Professional Documents
Culture Documents
تقديم:
يعتبر البحث العلمي نشاطا منظما وممنهجا يستدعي التقيد بقواعد واجراءات تحدد إطاره
المعرفي والمنهجي وتنظم خطواته وأساليب تعامله مع الوقائع والمعطيات ،وال تستثنى بحوث االعالم
واالتصال كغيرها من البحوث العلمية من التقيد بهذه الخطوات ،حيث يقوم البحث العلمي في علوم
االعالم واالتصال على نقطة أساسية تتمثل في تبني اإلطار النظري للدراسة باالعتماد على احدى
النظريات االتصالية الكبرى التي تعد دليال ومرشدا وعاء فكريا يقوم بتوجيه الباحث في ميدان االعالم
واالتصال في مختلف مراحل اعداد بحثه في شقيه النظري والمنهجي ويبرر مختلف اختياراته بطريقة
علمية ،وانطالقا من ذلك انطلقت هذه الدراسة في محاولة االجابة على التساؤل اآلتي:
لغة:
إن مفهوم النظرية يتمثل في الداللة الشائعة ولفظ نظرية مشتق من النظر الذي يحمل داللة معنى
التأمل العقلي وفي الفرنسية تعني النظرية " بناء أو نسق" متدرج من األفكار الذي يتم االنتقال فيه من
المقدمات إلى النتائج ،في حين يعرفها لسان العرب البن منظور على أنها ترتيب أمور معلومة على
1
وجه يؤدي إلى استعالم ما ليس بمعلوم وقيل النظر طلب علم عن علم .
1منال هالل مزاهرة :نظريات االتصال ،دار املسرية ،األردن ،2102 ،ص 062
أما المعجم الفلسفي" الالند " فيعرفها على أنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ وانطلق الالند من
هذه الفكرة إلى اعتبار أن النظرية بناء فرضي استنباطي يعكس رؤية العالم حول قضية متنازع حولها
كما أنها تقابل المعرفة الجزئية على أن النظرية تركيب كلي يسعى إلى تفسير عدد من الظواهر ويسلم بها
1
كفرضية تحتمل التصديق أو التكذيب .
اصطالحا:
النظرية عبارة عن مجموعة من المفاهيم و التعريفات واالقتراحات التي تعطينا نظرة منظمة لظاهرة
ما عن طريق تحديدها للعالقات المختلفة بين المتغيرات الخاصة بالظاهرة ،وذلك بهدف تفسير تلك
الظاهرة أو التنبؤ بها مستقبال ،فحسب موريس أنجرس فإنه إذا كانت الفرضية هي إقرار غير حقيقي
بوجود عالقة بين متغيرين أو أكثر فإن النظرية هي إقرار حقيق لوجود عالقة ما بين متغيرات محققة
2
إمبريقيا.
إذا تكمن طبيعة النظرية في إعداد التفسير الحقيقي فيما يخص األحداث ،الوقائع و الظواهر أما
وظيفتها فهي تعميم التفسيرات المعطاة لألحداث و الظواهر ألنه من دون النظرية تظل العالقات بين
الظواهر مبهمة ،كما أن النظرية تعمل على جعل الحقيقة منطقية و مصاغة في سياق مرتب و منظم
و من هنا يمكننا القول بأن النظرية هي ممارسة عملية دقيقة بعيدة عن العشوائية مادام البحث العلمي
في غياب النظرية هو بحث أعمى. 3
1بسام عبد الرمحن املشاقبة :نظريات اإلعالم ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ،2100،ص .97
2موريس أجنرس :منهجية البحث العلمي في العلوم االنسانية ،ترمجة بوزيد صحراوي وآخرون ،دار القصبة للنشر ،اجلزائر ،2116،ص 45
3الرامي وفايل :البحث العلمي في االتصال ،ترمجة ميلود سفاري وآخرون ،خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة ،ط ، 2اجلزائر .2117،ص
.061
ثانيا .مفهوم البحث العلمي في الدراسات االعالمية
يتكون من كلمتين كلمة البحث التي تقابلها في اللغة الفرنسية Rechercheالتي تعني لغة : -
حسب الموسوعة العلمية "Larousseلروس" مجموعة أعمال لها هدف الكشف عن معارف
جديدة في ميدان علمي ،أما في اللغة العربية فإن البحث معناه التفتيش في المكان المجهول
قصد معرفته ومنه استخدام للداللة على حب االطالع والتعرف على مجاهل األشياء في مجاالت
النشاط الفكري.
-أما كلمة علمي المشتقة من مصطلح علم فيقابلها في اللغة الفرنسية كلمة Scienceالدالة حسب
الموسوعة العلمية "لروس" على معارف جيدة التنظيم ذات عالقة ببعض الفئات من األحداث
1
أو الظواهر.
اصطالحا
هو نشاط علمي منظم ومحدد ،نقدي وتطبيقي يسعى إلى كشف الحقائق ومعرفة االرتباط بينها
ثم استخالص المبادئ العامة أو القوانين التفسيرية أو هو التحقق المنظم في موضوع ما أو قضايا
فرضية للكشف عن الحقائق أو النظريات وتطويرها ،وهذا يعني أن ندرس و أن نحقق و أن نختبر
وأن نفحص من أجل تحقيق أهداف البحث العلمي .وهذا التعريف الذي يتفق عليه كثير من خبراء
مناهج البحث العلمي يشير إلى االرتباط بينها واستخالص المبادئ العامة أو القوانين التفسيرية
2
اعتمادا على طرق معينة تتسم بالتحديد والتنظيم والموضوعية.
1أمحد بن مرسلي:مناهج البحث العلمي في علوم اإلعالم واالتصال ،ط، 3ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر ،2119 ،ص .02
2حممد عيد احلميد :البحث العلمي في الدراسات االعالمية ،ط،2عامل الكتب ،القاهرة،2115،ص.8
.2تحديد مفهوم البحث في مجال اإلعالم واالتصال:
وفي هذا اإلطار يمكن تعريف الدراسة االعالمية أو البحث في مجال اإلعالم واالتصال بأنه:
"النشاط العلمي المنظم للكشف عن الظاهرات اإلعالمية والحقائق المتصلة بالعملية اإلعالمية وأطرافها
والعالقات بينها و أهدافها والسياقات االجتماعية التي تتفاعل معها من أجل تحقيق هذه األهداف
المقصود من النظرية في البحث العلمي هو توضيح العالقة بين السبب واألثر " Cause
"effectrelationshipبين المتغيرات بهدف الشرح أو التنبؤ بظاهرات معينة ،وبتعبير أوضح :النظرية
رابعا .أهمية النظرية بالنسبة للبحث العلمي في مجال اإلعالم واالتصال :
إن النظرية باألحرى هي محصلة دراسات وأبحاث ومشاهدات وصلت إلى مرحلة من مراحل
التطور وضعت في إطار نظري وعملي وتحاول تفسيره ،كما أن النظريات قامت على كم من التنظير
واالفتراضات التي قويت تدريجيا من خالل إجراء تطبيقات ميدانية ومن هنا فإن أهم ما يميز النظرية
اإلعالمية قدرتها المستمرة على إيجاد تصورات جديدة بالبحث اإلعالمي ،ومن هذا المنطلق فإن الباحثين
عرفوا النظريات اإلعالمية بأنها خالصة نتائج الباحثين والدارسين لالتصال االنساني بالجماهير بهدف
تفسير ظاهرة االعالم ومحاولة التحكم بها والتنبؤ بتطبيقاتها وأثرها في المجتمع فهي توصيف للنظم
االعالمية في جميع دول العالم ،كما أن النظرية هي تحديد نهائي للعالقة بين الحقائق والمتغيرات إذ
تساعد الباحث في مجال االعالم واالتصال على تقديم تفسير للظاهرة وهو ما يجعله يتوقع اتجاهات
الحركة فيها ،كونها تمثل اطا ار فكريا لعدد من التعميمات ذات العالقة المشتركة ،ويقدم هذا اإلطار
2
تفسي ار للظواهر العلمية والتنبؤ بها .
وبذلك إ ذا كانت النظرية تمثل مستوى أعلى للتحديد النهائي للعالقات بين المتغيرات قائما على التفسير
العلمي ،فإنها من ناحية أخرى تمثل وعاء فكريا لفروض أخرى يتم اشتقاقها من خالل هذه النظريات بل
إنها تعتبر بعد ذلك إطا ار تفسيريا للعالقات يمكن استخدامها في مجاالت علمية أخرى فالنظريات
الخاصة بعلم النفس المعرفي يتم استخدامها بتوسع في مجاالت االتصال الجماهيري واإلعالم ،فنظرية
أخرى مثل توظيفها في بناء التعميمات الخاصة بتأثيرات وسائل اإلعالم وكذلك يمكن توظيفها في بناء
التعميمات الخاصة بتمويل وسائل االعالم وعالقاتها االقتصادية باإلضافة إلى إمكانية توظيفها في
ويمكن القول بأن أهمية النظرية تكمن في أنها توجه الباحث في ميدان االعالم واالتصال إلى
التساؤالت الصحيحة التي يطرحها وتقع خلف قدرته على اختبار الظاهرة محل الدراسة ،وبدون النظرية
تظل العالقات مجرد رؤى أو حقائق تم تجميعها ،ولكنها توحد الحقائق في إطار واحد يفسر ويساعد
على التنبؤ ،وال يعني ارتفاع مستوى النظرية هو ثباتها وعدم تغيرها ،بل إنها تكون قابلة للتغير بتغير
المعرفة والعلوم التي تم صياغة النظرية في إطارها ،ألن النظرية هي جزء من كل يمثل إطار المعرفة
المنظمة أو إطار العلوم في تخصصاتها المختلفة ،كما تقدم النظريات في تفسيرها للحقائق والعالقات
العديد من المفاهيم والمتغيرات المتجددة التي يتم اختبار عالقاتها بعد ذلك في فروض جديدة وهكذا
1
ويعبر ذلك عن عملية للتغير التجديد في المعرفة العلمية.
وأول نقطة تجدر بنا االشارة إليها في تحديد عالقة البحث العلمي بالنظرية واسهاماته فيها هي تبيان
خصائص القوانين العلمية حيث تعتبر نسبية خاصة في العلوم االنسانية واالجتماعية ،أي أنها محدودة
في الزمان والمكان وتقريبية ألنها تعبر عن مقدار معرفة الباحثين للظواهر التي يقومون بدراستها مما
يعني أن صيغها تتغير وفق تطور البحث العلمي ،والذي يلعب دو ار هاما في تطوير النظرية فيتم إثراء أو
تعديل النظرية حسب النتائج الجديدة التي توصل إليها البحث العلمي ،كما ُيساهم في إعادة صياغة
1
جديدة ،يستعين بها في جمع الحقائق وتحليلها ،فيوجــه اهتمام النظرية نحو موضوعات جديدة
ان اسهامات النظرية في البحث العلمي يرجع إلى العالقة التي تربط النظرية بالبحث العلمي
والتي يمكن التعبير عنها بأنها عالقة تبادلية وتفاعلية متينة تتجسد في اإلسهام المتبادل بينهما بحيث ال
يستغني أحدهما عن اآلخر فالنظرية بدون البحث العلمي الذي يمدها بحقائق جديدة ويمتحن صحتها
باستمرار تكون عديمة الجدوى ،ألنها قد تبقى مجرد تجريد ال يعكس الواقع و نفس الشيء بالنسبة
للبحث العلمي الذي ال يمكن أن يتطور دون االعتماد على النظريات على اعتبار أن النظرية تقوم في
جزء منها بتبرير عملية البحث وتعطيه الشرعية في نموذج معترف به من خالل جعل الحقائق منطقية
ومصاغة في سياق مرتب ومنتظم ،إذ تستدعي ممارسة البحث العلمي التقيد بقواعد واجراءات تكون
إطا ار معرفيا ومنهجيا يستفيد منه الباحث في توجيه دراسته العلمية في اتجاه صحيح يعتمد من خالله
2
دراسته ومجاالتها. على المنهج العلمي الذي يتناسب وطبيعة
وانطالقا من هذه العالقات التبادلية الموجودة بينهما يستطيع الباحث أو الباحثة في ميدان االعالم
واالتصال من بناء مجموعة من المقوالت حول الظاهرة موضوع الدراسة حيث تمثل هذه المجموعة
من االفتراضات التي تريد تفسير هذا الجزء من الواقع موضوع الدراسة النظرية ،فالنظرية وعن
طريق مجموع افت ارضاتها تلعب دو ار أساسيا في مجال البحث العلمي ألنها تساعد في توحيد وتوضيح
ما يتم التأكيد عليه حول الواقع المدروس وبالتالي تمنح االنسجام للميدان المعرفي بفضل ما تقترحه
1عبد اهلل عامر اهلمايل :أسلوب البحث االجتماع وتقنياته،ط 2منشورات جامعة قاريونس،بنغازي ،0775 ،ص.41
1
لسيرورة االستنتاج أو االستنباط .
كما يمكن اعتبار النظرية بالنسبة للبحث العلمي بمثابة البوصلة للمكتشف إذ أنها دليل ال غنى عنه
في اختيار المسالك والطرق التي سيعبرها الباحث حيث تسمح له بتنظيم المالحظات الكثيرة وتبرر
األدوات التي يستخدمها وباختصار إنها توجه البحث بعد التحقق منها وتدقيقها تصبح النظرية عبارة
عن نسق من المعلومات تسمح للباحث بأن ينطلق منها لفهم ووضع صياغات جديدة وتفسيرات أكثر
عمومية فهي تعتبر كأداة يستعان بها للوصول إلى إدراك وفهم أحسن للظواهر ولهذا تبدو النظرية
كشعاع يضيء جزء من الواقع المبحوث وهكذا تتجاوز بكل بساطة التجريد لتمثل جاذبية مؤكدة
تؤدي بنا إلى فهم الواقع الذي كان في السابق غامض في أذهاننا ،فهي تساعد الباحث على تنظيم
نتائج دراسته ومالحظاته في صورة متناسقة تتيح له إضافات جديدة في ميدان عمله وتطبيقات تعم
أن تولد
فائدتها المجتمع ،كذلك فالنظرية تؤدي إلى مزيد من البحوث وتلك البحوث بدورها يمكن ْ
2
نظريات جديدة وهكذا العالقة قوية بين االثنين.
يختلف الباحثون في نظرتهم للنظرية حيث ينقسمون إلى اتجاهين بارزين اتجاه يعتبر النظرية
على أنها براديغم يقتصر على األسس النظرية للبحث أي النظريات الموجهة للبحث ،في حين أن
االتجاه الثاني يتجاوز هذا المعنى الضيق من خالل اعتباره أن النظرية تغطي الجانب النظري والمنهجي
للبحث من خالل تحديد دورها في كل من تأثيرها في صياغة اشكالية البحث وتساؤالته ،تحديد المفاهيم
تعتبر النظرية حج ار أساسيا في البحث العلمي إذ أنه من الواجب أن يكون هناك قد ار من المالئمة
بين النظرية المتبناة في البحث العلمي وموضوع الدراسة حيث يسترشد بها الباحث كونها اطا ار محددا يتم
ضمنه صياغة اشكالية البحث وتساؤالته وفروضه والمفاهيم التي البد من تبنيها وتداولها في البحث
وتحديدا تلك المتضمنة في العنوان إضافة إلى ما تتضمنه االشكالية من مفاهيم لهذا فإنه على الباحث أن
يختار المفاهيم التي تقوم عليها النظرية المتبناة وأن ال يخلط بين مفاهيم النظريات المتناقضة ،فإذا ما
تبنى مثال النظرية الوظيفية فإنه في خضم البحث البد له وأن يتطرق ويوظف مفاهيم الدور ،الوظيفة
البناء ،الخلل الوظيفي في حين إذا تم تبني نظرية أخرى فإنه يتم توظيف مفاهيم في سياق هذه النظرية.
إن تقسيم البحث إلى جزأين منفصلين نظري ومنهجي خطأ ال ينبغي القبول به ،فالبحث في موضوع
معين هو وحدة متكاملة يخدم كل جزء فيه مختلف األجزاء األخرى للبحث ،ومن هنا فإن الحديث عن
التوجه المنهجي للبحث ال يجب أن يكون بمعزل عن التوجه النظري ،بل أن هذا األخير يؤثر بصورة
مباشرة في كل جزئية من الجانب المنهجي للبحث ،ونعني بذلك أنه ينبغي على الباحث اختيار المنهج
واألدوات المنهجية المالئمة لطبيعة أهدافه البحثية والتي ال تخرج هي األخرى عن التوجه أو النظرية
1
المتبناة في البحث .
1علي غريب :أبجديات المنهجية في كتابة الرسائل الجامعية،ط ،2دار الطباعة والنشر والتوزيع ،اجلزائر ،2117 ،ص .31
-الخطوات اإلجرائية التي يربط بها الباحث بين النظرية والبحث العلمي :
أفضل أنواع البحوث والتي تعتبر إضافة جديدة لميدان التخصص هي هذه البحوث التي يختار -1
منها الباحث موضوع دراسته من إحدى النظريات أو من بعض مناهج التخصص ،أو من هذه المساحة
التي تربط تخصصات معينة ببعضها البعض ،للوقوف على الموضوعات التي تحتاج إلى دراسة متعمقة
والتي تعتبر أكثر فائدة من غيرها ،وهي التي تساعد على تطوير النظريات ومناهج البحث المعتمدة في
أن يضع في اعتباره أال تكون النظريات العامة أو الكبرى هي االختيار األول الذي يلجأ إليه .
على الباحث أال يعمد بعد اختياره موضوع بحثه إلى إلباسه إحدى هذه النظريات بطريقة تعسفية -2
موضوعا ما للدراسة فعليه -قبل أن يلجأ إلى النظريات العامة أو الكبرى -
ً إذا اختار الباحث -3
موضوعا عن الطالق
ً أن يبحث في الجهود التنظيرية التي تناولت موضوع بحثه بالذات ،فإذا اختار
أو التفكك األسري أو الوعي المهني ،فال ينتقي نظريته كمرحلة أولى من نظريات الصراع أو البنائية
الوظيفية ،أو التفاعلية الرمزية ،أو االتصال أو النسق المفتوح ليسير على خطاها ،وانما عليه أن يبحث
تحديدا
ً عن النظريات الخاصة بالطالق ،أو التفكك األسري أو الوعي المهني ،فهي النظريات األكثر
1
طا بموضوع دراسته.
وارتبا ً
القيام بها قبل أن يلجأ إلى النظريات العامة التي أشرنا إليها عليه أن يبحث عن الدراسات السابقة في
1أمحد إبراهيم خضر :كيف يربط طالب املاجستري والدكتوراه النظرية بالبحث امليداين ،6442/45/45، www.alukah.net/web/khed ،
. 44:54h
جيدا ،ويقف على األطر النظرية التي استندت إليها ثم يختار منها عدة حقائق
موضوع بحثه ويدرسها ً
شمولي يتعارض مع المعرفة الجزئية ،لكننا نرى أنه عند الضرورة يمكن للباحث أن يشكل من هذه
ادعاء الباحث بعدم توفر دراسات سابقة في موضوع دراسته يرفضه العلماء ،ويرون أن هذا -5
األمر ال يكون إال في حالتين األولى :عدم توافرها في أماكن محددة ؛ أي في كلية أو جامعة ،أو مركز
بحث ما أو في مكتبة ما ،الثانية هي عدم توافرها بلغة ما ،فقد تكون موجودة بلغة أخرى ،ويسري هذا
أيضا.
األمر على النظريات ً
ب عد أن يضع الباحث يده على اإلطار النظري الذي سيحدد له مسار بحثه عليه أن يستخرج من -6
هذا اإلطار المفاهيم والفروض والتساؤالت والمتغيرات التي ينطلق منها في دراسته ،وهذه خطوة يغفل
عنها الباحثون ،فهم يختارون موضوع دراستهم ويحددون أهداف وتساؤالت الدراسة ثم يختارون اإلطار
على الباحث أن يعرف عبر النظرية أو الحقائق الجزئية المستقاة من الدراسات السابقة على أوجه -7
القصور أو النقص في المعرفة والجوانب التي لم يتم التوصل إليها أو لم تستكمل بعد ،وهذا يسمح له
1
بطرح تساؤالت كثيرة وصياغة فروض جديدة.
على الباحث أن يحدد عبر هذا اإلطار النظري البيانات التي يجب عليه جمعها في بحثه ويعزلها -8
أمحد إبراهيم خضر :كيف يربط طالب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميداني ، 1
-11أن يستفيد الباحث من مالحظاته الميدانية في تنقيح القضايا النظرية التي انطلق منها ويستفيد من
أن يلجأ إلى النظرية في حل التناقضات بين النتائج التي توصل إليها . -11
-12أن يستفيد الباحث من النظرية في رؤية واستشراف مستقبل الظاهرة وفي إعداد وصياغة رؤية
1
مصدر لمداخل نظرية جديدة.
ًا للواقع بموضوعية والتي بدورها تعتبر
خاتمة:
في األخير يمكن القول أن العالقة بين النظرية والبحث العلمي عالقة متينة تتجسد في اإلسهام
المتبادل بينهما بحيث ال يستغني أحدهما عن اآلخر فالنظرية بدون البحث العلمي الذي يمدها بحقائق
جديدة ويمتحن صحتها باستمرار تكون عديمة الجدوى ،وكذا البحث العلمي الذي ال يمكن أن يتطور دون
االعتماد على نظريات تقوم بتبرير عملية البحث وتعطيه الشرعية من خالل جعل الحقائق منطقية
ومصاغة في سياق مرتب ومنتظم .
أمحد إبراهيم خضر :كيف يربط طالب الماجستير والدكتوراه النظرية بالبحث الميداني ،www.alukah.net/web/khedr/ ، 1
يقول كريب »"«krepإن النظرية مفيدة إذا استطعنا التعلم منها ،وال نستطيع التعلم منها إال
إذا عرفنا كيف نستخدمها .ففهم النظرية هو مسألة تتعلق بتعلم التفكري النظري...حيث نتعلم لغة
جديدة لتفسري خرباتنا يف سياق احلياة".
مقدمة:
يشكل البحث يف حقل علوم اإلعالم واالتصال جماال خصبا للباحثني بشىت التخصصات والعلوم
الرتباطه كمتغري فاعل يف العديد من الظواهر اجملتمعية ،وألن هذا العلم مل يتشكل هكذا اعتباطا بل جاء
نتيجة تكاثف جهود الباحثني واملختصني من جماالت متعددة كعلم النفس ،علم االجتماع ،االقتصاد،
السياسة...اخل منطلقا من منهجيات ونظرايت مرنة هلا قدرة االسقاط والتفسري للكثري من الظواهر املرتبطة
ابالتصال واإلعال م فقد تطور البحث فيه على املستوى األكادميي وخمابر البحث ذات الصلة مستندين
بذلك على منهجية حمددة وأطر نظرية تفسريية واضحة.
وبرغم يُفوع االجتهاد يف هذا العلم إال أنه استند إىل مقارابت كبرية من علوم أخرى واملتتبع له قد
يالحظ أنه يفتقر إىل اجتهاد التنظري فيه برغم احملاوالت الكثرية لكن هذا ال يعطي مربرا إلغفال األمهية
القصوى للنظرايت سواء على مستوى العلوم األخرى أو على مستوى اسنادها وتطبيقها يف البحوث
والدراسات األكادميية.
وتعد النظرية تلك البوصلة اليت تضبط وحتدد معطيات البحث انطالقا من اختيار املوضوع إىل غاية
النتيجة النهائية ألهنا مبنية على أسس وافرتاضات مطبقة ومسند لواقع وظاهرة واجتاه حبثي معني ابلتايل جيد
الباحث نفسه كلما اعتمد منظورا معينا ينطلق منه يف حبثه كلما حدد جماله أكثر وضبط متغريات حبثه
وطور فيه وفيما تقتضيه املنظورات املقرتحة.
لكن ما لفت انتباهنا حنو عالقة الباحث مبوضوعه والنظرية -غري الواضحة-أدى بنا إىل االستقراء
للوضع هبذه الورقة البحثية حماولني هبا إيضاح دور النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال ورصد واقع
تطبيقها إضافة إىل إعطاء منوذج تطبيقي شارح لكيفية توظيف النظرية نسعى من خالله أن تصل فكرة
معينة للباحث مفادها أن أي حبث دون نظرية هو كتلة من الفوضى وعدم االستقرار.
2
البحث بعدها إىل املؤسسات التعليمية أين اقرتح Robert leeعام 1868تكوينا جامعيا خيص جمال
اإلعالم واالتصال.
يف هذه املرحلة كان التنظري يف بدايته وينطلق من اجتهادات علماء االجتماع وعم النفس
االجتماعي ،وسيطر على تفسري الظواهر كل من منوذجي الوضعي والنموذج السلوكي ،وكان توجه
الدراسات أكثر على اجلمهور وأُمهل بشكل كبري املضمون أو الرسالة اإلعالمية ،كما تقاطع اجملال املعريف يف
هذا التخصص مع اجملاالت املعرفية األخرى وتضاربت االجتاهات البحثية واختلفت املناهج والرؤى
والتقنيات وأدوات القياس ومع االنطالقة احلقيقية للبحث يف علوم اإلعالم واالتصال يف هناية القرن
العشرين ظهرت أول نظرية تركز على تفسري أتثري وسائل اإلعالم يف اجلمهور وهي نظرية اجملتمع اجلماهريي
أو الرصاصة السحرية أو احلقنة حتت اجللد.
3
ومع التطور التكنولوجي احلاصل وتبادل األدوار بني كل من طريف العملية اإلعالمية واالتصالية
وتدفق املعلومات بشكل كبري ومتسارع وبوسائط إعالمية متعددة وتدخل املتلقي يف عملية التفاعل وانتقال
()4
املعلومات وقد اثبتت العديد من النظرايت قدرهتا على تفسري الظواهر وأخرى قصورها يف تفسريها.
اثنيا /النظرية يف علوم اإلعالم واالتصال:
ان النظرية يف ابسط مفاهيمها تعين تلك:
-اخلطة العقلية اليت مب التأكد من صحتها ابملالحظة والتجربة.
-املعارف اليت تكون يف جمموعها مجلة من احلقائق.
-الشرح املقرتح أو الفروض اليت صممت فعليا لتفسري ظاهرة معينة.
كما أ ّن النظرية هي جمموع افرتاضات بعضها ببعض ،تقدم وجهة نظر منتظمة حول ظاهرة معينة
( )5
من خالل شرح العالقة ما بني املفاهيم واألفكار املتعلقة هبذه املظاهر.
والنظرية ما هي إال حماولة لتفسري تفاعالتنا مع اآلخرين يف سياق احلياة اليومية ،فإننا حاملا نشرع يف
التفكري يف شيء حمدد ونسعى إىل إجياد تفسري له فإننا نكون بصدد التفكري النظري فيه ،خاصة إذا كنا ال
منلك القدرة على التحكم فيه وملا كانت النظرية تقوم بتفسري أي شيء وتساعد يف حل أي مشكلة فإن
هذا التفسري أو التدخل يف احلل يستند إىل اخلربات اليت تتجمع حول وقائع وحدات احلياة اليومية وهو ما
يعين أداة لتنظيم األفكار وفك ما حتمله من خطاب ،وذلك جيعل التفكري أمرا صعبا دون االستناد إىل
( )6
نظرية حمددة.
وهناك من يرى أن النظرية ال بد أن تتضمن االشرتاطات التالية:
-أن أتيت مبفهومات تعرب عن قضااي حمددة حتديدا دقيقا.
-أن تتناغم وتتناسق القضااي اليت حتويها النظرية مع بعضها البعض.
-أن تساهم يف اشتقاق تعميمات معينة بطريقة استنباطية.
-أن أتيت قضااي أي نظرية من خالل آليات االستقراء املضبوطة تلك اليت عن طريقها يتم
استخالص املعارف واحلقائق االجتماعية.
-أن ختضع لالختبار واملراجعة حىت يتم التأكد من صدق استنتاجاهتا أو افرتاضاهتا ومن تساوي
()7
يف اكتشاف وقائع جديدة أو الوصول إىل تعميمات أخرى.
4
وحسب ذلك فإن Gibbsيرى أن النظرية عبارة عن جمموعة من القضااي اليت ترتبط ارتباطا منطقيا
فيما بينها يف صورة أتكيدات امربيقية تتعلق خبصائص جمموعة من األحداث ...إهنا توجه النظر إىل عدد
()8
من اخلصائص املشرتكة فيما بينها مبنية على التحديد واملنطقية القائمة على العالقات التفسريية.
وختتلف التعريفات يف شأن املفهوم لكن يف اجململ يتفق الباحثون على أن النظرية هتدف إىل الوصول
الستنتاجات علمية تصف عالقات وظيفية بني متغريات يتم قياسها واستقراؤها ويسبقها يف ذلك مجلة
فروض علمية يضعها الباحث ملعرفة العالقة بني تلك املتغريات البحثية أي هبدف الوصف أو التنبؤ أو
()9
التحكم يف الظاهرة املدروسة.
ويعترب وجال التنظري يف علوم اإلعالم واالتصال فقريا جدا مقارنة بغريه من العلوم ،ويستند أكثر يف
تفسريه للظواهر على نظرايت علم االجتماع ،علم النفس االجتماعي ...مع بعض االجتهادات اليت مست
اجملال من قبل الباحثني من علوم خمتلفة وحىت متخصصني ومهتمني بوسائل اإلعالم وأتثرياهتا والظواهر
املرتبطة هبا وابلتايل أسسوا للعلم انطالقا من النظرايت اليت فيها ما فيها من قدرة اسقاط وفهم وتوضيح،
وعليها ما عليها من قصور ،ويشار إىل أن أغلب هذه االجتهادات هي غربية حبتة تنطلق من بيئة ثقافية
واجتماعية خمتلفة عن بقية اجملتمعات خاصة العربية منها اليت تتعامل مع هذه النظرايت كسرا إلسقاطها
على ظواهر قد ال يتفق منطلقها ونتائجها مع خصوصية هذه اجملتمعات وسبب ذلك هو قلة االجتهاد
البتكار نظرايت خاصة تكون هلا قدرة التفسري أكثر من غريها.
ويف الوقت ذ اته ال ننفي وجود بعض االجتهاد على مستوى العامل العريب مثال ذلك فكرة من أفكار
القرن الواحد والعشرين وهي اليت جاء هبا املفكر اجلزائري عزي عبد الرمحن يف نظرية احلتمية القيمية يف
اإلعالم اليت سنعمد ال حقا إىل متثيل كيفية توظيفها يف البحوث املتعلقة بعلوم اإلعالم واالتصال نظرا
ملنطلقها االجتماعي والثقايف املشرتك يف العامل العريب.
وانطالقا؛ من فكرة أن علم اإلعالم واالتصال يفتقر إىل التنظري فيه فقد خلص الباحث حممد بن
سعود البشر وهو ابحث بقسم اإلعالم جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية،نقال عن بريجر
()10
bergerأسباب عدم وجود نظرية حمددة يف هذا العلم فيما يلي:
عوامل اترخيية مرتبطة أساسا مبن كانوا يبحثون يف البدء ضمن جمال اإلعالم واالتصال
والذين ينتمون لتخصصات كعلم االجتماع ،علم النفس ،علم النفس االجتماعي وابلتايل
اختذ من أدبيات هذه العلوم مرتكزا أساسيا وعامال فاعال يف تطور هذا العلم ما أدى إىل
أن يسود االعتقاد لدى طلبة الدراسات العليا أن فهم هذا األخري ال يتم مبعزل عن العلوم
5
األخرى وأدبياهتا ،إضافة إىل غياب املتخصصني فعليا يف التدريس وإن وجدوا يكونوا
مهنيني أكثر منهم ابحثني ومفكرين.
عوامل منهجية مرتبطة من جهة بتمكن الباحثني والطالب من أساسيات وتقنيات
وأساليب اإلحصاء دون حماولة فتح جمال أو أفق للتنظري خوفا من الدخول يف مشكلة
التفكري خارج أسراب العلوم األخرى ،ومن جهة أخرى املواد العلمية املقرتحة يف التدريس
أغلبها مهنية أو تطبيقية بعيدة كل البعد عن كيفية بناء نظرية إعالمية وتطويرها.
عامل اخلوف من املسؤولية كون أن الدخول يف جمال التنظري يعد مغامرة علمية كبرية سواء
على مستوى فكرة النظرية انطالقا من طرحها إىل تطبيقها إىل أتكيدها أو على مستوى
احمليطني مبن يفكر أو يسعى للتنظري ألنه سيجد صعوبة كبرية يف القبول األكادميي حبكم
عوامل نفسية معينة ما قد اؤدي حىت إىل حدود النبذ ما أصاب الكثريين ابلفشل قبل البدء
وهذا يعد عائقا كبريا يف جمال التنظري يف علوم اإلعالم واالتصال.
ومع ذلك ما توفر من نظرايت يف جمال اإلعالم واالتصال أو حىت العلوم األخرى يعد لآلن حلقة
حبث غنية الزال اعتمادها فاعال وجمداي يف تفسري أو االنطالق ابلبحث على كثري من الظواهر املرتبطة
ابإلعالم واالتصال وميكن ختطيطها للطالب للفهم االنتقايل من األساس إىل العمق ابلشكل التايل دون
التفصل فيها ألن هدفنا ليس فهم النظرية عمقا ألنه يرتبط ابلطالب ابألساس وقد تفصل يف ذلك الكثري
من الباحثني بقدر ما يهمنا بعد مرحلة الفهم كيف يتم التوظيف وذلك على النحو اآليت:
()11
على الباحث فهم املدارس االبستمولوجية الكربى املتمثلة يف:
املدرسة الثورية املدرسة التطورية املدرسة الوضعية املدرسة االمربيقية
ظهرت خالل القرن .20 ظهرت خالل القرن .19 ظهرت خالل القرن .19 ظهرت خالل القرن .18
الرائد :توماس كوهن. الرائد :تشارلز داروين. الرائد :أوجوست كونت. الرائد :دافيد هيوم.
التفكري املفضل /اجلديل الذي يتجه بني التفكري املفضل /االستنباط عن طريق التفكري املفضل /االستنباط أي االستدالل املفضل /االستقراء أي توافق
االستقرائي واالستنباطي من ـ ـ ـ ـ إىل .حيث مقارنة تطور احلضارات وابلتايل مالحظة الظواهر واستنباطها من احلقيقة مع احلواس.
جيب فهم ظروف التطور والنمو لعلم ما نستنتج قوانني التحول. الطبيعة. املسلمة وهي أن مبادئ العقل تنتج من
يف شكل براديغمات ال يف شكل تراكم املسلمة قائمة على قانون تطور املسلمة هي أن املعارف حمدودة التجربة.
خطي للمعارف. الطبيعة البيولوجي والذي يشمل أيضا وابلتايل انطالق العلم من املالحظة. اخلصائص :أن املعرفة تكتسب عن طريق
املسلمة :ال تتطور العلوم ابلرتاكم ولكن الظاهرة االجتماعية. اخلصائص :تستخرج القوانني من املمارسة والتجربة.
ابلثورات العلمية اليت تولد براديغمات اخلصائص :ختضع احلضارات لقوانني الطبيعة عن طريق املالحظة ،هذه صدق املعطيات االمربيقية يسمح لنا بفهم
جديدة. تغري تطورية من جمتمعات بسيطة إىل القوانني تسمح بتقدم العامل وتطوره العامل والتأثري فيه
اخلصائص :اتريخ العلم وتطوره قائم على جمتمعات معقدة؛ حيث يصبح اجملتمع
الثورات فالرباديغم غليان فكري يؤدي معقدا كلما ازدادت كفاءته التقنية
حلدوث ثورة علمية وهو عامل تقدم والطاقوية.
علمي مهم.
6
()12
على الباحث فهم الرباديغمات املهيمنة يف االتصال:
الرباديغم التفسريي الرباديغم الوظيفي الرباديغم السلوكي الرباديغم السيربنطيقي
صادر عن املثالية اجلرمانية. صادر عن الوضعية. صادر عن الوضعية وعلم النفس صارد عن الرباديغم النسقي.
من خصائصه: من خصائصه: من خصائصه: من خصائصه:
ينظر للمجتمع كال تنظيميا يفسر توجد املعاين والدالالت يف األفعال االتصال للتحكم يف اآلالت وحىت عند منوذج :مثري /استجابة.
االجتماعية. كل مثري تقابله استجابة مالئمة جبملة الوظائف اليت يؤديها الكائنات احلية.
حتليل املعاين اليت تكون حمل امجاع يف احلقيقة االجتماعية موضوعية. وقابلة للتوقع. علم األنظمة املوجهة واملتحكم فيها.
تفسري الواقع. االتصال عملية. يفرتض ردود أفعال آلية. يهدف إىل التنظيم الذايت.
يعطي الناس معىن لسلوكهم االتصايل يف الرسالة أهم عنصر يف العملية جمال الدراسة: جمال الدراسة:
عاملهم أتثري وسائل االتصال /الدعاية البحث عن العام. االتصال التنظيمي.
اجملتمع بناء مشكل من التجارب الذاتية جمال الدراسة: واالقناع/سلطة وسائل االتصال/
االستعماالت واالشباعات /الوظائف ألعضائه.
واالختالالت الظاهرة والكامنة /توزيع جمال الدراسة:
االتصال التنظيمي من خالل املقاربتني األدوار داخل االتصال التنظيمي
الثقافية والطبيعية ،الطقوس ،الصراعات،
األنظمة الرمزية /دراسة حمتوى الرسالة
7
-توجه التفكري العلمي وتضبطه.
ومن ذلك ميكن أن نفهم أمهية النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال انطالقا من أهنا:
-تش ّكل األساس الفكري واملرجعي واملنطلق التصوري لدى الباحث لفهم أبعاد املوضوع أو
الظاهرة املدروسة.
-تعد النظرية مبثابة النموذج اإلرشادي الذي يستعني به الباحث يف حبثه لتوجيهه الوجهة العلمية
الصحيحة واملضبوطة.
-حتدد النظرية للباحث املعطيات الالزمة من افرتاضات ومبادئ ومفاهيم مع توضيح كيفية
تنظيمها وتصنيفها وتبيان العالقات املرتابطة واملتداخلة فيما بينها إضافة إىل اإلجراءات املنهجية
أثناء القيام ابلبحث.
-تقدم النظرية للباحث مجلة من املفاهيم اليت ميكن أن يستعني هبا يف حبثه وهي بذلك تلخص
لديه الكثري من احلقائق املرتبطة مبوضوعه.
-تعترب النظرية البوصلة اليت توجه الباحث عن هدفه بعيدا عن الفوضى والتناقض.
-النظرية هي املنارة اليت هتدي الرابن إىل شاطئ األمان .أي أهنا املرشد للباحث للوصول إىل
نتائج علمية انضجة وهادفة.
رابعا /رصد لواقع تطبيق النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال ابجلامعات اجلزائرية:
إن تطبيق نظ رية علمية حمددة يف اجلامعات اجلزائرية يف جمال حبوق علوم اإلعالم واالتصال ميكننا
رصده من خالل االجتاهات التالية واليت استنتجناها بناء على اطالعنا على الكم األكرب من رسائل
املاجستري والدكتوراه عرب خمتلف جامعات الوطن يف التخصص وعليه:
االجتاه األول /التوظيف الشكلي للنظرية :يسود يف شق معني لرسائل املاجستري وحىت الدكتوراه
التوظيف الشكلي للنظرية كأي عنصر حبثي توثيقي مدرج يف البحث دون أدىن توضيح أو مؤشر يدل على
تطبيق عملي وفعلي الفرتاضاهتا ومفاهيمها وحىت التقنيات املنهجية اليت تفرضها كل نظرية عن أخرى.
االجتاه الثاين /التوظيف دون فهم :ما يالحظ يف االجتاه الثاين هو توظيف النظرية مع عنصر بسيط
حتت عنوان اسقاط النظرية على الدراسة ومن يطلع على هذا االسقاط جيده عبارة عن حماولة كسر لغة
الفرضية ال غري مع أن االسقاط جيب أن يُلمس ابتداء من اختيار املوضوع إىل غاية النتائج النهائية ،كما
الحظنا أيضا أن بعض الرسائل تتضمن نظرايت ال تتوافق أبي شكل أو آخر مع موضوع الدراسة.
8
االجتاه الثالث /التوظيف بفهم النظرية :وهناك من الباحثني من يدرك فعليا أمهية النظرية فنلمس
وجودها انطالقا من عنوان الدراسة كعنوان فرعي أو كمؤشر يدل على أن اجتاه الدراسة حمدد يف جمال معني
للنظرية وجندهم أيضا يسقطون افرتاضاهتا يف سياق التساؤالت الفرعية إلعادة جتربتها وحىت التأكد من
صحتها وثباهتا وتوافقها مع اجملتمع جمال وحمل الدراسة ،إضافة إىل فهم أي منهج موائم يف إطار النظرية
وأي أداة وأي عينة قد تناسب تصنيف النظرية سواء على النطاق الكمي أو الكيفي.
االجتاه الرابع /عدم توظيف النظرية هنائيا :ووجدان أيضا بعضا من الرسائل اليت ال تتضمن بتاات أي
نظرية معينة لتنطلق منها ورمبا يعود ذلك إىل عدم االعرتاف أبمهية النظرية أو نقص التكوين يف هذا اجملال
أو حىت عدم فهمها وابلتايل وحنن نقرأ معطيات البحث نلمس فوضى وتفكك لبنية البحث وأنه يريد
دراسة كل شيء يف إطار شيء واحد.
خامسا /كيف نوظف النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال:
مع أمنوذج تطبيقي لنظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم.
.1من الناحية الشكلية:
توظف النظرية يف البحوث اإلعالمية "املذكرات ليسانس /ماسرت ،والرسائل ماجستري/دكتوراه" على
طريقتني أساسيتني مها:
الطريقة الثانية الطريقة األوىل
كما ميكن أن توظف النظرية يف فصل مستقل توظف يف الفصل األول اخلاص مبوضوع الدراسة
للرسالة أو البحث ،وعرضها بتوثيق الكثري من ومنهجيتها وإطارها النظري ويكون ذلك بشكل
املعلومات املتعلقة هبا واليت ختدم موضوع الدراسة مع خمتصر نوعا ما وبعرض ل ــ:
مراعاة الشروط املنهجية لتوثيق الفصول. -تعريف للنظرية.
-اخللفية املعرفية للنظرية.
-مبادئ وافرتاضات النظرية.
-اسقاط النظرية على موضوع الدراسة
بكافة مراحله.
9
إن وجود النظرية يف البحوث اإلعالمية ليس وجودا شكليا فقط بطبيعة احلال وإمنا تتمرحل يف
أمهيتها من نقطة إىل أخرى يتم تفصيلها كاآليت مع منوذج أو مثال شارح لنظرية احلتمية القيمية يف
اإلعالم:
حيث ظهرت مع بداية الثمانينات من القرن العشرين لصاحبها عزي عبد الرمحن أي منذ
عودته للجزائر سنة 1985وتعرف النظرية انطالقا من جتزئ املسمى إىل ثالث ألفاظ؛
فاحلتمية تعين اعتماد متغري واحد على أنه احملرك األساس يف فهم وتفسري الظاهرة،
والقيمية من القيمة أي هي ما يرتفع ابلفرد إىل املنزلة املعنوية ويكون يف األساس مصدرها
الدين فاإلنسان ال يكون مصدر القيمة وإمنا أداة تتجسد فيه القيمة ،أما اإلعالم فيعين
الرسالة اإلعالمية بوسائله التقليدية واحلديثة .تنطلق النظرية من افرتاض أساسي مفاده (أن
التأثري يكون إجيابيا إذا كانت إذا كانت حمتوايت وسائل االتصال وثيقة الصلة ابلقيم وكلما
كانت الواثئق اشد كان التأثري اجيابيا وابملقابل يكون التأثري سلبيا إذا كانت حمتوايت
وسائل االتصال ال تتقيد أبي قيمة أو تتناقض مع القيمة وكلما كان االبتعاد عن القيمة
أكرب كان التأثري السليب أكثر) ،وتتضمن النظرية منهجية واضحة تتمثل يف الرؤية القيمية
للظاهرة يف املقابل هلا أداة أو مقياس حمدد الستجالء القيمة أببعادها وهو مقياس (ع س
()14
ن) إضافة إىل مجلة مفاهيم تطرحها النظرية.
وبعد هذا املختصر املوجز عن النظرية منر إىل شرح كيفية اإلسقاط هذا األخري الذي يتم على
مستوايت نوضحها كاآليت:
.1على مستوى اختيار موضوع الدراسة :يعترب اختيار موضوع الدراسة أوىل خطوات البحث اليت
هبا يستطيع هبا الباحث االنطالق يف حبثه ،واختيار موضوع للدراسة ليس ابألمر اهلني بل إنه
عبارة عن تداخل عميق ما بني املستوى الفكري والعلمي للباحث والواقع والوسيط الرابط
واملؤثر ما يؤدي به إىل اإلحساس بعمق مشكلة ما يف اجملتمع.
والسؤال هنا...أين حمل النظرية يف اختيار املوضوع؟
هناك سبيلني يف ذلك
والسبيل الثاين أن الباحث قد خيتار موضوع حبثه بناء تشكل النظرية نقطة انطالق واضحة وسهلة الختيار
على احساسه ابملشكلة ومفعول الرتاكمات حبيث املوضوع واحلث فيه ،خاصة بعد االطالع على
يتكون لديه إطار واضح عن الظاهرة املراد دراستها معطياهتا وفهم افرتاضاهتا ليحاول الباحث بعد ذلك
ومن أي زاوية سيام الرتكيز فيها ،وابلتايل حتديد هذه تطبيقها والتأكد من صحة هذه االفرتاضات ويف هذه
النقطة يعين حتدي النظرية املالئمة للموضوع. 10 احلايل ميكننا التحدث عما يسمى ابالنتماء للنظرية
وتكثيف جهد البحث يف عناصرها
املثال :انطالقا من االجتاه األول الذي يعين االنتماء ابلبحث إىل نظرية معينة وهي نظرية
احلتمية القيمية يف اإلعالم اخرتان ابملوازاة مع اإلحساس ابملشكلة املوضوع التايل:
إعالانت قناة أم يب سي الفضائية وأثرها على مجهور الطلبة اجلامعيني اجلزائريني
دراسة مسحية يف ضوء نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم
وألن النظرية قائمة على مجلة افرتاضات واضحة وحمددة اخرتان االنطالق يف البحث من
التساؤالت التالية بناء على املنطلق الرئيس للنظرية وهو اعتبار القيمة احملرك األساس للبحث
والقيمة مصدرها الدين واألثر أثر إجيايب وسليب .وعليه فإن التساؤالت كالتايل:
التساؤل الرئيسي
11
.2حتديد املفاهيم املرتبطة ابلدراسة :انطالقا من املفاهيم اليت اقرتحتها النظرية والرؤية القيمية
للموضوع فإننا سندرس كل من مفهومي القيمة واألثر حسب اجتاه النظرية.
.3حتديد البناء املنهجي للدراسة وفق النظرية :إذ أنه من املعلوم أن لكل نظرية منهجية تقوم عليها
سواء أكانت ذات نزعة كميةأو كيفية ،واملنهجية هنا تعين االنطالق من رؤية نظرية واسعة قصد
دراسة الواقع والظواهر املرتبطة به وابلتايل:
انطالقا من اعتبار نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم ذات نزعة كمية فإن املنهج املناسب
هلذا املوضوع الذي اخرتان أن نسقط عليه النظرية هو منهج املسح الوصفي.
12
نعتمد فيه على أداة هي األخرى تسمح ابستخالص البياانت الكمية وهي استمارة
االستبيان.
وتتيح لنا النظرية مقياس حبثي خاص هبا نعتمده يف بناء هيكل االستمارة وهو مقياس (ع
س ن)
والعينة املناسبة للدراسة هي عينة متعددة املراحل.
وعند النزول إىل امليدان تفرض علينا النظرية كيفية التعامل مع البياانت بطريقة موضوعية أو
ذاتية وعليه بناء على النزعة الكمية للدراسة وهبدف تعميم النتائج على اجملتمع الكلي فإن
من الضروري للباحث أن ينعزل بشخصه عن الظاهرة املدروسة وال يبدي ذاتيته يف معطياته
واألخذ فقط جبملة البياانت الكمية املتحصل عليها من امليدان.
.4حتليل وتفسري النتائج انطالقا من النظرية :بعد عملية النزول للميدان ومجع املعلومات والبياانت
وتفريغها يف جداول والقيام ابلعمليات االحصائية املناسبة أييت دور التحليل والتفسري بناء على
معطيات النظرية املتبناة وافرتاضاهتا.
مثال :لو توصلنا أن اإلعالانت يف قناة أم يب سي الفضائية تؤثر إجيااب يف تعزيز التواصل
االجتماعي بني األفراد ميكن تربير ذلك بناء على افرتاض النظرية انه كلما كان احملتوى اإلعالين
مرتبط ابلقيمة اليت مصدرها الدين كان أثره اجيايب والعكس.
خامتة
نصل بعد هذا التوضيح املختصر لكيفية توظيف النظرية يف حبوث علوم اإلعالم واالتصال إىل القول
أبنه للنظرية أمهية كبرية يف ضبط معطيات املوضوع مرحلة مبرحلة والباحث إذا استند عليها فهو يؤسس
لبناء موضوع متكامل شكال ومضموان ،وال بد أن نوجه كأساتذة أثناء مراحل التدريس الطلبة إىل أمهيتها
بتليينها هلم بعيدا عن تلك التفسريات الضخمة واملعقدة ألن النظرية يف النهاية ما هي إال فكرة قد يصح
مفعوهلا وقد يبطل وهذا ال حيدث إال ابلدراسة املستمرة الفرتاضاهتا ،وليس من الضرر أبدا أن يدرس
الباحث موضوعه انطالقا من نظرية معينة مهما كانت له حماولة لالجتهاد بفكر جديد أو موضوع جديد.
وعليه فالنظرية هي تلك البوصلة املرشدة للطريق الصحيح واملنارة اليت من شأهنا أن توصل الباحث إىل
مبتغاه بعيدا عن الفوضى وتشتت األفكار.
اهلوامش:
13
.1مسري حسني :حبوث اإلعالم ،األسس واملبادئ ،دار الشعب ،القاهرة ،1976 ،ص.19
.2منال هالل املزاهرة :مناهج البحث اإلعالمي ،ط ،1دار امليسرة للنشر والتوزيع والطباعة ،عمان /األردن،
،2014ص-ص .47-41
.3املرجع نفسه ،ص –ص .50-48
.4املرجع نفسه ،ص-ص .55-50
.5مي العبد هللا :نظرايت االتصال ،ط ،1دار النهضة العربية ،بريوت /لبنان ،2006 ،ص .14
.6شحاتة صيام :النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة ،ط ،1دار مصر العربية
للنشر والطباعة ،مصر ،2009 ،ص.14
.7علي احلليب :االجتاهات األساسية يف نظرية علم االجتماع،ط ،1دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية،
،1991ص.25
.8شحاتة صيام :النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة ،مرجع سابق ،ص .16
.9مي العبد هللا :نظرايت االتصال ،مرجع سابق ،ص .15
.10حممد بن سعود البشر :قصور النظرية يف الدراسات اإلعالمية ،دراسة منشورة ابجمللة العربية للعلوم
اإلنسانية ،جامعة الكويت ،العدد ،83صيف ،2003ص-ص .24-15
.11أ.الرامي ،ب.فايل :البحث يف االتصال ،عناصر منهجية ،خمرب علم اجتماع االتصال للبحث والرتمجة،
اجلزائر ،2009 ،ص .57
.12املرجع نفسه ،ص .75
.13شحاتة صيام :النظرية االجتماعية من املرحلة الكالسيكية إىل ما بعد احلداثة ،مرجع سابق ،ص .16
.14شهرزاد سويف :إعالانت قناة mbcالفضائية وأثرها على مجهور الطلبة اجلامعيني اجلزائريني ،دراسة
مسحية يف ضوء نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم ،رسالة ماجستري مناقشة ،كلية العلوم االجتماعية
واإلنسانية والعلوم اإلسالمية ،قسم العلوم اإلنسانية ،شعبة علوم اإلعالم واالتصال ،جامعة احلاج خلضر
ابتنة /اجلزائر ،2014 ،ص –ص .93-63
14
من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي
مسار براديغم ..مسار تجربة
باديس لونيس
جامعة باتنة1
مقدمة:
تجب اإلشارة في البداية إلى أن هذه المداخلة تعتبر خالصة ثالثة مداخالت شاركت بها في ملتقيات
الحتمية القيمية؛ األولى بعنوان :نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم (نحو براديغم إعالمي متميز) ،بجامعة
مستغانم عام 2011م ،والثانية تحت عنوان :تحديات تواجه نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم (دراسة
نقدية) ،بجامعة األغواط في 2013م ،والثالثة بجامعة مستغانم عام 2014م ،تحت عنوان :منهجية
الحتمية القيمية في اإلعالم (بين النزعتين الكمية والكيفية).
هذا مع بعض اإلضافات التي تساير تطور النظرية وذلك إلعطاء صورة عن تجربة مهمة ونادرة في
المنطقة في مجال التنظير بصفة عامة والتنظير في علوم اإلعالم واالتصال بشكل خاص.
تحصل المفكر الجزائري عبد الرحمن عزي على شهادة الليسانس في الصحافة من جامعة الجزائر
عام ( )1977وعلى شهادة الماجستير في الصحافة عام ( )1980وعلى الدكتوراه في سوسيولوجيا اإلعالم
عام( )1985من جامعة نورث تكساس بأمريكا .وقبل ذلك ،عمل األستاذ محر ار (تغطية األخبار المحلية)
في جريدة "الشعب " اليومية (الجزائر) لمدة سنتين .و تتجاوز خبرته في التدريس و البحث و اإلشراف 24
سنة إذ عمل كمدرس لمدة 3سنوات في جامعة نورث تكساس ،ثم كأستاذ مساعد فأستاذ مشارك فأستاذ
لمدة 11سنة بمعهد علوم اإلعالم و االتصال ،جامعة الجزائر ثم كأستاذ لمدة 3سنوات بقسم االتصال
بالجامعة العالمية اإلسالمية ماليزيا ثم كأستاذ بقسم اإلعالم بجامعة الملك سعود لمدة 4سنوات ،أستاذ
بقسم االتصال الجماهيري بجامعة اإلمارات العربية المتحدة لمدة 4سنوات ،ثم أستاذ بكلية االتصال،
جامعة الشارقة منذ .)1( 2006
رغم أن جل دراساته -منذ أول دراسة كتبها عندما عاد إلى الجزائر عام 1985م -تميزت باستناده
إلى انتمائه الحضاري( ،)2إال أن عبد الرحمن عزي صرح أنه بدأ فعليا تحديد مسار نظريته بتقديم النظرية
االجتماعية الغربية الحديثة وتكييفها مع الواقع الجديد وعالقاتها باالتصال ،في كتابه" :الفكر االجتماعي
المعاصر والظاهرة اإلعالمية االتصالية :بعض األبعاد الحضارية"( .)3أما عن تسميتها بـ" :نظرية الحتمية
القيمية في اإلعالم فيعود الفضل في ذلك إلى طالبه وزميله اآلن في جامعة الشارقة األستاذ الدكتور
نصير بوعلي( .)4وذلك بعد معارضتها بالحتمية التكنولوجية لمارشال ماكلوهان في دراسة مهمة قام خاللها
بمقارنة قيمة بين النظريتين(.)5
- 1للمزيد انظر:
-www.sharjah.ac.ae/Arabic/Academics/.../Dr.Azzi_CV_ARABIC_2011.pdf (12/05/2011).
- 2نصري بوعلي :اإلعالم والقيم؛ قراءة يف نظرية املفكر اجلزائري عبد الرمحن عزي ،دار اهلدى ،عني مليلة-اجلزائر2005 ،م ،ص.7
- 3عبد الرمحن عزي :مرجع سابق ،ص.11
- 4كان ذلك ابعرتاف عبد الرمحن عزي ،يف معرض رده على أحد األسئلة على موقع البوابة العربية لعلوم اإلعالم واالتصال:
http://www.arabmediastudies.net/index.php?option=com_content&task=view&id=167&Itemi
d=1.
5
- Nassir bouali: Lectures sur la Théorie; Déterminisme de la Valeur Morale de L'information,
la bibliothèque iqraa, Constantine- Algérie, 2009,p-p7-18.
أ .باديس لونيس من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم ..مسار تجربة
ولقراءة النظرية وفهمها فهما صحيحا قدم نصير بوعلي في إحدى دراساته ما اصطلح عليه "بمفاتيح"
()6
النظرية ،وتتمثل هذه المفاتيح استنادا إلى المقاربة البنيوية في:
-إن نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم كبنية تتضمن عناصر البناء التالية:
ج -التراث العربي اإلسالمي على سبيل االجتهاد وليس النقل كمادة محلية.
-أسبقية النظرية ككل على األجزاء :فنظرية الحتمية القيمية في اإلعالم هي ذلك الكل المركب من
دراسات وأبحاث نظرية عبد الرحمن عزي ،ويستحيل فهمها ما لم يكن هناك إلمام بعدد معتبر من دراساته
التي تزيد عن خمسين دراسة تنطلق كلها تقريبا من إشكالية واحدة هي كيفية فهم الظاهرة االتصالية
واإلعالمية فهما قيميا وحضاريا.
-أسبقية العالقة على األجزاء أو القيمة المحددة لها :تتضح هذه النظرية أكثر عند إمعاننا النظر في
العالقة التي تحكم دراسات عزي عبد الرحمن ،ألن ذلك سيقود إلى التغلغل في الدواخل وتوليد المعاني
العميقة للنظرية( )...وتعتبر القيمة هي الحلقة أو العالقة بنيويا التي تمسك أبحاث المفكر وتجعلها مساقط
ال تتحرك إال ضمن دائرة النظرية.
-إن عناصر نظرية الحتمية القيمية ال تحمل أي معنى إال في إطار السياق العام؛ أي يجب استحضار
العوامل االجتماعية والثقافية والحضارية والتاريخية التي ساعدت على تبلور هذه النظرية.
تنطلق النظرية من افتراض أساس يعتبر اإلعالم رسالة وأهم معيار في تقييم الرسالة هو القيمة التي
تنبع أساسا من المعتقد .ولذلك فإن تأثير وسائل اإلعالم يكون إيجابيا إذا كانت محتوياتها وثيقة الصلة
بالقيم ،وكلما كانت الوثائق أشد كان التأثير إيجابيا .وبالمقابل ،يكون التأثير سلبيا إذا كانت المحتويات ال
تتقيد بأية قيمة أو تتناقض مع القيمة ،وكلما كان االبتعاد عن القيمة أكبر كان التأثير السلبي أكثر (.)7
أصددر كادااب قيمدا عدو ع:دوان" :اإلعالالم والقاليم؛ قالراءة يف نظريالة املفكالر اجلزائالري عبالد الالرمحن عالزي" ،ابإلضداةة ىل ىلردراةع علدى نددول حدول نظريدة
احلامية القيمية أقيمو جبامعة األمري عبد القادر اإلسالمية يف اجلزائر ،وىلرراةع على كااب حول ال:ظرية ضم عدل دراسات ومقاالت لعدل أساتذل...
- 6نصري بوعلي :مفاتيح نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم؛ مقاربة بنيوية ،جملة ك:وز احلكمة ،العدد الثاين ،مؤسسة ك:وز احلكمدة ،ندوةم 2009م،
ص-ص .149-144
- 7عبد الرمحن عزي :دراسات يف نظرية االتصال؛ حنو فكر إعالمي متميز ،مرجع سابق ،ص.112
أ .باديس لونيس من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم ..مسار تجربة
ويعتبر مفهوم السالب والموجب من بين المفاهيم الجديدة التي قدمها عبد الرحمن عزي باإلضافة إلى
المخيال اإلعالمي (في مقابل الرأي العام) ،والزمن اإلعالمي ،والرأسمال اإلعالمي الرمزي ،والوضع
والخيال "والتمعقل" (من استخدام العقل) وفعل السمع والبصر ،والبنية القيمية وغيرها( .)8وهي بمثابة
مباحث فرعية يرتكز عليها النسق الكلي وهو النظرية.
()9
أما أهم الركائز –المبدئية -التي تقوم عليها النظرية فتتمثل حسب عبد الرحمن عزي في:
أن يكون االتصال نابعا ومنبثقا من األبعاد الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها المجتمع.
أن يكون االتصال تكامليا؛ فيتضمن االتصال السمعي البصري ،والمكتوب والشفوي الشخصي،
مع التركيز على المكتوب ألنه من أسس قيام الحضارات.
أن يكون االتصال قائما على مشاركة واعية من طرف الجمهور المستقبل ال أن يكون أحاديا
متسلطا.
أن يكون االتصال دائما حامال للقيم الثقافية والروحية التي تدفع اإلنسان والمجتمع إلى االرتقاء
والسمو.
انطالقا من كل ما تقدم سأحاول اآلن البحث في أهم المقومات التي تخول لنظرية الحتمية القيمية
إمكانية االرتقاء إلى براديغم جديد في اإلعالم ،مع اإلدراك الكلي لجرأة هذا الطرح ،وما سيثيره من
استغراب من بقي بعيدا عن النظرية ،ومع ذلك ال يخفي حرجا في إبداء تحفظ غامض أو انتقاد ساذج ،أو
تجاهل مريب لها ولصاحبها .وسيكون إثبات ما للنظرية من مقومات االرتقاء إلى منظور إرشادي قائم
بذاته من خالل أهم الشروط التي تناولناها سابقا حتى تصبح نظرية ما براديغما كما يلي:
-2المفاهيم:
-3المنهجية:
-4الجماعة العلمية:
-5النظريات الجزئية:
-8للمزيد انظر :قراءات يف نظرية احلتمية القيمية يف اإلعالم ،ىلعداد نصري بوعلي ،مرجع سابق ،ص-ص .146-129
- 9عبد الرمحن عزي :املرجع السابق ،ص-ص .144-143
أ .باديس لونيس من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم ..مسار تجربة
الشخصيات:
النظريات:
بعض التحديات األخرى:
رابعا /نظرية الحتمية القيمية بين النزعتين الكمية والكيفية.
كما أسلفنا فإن عبد الرحمن عزي ينظر إلى المنهجية على أنها الرؤية النظرية التي يتبناها الباحث
وينطلق منها لمقاربة موضوعه ،حيث يقول "المنهجية من النهج أو السبيل ،أي االنطالق من منظور
نظري واسع قصد دراسة الواقع (أيا كان الواقع ومن ذلك الواقع اإلعالمي) .فاإلطار النظري ما ُيولد
المنهجية ومن ثم أمكن القول أن لكل إطار (أو فلسفة أو عقيدة) منهجه الخاص ،فعلم العمران الخلدوني
له منهجيته (الخلدونية) ،والمسألة الحضارية البنابية لها منهجيتها ،والتصوف (عند الغزالي وابن عربي
والنورسي) له منهجيته ،واألمر نفسه بالنسبة للمدارس الغربية الحديثة مثل الوظيفية (بارسونز) والنقدية
(مدرسة فرانكفورت) الظاهراتية (هوسرل وشوتز) والتفاعلية الرمزية (ميد) والليبرالية واإلمبريقية (التي
انبثقت منها معظم النظريات الجزئية)(.)10
يوافق عبد الرحمن عزي الظاهرتيين في أنه يجب التمييز بين المنهجية واألدوات أو التقنيات
المستخدمة في المنهجية ،فالمنهجية "رؤية" أي أن المنهجية إطار نظري واسع يدلك ويقودك إلى األسئلة
التي يتعين أن تطرح في البحث .وعلى هذا األساس ،فإن المنهجية تأخذ صفة الخلفية النظرية التي
تؤسسه كان نقول المنهجية الخلدونية ،المنهجية المادية الجدلية ،المنهجية االمبريقية ،ويمكن إضافة مثال
المنهجية "البنابية" نسبة إلى مالك بن نبي ،والمنهجية القيمية نسبة إلى نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم
( )...أما األدوات فهي تقع بين "الرؤية" و "الواقع ويمكن أحيانا تسميتها بالمفاهيم (عامة واجرائية) ،فهذه
األدوات ،وان كانت تحمل بعض الرؤى والخلفية النظرية ،إال أنها يمكن استخدامها بفعالية بشرط أن يكون
استخدامها عن وعي وألغراض أخرى(.)11
-10عبد الرحمن عزي :منهجية الحتمية القيمية في اإلعالم ،الدار المتوسطية للنشر والتوزيع2013 ،م ،ص .17
-11عبد الرحمن عزي :نظرية الحتمية القيمية ،المرجع السابق ،ص.72
أ .باديس لونيس من نظرية الحتمية القيمية إلى نظرية الواجب األخالقي مسار براديغم ..مسار تجربة
ويبدو إذن ارتباط مفهوم المنهجية عند عبد الرحمن عزي باألصول المعرفية االبستمولوجية للنظرية
ارتباطا قويا وتأسيسيا ،قد يغفل حتى هو نفسه عن بعض جوانب هذا االرتباط العتبارات التاريخ ،أو روح
المرحلة ،أو السياق االجتماعي(. )12
وألن كل باحث -كما أشار عبد الرحمن عزي نفسه -متأثر (عن وعي أو غير وعي) بخلفيته
وتجربته ومجموعة من المؤثرات الثقافية المتعددة كالمكان والزمان( .)13لذلك فإن فكر البروفيسور عزي لم
يكن لينفصل عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها فقد ذكر أنه فطم في بيئة (بني ورتيالن األمازيغية الواقعة
شرق الجزائر) مفعمة بالتعاليم الدينية وحفظ القرآن( .)14كما أن إقامته بأمريكا بعض الوقت واحتكاكه
المباشر مع أتباع مختلف النظريات ،جعله -كما اعترف بذلك هو نفسه -يدخل إلى مجال التنظير في
االتصال تحت تأثير بعض أدوات المنهجية الغربية .وقد رأى أن ذلك أم ار عاديا إذا اعتبرنا أن المنهجية
تولد أدوات أو (طريقة) عقالنية أو واقعية في الوصول إلى مجموعة من الحقائق النسبية .فاألدوات تملك
مجاال مستقال ،أي محايدا نسبيا(.)15
وقد مكنته تلك األدوات من النظر إلى الذات والثقافة من زاوية خارجية ،ما حفزه للنبش في التراث،
فدرس ابن خلدون والنظرية الغربية ،واستوقفته إسهامات مالك بن نبي أين أضاف عامل اإلعالم إلى
العناصر األخرى المكونة لنظريته (اإلنسان والتراب والزمان) .ورغم أن إسهامات العلماء المسلمين األوائل
في نظرية االتصال غير واضحة إال أن عبد الرحمن عزي وجد في مناهجهم ما كان سندا أساسيا في
تطوير نظريته (.)16
ومن المهم التأكيد على أن المفكر االتصالي عبد الرحمن عزي ال يطرح نفسه "تأصيليا" بما تواضع
عليه مفكرو األسلمة من أمثال رواد مدرسة (معهد الفكر اإلسالمي) بهرندن فيرجينية ،مع أنه كان لسنوات
أستاذا بالجامعة العالمية اإلسالمية بكوااللمبور التي اعتبرها كثيرون موئل فكر األسلمة الحديث( ،)17ويرى
أن إضفاء األسلمة على المعرفة الموجودة هو من باب الكسل الفكري والخوف من االندماج في
اآلخر(.)18
إذن يمكن أن نقول أن الخلفية االبيستمولوجية لمنهجية عبد الرحمن عزي اتسمت تنوع المصادر
كما يوضحه الشكل ( ،)1فهي أوال تستند إلى القرآن والسنة ،ثم إلى التراث اإلسالمي القديم ممثال أساسا
في (ابن القيم ،الغزالي ،ابن خلدون ،)...والى فكر مجموعة من العلماء المحدثين ( مالك بن نبي،
النورسي ،)...باالظافة إلى ذلك فإن منهجية الحتمية القيمية تستند أيضا إلى أدوات المدارس الفكرية
الغربية بتنوعها وتعددها (الظاهرتية ،التفاعلية الرمزية ،الوظيفية.)...
ولكن ،السؤال المطروح هنا ،هل هذا التنوع يعتبر ثراء معرفيا وسندا قويا للخلفية المعرفية الخاصة
بالنظرية؟
أنا اعتقد ،أن العكس هو الصحيح تماما؛ فهذا االغتراف المتعدد سيوقع حتما النظرية في تناقضات
عديدة سببها الرئيسي هو حدة الخالف بين التيارات واالتجاهات الفكرية المستند إليها .فمثال لو توجهنا
إلى األعالم الذين تأثر بهم عزي في الخلفية اإلسالمية فسنجد منهم العقالني كابن رشد ،والنقلي كابن
القيم ،وذو النزعة الصوفية كابن عربي أو الغزالي .وال يخفى على احد حدة الخالف التي ميزت التيارات
الثالث في تاريخ الفكر اإلسالمي والنقاشات عالية النبرة التي استمرت منذ قرون إلى وقتنا الحالي .والتي
وصلت إلى حد التكفير والزندقة والحرق كسلوك رافض لألخر وفكره.
ولعل مفهوم العقل ودوره كان مربط الفرس في كل تلك النقاشات ،فابن القيم ُممثال للتيار (السلفي)
يرفض قدرة العقل على "تأويل" النص القرآني وفهمه دون الوقوع في "الهوى" ،لذلك فهم ينزعون إلى
الظاهر من النصوص وينظرون بعين الريبة إلى كل دعوة ألفهام جديدة غير مستندة إلى فهم السلف
الصالح .أما ابن رشد ممثال للتيار العقالني(.)19
-حوار أجراه مع السعيد بومعيزة منشور في كتاب :قراءات في نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم ،إعداد نصير 18
خاتمة
إن المالحظ على جل الدراسات التي قام بها (عبد الرحمن عزي) ،هو ميله الجلي واستخدامه البين
ألدوات البراديغم التأويلي الذي ينحى منحى البحوث الكيفية وخاصة منها البنيوية عند استعانته بأداة
التضاد الثنائي ،الظاهراتية عند استئناسه بمستويات الحقيقة ،ومبدأ االختزال الذي تطرحه هذه
المدرسة .ورغم هذا الميل الكبير لالتجاه الكيفي إال أن عبد الرحمن عزي ،لم يشر –حسب اطالعي-
إلى ضرورة اقتفاء هذا المنحى.
وقد صرح عبد الرحمن عزي في إحدى دراساته في أنه يتبنى المنهج القيمي ،مردفا فيما بعد في أن
المنهج الذي يستكن إليه ينطلق من الداخل ويكون التدخل الذاتي أساسيا وهو ما ال يتفق بالطبع مع
النظرة التقنية للبحث وأن الباحث مالحظ مستقل عن الموضوع ،مؤكدا ،إن البحث في تحليله فعل
قيمي ،والمعرفة الحقيقية إنما تتأتى من الفعل القيمي الناتج من الجهد الذاتي ،فهو (أي الفعل القيمي)
كالنور .مستدال" :قد جاءكم من هللا نور" {سورة المائدة" ،}15،ومن لم يجعل هللا له نو ار فما له من
نور" {سورة النور ،}40 ،فالحياة االجتماعية حسبه في األصل تأسيس قيمي ،يستتبع ذلك أنه من
خالل الفعل القيمي يمكننا تجربة الحياة االجتماعية بكيفية دالة.
يقول عبد الرحمن عزي في كتابه "منهجية الحتمية القيمية" :يتصف المجتمع الجزائري بأن أقواله ال
تنطبق بالضرورة مع أفعاله ،فقد يتحدث شفويا عن قيم تبدو "راقية" وقد ُيكثر من االستدالل باآليات
القرآنية واألحاديث النبوية وقد يشير إلى فولتير وفكتوريغو ولكن ال ترى أثر ذلك في السلوك والفعل
االجتماعي الدال ثقافيا وحضاريا .وقد سمى مالك بن نبي هذه الظاهرة بالقيم المعطلة.
ويضيف عزي بعد شرح هذه المشكلة" :وفي ضوء هذه الخصوصية ،يتعين على الباحث أن يدخل
هذه االعتبارات ليس في إجراءات بحثه فحسب ،وانما في تحليل نتائجه ،فالنتائج محكومة بالسياقات
المحيطة"(.)20
- 20عبد الرحمن عزي :منهجية الحتمية القيمية ،مرجع سابق ،ص .75-74
نظرية الغرس الثقافي :قراءة في السياق الجزائري
البريد االلكترونيWahiba2500@hotmail.fr:
الملخص:
لعبت األوضاع السائدة في الواليات المتحدة األمريكية ،في القرن السبعينيات ،في ظهور نظرية
الغرس الثقافي ،هذه النظرية التي ركزت على دراسة عالقة التلفزيون بموجة العنف التي ظهرت في
أمريكا ،وهذه الظاهرة التي سادت في تلك الفترة نتيجة العتقاد المواطنين األمريكيين بأن هنالك عالقة
بين مشاهدة وسيلة التلفزيون ،التي بدأ انتشارها حديثا في الواليات المتحدة األمريكية وبين موجة
وهذا ما استدعى ضرورة قيام بدراسات حول هذه الظاهرة ،لمعرفة التأثيرات التي يمكن أن العنف،
يحدثها التلفزيون على المشاهد األمريكي ،حيث تمخضت عن تلك الدراسات " نظرية الغرس الثقافي" التي
اختصت بالسياق األمريكي ومنه بالمواطن األمريكي ،ومما سبق نتساءل :هل يمكن إسقاط تلك النظرية
على المجتمع الجزائري؟ ،وهل سوف نتحصل على نفس النتائج التي تمخضت عن الدراسات األمريكية؟.
مقدمة:
اخذ التأثير مكانة هامة في دراسات االتصال بصورة خاصة ،وعلى مستوى الدراسات اإلنسانية
بصورة عامة ،حيث تكمن صعوبة التأثير في معرفة إذا كان يشمل جميع أفراد بطريقة واحدة ،أو يختلف
من مكان إلى أخر ،حسب اإليديولوجية التي يتبناها كل فرد ،ونظ ار ألهمية السياق الذي يلعب دور في
إحداث التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر ،ففي البحوث األولى لدراسات التأثير أثبتت أن التأثير يكون
مباشر ،وفيما بعد جاءت دراسات أخرى تثبت عكس ذلك ،بأن تأثير وسائل اإلعالم غير مباشر أو
انتقائيا ،و أحيانا يكون على المدى الطويل ،ومن بين تلك النظريات نظرية "الغرس الثقافي" ،التي تحاول
معرفة تأثير الذي يحدث التلفزيون على المشاهدين ،ومن هنا يتبادر إلينا طرح اإلشكال التالي:
ماهو تفسير نظرية الغرس الثقافي لتأثير التلفزيون على األفراد المشاهدين؟.
-هل يحدث التلفزيون في المجتمع األمريكي نفس التأثيرات على أفراد المجتمعات األخرى؟.
.1.1النظرية:
عرفت النظرية تعريفات كثيرة ومختلفة ،فهناك من رأى بأنها مجموعة من الفروض التي يمكن
الوصول بها إلى نتائج ،وباحثين آخرين أروا بأنها مفاهيم ومصطلحات وتصورات جاء بها أصحابها ،ومنه
ناحية الفلسفية فتعد النظرية بأنها طائفة من اآلراء تفسر بها بعض".
المبنية على
ّ أما في معجم اللغة العربية المعاصر ،فقد عرفت بأنها(بعض الفروض أو المفاهيم
()1
الحقائق والمالحظات تحاول توضيح ظاهرة معينة).
وعرفت أيضا بأنها "نظام من األفكار يقوم بتفسير شيء ما ،وتعني باللغة االنجليزية Theorem ,
.theory , notion
- A general proposition not self evident but proved by a chain of reasoning.
.2.1عملية الغرس:
هي عملية يتم فيها زرع مكونات معرفية ونفسية تقوم بها مصادر المعلومات والخبرة لدى من
يستعرض لها ،وقد أصبح مصطلح الغرس منذ منتصف السبعينات عنوان لنظرية الغرس الثقافي ،التي
حاولت تفسير اآلثار االجتماعية والمعرفية لوسائل اإلعالم وخاصة التلفزيون باعتبار الغرس حالة خاصة
()3
من عملية أوسع هي التنشئة االجتماعية.
1
http://www.almaany.com/ar/dict/arar/%d9%86%d8%b8%d8%B1%d9%8A%D8%A9%;09/1
2/2015;11:14h.
2
http://www.almaany.com/ar/dict/aren/home.php?word=%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%
B8;09/12/2015;11:30h.
3محمد محمد عمارة ،دراما الجريمة التلفزيونية :دراسة سوسيو اعالمية ،ط ،1القاهرة ،دار العلوم للنشر والتوزيع،2008 ،
ص.70
هو أحد األنواع اإلعالمية التي تسعى إلى نقل المعلومات التي تهم الجمهور ونشرها في وقت معين
()1
عن طريق استخدام تقنية البث التلفزيوني المعتمدة على الصوت والصورة.
.1.2تصنيف النظرية
()2
-نظرية انتشار المبتكرات( ،)Diffusion of Innovationل "روجرز" و"شموخر".
ترى هذه النظريات أن الوسائل (االتصال) تؤثر في الحاالت التي تطرح مسائل تنسجم مع
االهتمامات اآلنية ،ويكون التأثير حالة استثنائية وليست متسقة في العالقة القائمة بين التلفزيون
بطرس الحالق ،تأثير البرامج التلفزيونية في عملية التنشئة االجتماعية " المجتمع السوري نموذجا" ،مجلة جامعة 1
دمشق ،العدد الثاني ،2007 ،م ،23ص,99
مي العبد هللا ،نظريات االتصال ،ط ،1بيروت ،دار النهضة العربية ،2006 ،ص.272 2
عزي عبد الرحمان ،وآخرون ،عالم االتصال ،بن عكنون :ديوان المطبوعات الجامعية،1990 ،ص.41 3
-1نظرية االختالفات الفردية
()1
-3نظرية الطبقات االجتماعية.
ترجع أصول النظرية إلى مشروع المؤشرات الثقافية ( Cultura indicators Project
الذي قام به فريق من باحثي مدرسة أننبيرج لالتصال ( Tiona annenberg )Research
وذلك بقيادة فريق عمل قاده"جورج جيربنر" Gorge Gerbneregعلى مدى أكثر من ربع قرن.
()2
انشراح الشال ،مدخل إلى علم اإلعالمي ،القاهرة ،دار الفجر العربي،2001 ،ص.154 1
-دراسة الهياكل والضغوط والعمليات التي تؤثر على انتاج الرسائل اإلعالمية.
()1
-دراسة المشاركة المستقلة للرسائل الجماهيرية على إدراك الجمهور للواقع االجتماعي.
كان الهدف من هذا المشروع إيجاد الدليل اإلمبريقي على تأثير وسائل اإلعالم المختلفة في البيئة
الثقافية ،حيث تركز هذه النظرية على التلفزيون كأحد القنوات التي تقوم بالتنشئة االجتماعية وكقاص
()2
للحوادث والمصمم األساسي للصور الرمزية التي تساهم في تكوين المعتقدات عن العالم الحقيقي.
فالتنشئة االجتماعية في ظل مجتمع وسائل اإلعالم واالتصال الذي نعيشه ،أصبحت تعتمد بشكل
متزايد على التلفزيون في عملية التعلم االجتماعي القائم على اكتساب معايير وسلوك واتجاهات وأدوار ،
إلى أخر تلك المكونات التي تقضي في النهاية إلى بلورة الشخصية.
.3.3افتراضات النظرية:
قامت النظرية على مجموعة من االفتراضات الرئيسية ،التي تعتبر الركائز التي تقوم عليها:
-التلفزيون هو أقوى وسائل االتصال الجماهيري ،بحيث يساهم نتيجة لدخوله المنازل وسهولة استخدامه
مع تميزه بتقديم الصوت والصورة معا ،في تنشئته األطفال بدرجة ال تحدث مع الوسائل األخرى ،كذلك ال
محمد منير حجاب ،نظريات االتصال ،ط ،1مصر ،دار الفجر للنشر والتوزيع ،2010 ،ص.306 1
أماني عمر الحسني ،اإلعالم والمجتمع :أطفال في ظروف صعبة ووسائل اإلعالم مؤثرة ،ط ،1القاهرة ،علم الكتب، 2
،2005ص.94
يحتاج التلفزيون إلى مهارات مسبقة للتعرض له ،هكذا يمكن تطبيق هذه النظرية على التلفزيون بدرجة
-عملية اإلنماء تؤدي إلى خلق مفاهيم عامة توحد االستجابة ألسئلة معينة تأتي هذه المفاهيم من
التعرض الكلي لبرامج التلفزيون وليس من خالل بعض البرامج المنتقاة ،فإن التعرض الكلى هو الذي
يحقق أهداف عملية اإلنماء بدال من المشاهدة االنتقائية ألنواع معينة من البرامج والبد أن نتجاهل
االختالفات والتنوع في شكل البرامج وأساليب معالجتها ولكن االهتمام كله موجه تجاه التماثل أو التوافق
-تحليل الرسائل التلفزيونية يقدم دالئل على عملية الغرس الثقافي :ويقوم الدارسون للتدليل على تأثير
نظرية الغرس على الناس بتحليل محتوى البرامج لكي يثبتوا كيفية قيام الوسيلة بتقديم جوانب مختلفة من
-تركز النظرية على مساهمة التلفزيون في نقل الصور الذهنية على المدى البعيد ،وتفترض هذه النظرية
أن عملية الغرس تتم ببطء عن طريق نقل الرموز الشائعة على المدى البعيد ،ومع كثرة المشاهدة يتولد
لدى المشاهدين ما نطلق عليه "االتجاه السائد" الذي يركز عليه التلفزيون ،ولقد أثبتت بحوث عديدة أن
()1
كثيفي المشاهدة من المجموعات المختلفة يستنبطون معاني مشتركة بدرجة أكبر من قليلي المشاهدة.
توصلت نتائج تلك البحوث التي قام بها "جورج جورنبرج" إلى:
-أن كثيفي التعرض للبرامج التلفزيونية يختلفون في إدراكهم للواقع االجتماعي من األفراد قليلي التعرض.
إن عناصر نظرية الغرس الثقافي تساهم في عملية بناء الواقع االجتماعي من خالل مشاهدة التلفزيون
والخطوة التالية هي التعلم وتساعدها عوامل تؤدي إلى حدوثه مثل االنتباه والتذكر ومن خالل التعلم يتم
اكتساب المعلومات المختلفة ،ثم تأتي عملية بناء للواقع االجتماعي ،وإلدراك الواقع االجتماعي أهمية
خاصة في التأثير على السلوك ،ووفقا ل "بنجري" و"لها كنز" فإن عملية الغرس تنطوي على ثالث
عمليات:
-التعلم :هو اكتساب المعلومات (بالمصادفة) من خالل التعرض للتلفزيون أي أن التعلم هو العالقة بين
مشاهدة التلفزيون وما يتم إدراكه من أفكار وحقائق وقيم واتجاهات بالنسبة للواقع االجتماعي المحيط.
هو استخدام المعلومات لتكوين أحكام عن الواقع ،أي أن البناء هو العالقة بين إدراك ما -البناء:
يقدم في التلفزيون وادراك الواقع ،حيث يتجه األفراد إلى بناء صورة للعالم الحقيقي مستخدمين المعلومات
المكتسبة من التلفزيون.
-التعميم :هو العالقة بين قياس درجة تعلم المشاهد لصفات وخصائص معينة يعرضها المضمون
()2
التلفزيوني وبين قياس معتقدات المشاهدين عن الواقع المحيط حول نفس الموضوع.
التلفزيون لم تخلق من قبل هذه الوسيلة ،وأن األفكار لها تاريخ ومعان في الثقافة التي هي سابقة على
-عدم وضوح اآللية التي يحدث من خاللها الغرس ،الذي يعد بالفعل أحد التحديات لباحثي الغرس ،
حيث يرى أنصار هذا االنتقاد أن بحث الغرس يحتاج نوعية من الصدق ،الصدق الخارجي وقد يتحقق
بوجود عالقة ارتباطيه ضعيفة بين التعرض والغرس ،وصدق داخلي يرتبط بالعمليات المعرفية وكيفية
()1
تخزين خبرة التلفزيون لتصبح جزءا من الواقع االجتماعي للفرد الذي يتعود على مشاهدة التلفزيون.
أكدت الدراسات التي أجريت في الجزائر ،والتي ركزت على العالقة بين التلفزيون وتأثير ،بتطبيق
نظرية الغرس الثقافي ،مثلها مثل الدراسات األخرى على التأثير الذي يتسبب به التلفزيون لألفراد الذين
أكدت دراسة حول " إعالنات القنوات العربية المتخصصة في برامج األطفال :دراسة وصفية تحليلية
إلعالنات قناة"سبيس تون" الفضائية" ،التي تم إجراؤها على مجموعة من األفراد في المجتمع الجزائري،
على أن:
-حضور اإلعالن في قناة" سبيس تون "يعد معتب ار .ويعتبر مؤشر المساحة الزمنية األقدر على التدليل
-إن هناك هيمنة نمط اإلعالن السلعي على قنوات المتخصصة في برامج األطفال ،حيث برزت هيمنة
هذا األخير سواء على صعيد عدد اإلعالنات أو المساحة الزمنية اإلعالنية .ويمكن تفسير هيمنة نمط
-بينت النتائج كثافة اإلعالن عن مواد الطفل بما ال يترك حضو ار ملموسا للمواد اإلعالنية ذات العالقة
باهتمامات أطراف أخرى .إذن فالجمهور األساسي إلعالنات القناة يتمثل في فئة األطفال ثم األولياء
وأخي ار عامة الناس ،وهذا يعكس توجه المعلنين نحو قطاعات سوقية جديدة تتمثل في السلع والخدمات
الخاصة بفئات األطفال ،حيث تصبح هذه الجماهير المحركات األساسية لنشاطهم االقتصادي.
-تتضمن إعالنات القنوات التلفزيونية المتخصصة في برامج األطفال الكثير من القيم ،لكن القيم
االقتصادية بدت مهيمنة بوضوح ،وأهمها قيمة االستهالك والتي ترتبط كثي ار بالنمط السائد على إعالنات
القناة أال وهو اإلعالن السلعي.باإلضافة إلى ذلك فقد تضمنت اإلعالنات بعض القيم االجتماعية والتربوية
-اتجهت اإلعالنات التلفزيونية في الغالب لنقل رسائلها إلى التحريض على سلوكيات جديدة ،و هذا
االتجاه يعتبر في نظر المعلنين األكثر مالئمة لنقل إعالناتهم خصوصا اإلعالنات السلعية منها بغية
أما االتجاه إلى الكف عن سلوكيات فيالحظ عليه ضعف استخدامه في إعالنات القناة ،وهو يالءم نقل
محتوى اإلعالن التوعوي على وجه الخصوص .ويتجنب العديد من المعلنين استخدام هذا االتجاه تخوفا
من ،االنعكاسات السلبية التي يمكن أن تنتج عن استخدامه ،وامكانية إض ارره بصورة المنتج و سمعة
()1
المؤسسة في مواجهة المؤسسات المنافسة.
أمينة طرابلس،إعالنات القنوات العربية المتخصصة في برامج األطفال :دراسة وصفية تحليلية إلعالنات قناة"سبيس تون" 1
الفضائية ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علوم اإلعالم واالتصال ،تخصص :اتصال وعالقات عامة ،كلية العلوم
االجتماعية والعلوم اإلنسانية ،قسم علوم االعالم واالتصال ،جامعة منتوري قسنطينة ،2010-2009 ،ص
ص.234،235
توصلت إلى أن اإلعالنات التلفزيونية تميل إلى طرح نمط ثقافي يدفع الطفل إلى االغتراب لذا تؤكد
-الظهور الواسع لشخصيات أجنبية مقابل حضور معتبر للشخصيات العربية ،وما يخص المظاهر العامة
لها تجلت هيمنة المظهر الغربي حتى على فئة الشخصيات العربية( في طريقة اللباس،السلوكيات).
-اعتماد إعالنات القناة على الغناء والموسيقى األجنبيين مقابل حضور نسبي للموسيقى والغناء العربيين.
-ظهور قيم كالحرية واالختالط إلى جانب هيمنة واسعة للقيم المادية االستهالكية أمام حضور نسبي
()1
للقيم الدينية واالجتماعية التي تعبر عن الثقافة العربية.
وفي نفس السياق ،قام المختصين في الجزائر بالمناداة بمنع بث إشهار الخاص بمنتوج الفرماج،
الذي يظهر فيه تسلل الطفلة خفية وقيام بفتح الثالجة وسرقة قطعة الفرماج منه ،وهذا ما يتسبب عند
المختصون بغرس قيم غير المرغوب فيها ،كقيمة السرقة ،لدى النشء.
كما تم إجراء العديد من الدراسات لمعرف تأثير وسائل األعالم في نشر العنف و كانت من أبرز هذه
الدراسات تلك الدراسة ” التي تناولت مجموعة من األطفال الجائعين من ذكور و إناث ،و من نزالء
مؤسسات إصالحية متعددة و قد تناولت هذه الدراسة 368طفال جائعا من الذكور و اإلناث ،و قد
أعرب % 10منهم عن تأثير المباشر للسينما كما أعرب % 49من الجائعين الذكور أن السينما أثارت
رغبتهم لحمل السالح ناري قاتل و أن %28منهم تعلموا بعض أساليب السرقة التي تعرضها أفالم
السينما.
و أن %20منهم تعلموا كيفية اإلفالت من القبض عليهم ،و التخلص من عقاب القانون ،و أن %45
منهم و جدوا في االنحراف و الجريمة الطريق السريع إلى الثراء العاجل كما تصوره السينما لهم ،و أن
وتعتبر فئة المراهقين واألطفال من األكثر الفئات تأثي ار بما يشاهدونه في وسائل اإلعالم ألنها تفقد
المعلومات والخبرة الكافية ،كما تميل إلى التقليد ألبطال الفيلم أو رسوم المتحركة وقد تسبب ذلك في كثير
()1
جرائم. من األحيان في ارتكاب
-خاتمة:
تعتبر نظرية الغرس الثقافي من أبرز نظريات التأثير التراكمي ،كونها ركزت على معرفة ودراسة
التأثير الذي قد يحدثه التلفزيون على المشاهد ،حيث ظهرت هذه النظرية في المجتمع األمريكي الذي
ان النتائج التي تمخضت عن نظرية الغرس الثقافي طبقت على المجتمع األمريكي الذي يتميز
بخصوصياته السوسيوثقافية وسياسية و اقتصادية ،التي الشك تؤثر على الفرد األمريكي في أثناء تعرضه
للمضمون اإلعالمي ،خاصة المحتوى التلفزيوني ،من جهة ،وعلى كيفية صناعة هذا المحتوى اإلعالمي
وطريقة عرضه ،من جهة آخرى ،وهو بطبع ما يجعل النتائج تختلف وتتباين ،حتى وان أكدت على نقطة
لذلك فإن تطبيق أي نظرية إعالمية البد أن يتم تكيف متغيراتها التي تقوم عليها ،لتتالءم مع سياق
المجتمع المدروس ،وعينته ،فالسياق يلعب دور في إحداث التأثير على الفرد داخل مجتمعه ،مثله مثل أية
1
http://www.aranthropos.com/%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8,16-04-
2016,13:52.
وسيلة إعالمية آخرى ،وهو ما يراه البروفسور "عزي عبد الرحمن" تكيف النظريات االتصالية حسب
-قائمة المراجع:
-الكتب:
-الحسني أماني عمر ،اإلعالم والمجتمع :أطفال في ظروف صعبة ووسائل اإلعالم مؤثرة ،ط،1
-العبد هللا مي ،نظريات االتصال ،ط ،1بيروت ،دار النهضة العربية.2006 ،
-الشال انشراح ،مدخل إلى علم اإلعالمي ،القاهرة ،دار الفجر العربي.2001 ،
-حجاب محمد منير ،نظريات االتصال ،ط ،1مصر ،دار الفجر للنشر والتوزيع.2010 ،
-عمارة محمد محمد ،دراما الجريمة التلفزيونية :دراسة سوسيو إعالمية ،ط ،1القاهرة ،دار العلوم للنشر
والتوزيع.2008 ،
-عزي عبد الرحمان ،وآخرون ،عالم االتصال ،بن عكنون :ديوان المطبوعات الجامعية.1990 ،
-الدوريات:
-حالق بطرس ،تأثير البرامج التلفزيونية في عملية التنشئة االجتماعية " المجتمع السوري نموذجا"،
إلعالنات قناة"سبيس تون" الفضائية مذكرة لنيل شهادة الماجستير في علوم اإلعالم واالتصال ،تخصص:
اتصال وعالقات عامة ،كلية العلوم االجتماعية والعلوم اإلنسانية ،قسم علوم اإلعالم واالتصال ،جامعة
-المواقع االلكترونية:
-http://www.almaany.com/ar/dict/arar/%d9%86%d8%b8%d8%B1%d9%8A%
D8-%A9%.
-http://www.almaany.com/ar/dict/aren/home.php?word=%D8%A7%D9%84%
D9%86%D8%B8 .
http://www.aranthropos.com/%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%8.
المحور األول:المدخل الفلسفي لنظريات االتصال(فلسفة العلم وأصل اإلبتسمولوجيا)
*بشرى برش
*فهيمة قابوش
مقدمة:
خالل القرن التاسع عشر ظهرت إسهامات واضحة في بناء مفهوم العلم،خاصة مع ظهور الثورة
الصناعية ونمو المدن وبروز الطبقة العاملة،فضال عن تطور العلم وارساء خلفيات ابستومولوجية كان لها
تأثير كبير في ميدان العلوم االجتماعية،فنظرية التطور التي وضعها "تشارلز داروين" سنة ،1859والتي
سميت بالداروينية االجتماعية كانت من أبرز الخلفيات النظرية التي فسرت التطور اإلنساني انطالقا من
تفسير عوامل التطور والتقدم اإلنساني،وذلك باالعتماد على الدليل المادي التجريبي وحواس الفرد التي
تساهم في إنتاج المعرفة اإلنسانية ومن ثم تفسير الظواهر على اختالف أنواعها،وقد استمرت هذه النظرة
التطورية وانتشرت في نطاق واسع إلى أن أصبح هناك اعتراف لالستمرار الطبيعي الذي يعتبر المحرك
األساسي للتطور اإلنساني،من هذا المنطلق ساد االعتقاد بإمكانية دراسة الظواهر اإلنسانية دراسة تجريبية
ألن الظاهرة اإلنسانية في نظر هؤالء تخضع لعوامل خارجية كما تخضع لها الظواهر الطبيعية،على
النقيض من ذلك ظهرت تيارات تنادي بتبني االتجاهات العقلية في تفسير الظواهر اإلنسانية والتنظير لها
في ظل هذا التباين والصراع الذي تمخض عن إشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية واالجتماعية ظهرت
اتجاهات نظرية كبرى تختلف أرائها في دراسة هذه الظواهر حسب طبيعة المسلمات التي تبنتها .وهذا ما
سيتم التطرق إليه من خالل هذه الورقة التي ستحاول أن توضح أهم األطر المرجعية المفسرة لالتجاهات
النظرية الكبرى .
1
انطالقا مما سبق يمكن طرح التساؤل الرئيسي كما يلي :ماهي األطر المرجعية التي ساهمت في تأسيس
االتجاهات النظرية الكبرى؟
المحور الثالث :االتجاهات النظرية الكبرى الناتجة عن إشكالية العلم ودراسة الظواهر اإلنسانية .
2
المحور األول:مدخل مفاهيمي للموضوع
في هذا المدخل سيتم عرض التعاريف الخاصة بالكلمات المفتاحية لموضوع المداخلة،كالعلم،والنظرية
العلمية،العلوم اإلنسانية واالجتماعية.
1ـ تعريف العلم:اختلفت اآلراء بين العلماء حول طبيعة النظر إلى العلم،حيث يرى فريق من العلماء أن
العلم هو عبارة عن بنية معرفية يتضمن الحقائق والمفاهيم والمبادئ والقوانين والنظريات العلمية التي
تساعد في تفسير الظواهر الطبيعية والكونية وفهم الوجود،وهناك من يرى أن العلم يوصف أحيانا بأنه
منهج بحث إلنتاج المعرفة ،أو أنه مجموعة من اإلجراءات المعروفة التي تراجع وتصوب باستمرار،وتعود
()1
إلى خلق نظريات تتطور في كنف المعرفة نفسها بحسب توجه العلم.
يتضح من التعريف أن العلم نتج بعدما توصل اإلنسان على مر العصور إلى حقائق ومعارف معينة عن
الكون مكنته من وصف وتفسير كثير من األشياء واألحداث والظواهر الموجودة والتي تحدث من
حوله،وهناك من يرى أن العلم يعبر عن أنماط التفكير التي ظهرت قديما عن طريق المحاولة والخطأ
والتفكير المنطقي وغيرها من أنماط التفكير غير العلمي،ولقد استطاع اإلنسان عن طريق هذه األنماط
المختلفة من التفكير أن يحصل على إجابات ويصل إلى تفسيرات معينة لألشياء واألحداث والظواهر من
حوله،وكثي ار ما يقبلها اإلنسان دون أن يناقشها ويتساءل عن كيفية التوصل إليها أو التحقق من
صحتها،ورغم ذلك فقد ظلت طوال قرون عديدة عاجزة عن توفير الحقيقة كما تدعمها المالحظات الدقيقة
للوقائع المحسوسة ونتائج التجربة العلمية ،ثم استطاع اإلنسان بفضل اكتشافه طرق وأساليب التفكير
العلمي إلى معرفة محققة والى التغلب على المشكالت التي عجز في الماضي عن إيجاد الحلول
الصحيحة لها.
2ـ تعريف النظرية العلمية :يتصور البعض أن النظرية ما هي إال فكرة أو تصور مجموعة من التصورات
وضعت مسبقا لتفسير شيء ما ،ويرى البعض األخر أن النظرية ال تختلف كثي ار عن االفتراض العلمي
أي قضية تحمل تفسي ار مبدئيا أو حال مقترحا لموضوع أو ظاهرة أو مشكلة معينة،في حين تعبر البعض
األخر أن النظرية تمثل نموذجا(براديغم) أو تقترب من عمليات صياغة األنماط بوصفها نوع من التنميط
()2
يساعد على تحديد العالقات المتداخلة بين خصائص أو ظواهر نحاول توضيحها أو تفسيرها.
3
3ـ العلوم اإلنسانية واالجتماعية:هي العلوم التي تدرس الواقع اإلنساني بحوادثه قصد معرفة العوامل
()3
المؤثرة فيه ،والكشف عن نظمه وقوانينه،أي أنها تدرس اإلنسان وتفاعالته االجتماعية.
إن البحث في إشكالية العلم يقودنا إلى رصد بعض خلفياته اإليديولوجية،والتقصي عن األسباب التي
سمحت بنشوءه ولعل من أهمها بروز نماذج معرفية تأسست على أراء مفكري وفالسفة العصور الوسطى
وعصر النهضة،ومع بداية العصر الحديث بدأت بوادر النظام المعرفي تتجسد في أفكار علماء وفالسفة
ذلك العصر،الذين كانوا يعتبرون أن المجال الحقيقي للمعرفة البشرية هو الطبيعة،وأن التنقيب والبحث عن
خفاياها واستقراء عناصرها المختلفة لغرض ترتيبها وتصنيفها ومعرفة قوانينها العامة هو المجال الحقيقي
للنشاط الفكري لإلنسان،إلى جانب ذلك فقد اعتمدوا في البحث عن الماهية الحقيقية للظواهر انطالقا من
استنادهم لمناهج الفيزياء الرياضية والهندسة ،والمالحظة والتجريب ،بحيث تصبح الظواهر مجرد ثوابت
ومتغيرات داخل المعادالت الرياضية والهدف من هذه العملية هو قياس وتكميم تلك الظواهر بدقة،وقد
استعمل "غاليلي" هذا المنهج قاس الزمن والفضاء والحركة...إلخ،وواصل فيما بعد "نيوتن" االعتماد على
()4
المنهج التكميمي وعنوان كتابه"المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية"خير دليل على ذلك.
انطالقا من هذه الخلفية العلمية التقى المحدثون والمعاصرون على مستوى ضرورة التكميم ويمكن رصد
إرهاصات هذا الهيكل المنهجي عند العرب والمسلمين الذين استعملوا حساب الهندسة والتناسب في علم
الفلك،ويوجد هذا المنهج أيضا عند اليونانيين عندما كان أفالطون يحلم ببناء عالم المثل إلى أن يكون هذا
البناء مطابقا للنماذج الهندسية ،وقد استمرت هذه النظرة حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث طور
العلماء بعض األساليب العلمية لتفسير مختلف الظواهر حيث استخدموا التجربة التي تنطلق أساسا من
المالحظة الحسية للظواهر من أجل الكشف عن الحقائق العلمية المرتبطة بهذه الظواهر وتبريرها نتيجة
لهذا التحول الفكري الذي أجراه مفكري وعلما أفذاذ من أمثال غاليلي ونيوتن وكبلر...وما فتحتهم مؤلفاتهم
من أفاق جديدة للفكر اإلنساني فسح المجال أكثر لدراسة الظواهر اإلنسانية وهذا ما اهتمت به العلوم
االجتماعية في بدايات تفسيرها لهذه الظواهر،في هذا الصدد نجد أن علماء االجتماع وفي مقدمتهم
"أوغست كونط"و"دور كايم "و"ماكس فيبر" حاولوا أن يكونوا علميين قدر اإلمكان لتفسير مختلف الظواهر
اإلنسانية ،حيث وضعت أعمالهم أساسا منهجيا ونظريا قويا ،وهو ما نلمسه حديثا في البحوث اإلمبريقية
()5
التي قام بها علماء اجتماع محترفون أمثال هايسي.
4
تلك البحوث تجاوزت بأسسها المنجية ونتائجها الفهم المتضارب والبديهي للناس العاديين،وعلى النقيض
من ذلك ظهرت العديد من االتجاهات التي نادت برفض الوضعية بدعوى أنها اختزلت العلم في مجرد
"علم الوقائع" وتبني االتجاهات العقلية في دراسة الظواهر اإلنسانية واالجتماعية حيث ظهرت العديد من
المناهج العلمية في هذا المجال مثل المنهج الهرمونيطيقي(منهج كيفي) والمنهج النقدي في تفسير هذه
(.)6
الظواهر،وسيتم توضيح هذه التناقضات في المدخل الخاص بإشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية.
إن التقدم والتطور الذي حققته الدراسة اإلمبريقية وما أحرزته من نتائج في علوم المادة الجامدة جعل منها
نموذجا لكل معرفة تسعى لتحقيق الدقة والموضوعية ،خاصة بعد اقتحام هذه العلوم ميدان الظواهر
اإلنسانية وللتعرف على ذلك نعرض ما طرحه االتجاه الذي تناول المماثلة والتداخل بين العلوم الطبيعية
والعلوم اإلنسانية.
إن تبني المقاربات الفكرية اإلمبريقية التي تمخضت عن مفهوم العلم واشكاليته،أدى إلى ظهور نزعة تعتقد
بإمكانية تفسير كل الظواهر باختالف أنواعها والتي ظلت دون تفسير في ذلك الوقت ،وقد تطورت هذه
الخلفيات االبستيمولوجية أثناء القرن التاسع عشر،حيث خضع مفكروا هذا العصر وفالسفته لسيطرة
نموذج "فيزياء نيوتن" القائم على التجربة،وتم تعميم األسس اإلمبريقية لتشمل العلوم اإلنسانية ،وكان من
نتائج ذلك أن تم اختزال الظواهر اإلنسانية في جوانبها الحسية والفيزيقية،واسقاط كل ماهو متجاوز ومتعال
وغيبي عن هذا الوجود،حتى إنه لم يعد هناك فرق بين الظاهرة اإلنسانية والظاهرة الطبيعية،وقد اعتمد
()7
أصحاب هذا االتجاه على المسلمات التالية :
إن المجتمع اإلنساني ظاهرة طبيعية فلماذا نستثنيه إذن من كافة القوانين واالنتظامات التي تحكم الظواهر
الطبيعية األخرى.
_ موضعة الظاهرة اإلنسانية:استطاعت العلوم الطبيعية منذ نشأتها أن توفر شرط الموضوعية الذي
أعطى لنتائجها مصداقية ال يختلف حولها الدارسون،وتحت تأثير هذا النجاح حاول أوائل المهتمين
بالظواهر اإلنسانية استلهام هذا النموذج العلمي بهدف إنتاج معرفة علمية موضوعية تسمح بتحرير
اإلنسان من سلطة التصورات الالعلمية،سواء تعلق األمر بالظواهر النفسية (المدرسة السلوكية مع "جون
5
واطسون" في أمريكا أو بالظواهر االجتماعية (المدرسة الوضعية في فرنسا مع "سان سيمون"و"أوغست
كونط"و"دور كايم")،وبالتالي فإن الظواهر اإلنسانية واالتصالية تخضع للدراسة العلمية من خالل التعامل
معها كأشياء أو موضوعات لها وجودها الخارجي المستقل عن الذات،قابلة للمالحظة والتجريب وتخضع
مثل ما تخضع له الظواهر الطبيعية لقوانين ثابتة يمكن الكشف عنها.
_ األساليب المنجية :يرى أوغست كونط أن الظاهرة اإلنسانية يجب أن تكون إمبريقية وقابلة لإلدراك عن
طريق الحواس،وعن المنهجية التي تفسر ذلك فتتمثل في االستدالل الفرضي والتحقق من ذلك عن طريق
إخضاع الظاهرة اإلنسانية للتجربة،فعندما تقاس الحياة االجتماعية وتحسب إحصائيا فإن العلم االجتماعي
()8
يمكنه أن يقدم ما تقدمه العلوم الطبيعية.
لقد أسس االتصال حقله المعرفي الخاص داخل فضاء العلوم االجتماعية ،أحد المداخل األساسية للتساؤل
عن شرعيته العلمية كعلم قائم بذاته،وهو ماجعله يبحث عن نماذج تضفي عليه الطابع العلمي،حيث تبنى
رؤى العلوم الطبيعية وقام بتكييفها مع خصوصيته األكاديمية،فمنذ القرن التاسع عشر ظهرت األنظمة
التقنية األساسية لالتصال،وتكريس مبدأ التبادل الحر إذ يعتبر القرن الذي احتضن ميالد رؤى وأفكار
تأسيسية ترى في االتصال عامل اندماج وتواصل المجتمعات اإلنسانية،فقد تضمن مفهوم االتصال في
نهاية هذا القرن فكرة إدارة التنوع اإلنساني،بعد أن تم استحياء التصورات األولى لعلم االتصال من الفكر
()9
الذي يرى في المجتمع كيانا عضويا،أو مجموعة أعضاء تؤدي وظائف متكاملة محددة بدقة.
على عكس الرؤية السابقة التي تؤكد على التشابه والتداخل القائم بين العلوم الطبيعية والعلوم
اإلنسانية،ظهر موقف يتبنى رؤيته من الصراع المستمر بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية،ويوضح
أصحاب هذا الموقف أرائهم في ما يلي:
6
_ إن من خصائص الظاهرة اإلنسانية أنها ال تقبل المالحظة الحسية.
()10
_ البحث في الظواهر اإلنسانية يغلب عليها الطابع الكيفي ال الكمي الذي تمتاز به العلوم الطبيعية.
_ الظاهرة اإلنسانية ظاهرة معقدة ألن هناك عوامل عديدة تتداخل في تحديدها ،األمر الذي يطرح صعوبة
في تعليل الظاهرة وتحديد العامل الذي يتحكم في مسارها.
_ الظاهرة اإلنسانية ظاهرة طبيعية ذاتية ألن اإلنسان هو الذي يفكر وهذا ما يعيق تحقيق الموضوعية.
_ يرى األنثربولوجي المعاصر"ستراوس" أن تشبيه الظاهرة اإلنسانية بالطبيعية رأي فيه الكثير من
اإلجحاف ألن علوم اإلنسان لم تقدم سوى تفسيرات فضفاضة وتنبؤات تعوزها الدقة،ومن ثم تظل هذه
العلوم وسط الطريق متأرجحة بين التفسير والتنبؤ دون أن تحقق تقدما كبي ار يؤهلها لبلوغ مستوى العلوم
الطبيعية.
_ يرى "ايمانويل كانط" أن الظاهرة االجتماعية ال تشبه الطبيعية في شيء ألنه يؤكد أن ملكة العقل هي
المسؤولة عن نشأة الوجود البشري،وذلك أن العقل يحاول دائما تجاوز نطاق التجربة بحثا عن الحقيقة
التي تميز الظواهر،ويسير"سميل"على خطى كانط بشأن تفسير الظاهرة اإلنسانية واالجتماعية ،فالعالم لكي
يدرك الظاهرة االجتماعية يضطر إلى أن ينظم رؤيته لها من خالل أنساق ومقوالت ونماذج...تكون بمثابة
()11
أطر للفهم ومحددات له.
_ ويذكر"عبد الوهاب لمسيري"أن هناك عدد من االختالفات والفروق بين الظاهرتين الطبيعية واإلنسانية
تتلخص في النقاط التالية:
_ أسباب الظاهرة اإلنسانية يصعب حصرها ألنها متعددة ومتداخلة ومتشابكة،بينما يسهل تحديد وحصر
العلة أو العلل التي تكون وراء نشوء الظواهر الطبيعية.
_ تتميز الظاهرة الطبيعية بغياب المكون الشخصي أو الثقافي أو التراثي عنها،فهي بال شخصية وال ثقافة
وال تراث،كما أنها مجردة من الزمان والمكان مثل تجردها من الوعي والذاكرة واإلرادة،وبالمقابل نجد أن هذه
المكونات الشخصية والثقافية والتراثية مكونات أساسية في بنية الظاهرة اإلنسانية،أضف إلى ذلك تعدد هذه
الثقافات وتعدد الشخصيات اإلنسانية،هذا مع حضور الوعي واإلرادة الحرة والشعور والذاكرة...في الظاهرة
اإلنسانية.
7
_ دراس ة الظواهر الطبيعية تقود إلى صياغة قوانين عامة يمكن التأكد من وجودها وصحتها بالرجوع إلى
الواقع ،أما دراسة الظواهر اإلنسانية فتوصلنا إلى تعميمات تقريبية ،قد تثبت وال تثبت إذا حاولنا تطبيقها
()12
على مواقف إنسانية جديدة.
*إضافة لكل هذه الفروق تختلف وقائع العلوم الطبيعية عن وقائع العلوم اإلنسانية في كون األولى يمكن
إدراكها عن طريق الحواس ألنها أحداث فيزيقية ،أما الثانية فال يمكن إدراكها عن طريق الحواس ألنها
ذاتية وتختلف من فرد إلى أخر،ولذلك فهي وقائع تتصف بحريتها وبعدم قابليتها للتكرار.
ولقد رفض كثير من العلماء الغربيين الرؤية الساذجة التي تصر على إقصاء الجوانب الفردية للظاهرة
اإلنسانية،والتي تدعو إلى إلحاقها بالظواهر الطبيعية،ويرى "ويلهم ديلتي" أنه توجد حدود فاصلة بين العلوم
الطبيعية والعلوم اإلنسانية،ورأى أن العلوم االجتماعية مبنية على أسس منهجية مختلفة عن العلوم
الطبيعية،فالفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم االجتماعية يكمن في أن مادة العلوم االجتماعية هي العقول
البشرية،وليست مشتقة من أي شيء خارجها مثل العلوم الطبيعية التي هي مشتقة مثل العلوم الطبيعة التي
هي مشتقة من الطبيعة،فاإلدراك اإلنساني والنفسي هما غاية العلوم االجتماعية،ويمكن الوصول إليها من
خالل التحديد الدقيق للمعاني والقيم التي ندرسها هي عقول الفاعلين االجتماعيين،وليس من خالل مناهج
العلوم الطبيعية،ويوضح هذه الرؤية الفيلسوف "ميرلوبونتي "في كتابه "فينومينولوجيا الروح":أن تشبيه
()13
أي أنه ينبغي العودة إلى اإلنسان الظاهرة اإلنسانية بالطبيعية هو حذف ونسيان للعالم المعاش.
باعتباره مولدا للمعنى.
*أمام هذا االختالف الذي ظهر من أجل تفسير الظواهر اإلنسانية ،برز تياران فكريان في حقل بحوث
االتصال يختلفان في دراسة الظاهرة االتصالية وذلك حسب طبيعة المسلمات العلمية التي انطلق منها كل
تيار(الوضعي ،والتأويلي).
بالنسبة للتيار الوضعي برر موقفه انطالقا من االعتماد على تشبيه الظاهرة اإلنسانية بالظاهرة الطبيعية
وعليه فإن بحوث االتصال تستند إلى الرؤية الوضعية واالمبريقية وهذا ما تبنته بعض براديغمات االتصال
الكبرى كالبنائية الوظيفية،والسبرنيطيقا والسلوكية،التي تهدف إلى تكميم الظاهرة االتصالية،أما التيار
8
التأويلي فيفند مبررات التيار السابق ألنه يؤمن بالعمليات العقلية لإلنسان ويفسر الظواهر االتصالية عن
طريق عمليات الفهم والتأويل بعيدا عن التجربة المعملية التي ال تتيح إمكانية المعايشة للواقع ومشاركته
وفهم ظواهره المتنوعة والمتعددة،ويندرج ضمن هذا التيار براديغمات توظف في بحوث االتصال،تتمثل
أساسا في النظرية النقدية،والظاهراتية،والتفاعلية الرمزية،البنيوية.
خاتمة:
من خالل هذا الورقة اتضح أن إشكالية العلم وإشكالية تفسير الظواهر اإلنسانية واالجتماعية بصفة خاصة
والتي برزت في المماثلة واالختالف بين العلوم الطبيعية والعلوم اإلنسانية شكلت اإلطار المرجعي
الرئيسي الذي ساهم في تأسيس التيارات النظرية الكبرى في العلوم االجتماعية ،هذه الخلفية
االبستيمولوجية أدت بدورها إلى ظهور براديغمات(نظريات كبرى) في بحوث االتصال.
قائمة المراجع:
_1باتريك هيلي :صور المعرفة "مقدمة لفلسفة العلم"،ترجمة:نور الدين شيخ عبيد ،ط،1مركز دراسات
الوحدة العربية المعاصرة،بيروت،2008،ص.11
9
_3تعريف العلوم اإلنسانية واالجتماعية،متاح على الرابطhttp://www.philomartil.com:
_4إشكالية العلم،متاح على الرابط www.aljabiabed.net :تمت زيارة الموقع بتاريخ 04/11
2016/على الساعة .16:00
_10مصطفى عبد الجواد:قراءات معاصرة في نظرية علم االجتماع،كلية اآلداب ـ جامعة القاهرة ـ
مصر،2002،ص.219
_13نصر حامد أبو زيد:إشكاليات القراءة وأليات التأمل ،ط،6المركز الثقافي العربي،الدار
البيضاء،2001،ص.24
10
االجتاهات النظرية يف وسائل اإلعالم اجلديدة
تتناول هذه الورقة واملوسومة ب االجتاهات النظرية يف وسائل اإلعالم اجلديدة ،حتليال نقداي للتطورات
واملفاهيم النظرية املهمة يف حقل وسائل اإلعالم اجلديدة ،كما تستعرض بعض جهود الباحثني يف
االتصال ،خاصة تلك املتعلقة بتطبيق نظرايت االتصال على وسائل اإلعالم اجلديدة ،واالجتاهات النظرية
والبحثية اليت تتناول العناصر االتصالية املختلفة يف الوسائل اجلديدة .وتعتمد الدراسة على اعطاء بعض
األمثلة من نظرايت االتصال ومعرفة قدرهتا على تفسري ظواهر اإلعالم اجلديد.
يعيش اجملتمع املعاصر حتوالت هائلة يف جمال االتصال واإلعالم أدت يف السنوات األخرية إىل تغريات كبرية يف
أساليب إنتاج وتوزيع وتلقي املعلومات .فقد ظهرت تقنيات وأساليب اتصالية حديثة ،وإنتشرت عن طريقها
خصائص ووظائف اتصالية جديدة ،من أمهها التحول من وسائل االتصال اجلماهريي ذات اإلجتاه الواحد،
واحملتوى املتجانس ،إىل تقنيات االتصال التفاعلية ذات االجتاهني ،واملضامني املتعددة ،وظهر مصطلح اإلعالم
ومصطلح اإلعالم اجلديد New Mediaهو اسم جامع لعدة ظواهر تقنية حديثة ،أهم ما مييزها هو إعتمادها
على التقنية الرقمية digitizationواليت يتم عن طريقها حتويل مجيع النصوص واملضامني اإلعالمية إىل شكل
موحد ميكن معاجلته ابحلواسب اآللية .ويؤدي ذلك يف نفس الوقت ،إىل ظاهرة اإلندماج convergence
بني احملتوايت اإلعالمية ومعاجلتها وتوزيعها وختزينها بطرق آلية موحدة ،ولذلك يطلق عليه أيضاً اسم اإلعالم
الرقمي .digital mediaكما أن ذلك أدى إىل سهولة اإلستخدام والتحكم الشخصي بوسائل االتصال
واإلعالم.
فاإلعالم اجلديد ال يقتصر على صعيد الوسائل فقط ،و إمنا أيضا على صعيد االنقالب الذي أحدثه هذا اإلعالم
يف نظرايت االتصال حيث حتول املستقبل وفقا هلذا النظام إىل مرسل ،و مل يعد هناك احتكار من اإلعالمي
و نظرا جلدة و حداثة موضوع اإلعالم اجلديد ،فإن هناك القليل من الدراسات األكادميية اليت تناولت نظرايت
اإلعالم اجلديد ابلتفصيل ،و من املراجع القليلة اليت انقشت احلاجة إىل تطوير نظرايت االتصال حبيث تتالءم مع
البيئة اإلعالمية اجلديدة كتاب بعنوان "الكتاب املرجعي يف اإلعالم اجلديد" The handbook new
Mediaال ّذي ظهر عام ،2002و ظهرت طبعته الثانية يف عام ،2006و جند أيضا ما كتبه الباحث
دينيس ماكويل Denis McQuailبشكل مفصل عن احلاجة إىل نظرايت جديدة يف اإلعالم يف الطبعة
السادسة من كتابه "نظرايت االتصال" حتت عنوان " إعالم جديد – نظرية جديدة " New Media-
"New Theoryابإلضافة إىل بعض املقاالت اليت نشرت يف السنوات األخرية يف الدورية العلمية
الواقع أن مصطلح (اإلعالم اجلديد )new mediaليس جديداً للغاية ،وليس وليد اللحظة .فكما أشار دينس
مكويل أن مصطلح (اإلعالم اجلديد) كان يطلق منذ الستينات امليالدية على عدد من التقنيات االتصالية اجلديدة
يف ذلك الوقت مثل األقمار الصناعية وتلفزيون الكابل ،وكان املصطلح يتسع مع ظهور تقنيات جديدة ليشمل
فاإلعالم اجلديد تولد من التزاوج ما بني تكنولوجيات االتصال والبث اجلديدة والتقليدية مع الكوميوتر وشبكاته،
ولقد تعددت أمساؤه ومل تتبلور خصائصه النهائية بعد ،فهو اإلعالم الرقمي Digital Mediaلوصف بعض
تطبيقاته اليت تقوم على التكنولوجيا الرقمية مثل التلفزيون الرقمي والراديو الرقمي وغريمها ،أو لإلشارة إىل أي وسيلة
إعالمية تندمج مع الكوميوتر ،ويطلق عليه اإلعالم التفاعلي Interactive Mediaطاملا توفرت حالة
العطاء واالستجابة بني املستخدمني لشبكة االنرتنت والتلفزيون والراديو والفاعلني وغريهم من النظم اإلعالمية
التفاعلية اجلديدة .وهو أيضا اإلعالم الشبكي احلي على خطوط االتصال Online Mediaابلرتكيز على
تطبيقاته يف االنرتنت ،وغريها من التسميات اليت تشري إىل تطبيق جزئي من تطبيقات اإلعالم اجلديد أو احدى
1
ميزاته.
وقد قدمت الباحثتني اليفرو و ليفنجستون وصفاً لإلعالم اجلديد من خالل ثالثة حماور متيزه عن اإلعالم القدمي.
وهذه احملاور هي :تقنيات االتصال اجلديدة مثل األقمار الصناعية والكمبيوتر واهلواتف النقالة وغريها ،والنشاطات
واملمارسات واالستخدامات اليت توفرها هذه التقنيات ،مث العالقات االجتماعية والتنظيمات والتشريعات اليت تظهر
( )1التواصل الشبكي املتداخل : Interconnectednessحبيث يسمح ابلتواصل من عدة نقاط إىل عدة
نقاط أخرى ،وليس فقط من نقطة واحدة إىل عدة نقاط ،كما هو احلال يف االتصال اجلماهريي التقليدي.
( )2سهولة الوصول والدخول :Accessمن قبل األفراد املستخدمني ليقوموا بنشاطهم كمرسلني ومستقبلني
ومنتجني.
( )3التفاعلية :Interactivityوهي قدرة املستخدم على املشاركة يف إنتاج احملتوى االتصايل ،ويتفق الكثري من
الباحثني أن هذه اخلاصية هي من أهم ما مييز اإلعالم اجلديد ،نظراً ألهنا تكاد تكون معدومة من االتصال
اجلماهريي التقليدي.
( )4التنوع الغزير يف احملتوى :مقارنة ابإلعالم القدمي احملصور أبنواع وأمناط حمددة من املضامني اإلعالمية.
1عباس مصطفى صادق :اإلعالم اجلديد – دراسة يف مداخله النظرية وخصائصه العامة ،عمان ،دار الشروق 2008 ،ص ص .4-3
( )5تعدد االستخدامات وخاصية االنفتاح :Open-endedعلى كل ما هو جديد موضوعياً وفنياً يف
( )6سعة االنتشار والتحرر من املكان : Delocatednessوعدم ارتباط اإلعالم اجلديد مبنطقة جغرافية
وحالياً استقر الوضع عند الكثري من الباحثني اإلعالميني على إطالق مصطلح "اإلعالم اجلديد على جمموعة من
التقنيات والتطبيقات احلديثة اليت تتصف ابلصفات املذكورة أعاله ،وتلقى إقباالً كبرياً من اجلمهور يف
استخدامها واإلستفادة".
يتفق الكثري من الباحثني أن أهم ما مييز اإلعالم اجلديد هو التفاعلية interactivityوالقدرة على دمج
احملتوايت اإلعالمية convergenceومعاجلتها وتنسيقها وإرساهلا وإستقباهلا وختزينها مبرونة عالية .وهناك
عدة جوانب يف اإلعالم اجلديد متيزه عن اإلعالم القدمي وجتعله منافساً قوايً وبديل له يف الكثري من األحيان .وقد
انقش ماكويل نقاط املقارنة بني اإلعالم اجلديد واإلعالم القدمي من أربعة جوانب رئيسة هي كالتايل:1
أوالً ،من حيث النفوذ وعدم التكافؤ : Power and Inequalityخيتلف اإلعالم اجلديد عن اإلعالم
التقليدي أبنه أكثر انفتاحا وأقل احتكارا ،فتمكني الوصول لإلعالم اجلديد أسهل وأسرع منه يف اإلعالم
التقليدي .كما أن املعلومات فيه ال تتدفق من مركز واحد إىل األطراف ،وال من أعلى إىل أسفل فقط ،فحركة
املعلومات يف اإلعالم اجلديد تصدر من عدة اجتاهات ،وتستقبل يف عدة اجتاهات أيضاً .كما أنه من املعروف
على شويل القرين :اإلعالم اجلديد من الصحافة التقليدية إىل اإلعالم االجتماعي وصحافة املواطن ،الرايض.2011 ، 1
أن احلكومات ال تتحكم ابإلنرتنت ووسائل اإلعالم اجلديد ،وال تضع هلا التشريعات واألنظمة بنفس القدر
اثنياً :من حيث التالحم االجتماعي واهلوية الثقافية : Social integration and Identityيقول
صان ستني أنه نظراً الستخدامات اإلعالم اجلديد املتنوعة ،والتنوع الكبري يف املستخدمني من حيث هوايهتم
وأماكن تواجدهم وثقافاهتم املتعددة ،فإنه ميكن االستنتاج أبن اإلنرتنت واإلعالم اجلديد يؤدي إىل زايدة يف
التفكك والتشتت االجتماعي .ولكن ابملقابل ،كما يقول سليفن أن اإلعالم اجلديد يتيح ظهور أنواع جديدة
من العالقات االجتماعية ،ويساعد على تشكيل مجاعات وشبكات من األفراد الذين تربطهم اهتمامات وأهداف
مشرتكة بطريقة مل تكن متوفرة يف املاضي .ففي السابق كان اإلعالم التقليدي خياطب احلاجة للتالحم االجتماعي
وتعزيز اهلوية من خالل منظور الدولة الواحدة ،أو القومية الواحدة اليت حيدها نطاق جغرايف حمدد .فكان أهم
عنصر حيدد اهلوية هو املوقع اجلغرايف ،أما يف عصر اإلعالم اجلديد فاهلوية واالهتمام الثقايف يتجاوز حدود الدولة
الواحدة بسهولة.
اثلثاً :من حيث القدرة على إحداث التغريات االجتماعية واملسامهة يف مشاريع التنمية Social change
: and Developmentمن زاوية النظر التقليدية فحمالت التنمية والتغيري االجتماعي حتتاج إىل ختطيط
مركزي وتنظيم ذو اجتاه واحد وجمهودات مجاعية مركزية ابإلضافة إىل ميزانيات ضخمة يف أغلب األحيان .هذه
اخلصائص غري موجودة يف اإلعالم اجلديد ،حيث يغلب عليه طابع الالمركزية وتعتمد كثرياً على اجملهودات الفردية
رابعاً :التعامل مع املكان والزمان :Space and Timeفيما يتعلق بتخطي حواجز املكان والزمان ،جند
أن اإلعالم التقليدي يف الواقع وصل إىل مرحلة من القدرة على ختطي حواجز املكان قبل ظهور وانتشار اإلعالم
والبلدان ،وحقق بذلك تفوقاً ملحوظاً على وسائل النقل التقليدي اليت سبقته مثل السيارات والقطارات
والطائرات .ولكن انتشار اإلعالم اجلديد ضاعف من هذه القدرة وخفف من أعباء اإلرسال التقليدي الذي
يتطلب جتهيزات وميزانيات ضخمة لتشغيله .كما أن اإلعالم اجلديد حترر من قيود املكان اليت تفرض على
سنحاول يف هذا اجلزء من الدراسة الرتكيز على أكثر النظرايت ظهورا يف حبوث اإلعالم اجلديد وهي :وضع
فعلى صعيد فرضيات وضع األجندة ميكن القول بوجود اجتاهني نظريني أساسيني ،كشفت عنهما البحوث
يرى أصحاب االجتاه األول وهو االجتاه الغالب أن وسائل اإلعالم اجلديدة مبا يف ذلك شبكات التواصل -
االجتماعي تلعب دورا يف وضع أجندة اجلمهور .ويؤكد أصحاب هذا االجتاه على أن بعض مسات حمتوى
اإلعالم اجلديد مثل الروابط الفائقة والوسائط املتعددة حتقق شرط بروز القضية أو احلدث وتؤكد أهنا /أنه
يتمتع أبمهية كبرية ،ودعمت حبوث هذا االجتاه فرضيات وضع وسائل اإلعالم اجلديد ألجندة اجلمهور
خاصة يف االحتجاجات اجلماهريية ودمج األجندة الشخصية ابألجندة اجلماعية يف اجلماعات االفرتاضية
على اإلنرتنت ،كما دعمت فرضية تقول إن شبكات التواصل االجتماعي هلا القدرة على بناء أجندة
حسني محمد نصر :اتجاهات البحث والتنظير في وسائل اإلعالم الجديدة ،جامعة القاهرة.2015 ، 1
-يف املقابل فإن االجتاه الثاين يرى عكس ذلك متاما ويؤكد سقوط نظرية وضع األجندة يف وسائل اإلعالم
اجلديدة ،ويرجع أصحاب هذا االجتاه ذلك إىل أن بيئة وسائل اإلعالم اجلديدة أاتحت للجمهور مصادر
غري حمدودة من املعلومات ،وأضعفت إىل حد كبري سيطرة النخبة ووسائل اإلعالم على املعلومات،
وقوضت فكرة بواابت احلراسة ،وكلها عوامل حتد من قدرة هذه الوسائل يف وضع وبناء أجندة اجلمهور يف
القضااي العامة.
ميكن القول إن هذا املدخل النظري حظي ابهتمام كبري من جانب الباحثني يف وسائل اإلعالم اجلديدة ،إال أن
هذا االهتمام مل ينتج عنه تطوير حقيقي ملا يقدمه املدخل حول دوافع استخدام الوسائل اجلديدة أو االشباعات
املتحققة من هذا االستخدام .ودارت اإلسهامات النظرية احملدودة هلذه البحوث يف نطاق تقسيم دوافع
االستخدام إىل ثالثة جمموعات تغطي مسات الوسيلة ومواقف التعرض وإمكانية الوصول .وإذا كنا ال نستطيع
استخالص توجهات نظرية وليدة يف حبوث استخدامات واشباعات وسائل اإلعالم اجلديدة فمن املمكن أن
نشري إيل توجهات حبثية جديدة ميكن أن ينتج عتها إضافات نظرية يف املستقبل ،مثل حبوث استخدامات
واشباعات شبكات التواصل االجتماعي اليت أصبحت أكثر تركيزا علي قضااي كشف اهلوية وسلوكيات الصداقة
واخلصوصية على هذه الشبكات ،وكذلك ظاهرة استخدام عدد من التكنولوجيات الرقمية يف نفس الوقت،
ومدى تعبري جمتمعات هذه الشبكات عن التنوع احلقيقي يف اجملتمعات االنسانية ،والعالقة بني رأس املال
ميكن التمييز بني ثالثة توجهات حبثية تقود البحث يف هذا اجملال يف اإلعالم اجلديد ،هي :حبث تبين األفراد
لوسائل اإلعالم اجلديدة على حساب وسائل اإلعالم التقليدية ،وحبث تبين الصحفيني واملؤسسات اإلعالمية
للمستحداثت اجلديدة املتصلة ابالندماج اإلعالمي ،وحبث تبين الصحفيني لشبكات التواصل االجتماعي
كمنصة للنشر ووسيلة للرتويج للقصص الصحفية ،والتواصل مع القراء ،واحلصول على املصادر واملعلومات.
وابستثناء اخلالصات النظرية اليت تؤكد السرعة الكبرية اليت مت هبا تبين وسائل اإلعالم اجلديدة مقارنة ابملعدالت
الزمنية املرتفعة لتبين وسائل اإلعالم التقليدية ،ميكن القول إن تطبيق نظرية انتشار املبتكرات على وسائل اإلعالم
اجلديدة مل ينتج عنه تغريات ملموسة يف فرضيات أو مفاهيم النظرية حىت اآلن.
تتمثل اإلضافة املهمة اليت نتجت عن تطبيق هذه النظرية على وسائل اإلعالم اجلديدة يف بلورة مفهوم الفجوة
الرقمية ،وهو املفهوم الذي أصبح يستخدم لوصف االختالف بني األفراد واجلماعات والدول يف الوصول إىل
والقدرة على استخدام وسائل اإلعالم اجلديدة .وتشري التوجهات البحثية يف هذا اجملال إىل أن تزايد الفجوة
الرقمية بني الدول قد يقود إيل إمكانية ظهور دعوات يف املستقبل إلنشاء نظام عاملي رقمي جديد علي غرار
النظام العاملي اإلعالمي اجلديد الذي اثر حوله اجلدل يف سبعينيات القرن املاضي وقبل ظهور وسائل اإلعالم
اجلديدة ،إذ مل تعد الفجوة تقتصر علي االنتشار غري املتوازن لإلنرتنت ووسائل اإلعالم اجلديدة يف دول العامل،
وإمنا تشمل أيضا متغريات أخرى مثل ضعف االتصال وارتفاع التكلفة واخنفاض اجلودة وصعوابت احلصول على
النظرية الوحيدة اليت اتفق الباحثون يف االتصال على أهنا نظرية يف اإلعالم اجلديد هي نظرية التشكل العضوي
لوسائل اإلعالم Mediamorphosis theoryاليت طورها روجر فيدلر ونشرها يف العام 1997لشرح
العالقة بني وسائل اإلعالم اجلديدة وبني وسائل اإلعالم التقليدية .فيعرف فيلدر التشكل العضوي لوسائل
اإلعالم أبنه وسيلة موحدة للتفكري يف التطور التكنولوجي لوسائل االتصال .ويقول إنه "من خالل دراسة أنظمة
االتصال اإلنساين ككل ،سوف نرى أن وسائل اإلعالم اجلديدة ال تنشأ تلقائيا وبشكل مستقل ولكنها تظهر
تدرجييا نتيجة للتحول العضوي ،والتحول العضوي هو عملية بيولوجية يتطور من خالهلا الكائن احلي جسداي
بعد الوالدة أو الفقس .ويري فيدلر أن وسائل اإلعالم مثل األنظمة األخرى تستجيب للضغوط اخلارجية عن
طريق إعادة تنظيم نفسها ،ومثل الكائنات احلية فإهنا تتطور لكي تزيد من فرص بقائها على قيد احلياة ،ولكي
تواكب التغريات يف بيئة متغرية .ويستمد فيدلر مبدأ التحول العضوي لوسائل اإلعالم من ثالثة مفاهيم ،هي :
وتفرتض هذه النظرية اليت يطلق عليها البعض نظرية" التحول الرقمي" ،أن وسائل اإلعالم القائمة تتطور عندما
تظهر وسيلة إعالمية جديدة ،إذ تعمل كل وسيلة بطريقة أقرب إىل عمل العناصر املشكلة ألي نظام حيوي،
ويرتبط تطورها ويعتمد على تطور الوسائل األخرى احمليطة هبا .ويشري التاريخ إىل أن وسائل اإلعالم القدمية
واجلديدة سوف تتعايش معا ،وابلتايل ال يكون املوت هو مصري الوسائل القدمية.
اخلـ ـ ـ ـ ــامتة:
األطراف ومن املرسل إىل املستقبل .وهو حتول يف التوازن بني الطرفني.
ونستنتج من ذلك أيضاً أن مفهوم االتصال مل يتالشى ومل يتوقف متاماً مع ظهور وانتشار اإلعالم اجلديد ،ولكنه
أخذ شكالً جديداً عن طريق توجيه االتصال من طرف واحد إىل مجهور ضيق وحمدد ابهتمام خاص وهذا ما
يسمى ابلبث الضيق (املتخصص) .حيث ميكن القول أن اإلعالم اجلديد هو ليس بديال كامال لإلعالم القدمي،
ومن الناحية النظرية ،يقول ماكويل أن هذا يدعوان إىل إعادة النظر يف نظرايت االتصال اليت تدرس أثر وسائل
االتصال واليت نشأت حول وسائل االتصال اجلماهريي التقليدية .فهي نظرايت ميكن إستخدامها على األنواع
التقليدية من اإلعالم اليت الزلت موجودة إىل اآلن ،ولكن هناك حاجة إىل مناذج نظرية جديدة لدراسة األسلوب
التفاعلي اجلديد يف وسائل االتصال .وهي بيئة اتصال جديدة تعتمد على مبادرة اجلمهور يف إختيار احملتوى
واملشاركة يف إنتاجه وتوزيعه وختزينه .ويطلق عليه مكويل أسم النموذج التفاعلي أو النموذج املعتمد على إختيار
اجلمهور.