You are on page 1of 172

‫االتحاد العام التونيس للشغل‬

‫وتحديات ثورة الحرية والكرامة ‪:‬‬

‫ثوابت التجربة النقابية‬


‫ومقتضيات التجدد والتأقلم‬
‫الفهرس‬

‫‪4‬‬ ‫‪ I‬توطئة‬

‫‪5‬‬ ‫‪ II‬املقدمة‬

‫‪11‬‬ ‫‪ III‬املداخالت‪:‬‬

‫‪13‬‬ ‫‪ -1‬االتحــاد العــام التونــي للشــغل يف ســياق ثــورة الكرامــة‪:‬‬


‫تحديــات إعــادة صياغــة فلســفة العمــل النقابــي واملجتمــع‬
‫والسياســة‪،‬‬
‫تقديم األستاذ مولدي الألحمر‬

‫‪33‬‬ ‫‪ -2‬تجربــة االتحــاد العــام التونــي للشــغل والتعدديــة الحزبيــة يف‬


‫ظــل النظــام الســيايس الجديــد‪،‬‬
‫تقديم األخ مصطفى بن أحمد‬

‫‪41‬‬ ‫‪ -3‬اإلطــار القانونــي للعمــل النقابــي يف مواجهــة التحديــات‬


‫الراهنــة‪،‬‬
‫تقديم األستاذ النوري مزيد‬

‫‪61‬‬ ‫‪ -4‬االتحــاد العــام التونــي للشــغل واملســألة اإلقتصاديــة‪ :‬نقــد‬


‫السياســات العموميــة واقرتاحــات التجــاوز‪،‬‬
‫تقديم األستاذ سامي العوادي‬

‫‪73‬‬ ‫‪ -5‬العالقات الشغلية واملهن الجديدة‪،‬‬


‫تقديم األستاذ عبد السالم النصريي‬

‫‪87‬‬ ‫‪ -6‬الحركــة النقابيــة والتحـ ّركات االحتجاجيــة املطلبيــة غــر النقابية‬


‫يف تونس‪،2016-2011‬‬
‫تقديم األستاذ منري السعيداني‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل وتحديات ثورة الحرية والكرامة ‪:‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية ومقتضيات التجدد والتأقلم‬

‫‪117‬‬ ‫‪ -7‬رهانــات إعــادة هيكلــة االتحــاد العــام التونيس للشــغل وتشـ ّكل‬
‫الســياق الســيايس واالجتماعــي الجديد‪،‬‬
‫تقديم األستاذة هالة اليوسفي‬

‫‪127‬‬ ‫‪ IV‬تقارير الور شات‪:‬‬

‫‪129‬‬ ‫‪ -1‬إدارة العالقــة مــع األحــزاب واملنظمــات ومؤسســات الدولــة يف‬


‫ظــل النظــام الســيايس الجديــد‬

‫‪133‬‬ ‫‪ -2‬سبل النهوض باملرفق العام‬

‫‪137‬‬ ‫‪ -3‬أنظمــة التقاعــد يف تونــس بــن ضمــان التوازنــات املاليــة‬


‫واملحافظــة عــى الحقــوق املكتســبة‬

‫‪143‬‬ ‫‪ -4‬متطلبات الفعل اإلعالمي واالتصال بني الواقع واملنشود‬

‫‪151‬‬ ‫‪ -5‬إدارة التحــركات النضاليــة بــن نجاعــة الفعــل وارتــدادات‬


‫التحــركات غــر املؤطــرة‬

‫‪155‬‬ ‫‪ V‬التقرير العام‬


‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫توطئة‬

‫ظـ ّل االتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬منــذ مؤتمــر طربقــة وإىل حــدود إرشاف‬
‫الــدورة الحاليــة عــى نهايتهــا‪ ،‬يعمــل تحــت ضغــط االســتحقاقات النقابيــة‬
‫و الوطنيــة‪ ،‬التــي لــم تشــهد بالدنــا مثيــا لهــا يف تالحــق املهــام‪ ،‬وخاصــة‬
‫فيمــا تع ّلــق منهــا بمحطــات البنــاء الديمقراطــي ومســتلزماته‪ .‬لذلــك لــم‬
‫يتسـ ّ‬
‫ـن لــه عقــد الجامعــة النقابيــة التــي طاملــا كانــت مناســبة للتأمّ ــل وقــراءة‬
‫واقــع محيطهــا وطنيــا وإقليميــا ودوليــا‪ ،‬واســترشاف االســتحقاقات املســتقبلية‬
‫واقــراح ســبل وآفــاق التعاطــي معهــا‪.‬‬
‫ويف ظــل اســتمرار هــذا التحــدي انرصفنــا مبــارشة بعــد انعقــاد املجلــس‬
‫الوطنــي لالتحــاد أيـــــــام ‪ 6-5-4‬مــاي ‪ 2015‬إىل عقــد جلســات مــع ث ّلــة‬
‫مــن الخــراء امللمّ ــن بالشــأن النقابــي‪ ،‬تو ّلــد عنهــا تصــوّر مللتقــى يكــون إطارا‬
‫للتفكــر‪ ،‬يســاهم فيــه النقابيــون قطاعيــا وجهويــا ومختصــون يف االقتصــاد‬
‫واالجتمــاع والترشيــع االجتماعــي‪.‬‬
‫ولقــد كانــت الثمــرة فعاليــات هــذا امللتقــى التــي حرصنــا عــى تجميعهــا‪،‬‬
‫مؤمّ لــن تعميــق الحــوار يف القضايــا التــي تمّ ــت مالمســتها‪ ،‬وتوســيع دائــرة‬
‫طلعــن عليهــا حتــى تعــ ّم الفائــدة وتكــون منطلقــا لنقاشــات وحــوارات‬ ‫امل ّ‬
‫أوســع‪ ،‬يســتفيد منهــا االتحــاد يف رســم مالمــح مــا ينتظــره مــن تحديــات ومــا‬
‫يمكــن لــه فعلــه تعامــا مــع تلــك التحديــات وتجــاوزا لهــا‪.‬‬
‫وإذ نُكــر الجهــد الــذي قــام بــه جميــع الخــراء واألســاتذة الذيــن قبلــوا‬
‫الدعــوة للبحــث يف القضايــا الشــائكة التــي طرحتهــا ورقــة امللتقــى مــن‬
‫مداخــل مختلفــة‪ ،‬وكذلــك كافــة النقابــن الذيــن واكبــوا ورشــات العمــل التــي‬
‫تخللــت امللتقــى‪ ،‬وحرصــوا عــى جعلهــا ثريــة وعمليــة‪ ،‬فإننــا نتوجّ ــه بخالــص‬
‫الشــكر إىل‪:‬‬
‫أوال) الفريــق الــذي أعــ ّد معنــا التصــوّر وتــوىل صياغــة الورقــة الخلفيــة‬
‫للملتقــى‪:‬‬
‫‪ -‬األستاذ مولدي األحمر‪ ،‬منسق الفريق‬
‫‪ -‬األستاذ منري السعيداني‬
‫‪ -‬األستاذ سامي العوادي‬
‫ثانيــا) منظمــة فريدريــش ايــرت التــي لــم تدعــم فعاليــات امللتقــى فحســب‪،‬‬
‫وإنمــا تجــاوز دعمهــا إىل تجميــع هــذا الجهــد الــذي نضعــه بــن أيــدي‬
‫النقابيــن والقــراء عمومــا‪.‬‬
‫قسم التكوين النقابي والتثقيف العمايل‬

‫‪4‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫املقدمة‬

‫خــال الخمــس ســنوات األخــرة عرفــت العديــد مــن البلــدان العربيــة‪ ،‬ومنهــا‬
‫تونــس‪ ،‬أحداثــا اجتماعية‪-‬سياســية كــرى وضعــت موضــع ســؤال كل املنظومة‬
‫االقتصاديــة والسياســية التــي ســادت فيهــا لعقــود طويلــة‪ .‬وقــد أدت هــذه‬
‫األحــداث‪ ،‬التــي أخــذت اســم «الربيــع العربــي»‪ ،‬إىل نتيجتــن رئيســيتني مــن‬
‫جملــة نتائــج أخــرى فرعيــة ال تحــى‪ :‬األوىل ســقوط نظــم اســتبدادية عتيــدة‬
‫اســتمرت لعقــود طويلــة يف بعــض البلــدان‪ ،‬بــل ســقوط بلــدان أخــرى بأكملهــا‬
‫يف فــوىض سياســية واجتماعيــة عارمــة مازالــت مســتمرة إىل اليــوم‪ .‬أمــا الثانيــة‬
‫فهــي التحديــات التنظيميــة والفكريــة الكــرى التــي طرحتهــا هــذه األحــداث‬
‫عــى مجمــل املؤسســات غــر الحكوميــة التــي ارتبطــت أجيــال بنشــاطها‪،‬‬
‫خاصــة يف الحالــة التونســية‪ .‬ومــن هــذه التحديــات عــى وجــه الخصــوص‬
‫مســألة الخيــارات املجتمعيــة‪.‬‬
‫لــم يهتــم املحللــون واملراقبــون بشــكل مكثــف إال بالنتيجــة الرئيســية األويل‪،‬‬
‫وهــذا بســبب طابعهــا الســيايس الطاغــي والربيــق الــذي ترســله حلبــات الرصاع‬
‫فيهــا‪ ،‬مــا يجلــب إليهــا األنظــار‪ .‬لكــن التاريــخ الجديــد يجــري أيضــا وبــكل‬
‫قــوة يف أعمــاق التطــورات التــي تعرفهــا املنظمــات غــر الحكوميــة املتأثــرة‬
‫بهــذه األحــداث‪ .‬ويف تونــس تُعتــر حالــة االتحــاد العــام التونــي للشــغل مثــاال‬
‫ـر عــى جســامة التحديــات التــي ســتؤثر يف مســتقبل تونــس‪،‬‬ ‫نموذجيــا‪ ،‬يعـ ّ‬
‫بحســب الكيفيــة التــي ســتتأقلم بهــا هــذه املنظمــة العتيــدة مــع املســتجدات‬
‫االقتصاديــة والسياســية واإليديولوجيــة الجديــدة‪.‬‬

‫املبادئ النضالية العامة التي بُني عليها االتحاد‬

‫رســخ االتحــاد العــام التونــي للشــغل‬ ‫طيلــة تجربتــه التاريخيــة الطويلــة ّ‬


‫جملــة مــن املبــادئ النضاليــة والقواعــد التنظيميــة‪ ،‬تناســبت مــع املراحــل‬
‫التاريخيــة التــي مــرت بهــا البــاد‪ ،‬ومــع تطــور الخصائــص االجتماعيــة‬
‫للشــغالني املنتمــن إىل منظمتــه النقابيــة‪ .‬وخــال ذلــك تبلــورت يف ثقافتــه‬
‫النضاليــة أربعــة مبــادئ عامــة ســار عــى هديهــا منــذ تأسيســه‪:‬‬
‫املبــدأ األول نقابــي مهنــي بحــت‪ ،‬يتمثــل يف الدفــاع عــن الشــغالني التونســيني‬
‫بمختلــف أصنافهــم ضــد االســتغالل والحيــف االجتماعــي‪ ،‬واملطالبــة بتحســن‬
‫عالقــات العمــل وظروفــه مهمــا كان القطــاع‪.‬‬
‫املبــدأ الثانــي ســيايس وطنــي يتجــاوز طبقــة الشــغالني يف حــد ذاتهــا‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ليشــمل القضايــا الرئيســية العامــة للشــعب التونــي‪ ،‬وهــو مــا أعطــى معنــى‬
‫عميقــا للعبــارة التاريخيــة الشــهرية التــي توجــه بهــا مؤســس هــذه النقابــة‬
‫العتيــدة‪ ،‬فرحــات حشــاد‪ ،‬إىل مجمــل التونســيني‪« :‬أحبــك يــا شــعب»‪.‬‬
‫املبــدأ الثالــث يتعلــق باســتقاللية املنظمــة‪ .‬وقــد نشــأ هــذا املبــدأ وترســخ‬
‫كقاعــدة عمــل تمســكت املنظمــة بتثبيتهــا يف املمارســة بحســب الظــروف‬
‫واالمكانيــات‪ ،‬أوال يف الســياق االســتعماري وثانيــا يف ســياق االســتبداد الســيايس‬
‫الــذي عرفتــه البــاد بعــد االســتقالل‪.‬‬
‫املبــدأ الرابــع أخالقــي اجتماعــي‪ ،‬ويتمثــل يف انحيــاز املنظمة الشــغيلة بشــكل‬
‫ثابــت إىل قيــم إنســانية متأصلــة يف نشــأتها االجتماعيــة‪ ،‬هــي العدالــة والحريــة‬
‫والكرامــة‪ .‬وقــد انحــاز مؤسســو املنظمــة النقابيــة لهــذه القيــم بوصفهــم‬
‫أجــراء انســلخوا‪ ،‬يف ظــروف مختلفــة‪ ،‬عــن جماعاتهــم القبليــة والقرويــة‬
‫والحرفيــة‪ ،‬التــي كانــت تحميهــم قبــل أن تتفــكك‪ ،‬ليؤسســوا إطــارا اجتماعيــا‬
‫جديــدا يحمــي هــذه الحقــوق بــأدوات ومعايــر جديــدة‪.‬‬
‫وقــد ترجــم االتحــاد هــذه املبــادئ عــى أرض الواقــع مــن خــال الدفــاع‬
‫املســتمر عــن الشــغالني‪ ،‬عــر وســائل النضــال النقابــي املختلفــة واملرشوعــة‪،‬‬
‫ســواء يف عهــد االســتعمار أو بعــد االســتقالل‪.‬‬

‫تأثري العمل النقابي ووحدته عىل املجتمع التونيس‬

‫عــى املســتوى التنظيمــي كان للمبــدأ املهنــي الــذي تأســس عليــه االتحــاد العام‬
‫التونــي للشــغل تأثــرا تاريخيــا عميقــا عــى البنيــة االجتماعيــة والثقافيــة‬
‫التونســية مــن ثالثــة وجــوه‪:‬‬

‫الوجــه األول أن االتحــاد ســار عــى مبــدا االنتخــاب الديمقراطــي لقياداتــه‪،‬‬


‫حتــى وإن تأثــر إىل حــدود الثمانينيــات بالنمــوذج الزعامــي التاريخــي الــذي‬
‫أرســاه الحــزب الحاكــم عــى رأس الدولــة‪ .‬وقــد ســاعد هــذا أجيــاال مــن‬
‫املناضلــن النقابيــن عــى التــدرب عــى اتبــاع املســلك االنتخابــي يف االرتقــاء‬
‫يف ســلم املســؤوليات‪ ،‬وعــدم االنزيــاح عــن هــذا املبــدأ الــذي خانــه برسعــة‬
‫الحــزب الحاكــم يف البــاد‪ .‬وقــد جعــل ذلــك املنظمــة أكثــر قــدرة عــى التماســك‬
‫والوحــدة حتــى وإن ظلــت فئتــا الشــباب والنســاء بعيدتــن عــن املراكــز‬
‫القياديــة النقابيــة األوىل إىل اليــوم‬

‫‪6‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫الوجــه الثانــي أن تركيــز االتحــاد العــام التونــي للشــغل عــى املرجعيــة‬


‫املهنيــة يف العمــل النقابــي جعلــه يخــرق بنفــوذه وإشــعاعه‪ ،‬وبنســبة كبــرة‪،‬‬
‫رواســب البنيــة التقليديــة للمجتمــع التونــي‪ ،‬ومنهــا االنتمــاء الجهــوي واملحــي‬
‫الضيــق‪ ،‬وهــذا خالفــا للســلوك املــزدوج الــذي اتبعــه الحــزب الحاكــم يف هــذا‬
‫املجــال‪ ،‬والــذي تمثــل يف اســتخدام البنــى التقليدية لالنتشــار جغرافيــا ومعادات‬
‫هــذه األخــرة إيديولوجيــا‪ .‬والنتيجــة أن االتحــاد ســاهم بقــوة يف دفــع ثــورة‬
‫الكرامــة إىل توجهــات وممارســات تؤكــد البعــد عــن الجهويــة واالنتمــاءات‬
‫الضيقــة‪.‬‬
‫الوجــه الثالــث مــن التجربــة النقابيــة التونســية‪ ،‬وهــذا يمثــل خاصيــة‬
‫تاريخيــة مميــزة عــى مســتوى العالــم الثالــث القديــم والعالــم العربــي حاليــا‪،‬‬
‫هــو جمــع كل القــوى الشــغيلة يف البــاد تحــت رايــة تنظيميــة نقابيــة واحــدة‪.‬‬
‫وقــد لعــب عنــران أساســيان‪ ،‬أحدهمــا ذاتــي داخــي واآلخــر موضوعــي‬
‫خارجــي‪ ،‬يف تشــبث االتحــاد بهــذه الخاصيــة والعمــل عــى إعــادة إنتاجهــا‬
‫لعقــود طويلــة‪:‬‬
‫العنــر الذاتــي الداخــي يعــود إىل اإلرث التنظيمــي التاريخــي الذي بُنــي عليه‬
‫االتحــاد أيــام االســتعمار‪ ،‬وكان الهــدف منــه تجميــع كل القــوى يف مؤسســة‬
‫وطنيــة واحــدة يف مواجهــة املســتعمر‪ .‬وقــد اســتمر هــذا اإلرث ثقافــة نضاليــة‬
‫عنــد الشــغالني الذيــن ظلــوا يــرون يف الوحــدة التنظيميــة قــوة فاعلــة يف‬
‫مواجهــة األعــراف‪ .‬كمــا أن ســعي الحــزب الحاكــم قبــل ‪ 14‬جانفــي ‪ 2011‬إىل‬
‫توســيع قواعــده باســتمرار ومقاومــة التفتــت الداخــي‪ ،‬كان بالنســبة لالتحــاد‬
‫نموذجــا ويف ذات الوقــت خطــرا‪ .‬وألن االتحــاد لــم يكــن‪ ،‬عكــس أغلــب املركزيات‬
‫النقابيــة يف العالــم‪ ،‬تابعــا لحــزب بعينــه أو معتنقــا إليديولوجيــا محــددة فقــد‬
‫ارتاحــت أغلــب األطيــاف السياســية‪ ،‬ســيما اليســارية والقوميــة‪ ،‬لالنتمــاء اليــه‬
‫ولــم تســع اىل التن ٌ‬
‫ظــم املــوازي لــه‪.‬‬

‫العنرص املوضوعي الخارجي‪ ،‬وهو مر ّكب من مستويني‪:‬‬


‫‪ -‬املســتوى األول ســيايس ويتمثــل يف أن الدولــة التونســية نشــأت وهــي‬
‫تقــاوم التفتــت الجهــوي والعــرويش املــوروث‪ ،‬برغــم اســتغالل الحــزب‬
‫لهــذا التفتــت اســتغالال انتقائيــا يف املــدن واألريــاف‪.‬‬
‫‪ -‬املســتوى الثانــي ذي عالقــة بطبيعــة االقتصــاد التونــي يف حــد ذاتــه‪.‬‬
‫ذلــك أن البنيــة االقتصاديــة التونســية موزعــة بــن مؤسســات صغــرة‬

‫‪7‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ومتوســطة ذات أســس عائليــة‪ ،‬وهــي النســبة األكــر‪ ،‬ومؤسســات‬


‫ذات رأس مــال أجنبــي‪ ،‬وأخــرى حكوميــة‪ ،‬وعــى األخــص يف الصناعــة‬
‫والوظيفــة العموميــة‪ .‬وبســبب هــذه الخاصيــة فــإن القســم األكــر مــن‬
‫املنخرطــن يف االتحــاد موظفــون أو أجــراء يف مؤسســات حكوميــة‪ ،‬أو‬
‫عمــال يف مؤسســات خاصــة (وطنيــة وأجنبيــة) ذات طاقــة تشــغيلية‬
‫مرتفعــة نســبيا‪ .‬وقــد ســاعد ارتبــاط القاعــدة النقابيــة الواســع بالقطاع‬
‫الحكومــي‪ ،‬إضافــة إىل ثقافــة الوحــدة والنضــال‪ ،‬املنظمــة الشــغيلة عــى‬
‫املحافظــة عــى وحدتهــا وقوتهــا‪ ،‬وهــو مــا كانــت الدولــة التونســية‬
‫تعتــره أيضــا يف صالحهــا‪.‬‬

‫زلزال ثورة الحرية والكرامة‬

‫كل هــذه املنظومــة النقابيــة والسياســية التونســية‪ ،‬وكذلــك اإلرث واملبــادئ‬


‫التاريخيــة التــي بنيــت عليهــا‪ ،‬وضعتهــا ثــورة الكرامــة والحريــة موضــع‬
‫ســؤال وتحــدي‪ ،‬وحالــة العمــل النقابــي تحديــدا أصبحــت يف الصــدارة‪.‬‬
‫موضــوع املســاءلة األول ترتــب عــن انهيــار منظومــة الحــزب الواحــد‪ ،‬الــذي‬
‫وإن ســمح بدايــة مــن الثمانينيــات بتكويــن بعــض األحــزاب التــي حارصهــا‬
‫أو دجنهــا‪ ،‬فإنــه اســتمر يتحكــم وحــده يف مصــر البــاد‪ .‬وقــد حــل محــل‬
‫الحــزب الواحــد املهيمــن بعــد الثــورة التعــدد الحزبــي‪ ،‬بمــا يفــوق حاليــا الـــ‬
‫‪ 200‬منظمــة مســتقلة يف هــذا املجــال‪ .‬وهــذا ســيكون لــه تأثــر كبــر عــى‬
‫تفاعــل االتحــاد مــع محيطــه الســيايس‪.‬‬

‫موضــوع املســاءلة الثانــي ترتــب عــن األول‪ ،‬وهــو أن منظمــات املجتمــع‬


‫املدنــي‪ ،‬ومنهــا مختلــف املنظمــات النقابيــة (نقابــة الشــغالني واألعــراف‬
‫والفالحــن)‪ ،‬أصبحــت موضــوع تنافــس بــن األحــزاب السياســية التــي حصلت‬
‫عــى حريــة الوجــود والنشــاط‪ .‬بــل إن بعــض األحــزاب التــي وصلت إىل الســلطة‬
‫بعــد الثــورة انتبهــت إىل حجــم ثقــل االتحــاد العــام التونــي للشــغل يف الحيــاة‬
‫السياســية التونســية‪ ،‬وحاولــت تحجيمــه باالخــراق أو باملواجهــة العنيفــة أو‬
‫بتشــجيع التعــدد النقابــي‪.‬‬

‫موضــوع املســاءلة الثالــث تمثــل يف أن الكثــر مــن املنظمــات غــر الحكوميــة‬

‫‪8‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫وغــر النقابيــة أصبــح اليــوم يقــوم بوظائــف تُنافــس الــدور اإلضــايف لالتحــاد‬
‫العــام التونــي للشــغل‪ ،‬وهــو الدفــاع عــن الطبقــات املهمشــة ومســاعدتها‪.‬‬

‫موضــوع املســاءلة الرابــع يتعلــق بالتقاليــد التنظيميــة الداخليــة التــي‬


‫رســختها املنظمــة منــذ عقــود‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق بآليــات العمــل والحوكمــة‪،‬‬
‫وبمســألة تجديــد النخــب النقابيــة وإدارة العالقــات مــع األحــزاب والجمعيــات‬
‫واملؤسســات الحكوميــة والدوليــة‪ .‬والجديــد يف هــذه املســألة هــو أن املحيــط‬
‫الســيايس واالجتماعــي والثقــايف واالقتصــادي والــدويل الــذي تدربــت املنظمــة‬
‫الشــغيلة لعقــود عــى التعامــل معــه قــد بــدأ يتغــر وبخطــى رسيعــة‪.‬‬
‫وتأسيســا عــى ذلــك فــإن املنظمــة الشــغيلة مطالبــة يف املســتقبل بالتفاعــل مــع‬
‫هــذه املســتجدات‪ ،‬ليــس مــن منظــور خارجــي فقــط بــل مــن منظــور داخــي‬
‫أيضــا‪ ،‬مــا يعنــي أنهــا أصبحــت مدعــوة للتفكــر يف إعــادة الهيكلــة الداخليــة‬
‫بمــا يتناســب مــع متطلبــات هــذه التحديــات‪.‬‬

‫أمــا موضــوع املســاءلة الخامــس واألكثــر إربــاكا لالتحــاد بصفــة خاصة‬


‫فهــو التوجــه اللــرايل األقــى الــذي ســارت فيــه الســلطات املتعاقبــة بعــد‬
‫الثــورة والقــوى االجتماعيــة املنــارصة لتوجههــا‪ ،‬بمــا نتــج عنــه مــن تغيــر يف‬
‫توازنــات ســوق الشــغل وقوانــن االســتثمار والسياســات االجتماعيــة‪ ،‬واملــس‬
‫مــن مبــادئ تضامنيــة ُروعيــت طــوال العرشيــات الفارطــة‪ .‬وهــو مــا يهــدد‬
‫بوضــع التقاليــد النقابيــة التــي تأســس عليهــا االتحــاد موضــع مراجعــة‪.‬‬

‫لقــد ترتــب عــن كل هــذه التحــوالت واملســاءالت مفارقــة تنظيميــة واعتباريــة‬


‫جديــدة وضاغطــة عــى املنظمــة النقابيــة‪ ،‬مفادهــا أنــه يف حــن زاد الضغــط‬
‫الســيايس عــى االتحــاد كــي يتخــى عــن بعــض ثوابتــه النضاليــة النقابيــة‬
‫والوطنيــة‪ ،‬زاد عــدد املحتاجــن ملظلتــه االعتباريــة – بســبب تشــتت األحــزاب‬
‫وضعــف تأثريهــا‪ -‬لتحقيــق بعــض مطالبهــم‪ ،‬وتطــورت ممارســات نضاليــة‬
‫وأشــكال تضامنيــة وحــركات اجتماعيــة احتجاجيــة ومطلبيــة جديــدة تقاطعت‬
‫مــع مجــال مســؤوليات االتحــاد التاريخيــة‪ ،‬فتداخلــت مــع تحركاتــه أحيانــا‬
‫وتخالفــت معهــا أحيانــا أخــرى‪ ،‬مــا يدعــو املنظمــة الشــغيلة إىل إعــادة إعمــال‬
‫الفكــر يف هــذه القضايــا وبلــورة أجوبــة عــى تحدياتهــا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫لــم تكــن مجمــل هــذه الهواجــس غائبــة عــن ذهــن قيــادة االتحــاد العــام‬
‫التونــي للشــغل منــذ ‪ ،2011‬حتــى وإن تأخــرت يف طرحهــا بشــكل منظــم‬
‫النشــغالها بكربيــات أحــداث الثــورة التونســية‪ .‬ولذلــك فقــد حــددت لهــذا‬
‫امللتقــى العلمــي هدفــا مزدوجــا يســتجيب لهــذه الهواجــس‪ :‬أوال تل ُمــس أجوبــة‬
‫نظريــة مــن أكاديميــن عــى األســئلة التــي يطرحهــا العمــل النقابــي يف تونــس‬
‫يف ســياق ثــورة الكرامــة‪ ،‬وثانيــا محاولــة بلــورة أجوبــة عمليــة للمقرتحــات‬
‫النظريــة بوســيلة ورشــات العمــل‪ ،‬التــي ســرافق جلســات هــذا امللتقــى‪،‬‬
‫والتــي ســتحرضها وتنشــطها القيــادات النقابيــة األوىل لالتحــاد العــام التونــي‬
‫للشــغل قصــد الخــروج بأفــكار مفيــدة‪.‬‬

‫مولدي األحمر‬

‫‪10‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫الـمداخــالت‬

‫‪11‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪1‬‬

‫االتحاد العام التونيس للشغل يف سياق ثورة الكرامة‬


‫ثوابت التأسيس‪ ،‬تحول السياقات وتحديات التأقلم‬

‫مولدي األحمر‬
‫أستاذ علم االجتماع واألنثروبولوجيا ‪ /‬معهد الدوحة للدراسات العليا‬

‫مقدمة‬
‫منــذ ســنة ‪ 2011‬كنــت كلمــا التقيــت باألصدقــاء النقابيــن إال وتطرقنــا إىل‬
‫املوضــوع الــذي ســيتناوله اليــوم هــذا امللتقــى بالنظــر والتحقيــق‪ ،‬كمــا يقــول‬
‫ابــن خلــدون‪ .‬وأنــا ســعيد اليــوم بــأن املوضــوع أخــذ طريقــه إىل النقــاش‬
‫العلنــي العلمــي والعمــي‪ ،‬كمــا تشــر إىل ذلــك عناويــن املداخــات وأصحابهــا‬
‫والورشــات واملرشفــن عليهــا‪ .‬ففــي خضــم األحــداث التــي تلــت انهيــار‬
‫منظومــة الحكــم االســتبدادي التــي شــيدها وصقلهــا بــن عــي‪ ،‬بــدأت تلــوح‬
‫مالمــح منظومــة سياســية‪-‬ثقافية‪-‬اقتصادية جديــدة لــم يصمــم االتحــاد‬
‫تاريخيــا‪ ،‬عــى األقــل مــن وجهــة نظــري‪ ،‬كــي يشــتغل يف إطارهــا ويتأقلــم مع‬
‫مقتضياتهــا الفكريــة والتنظيميــة والسياســية‪ .‬واملالمــح األساســية للمنظومــة أو‬
‫التشــكيلة التــي أقصدهــا هــي التاليــة‪:‬‬

‫‪ 1-‬نهايــة الدولــة املســتبدة املحتكــرة للفضــاء العــام‪ ،‬وتبعــا لذلــك‬


‫انهيــار االســتقطاب الثنائــي الــذي اســتمر أكثــر مــن ‪ 50‬ســنة مــن‬
‫تاريــخ تونــس املســتقلة ‪ :‬الدولة‪-‬الحــزب‪ /‬االتحــاد‬
‫‪ 2-‬اســرجاع القــوى االجتماعيــة التونســية املختلفــة لحريتهــا يف التن ُ‬
‫ظــم‬
‫املدنــي الحزبــي و الجمعياتــي و النقابــي‪ ،‬وحقهــا يف الســعي إىل تحقيــق‬
‫أهدافهــا الخاصــة بشــكل مســتقل وســلمي بمــا ال يخالــف املبــادئ‬
‫الدســتورية املتفــق عليهــا‪ .‬وقــد ترتــب عــى هــذا بــروز مــا يســمى‬
‫بالحــركات االجتماعيــة التــي لــم يعــد تشــكلها ممنوعــا ونشــاطها‬
‫مقموعــا‪.‬‬
‫‪ 3-‬اكتســاب التونســيني لحريــة التفكــر والحــق يف ممارســته ونــره‬
‫بالوســائل الســلمية يف اإلطــار الدســتوري‪ ،‬بمــا يســمح بالتأثــر املبــارش‬
‫عــى الــرأي العــام وعــى خيــارات األفــراد‪.‬‬
‫‪ 4-‬اكتســاب مبــدإ التــداول يف تقلــد املســؤوليات قيمــة ثقافيــة وأخالقيــة‬

‫‪13‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫عاليــة‪ ،‬مــا وضــع بشــكل راديــكايل املرتكــزات التقليديــة للقيــادة أو‬


‫الزعامــة موضــع ســؤال‪.‬‬
‫‪ 5-‬اكتســاب الفكــر اللــرايل دعامــة ثقافيــة وإيديولوجيــة جديــدة (بعــد‬
‫انهيــار املنظومــة االشــراكية) ترتبــت عنهــا‪ ،‬يف بلــد عانــى كثــرا مــن‬
‫تســلط الدولــة نتيجتــان‪:‬‬
‫‪-‬توجــه قــوي مــن طــرف النخــب نحــو تفضيــل التقليــص مــن‬
‫تدخــل الدولــة يف الحيــاة العامــة‪ ،‬وشــمل هــذا التوجــه بشــكل‬
‫ملتبــس وغامــض االقتصــاد‪.‬‬
‫‪-‬ظهــور تحــوالت اجتماعيــة يف عالــم االقتصــاد والعمــل قــد تُغــر‬
‫يف مــدى متوســط‪ ،‬وبشــكل ملمــوس‪ ،‬مــن مفهــوم وآليــات العمــل‬
‫النقابــي‪.‬‬
‫‪ 6-‬بنــاء عــى مــا تقــدم بــدأت غمامــة التشــابه والتماثــل بــن مكونــات‬
‫املجتمــع التونــي‪ ،‬تلــك التــي كانــت تســمح بالحديــث باســم تكتــات‬
‫ضخمــة (الحــزب وجمهــوره العريــض الوهمــي أو الحقيقــي ذي األصول‬
‫املتنوعــة جــدا‪ ،‬واالتحــاد وجمهــوره العريــض ذي األصــول املختلفــة جــدا‬
‫أيضــا)‪ ،‬ترتفــع شــيئا فشــيئا لتــرز االختالفــات يف الخصائــص واملصالح‬
‫واملرجعيــات‪ ،‬مــا وضــع موضــع ســؤال املفاهيــم والطــرق التقليديــة يف‬
‫حشــد األنصــار واملنتمــن وخلــق التكتــات والتوافقــات‪ ،‬ســواء الحزبيــة‬
‫أو الجمعياتيــة أو النقابيــة‪.‬‬

‫ســؤايل هــو التــايل‪ :‬تاريخيــا وفكريــا وتجريبيــا هــل كان االتحــاد مصمما‬
‫للتأقلــم مــع هــذا املنعــرج التاريخــي الــذي عرفتــه بالدنا منــذ ‪2011‬؟‬

‫أعــرف أنــه ليــس مــن الســهل عــي اإلجابــة بدقــة عــى هــذا الســؤال الشــامل‪،‬‬
‫ألن تفاصيلــه متشــعبة‪ ،‬ومجــال اإلجابــة عليــه هنــا ضيــق‪ ،‬والدراســات التــي‬
‫تناولتــه بشــكل مبــارش تُعــد عــى األصابــع‪ .‬ومــن املؤكــد أن زمالئي ســيعودون‬
‫يف مداخالتهــم إىل املوضــوع بالتنقيــب والبحــث واإلثــراء‪.‬‬

‫ومع ذلك فسأحاول اإلجابة وفق املخطط التايل‪:‬‬


‫‪ -‬أوال‪ ،‬ســأعرض الركائــز األربعــة (البعــض يقــول ثالثــة) التــي بنــى عليهــا‬
‫االتحــاد مفهومــه للعمــل النقابــي وظــل يحــاول التمســك بهــا إىل اليــوم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ -‬ثانيــا ســأتفحص باختصــار شــديد الســياقات املختلفــة التــي حــاول‬


‫االتحــاد أن يلتــزم خاللهــا بهــذه املبــادئ التأسيســية‪ ،‬وتأثــر هــذه‬
‫الســياقات االجتماعيــة الشــاملة عــى كيفيــة ممارســته العمليــة لهــذه‬
‫املبــادئ‪ .‬وبمــا أن القطبــن التاريخيــن الذيــن صنعــا الحيــاة السياســية‬
‫واالقتصاديــة يف تونــس كانــا الدولة‪-‬الحــزب مــن جهــة‪ ،‬واالتحــاد مــن‬
‫جهــة أخــرى فــإن تحليــي ســتتخلله مقارنــة بــن املســارين التاريخيــن‬
‫لهذيــن القطبــن‪.‬‬
‫‪ -‬أخــرا ســأعود إىل منعــرج ثــورة ‪ 2011‬ومــا أحدثــه مــن تغــرات يف‬
‫املنظومــة العامــة للحيــاة االجتماعية‪-‬السياســية التــي ســادت يف تونــس‬
‫وتعــود االتحــاد عــى العمــل يف إطارهــا‪ ،‬وذلــك لــرح التحديــات‬
‫التــي فرضتهــا هــذه املنظومــة الجديــدة عــى رؤيتــه للعمــل النقابــي‬
‫ومســتقبله‪ ،‬ومــن ثــم إثــارة أســئلة للنقــاش بشــأن كيفيــة اســتجابة‬
‫االتحــاد لهــذه التحديــات‪.‬‬

‫أربع مرجعيات‬

‫مــن وجهــة النظــر السوســيوتاريخية نشــأ االتحــاد كمنظمــة اجتماعيــة مــن‬


‫نــوع جديــد يف ســياق اجتماعــي لــه بعــدان أساســيان تبلــورت يف إطارهمــا‬
‫املرجعيــات املركزيــة لالتحــاد يف فهمــه وتصــوره للعمــل النقابــي‪:‬‬

‫البعــد األول مــن هــذا الســياق كان خضــوع البــاد التونســية لالســتعمار‪،‬‬
‫وتســاوي أغلــب التونســيني أمامــه يف املذلــة واالســتغالل‪ .‬هــذا البعــد و ّلــد عنــد‬
‫النقابيــن الذيــن أسســوا االتحــاد فكــرة تــازم ثالثــة ركائــز يف العمــل النقابي‬
‫الــذي بــدأوا يخوضونــه منــذ ‪: 1924‬‬

‫‪ 1-‬الوطنيــة يف النضــال‪ ،‬وكانــت تعنــي يف ذلــك الســياق مقاومــة‬


‫االســتعمار والعمــل عــى اســتقالل البــاد‪ .‬ســنرى كيــف تطــورت هــذه‬
‫الفكــرة يف ســياقات مختلفــة‪.‬‬
‫‪ 2-‬عــدم اعتبــار العمــال القاعــدة االجتماعيــة الوحيــدة للعمــل النقابــي‬
‫التحــرري‪ ،‬والتوجــه بالخطــاب إىل جميــع األجــراء دون تخصيــص‪ ،‬أي إىل‬
‫كل مكونــات الشــعب‪ :‬كلمــة فرحــات حشــاد التــي خلــدت ذكــره كانــت‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫«أحبــك يــا شــعب»‪ .‬وعمليــا انتمــت إىل االتحــاد يف بدايــة نشــأته فئــات‬
‫اجتماعيــة تعمــل بشــكل مســتقل ملصلحتهــا الخاصــة‪ ،‬مثــل الحرفيــن‬
‫والتجــار الصغــار وغريهــم‪ ،‬بــل أن أحــد قادتــه الرشفيــن كان فقيهــا‬
‫وإمامــا مــن عائلــة تعــد ميســورة يف ذلــك الوقــت‪.‬‬
‫‪ 3-‬اشــراط االســتقاللية يف العمــل النقابــي لفــك االرتبــاط مع االســتعمار‬
‫وكذلــك مــع املنظمــات التــي كانــت مرتبطــة بــه أو تلتقــي معــه يف‬
‫بعــض األفــكار (مثــل فكــرة الوطــن)‪ .‬وســنرى أيضــا كيــف ســتتطور‬
‫هــذه النقطــة‪.‬‬

‫البعــد الثانــي يف هــذا الســياق كان سوســيولوجيا‪-‬أنثروبولوجيا‪ ،‬إن صــح‬


‫التعبــر‪ .‬ومضمونــه أن املنظمــة النقابيــة التونســية‪ ،‬مثلهــا مثــل جميــع‬
‫النقابــات األخــرى يف العالــم‪ ،‬نشــأت للدفــاع عــن أجــراء مشــكلتهم ليســت‬
‫فقــط أنهــم مســتغلون يف عــرق جبينهــم‪ ،‬ولكــن أيضــا كونهــم أفــرادا انســلخوا‬
‫عــن قراهــم الفالحيــة ومجموعاتهــم البدويــة املفقــرة‪ ،‬والتــي كانــت تســود‬
‫فيهــا ‪-‬عــى األقــل إيديولوجيــا‪ -‬قيــم العدالــة واالســتقاللية والكرامــة‪ ،‬ليجــدوا‬
‫أنفســهم يف ظــروف جديــدة‪ ،‬ال تمنحهــم الكرامــة وال يمكــن الدفــاع فيهــا عــن‬
‫قيــم الكرامــة إال بوســائل التنظيــم املهنــي النقابــي الحديــث‪ .‬وهنــا التقــى‬
‫هــؤالء العمــال بالتيــارات الفكريــة العامليــة الجديــدة التــي تدافــع عــن نفــس‬
‫املعايــر ولكــن بــأدوات ومفاهيــم حديثــة‪ .‬الــكل يعــرف قصــة حيــاة محمــد‬
‫عــي الحامــي بــن أملانيــا وتونــس‪. 1‬‬

‫‪ 4-‬مــن هــذا البعــد تشــكلت القاعــدة الرابعــة التــي يقــوم عليهــا العمــل‬
‫النقابــي يف تقاليــد االتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬وهــي الدفــاع عــن‬
‫األجــراء مهمــا كان نوعهــم بمفاهيــم العدالــة والحريــة والكرامــة‪ ،‬وهــي‬
‫املفاهيــم التــي نجدهــا عــى فــم جميــع النقابيــن‪ ،‬ليــس يف تونــس‬
‫فحســب بــل يف العالــم أجمــع حيــث نشــأت جميــع تكتــات العمــال‬
‫بهــدف مقاومــة نمــط املجتمــع الرأســمايل الــذي ال يعــرف‪ ،‬مــن ناحيــة‬
‫املبــدأ‪ ،‬بهــذه القيــم غــر النفعيــة‪.‬‬
‫عندمــا حصلــت تونــس عــى االســتقالل كان ذلــك بمثابــة املنعــرج الجديــد‬
‫‪1‬‬
‫‪Gerhard Höpp, Muhammed Ali à Berlin, étude complétée par Joshua Rogers et Kathrin Wittler, Tunis,‬‬
‫_‪Fondation Friedrich Ebert, 2009. http://festunis.org/media/2010/Publications/10_WEB_Pub_FES‬‬
‫‪Ali.pdf‬‬

‫‪16‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫الــذي دخلــه االتحــاد العــام التونــي للشــغل عــى مســتوى تفعيــل هــذه‬
‫الركائــز األربعــة‪.‬‬

‫لقــد تحولــت شــحنة الوطنيــة مــن ســاح ضــد االســتعمار إىل ســاح مــن أجــل‬
‫تثبيــت االســتقالل‪ .‬وألن االتحــاد العــام التونــي للشــغل ناضــل مــن أجــل قيام‬
‫دولــة تونســية مســتقلة‪ ،‬فقــد تقاطــع يف نضالــه مــع نضــال فئــات اجتماعيــة‬
‫أخــرى انتمــت إليــه مــن هــذا البــاب‪ .‬لكــن هــذا االنتمــاء كان مزدوجــا ألن‬
‫قســما كبــرا مــن هــذه القــوى كان يف نفــس الوقــت منتميــا إىل أهــم حــزب يف‬
‫ذلــك الوقــت‪ ،‬الحــزب الحــر الدســتوري التونــي الجديــد‪ ،‬وهــو حــزب كان لــه‬
‫نفــس مــروع الدولــة املســتقلة‪ ،‬و يبحــث عــن جمــع كل املنظمــات الوطنيــة‬
‫تحــت ســيطرته وتحــت زعامــة قائــده األوحــد‪ ،‬والــذي ســيبقى كذلــك لعقــود‪.‬‬
‫هــذه الخاصيــة السوسيو‪-‬سياســية لالتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬أي كونــه‬
‫يفكــر يف بنــاء دولــة مســتقلة‪ ،‬يراهــا رشطــا لتحقيــق مصالــح األجــراء‪ ،2‬وكونه‬
‫يف نفــس الوقــت مُخرتقــا مــن أهــم حــزب يف البــاد لــه نفــس الطمــوح ولــه‬
‫نفــس اإلمكانيــات لتحقيــق ذلــك‪ ،‬حــددت ولفــرة طويلــة ليــس فقــط تاريــخ‬
‫تطــور العمــل النقابــي ومفاهيمــه يف تونــس‪ ،‬ولكــن إىل حــد كبــر طريقــة إدارة‬
‫املنظمــة النقابيــة العتيــدة للنشــاط النقابــي يف حــد ذاتــه‪:‬‬

‫‪ 1-‬انخــرط االتحــاد العــام التونــي للشــغل بشــكل مبــارش يف بنــاء‬


‫دولــة جديــدة املســافة فيهــا بــن الســيايس والنقابــي ضئيلــة جــدا‪ ،‬وهو‬
‫مــا سيشــكل بــؤرة توتــر مســتمرة يف عالقــة االتحــاد بالدولــة‪ .‬وحتــى‬
‫تدركــوا إىل أي مــدى تلبســت هــذه الفكــرة بالنقابــة‪ ،‬إليكــم هــذه القولــة‬
‫املعــرة للمســؤول األول يف هــذه املنظمــة ســنة ‪ 1956‬الســيد أحمــد بــن‬
‫صالــح‪ « :‬عقيدتنــا (أي عقيــدة االتحــاد العــام التونــي للشــغل) ‪...‬أن‬
‫الوحــدة القوميــة يجــب أن تكــون وحــدة شــعبية تنظمهــا وتوجههــا‬
‫قــوة سياســية موحــدة‪ ،‬وتنشــط بهــا قــوة اقتصاديــة موحــدة متينــة‬
‫الصلــة بالقــوة السياســية ‪».3‬‬
‫‪ 2-‬بســبب هــذه املشــاركة الفاعلــة لالتحــاد يف بنــاء الدولــة التونســية‪،‬‬

‫‪ 2‬أنظــر‪ :‬الربنامــج االقتصــادي لالتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬املؤتمــر القومــي الســادس‪ ،‬تونــس‪ ،‬مطبعــة التليــي‪1956 ،‬‬
‫( مقدمــة املــروع)‬
‫‪ 3‬أحمد بن صالح‪ ،‬مذهبنا‪ ،‬يف‪ :‬الربنامج االقتصادي لالتحاد العام التونيس للشغل‪ ،‬املرجع السابق‬

‫‪17‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫فــإن مرجعيــات العدالــة والكرامــة التــي يدافــع االتحــاد بمقتضاهــا‬


‫عــن مصالــح الشــغالني قــد تلبســت بمفهومــه للدولــة ولعالقتــه بهــا‪.‬‬
‫فالدولــة عنــد االتحــاد التــي يشــارك يف بنائهــا ينبغــي أن تكــون دولــة‬
‫راعيــة تعمــل عــى توزيــع الثــروات بالعــدل وتســتثمر املــوارد العامــة‬
‫يف مصلحــة الشــعب‪ ،4‬وهــي فكــرة تحيــل إىل املبــادئ األوىل التــي بنــى‬
‫عليهــا االتحــاد عملــه النقابــي والتــي وجــد لهــا صــدى يف النظــم‬
‫الديمقراطيــة االجتماعيــة الســائدة يف البلــدان الســكندنافية‪ ،‬وهــي فكــرة‬
‫كانــت مُســاندة مــن طــرف أهــم نقابــة عامليــة انخــرط فيهــا االتحــاد‬
‫وهــي الســيزل‪.‬‬

‫‪ 3-‬وألن االتحــاد والحــزب‪ ،‬الــذي بــدأ باالنصهــار يف الدولــة‪ ،‬يتقاطعــان‬


‫يف ثقافــة القيــادة‪ ،‬ويشــركان يف تجربــة تنظيــم العمــل الجماعــي‪،‬‬
‫ويســتهدفان يف أحيــان كثــرة نفــس األوســاط االجتماعيــة‪ ،‬فإنهمــا‬
‫تطــورا عــى املســتوى التنظيمــي تقريبــا بشــكل تناظــري محليــا‬
‫وجهويــا ووطنيــا‪ ،‬مــع اعتبــار انحســار كثافــة االنخراطــات يف االتحــاد‬
‫بحســب توســع نســيج األجــراء مــن منطقــة إىل أخــرى وبمراعــاة‬
‫لتقاطــع الجغرافيــا واملهنــة‪.‬‬

‫‪ 4-‬وألن الدولــة التــي شــارك االتحــاد يف بنائهــا بقــوة كانــت –ويف الواقــع‬
‫الزالــت‪ -‬أهــم مشــغل لألجــراء‪ ،‬فــإن عالقتــه القويــة بهــذه الدولــة‪،‬‬
‫وتبعيتــه لدواليــب عملهــا ماليــا‪ ،‬كانــت تفــرز باســتمرار توتــرا يصــل‬
‫أحيانــا إىل حــد األزمــة الخطــرة‪.5‬‬

‫‪ 5-‬بســبب شــبه التناظــر االجتماعــي والتنظيمــي‪ ،‬واالشــراك يف نفــس‬


‫املبــادئ الثقافيــة للقيــادة‪ ،‬تحــول االتحــاد والحزب‪-‬الدولــة إىل قطبــن‬
‫مميزيــن‪ ،‬جذرهمــا االجتماعــي مختلــط إىل حــد كبــر (الخاليا الدســتورية‬
‫املهنيــة)‪ ،‬وكالهمــا يؤمــن بــرورة وحــدة التمثيــل التنظيمــي والفكري‪،‬‬
‫لكــن نخبهمــا القياديــة يتواجهــان لتكريــس مبــادئ متنافــرة ( الحــزب‬

‫‪ 4‬املرجع السابق‪ ،‬مقدمة املرشوع‪.‬‬


‫‪5‬‬
‫‪Allouche, S., UGTT, de Hached à Nobel, témoignage, Tunis, CAEU Med Ali Editions,‬‬
‫‪2016, chap. 6 et 7‬‬

‫‪18‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫الــذي تســعى نخبــه املتنفــذة اجتماعيــا وإىل حــد مــا ماديــا إىل احتــكار‬
‫الدولــة واملــوارد‪ ،‬ويف املقابــل النقابــة ونخبتهــا التــي يســعى قســم منهــا‬
‫عــى األقــل إىل االســتقالل والدفــاع عــن حقــوق األجــراء)‪ ،‬ويمارســان‬
‫ذلــك التنافــر عــر آليــات يشــخصنها زعمــاء بينهــم عالقــات حميميــة‪-‬‬
‫تصارعيــة كثــرا مــا تــؤدي إىل أحــداث دراميــة‪. 6‬‬

‫هــذه املبــادئ النقابيــة وهــذه العالقــة الوثيقــة بدواليــب الدولــة ويف نهايــة‬
‫األمــر الحــزب الوحيــد يف البــاد‪ ،‬اســتمرت حــوايل عقديــن مــن الزمــن‪ ،‬لــم‬
‫يكــن خاللهــا مطروحــا عــى االتحــاد التفاعــل الكثيــف والواضــح مــع محيطــه‬
‫الســيايس الخــارج عــن نطــاق هــذه العالقــة‪ .‬فقــد كان مــروع الســتينيات‬
‫مــروع االتحــاد‪ ،‬وقــد تلقفــت قيــادة الحــزب هــذا املــروع لينخــرط الطرفان‬
‫يف تنفيــذه بشــكل كاد أن يجعلهمــا كتلــة واحــدة (هنــاك مــن يزعــم أن أحمــد‬
‫بــن صالــح كان طــرح فكــرة دمــج الحــزب يف االتحــاد بينمــا طــرح بورقيبــة‬
‫فعليــا ضــم جميــع املنظمــات الوطنيــة تحــت قيــادة الحــزب)‪ ،‬وهــذا التقــارب‬
‫العضــوي حــدث رغــم أن زعيمــن مــن زعمــاء االتحــاد التاريخيــن ( التليــي‬
‫والحبيــب عاشــور) أزيحــا عــن قيــادة النقابــة بســبب رفضهمــا سياســة‬
‫الهيمنــة املبــارشة للحــزب الــذي كانــا يف نفــس الوقــت مــن قادتــه‪.‬‬

‫ملخــص لكيفيــة تأقلــم االتحــاد مــع هــذه الفــرة وفــق مبادئــه األربعــة‬
‫التــي بنــي عليهــا ‪:‬‬

‫‪ -‬انخــرط االتحــاد بقــوة يف بنــاء الدولــة مــن بــاب الرشاكــة يف بنــاء‬


‫مصــر البــاد‪ ،‬وإذن واصــل ممارســة مفهومــه للعمــل النقابــي دون‬
‫انفصــال عــن مجــال السياســة‪.‬‬
‫‪ -‬ضمَ ــن مبــادئ الرعايــة واملســاواة والتوزيــع العــادل للثروات ملؤسســات‬
‫الدولــة التــي شــارك يف بنائهــا‪ .‬وبذلــك تمســك بمبادئــه وقيمــه األوىل ذات‬
‫األصــول الثقافيــة واألنثروبولوجيــة العميقة‪.‬‬
‫‪ -‬بحكــم مشــاركته يف بنــاء دولــة الرعايــة واملســاواة املشــغلة ألكــر عــدد‬
‫ممكــن مــن القــوة العاملــة‪ ،‬توســعت قاعدتــه االجتماعيــة وترســخت يف‬

‫‪ 6‬راجــع الوصــف الــذي قدمــه الصــادق علــوش آلخــر لقــاء دار بــن بورقيبــة والحبيــب عاشــور قبــل اإلفــراج عنــه ســنة‬
‫‪ ،1983‬املرجــع الســابق‪ ،‬ص ص ‪175-173‬‬

‫‪19‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫مجــال الوظيفــة واملؤسســات االقتصاديــة العامــة (التعليــم‪ ،‬الصحــة‪)...‬‬


‫‪ -‬واصــل االتحــاد تمســكه باالســتقاللية رغــم تبعيتــه املاليــة لدواليــب‬
‫الدولــة‪ 7‬وانخــراط الكثــر مــن قادتــه يف الحزب‪-‬الدولــة (أحمــد بــن‬
‫صالــح‪ ،‬الحبيــب عاشــور‪ ،‬أحمــد التليــي)‬

‫منعرج السبعينيات‬

‫بعــد ســقوط تجربــة التعاضــد بــدأت منظومــة اقتصادية‪-‬سياســية مختلفــة‬


‫تــرى النــور‪ .‬هــذه املنظومــة الجديــدة لــم تســجل تحــوال فارقــا يف مفاهيــم‬
‫العمــل النقابــي أو الســيايس لــدى كل مــن االتحــاد والحــزب‪ -‬الدولــة ‪ ،‬لكنهــا‬
‫تضمنــت ثالثــة عنــارص جديــدة مهمــة للغايــة‪:‬‬

‫أوال‪ ،‬اســتعادت نخبــة الحزب‪-‬الدولــة زمــام املبــادرة اإليديولوجيــة‪ ،‬فتخلــت‬


‫عــن مــروع االتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬وتولــت إرســاء التوجــه‬
‫االقتصادي‪-‬االجتماعــي الجديــد للبــاد معتمــدة عــى الفئــة الناشــئة لألعــراف‬
‫وعــى املســتثمرين األجانــب‪ .‬وقــد تجســد ذلــك عمليــا يف خيــار التوجــه بحــذر‬
‫نحــو اللرباليــة االقتصاديــة‪ ،‬ويف االرتبــاط مبــارشة بــروط الصناديــق الدوليــة‬
‫لالســتثمار كمــا ســيحدث ذلــك بشــكل الفــت يف الثمانينيــات‪.‬‬

‫ثانيــا‪ ،‬تشــكلت مســافة إيديولوجيــة وسياســية أكثــر وضوحــا بــن الدولــة‪-‬‬


‫الحــزب واالتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬ليصبحــا القطبــن الوحيديــن الذيــن‬
‫ّالن بعالقاتهمــا إيقاعــات الحيــاة السياســية يف البــاد‪.‬‬
‫يُع ـد ِ‬

‫ثالثــا‪ ،‬ظهــرت تيــارات سياســية جديــدة يف البــاد‪( ،‬بعضهــا وليــد حركــة آفاق‬
‫القديمــة‪ ،‬وبعضهــا ذو لــون إســامي‪ ،‬بينمــا تشــكل القســم اآلخــر نتيجــة‬
‫األزمــة السياســية التــي أصابــت القطــب الســيايس املقابــل لالتحــاد (تجــذر‬
‫االســتبداد داخــل الحزب‪-‬الدولــة‪ ،‬شــيخوخة الزعيــم‪ ،‬ظهــور تيــارات معارضــة‬
‫داخــل هــذا التنظيــم)‬
‫امتــدت هــذه الفــرة قرابــة عقديــن مــن الزمــن‪ ،‬وهــي يف رأيــي الفــرة التــي‬
‫‪ 7‬كان االتحــاد يحصــل مــن طــرف الخزينــة العامــة للدولــة عــى قيمــة انخراطــات األجــراء يف القطــاع العــام مقتطعــة‬
‫مبــارشة مــن رواتبهــم‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫اختمــرت وتشــكلت خاللهــا‪ ،‬أحيانــا بشــكل درامــي وعاطفــي كبــر‪ ،‬ذاكــرة‬


‫العمــل النقابــي وفنــون ممارســته التــي نراهــا لــدى نخبــة االتحــاد الحاليــة‪.‬‬
‫ويف هــذا الســياق كان البــد للنقابــة مــن تكييــف مبادئهــا األساســية األربعــة‬
‫مــع هــذه املرحلــة‪.‬‬

‫‪ 1-‬يف بدايــة هــذه املرحلــة تراجــع البعــد الســيايس الرصيــح يف مفهــوم‬


‫االتحــاد للعمــل النقابــي‪ ،‬وأخــذ مكانــه يف األهميــة الجانــب املطلبــي‪ .‬لقد‬
‫شــكل مطلــع الســبعينيات بدايــة توســع االســتثمار الرأســمايل األجنبــي‬
‫يف تونــس (قانــون ‪ ،)1972‬الــذي كان يبحــث عــن التشــجيعات الجبائيــة‬
‫واليــد العاملــة الرخيصــة‪ .‬وقــد تأقلــم االتحــاد مــع هــذا الوضــع بــأن‬
‫ركــز جهــده عــى املســائل التنظيميــة والقانونيــة الحمائيــة واملطلبيــة‪.8‬‬
‫‪ 2-‬تحــول االتحــاد إىل رشيــك مــن نــوع جديــد يتفــاوض مــع الدولــة‬
‫واألعــراف عــى مزايــا ونواقــص سياســتها التشــغيلية واالجتماعيــة عــر‬
‫عقــد اجتماعــي شــامل‪.9‬‬
‫‪ 3-‬حــاول االتحــاد دعــم اســتقالليته يف مرحلــة أوىل لكنــه تحــت الضغــط‬
‫الكبــر ووفقــا لعالقتــه العضويــة بالحزب‪-‬الدولــة اضطــر بــن ‪1981‬‬
‫و‪- 1987‬موحــدا ثــم منقســما‪ -‬إىل املســاندة السياســية لهــذا األخــر‪. 10‬‬
‫واســمحوا يل هنــا أن أقدم مالحظــة أنثروبولوجية‪ :‬بســبب تشــارك االتحاد‬
‫والحــزب يف نفــس املفهــوم الزعامــي للقيــادة ‪ ،‬وبســبب كثافــة العالقــة‬
‫الشــخصية والســيكولوجية بــن قائــدي القطبــن التنظيمــن الوحيدين يف‬
‫البــاد (الحبيــب عاشــور وبورقيبــة)‪ ،‬فــإن مســافة اســتقاللية املنظمــة‬
‫الشــغيلة عــن الدولة‪-‬الحــزب كانــت تقــاس بمــدى تقــارب أو تباعــد‬
‫الزعيمــن‪ ،‬وبقــدرة كل منهمــا عــى حشــد أدوات الضغــط ومرسحتهــا‪.‬‬
‫ففــي مقابــل الزعيــم وأنصــاره كان هنــاك زعيــم وأنصــاره‪« ،‬والــرخ ال»‬
‫– كمــا يقــول أبنــاء االتحــاد‪ -‬مــن الطرفــن‪.‬‬
‫‪ 4-‬تبنــى االتحــاد أخالقيــا وأحيانــا عمليــا قســما مــن مطالــب القــوى‬
‫االجتماعيــة التــي نشــأت مــن مخلفــات فشــل التجربــة التعاضديــة‬
‫‪ 8‬أنظــر اإلنجــازات القانونيــة الحمائيــة التــي حققهــا االتحــاد يف تلــك الفــرة‪ ،‬يف‪ ،‬الصــادق علــوش‪ ،‬املرجــع الســابق‪،‬‬
‫ص‪.‬ص‪105-83 .‬‬
‫‪ 9‬نفس املرجع‪ ،‬صص‪110-106 .‬‬
‫‪ 10‬شــارك االتحــاد يف االنتخابــات الترشيعيــة املتعــددة واألوىل يف البــاد ســنة ‪ 1981‬إىل جانــب الحزب االشــراكي الدســتوري‪،‬‬
‫وكان نصيبــه ‪ 27‬مقعــدا يف الربملان‬

‫‪21‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫وتأثــرات التوجــه االقتصــادي اللــرايل‪ ،‬أو تلــك التــي انفصلــت عــن‬


‫الحزب‪-‬الدولــة يف حــد ذاتــه‪ .‬لكــن قيادتــه –يف رأيــي‪ -‬كانــت إىل حــد مــا‬
‫مدفوعــة دفعــا إىل ذلــك‪ ،‬ألن القاعــدة االجتماعيــة لالتحــاد بــدأت تتغــر‬
‫عــر اســتيعاب املنظمــة ألجــراء جــدد‪ ،‬بعضهــم آت مــن الحركــة الطالبية‬
‫ومــن تيــارات ديمقراطيــة تحرريــة (شــارك االتحــاد يف تأســيس الرابطــة‬
‫التونســية للدفــاع عــن حقــوق االنســان عــن طريــق النقابــي اليوســفي)‪.‬‬

‫ملخص املرحلة ‪1987-1970‬‬

‫‪ -‬انتقــل االتحــاد مــن مصمــم أصــي للدولــة وللنمــوذج املجتمعــي إىل‬


‫رشيــك اجتماعــي يف سياســة األجــور والحمايــة االجتماعيــة‪.‬‬
‫‪ -‬أصبــح مطلبيــا باألســاس‪ ،‬مدافعــا عــن األجــراء وفــق مفاهيــم العدالــة‬
‫واملســاوة والكرامة‪.‬‬
‫‪ -‬بقــي وفيــا لفكــرة االســتقاللية‪ ،‬و كــرس ذلــك رمزيــا مــن خــال‬
‫خــروج زعيمــه مــن الديــوان الســيايس للحزب‪-‬الدولــة ســنة ‪.1977‬‬
‫‪ -‬بــدأ يكــرس ممارســة مختلفــة للمضمــون الســيايس الــذي يعطيــه‬
‫للعمــل النقابــي‪ ،‬تمثــل يف توجهــه املتزايــد نحــو التفاعــل مــع مطالــب‬
‫التيــارات االجتماعيــة والسياســية الجديــدة التــي نشــأت يف محيطــه‬
‫الجديــد‪.‬‬

‫اسمحوا يل اآلن بمالحظتني‪.‬‬

‫‪ 1-‬املالحظــة األوىل هــي أن هــذه املرحلــة انتهــت يف النصــف الثانــي‬


‫مــن الثمانينيــات‪ ،‬وخــال كل هــذه الفــرة والفــرة التــي ســبقتها كان‬
‫االتحــاد يشــتغل تنظيميــا وقياديــا بشــكل يــكاد يكــون متناظــرا مــع‬
‫الحزب‪-‬الدولــة‪ .‬وقــد حــاول هــذا األخــر اســتعمال تلــك الروابــط للتأثري‬
‫عــى اســتقاللية االتحــاد وعــى مفهومــه للعمــل النقابــي‪ .‬وهنــا نالحــظ‬
‫أن أخطــر األزمــات التــي مــر بهــا هــذا األخــر كانــت تســتهدف قناعــة‬
‫اشــرك فيهــا مــع الحزب‪-‬الدولــة‪ ،‬وهــي بالنســبة لالتحــاد احتــكار‬
‫رشعيــة تمثيليــة األجــراء فكــرا وتنظيمــا‪ ،‬ألنهــا تُجســد بالنســبة لــه‬
‫مبــدأ وحــدة الشــغالني أمــام االســتغالل‪ ،‬يف مقابــل احتــكار الحــزب‬

‫‪22‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫للحيــاة السياســية ألنــه يعتــر ذلــك رشطــا مــن رشوط وحــدة األمــة‬
‫أمــام نــوازع االنقســام والتشــتت (بورقيبــة‪ :‬الشــيطان النوميــدي)‪ .‬ويف‬
‫كال الحالتــن كان هنــاك دائمــا زعيــم‪ .‬لكــن خــال ثالثــة عقــود مــن‬
‫حكــم زعيــم الحزب‪-‬الدولــة (بورقيبــة) أزيــح ‪ 3‬زعمــاء لالتحــاد مــن‬
‫مناصبهــم بتدخــل مــن خــارج املنظمــة وبنفــس األســلوب‪ :‬أحمــد بــن‬
‫صالــح‪ ،‬أحمــد التليــي والحبيــب عاشــور‪ ،‬هــذا إضافــة إىل مؤســس‬
‫االتحــاد الــذي أزاحــه املســتعمر بوســيلة االغتيــال‪.‬‬

‫‪ 2-‬املالحظــة الثانيــة هــي أن االنشــقاقات التــي عرفهــا االتحــاد طيلــة‬


‫هــذه الفــرة لــم تكــن نابعــة مــن مســتجدات مهنيــة قويــة طــرأت‬
‫عــى عالــم الشــغل واألجــراء الــذي يدافــع عنــه‪ ،‬أو مــن عالقتــه بالقــوى‬
‫السياســية والجمعياتيــة التــي بــدأت بالتشــكل خــارج الرقابــة املبــارشة‬
‫للحزب‪-‬الدولــة‪ ،‬بــل مــن طبيعــة عالقتــه بهــذا الحــزب الــذي ينتمــي‬
‫إليــه قســم مــن قادتــه‪.‬‬

‫منعرج آخر الثمانينات‬

‫بعــد نوفمــر ‪ 1987‬تبلــورت منظومــة سياســية‪-‬اقتصادية لــم تقطــع مــع‬


‫املــايض لكــن النظــام الجديــد أضــاف لهــا بصمتــه الخاصــة‪.‬‬

‫‪ 1-‬تأكــد التوجــه اللــرايل التنمــوي للسياســة االقتصاديــة املتبعــة يف‬


‫صالــحأقليــةاجتماعيــةانفــردتبالفصــليفالخيــاراتالتنمويــةالعامــة‪.‬‬
‫‪ 2-‬انغلــق النظــام الســيايس عــى نفســه رغــم التعدديــة الحزبيــة‬
‫الشــكلية‪ ،‬واســتعمل العنــف ضــد كل القــوى الديمقراطيــة‪ ،‬ليتحــول‬
‫املتنفــذون فيــه إىل شــبه عصابــة مافيوزيــة‪ ،‬مــا شــوه اقتصــاد الســوق‬
‫مفهومــا وممارســة‪.‬‬
‫‪ 3-‬جــرى التضييــق األقــى (باملنــع و‪/‬أو بالســجن) عــى املنظمــات‬
‫الحزبيــة والجمعياتيــة املســتقلة التــي تُقاســم االتحــاد قيمــه يف العدالــة‬
‫والحريــة والكرامــة‪ .‬وقــد نتــج عــن ذلــك تبلــور حــركات اجتماعيــة‪ ،‬ال‬
‫أحــد يتحكــم فيهــا‪ ،‬تقــاوم ســلبيا أو فعليــا حالــة الحرمــان واالســتبداد‪.‬‬
‫‪ 4-‬بفعــل تراكــم سياســة الســبعينيات‪ ،‬وانخــراط تونــس بدايــة مــن‬

‫‪23‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫منتصــف الثمانينيــات يف سياســة إعــادة الهيكلــة البنيويــة لالقتصــاد‬


‫واملؤسســات والتشــغيل‪ ،‬بــدأ عالــم االجــراء‪ ،‬الذيــن يصبــو االتحــاد إىل‬
‫ضمهــم وتمثيلهــم‪ ،‬يتغــر كمــا وكيفــا (بعــض التقديــرات تقــول أن‬
‫عــدد املنخرطــن يف االتحــاد قــد ال يتجــاوز ال ‪ 20%‬مــن مجمــوع القــوة‬
‫الشــغيلة‪ ،‬وعــدد العمــال يف القطــاع الخــاص انتقــل مــن بضعــة آالف يف‬
‫فجــر االســتقالل إىل ‪ 650‬ألــف ســنة ‪.2015‬‬

‫تطور نسبة السكان النشطني يف تونس حسب القطاع‬

‫‪%2010‬‬ ‫‪1990‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1960‬‬


‫وعدد األجراء‬ ‫القطاع‬
‫باأللف‬ ‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬ ‫‪%‬‬
‫‪588‬‬ ‫‪17.9‬‬ ‫‪25.2‬‬ ‫‪31.3‬‬ ‫‪45‬‬ ‫الفالحة والصيد البحري‬
‫‪598‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪20.1‬‬ ‫‪16.0‬‬ ‫‪6.9‬‬ ‫الصناعات التحويلية‬
‫‪485‬‬ ‫‪14.8‬‬ ‫‪14.5‬‬ ‫‪17.0‬‬ ‫‪17.4‬‬ ‫الصناعات غري التحويلية‬
‫‪1044 31.9‬‬ ‫‪22.7‬‬ ‫‪19.5‬‬ ‫‪17.1‬‬ ‫الخدمات التجارية‬
‫‪563‬‬ ‫‪17.2‬‬ ‫‪17.5‬‬ ‫‪16.3‬‬ ‫‪13.3‬‬ ‫الخدمات اإلدارية‬

‫الشــكر املوصــول للصديــق حمــادي التيــزاوي الــذي مدنــي بهــذه األرقــام قبــل‬
‫نرش ها ‪.‬‬

‫كيف تأقلم االتحاد مع هذا السياق الجديد؟‬

‫‪ -‬تخــى –ولكــن ربمــا ليــس نهائيــا!‪ -‬عــن طموحــه األصــي يف تصميــم‬


‫الدولــة وتحديــد الخيــارات التنمويــة للبــاد (يف كثــر مــن املــرات راودت‬
‫بعــض قيــادات االتحــاد فكــرة إنشــاء حــزب عمــايل‪ ،‬وأظــن أن هــذا لــه‬
‫عالقــة بمفهومــه األصــي للعمــل النقابــي الــذي ال يخلــو مــن طمــوح‬
‫للحكــم‪).‬‬
‫‪ -‬تراجــع عــن ممارســة القيــادة الزعاميــة املتفــردة يف العمــل النقابــي‪.‬‬
‫وهنــا تواصــل التناظــر مــع الطــرف املقابــل تبعــا للتطــورات التــي‬

‫‪24‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫جــرت داخلــه‪ .‬إذ أنــه أصبــح لنــا مــن جهــة رئيــس بريوقراطــي أمنــي‬
‫ليــس لــه مواصفــات الزعامــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى أمنــاء عامــون‬
‫يســتمرون –مثــل رئيــس الدولــة‪ -‬يف مناصبهــم لفــرات طويلــة «دون‬
‫مشــاكل» ويســاندون سياســيا‪ ،‬إىل حــد مــا وعنــد الطلــب‪ ،‬الطــرف‬
‫املقابــل‪ .‬ومثلمــا بــدأ نمــط العمــل البريوقراطــي يســيطر عــى أجهــزة‬
‫الحكــم وعــى مختلــف مســتويات التنظيــم داخــل الحزب‪-‬الدولــة‪ ،‬بــدأ‬
‫أيضــا منــذ التســعينيات نفــس النمــط يخيــم عــى دواليــب عمــل قيــادة‬
‫االتحــاد‪ .‬ســنرى أن الديناميكيــة الداخليــة لهــذا األخــر كانــت رغــم ذلــك‬
‫مختلفــة‪ ،‬وأنــه ســتكون لذلــك نتائــج مهمــة جــدا عــى األحــداث ســنة‬
‫‪.2011‬‬
‫‪ -‬لــم يتخــل االتحــاد عــن فكــرة الوحــدة التمثيليــة للعمــل النقابــي‪،‬‬
‫وبقــي يشــرك يف ذلــك مــع الحــزب –الدولــة‪ ،‬رغــم أن هــذا األخــر‬
‫اســتعمل دائمــا آليــة االنشــقاق الداخــي للضغــط عليــه‪.‬‬
‫خفف االتحاد من دفاعه الرصيح عن االستقاللية‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬تــرك البــاب مفتوحــا الســتيعاب القــوى االجتماعيــة التحرريــة يف‬
‫نســيجه التمثيــي‪ ،‬دون تبنــي مطالبهــا علنــا‪.‬‬
‫‪ -‬بــدأ يفكــر جديــا يف التغــر الحاصــل يف مجــال العمــل ويف خصائــص‬
‫قاعدتــه االجتماعيــة (قســم الدراســات)‪.‬‬

‫منعرج ‪2011-2010‬‬

‫قبــل أن أعــرض عليكــم أهــم خصائــص هــذا املنعــرج التاريخــي الجديــد‬


‫يف حيــاة تونــس واالتحــاد العــام التونــي للشــغل تحديــدا‪ ،‬عــى األقــل مــن‬
‫وجهــة نظــري‪ ،‬والتحديــات التــي يضعهــا أمــام املنظمــة الشــغيلة ‪ ،‬أحــب أن‬
‫أرشح مســألة مهمــة لــم أتعــرض لهــا يف هــذه الورقــة وبقيــت مخفيــة يف ثنايــا‬
‫التشــخيص والتحليــل‪ :‬الديمقراطيــة داخــل االتحــاد‪ .‬لقــد تركتهــا إىل األخــر‬
‫ألننــي أظــن أنهــا تشــكل أحــد مفاتيــح مــايض ومســتقبل االتحــاد يف مقابــل‬
‫القطــب التاريخــي اآلخــر الــذي انهــار‪ ،‬أعنــي الدولة‪-‬الحــزب‪.‬‬

‫يف مؤتمــر االتحــاد ســنة ‪ 2011‬قــال األمــن العــام املتخــي الســيد عبــد الســام‬
‫جــراد يف الالئحــة العامــة التــي قدمهــا مــا يــي‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫« ولعــل املتأمــل يف التاريــخ يلمــس بوضــوح أن الحركــة النقابيــة تأسســت يف‬


‫العرشينيــات‪ ،‬أي مــع تأســيس الحــزب القديــم‪ ،‬وعايشــت الحــزب االشــراكي‬
‫الدســتوري‪ ،‬ثــم التجمــع الدســتوري الديمقراطــي‪ ،‬ولكــن أيــن هــي تلــك‬
‫األحــزاب؟ لقــد اندثــرت جميعهــا وظــل االتحــاد العــام التونــي للشــغل صامدا‬
‫شــامخا واقفــا يف وجــه كل محــاوالت االحتــواء والتدجــن‪...‬إن صمــود االتحــاد‬
‫العــام التونــي للشــغل راجــع باألســاس إىل طبيعــة العمــل النقابــي وإىل‬
‫الخيــارات التــي قــام عليهــا‪ ،‬والتــي كانــت يف العمــوم املنــارة التــي تهــدي‬
‫النقابيــن إذا ضلــوا الســبيل‪ :‬التــازم يف النضــال بــن البعديــن الوطنــي‬
‫واالجتماعــي‪ ،‬اســتقاللية املوقــف‪ ،‬ديمقراطيــة القــرار‪ ،‬حريــة النشــاط‪».11‬‬

‫أظــن أن هــذا التفســر ليــس خاصــا بالســيد عبــد الســام جــراد‪ ،‬فاللوائــح‬
‫ال تكتــب بنــاء عــى وجهــات نظــر خاصــة‪ .‬ســأعود بعــد قليــل إىل عنــر‬
‫أســايس موجــود يف االتحــاد ويفــر إىل حــد بعيــد ديمومتــه‪ ،‬لكــن الســيد‬
‫جــراد لــم ينتبــه إليــه‪ ،‬أو ربمــا بخســه حقــه الــذي هــو عــايل القيمــة‪ ،‬وظهــرت‬
‫حساســيته يف ثــورة ‪ 14‬جانفــي‪ .‬لكننــي قبــل ذلــك ســأحاول أن أقيــس متانــة‬
‫هــذا التفســر باملمارســات التاريخيــة الفعليــة لالتحــاد يف مواجهــة مختلــف‬
‫التحديــات التــي رشحتهــا‪ ،‬وذلــك للتأكــد مــن صدقيــة هــذا التفســر‪.‬‬

‫‪ -‬أوال رأينــا أن االتحــاد لــم يكــن مســتقال طيلــة تاريخــه يف نشــاطه‬


‫وخياراتــه‪ ،‬عــى األقــل خــال العرشيتــن األوىل والثانيــة وخــال الفــرة‬
‫العصيبــة لنظــام بــن عــي‪ .‬لقــد كان مرتبطــا عضويــا بالحزب‪-‬الدولــة‪.‬‬
‫وهكــذا كانــت االســتقاللية‪ ،‬مــن الناحيــة العمليــة‪ ،‬مطلبــا مبدئيــا أكثــر‬
‫منهــا ممارســة فعليــة‪ .‬وخــال أصعــب فــرة ناضــل االتحــاد فيهــا‬
‫جديــا مــن أجــل االســتقاللية‪ ،‬أقصــد منتصــف الســبعينيات إىل غايــة‬
‫منتصــف الثمانينيــات‪ ،‬كان الــراع عــى االســتقاللية يجــري بوســيلة‬
‫املواجهــة بــن زعيمــن عدويــن حميمــن ‪.12‬‬

‫‪ 11‬االتحاد العام التونيس للشغل‪ ،‬وثائق مؤتمر طربقة‪ ،‬تونس‪( ،2011 ،‬الالئحة العامة)‬
‫‪ 12‬أنظــر تفاصيــل هــذه العالقــة يف ‪ :‬محمــد الصيــاح‪ ،‬الفاعــل والشــاهد‪ ،‬حــوار مولــدي األحمــر‪ ،‬تونــس ســراس للنــر‪،‬‬
‫‪2011‬‬

‫‪26‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ -‬ثانيــا رأينــا أن حريــة النشــاط النقابــي لم تكــن إال شــعارا‪ ،‬وأن االتحاد‬
‫كان يشــرك مــع القطــب املقابــل يف عقيــدة وحــدة التنظيم والعمل ســواء‬
‫النقابــي أو الســيايس‪ ،‬فــكال القطبــن يــرى التعدديــة خطــرا‪ ،‬رغــم أن‬
‫النظــام كان يســتعمل آليــة االنشــقاق مــن حــن آلخــر للضغــط عــى‬
‫املنظمــة النقابيــة‪.‬‬

‫مــن زاويــة النظــر هــذه لــم تكــن ديمومــة االتحــاد نابعــة مــن اســتقالليته‬
‫الحقيقيــة عــن أهــم قطــب ســيايس مقابــل لــه‪ ،‬وال مــن إيمانــه بحرية النشــاط‬
‫النقابــي‪ ،‬وربمــا لــو أنــه حــاول فــرض اســتقالليته التامــة عــن الدولة‪-‬الحــزب‬
‫أو أنــه «ســمح» فكريــا وعمليــا بالتعــدد النقابــي ملــا صمــد طويــا مثلمــا‬
‫صمــد‪ ،‬وبقــي هــو حيــث اندثــر القطــب املقابــل‪.‬‬

‫‪ -‬فيمــا يخــص عقيــدة التــازم بــن الدفــاع عــن الشــغالني واالهتمــام‬


‫بالشــأن الوطنــي‪ ،‬كمــا كانــت تمــارس مــن طــرف االتحــاد‪ ،‬يمكــن‬
‫التأكيــد عــى صدقيــة هــذا العنــر التفســري ولكــن بشــكل نســبي‪،‬‬
‫إذ أن االتحــاد انتقــل خــال مســرته النضاليــة حتــى فجــر الثــورة مــن‬
‫مناضــل وطنــي أســايس (وأحيانــا أول) ضــد االســتعمار‪ ،‬إىل مصمــم‬
‫أصــي للدولــة التونســية‪ ،‬إىل رشيــك تعاقــدي يتدحــرج أحيانــا إىل مجــرد‬
‫رشيــك مســاند‪.‬‬

‫‪ -‬بقــي يف تفســر الســيد عبــد الســام جــراد لديمومــة االتحــاد عنــر‬


‫الديمقراطيــة‪ .‬أظــن أن هــذا هــو مربــط الفــرس يف صالبــة عــود املنظمــة‬
‫خــال كامــل مســرتها النضاليــة باملقارنــة مــع القطــب املقابــل‬
‫الحزب‪-‬الدولــة‪ .‬لكــن عندمــا اتحــدث عــن الديمقراطيــة يف االتحــاد ال‬
‫أتكلــم عــن التــداول عــى املســؤوليات الكــرى‪ ،‬مثــل عضويــة املكتــب‬
‫التنفيــذي أو منصــب األمانــة العامــة‪ .‬فهــذه الواجهــة كانــت محكومــة‬
‫بعالقــة املنظمــة النقابيــة بقطــب الحزب‪-‬الدولــة املقابــل‪ ،‬الــذي كانــت‬
‫قيــادات االتحــاد تشــرك معــه يف نفــس الثقافــة السياســية‪ ،‬دون أن ننىس‬
‫مســألة املصالــح الفرديــة التــي ال تخلــو منهــا أيــة منظمــة‪ .‬ولذلــك فــإن‬
‫هــذا العنــر ال يكتســب كل مكانتــه إال إذا ربطنــاه بالعنــر الــذي قلــت‬
‫أن الســيد عبــد الســام جــراد نســيه‪ :‬إنــه العنــر األخالقــي املتعلــق‬

‫‪27‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫بتشــبث االتحــاد بقيــم العدالــة واملســاواة والكرامــة يف العمــل ويف توزيــع‬


‫ثمــار العمــل‪ ،‬وهــي قيــم منغرســة بعيــدا يف األصــول األنثروبولوجيــة‬
‫التاريخيــة لظهــور العمــل النقابــي يف حــد ذاتــه‪ ،‬كمــا رشحــت ذلــك‬
‫ســابقا‪ .‬فالديمقراطيــة داخــل االتحــاد شــملت بالخصــوص هيكلتــه‬
‫التنظيميــة التــي أعطــت الفرصــة لــكل قطــاع كــي يبنــي تمثيليتــه‬
‫مــن الداخــل وبواســطة انتخابــات نزيهــة يف عمومهــا ال تؤثــر فيهــا‬
‫كثــرا‪ ،‬عــى مســتوى‪ ،‬القاعــدة اعتبــارات األصــول االجتماعيــة للمرتشــح‬
‫ومصلحتــه االقتصاديــة وطموحاتــه السياســية (اســتخدمت يف بعــض‬
‫األحيــان متغــرات الجهــة أو القطــاع يف حشــد األنصــار)‪ .‬وألن أغلــب‬
‫منخرطــي االتحــاد يأتــون مــن أوســاط فقــرة أو متوســطة تتــوق إىل‬
‫العــدل واملســاواة وحفــظ الكرامــة‪ ،‬فــإن االتحــاد بقــي دائمــا يف أعينهــم‬
‫براقــا ومقنعــا ليــس بســبب اإلنجــازات التــي يحققهــا لهــم فحســب‬
‫ولكــن اللتقائــه أخالقيــا بمعايريهــم وقيمهــم‪.‬‬

‫يمكــن أن نالحــظ اآلن أن ســبب انهيــار التجمــع الدســتوري الديمقراطــي‪،‬‬


‫وانكشــاف عــدم فاعليتــه خــال ثــورة ‪ ، 1-14/10-17‬هــو خســارته لرهــان‬
‫الديمقراطيــة عــى مســتوى القاعــدة بعــد أن تحــول حزبــه إىل ماكينــة ارتشــاء‬
‫ومصالــح ذات بعــد نفعــي مبــارش وشــخيص ال مــكان فيهــا لقيــم العدالــة‬
‫والكرامــة والحريــة‪ .‬ولقــد كانــت شــعارات الثــورة هــي نفســها شــعارات‬
‫االتحــاد التــي تأســس عليهــا العمــل النقابــي منــذ قرابــة قــرن مــن الزمــن‪.‬‬

‫خالصة القول ‪ :‬عودة إىل سياق الثورة‬

‫كل العنــارص التــي قدمتهــا يف بدايــة هــذه الورقــة عــى أنهــا مــن خصائــص‬
‫املنظومــة السياســية‪-‬االجتماعية الناشــئة بعــد الثــورة يمكــن اختزالهــا يف‬
‫ثــاث كلمــات‪ :‬التعدديــة واالســتقاللية والحريــة (لــم أتكلــم عــن الديمقراطيــة‬
‫ألنهــا أشــمل مــن ذلــك وهــي الوســيلة ألشــياء أخــرى)‪ .‬هــذا يعنــي باختصــار‬
‫أن العــر الجديــد الــذي ندخلــه بحــذر وتقــدم وتأخــر هــو عــر النســبية‬
‫ا ُملعقلنــة‪ ،‬املغروســة يف الثقافــة واملؤسســات‪ .‬وإذا عمليــا ســيكون أمــام االتحــاد‬
‫أن يتهيــأ ملمارســة النســبية ثقافــة وتنظيمــا‪ ،‬وهــو مدعــو ملناقشــة عنــارص‬
‫ارتــكازه التاريخيــة األربعــة عــى ضــوء هــذا التحــول الجديــد‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ -‬يف تــازم البعديــن النقابــي والوطنــي‪ ،‬أي الســيايس‪ ،‬هنــاك قســم كبــر‬
‫مــن قواعــد االتحــاد ســيجد خــارج منظمتــه العتيــدة –إذا لــم يحــدث‬
‫نكــوص للديمقراطيــة‪ -‬فضــاء رحبــا ملمارســة السياســة‪ ،‬والواقــع الــذي‬
‫نحــن فيــه اليــوم مــن تشــتت حزبــي ومــن عجــز عــى الحشــد والفعــل‬
‫الجماعــي مســألة ظرفيــة بمنظــور املديــن املتوســط والبعيــد‪ .‬الســؤال‬
‫إذن هــو‪ :‬هــل سيســتمر االتحــاد يف التمســك بتــازم البعدين‪-‬النقابــي‬
‫والســيايس يف نشــاطه؟ وإذا نعــم مــا املضمــون الجديــد لهــذا الســيايس‬
‫بعــد أن كســب الشــعب‪ ،‬الــذي جعلــه حشــاد منتهــى نضــاالت االتحــاد‪،‬‬
‫ظــم وممارســة العمــل الســيايس بحريــة‪ ،‬بمــا يف ذلــك مــا‬ ‫حــق التن ُ‬
‫اعتــره االتحــاد دومــا مــن مشــموالت البعــد الســيايس يف عملــه النقابــي‪:‬‬
‫تصميــم النمــوذج املجتمعــي الــذي يراعــي املصالــح الكــرى للشــعب يف‬
‫االقتصــاد والثقافــة؟‬

‫‪ -‬يف موضــوع االســتقاللية‪ :‬إذا كان االتحــاد قــد عانــى كثــرا قبــل الثــورة‬
‫مــن تدخــل الدولة‪-‬الحــزب يف شــؤونه الداخليــة‪ ،‬فإنــه مدعــو اليــوم‬
‫إىل مواجهــة جميــع األحــزاب‪ ،‬وقــد بــدأ ذلــك عمليــا عــر مــا يســمى‬
‫يف عالــم السياســة «االخــراق القاعــدي»‪ .‬والســؤال هــو‪ :‬مــن الناحيتــن‬
‫التنظيميــة و «اإليديولوجيــة» مــا هــي آليــات الدفــاع التــي ســيتوخاها‬
‫االتحــاد للمحافظــة عــى اســتقالليته وللحــد مــن خطــورة التأثــر‬
‫الحزبــي عــى نشــاطه النقابــي؟‬

‫‪ -‬يف موضــوع القواعــد النقابيــة لالتحــاد‪ :‬أصبــح مــن الواضــح اليــوم أن‬
‫العــر الــذي نحــن مقبلــون عليــه يختلــف تقنيــا وتنظيميــا واجتماعيــا‬
‫عــن الــذي نعيــش فيــه حاليــا‪ .‬نحــن ‪-‬البلــدان التــي تقــف إىل اآلن عــى‬
‫عتبــه عالــم الصناعــة‪ -‬نعيــش يف فجــر عــر ثــوري عــى مســتوى‬
‫التكنولوجيــا واملعــارف املتعلقــة بهــا‪ .‬ولهــذا انعكاســات كــرى عــى عالم‬
‫الشــغل بصفــة عامــة‪ ،‬وتحديــدا عــى تقســيم العمــل وتنظيمــه‪ ،‬ليــس‬
‫بــن العاملــن يف املنشــاة االقتصاديــة فحســب إنمــا أيضــا بــن الرجــل‬
‫واملــرأة‪ .‬وهــذا لــه تأثــر قــوي عــى توزيــع األجــور‪ ،‬والتــرف يف الوقت‪،‬‬
‫وباختصــار عــى نمــط العيــش ومتطلباتــه‪ ،‬نمــط يلــوح يف أفقــه شــباب‬
‫يحــب الحيــاة والتنــوع واالبتــكار‪ .‬يف بلداننــا تســيطر الدولــة إىل حــد اآلن‬

‫‪29‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫عــى اآلليــات التفكيكيــة لهــذا للمــارد االقتصــادي الجبــار‪ ،‬ألنهــا تمثــل‬


‫أكــر مشــغل لقــوة العمــل‪ ،‬وهــي مــن ثــم تحــدد ســلم األجــور وتخضعه‬
‫إىل سياســة الدولــة العامــة‪ .‬أمــا غــدا فســيتوىل رأس املــال الخــاص ‪-‬إذا‬
‫نجحــت اللرباليــة يف فــرض مفاهيمهــا وقيمهــا عــى املجتمــع التونــي‬
‫برمتــه‪ -‬إعــادة تنظيــم هــذا املجــال‪ ،‬ربمــا بشــكل راديــكايل‪ ،‬وســتربز‬
‫مصالــح شــتى بــن األجــراء قــد يصعــب عــى النقابــة اســتيعابها كلهــا‬
‫يف هياكلهــا التنظيميــة الحاليــة‪ .‬ســأعطيكم مثــاال عمليــا‪ :‬يف قطــاع‬
‫الصحــة اليــوم هنــاك ســلك وظيفــي وســيط بــن املمرضــن واألطبــاء‬
‫اســمه التقنيــون الســاميون‪ .‬نقابيــا يدمجهــم االتحــاد يف نفــس النقابــة‬
‫مــع املمرضــن‪ ،‬ولكــن عمليــا ليــس لهــذا الســلك (الــذي يعتــر نفســه‬
‫مهنيــا أعــى رتبــة مــن هــؤالء وجميــع العاملــن يف هــذا الســلك) تأثــر‬
‫كبــر عــى تحديــد أولويــات هــذه النقابــة‪ ،‬وذلــك بفعــل الغلبــة العدديــة‬
‫للممرضــن ومســاعديهم املبارشيــن‪ ،‬علمــا بــأن الغالبيــة الســاحقة‬
‫لهــذا الســلك مــن النســاء‪ ،‬و ال يوجــد مــن بــن النســاء أي قيــادي يف‬
‫املكتــب التنفيــذي لهــذه املنظمــة‪ .‬النتيجــة انــه بمجــرد ان دعتهــم نقابــة‬
‫منافســة إىل االنضمــام إليهــا ســارعوا بالقبــول‪ ،‬ولــم تقلــل مــن نتائــج‬
‫عــن هــذا التوجــه ســوى التكتيــكات امليدانيــة لالتحــاد الــذي ال يعــرف‬
‫رسهــا إال هــو‪ .‬غــدا قــد ال يكــون األمــر كذلــك‪ .‬الســؤال كيــف ســيتأقلم‬
‫االتحــاد مــع هــذا التحــدي الــذي أصبحنــا نــرى مؤرشاتــه كميــا وكيفيــا‪.‬‬
‫‪ -‬مرجعيــات العدالــة والحريــة والكرامــة‪ :‬لقد أثبتــت ثــورة ‪ 14‬جانفي أن‬
‫الدولة‪-‬الحــزب خــرت أمــام «االتحاد‪-‬الشــعب» ألن القطــب األول كــرس‬
‫كل مــا هــو معــاد لهــذه القيــم اإلنســانية النبيلــة املتأصلــة أنثروبولوجيــا‬
‫يف ثقافــة االتحــاد‪ .‬ولكــن الســؤال الــذي ســيواجهه هــذا األخري يف الســياق‬
‫الجديــد هــو كيــف ســيحافظ عــى هــذا الرأســمال الرمــزي؟‬

‫يف الوقــت الراهــن وحتــى مســتقبل قريــب ســيظل االتحــاد أكــر قــوة يف البــاد‬
‫كمــا يقــال‪ ،‬وهــي فكــرة ربمــا تبلــورت يف مقابــل «يــا زيــن يــا بطــل والتجمــع‬
‫هــو الــكل»‪ .‬لكــن عــى املــدى املتوســط قــد نــرى االتحــاد ينشــط يف عالــم‬
‫متعــدد الفاعلــن النقابيــن‪ ،‬فيــه شــد وجــذب كبــر بــن األحــزاب عليــه أن‬
‫يحــدد موقفــه ممــا تطرحــه‪ ،‬دون أن يكــون لــه قــول فصــل يف صياغــة مالمــح‬
‫االقتصــاد والثقافــة‪ .‬عالــم فيــه عطــش شــبابي نســائي يطالــب االتحــاد‬

‫‪30‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫ والدفــاع بوســائل‬،‫بالتخــي عــن خشــونة الثقافــة الذكوريــة يف العمــل النقابــي‬


‫ لكــن‬.‫تواصليــة جديــدة عــن مطالبــه «املائعــة» ذات العالقــة بمُتــع الحيــاة‬
‫ وهــي رأس مــال االتحــاد‬،‫وحدهــا قيــم العدالــة والحريــة والكرامــة لــن تتغــر‬
.‫إذا مارســها داخليــا وخارجيــا‬

‫بيبليوغرافيا مخترصة‬

Allouche, S., UGTT, de Hached à Nobel, témoignage, Tunis, CAEU


Med Ali Editions, 2016
Ben Hmida, A., Le syndicalisme tunisien et la question de l’autono-
mie syndicale, in, ANN, 1982, pp. 15-25
BIT, Pluralisme syndical et prolifération des syndicats en Afrique
francophone, Genève, 2010
Braun, C., A quoi servent les partis tunisiens ? sens et contre sens
d’une libéralisation politique, in, Les partis politiques dans les pays
arabes, T 2, Le Maghreb (Catusse, M., S/D) Paris, Edisud, 2006, pp.
15-61.
Chouikha, l., et Geisser, V., Retour sur la révolte du Bassin Minier,
les cinq leçon politiques d’un conflit social inédit, in, Tunisie : une
révolution démocratique et sociale, Bruxelle, Formation Léon Lesoil
Asbi, 2011, pp. 10-16
Drin, L, Crise ou renforcement du syndicalisme, in, Observations et
diagnostics économiques, N 12, 1985, pp. 185-214
Ennaceur, M, Les syndicats et la mondialisation, le cas de la Tunisie,
Genève, IIES-OIT, 2000
Gagnon, M.J., Syndicalisme et classe ouvrière, histoire et évolution
d’un malentendu, in, Lien Social et Politique, N 49, 2003, pp. 15-33
Gerhard Höpp, Muhammed Ali à Berlin, étude complétée par Jo-
shua Rogers et Kathrin Wittler, Tunis, Fondation Friedrich Ebert,
2009. http://festunis.org/media/2010/Publications/10_WEB_

31
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

Pub_FES_Ali.pdf
Gobe, E., Les syndicalismes arabes au prisme de l’autoritarisme et
du corporatisme, in Olivier, D., et autres, Autoritarismes démocra-
tiques et démocraties autoritaires, Convergences Nord-Sud, Paris,
La découverte, 2008, pp. 267-28
Guiza, H., Allocution au 35ème congrès du Conseil Central Mon-
tréal Métropolitain, 13-06-2013
Hamzaoui, S., Champ politique et syndicalisme en Tunisie, in, AAN,
1999, pp. 369-380.
UGTT, Vers un renouveau syndical : diagnostic quantitatif par ses
cadres, Tunis, Département des Etudes et de la Documentation,
2006.
Yousfi, H., L’UGTT une passion tunisienne,Paris, Karthala, 2015
Zammiti, K., La question syndicale : contradictions sociales et ma-
nipulations politique, in Tunisie au présent (Camau, M., S/D), Aix-
en-Provence, 1987, pp. 287-296.

2011 ،‫ تونس‬،‫ وثائق مؤتمر طربقة‬،‫االتحاد العام التونيس للشغل‬


‫ تونــس ســراس‬،‫ حــوار مولــدي األحمــر‬،‫ الفاعــل والشــاهد‬،‫ محمــد‬،‫الصيــاح‬
2011 ،‫للنــر‬

32
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪2‬‬

‫االتحاد العام التونيس للشغل‬


‫يف ظل التعددية الحزبية‬

‫مصطفى بن أحمد‬
‫نقابي بقطاع التبغ والوقيد‪،‬‬
‫أمني عام مساعد سابق باالتحاد العام التونيس للشغل‬

‫ان االتحــاد العــام التونــي للشــغل قــد تميــز منــذ نشــأته ســنة ‪ 1946‬بجمعــه‬
‫بــن االلتــزام الســيايس والوظيفــة النقابيــة التقليديــة يف الدفــاع عــن الحقــوق‬
‫االجتماعيــة واالقتصاديــة للعمــال واملوظفــن‪ ،‬وبذلــك كان رشيــكا للحــزب الحر‬
‫الدســتوري يف النضــال الوطنــي مــن أجــل االســتقالل وتقاســم معــه زعامــة‬
‫الحركــة التحريريــة وترســخت رشعيتــه أكثــر باستشــهاد زعيمــه ومؤسســه‬
‫فرحــات حشــاد يف ‪ 5‬ديســمرب ‪ 1952‬يف القضيــة الوطنيــة‪.‬‬

‫كمــا كان االتحــاد رشيــكا كذلــك للحــزب يف بنــاء الدولــة الوطنيــة مــن خــال‬
‫الثنائيــة وقــد قــام املشــهد الســيايس عــى ثنائيــة الحــزب واالتحــاد وذلــك‬
‫ملــدة ثالثــة عقــود وكان طرفــا رئيســيا فيمــا يســمى بالجبهــة القوميــة التــي‬
‫تركــزت يف انتخابــات أفريــل ‪ 1956‬وتجــددت يف إطــار الجبهــة الوطنيــة ‪1981‬‬
‫كمــا شــارك عــدد مــن قيــادات االتحــاد يف الحكومــات األوىل بعــد االســتقالل‪.‬‬

‫تلــك الثنائيــة شــكلت العمــود الفقــري للدولــة مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‬
‫شــهدت عالقتهــا ببعضهــا العديــد مــن التوتــرات واألزمــات‪ ،‬أبرزهــا ثــاث‬
‫مواجهــات حــادة‪ ،‬األوىل ســنة ‪ 1965‬فيمــا يعــرف بأزمــة هبــوط الدينــار‪،‬‬
‫الثانيــة يف ‪ 1978‬االرضاب العــام مــن أجــل االســتقاللية‪ ،‬واألزمــة الثالثــة ‪1985‬‬
‫فيمــا يعــرف بأزمــة الخبــز‪.‬‬

‫وكانــت تعقــب تلــك االزمــات تســويات بــن الطرفــن ممــا جعــل تلــك املعادلــة‬
‫تســتمر عــى ذلــك النحــو اىل حــدود إزاحــة الرئيــس الحبيــب بورقيبــة عــن‬
‫الحكــم وحلــول نظــام الرئيــس بــن عــي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫خــال حكــم بــن عــي تراجــع الــدور الســيايس للحــزب الدســتوري ولالتحــاد‬
‫العــام التونــي للشــغل بســبب تجميــع كل الســلط بأيــدي الرئيــس وتحــول‬
‫الرئاســة اىل مؤسســة تهيمــن عــى القــرار الســيايس وباقــي مؤسســات الدولــة‪.‬‬

‫االتحاد وقوى املعارضة‬

‫اىل حــدود بدايــة الســبعينات كان االنتمــاء لالتحــاد يقتــر تقريبــا عــى‬
‫العنــر النقابــي الدســتوري‪ ،‬ومــن بدايــة الســبعينات بــدأ انضمــام فئــات‬
‫جديــدة لالتحــاد تغلــب عليهــا نزعــة معارضــة النظــام عــر قطاعــات مهنيــة‬
‫نخبويــة‪ ،‬التعليــم العــايل‪ ،‬التعليــم الثانــوي‪ ،‬البنــوك‪....‬‬

‫وقــد ادخــل هــذا االنضمــام نفســا إيديولوجيــا وبعــدا سياســيا معارضــا عــى‬
‫العمــل النقابــي أخرجــه مــن األحاديــة الحزبيــة‪ ،‬كمــا اعطــى دفعــا للممارســة‬
‫النقابيــة االحتجاجيــة مــن خــال االرضاب‪ ،‬مثــل ارضاب التعليم الثانــوي ‪1975‬‬
‫وسلســلة إرضابــات ســنة ‪ 1976‬والتــي توســعت اىل العديــد مــن القطاعــات‬
‫كالربيــد والعدليــة والتبــغ والصحــة وغريهــا‪.‬‬
‫كمــا لعبــت هــذه التيــارات دورا هامــا يف االرضاب العــام ‪ 1978‬مــن الناحيــة‬
‫امليدانيــة أو مــن ناحيــة املضمــون الســيايس واملطلبــي لخطــاب االتحــاد بربــط‬
‫املطلبــي بالســيايس وااليديولوجــي‪.‬‬

‫لــم تتضايــق الســلطة لوحدهــا مــن تعاظــم وتوســع نشــاط تلــك التيــارات‬
‫والتــي كانــت تتهمهــا الســلطة بممارســة السياســة عــى حســاب العمــل النقابي‬
‫بــل ان العالقــة بــن القيــادة النقابيــة وتلــك التيــارات هــي االخــرى راوحــت‬
‫بــن االلتقــاء والــراع حيــث عمــدت قيــادة االتحــاد اىل طــرد قــادة التعليــم‬
‫الثانــوي مــن النشــاط النقابــي بســبب ارضاب ‪ ,1975‬ويف مناســبة أخــرى‬
‫وقــع طــرد قرابــة ‪ 200‬اطــار نقابــي‪ ,‬كامــل أعضــاء الهيئــة اإلداريــة لقطــاع‬
‫التعليــم الثانــوي وإطــارات مــن الربيــد والبنــاء واملهــن املختلفــة والتبــغ بســبب‬
‫معارضتهــم التفاقيــة ‪ 13‬أفريــل ‪ 1984‬والتــي كانــت أمضتهــا القيــادة النقابية‬
‫مــع الحكومــة بســبب احتجاجاتهــم يف احتفــاالت احيــاء ذكــرى ‪ 1‬مــاي ‪.1984‬‬

‫ويف املقابــل فــان التقــاء القيــادة مــع تلــك التيــارات عــزز نزعــة اســتقاللية‬

‫‪34‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫االتحــاد عــن الحــزب الحاكــم وصمــود النقابيــن يف وجــه القمــع واالعتــداءات‬


‫التــي تعرضــوا اليهــا مــن طــرف الســلطة إثــر االرضاب العــام ســنة ‪1978‬‬
‫كمــا أدى ذلــك االلتقــاء اىل افشــال مخططــات الســلطة يف وضــع يدهــا عــى‬
‫هيــاكل االتحــاد وفــرض قيــادات صوريــة ومواليــة اليهــا‪ ،‬واجبارهــا عــى‬
‫القبــول بمبــدأ اســتقاللية االتحــاد‪.‬‬

‫لقــد وجــدت املعارضــة يف االتحــاد مــاذا لهــا للحفــاظ عــى وجودهــا وفضــاء‬
‫لنــر أفكارهــا والتعبــر عــن مواقفهــا يف ظــل منــع الســلطة لحريــة التنظــم‬
‫الحزبــي منــذ ســنة ‪ 1962‬اىل ســنة ‪ .1981‬وقــد توســع حضــور التيــارات‬
‫السياســية يف أواخــر الثمانينــات ليشــمل تقريبــا كل الحساســيات املتواجــدة‬
‫عــى الســاحة‪ ،‬يســارية وقوميــة وإســامية‪....‬‬

‫وأصبحــت التيــارات السياســية مكــون مــن مكونــات الرتكيبــة النقابيــة ومعطى‬


‫انتخابــي اىل جانــب املعطــى الجهوي‪.‬‬

‫االتحاد والتعددية النقابية‬

‫يف الحقيقــة لــم تشــكل التعدديــة النقابيــة تهديــدا حقيقيــا لالتحــاد فلقــد‬
‫ســارعت ‪ USTT‬وريثــة ‪ CGTT‬باالندمــاج يف االتحــاد ابــان االســتقالل وبــاءت‬
‫كل محــاوالت انشــاء منظمــات نقابيــة تونســية اىل جانــب االتحــاد بالفشــل‬
‫وذلــك الن تلــك املحــاوالت لــم تكــن تعــر عــن مــد نقابــي خــارج االتحــاد‪ ,‬بــل‬
‫كانــت ترمــي فقــط اىل اربــاك املنظمــة النقابيــة أو الحفــر يف خالفاتهــا الداخلية‬
‫لفائــدة الســلطة مثــل تجربــة ‪ UTT‬ســنة ‪ 1957‬و ‪ FO‬القــوى العماليــة ســنة‬
‫‪ 1978‬و ‪ UNTT‬ســنة ‪ 1984‬وإن كل تلــك املحــاوالت لــم تنبثــق عــن حركيــة‬
‫نقابيــة داخليــة أو تضــارب يف املصالــح بــن فئــات مهنيــة بــل كانــت مدفوعــة‬
‫مــن طــرف الســلطة‪.‬‬

‫والتجــارب الحديثــة للتعدديــة أيضــا لــم تقتــر عــى اخــراق املفهــوم الصلــب‬
‫لألحاديــة النقابيــة ألن هــذه التجــارب تفتقــد اىل املرشوعيــة السياســية واملطلبية‬
‫حيــث أن االتحــاد مــازال اإلطــار األمثــل للتعبــر والدفــاع عــن مطالــب‬
‫مختلــف الفئــات اىل حــد االن حيــث يمتلــك القــدرة عــى الدفــاع عــن مصالــح‬

‫‪35‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫فئــات تبــدو أحيانــا متناقضــة مثــل العمــال املوظفــن ورجــال التعليــم بــكل‬
‫أصنافهــم واألطبــاء واإلطــارات اإلداريــة العليــا ومــن ناحيــة املرشوعيــة فــان‬
‫كل األحــزاب السياســية باختــاف اتجاهاتهــا لــم تقــم باملراهنــة عــى منظمــات‬
‫نقابيــة جديــدة حتــى تلــك التــي تدعــي القــرب منهــا‪.‬‬

‫إن قــوة االتحــاد تكمــن يف قدرتــه عــى احتضــان كل هــذا التعــدد والتنــوع‬
‫طــه النقابــي الــذي‬‫املتصــارع واملتناقــض أحيانــا دون أن يمــس ذلــك يف خ ّ‬
‫يرتجمــه قانونــه األســايس ونظامــه الداخــل‪.‬‬

‫االتحاد يف مواجهة التعددية الحزبية‬

‫إثــر الثــورة وجــد االتحــاد نفســه يواجــه خطــر انهيــار الدولــة أمــام االنفــات‬
‫االجتماعــي والفــوىض السياســية وظهــور عــرات األحــزاب عــى الســاحة بعــد‬
‫حــل تجمــع الحــزب الحاكــم‪ .‬ويف االن نفســه كانــت ملقــاة عــى عاتقــه تحقيــق‬
‫أهــداف الثــورة بعــد أن أخــذ التزامــا معنويــا بذلــك مــن خــال احتضــان‬
‫التحــركات وتبنــي املطالــب االجتماعيــة التــي رفعــت خــال الثــورة‪.‬‬

‫هــذا الواقــع فــرض عــى االتحــاد تحمــل مســؤولية خطــرة هــي منــع انهيــار‬
‫الدولــة والســقوط يف الفــوىض الشــاملة وااللتــزام بشــعارات الثــورة ودعــم‬
‫مطالبهــا‪.‬‬

‫ولهــذا وبالتعــاون مــع بعــض األطــراف السياســية وجمعيــات املجتمــع املدنــي‬


‫عمــل االتحــاد عــى تــايف الفــراغ الــذي خلفــه حــل الربملــان بإحــداث الهيئــة‬
‫العليــا لتحقيــق اهــداف الثــورة واإلصــاح الســيايس واالنتقــال الديمقراطــي‬
‫والتــي قامــت بوضــع املراســيم لتنظيــم الحيــاة الحزبيــة واإلعالميــة وبإنشــاء‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ممــا مهــد لتنظيــم االنتخابــات األوىل بعــد‬
‫الثــورة يف أكتوبــر ‪.2011‬‬

‫أحدثــت الخارطــة السياســية الجديــدة التــي أنتجتهــا انتخابــات ‪ 2011‬رشخــا‬


‫عميقــا يف املجتمــع بــن شــق تقــوده حركــة النهضــة وحلفاؤهــا وبــن شــق‬
‫األحــزاب املدنيــة وجمعيــات املجتمــع املدنــي والــذي كان يســعى مــن خــال‬

‫‪36‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫عالقتــه باالتحــاد إىل تعديــل موازيــن القــوى وتــدارك اختــال التــوازن الــذي‬
‫أحدثتــه تلــك االنتخابــات‪.‬‬

‫يف ظــل املــد الــذي عرفتــه تيــارات دينيــة متشــددة وظهــور مــا يســمى بروابــط‬
‫حمايــة الثــورة التــي تعتــر الــذراع امليدانــي والعنيــف لتلــك الســلطة الوليــدة‪،‬‬
‫كانــت تلــك القــوى الصاعــدة تنظــر اىل االتحــاد كحجــرة عثــرة أمــام بســط‬
‫هيمنتهــا السياســية واأليديولوجيــة عــى الســاحة‪ ,‬فراحــت تعمــل عــى اخرتاقــه‬
‫مــن جهــة وعرقلــة تحركاتــه مــن جهــة أخــرى‪ ,‬وقــد أبــرز الهجــوم العنيــف‬
‫لرابطــات حمايــة الثــورة عــى املقــر املركــزي لالتحــاد يف يــوم احيــاء ذكــرى‬
‫استشــهاد الزعيــم فرحــات حشــاد يف ديســمرب ‪ ,2012‬عمــق القطيعــة بينــه‬
‫وبــن تلــك القــوى الصاعــدة لكنــه أيضــا شــكل منعرجــا يف تعامــل تلــك القوى‬
‫مــع االتحــاد‪ ,‬حيــث وامــام التفــاف مختلــف رشائــح املجتمــع حــول االتحــاد‬
‫فهــم الجميــع أهميــة دور االتحــاد ورضورة وضعــه فــوق رصاعــات املحــاور‬
‫والقبــول بــه كقــوة تعديليــه لضمــان التواصــل بــن مختلــف الحساســيات‬
‫السياســية يف البــاد واالســتقرار الســيايس واالجتماعــي بالبــاد‪ ،‬بــل حتــى أن‬
‫بعــض األحــزاب التــي كانــت تجاهــر بعدائهــا لــه صــارت تســعى للتقــرب‬
‫منــه وكســب وده‪.‬‬

‫وامــام تــأزم الوضــع الســيايس ودخــول البــاد يف مرحلــة خطــرة باتــت تهــدد‬
‫الســلم األهــي بعــد االغتيــاالت التــي طالــت الشــهداء لطفــي نقــض وشــكري‬
‫بلعيــد ومحمــد الرباهمــي تدخــل االتحــاد عــى مســتويني بصفــة متوازيــة هــو‬
‫تأطــر التحــركات الجماهرييــة وتنظيــم اعتصــام الرحيــل التــي طالبــت خاللــه‬
‫أحــزاب وجمعيــات ومنظمــات ملجتمــع املدنــي برحيــل الرتويــكا‪ ،‬وقــد منــع ذلك‬
‫مــن انــزالق تلــك التحــركات يف مربــع العنــف‪ ،‬واملســتوى الثانــي هو الدعــوة اىل‬
‫حــوار وطنــي بمشــاركة كل الفرقــاء وقــد أداره االتحــاد باالشــراك مــع اتحــاد‬
‫الصناعــة والتجــارة والرابطــة التونســية للدفــاع عــن حقــوق االنســان وعمــادة‬
‫املحامــن‪ ,‬ممــا مكــن مــن حــل أزمــة الحكــم االنتقــايل بصفــة توافقيــة‪.‬‬

‫كمــا ذلــل العقبــات إلتمــام صياغــة الدســتور وســمح بتنظيــم انتخابــات‬


‫ديمقراطيــة بــكل نجــاح يف أكتوبــر ‪.2014‬‬

‫‪37‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫لقــد اعطــى الحــوار الوطنــي إضافــة جديــدة للــدور الســيايس لالتحــاد ودخلت‬
‫«كلمــة توافــق» كمفهــوم جديــد ابتــكار تونــي يعكــس خصوصيــة املشــهد‬
‫الســيايس بعــد الثــورة ويشــكل إضافــة يف ثقافــة إدارة النزاعــات السياســية‬
‫وحــل الخالفــات السياســية‪.‬‬

‫لقــد بينــت أحــداث مــا بعــد الثــورة بــأن االتحــاد معطــى أســايس يف الحيــاة‬
‫السياســية وال يمكــن تجــاوزه او تهميشــه‪ ،‬لكــن الوظيفــة السياســية لالتحــاد‬
‫هــي التــي ســتتجه نحــو التغيــر‪.‬‬

‫لقــد أصبــح مــن الــروري تحيــن دور االتحاد وفــق تطــور الواقــع املوضوعي‬
‫يف البــاد‪ ،‬حيــث ان دور االتحــاد يجــب أن يتحــول مــن الســلطة املضــادة التــي‬
‫تمثلــت يف احتضــان والدفــاع عــن أحــزاب املعارضــة وجمعيــات املجتمــع املدني‬
‫خــال حقبــة االســتبداد الســيايس‪ ،‬اىل دور املراقــب عــى املحافظــة عــى مبــادئ‬
‫وأهــداف الثــورة‪ ،‬وأن يكــون قــوة تعديليــه بــن مختلــف القــوى السياســية ملنع‬
‫اختــال التــوازن بينهــا‪ ،‬ألن اختــال موازيــن القــوى يف هــذه املرحلــة يشــكل‬
‫خطــرا عــى نجــاح االنتقــال الديمقراطــي ويفســح املجــال لعــودة نزعــة‬
‫الهيمنــة واحتــكار الســلطة‪.‬‬

‫كمــا أن االتحــاد مطالــب خــال هــذه املرحلــة االنتقاليــة بــأن يبقــى قــوة‬
‫اقــراح ورشيــكا يف وضــع التصــورات والسياســات االجتماعيــة واالقتصاديــة‬
‫لتعزيــز املجهــود الوطنــي يف التنميــة والحوكمــة الرشــيدة ومقاومــة الفســاد‬
‫ألن الحضــور النقابــي واســتمراره مرتبــط بازدهــار املؤسســة وبتطــور قدرتهــا‬
‫اإلنتاجيــة والتنافســية‪.‬‬

‫التعددية والتنظيم النقابي‬

‫لحــد األن بقــي االنخــراط يف االتحــاد مفتوحــا لجميــع العمــال بالفكــر والســاعد‬
‫وال توجــد أيــة رشوط تحــول دون ذلــك االنخــراط‪.‬‬

‫هــذا املفهــوم الجماهــري الــذي ســاد يف االتحــاد منــذ تأسيســه واالنتمــاء‬


‫املــزدوج للعديــد مــن النقابيــن بــن أحزابهــم واالتحــاد لــم يكــن لــه أي تأثــر‬

‫‪38‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫يف املمارســة املســتقلة للنشــاط النقابــي‪.‬‬


‫لكــن يف واقــع التعــدد الحزبــي الجديــد فــان االنتمــاء املــزدوج أصبــح يطــرح‬
‫العديــد مــن اإلشــكاليات التــي البــد مــن التفكــر فيهــا‪.‬‬

‫‪ 1-‬حــول مفهــوم جماهرييــة املنظمــة الشــغيلة وذلــك بفتــح بــاب‬


‫االنخــراط لــكل العاملــن دون قواعــد تحمــي مبــادئ وقوانــن االتحــاد‬
‫وخطــه العــام‪ ،‬ألن تدفــق أالف املنخرطــن بعــد الثــورة مــن الفئــات التي‬
‫لــم يكــن لهــا ايمــان عميــق بالعمــل النقابــي قبــل الثــورة‪ ،‬وجــاءت‬
‫بعدهــا مدفوعــة بالســعي اىل تحقيــق مطالــب مهنيــة خصوصيــة فقــط‪،‬‬
‫لقــد تســبب ذلــك يف تطويــر ظاهــرة االنفــات وعــدم االنضبــاط أحيانــا‬
‫بالخــط النقابــي العــام‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى فــإن مثــل هــذا التدفــق قد‬
‫يفتــح بــاب االخــراق لقــوى معاديــة للعمــل النقابــي وملبادئــه ويفســح‬
‫لهــا املجــال للعمــل عــى تغيــر صبغتــه التقدميــة مــن الداخــل‪.‬‬

‫‪ 2-‬غيــاب قوانــن واضحــة حــول ازدواجيــة املســؤولية الحزبيــة‬


‫والنقابيــة مــن اجــل حمايــة العمــل النقابــي مــن التوظيــف الحزبــي‬
‫وصيانــة وحــدة الصــف النقابــي‪ ،‬يف هــذا االتجــاه ال بــد مــن التأكيــد‬
‫عــى حــق النقابيــن يف االنتمــاء اىل أحــزاب والنشــاط فيهــا‪ ،‬لكــن عــى‬
‫مســتوى تحمــل املســؤوليات فانــه البــد مــن الدفــع نحــو االختصــاص‬
‫لكــي ال يقــع التداخــل بــن النشــاط الحزبــي والنشــاط النقابــي‪ ،‬وكذلــك‬
‫ويف ظــل كثافــة حجــم النشــاط النقابــي فانــه مــن الصعــب الجمــع بــن‬
‫املســؤوليتني‪.‬‬

‫‪ 3-‬املســألة األكثــر تعقيــدا هــي مســألة مشــاركة االتحــاد يف االنتخابــات‪،‬‬


‫والســؤال هــل يبقــى مــن مصلحــة االتحــاد الحيــاد التــام خــال املواعيد‬
‫االنتخابيــة؟ بمعنــى عــدم املشــاركة يف االنتخابــات‪ ،‬وعــدم مســاندة‬
‫أي طــرف‪ ،‬وهــذا يطــرح اشــكاال حقيقيــا هــو كيــف يمكــن لالتحــاد‬
‫التصــدي لربامــج سياســية تكــون معاديــة للعمــل النقابــي وملصالــح‬
‫العمــال دون حلفــاء سياســيني‪ ،‬وكيــف يمكــن لالتحــاد التأثــر يف‬
‫الترشيعــات ذات العالقــة باملســائل االقتصاديــة واالجتماعيــة دون ان‬
‫يتمثــل يف املجلــس الترشيعــي؟‬

‫‪39‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫هنالــك دعــوات لوضــع االتحــاد يف الحيــاد املطلــق يف النشــاط االنتخابــي وهــذا‬


‫مــا يتناقــض مــع مســاره التاريخــي حيــث أن االتحــاد بثقلــه البــري واملعنوي‬
‫لــه تأثــر مبــارش او غــر مبــارش يف املواعيــد والتحــوالت السياســية الكــرى‬
‫بالبــاد‪ ،‬وان الحيــاد أو تغــر الــدور الــذي أصبــح مطالبــا بــه االتحــاد اليــوم‬
‫لفســح املجــال التعدديــة الحزبيــة ولنــوع مــن توزيــع األدوار بــن مختلــف‬
‫القــوى داخــل البــاد ال يمكــن ان ينــزع عنــه صبغتــه التقدميــة أو يبعــده عــن‬
‫حلفائــه الطبيعيــن مــن قــوى سياســية ومدنيــة الذيــن تقاســم معهــم نفــس‬
‫املبــادئ واالهــداف وتربطــه بهــم نفــس املصالــح االجتماعيــة والسياســية‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪3‬‬

‫اإلطار القانوني للعمل النقابي‬


‫يف مواجهة التحديات الراهنة‬

‫النوري مزيد‬
‫دكتور يف القانون الخاص‪،‬أستاذ بكلية الحقوق بصفاقس‬
‫«رئيس وحدة البحث ‪ :‬القانون االجتماعي والتحوالت االقتصادية»‬

‫ليــس مــن املبالغــة القــول أن قــدر النقابــات دائمــا أن تجابــه التحديــات‪ .‬فقــد‬
‫كانــت نشــأة العمــل النقابــي يف مختلــف البلــدان ناجمــة عــن مخــاض صعــب‬
‫نتيجــة العراقيــل التــي واجهــت املنظمــات النقابيــة مــن أجــل فــرض وجودهــا‬
‫واكتســاب رشعيــة قانونيــة لنشــاطها يف ظــل ســيطرة فكــر تقليــدي يســعى إىل‬
‫نفــي مرشوعيــة مهامهــا ســواء بداعــي احــرام مقتضيــات املنافســة والنجاعــة‬
‫االقتصاديــة أو بداعــي أن الحريــة التعاقديــة تقتــي ضبــط العالقــة بــن‬
‫صاحــب العمــل واألجــر بعيــدا عــن أي تأثــر خارجــي‪.‬‬

‫ورغــم أن الحــق النقابــي صــار يعتــر اليــوم جــزءا ال يتجــزأ مــن منظومــة‬
‫حقــوق اإلنســان‪ ،‬إذ وقــع إقــراره بصفــة رصيحــة يف العديــد مــن املعايــر‬
‫الدوليــة باعتبــاره رشطــا رضوريــا لتحقيــق مقومــات الديمقراطيــة والعدالــة‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬فــإن الفكــر املناهــض للعمــل النقابــي مــا انفــك يتجــدد خاصــة‬
‫منــذ ســيطرة آليــات الســوق املقرتنــة بالعوملة وبــروز ليرباليــة جديدة متوحشــة‬
‫ومــا يحملــه ذلــك مــن مخاطــر التهميــش واإلقصــاء االجتماعــي واملهنــي‪ ،‬ممــا‬
‫جعــل النقابــات أمــام صعوبــات حقيقيــة يف ممارســة وظائفهــا التقليديــة‬
‫واملحافظــة عــى إشــعاعها الــذي اكتســبته ســابقا‪.1‬‬

‫وإضافــة لهــذه التحديــات التــي واجهــت ومازالــت تواجــه النقابــات يف مختلــف‬


‫البلــدان‪ ،‬شــهدت الحركــة النقابيــة يف بالدنــا تحديــات أخــرى عديــدة‪ ،‬ســواء‬
‫منهــا تلــك التــي ارتبطــت بظــروف نشــأتها تاريخيــا حيــث اصطدمــت بســلطة‬

‫‪ 1‬أنظــر‪ :‬االتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬نــدوات تكوينيــة حــول العوملــة‪ ،‬الخلفيــات واالنعكاســات عــى الشــغالني‪،‬‬
‫منشــورات املركــز النقابــي للتكويــن‪2001 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫اســتعمارية تســعى بطبيعتهــا إىل منــع كل نفــس نقابــي وطنــي ممــا جعــل‬
‫العمــل النقابــي ينصهــر يف النضــال مــن أجــل تحريــر البــاد مثلمــا تجــى يف‬
‫التوجــه الــذي تبنــاه مؤسســو االتحــاد العــام التونــي للشــغل وعــى رأســهم‬
‫الزعيــم فرحــات حشــاد‪ ،2‬أو التحديــات التــي بــرزت الحقــا بعــد االســتقالل‬
‫حيــث طرحت بحــدة مســألة اســتقاللية النقابــات إزاء ســلطة سياســية تحكمها‬
‫نزعــة الهيمنــة عــى املجتمــع و شــل النشــاط النقابــي بأســاليب متنوعــة‬
‫بلغــت ذروتهــا عــر اســتخدام الجيــش وميليشــيات الحــزب الحاكــم يف مواجهــة‬
‫اإلرضاب العــام يف ‪ 26‬جانفــي ‪ . 31978‬و تواصــل ســعي الســلطة نحو الســيطرة‬
‫عــى الحركــة النقابيــة طــوال الســنوات الالحقــة ألزمــة ‪ ،1978‬ســواء يف ظــل‬
‫الحكــم البورقيبــي أو يف مرحلــة الحكــم االســتبدادي لنظــام بــن عــي‪ ،‬لكــن‬
‫الحركــة النقابيــة تمكنــت رغــم ذلــك مــن املحافظــة عــى وجودهــا وإشــعاعها‬
‫وصــار االتحــاد العــام التونــي للشــغل بمثابــة جبهــة مقاومــة مفتوحــة‬
‫لــكل الحساســيات السياســية والفكريــة التــي تنــادي بإرســاء الديمقراطيــة‬
‫وتحقيــق العدالــة االجتماعيــة‪ .‬وهــذا مــا مهــد الطريــق نحــو تجــذر الحــركات‬
‫االحتجاجيــة التــي أدت إىل إســقاط النظــام االســتبدادي يف ‪ 14‬جانفــي ‪2011‬‬
‫والدخــول يف مرحلــة االنتقــال الديمقراطــي التــي نعيشــها اليــوم‪. 4‬‬

‫وقــد كان لالتحــاد العــام التونــي للشــغل دور رئيــي يف تأطــر مســار االنتقال‬
‫الديمقراطــي‪ ،‬مثلمــا تجــى ذلــك بصفــة خاصــة عــر مبادرتــه املتميــزة يف‬
‫تنظيــم الحــوار الوطنــي مــن أجــل مجابهــة األزمــة السياســية الخانقــة التــي‬
‫هــزت البــاد خــال ســنة ‪ ،2013‬وهــو مــا ســهل املصادقــة عــى الدســتور‬
‫الجديــد مــن طــرف املجلــس الوطنــي التأســييس يف ‪ 27‬جانفــي ‪.2014‬‬

‫ورغــم أن الدســتور الجديــد قــد دعــم مكانــة الحريــات والحقــوق األساســية‪،‬‬

‫‪ 2‬يراجع خاصة‪:‬‬
‫‪Abdesslem BEN HAMIDA, Le syndicalisme tunisien. De la deuxième guerre mondiale à l’autonomie in-‬‬
‫‪terne, publication de l’Université de Tunis 1, 1989 ; Mustapha KRAIEM, Nationalisme et syndicalisme en‬‬
‫‪Tunisie, éd. UGTT, 1976.‬‬
‫‪ 3‬الطيــب البكــوش‪ ،‬تطــور العالقــة بــن الســلطة السياســية والحركــة النقابيــة يف تونــس‪ ،‬أشــغال نــدوة النقابــة واملجتمــع‪،‬‬
‫مركــز الدراســات واألبحــاث االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬تونــس‪ ،1989 ،‬ص‪11 .‬‬
‫‪ 4‬يراجع خاصة‪:‬‬
‫‪Héla YOUSSFI, Une passion tunisienne, enquête sur les syndicalistes en révolution, éd. Med Ali-IRMC,‬‬
‫‪Tunis 2015‬‬

‫‪42‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫ومــن ضمنهــا الحريــة النقابيــة باعتبارهــا دعامــة رئيســية لــكل بنــاء‬


‫ديمقراطــي‪ ،‬فــإن العمــل النقابــي يواجــه اليــوم تحديــات جديــدة ترتبــط‬
‫عمومــا بــدور املنظمــات النقابيــة يف تحقيــق مقومــات الديمقراطيــة والعدالــة‬
‫االجتماعيــة يف هــذه املرحلــة الحاســمة التــي تمــر بهــا بالدنــا‪ .‬ويمكــن‬
‫تقســيم هــذه التحديــات إىل صنفــن اثنــن ‪ :‬فمــن ناحيــة أوىل‪ ،‬هنــاك تحديــات‬
‫ترتبــط بالوضــع العــام الــذي يحيــط بالعمــل النقابــي والــذي يتفــق جميــع‬
‫املحللــن عــى أنــه وضــع متــأزم ناجــم أساســا عــن أســباب هيكليــة عميقــة‬
‫ارتبطــت بفشــل اختيــارات الدولــة يف تحقيــق منــوال يضمــن التنميــة الشــاملة‬
‫واملســتديمة والعادلــة‪ .‬وتفاقــم هــذا الوضــع بعــد الثــورة نتيجــة مــا رافقهــا‬
‫مــن انكمــاش يف النشــاط االقتصــادي‪ ،‬خاصــة مــع غيــاب إســراتيجية واضحــة‬
‫للدولــة يف هــذا املجــال وعــدم قدرتهــا عــى التصــدي بصفــة فاعلــة ملظاهــر‬
‫الفســاد والتهــرب الجبائــي وانتشــار القطــاع غــر املنظــم وتفاقــم معضلــة‬
‫البطالــة والفقــر وغريهــا مــن املــؤرشات التــي ترتبــط ارتباطــا وثيقــا بغيــاب‬
‫نمــط تنمــوي يحقــق املعادلــة الرضوريــة بــن النمــو االقتصــادي والعدالــة‬
‫االجتماعيــة‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬توجــد أيضــا تحديــات خاصــة باملشــهد‬
‫النقابــي ومرتتبــة بالخصــوص عــن بــروز التعدديــة النقابيــة ومــا تحملــه مــن‬
‫مخاطــر التشــتت و ازديــاد التوتــر يف منظومــة العالقــات املهنيــة‪.‬‬

‫أمــام إرهاصــات هــذا الوضــع املتــأزم‪ ،‬يطــرح التســاؤل بحــدة حــول دور‬
‫النقابــات وقدرتهــا عــى املســاهمة يف مجابهــة التحديــات الراهنــة قصــد تحقيق‬
‫املبــادئ التــي قامــت مــن أجلهــا ثــورة الكرامــة والحريــة‪ .‬وســوف نســعى إىل‬
‫تنــاول هــذا املوضــوع مــن خــال مقاربــة نقديــة لإلطــار القانونــي الــذي‬
‫يتنــزل فيــه العمــل النقابــي والــذي مــازال يشــكو مــن عــدة نقائــص وثغــرات‬
‫مــن شــأنها أن تحــد مــن قــدرة النقابــات عــى مجابهــة تلــك التحديــات‪،‬‬
‫ســواء منهــا مــا يتعلــق بدورهــا يف تجســيد متطلبــات االنتقــال الديمقراطــي‬
‫بصفــة عامــة‪ ،‬أو مــا يتعلــق بصفــة خاصــة بمســألة تمثيليــة النقابــات يف ظــل‬
‫التعدديــة التــي نشــهدها اليــوم ويف غيــاب ضوابــط قانونيــة لتأطريهــا‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ -I‬أية مكانة للحق النقابي أمام استحقاقات االنتقال الديمقراطي؟‬

‫أمــام الصعوبــات التــي يشــهدها مســار االنتقــال الديمقراطــي يف بالدنــا‪،‬‬


‫نالحــظ اليــوم بــروز خطــاب قديــم متجــدد يهــدف إىل التشــكيك يف مرشوعيــة‬
‫العمــل النقابــي ومصداقيتــه وال يــردد يف تحميــل النقابــات مســؤولية تــأزم‬
‫الوضــع االقتصــادي واالجتماعــي ومــا يرتتــب عــن ذلــك مــن ركــود االســتثمار‬
‫وغلــق املؤسســات وتفاقــم البطالــة‪ .‬لكــن هــذا الخطــاب يبقــى قائما عــى مجرد‬
‫مقــوالت إيديولوجيــة ال تســتند إىل أي تحليــل علمــي وموضوعــي‪ ،‬وهــو يتغافــل‬
‫تمامــا عــن حقيقــة ثابتــة تتمثــل يف العالقــة الوثيقــة بــن الحــق النقابــي‬
‫والديمقراطيــة يف مختلــف أبعادهــا السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪.‬‬

‫لقــد صــار مــن البديهــي القــول أن مبــادئ الحريــة النقابيــة تنــدرج ضمــن‬
‫مقومــات الديمقراطيــة يف مفهومهــا الشــامل‪ .‬ففــي غيــاب نظــام ديمقراطــي‬
‫يضمــن تكريــس وممارســة الحريــات العامــة واحــرام حقــوق اإلنســان‪،‬‬
‫تصبــح الحريــة النقابيــة مشــلولة أو فاقــدة لجدواهــا‪ .‬كمــا أن الحريــة النقابيــة‬
‫تشــكل دعامــة أساســية للبنــاء الديمقراطــي تســمح للنقابــات بــأن تســاهم‪ ،‬إىل‬
‫جانــب الســلطات العموميــة‪ ،‬يف تأطــر العالقــات املهنيــة عــر آليــات الحــوار‬
‫والتفــاوض والتــي تشــكل جوهــر الديمقراطيــة االجتماعيــة باعتبارهــا مكمــا‬
‫رضوريــا للديمقراطيــة السياســية‪.‬‬

‫ورغــم أن القانــون التونــي يبــدو متالئمــا عمومــا مــع مبــادئ الحريــة النقابية‬
‫طبــق مــا أقرتــه املنظمــة الدوليــة للعمــل‪ ،‬فــإن ذلــك ال يمنــع مــن اســتنتاج‬
‫عــدة نقائــص وثغــرات قانونيــة يتعــن إصالحهــا مــن أجــل تعزيــز مكانــة‬
‫الحــق النقابــي يف الترشيــع التونــي حتــى يكــون متالئمــا أكثــر مــع املعايــر‬
‫الدوليــة‪ .‬وهــو إصــاح رضوري أيضــا مــن أجــل تفعيــل دور النقابــات يف‬
‫االســتجابة الســتحقاقات االنتقــال الديمقراطــي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫أ) مقتضيــات تعزيــز الحريــات النقابيــة عــى ضــوء املعايــر‬


‫الدوليــة للعمــل‬

‫تتبــوأ الحريــات النقابيــة مكانــة رئيســية ضمــن املعايــر الدوليــة‪ ،‬ســواء منهــا‬
‫تلــك التــي أقرتهــا منظمــة األمــم املتحــدة‪ ،‬أو تلــك التــي أصدرتهــا املنظمــة‬
‫الدوليــة للعمــل‪ .‬وال شــك أن تلــك الحريــات تنــدرج ضمــن املبــادئ والحقــوق‬
‫األساســية يف العمــل‪ ،‬مثلمــا أقــره دســتور هــذه املنظمــة وأكــده اإلعــان‬
‫الصــادر عنهــا ســنة ‪ .1998‬وقــد صادقــت تونــس عــى أهــم االتفاقيــات التــي‬
‫أقرتهــا املنظمــة الدوليــة للعمــل يف مجــال الحريــات النقابيــة‪ ،‬ويف مقدمتهــا‬
‫االتفاقيــة عــدد ‪ 87‬بشــأن الحريــة النقابيــة وحمايــة الحــق النقابــي‪ ،‬إىل جانــب‬
‫االتفاقيــة عــدد ‪ 98‬بشــأن حــق التنظيــم واملفاوضــة الجماعيــة واالتفاقيــة عــدد‬
‫‪ 135‬بشــأن توفــر الحمايــة والتســهيالت ملمثــي العمــال داخــل املؤسســات‪.‬‬

‫ويمكــن القــول عومــا أن الترشيــع التونــي يقــر بصفــة واســعة مبــادئ‬


‫الحريــة النقابيــة باعتبارهــا حريــة فرديــة وجماعيــة يف نفــس الوقــت‪ ،‬فهــي‬
‫تتبــوأ مكانــة دســتورية ثابتــة مثلمــا يتجــى ذلــك مــن خــال أحــكام الدســتور‬
‫الجديــد الــذي أقــر حريــة تكويــن املنظمــات النقابيــة يف الفصــل ‪ 35‬ونــص‬
‫عــى أن الحــق النقابــي مضمــون بمــا يف ذلــك حــق اإلرضاب يف الفصــل ‪ .36‬كما‬
‫أن أحــكام مجلــة الشــغل حــول النظــام القانونــي للنقابــات تتــاءم عمومــا مــع‬
‫املعايــر الدوليــة‪ ،‬ســواء مــن حيــث إقــرار حريــة األفــراد يف االنضمــام للنقابــة‬
‫أو مــن حيــث اإلقــرار بحريــة تكويــن النقابــات دون الخضــوع ألي ترخيــص‬
‫مــن الســلطة العموميــة أو كذلــك مــن حيــث حريــة تســيريها بصفــة مســتقلة‬
‫عــن أي تدخــل مــن هــذه الســلطة‪.5‬‬

‫‪ 5‬أنظــر الفصــول مــن ‪ 242‬إىل ‪ 257‬مــن مجلــة الشــغل‪ .‬و حــول مكانــة الحريــة النقابيــة يف الترشيــع التونــي‪ ،‬أنظــر‪:‬‬
‫‪Nouri MZID, La liberté syndicale en droit tunisien, thèse de Doctorat d’Etat, Faculté de droit et des‬‬
‫‪sciences politiques de Tunis, 1995‬‬

‫‪45‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫لكــن الترشيــع التونــي املتعلــق بممارســة الحــق النقابــي يبقــى يف حاجــة إىل‬
‫مراجعــة شــاملة نظــرا ملــا فيــه مــن إخــاالت عديــدة تتمثــل أساســا يف مــا‬
‫يــي ‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ ،‬مــن حيــث طبيعــة اإلطــار القانونــي املنظــم للنقابــات‪ ،‬نســتنتج مــن‬
‫خــال الفصــل ‪ 65‬مــن الدســتور الجديــد أن تنظيــم النقابــات ينــدرج ضمــن‬
‫املســائل التــي يجــب أن تتخــذ شــكل قوانــن أساســية‪ .‬لكــن الترشيــع التونــي‬
‫مــا زال يفتقــر إىل قانــون أســايس يتعلــق بهــذا املوضــوع‪ ،‬حيــث أدرجــت‬
‫جــل األحــكام القانونيــة حــول النقابــات صلــب مجلــة الشــغل والتــي صــدرت‬
‫بمقتــى قانــون عــادي‪ .‬وقــد جــاءت تلــك األحــكام ضمــن الكتــاب الســابع‬
‫مــن تلــك املجلــة والــذي يحمــل عنــوان «أحــكام خاصــة»‪ ،‬وهــي عبــارة عــن‬
‫أحــكام متفرقــة تتصــل بمســائل شــتى ليــس بينهــا أي ترابــط أو تناســق وال‬
‫يوجــد أي مــرر ألن تحــر ضمنهــا األحــكام الخاصــة بالنقابــات‪ .‬لهــذا صــار‬
‫مــن الــروري اليــوم إعــادة تنظيــم األحــكام املتعلقــة بالنظــام القانونــي‬
‫للنقابــات وذلــك يف شــكل قانــون أســايس تماشــيا مــع مقتضيــات الفصــل ‪65‬‬
‫مــن الدســتور‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيــا‪ ،‬نالحــظ غيــاب إطــار ترشيعــي يتعلــق بحضــور النقابــات داخــل‬


‫أماكــن العمــل ويقــر بصالحياتهــا القانونيــة كهيــاكل لتمثيــل العمــال يف‬
‫مواجهــة نفــوذ املؤجــر‪ ،‬إذ أن مجلــة الشــغل التــي مــر عــى صدورهــا أكثــر‬
‫مــن خمســن ســنة مــا زالــت تلتــزم الصمــت تمامــا إزاء هــذا املوضــوع‪ .‬وهــو‬
‫موقــف يعــر عــن تصــور تقليــدي للمؤسســة وكأنهــا مجــرد خليــة اقتصاديــة‬
‫وليســت فضــاء ملمارســة الحقــوق النقابيــة‪ .‬كمــا أن هــذا املوقــف يتعــارض‬
‫مــع توجــه املــرع نفســه الــذي يقــر بــدور النقابــات يف تأطــر العالقــات‬
‫املهنيــة بصفــة عامــة‪ ،‬فضــا عــن اعتبارهــا طرفــا اجتماعيــا رئيســيا بالنســبة‬
‫للدولــة‪ ،‬لكنــه يمتنــع عــن تنظيــم حضورهــا داخــل املؤسســة كهيــكل لتمثيــل‬
‫العمــال بهــا والتعبــر عــن مصالحهــم يف مواجهــة ســلطة املؤجــر‪ .‬وقــد تضمنت‬
‫االتفاقيــات املشــركة عــدة أحــكام تشــكل نــواة نظــام قانونــي خــاص بتأطــر‬
‫الحضــور النقابــي يف أماكــن العمــل‪ ،‬حيــث نصــت عــى إلــزام املؤجــر بــأن‬
‫يعــرف بالهيــكل النقابــي باعتبــاره املخاطــب القــار باســم العمــال وأن يوفــر‬
‫لــه جملــة مــن التســهيالت ووســائل العمــل الرضوريــة مــن أجــل ممارســة‬

‫‪46‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫مهامــه‪ ،‬إضافــة إىل التنصيــص عــى منــع املؤجــر مــن القيــام بــأي تمييــز إزاء‬
‫العمــال بســبب انتمائهــم للنقابــة أو ممارســة نشــاطهم النقابــي‪ .‬لكــن تلــك‬
‫األحــكام تبقــى محــدودة مــن حيــث محتواهــا وقيمتهــا القانونيــة باعتبــار أن‬
‫االتفاقيــات املشــركة ليســت إال مصــدرا ثانويــا للقانــون‪ ،‬وهــو مصــدر مرتبــط‬
‫بطبيعتــه بميــزان القــوى بــن األطــراف االجتماعيــة وال يغنــي بالتــايل عــن‬
‫رضورة تدخــل املــرع يف هــذا املجــال مــن خــال وضــع نظــام قانونــي عرصي‬
‫يدعــم حضــور الهيــكل النقابــي داخــل أماكــن العمــل ويوفــر لــه الضمانــات‬
‫والتســهيالت الرضوريــة ملمارســة مهامــه يف التعبــر عــن مصالــح العمــال‬
‫مثلمــا تقتضيــه املعايــر الدوليــة للعمــل وخاصــة منهــا تلــك التــي تضمنتهــا‬
‫االتفاقيــة عــدد ‪ 135‬والتــي صادقــت عليهــا تونــس منــذ ســنة ‪.2007‬‬

‫‪ -‬ثالثــا‪ ،‬نالحــظ أيضــا أن القانــون التونــي يفتقــر عمومــا إىل آليــات مــن‬
‫شــأنها أن توفــر حمايــة ناجعــة للحــق النقابــي ضــد الترصفــات أو األفعــال‬
‫التــي تهــدف إىل االعتــداء عليــه أو تعطيــل ممارســته‪ .‬إذ ال توجــد يف القانــون‬
‫التونــي أيــة حمايــة جزائيــة لفائــدة األجــراء أو ممثليهــم بشــأن ممارســة‬
‫حرياتهــم النقابيــة‪ ،‬وقــد اقتــر املــرع عــى وضــع إجــراءات شــكلية تتعلــق‬
‫بطــرد ممثــي العمــال مــن خــال التنصيــص عــى رضورة استشــارة املديــر‬
‫العــام لتفقديــة الشــغل مســبقا حــول قــرار الطــرد‪ ،‬مثلمــا أقــره الفصــل ‪166‬‬
‫مــن مجلــة الشــغل‪ .‬لكــن هــذه اإلجــراءات تبقــى غــر مجديــة تمامــا نظــرا‬
‫ملحدوديــة الجــزاء املرتتــب عــن اإلخــال بهــا حيــث لــم يقــر املــرع بطــان‬
‫الطــرد يف هــذه الحالــة واكتفــى باعتبــاره طــردا تعســفيا يرتتــب عنــه دفــع‬
‫تعويــض مــايل لفائــدة األجــر الــذي لــه صفــة ممثــل للعمــال وذلــك يف حــدود‬
‫مبلــغ ال يتجــاوز يف كل الحــاالت املبلــغ األقــى الــذي يســند لــكل أجــر آخــر‬
‫ليســت لــه هــذه الصفــة ووقــع طــرده تعســفيا‪ .‬وال شــك أن هــذا الحــل ال يمثل‬
‫حمايــة ناجعــة للحــق النقابــي باعتبــاره حقــا أساســيا غــر قابــل لتعويضــه‬
‫نقــدا مهمــا كانــت قيمــة هــذا التعويــض‪ .‬كمــا أن هــذا الحــل ال يتــاءم مــع‬
‫مقتضيــات االتفاقيــة الدوليــة للعمــل رقــم ‪ 135‬والتــي تســتوجب إرســاء‬
‫«حمايــة فعليــة» ضــد كل الترصفــات واألفعــال التــي مــن شــأنها التعــدي عــى‬
‫ممثــي العمــال داخــل املؤسســة أو منعهــم مــن ممارســة مهامهــم بــأي شــكل‬
‫كان‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ -‬رابعــا‪ ،‬مقابــل غيــاب آليــات تضمــن حمايــة ناجعــة للحــق النقابــي‪ ،‬نالحــظ‬
‫كذلــك وجــود عــدة عراقيــل قانونيــة تكبــل نشــاط النقابــات‪ ،‬خاصــة فيمــا‬
‫يتعلــق بممارســة حــق اإلرضاب باعتبــاره امتــدادا طبيعيــا للحــق النقابــي‬
‫مثلمــا يقــره الدســتور‪ .‬ويف هــذا اإلطــار نشــر بالخصــوص إىل أن املــرع‬
‫يحجــر ممارســة حــق اإلرضاب بالنســبة لبعــض الفئــات مــن األشــخاص‬
‫بصفــة ال تتــاءم تمامــا مــع مــا تقــره لجنــة الحريــات النقابيــة التابعــة‬
‫للمنظمــة الدوليــة للعمــل والتــي تعتــر أن ذلــك التحجــر يجــب أن ينحــر‬
‫يف األشــخاص الذيــن لهــم صالحيــات اســتثنائية تتصــل بالســيادة أو األمــن أو‬
‫باملرافــق الحيويــة والتــي يــؤدي توقــف العمــل بهــا إىل وجــود خطــر محــدق‬
‫عــى حيــاة األشــخاص أو ســامتهم ‪ .6‬لكــن القانــون التونــي يتضمــن عــدة‬
‫أحــكام تحجــر ممارســة حــق اإلرضاب خــارج تلــك الضوابــط التــي تحددهــا‬
‫املنظمــة الدوليــة للعمــل‪ ،‬مثــل الفصــل ‪ 36‬مــن الدســتور الــذي يمنــع ممارســة‬
‫هــذا الحــق بالنســبة ألعــوان الديوانــة بصفــة مطلقــة‪ ،‬دون التمييــز بــن األعوان‬
‫الحاملــن للســاح وغريهــم مــن األعــوان التابعــن لهــذا الســلك‪ ،‬والفصــل‬
‫‪ 107‬مــن املجلــة الجزائيــة الــذي مــازال يمنــع يف فقرتــه األوىل ممارســة حــق‬
‫اإلرضاب يف الوظيفــة العموميــة رغــم أن هــذا الفصــل صــار بمثابــة نــص‬
‫مهجــور ويف تعــارض واضــح مــع أحــكام الدســتور واملعايــر الدوليــة‪ ،‬وكذلــك‬
‫الشــأن بالنســبة لألحــكام التــي تخــص ســلك القضــاة وتحجــر عليهــم اللجــوء‬
‫إىل اإلرضاب حيــث أنهــا تتعــارض أيضــا مــع أحــكام الدســتور ومــع املعايــر‬
‫التــي تقرهــا املنظمــة الدوليــة للعمــل يف هــذا الشــأن‪.‬‬

‫كمــا يقيــد املــرع ممارســة حــق اإلرضاب مــن خــال اســتعمال آليــة التســخري‬
‫كلمــا كان التوقــف عــن العمــل «مــن شــأنه أن يخــل بالســر العــادي ملصلحــة‬
‫أساســية» مثلمــا جــاء يف الفصــل ‪ 389‬مــن مجلــة الشــغل‪ .‬لكــن موقــف‬
‫املــرع يكتنفــه الغمــوض يف هــذا املجــال باعتبــار غيــاب نــص يحــدد قائمــة‬
‫هــذه املصالــح األساســية‪ ،‬رغــم أن مجلــة الشــغل نصــت منــذ ســنة ‪1994‬‬
‫عــى أن تضبــط تلــك القائمــة بأمــر‪ ،‬وباعتبــار أن القانــون التونــي يفتقــر إىل‬
‫أحــكام خاصــة تنظــم مــا يســمى بالحــد األدنــى مــن الخدمــات كآليــة عمليــة‬

‫‪ 6‬أنظر خاصة‪ :‬الحريات النقابية‪ ،‬منشورات منظمة العمل الدولية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،1996 ،‬ص‪156 .‬‬

‫‪48‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫تســمح بالتوفيــق بــن حــق اإلرضاب وضمــان اســتمرارية املرافــق األساســية‬


‫عــر التشــاور بــن الســلطة العموميــة واملنظمــات النقابيــة مثلمــا هــو الشــأن‬
‫يف العديــد مــن القوانــن األجنبيــة‪.‬‬

‫إضافــة لــكل ذلــك‪ ،‬يُخضــع املــرع ممارســة حــق اإلرضاب لعــدة إجــراءات‬
‫قانونيــة تتمثــل يف رضورة مصادقــة املركزيــة النقابيــة عــى اإلرضاب ورضورة‬
‫التنبيــه املســبق عــى املؤجــر بعــرة أيــام عــى األقــل‪ ،‬مــع تحديــد تاريــخ‬
‫اإلرضاب ومدتــه ومكانــه وأســبابه‪ ،‬باإلضافــة إىل رضورة القيــام بمحاولــة‬
‫لتســوية النــزاع عــر التصالــح قبــل شــن اإلرضاب‪ .‬ويرتــب املــرع عــن عــدم‬
‫احــرام تلــك اإلجــراءات عقوبــات جزائيــة صارمــة ضــد كل مــن يحــرض‬
‫عــى اإلرضاب أو يشــارك فيــه أو يقــوم بأفعــال متفرعــة عنــه مثــل االعتصــام‬
‫بأماكــن العمــل حتــى لــو كان ذلــك بطريقــة ســلمية‪ .‬لكــن هــذا اللجــوء‬
‫املكثــف للقانــون الجزائــي يف مجــال يتصــل بالنشــاط النقابــي ليــس اختيــارا‬
‫صائبــا وال مجديــا‪ ،‬ونعلــم أن لجنــة الحريــات النقابيــة التابعــة للمنظمــة‬
‫الدوليــة للعمــل تؤكــد دائمــا عــى تجنــب اللجــوء إىل األحــكام الجزائيــة يف هــذا‬
‫املجــال وأنــه ال يجــب أن يكــون أي شــخص معرضــا للســجن ملجــرد مشــاركته‬
‫يف تحــرك ســلمي للدفــاع عــن مصالحــه املهنيــة‪ .7‬لهــذا صــار مــن الــروري‬
‫مراجعــة تلــك األحــكام املتعلقــة بتجريــم اإلرضاب أو بعــض األفعــال املتفرعــة‬
‫عنــه‪ ،‬خاصــة أنهــا كثــرا مــا تــؤدي إىل مزيــد التوتــر يف املنــاخ االجتماعــي‬
‫وال تســاعد عــى تحقيــق مقومــات الســلم االجتماعيــة التــي يســعى املــرع إىل‬
‫إرســائها‪ .‬ويف املقابــل يكــون مــن الــروري تدعيــم دور النقابــات يف تكريــس‬
‫الديمقراطيــة االجتماعيــة عــى قاعــدة الحــوار والتفــاوض مثلمــا تقــره املعايــر‬
‫الدوليــة للعمــل‪.‬‬

‫ب) مقتضيــات تدعيــم دور النقابــات يف تكريــس الديمقراطيــة‬


‫االجتماعيــة‬

‫ال تقتــر الديمقراطيــة يف مفهومهــا املعــارص عــى البعــد الســيايس املتمثــل يف‬
‫حريــة تكويــن األحــزاب وتنافســها عــى الســلطة عــر انتخابــات حرة وشــفافة‪،‬‬
‫وإنمــا تتضمــن أيضــا بعــدا اجتماعيــا يتجــى خاصــة مــن خــال ترشيــك‬
‫‪ 7‬أنظر خاصة‪ :‬الحريات النقابية‪ ،‬منشورات منظمة العمل الدولية‪ ،‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص‪173 .‬‬

‫‪49‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫املنظمــات املهنيــة يف تأطــر العالقــات بــن أطــراف اإلنتــاج ومســاهمتها يف‬


‫مناقشــة االختيــارات األساســية للدولــة والتــي لهــا عالقــة بالشــأن االقتصــادي‬
‫واالجتماعــي‪ .‬وهــذا مــا يســهل إقامــة عالقــات إســراتيجية بــن الدولــة‬
‫والــركاء االجتماعيــن مــن أجــل توفــر مقومــات التنميــة املســتديمة والعدالــة‬
‫االجتماعيــة‪.‬‬

‫وال شــك أن دور النقابــات يف هــذا املجــال يبقــى حيويــا باعتبارهــا إحــدى‬
‫الركائــز األساســية للديمقراطيــة يف مفهومهــا الواســع‪ ،‬كمــا أن الحريــة النقابيــة‬
‫تبقــى مشــحونة بمســألة العدالــة االجتماعيــة التــي ال يمكــن تناولهــا بصفــة‬
‫تتغافــل عــن التــازم الــروري بــن البعديــن الســيايس واالجتماعــي‪ ،‬إذ أنهمــا‬
‫يف نهايــة التحليــل وجهــان لعملــة واحــدة‪.8‬‬

‫هــذا مــا يتجــى بصفــة واضحــة مــن خــال تجربــة االتحــاد العــام التونــي‬
‫للشــغل والنضــاالت التــي مــا انفــك يخوضهــا مــن أجــل تكريــس مبــادئ‬
‫الديمقراطيــة وإقامــة مجتمــع متــوازن يكفــل التكامــل بــن الحقــوق املدنيــة‬
‫والسياســية‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬والحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة‪ ،‬مــن‬
‫جهــة أخــرى‪ .‬ولعــل الــدور الرئيــي لهــذه املنظمــة النقابيــة يف إطــار الحــوار‬
‫الوطنــي مــن أجــل مجابهــة األزمــة السياســية التــي هــزت البــاد يف ‪2013‬‬
‫هــو خــر مثــال عــى ذلــك‪ ،‬ممــا ســهل املصادقــة عــى الدســتور الجديــد‬
‫بــروح توافقيــة واضحــة ومهــد الطريــق نحــو تنظيــم أول انتخابــات ترشيعيــة‬
‫ورئاســية للجمهوريــة الثانيــة تطبيقــا ألحــكام هــذا الدســتور‪.‬‬

‫ويكتــي اهتمــام النقابــات بالشــأن العــام أهميــة متزايــدة‪ ،‬خاصــة يف ظــل‬


‫تــأزم الوضــع االقتصــادي الــذي مــا انفــك يتفاقــم بعــد الثــورة‪ ،‬ومــا يحملــه‬
‫مــن مضاعفــات إهمــال البعــد االجتماعــي يف عمليــة التنميــة وانتشــار البطالــة‬
‫وتهميــش الفئــات الضعيفــة‪ ،‬وهــو مــا يجعــل العمــل النقابــي منصبــا يف‬
‫بعــض األحيــان عــى الجانــب املطلبــي قصــد املحافظــة عــى مــا هــو موجــود‬
‫مــن مكاســب اجتماعيــة مهــددة بالــزوال‪ ،‬ويحــد بالتــايل مــن قــدرة النقابــات‬
‫عــى الفعــل يف الواقــع الراهــن مــن أجــل إرســاء نمــط مجتمعــي جديــد يتــاءم‬

‫‪ 8‬يراجع‪ :‬النقابات واالنتقال الديمقراطي‪ ،‬مؤلف جماعي تحت إرشاف النوري مزيد‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪2016 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫مــع مقتضيــات االنتقــال نحــو الديمقراطيــة‪ .‬وال يمكــن للنقابــات أن توســع‬


‫مــن أفــق نشــاطها وتدعيمــه إال عــر االهتمــام أكثــر فأكثــر بالشــأن العــام‬
‫حتــى تكــون قــوة اقــراح وتغيــر قــادرة عــى تقديــم املبــادرات انطالقــا مــن‬
‫رؤيــة اســتباقية للتحــوالت التــي يعيشــها املجتمــع‪.‬‬
‫يف هــذا اإلطــار يكتــي الحــوار االجتماعــي أهميــة رئيســية باعتبــاره يمثــل‬
‫جوهــر الديمقراطيــة االجتماعيــة‪ .‬لكــن رغــم أن التجربــة التونســية يف مجــال‬
‫الحــوار االجتماعــي تعتــر ثريــة نســبيا‪ ،‬فــإن اإلطــار القانونــي ملمارســة‬
‫هــذا الحــوار مــا زال يشــكو مــن عــدة نقائــص ســواء فيمــا يتعلــق بالحــوار‬
‫الثالثــي بــن الدولــة وممثــي أطــراف اإلنتــاج أو فيمــا يتعلــق بالحــوار الثنائــي‬
‫بــن منظمــات العمــال وأصحــاب العمــل‪ .‬وترتبــط هــذه النقائــص أساســا‬
‫بغيــاب إطــار قانونــي يتعلــق بمأسســة الحــوار االجتماعــي أي تنظيمــه عــر‬
‫قواعــد موضوعيــة وإجرائيــة مضبوطــة تجعــل منــه مؤسســة قائمــة الــذات‬
‫ممــا يضمــن ديمومتــه ويعطيــه أكثــر فاعليــة وجــدوى‪ .‬فمــن ناحيــة أوىل‪،‬‬
‫مــا زال الحــوار الثالثــي يفتقــر إىل نظــام قانونــي خــاص بــه ويحــدد إطــاره‬
‫الهيــكيل ومجاالتــه وقواعــده رغــم وجــود اتفــاق صلــب العقــد االجتماعــي‬
‫املــرم يف ‪ 14‬جانفــي ‪ 2013‬بــن الحكومــة واالتحــاد العــام التونــي للشــغل‬
‫واالتحــاد التونــي للصناعــة والتجــارة والصناعــات التقليديــة عــى إرســاء‬
‫املجلــس الوطنــي للحــوار االجتماعــي‪ ،‬ورغــم أنــه وقــع إعــداد مــروع قانــون‬
‫يتعلــق بإحــداث هــذا الهيــكل ووقعــت إحالتــه عــى مجلــس نــواب الشــعب‬
‫منــذ جــوان ‪ .2015‬فــإن هــذا املــروع مــا زال يف انتظــار فــإن عرضــه عــى‬
‫الجلســة العامــة للســلطة الترشيعيــة‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يالحــظ أيضــا غيــاب إطــار قانونــي ينظــم بدقــة مســار‬
‫التفــاوض الجماعــي الثنائــي ودوريتــه وإجراءاتــه والقواعــد التــي يتعــن‬
‫إتباعهــا أثنــاء ذلــك مــن أجــل ضمــان نجــاح املفاوضــات وديمومتهــا‪ .‬فقــد‬
‫اكتفــى املــرع بوضــع نظــام قانونــي لالتفاقيــات املشــركة ومــا يرتتــب عنهــا‬
‫مــن آثــار‪ ،‬أي انــه يهتــم بنتائــج التفــاوض أكثــر ممــا يعتنــي بســر املفاوضات‬
‫أثنــاء املرحلــة التمهيديــة التــي تســبق قيــام االتفاقيــة وتُهـ ّ‬
‫ـيء إلبرامهــا أو‬
‫مراجعتهــا‪ .9‬وال شــك أن غيــاب تنظيــم قانونــي للمفاوضــات االجتماعيــة ال‬

‫‪Mongi TARCHOUNA, La négociation collective en Tunisie, thèse de Doctorat d’Etat,‬‬ ‫‪ 9‬يراجع خاصة‪:‬‬
‫‪Université Paris 1, 1986‬‬

‫‪51‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫يســاهم يف تطــور الحــوار االجتماعــي بــل يتســبب يف أن مســار التفــاوض يبقــى‬


‫عمومــا خاضعــا مليــزان القــوى بــن أطــراف اإلنتــاج ومــا قــد يشــهده مــن‬
‫تقلبــات‪ ،‬وهــو مــا يثــر يف الكثــر مــن األحيــان نزاعــات حــادة مــن شــأنها أن‬
‫تؤثــر ســلبا عــى املنــاخ االجتماعــي‪ ،‬خاصــة أمــام مخاطــر التعدديــة النقابيــة‬
‫ومــا يرتتــب عنهــا مــن توتــر يف منظومــة العالقــات املهنيــة‪.‬‬

‫‪ -II‬أية تمثيلية للنقابات أمام مخاطر التعددية النقابية ؟‬

‫كلمــا كانــت هنــاك تعدديــة يف املشــهد النقابــي‪ ،‬يطــرح بحــدة موضــوع تمثيلية‬
‫النقابــات كأداة لرتشــيد تلــك التعدديــة‪ .‬لكــن رغــم تكريــس املــرع لهــذا‬
‫املفهــوم‪ ،‬فإنــه لــم يضــع بعــد إطــارا قانونيــا واضحــا ســواء فيمــا يتعلــق‬
‫بمعايــر التمثيليــة النقابيــة أو بــروط تعيــن املنظمــات النقابيــة األكثــر‬
‫تمثيــا‪.‬‬

‫أ) تمثيلية النقابات أداة لرتشيد التعددية النقابية‬

‫يقــرن مفهــوم تمثيليــة النقابــات بوجــود تعدديــة نقابيــة‪ ،‬كمــا هــو الحــال‬
‫اليــوم يف تونــس‪ .‬وإذا كانــت هــذه التعدديــة النقابيــة تعتــر عــى الصعيــد‬
‫القانونــي تجســيدا ملبــدأ حريــة تكويــن النقابــات‪ ،‬مثلمــا يقــره املــرع يف‬
‫الفصــل ‪ 35‬مــن الدســتور والفصــل ‪ 242‬مــن مجلــة الشــغل‪ ،‬فإنهــا ال تخلــو‬
‫عــى املســتوى العمــي مــن مســاوئ كثــرة مــن شــأنها أن تــر يف نفــس‬
‫الوقــت بمصالــح العمــال واملؤسســات نتيجــة مــا يرتتــب عنهــا مــن تشــتت يف‬
‫املشــهد النقابــي وتوتــر يف منظومــة العالقــات املهنيــة‪ .‬هــذا مــا يحتــم تدخــل‬
‫املــرع لوضــع ضوابــط تســمح برتشــيد التعدديــة النقابيــة‪ ،‬قصــد تجنــب‬
‫آثارهــا الســلبية‪ ،‬وذلــك بإقــرار بعــض الصالحيــات الهامــة التــي تختــص بهــا‬
‫املنظمــات األكثــر تمثيــا دون غريهــا مــن النقابــات األخــرى‪.‬‬

‫وعــى هــذا األســاس يمكــن تعريــف تمثيليــة النقابــات بأنهــا صفــة تســند‬
‫قانونيــا للمنظمــات التــي لهــا وزن أكثــر مــن غريهــا يف املشــهد النقابــي‬
‫وتســمح لهــا باحتــكار بعــض الصالحيــات الهامــة التــي ال يمكــن لغريهــا مــن‬
‫النقابــات ممارســتها‪ .‬وهــذا مــا يــؤدي بالــرورة إىل الحــد مــن مبــدأ املســاواة‬

‫‪52‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫بــن النقابــات‪ ،‬وذلــك بحكــم أهميــة تلــك الصالحيــات التــي ال يعقــل أن تســند‬
‫لنقابــات ضعيفــة أو ليــس لهــا إشــعاع كبــر يف الوســط املهنــي‪ ،‬مثــل إبــرام‬
‫ومراجعــة االتفاقيــات املشــركة للعمــل والتــي تعتــر أهــم مصــدر ضمــن‬
‫املصــادر املهنيــة لقانــون الشــغل بمــا تحتويــه مــن قواعــد قانونيــة مكملــة‬
‫للترشيــع الصــادر عــن الدولــة‪.‬‬

‫كمــا أن مفهــوم التمثيليــة النقابيــة يرتبط ارتباطــا وثيقــا بمفهــوم الديمقراطية‬


‫االجتماعيــة والتــي تعتــر اليــوم أداة رضوريــة لتدعيــم الديمقراطية السياســية‪.‬‬
‫فالديمقراطيــة االجتماعيــة تجســد تفتــح الدولــة عــى محيطهــا االقتصــادي‬
‫واالجتماعــي وذلــك مــن خــال اإلقــرار لفائــدة املنظمــات املهنيــة األكثــر‬
‫تمثيــا بــأن تشــارك يف ممارســة بعــض الصالحيــات التــي تقــرن عــادة بتدخل‬
‫الســلطة العامــة‪ ،‬ســواء عــى مســتوى التأطــر القانونــي للعالقــات املهنيــة‬
‫عــر التفــاوض الجماعــي‪ ،‬أو مــن خــال ترشيكهــا يف تســيري بعــض الهيئــات‬
‫العموميــة وضبــط االختيــارات األساســية للدولــة يف املجالــن االقتصــادي‬
‫واالجتماعــي‪.‬‬

‫وقــد وقــع تكريــس مفهــوم التمثيليــة النقابيــة عــى الصعيــد الــدويل منــذ ســنة‬
‫‪ ،1919‬أي منــذ نشــأة املنظمــة الدوليــة للعمــل‪ ،‬حيــث وردت عبــارة املنظمــات‬
‫النقابيــة األكثــر تمثيــا يف املــادة ‪ 3‬مــن دســتور تلــك املنظمــة‪ ،‬والتــي نصــت‬
‫عــى أن تتعهــد الــدول األعضــاء بتعيــن املندوبــن غــر الحكوميــن‪ ،‬قصــد‬
‫املشــاركة يف املؤتمــر العــام للمنظمــة املذكــورة‪ ،‬باالتفــاق مــع املنظمــات املهنيــة‬
‫األكثــر تمثيــا للعمــال وألصحــاب العمــل‪.‬‬

‫ويف تونــس كــرس املــرع أيضــا مفهــوم التمثيليــة النقابيــة يف عــدة نصــوص‬
‫قانونيــة‪ ،‬حيــث أســند للمنظمــات األكثــر تمثيــا عــدة صالحيــات تختــص‬
‫بهــا دون غريهــا مــن النقابــات‪ ،‬مثلمــا هــو الشــأن بالنســبة إلبــرام االتفاقيــات‬
‫املشــركة للعمــل‪ ،10‬أو بالنســبة لتعيــن ممثــي العمــال وممثــي أصحــاب العمل‬
‫يف لجــان مراقبــة الطــرد ألســباب اقتصاديــة‪ ،11‬أو تعيــن املستشــارين بدوائــر‬

‫‪ 10‬أنظر خاصة الفصلني ‪ 38‬و ‪ 39‬من مجلة الشغل‪.‬‬


‫‪ 11‬الفصالن ‪ 4-21‬و ‪ 5-21‬من مجلة الشغل‪.‬‬
‫‪ 12‬الفصل ‪ 1‬من األمر عدد ‪ 813‬املؤرخ يف ‪ 30‬سبتمرب ‪.1977‬‬

‫‪53‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الشــغل لتمثيــل العمــال وأصحــاب العمــل‪ ،12‬أو كذلــك بالنســبة لتعيــن ممثــي‬
‫هــؤالء العمــال وأصحــاب العمــل كأعضــاء يف مجالــس اإلدارة التابعــة لصناديــق‬
‫الضمــان االجتماعــي‪ .13‬كمــا أن تحديــد األجــر األدنــى املضمــون يقــع بمقتــى‬
‫أمــر بعــد استشــارة املنظمــات النقابيــة ألصحــاب العمــل والعمــال األكثــر‬
‫تمثيــا‪. 14‬‬
‫لكــن رغــم تعــدد النصــوص التــي يســتنتج منهــا وجــود تكريــس ترشيعــي‬
‫ملفهــوم التمثيليــة النقابيــة‪ ،‬فــإن اإلطــار القانونــي املتعلــق بهــذا املوضــوع‬
‫مازالــت تشــوبه العديــد مــن النقائــص والثغــرات‪ ،‬ممــا يحتــم اليــوم تدخــل‬
‫املــرع إلرســاء نظــام عــري يحــدد معايــر تلــك التمثيليــة ورشوط تعيــن‬
‫املنظمــات النقابيــة األكثــر تمثيــا‪.‬‬

‫ب) أي نظام قانوني لتمثيلية النقابات ؟‬

‫ال يوجــد نظــام واحــد يمكــن اعتمــاده مــن طــرف كل البلــدان فيمــا يتعلــق‬
‫بتمثيليــة النقابــات‪ ،‬وإنمــا توجــد أنظمــة قانونيــة متنوعــة وذلــك بحكــم‬
‫خصوصيــة األوضــاع االقتصاديــة واالجتماعيــة يف كل دولــة والتــي مــن شــأنها‬
‫أن تؤثــر بصفــة مبــارشة أو غــر مبــارشة عــى منظومــة العالقــات املهنيــة‬
‫داخلهــا‪.‬‬

‫لكــن إرســاء نظــام عــري لتمثيليــة النقابــات يســتوجب يف كل الحــاالت وضــع‬


‫قواعــد قانونيــة واضحــة تتضمــن يف نفــس الوقــت تحديــد املقاييــس التــي‬
‫يمكــن اعتمادهــا لتقديــر مــدى تمثيليــة املنظمــات النقابيــة وآليــات تعيــن‬
‫املنظمــات األكثــر تمثيــا‪.‬‬

‫‪ -‬مقاييس التمثيلية النقابية‬

‫اســتنادا ملــا نصــت عليــه التوصيــة رقــم ‪ 163‬الصــادرة عــن املنظمــة الدوليــة‬
‫للعمــل ومــا أقرتــه لجنــة الحريــات النقابيــة التابعــة لهــذه املنظمــة يف العديــد‬
‫مــن قراراتهــا‪ ،‬فــإن تقديــر مــدى تمثيليــة النقابــات يجــب أن يكــون قائمــا‬

‫‪ 13‬الفصل ‪ 6‬من القانون عدد ‪ 30‬املؤرخ يف ‪ 14‬ديسمرب ‪.1960‬‬


‫‪ 14‬الفصل ‪ 134‬من مجلة الشغل‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫عــى مقاييــس موضوعيــة ومحــددة بصفــة مســبقة‪ ،‬وذلــك لتجنــب كل انحيــاز‬


‫أو تعســف مــن طــرف الســلطة املؤهلــة لتعيــن املنظمــات النقابيــة األكثــر‬
‫تمثيــا‪ .‬غــر أن القانــون التونــي ال يتضمــن أي تحديــد لهــذه املقاييــس وال‬
‫شــك أن هــذا الفــراغ القانونــي مــن شــأنه أن يزيــد يف توتــر املنــاخ االجتماعــي‬
‫وعــدم االســتقرار يف منظومــة العالقــات املهنيــة‪.‬‬

‫وبالرجــوع إىل القانــون املقــارن‪ ،‬نســتنتج أنــه ال يقــع االعتمــاد عــى مقيــاس‬
‫واحــد يف هــذا املجــال‪ ،‬وإنمــا عــى مجموعــة مــن املقاييــس املتكاملــة والتــي‬
‫يكمــن تقســيمها إىل مقاييــس كميــة ومقاييــس نوعيــة‪.‬‬

‫ترتبــط املقاييــس الكميــة أساســا بعــدد املنخرطــن باملنظمــة النقابيــة‪ .‬فــا‬


‫يعقــل االعــراف بصفــة التمثيليــة ملنظمــة نقابيــة لهــا نســبة ضعيفــة مــن‬
‫املنخرطــن‪ .‬كمــا أنــه مــن البديهــي أن النقابــة‪ ،‬لكــي تكــون قــادرة عــى‬
‫الدفــاع عــن املصالــح املشــركة لألشــخاص الذيــن تمثلهــم‪ ،‬يجــب أن تربهــن‬
‫عــى أن لهــا الــوزن الــروري لذلــك مــن خــال عــدد املنخرطــن فيهــا‪.‬‬

‫ويف كثــر مــن البلــدان‪ ،‬يشــرط املــرع توفــر نســبة معينــة مــن املنخرطــن يف‬
‫النقابــة حتــى تكتســب صفــة التمثيليــة‪ .‬وقــد تكون هــذه النســبة موحــدة‪ ،‬كأن‬
‫يشــرط حصــول النقابــة عــى نســبة ال تقــل عــن ‪ 50%‬مــن مجمــوع العمــال‬
‫التابعــن للمجــال املهنــي الــذي تمــارس فيــه نشــاطها‪ .‬كمــا قــد تكــون هنــاك‬
‫نســب مختلفــة تتغــر حســبما إذا تعلــق األمــر بتقديــر تمثيليــة النقابــات عــى‬
‫املســتوى الوطنــي أو القطاعــي أو عــى مســتوى املؤسســة‪.‬‬

‫ويف كل الحــاالت يتعــن عــى النقابــة التــي تطالــب باالعــراف بتمثيليتهــا تقديم‬
‫املؤيــدات الرضوريــة إلثبــات أنهــا تضــم عــددا مــن املنخرطــن يخــول لهــا‬
‫التمتــع بهــذه الصفــة‪ .‬لكــن يجــب أن نقــر بــأن التثبــت مــن عــدد املنخرطــن‬
‫ليــس أمــرا هينــا يف الكثــر مــن األحيــان‪ ،‬خاصــة أن إجــراء بحــث للتحقــق مــن‬
‫توفــر هــذا العــدد قــد يتعــارض مــع حريــة كل شــخص يف عــدم الترصيــح‬
‫بانتمائــه النقابــي والــذي يعتــر عنــرا مــن املعطيــات الشــخصية‪.‬‬

‫ونظــرا لصعوبــة مراقبــة عــدد املنخرطــن بصفــة دقيقة‪ ،‬أقــرت عــدة ترشيعات‬

‫‪55‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أجنبيــة تدعيــم هــذا املقيــاس مــن خــال االســتناد ملقيــاس كمــي آخــر يتمثل يف‬
‫النتائــج التــي تحصلــت عليهــا النقابــة يف االنتخابــات املهنية‪.‬‬

‫ويرتبــط هــذا املقيــاس بآليــة تقليديــة مــن آليــات الديمقراطيــة حيث يســتوجب‬
‫الرجــوع إىل صناديــق االقــراع كأداة موضوعيــة لتقديــر مــدى تمثيليــة النقابات‪.‬‬
‫لكــن القانــون التونــي ال يأخــذ بآليــة االنتخابــات املهنيــة كمقيــاس لتقديــر‬
‫وزن النقابــات‪ ،‬وذلــك عــى عكــس مــا أقــره‪ ،‬مثــا‪ ،‬املــرع املغربــي‪،15‬‬
‫أو املرشع الفرنيس‪ ،16‬أو املرشع االسباني‪.17‬‬

‫إضافــة للمقاييــس الكميــة املشــار إليهــا‪ ،‬يقــع االعتمــاد أيضــا يف تقديــر مــدى‬
‫تمثيليــة النقابــات عــى عــدة مقاييــس نوعيــة هامــة‪.‬‬

‫ومــن ضمــن هــذه املقاييــس نذكــر خاصــة املعيــار املتعلــق باســتقاللية‬


‫املنظمــة النقابيــة‪ ،‬حيــث أنــه يرتبــط بصفــة وثيقــة بجوهــر الحريــة النقابيــة‬
‫وبالوظيفــة األساســية للنقابــات واملتمثلــة يف الدفــاع بــكل مصداقية عــن مصالح‬
‫األشــخاص الذيــن تمثلهــم‪ .‬وغالبــا مــا يقــرن هــذا املعيــار باالســتقاللية املاليــة‬
‫للنقابــة‪. 18‬‬

‫فــإذا ثبــت مثــا أن املؤجــر يمــول نشــاط نقابــة عماليــة لتدعيــم وزنهــا يف‬
‫مواجهــة نقابــة عماليــة أخــرى‪ ،‬فــإن ذلــك يكون حجــة عىل عــدم اســتقالليتها‪،‬‬

‫‪ 15‬يشــرط املــرع املغربــي إلســناد صفــة املنظمــة النقابيــة األكثــر تمثيــا عــى الصعيــد الوطنــي حصولهــا عــى ‪ 6‬باملائــة‬
‫عــى األقــل مــن مجمــوع مندوبــي األجــراء املنتخبــن يف القطاعــن العمومــي والخــاص‪ .‬وإذا تعلــق األمــر بتحديــد املنظمــة‬
‫األكثــر تمثيــا عــى مســتوى املؤسســة ‪ ،‬فإنــه يتعــن حصولهــا عــى نســبة ‪ 35‬باملائــة عــى األقــل مــن مجمــوع عــدد‬
‫مندوبــي األجــراء املنتخبــن داخــل املؤسســة املعنيــة ( املــادة ‪ 425‬مــن مدونــة الشــغل )‪.‬‬
‫‪ 16‬يشــرط املــرع الفرنــي لإلقــرار بصفــة التمثيليــة للنقابــة عــى مســتوى املؤسســة أن تكــون قــد حصلــت عــى ‪10‬‬
‫باملائــة عــى األقــل مــن األصــوات يف الــدورة األوىل ألخــر انتخابــات ملمثــي العمــال داخــل املؤسســة املعنيــة ( الفصــل‬
‫‪ 1-L. 2122‬مــن مجلــة الشــغل)‪ .‬وبالنســبة لتمثيليــة النقابــات عــى املســتوى الوطنــي أو القطاعــي‪ ،‬يشــرط املــرع‬
‫الفرنــي أن تكــون النقابــة قــد حصلــت عــى ‪ 8‬باملائــة عــى األقــل مــن مجمــوع األصــوات املــرح بهــا يف االنتخابــات‬
‫املهنيــة ( الفصــل ‪ 5-L. 2122‬والفصــل ‪ 9-L. 2122‬مــن مجلــة الشــغل)‪.‬‬
‫‪ 17‬بمقتــى قانــون مــؤرخ يف ‪ 2‬أوت ‪،1985‬اشــرط املــرع االســباني لحصــول النقابــة عــى صفــة التمثيليــة أن تكــون قــد‬
‫حصلــت عــى ‪ 10‬باملائــة عــى األقــل مــن مجمــوع املقاعــد يف انتخابــات ممثــي العمــال‪.‬‬
‫‪ 18‬أقــر الفصــل ‪ 35‬مــن الدســتور الجديــد أن النقابــات تلتــزم بالشــفافية املاليــة‪ ،‬إىل جانــب التزامهــا بأحــكام الدســتور‬
‫والقانــون ونبــذ العنــف‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫وهــو مــا يعتــر قرينــة عــى انتفــاء صفــة التمثيليــة عــن تلــك النقابــة‪ .‬لكــن‬
‫يتعــن عــى الطــرف الــذي يشــكك يف اســتقاللية النقابــة أو يف مصداقيتهــا أن‬
‫يثبــت ذلــك مــن خــال اإلدالء بعنــارص جديــة تؤكــد مــا يدعيــه‪.‬‬

‫كمــا يشــرط املــرع يف عــدة بلــدان‪ ،‬لإلقــرار بصفــة التمثيليــة للنقابــة‪ ،‬أن‬
‫تكــون توجهاتهــا متالئمــة مــع جملــة مــن القيــم األساســية التــي يعــر عنهــا‬
‫بقيــم الجمهوريــة أو قيــم الديمقراطيــة‪ ،‬مثلمــا هــو الشــأن يف فرنســا وأملانيــا‪،‬‬
‫وهــذا مــا يقتــي خاصــة احــرام النقابــة للحريــات العامــة والحقــوق‬
‫األساســية لإلنســان وكذلــك رفضهــا لــكل أشــكال العنرصيــة والتمييــز غــر‬
‫الرشعــي‪.‬‬

‫ويمكــن أن نذكــر كذلــك مــن ضمــن املقاييــس النوعيــة لتقديــر تمثيليــة‬


‫النقابــات بعــض املعايــر األخــرى التــي تتعلــق بتجربــة النقابــة وخربتهــا‬
‫ومــدى إشــعاعها يف الوســط املهنــي‪ ،‬وغالبــا مــا يرتبــط ذلــك بأقدميتهــا‪ ،‬إذ‬
‫أن النقابــة التــي لهــا أكثــر أقدميــة مــن غريهــا تتمتــع عــادة بتجربــة أكــر‬
‫‪19‬‬
‫ويكــون لهــا تأثــر أوســع عــى الوســط املهنــي الــذي تمــارس فيــه نشــاطها‬
‫‪.‬‬

‫‪ -‬آليات تعيني املنظمات األكثر تمثيال‬

‫يكتنــف موقــف املــرع التونــي الكثــر مــن الغمــوض يف هــذا املجــال‪ .‬فمــن‬
‫ناحيــة أوىل‪ ،‬يطــرح التســاؤل‪ :‬هــل تمنــح صفــة التمثيليــة النقابيــة عــى‬
‫قاعــدة األغلبيــة أم عــى قاعــدة النســبية ؟ ويقتــي نظــام األغلبيــة أن تســند‬
‫تلــك الصفــة ملنظمــة نقابيــة واحــدة بحيــث أنهــا تنفــرد قانونيــا بممارســة‬
‫الصالحيــات املرتتبــة عــن ذلــك‪ ،‬يف حــن أن نظــام النســبية يســمح بــأن تســند‬
‫تلــك الصفــة ملنظمتــن أو أكثــر باعتبــار أن لــكل واحــدة منهــا تمثيليــة نســبية‪.‬‬

‫‪ 19‬يف بعــض القوانــن األجنبيــة يحــدد املــرع مــدة زمنيــة معينــة كحــد أدنــى ألقدميــة النقابــة لكــي تكتســب صفــة‬
‫التمثيليــة وخاصــة يف مجــال التفــاوض الجماعــي‪ .‬وقــد حــدد املــرع الجزائــري‪ ،‬مثــا‪ ،‬هــذه املــدة بســتة أشــهر عــى‬
‫األقــل ( املــادة ‪ 34‬مــن القانــون رقــم ‪ 90-14‬املــؤرخ يف ‪ 2‬جــوان ‪ ،)1990‬يف حــن أن القانــون الفرنــي حــدد تلــك املــدة‬
‫بســنتني كاملتــن ابتــداء مــن تاريــخ تكويــن النقابــة ( الفصــل ‪ 1-L. 2121‬مــن مجلــة الشــغل)‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ومــن خــال التجــارب األجنبيــة‪ ،‬نســتنتج أن بعــض األنظمــة تتبنــى قاعــدة‬


‫األغلبيــة‪ ،‬وهــي القاعــدة التــي أخــذت بهــا عــدة بلــدان أنغلــو سكســونية‪،‬‬
‫وخاصــة يف مجــال التفــاوض الجماعــي‪ ،‬مثلمــا هــو الشــأن يف القانــون األمريكي‬
‫حيــث أن النقابــة األكثــر تمثيــا والتــي تحــدد حســب صنــدوق االقــراع داخــل‬
‫الوحــدة املعنيــة بالتفــاوض هــي التــي تحتكــر مهمــة تمثيــل العمال طيلــة مدة‬
‫نيابيــة معينــة‪ .‬وعــى العكــس مــن ذلــك تبنــت بلــدان أخــرى قاعــدة النســبية‬
‫بمــا يفيــد إمكانيــة وجــود أكثــر مــن نقابــة واحــدة تكتســب صفــة التمثيليــة‪،‬‬
‫مثلمــا هــو الشــأن يف فرنســا وبلجيــكا واســبانيا‪.‬‬

‫وقــد بقــي موقــف املــرع التونــي غامضــا حــول هــذه املســألة‪ ،‬فهــو يعتمــد‬
‫أحيانــا عــى صيغــة الجمــع مــن خــال اســتعمال عبــارة املنظمــات النقابيــة‬
‫األكثــر تمثيــا‪ ،20‬ويف أحيــان أخــرى يعتمــد عــى صيغــة املفــرد مــن خــال‬
‫اســتعمال عبــارة املنظمــة األكثــر تمثيــا أو التــي لهــا أفضليــة التمثيــل‪.21‬‬

‫ونعتقــد أن اعتمــاد قاعــدة النســبية يف تونــس قــد يكــون مــن شــأنه أن يعمــق‬
‫تشــتت املشــهد النقابــي ويعيــق املفاوضــات الجماعيــة‪ ،‬خاصــة إذا أخذنــا‬
‫بعــن االعتبــار أن النســيج االقتصــادي التونــي يتكــون بصفــة أساســية مــن‬
‫مؤسســات صغــرة الحجــم‪ .‬لهــذا يبــدو لنــا مــن األنســب أن يتبنــى املــرع‬
‫نظــام التمثيليــة األغلبيــة يف مجــال التفــاوض الجماعــي ألن أن هــذا االختيــار‬
‫مــن شــأنه أن يكفــل حــدا أدنــى مــن التجانــس بــن أحــكام االتفاقيــات‬
‫املشــركة يف مختلــف املســتويات واألنشــطة املهنيــة‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬يبقــى التســاؤل قائمــا فيمــا يتعلــق بتحديــد اإلطــار‬
‫الجغــرايف واملهنــي لتعيــن املنظمــات النقابيــة األكثــر تمثيــا‪ ،‬فهــل يقــع‬
‫تقديــر هــذه التمثيليــة عــى املســتوى الوطنــي أو الجهــوي أو القطاعــي أو عــى‬
‫مســتوى املؤسســة ؟‬

‫‪ 20‬أنظــر مثــا الفصــل ‪ 38‬والفصــل ‪ 134‬مــن م‪.‬ش‪ .‬وكذلــك الفصــل ‪ 6‬مــن القانــون عــدد ‪ 30‬املــؤرخ يف ‪ 14‬ديســمرب‬
‫‪.1960‬‬
‫‪ 21‬أنظر الفصول ‪ 4-21‬و ‪ 5-21‬و ‪ 39‬من م‪.‬ش‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫لــم يحــدد املــرع التونــي موقفــا واضحــا حــول هــذه املســألة‪ .‬لكــن مــن‬
‫خــال التجــارب املقارنــة يمكــن القــول إن اإلجابــة تختلــف مبدئيــا باختــاف‬
‫طبيعــة املهــام املســندة للمنظمــات النقابيــة األكثــر تمثيــا وكذلــك باختــاف‬
‫هيكلــة هــذه املنظمــات‪ .‬لهــذا وقــع يف بعــض البلــدان‪ ،‬مثلمــا هــو الشــأن يف‬
‫فرنســا‪ ،‬إقــرار مبــدأ التناســب الــذي يعنــي أن تقديــر التمثيليــة واالعــراف بهــا‬
‫يقعــان بالنســبة لــكل مســتوى أو وحــدة تفــاوض ( عــى الصعيــد الوطنــي‬
‫أو القطــاع املهنــي أو املؤسســة ) بحيــث يمكــن أن تتمتــع النقابــة بصفــة‬
‫التمثيليــة عــى املســتوى الوطنــي أو القطاعــي وال تتمتــع بتلــك الصفــة عــى‬
‫مســتوى مؤسســة مــا‪ ،‬مثلمــا يمكــن أن يعــرف بتمثيليتهــا داخــل املؤسســة‬
‫دون أن تكــون لهــا تمثيليــة كبــرة عــى املســتوى الوطنــي أو القطاعــي‪.‬‬

‫كمــا يطــرح الســؤال أيضــا حــول معرفــة الســلطة املؤهلــة لتعيــن املنظمــة أو‬
‫املنظمــات األكثــر تمثيــا والضمانــات التــي يتعــن إقرارهــا لتجنــب أي انحيــاز‬
‫مــن طــرف هــذه الســلطة يف ممارســة نفوذهــا يف هــذا املجــال‪ .‬وقــد اكتفــى‬
‫املــرع بتقديــم إجابــة مقتضبــة حــول هــذا املوضــوع فيمــا يتعلــق بمجــال‬
‫التفــاوض الجماعــي إلبــرام االتفاقيــات املشــركة القطاعيــة‪ ،‬حيــث نــص‬
‫الفصــل ‪ 39‬مــن مجلــة الشــغل عــى أنــه‪ ،‬يف صــورة وجــود خــاف يف هــذه‬
‫املســألة‪ ،‬يصــدر قــرار مــن وزيــر الشــؤون االجتماعيــة لتعيــن املنظمــة التــي‬
‫تتــوىل إبــرام االتفاقيــة‪ .‬لكــن هــذا الحــل يبقــى منقوصــا‪ ،‬خاصــة يف غيــاب‬
‫مقاييــس موضوعيــة محــددة يتعــن االســتناد إليهــا يف إصــدار هــذا القــرار‪.‬‬

‫يف الختــام يجــدر التأكيــد بالخصــوص عــى أن الحريــة النقابيــة ال تقتــر عــى‬
‫بعــض املبــادئ التــي تصــاغ يف شــكل قواعــد قانونيــة مجــردة‪ ،‬وإنمــا هــي‬
‫يف جوهرهــا ركيــزة أساســية مــن ركائــز البنــاء الديمقراطــي وأداة رضوريــة‬
‫لضمــان كرامــة اإلنســان وتحقيــق العدالــة االجتماعيــة‪ .‬لهــذا تبقــى الحريــة‬
‫النقابيــة مــن أكثــر الحريــات تجــددا بحكــم أنهــا غــر منفصلــة عــن الواقــع‬
‫الســيايس واالقتصــادي واالجتماعــي الــذي تتنــزل فيــه‪ ،‬وبحكــم تطــور وظيفــة‬
‫النقابــات يف مواجهــة التحديــات التــي يفرزهــا هــذا الواقــع املتغــر‪.‬‬

‫غــر أن اإلطــار القانونــي املتعلــق بالعمــل النقابــي يف تونــس مــا زال يف حاجــة‬
‫إىل إصالحــات جوهريــة حتــى يكــون أكثــر تالؤمــا مــع املعايــر الدوليــة‬

‫‪59‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ويوفــر للنقابــات املقومــات الرضوريــة ملجابهــة تلــك التحديــات واملشــاركة‬


‫الفعليــة يف تجســيد مبــادئ الحريــة والكرامــة التــي قامــت مــن أجلهــا الثــورة‪.‬‬
‫وهــي إصالحــات تنــدرج يف نهايــة التحليــل ضمــن رهــان مجتمعــي أشــمل‪،‬‬
‫أي رهــان مــن أجــل إرســاء مجتمــع متضامــن ومتحــرر يف نفــس الوقــت مــن‬
‫براثــن االســتغالل ومظاهــر التهميــش واإلقصــاء‪ .‬وال يمكــن لهــذا الرهــان أن‬
‫يتحقــق إال إذا كان قائمــا عــى مبــادئ عليــا تعطــي األولويــة ملقتضيــات العدالــة‬
‫االجتماعيــة التــي تشــكل الغايــة األساســية لوجــود النقابــات وتضفــي عــى‬
‫نشــاطها مرشوعيــة دائمــة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪4‬‬

‫االتحاد واملسألة االقتصادية‬

‫سامي العوّادي‬
‫أستاذ التعليم العايل للعلوم االقتصادية بجامعة تونس املنار‬
‫رئيس مخرب بحث «استرشاف‪ ،‬اسرتاتيجيا وتنمية»‬

‫الفـــــــــهرس‬

‫‪ .1‬الربنامج االقتصادي واالجتماعي (املؤتمر القومي السادس ‪.)1956‬‬


‫‪ .2‬االتحاد واالقتصاد االجتماعي التضامني‬
‫‪ .3‬التقرير االقتصادي واالجتماعي – ‪1984‬‬
‫‪ .4‬االتحاد وبرنامج التقويم الهيكيل لسنة ‪1986‬‬
‫‪ .5‬التقرير االقتصادي واالجتماعي – ‪2001‬‬
‫‪ .6‬االتحاد واتفاق الرشاكة األورومتوسطية‬
‫‪ .7‬االتحاد والتنمية الجهوية‬
‫‪ .8‬االتحاد والعقد االجتماعي ‪2013/-2011‬‬
‫‪ .9‬تدخالت االتحاد يف امللفات واالصالحات االقتصادية بعد الثورة‬
‫‪ .10‬االتحاد واعالن قرطاج‬
‫‪ .11‬اآلفاق واالشكاليات‬

‫‪61‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫مقدمة‬

‫مــا مــن شــك ان الثقــل التاريخــي ملكانــة االتحــاد يف املجتمــع التونيس مســالة ال‬
‫يرتقــي اليهــا الشــك و إن مـ ّرت بفــرات مختلفــة التوهــج مراوحــة بــن فــرات‬
‫تتميــز بغلبــة الــدور الســيايس كلمــا كان املجتمــع يشــكو مــن ازمــات مــن دولة‬
‫االحتــال اىل دولــة االســتبداد انتهــاء بدولــة الثــورة‪ ،‬و بــن فــرات يغلــب فيهــا‬
‫الــدور االقتصــادي مــن حيــث انتقــاد السياســات املتبعــة او اقــراح بدائــل ذات‬
‫بعــد اقتصــادي واجتماعــي‪ ،‬وذلــك مــن فــرة االســتعمار حيــث صــاغ االتحــاد‬
‫مــروع منــوال تنميــة اســتعدادا لدولــة االســتقالل اىل نزاعــه الحــايل مــع‬
‫حكومــات مــا بعــد الثــورة عــى عــدة قــرارات اقتصاديــة مثــل قوانــن املاليــة‪،‬‬
‫و االســتثمار و الرشاكــة مــرورا باختيــارات اقتصاديــة يف فــرة الثمانينــات‬
‫اهمهــا برامــج التقويــم الهيــكيل لســنة ‪ 1986‬واتفــاق التبــادل الحــر مــع‬
‫االتحــاد األوروبــي لســنة ‪ 1996‬و اخــرا مــروع اتفــاق التبــادل الحــر املعمــق‬
‫و الشــامل مــع االتحــاد األوربــي‪.‬‬

‫موضــوع هــذه الورقــة اذا هــو ابــراز تعاطــي االتحــاد مــع املســالة االقتصاديــة‬
‫بــرف النظــر عــن دوره االجتماعــي الــرف مثــل الدفــاع عــن القــدرة‬
‫الرشائيــة لألجــراء او العالقــات الشــغلية او الحــق النقابــي‪...‬‬

‫الفكــرة التــي تحــاول هــذه الورقــة تبليغهــا هــي ان االتحــاد منــذ نشــأته‬
‫تنــاول املســالة االقتصاديــة بجديــة كــرى و تحــول عــى مــر الســنني مــن قــوة‬
‫احتجــاج رصفــة اىل قــوة اقــراح بدائــل‪.‬‬
‫ســنعود تحديــدا اىل ســنة ‪ 1955‬حيــث انجــز االتحــاد يف مؤتمــره الســادس‬
‫الوثيقــة التــي ســتصبح خارطــة طريــق حكومــة الســتينات يف كافــة القطاعــات‬
‫االقتصاديــة‪ ،‬و نتعــرض اىل اهــم مواقــف االتحــاد مــن االجــراءات و الربامــج‬
‫االقتصاديــة ذات املنحــى اللــرايل التــي ســتنتهجها الحكومــة منــذ منتصــف‬
‫الثمانينــات اىل مشــاريع القوانــن الحاليــة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ .1‬الربنامج االقتصادي واالجتماعي (املؤتمر القومي السادس ‪.)1956‬‬

‫بــدأ االشــتغال عليــه منــذ ‪ 1951‬بمناســبة املؤتمــر الرابــع واعتمــده الحــزب‬


‫الحــر الدســتوري يف مؤتمــره ســنة ‪ .1955‬ولقــد تضمــن جملــة مــن التصورات‬
‫االقتصاديــة حيــث تضمــن هــذا التقريــر عديــد االركان منهــا ‪:‬‬

‫←توطئة تحت عنوان «مذهبنا» بقلم احمد بن صالح‬ ‫←‬


‫←املرشوع رضوري لتونس لضمان نجاعة الجهود االقتصادية‬ ‫←‬
‫←املرشوع أداة إلقامة اوضاع اشرتاكية‬ ‫←‬
‫←رشوط املرشوع‬ ‫←‬

‫ولقــد ورد يف القســم االول تحــت عنــوان تحديــد الحاجيــات عــدة نقــاط نذكــر‬
‫فيمــا يــي جوانبهــا االقتصاديــة ‪:‬‬

‫✤ ✤أحوال العيش املادية للشعب التونيس‬


‫✤ ✤املستوى الحيوي (املعييش)‬
‫✤ ✤األجر (الدخل السنوي‪ /‬االستهالك الغذائي)‬
‫✤ ✤الشغل و ضمان العمل‬
‫✤ ✤البنية االقتصادية بالبالد التونسية‬
‫✤ ✤االقتصاد التونيس املضطرب‬
‫✤ ✤االقتصاد التونيس مصاب بحاالت عديدة من عدم التوازن‬
‫✤ ✤امليزان التجاري‬
‫✤ ✤الخسارة يف ميزان الدفوعات‬
‫✤ ✤الصندوق القومي لالدخار‬
‫✤ ✤تحويل رؤوس األموال‬
‫✤ ✤رشكات التأمني‬
‫✤ ✤إغراءات الزراعة املعدة للتصدير‬

‫و يف نفــس الســياق وتخصيصــا عــى املســائل االقتصاديــة ورد يف القســم الثانــي‬


‫املعنــون مــن الحاجيــات اىل االهــداف مــا يــي ‪:‬‬

‫‪63‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الزراعة‬
‫✤ ✤الرشوط االساسية التعاضدية‬
‫✤ ✤القرى التعاضدية‬
‫✤ ✤الوضع االقتصادي للتعاضدية الزراعية‬
‫✤ ✤االرايض املشرتكة‬
‫✤ ✤إعانة الدولة‬
‫✤ ✤النظر يف اساس املنتوج‬

‫التصنيع‬
‫✤ ✤اماكن التصنيع‬
‫✤ ✤يد عاملة مستعدة‪ /‬اسواق لبيع املنتوجات‪ /‬موارد طبيعية‬
‫✤ ✤الطاقة الشمسية‬
‫✤ ✤طاقة الرياح‬
‫✤ ✤الطاقة الذرية‬
‫✤ ✤توزيع املراكز الصناعية يف البالد‬
‫✤ ✤نظام امللكية‬
‫✤ ✤التجارة مع الخارج و مزايا ميناء بنزرت‬
‫✤ ✤الصناعات التقليدية و الصيد البحري‬

‫كما وردت يف املرشوع خاتمة تتضمن ‪:‬‬

‫← ←رشط استقالل تونس إزالة االنقسام الفاحش لتونس بني نصفني‬


‫← ←بناء وحدة الوطن عىل اسس ثابتة «االسس االقتصادية و االجتماعية»‬
‫← ←ولقــد تــم اعتمــاد هــذا الربنامــج ســنة ‪ 1961‬مــن طــرف الحكومــة يف‬
‫وثيقــة “اآلفــاق العرشيــة للتنميــة االقتصاديــة واالجتماعيــة ‪-1962 :‬‬
‫‪ ”1971‬عندمــا وقعــت دعــوة احمــد بــن صالــح (امــن عــام االتحــاد) اىل‬
‫عضويــة الحكومــة‬

‫‪ .2‬االتحاد واالقتصاد االجتماعي التضامني‬

‫عــرف هــذا القطــاع اهتمامــا كبــرا مــن القيــادات التاريخيــة لالتحــاد ومــن‬

‫‪64‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫ابرزهــم الفقيــد أحمــد التليــي الــذي أرشف عــى بعــث عــدة مؤسســات تعاونية‬
‫لالتحــاد يف قطاعــات مختلفــة منهــا الســياحة (نــزل اميلــكار) والصيــد البحري‬
‫والنقــل البحــري الداخــي والتأمــن والبنــوك وغريهــا‪ .‬ولقــد تراجــع االهتمــام‬
‫بهــذا القطــاع كثــرا ولكــن االتحــاد انجــز مؤخــرا مــروع قانــون أســايس‬
‫لالقتصــاد االجتماعــي والتضامنــي‪ ،‬يتضمــن تعريــف هــذا القطــاع ومجاالتــه‬
‫وهياكلــه اضافــة اىل احــكام ماليــة وانتقاليــة‪.‬‬

‫‪ .3‬التقرير االقتصادي واالجتماعي – ‪1984‬‬

‫وقد احتوى عىل ‪ 11‬ملفا منها ‪ 4‬ذات محتوى اقتصادي وهي ‪:‬‬

‫← ←الفالحة‬
‫← ←الصناعة والرشكات العمومية‬
‫← ←التشغيل والهجرة والتكوين املهني‬
‫← ←توزيع املداخيل‪ ،‬االنتاجية‪ ،‬االسعار والجباية‬

‫‪ .4‬االتحاد وبرنامج التقويم الهيكيل لسنة ‪1986‬‬

‫لقــد نبــه االتحــاد يف اكثــر مــن نــدوة اىل مخاطــر االنــزالق النيــو ليــرايل‬
‫القتصــاد البــاد منــذ اعتمــاد هــذا الربنامــج بتوصيــة مــن البنــك العاملــي‬
‫وصنــدوق النقــد العاملــي‪ ،‬ســيما فيمــا يتعلــق ب ‪:‬‬

‫← ←مقاومة التفويت يف املنشآت العمومية‬


‫← ←مقاومة ترسيح العمال‬
‫← ←مقاومة تليني العالقات الشغلية‬
‫← ←تجذير الدفاع عن القدرة الرشائية لألجراء املهددة بتحرير األسعار‬

‫‪65‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ .5‬التقرير االقتصادي واالجتماعي – ‪2001‬‬

‫انجــز هــذا التقريــر بقســم الدراســات والتوثيــق باالتحــاد بمناســبة املؤتمــر‬


‫االســتثنائي لســنة‪ 2001‬وقــد ســاهم يف تحريــر ورقاتــه مجموعــة هامــة مــن‬
‫الجامعيــن واحتــوى عــى ‪ 11‬بحثــا منهــا ‪ 5‬ذات محتــوى اقتصــادي وهــي‬
‫اآلتيــة ‪:‬‬
‫← ←األنشطة النافعة لالقتصاد التونيس‪ :‬تطورها و آفاقها‬
‫← ←التجارة الخارجية‪ :‬الواقع و اآلفاق‬
‫← ←الخوصصة و االستثمار يف تونس‬
‫← ←الجباية يف تونس‪ :‬التطورات و االفاق‬
‫← ←القدرة الرشائية و تطور توزيع املداخيل يف تونس‬

‫‪ .6‬االتحاد واتفاق الرشاكة األورومتوسطية‬

‫اضافــة اىل احتجــاج االتحــاد عــى انعــدام التشــاور وتغييــب النظمــات املهنيــة‬
‫فانــه قــام يف اكثــر مــن تظاهــرة بنقــد شــامل لالتفــاق وألرضيتــه الفكريــة‬
‫النيوليرباليــة وحــذر مــن العواقــب الوخيمــة لتفكيــك الحمايــة الديوانيــة عــى‪:‬‬

‫← ←املداخيل الذاتية مليزانية الدولة‬


‫← ←االستثمارات العمومية‬
‫← ←التحويالت االجتماعية‬

‫‪ .7‬االتحاد والتنمية الجهوية‪ :‬انطالق برنامج الدراسات الجهوية‬

‫← ←الكاف ‪2006‬‬
‫← ←سيدي بوزيد ‪2008‬‬
‫← ←قفصة ‪2008‬‬
‫← ←القرصين ‪2009‬‬

‫‪66‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ .8‬االتحاد والعقد االجتماعي ‪2013/-2011‬‬

‫← ←أطراف العقد االجتماعي‬


‫✤ ✤الحكومة‬
‫✤ ✤االتحاد العام التونيس للشغل‬
‫✤ ✤االتحاد التونيس للصناعة والتجارة‬

‫← ←محاور العقد االجتماعي‬


‫✤ ✤الحماية االجتماعية‬
‫✤ ✤سياسات التشغيل والتكوين املهني‬
‫✤ ✤النمو االقتصادي والتنمية الجهوية‬
‫✤ ✤العالقات املهنية والعمل الالّئـق‬

‫← ←محــور النمــو االقتصــادي والتنميــة الجهويــة وأســس منــوال تنميــة بديــل‬


‫الــوارد يف العقــد االجتماعــي يتمحــور حــول املبــادئ التاليــة ‪:‬‬
‫✤ ✤تحقيــق نمــو ادماجــي ‪ inclusif‬مــن خــال تشــجيع اقتصــاد ذو‬
‫يوفــر مزيــدا مــن التّماســك اإلجتماعــي‬ ‫طاقــة تشــغيلية عاليــة ّ‬
‫والجهــوي‪.‬‬
‫✤ ✤تطويــر اقتصــاد أكثــر نجاعــة وأكثــر تنافســية مــن أجــل تحقيــق‬
‫تنميــة مســتدامة‪.‬‬
‫✤ ✤تطوير اقتصاد مبني عىل املعرفة واإلبتكار‪.‬‬
‫✤ ✤فــ ّك عزلــة الجهــات الدّاخليــة وجعــل ادماجهــا يف نشــاط الجهــات‬
‫املرفهــة عنــرا مــن العنــارص الجوهريــة ملنــوال التّنميــة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫✤ ✤ويتط ّلب إرساء هذا املنوال اتّخاذ تدابري عديدة وبالخصوص ‪:‬‬
‫✤ ✤مراجعــة السياســة الجبائيــة والتّخفيــف مــن الضغــط الجبائــي عــى‬
‫األجــراء والرشائــح اإلجتماعيــة ضعيفــة الدخــل‪.‬‬
‫✤ ✤تكريــس مقوّمــات حقيقيــة للتّنميــة الجهويــة ورســم خطــط تراعــي‬
‫بالخصــوص قــدرات الجهــات وثرواتهــا وميزاتهــا التفاضليــة‪ ،‬وذلــك‬
‫ضمــن مقاربــة جديــدة تكــ ّرس الديمقراطيــة املحليــة واملشــاركة‬
‫الواســعة لــك ّل القــوى الحيّــة يف املجتمــع‪.‬‬
‫✤ ✤تطويــر القطاعــات الواعــدة القائمــة عــى التجديــد واإلبتــكار وذات‬

‫‪67‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫القيمــة املضافــة العاليــة والقــدرة التشــغيلية الهامــة ألصحــاب‬


‫الشــهادات‬
‫✤ ✤دعــم القطاعــات الثالثــة وهــي القطــاع العــام (تفعيــل دور الدولــة يف‬
‫املســاهمة وتنشــيط قطــاع اإلنتــاج غــر التنافــي) والقطــاع الخـ ّ‬
‫ـاص‬
‫(دفــع اإلســتثمار وخلــق مواطــن الشــغل) والقطــاع التضامنــي‬
‫واإلجتماعــي (دور املجتمــع املدنــي يف الحـ ّد مــن الفــوارق اإلجتماعية)‬
‫ـاص‬‫والعمــل عــى توفــر أرضيــة رشاكــة بــن القطاعــن العــام والخـ ّ‬
‫ودعــم العمــل املســتق ّل والتّمويــل األصغــر‪.‬‬
‫✤ ✤تعزيــز القــدرة التّنافســية للــركات وتحســن البنيــة التحتيــة‬
‫والقــدرات ال ّلوجســتيكية واعتمــاد سياســة منافســة ناجعــة (مقاومــة‬
‫الخاصــة والتّجــارة غــر املرشوعــة وخاصــة التهريــب‬ ‫ّ‬ ‫اإلحتــكارات‬
‫والتجــارة املوازيــة)‪.‬‬
‫✤ ✤تكريــس حقيقــي ملتط ّلبــات الحوكمــة ال ّرشــيدة وتحســن منــاخ‬
‫األعمــال ومراجعــة منظومــة تشــجيع اإلســتثمار وضبــط نظــام‬
‫حوافــز جديــد يقــوم عــى امتيــازات مرشوطــة (تشــغيل وتصديــر‬
‫وقيمــة مضافــة)‪.‬‬
‫✤ ✤رســم اســراتجيات قطاعيــة وطنيــة صناعيــة وفالحيــة وخدماتيــة‬
‫والعمــل عــى اســتقطاب االســتثمار الخارجــي إلنجــاز مشــاريع‬
‫مندمجــة ومهيكلــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫✤ ✤تأهيــل الباحثــن عــن الشــغل ضمــن منظومــة جديــدة للتكويــن‬
‫املهنــي منفتحــة عــى حاجيــات اإلقتصــاد ومســتجيبة ملتط ّلبــات‬
‫عــروض ّ‬
‫الشــغل‪.‬‬
‫✤ ✤املحافظــة عــى اســتدامة املحيــط مــن أجــل تحقيــق تنميــة مســتديمة‬
‫تنتفــع بهــا االجيــال الحاليــة والقادمــة‬

‫‪ .9‬تدخالت االتحاد يف امللفات واالصالحات االقتصادية بعد الثورة ‪:‬‬

‫املبــادرات الدراســية لالتحــاد بعــد الثــورة‪ .‬اســتئناف الدراســات الجهويــة‬


‫باعتبــار الــدور املحــوري للجهــات الداخليــة يف تأجيــج الثــورة وأولويــة التنميــة‬
‫الجهويــة‪ :‬ســليانة ‪ 2012‬والتقــدم باقرتاحــات عمليــة وبرنامــج اســتثمار‬

‫‪68‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫قطاعــي وتصــور بديــل لسياســة التنميــة الجهويــة ولــدور الدولــة‬

‫← ←دراسات التنمية الجهوية‬


‫✤ ✤سليانة ‪2012‬‬
‫✤ ✤الكاف ‪2016‬‬
‫✤ ✤قفصة ‪2016‬‬
‫← ←دراسات اقتصادية‬
‫✤ ✤النمو االقتصادي ومنوال تنمية بديل‬
‫✤ ✤سوق الشغل والعالقات الشغلية‬
‫✤ ✤الحوار االجتماعي‬

‫← ←مذكرات‬
‫← ←قوانني املالية‬
‫← ←قانون االستثمار‬
‫← ←قانون الرشاكة عام خاص‬

‫‪ .10‬االتحاد واعالن قرطاج‬

‫وهــو الوفــاق الوطنــي الــذي تشــكلت عــى أســاس مبادئــه حكومــة الوحــدة‬
‫الوطنيــة‪ .‬وقــد تعلقــت مقرتحــات االتحــاد يف املجــال االقتصــادي لهــذا االعــان‬
‫بالنقــاط التاليــة ‪:‬‬

‫← ←تحديــد برنامــج مفصــل لإلصالحــات واإلجــراءات االقتصاديــة واالجتماعيــة‬


‫عــى املــدى القصــر بمــا يف ذلــك مالمــح ميزانيــة ‪ 2017‬وأولوياتهــا‬
‫← ←مزيــد ترشــيد ميزانيــة وســائل املصالــح دون املســاس بالســر العــادي‬
‫لهــا‪.‬‬
‫← ←اإلرساع بتفعيــل مخرجــات الحــوار الوطنــي حــول التشــغيل بخصــوص‬
‫اإلجــراءات‬
‫← ←العاجلــة واآلجلــة التــي تــم االتفــاق عليهــا يف إطــار العقــد االجتماعــي‬
‫وإيجــاد الحلــول‬
‫← ←املالئمة والوفاقية لوقف االعتصامات وتعطيل االنتاج‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫← ←اإلرساع بتفعيل الهيئات الدستورية املستقلة‬


‫← ←ضبــط اســراتيجيات مســتعجلة بخصــوص القطاعــات الحيويــة األربعــة‪:‬‬
‫الفســفاط‪ ،‬الســياحة‪ ،‬الطاقــة (النفــط) والفالحــة حســب مقاربــة وفاقيــة‬
‫وتشــاركية مــع األطــراف االجتماعيــة‪.‬‬
‫← ←تفعيل مرشوع اإلصالح الجبائي الذي وقع االتفاق عليه مبدئيا يف إطار‬
‫← ←االستشارة الوطنية حول الجباية وتحميل األطراف املعطلة ملسؤولياتها‪.‬‬
‫← ←رضورة مراجعــة املســار التشــاوري للمخطــط التنمــوي (‪)2020-2016‬‬
‫وذلــك يف اطــار مقتضيــات العقــد االجتماعــي الــذي ينــص عــى الــدور‬
‫املوكــول ملجلــس الحــوار االجتماعــي يف ضمــان الوفــاق بــن األطــراف‬
‫االجتماعيــة حــول املخططــات التنمويــة‪.‬‬

‫ولقــد نظــم قســم الدراســات والتوثيــق باالتحــاد يف جــوان ‪ 2016‬ورشــة‬


‫عمــل حــول مقــرح حكومــة الوحــدة الوطنيــة وأهــم االصالحــات االقتصاديــة‬
‫واالجتماعيــة بحضــور عــدد مــن الخــراء لتــدارس مختلــف امللفــات الحارقــة‬
‫وتقديــم املقرتحــات والتصــورات للنهــوض باألوضــاع االقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫لتونــس‪ .‬ومــن ضمــن األفــكار واملقرتحــات التــي تداولهــا املشــاركون والتــي‬
‫تضمنهــا التقريــر التأليفــي للورشــة نذكــر ‪:‬‬

‫← ←رضورة الفصــل بــن مهــام الدولــة وواجباتهــا يف األمــن ومقاومــة اإلرهــاب‬


‫وبــن دورهــا املحــوري يف النمــو االقتصــادي والقضــاء عــى التفــاوت‬
‫الجهــوي ورضورة ان ترتكــز الرؤيــة الجديــدة عــى محوريــن كبرييــن‬
‫يتعلــق األول بالتنميــة الجهويــة عــر دعــم االســتثمار وعــى الدولــة‬
‫ان تكــون هــي الدافــع لالســتثمار وهــي املســتثمر األول يف تلــك الجهــات‬
‫بمــا يضمــن تكافــؤ الفــرص ويقلــص مــن الهــوة بــن الجهــات‪ .‬ويتعلــق‬
‫املحــور الثانــي بإقــرار حزمــة مــن اإلصالحــات الكــرى يف عالقــة بالجبايــة‬
‫والصناديــق االجتماعيــة واملؤسســات العموميــة ‪.‬‬

‫← ←رضورة تحديــد األهــداف الرئيســية للمرحلــة الراهنــة وتحديــد الوســائل‬


‫وإقــرار أهــم اإلصالحــات‪ .‬وتتعلــق األهــداف الرئيســية بدفــع النمــو‬
‫والعدالــة االجتماعيــة ومقاومــة الفــوارق الجهويــة واالجتماعيــة والتشــغيل‬
‫أمــا بالنســبة للوســائل فتتمثــل يف اإلصالحــات يف الجبايــة واملاليــة والتعليــم‬

‫‪70‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫وترشــيد اإلنفــاق العمومــي‬

‫← ←رضورة اتخــاذ جملــة مــن اإلجــراءات العاجلــة يف عالقــة بتشــغيل الشــباب‬


‫تمــر عــر تســهيل بعــث مؤسســات اقتصاديــة جديــدة و تأهيــل التكويــن‬
‫املهنــي للشــباب العاطــل ‪ .‬كمــا يتوجــب اتخــاذ اجــراءات عاجلــة يف مجاالت‬
‫التنميــة الجهويــة والحفــاظ عــى القــدرة الرشائيــة والقضــاء عــى الفقــر‬
‫املدقــع ومكافحــة التهريــب والتهــرب الرضيبــي وخفــض العجــز املــايل‬
‫والديــن العمومــي واصــاح املنشــات العموميــة وإصــاح منظومــة الضمان‬
‫االجتماعــي وإعــادة النظــر يف التوازنــات الخارجيــة ‪.‬‬

‫← ←أمــا بخصــوص اإلجــراءات اآلجلــة فإنهــا تقتــي تعصــر اإلدارة العموميــة‬


‫وإعــادة هيكلــة منظومــات اإلنتــاج ودفــع االقتصــاد االجتماعــي والتضامني‬
‫والتأهيــل النوعــي ملراكــز التكويــن املهنــي وإصــاح منظومــة التعليــم‬
‫العــايل وإعــادة النظــر يف العالقــات التجاريةالدوليــة وإصــاح توافقــي‬
‫ملنظومــة الجبايــة وإعــادة النظــر يف مســألة الدعــم‪.‬‬

‫‪ .11‬االستنتاجات‬

‫← ←رغــم رفــض االتحــاد للتقوقــع يف مربــع املطلبيــة املاديــة كمــا تريد الســلطة‬
‫وارصاره عــى املشــاركة يف صياغــة السياســات االقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫اال انــه قليــا مــا توجــد آثــار القرتاحاتــه يف السياســات املتبعــة مــا يثــر‬
‫مســألة النجاعــة يف التدخــل ورضورة تــايف النقــص يف املتابعــة واملطالبــة‬
‫باملســاءلة والنقــص يف التعريــف باملجهــود الــدرايس يف املجــال االقتصــادي‬
‫ورضورة بنــاء التحالفــات وتدعيــم مســألة تم ُكــن االطــارات النقابيــة مــن‬
‫مقرتحــات االتحــاد‬

‫← ←ويالحــظ ان املســرة االقتصاديــة لالتحــاد تخللتهــا تذبذبــات كــرى‬


‫وتميــزت بعــدم الثبــات عــى رؤيــة اقتصاديــة موحــدة ومشــركة بــن‬
‫مناضليــه وذات مرجعيــة فكريــة واضحــة‪.‬‬

‫← ←يف الخمســينات والســتينات كان االتحــاد صاحــب مــروع ورؤيــة طموحــة‬

‫‪71‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫للمســتقبل االقتصــادي لتونــس واصالحــات قطاعيــة نجــح يف اقنــاع‬


‫الحكومــة بهــا‪،‬‬

‫← ←اصبــح يف الفــرة املواليــة يالحــق األحــداث‪ .‬وان كان االتحــاد ال يكتفــي‬


‫باملطلبيــة اال انهــا طغــت احيانــا ســيما يف اطــار السياســة التعاقديــة خالل‬
‫عرشيتــي الثمانينــات والتســعينيات‪.‬‬
‫← ←ولكــن مــع اشــتداد الصعوبــات االقتصاديــة حــاول االتحــاد منــذ منتصــف‬
‫عرشيــة األلفــن تــدارك األمــر‬

‫← ←تدعــم هــذا التوجــه يف الفــرة األخــرة حيــث اصبــح املجهــود الــدرايس‬


‫يخضــع اىل برمجــة‪ .‬ولقــد نجــح االتحــاد يف نفــح روح ملواقفــه االقتصاديــة‬
‫وجعلهــا اكثــر تماســكا وانســجاما مــن خــال العقــد االجتماعــي‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪5‬‬

‫املهن الجديدة و العالقات الشغلية‬

‫االستاذ عبد السالم نصريي‬


‫أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬
‫خبري متعاون مع االتحاد العام التونيس للشغل يف القانون االجتماعي‬

‫تشــر جميــع الدراســات و التوقعــات و املــؤرشات اىل ان تســونامي رقمــي عــى‬


‫وشــك ان يغمــر عالــم الشــغل و يغــر تصوراتنــا الحاليــة عــن العمــل‪.‬‬

‫يومــا بعــد يــوم تغــزو التكنولوجيــا الذكيــة مجــاالت واســعة مــن مياديــن‬
‫الخدمــات و الصناعــة ‪ ،‬محدثــة تغيــرات عميقــة يف عالــم الشــغل مــن اختفــاء‬
‫ملهــن تقليديــة و ظهــور ملهــن حديثــة و بــروز طــرق جديــدة ملمارســة بعــض‬
‫املهــن التقليديــة‪.‬‬

‫فــآالت الطباعــة ثالثيــة األبعــاد تجــاوزت مرحلــة اإلبهــار العلمــي وهــي اآلن‬
‫عــى عتبــات إحــداث ثــورة صناعيــة جديــدة‪.‬‬

‫والروبوتــات خرجــت مــن مصانــع الســيارات وولــدت مياديــن جديــدة مثــل‬


‫الرتجمــة و تحريــر الوثائــق و الصكــوك و تشــخيص األمــراض و العنايــة‬
‫باملســنني‪.‬‬
‫وليســت هــذه املــرة األوىل التــي يشــهد فيهــا عاملنــا ‪ ،‬يف العقــود األخــرة‪ ،‬مثــل‬
‫هــذه التحــوالت العميقــة يف عالــم الشــغل ارتباطــا بالتكنولوجيــا والعلــوم‬
‫الحديثــة ‪.‬‬
‫فمــع بدايــة الثمانينــات مــن القــرن املــايض ‪ ،‬ثــارت تســاؤالت عميقــة و عمــت‬
‫انشــغاالت كبــرة حــول تحــوالت العمــل مــع بدايــة انتشــار اإلعالميــة و ظهــور‬
‫ا لكمبيوتر ‪.‬‬
‫ثــم ومــع بدايــات القــرن الجديــد ‪،‬و بدايــة انتشــار اإلنرتنــت ‪،‬بــدأت موجــة‬
‫جديــدة مــن التســاؤالت حــول مــدى تأثــر هــذا التطــور التكنولوجــي عــى‬
‫ســوق العمــل وعــى املفاهيــم األساســية فيــه‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫و يف الســنوات األخــرة ‪ ،‬وعــى اثــر االخرتاعــات و التطويــرات بالغــة التعقيــد‬


‫و الدقــة يف مجــال اإلنرتنــت عاليــة التدفــق ويف مجــال النانوتكنولوجيــا التــي‬
‫تســمح بمعالجــة كميــات هائلــة مــن املعطيــات و املعلومــات و العمليــات يف‬
‫وقــت قيــايس ‪ ،‬بمــا أتــاح إنشــاء عوالــم افرتاضيــة فتحــت آفاقــا رحبــة و ال‬
‫متناهيــة أمــام القــدرات اإلبداعيــة لإلنســان‪.‬‬

‫ولعــل مــن اهــم هــذه االخرتاعــات مــا يعــرف بإنرتنــت األشــياء والتــي تمثــل‬
‫تطــورا يف اســتخدام تكنولوجيــا املعــدات الذكيــة و املــزودة باملستشــعرات‬
‫و الربمجيــات الفعالــة وأجهــزة تحديــد املوقــع و تكنولوجيــا االستشــعار عــن‬
‫بعــد و عــن قــرب و التواصــل الســلكي والالســلكي‪ ،‬وهــو مــا مكــن مــن‬
‫تطويــر ظاهــرة التخاطــب و التواصــل عــر اإلنرتنــت فيمــا بــن أجهــزة بعضها‬
‫ببعــض دون تدخــل مبــارش للبــر‪ ،‬ذلــك انــه اصبــح مــن املتــاح تعريــف اي‬
‫جهــاز عــى اإلنرتنــت مــن خــال الصــاق عنــوان انرتنــت بــه ‪ ،‬كالســيارة‬
‫او الكامــرا او جهــاز التكييــف او الثالجــة او ســلع يف محــل تجــاري او حتــى‬
‫حيوانــات و نباتــات او غريهــا مــن كل أنــواع األشــياء ‪،‬فــكل يشء يمكــن تعريفــه‬
‫عــى اإلنرتنــت وبالتــايل يمكــن لإلنســان عــر إنرتنــت األشــياء ان يتحكم بشــكل‬
‫فعــال و ســهل باألشــياء عــن قــرب وعــن بعــد ‪ ،‬فيســتطيع مثــا تشــغيل آلــة‬
‫و اســتخدامها عــن بعــد ‪،‬بــل يمكــن لألشــياء ذاتهــا ان تتواصــل مــع بعضهــا‬
‫مبــارشة دون واســطة اإلنســان ‪،‬واصبــح مــن املمكــن ان نشــاهد ســيارات‬
‫تسريمُستشــعرة طريقهــا ذاتيــا دون حاجــة لســائق و شــاحنات يتــم شــحنها‬
‫بالبضائــع و تأخــد وجهتهــا و تســلك طريقهــا و تصــل اىل غايتهــا و تفــرغ‬
‫شــحنتها و كل ذلــك دون اي تدخــل مــن االنســان‪.‬‬

‫كمــا تتمثــل الطباعــة ثالثيــة األبعــاد يف تكنولوجيــا جديــدة تســتعمل حاســوب‬


‫و جهــاز مســح ضوئــي و آلــة طابعــة و تقــوم بنســخ األشــياء بأحجامهــا‬
‫العاديــة و يف أبعادهــا الطبيعيــة ‪ .‬وقــد تجــاوزت هــذه التكنولوجيــا فــرة‬
‫التجــارب و دخلــت مرحلــة االســتغالل الصناعــي مفتتحــة عاملــا يــكاد يكــون‬
‫مــن الخيــال العلمــي ويدفــع بعيــدا جــدا بحــدود املعرفــة و املقــدرة اإلنســانية‬
‫عــى االبتــكار و اإلبــداع‪.‬‬
‫و باتــت األشــياء التــي كانــت تنتــج مــن خــال تجميــع مكونــات متفرقــة‬
‫تصنــع اآلن يف مرحلــة وحيــدة بمــا يغنــي عــن مرحلــة التجميــع و الرتكيــب‬

‫‪74‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫و بالتايل يغني عن اليد العاملة و الوقت‬


‫و الكلفــة الالزمــة لتلــك املرحلــة ‪ .‬و اصبــح مــن املمكــن إقامــة ورشــات‬
‫طباعــة صناعيــة مالصقــة ألماكــن البيــع و التوزيــع بمــا يســمح بالتعامــل‬
‫الرسيــع مــع متغــرات الســوق و االســتجابة الحينيــة لطلبــات املســتهلكني‬
‫و تعديــل املنتــوج طبقــا لهــا‪ .‬و مــن اهــم املجــاالت التــي تعــرف تناميــا مطردا‬
‫لتكنولوجيــا الطباعــة ثالثيــة األبعــاد نجــد صناعــة قطــع الغيــار لــآالت‬
‫و األجهزة املختلفة والسيارات‪....‬‬

‫و يجمــع جميــع املتدخلــن بــان هــذه التكنولوجيــا ســائرة برسعــة هائلــة‬


‫إلحــداث ثــورة صناعيــة حقيقيــة عــى مســتويات اإلنتــاج و التجميــع‬
‫والتخزين و اللوجستية و النقل و التوزيع و املراقبة‪...‬‬

‫ان مظاهــر هــذه التحــوالت وان لــم تكتمــل بعــد يف ســوق العمــل يف بالدنــا ‪،‬‬
‫اال انهــا اصبحــت واضحــة املعالــم يف اوربــا و ســائر البلــدان الصناعيــة‪ ،‬وهــي‬
‫ال محالــة ‪ ،‬لــن تلبــث ان تغمــر بقيــة البلــدان ‪ ،‬ومــن بينهــا بالدنــا ‪،‬وهــو‬
‫مــا يســتدعي محاولــة فهــم ابعادهــا و اســبابها و نتائجهــا عــى املفاهيــم‬
‫و التصورات القائمة للعمل و العالقات الشغلية ‪.‬‬

‫ولــن كانــت تعوزنــا االحصائيــات و املعطيــات الدقيقــة عــن ســوق الشــغل يف‬
‫تونــس عامــة ‪ ،‬فانهــا يف موضــوع هــذه الدراســة تــكاد تكــون منعدمــة‪.‬‬

‫و قــد حتّــم هــذا املعطــى املوضوعــي التطــرق للمســالة بــكل حــذر ودون القطع‬
‫بنتائــج حاســمة وذلــك بتنــاول مبدئــي و شــمويل باالســتئناس بمــا هــو عليــه‬
‫االمــر يف بعــض البلــدان الصناعيــة حيــث التاثــرات و محــددات ســوق العمــل‬
‫و العالقــات الشــغلية غــر غريبــة عــن تلــك املتواجــدة يف بالدنــا‪.‬‬

‫نتعرض للموضوع من خالل التطرق للنقاط التالية‪:‬‬


‫تأثري التحوالت التكنولوجية عىل أشكال العمل‪,‬‬
‫نمو أشكال هجينة للعمل بني العمل املأجور و العمل املستقل ‪,‬‬
‫اي عالقة شغلية يف أشكال العمل املستحدثة؟‪,‬‬
‫أي أشكال جديدة للحوار االجتماعي يف ظل األشكال الجديدة للعمل؟‬

‫‪75‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أوّال ‪:‬تأثري التحوالت التكنولوجية عىل أشكال العمل‬

‫يمثــل عقــد الشــغل غــر محــدد املــدة لوقــت كامــل شــكال مرجعيــا للعمــل‪،‬‬
‫رغــم مــا يشــهده مــن موجــات الهشاشــة املتتاليــة يف العقــود األخــرة ‪ .‬وقــد‬
‫دفعــت األشــكال املســتحدثة للتشــغيل اىل التســاؤل حــول التفرقــة بــن العمــل‬
‫املأجــور و العمــل املســتقل و حــول مــدى اعتبــار كــون العمــل املأجــور هــو‬
‫الشــكل املرجعــي للتشــغيل‪.‬‬

‫‪ )1‬هشاشة العمل املأجور‬

‫بــدا العمــل املأجــور يف التوســع و االنتشــار اثــر الحــرب العامليــة الثانيــة‬


‫بالرتافــق مــع انحســار العمــل الفالحــي التقليــدي و األعمــال الحرفيــة الحــرة‪.‬‬
‫و كان عقــد الشــغل ملــدة غــر محــدودة هــو األصــل و املرجــع يف التشــغيل‪،‬‬
‫حتــى انــه مثــل يف الســبعينات نســبة ‪ 90%‬مــن مجمــوع العالقــات الشــغلية‬
‫(‪ )1‬لكــن مــع بدايــة الثمانينــات ‪ ،‬اتجهــت األمــور اىل التبــدل و التحــول مــع‬
‫بدايــة االلتجــاء املوســع لعقــود العمــل محــدودة املــدة و تنامــي انتشــارها مــع‬
‫الســنوات حتــى أصبحــت يف الســنوات األخــرة تمثــل مــا ال يقــل عــن ثالثــة‬
‫أربــاع العالقــات الشــغلية (‪)2‬‬
‫و قــد مثــل هــذا التحــول مــن اعتمــاد املــدة غــر املحــدودة اىل اعتمــاد املــدة‬
‫املحــدودة ‪،‬عنــر هشاشــة قــوي مــن حيــث املســاس بالحقــوق االجتماعيــة‬
‫للعمــال‪ .‬وقــد تعمقــت هــذه الهشاشــة مــع التنامــي املطــرد الــذي شــهدته‬
‫ســوق العمــل يف نفــس تلــك الفــرة ‪ ،‬لعقــود العمــل لوقــت جزئــي و خاصــة‬
‫بالنســبة للعامــات‬

‫وقــد تزامــن هــذا التنامــي لهشاشــة العمــل املأجــور مــع تنامــي مــواز لنســب‬
‫العمــل املســتقل ‪ .‬ذلــك ان هــذا النمــط مــن العمــل الــذي كان ســائدا قبــل‬
‫الحــرب العامليــة الثانيــة ‪ ،‬و خاصــة يف مجــايل الفالحــة و الخدمــات التجاريــة‬
‫‪،‬و الــذي اتجــه لالنكســار و االنحــدار و التقلــص منــذ بدايــة الخمســينات مــن‬
‫القــرن املــايض ‪ .‬لكــن مــع ظهــور بــوادر التــأزم يف أشــكال العمــل املأجــور‬
‫و ارتفــاع نســب البطالــة‪ ،‬عــاودت نســب العمــل املســتقل اىل االرتفــاع منــذ‬
‫بدايــات القــرن الجديــد و ذلــك خاصــة يف مجــال الخدمــات‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ )2‬انحسار التفرقة بني العمل املأجور و العمل املستقل‬

‫بالتــوازي مــع ظاهــرة هشاشــة العمــل املأجــور و رجــوع العمــل املســتقل‬


‫للــروز مــن جديــد‪ ،‬بــدأت تنمــو ظاهــرة عالقــات العمــل الثالثيــة التــي تجمــع‬
‫بــن ثالثــة أطــراف ‪ :‬أجــر ‪ ،‬مؤجــر مؤجــر قانونــي يقــوم باالنتــداب‪ ،‬ومؤجــر‬
‫مســتعمل يتــم تنفيــذ العمــل بــن يديــه و لحســابه‪.‬‬
‫و بعــد ان كانــت عالقــات العمــل الثالثيــة تتجســد أساســا يف أشــكال املناولــة‬
‫‪ ،‬فإنهــا قــد اتجهــت يف الســنوات األخــرة اىل اتخــاذ أشــكال مســتحدثة مثــل‬
‫اإلجــارة املحمولــة(‪ )3‬مثــل مــا يطلــق عليــه ‪ Portage Salarial‬و الــذي يتمثــل‬
‫يف شــكل مســتحدث للعالقــة الثالثيــة يجمــع بــن العمــل املأجــور و العمــل‬
‫املســتقل و يتكــون مــن ثالثــة أطــراف‪:‬‬

‫‪ :‬املحمول ‪-Le porté‬‬


‫وهــو صاحــب نشــاط يريــد ان يعمــل لحســابه الخــاص مــع االســتفادة مــن‬
‫وضعيــة وبعــض حقــوق األجــر‬

‫‪ :‬الحامل ‪- Le porteur‬‬
‫وهــي مؤسســة تتوســط بــن املحمــول و الحريــف الــذي يريــد االســتفادة مــن‬
‫خدماتــه‬

‫‪ -‬الحريف ‪ :‬وهو الذي يتم تنفيذ الخدمة لفائدته و يتوىل دفع املقابل‪.‬‬
‫و يتــوىل األجــر املحمــول إبــرام عقــد مــع املؤسســة الحاملــة و يصبــح‬
‫أجــرا عندهــا ملــدة معينــة او إلنجــاز مهمــة محــددة‪ .‬و تــرم الرشكــة‬
‫الحاملــة عقــدا تجاريــا مــع الحريــف تتعهــد فيــه بتوفــر شــخص‬
‫محــدد بذاتــه ينجــز املهمــة املطلوبــة مقابــل ســعر متفــق عليــه‪،‬‬
‫و يقــوم األجــر املحمــول بتنفيــذ املهمــة املحــددة لحســاب الحريــف‬
‫و يقبــض أجــره مــن املؤسســة الحاملــة‪ ،‬كل هــذا بعــد ان يكــون األجــر‬
‫املحمــول هــو الــذي أوجــد الحريــف و اتفــق معــه عــى كل شــئ دون اي تدخــل‬
‫مــن املؤسســة الحاملــة التــي ال تتدخــل اال بعــد إتمــام االتفــاق بــن األجــر‬
‫و الحريف ‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫كمــا يمكــن ان تتمثــل عالقــة العمــل الثالثيــة يف تجمــع مؤجريــن و الــذي‬


‫يتكــون مــن هيــكل يتجمــع فيــه عــدة مؤجريــن بهــدف انتــداب عمــال‬
‫و وضعهــم عــى ذمــة أعضائــه بحســب حاجاتهــم ‪ .‬و يكــون املجمــع هــو‬
‫املؤجــر القانونــي للعامــل عــن طريــق عقــد شــغل مكتــوب يضبــط رشوط‬
‫العمــل‪ ،‬بينمــا يتــم تنفيــذ العمــل لــدى املؤجريــن أعضــاء املجمــع‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬نمــو أشــكال هجينــة للعمــل بــن العمــل املأجــور و العمــل‬


‫املســتقل‬

‫إضافــة لنمــو أشــكال العمــل الهــش و عالقــات العمــل الثالثيــة ‪ ،‬توجــد أشــكال‬
‫جديــدة للعمــل تثــر التســاؤالت حــول وضــوح الفــوارق بــن العمــل املأجــور‬
‫و العمــل و املســتقل و خاصــة عالقــة التبعيــة القانونيــة بــن املؤجــر و األجــر‬
‫(‪)4‬‬
‫ففــي ســياق نــزوع جــزء مــن األجــراءاىل االســتقاللية ‪ ،‬وخاصــة اإلطــارات‬
‫منهــم‪ ،‬و ضبــط التزامــات بتحقيــق نتائــج محــددة بــدال مــن االلتزامــات‬
‫ببــذل عنايــة و العمــل ضمــن شــبكة او بنظــام العمــل املتنقــل وأمــام‬
‫تنامــي التبعيــة االقتصاديــة لجــزء مهــم مــن العمــال املســتقلني ‪،‬فــان‬
‫بعــض األنشــطة املأجــورة أصبحــت اقــرب اىل منطــق إســداء الخدمــة‪،‬‬
‫و يف املقابــل ‪ ،‬نجــد بعــض مهــام العمــل اصبــح مــن املمكــن إســنادها اىل غــر‬
‫أجــراء للقيــام بهــا مــع االحتفــاظ بدرجــة مــن التبعيــة بــن الطرفــن‪.‬‬

‫و تكمــن أهميــة التفرقــة بــن العمــل املأجــور و العمــل املســتقل يف كــون‬


‫وجــود عقــد العمــل يــؤدي اىل رضورة تطبيــق احــكام قانــون الشــغل و ضمــان‬
‫الحمايــة االجتماعيــة لالجــر‪.‬‬

‫و عــى هــذا األســاس ‪ ،‬نجــد ان املــرع ‪ ،‬ولضمــان حمايــة فعالــة لبعــض‬


‫الفئــات االجتماعيــة‪ ،‬ينــص عــى إلحاقهــم بنظــام العمــل املأجوررغــم درجــة‬
‫االســتقاللية يف تنفيــذ مهامهــم ‪ ،‬كمــا يف حالــة العمــال املســتقلني بمنازلهــم‬
‫( الفصــل ‪ 159‬م ش ) او الصحافيــن الصناعيــن ( الفصــول مــن ‪ 397‬اىل‬
‫‪ 408‬م ش ) او النــواب املتجولــن والــوكالء التجاريــون ( الفصــول مــن ‪409‬‬
‫اىل ‪ 425‬م ش ) و املشــتغلني يف عــروض األزيــاء يف القانــون الفرنــي(‪)5‬‬

‫‪78‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫و كذلــك الناشــطني تحــت نظــام التأجــر املحمــول (‪ .)6‬كمــا نجــد هــذا املنطــق‬
‫فاعــا يف القانــون االقتصــادي التضامنــي الصــادر يف فرنســا ســنة ‪2014‬‬
‫و الــذي مــازال عــى مســتوى املــروع املعــروض عــى الربملــان يف تونــس‪،‬‬
‫وهــو قانــون ينــص عــى إنشــاء تعاونيــات للنشــاط و التشــغيل ‪ ،‬وهــي عبــارة‬
‫عــن تجمــع اقتصــادي تضامنــي لعــدة ناشــطني مســتقلني ‪Entrepreneurs‬‬
‫يكونــون اجــراء لــدى التعاضديــة عــن طريــق عقــد يربطهــم بهــا و يضمــن‬
‫لهــم تطبيــق بعــض احــكام قانــون الشــغل و يمتعهــم بحــد أدنــى مــن‬
‫األجررغــم اســتقالليتهم يف العمــل‪.‬‬
‫وعــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬نجــد بعــض أشــكال العمــل تعتــر أنشــطة مســتقلة‬
‫رغــم أنهــا تنجــز تحــت إرشاف و مراقبــة صاحــب األمــر ‪ ،‬كمــا هــو الحــال يف‬
‫بعــض عقــود العمــل الفنــي و العمــل الصحفــي‪.‬‬
‫و لــم يضــع املــرع التونــي معايــر و حــدودا فاصلــة بــن العمــل املســتقل‬
‫و العمــل املأجــور يف مجلــة الشــغل مثــل مــا عمــد اليــه نظــره الفرنــي (‪)7‬‬
‫و بالتــايل يبقــى األمــر للقضــاء للفصــل يف طبيعــة النشــاط هــل هــو عمــل‬
‫مأجــور أم عمــل مســتقل بحســب ظــروف و مالبســات تنفيــذ العمــل‪.‬‬
‫و يومــا بعــد يــوم ‪،‬تتســع هــذه املنطقــة الرماديــة ‪ ،‬حيث تــكاد الحــدود تختفي‬
‫بــن عمــل مأجــور و عمــل مســتقل‪ ،‬مــع ظهــور أشــكال جديــدة مــن النشــاط‬
‫االقتصــادي و التجــاري املرتبــط بالتكنولوجيــا الرقميــة الحديثــة و خاصــة يف‬
‫حالــة مــا يعــرف باملنصــات الرقميــة ‪Les Plateformes Numériques‬‬

‫الناشطون مع املنصات الرقمية‪ :‬أجراء أم مستقلون ؟‬

‫ظهــرت مــا بــات يعــرف باملنصــات الرقميــة يف أمريــكا يف أواخــر العقــد املايض‪،‬‬
‫و بــدأت أساســا يف نشــاط اإليــواء الســياحي ثــم يف نشــاط النقــل الحــري‬
‫مــع ‪AirBnB Uber‬‬
‫و هــذه املنصــات تســدي خدمــات لحرفــاء دون ان تكــون مالكــة‪ ،‬وال حتــى‬
‫مســتأجرة ‪ ،‬لوســائل إنتــاج الخدمــة او تنفيذهــا‪ ،‬بــل هــي تعتمــد عــى‬
‫الخــواص الذيــن يســدون الخدمــات املطلوبــة مــن إيــواء او نقــل او غريهــا‬
‫لفائــدة حرفائهــا الذيــن تربطهــم بهــم مبــارشة لالســتفادة مــن الخدمــة مقابل‬
‫معلــوم يدفعونــه وتقتطــع منــه هــي نســبة محــددة (‪.)8‬‬

‫‪79‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫فمــا هــي طبيعــة العالقــة بــن هــذه املنصــات الرقميــة و الناشــطني الذيــن‬
‫يســدون الخدمــات لحرفائهــا؟ هــل هــم أجــراء لديهــا أم مســتقلني ينفــذون‬
‫مهــام مقابــل معلــوم؟‬
‫أمــام حداثــة هــذه الظاهــرة وعــدم وجــود ترشيعــات خاصــة تنظمهــا‪ ،‬مــا‬
‫لبــث القضــاء يف بعــض الــدول األوربيــة التــي انتــرت فيهــا هــذه املنصــات‪،‬‬
‫ان عرضــت عليــه قضايــا مطلــوب منــه فيهــا بــكل وضــوح ان يفصــل‬
‫اإلشــكالية القانونيــة املتعلقــة بطبيعــة العالقــة بــن املنصــة الرقميــة ومســدي‬
‫خدماتهالحرفائهــا‪.‬‬

‫هل هم مقاولون لحسابهم الخاص أم أجراء عند املؤسسة؟‬

‫فمثــا بالنســبة للمؤسســة األمريكيــة (‪ )Uber‬التــي تنشــط يف مجــال النقــل‬


‫فهــي تقــوم بانتــداب‪ ،‬ســواق أصحــاب ســيارات و حافــات و شــاحنات وفقــا‬
‫لــروط معينــة مثــل الســن و أقدميــة الحصــول عــى رخصــة القيــادة و نــوع‬
‫الســيارة و نظافــة الســجل العــديل ‪ ...‬ثــم تربطهــم بشــبكتها و تقــوم بتوجيــه‬
‫حرفائهــا اليهــم للحصــول عــى خدمــات النقــل التــي يرغبــون بهــا مقابــل‬
‫معلــوم تحــدده مســبقا ‪ ،‬يتــوىل الحريــف تنزيلــه يف حســاب املنصــة التــي‬
‫تقــوم بتحويــل جــزء منــه لحســاب الســائق الــذي نفــذ عمليــة النقــل‪..‬‬

‫ويف ســنة ‪ 2015‬تــم رفــع عديــد القضايــا مــن قبــل بعــض الســواق املتعاملــن‬
‫مــع ‪Uber‬‬
‫طالبــن التمتــع ببعــض الحقــوق التــي ال تكــون إال لألجــراء طبقــا ألحــكام‬
‫قانــون الشــغل وذلــك عــى أســاس أنهــم أجــراء عنــد املنصــة‪.‬‬
‫‪ Uber‬ويف انقلــرا ‪ ،‬صــدر يف شــهر أكتوبــر ‪ 2016‬حكــم قضائــي يف دعويــن‬
‫رفعهمــا ضــد‬
‫ســائقا شــاحنتني يتعامــان معهــا طالبــن تمتيعهمــا بالعطــل خالصــة األجــر‬
‫و التعويــض عــن مــدة املــرض و الحصــول عــى اجــر أدنــى طبقــا لقانــون‬
‫العمــل الربيطانــي وقــد قضــت إحــدى محاكــم لنــدن باعتبــار الســواق أجــراء‬
‫عنــد املنصــة الرقميــة مرتبطــن معهــا بعالقــة شــكلية كاملــة و بالتــايل‬
‫يخضعــون لقانــون العمــل و مــن حقهــم التمتــع بجميــع الحقــوق املخولــة‬
‫لألجــراء ‪)9(.‬‬

‫‪80‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫و مــن شــان هــذا الحكــم ان يوفــر فرصــة ألكثــر مــن ثالثــن الــف ســائق‬
‫يف بريطانيــا وحدهــا يتعاملــون مــع تلــك املنصــة الرقميــة العتبارهــم اجــراء‬
‫و تمتيعهم بالحقوق االجتماعية التي يضمنها قانون الشغل‪.‬‬

‫وقــد قامــت املؤسســة باســتئناف الحكــم املذكــور معتــرة ان هــؤالء الســواق‬


‫ينشــطون لحســابهم الخــاص و يتولــون بأنفســهم تحديــد رشوط نشــاطهم‬
‫بــكل حريــة و دون تدخــل مــن املؤسســة‪.‬‬

‫أمــا يف فــر نســا ‪ ،‬فقــد قامــت مؤسســة تتمثــل يف هيــكل تابــع إلدارة الضمــان‬
‫االجتماعــي ومكلــف بتحصيــل املســاهمات االجتماعيــة ‪ URSSAF‬لألجــــراء‬
‫واملـؤجـــرين‪ ،‬بـــدعوى قـضائـيـــة ضـــد مـؤسـســـة ‪ Uber‬معتــرة فيها ان‬
‫جميــع الســواق املتعاملــن مــع هــذه املنصــة هــم اجــراء لديهــا و ليســوا عمــاال‬
‫مســتقلني لحســابهم الخــاص و مطالبــة بالتــايل بدفــع املســاهمات االجتماعيــة‬
‫واملقــدرة بعــدة ماليــن أورو‪)10( ،‬‬
‫‪ Uber‬كمــا قــام نفــس الهيــكل ‪،‬عــى أســاس إخفــاء طبيعــة العمــل‪ ،‬بتحريــك‬
‫دعــوى جزائيــة ضــد ‪ Uber‬باعتبارهــا قــد قامــت بإنشــاء تركيبــة قانونيــة‬
‫للتهــرب مــن القواعــد املنظمــة للعالقــات الشــغلية و املطلــوب مــن اإلدارة‬
‫املدعيــة ان تقيــم الدليــل عــى وجــود عالقــة تبعيــة قانونيــة تربــط الســواق‬
‫باملؤسســة‪ ،‬اي أنهــم ينفــذون عمــا لحســابها و تحــت أوامرهــا و إرشافهــا‬
‫و رقابتها ‪.‬‬

‫و مــن املنتظــر ان تمثــل األحــكام القضائيــة التــي ســتصدر يف هــذه الدعــوى‬


‫‪ ،‬و غريهــا مــن الدعــاوى املماثلــة ‪ ،‬توضيحــا للعالقــة القائمــة بــن املنصــات‬
‫الرقميــة و مســدي الخدمــات الذيــن تنفــذ خدماتهــا و أعمالهــا عــن طريقهــم‬
‫و الذيــن اصبحــوا يف ظــرف ســنوات قليلــة يعــدون باملاليــن عــر مختلــف‬
‫بلــدان العالــم‪)11(.‬‬

‫ثالثا‪ :‬اي عالقات شغلية يف أشكال العمل املستحدثة؟‬

‫مــن الناحيــة النظريــة ‪ ،‬تتــرر الحمايــة املمنوحــة لالجــر‪ ،‬خاصــة عــن طريــق‬
‫قانــون الشــغل‪ ،‬بعالقــة التبعيــة القانونيــة التــي تربــط األجــر بمؤجــره‪ .‬و عىل‬

‫‪81‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ذلــك‪ ،‬فــان العامــل املســتقل ال يتمتــع بتلــك الحمايــة النــه يمــارس نشــاطه‬
‫خــارج كل ســلطة ألي طــرف آخــر‪.‬‬

‫هــذه التفرقــة تثــر التســاؤل يف ســياق كــون ممارســة عمــل مأجــور او عمــل‬
‫مســتقل ‪ ،‬ليســت دائم ـا ً مســالة اختياريــة إراديــة ‪ .‬ذلــك انــه‪ ،‬إذا كان البعــض‬
‫قــد اختــار إراديــا ان يمــارس نشــاطا مســتقال‪ ،‬فــان العديــد مــن اآلخريــن‬
‫يكــون مدفوعــا بضغــوط الشــغل والبطالــة‪.‬‬

‫يف هــذا اإلطــار يتــم التســاؤل حــول التفرقــة التقليديــة بــن العمــل املأجــور‬
‫و العمل املستقل‪.‬‬

‫رأينــا ســابقا ان املــرع يأخــذ باالعتبــار مســالة عــدم دقــة الحــدود الفاصلــة‬
‫بــن النظامــن و يلحــق بعــض األنشــطة الواقعــة عــى الحــدود بينهمــا بنظــام‬
‫العمــل املأجــور و يســعى اىل تأمــن بعــض األنشــطة املســتقلة‬

‫لكــن‪ ،‬هــل هــذا التعامــل الترشيعــي يكفــي لإلجابــة عــن التحديــات الجديــدة‬
‫التــي تثريهــا بعــض االنشــطة الجديــدة و األشــكال الجديــدة للعالقات الشــغلية‬
‫؟‬

‫فهــل املطلــوب هــو مجــرد ضبــط الحــدود بــن العمــل املأجــور و العمــل‬
‫املســتقل أم مراجعــة صارمــة للمســألة؟‬

‫من املمكن النظر لهذه املسالة من عدة زوايا‪:‬‬

‫هــل يجــب البقــاء يف إطــار التفرقــة التقليديــة عمــل مأجــور ‪ /‬عمــل مســتقل‬
‫و الحــاق الوضعيــات املســتجدة بأحــد النظامــن أم يجــب تطويــر عقــد الشــغل‬
‫؟‬
‫هــل مــن املمكــن اســتبدال عالقــة التبعيــة القانونيــة بمعيــار اخــر مرتبــط‬
‫بالتبعيــة االقتصاديــة ‪،‬‬

‫و يســمح باألخــذ بعــن االعتبــار بعــض وضعيــات اإلجــراء الذيــن ينفــذون‬

‫‪82‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫أعمالهــم بطريقــة مســتقلة لكنهــم مرتبطــون بمســدي أوامــر؟‬


‫اىل اي مــدى تكــون مقبولــة‪ ،‬تلــك األحــكام املعتمــدة عــى العالقــات الثالثيــة‬
‫مثــل حالــة التأجــر املحمــول‪ ،‬والــذي يجيــز الفصــل بــن العالقــة االقتصاديــة‬
‫للعامــل مــع مســدي األوامــر و عالقــة التبعيــة القانونيــة التــي تمنحــه الحــق يف‬
‫التمتــع بالحقــوق االجتماعيــة ؟ (‪)12‬‬

‫هــل يمكــن الذهــاب اىل ابعــد مــن ذلــك و اعتبــار تلــك التفرقــة قــد تجاوزهــا‬
‫الزمــن و بالتــايل إنشــاء نظــام جديــد وســطي‪ :‬عمــل مســتقل مأجــور او عمــل‬
‫مأجــور مســتقل‪ ،‬مثلمــا ذهــب اىل ذلــك الترشيــع اإليطــايل و كذلــك اإلســباني؟‬
‫(‪.)13‬‬

‫و مهمــا كان الجــواب الــذي يمكــن ان نتبنــاه فــان التطــورات يف ميــدان تطويــر‬
‫العمــل بمــا يف ذلــك العمــل املأجــور ‪ ،‬تثــر بعــض األســئلة القانونيــة‪:‬‬

‫كيــف نالئــم اإلطــار الحــايل للعمــل املأجــور مــع آلتســاؤالت املثــارة حــول‬
‫بعــض عنــارصه الهيكليــة؟‬

‫ان العمــل عــن بعــد ‪ ،‬ســواء يف إطــار نمــو نشــاط املنصــات الرقميــة ‪ ،‬او يف‬
‫إطــار عالقــات العمــل التقليديــة محكــوم عليــه بالتطــور ألســباب عديــدة‪.‬‬
‫فاملؤجــر يســعى اىل تحســن اإلنتاجيــة و االقتصــاد يف مصاريــف أمكنــة العمــل‬
‫بينمــا العمــال يســعون اىل ترشــيد الزمــن بــن العمــل و الحيــاة الخاصــة‬
‫و اقتصاد زمن التنقل من و اىل أماكن العمل‪.‬‬

‫هــذا التطــور املحتــوم يثــر الســؤال حــول مــكان تنفيــذ العمــل و مــا يتصــل‬
‫بــه مــن تحديــد املســؤولية عــن رشوط العمــل و حــوادث الشــغل و حــول زمــن‬
‫العمــل و تمييــزه عــن زمــن الحيــاة الخاصــة و مــا يتصــل بــه مــن طــرق‬
‫قياســه‪.‬‬

‫اي حلول لهشاشة العمل املأجور ؟‬

‫إزاء االلتجــاء املســتمر للعمــل الوقتــي و الظهــور املتنامــي ألشــكال جديــدة مــن‬

‫‪83‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫التشــغيل الهــش (عقــود مناولــة ‪ ،‬عمــل لوقــت جزئــي ‪ )....‬البــد مــن البحــث‬
‫عــن اإلجابــة مــن وجهــة نظــر قانونيــة عــن أســباب تنامــي هــذه الظاهــرة‬
‫‪،‬بالنظــر خاصــة اىل الخصوصيــات بحســب القطاعــات‪:‬‬

‫أيّ تقييــم لآلليــات التــي يضعهــا املــرع يف محاولــة منــه للتشــجيع عــى خلــق‬
‫مواطــن الشــغل الجديــدة او الحفــاظ عــى مواطــن الشــغل القائمــة؟ أيّ مــكان‬
‫ملثــل هــذه التســاؤالت يف الحــوار االجتماعــي او يف املفاوضــات الجماعيــة و ايّ‬
‫إطــار لطــرح مثــل هــذه التســاؤالت؟‬

‫رابعــا‪ :‬أي أشــكال جديــدة للحــوار االجتماعــي يف ظــل األشــكال الجديــدة‬


‫للعمــل؟‬

‫ان تحــوالت العمــل ‪ ،‬تســاهم مــن خــال إعــادة تشــكيل الهيــاكل الجماعيــة‪ ،‬يف‬
‫إثــارة التســاؤالت حــول العالقــات املهنيــة بــن العمــال و الهيئــات املمثلــة لهــم‬
‫و النقابــات و املؤجريــن‪.‬‬

‫و تكشــف التطــورات الحاصلــة يف ميــدان العمــل و األنشــطة الجديــدة‬


‫و األشــكال الجديــدة للعمــل املتصلــة بالتكنولوجيــا الرقميــة‪ ،‬عــن حــدود‬
‫الحــوار االجتماعــي و تدعــو كافــة األطــراف املتداخلــة فيــه و خاصــة النقابــات‬
‫اىل إعــادة التفكــر حــول دورهــا و طــرق عملهــا‪.‬‬

‫فمثــا‪ ،‬لــم ترتــق التحــوالت الناتجــة عــن التطــور الرقمــي إىل أن تصبــح‬
‫مواضيــع جديــة للحــوار االجتماعــي الهــادف اىل اســتباق األزمــات و إيجــاد‬
‫الحلــول الرضوريــة التــي تضمــن مالءمــة املتغــرات مــع مقتضيــات تنظيــم‬
‫العمــل و توفــر رشوطــه و الحفــاظ عــى مواطــن الشــغل‪.‬‬

‫كذلــك‪ ،‬و أمــام تنامــي وســائط التواصــل االجتماعــي ‪ ،‬إىل أي مــدى اســتفادت‬
‫القنــوات التقليديــة للحــوار االجتماعــي مــن هــذه الفضــاءات إلضفــاء مزيــد‬
‫مــن الشــفافية و املرشوعيــة و الفاعليــة عليهــا؟‬

‫يف ظــل تنامــي األشــكال الجديــدة للعمــل و خاصــة العمــل عــن بعــد‪ ،‬فهــل ال‬

‫‪84‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫تــزال املؤسســة هــي اإلطــار األمثــل للحــوار االجتماعــي خاصــة مــع مظاهــر‬
‫االنفصــال املتنامــي بــن حدودهــا االقتصاديــة و االجتماعيــة؟ و مــا هــي‬
‫الفضــاءات البديلــة للحــوار االجتماعــي؟‬

‫كمــا يمثــل تنامــي أشــكال العمــل الهجينــة ‪ ،‬خاصــة مــع االنتشــار امل ّ‬
‫طــرد‬
‫ـس مبــارشة‬ ‫لنشــاط املنصــات الرقميــة‪ ،‬تحدّيــا جدّيــا مــن حيــث كونهــا تمـ ّ‬
‫القاعــدة العماليــة التــي تتأســس عليهــا أشــكال التضامــن الجماعــي و كذلــك‬
‫تتمحــور حولهــا أشــكال الحــوار االجتماعــي التقليــدي مــن مفاوضــات‬
‫جماعيــة‪ /‬تبــادل للمعلومــات‪ /‬مشــاورات‪ /‬منازعــات جماعيــة‪...‬‬

‫كيــف يمكــن تنظيــم التعبــر الجماعــي عــن موقــف العمــال و تأســيس‬


‫حقوقهــم الجماعيــة‪ ،‬حــن تتجــه املؤسســة ‪،‬كمــا يف حالــة املنصــات الرقميــة‪،‬‬
‫اىل تجزئــة العمــل بــن ناشــطني مســتقلني و تجــاوز املعايــر التقليديــة للعمــل‬
‫املأجــور‪( .‬عالقــات شــغلية دائمــة‪ ،‬وحــدة مــكان العمــل‪ ،‬تقاســم املخاطــر‬
‫االقتصاديــة‪)...‬؟ و يف املقابــل‪ ،‬كيــف يمكــن تنظيــم شــأن هــذه العمالــة‬
‫الهجينــة التــي تبحــث مــن ناحيــة عــن االســتقاللية يف تنفيــذ العمــل و عــن‬
‫الحمايــة الجماعيــة مــن ناحيــة أخــرى؟ ‪./.‬‬

‫‪85‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

:‫أه ّم مراجع البحث‬

(1) Marchand.O,« Salariat et non- Salariat dans une pers


pective historique», Économie et Statistiques, n°319/320,1998.
(2) Cahuc P et Prost .C,« Améliorer l’assurance chômage», Les notes
du Conseil d›analyse économique,n°24,Septembre,2015.
(3) O’Malek. L et Rioux. L. «emploi et revenus indépendant », IN-
SEE, 2015 Voir aussi، Le portage salarial ou l›émergence d›une
nouvelle forme d’emploi, francestrategie1727.fr/.../presena-
tion-portage-salarial-france-strategie-3.pdf
(4) Document du Travail n° 2016-04 , France Stratégie ,Mars 2016,
p 36.
(5) Articles L. 763-1 (L. 7123-1) et suivants du code du travail re-
latifs à l’emploi des mannequins et aux agences de mannequins
(6) Ordonnance n° 2015-380 du 2 avril 2015 relative au portage
salarial
(7) Winston. M et Thierry. P « La régulation des Plateformes numé-
riques en Europe, 2015
(8) Article L 8221-6 code du travail
(9) www. 20 minute. fr/ monde
(10) L’Urssaf poursuit Uber pour requalifier ses chauffeurs en sa-
lariés
www.lemonde.fr/.../l-urssaf-poursuit-uber-pour-requalifier-ses-
chauffeurs-en-salaries
(11) www. france24. com/2016517- urssaf
(12) Supiot. A « Les nouveaux visages de la subordination» ,Droit
Social,n° 2,2000.
(13) Chantal Rey, « Travail à domicile , salarié où indépendant? in-
cidences des NTIC, Revue Innovation, 2001, n°1 , p173 et ss.

86
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪6‬‬

‫الحركة النقابية والتحركات االحتجاجية املطلبية غري النقابية‬


‫يف تونس ما بعد ‪2011‬‬

‫منري السعيداني‬
‫أستاذ علم االجتماع باملعهد العايل للعلوم اإلنسانية بتونس‪ /‬جامعة املنار‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫منــذ ســنة ‪ ،2008‬بــدأ املجــال االحتجاجــي واملطلبــي االجتماعــي يف تونــس‬


‫يشــهد عالمــات تجــدد ازدادت أهميتهــا يومــا بعــد آخــر‪ .‬ولــن كانــت التحاليــل‬
‫لــم تقــف بعــد عــى عالقــة واضحــة بــن مــا كان ســنة ‪ 2008‬يف منطقــة‬
‫الحــوض املنجمــي‪ ،‬ومــا كان ســنة ‪ 2010‬يف منطقــة بنقــردان‪ ،‬ومــا كان بدايــة‬
‫ديســمرب ‪ 2010‬يف ســيدي بوزيــد ثــم انتــر إىل كل أرجــاء البــاد بعــد ذلــك‪،‬‬
‫فإنــه مــن املمكــن اعتبــار هــذه األحــداث مــن ضمــن العالمــات التــي أرشنــا‬
‫إليهــا‪.‬‬

‫عــى مســتوى التتابــع الزمنــي عــى األقــل ثمــة تواتــر أكثــر فأكثــر تســارعا‬
‫وثمــة تصاعــدا يف عمــق التحــركات االحتجاجيــة واملطلبيــة واتســاعها مــن حيث‬
‫الحجــم ومــن حيــث األثــر‪ .‬إن هــذا التتابــع واالتســاع يــدل عــى أننــا بدأنــا‬
‫ندخــل ســياقا مــن االتصــال بــن التحــركات بحيــث اتجهــت نحــو مــا يمكــن‬
‫اعتبــاره حركــة اجتماعيــة طرحــت قضيتــن أساســيتني بالنســبة إىل االتحــاد‬
‫العــام التونــي للشــغل ‪ :‬طبيعــة هــذه التحــركات ومــن ثــم طبيعــة العالقــة‬
‫التــي يمكــن أن تكــون بينهــا وبــن الحركــة النقابيــة عامــة وأشــكال التحــرك‬
‫املطلبــي واالحتجاجــي النقابيــة املعتــادة أوال‪ ،‬وطبيعــة العالقــة التــي كانــت‬
‫تبنيهــا تلــك التحــركات مــن حيــث الشــكل و املضمــون الشــعاري واملطلــب‬
‫والقيــادة‪ ...‬مــع املجــال االحتجاجــي املطلبــي االجتماعــي التونــي مــن حيــث‬
‫االتســاع واإلمكانيــات والعالقــة بالســيايس‪ ...‬إلــخ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫يمكــن البحــث يف املســألتني باعتمــاد تمييــزات مفهوميــة أوىل (أوال) بحيــث‬


‫يتيــر االنتقــال إىل دراســة مــا كان مــن التحــركات التــي يمكــن أن توضــع‬
‫تحــت العناويــن املفاهيميــة املوضوعــة (ثانيــا) وهــو مــا يفتــح بــاب التحليــل‬
‫عــى الرتكيــز عــى بعــض األمثلــة الســتخالص التمايــزات (ثالثــا) التــي قــد‬
‫تســمح باســترشاف بعــض آفــاق املســتقبل (رابعــا)‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريفات أوىل‪:‬‬

‫‪ 1-‬الحركة االجتماعية‬

‫يحيــل االســم املركــب «التحــركات االحتجاجيــة املطلبيــة» عــى مفهــوم الحركــة‬


‫االجتماعيــة‪ .‬وهــذه هــي «الجهــود املنظمــة التــي يبذلهــا عــدد مــن النــاس‬
‫املؤثريــن بهــدف التغيــر أو مقاومــة التغيــر يف املجتمــع»‪ .‬أمــا يف املاركســية‬
‫فهــي «حركــة مســتقلة ذات وعــي ذاتــي تســعى وراء مصالــح ماديــة محــددة»‪.‬‬
‫ويع ّرفهــا ســكوت عــى أنهــا فعــل اجتماعــي ينشــأ بــن أفــراد لهــم مصالــح‬
‫عامــة ويدركــون هويــة خاصــة لهــم‪ ،‬وبالتــايل فهــي كل العنــارص الجماعيــة‬
‫واالســتقاللية‪ ،‬ومســتوى الوعــي املرتبــط بهويــة مميــزة ترتبــط بمصالــح‬
‫نطــاق محــدد مــن املجتمــع‪ . 1‬ويصــح ذلــك ســواء أكان ذلــك النطــاق يضــم‬
‫فئــات اجتماعيــة متجانســة أم غــر متطابقــة املنطــق والغايــات ولكنهــا تســعى‬
‫إىل التأثــر يف املجتمــع بتوســيع نطــاق ســلطة رشعيــة تعتمــد عــى إكســاب‬
‫مجموعــة مــن األفــكار واملبــادئ والقيــم واألخالقيــات قبــوال واســعا‪ .‬ويتــم ذلــك‬
‫مــن خــال تعبئــة جماهــر والســعي إىل تحســن مواقــع الفئــات االجتماعيــة‬
‫املعنيــة والتأثــر يف عالقاتهــا بباقــي القــوى االجتماعيــة مــن خــال التوافــق أو‬
‫النــزاع االجتماعيــن‪ .‬ولكــن مــن ســمات الحركــة االجتماعيــة أنهــا ال تســعى إىل‬
‫إحــراز الســلطة السياســية وال الســيطرة عــى املؤسســات السياســية التقليديــة‪.2‬‬
‫ثمة أمثلة عربية معارصة كثرية‪ .‬املثال األقرب واألكثر أهمية‪.3‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Eithan Orkibi, « Critique et engagement dans la rhétorique des mouvements sociaux », Argumentation‬‬
‫‪et Analyse du Discours [En ligne], 11-2013, mis en ligne le 15 octobre 2013, Consulté le 17 novembre‬‬
‫‪2016. URL : http://aad.revues.org/1559‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Scott, Robert L. & Donald K. Smith (1969). « The Rhetoric of Confrontation », Quarterly Journal of‬‬
‫‪Speech 55 : 1, 1-8‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sarah Ben Nefissa et Blandine Destremau (dir.), Protestations sociales, révolutions civiles. Transforma-‬‬
‫‪tion du politique dans la Méditerranée arabe, Paris, Revue Tiers-Monde, hors-série numéro 2, Armand‬‬
‫‪Colin, mai 2011, 240 p.‬‬

‫‪88‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫هــو االنتفاضــات االحتجاجيــة املتتاليــة يف الحــوض املنجمــي يف منطقــة قفصــة‬


‫يف تونــس وانتفاضــة ســيدي أيفنــي يف املغــرب وإرضابــات عمــال النســيج يف‬
‫مــر‪ .‬لهــذه التحــركات ســمتان أساســيتان‪:‬‬

‫‪ -‬هــي تعبئــات وتجنــدات اجتماعيــة عاشــتها الــدول مــا بعــد‬


‫االســتعمارية العربيــة بحيــث طرحــت مســائل اجتماعيــة يف ظــل أنظمــة‬
‫دكتاتوريــة شــديدة القمــع يف معنــى املحــارصة القصــوى أليــة إمكانيــة‬
‫توســيع لالحتجاجــات عــن طريــق نســج صــات تضامنيــة‪.‬‬

‫‪ -‬هــي تعبئــات وتجنــدات اجتماعيــة ســياقها العــام دويل وعاملــي يف‬


‫معنــى أنــه معولــم حيــث يمكــن بيــر اإلشــارة إىل عــدد مــن التحــركات‬
‫الشــبيهة واملتزامنــة (النصــف الثانــي مــن العقــد األول مــن القــرن‬
‫الواحــد والعرشيــن (بعــد ‪ )2005‬يف العديــد مــن بقــاع العالــم‪.‬‬

‫ولذلــك تســمي بعــض التحاليــل هــذه الحــركات بالحــركات االجتماعيــة الجديدة‬


‫ألنهــا خرجــت مــن الســياقات القديمــة التــي كانــت ترســمها االحتجاجــات‬
‫االجتماعيــة ذات الطبيعــة الشــغلية وســواء أكانــت نقابيــة أم غــر نقابيــة‪.‬‬
‫إن العمق الذي تصل إليه مثل هذه التحاليل ذو مستويني‪:‬‬

‫‪ -‬مســتوى طبيعــة الفضــاء االحتجاجــي االجتماعــي الســيايس ‪ :‬حيث ويف ســياق‬


‫بنــاء هــذه الحــركات االجتماعيــة ينشــأ فضــاء احتجاجــي اجتماعــي بديــل‬
‫للفضــاء االحتجاجــي االجتماعــي الســيايس التقليــدي يف هندســة مغايــرة أيضــا‬
‫ملــا اعتيــد عليــه مــن آليــات تنشــيئ أو تخليــق مجتمــع مدنــي يتبــع األنمــوذج‬
‫التنظيمــي الحزبــي أو شــبه الحزبــي أو املحيــط باألحــزاب ومــن األنمــوذج‬
‫التنظيمــي الجمعياتــي‪ .‬إن كال األنموذجــن وجهــان لألنمــوذج التنظيمــي‬
‫النســقي مكتمــل البنــاء عامــة وهــو الــذي يجعلــه مــن ضمــن الباراديغــم‬
‫البريوقراطــي التعبــوي االنتخابــي‪.‬‬

‫‪ -‬مســتوى طبيعــة التحليــل مــن حيــث األعمــاق االجتماعيــة واآلفــاق التاريخية‪:‬‬


‫حيــث ترتبــط نشــأة الحــركات االجتماعيــة الجديــدة بمــدى االبتعاد عــن مقوالت‬
‫مــن قبيــل مقولــة «بنيــة الفــرص السياســية» التــي يحبذهــا كل مــن «تشــارلز‬

‫‪89‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫تيلــي‪ »4‬و«ســيدني تــارو»‪ .‬إن التســاؤل العميــق الــذي تالمســه هــذه التحاليــل‬
‫هــو القــول بوجــود فــارق جوهــري بــن املجتمعــات الديمقراطيــة واملجتمعــات‬
‫االســتبدادية أو عــدم وجــوده مــن حيــث بنيــة الســلطة السياســية وسياســاتها‬
‫تجــاه الهوامــش الديمقراطيــة واالحتجاجيــة التــي تحيــط بمجــاالت نفوذهــا‬
‫الفعــي‪ .‬إن املهــم يف ذلــك هــو االنتبــاه كمــا يدعــو إىل ذلــك «ميشــال كامــو»‬
‫إىل وجــود مناطــق رماديــة يف أحــواز أيــة ســلطة سياســية وعــى هوامــش‬
‫نفوذهــا الفعــي‪ .‬إن وجــود تلــك املناطــق يعنــي أن املمارســة السياســية ســواء‬
‫أكانــت مــن قبــل الســلطة أم مــن جانــب املعارضــة ال تكــون نقيــة أبــدا بــل إن‬
‫قاعدتهــا األســاس هــي «التهجــن الســيايس»‪.‬‬

‫ومــن أجــل تقديــر الفــارق بــن مثــل هــذا التحليــل والتحاليــل التقليديــة‬
‫للحــركات االجتماعيــة يمكــن إلقــاء نظــرة عــى كتابــات عربيــة تعــود إىل‬
‫النصــف األول مــن العرشيــة األوىل للقــرن الواحــد والعرشيــن‪ 5‬والتــي اعتــادت‬
‫أن تبحــث فيهــا باعتمــاد التقســيمات االعتياديــة بــن حركــة عماليــة وأخــرى‬
‫طالبيــة وأخــرى نســوية وأخــرى للمثقفــن‪ ...‬وأخــرى مدنيــة وأخــرى دينيــة‬
‫وأخــرى للمثقفــن أو باعتمــاد نــوع مــن التقســيم التاريخــي بــن مراحــل‬
‫االســتعمار ومراحــل البنــاء الوطنــي مــا بعــد االســتعماري ومراحــل النضــال‬
‫مــن أجــل الديمقراطيــة‪ ....‬وهــذه كلهــا نمــاذج مــن التحاليــل لــم تعــد صالحة‬
‫ألنهــا‪:‬‬
‫‪ -‬تعتمــد خطــوط التمايــز القديمــة التــي ترســم خرائــط اجتماعيــة مطلبيــة أو‬
‫احتجاجيــة تقليديــة مــا قبــل عومليــة‪.‬‬

‫‪ -‬ترتبــط بوجــود الدولــة مــا بعــد االســتعمارية العربيــة وكيفيــات تنضيدهــا‬


‫للقــوى االجتماعيــة املســاندة واملعارضــة ومــا يقــوم بينهــا مــن تحالفــات‬
‫وتضــادات‪.‬‬
‫‪ 2-‬املفاوضة االجتماعية‪:‬‬

‫نســتخدم مفهــوم املفاوضــة االجتماعيــة يف املعنــى الــذي يــرى فيهــا نشــاطا‬

‫‪ 4‬تيليل‪ ،‬تشارلز ‪ ،‬الحركات االجتماعية ‪ ،2004-1768‬ترجمة ربيع وهبة‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬
‫‪ 5‬عــزة خليل(محــررة)‪ ،‬الحــركات االجتماعيــة يف العالــم العربــي‪ ،‬مركــز البحــوث العربيــة واإلفريقيــة – املنتــدى العاملــي‬
‫للبدائــل‪ ،‬تقديــم ســمري أمــن‪ ،‬مكتبــة مدبــويل‪ ،‬القاهــرة ‪ 552 ،2006‬ص‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫اجتماعيــا يُدْخِ ـ ُل يف تفاعـ ٍ‬


‫ـات عَ ـ َددًا مــن الفاعلــن الذيــن‪ ،‬وبفعــل وجودهــم يف‬
‫آن معــا‪ ،‬إزاء تباينــات تشــقهم وترابطــات تجمعهــم‪ ،‬يختــارون أو يجــدون مــن‬
‫األنســب البحــث الطوعــي عــن حــل متبــادل القبــول‪ . 6‬لــدى تحليــل املســارات‬
‫التاريخيــة االجتماعيــة لتشـ ّكل ســياقات املفاوضــة االجتماعيــة يُعــوّل عىل رســم‬
‫خريطــة أدق مــا أمكــن للفاعلــن الخائضــن فيهــا وللســياقات املحتضنــة لهــا‬
‫وللقواعــد املرعيــة فيهــا وللســرورات التــي تمــر بهــا ولالســراتيجيات املتبعــة‬
‫خاللهــا وللنتائــج التــي تنتهــي إليهــا وهــو مــا يُعــرف ب»نظــام املفاوضــة»‬
‫(فاعلــون ‪ +‬ســياقات ومــوارد ‪ +‬قواعــد ‪ +‬ســرورات ‪ +‬اســراتيجيات ‪ +‬نتائــج)‪.‬‬
‫يتمتــع الفاعلــون الخائضــون يف املفاوضــة االجتماعيــة بمجــال للحركــة‬
‫واملنــاورة ذي معقوليــة محــدودة ال غــر‪ ،‬ذلــك أنهــم معرضــون للوقــوع يف‬
‫خطــأ ســوء التأطري‪ ،‬وعــدم نجــاح اســراتيجيات الرتســيخ وعــدم مناســبة الثقة‬
‫يف إمكانياتهــم الخاصــة واملــوارد املتاحــة لهــم وعــدم صــواب رؤيتهــم للحلــول‬
‫املمكنــة‪ .‬ويف كل لحظــة مــن لحظــات املفاوضــة يكــون كل ذلــك واقعــا تحــت‬
‫أثــر املوقــع االجتماعــي لــكل مفــاوض وطــرق تأثــره يف مجريــات املفاوضــة‪.‬‬
‫عــى ذلــك‪ ،‬تكــون املفاوضــة لعبة قــوة‪ -‬ســلطة وهــي لعبــة ذات حاصل مســاو‬
‫للصفــر عــى اعتبــار ك ّل تغيــر حــادث يف القــوّة التفاوضيــة لــدى مفــاوض‬
‫مــا م ُْس ـتَو ِْجبًا لعمــل املفــاوض‪ 7‬املقابــل عــى البحــث عــى أفضــل ح ـ ّل بديــل‬
‫ممكــن‪ .8‬يتحــدد ســياق املفاوضــة عــى مســتويني همــا البنيــوي العــام (وهــو‬
‫تاريخــي اجتماعــي) والخــاص (وهــو مخصــوص بميــزان ُقــوًى حــادث)‪.‬‬
‫ويف ذلــك تكــون املفاوضــة تقابــا بــن اإلكراهــات واملــوارد وهــو مــا يرتجــم‬
‫يف التمييــز بــن نوعــن مــن املفاوضــة املمكنــة‪ :‬املفاوضــة التوزيعيــة أي التــي‬
‫تنتهــي إىل حاصــل معــادل للصفــر‪ ،‬واملفاوضــة اإلدماجيــة التــي تنبنــي عــى‬
‫اقتنــاع املتفاوضــن ببلوغهــم غايــات مشــركة‪ .‬وباعتبــار املفاوضــة ســرورة‬
‫يكــون مــن املمكــن اعتبارهــا تتــايل َ مقاطــع أوال وحركــة ثانيــا وسلســلة مــن‬
‫االســراتيجيات املتبعــة متوالــد بعضهــا عــن بعــض ثالثــا‪ ،‬وبمــا يؤثــر مبــارشة‬
‫يف النتائــج التــي تنتهــي إليهــا‪. 9‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Christophe Dupont, La Négociation. Conduite, théorie, applications, Paris, Dalloz, 1994, cité in, Reynald‬‬
‫‪Bourque, Christian Thuderoz, Sociologie de la négociation. Nouvelle édition, avec études de cas, Rennes,‬‬
‫‪Presses universitaires de Rennes, coll. « Didact Sociologie », 2011, 274 p.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Anselm Strauss, Negotiations. Varieties, Contexts, Processes and Social Order, Jossey-Bass, San Fran-‬‬
‫‪cisco, 1978.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Reynald Bourque, Christian Thuderoz, Sociologie de la négociation..., op.cité.‬‬

‫‪91‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ 3-‬تهجــن الســيايس اجتماعيــا‪ :‬تنــوع االحتجاجــي وتــذرر‬


‫التفــاويض‪:‬‬

‫مــن شــأن الفهــم الــذي يعتمــد مقولــة التهجــن الســيايس أن يقلــب االختــاف‬
‫الــذي كان يعتقــد أنــه ال فــكاك لــه بــن فضــاء الفعــل االحتجاجــي االجتماعــي‬
‫الســيايس الديمقراطــي (منفتــح وغــر محــدود) وفضــاء الفعــل االحتجاجــي‬
‫االجتماعــي الســيايس غــر الديمقراطــي (منغلــق ومحــدود)‪ .‬وال تنتهــي النتائــج‬
‫عنــد هــذا الحــد فحســب بــل إن ذلــك يعنــي أيضــا رضورة االنتبــاه إىل أن النقاء‬
‫غــر موجــود أصــا يف أيــة حركــة وال يف أيــة تعبئــة وال يف أيّ شــكل مــن أشــكال‬
‫تنظيــم التعبئــات االحتجاجيــة املطلبيــة‪.‬‬

‫وعــادة مــا تكــون الســياقات االجتماعيــة املتميــزة بعمــق االحتجــاج املطلبــي‬


‫ووصولــه حــد االنتفــاض فالثــورة‪ 10‬مناســبة لظهــور مــدى قــدرة النمــاذج‬
‫السياســية‪-‬االجتماعية عــى ضمــان ديمقراطيــة تمثيليــة تعتمــد آليــات الرقابــة‬
‫واملســاءلة واملحاســبة الحقيقيــة للســلطة‪ .‬يمكــن أن يــرز مشــهد تغلــب عليــه‬
‫الحزبيــة ولكنــه هــش‪ ،‬قريــب مــن الســلطة أو خاضــع لهــا بمــا يمكــن أن‬
‫يســبب إفراغــا للرشعيــة االنتخابيــة مــن محتواهــا الديموقراطــي‪ .‬ويــزداد األمــر‬
‫عمقــا إذا أصابــت خيبــة األمــل فئــات واســعة مــن النــاس يف مقابــل تســيٌّد‬
‫مجموعــات للنفــوذ واملــال وصناعــة الــرأي العــام وبنــاء الحشــود االنتخابيــة‬
‫مــن خــال االســتفادة مــن حريــة التنظيــم والتعبــر واإلعــام وحتــى االنتخاب‪،‬‬
‫بحيــث تســتحيل املفاوضــة االجتماعيــة إىل عمــل عــى احتــكار املشــهد الســيايس‬
‫مــن خــال االنخــراط يف املقايضــات والتســويات‪ .‬ويف مثــل هــذه الحــاالت‬
‫تظهــر الديموقراطيــة التمثيليــة عاجــزة عــن إيصــال أصــوات فئــات اجتماعيــة‬
‫تتمحــور مطالبهــا حــول مســائل مصرييــة مثــل الصحــة والتعليــم والتشــغيل‬
‫واملــاء الصالــح للــرب بحيــث تكــون هــذه معينــا ال ينضــب لالحتجــاج‬
‫املطلبــي االجتماعــي‪.‬‬

‫ويعطينــا هــذا مدخــا إلعــادة توزيــع مســتمرة ملواقــع االحتجــاج واملطالبــة‬

‫‪ 10‬ألفــة مللــوم‪“ ،‬الهوامــش رافعــة الحــراك االحتجاجــي يف تونــس»‪ ،‬يف‪ ،‬الســفري العربــي (صحيفــة)‪ ،‬العــدد ‪14-04-( 188‬‬
‫‪ http://arabi.assafir.com/Article/25/4852 ،)2016‬عــى الرابــط‬

‫‪92‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫واالصطفــاف حــول الســلطة وضدهــا أو يف مواجهتهــا مــن جهــة ومــن جهــة‬


‫ثانيــة حــول املغانــم االجتماعيــة يف مختلــف مواقــع االســتفادة أو الحرمــان‬
‫منهــا ودرجاتهمــا‪ .‬ويف مثــل هــذه الحــاالت يعنــي التهجــن الســيايس اجتماعيــا‬
‫تنــوع االحتجاجــي وتــذرر التفــاويض‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬املسألة االجتماعية من منظور الحركة االجتماعية الجديدة‪:‬‬

‫‪ 1-‬املثال املرصي‪:‬‬

‫يف مــر مثــا‪ 11‬انفتــح املجــال االجتماعــي لروافــد أوســع وأعمــق ممــا كانــت‬
‫عليــه يف نهايــة الســنوات ‪ 1990‬وبدايــات األلفيــة الجديــدة‪ .‬فبعــد أن بلــغ‬
‫املجــال الســيايس ذروتــه عــام ‪ 2005‬يف ارتبــاط باالنتخابــات الرئاســية والنيابية‬
‫ومقرتحــات تعديــل الدســتور انتهــت التحــركات السياســية واملدنيــة والقانونيــة‬
‫والدســتورية التــي تمحــورت حــول الســيايس ‪ -‬االنتخابــي إىل الفشــل يف إحــداث‬
‫تغيــر فعــي ملمــوس‪.‬‬
‫ويف عــام ‪ 2006‬بــدأ انكمــاش املجــال الســيايس ليأخــذ مجــال التحــركات‬
‫االجتماعيــة يف التطــور كمــا وشــكال ونوعــا وعــى األخــص عــى امتــداد عامــي‬
‫‪ 2007‬و‪.2008‬‬
‫ويف هــذا املجــال (االقتصــادي واالجتماعــي) لــم تتصاعــد االحتجاجــات املوقعيــة‬
‫فقــط ولــم تتزايــد القــدرة الحركيــة للفئــات االجتماعيــة املختلفــة عــى املطالبــة‬
‫فحســب بــل إن هــذه التحــركات أخــذت تنتــر مــن مواقعهــا األوىل (مصانــع ‪/‬‬
‫أحيــاء ‪/‬قــرى ‪ /‬مؤسســات ومصالــح حكوميــة‪ ).... ،‬لتصــر تحــركات قطاعيــة‬
‫عامــة مثــا أو مناطقيــة واســعة وقــد كانــت يف كل ذلــك تعــر حدودهــا‬
‫املوقعيــة األوىل يف اتجاهــات مختلفــة فيهــا الجهــوي واإلقليمــي وفيهــا الوطنــي‪.‬‬
‫ويف حاالتهــا تلــك صــارت التحــركات بأحجامهــا واتســاعاتها الجديــدة تتطلــب‬
‫أشــكاال مــن التنســيق أوســع وأعقــد‪.‬‬

‫حركــة عمــال الغــزل والنســيج يف املحلــة مثــا والتــي ترافقــت فيهــا املطالــب‬
‫االجتماعيــة (الرتفيــع يف األجــور رئيســيا) بتجــاوز النقابــات العماليــة القائمــة‬
‫‪ 11‬نهــاد أحمــد مكــرم‪ ،‬الحــركات االجتماعيــة ودورهــا يف عمليــة الحــراك االجتماعــي‪ :‬بالتطبيــق عمــي مــر‪ .‬الكاتــب‬
‫مــدرس العمــوم السياســية املتعــاون مــع األكاديميــة العربيــة املفتوحــة بالدنمــارك‪ ،‬كليــة القانــون والسياســة‪،‬‬

‫‪93‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫(باعتبارهــا بريوقراطيــة وغــر مســتقلة) فرضــت عــى هــذه األخــرة نســقا‬


‫تصاعديــا‪ .‬أصبحــت الحركــة حركــة كل مدينــة املحلــة‪ ،‬ثــم صــارت حركــة عدد‬
‫كبــر مــن العاملــن يف قطــاع النســيج مــن املحلــة إىل املنوفيــة وكفــر الزيــات‬
‫وكفــر الــدوار وغريهــا‪ .‬ويظهــر هــذا التحــول مــن املوقعــي إىل القطاعــي يف‬
‫األرقــام التــي أوردهــا تقريــر» مركــز األرض «عــن حركــة االحتجاجــات يف‬
‫النصــف األول مــن عــام ‪.2007‬‬
‫وبينمــا يــورد التقريــر مجمــوع احتجاجــات هــذه الفــرة ب ‪ 283‬احتجاجــا‬
‫يســارع إىل التنبيــه إىل أن القيــاس تــم بشــكل قطاعــي‪ ،‬أي باعتبــار عــرات‬
‫االحتجاجــات التــي قــام بهــا املعلمــون مثــا يف يــوم واحــد‪ ،‬أو طــوال العــام‪،‬‬
‫بمثابــة احتجــاج واحــد‪ .‬هــذا التحــول مــن االحتجــاج املوقعــي إىل االحتجــاج‬
‫القطاعــي‪ ،‬لــم يتجــاوز بالحركــة نطــاق النزاعــات املطلبيــة فحســب‪ ،‬بــل‬
‫وعكــس كذلــك مســتوى أعــى مــن الوعــي والتنظيــم واســتخدام أســاليب‬
‫التعبئــة والضغــط إلحــداث تغيــر إيجابــي يف السياســيات‪.‬‬

‫ولــم يكــن لتدخــات «حركــة كفايــة» و «حركــة ‪ 6‬أبريــل» املســاندة إلرضاب‬


‫عمــال النســيج للرفــع مــن قدراتــه التنظيميــة ومجاالتــه التعبويــة إال أن ينقــل‬
‫العــدوى االحتجاجيــة املطلبيــة إىل قطاعــات أخــرى كثــرة مختلفــة حيــث‬
‫أصبحــت مطالــب التغيــر يف تصاعــد عــى صيغــة نضــال القضــاة للدفــاع‬
‫عــن اســتقاللية الســلطة القضائيــة وحقهــا يف اإلرشاف الكامــل منفــردة عــى‬
‫االنتخابــات ورفــض الحكــم عــى قاعــدة قانــون الطــوارئ وضــد تبعيــة‬
‫الهيئــات القضائيــة للســلطة التنفيذيــة وكذلــك عــى صيغــة حمــات للدفــاع‬
‫عــن الصحافــة الحــرة وضــد قمــع الصحفيــن‪ .‬وانتقــل األمــر للجامعــات‬
‫ليعــر عــن مطالــب «حركــة ‪ 9‬مــارس» مــن أجــل اســتقالل الجامعــات وضــد‬
‫تدخــل اإلدارة واألمــن يف شــؤون الجامعــة‪ .‬ثــم كان اعتصــام األطبــاء التــي‬
‫تصدرتــه «حركــة أطبــاء بــا حقــوق» وكانــت تحــركات «معلمــون بــا نقابــة»‬
‫وتحــركات «مهندســون ضــد الحراســة» مــن أجــل انتــزاع نقابتهــم (عمادتهــم)‬
‫مــن وصايــة الحــارس القضائــي واملتــرف العــام‪ .‬واتســق هــذا املنحــى‬
‫مــع لجــان «حقــوق املواطــن» و «حمايــة املســتهلك ومكافحــة الغــاء» وشــمل‬
‫قطاعــات أخــرى مثــل الكتــاب والفنانــن و «شــباب مــن أجــل التغيــر»‪.‬‬

‫لقــد امتــزج يف هــذه التحــركات اإلرضاب املوقعــي أو القطاعــي الجهــوي أو‬

‫‪94‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫العــام يف قريــة أو محلــة بعينهــا مــع اإلرضاب العــام مــع الوقفــات االحتجاجيــة‬
‫واالعتصــام وإمضــاء العرائــض ونــر التقاريــر عــى أعمــدة الصحــف‬
‫والحضــور الجماعــي للمحاكمــات مــع اســتخدام العديــد مــن األشــكال‬
‫التضامنيــة والتعبويــة الفنيــة واألدبيــة وغريهــا‪.‬‬
‫ويعنــي انتقــال التحــركات مــن مســتوى إىل آخــر ومــن شــكل إىل آخر اكتســاب‬
‫التحــركات قــدرات تعبويــة أرفــع ومــوارد احتجاجيــة و أو تفاوضيــة أكــر‬
‫واقرتابــا أكثــر فأكثــر شــدة مــن اعتمــاد اســراتيجيات أبعــد أثــرا تغيرييــا‪.‬‬

‫‪ 2-‬املثال التونيس‪:‬‬

‫تتســم املرحلــة التاريخيــة التــي انقضــت منــذ انــدالع انتفاضــة الحــوض‬


‫املنجمــي ثــم مجمــل التحــركات االحتجاجيــة املطلبيــة التــي تحولــت إىل‬
‫انتفاضــة فثــورة يف تونــس (‪ )2015-2010‬بانفجــار املطلبيــة االجتماعيــة‬
‫عــددا وكثافــة واتســاعا وســياقا‪.‬‬

‫ويبــن الجــدوالن التاليــان تطــور عــدد اإلرضابــات واملرضبــن واملؤسســات‬


‫املعنيــة ومــا كان مــن تلــك اإلرضابــات «قانونيــا» ومــا لــم يكــن طــوال الفــرة‬
‫املمتــدة وأســباب تلــك اإلرضابــات موزعــة بــن تحســن ظــروف العمــل ورصف‬
‫األجــور والتضامــن العمــايل‪ ...‬وذلــك مــن ‪ 2010‬إىل ‪. 12 2013‬‬

‫‪12‬‬
‫‪http://www.social.tn/fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf‬‬

‫‪95‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الجدول رقم ‪ :1‬إرضابات ‪2013 2010-‬‬

‫نسبة التطور (نسبة‬


‫مائوية)‬
‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫املؤرشات‬
‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪2013‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪399‬‬ ‫‪524‬‬ ‫‪567‬‬ ‫‪255‬‬ ‫عدد اإلرضابات‬
‫‪15‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪266‬‬ ‫‪411‬‬ ‫‪314‬‬ ‫‪170‬‬ ‫عدد املؤسسات‬
‫‪256‬‬ ‫‪55640‬‬ ‫‪15614‬‬ ‫‪14061‬‬ ‫‪13434‬‬ ‫عدد العمال‬
‫‪269‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الجميل‬
‫‪9‬‬ ‫‪79667‬‬ ‫‪87217‬‬ ‫‪10404‬‬ ‫‪49910‬‬ ‫عدد العمال‬
‫‪23‬‬
‫‪2‬‬ ‫املشاركني‬
‫نسبة العمال‬
‫‪-‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪37‬‬
‫(نسبة مائوية)‬
‫عدد أيام العمل‬
‫‪27‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪224658 241212 309343‬‬ ‫‪74763‬‬
‫غري املقضاة‬

‫الجدول رقم ‪ :2‬أسباب إرضابات ‪2013 2010-‬‬

‫‪2013‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2010‬‬


‫نسية‬ ‫نسية‬ ‫نسية‬ ‫نسية‬ ‫أسباب اإلرضابات‬
‫مائوية‬ ‫مائوية‬ ‫مائوية‬ ‫مائوية‬
‫‪55‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪40‬‬ ‫تحسني ظروف العمل‬
‫‪32‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪29‬‬ ‫رصف األجور وتوابعها‬
‫‪9‬‬ ‫‪7,5‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪18‬‬ ‫التضامن العمايل‬
‫‪4‬‬ ‫‪8,5‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪13‬‬ ‫عالقات مهنية‬
‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫املجموع‬

‫‪96‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫ثمــة تصاعــد يف عــدد اإلرضابــات وعــى األخــص يف الفــرة ‪ ،2012-2010‬وكــذا‬


‫يف عــدد املؤسســات املشــمولة بهــا وعــى األخــص نســبة العمــال املشــاركني (يف‬
‫الجــدول رقــم ‪ )1‬مــن جهــة‪ ،‬وثمــة تزايــد يف نســبة اإلرضابــات الهادفــة إىل‬
‫تحســن ظــروف العمــل ورصف األجــور مقابــل تناقــص نســبة اإلرضابــات‬
‫التــي ُشــنّت يف نطــاق التضامــن العمــايل (انحــدار إىل الربــع خــال الفــرة‬
‫املعنيــة‪ ،‬يف الجــدول رقــم ‪ .)2‬وســجلت اإلحصائيــات كذلــك ارتفاعــا كبــرا يف‬
‫عــدد اإلرضابــات التــي عدّتهــا وزارة الشــؤون االجتماعيــة غــر قانونيــة وهــو‬
‫االرتفــاع الــذي ُســجّ ل يف الســنتني األوليــن مــن الفــرة املعنيــة وإن تناقــص‬
‫عــى امتــداد الســنتني املواليتــن‪.13‬‬

‫ومــن املهــم اإلشــارة يف نفــس الســياق إىل تر ّكــز تلــك اإلرضابــات يف املنشــآت‬
‫والخدَميــة الخاصــة (مقارنــة باملنشــآت الحكوميــة) ويف املناطــق‬ ‫الصناعيــة َ‬
‫الصناعيــة املعروفــة (مثــل بــن عــروس وصفاقــس)‪ ...‬كمــا تجــدر اإلشــارة‬
‫إىل تــوازي تلــك اإلرضابــات مــع شــكل تحــرك احتجاجــي مطلبــي آخــر هــو‬
‫االعتصــام‪.14‬‬

‫و حســب اإلحصائيّــات الرســميّة‪ ،‬فقــد تضاعفــت نســبة اإلرضابــات بــن ســنتي‬


‫‪ 2010‬و‪ 2012‬بنســبة ‪ ،% 105‬يف ك ّل الجهــات تقريبــا ويف مختلــف القطاعــات‪،‬‬
‫ّ‬
‫وخاصــة‪ ،‬وقــد أدّت هــذه اإلرضابات‬ ‫مؤسســة عموميّــة‬
‫لتشــمل مــا يقــارب ‪ّ 411‬‬
‫املؤسســات (وفصــل اآلالف مــن العمّ ــال) ‪ ...‬األجنبيّــة‬
‫إىل إغــاق العديــد مــن ّ‬
‫واملحليّــة والتــي تجــاوز عددهــا ســنة ‪ 2012‬مــا يزيــد عــن ‪ 160‬رشكــة‪ ،‬وهــو‬

‫‪ 13‬اعتــادت وزارة الشــؤون االجتماعيــة يف تونــس عــى الحكــم بعــدم قانونيــة كل إرضاب ال يحــرم تراتيب محــددة وموضوعة‬
‫صلحيــة ممكنــة تــرف عليهــا هــي أو مصالــح وزاريــة‬ ‫قانونــا منهــا اســتيفاء جهــود تفاوضيــة متكــررة وفشــل جلســات ُ‬
‫أخــرى‪ ،‬وكــذا عــدم وصــول تنبيــه بــاإلرضاب إىل األعــراف املعنيــن (يف القطــاع الخــاص) أو إىل ســلط اإلرشاف الوزاريــة (يف‬
‫القطــاع العــام) تفصلــه ‪ 10‬أيــام عــى األقــل عــى موعــد تنفيذيــه فعليــا‪ ...‬وبالنســب املائويــة ل»إلرضابــات الالقانونيــة»‬
‫مــن جملــة اإلرضابــات التــي شــنت خــال الســنوات األربــع‪ ،‬كانــت األوىل وعــى التتابــع‪،44 :2012 ،67 :2011 ،69 :2010 :‬‬
‫‪ .41 :2013‬نفس املصــدر‪http://www.social.tn/fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf :‬‬
‫‪ 14‬االعتصــام‪ :‬مكــوث العمــال متجمعــن أليــام وحتــى أســابيع بلياليهــا يف مــكان واحــد هــو عــى األغلــب موقــع العمــل أو‬
‫مقــر إدارتــه املركزيــة أو الفرعيــة‪ .‬ومــن الواضــح أنــه شــكل اشــتباك اجتماعــي أعــى توتــرا ومخاصمــة مــن اإلرضاب‬
‫ألنــه عــادة مــا يعطــل ســرورة العمــل واإلنتــاج بالكامــل وبالقــوة أحيانــا‪ .‬وقــد كان تواتــر االعتصامــات خــال الســنوات‬
‫األربــع املعنيــة عــى التــوايل‪ .13 :2013 ،25 :2012 ،37 :2011 ،23 :2010 :‬نفــس املصــدر‪http://www.social.tn/ :‬‬
‫‪fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf‬‬

‫‪97‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫مــا أحــال مــا يقــارب ‪ 12370‬شــخصا عــى البطالــة حســب إحصائيــات وكالــة‬
‫النهــوض بالصناعــة‪. 15‬‬

‫ومهمــا يكــن مــن أمــر دقــة هــذه اإلحصائيــات ومصداقيتهــا مــن منظــور‬
‫الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة لعامــة النــاس وللشــغالني تحديــدا فإنهــا ال‬
‫تمثــل إال وجهــا مــن أوجــه املســألة االجتماعيــة يف تونــس مــا بعــد الثــورة‪.16‬‬
‫وبالفعــل فقــد أحــى املرصــد التونــي للحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫(م ح اق اج)‪ 17‬التابــع للمنتــدى التونــي للحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة‬
‫(م ت ح اق اج) خــال الشــهر األول مــن ســنة ‪ 2015‬لوحــده‪ ،‬أي بعــد أربــع‬
‫ســنوات مــن ســقوط رأس الســلطة ‪ 708‬تحــركا احتجاجيــا منهــا ‪ 608‬يف‬
‫القطــاع الرتبــوي‪ 18‬وعــى بعــد ســتة أشــهر مــن ذلــك التاريــخ‪ ،‬وخــال شــهر‬
‫‪ 07‬مــن ســنة ‪ ،2015‬ســجل م ح اق اج ‪ 272‬تحــركا احتجاجيــا يف تراجــع عــن‬
‫الشــهر الــذي ســبقه‪ 19‬ليعــود عــدد التحــركات إىل االرتفــاع (‪ 398‬احتجاجــا)‬
‫بنســبة ‪ 45‬باملائــة خــال شــهر ‪ 09‬مــن الســنة نفســها‪.20‬‬

‫‪ 15‬محمــد ســميح و الباجــي عــكاز‪« ،‬تهدئــة اجتماعيّــة عــى أكتــاف الطبقــة الشــغيلة»‪ ،‬عــى الرابــط ‪https://nawaat.‬‬
‫‪87%D8%AF%D8%A6%D8%A9-%D8%A5%D8%AC%%D8%AA%D9%/01/04/org/portail/2014‬‬
‫‪89-%84%D9%91%D8%A9-%D8%B9%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%D8%AA%D9‬‬
‫‪82%D8%84%D8%B7%D8%A8%D9%81-%D8%A7%D9%83%D8%AA%D8%A7%D9%%D8%A3%D9‬‬
‫‪/84%D8%B4%D8%BA %%A9-%D8%A7%D9‬‬
‫‪ 16‬أنظــر للمقارنــة‪ ،‬تقاريــر إحصائيــة ونوعيــة يصدرهــا بصفــة دوريــة «املنتــدى االجتماعــي التونــي» الــذي أنشــأ «مرصــدا‬
‫للحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة»‪86%D8%B4%D8%B7%D8%http://ftdes.net/ar/category/%D8%A3%D9 .‬‬
‫‪ . /8A%D8%B1%82%D8%A7%D8%B1%D9%%A9-%D8%AA%D9‬كمــا ينــر املنتــدى تقاريــر نقديــة عــن بعــض‬
‫السياســات الحكوميــة يف فــرات معينــة أو تجــاه قضايــا معينــة‪ .‬أنظــر مثــا قراءتــه النقديــة لتعاطــي حكومــة التكنوقــراط مــع‬
‫امللفــات االقتصاديــة واالجتماعيــة ‪http://ftdes.net/rapports/critique-technocrate.pdf‬‬
‫‪ 17‬ترتبــك تســميات هــذه املنظمــة غــر الحكوميــة يف التقاريــر الصحفيــة بــن أســماء ثالثــة تتعــاوض هــي‪« :‬املنتــدى التونــي‬
‫للحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة» (االســم الرســمي) ومنتــدى الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة وينبثــق عنــه مرصــد الحقــوق‬
‫االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ .‬ويســتفاد مــن أحــد تقاريــر أنشــطة الجمعيــة (حــرر بالفرنســية يف ‪ 2014-01‬حــول فــرة النشــاط‬
‫املمتــدة مــن شــهر ‪ 2012-09‬إىل شــهر ‪ )http://www.ftdes.net/rapports/rap2013.pdf ،2013-12‬أنهــا ومنــذ انبعاثهــا‬
‫خــال شــهر ‪ 2011-03‬تقــوم بالرصــد والتوثيــق والتحليــل انطالقــا مــن تحقيقــات ميدانيــة وزيــارات واجتماعــات لتتــوىل عــرض‬
‫النتائــج عــى العمــوم باعتمــاد النــدوات الصحفيــة الشــهرية خاصــة‪ ،‬زيــادة عــى تنظيــم ورشــات العمــل واملوائــد املســتديرة‬
‫واملنتديــات‪ .‬وقــد عقــد املنتــدى مؤتمــره األول بتونــس العاصمــة يومــي ‪ 30‬و‪.2015-05-31‬‬
‫‪82%D8%B1%D%86%D8%B3/%D8%AA%D9%88%D9%http://www.tunisien.tn/%D8%AA%D9‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪83-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%%708-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9-8A%D8%B1%9‬‬
‫‪8A-%81%D9%608-%D9-87%D8%A7%86%D9%85%D9%8A-%D9%AC%D8%A7%D8%AC%D9‬‬
‫‪84 %82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9 %84%D9 %%D8%A7%D9‬‬
‫‪%85%D9%84%D9%86%D8%B3/%D8%A7%D9%88%D9%http://www.tunisien.tn/%D8%AA%D9‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪8A-%86%D8%B3%D9%88%D9%84%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9‬‬
‫‪82%D8%A%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%88%D9%82%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%%D9‬‬
‫‪3-88%D8%A7%8A%D8%A9-%D9%A%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9‬‬
‫‪ 20‬أنظر صفحة املنتدى عىل الفايسبوك‪https://www.facebook.com/ftdes :‬‬

‫‪98‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫يمثــل تفجــر املطلبيــة االقتصاديــة وتعــدد مظاهــر االحتجــاج االجتماعــي‬


‫مظهــر بــارزا مــن مظاهــر املســألة االجتماعيــة يف تونــس مــا بعــد الثــورة‪.‬‬
‫وبــرف النظــر عــن الفــروق بــن توجهــات الحكومــات املتعاقبــة حيــال‬
‫ذلــك التفجــر‪ ،‬فإنــه مثّــل التحــدي األوّل املاثــل أمــام ك ّل صنــاع السياســات‬
‫االجتماعيــة ســواء أتعلــق األمــر بالحكومــة أم باملركزيــات النقابيــة العماليــة‬
‫وغــر العماليــة (االتحــاد التونــي للصناعــة والتجــارة والصناعــات التقليديــة‬
‫( ا ت ص ت ص ت) مثــا) فضــا عــن األحــزاب والجمعيــات وغريهــا‪ .‬وبالفعــل‪،‬‬
‫وبقــدر غــر قابل للحــر تقريبــا‪ ،‬تكــررت املظاهــرات واملســرات واالعتصامات‬
‫واإلرضابــات وأشــكال أخــرى مــن إيقــاف عمليــات اإلنتــاج أو العمــل يف عــدد‬
‫مــن املرافــق العموميــة وتعطيــل حركــة املــرور وإدخــال االضطــراب عــى‬
‫مظاهــر أخــرى مــن الحيــاة الحرضيــة وإربــاك ســر اجتماعــات مســؤولني‬
‫جهويــن أو وطنيــن يف مقــرات عملهــم يف العاصمــة أو يف الجهــات‪ .‬وعــى الرغم‬
‫مــن تكــ ّرر محــاوالت املركزيــات النقابيــة املختلفــة تأكيــد وجودهــا وعملهــا‬
‫عــى عــدم اهتــزاز مركزهــا ضمــن الحركــة املطلبيــة واالحتجاجيــة االجتماعيــة‬
‫العامــة لــم يجــد م ت ح اق اج أحيانــا مــن تدبــر راصــد لذلــك ســوى اســتعمال‬
‫تعبــر «الحــركات االحتجاجيــة العفويــة»‪.‬‬

‫ثالثــا‪ :‬موقــع االتحــاد العــام التونــي للشــغل خــال مرحلــة مــا بعــد‬
‫الثــورة‪:‬‬

‫بالــردّد املعهــود لــدى قيــادة ا ع ت ش يف االنخــراط يف االحتجاجــات التــي ال‬


‫يؤطرهــا كان التحاقهــا بمســاندة الحركــة االجتماعيــة املطلبيــة التــي اســتحالت‬
‫انتفاضــة فثــورة (‪ )2011-2010‬متأخــرا عــن قواعدهــا وعــن هياكلهــا املحليــة‬
‫فالجهويــة وبعــض الهيــاكل القطاعيــة تقليديــة االنخــراط يف مثــل هــذه‬
‫االحتجاجــات (التعليــم الثانــوي‪ ،‬التعليــم االبتدائــي‪ .)..،‬ولــم ينقلــب موقــف‬
‫ا ع ت ش إىل جانــب دعــم رصيــح للحركــة إال بانخــراط اتحــادات جهويــة وازنــة‬
‫فيــه وعــى رأســها صفاقــس‪ .‬وعــى أثــر مــا ال يزيــد عــن األشــهر الخمســة عــن‬
‫ســقوط رأس الســلطة عقــد ا ع ت ش نــدوة وطنيــة للتــداول يف مــا يمكــن أن‬
‫يفعلــه يف ظــل األوضــاع الجديــدة‪ .21‬ولــن كانــت النــدوة انعقــدت بعــد أن كان‬

‫‪ 21‬أنظر تقريرا صحفيا ضافيا حول الندوة عىل الرابط التايل ‪http://www.turess.com/echaab/14835‬‬

‫‪99‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ا ع ت ش شــارك يف تكويــن التشــكيلة األوىل «للمجلــس الوطنــي لحمايــة الثــورة»‬


‫(م و ح ث)‪ 22‬ثــم التحاقــه ب«الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف الثــورة واإلصــاح‬
‫الســيايس واالنتقــال الديمقراطــي» (هـــ ع ت ث إ س ا د)‪ 23‬فقــد كانــت املحــاور‬
‫املتــداول فيهــا تــدل عــى أن اســراتيجية قياداتــه التــي كانــت تعتمــد إســناد‬
‫طــرة (ويف الحقيقــة غــر شــاملة‬‫الحكــم سياســيا مقابــل مكاســب اجتماعيــة مؤ ّ‬
‫وال عادلــة) لــم تعــد ممكنــة‪ .‬ولقــد بينــت النــدوة أن مــا انفتــح أمــام ا ع ت‬
‫ش متكــون مــن مكونــن أساســيني همــا املســألة االجتماعيــة بمــا عرضنــاه‬
‫مــن وجوههــا‪ ،‬واملســألة السياســية بتحديــات الحريــة والديمقراطيــة الناشــئتني‬
‫ـر ا ع ت ش العديــد مــن وجوهــه القياديــة األوىل‬ ‫فيهــا‪ . 24‬ويف ذات الســياق‪ ،‬غـ ّ‬
‫يف مؤتمــر آخــر ســنة ‪( 2011‬املؤتمــر الثانــي والعــرون)‪ 25‬الــذي انعقــد عــى‬
‫أثــر تشــكيل «املجلــس الوطنــي التأســييس» (م وت) املنبثــق عــن انتخابــات‬
‫‪ 2011-10-23‬بنتائجهــا التــي أفضــت إىل التحالــف الســيايس «الربملانــي»‬
‫والحكومــي املســمى بالرتويــكا‪ .‬ومنــذ هــذه الخطــوات األوىل يف «التعديــل‬
‫التكتيكــي» لســلوك قيــادة ا ع ت ش تجــاه الســلطة ومنــذ مــا قبــل انتخابــات م‬
‫و ت وجهــت انتقــادات لتغليبهــا (القيــادة النقابيــة) الســيايس عــى االجتماعــي‬
‫– النقابــي فيــه‪. 26‬‬

‫يعــود بعــض ذلــك التغليــب (وهــو وجــه مــن وجــوه تغــر السياســات‬
‫التفاوضيــة لــا ع ت ش) إىل وجــود اتجــاه واضــح وأحيانــا معلــن نحــو‬
‫تجريــم التحــركات االجتماعيــة يف تونــس وعــى األخــص منــذ أن صــادق م وت‬
‫عــى الفصــل األول مــن مقــرح قانــون أســايس يتعلــق بالعدالــة االنتقاليــة‬
‫حيــث بــدا أن النــواب يعتقــدون أن الثــورة انتهــت أواخــر فيفــري ‪2011‬‬
‫وذلــك بالدخــول يف مراحــل تشــكيل الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف الثــورة‬
‫واإلصــاح الســيايس واالنتقــال الديمقراطــي تعويضــا ملجلــس حمايــة الثــورة‪.‬‬

‫‪ 22‬أنظــر رسدا تأريخيــا لبعــض تفاصيــل ذلــك‪ ،‬بــرف النظــر عــن القــراءة السياســية‪ ،‬عــى الرابــط ‪http://www.‬‬
‫‪turess.com/echaab/13265‬‬
‫‪ 23‬منــر الســعيداني‪ ،‬يريــد ويبــدع مــا يريــد‪ ...‬الشــباب يف االنتقــال الديمقراطــي بتونــس‪ ،‬محمــد عــي الحامــي للنــر‪،‬‬
‫صفاقــس‪ -‬تونــس‪.2012 ،‬‬
‫‪ 24‬التايل ‪http://www.turess.com/echaab/14835‬‬
‫‪ 25‬أنظــر تقريــره العــام عــى الرابــط ‪82%D8%%84%D8%AA%D9%http://www.ugtt.org.tn/%D8%A7%D9‬‬
‫‪/85%84%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%B1%D9‬‬
‫‪ 26‬أنظــر تحليــا يف هــذا االتجــاه عــى الرابــط (بالفرنســية) ‪les-/19/02/https://nawaat.org/portail/2013‬‬
‫‪/luttes-sociales-en-tunisie-malediction-ou-opportunite-revolutionnaire‬‬

‫‪100‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫منــذ ذلــك التاريــخ كانــت التحــركات املطلبيــة واالحتجاجيــة تشــكل مســارا‬


‫تغيرييــا يتخالــف إىل حــد التناقــض يف الكثــر مــن الحــاالت مــع مســار التغيــر‬
‫القانونــي والتدريجــي الــذي يركــز عــى الســيايس يف شــكله القانونــي ويف آلياته‬
‫االنتقاليــة االنتخابيــة والتمثيليــة مــع أقــل مــا أمكــن مــن الحضــور الجماهــري‬
‫فيــه مشــاركة وقــرارا وتنظيمــا ومراقبــة‪ .‬ويعنــي ذلــك التخالــف أن القــوى‬
‫االجتماعيــة ذات الصلــة ومنهــا مــا يمثلــه ا ع ت ش ومنهــا مــا يمثلــه (االتحــاد‬
‫التونــي للصناعــة والتجــارة والصناعــات التقليديــة) ومنهــا مــا مثلتــه إىل هــذا‬
‫الحــد أو ذاك الحكومــات املتعاقبــة كانــت بصــدد تغيــر مواقعهــا التفاوضيــة‬
‫للحصــول عــى أكثــر مــا أمكــن مــن املــوارد يف الســياق الجديــد‪ .‬وليــس هــذا‬
‫التغيــر ناتجــا عــن مجــرد الخضــوع لحتميــة تعديــل موازيــن القــوى حتــى‬
‫تخــرج القــوى مــن ســياق التفــاوض ذي الحصيلــة الصفــر إىل ســياق تفــاويض‬
‫توزيعــي بــل انقالبــا اســراتيجيا ألنــه كان يف عمــق تهجــن الســيايس وهــو‬
‫تهجــن ال يمكــن أن يقــف هــو أيضــا عــى نتيجــة تكــون حصيلتهــا صفــرا‪.‬‬
‫ولذلــك اتخــذ ذلــك االنقــاب االســراتيجي شــكال تصادميــا حــادّا‪.‬‬
‫وبالفعــل لــم يكــن لتضــارب املســارين إال أن ينتــج إيقافــات وتتبعــات وقضايــا‬
‫ضــد مناضلــن أو نشــطاء حركيــن تصاعــد عــى مــر األيــام اقتناعهــم بأنهــم‬
‫عــادوا إىل مربــع التهميــش واإلقصــاء مــن املشــاركة السياســية ‪. 27‬‬

‫ويكفــي أن نلقــي نظــرة عــى شــبكات التواصــل االجتماعــي ومواقــع إخباريــة‬


‫وحمــات هاشــتاغ حــول هــذه القضايــا وغريهــا حتــى نــرى بــأن التحــركات‬
‫َصــات اجتماعيــة‬‫التــي خيضــت كانــت مــن حيــث مواردهــا التعبويــة ذات و ْ‬
‫واتصاليــة وسياســية غــر معهــودة بالنســبة إىل حمــات االحتجــاج الســيايس‬
‫واالجتماعــي التــي كانــت ســائدة حتــى ‪ 2008‬جزئيــا وإىل حــد ‪ 2010‬كليــا‪.‬‬

‫‪ 27‬قضايــا الشــباب املنتفــض (محاكمــات عســكرية يف أحــداث ‪ 12‬أفريــل ‪ 2011‬يف املكنــايس‪ ،‬قضايــا عائــات الشــهداء‪،‬‬
‫تحــركات العطــش عــى أثــر قطــع املــاء يف عــدة مناطــق (جويليــة وأوت ‪ ،)2012‬تحــركات التشــغيل والتالعــب بنتائــج‬
‫املناظــرات (قفصــة مــاي ‪ 2012‬وفيفــري ‪ ،)2014‬أحــداث اإلتــاوة‪ ...‬وتتــوزع التهــم يف هــذه القضايــا بــن «تكويــن وفــاق‬
‫لغايــة االعتــداء عــى األمــاك واألشــخاص» و»إرضام النــار عمــدا بمحــل غــر مســكون (حــرق مركــز)» و»االعتــداء عــى‬
‫موظــف عمومــي اثنــاء قيامــه بوظيفتــه» و»تعطيــل حريــة الســر» و»قطــع الطريــق» و»محاولــة القتــل (رئيــس مركــز)‬
‫و»القــذف العلنــي» و»التهديــد بمــا يوجــب العقــاب الجنائــي» و»املشــاركة يف تجمهــر مســلح»‪ .‬أنظــر مثــا‬

‫‪101‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ‬
‫‪60‬‬
‫‪52‬‬
‫‪50‬‬
‫ﻗﺒﻞ ‪ 28‬ﻓﻴﻔﺮي ‪2011‬‬
‫‪40‬‬ ‫إﺟﻤﺎﱄ ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ ‪86‬‬

‫‪30‬‬

‫‪20‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪10‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪0‬‬
‫اﻟﻬﻴﴩﻳﺔ‬ ‫ﻗﺒﻼط‬ ‫ﻣﻨﺰل ﺷﺎﻛﺮ‬ ‫أﺟﻴﻢ ﺟﺮﺑﺔ‬ ‫ﺗﻮﻧﺲ‬ ‫ﻗﺒﲇ‬

‫اﻤﻟــﺪﻳــﻨــﺔ‬

‫ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ‬

‫‪30‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪25‬‬ ‫ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻌﺪ ‪ 28‬ﻓﻴﻔﺮي ‪2011‬‬


‫‪23‬‬ ‫ﻤﺎﱄ ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ ‪110‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪15‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪5‬‬
‫‪https://nawaat.org/portail/2014/06/03/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪C%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D%A7‬‬
‫‪0‬‬
‫‪%D9%84%D8%A5%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%88%D8%A7%‬‬
‫‪D8%B3%D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81/‬‬ ‫اﻤﻟﻜﻨﺎﳼ‬ ‫ﺗﺎﻟﺔ‬ ‫أم‬ ‫ﻣﻨﺰل‬ ‫ﺳﻮق‬ ‫ﺣﺎﻣﺔ‬ ‫اﻟﻘﻄﺎر‬
‫ﺑﻮزﻳﺎن اﻟﻌﺮاﻳﺲ‬ ‫اﻟﺠﺪﻳﺪ‬ ‫ﺗﻮزر‬
‫وكذلك‬
‫‪http://www.essahafa.info.tn/index.php?id=24&tx_ttnews%5Btt_news%5D=58530&tx_ttnews%5B-‬‬
‫‪backPid%5D=6&cHash=0eff76ff1a‬‬ ‫اﻤﻟــﺪﻳــﻨــﺔ‬
‫وكذلك‬
‫‪http://nawaat.org/portail/2014/12/24/%D9%85%D9%86-‬‬
‫‪%D8%AD%D9%82%D9%91%D9%8A-%D9%86%D8%B9%D9%8A%D8%B4-%D8%A8%D9%83%‬‬
‫‪D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%88-%D9%86%D8%AD%D8%AA%D8%AC/‬‬

‫‪102‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫اﻟﻬﻴﴩﻳﺔ‬ ‫ﻗﺒﻼط‬ ‫ﻣﻨﺰل ﺷﺎﻛﺮ‬ ‫أﺟﻴﻢ ﺟﺮﺑﺔ‬ ‫ﺗﻮﻧﺲ‬ ‫ﻗﺒﲇ‬

‫اﻤﻟــﺪﻳــﻨــﺔ‬

‫ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ‬

‫‪30‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪25‬‬ ‫ﻗﻀﺎﻳﺎ اﻟﺤﺮاك اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻌﺪ ‪ 28‬ﻓﻴﻔﺮي ‪2011‬‬


‫‪23‬‬ ‫إﺟﻤﺎﱄ ﻋﺪد اﻤﻟﺘﻬﻤﻦﻴ ‪110‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪15‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪5‬‬
‫‪3‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪0‬‬
‫اﻤﻟﻜﻨﺎﳼ‬ ‫ﺗﺎﻟﺔ‬ ‫أم‬ ‫ﻣﻨﺰل‬ ‫ﺳﻮق‬ ‫ﺣﺎﻣﺔ‬ ‫اﻟﻘﻄﺎر‬ ‫اﻟﺸﺎﺑﺔ‬ ‫ﺟﻠﻤﺔ‬ ‫ﺳﻠﻴﺎﻧﺔ‬ ‫ﺑﻨﺰرت‬
‫اﻟﻌﺮاﻳﺲ‬ ‫ﺑﻮزﻳﺎن‬ ‫اﻟﺠﺪﻳﺪ‬ ‫ﺗﻮزر‬

‫اﻤﻟــﺪﻳــﻨــﺔ‬

‫ويف وجــه ثــان مــن وجــوه تهجــن الســيايس يف معنــى تنــوع االحتجاجــي‬
‫وتــذرر التفــاويض‪ ،‬وعــى الرغــم مــن الطابــع االحتجاجــي واملطلبــي الطاغــي‬
‫عــى األغلبيــة الســاحقة مــن هــذه التحــركات فإنهــا كانــت يف كل مــرة‬
‫تفــي إىل طــرح مســائل تتعلــق بالسياســات الحكوميــة يف التعاطــي مــع‬
‫االحتجــاج‪ .‬وهــذا مــن ســمات الحركــة االجتماعيــة التــي تطــرح قضايــا‬
‫سياســية وإن لــم تطــرح مســألة الســلطة السياســية بصفــة مبــارشة‪ .‬ومــن‬
‫قضايــا السياســات التــي تطرحهــا هــذه الحــركات حقــوق التظاهــر والتعبــر‬
‫واملشــاركة السياســية وتقريــر املصــر مــن جهــة وهــو مــا ينضــوي ضمــن‬
‫مجــال الحقــوق والحريــات السياســية‪ ،‬أمــا مــن الجهــة الثانيــة فهــي حــركات‬
‫تطــرح حقــوق التنميــة والتشــغيل واإلنصــاف االجتماعــي وتوســيع الفــرص‬
‫الحياتيــة وتجويــد ظــروف الحيــاة وهــو مــا ينضــوي ضمــن مجــال الحقــوق‬
‫والحريــات االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ .‬وهــذا وجــه مــن وجــوه تهجــن الســيايس‬
‫املتولــد عــن نشــأة الحــركات االجتماعيــة وترســخها مــن ناحيــة وعــن تغــر‬
‫االســراتيجيات التفاوضيــة للفاعلــن االجتماعيــن مــن ناحيــة ثانيــة‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫رابعا‪ :‬أمثلة تحليلية‪:‬‬

‫‪ 1-‬يف األشكال النضالية‪ :‬االعتصام‪:‬‬

‫تأكيــدا لهــذا التداخــل يمثــل االعتصــام مــن وجهــة نظــر الناشــطني الحركيــن‬
‫واملناضلــن خطــوة نضاليــة تســاعد عــى تحشــيد الطاقــات وتأكيــد قــوة‬
‫الفعاليــات وتحكمــا يف مجــال حركــة الخصــم مكانيــا وعــادة مــا يكــون ذلــك‬
‫مصحوبــا بتأثــر مــن درجــة ومــن نــوع مــا يف طبيعــة النشــاط الــذي قــام يف‬
‫مــكان االعتصــام‪ .‬ولكنــه حســب القانــون الجزائــي التونــي فعــل يســتوجب‬
‫العقــاب إذا مــا كيفــت تهمتــه عــى أنهــا تعطيــل حريــة الشــغل وهــي تهمــة‬
‫تفتــح البــاب نحــو تهــم أخــرى مــن قبيــل «هضــم جانــب موظــف عمومــي»‬
‫و»اإلرضار بامللــك العمومــي» و»تعطيــل ســر املرفــق العمومــي»‪ ...‬وهــذه‬
‫تهــم توجــه الفعــل الــذي يكــون نضاليــا مــن جانــب املحتجــن واملطالبــن إىل‬
‫مخاصمــة للنظــام العمومــي القائــم يف مســتويني‪ :‬املســتوى األصغر يف املؤسســة‬
‫املعنيــة مثــا ويف املســتوى األكــر عــى مســتوى القانــون‪. 28‬‬

‫بذلــك يكــون االعتصــام‪ ،‬ومهمــا كان ســبب الخــوض فيــه‪ ،‬أســلوب فعــل‬
‫ســيايس بامتيــاز ألنــه يتمثــل يف احتــال جماعــة مــا بطريقــة عنيفــة أو غــر‬
‫عنيفــة لفضــاء مــا لالحتجــاج وقوفــا أو جلوســا أو ممديــن واملطالبــة بتغيــر‬
‫ســيايس او اجتماعــي أو اقتصــادي أو ثقــايف إىل أن يتــم إجالؤهــا بالقــوة أو‬
‫بغريهــا أو تتمكــن مــن تحقيــق مطالبهــا‪ .‬هــو نــوع مــن التدخــل املبــارش يف‬
‫اإلدارة السياســية للشــأن العمومــي حتــى وإن كان ذلــك الشــأن اجتماعيــا أو‬
‫اقتصاديــا‪ .‬وهــو بتدخلــه يف اإلدارة السياســية يكــون سياســيا إذ يتمثــل هدفــه‬
‫األول يف إيقــاف نشــاط املؤسســة املســتهدفة ســواء أكانــت إدارة أو منشــأة أو‬
‫هيــكال بحيــث يتعطــل اشــتغاله‪ .‬ويمكــن الحتــال البنــاءات املســتهدفة أو‬
‫االنتصــاب بالســاحات العامــة وقطــع الطرقــات أو خطــوط الســكك الحديديــة‬

‫‪ 28‬خــال أســبوع ‪ 2016--03 28‬حتــى ‪ 2016-04-04‬انتظمــت محاكمــات للقائمــن بأنشــطة مــن هــذا القبيــل يف قرقنــة‬
‫والدهمانــي والقصــور (املحكمــة االبتدائيــة بالــكاف) والفحــص‪ .‬وتوزعــت التهــم املوجهــة إليهــم بــن «تعطيــل حريــة‬
‫العمــل» و»تكويــن عصابــة» و»رسقــة ممتلــكات عموميــة» و»االعتــداء بالعنــف عــى حــارس املســتودع البلــدي»‪ ،‬و»تعطيــل‬
‫ســر األعمــال يف مرفــق عمومــي»‪ ...‬و»تأليــب الــرأي العــام ضــد النظــام»‪ .‬وكانــت حصيلــة املوقوفــن واملحاكمــن إيقافــات‬
‫ســتني محتجــا يف حــن كان عددهــم قرابــة ‪ 300‬متهمــا خــال األربــع الســنوات الســابقة عــى ذلــك التاريــخ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫أو ســ ّد منافــذ الفضــاءات العموميــة أو الخاصــة أن يعــ ّد مــن بــن األشــكال‬
‫االعتصاميــة‪ .‬وتتأتــى فعاليــة هــذا الشــكل االحتجاجــي املطلبــي مــن ترافــد‬
‫إدخــال االضطــراب عــى عمــل املرافــق واســتثارة التعاطــف الشــعبي بفعــل‬
‫اقتنــاع النــاس مــن املــارة واملتوقفــن وامللتحقــن بأحقيــة املطالــب وتعــرض‬
‫القائمــن باالعتصــام للقمــع أو للمحــارصة أو التضييــق متفــاوت العنــف‪.‬‬
‫ويمكــن لالعتصامــات أن ترتافــق مــع أشــكال أخــرى للفعــل الســيايس املبــارش‬
‫غــر العنيــف مثــل تمريــر العرائــض لإلمضــاء واملســرات وحمــات املقاطعــة‬
‫وتوزيــع املــواد الدعائيــة أو إلصاقهــا وهــو مــا يحقــق نوعــا مــن املشــاركة‬
‫السياســية غــر التقليديــة أي التــي ال تمــر مــن خــال الهيــاكل التقليديــة‬
‫واالشــكال النضاليــة التقليديــة‪.‬‬

‫‪ 2-‬يف اآلثار السياسية‪ :‬إعادة هندسة الفضاء العمومي‪:‬‬

‫مــن اآلثــار املبــارشة ملثــل هــذه التحــركات إذا نشــأة مــا تعتــره املؤرخــة آرالت‬
‫فــارج‪ 29‬فضــاء عمومــي مــن ابتــداع الجمهــور الواســع الــذي بنــى حريــة الفكر‬
‫وســيادة الشــعب‪ ،‬كمــا يبنــى يف ذات الســياق هويــة لــه متجــددة مــن خــال‬
‫املناقشــات السياســية‪ . 30‬وقــد تفيــد بعــض املناقشــات األخــرى يف توضيــح‬
‫حــدود دالالت نشــأة الفضــاء العمومــي‪ .‬ففــي اعتبــار النســويات األمريكيــات‬
‫مثــا الفضــاء العمومــي هــو كل الفضــاءات غــر املنزليــة والعائليــة‪ ،31‬ويف‬
‫بعــض االعتبــارات األخــرى هــو كل مــا ســمح للجمهــور بالتالقــي ومنــه كل‬
‫املؤسســات املفتوحــة للعمــوم مثــل الجامعــات واملقاهــي والكنائــس‪ 32‬وهــو‬

‫‪29‬‬
‫‪Arlette Farge, Dire et mal dire. L›opinion publique au XVIIIe siècle, Le seuil, « La librairie du XXe‬‬
‫‪siècle », Paris, 1992, 318 p.‬‬
‫‪ 30‬اســتعمل مــؤرخ األشــكال الثقافيــة والسياســية روجــي شــارتيي ( ‪ ) Roger Chartier‬الفضــاء العمومــي يف كتابــه ( ‪Les‬‬
‫‪ Origines culturelles de la Révolution française، (1990‬كمــا ميّــز برنــار ميــاج (‪ )Bernard Miège‬يف كتابــه (‪La‬‬
‫‪ ) société conquise par la communication‬بــن أربعــة مــن نمــاذج الفضــاء العمومــي يف أوروبــا ‪ :‬صحافــة الــرأي (‬
‫منتصــف القــرن ‪ ،)18‬الصحافــة التجاريــة (منتصــف القــرن ‪ ،)19‬وســائط اإلعــام الجماهــري املرئــي واملســموع (منتصــف‬
‫القــرن العرشيــن) والعالقــات العامــة املعممــة (منــذ ‪.)1970‬‬
‫‪31‬‬
‫‪Nancy Fraser, “Rethinking the Public Sphere: A Contribution to the Critique of Actually Existing‬‬
‫‪Democracy”, in, Social Text, No. 251990( 26/), pp. 5680-.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪Pierre Frankignoulle et Edith Bodson, « Le campus universitaire comme espace public : des‬‬
‫‪représentations aux pratiques », in, Etudes de Communication, Bulletin du Certeic, Espaces publics de la‬‬
‫‪vie ordinaire, Université de Lille 3, 2ème trimestre 1996, pp. 6188-.‬‬
‫‪Thierry Pacot, L›espace de la parole. Réflexion sur deux modèles historiques d›espace public, in, Hermès,‬‬
‫‪19921/ n° 10, pp 5769-.‬‬

‫‪105‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫العنــر املكــون الرئيــس لالقتصــاد التضامنــي والتعاونــي بمــا يفســحه مــن‬


‫مجــال للتبــادل يســتجيب ملنطــق ســيايس بالــرورة‪ 33‬مــن حيــث هــو ترصف‬
‫يف تناقضــات املجتمــع الجماهــري الفردانــي‪ .34‬ويف النقــد الــذي واجــه أطروحــة‬
‫يورغــن هابرمــاس ركــز مناقشــوه‪ 35‬عــى أن الفضــاء العمومــي الــذي تحكمــه‬
‫املســاواة واالنعكاســية املتفاعلــة والعقالنيــة لــم يوجــد تاريخيــا قــط‪ .‬ويــؤدي‬
‫ذلــك إىل رضورة أخــذ الخصوصيــات التاريخيــة والوطنيــة واالجتماعيــة بنظــر‬
‫االعتبــار وكــذا طبيعــة الفضــاء التمييزيــة وتجســدت ض ـ ّد النّســاء مثــا بمــا‬
‫ســمح بركنهــن يف الفضــاء الخــاص لينفســح املجــال للرجــال لالعتنــاء بالشــأن‬
‫العــام إىل جانــب وجــود فضــاءات عموميــة أخــرى شــعبية (وداديــات جمعيات‪،‬‬
‫نقابــات‪ )،‬اشــتغلت حســب منطــق جماعــي منــاف للعقالنيــة الفرديــة التــي‬
‫ســادت يف الفضــاءات العموميــة الربجوازيــة‪.36‬‬

‫إذا مــا أخــذت هــذه االنتقــادات بنظــر االعتبــار صــار مــن املمكــن اعتبــار‬
‫الفضــاء العمومــي كل مســاحة لــروز املعانــي االحتجاجيــة وفيه تتنــازع جموع‬
‫مختلفــة ومتعارضــة مــن أجــل للســيطرة عــى مجــال يكــون منــه البعــض‬
‫(النســاء‪ ،‬الغربــاء مــن القوميــات املضطهــدة‪ ،‬الطبقــات الشــعبية‪ ،‬فقــراء املدن‪،‬‬
‫الطبقــات العماليــة‪ ،‬فالحــو األريــاف) مقصيــا تمامــا‪ .37‬ويمكــن أن نضيــف‬
‫بالنســبة إىل الفضــاءات العموميــة يف املســتعمرات وأشــباه املســتعمرات الســكان‬

‫‪33‬‬
‫‪Jean-Louis Laville, Une troisième voie pour le travail, Paris, Desclée de Brouwer, 1999.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Dominique Wolton, Les contradictions de l’espace public médiatisé, in, Hermès, 1992/1 n° 10, pp‬‬
‫‪95-114.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪Peter Hohendahl, «Critical Theory, Public Sphere and Culture: Habermas and His Critics», in, New‬‬
‫‪German Critique, 16 (winter), 1979, pp 89-118.‬‬
‫‪Michael Schudson, “The Public Sphere and Its Problems: Bringing the State (Back) In”, in, Notre Dame‬‬
‫‪Journal of Law, Ethics & Public Policy, Volume 8, Issue 2, Symposium on Voice in Government, 2012.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪Charles Tilly, The Contentious French, Harvard University Press, Harvard, 1986.‬‬
‫‪Nicholas Garnham,»The media and the public sphere», in, Calhoun, Craig (Ed), Habermas and the Public‬‬
‫‪Sphere, Cambridge, 1992, pp359-376.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Geoff Eley, «Nations, Publics, and Political Cultures: Placing Habermas in the Nineteenth Century,» in,‬‬
‫‪Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun.‬‬

‫‪106‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫األصليــن‪ ،‬األهــايل‪ ،‬الخالســيني‪ ،‬الغربــاء‪ ،‬املــرىض‪ ،‬املجانــن‪ 38...‬ومــن العســر يف‬


‫مثــل هــذه الحــاالت أن يشــمل تجــدد بنــاء الفضــاء العمومــي مــا قــد ترســخ‬
‫بعــد مــن األشــكال التنظيميــة مــن قبيــل هيــاكل ا ع ت ش بوصفــه منظمــة‬
‫نقابيــة مركزيــة‪.‬‬

‫‪ 3-‬يف البناء التنظيمي‪ :‬التنظم الجماهريي التلقائي‪:‬‬

‫وفضــا عــن أن ا ع ت ش بنــاء تنظيمــي متماســك وســابق الوجــود ومرتســخ‪،‬‬


‫فإنــه ينــزع إىل اعتمــاد أشــكال مــن التعبئــة والتنظيــم مســتقرة حيــث يكــون‬
‫بنــاء املطلــب عــن طريــق مفاوضــة قاعديــة موســعة إىل هــذا الحــد أو ذاك تليــه‬
‫تعبئــات مــن أجــل خــوض التفــاوض مــع املســؤولني أو اإلدارات مــع االضطــرار‬
‫إىل خــوض نضــاالت قــد تبــدأ باالحتجاجــات الرمزيــة (حمــل الشــارات) وصــوال‬
‫إىل اإلرضاب‪ .‬وتتســم هــذه التحــركات بدوريتهــا املغلقــة ورســوخ تدرجهــا‬
‫وقابليتــه النســبية لتوقــع تطوراتــه‪.‬‬

‫‪ 38‬اســتخدم االعتصــام مــن قبــل منتســبي مؤتمــر املســاواة العنرصيــة (‪))Congress of Racial Equality (CORE‬‬
‫ومجموعــة زمالــة الصلــح التوافقــي (‪ ))Fellowship of Reconciliation (FOR‬منــذ مــا قبــل الســنوات ‪ 1940‬كمــا يف‬
‫مثــال اعتصــام املناضلــة برنيــس فيــر (‪ )Bernice Fisher‬التــي تعتــر «أم» تكتيــك اعتصامــات املطاعــم‪ ،‬ومثــال اعتصام‬
‫مطعــم ‪ Shack Sandwich Shops‬يف نيويــورك يف ســبتمرب ‪ 75( 1939‬إىل ‪ 100‬معتصــم) ومثــال االعتصــام املحتــج عــى‬
‫التمييــز العنــري يف مكتبــة ألكســندريا يف فرجينيــا (أوت ‪ .)1939‬ومــن بــن االعتصامــات التــي نجحــت يف تكســاس ذلــك‬
‫الــذي شــنه طلبــة الدراســات العليــا وأدّى إىل تنقيحــات قانونيــة ســنة ‪ 1950‬ثــم اعتصــام دورهــام (كارولينــا الشــمالية)‬
‫يف جــوان ‪ 1957‬الــذي شــنه «الســبعة امللكيــون» وهــم مجموعــة تكونــت مــن ثــاث نســاء وأربعــة رجــال‪ .‬كمــا تــم تنظيــم‬
‫اعتصــام آخــر بمطعــم بفيشــيتا يف الكنســاس يف جويليــة ‪ 1958‬تبعــه اعتصــام أوت ‪ 1958‬يف مدينــة أوكالهومــا‪ .‬وشــن‬
‫اعتصــام غرنســبورو يف كارولينــا الشــمالية يــوم ‪ 1960-02-01‬الــذي افتتــح سلســلة مــن االعتصامــات يف كل جنــوب‬
‫الواليــات املتحــدة االمريكيــة مســت عــر مــدن كــرى مســتهدفة مغــازات كــرى ومســاحات تجاريــة وشــملت مئــات مــن‬
‫املشــاركني وأدت إىل إنهــاء التمييــز يف العديــد مــن املطاعــم‪ .‬وقــد بــرز مــن بــن الطلبــة الذيــن ترأســوا تلــك التحــركات قادة‬
‫متمرســون وجّ هــوا االعتصامــات الالحقــة التــي كوّنــت حملــة الحقــوق املدنيــة خــال بدايــة الســنوات ‪ ،1960‬تلــك التــي‬
‫أدت إىل إصــدار قانــون الحقــوق املدنيــة لســنة ‪ 1964‬منهيــا التمييــز العنــري ضــد الســود يف األماكــن واملرافــق العامــة يف‬
‫الواليــات املتحــدة‪ .‬ومــن أمثلــة االعتصامــات خــارج الواليــات املتحــدة األمريكيــة تحــرك طلبــة الجامعــة الكوريــة الجنوبيــة‬
‫ضــد الحكومــة (‪ )1960‬وتحــرك طلبــة الجامعــات اليابانيــة ضــد زيــارة إيزنهــاور رئيــس الواليــات املتحــدة األمريكيــة إىل‬
‫اليابــان (جــوان ‪ )1960‬ثــم تحــرك طلبــة جامعــة برلــن ســنة ‪ 1966‬وتحــرك طلبــة معهــد لنــدن للعلــوم االقتصاديــة‬
‫(‪ )London School of Economics‬ســنة ‪ 1967‬ثــم تحــرك طلبــة الجامعــات الرتكيــة‪ .‬وبانتقــال االعتصــام االحتجاجــي‬
‫واملطلبــي بوصفــه شــكال نضاليــا إىل برلــن‪ ،‬وباريــس‪ ،‬ولنــدن أفــى إىل حركــة مــاي ‪ .1968‬وخــارج الســاحات الطالبيــة‪،‬‬
‫ويف معســكر غرينهــام للنســاء الــذي انتصــب يف املنطقــة الواقعــة يف بريكشــاير بأنقلــرا وتــم افتتاحــه يف ســبتمرب ‪1981‬‬
‫حلــت مجموعــة مــن النســاء االســكتلنديات (نســاء مــن أجــل الحيــاة عــى األرض) لالحتجــاج ضــد قــرار الحكومــة‬
‫الربيطانيــة بالســماح برتكيــز صواريــخ كــروز يف املنطقــة‪ .‬وتمــت محــارصة القاعــدة العســكرية ألول مــرة يف مــاي ‪.1982‬‬
‫ومنــذ بدايــة الســنوات ‪ 1980‬يالحــظ تحــوّل يف خائــي االعتصامــات حيــث اســتخدمته مثــا املناضــات مــن أجــل الحــق‬
‫يف اإلجهــاض‪ ،‬وكذلــك املناضلــون مــن أجــل التحســيس بخطــورة انتشــار وبــاء الســيدا حيــث يتــوىل املعتصمــون القيــام‬
‫بأفعــال وأنشــطة تحسيســية وتعبويــة مــن بينهــا مثــا حــركات تمثيليــة تشــبيهية بحــاالت مــوت املصابــن‪...‬‬

‫‪107‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أمــا التحــركات االحتجاجيــة التــي تنــدرج يف الحــركات االجتماعيــة‪ ،‬ومــن حيــث‬


‫األدوات‪ ،‬فتنفتــح عــى أشــكال مــن التجديــد التنظيمــي ســمته الكــرى أنــه مــن‬
‫قبيــل التنظــم الجماهــري التلقائــي الــذي مــن خصوصياتــه‪:‬‬

‫✤ ✤مــن حيــث التكــون واالنتشــار يكــون تأســيس التنظــم الجماهــري‬


‫التلقائــي يف ســياق التحــركات الثوريــة متكوّنــا عــى األغلــب مــن فئــات‬
‫مهمّ شــة مــن الفعــل الســيايس مســتغالّ انحســار فعــل الدولــة وأجهــزة‬
‫الحكــم والطبقــات الحاكمــة واملؤسســات السياســية الحزبيــة والنقابيــة‬
‫والجمعياتيــة التقليديــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن تدخــل القــوى السياســية‬
‫املنظمــة واملمركــزة فقــد تكــوّن عفويــا غالبــا متّخــذا أشــكاال تنظيميــة‬
‫هــي أقــرب إىل االســتقاللية والديمقراطيــة والقاعديــة واملبــادرة وعــدم‬
‫التمركــز‪ .‬أمــا انتشــارها فقــد ارتكــز عــى فئــات واســعة ومتنوعــة يف‬
‫أحيــاء الســكن أو منشــآت العمــل أو الســاحات العامــة‪...‬‬

‫✤ ✤مــن حيــث الشــكل التنظيمــي‪ ،‬تتــو ّزع حركــة التنظــم الجماهــري‬


‫التلقائــي بــن االتجــاه نحــو التمركــز ومعــاودة االنطــاق مــن تحــت‬
‫حســب تمــدد النضــاالت أو تق ّلصهــا ومســار إنجــاز املهــام التــي تضعهــا‬
‫لنفســها وإســراتيجية االنتشــار‪ .‬وعــادة مــا يشــهد بنــاء مثــل هــذه‬
‫األدوات التنظيميــة رصاعــا بــن أصحــاب النزعــة االســتقاللية والقاعديــة‬
‫والجماهرييــة وأصحــاب النزعــة املركزيــة ذات االرتبــاط باألحــزاب‬
‫واملنظمــات والحلقــات املنظمــة‪ .‬ويكــون مــدار الــراع تواصــل ســمتي‬
‫الجماهرييــة والتلقائيــة بحيــث يصــدر عنهــا مــا يُم ّكــن مــن بنــاء خــط‬
‫ســيايس مســتقل وذي ارتبــاط بحركــة الجمهــور أساســه البنــاء املشــرك‬
‫للشــعار وتدريــب املناضلــن وتعميــق املعــارك ضــد الخصــوم السياســيني‬
‫مــن جهــة أو انتهــاء هــذه الحركــة إىل التحــول إىل خــ ّزان تســتمد منــه‬
‫األحــزاب واملنظمــات والحلقــات السياســية املنظمــة مَ عِ ينًــا مــن الشــعارات‬
‫والتحــركات واملناضلــن‪.‬‬

‫✤ ✤ مــن حيــث الرتكيبــة‪ ،‬تتــو ّزع حركــة (حــركات) التنظــم الجماهــري‬


‫التلقائــي بــن فئــات عمريــة مختلفــة مــع هيمنــة نســبية للشــباب‪ ،‬وفئــات‬
‫اجتماعيــة مختلفــة مــع هيمنــة نســبية للفقــراء مــن العاطلــن والعمــال‬

‫‪108‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫والفالحــن ورشائــح الربجوازيــة الصغــرة‪ ،‬وفئــات مثقفــة ومسيّســة‬


‫تسيّســا عامــا مــع هيمنــة للمقصيّــن مــن العمليــة السياســية الرســمية‬
‫والتقليديــة‪.‬‬

‫‪ 4-‬تداخالت وتقاطعات‪:‬‬

‫يف مثــال بيرتوفــاك‪ ،‬ثمــة رضورة للتذكــر بــأن التحــركات بــدأت منــذ تكــون‬
‫«املجلــس املحــي لحمايــة الثــورة بقرقنــة»‪. 39‬‬
‫تــم االتفــاق بــن املجلــس وإدارة بيرتوفــاك بتاريــخ ‪ 2011-05-20‬عــى‬
‫ضــخ ‪ 600.000‬دينــار يف ميزانيــة املجلــس الجهــوي ليتــم التــرف فيهــا‬
‫لفائــدة التنميــة يف قرقنــة مــع تــويل مجلــس حمايــة الثــورة ضمــان العمــل‬
‫واالســتخراج‪ .‬يف األثنــاء صــار االتحــاد املحــي للمعطلــن عــن العمــل هــو الــذي‬
‫يــرأس التحــركات وصــارت القيمــة الســنوية ملــا تضخــه الرشكــة يف ميزانيــة‬
‫املجلــس الجهــوي هــي ‪ 1000.000‬دينــار وصــارت تــوزع عــى ‪ 266‬عامــا‬
‫ال يعملــون‪ .‬ويف بدايــة ســبتمرب ‪ 2016‬أعطــت إدارة الرشكــة يف لنــدن مهلــة‬
‫حتــى ‪ 9 .2016-09-20‬ســبتمرب اتفــاق بــن الرشكــة واتحــاد املعطلــن وعــدد‬
‫كبــر مــن الــوزراء بحضــور املديــر العــام لألمــن الوطنــي وبضمــان االتحــاد‬
‫العــام التونــي بتشــغيل ‪ 266‬عامــا وبضــخ ‪ 1500.000‬دينــار للمجلــس‬
‫الجهــوي‪ .‬محامــي الرشكــة يعتــر أن ‪ 7‬أشــخاص هــم مــن يحركــون الوضــع ‪4‬‬
‫مــن اتحــاد املعطلــن و‪ 3‬مــن حــزب التحريــر ويعتــر أن مقــر الرشكــة محتــل‬
‫بالكامــل منــذ ‪ 2011‬وأن «العطايــا» منطقــة فيهــا حضــور كثيــف وغــر قابــل‬
‫لالخــراق لحــزب التحريــر‪ .‬املحامــي يعتــر بعــد اطالعــه عــى بيــان حــزب‬
‫التحريــر الــذي قــال فيــه إنــه انتــر عــى بريطانيــا العظمــى يف قرقنــة‬
‫أنــه حــزب ســيايس يصفــي حســابات تاريخيــة ويســتغرب (املحامــي) كيــف‬
‫تُمــي الدولــة اتفاقــا مــع «مجلــس حمايــة الثــورة» وتمــي مــع «اتحــاد‬
‫املعطلــن عــن العمــل» ثــم يتــم الرفــض مــن قبــل قيــادة االعتصــام ويــرى‬
‫أن اع ت ش لــم يتدخــل بمــا فيــه الكفايــة فيمــا كان الصحفــي ينتقــد وزيــر‬
‫الشــؤون االجتماعيــة يف حكومــة الوحــدة الوطنيــة محمــد الطرابلــي عــى أنــه‬
‫أظهــر شــعبوية يف مجاراتــه لألوضــاع عــوض الحســم فيهــا‪ .‬واملالحــظ يف هــذا‬
‫‪ 39‬ترصيحــات محامــي الرشكــة نــزار عيــاد لوســائل اإلعــام وخاصــة لراديــو ميــد (مــع الصحفــي ســفيان بــن فرحــات)‬
‫بتاريــخ ‪.2015-09-21‬‬

‫‪109‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الســياق أن الــكل كان ينــادي ا ع ت ش الحكــم واملعارضــة واملحتجــون‪ ...‬وربمــا‬


‫كان رفــض قيــادة االعتصــام لالتفــاق الــذي أمــي أوال لوعيهــم بأنــه ينســف‬
‫ســبب االحتجــاج والتمــرد‪ .‬وقــال وزيــر الشــؤون االجتماعيــة يف حكومــة‬
‫الوحــدة الوطنيــة محمــد الطربلــي اتفقنــا بنســبة ‪ 95‬باملائــة مــع املعتصمــن‬
‫وظلــت نســبة لــم نتمكــن مــن االتفــاق معهــا‪ .40‬ومــن املالحــظ أن األبعــاد‬
‫الجهويــة واملحليــة كانــت حــارضة حيــث تقــول الصحفيــة للوزيــر «أنــت يس‬
‫محمــد مــن قرقنــة‪ .»...‬الوضــع بمواصفاتــه هــذه يحيــل عــى أبعــاد اجتماعيــة‬
‫غــر معهــودة يف التحــركات االحتجاجيــة التــي تشــهدها تونــس عــادة‪ .‬ففــي‬
‫أفريــل ومــاي مــن ســنة ‪ 2016‬اســتغل الكثــر مــن أصيــي قرقنــة مواقعهــم‬
‫يف اإلعــام (مكتوبــة‪ ،‬تلفيزيــون‪ )...،‬ويف الجامعــة للتشــهري بالرشكــة وعــرض‬
‫املطالــب‪.‬‬

‫ويمكــن باالعتمــاد عــى ذلــك أن نقــول إن ثمــة تعــددا للمســتويات املتداخلــة‪:‬‬


‫اتبعــت الحركــة نمــوذج‪ :‬إرضاب‪ -‬احتجاج‪-‬اعتصام‪-‬مواجهــات‪ :‬يف هــذا الخضــم‬
‫تشــتغل آليــات تصعيــد «القيــادات املحليــة املنشــقة»‪ :‬ولذلــك عالقــة بباقــي‬
‫القيــادات السياســية الفاعلــة يف املشــهد الســيايس واالجتماعــي العــام بــدءًا مــن‬
‫األعــى يف أجهــزة الدولــة ثــم ضمــن املجتمــع الســيايس املرتبــط ثــم ضمــن‬
‫املجتمــع املدنــي بأشــكاله القديمــة و الجديــدة وصــوال إىل القــوى االجتماعيــة‪-‬‬
‫السياســية املختلفــة غــر املنتظمــة‪ ...‬ويبــن اشــتغال آليــات تصعيــد القيــادات‬
‫املحليــة املنشــقة نشــوء اإلمكانيــة التاريخيــة لنشــأة «فضــاء عمومــي منشــق»‪:‬‬
‫فقــد كان يف التحــرك مــا هــو مــن مجــال «النقابــي» (العمــال‪ ،‬مصالحهــم‪،‬‬
‫أجورهــم‪ ،‬مواطــن عملهــم‪ )...،‬بمــا كان يفــي مبــارشة إىل اع ت ش‪ ،‬ومــا هــو‬
‫«شــبه نقابــي» («اتحــاد املعطلــن عــن العمــل» الــذي يرفــع شــعارات منهــا‬
‫مــا هــو مــن املجــال النقابــي عــى قاعــدة نــزاع شــغيل ولكــن مــن دون أن‬
‫يكــون نقابيــا باملعنــى التقليــدي للكلمــة) ومنهــا املطلبــي االحتجاجــي العــام‪،‬‬
‫كمــا فيهــا القانونــي الــذي يمكــن أن ينــزاح إىل مــا هــو غــر قانونــي (قيــادة‬
‫االعتصــام) يف عديــد املســتويات‪ ،‬وكلمــا نزلنــا إىل القــاع‪ ،‬نقــرب ممــا هــو‬
‫اجتماعــي منفجــر ويتخــذ شــكال غري قابــل للتأطــر بالتنظيــم التقليــدي وقريب‬

‫‪ 40‬برنامج تليفزيوني (مع مريم بلقايض مقدمة برنامج ‪ 7/24‬عىل قناة الحوار التونيس) بتاريخ ‪.2016-09-20‬‬

‫‪110‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫مــن الالقانونيــة وكلمــا صعدنــا إىل أعــى يكــون تناقــص الســمات الســابقة يف‬
‫اتجــاه نقيضهــا‪ .‬ولذلــك نالحــظ وجــود القانونــي وفيــه االتفاقــات واإلمضــاءات‬
‫والشــهود والضامنــون والتعهــدات بالتنفيــذ الــذي قــد يتــم وقــد ال يتــم‪ ،‬ويف‬
‫القانونــي يمكــن أن يكــون الالقانونــي جزئيــا مــن حيــث الوجــود والحركــة‬
‫واملطلــب وكل ذلــك يجــاوره الالقانونــي كليــا مــن حيــث املطلــب والحركــة‬
‫فقــط مــن دون أن يكــون غــر قانونــي الوجــود (اتحــاد املعطلــن وصــوال إىل‬
‫قيــادة االعتصــام)‪ .‬ويف مســتوى آخــر ثمــة االجتماعــي (يف معنــى غــر الشــغيل)‬
‫والســيايس (يف حضــور الحكومــة واالتحــاد) واإليديولوجــي (النــزاع داخــل‬
‫قيــادة املعطلــن وقيــادة االعتصــام بــن اليســار والجبهــة الشــعبية وحــزب‬
‫التحريــر)‪ ...‬يف اللوحــة العامــة ثمــة مظاهــر كثــرة للنــزاع حــول الرشعيــة بــن‬
‫مختلــف القــوى التــي كنــا نتحــدث عنهــا‪ ....‬وتتســم الفواعــل املؤثــرة يف رســم‬
‫اللوحــة بتجــادل الخصــويص يف املحــي (الرشكــة) واملحــي (قرقنــة برمزيتهــا‬
‫النقابيــة) والوطنــي (األبعــاد السياســية العامــة للقضيــة‪ ،‬تدخــل الحكومــة‪،‬‬
‫تدخــل قيــادة اع ت ش العليــا‪ )،‬والعابــر للحــدود القوميــة (املقــر الرئيــي‬
‫للرشكــة موجــود يف لنــدن وإدارتهــا األساســية موجــودة يف بريطانيــا) والــدويل‬
‫يف معنــى الكونــي عــى اعتبــار أن حســابات الرشكــة معوملــة وهــي تحتســب‬
‫املنافــع واألرضار عــى هــذا املســتوى وليــس عــى املســتوى املحــي وال حتــى‬
‫الوطنــي‪ .‬ويمكــن أن نــرى يف ذلــك مصداقــا للقــول إنــه حتــى يف املعولــم‪ ،‬تــرك‬
‫الرأســمالية «جُ ــ ُز ًرا» مــن االقتصــاد املحــي مــا قبــل الرأســمايل‪ ،‬يف مجــاالت‬
‫الزراعــة والتجــارة وغريهمــا يتنــاوب فيهــا الخدمــي والفالحــي والتجــاري‪...‬‬
‫وبالتــوازي مــع ذلــك‪ ،‬واســتتباعا للنزاعــات التــي ترتافــق مــع األنشــطة التــي‬
‫تشــهدها تلــك الجــزر‪ ،‬تــرك الطبقــة السياســية «الرســمية» ملقاولني سياســيني‬
‫ومناضلــن وناشــطني محليــن هوامــش كبــرة إىل حــد مــا للحركــة واملنــاورة‬
‫بحيــث تتمكــن (الطبقــة السياســية الرســمية) ويتمكن(املقاولــون واملناضلــون‬
‫املحليــون) مــن مالعبــة الســلطة املحليــة وحتــى الوطنيــة القائمــة وبمــا يخلــق‬
‫وضعيــات مالئمــة جــدا لنشــأة القيــادات االجتماعيــة املنشــقة مــن خــال‬
‫تزعمهــا للحــركات االجتماعيــة التــي تندلــع عــى قاعــدة النزاعــات االجتماعيــة‬
‫املختلفــة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫مــن املهــم اإلشــارة إىل اختــاف الخصوصيــات التنظيمية التــي تتبعهــا الحركات‬
‫االجتماعيــة نشــوءا وتركيبــا وحركــة وأثــرا ومجــاال عــن النقابــات (= تنظيــم‬
‫يعتمــد الوحــدة املهنيــة) وعــن األحــزاب (= تنظيــم يعتمــد الوحــدة السياســية)‬
‫وعــن الجمعيــات (= شــكالنية االنخــراط والخضــوع لقانــون أســايس ونظــام‬
‫داخــي مســبق الصياغــة)‪ .‬أمــا فعلهــا فيكــون خصوصيــا مرتبطــا بمهــام‬
‫عاجلــة ومنفتحــا عــى مشــاغل املشــاركني االقتصاديــة واالجتماعيــة والسياســية‬
‫والثقافيــة‪.‬‬
‫يســمح هــذا التنميــط بإيضــاح بعــض األســس التــي يمكــن اســتخدامها يف‬
‫نمذجــة التنظيمــات املواكبــة للحــركات االجتماعيــة والفاعلــة فيهــا واملبنيــة يف‬
‫خضمهــا‪ .‬ولع ـ ّل مــن أبــرز مــا يمكــن أن يُطــوّر يف هــذا الســياق فرضيــة مــا‬
‫نســميه «انتقــاال جيليــا يف صنــع التغيــر االجتماعــي» أساســه ال ظهــور جيــل‬
‫جديــد مــن الفاعلــن (الشــباب) فحســب بــل حملهــم ألفــكار «غــر مســبوقة»‬
‫ســمتها األســاس هــي القطــع مــع املــايض تصــورا وتمثــا وتعبــرا وأشــكاال‬
‫تعبرييــة‪.‬‬
‫مــن هــذا املنظــور‪ ،‬يعتــر انحســار االحتجاجــات االجتماعيــة النقابيــة املنظمــة‬
‫بآفاقهــا املحــدودة ضمــن مجــاالت التحــرك النقابــي التقليــدي مــن بــن‬
‫الدوافــع ملثــل االنفجــارات التــي تذهــب بعيــدا يف اســتجماع مــوارد احتجــاج‬
‫ومطالبــة هــي مــن غــر طبيعــة املــوارد التــي تتوفــر لــدى الحركــة النقابيــة‪:‬‬
‫مــن تنظيــم جاهــز ومــوارد لوجســتية وعملياتيــة مســبقة التحديــد وقــدرات‬
‫تفاوضيــة معلومــة وإمكانيــات ضغــط معينــة ضمــن االقتصــار عــى التعويــل‬
‫عــى مــا هــو مســموح بــه يف قانــون الشــغل‪ . 41‬إن انفتــاح آفــاق املطالبــة‬
‫واالحتجــاج عــى غــر مــا هــو شــغيل يف النزاعــات االجتماعيــة يجعــل مداهــا‬
‫يقــرب مــن التعبئــات التــي ترتســخ يف تاريــخ الطبقــات العاملــة واملســتخدمة‬
‫بوصفهــا محطــات يف البنــاء الهوياتــي الجماعــي بالتضــاد مــع الســمات‬
‫الهوياتيــة الجماعيــة املقننــة يف مثــل الحــركات النقابيــة‪.‬‬
‫وعــى ذلــك يكــون مــن املهــم يف الســياقات االجتماعيــة املتفجــرة مثــل التــي‬
‫نحلــل أن ننظــر إىل املفاوضــة يف معناهــا الشــامل ال عــى أســاس أنهــا بــن‬

‫‪41‬‬
‫‪Sarah Ben Nefissa, Bladine Destremau (dir.), Protestations sociales, révolutions civiles. Transformation‬‬
‫‪du politique dans la Méditerranée arabe, Paris, Revue Tiers-Monde, hors-série numéro 2, Armand Colin,‬‬
‫‪mai 2011, 240 p.‬‬

‫‪112‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫طرفــن فحســب وال عــى أســاس أنهــا ذات بعــد مؤســي فحســب بــل عــى أنها‬
‫مفاوضــة أطرافهــا هــي الحركــة النقابيــة (ومــن بينهــا اع ت ش) مــن جهــة‬
‫والحــركات االحتجاجيــة املطلبيــة غــر النقابيــة مــن جهــة أخــرى والســلطات‬
‫املحليــة (االجتماعيــة (األعــراف واإلدارات (مــع مــا يجمــع بــن االثنــن يف اللجان‬
‫اإلداريــة املتناصفــة)) والسياســية (الســلطة املحليــة السياســية اإلداريــة)‬
‫و(الشــغلية (تفقديــة‪ ،‬اإلدارات الجهويــة للشــؤون االجتماعيــة)) ومــا يجمــع‬
‫االثنــن (مجالــس العــرف)) والســلطات املركزيــة‪.‬‬
‫إن الحركــة النقابيــة مشــتقة مــن نمــوذج الديمقراطيــة التمثيليــة الــذي يخضــع‬
‫إىل آليــات منظمــة للمفاوضــة الجماعيــة املنظمــة مركزيــا يف حــن الحــركات‬
‫االحتجاجيــة املطلبيــة غــر النقابيــة مشــتقة مــن نمــوذج الديمقراطيــة‬
‫أفقــا سياســيا للحــركات االحتجاجيــة املطلبيــة يكــون‬‫املبــارشة‪ .‬ويفتــح ذلــك َ‬
‫عــى مشــارف التغيــر الســيايس ال بفعــل تأثريهــا يف بنــاء الفضــاء العمومــي‬
‫املنشــق فحســب بــل وكذلــك بفعــل امتــداد تأثريهــا ذاك إىل املشــهد الســيايس‬
‫برمتــه‪ ،‬ومــن طريــق غــر معهــودة‪ :‬مــن تحــت‪.‬‬

‫مصادر ومراجع‪:‬‬
‫املصادر واملراجع العربية أو املرتجمة إىل العربية ‪:‬‬ ‫ ‬

‫إبراهيــم‪ ،‬هنــد أحمــد‪« ،‬دور الحــركات االجتماعيــة يف إحــداث الثــورات‪ .‬دراســة حالــة‪ :‬حركــة‬
‫كفايــة ‪6‬ابريــل»‪ ،2012 ،‬الحــوار املتمــدن العــدد‪.3867 1 :‬‬
‫بلهيبــة ياســر‪ ،‬حلقــات يف فهــم الحــركات االجتماعيــة‪ ،‬مركــز الــد راســات والتثقيــف الذاتــي‪،‬‬
‫املغــرب‪ 29 ،‬مــارس ‪ ،2012،‬عــى الرابــط‬
‫‪8A/49-%http://www.lakome.com/%D8%B1%D8%A3%D9‬‬
‫‪8 3 % D 8 % A A % D 8 % A 7 % D 8 % A 8 - %% D 9‬‬
‫البيومــي‪ ،‬إبراهيــم غانــم‪ ،‬الحــركات االجتماعيــة‪ :‬تحــوالت البنيــة وانفتــاح املجــال‪ ،2014 ،‬عــى‬
‫الرابــط‪:‬‬
‫‪article01.shtml/05/http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2004‬‬
‫تيلــي‪ ،‬تشــارلز‪ ،‬الحــركات االجتماعيــة ‪ ،2004-1768‬ترجمــة ربيــع وهبــة‪ ،‬املجلــس األعــى‬
‫للثقافــة‪ ،‬القاهــرة‪.2005 ،‬‬
‫خــر‪ ،‬أحمــد وآخــرون‪ ،‬بيبليوغرافيــا الحــركات االجتماعيــة يف مــر‪ ،‬مؤسســة فريدريــش ناومــن‬
‫مــن أجــل الحريــة بالتعــاون مــع وحــدة دعــم لتقنيــة املعلومــات عــى الرابــط‪www.id3m. :‬‬
‫‪com/D3M/AllAboutNews/.../SocialMovements.pdf‬‬
‫خليــل عــزة (محــررة)‪ ،‬الحــركات االجتماعيــة يف العالــم العربــي‪ ،‬مركــز البحــوث العربيــة‬

‫‪113‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

،2006 ‫ القاهــرة‬،‫ مكتبــة مدبــويل‬،‫ تقديــم ســمري أمــن‬،‫واإلفريقيــة – املنتــدى العاملــي للبدائــل‬
.‫ ص‬552
،‫ مركــز القاهــرة لدراســات حقــوق اإلنســان‬،‫ الحــركات االجتماعيــة الجديــدة‬،‫زهــران فريــد‬
.2007 ،‫ الطبعــة األوىل‬،‫القاهــرة‬
‫»الحــركات االجتماعيــة يف‬،)‫ مــرق (موقــع إلكرتوني‬-‫جســور بوابــة املجتمــع املدنــي مغــرب‬
:‫ عــى الرابــط‬، »‫مــر وبدائــل التغيــر‬
http://www.e-joussour.net/ar/node/2571
‫ مجلــة جامعــة دمشــق للعلوم‬،»‫ «العوملــة والخيــارات العربيــة املســتقبلية‬،‫املنصــور عبــد العزيــز‬
581:559 ‫ ص ص‬، 2009، ‫ العــدد الثانــي‬، 25 ‫ املجلــد‬،‫ دمشــق‬،‫االقتصاديــة والقانونيــة‬
‫ بالتطبيــق‬:‫ الحــركات االجتماعيــة ودورهــا يف عمليــة الحــراك االجتماعــي‬،‫ نهــاد أحمــد‬،‫مكــرم‬
.‫عمــي مــر‬
‫ محمــد‬،‫ الشــباب يف االنتقــال الديمقراطــي بتونــس‬...‫ يريــد ويبــدع مــا يريــد‬،‫ منــر‬،‫الســعيداني‬
.2012 ،‫ تونــس‬-‫ صفاقــس‬،‫عــي الحامــي للنــر‬
،)‫ الســفري العربــي (صحيفــة‬،‫ يف‬،»‫ “الهوامــش رافعــة الحــراك االحتجاجــي يف تونــس‬،‫مللــوم ألفــة‬
4852/http://arabi.assafir.com/Article/25 ‫ عــى الرابــط‬،)2016-04-14( 188 ‫العــدد‬
‫ عــى‬،‫ شــبكة حقــوق األرض والســكان‬،‫ الحــركات االجتماعيــة‬،‫وهبــة ربيــع وشــكال جوزيــف‬
: ‫الرابــط‬
mena.org/arabic/spage.php?id=pXE=#.UUw5gzdLnnU-http://www.hic

:‫املصادر واملراجع الفرنسية واإلنكليزية‬

Ben Nefissa Sarah et Destremau Blandine (dir.), Protestations sociales, révolutions


civiles. Transformation du politique dans la Méditerranée arabe, Paris, Revue
Tiers-Monde, hors-série numéro 2, Armand Colin, Mai 2011, 240 p.
Bourque, Reynald , THuderoz Christian , Sociologie de la négociation, Presses
universitaires de Rennes, coll. « Didact Sociologie », 2011, 274 p.
Diani, Mario, McAdam Doug, eds., Social Movements and Networks: Relational
Approaches to Collective Action, Oxford /New York: Oxford University Press,
2003.
Dupont, Christophe, La Négociation. Conduite, théorie, applications, Paris, Dalloz,
1994.
Eley, Geoff, «Nations, Publics, and Political Cultures: Placing Habermas in the
Nineteenth Century,» in, Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun.
Farge, Arlette, Dire et mal dire. L›opinion publique au XVIIIe siècle, Le seuil, « La
librairie du XXe siècle », Paris, 1992, 318 p.
Frankignoulle, Pierre et Bodson, Edith, « Le campus universitaire comme espace
public : des représentations aux pratiques », in, Etudes de Communication,
Bulletin du Certeic, Espaces publics de la vie ordinaire, Université de Lille 3,

114
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

2ème trimestre 1996, pp. 6188-.


Fraser, Nancy, “Rethinking the Public Sphere: A Contribution to the Critique of
Actually Existing Democracy”, in, Social Text, No. 251990( 26/), pp. 5680-.
Garnham, Nicholas ,»The media and the public sphere», in, Calhoun, Craig (Ed),
Habermas and the Public Sphere, Cambridge, 1992, pp359376-.
Hohendahl, Peter, «Critical Theory, Public Sphere and Culture: Habermas and His
Critics», in, New German Critique, 16 (winter), 1979, pp 89118-.
Laville, Jean-Louis, Une troisième voie pour le travail, Paris, Desclée de Brouwer,
1999.
Orkibi, Eithan, « Critique et engagement dans la rhétorique des mouvements
sociaux », Argumentation et Analyse du Discours [En ligne], 112013-, mis en ligne
le 15 octobre 2013, Consulté le 17 novembre 2016. URL : http://aad.revues.
org/1559
Pacot, Thierry, L›espace de la parole. Réflexion sur deux modèles historiques
d›espace public, in, Hermès, 19921/ n° 10, pp 5769-.
Schudson, Michael, “The Public Sphere and Its Problems: Bringing the State
(Back) In”, in, Notre Dame Journal of Law, Ethics & Public Policy, Volume 8, Issue
2, Symposium on Voice in Government, 2012.
Scott, Robert L. & Donald K. Smith (1969). « The Rhetoric of Confrontation »,
Quarterly Journal of Speech 55 : 1, 18-
Strauss, Anselm, Negotiations. Varieties, Contexts, Processes and Social Order,
Jossey-Bass, San Francisco, 1978.
Tilly, Charles, Social Movements as historically specific clusters of political
performances, Berkeley Journal of sociology, 38 (1994), pp 1:30.
-----------------, The Contentious French, Harvard University Press, Harvard,
1986.
Wolton, Dominique, Les contradictions de l’espace public médiatisé, in, Hermès,
19921/ n° 10, pp 95114-.

:‫املصادر اإللكرتونية‬

http://www.social.tn/fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf
http://www.social.tn/fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf
http://www.social.tn/fileadmin/user1/doc/statistique2013.pdf
http://arabi.assafir.com/Article/25/4852
https://nawaat.org/portail/2014/04/01/%D8%AA%D9%87%D8%A
F%D8%A6%D8%A9-%D8%A5%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A
7%D8%B9%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-

115
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

%D8%A3%D9%83%D8%AA%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B7
%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%BA/
http://ftdes.net/ar/category/%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A
9-%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/ . http://ftdes.
net/rapports/critique-technocrate.pdf
http://www.ftdes.net/rapports/rap2013.pdf)
http://www.tunisien.tn/%D8%AA%D9%88%D9%86%D
8%B3/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-
708-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%83-%D8%A7%
D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%AC%D9%8A-
%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7-608-%D9%81%D9%8A-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84
http://www.tunisien.tn/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3/%
D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-
%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A-
%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%
84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8
%A9-%D9%88%D8%A7-3
https://www.facebook.com/ftdes
http://www.turess.com/echaab/14835
http://www.turess.com/echaab/13265
http://www.turess.com/echaab/14835
http://www.ugtt.org.tn/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9
%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85/
https://nawaat.org/portail/2013/02/19/les-luttes-sociales-en-tunisie-male-
diction-ou-opportunite-revolutionnaire/
https://nawaat.org/portail/2014/06/03/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8
%B3-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D
8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AC%D
8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%88-%D8%A7%D8%B3%
D8%AA%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%81/
http://www.essahafa.info.tn/index.php?id=24&tx_ttnews%5Btt_news-
%5D=58530&tx_ttnews%5BbackPid%5D=6&cHash=0eff76ff1a
http://nawaat.org/portail/2014/12/24/%D9%85%D9%86-
%D8%AD%D9%82%D9%91%D9%8A-
%D9%86%D8%B9%D9%8A%D8%B4-%D8%A8%D9%83%D8%B1%D8%A7
%D9%85%D8%A9-%D9%88-%D9%86%D8%AD%D8%AA%D8%AC/

116
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬
‫مداخلة ‪7‬‬

‫رهانات إعادة هيكلة اإلتّحاد العام التونيس للشغل‬


‫يف سياق سيايس واجتماعي متحوّل‬

‫هالة اليوسفي‬
‫أستاذة محارضة يف جامعة باريس دوفني اختصاص سوسيولوجيا املنظمات‬

‫ســأتط ّرق يف هــذه املداخلــة إىل مظهريــن وســأهت ّم يف البدايــة بالكيفيّــة التــي‬
‫أثّــر بهــا تاريــخ الحركــة النّقابيّــة يف الثقافــة التنظيميّــة لإلتّحــاد العــام‬
‫التونــي للشــغل ثـ ّم ســأعرض التّحديّــات التنظيميّــة لإلتّحــاد العــام التونــي‬
‫ـر عنهــا النّقابيّــون‪.‬‬ ‫ّ‬
‫للشــغل كمــا عـ ّ‬

‫ثقافة تنظيميّة مركزيّة مزيج من التبعيّة واإلستقالليّة‪:‬‬

‫يكشــف مســار الحركــة النّقابيّــة التونســيّة عــن ســمات مميّــزة ســواء يف‬
‫نشــأتها أو يف تطوّرهــا األمــر الــذي خلــق تف ّردهــا يف املشــهد النّقابــي العربــي‬
‫وقــد انطبعــت الحركــة النّقابيّــة التونســيّة دومــا بهيمنــة منظمــة وطنيّــة‬
‫وحيــدة فلــم تكــن التعدديّــة النّقابيّــة ســوى اســتثناءات عابــرة وعرضيّــة غالبا‬
‫الســلطة إلضعــاف قــوّة التعبئــة لــدى اإلتّحــاد العــام التونــي‬‫مــا اســتخدمتها ّ‬
‫للشــغل‪ .‬ويف مــا عــدا ذلــك فــإن الهيمنــة املطلقــة التــي مارســها الحــزب‬ ‫ّ‬
‫الدّســتوري الجديــد والــذي تحــوّل بدايــة مــن ‪ 1964‬إىل الحــزب اإلشــراكي‬
‫السياسـيّة وعــى املجتمــع ستســاهم يف اإلســتبعاد الكيل‬ ‫الدســتوري عــى الحيــاة ّ‬
‫إلشــكاليّة التعدديّــة يف األوســاط النقابيّــة‪ ،‬وإذا كانــت الســلطة تبحــث دومــا‬
‫للشــغل فــإن مختلــف التحـ ّركات‬ ‫الســيطرة عــى اإلتّحــاد العــام التونــي ّ‬ ‫عــن ّ‬
‫اإلجتماعيّــة التــي طبعــت التّاريــخ النقابــي قــد ســاهمت يف بــروز قيمــة ّ‬
‫محفزة‬
‫للنّضاليّــة النّقابيّــة أال هــي املحافظــة عــى اإلســتقالليّة السياســيّة وذاتيّــة‬
‫الســلطة وإزاء املعارضــة أيضــا‪ .‬وهكــذا وعــى خــاف‬ ‫التســيري النّقابــي إزاء ّ‬
‫نقابــات عربيّــة أخــرى مثــل اإلتّحــاد العــام للعمّ ــال الجزائريــن أو اإلتّحــاد‬
‫للســلطة فــإن‬ ‫العــام لنقابــات العمّ ــال املرصيــن التّابعــن تبعيّــة مطلقــة ّ‬

‫‪117‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫اإلتّحــاد العــام التونــي للشــغل تمتــع دومــا بهامــش مــن اإلســتقالليّة إزاء‬
‫جهــاز الحــزب ‪/‬الدّولــة تتفــاوت درجاتــه بحســب الفــرات وقــد نشــأ نــوع‬
‫للشــغل والحــزب‪ /‬الدّولــة‬ ‫مــن العالقــة بــن قيــادة اإلتّحــاد العــام التونــي ّ‬
‫ـش يف غالــب األحيــان بــن اإلســتقالليّة والتبعيّــة ســواء‬ ‫تقــوم عــى تــوازن هـ ّ‬
‫الســلطة أو تجــاه القواعــد النّقابيّــة فمــن جهــة كان قــادة املركزيّــة عــى‬
‫تجــاه ّ‬
‫الســلطة اعتمــادا عــى‬‫درجــة عاليــة مــن الوعــي بقدرتهــم عــى مواجهــة حــزب ّ‬
‫آلــة نقابيّــة منغرســة انغراســا جيّــدا يف النّســيج اإلجتماعــي وتمتلــك فروعــا‬
‫كافــة أنحــاء البــاد ويف الوقــت ذاتــه فــإن هــؤالء القــادة‬ ‫محليّــة وجهويّــة يف ّ‬
‫كانــوا يحجمــون عــن ممارســة املواجهــة بشــكل رصيــح مخافــة الــ ّردود‬
‫للســلطة ومــن جهــة أخــرى فإنّهــم كذلــك ال يســتطيعون الخضــوع‬ ‫االنتقاميّــة ّ‬
‫ك ّليّــا للحــزب اجتنابــا للتصــادم مــع قواعدهــم أو خيانــة مبادئهــم وال ّرســالة‬
‫ّ‬
‫الوطنيّــة التــي أســندوها دومــا ألنفســهم‪.‬‬

‫السياســيّة لقيــادة املركزيّــة النّقابيّــة دائمــا يف‬


‫إذن لقــد تمثلــت االســراتيجيا ّ‬
‫ـش غالــب األحيــان مــن جهــة بــن االصطفــاف يف الخــطّ‬ ‫إيجــاد تــوازن هـ ّ‬
‫الشعيّــة عــى اختياراتهــا اإلقتصاديّــة واإلجتماعيّــة‬ ‫الســيايس للســلطة وإضفــاء ّ‬ ‫ّ‬
‫ومــن جهــة أخــرى الدّفــاع عــن مصالــح العمّ ــال والحفــاظ عــى حــ ّد مــن‬
‫الضغط‬ ‫اإلســتقالليّة لهــذا اتّســم عمــل املركزيّــة النّقابيّــة بثقافــة املراوحــة بــن ّ‬
‫واملفاوضــة‪.‬‬

‫ّ‬
‫بالتدخــل‬ ‫السياسـيّة علنــا وســمحت لهــا‬ ‫الســلطة ّ‬ ‫لقــد دعمــت القيــادة النّقابيّــة ّ‬
‫خاصــة أن عــددا كبــرا مــن املناضلــن‬ ‫ّ‬ ‫املبــارش يف الشــؤون الدّاخليّــة للمنظمــة‬
‫يخضعــون لتعليمــات الحــزب وبإمكانهــم أن يشــكلوا ثقــا هامّ ــا يف املؤتمــر‬
‫أثنــاء االنتخابــات وقــد ظهر انحيــاز القيــادة النّقابيّــة للدّولــة والحــزب بانتظام‬
‫السياســية‬‫وعلنيّــا عنــد تنظيــم بعــض التظاهــرات أو بمناســبة املواعيــد ّ‬
‫واالنتخابيــة غــر أنّــه يف فــرة األزمــات اإلجتماعيــة وحــن تصبــح مصالــح‬
‫ّ‬
‫تتمســك باســتقالليّتها داعمــة‬ ‫العمــال مهـدّدة فــإن القيــادة النقابيــة تقــاوم و‬
‫قواعدهــا مــن أجــل التأثــر عــى التفــاوض مــع الســلطة‪.‬‬

‫إذا كانــت بنيــة العالقــة القائمــة عــى املراوحة بــن التبعيــة واالســتقالليّة ضمن‬
‫إســراتيجيّة املزاوجــة بــن الضغــط واملفاوضــة قــد ســمحت بتغيــر العالقــة‬

‫‪118‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫العضويــة االندماجيــة (اتّحــاد ‪ –/‬حــزب ‪ -‬دولــة) طيلــة الســنوات األوىل‬


‫لالســتقالل فإنّهــا كذلــك قــد ســمحت يف الحفــاظ عــى نــوع مــن االســتقرار‬
‫االجتماعــي و هــذا النــوع مــن العالقــة الفريــدة مــع ســماحه بانفتــاح الحريات‬
‫السياســية والنقابيّــة قــد ســمح عــى النقيــض مــن ذلــك باملحافظــة يف الوقــت‬
‫نفســه عــى النظــام االســتبدادي للســلطة وعــى اســتمراريّة اإلتّحــاد العــام‬
‫التونــي للشــغل كمــا ســمحت هــذه العالقــة مــن جهــة للحــزب واألعــراف‬
‫ومــن جهــة أخــرى لإلتحــاد بممارســة درجــة مــن الهيمنــة ســاعد عليهــا‬
‫الدعــم املتبــادل بينهمــا وقــد راهــن الحــزب عــى قــدرة القياديــن النقابيــن‬
‫عــى الحفــاظ عــى حــدود مقبولــة مــن التعبــر الســيايس املعــارض يف مقابــل‬
‫ـن مــن اإلمتيــازات أمّ ــا املســؤولون النّقابيّــون فإنّهــم مــن جهتهــم‬ ‫عــدد معـ ّ‬
‫السياسـيّة‬ ‫ّ‬
‫كانــوا يتســامحون مــع إدانــة التسـلط ومــع اإلحتجــاج عــى التبعيــة ّ‬
‫يف حــدود مــا كان يســمح لهــم بالحفــاظ عــى رشعيّتهــم واحتــال موقــع‬
‫متميّــز ضمــن التّــوازن الــذي بــوّا اإلتّحــاد مكانتــه باعتبــاره قــوّة ال يســتهان‬
‫بهــا يف ادارة شــؤون الدّولــة وعنــد النّظــر مــن هــذه الزاويــة فإنّــه مــن األيــر‬
‫مؤسســتي االتّحــاد والحــزب الحاكــم أبــدا‬‫فهــم ملــاذا لــم تــؤد املواجهــة بــن ّ‬
‫إىل قطيعــة تامّ ــة بــن املكتــب التنفيــذي والقطاعــات املحتجــة وال إىل الحريّــة‬
‫التامــة يف الحركــة املطلبيّــة لالتحــاد إزاء ّ‬
‫الســلطة‪.‬‬

‫لقــد كانــت االســتقالليّة محــدودة بالتّوافــق الضمنــي عــى تقاســم الســلطة‬


‫بــن البريوقراطيّــة النقابيّــة والحــزب الدّســتوريّ زد عــى ذلــك التبعيّــة املاليّــة‬
‫للشــغل إزاء الدّولــة إضافــة إىل املحافظــة عــى نظــام‬‫لإلتحــاد العــام التونــي ّ‬
‫معقــد جــدّا مــن اإلمتيــازات يقحــم املســؤولني النّقابيــن يف عالقــات والء إزاء‬ ‫ّ‬
‫الســلطة يعــر التخ ّلــص منهــا وهــو مــا يســاهم يف توضيــح اإلبهــام الــذي‬
‫يحيــط بهــذه املســألة‪.‬‬

‫طريقــة يف االشــتغال تعتمــد عــى ثنائيــة اإلســتقالليّة والتبعيّــة هــي‬ ‫هــذه ال ّ‬


‫أن مناضلــن‬ ‫التــي طبعــت كذلــك عالقــة القيــادات النقابيّــة بقواعدهــا ورغــم ّ‬
‫أن احتجاجاتهــم‬ ‫نقابيــن يمكنهــم أن يكونــوا شــديدي االنتقــاد لقياداتهــم إال ّ ّ‬
‫الصــدد التأكيــد عــى ّ‬
‫أن‬ ‫ال تبلــغ أبــدا درجــة القطيعــة‪ ،‬ومــن املفيــد يف هــذا ّ‬
‫املحافظــة عــى وحــدة اإلتّحــاد العــام التّونــي ّ‬
‫للشــغل رغــم األزمــات املتكـ ّررة‬
‫الســلطة يمكــن تفســرها أيضــا بآليّــة االشــتغال الدّاخليّــة للمركزيّــة‬ ‫مــع ّ‬

‫‪119‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ـي‬‫فاإلتّحــاد يمتلــك هيكلــة تراتبيّــة ممركــزة تشــمل أربعــة مســتويات املحـ ّ‬


‫ـراب التونــي‪.‬‬ ‫طــي كامــل الـ ّ‬
‫والجهــوي والقطاعــي والوطنــي تنســج شــبكة تغ ّ‬
‫إن أعــى ســلطة هــي املؤتمــر العــام الــذي ينتخــب املكتــب التّنفيــذي واألمــن‬ ‫ّ‬
‫العــام ويف القاعــدة نجــد النقابــات االساسـيّة او النيابــات النقابيّــة ويف املســتوى‬
‫األوســط نجــد هيكلــن متوازيــن همــا اإلتّحــادات الجهويّــة التــي تنتخــب‬
‫مكاتبهــا يف املســتوى الجهــوي أي الواليــة وترتبــط مركزيّــا باملكتــب التّنفيــذي‬
‫املوســع وكذلــك الجامعــات أو النقابــات العامّ ــة املرتبطــة بمجلــس القطاعــات‬ ‫ّ‬
‫واملش ـ ّكلة عــى أســاس مهنــي وك ّل هــذه التّشــكيالت قاعدتهــا يف النّهايــة هــي‬
‫النّقابــات األساس ـيّة‪.‬‬
‫الســلطة املطلقــة للمكتــب التنفيــذي‬ ‫إن هــذه البنيــة الرتاتبيّــة املمركــزة تدعّ ــم ّ‬‫ّ‬
‫الســلطة نفوذهــا أيضــا مــن اإلمتيــازات التــي‬ ‫وأمينــه العــام وتســتمد هــذه ّ‬
‫تمنحهــا ألطــراف التّحالفــات التــي تعقدهــا يف مختلــف مســتويات التّمثيــل‬
‫فــإن هــذه البنيــة املمركــزة نفســها هــي التــي‬ ‫ّ‬ ‫النقابــي ويف الوقــت ذاتــه‬
‫الصمــود يف وجــه أزمــات داخليّــة‬‫م ّكنــت االتحــاد العــام التونــي للشــغل مــن ّ‬
‫وخارجيّــة كثــرة وحافظــت عــى وحدتــه‪.‬‬

‫ـإن اإلتّحــاد العــام التونــي للشــغل ليــس نقابــة عمّ اليّــة‬


‫مــن جهــة أخــرى فـ ّ‬
‫باملعنــى الكالســيكي للكلمــة فهــو يمتلــك جهــازا بريوقراطيّــا يجمــع أصنافــا‬
‫إجتماعيّــة متنوّعــة ولكنّهــا تنحــدر يف معظمهــا مــن قطــاع الوظيفــة العموميّــة‬
‫ـي مــا جعلهــا قــادرة عــى‬ ‫وتســتم ّد قوّتهــا مــن انغراســها اإلجتماعــي ّ‬
‫والتابـ ّ‬
‫منافســة الحــزب الحاكــم‪.‬‬
‫إن غيــاب إطــار إيديولوجــي صــارم صلــب اإلتّحــاد العــام التونــي للشــغل قــد‬ ‫ّ‬
‫ســمح بتعايــش إتّجاهــات سياسـيّة كثــرة وســاعد عــى عــى تكريــس منطــق‬
‫ـي مــن أجــل التأقلــم مــع تحــوّالت املجتمــع وأدّى إىل ثقافــة توافقيّــة يف‬
‫إصالحـ ّ‬
‫أخــذ القــرار‪.‬‬

‫لقــد ســاعد اإلقتطــاع املبــارش مــن األجــر عــى االنخــراط النّقابــي لألجــراء مــن‬
‫مختلــف األصنــاف وتتـ ّ‬
‫ـول الجهــات املســؤولة تحويــل تلــك املبالــغ املقتطعــة‬
‫للشــغل وهكــذا فاإلشــتغال ّ‬
‫التاتبــي املمركز‬ ‫بعــد ذلــك لإلتّحــاد العــام التونــي ّ‬
‫لإلتّحــاد والوضعيّــة املاليّــة الجيّــدة وإســتمرار النّظــام ّ‬
‫املعقــد لإلمتيــازات داخل‬
‫ظمــة وخارجهــا والــذي يدفــع منخرطــي اإلتّحــاد إىل منطــق «عطــاء مقابــل‬ ‫املن ّ‬

‫‪120‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫عطــاء» إضافــة إىل الثقافــة التوافقيــة لإلتحــاد ك ّل ذلــك عوامــل ســمحت لــه‬
‫باإلســتمرار بإعتبــاره املنظمــة النّقابيــة الوحيــدة و إجهــاض ك ّل محــاوالت‬
‫االنشــقاق‪.‬‬

‫تحدّيات تنظيميّة‪:‬‬

‫ـإن أوّل تحـ ّد يجــب أن يواجهه‬ ‫حســب الـ ّرأي الــذي أجمع عليــه مــن حاورتهم فـ ّ‬
‫اإلتحــاد العــام التونــي للشــغل هــو مــا يســمّ ونه تح ـدّي إعــادة الهيكلــة ويف‬
‫قلــب هــذه اإلعــادة للهيكلــة تقــع مســألة الالّمركزيّــة يف اتّخــاذ القــرار وهــو‬
‫ـرات‬‫رهــان أســايس بالنّســبة للنّقابيــن مــن أجــل تيســر التأقلــم مــع التغـ ّ‬
‫الســماح للنّقابيــن بالتح ـ ّرر مــن‬
‫اإلقتصاديّــة والسياس ـيّة وخاصــة مــن أجــل ّ‬
‫ّ‬
‫الســلطة الضاغطــة للمكتــب التنفيــذي‪.‬‬

‫لقــد أصبحــت البنيــة التقليديّــة الرتاتبيّــة املمركــزة محـ ّل انتقــاد شــديد ألنّهــا‬
‫مثّلــت عائقــا أمــام إرســاء حركيّــة ديمقراطيّــة داخــل اإلتّحــاد العــام التونــي‬
‫رســخت تسـ ّلط البريوقراطيّــة النّقابيّــة عــى املنظمــة لفــرة‬ ‫ّ‬
‫للشــغل كمــا أنّهــا ّ‬
‫الســيايس يف الشــؤون الداخليّــة لإلتّحــاد‬‫تدخــل النّظــام ّ‬‫طويلــة وحافظــت عــى ّ‬
‫وبالفعــل فســلطة األمــن العــام تقــارب مثيلتهــا لــدى رئيــس الجمهوريّــة‬
‫وبفضــل مركزيّــة القــرارات وعــدد مــن اإلجــراءات يف النظــام الداخــي بإمــكان‬
‫األمــن العــام التح ّكــم يف ســر املن ّ‬
‫ظمــة‪.‬‬

‫ومــن بــن اإلجــراءات املركزيّــة التــي انتقدهــا بشــكل واســع مــن حاورتهــم‬
‫نجــد اإلعــان املســبق عــن اإلرضاب قبــل ‪ 10‬أيّــام وهــذا اإلجــراء يجعــل‬
‫موافقــة املكتــب التّنفيــذي ّ‬
‫املوســع املســبقة إجباريّــا لتفعيــل القــرار الــذي‬
‫تتّخــذه نقابــة اساس ـيّة بــاإلرضاب‪ .‬وهــذا اإلجــراء غالبــا مــا يت ـ ّم اســتخدامه‬
‫للســماح للمكتــب التنفيــذي باملحافظــة عــى تح ّكمــه يف النقابــات ومحــارصة‬ ‫ّ‬
‫الغليــان النّقابــي أو مــن أجــل إمضــاء إتّفاقيــات ضــ ّد إرادة املناضلــن‪.‬‬

‫ـإن مركزيــة القــرار التــي تنمّ ــي ســلطة املكتــب التّنفيــذي‬


‫ومــن جهــة اخــرى فـ ّ‬
‫خاصــة يدعمهــا نظــام محكــم البنــاء مــن اإلمتيــازات ‪.‬‬‫ّ‬ ‫وســلطة األمــن العــام‬

‫‪121‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫لقــد اســتمرت ســلطة املركزيــة النقابيــة بفضــل التحالفــات املنســوجة مــع‬


‫النظــام و االمتيــازات املمنوحــة و هــذا املنطــق الزبونــي كان فاعــا كذلــك يف‬
‫الفضــاء النقابــي و ينظــم العالقــات بــن مختلــف درجــات الرتاتبيــة ويحافــظ‬
‫عــى هيمنــة املكتــب التنفيــذي و بذلــك أصبــح الــوالء للبريوقراطيــة النقابيــة‬
‫رشطــا لالنتفــاع باالمتيــازات املمنوحــة و إثبــات النفــوذ داخــل املنظمــة فقــد‬
‫كان إســناد اإللحــاق ملســؤول نقابــي آليــة تجســد جيــدا عمــل هــذا النظــام من‬
‫االمتيــازات فاإلطــار النقابــي امللحــق باملركزيــة ينجــو مــن إكراهــات الشــغل‬
‫و يظفــر بوضــع اجتماعــي يكســبه نوعــا مــن املكانــة االعتباريــة و لهــذا‬
‫فانــه ســيترصف وفــق مــا كان ينتظــره منــه املكتــب التنفيــذي و قــد جعلــت‬
‫املمارســة النقابيــة هــذا اإللحــاق قابــا للســحب خــال فــرة تحمــل املســؤولية‬
‫إذا خيــب اإلطــار النقابــي ظــن القيــادة فيــه أو دخــل يف رصاع مــا معهــا‪ .‬إن‬
‫التحــرر مــن هيمنــة البريوقراطيــة النقابيــة مرتبــط بقــدرة النقابيــن عــى‬
‫إنهــاء نظــام االمتيــازات و يقــرح بعــض النقابيــن تغيــر الهيكلــة باعتبــاره‬
‫حــا يســاعد عــى إرســاء ممارســات ديمقراطيــة فــإذا كان الفصــل العارشمــن‬
‫النظــام الداخــي قــد فــض مشــكلة التــداول عــى القيــادة فــإن املشــكل يظــل‬
‫قائمــا حــن يتعلــق األمــر بمشــاركة بعــض القطاعــات أو الجهــات يف ســرورة‬
‫اتخــاذ القــرار وبصفــة أعــم فــان الشــفافية مطلــب قــار لــدى مــن حاورتهــم‬
‫و يســمح حســب رأيهــم بالقطــع مــع االنحرافــات الزبونيــة‪.‬‬

‫املرحلــة الثوريــة التــي دفعــت بعــض االتحــادات الجهويــة و الجامعــات إىل‬


‫اتخــاذ قراراتهــا بصفــة ذاتيــة دون انتظــار موافقــة املكتــب التنفيــذي يمثــل‬
‫ســابقة هامــة تصــوغ عالقــات جديــدة بــن الهيــاكل الوســطى و القيــادة‬
‫املركزيــة تســتطيع الحــد مــن هيمنــة املكتــب التنفيــذي غــر أن هــذه املهمــة‬
‫ليســت بهــذه الســهولة دون شــك فعمــل االتحــاد العــام التونــي للشــغل‬
‫ارتبــط تاريخيــا بعمــل الحــزب الدولــة الــذي اعتمــد عــى إجــراءات ردعيــة‬
‫مثلمــا اعتمــد بنــاء عالقــات والء إزاء الســلطة إلبقــاء املكتــب التنفيــذي لالتحــاد‬
‫يف وضــع التبعيــة و مــن هــذا املنطلــق فــان تغيــر االتحــاد ال يمكنــه أن يتحقــق‬
‫بمجــرد تغيــر بســيط يف الهيكلــة فــا يمكــن تغيرينظام خــاص جــدا للعالقات‬
‫االجتماعيــة التــي هيكلــت االتحــاد و الحقــل الســيايس التونــي طــوال عقــود‬
‫بــن عشــية و ضحاهــا‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫إن التغيــر املنشــود لالتحــاد العــام التونــي للشــغل يتوقــف عــى تطــور‬
‫الحقــل الســيايس و عــى العقــد االجتماعــي الجديــد الــذي ســيكون محــل‬
‫تفــاوض بــن مختلــف مكونــات املجتمــع التونــي‪.‬‬
‫لقــد كان مجــال انغــراس االتحــاد تاريخيــا يف القطــاع العــام لكــن مســار‬
‫تحريــر االقتصــاد قــد غــر بقــوة بنيــة ســوق العمــل كمــا أن العالقــات‬
‫الشــغيلة تــزداد تأثــرا بنمــو القطــاع الخــاص و هشاشــة الشــغل و لذلــك فــان‬
‫االتحــاد العــام التونــي للشــغل يجــد نفســه يف مواجهــة رضورة أقلمــة هياكلــه‬
‫و أشــكاله التاريخيــة يف النضــال و التفــاوض مــع األوضــاع الجديــدة لســوق‬
‫العمــل‪.‬‬

‫و ممــا يجعــل إعــادة الهيكلــة أمــرا عاجــا ارتفــاع عــدد املنخرطــن بعــد‬
‫انــدالع الثــورة و هشاشــة أوضــاع العاملــن يف القطــاع الخــاص وغيــاب اإلطــار‬
‫القانونــي لذلــك ‪.‬‬

‫يمثــل حضــور املــرأة يف ســلطات القــرار تحديــا تنظيميــا هامــا جــدا أكــد عليــه‬
‫مــن حاورتهــم فــإذا كان القانــون األســايس و النظــام الداخــي لالتحــاد ينــص‬
‫عــى أن كل اتحــاد جهــوي مطالــب بتشــكيل لجنــة للمــرأة العاملــة و إذا كانــت‬
‫النســاء ممثــات بنســبة ‪ % 47‬يف الهيــاكل األساســية و يف النضــاالت النقابيــة‪،‬‬
‫إال أنهــن الزلــن غائبــات عــن املراكــز القياديــة و بالفعــل فحتــى يصبــح الواحــد‬
‫عضــوا يف املكتــب التنفيــذي لالتحــاد عليــه أن يتخطــى عائــق رشط تعــدد املــدد‬
‫النيابيــة لتحمــل املســؤولية النقابيــة يف مســتويات مختلفــة محليــة وجهويــة‬
‫و قطاعيــة و هــذا الــرط يقلــص عــدد النســاء اللواتــي تتوفــر فيهــن رشوط‬
‫الرتشــح و يمنــع بلوغهــن مســتوى القيــادة املركزيــة و املشــكل نفســه مطــروح‬
‫بالنســبة للشــباب أول الرشائــح تــررا مــن هشاشــة العمــل‪ .‬فإضافــة‬
‫إىل ضعــف انتســابهم النقابــي فــان الشــباب غــر قــادر عــى بلــوغ مواقــع‬
‫املســؤولية و تنقســم اآلراء بهــذا الصــدد بــن مــن يــرى رضورة توفــر الخــرة‬
‫لتحمــل هــذا النــوع مــن املهــام يف حــن يعتقــد البعــض األخــر أن الشــباب لــه‬
‫كامــل الحــق يف الوصــول إىل ســلطات القــرار‪.‬‬

‫مــن البديهــي انــه مــن واجــب االتحــاد العــام لتونــي للشــغل مراجعــة‬
‫تنظيمــه حتــى يتأقلــم مــع املحيــط االقتصــادي و االجتماعــي الجديــد و مــع‬

‫‪123‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫تطــور الطبقــة العاملــة و يف الوقــت ذاتــه للتشــجيع عــى حركيــة تنظيميــة‬


‫أكثــر ديقراطيــة أضحــت رضورة ملواكبــة التحــوالت السياســية الراهنــة مثــل‬
‫التعدديــة السياســية و النقابيــة وبــروز مجتمــع مدنــي جديــد و يف املقابل يبقى‬
‫الســؤال قائمــا كيــف يمكــن لهيكلــة جديــدة أن تنتــر عــى منطــق اشــتغال‬
‫انبنــى عــى تــوازن هــش بــن مصالــح قطاعيــة و جهويــة و سياســية نحتــت‬
‫املمارســات النقابيــة نحتــا ؟ و كيــف يمكــن التخــي عــن الهيكلــة املركزيــة‬
‫و الســماح باملزيــد مــن االســتقاللية للهيــاكل مــع الحــد مــن االنحرافــات‬
‫املطلبيــة ودون املســاس بوحــدة املنظمــة التــي أمنتهــا البنيــة املركزيــة الهرميــة‬
‫‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يجــد اإلتحــاد نفســه يف مواجهــة تحديــات هــي أصعــب بــدون شــك مــن‬
‫ســابقاتها‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬تــرز صعوبــة متعاظمــة يف الحفــاظ عــى الوحدة بــن الحــركات اإلجتماعية‬
‫التــي تمثــل الرشائــح األكثــر تهميشــا مثــل املعطلــن عــن العمــل والشــباب‬
‫مــن جهــة واإلتحــاد العــام التونــي للشــغل‪ ،‬الــذي يضمــن مصالــح الفئــات‬
‫الوســطى املنظمــة‪ -‬وهــي الوحــدة التــي شــكلت القــدرة التعبويــة لإلتحــاد‬
‫وقوتــه‪ .‬فبــدل اإلنقســام التاريخــي الــذي كان موجــودا زمــن الديكتاتوريــة‬
‫والــذي كان يضــع القواعــد النقابيــة املطالبــة باإلســتقاللية تجــاه نظــام بــن‬
‫عــي يف مواجهــة املكتــب التنفيــذي املســتتبع بشــكل أو بآخــر للســلطة‪ ،‬ح ـ ّل‬
‫انقســام آخــر اخــرق مجمــل هيــاكل املنظمــة وتبلــور حــول املكانــة التــي‬
‫ينبغــي إعطاؤهــا للمســائل االجتماعيــة ويشــمل يف نفــس الوقــت مســائل‬
‫أخــرى مثــل خصخصــة الخدمــات العموميــة أو مســألة إلغــاء الدين أو مشــاكل‬
‫البطالــة‪.‬‬
‫فآتّســعت الهــوة داخــل االتحــاد بــن أنصــار االكتفــاء بــدور إصالحــي‬
‫متفــاوض عليــه بشــكل تدريجــي وبطــيء ينتــزع تنــازالت مــن النخــب‬
‫السياســية واالقتصاديــة مــن دون تهديــد النظــام االقتصــادي والســيايس ‪ ،‬وبني‬
‫االذيــن يطالبــون اإلتحــاد بموقــف أكثــر حزمــا وذلــك بســبب تفاقــم األزمــة‬
‫اإلقتصاديــة لثقتهــم يف قــوة الحــركات اإلجتماعيــة إضافــة إىل تراجــع قناعتهــم‬

‫‪124‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫بجــدوى التفــاوض مــع النخــب السياســية واالقتصاديــة القائمــة ‪.‬‬

‫تبــن روايــة الثــاث ســنوات األخــرة أن التنظيــم الهرمــي لإلتحــاد وإن مكنــه‬
‫مــن الحفــاظ عــى انســجامه والصمــود يف وجــه األزمــات السياســية املختلفــة‪،‬‬
‫(يتوجّ ــب التذكــر هنــا بأهميــة الفضــاءات الجماعيــة املنظمــة يف ممارســة‬
‫التأثــر الســيايس)‪ ،‬فإنــه بــات عــى املنظمــة أكثــر مــن أي وقــت مــى‪،‬‬
‫مراجعــة هيكلتهــا‪ .‬فاملنظمــة مطالبــة بالتأقلــم مــع الوضــع اإلقتصــادي‬
‫واإلجتماعــي الجديــد وتطــور الطبقــة الشــغيلة وذلــك بتشــجيع ديناميــات أكثر‬
‫ديمقراطيــة قــادرة عــى مواكبــة التغــرات السياســية الجاريــة‪ .‬وهــي إعــادة‬
‫هيكلــة مســتعجلة خاصــة و أن جولــة رسيعــة عــى التنســيقيات الصاعــدة‬
‫والحــركات اإلجتماعيــة الجديــدة‪ ،‬تشــهد عــى بــروز رؤيــة جديــدة للحيــز‬
‫الســيايس تشــكل‪ ،‬يف املســتوى التنظيمــي والفكــري‪ ،‬قطيعــة مــع املنظمــات‬
‫السياســية التقليديــة‪.‬‬

‫فهــي تحــدد لنفســها هدفــا محوريــا يتمثــل بــرب أســس الفصــل املعتــاد بني‬
‫رهانــات التحــول الديموقراطــي والنضــاالت االجتماعيــة‪ ،‬كمــا تشــكل قطيعــة‬
‫نهائيــة مــع نمــط التنظيــم الهرمــي‪ .‬وهكــذا انضمــت التحــركات التضامنيــة‬
‫مــع املعطلــن عــن العمــل إىل حركــة الدفــاع عــن جرحــى الثــورة؛ وارتبــط‬
‫الدفــاع عــن الحريــات الفرديــة ارتباطــا وثيقــا بمطالــب العدالــة اإلجتماعيــة‬
‫وتتفاعــل التعبئــة لفائــدة حقــوق املهاجريــن مــع النقــد املوجــه ضــد إتفاقيــات‬
‫الرشاكــة األورومتوســطية‪.‬‬

‫كل هــذه النضــاالت تحمــل يف طياتهــا بــذور نمــط جديد مــن التعبئــة اإلجتماعية‬
‫والسياســية ذات رســالة واضحــة تتلخــص يف رفــض املثــال النيوليــرايل‬
‫ورشكاءه يف الداخــل والخــارج‪ ،‬وتضــع محــل تســاؤل العالقــات بــن الحيزيــن‬
‫االقتصــادي والســيايس وبــن الزعامــة والعفويــة وبــن العمــل الجماعــي‬
‫الكالســيكي والحــركات الصاعــدة حديثــا وبــن النضــاالت الطبقيــة والحقــوق‬
‫الفرديــة‪ ...‬كل هــذا يعطــي ملراجعــة هيكلــة اإلتحــاد طابعــا اســتعجاليا‪.‬‬
‫(‪ )239‬وبســبب التجــاذب املتجــدد بــن رغبــة االتحــاد العــام التونــي للشــغل‬
‫يف لعــب دورهــام يف الفضــاء الســيايس وبــن رضورة مســاندة الحــركات‬
‫اإلجتماعيــة‪ ،‬ومــا بــن ضغــط شــقه املحافــظ ورضورة اإلســتجابة يف نفــس‬

‫‪125‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الوقــت للتحديــات التنظيميــة الجديــدة‪ ،‬يواجــه اإلتحــاد خطــر فقــدان التــوازن‬


‫بــن مُكوّنيْــه الســيايس والنقابــي واللذيــن يعــود إليهمــا الفضــل يف تشــكيل‬
‫قوتــه مــا يعنــي انهيــار قدرتــه عــى الفعاليــة‪ .‬وإذا كنــا نجهــل الطريــق التــي‬
‫ســتتبعها الحكومــة املقبلــة وإذا كان مــن غــر املجــدي إلقــاء الرهانــات‪ ،‬إال‬
‫أن هنــاك أمــر مؤكــد‪ :‬آنتهــت الحالــة االحتكاريــة للحــزب الحاكــم‪ .‬فهنــاك‬
‫قــوى اقتصاديــة جديــدة وحــركات اجتماعيــة يف طــور التشــكل خــارج ســيطرة‬
‫الحــزب الحاكــم وهــو مــا ســيولد ديناميــات اجتماعيــة جديــدة‪ .‬فاإلتحــاد العام‬
‫التونــي للشــغل بمــا هــو وريــث لتقاليــد نضاليــة إجتماعيــة كبــرة وصاحــب‬
‫تــراث مشـ ّكل للذاكــرة الجماعيــة ومؤســس لرشعيتــه التاريخيــة‪ ،‬يجــد نفســه‬
‫اليــوم عــى مفــرق طــرق ‪ :‬فيمكنــه إدارة تحدياتــه الداخليــة و مواصلــة الدفــاع‬
‫عــن مكانتــه يف الظــرف الســيايس واالقتصــادي املســتجد بــرط أن ينجــح‬
‫يف تجديــد نفســه وإعــادة موضعــة العدالــة االجتماعيــة يف صميــم مرشوعــه‬
‫الســيايس التحــرري الــذي يدافــع عنــه‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫تقارير ورشات‬

‫‪127‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪128‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫إدارة العالقة مع األحزاب واملنظمات ومؤسسات الدولة‬

‫يف ظل النظام السيايس الجديد‪.‬‬


‫تنشيط‪:‬‬
‫‪-‬األخ سمري الشفي‪.‬‬
‫تقرير‪:‬‬
‫‪-‬األخ حسن الودرني‪.‬‬
‫أعضاء الورشة اإلخوة‪:‬‬
‫شكري النفاتي‬
‫‪-‬بشري قصيلة‬
‫‪-‬االزهر الغربي‬
‫‪-‬نورالدين ميالد‬
‫‪-‬وحيد الزواوي‬
‫‪-‬منصف بن حامد‬
‫‪-‬محمد الجويني‬
‫‪-‬عبد اللطيف الحمروني‪.‬‬

‫يقــدم التقريــر أشــغال الورشــة ومــا دار فيهــا مــن نقــاش وتفاعــل بشــكل‬
‫مُدمــج برؤيــة اســترشافية تأخــذ يف االعتبــار املتغــرات الحاصلــة يف البــاد منــذ‬
‫الثــورة ووفــق التخطيــط التــايل‪:‬‬
‫‪ – 1‬مالمح املشهد السيايس قبل الثورة‪.‬‬
‫‪ – 2‬سمات املشهد السيايس الجديد‪.‬‬
‫‪ – 3‬العالقة باألحزاب‪.‬‬
‫‪ – 4‬العالقة باملنظمات‪.‬‬
‫‪ – 5‬العالقة بمؤسسات الدولة‪.‬‬

‫‪ – 1‬مالمح النظام السيايس السابق‪:‬‬ ‫ ‬

‫اتصــف النظــام الســابق بأنــه نظــام شــمويل تمركــزت فيــه كل القــرارات ويف‬
‫مختلــف املجــاالت يف يــد فــرد واحــد يف شــكل ســلطة مطلقــة تحولــت معهــا‬
‫مؤسســات الدولــة إىل مجــرد مؤسســات تزكيــة ومباركــة ليتغــول بذلــك عــى‬

‫‪129‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫وقمعــت الحريــات مــا انعكــس‬ ‫فغيبــت الديمقراطيــة ُ‬ ‫املجتمــع والدولــة معــا‪ُ ،‬‬
‫عــى مختلــف مجــاالت األنشــطة‪ :‬الحريــات واإلعــام ودور املجتمــع املدنــي‬
‫برغــم مظاهــر املقاومــة هنــا وهنــاك وحســب اإلمــكان‪.‬‬
‫يف ظــل هــذا النظــام كانــت عالقــة االتحــاد بمنظمــات املجتمــع املدنــي يســودها‬
‫الحــذر ذلــك ان االتحــاد مطالــب بتحقيــق نتائــج ومكاســب ملنخرطيــه وهــو‬
‫عرضــة يف ذلــك ملســاءلتهم يف حــن ان املنظمــات متحــررة مــن هــذا االلتــزام‬
‫والضغــط ويطغــى عــى نشــاطها االكتفــاء بنــر بالغــات االحتجــاج ولــم‬
‫تتجــاوز اســتفادة االتحــاد مــن هــذا الجانــب االعتبــاري‪.‬‬
‫واقــع كان فيــه تعــداد املنظمــات والجمعيــات يفــوق الثمانيــة آالف ســوادها‬
‫األعظــم ملحــق بأجهــزة النظــام إذا مــا اســتثنينا العــدد القليــل ونخــص‬
‫بالذكــر‪ :‬جمعيــة النســاء الديمقراطيــات – املنظمــة التونســية للدفــاع عــن‬
‫حقــوق اإلنســان – عمــادة املحامــن – جمعيــة النســاء التونســيات مــن اجــل‬
‫البحــث يف التنميــة‪ ،‬جمعيــات كانــت بدورهــا عرضــة للمضايقــة واالضطهــاد‬
‫لتجــد يف العديــد مــن املناســبات يف دُور االتحــاد مجــاال ألنشــطتها ويف املقابــل‬
‫ســاندته يف األزمــات التــي مــر بهــا‪.‬‬
‫خالل هذه املرحلة تعمّ قت لدى النقابيني ثقافة معاداة الحزب الحاكم‪.‬‬

‫‪ – 2‬سمات النظام السيايس الجديد‪:‬‬

‫مــع الثــورة بــدا يتشــكل نظــام ســيايس جديــد يســعى لبنــاء مؤسســات‬
‫ديمقراطيــة وهيئــات دســتورية تضمــن املشــاركة الشــعبية يف الحيــاة العامــة‬
‫تكريســا لحــق املواطنــة الكاملــة وتحقيقــا للحريــات السياســية – ‪ 205‬حــزب‬
‫ســيايس وحــوايل ‪ 16‬ألــف جمعيــة ومنظمة‪-‬وبــدا الحديــث عــن رضورة صياغــة‬
‫منــوال جديــد يم ّكــن مــن تحقيــق أهــداف الثــورة االقتصاديــة واالجتماعيــة يف‬
‫واقــع لــم تعــد فيــه الســلطة ممركــزة يف مؤسســة واحــدة‪.‬‬

‫لــم يكــن تش ـ ُّكل النظــام الســيايس الجديــد سلســا بــل دخلــت البــاد مرحلــة‬
‫مــن التجاذبــات والرصاعــات الحزبيــة واإليديولوجيــة عــى خلفيــة تبايــن‬
‫املشــاريع املجتمعيــة التــي تحملهــا مختلــف األطــراف لينتهــي املطــاف إىل‬
‫صياغــة دســتور جديــد يضمــن مدنيــة الدولــة ويكــرس الحريــات النقابيــة‬
‫ويثبــت مبــدأ املســاواة والتمييــز االيجابــي للجهــات‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ - 3‬العالقة مع األحزاب‪:‬‬

‫يجــب التنبّــه إىل وجــود فــارق بــن التواصــل مــع األحــزاب مــن جهــة وبــن‬
‫الرشاكــة والتعــاون معهــا مــن جهــة أخــرى وذلــك انســجاما مــع طبيعــة‬
‫النظــام الســيايس الجديــد حيــث القــرار مــوزع بــن عــدة مؤسســات وحيــث‬
‫أخــذت معالجــة امللفــات واملشــاكل شــكال أفقيــا بــدأت معــه ثقافــة معــاداة‬
‫الحــزب الحاكــم بشــكل مطلــق غــر م ـرّرة‪.‬‬

‫إن عالقــة االتحــاد مــع األحــزاب يف مجــال بنــاء الرشاكــة والتعــاون تكــون‬
‫بدرجــة التقــاء قيــم ورؤى ومفاهيــم وبرامــج هــذه األحــزاب مــع قيــم ورؤى‬
‫ومفاهيــم وبرامــج االتحــاد يف مختلــف املجــاالت السياســية واالقتصاديــة‬
‫واالجتماعيــة والثقافيــة ويف تصــورات منــوال التنميــة وطبيعته‪-‬الديمقراطيــة‪-‬‬
‫وطبيعــة املــروع املجتمعــي واســتقاللية القــرار وســيادته‪.‬‬

‫مــع التأكيــد عــى التمســك باســتقاللية املنظمــة مهــا كانــت درجــة التطابــق‬
‫والتماهــي والتقاطــع مــع هــذه األحــزاب ورضورة التصــدي ألي شــكل مــن‬
‫أشــكال التوظيــف الحزبــي الــذي قــد تمارســه بمناســبة األنشــطة النقابيــة‪.‬‬

‫‪ – 4‬العالقة مع املنظمات‪:‬‬

‫إن رؤيــة االتحــاد الشــاملة للمــروع املجتمعــي تحــدد طبيعــة العالقــة مــع‬
‫منظمــات وجمعيــات املجتمــع املدنــي مــع رضورة فرزهــا عــى قاعــدة رؤيتهــا‬
‫ومواقفهــا مــن امللفــات التــي تعالجهــا عــى أن تكــون العالقــة معهــا وفــق‬
‫درجــة التقاطعــات يف الربامــج رشيطــة أن تكــون مســتقلة وغــر تابعــة وال‬
‫خاضعــة يف برامجهــا وقراراتهــا وتمويلهــا ألي جهــة مهمــا كانــت طبيعتهــا‪.‬‬

‫ويف هــذا البــاب يجــدر التأكيــد عــى أهميــة أن يســعى االتحــاد إىل تكويــن‬
‫وتشــجيع تكويــن وتبنــي جمعيــات يف مختلــف مجــاالت اهتماماتــه بمــا يشــكل‬
‫رافــدا مدنيــا وســط هــذا النســيج الجمعياتــي املتعاظــم‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ – 5‬العالقة مع مؤسسات الدولة‪:‬‬

‫يُقصــد هنــا بمؤسســات الدولــة‪ :‬مجلــس نــواب الشــعب – املجالــس البلديــة –‬


‫املجالــس املحليــة – املجالــس الجهويــة وهــي مؤسســات يتــم الدخــول إليهــا‬
‫عــر االنتخابــات‪.‬‬

‫✤ ✤توجد ثالث مقاربات يف باب تعامل االتحاد مع مؤسسات الدولة‪:‬‬


‫✤ ✤املقاربــة األوىل‪ :‬رفــض التواجــد والتعاطــي مــع هــذه املؤسســات وهــي‬
‫مقاربــة عدميــة ال مجــال العتمادهــا‪.‬‬
‫✤ ✤املقاربة الثانية‪ :‬التواجد املبارش‬
‫إن التواجــد يف مؤسســات الدولــة حــق دســتوري‪ ،‬لكــن ممارســة هــذا‬
‫الحــق مرتبــط بتوفــر اللحظــة التاريخيــة ورشوطهــا أخــذا بعــن االعتبــار‬
‫الســتقاللية املنظمــة ووحدتهــا وتماســكها ومصالــح منخرطيهــا وعندمــا‬
‫تنضــج هــذه الظــروف للهيئــات النقابيــة ا ُملخــوّل لهــا تحديــد أشــكال‬
‫وآليــات هــذا التواجــد‪.‬‬
‫✤ ✤املقاربة الثالثة‪ :‬التواجد غري املبارش‬
‫يتــم ذلــك عــر اعتمــاد مجموعــات الضغــط ‪ /‬مجموعــات الدعــم كمســاندة‬
‫مرشــح مــا أو قائمــة مــا وفــق دعــم مــروط متبــوع باملحاســبة ذلــك انــه‬
‫ال مجــال ملنــح تفويــض مطلــق‪ ،‬ومــن أوجــه التواجــد غــر املبــارش ‪-‬لكــن‬
‫املؤثر‪-‬متابعــة ومراقبــة عمــل تلــك املؤسســات ومراقبتهــا ســواء مــن خالل‬
‫الجهــد الذاتــي أو بتشــبيك العالقــات مــع املنظمــات والجمعيــات املشــتغلة‬
‫عــى ذات املوضــوع والتــي ينطبــق عليهــا مــا ورد يف بــاب العالقــة‬
‫باملنظمــات والجمعيــات‪.‬‬

‫ختامــا‪ ،‬إن كل مــا تقــدم يبقــى مرشوطــا بمــدى قــدرة وشــجاعة النقابيــن‬
‫عــى تطويــر هيكليتهــم التنظيميــة وابتــكار آليــات وطــرق وأســاليب عمــل‬
‫جديــدة تنســجم مــع طبيعــة التحــوالت التــي يعيشــها مجتمعنــا يف مختلــف‬
‫األصعــدة واملجــاالت‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫سبل النهوض باملرفق العام‬

‫تنشيط‪:‬‬
‫‪-‬األخ األنور بن قدور‬
‫تقرير‪:‬‬
‫‪-‬األخت نعيمة الهمامي‬
‫أعضاء الورشة األخت واإلخوة‪:‬‬
‫‪-‬الشاذيل الهمامي‬
‫‪-‬صالح الدين بنحسني‬
‫‪-‬الصحبي الباسطي‬
‫‪-‬حسني الشارني‬
‫‪-‬سامية اللطيف‬
‫‪-‬محمد نجاري‬
‫‪-‬توفيق الرشيد‬
‫‪-‬رشاد بن يوسف‪-‬‬
‫‪-‬عبد السالم النصريي‬
‫‪-‬خميس صقر‬

‫افتتــح األخ األنــور بــن قــدور الورشــة باإلشــارة إىل أهميــة املوضــوع باعتبــار‬
‫أهميــة املرفــق العــام مركــزا عــى مجموعــة مــن القطاعــات كالتعليــم والصحــة‬
‫والنقــل والربيــد واالتصــاالت والفــوالذ وامليــاه والكهربــاء وبصفــة عامــة‬
‫املنشــآت العموميــة ثــم انتقــل إىل تشــخيص واقــع املرفــق العمومــي الــذي‬
‫اتســم باملظاهــر التاليــة‪:‬‬

‫* تدهور املؤسسة التعليمية واملؤسسة الصحية‬


‫* عــدم تكافــؤ الفــرص يف املؤسســة التعليميــة ســواء بــن التالميــذ أو‬
‫بــن الجهــات خاصــة املناطــق الريفيــة والداخليــة‬
‫* ضعــف التجهيــزات أو انعدامهــا ســواء كان ذلــك يف املؤسســة التعليمية‬
‫أو الصحية‬
‫* ضعف اإلطار مع التمييز بني الجهات‬

‫‪133‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫* ضعف وسائل العمل يف هذه املؤسسات‬


‫* الهجمة الكبرية للخوصصة عىل املرفق العام‬
‫* األعمــال املزدوجــة يف القطاعــن الصحــي والتعليمــي ( اشــتغال اإلطــار‬
‫يف القطاعــن الخــاص والعــام )‬
‫* بداية ظهور املستشفيات الخاصة‬
‫* ضعف التسيري وسوء الترصف يف املؤسسات العمومية‬
‫* الرتدد بني قبول املناولة و الوقوف ضدها‬
‫* ضعف قيمة العمل داخل املؤسسة العمومية‬
‫* تعطل بعض املؤسسات عن العمل أو عن تقديم الخدمات‬
‫* صمت اإلتحاد أمام غلق بعض املؤسسات العمومية‬
‫* عــدم القيــام بعــد بتشــخيص أوضــاع املؤسســة العموميــة داخــل‬
‫منظمتنــا‬
‫* عدم الوعي إىل حد اآلن بأهمية املساءلة اإلجتماعية‬
‫* اإلتحاد ليس له استباق و استرشاف يف هذه املسائل‬
‫* انقطاع الدعم عىل املؤسسة العمومية ( مثال املياه)‬

‫و بعــد التعــرض اىل أهــم املظاهــر الســلبية يف واقــع املرفــق العمومــي طــرح‬
‫املشــاركون األســئلة التاليــة‪:‬‬
‫‪ -‬ماهي سبل النهوض باملرفق العمومي؟‬
‫‪ -‬مــا هــو دور النقابــات يف الحفــاظ عــى املرفــق العــام و يف محاربــة الفســاد‬
‫وإرســاء الحوكمــة الرشــيدة ؟‬
‫و لإلجابة عن هذين السؤالني طرح املشاركون املقرتحات اآلتيه‪:‬‬

‫* ال بــد أن ندافــع عــن املرفــق العمومــي وتكــون البدايــة بالتعليــم‬


‫ألن ّ‬
‫تأخرنــا قــد يــؤدي إىل أن نجــد‬ ‫ّ‬
‫التأخــر ّ‬ ‫والصحــة مــع رضورة عــدم‬
‫أنفســنا أمــام العجــز عــن اإلصــاح‬
‫* رضورة الحفــاظ عــى حقــوق العمــال وعــى أدوات ووســائل العمــل‬
‫وعــى ثقافــة العمــل وعــى ديمومــة املرفــق العمومــي‬
‫* رضورة وقــوف اإلتحــاد ضــد خوصصــة القطــاع العــام بعيــدا عــن‬
‫الشــعارات‬

‫‪134‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫* ال بد أن يكون اإلتحاد سباقا يف الدفاع عن املؤسسات العمومية‬


‫* رضورة أن تكــون لإلتحــاد قــراءات جديــدة وخريطــة طريــق للتصــدي‬
‫للتفريــط يف املرفــق العمومــي‬
‫* رضورة توجــه اإلتحــاد إىل الشــعب بأكملــه و إقامــة تحالفــات مــع‬
‫املجتمــع املدنــي و مــع األحــزاب و إقامــة ترابــط مــع الربملــان و التصــدي‬
‫لتدهــور املرفــق العمومــي فالحفــاظ عــى القطــاع العــام مهمــة وطنيــة‬
‫ســواء كانــت يف الصحــة أو يف التعليــم أو يف النقــل أو يف الربيــد و اإلتصاالت‬
‫أو يف امليــاه و الكهربــاء‬
‫* رضورة تواجــد النقابــات القطاعيــة داخــل مجالــس إدارة هــذه‬
‫القطاعــات‬
‫* رضورة مراجعة القوانني األساسية‬
‫* رضورة التكثيــف مــن الدراســات و ضبــط اإلحصائيــات و تكويــن‬
‫النقابيــن يف ذلــك‬
‫* إعتماد اإلتحاد اإلعالم للدفاع عن القطاع العام‬
‫* املطالبــة بفتــح امللفــات الخاصــة باملرفــق العــام وحضورهــا مــن قبــل‬
‫النقابيــن يف اإلذاعــات والقنــوات التلفزيــة‬
‫* إقامــة حمــات تحسيســية وتوعويــة للدفــاع عــن املرفــق العــام بــن‬
‫النقابيــن واملجتمــع املدنــي و أفــراد الشــعب‬
‫* وضع اسرتاتيجية نقابية ملقاومة الفساد‬
‫* الوقــوف ضــد مؤسســات املناولــة و التصــدي للمغالطــات يف هــذا‬
‫الصــدد‬
‫* التصــدي لخوصصــة مؤسســات القطــاع العــام و تقديــم البديــل مــن‬
‫أجــل اإلصــاح و التطويــر‬
‫* رضورة تحمل مسؤولياتنا كنقابيني يف دفاعنا عن املرفق العمومي‬
‫* تكريس ثقافة العمل و اإلنتماء للمؤسسة بدءا بأنفسنا‬
‫* التنسيق مع هيئات مكافحة الفساد وذلك بتقديم امللفات‬

‫‪135‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ال بــد أن ال نكتفــي برفــع الشــعارات للدفــاع عــن القطــاع العــام بــل يجــب أن‬
‫نتحمــل مســؤولياتنا يف العمــل مــن أجــل ذلــك و متابعــة التنفيــذ ومراقبتــه‬

‫* رضورة بعــث مجلــس علمــي مــن قبــل اإلتحــاد لطــرح هــذه املســائل‬
‫وأخــذ مواقــف فيهــا بضبــط اســراتيجية واضحــة تنــص عــى االعــراف‬
‫باألزمــة و تشــخيصها و ضبــط أهــداف تُــوازن بــن املردوديــة االجتماعية‬
‫واملردوديــة اإلقتصاديــة و تعمــل عــى ضبــط مقاييــس للحوكمــة‬
‫الرشــيدة يف هــذه املؤسســات ومقاومــة الفســاد يف اإلدارة و الحفــاظ عــى‬
‫مرفــق عــام يضمــن تكافــؤ الفــرص و يقــدم الخدمــة الالئقــة‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫أنظمة التقاعد يف تونس بني ضمان التوازنات املالية‬


‫واملحافظة عىل الحقوق املكتسبة‬

‫تنشيط‪:‬‬
‫‪ -‬األخ عبد الكريم جراد‬
‫تقرير‪:‬‬
‫‪ -‬األخت حياة اليعقوبي‬

‫أعضاء الورشة األخت واإلخوة‪:‬‬


‫‪ -‬وسيلة النفطي‬
‫‪ -‬معز زعب‬
‫‪ -‬فتحي العبيدي‬
‫‪ -‬عمر قويدر‬
‫‪-‬مرشد اللواتي‬
‫‪ -‬الحبيب الحزامي‬
‫‪ -‬فتحي الروييس‬
‫‪ -‬ماهر الساملي‬

‫افتتــح األخ عبــد الكريــم جــراد تنشــيط الورشــة بالتوقــف عنــد عنــوان الورشــة‬
‫ليــرز مــا يعنيــه مــن بحــث عــن معادلــة تبــدو صعبــة بــن‪:‬‬
‫ضمــان التوازنــات املاليــة يف أنظمــة التقاعــد مــع املحافظــة عــى الحقــوق‬
‫املكتســبة مــن أجــل إيجــاد إجابــات‪.‬‬
‫لكــن هــذا يتطلــب يف رأيــه يف مرحلــة أوىل إعطــاء بعــض املعطيــات واملفاهيــم‬
‫األوليــة حــول الوضــع الحــايل للصناديــق‪ ،‬ثــم كيــف ســتكون هــذه التوازنــات‬
‫يف املســتقبل إذا وقــع الحفــاظ عــى الترشيعــات الحاليــة؟ وهــو مــا تكفــل‬
‫بتقديمــه‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫وتمحور عرضه حول النقاط التالية‪:‬‬

‫← ←األســباب العميقــة لتدهــور الوضعيــة املاليــة للصناديــق االجتماعية‬


‫ّ‬
‫ولخصهــا يف التايل‪:‬‬
‫← ←برنامــج اإلصــاح الهيــكيل لســنة ‪ 1986‬ومــا نتــج عنــه مــن‬
‫تفويــت يف املؤسســات العموميــة وطــرد العمــال واإلحالــة عــى‬
‫التقاعــد املبكــر‪.‬‬
‫← ←تراجع قدرة االقتصاد الوطني عىل إحداث مواطن شغل‪.‬‬
‫← ←ظهور أنماط جديدة للتشغيل تتسم بالهشاشة‪.‬‬
‫← ←الترصف غري الرشيد يف االحتياطات واالستثمارات‪.‬‬
‫← ←تراكم الديون بذمة الدولة واألعراف يف القطاع الخاص‪.‬‬
‫← ←تنامي االقتصاد غري املنظم‪.‬‬

‫ثــم عــرض األخ عبــد الكريــم جــراد جملــة مــن الرســوم البيانيــة تخــص‬
‫معطيــات ونتائــج حــول واقــع الصناديــق االجتماعيــة مثــل‪:‬‬

‫املــؤرش الديمغــرايف بالصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة االجتماعيــة ( مــن‬


‫‪ 2009‬إىل ‪ )2016‬ثــم النتائــج النهائيــة لنظــام التقاعــد ثــم النتائــج النهائيــة‬
‫للصنــدوق‪ ،‬ثــم املــؤرش الديمغــرايف بالصنــدوق الوطنــي للضمــان االجتماعــي‪.‬‬
‫وكذلــك النتائــج النهائيــة لفــرع الجرايــات لكافــة األنظمــة التــي يديرهــا‬
‫الصنــدوق‪ .‬تمامــا مثلمــا اســتعرض النتائــج النهائيــة لنظــام التأمــن عــى‬
‫املــرض والنتائــج النهائيــة لنظــام حــوادث الشــغل واألمــراض املهنيــة والنتائــج‬
‫النهائيــة للصنــدوق‪.‬‬

‫بعــد هــذا االســتعراض البيانــي تنــاول املنشــط رشح قاعــدة احتســاب الجرايــة‬
‫يف القطاعــن العمومــي والخــاص‪.‬‬

‫وقــد كان هــذا االســتعراض تمهيــدا للحديــث عــن تطــور النتائــج النهائيــة‬
‫حســب الترشيــع الجــاري بــه العمــل للصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة‬
‫االجتماعيــة ورصــد‪ :‬تطــور معــدل الجرايــات حســب الترشيــع املعمــول بــه‬
‫للصنــدوق الوطنــي للتقاعــد ثــم تطــور نســب املســاهمات الســنوية الرضوريــة‬

‫‪138‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫لتحقيــق التوازنــات املاليــة لنظــام التقاعــد يف القطــاع العمومــي‪.‬‬


‫إن تشــخيص واقــع الصناديــق عمومــا والصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة‬
‫االجتماعيــة عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬مثّــل مرحلــة رضوريــة لــأخ عبــد الكريــم‬
‫جــراد ليعــرض الحلــول التــي تطرحهــا الســلطة لحــل أزمــة التوازنــات املاليــة‬
‫داخــل الصنــدوق وتتمثّــل يف‪:‬‬

‫← ←الرتفيع يف املساهمات‬
‫← ←الرتفيع يف سن اإلحالة عىل التقاعد‬
‫← ←مراجعة األجر املرجعي‬
‫← ←تخفيض نسبة احتساب الجراية‬
‫← ←مراجعة التعديل اآليل للجرايات‬
‫← ←تنويع مصادر التمويل‬

‫ويف مرحلــة أخــرة مــن العــرض طــرح املنشــط جملــة مــن النقــاط للنقــاش يف‬
‫شــكل أســئلة كالتــايل‪:‬‬

‫إىل أي مدى يؤثّر الرتفيع يف سن التقاعد عىل التشغيل؟‬


‫أليس من حق البعض العمل بعد سن التقاعد الحالية؟‬
‫هل ينطبق مفهوم الحقوق املكتسبة عىل املنتدبني الجدد؟‬
‫هل يمكن ضمان التوازنات دون املساس بالحقوق املكتسبة؟‬
‫ماهي مصادر التمويل التي يمكن إحداثها؟‬
‫كيف يتم استيعاب القطاع املوازي؟‬
‫كانت هذه األسئلة فاتحة لبداية النقاش بني املتدخلني؟‬

‫النقاش‬

‫حمّ ــل جــل املتدخلــن الدولــة مســؤولية الواقــع الحــايل للصناديــق وعجزهــا‬
‫(بيــع املؤسســات ونقلهــا‪ -‬التســامح يف خــاص ديــون الصناديــق‪ -‬تحمّ ــل‬
‫عــبء األنظمــة الخصوصيــة ألعضــاء الحكومــة والــوالة وأعضــاء مجلــس‬
‫النــواب اىل حــدود ســنة ‪ )2002‬وبعــد هــذا التاريــخ لــم تعــد نتائجهــا تثقــل‬
‫كاهــل الصنــدوق مبــارشة ( أصبــح العجــز يٌمــوّل مــن ميزانيــة الدولــة ال‬

‫‪139‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫الصنــدوق)‪ ،‬بــل إن املجموعــة الوطنيــة هــي التــي تتحملهــا‪ .‬والبــد مــن حزمــة‬
‫مــن اإلجــراءات تقــوم بهــا الدولــة للحفــاظ عــى التوازنــات‪.‬‬

‫مــن ذلــك معالجــة النقــص والتجــاوزات يف مجــال املراقبــة عــى خــاص‬


‫مســتحقات الصناديــق ( تحفيــز املراقبــن مثــا ووضــع قانــون أســايس خــاص‬
‫بهــم)‪ .‬وباملقابــل فعــى الدولــة أن تســاهم يف أنظمــة الضمــان االجتماعــي وهــو‬
‫مــا حصــل يف ‪ 2016‬عندمــا نجــح االتحــاد يف جعــل الدولــة تتكفــل بتمويــل‬
‫ديــون بعــض املؤسســات العموميــة لفائــدة صنــدوق الضمــان االجتماعــي‪ .‬بــل‬
‫إنــه نجــح يف جعــل امليزانيــة التكميلــة لســنة ‪ 2016‬تخصــص ‪ 300‬مليــارا لدعم‬
‫الصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة االجتماعيــة للتقليــص مــن ديــون بعــض‬
‫املؤسســات العموميــة لفائــدة الصنــدوق‪ .‬ويف مــروع ميزانيــة ‪ 2017‬تــم‬
‫تخصيــص ‪ 500‬مليــار تحــت عنــوان دعــم اســتثنائي‪ .‬لكــن مــن الــروري‬
‫مراجعــة وإلغــاء األنظمــة الخصوصيــة وعــدم تكفــل الدولــة بهــا‪.‬‬
‫أكــد بعــض املتدخلــن عــى رضورة عــدم التمييــز يف نظــام التقاعــد بــن‬
‫القطاعــن العــام والخــاص خصوصــا يف ظــل الواقــع الهــش للتشــغيل وعــدم‬
‫االســتقرار والتجــاوزات التــي يأتيهــا املؤجــرون يف مجــال خــاص الصناديــق‬
‫(‪ 25%‬فقــط مــن املؤجريــن يف القطــاع الخــاص يرصحــون بـــ ‪ 4‬ثالثيــات)‬
‫وتالعــب يف تشــغيل املتقاعديــن فالبــد مــن مراجعــة احتســاب التقاعــد لفائــدة‬
‫املنظوريــن ال ضدهــم‪.‬‬
‫توســع املتدخلــون يف نقطــة تنويــع مــوارد الصنــدوق واســتخالص ديــون‬
‫‪.CNAM‬‬

‫وأكــد األخ عبــد الكريــم جــراد يف هــذا الســياق عــى وجــود ديــون غــر قابلــة‬
‫لالســتخالص‪ ،‬وأخــرى قابلــة لالســتخالص تقـدّر بـــ حــويل ‪ 1600‬مليارلفائدة‬
‫ـن العوائــق الترشيعيــة تحــول دون‬‫الصنــدوق الوطنــي للضمــان االجتماعــي‪ .‬لكـ ّ‬
‫عمليــة اســتخالصها‪ .‬تمامــا مثــل وجــود نقــص يف املراقبــن ال يمكــن تغطيتــه‪.‬‬

‫التوصيات‬

‫أكــد أعضــاء الورشــة مــن خــال نقاشــهم عــى جملــة مــن الحلــول من شــأنها‬
‫أن تضمــن التوازنــات املاليــة ألنظمــة التقاعــد وجــاءت يف شــكل توصيــات ومــن‬

‫‪140‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫أ همها ‪:‬‬

‫✤ ✤إن الحلــول املطروحــة املمكنــة ال تكــون بصفــة منفــردة بــل يجــب‬


‫اتخــاذ جملــة مــن االجــراءات معا‪.‬‬
‫✤ ✤ال مخــرج لحــل أزمــة الصناديــق إال بالعمــل عــى اســتخالص‬
‫الديــون واســتقالل كل صنــدوق عــن اآلخــر «ماليــا» عــى‬
‫مســتوى جمــع املســاهمات الراجعــة لــكل صنــدوق حتــى يتحمــل‬
‫مســؤوليته لــدى املؤجريــن يف القطــاع الخــاص والدولــة‪.‬‬
‫✤ ✤رضورة تكفــل الدولــة بديــون املؤسســات العموميــة التــي تشــكو‬
‫صعوبــات ( النقــل– الحلفــاء‪ -‬الرشكــة الوطنية للســكك الحديدية)‬
‫لفائــدة الصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة االجتماعية‪.‬‬
‫✤ ✤التمديــد يف ســن التقاعــد هــو حــل مــن الحلــول لكــن ال يكــون‬
‫بمعــزل عــن الحلــول األخــرى‪ .‬وإذا أعتمــد فيبقــى اختياريــا أو‬
‫يرتبــط مثــا بســنوات العمــل عــى غــرار تجــارب دول أخــرى يف‬
‫العالــم‪.‬‬
‫✤ ✤تكفــل الدولــة بديــون الصنــدوق الوطنــي للتقاعــد والحيطــة‬
‫االجتماعيــة لفائــدة الصنــدوق الوطنــي للتأمــن عــى املــرض‪.‬‬
‫✤ ✤الزيــادة يف مســاهمات الدولــة بـــ نســبة ‪( 2%‬وهــو مــا ســبق‬
‫ووافــق عليــه مجلــس إدارة الصنــدوق ورفضتــه وزارة املاليــة‬
‫التــي رأت أن ترفيــع املســاهمة يجــب أن يكــون مــن الطرفــن)‪.‬‬
‫✤ ✤مســاهمة الدولــة يف تمويــل أنظمــة الضمــان االجتماعــي بصفــة‬
‫قــارة وهــو موجــود يف جــل دول العالــم‪.‬‬
‫✤ ✤تنويــع مصــادر التمويــل وإيجــاد حلــول لتنميــة هــذه‬
‫املــوارد مثــل فــرض القيمــة املضافــة عــى بعــض املشــريات‬
‫( ‪ T .V .A % 1‬مثــا يوفــر حــويل ‪ 300‬مليار ســنويا) واالســتثمار‬
‫يف العقــارات ‪...‬الخ‪.‬‬
‫✤ ✤ترشيد النفقات‬

‫وقــد أكــد األخ عبــد الكريــم جــراد عــى إمكانيــات االتحــاد املعلوماتيــة اآلن يف‬
‫رصــد وتقييــم أي مقــرح للدولــة يف إصــاح الصناديــق عــر‪ :‬نموذج إســقاطات‬
‫‪ un modèle de projection‬وهــو نمــوذج رائــد خــاص باالتحــاد العــام‬

‫‪141‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫التونــي للشــغل‪ .‬كمــا أكــد املتدخلــون عــى رضورة الترسيــع يف إيجــاد حلــول‬
‫والتفاعــل اإليجابــي مــع كل املقرتحــات املقدمــة‪ .‬فضمــان التوازنــات ال يكــون إال‬
‫عــى املــدى البعيــد واإلصــاح يكــون تدريجيــا إليقــاف نزيــف النتائج الســلبية‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫متطلبات الفعل اإلعالمي واالتصال بني الواقع واملنشود‬

‫يف ظل النظام السيايس الجديد‪.‬‬


‫تنشيط‪:‬‬
‫‪-‬األخ سامي الطاهري‬
‫تقرير‪:‬‬
‫‪ -‬األخ عبد الجبار الرقيقي‬
‫أعضاء الورشة األخوات واإلخوة ‪:‬‬
‫‪ -‬فضيلة املليتي‬
‫‪ -‬محمد األمني التونيس‬
‫‪ -‬فاطمة بن فضيلة‬
‫‪ -‬محمد بلخري‬
‫‪ -‬محي الدين الحمزاوي‬
‫‪ -‬ناجية الربهومي‬
‫‪ -‬رايض بن حسني‬
‫‪ -‬فوزي بركاتي‪.‬‬

‫كمــا حــر األخــوان ســامي العــوادي و بلقاســم العيــاري قســما مــن أشــغال‬
‫الورشــة وســاهما يف مداوالتهــا‪.‬‬

‫اهتمــت هــذه الورشــة برصــد وضــع مختلــف املقوّمــات األساســية للفعــل‬


‫اإلعالمــي و االتصــال و مــدى وعينــا بهــا و تمثلنــا ألهميتهــا و مــدى قدرتنــا‬
‫عــى توظيفهــا لخدمــة أهــداف االتحــاد العــام التونــي للشــغل‬
‫و هــذا الرصــد مــردّه الوعــي املتنامــي صلــب منظمتنــا يف مختلــف مســتوياتها‬
‫بمــا يعــري فعلنــا اإلعالمــي و أداءنــا االتصــايل مــن شــوائب ومــن اآلثــار‬
‫الســلبية التــي يمكــن أن تنجـ ّر عــن القصــور يف اإلعــام الــذي طبــع أداء املنظمة‬
‫و اتصالها‪.‬‬
‫كمــا اهتمــت الورشــة يف مســتوى ثــان بعــد الرصــد و التقييــم باقــراح‬
‫التعديــات الرضوريــة ورســم أهــم مالمــح املنشــود مــن الفعــل اإلعالمــي‬
‫و االتصال صلب االتحاد العام التونيس للشغل‪.‬‬
‫و تجــدر املالحظــة أن الحيّــز الزمنــي املخصــص لهذه الورشــة ال يســمح ســوى‬

‫‪143‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫باالهتمــام باملالمــح العامــة وباملقوّمــات األساســية ملســألة اإلعــام و االتصــال يف‬


‫حــن أن املســالة بتفاصيلهــا وجزئياتهــا املتشــعبة تحتــاج إىل طرحهــا يف نــدوة‬
‫متخصصــة تنفــرد بهــا‪.‬‬
‫ـر علينــا إدراك املســألة بمختلــف‬ ‫و قــد انتهجنــا يف هــذه الورشــة مســلكا يـ ّ‬
‫جوانبهــا دون التــو ّرط يف التفاصيــل و الهوامــش و ذلــك بضبــط املقوّمــات‬
‫األساســية للفعــل اإلعالمــي واالتصــايل مــع املراوحــة عنــد تنــاول كل مقــوّم‬
‫بــن رصــد املوجــود و نقــده و بــن التعديــل و رســم أهــم مالمــح املنشــود‬
‫حتــى يضطلــع الفعــل اإلعالمــي و االتصــال بالــدور املنــوط بعهدتــه أي‬
‫املســاهمة يف تحقيــق أهــداف االتحــاد عمومــا و تجويــد صورتــه لــدى الــرأي‬
‫العــام الوطنــي ‪.‬‬
‫و قد أجملنا املقوّمات األساسية يف خمس هي التالية ‪:‬‬
‫‪ 1-‬الخطاب اإلعالمي و االتصايل (الرسالة ‪ -‬املضمون )‬
‫‪ 2-‬مصدر الخطاب ( املسؤول النقابي )‬
‫‪ 3-‬قناة االتصال (الوسائل املختلفة املعتمدة)‬
‫املتلقي (الرأي العام النقابي – الجمهور عموما)‬ ‫ّ‬ ‫‪4-‬‬
‫الصــدى (ردود الفعــل املختلفــة و مــدى تأثــر الرســائل‬ ‫‪ 5-‬رجــع ّ‬
‫املبثوثــة)‬

‫‪ .I‬الخطاب اإلعالمي و االتصايل ‪:‬‬ ‫ ‬

‫اتســم الخطــاب اإلعالمــي و االتصــايل عمومــا رغــم بعــض االســتثناءات‬


‫بمجموعــة مــن العيــوب والنواقــص يمكــن إجمالهــا يف اآلتــي ‪:‬‬
‫ *ضعــف نســبي للوعــي العــام بخطــورة الخطــاب اإلعالمــي و االتصــال يف‬
‫عمــل االتحــاد ‪.‬‬
‫ *غموض إسرتاتيجية واضحة يف املجال اإلعالمي و االتصايل ‪.‬‬
‫ *نقص اإلعداد املسبق ملضامني دقيقة يف الخطاب اإلعالمي و االتصايل ‪.‬‬
‫ّ‬
‫واملتخصصة ‪.‬‬ ‫ *االفتقار للموارد البرشية املحرتفة‬
‫ *اتّصــاف الخطــاب اإلعالمــي و االتصــايل نتيجــة النواقــص الســابقة بعيــوب‬
‫كثــرة لعــل أهمهــا ‪ :‬االرتجــال – االنفعاليــة – التضــارب – التربيــر –‬
‫التعميــم – غلبــة اللغــة الخشــبية املمجوجــة – انعــدام التماســك – ضعــف‬
‫الحجــج املقنعــة – الوقــوع يف املغالطــة – اإلطنــاب‬

‫‪144‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫ظيا للخطــاب اإلعالمــي خصوصــا يف املســتوى القطاعــي‬ ‫ *كمــا نالحــظ تش ـ ّ‬


‫والجهــوي واملحــي و مــا ينجــ ّر عــن ذلــك مــن مشــاكل و تجــاوزات‬
‫و حتى أزمات ‪.‬‬
‫و لتجاوز أهم هذه العيوب و النواقص نقرتح ‪:‬‬
‫ *إفــراد املســؤول املنتخــب بــاإلرشاف الســيايس عــى الشــأن اإلعالمــي‬
‫ّ‬
‫املتخصصــة‬ ‫و االتصــايل يف االتحــاد مــع توفــر املــوارد البرشيــة املحرتفــة و‬
‫لتتـ ّ‬
‫ـول تنفيــذ مــا تـ ّم رســمه يف السياســة اإلعالميــة و االتصاليــة ‪.‬‬
‫ *ضبط إسرتاتيجية واضحة يف مجال اإلعالم و االتصال تمكنّنا من ‪:‬‬
‫‪-‬إعداد حريف ملضمون الخطاب اإلعالمي واالتصايل‬
‫‪-‬ضبــط خطــة دقيقــة للفعــل اإلعالمــي ‪ +‬تحديــد الغايــات و األهــداف‬
‫مــن هــذا الفعــل تحديــد الجمهــور املســتهدف مــن اإلعــام و االتصــال‬
‫يخصــص لــكل منهــا خطــاب محــدّد‬ ‫ّ‬ ‫و تصنيفــه لرشائــح متنوعــة‬
‫تحديــد الكيفيّــات املثــى لالتصــال‬
‫‪-‬تحديد املناسبات املواتية لالتصال ‪.‬‬
‫كمــا يحتــاج هــذا الخطــاب اإلعالمــي واالتصــايل يف تعديلــه وإصالحــه عاجــا‬
‫إىل‪:‬‬
‫‪ -‬اعتماد الرصاحة‬
‫‪ -‬االعرتاف باألخطاء إن وجدت‬
‫‪ -‬االعتذار عند االقتضاء‬
‫‪ -‬انتهاج أقىص ما يمكن من الدقة‬
‫‪ -‬اعتماد االختصار يف غري إخالل‬
‫‪ -‬التزوّد بأقىص ما يمكن من الحجج‬
‫تدفق الخطاب‬‫‪ -‬الحرص عىل التح ّكم يف ّ‬
‫و توجــد بعــض اآلليــات التي تســاعد عــى ترشــيد الخطــاب اإلعالمــي واالتصايل‬
‫يف مختلــف مســتوياته مثــل البيانــات أو القــراءات املقدّمــة للمواقــف إضافــة‬
‫امللخصــات اإلعالميــة التــي يــزوّد بهــا قســم اإلعــام الجهــات و القطاعــات‬ ‫إىل ّ‬
‫منصــة التواصــل الداخليــة املوضوعــة عــى‬ ‫فضــا عــن الصفحــة الرســمية و ّ‬
‫ذمّ ــة عــدد مــن الهيــاكل‪.‬‬

‫و مــن املـ ّ‬
‫ـؤشات عــى تنامــي الوعــي داخــل االتحــاد بــرورة التعجيل برتشــيد‬
‫الفعــل اإلعالمــي واألداء االتصــايل بالنظــر لشــدة خطورتــه انــه منــذ ســتة‬

‫‪145‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أشــهر تقريبــا أصبــح الظهــور اإلعالمــي ألعضــاء املكتــب التنفيــذي الوطنــي‬


‫يتــ ّم بالتشــاور املســبق كمــا تــ ّم تزويــد أعضــاء املركزيــة النقابيــة بوثيقــة‬
‫حــول توحيــد الخطــاب اإلعالمــي العتمادهــا يف تدخالتهــم يف وســائل اإلعــام‬
‫املختلفــة‬
‫كمــا وقــع ضبــط محتــوى عــام يعتمــده أعضــاء املكتــب التنفيــذي الوطنــي يف‬
‫تدخالتهــم إثــر إمضــاء االتفــاق األخــر ملزيــد تثمــن دور االتحــاد و الرفــع مــن‬
‫درجــة إشــعاعه و ترســيخ دوره الوطنــي لــدى الــرأي العــام الواســع ‪.‬‬

‫‪ .II‬مصدر الخطاب ‪( :‬الهيكل النقابي )‬ ‫ ‬

‫و الوضع الراهن يتّسم بـ ‪:‬‬


‫‪ -‬غياب التكوين‬
‫ّ‬
‫املتخصصني يف التكوين عىل االتصال‬ ‫‪ -‬انعدام املحرتفني‬
‫‪ -‬االقتصــار الـ ّ‬
‫ـكل عــى الخــرات الفرديــة التــي ال تتناســب عمومــا مــع‬
‫االتصــال الحديــث الناجــع بــل قــد تكــون الخــرات الفرديــة الصالحــة‬
‫لالتصــال الداخــي شــديدة الــرر يف صــورة تكرارهــا يف االتصــال‬
‫بالــرأي العــام غــر النقابــي‬
‫‪ -‬تراكم األخطاء‬
‫‪ -‬االنفالت‬

‫و االســراتيجيا و الخطــة و اإلجــراءات املذكــورة ســلفا يف العنــر كفيلــة‬


‫بتجــاوز هــذه النواقــص‬

‫‪ .III‬قنوات االتصال ‪:‬‬ ‫ ‬

‫‪ 1-‬جريدة الشعب ‪:‬‬

‫يمكــن إجمــال املشــاكل و النواقــص املتصلــة بجريــدة الشــعب يف الظواهــر‬


‫التاليــة ‪:‬‬
‫‪ -‬نقص فادح يف املوارد املادية‬
‫‪ -‬حاجة مؤ ّكدة لتكوين الصحفيني مع دعم العدد‬

‫‪146‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫‪ -‬نقص كبري يف التمويل‬


‫‪ -‬نقص يف املوارد البرشية‬
‫‪ -‬ثقل اإلرث الضاغط عىل الجريدة‬
‫‪ -‬الحصار النسبي املرضوب عىل الجريدة‬
‫‪ -‬االنحسار العام يف رواج الصحافة الورقية‬
‫‪ -‬ضعف شديد يف عالقة النقابيني بالجريدة‬
‫‪ -‬كثرة اإلكراهات النقابية املسلطة عىل الجريدة‬
‫‪ -‬عدم االلتزام بتطبيق قانون إجبارية االشرتاك يف جريدة الشعب‬
‫‪ -‬احتجاب النرشيات الجهوية و القطاعية ما أثقل كاهل الجريدة‬

‫‪ 2-‬الوسائل السمعية البرصية ‪:‬‬

‫‪ -‬قســم اإلعــام باالتحــاد بصــدد اســرجاع أهــم مــا صورتــه التلفــزة‬


‫التونســية عــن االتحــاد‬
‫‪ -‬تــم إعــداد مجموعــة مــن األرشطــة املصــورة عــن قضايــا و مواضيــع‬
‫مختلفــة موضوعــة عــى قنــاة االتحــاد عــى موقــع اليوتيــوب عــى ذمّ ــة‬
‫املســؤولني النقابيــن و املنخرطــن الســتخدامها عنــد الحاجــة‬
‫و هــذه التجربــة املتواضعــة املنجــزة بإمكانــات محــدودة تعتــر نــواة‬
‫أوليــة لتلفزيــون االتحــاد عــى املســتوى االفــرايض عــى األقــل ‪.‬‬
‫‪ -‬مــروع إذاعــة االتحــاد العــام التونــي للشــغل جاهــز غــر انــه‬
‫يحتــاج إرادة حقيقيــة النطالقــه باتخــاذ القــرار و توفــر املــوارد املاليــة‬
‫و البرشيــة الرضوريــة لذلــك‪.‬‬

‫‪ 3-‬الفضاء االفرتايض االجتماعي ‪:‬‬

‫يتســم األداء يف هــذا املجــال بكثــر مــن العيــوب و املشــاكل نجملهــا يف‬
‫التــايل ‪:‬‬
‫‪ -‬هيمنة الدعاية الحزبية يف عدد من الصفحات و املواقع‬
‫‪ -‬انتشار التهجّ م و التجريح و هتك األعراض‬
‫تفش الرصاعات بني منتسبي القطاعات و الجهات‬ ‫‪ّ -‬‬
‫‪ -‬تجاوز األخالقيات النقابية و خرق النظام الداخيل لالتحاد‬

‫‪147‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ -‬غلبــة الــردّد عــى أغلــب النقابيــن يف اســتخدام هــذا الفضــاء لضعــف‬


‫اقتناعهــم بجــدواه‬
‫‪ -‬اإلحجــام عــن التجنّــد الحقيقــي لخــوض معركــة الدفــاع عــن االتحــاد‬
‫و مصالحــه يف هــذا الفضــاء االفــرايض‬

‫غــر أن هــذه الصعوبــات و املشــاكل تقابلهــا محــاوالت محرتمــة للتجــاوز مــن‬


‫ذلــك مثــا ‪:‬‬
‫← ← الــدور الــذي تلعبــه الصفحــة الرســمية يف التزويــد باملعلومــة و توحيدهــا‬
‫قــدر اإلمــكان ‪.‬‬
‫تخــص املســؤولني عــن اإلعــام يف القطاعــات‬ ‫ّ‬ ‫← ← وجــود دائــرة لإلعــام‬
‫والجهــات تمثّــل مصــدرا موحــدا للمعلومــات و تديــر عــددا مــن الحمــات‬
‫يف مناســبات متنوعــة ‪.‬‬
‫← ← كمــا أن ‪ 80‬باملائــة مــن القطاعــات و غالبيــة أقســام االتحــاد و كافــة‬
‫االتحــادات الجهويــة وجــزء كبــر مــن الهيــاكل القطاعيــة الجهويــة و حتى‬
‫األساســية يديــر صفحــات تتفــاوت يف قيمتهــا و ثرائهــا و نجــا عتهــا‪.‬‬

‫ّ‬
‫املتلقي ‪:‬‬ ‫‪.IV‬‬ ‫ ‬

‫و يمكن تقسيمه إىل ‪:‬‬

‫الرأي العام النقابي ==> (يحتاج إىل تزويده باملعلومات والتقنيات)‬


‫املنخرطون ==> ( يحتاج إىل التّحشيد و التعبئة)‬
‫الــرأي العــام الواســع ==> (يحتــاج إىل اإلقنــاع و التلقيــح ضــد الدعايــة‬
‫املضــادة )‬
‫املنافسون ==> ( التزوّد بما يف ّكك اسرتاتيجياتهم املعادية )‬
‫صنّاع القرار ‪ ( :‬بضبط الخطاب املناسب للتعاطي معهم )‬
‫طــة الســتمالة املؤثّريــن منهــم و الحــ ّد مــن‬
‫اإلعالميــون (رضورة رســم خ ّ‬
‫عدائيّتهــم)‬

‫ّ‬
‫املتلقــن لخطابنــا اإلعالمــي واتصالنــا‬ ‫يجــب التأكيــد عــى أن تنــوّ ع أصنــاف‬
‫يفــرض منّــا القطــع مــع أســلوب الخطــاب الواحــد النمطــي الــذي يوجّ ــه‬
‫ّ‬

‫‪148‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫املتلقــن ألن ذلــك يضعــف نجاعــة الخطــاب و يــرّ بصــورة املنظمــة‬ ‫ّ‬ ‫لجميــع‬
‫و يجهــض تحقيــق الخطــاب اإلعالمــي لألهــداف املنتظــرة منــه و بالتــايل فــا‬
‫بــد مــن انتهــاج خطــاب إعالمــي واتصــايل فارقــي يخاطــب كل صنــف مــن‬
‫املتلقــن بمــا ّ‬
‫يحقــق الهــدف املنتظــر مــن مخاطبــة ذلــك املتلقــي تحديــدا ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ .V‬رجع الصدى ‪( :‬تأثري الخطاب – ردود الفعل ‪)...‬‬ ‫ ‬

‫بدأنــا نشــهد بدايــة تشـ ّكل وعــي بأهميــة رصــد رجــع الصــدى أي رصــد تأثري‬
‫الخطــاب اإلعالمــي و االتصــال و قيســه بصــورة موضوعيــة علميــة بهــدف‬
‫تعديلــه املســتمر ‪.‬‬

‫و قــد بــادر االتحــاد بتكليــف مؤسســة متخصصــة أنجــزت ســرا لــآراء حــول‬
‫صــورة االتحــاد و قياداتــه و أدائــه لــدى الــرأي العــام وفــق رشائــح اجتماعيــة‬
‫و عمريــة مدروســة و قــد أصــدرت هــذه املؤسســة املســح األوّيل مــع قســم مــن‬
‫االســتنتاجات تدقــق صــورة االتحــاد لــدى الــرأي العــام و ســتواصل هــذه‬
‫املؤسســة عملهــا يف جزئــه الثانــي مــع نفــس الرشائــح االجتماعيــة لرصــد‬
‫اتجاهــات تطــور صــورة االتحــاد اســتعدادا لضبــط خطــة التعديــل املناســبة ‪.‬‬

‫استنتاجات‪:‬‬ ‫ ‬

‫رغــم بــوادر تشــكل وعــي نقابــي بأهميــة الفعــل اإلعالمــي و االتصــال إال أن‬
‫بــوادر هــذا الوعــي لــم ترتــق إىل مســتوى إدراك أن االتحــاد العــام التونــي‬
‫للشــغل يفتقــر إىل حــد اآلن لسياســة إعــام و اتصــال منهجيــة األمــر الــذي‬
‫أنتــج عــددا كبــرا مــن املشــاكل و النواقــص و العيــوب أثــرت ســلبا يف األداء‬
‫العــام للمنظمــة و أســاءت لصــورة االتحــاد يف أوســاط الــرأي العــام غــر‬
‫النقابــي خصوصــا وشوشــت عــى نضــاالت النقابيــن و العمــال و أربكــت‬
‫الجهــد املبــذول لبلــوغ األهــداف النبيلــة لالتحــاد ‪.‬‬

‫و بنــاء عــى ذلــك فــا بــد مــن االتجــاه برسعــة نحــو تعميــق الوعــي النقابــي‬
‫العــام املركــزي خصوصــا بالخطــورة القصــوى للمجــال اإلعالمــي و االتصــايل‬
‫يف الســياق الراهــن ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫كمــا أنــه مــن الــروري جــدا تجســيد هــذا الوعــي يف رســم إســراتيجية‬
‫واضحــة للسياســة اإلعالميــة و االتصاليــة املســتقبلية لالتحــاد العــام التونــي‬
‫للشــغل و تزويــد هــذه اإلســراتيجية بخطــة دقيقــة ذات مراحــل مضبوطــة‬
‫و أهــداف جليّــة ينفذهــا فريــق مــن املحرتفــن املتخصصــن تحــت إرشاف‬
‫مســؤول منتخــب مك ّلــف بهــذا املجــال مــع الحــرص عــى توفــر كل مــا‬
‫تحتاجــه هــذه الخطــة مــن مــوارد برشيــة و ماديــة إضافــة إىل الســعي لتقييــم‬
‫فعاليــة األداء اإلعالمــي و االتصــايل بصفــة دوريــة و علميــة لتعديلــه و تجويــده‬
‫باســتمرار مكثــف وبربنامــج تكويــن عــى نطــاق واســع للمســؤول النقابــي يف‬
‫مختلــف املســتويات ‪.‬‬

‫إن اســتمرار االتحــاد العــام التونــي للشــغل و نجاحــه يف أداء دوره الوطنــي‬
‫توفقــه يف ضبــط سياســته‬ ‫و االجتماعــي يف الســياق الراهــن يتوقــف عــى ّ‬
‫اإلعالميــة و االتصاليــة مــن أجــل نــر رســالته التاريخيــة و ترســيخ صورتــه‬
‫االيجابيــة يف أوســع قطــاع مــن الــرأي العــام ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫إدارة التحــركات النضاليــة بــن نجاعــة الفعــل وارتــدادات التحــركات‬


‫غــر املؤطــرة‬

‫يف ظل النظام السيايس الجديد‪.‬‬


‫تنشيط‪:‬‬
‫‪-‬األخ حفيظ حفيظ‬
‫تقرير‪:‬‬
‫‪ -‬األخ توفيق الشابي‬
‫أعضاء الورشة األختان واإلخوة‪:‬‬
‫‪ -‬نعيمة عمامو‬
‫‪ -‬محمد الصغري السائحي‬
‫‪ -‬رمزي الزغدودي‬
‫‪ -‬بدر الدالعي‬
‫‪ -‬زبيدة النقيب‬
‫‪ -‬فتحي الرشيف‬
‫‪ -‬حسني اليحياوي‬
‫‪ -‬عدنان اليحياوي‬
‫وواكب أشغالها األستاذ منري السعيداني‪.‬‬

‫رحــب األخ حفيــظ حفيــظ بالحضــور و قــدم موضــوع الورشــة الــذي اعتــره‬
‫مــن املواضيــع الحارقــة وامللحــة الــذي ويجــب التفكــر فيــه بــكل جديــة‬
‫ورويــة للتأقلــم مــع املتغــرات والتحديــات الجديــدة التــي جــدت بعــد الثــورة‬
‫مــع الحفــاظ عــى املبــادئ والثوابــت التــي انبنــت عليهــا املنظمــة ‪.‬‬
‫كمــا أكــد عــى رضورة إدارة التحــركات النضاليــة حتــى ال تســاهم يف بعــض‬
‫االرتــدادات ‪.‬‬
‫و اعتــر أن دســرة الحــق النقابــي وحــق اإلرضاب مكســب ال بــد مــن تدعيمــه‬
‫عــر الترشيعــات الجديــدة‪.‬‬

‫و اعتــر أن هنالــك العديــد مــن التحــركات كانــت مؤطــرة نابعــة مــن ســلطات‬
‫القــرار و خاضعــة للقوانــن التــي تنظمهــا إال أن العديــد مــن التحــركات كانــت‬
‫غــر مؤطــرة و ال تخضــع ملجلــة الشــغل يف اآلجــال أو الجلســات الصلحيــة كمــا‬

‫‪151‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫فكــت االرتبــاط بقيــادة االتحــاد العلــم التونــي للشــغل و هــذا نتيجــة االنفالت‬
‫الــذي حصــل بعــد الثــورة‪ .‬و رغــم ذلــك حافظــت املنظمــة عــى نواميســها‬
‫ويعتــر مؤتمــر طربقــة انتصــارا للعمــل املؤسســاتي ‪.‬‬
‫و أكــد أن الســاح الحقيقــي لالتحــاد يف هــذا الظــرف الدقيــق هو يف حســن إدارة‬
‫النضــاالت و تأطــر هــذه التحــركات و الوقــوف عــى الهنــات لتداركهــا خاصــة‬
‫يف ظــل التعدديــة النقابيــة و الحزبيــة التــي واكبتهــا حريــة التعبــر و حريــة‬
‫اإلحتجــاج ‪ .‬ثــم فتــح بــاب النقــاش الــذي تمحــور حــول ‪:‬‬

‫✤ ✤التحــركات غــر املؤطــرة داخــل املنظمــة و التــي قامــت بهــا الهيــاكل‬


‫النقابيــة املركزيــة أو الجهويــة أو املحليــة و التــي لــم تنضبــط فيهــا‬
‫للقانــون األســايس و النظــام الداخــي للمنظمــة و قــد تتعــارض حتــى مــع‬
‫لوائــح املؤتمــر ‪.‬‬

‫✤ ✤تحركات غري مؤطرة تقوم بها القواعد دون الرجوع إىل الهياكل ‪.‬‬

‫✤ ✤تحــركات قامــت بهــا العديــد مــن القطاعــات فيهــا تجــاوز للمركزيــة‬


‫النقابيــة و كانــت لهــا ارتــدادات ســلبية عــى املنظمــة يف بعــض القطاعــات‪.‬‬
‫كمــا تطــرق املتدخلــون إىل التحــركات غــر املؤطــرة و الخارجــة عــن‬
‫االتحــاد العــام التونــي للشــغل و التــي يجــد نفســه مجــرا عىل مســايرتها‬
‫واحتضانهــا وهــي عديــدة ومتنوعــة كالتــي تطالــب بحــق الشــغل أو ببيئــة‬
‫ســليمة أو التــي تطالــب بالتنميــة الجهويــة وتطالــب باألمــن ‪ ....‬أو حتــى‬
‫التــي تتعلــق بمنظمــات أخــرى مثــل اتحــاد الفالحــن عنــد حدوث كــوارث‬
‫طبيعيــة مثــا كمــا تــم التطــرق إىل بعــض التحــركات التــي تبناهــا االتحاد‬
‫و التــي لــم تحقــق مكاســب فكانــت لهــا ارتــدادات ســلبية عــى املنظمــة‬
‫كحــرق مقــر االتحــاد املحــي ببنقــردان ‪ .‬كمــا وقعــت االشــارة اىل التحــرك‬
‫غــر املؤطــر داخــل املنظمــة اذ نجــد املطلــب ال ينســجم مــع التوجهــات‬
‫العامــة أي لــم يتضمــن بلوائــح املؤتمــرات (مثــال ‪ :‬إقالــة وزيــر‪.)....‬‬

‫و أشــار البعــض إىل أن لــكل إرضاب هدفــا أو أهدافــا تتضمنهــا اللوائــح‬


‫و تحقيق األهداف يبطل اإلرضاب‪.‬‬
‫و تســاءل البعــض عــن مــدى اعتبــار اإلرضابــات القادمــة يف قطاعــي التعليــم‬

‫‪152‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫األســايس و الثانــوي مؤطــرة أو غــر مؤطــرة إذا تــم رصف املســتحقات املاليــة‬
‫للمدرســن قبــل تاريــخ اإلرضاب ‪.‬كمــا تدخــل األســتاذ منــر الســعيداني‬
‫متســائال عــن مفهــوم النجاعــة ‪:‬‬

‫‪ -‬فهل النجاعة أال نغضب السلطة؟‬


‫‪ -‬أو أال نغضب االحزاب؟‬
‫‪ -‬أو أن تنسجم مع الهوية مهما كانت النتيجة؟‬
‫‪ -‬أو أن تحقق الهدف بأقل ما يمكن من الخسائر؟‬

‫و عــن تبنــي االتحــاد و تأطــره للتحــركات االحتجاجيــة أكــد األســتاذ عــى‬


‫رضورة ضبــط مرجعيــة تقييــم لــكل تحــرك و ذلــك بوضــع شــبكة تتضمــن‬
‫مقاييــس معينــة لتحديــد تدخــل االتحــاد مــن عدمــه ‪.‬‬

‫و خلصت النقاشات إىل جملة من التوصيات اآلتي رسدها ‪:‬‬

‫‪ 1-‬رضورة تطويــر قوانــن املنظمــة مــع تدقيقهــا حتــى ال تقبــل‬


‫التأويــل‬

‫‪ 2-‬رضورة إيــاء التكويــن و التأطــر العنايــة الكــرى و خاصــة‬


‫للنقابــات الجديــدة ‪.‬‬

‫‪ 3-‬ضبــط خطــة إعالميــة جيــدة مــع انتــداب أخصائيــن يف‬


‫اإلعــام و التوثيــق‬

‫‪ 4-‬التصــدي لالخــراق و رفــض ازدواجيــة املســؤولية النقابيــة‬


‫و السياسية يف حدود معينة‬

‫‪ 5-‬وضع رشوط لالنتساب إىل املنظمة‬

‫‪ 6-‬إعادة النظر يف رشوط تحمل املسؤولية النقابية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪ 7-‬عــى االتحــاد أن ينفتــح عــى بعــض املكونــات التــي تتمــاىش‬


‫مــع ثوابتــه و قيمــه‬

‫‪ 8-‬عــى االتحــاد أن يواصــل لعــب دوره الوطنــي مــع العمــل عــى‬


‫التاطــر أكثــر مــا يمكــن تأصيــا لهويتــه‪.‬‬

‫‪ 9-‬ال بــد مــن التمثيــل الســلكي يف النقابــات ( أساســية‪ ،‬جهويــة‪،‬‬


‫وطنيــة عــى مســتوى القطاعــات ) للتجميــع و درءا للتصــدع يف‬
‫بعــض القطاعــات‪.‬‬

‫‪ 10-‬رضورة تطبيــق النظــام الداخــي يف صــورة حــدوث تجــاوزات‬


‫‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫التقرير العام‬

‫‪155‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫‪156‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫التقرير العام للملتقى الوطني‪:‬‬


‫االتحاد العام التونيس للشغل‬
‫وتحديات ثورة الحرية والكرامة‬
‫ثوابت التجربة النقابية ومقتضيات التجدّد والتأقلم‬
‫الحمامات‪2016/12/10-9-8 :‬‬

‫أعدّ ه‪ :‬محمد الهادي األخزوري‬

‫بالتعــاون بــن قســم التكويــن النقابــي والتثقيــف العمــايل باالتحــاد العــام‬


‫التونــي للشــغل ومنظمــة فريدريــش ايــرت انعقــدت بالحمامــات أيــام ‪-9-8‬‬
‫‪ 10‬ديســمرب ‪ 2016‬نــدوة « االتحــاد العــام التونــي للشــغل وتحديــات ثــورة‬
‫الحريــة والكرامــة‪ :‬ثوابــت التجربــة النقابيــة ومقتضيــات التج ـدّد والتأقلــم»‬

‫حيــث اعتــر األخ محمــد املســلمي يف كلمــة تمهيديــة بأنهــا فضــاء للتفكــر لذلك‬
‫كانــت الفئــة املســتهدفة بمواكبتهــا ‪ -‬قطاعيــا وجهويــا‪ -‬اإلطــارات النقابيــة‬
‫التــي لهــا قــدرة عــى تقديــم اإلجابــات عــى التســاؤالت املطروحــة راهنــا‬
‫عــى الحركــة النقابيــة والتفكــر يف الهواجــس التــي تتعلــق باملتغــرات التــي‬
‫تفــرض عــى االتحــاد‪ ،‬األمــر الــذي أ ّكــده األخ األمــن العــام حســن العبــايس‬
‫يف كلمــة االفتتــاح حيــث اعتــر اللقــاء مناســبة لتلمّ ــس املمارســة النقابيــة‬
‫املالئمــة للســياقات الجديــدة التــي فرضتهــا ثــورة الحريــة والكرامــة بمــا‬
‫يم ّكــن املنظمــة مــن مواصلــة دورهــا كفاعــل اجتماعــي ‪ -‬متعــدد األبعــاد‪ -‬يف‬
‫ّ‬
‫متوقفــا عنــد املحــاور التــي يتعــن‬ ‫إطــار ثوابتهــا أســاس عنــارص هويتهــا‪،‬‬
‫مالمســتها واملتمثلــة يف‪:‬‬

‫✤ ✤مفهوم العمل النقابي يف تونس بعد الثورة‬


‫✤ ✤التجربة النقابية التونسية وتحديات التعددية الحزبية الجديدة‬
‫✤ ✤التجربة النقابية التونسية وتحديات التعددية النقابية‬
‫✤ ✤تحديــات إعــادة الهيكلــة والحوكمــة والرقابــة والتــداول عــى املســؤوليات‬
‫داخــل املنظمــة بعــد الثــورة‬
‫✤ ✤العمــل النقابــي والحــركات االجتماعيــة الجديــدة واملنظمــات غــر‬
‫الحكوميــة‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫ويف نفــس الســياق اعتــر الرفيــق هنريــك ماير ممثــل منظمــة فريدريــش ايربت‬
‫هــذا اللقــاء الــذي يلتئــم قبــل بضعــة أســابيع مــن املؤتمــر الوطنــي لالتحــاد‬
‫مناســبة للوقــوف عــى املكاســب التــي حققتهــا املنظمــة والتحديــات التــي‬
‫تواجههــا ضمانــا ملواصلــة دورهــا يف البنــاء الــذي شــهدته البــاد التونســية‬
‫منــذ تأســيس االتحــاد وإىل اليــوم‪.‬‬

‫فعاليات الندوة‪:‬‬

‫شــهدت النــدوة صبيحــة اليــوم األول اللتئامهــا مداختلــن‪ ،‬كانــت أوالهمــا‬


‫بعنــوان‪« :‬االتحــاد العــام التونــي للشــغل يف ســياق ثــورة الكرامــة‪ :‬تحديــات‬
‫إعــادة صياغــة فلســفة العمــل النقابــي واملجتمــع والسياســة»‪ ،‬قدمهــا أســتاذ‬
‫علــم االجتمــاع واالنرتوبولوجيــا بجامعــة قطــر الســيد مولــدي األحمــر‪ ،‬فكانــت‬
‫مداخلــة تأطرييــة عامــة حــول املتغــرات وأبرزهــا نهايــة الدولــة املســتبدة‬
‫املحتكــرة للفضــاء العــام بمــا أفــى إىل‪:‬‬

‫✤ ✤انتهــاء االســتقطاب الثنائــي‪ :‬الدولــة‪ ،‬الحزب‪/‬االتحــاد‪ ،‬وهــو اســتقطاب‬


‫اســتمر إىل أكثــر مــن ‪ 50‬ســنة مــن تاريــخ تونــس بمــا أدّى إىل‪:‬‬
‫ظــم املدنــي الحزبــي‬ ‫‪-‬اســرجاع القــوى االجتماعيــة حريتهــا يف التن ّ‬
‫والجمعياتــي والثقــايف وســعيها إىل تحقيــق أهدافهــا‬
‫‪-‬اكتساب التونسيني لحرية التفكري والحق يف ممارسته ونرشه‬
‫‪-‬اكتســاب مبــدأ التــداول يف تق ّلــد املســؤوليات قيمــة ثقافيــة وأخالقيــة‬
‫عاليــة‬
‫‪-‬اكتساب الفكر الليربايل دعامة ثقافية وايديولوجية‬
‫ـر مفهوم‬ ‫‪-‬ظهــور تحــوالت اجتماعيــة يف عالــم االقتصــاد والعمــل قــد تغـ ّ‬
‫وآليــات العمــل النقابي‬
‫‪-‬التشــابه والتماثــل بــن مكونــات املجتمــع املدنــي لتــرز االختالفــات يف‬
‫الخصائــص واملصالــح واملرجعيــات‪.‬‬

‫✤ ✤وإزاء كل مــا تقــدم يُطــرح الســؤال التــايل‪ :‬هــل االتحــاد مصمّ ــم للتأقلــم‬
‫مــع هــذا املنعــرج الحاســم؟‬
‫أمــا املداخلــة الثانيــة فكانــت للناشــط الســيايس‪ ،‬عضــو مجلــس النــواب‪،‬‬

‫‪158‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫والناشــط النقابــي ســابقا الســيد مصطفــى بــن أحمــد وعنوانهــا‪ « :‬تجربــة‬


‫االتحــاد العــام التونــي للشــغل والتعدديــة الحزبيــة يف ظــل النظــام الســيايس‬
‫الجديــد» هــذه التجربــة التــي قامــت مــن جانفــي ‪ 1946‬إىل جانفــي ‪ 2011‬عىل‬
‫ثنائيــة الحزب‪/‬النقابــة دون أن يكــون ذلــك يف نســق مســتقيم باعتبــار اخــراق‬
‫التيــارات اليســارية التــي دخلــت ســوق الشــغل لهــذه الثنائيــة فدفعــت بثقافــة‬
‫التحـ ّرك واالحتجــاج ممــا جعــل االتحــاد يعــرف داخلــه تعدديــة باحتضانــه كل‬
‫الحساســيات التــي وجــدت فيــه املــاذ األخــر‪.‬‬

‫وملــا كانــت الثــورات تعصــف بالبنــى القديمــة الحــظ املحــارض أن الثــورة‬


‫التونســية عصفــت بالحــزب ولــم تتمكــن مــن اجتثــاث االتحــاد ونســفه وبــاءت‬
‫محاولــة ذلــك يــوم ‪ 04‬ديســمرب ‪ 2012‬بالفشــل بــل نــراه يفتــح بالحــوار‬
‫الوطنــي – الــذي قــاده‪ -‬الطريــق لبنــاء الجمهوريــة الثانيــة إال أن ذلــك لــم‬
‫يمنــع مــن بــروز التحديــات التاليــة‪:‬‬

‫كيــف يمكنــه الصمــود أمــام اآلالف القادمــن بعــد الثــورة إىل االتحــاد لتحســن‬
‫وضعهــم وهــم ال يملكــون العقيــدة النقابيــة التــي ميــزت مناضليــه مــن العامل‬
‫اليومــي إىل األســتاذ الجامعــي فضمنــت وحدتــه لعقود؟‬
‫إىل أي حـ ّد يمكنــه الحفــاظ عــى وحدتــه وعــى التنــوّ ع والتعـدّد داخلــه يف ظــل‬
‫هــذا االنفجــار الحزبــي؟‬
‫هــذا وقــد شــفعت املداخلتــان بنقــاش ثــري تضمّ ــن يف نفــس الوقــت التوصيات‬
‫ا لتا لية ‪:‬‬

‫ـن ترشيعــات تحمــي االتحــاد مــن االخرتاقــات وإصــدار‬ ‫✤ ✤العمــل عــى سـ ّ‬


‫ميثــاق االنتمــاء لالتحــاد‬
‫✤ ✤العمل عىل حضور االتحاد يف موقع القرار الترشيعي‪.‬‬
‫✤ ✤العمــل عــى ضبــط رؤيــة اســراتيجية يف التعاطــي مــع التعدديــة الحزبيــة‪،‬‬
‫هــذه الرؤيــة التــي يمكــن أن يكــون مــن مقوّماتهــا رصــد الفــرص املتاحــة‬
‫لالقــراب أو االبتعــاد عــن األحــزاب وفقــا ملصلحــة االتحــاد‪ ،‬وأن يكــون‬
‫تقاطعــه معهــا وفقــا لتقاطعهــا مــع توجهاتــه‪ ،‬مــع التصــدي لإلزدواجيــة‬
‫يف املســؤولية‪.‬‬
‫✤ ✤إن تنامــي القطــاع الخــاص أصبــح معطــى ثابتــا راهنــا ومســتقبال ممــا‬

‫‪159‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫يجعــل قــوة االتحــاد رهينــة اســتيعاب شــغايل القطــاع الخــاص‪.‬‬


‫✤ ✤العمــل عــى ضبــط اســراتيجيا إلدمــاج عمــال القطــاع غــر املنظــم يف‬
‫العمــل النقابــي‬
‫✤ ✤ضبــط اســراتيجيا لجلــب الشــباب واملــرأة العاملــة إىل حضــرة االتحــاد‬
‫تقــوم عــى اســتخدام الوســائل الحديثــة لالتصــال ومالمســة اهتماماتهمــا‬
‫يف عالــم الشــغل والحيــاة العامــة‪ ،‬مــع عــدم إهمــال أهميــة بنــاء املنظمــة‬
‫عــى مقاربــة النــوع االجتماعــي‬
‫✤ ✤االشــتغال عــى التكويــن والدراســات والتأطــر والعمــل عــى تكريــس‬
‫الشــعارات التــي رفعتهــا الثــورة باعتبارهــا مجمّ عــة ألغلــب الرشائــح‬
‫االجتماعيــة‪.‬‬
‫✤ ✤دفــع االتحــاد إىل التواصــل مــع املــروع االقتصــادي واالجتماعــي الــذي‬
‫تمــت املصادقــة عليــه ســنة ‪ 1956‬ملــا فيــه مــن تطلعــات إىل إرســاء العــدل‬
‫االجتماعــي واعتمــاد برنامــج تنمــوي ينهــض باقتصــاد البــاد انطالقــا من‬
‫املقوّمــات التــي تتوفــر عليهــا‪ .‬وإن حيــاد االتحــاد واســتقالليته يف ضــوء‬
‫التعدديــة التــي يحتضنهــا والتــي كانــت عامــا هامــا يف دمقرطــة العمــل‬
‫النقابــي صلبــه أساســيات يتعــن مواصلــة التعاطــي معهــا مــع االتّعــاظ‬
‫بالتجربــة البولونيــة والتــي كانــت نتائجهــا عكســية عــى نقابــة «تضامــن»‬
‫✤ ✤العمل عىل تحيني الخطاب النقابي مع املحافظة عىل الثوابت‬
‫✤ ✤العمــل عــى إحيــاء روح التضامــن عــى الصعيــد القطاعــي وبــن مختلــف‬
‫هيــاكل املنظمــة باعتبارهــا القيمــة التــي انبنــى عليهــا العمــل النقابــي‬
‫والضامنــة لوحدتــه مــع إعــادة االعتبــار للعمــل االجتماعــي صلبــه‪.‬‬

‫هــذا وقــد اعتــر بعــض املتدخلــن بــأن اســتقاللية املنظمــة بــدأ تكريســها‬
‫بصفــة فعليــة منــذ مؤتمــر املنســتري الــذي لــم يتــو ّل املخلــوع حضــور جلســة‬
‫افتتاحــه‪ ،‬ويف تشــخيصه للواقــع الحــايل اعتــر بعــض املتدخلــن بــأن املنظمــة‬
‫كانــت تواجــه الحــزب الحاكــم فأصبحــت اليــوم تواجــه أكثــر مــن طــرف‪ ،‬أمــا‬
‫عــى صعيــد إدارة الشــأن النقابــي يف املؤسســة فإنهــا أضحــت تتّســم بصعوبات‬
‫ســببها رغبــة العمــال ‪ -‬وهــم ال يزالــون يعيشــون عــى وهــج الثــورة‪ -‬يف قيــادة‬
‫النقابــة ال العكــس‪.‬‬

‫ويف إطــار تعقيــب األســتاذ مولــدي األحمــر عــى النقــاش أوضــح بــأن مداخلتــه‬

‫‪160‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫صمّ مــت يف ضــوء الورقــة التــي أعدّتهــا األســتاذة هالــة اليوســفي والتــي‬
‫تضمّ نــت تقييمــا نقديــا وموضوعيــا ملســرة االتحــاد‪ ،‬مــرزا بــأن قــوة االتحــاد‬
‫تكمــن يف قدرتــه عــى اســتيعاب التحــوالت الجديــدة بحكــم قــوة الدفــع املتأتيــة‬
‫مــن األســفل كمــا كان الشــأن بالنســبة لثــورة الحريــة والكرامــة باعتبــار‬
‫تطلــع هــذه القــوة إىل التغيــر‪ ،‬مالحظــا يف نفــس الوقــت بــأن أهـ ّم اإلكراهــات‬
‫الجديــدة راهنــا انفتــاح الســاحة عــى مرصاعيهــا للحريــات السياســية وحريــة‬
‫التنظــم عمومــا‪.‬‬

‫أمــا األخ مصطفــى بــن أحمــد فأبــرز بــأن الحيــاد النســبي للمنظمــة أضحــى‬
‫معطــى ثابتــا ممــا م ّكنهــا مــن الحفــاظ عــى وحدتهــا‪ ،‬مبيّنــا يف نفــس الوقــت‬
‫بــأن التعدديــة الحزبيــة اكتملــت اليــوم بحســب تراكــم تاريخــي إال أنــه ال توجد‬
‫ظــروف موضوعيــة لظهــور التعدديــة النقابيــة باعتبــار أن العامــل واملوظــف‬
‫والشــغالني عمومــا يبحثــون عــن الجــدوى‪ ،‬األمــر الــذي يمنــح االتحــاد ثقــا‬
‫يمنــع بــروز التعدديــة النقابيــة خاصــة وأنهــا موجــودة موضوعيــا داخــل‬
‫االتحــاد‪.‬‬

‫ويف مســاء اليــوم األول اســتمع املشــاركون واملشــاركات إىل مداخلتــن كانــت‬
‫أوالهمــا ألســتاذ الترشيــع الشــغيل‪ ،‬عميــد كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية‬
‫بصفاقــس ســابقا الســيد النــوري مزيــد حــول‪« :‬اإلطــار القانونــي للعمــل‬
‫النقابــي يف مواجهــة التحديــات الراهنــة» مــرزا بأنهــا تحديــات منهــا مــا‬
‫يرتبــط بالوضــع العــام الــذي يحيــط بالعمــل النقابــي يف البــاد يف ظــل فشــل‬
‫الدولــة يف تحقيــق التنميــة ومنهــا عــدم وجــود إطــار ترشيعــي ّ‬
‫يرشــد التعددية‬
‫النقابيــة حتــى ال تتســبب يف توتــر املنــاخ االجتماعــي واملزايدات املــرّ ة بمصالح‬
‫العمــال واملؤسســة‪ ،‬ومــن ذلــك أيضا طبيعــة الحــوار القانونــي املنظــم للعالقات‬
‫الشــغلية والــذي ينبغــي أن يكــون منســجما مــع القانــون األعــى «الدســتور»‬
‫حتــى ّ‬
‫تتوفــر فعليــا الحمايــة الجزائيــة للحــق النقابــي وحتــى ال تكــون قطيعــة‬
‫بــن اإلطــار الترشيعــي والواقــع املهنــي كمــا هــو الشــأن حاليــا‪.‬‬
‫أمــا املداخلــة الثانيــة فكانــت قــراءة نقديــة قدمتهــا الباحثــة أســتاذة علــم‬
‫االجتمــاع بفرنســا الســيدة هالــة اليوســفي حــول «رهانــات إعــادة هيكلــة‬
‫االتحــاد العــام التونــي للشــغل وتشــكل الســياق الســيايس واالجتماعــي‬
‫الجديــد» اســتعرضت خاللهــا‪:‬‬

‫‪161‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫✤ ✤خاصيات املنظمة وثوابتها‬


‫✤ ✤ التحديات التنظيمية‬
‫✤ ✤كيفية التوفيق بني املصلحة الفردية ومقتضيات العمل الجماعي‪.‬‬

‫هذا وقد أفىض نقاش املداخلتني إىل التوصيات التالية‪:‬‬

‫✤ ✤رضورة إعــداد مــروع اقتصــادي واجتماعــي مالئــم ملنــوال تنمية منســجم‬


‫مــع مقتضيــات الدســتور وشــعارات الثورة‬
‫ـن‬‫✤ ✤إن مركــزة القــرار النقابــي ضامــن للحفــاظ عــى الوحــدة‪ ،‬لذلــك يتعـ ّ‬
‫ايجــاد آليــات ترتيبيــة تحافــظ عــى الديمقراطيــة وتضمــن عقلنــة القــرار‬
‫ضمــن هيكلــة هرميــة‬
‫✤ ✤تالفيــا للتضــارب بــن الجامعــة العامــة واالتحــاد الجهــوي يتعــن أن‬
‫تكــون الهيكلــة مــن اختصــاص االتحــاد الجهــوي والتفــاوض يف العقــد‬
‫املشــرك ومتابعــة تطبيقــه مــن اختصــاص الجامعــة‬
‫✤ ✤العمــل عــى مراجعــة تمثيليــة نــواب املؤتمــر الوطنــي يف اتجــاه تمثيــل‬
‫الهيــاكل الوســطى ضمانــا للنجاعــة املتأتيــة مــن التجربــة والخــرة‬
‫✤ ✤الدعوة إىل ضبط مضامني ملهام أعضاء النقابات األساسية‬
‫✤ ✤العمــل عــى إعــداد دراســة شــاملة للقوانــن املنظمــة للعالقــات الشــغلية‬
‫واقــراح البدائــل اســتعدادا ملراجعــة الجوانــب الترشيعيــة مــع الحــرص‬
‫عــى إدراج املكاســب املتأتيــة مــن مصادقــة الدولــة التونســية عــى‬
‫االتفاقيتــن ‪ 135‬و‪144‬‬
‫✤ ✤العمــل عــى تقنــن الخصــم اآليل حتــى ال يكــون االتحــاد تحــت رحمــة‬
‫الحكومــات املتعاقبــة‬
‫✤ ✤العمــل يف القانــون األســايس لالتحــاد عــى ضمــان التــوازن بــن الشــأن‬
‫املركــزي والقطاعــي والجهــوي يف القــرارات والصالحيــات اجتنابا للســقوط‬
‫يف التمــرس وراء القطــاع والســكتارية املخلــة بهيبــة املنظمــة‪.‬‬
‫هذا وقد كان لألستاذ النوري مزيد التعقيب التايل عىل النقاش‪:‬‬

‫هنــاك اتفــاق بــن املشــاركني عــى رضورة إصــاح قانــون الشــغل ومــع ذلــك‬
‫ينبغــي تبنّــي اســراتيجيا واضحــة يف املجــال الترشيعــي واإلصالحــات القانونية‬
‫عــر ضبــط مواعيــد لتحقيــق جانــب مــن هــذه القوانــن تباعــا حيــث أنــه إىل‬

‫‪162‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫حـ ّد اليــوم هنــاك مشــاريع وليــس هنــاك اســراتيجيا مبنيــة عــى أســس علمية‬
‫ويعــزى ذلــك إىل افتقــار املنظمــة لقســم مختــص يف الدراســات القانونيــة‬
‫ومتابعــة فقــه القضــاء الشــغيل‪.‬‬

‫أمــا فيمــا يتعلــق بالتعدديــة فهــي اليــوم واقــع والقانــون التونــي يكــرس‬
‫التعدديــة النقابيــة وقــد ك ّرســها قبــل أن توجــد بالفعــل عــى أرض الواقــع‬
‫تيســرا للتش ـتّت‪ ،‬ومــن املفارقــات العجيبــة أننــا نجــد مــن ينخــرط يف نفــس‬
‫الوقــت يف هــذه املنظمــة واملنظمــة األخــرى معــا اســتغالال لثغــرات قانونيــة‬
‫مــن شــأنها أن تســاهم يف إشــاعة الفــوىض ورضب وحــدة العمــال‪.‬‬

‫وأضــاف املحــارض بــأن تآكل مشــهد ســوق الشــغل التقليــدي أفــى إىل عالقات‬
‫شــغلية جديــدة وظهــور مؤسســات ال عالقــة لهــا باملعهــود ممــا يســتدعي‬
‫تنظيــم العمــل النقابــي بطريقــة تأخــذ بعــن االعتبــار واقــع هــذه املؤسســات‪،‬‬
‫مالحظــا بــأن ترشــيد التعدديــة النقابيــة ال يتــم إال يف إطــار مقاييــس تضبــط‬
‫التمثيليــة طبقــا ملقتضيــات الواقــع املحــي والفقــه املقــارن يف الغــرض‪.‬‬

‫أمــا األســتاذة هالــة اليوســفي فقــد اعتــرت يف تعقيبهــا عــى التدخــات بــأن‬
‫هويــة االتحــاد أوســع مــن أن تكــون منظمــة نقابيــة باملفهــوم الكالســيكي‪،‬‬
‫فهويــة االتحــاد تتمثــل يف هــذا الرتابــط بــن البعــد الوطنــي والبعــد االجتماعي‪،‬‬
‫وهــذا الرتابــط بــن البعــد الجهــوي والقطاعــي يف الدفــاع عــن الطبقة الشــغيلة‪،‬‬
‫إال أن املطــروح حاليــا كيــف نقــرن بــن هــذه الهويــة ومعطيات ســوق الشــغل‬
‫الجديــدة؟‬

‫وإن الطــرح الحــايل ال يكمــن يف املركزيــة أو الالمركزيــة وإنمــا يقتــي الحفــاظ‬


‫عــى تماســك املنظمــة مــن خــال آليــات التســيري وآليــات اتخــاذ القــرار‪.‬‬
‫وقــد أبــدت األســتاذة اســتغرابها مــن طــرح النقاشــات العالقــة مــع الطــرف‬
‫املقابــل‪ :‬االتحــاد التونــي للصناعــة والتجــارة والصناعــات التقليديــة وعــدم‬
‫طــرح العالقــة مــع املعطلــن عــن العمــل رغــم أنهــم أضحــوا حاليــا الفئــة‬
‫املهمــة يف تونــس ويف العالــم أجمــع خاصــة وأن املنخرطــن يف النقابــات يمكــن‬
‫أن يتحولــوا – بفعــل التحــوالت الجديــدة لســوق الشــغل‪ -‬إىل عاطلــن عــن‬
‫العمــل‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أمــا الحصــة الصباحيــة مــن اليــوم الثانــي فقــد شــهدت ثــاث مداخــات‬
‫أوالهمــا ألســتاذ االقتصــاد بكليــة الحقــوق والعلــوم السياســية بتونــس خبــر‬
‫االتحــاد العــام التونــي للشــغل وكاتــب عــام النقابــة العامــة للتعليــم العــايل‬
‫والبحــث العلمــي ســابقا الســيد ســامي العــوادي‪ ،‬وقــد كانــت بعنــوان «االتحاد‬
‫العــام التونــي للشــغل واملســألة االقتصاديــة‪ :‬نقــد السياســات العموميــة‬
‫واقرتاحــات التجــاوز» فكانــت املداخلــة عبــارة عــن مقاربــة توثيقيــة وتاريخيــة‬
‫ألهــم تدخــات االتحــاد يف املســألة االقتصاديــة‪ ،‬انطالقــا مــن الربنامــج‬
‫االقتصــادي واالجتماعــي املصــادق عليــه يف مؤتمــر ‪ ،1956‬هــذا الربنامــج‬
‫الــذي تضمــن عقيــدة االتحــاد يف املســألة االقتصاديــة ومرجعيتــه الفكريــة‬
‫ومــا زال القانــون األســايس يســتلهم منــه توجهــات املنظمــة أهمهــا‪ « :‬الســعي‬
‫إىل بنــاء نظــام اشــراكي‪ ،‬مــرورا بالتقريــر االقتصــادي واالجتماعــي ملؤتمــر‬
‫جربــة ‪ 2001‬وانتهــاء بإمضائــه العقــد االجتماعــي بتاريــخ ‪ 14‬جانفــي ‪2013‬‬
‫ممــا يــدل عــى الثقــل التاريخــي لالتحــاد يف املجتمــع التونــي ويف توجيــه‬
‫السياســات االقتصاديــة واالجتماعيــة ورفضــه التقوقــع يف املطلبيــة املاديــة كمــا‬
‫تريــد الســلطة‪ ،‬رغــم أن هــذه املســرة تخللتهــا تذبذبــات كــرى حيــث أصبــح‬
‫يالحــق األحــداث بعــد تبنــي الدولــة لربنامــج التقويــم الهيــكيل‪.‬‬

‫أمــا املداخلــة الثانيــة فكانــت ألســتاذ القانــون بالجامعــة التونســية املستشــار‬


‫القانونــي لالتحــاد ولــدى قســم الدراســات الســيد عبــد الســام النصــري‬
‫حــول «املهــن الجديــدة والعالقــات الشــغلية»‪ ،‬أبــرز خاللهــا مــدى تأثــر ســوق‬
‫العمــل بالتكنولوجيــا الرقميــة ممــا أدى إىل اختفــاء مهــن وظهــور أخــرى وتأثر‬
‫أشــكال العمــل ممــا أدى إىل هشاشــة العمــل املأجــور عــى الشــاكلة التقليديــة‬
‫وانحســار التفرقــة بــن العمــل املأجــور والعمــل املؤســس ممــا يســتدعي طــرح‬
‫الســؤال التــايل‪ « :‬أيــة عالقــة شــغلية يف أشــكال العمــل املســتحدثة؟» وبالتــايل‬
‫« أيــة أشــكال جديــدة للحــوار االجتماعــي يف ضــوء األشــكال الجديــدة للعمــل؟»‬
‫وذلــك بغايــة مالءمــة العالقــات الجماعيــة مــع الواقــع املتغــر‪.‬‬

‫أمــا املداخلــة الثالثــة فكانــت ألســتاذ علــم االجتمــاع الســيد منــر ســعيداني‬
‫حــول «الحــركات النقابيــة والتحــركات االحتجاجيــة غــر النقابيــة» أبــرز‬
‫خاللهــا تفجّ ــر الحركــة املطلبيــة بعــد ثــورة ‪ 17‬ديســمرب ‪ 14‬جانفــي إىل‬
‫درجــة لــم يعــد معهــا مســار التحــركات االحتجاجيــة يتّســم بالوضــوح‪ ،‬فــإىل‬

‫‪164‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫جانــب اإلرضابــات ظهــرت حــركات التنظــم الجماهــري التلقائــي‪ ،‬املظاهــرات‬


‫واالعتصامــات ممــا أدى إىل إحــراج املنظمــة جــراء مطالــب ال عالقــة لهــا بعالــم‬
‫العمــل ولكنهــا تؤثّــر فعــا عــى عالــم العمــل بحكــم تأثريهــا عــى الفضــاء‬
‫العمومــي‪ ،‬وممــا يزيــد يف تعقيــد األمــر أن هــدف هــذه التحــركات خصــويص‬
‫ومرتبــط بمهــام عاجلــة‪.‬‬

‫إثــر االســتماع إىل املداخــات الثــاث فتــح بــاب النقــاش فتدخــل عــدد مــن‬
‫الحارضيــن منهــم مــن توجــه بأســئلة ومنهــم مــن ع ّلــق ومنهــم من اســتوضح‬
‫وهــذه جملــة تدخالتهــم‪:‬‬

‫‪ -‬ذكــر املحــارض األول أن فقــرة تتعلــق بالجنــدرة موجــودة يف التقريــر‬


‫االقتصــادي واالجتماعــي الصــادر عــن االتحــاد يف ‪ 1956‬فكيــف مــا‬
‫زالــت توجــد صعوبــات يف تحقيقهــا إىل اآلن؟‬
‫‪ -‬توجــد تجــارب للعمــل املســتقل يف تونــس فهــل مــن املمكــن توضيحها‬
‫إذا أمكــن وكيــف لالتحــاد أن يتدخــل فيها؟‬
‫‪ -‬ما هو موقف االتحاد من التحركات االحتجاجية؟‬
‫‪ -‬املشــاريع كثــرة منــذ الخمســينات لكــن عــدم اســتمرارية هــذه‬
‫املشــاريع الرتباطهــا ببعــض األفــراد هــل يعــود إىل عــدم املأسســة؟‬
‫‪ -‬االحتجاجــات غــر النقابيــة‪ :‬كيــف يمكــن لالتحــاد واألطــر النقابيــة‬
‫أن تــوازن بــن التحــركات العاديــة والتحــركات األخــرى وبــن عــدم‬
‫الوقــوف أمــام حريــة األفــراد؟‬
‫‪ -‬عــى االتحــاد أن يقــوم بمجهــود لفهــم االحتجاجــات مثــل حركــة‬
‫«مانــاش مســامحني» األمــر الــذي يطــرح موضــوع التحالفات والتشــبيك‬
‫وبالتــايل كيــف يمكــن لالتحــاد أن يســاند هــذه التحــركات ويســتفيد‬
‫منهــا؟‬
‫‪ -‬ملــاذا لــم يســتطع االتحــاد إعطــاء روح للمشــاريع التــي طرحهــا يف‬
‫مختلــف برامجــه؟‬
‫‪ -‬اعتــر بعضهــم بــأن النــدوة ممتــازة مضيفــا بــأن كل حــراك اجتماعي‬
‫تقابلــه نصــوص ترشيعيــة لكــن املشــكلة أن الدســتور يمنــح والســلطة‬
‫تجــ ّرم‪ .‬يجــب تحليــل الحــراك االجتماعــي والنظــر فيــه الســتخراج‬
‫الحلــول املناســبة لــه‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫أن مــن حــق االتحــاد أن يكــون‬ ‫‪ -‬هــذا وقــد أكــد كثــر مــن املشــاركني ّ‬
‫رشيــكا فاعــا يف منــوال التنميــة واملــروع املجتمعــي املدنــي ككل‪،‬‬
‫ومســاهمة االتحــاد يف هــذا االتجــاه جيــدة لكــن التجســيد ضعيــف‪.‬‬
‫‪ -‬وتســاءل بعضهــم عــن أشــكال عمــل جديــدة ال ترتبــط بفضــاء معــن‬
‫ممــا يســتدعي التســاؤل عــن كيفيــة مراقبــة مــدى خضوعهــا ملعايــر‬
‫العمــل الدوليــة‪ ،‬وإىل أي حــد تتأتــى مراقبتهــا؟‬
‫‪ -‬كمــا تســاءل آخــرون حــول إمكانيــة وضــع االتحــاد لربنامــج اقتصادي‬
‫واجتماعــي جديــد يحـدّد منــواال تنمويــا للجمهوريــة الثانية‪.‬‬
‫وإجمــاال كانــت توصيــات املشــاركني انطالقــا مــن هــذه املداخــات‬
‫الثــاث كاآلتــي‪:‬‬
‫✤ ✤عــى االتحــاد القبــول بالتعدديــة النقابيــة وتحصــن نفســه مــن الجانــب‬
‫القانونــي بالتمثيليــة‬
‫✤ ✤رضورة العمــل عــى ضبــط مدونــة أو دليــل إلحــكام التعاطــي مــع‬
‫االحتجاجــات املطلبيــة غــر النقابيــة وفقــا للمعايــر التاليــة‪:‬‬
‫• خلوّ التحركات من التوظيف الحزبي أو العقائدي‬
‫• مطابقــة أشــكال التحــركات وأســاليبها وأدواتهــا وخطابهــا‬
‫للمعايــر التــي يضبطهــا االتحــاد ملســؤوليه وجعلهــا ملزمــة قــدر‬
‫اإلمــكان‬
‫• العمــل عــى ترشــيد هــذه التحــركات قبــل وقوعهــا وتمكينهــا‬
‫مــن قنــوات جديــة تســمح لهــا بالحــوار والتفــاوض وتحقيــق‬
‫املكاســب‬
‫• العمــل عــى حمايتهــا منــذ انطالقهــا مــن االنفالتــات الذاتيــة‬
‫بمختلــف أشــكالها‬
‫• العمــل عــى توظيــف مــا تعلــق مــن هــذه التحــركات بالتنميــة‬
‫لفائــدة الجهــة والحركــة النقابيــة يف الجهــة‬
‫‪ -‬عىل املنظمة أن تطرح طرقا أخرى للنضال عدى اإلرضاب‪.‬‬

‫وإثــر ذلــك تــوىل املحــارضون الــر ّد فاعتــر األســتاذ ســامي العــوادي بــأن‬
‫الورقــة التــي قدمهــا لــم تكــن ورقــة تحليليــة بقــدر مــا هــي ورقــة تأريخيــة‬
‫تــرد األحــداث ال غــر‪ ،‬مضيفــا يف رده بأنــه ال يوجــد انكمــاش يف النمــو إذ‬
‫أن الناتــج الداخــي الخــام يتقــدم ولــو بنســبة ضئيلــة‪ ،‬وأنــه كان قــد تــوىل –‬

‫‪166‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫بطلــب مــن االتحــاد‪ -‬إنجــاز منــوال تنميــة يســتجيب للتحديــات الراهنــة‪ ،‬وهــو‬
‫ال يــزال ينتظــر انعقــاد املجلــس الوطنــي للحــوار االجتماعــي‪ :‬اإلطــار األمثــل‬
‫لتقديمــه‪ ،‬كمــا اعتــر أن املجهــود الــدرايس أصبــح واقعــا يف االتحــاد رغــم أن‬
‫بعــض النقابيــن ال يهتمــون بــه إال ظرفيــا‪.‬‬

‫أمــا األســتاذ عبــد الســام النصــري فقــد اعتــر بــأن تحــوالت ســوق العمــل‬
‫كمــا وردت يف محارضتــه حظيــت باهتمــام الحارضيــن ّ‬
‫معقبــا بــأن ذلــك هــو‬
‫أن عــى االتحــاد إعطــاء أهميــة لفهــم هــذه التحــوالت‬ ‫املطلــوب‪ ،‬ومضيفــا ّ‬
‫وتحديــد التحديــات التــي تطرحهــا والتفكــر يف الحلــول املالئمــة للحــد مــن‬
‫انعكاســاتها الســلبية عــى مواقــع العمــل‪.‬‬
‫أمــا األســتاذ منــر الســعيداني فقــد شــكر كل مــن تفاعــل مــع مداخلتــه واعترب‬
‫أن املطــروح راهنــا يتلخص يف‪:‬‬

‫‪ .1‬الفهم وهذا جانب تضمنه الدراسات‬


‫‪ .2‬التفاعــل مــع كل التحــركات وتجنــب ردود الفعــل املحافظــة اجتنابــا‬
‫للتّشــي أو انعــزال املنظمــة عــن محيطهــا‬
‫‪ .3‬التفاعــل مــع مختلــف وجهــات النظــر حتــى ولــو كانــت متقابلــة ألن‬
‫األمــر ال يتعلــق بسياســة مــا حاليــا وإنمــا بسياســات وأوضــح مثــال عــى‬
‫ذلــك املوقــف مــن ميزانيــة ‪.2017‬‬

‫امــا املداخلــة األخــرة يف فعاليــات النــدوة فكانــت لألمــن التنفيــذي لالتحــاد‬


‫العربــي للنقابــات األخ مصطفــى التليــي حــول «االتحــاد العــام التونــي‬
‫للشــغل واملحيــط النقابــي العربــي والــدويل» عــدّد يف مســتهلها املكاســب‬
‫التــي تأتّــت لالتحــاد العــام التونــي للشــغل ولتونــس عمومــا مــن انضمامــه‬
‫إىل الكنفدراليــة العامليــة للنقابــات الحــرة حيــث كانــت هــذه األخــرة تدعــم‬
‫الشــعوب لنيــل اســتقاللها‪ ،‬بــل ســاهم ذلــك يف تمتّــع تونــس بأقــى الدعــم‬
‫لسياســاتها التنمويــة خــال الســتينات فضــا عــن تدخلهــا لفـ ّك الحصــار عــن‬
‫االتحــاد وإنهــاء الحملــة القمعيــة التــي تعــ ّرض لهــا ســنتي ‪ 1978‬و‪1985‬‬
‫ممــا م ّكنــه مــن مقومــات الصمــود والبقــاء‪ ،‬وال زالــت الحركــة النقابيــة الدولية‬
‫املمثلــة بصفــة استشــارية يف مجلــس إدارة صنــدوق النقــد الــدويل تدفــع بهــذا‬
‫الصنــدوق إىل معاملــة أكثــر رفقــا بتونــس مــن خــال التخفيــف مــن رشوطــه‪،‬‬

‫‪167‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫محتجّ ــة بــرورة مســاعدة بالدنــا عــى تحقيــق االنتقــال الديمقراطــي‪ ،‬بــل‬
‫ويتعــزز موقــف االتحــاد بحملــة دوليــة مــن أجــل الحصــول عــى جائــزة نوبــل‬
‫للســام‪ ،‬وهــو اليــوم يــرأس االتحــاد العربــي للنقابــات الــذي قـ ّرر أن ال تكــون‬
‫العضويــة فيــه إال للنقابــات التــي لهــا درجــة معيّنــة مــن االســتقاللية‪ ،‬إال أن‬
‫هــذه النجاحــات ال يمكــن أن تحجــب النقائــص والتحديــات والتــي عــى رأســها‬
‫تمثيــل املــرأة والشــباب يف ســلطات قــراره بصفــة فعليــة والدفــاع عــن حقــوق‬
‫التونســيني يف بلــدان املهجــر وعــن حقــوق املهاجريــن اليــوم يف تونــس الذيــن‬
‫يعانــون اســتغالال شــبيها بــذاك الــذي يتــم يف الخليــج‪.‬‬

‫وبإحالــة الكلمــة إىل املشــاركني الحــظ بعضهــم بــأن اليــوم الثانــي مــن النــدوة‬
‫يتزامــن مــع ذكــرى حصــول بالدنــا – بفضــل االتحــاد – عــى جائــزة نوبــل‬
‫للســام وهــو حــدث لــم يتــم اســتغالله بالقــدر الــكايف خاصــة لتجذيــر‬
‫صــورة منظمتنــا لــدى الــرأي العــام الوطنــي داعيــا يف هــذا الســياق إىل مزيــد‬
‫تنويــع األدوار التــي يضطلــع بهــا‪ ،‬كمــا الحــظ البعــض اآلخــر ضعــف التأثــر‬
‫النقابــي عــى الصعيــد العاملــي مقابــل مــا يتمتــع بــه االتحــاد داخــل البــاد‬
‫وخارجهــا‪ ،‬مبديــا تخوّفــه مــن تنامــي دور املجتمــع املدنــي بصفــة تمكنــه‬
‫مــن اكتســاح مجــاالت نشــاط االتحــاد خاصــة وأن جــزءا منــه موجّ ــه وخاضــع‬
‫لجهــاز تمويــل مشــبوه‪ ،‬وتســاءل بعضهــم ونحــن عــى مشــارف ســنة ‪2017‬‬
‫عــن مســتقبل تونــس االقتصــادي يف ضــوء غيــاب منــوال تنميــة وعــن مــدى‬
‫تحصــن االتحــاد كــي يتمكــن مــن مجابهــة التحديــات االقتصاديــة واالجتماعية‬
‫القائمــة؟ وطــرح البعــض اآلخــر مســألة انســحاب منظمتنــا مــن االتحــاد‬
‫الــدويل لنقابــات العمــال العــرب وتركهــا املقعــد لنقابــة صفــراء لتمثيــل بالدنــا‬
‫صلبــه‪ ،‬داعيــا إىل اإلرساع بفــض مســألة التمثيليــة كمــا اعتــر بعضهــم رضورة‬
‫مراجعــة القوانــن الشــغلية يف اتجــاه تحقيــق انســجامها مــع شــعارات ثــورة‬
‫الحريــة والكرامــة‪ ،‬كمــا دعــا بعضهــم إىل إعــداد برنامــج لوحــدة عربيــة يقــوم‬
‫عــى ورقــة واضحــة خدمــة لقضايــا األمــة‪ ،‬وأن جائــزة نوبــل للســام أبــرزت‬
‫عملنــا لــدى الــرأي العــام الــدويل ورفعــت صورتنــا بــن نقابــات العالــم‪ ،‬وتلــك‬
‫هــي وســيلة حمايــة االتحــاد إىل جانــب مــا يتمتــع بــه مــن ثقــل لــدى الــرأي‬
‫العــام الوطنــي‪.‬‬

‫ّ‬
‫فــض إصــدار‬ ‫وتعقيبــا عــى التدخــات اعتــر األخ ســامي الطاهــري بــأن‬

‫‪168‬‬
‫ثوابت التجربة النقابية و مقتضيات التجدد و التأقلم‬

‫قانــون املجلــس الوطنــي للحــوار االجتماعــي أصبــح أمــرا ملحــا باعتبــاره‬


‫اإلطــار األمثــل الــروري لفــض مســألة التمثيليــة داعيــا إىل التفريــق بــن‬
‫التعدديــة والتمثيليــة حيــث تعنــي األوىل حــق التنظــم بينمــا تعنــي الثانيــة‬
‫عــدد املنخرطــن الــذي يتيــح ملنظمــة مــا التفــاوض باســمهم مالحظــا يف هــذا‬
‫يتوفــر عــى ‪ 55000‬مســؤول‬ ‫الصــدد بــأن االتحــاد العــام التونــي للشــغل ّ‬
‫نقابــي ينشــطون يف ‪ 7200‬هيــكل صلــب املنظمــة‪ ،‬ومبينــا يف كلمتــه بــأن ّ‬
‫تأخــر‬
‫تأخــر إنجــاز الدســتور ثــاث‬ ‫مراجعــة قانــون الشــغل بعــد ‪ 2011‬مــردّه ّ‬
‫ســنوات عــن موعــده‪ ،‬كمــا أن تعطــل املجلــس الوطنــي للحــوار االجتماعــي‬
‫نجــم عنــه تع ّ‬
‫طــل تنــاول منــوال التنميــة‪.‬‬

‫وأوضــح األخ قاســم عفيــة بــأن االتحــاد لــم ينســحب مــن االتحــاد الــدويل‬
‫لنقابــات العمــال العــرب وإنمــا جمّ ــد عضويتــه بغايــة دفعــه إىل مراجعــة‬
‫سياســاته املنخرطــة يف تمجيــد الحكومــات وحثّــه عــى االنحيــاز إىل الشــغالني‬
‫وقضاياهــم بديــا عــن ذلــك إال أنــه تجــاوز التجميــد وعمــد إىل إلغــاء عضويتنــا‬
‫صلبــه يف رضب ســافر لقانونــه األســايس الــذي ال يخوّل لــه ذلــك‪ ،‬وإن انضمامنا‬
‫إىل االتحــاد العربــي للنقابــات منحنــا قــوة لــدى الكنفدراليــة النقابيــة الدوليــة‪.‬‬
‫أمــا األخ محمــد الســحيمي فقــد اعتــر أن مصــدر قــوة االتحــاد قواعــده‬
‫وإطاراتــه التــي تشــارك يف هــذه النــدوة والتــي تضمــن التجــدد والتحديــث‪،‬‬
‫مالحظــا بــأن قضيــة النــوع االجتماعــي ال يعفــى منهــا أحــد ألنهــا مقاربــة‬
‫تضمــن التــوازن ودونهــا يضعــف دور االتحــاد أمــام الحركــة النقابيــة الدوليــة‬
‫وتجعلــه بعــد ‪ 71‬ســنة مــن وجــوده ال يرتقــي إىل مســتوى التأســيس‪ ،‬وقضيــة‬
‫الوحــدة العربيــة تطــرح اليــوم بحــدة ألن اقتصــاد الســوق لــم يعــد يســمح‬
‫إال بســوق واســعة يف حجــم اقليــم املغــرب العربــي والوطــن العربــي عمومــا‬
‫ودون ذلــك ال يمكــن أن نتحــدث عــن أوطــان مســتقلة وقويــة باســتقاللها‬
‫االقتصــادي‪ ،‬كمــا دعــا األخ محمــد الســحيمي يف كلمتــه إىل وضــوح الرؤيــا‬
‫وإىل االســتقاللية التنظيميــة للحركــة النقابيــة التــي ال تســمح بالتذيّــل ألي‬
‫حــزب ألن النقابــات ال بــد أن تتوفــر عــى براقماتيــة ال تتوفــر لــدى أصحــاب‬
‫اإليديولوجيــات‪ ،‬داعيــا يف نفــس الوقــت إىل توحيــد الرؤيــة بل ـ ّم شــمل الكتلــة‬
‫التاريخيــة يف كنــف االســتقاللية كمــا الحــظ بــأن العالقــة بــن التكويــن‬
‫والدراســات والعالقــات الدوليــة ال زالــت ضعيفــة يف حــن أن االســراتيجيات‬
‫تبنــى بهــذه األعمــدة الثــاث‪ ،‬وإن تحــدي التنميــة يفــرض اليــوم نفســه حتــى‬

‫‪169‬‬
‫االتحاد العام التونيس للشغل و تحديات ثورة الحرية و الكرامة‬

‫يتحقــق االنتقــال الديمقراطــي الــذي نريــد‪ ،‬مالحظــا يف نهايــة كلمتــه بــأن‬


‫املســائل التــي طرحتهــا النــدوة وطرحهــا املشــاركون يف تدخالتهــم تبـ ّ‬
‫ـن بــأن‬
‫ـي بهــذه القــوة التــي تعتــر وقــود حــراك االتحــاد‪.‬‬
‫االتحــاد حـ ّ‬

‫‪170‬‬

You might also like