في كتابه "فينومينولوجيا الروح"‪:‬أن تشبيه‬
‫(‪)13‬‬
‫أي أنه ينبغي العودة إلى اإلنسان‬ ‫الظاهرة اإلنسانية بالطبيعية هو حذف ونسيان للعالم المعاش‪.‬‬
‫باعتباره مولدا للمعنى‪.‬‬

‫‪3‬ـ مدخل يوضح االتجاهات النظرية الكبرى الناتجة عن إشكالية العلم‪:‬‬

‫*أمام هذا االختالف الذي ظهر من أجل تفسير الظواهر اإلنسانية ‪،‬برز تياران فكريان في حقل بحوث‬

‫االتصال يختلفان في دراسة الظاهرة االتصالية وذلك حسب طبيعة المسلمات العلمية التي انطلق منها كل‬
‫تيار(الوضعي ‪،‬والتأويلي)‪.‬‬

‫بالنسبة للتيار الوضعي برر موقفه انطالقا من االعتماد على تشبيه الظاهرة اإلنسانية بالظاهرة الطبيعية‬

‫وعليه فإن بحوث االتصال تستند إلى الرؤية الوضعية واالمبريقية وهذا ما تبنته بعض براديغمات االتصال‬

‫الكبرى كالبنائية الوظيفية‪،‬والسبرنيطيقا والسلوكية‪،‬التي تهدف إلى تكميم الظاهرة االتصالية‪،‬أما التيار‬

‫‪8‬‬
‫التأويلي فيفند مبررات التيار السابق ألنه يؤمن بالعمليات العقلية لإلنسان ويفسر الظواهر االتصالية عن‬

‫طريق عمليات الفهم والتأويل بعيدا عن التجربة المعملية التي ال تتيح إمكانية المعايشة للواقع ومشاركته‬
‫وفهم ظواهره المتنوعة والمتعددة‪،‬ويندرج ضمن هذا التيار براديغمات توظف في بحوث االتصال‪،‬تتمثل‬
‫أساسا في النظرية النقدية‪،‬والظاهراتية‪،‬والتفاعلية الرمزية‪،‬البنيوية‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل هذا الورقة اتضح أن إشكالية العلم وإشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية واالجتماعية بصفة خاصة‬
‫والتي برزت في المماثلة واالختالف بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية شكلت اإلطار المرجعي‬
‫الرئيسي الذي ساهم في تأسيس التيارات النظرية الكبرى في العلوم االجتماعية ‪،‬هذه الخلفية‬
‫االبستيمولوجية أدت بدورها إلى ظهور براديغمات(نظريات كبرى) في بحوث االتصال‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪ _1‬باتريك هيلي‪ :‬صور المعرفة "مقدمة لفلسفة العلم"‪،‬ترجمة‪:‬نور الدين شيخ عبيد ‪،‬ط‪،1‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية المعاصرة‪،‬بيروت‪،2008،‬ص‪.11‬‬

‫‪ _2‬فيليب جونز‪:‬النظريات والممارسة البحثية‪،‬ترجمة‪:‬محمد ياسر الخواجة‪،‬ط‪،1‬مصر العربية للنشر‬


‫والتوزيع‪،‬مصر‪،2010،‬ص‪.10‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ _3‬تعريف العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪،‬متاح على الرابط‪http://www.philomartil.com:‬‬

‫تمت زيارة الموقع بتاريخ‪ 2016/04/11:‬على الساعة ‪.14:30‬‬

‫‪ _4‬إشكالية العلم‪،‬متاح على الرابط‪ www.aljabiabed.net :‬تمت زيارة الموقع بتاريخ ‪04/11‬‬
‫‪ 2016/‬على الساعة ‪.16:00‬‬

‫‪ _5‬إيان كريب‪:‬النظرية اإلجتماعية من بارسونز إلى هابر ماس‪،‬ترجمة‪:‬محمد حسين‪،‬سلسلة عالم‬


‫المعرفة‪،‬الكويت‪،1999،‬ص‪.36‬‬

‫‪ _6‬محمد أمزيان‪:‬منهج البحث االجتماعي بين الوضعية والمعيارية‪،‬ط‪،3‬بيت الحكمة للترجمة‬


‫والنشر‪،‬وجدة‪،1996،‬ص‪.25‬‬

‫‪ _7‬ميشال فوكو‪:‬الكلمات واألشياء‪ ،‬ترجمة‪:‬فريق الترجمة بمركز اإلنماء القومي‪،‬مركز اإلنماء‬


‫القومي‪،‬بيروت‪،1989،‬ص‪.284‬‬

‫‪ _8‬موضعة الظاهرة اإلنسانية‪:‬أحمد جابر‪،‬متاح على الرابط‪،http :www.philomartil.com:‬تمت‬


‫زيارة زيارة الموقع بتاريخ‪/04/12:‬على الساعة ‪.16:00‬‬

‫‪ _9‬منتديات علوم اإلعالم واالتصال‪،‬البحث في علوم اإلعلم واالتصال‪،‬الرمال البيضاء‪،2010،‬ص‪.04‬‬

‫‪ _10‬مصطفى عبد الجواد‪:‬قراءات معاصرة في نظرية علم االجتماع‪،‬كلية اآلداب ـ جامعة القاهرة ـ‬
‫مصر‪،2002،‬ص‪.219‬‬

‫‪ _11‬عبد الوهاب المسيري‪:‬الفلسفة المادية وتفكيك اإلنسان‪،‬ط‪،1‬دار الفكر ‪،‬دمشق‪،2002،‬ص‪.13‬‬

‫‪ _12‬علي عبد المعطي محمد‪:‬رؤية معاصرة في علم المناهج‪،‬ط‪،1‬دار المعرفة الجامعية‪،‬مصر‪،‬ص‬


‫ص‪.322،321‬‬

‫‪ _13‬نصر حامد أبو زيد‪:‬إشكاليات القراءة وأليات التأمل ‪،‬ط‪،6‬المركز الثقافي العربي‪،‬الدار‬
‫البيضاء‪،2001،‬ص‪.24‬‬

‫‪10‬‬
‫االجتاهات النظرية يف وسائل اإلعالم اجلديدة‬

‫أ‪ .‬غالــية غضبـ ــان‬

‫ورقة حبثية مقدمة يف اليوم الدراسي‬

‫‪-‬اجلدوى العلمية لنظرايت االتصال يف حبوث اإلعالم واالتصال‪-‬‬

‫جامعة ابتنة ‪1‬‬

‫كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‬

‫قسم علوم اإلعالم واالتصال وعلم املكتبات‬


‫امللخص‪:‬‬

‫تتناول هذه الورقة واملوسومة ب االجتاهات النظرية يف وسائل اإلعالم اجلديدة‪ ،‬حتليال نقداي للتطورات‬

‫واملفاهيم النظرية املهمة يف حقل وسائل اإلعالم اجلديدة‪ ،‬كما تستعرض بعض جهود الباحثني يف‬

‫االتصال‪ ،‬خاصة تلك املتعلقة بتطبيق نظرايت االتصال على وسائل اإلعالم اجلديدة‪ ،‬واالجتاهات النظرية‬

‫والبحثية اليت تتناول العناصر االتصالية املختلفة يف الوسائل اجلديدة‪ .‬وتعتمد الدراسة على اعطاء بعض‬

‫األمثلة من نظرايت االتصال ومعرفة قدرهتا على تفسري ظواهر اإلعالم اجلديد‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬اإلعالم اجلديد‪ ،‬نظرايت اإلعالم واالتصال‪.‬‬


‫مقدمة‪:‬‬

‫يعيش اجملتمع املعاصر حتوالت هائلة يف جمال االتصال واإلعالم أدت يف السنوات األخرية إىل تغريات كبرية يف‬

‫أساليب إنتاج وتوزيع وتلقي املعلومات‪ .‬فقد ظهرت تقنيات وأساليب اتصالية حديثة‪ ،‬وإنتشرت عن طريقها‬

‫خصائص ووظائف اتصالية جديدة‪ ،‬من أمهها التحول من وسائل االتصال اجلماهريي ذات اإلجتاه الواحد‪،‬‬

‫واحملتوى املتجانس‪ ،‬إىل تقنيات االتصال التفاعلية ذات االجتاهني‪ ،‬واملضامني املتعددة‪ ،‬وظهر مصطلح اإلعالم‬

‫اجلديد للتعبري عن هذه الظواهر اجلديدة‪.‬‬

‫ومصطلح اإلعالم اجلديد ‪ New Media‬هو اسم جامع لعدة ظواهر تقنية حديثة‪ ،‬أهم ما مييزها هو إعتمادها‬

‫على التقنية الرقمية ‪ digitization‬واليت يتم عن طريقها حتويل مجيع النصوص واملضامني اإلعالمية إىل شكل‬

‫موحد ميكن معاجلته ابحلواسب اآللية‪ .‬ويؤدي ذلك يف نفس الوقت‪ ،‬إىل ظاهرة اإلندماج ‪convergence‬‬

‫بني احملتوايت اإلعالمية ومعاجلتها وتوزيعها وختزينها بطرق آلية موحدة‪ ،‬ولذلك يطلق عليه أيضاً اسم اإلعالم‬

‫الرقمي ‪ .digital media‬كما أن ذلك أدى إىل سهولة اإلستخدام والتحكم الشخصي بوسائل االتصال‬

‫واإلعالم‪.‬‬

‫فاإلعالم اجلديد ال يقتصر على صعيد الوسائل فقط‪ ،‬و إمنا أيضا على صعيد االنقالب الذي أحدثه هذا اإلعالم‬

‫يف نظرايت االتصال حيث حتول املستقبل وفقا هلذا النظام إىل مرسل‪ ،‬و مل يعد هناك احتكار من اإلعالمي‬

‫للرسالة و الوسيلة‪ ،‬حيث أصبح املستقبل اآلن هو صاحب الرسالة اإلعالمية‪.‬‬

‫و نظرا جلدة و حداثة موضوع اإلعالم اجلديد‪ ،‬فإن هناك القليل من الدراسات األكادميية اليت تناولت نظرايت‬

‫اإلعالم اجلديد ابلتفصيل‪ ،‬و من املراجع القليلة اليت انقشت احلاجة إىل تطوير نظرايت االتصال حبيث تتالءم مع‬

‫البيئة اإلعالمية اجلديدة كتاب بعنوان "الكتاب املرجعي يف اإلعالم اجلديد" ‪The handbook new‬‬
‫‪ Media‬ال ّذي ظهر عام ‪ ،2002‬و ظهرت طبعته الثانية يف عام ‪ ،2006‬و جند أيضا ما كتبه الباحث‬

‫دينيس ماكويل ‪ Denis McQuail‬بشكل مفصل عن احلاجة إىل نظرايت جديدة يف اإلعالم يف الطبعة‬

‫السادسة من كتابه "نظرايت االتصال" حتت عنوان " إعالم جديد – نظرية جديدة " ‪New Media-‬‬

‫‪ "New Theory‬ابإلضافة إىل بعض املقاالت اليت نشرت يف السنوات األخرية يف الدورية العلمية‬

‫املتخصصة بقضااي اإلعالم اجلديد‪ ،‬ابسم ‪.New Media and Society‬‬

‫أوال‪ :‬اإالعالم اجلديد‪:‬‬

‫‪ -1‬مفهوم االعالم اجلديد‪:‬‬

‫الواقع أن مصطلح (اإلعالم اجلديد ‪ )new media‬ليس جديداً للغاية‪ ،‬وليس وليد اللحظة‪ .‬فكما أشار دينس‬

‫مكويل أن مصطلح (اإلعالم اجلديد) كان يطلق منذ الستينات امليالدية على عدد من التقنيات االتصالية اجلديدة‬

‫يف ذلك الوقت مثل األقمار الصناعية وتلفزيون الكابل ‪ ،‬وكان املصطلح يتسع مع ظهور تقنيات جديدة ليشمل‬

‫ما يستجد من وسائل اتصال حديثة‪.‬‬

‫فاإلعالم اجلديد تولد من التزاوج ما بني تكنولوجيات االتصال والبث اجلديدة والتقليدية مع الكوميوتر وشبكاته‪،‬‬

‫ولقد تعددت أمساؤه ومل تتبلور خصائصه النهائية بعد‪ ،‬فهو اإلعالم الرقمي‪ Digital Media‬لوصف بعض‬

‫تطبيقاته اليت تقوم على التكنولوجيا الرقمية مثل التلفزيون الرقمي والراديو الرقمي وغريمها‪ ،‬أو لإلشارة إىل أي وسيلة‬

‫إعالمية تندمج مع الكوميوتر‪ ،‬ويطلق عليه اإلعالم التفاعلي ‪ Interactive Media‬طاملا توفرت حالة‬

‫العطاء واالستجابة بني املستخدمني لشبكة االنرتنت والتلفزيون والراديو والفاعلني وغريهم من النظم اإلعالمية‬

‫التفاعلية اجلديدة‪ .‬وهو أيضا اإلعالم الشبكي احلي على خطوط االتصال ‪ Online Media‬ابلرتكيز على‬
‫تطبيقاته يف االنرتنت‪ ،‬وغريها من التسميات اليت تشري إىل تطبيق جزئي من تطبيقات اإلعالم اجلديد أو احدى‬
‫‪1‬‬
‫ميزاته‪.‬‬

‫وقد قدمت الباحثتني اليفرو و ليفنجستون وصفاً لإلعالم اجلديد من خالل ثالثة حماور متيزه عن اإلعالم القدمي‪.‬‬

‫وهذه احملاور هي‪ :‬تقنيات االتصال اجلديدة مثل األقمار الصناعية والكمبيوتر واهلواتف النقالة وغريها‪ ،‬والنشاطات‬

‫واملمارسات واالستخدامات اليت توفرها هذه التقنيات‪ ،‬مث العالقات االجتماعية والتنظيمات والتشريعات اليت تظهر‬

‫من حول هذه الوسائل اجلديدة‪.‬‬

‫وقد اقرتحت الباحثتان أن أهم ما مييز اإلعالم اجلديد هو اخلصائص التالية‪:‬‬

‫(‪ )1‬التواصل الشبكي املتداخل ‪: Interconnectedness‬حبيث يسمح ابلتواصل من عدة نقاط إىل عدة‬

‫نقاط أخرى‪ ،‬وليس فقط من نقطة واحدة إىل عدة نقاط‪ ،‬كما هو احلال يف االتصال اجلماهريي التقليدي‪.‬‬

‫(‪ )2‬سهولة الوصول والدخول ‪ :Access‬من قبل األفراد املستخدمني ليقوموا بنشاطهم كمرسلني ومستقبلني‬

‫ومنتجني‪.‬‬

‫(‪ )3‬التفاعلية ‪ :Interactivity‬وهي قدرة املستخدم على املشاركة يف إنتاج احملتوى االتصايل‪ ،‬ويتفق الكثري من‬

‫الباحثني أن هذه اخلاصية هي من أهم ما مييز اإلعالم اجلديد‪ ،‬نظراً ألهنا تكاد تكون معدومة من االتصال‬

‫اجلماهريي التقليدي‪.‬‬

‫(‪ )4‬التنوع الغزير يف احملتوى‪ :‬مقارنة ابإلعالم القدمي احملصور أبنواع وأمناط حمددة من املضامني اإلعالمية‪.‬‬

‫‪ 1‬عباس مصطفى صادق‪ :‬اإلعالم اجلديد – دراسة يف مداخله النظرية وخصائصه العامة‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الشروق‪ 2008 ،‬ص ص ‪.4-3‬‬
‫(‪ )5‬تعدد االستخدامات وخاصية االنفتاح‪ :Open-ended‬على كل ما هو جديد موضوعياً وفنياً يف‬

‫حمتوى وشكل املواد اإلعالمية‪.‬‬

‫(‪ )6‬سعة االنتشار والتحرر من املكان ‪ : Delocatedness‬وعدم ارتباط اإلعالم اجلديد مبنطقة جغرافية‬

‫حمددة ‪ ،‬أي أنه يتخطى حواجز املكان اجلغرايف‪.‬‬

‫وحالياً استقر الوضع عند الكثري من الباحثني اإلعالميني على إطالق مصطلح "اإلعالم اجلديد على جمموعة من‬

‫التقنيات والتطبيقات احلديثة اليت تتصف ابلصفات املذكورة أعاله‪ ،‬وتلقى إقباالً كبرياً من اجلمهور يف‬

‫استخدامها واإلستفادة"‪.‬‬

‫‪ -2‬مقارنة اإلعالم اجلديد ابإلعالم التقليدي‪:‬‬

‫يتفق الكثري من الباحثني أن أهم ما مييز اإلعالم اجلديد هو التفاعلية ‪ interactivity‬والقدرة على دمج‬

‫احملتوايت اإلعالمية ‪ convergence‬ومعاجلتها وتنسيقها وإرساهلا وإستقباهلا وختزينها مبرونة عالية‪ .‬وهناك‬

‫عدة جوانب يف اإلعالم اجلديد متيزه عن اإلعالم القدمي وجتعله منافساً قوايً وبديل له يف الكثري من األحيان‪ .‬وقد‬

‫انقش ماكويل نقاط املقارنة بني اإلعالم اجلديد واإلعالم القدمي من أربعة جوانب رئيسة هي كالتايل‪:1‬‬

‫أوالً‪ ،‬من حيث النفوذ وعدم التكافؤ ‪ : Power and Inequality‬خيتلف اإلعالم اجلديد عن اإلعالم‬

‫التقليدي أبنه أكثر انفتاحا وأقل احتكارا‪ ،‬فتمكني الوصول لإلعالم اجلديد أسهل وأسرع منه يف اإلعالم‬

‫التقليدي‪ .‬كما أن املعلومات فيه ال تتدفق من مركز واحد إىل األطراف‪ ،‬وال من أعلى إىل أسفل فقط‪ ،‬فحركة‬

‫املعلومات يف اإلعالم اجلديد تصدر من عدة اجتاهات‪ ،‬وتستقبل يف عدة اجتاهات أيضاً‪ .‬كما أنه من املعروف‬

‫على شويل القرين‪ :‬اإلعالم اجلديد من الصحافة التقليدية إىل اإلعالم االجتماعي وصحافة املواطن‪ ،‬الرايض‪.2011 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫أن احلكومات ال تتحكم ابإلنرتنت ووسائل اإلعالم اجلديد‪ ،‬وال تضع هلا التشريعات واألنظمة بنفس القدر‬

‫الذي تضعه لإلعالم اجلماهريي التقليدي‪.‬‬

‫اثنياً‪ :‬من حيث التالحم االجتماعي واهلوية الثقافية ‪ : Social integration and Identity‬يقول‬

‫صان ستني أنه نظراً الستخدامات اإلعالم اجلديد املتنوعة‪ ،‬والتنوع الكبري يف املستخدمني من حيث هوايهتم‬

‫وأماكن تواجدهم وثقافاهتم املتعددة‪ ،‬فإنه ميكن االستنتاج أبن اإلنرتنت واإلعالم اجلديد يؤدي إىل زايدة يف‬

‫التفكك والتشتت االجتماعي‪ .‬ولكن ابملقابل‪ ،‬كما يقول سليفن أن اإلعالم اجلديد يتيح ظهور أنواع جديدة‬

‫من العالقات االجتماعية‪ ،‬ويساعد على تشكيل مجاعات وشبكات من األفراد الذين تربطهم اهتمامات وأهداف‬

‫مشرتكة بطريقة مل تكن متوفرة يف املاضي‪ .‬ففي السابق كان اإلعالم التقليدي خياطب احلاجة للتالحم االجتماعي‬

‫وتعزيز اهلوية من خالل منظور الدولة الواحدة‪ ،‬أو القومية الواحدة اليت حيدها نطاق جغرايف حمدد‪ .‬فكان أهم‬

‫عنصر حيدد اهلوية هو املوقع اجلغرايف‪ ،‬أما يف عصر اإلعالم اجلديد فاهلوية واالهتمام الثقايف يتجاوز حدود الدولة‬

‫الواحدة بسهولة‪.‬‬

‫اثلثاً‪ :‬من حيث القدرة على إحداث التغريات االجتماعية واملسامهة يف مشاريع التنمية ‪Social change‬‬

‫‪ : and Development‬من زاوية النظر التقليدية فحمالت التنمية والتغيري االجتماعي حتتاج إىل ختطيط‬

‫مركزي وتنظيم ذو اجتاه واحد وجمهودات مجاعية مركزية ابإلضافة إىل ميزانيات ضخمة يف أغلب األحيان‪ .‬هذه‬

‫اخلصائص غري موجودة يف اإلعالم اجلديد‪ ،‬حيث يغلب عليه طابع الالمركزية وتعتمد كثرياً على اجملهودات الفردية‬

‫أو اجلماعية املصغرة‪.1‬‬

‫رابعاً‪ :‬التعامل مع املكان والزمان ‪ :Space and Time‬فيما يتعلق بتخطي حواجز املكان والزمان‪ ،‬جند‬

‫أن اإلعالم التقليدي يف الواقع وصل إىل مرحلة من القدرة على ختطي حواجز املكان قبل ظهور وانتشار اإلعالم‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫اجلديد‪ ،‬فالتلفزيون يصل إىل أي منطقة يف العامل ابلبث احلي عرب األقمار الصناعية‪ ،‬ويتخطى حواجز الدول‬

‫والبلدان‪ ،‬وحقق بذلك تفوقاً ملحوظاً على وسائل النقل التقليدي اليت سبقته مثل السيارات والقطارات‬

‫والطائرات‪ .‬ولكن انتشار اإلعالم اجلديد ضاعف من هذه القدرة وخفف من أعباء اإلرسال التقليدي الذي‬

‫يتطلب جتهيزات وميزانيات ضخمة لتشغيله‪ .‬كما أن اإلعالم اجلديد حترر من قيود املكان اليت تفرض على‬

‫اإلعالم التقليدي التواجد يف مراكز بث حمددة وأماكن إستقبال حمددة‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬تطبيق بعض نظرايت االتصال على االعالم اجلديد‪:‬‬

‫سنحاول يف هذا اجلزء من الدراسة الرتكيز على أكثر النظرايت ظهورا يف حبوث اإلعالم اجلديد وهي‪ :‬وضع‬

‫األجندة‪ ،‬االستخدامات واالشباعات‪ ،‬انتشار املبتكرات‪ ،‬وفجوة املعرفة‪.1‬‬

‫‪ -1‬نظرية وضع األجندة‪:‬‬

‫فعلى صعيد فرضيات وضع األجندة ميكن القول بوجود اجتاهني نظريني أساسيني‪ ،‬كشفت عنهما البحوث‬

‫والدراسات يف هذا اجملال‪:‬‬

‫يرى أصحاب االجتاه األول وهو االجتاه الغالب أن وسائل اإلعالم اجلديدة مبا يف ذلك شبكات التواصل‬ ‫‪-‬‬
‫االجتماعي تلعب دورا يف وضع أجندة اجلمهور ‪.‬ويؤكد أصحاب هذا االجتاه على أن بعض مسات حمتوى‬

‫اإلعالم اجلديد مثل الروابط الفائقة والوسائط املتعددة حتقق شرط بروز القضية أو احلدث وتؤكد أهنا ‪/‬أنه‬

‫يتمتع أبمهية كبرية‪ ،‬ودعمت حبوث هذا االجتاه فرضيات وضع وسائل اإلعالم اجلديد ألجندة اجلمهور‬

‫خاصة يف االحتجاجات اجلماهريية ودمج األجندة الشخصية ابألجندة اجلماعية يف اجلماعات االفرتاضية‬

‫على اإلنرتنت‪ ،‬كما دعمت فرضية تقول إن شبكات التواصل االجتماعي هلا القدرة على بناء أجندة‬

‫الصحفيني وابلتايل أجندة اجلمهور يف القضااي السياسية‪.‬‬

‫حسني محمد نصر‪ :‬اتجاهات البحث والتنظير في وسائل اإلعالم الجديدة‪ ،‬جامعة القاهرة‪.2015 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ -‬يف املقابل فإن االجتاه الثاين يرى عكس ذلك متاما ويؤكد سقوط نظرية وضع األجندة يف وسائل اإلعالم‬

‫اجلديدة‪ ،‬ويرجع أصحاب هذا االجتاه ذلك إىل أن بيئة وسائل اإلعالم اجلديدة أاتحت للجمهور مصادر‬

‫غري حمدودة من املعلومات‪ ،‬وأضعفت إىل حد كبري سيطرة النخبة ووسائل اإلعالم على املعلومات‪،‬‬

‫وقوضت فكرة بواابت احلراسة‪ ،‬وكلها عوامل حتد من قدرة هذه الوسائل يف وضع وبناء أجندة اجلمهور يف‬

‫القضااي العامة‪.‬‬

‫نظرية االستخدامات واالشباعات‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ميكن القول إن هذا املدخل النظري حظي ابهتمام كبري من جانب الباحثني يف وسائل اإلعالم اجلديدة‪ ،‬إال أن‬

‫هذا االهتمام مل ينتج عنه تطوير حقيقي ملا يقدمه املدخل حول دوافع استخدام الوسائل اجلديدة أو االشباعات‬

‫املتحققة من هذا االستخدام‪ .‬ودارت اإلسهامات النظرية احملدودة هلذه البحوث يف نطاق تقسيم دوافع‬

‫االستخدام إىل ثالثة جمموعات تغطي مسات الوسيلة ومواقف التعرض وإمكانية الوصول‪ .‬وإذا كنا ال نستطيع‬

‫استخالص توجهات نظرية وليدة يف حبوث استخدامات واشباعات وسائل اإلعالم اجلديدة فمن املمكن أن‬

‫نشري إيل توجهات حبثية جديدة ميكن أن ينتج عتها إضافات نظرية يف املستقبل‪ ،‬مثل حبوث استخدامات‬

‫واشباعات شبكات التواصل االجتماعي اليت أصبحت أكثر تركيزا علي قضااي كشف اهلوية وسلوكيات الصداقة‬

‫واخلصوصية على هذه الشبكات‪ ،‬وكذلك ظاهرة استخدام عدد من التكنولوجيات الرقمية يف نفس الوقت‪،‬‬

‫ومدى تعبري جمتمعات هذه الشبكات عن التنوع احلقيقي يف اجملتمعات االنسانية‪ ،‬والعالقة بني رأس املال‬

‫االجتماعي وبني استخدام هذه الشبكات‪.‬‬


‫نظرية انتشار املبتكرات‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫ميكن التمييز بني ثالثة توجهات حبثية تقود البحث يف هذا اجملال يف اإلعالم اجلديد‪ ،‬هي‪ :‬حبث تبين األفراد‬

‫لوسائل اإلعالم اجلديدة على حساب وسائل اإلعالم التقليدية‪ ،‬وحبث تبين الصحفيني واملؤسسات اإلعالمية‬

‫للمستحداثت اجلديدة املتصلة ابالندماج اإلعالمي‪ ،‬وحبث تبين الصحفيني لشبكات التواصل االجتماعي‬

‫كمنصة للنشر ووسيلة للرتويج للقصص الصحفية‪ ،‬والتواصل مع القراء‪ ،‬واحلصول على املصادر واملعلومات‪.‬‬

‫وابستثناء اخلالصات النظرية اليت تؤكد السرعة الكبرية اليت مت هبا تبين وسائل اإلعالم اجلديدة مقارنة ابملعدالت‬

‫الزمنية املرتفعة لتبين وسائل اإلعالم التقليدية‪ ،‬ميكن القول إن تطبيق نظرية انتشار املبتكرات على وسائل اإلعالم‬

‫اجلديدة مل ينتج عنه تغريات ملموسة يف فرضيات أو مفاهيم النظرية حىت اآلن‪.‬‬

‫نظرية فجوة املعرفة‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫تتمثل اإلضافة املهمة اليت نتجت عن تطبيق هذه النظرية على وسائل اإلعالم اجلديدة يف بلورة مفهوم الفجوة‬

‫الرقمية‪ ،‬وهو املفهوم الذي أصبح يستخدم لوصف االختالف بني األفراد واجلماعات والدول يف الوصول إىل‬

‫والقدرة على استخدام وسائل اإلعالم اجلديدة‪ .‬وتشري التوجهات البحثية يف هذا اجملال إىل أن تزايد الفجوة‬

‫الرقمية بني الدول قد يقود إيل إمكانية ظهور دعوات يف املستقبل إلنشاء نظام عاملي رقمي جديد علي غرار‬

‫النظام العاملي اإلعالمي اجلديد الذي اثر حوله اجلدل يف سبعينيات القرن املاضي وقبل ظهور وسائل اإلعالم‬

‫اجلديدة‪ ،‬إذ مل تعد الفجوة تقتصر علي االنتشار غري املتوازن لإلنرتنت ووسائل اإلعالم اجلديدة يف دول العامل‪،‬‬

‫وإمنا تشمل أيضا متغريات أخرى مثل ضعف االتصال وارتفاع التكلفة واخنفاض اجلودة وصعوابت احلصول على‬

‫املساعدة الفنية والوصول إىل احملتوى املدفوع يف الدول الفقرية‪.‬‬


‫اثلثا‪ :‬النظرايت اجلديدة يف اإلعالم اجلديد‪:‬‬

‫نظرية التشكل العضوي‪:‬‬

‫النظرية الوحيدة اليت اتفق الباحثون يف االتصال على أهنا نظرية يف اإلعالم اجلديد هي نظرية التشكل العضوي‬

‫لوسائل اإلعالم ‪ Mediamorphosis theory‬اليت طورها روجر فيدلر ونشرها يف العام ‪ 1997‬لشرح‬

‫العالقة بني وسائل اإلعالم اجلديدة وبني وسائل اإلعالم التقليدية‪ .‬فيعرف فيلدر التشكل العضوي لوسائل‬

‫اإلعالم أبنه وسيلة موحدة للتفكري يف التطور التكنولوجي لوسائل االتصال ‪.‬ويقول إنه "من خالل دراسة أنظمة‬

‫االتصال اإلنساين ككل‪ ،‬سوف نرى أن وسائل اإلعالم اجلديدة ال تنشأ تلقائيا وبشكل مستقل ولكنها تظهر‬

‫تدرجييا نتيجة للتحول العضوي‪ ،‬والتحول العضوي هو عملية بيولوجية يتطور من خالهلا الكائن احلي جسداي‬

‫بعد الوالدة أو الفقس‪ .‬ويري فيدلر أن وسائل اإلعالم مثل األنظمة األخرى تستجيب للضغوط اخلارجية عن‬

‫طريق إعادة تنظيم نفسها‪ ،‬ومثل الكائنات احلية فإهنا تتطور لكي تزيد من فرص بقائها على قيد احلياة‪ ،‬ولكي‬

‫تواكب التغريات يف بيئة متغرية‪ .‬ويستمد فيدلر مبدأ التحول العضوي لوسائل اإلعالم من ثالثة مفاهيم‪ ،‬هي ‪:‬‬

‫التطور املشرتك ‪ Coévolution‬والتقارب ‪ Convergence‬والتعقيد‪. Complexity 1‬‬

‫وتفرتض هذه النظرية اليت يطلق عليها البعض نظرية" التحول الرقمي"‪ ،‬أن وسائل اإلعالم القائمة تتطور عندما‬

‫تظهر وسيلة إعالمية جديدة‪ ،‬إذ تعمل كل وسيلة بطريقة أقرب إىل عمل العناصر املشكلة ألي نظام حيوي‪،‬‬

‫ويرتبط تطورها ويعتمد على تطور الوسائل األخرى احمليطة هبا‪ .‬ويشري التاريخ إىل أن وسائل اإلعالم القدمية‬

‫واجلديدة سوف تتعايش معا‪ ،‬وابلتايل ال يكون املوت هو مصري الوسائل القدمية‪.‬‬

‫اخلـ ـ ـ ـ ــامتة‪:‬‬

‫المرجع نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وبشكل عام‪ ،‬ميكن القول أن اإلعالم اجلديد ساهم يف انتقال جزء من النفوذ والسيطرة اليت كانت لدى املركز إىل‬

‫األطراف ومن املرسل إىل املستقبل‪ .‬وهو حتول يف التوازن بني الطرفني‪.‬‬

‫ونستنتج من ذلك أيضاً أن مفهوم االتصال مل يتالشى ومل يتوقف متاماً مع ظهور وانتشار اإلعالم اجلديد‪ ،‬ولكنه‬

‫أخذ شكالً جديداً عن طريق توجيه االتصال من طرف واحد إىل مجهور ضيق وحمدد ابهتمام خاص وهذا ما‬

‫يسمى ابلبث الضيق (املتخصص)‪ .‬حيث ميكن القول أن اإلعالم اجلديد هو ليس بديال كامال لإلعالم القدمي‪،‬‬

‫بل هو مكمل له يف الوظائف واالستخدامات‪.‬‬

‫ومن الناحية النظرية‪ ،‬يقول ماكويل أن هذا يدعوان إىل إعادة النظر يف نظرايت االتصال اليت تدرس أثر وسائل‬

‫االتصال واليت نشأت حول وسائل االتصال اجلماهريي التقليدية‪ .‬فهي نظرايت ميكن إستخدامها على األنواع‬

‫التقليدية من اإلعالم اليت الزلت موجودة إىل اآلن‪ ،‬ولكن هناك حاجة إىل مناذج نظرية جديدة لدراسة األسلوب‬

‫التفاعلي اجلديد يف وسائل االتصال‪ .‬وهي بيئة اتصال جديدة تعتمد على مبادرة اجلمهور يف إختيار احملتوى‬

‫واملشاركة يف إنتاجه وتوزيعه وختزينه‪ .‬ويطلق عليه مكويل أسم النموذج التفاعلي أو النموذج املعتمد على إختيار‬

‫اجلمهور‪.‬‬

You might also like