Professional Documents
Culture Documents
إدغار موران
إدغار موران
إدغار موران
اإلنسان والثالوث :البيو -سوسيو -أنتروبولوجي
ترجمة :د .خديجة زتيلي
ّ ّ
هذا السؤال الذي ال يثير اهتمام البعض منا وحسب بل جميعنا لم يعالج قط في
ّ
التربوية ،سواء أكان ذلك في الابتدائي أو الثانوي أو في التعليم الجامعي .هناك منظومتنا
ّ ّ
بكل تأكيد اختصاص نطلق عليه ألانثروبولوجيا لكنه محصور في املجتمعات القديمة
''التي لم تعرف الكتابة''.
أن كلمة ''أنثروبولوجيا'' ّ ّ
املهمة كانت تعني في القرن التاسع عشر املعرفة التي غير
ّ ّ ّ ّ
والفيزيائية ،في البيولوجية تضم العلوم املختلفة املتعلقة باإلنسان ومن بينها العلوم
ّ ّ أن إلانسان اليوم ،في شموليته ّ ّ
والتعليمية املعرفية وتنوعه ،أصبح في منظومتنا حين
أن كلمة ''إلانسان'' ّ L’homme / ّ ّ
مهمة في هذا السياق غامضا متجاهال ومنسيا .صحيح
لكنها ليست كافية ملاذا؟ بداية ّ كافية ،و ّ إال ّأنها غير ّ ّ
ألنها تشير إلى الفرد وتستبعد
ّ ّ ّ
ثم ألن لها داللة مذكرة رغم أن الكلمة محايدة و تخفي في ثناياها ،بشكل من املجتمع،
ّ
ألاشكال ،مضمونا مؤنثا .لهذا ّ
أفضل الاستناد على عبارة إلانسان L’humainبدال من
إلانسان .L’homme
ّ ّ ّ ّ
إن التعريف ّ
ألاول
يتضمن الفرد فقط ،بل املجتمع إلانساني والنوع ثالثي ألنه ال
أتطرق إلى هذا الثالوث فلكي أشير إلى العالقة البيولوجي أو باألحرى العرق البشري .وإذ ّ
ّ ّ
املتينة التي تجمع بين هذه املواضيع الثالثة ،ألننا ال نستطيع القول أن إلانسان هو
ّ
%33فرد و %33مجتمع و %33بيولوجيا .ما يمكن قوله ،أن إلانسان هو %011فرد
ّ ّ ّ ّ
الاجتماعية ،أن و %011اجتماعي و %011بيولوجي .ملاذا؟ ألن املؤكد ،من وجهة النظر
ّ ّ
تتسرب إلى عقله ،خالل تنشئته ،الثقافة واللغة الانسان عنصر صغير من مجتمع ما،
ّ
وألاخالق وألافكار فيتغذى منذ والدته من املجتمع وعن طريقه.
خلية منكل ّ الكل ،إذا علمنا أن ّ ّ يتضمن الجزءّ ليس من الغرابة في ش يء أن
ّ
جسمنا كجلدنا مثال إنما تحتوي على مجمل إلارث الجيني الوراثي .وبطبيعة الحال
الكل بوصفه كذلك لكن ّالخليةّ ،ّ تم التعبير عنه وتفعيله في يقتصر ألامر هنا على جزء ّ
يحضر في هذا الجزء الصغير .وهو ما يمكن أن نطلق عليه مبدأ الصورة ّ
ثالثية ألابعاد.
أن ّ ّ
كل نقطة في الصورة تعكس نقطة أخرى من الش يء ففي التصوير الفوتوغرافي نجد
عمليا على مجملّ كل نقطة تحتوي عّر عنه كالسيارة مثال .في الصورة ثالثية ألابعاد ّ امل ّ
ّ الكل فقط بل ّ الش يء ،ال الجزء في ّ
الكل في الجزء ،وهو ألامر الذي يستدعي القول أن
ّ ّ
الكل هو %011فردي ،وأن الانسان هو أيضا %011اجتماعي .
ّ
وألامر نفسه يتعلق بالكائن البيولوجي ،ألن الفرد إلانساني هو لحظة ،وجزء صغير
عملية شاملة تتض ّمن بداخلها ّ ضمن نوع ونظام إنتاج متواصل .وهذا الجزء هو نتاج
الكل :ففي الدماغ توجد مجمل الجينات التي تكون حاضرة في الجسم أيضا .واملبدأ ّ
ّ ّ
نفسه نجده ال في القول أننا %011أفراد ،لكننا أيضا %011عناصر من النوع
البشري .وال تتوقف ،هنا ،العالقة بين الفردي والاجتماعي والبيولوجي.
لنأخذ مثال العالقة التي تربط الفرد ونظام إنتاج النوع ،فلكي يحافظ هذا النظام
ّ ّ ّ
التطور. جنسيا إلنتاج نسل يواصل بدوره على بقائه يتطلب ألامر تزاوج فردين مختلفين
ّ ّ
عملية إعادة إنتاج النوع إلانساني ،ولكننا في الوقت عينه بمعنى آخر نحن نتاج
املنتجون ،أي نحن املنتج واملنتج في آن واحد .وهو ألامر الذي يستدعي إدخال فكرة
ّ ّ ّ
املتكررة هي املسار الذي تكون ''متكررة'' ،والحلقة أخرى :تتعلق بوجود ''حلقة'' سميتها
ّ ّ فيه املنتجات ضرورّية إلنتاجها الخ ّ
البشرية في النوع هي اص .وهذا ألامر يعني أن ألافراد
من الضرورة بمكان إلنتاج النوع نفسه ،وهو التماثل ذاته الذي نعثر عليه في املجتمع:
فالفرد هو منتج املجتمع الذي ينتجه.
ّ
لكنه ي ّ ّ
تضمن أيضا عددا إن املجتمع هو حصيلة تفاعالت بين ألافراد ال حصر لها،
ّ ّ
الخاصة به كالثقافة واللغة وسلطة الدولة .وهذه املميزات تكتسب من السمات
ّ
الكل هو إضافة مشروعية وجودها انطالقا م ّما سميته ''نظاما'' ويعني ما يلي :ليس ّ
الكل ّ ّ ّ
مميزات وصفات جديدة نطلق عليها انبثاقات. ألاجزاء ،بل تتشكل على مستوى
خاصة ال نجدها في ذ ّرات الهيدروجين وألاكسيجين التي ّ فمثال جزيء املاء له صفات
ّ ّ ّ ّ ّ
البكتيريا ،تشكل من مجموع تفاعالت بين جزيئات فيزيو - الحي ،حتى تشكله .والكائن
ّ ّ
كيميائية ،لكن الكائن هذا يتمتع بصفات ال توجد على مستوى الجزيئات الفيزيو-
كيميائية ،كالقدرة على إلانتاج الذاتي والترميم الذاتي وإلادراك ،إلخ. ّ
يتم توطين اللغة والثقافة ،وهما من خصائص املجتمع ،في ألافراد وترسيخهما ّ
توقف ينتج هذا ّ ّ فيهم :فينضوي ،عندئذّ ،
الكل عن طريق الكل تحت الجزء ،ومن دون
دمرنا املجتمع بقنبلة ّ
نووية ،ستسلم معالم مثل إلاليزيه التفاعالت بين ألافراد .فلو ّ
وقصر البوربون ومدرسة الدراسات العليا والسوربونّ ،
لكن البشر يختفون والنتيجة ال
جدد املجتمع ويعيد وجود للمجتمعّ .إننا بوصفنا أفرادا ،من خالل تفاعالتنا ،من ي ّ
ّ ّ
إنسانيين على تجديده ،وهو ألامر الذي يعني ،عالوة على ذلك ،أن املجتمع ينتج أفرادا
ّ ّ ّ
وجه الدقة ،ألنه يضطلع بمهام اكتمالهم عن طريق تمكينهم من اللغة والثقافة .ليس في
ّ
وسع املرء الفصل بين املفاهيم الثالثة املتعلقة بالفري والاجتماعي والبيولوجي ،وال
4 www.couua.com |
إدغار موران اإلنسان والثالوث :البيو -سوسيو -أنتروبولوجي
ّ
املبسط لهذا الثالوث يخفي في امكانية أن يعمل الواحد منها من دون لاخر ،فالشكلّ
ّ ّ ّ
الواقع تفاعالت معقدة ،إال أن هذا إلانسان الثالثي يغفله التعليم عندنا.
ّ
ألاساسية لإلنسان، ّ
مأساويا بين هذه ألاقطاب الثالثة يعرض نظامنا التربوي فصال
ّ
ولعل خير فيتم تدريسه على نحو منفصل من منظور البيولوجيا ومن منطلق العلوم، ّ
مثال على ذلك طريقة التعاطي البيولوجي مع الدماغ وبشكل خاص في علم ألاعصاب في
ّ
الطبيعية والعلوم فيتم الفصل بين العلومحين يسجل العقل في مجال علم النفسّ ،
املكون لإلنسان .كذلك هي العالقة ،بين الفرد واملجتمع، إلانسانية لتحليل العنصر ذاته ّ
ّ
ّ ّ
الانسانية في كثير من ألاحيان .إن الاتجاه السائد في السوسيولوجيا منفصلة في العلوم
ّ ّ هو اعتبار ألافرادّ ،
اجتماعية، محددين بدقة ،كدمى ،تقريبا ،يعتمدون على سيرورات
على وضعيتهم في املجتمع ،على طبقتهم وعلى عاداتهم ،إلخ ،فيميل الفرد إلى الذوبان في
السوسيولوجيا ،واملجتمع إلى الذوبان في البسيكولوجيا ،باستثناء علم النفس
الاجتماعي ،وهو فرع من املعرفة هجين يجمع قدر املستطاع بين مجالين متباعدين.
ويعزى هذا التقارب ،كما غيره من التقاربات ،إلى أحداث بارزة تعود إلى القرن املاض ي
سمحت بإعادة التفكير في الحدود املوجودة بين علم النفس وعلم الاجتماع.
ّ ّ ّ ّ
الانسانية مجزوءة وتتقلص وشائج العامة ،فإن العلوم ومع ذلك ،وفقا للقاعدة
تام لفكرة الانسان .فاملجهودات، القربى فيما بينها بشكل جذري ما يفض ي إلى انهيار ّ
وتعد مساع ناقصة لم تأخذ ّ لوصل إلانساني بالبيولوجي كانت ،بكل أسف ،مختزلة.
ّ
بعين الاعتبار الطبيعة املعقدة للكائن إلانساني .لنأخذ حالة السوسيو بيولوجيا التي
البشرية انطالقا مما يحدث في املجتمعات الحيوانية ،ال ّ
سيما ّ تزعم فهمها للمجتمعات
املحددة من الجينات، ّ التعرف على السلوكياتّ على مستوى الجينات ،نجدها تحاول
وهو ما قام به ريتشارد داوكينس Richard Dawkinsفي كتابه الجين ألاناني Le Gène
ّ ّ
،égoïsteووفق طرحه فإن الجينات هي التي تتحكم فينا أشخاصا وأفرادا ومجتمعا،
ّ
متأخرا ،فالعالقة بالطبيعة ّ ّ
ألام ،التي توجد في الكثير من بشأنها تشكل الوعي لدينا
تم طمسها في العالم الغربي .والسبب ّ
ألاول في ذلك يعود إلى الدين، الثقافات ألاخرىّ ،
الرب إلاله ،وحض ي وفقا للنصوص بخلق ّ فوفق إلانجيل خلق الانسان على صورة
ّ
املسيحية من القيامة املتبوعة بحياة كل الحيوانات ألاخرى ،ويستفيد في منفصل عن ّ
أن جميع الكائنات ّ ّ ّ
الحية ألاخرى مصيرها الفناء .وقد أبدية إذا كان مؤمنا ،في حين
حدة الوعي بالفصل بين الانسان والطبيعة أثناء ّ
تطور املجتمع والحضارة تعاظمت ّ
ّ
خاص في القرن السابع عشر . ّ
الغربية ،وبشكل
فالحيوان آلة منزوعة العقل والروح حسب ديكارت الذي قام بفصل ّ
تام بين
ّ
إلانسان الذي يتمتع بالعقل ،والحيوان الذي ال يحظى به ،وحسبه باستطاعة الانسان
ّ أن يصير ّ
سيدا على الطبيعة ومعلما لها بفضل العلم .تحمل هذه الفكرة في ثناياها
تطور العالم الاقتصادي والرأسمالي والتجاري املهيمن على ثقافتنا ،وهي الفكرة مسار ّ
كان يجب انتظار العقود ألاخيرة من القرن العشرين ،ابتداء من عام ،0791لكي
ّ
يتجلى فهم العالقة الحميمة املوجودة بيننا وبين الطبيعة ،أو ما يمكن أن نطلق عليه
ّ
البيئية ّ
السياسية الوعي البيئي .فالوعي البيئي– وال أقصد في هذا السياق الحركة
الحالية حيث يوضع هذا الوعي نوعا ما بين أقواس – يسجل في علم جديد تط ّور حول
فكرة النظام البيئي :إذ يخلق التفاعل بين النباتات والحيوانات واملناخ والجغرافيا
ّ ّ
تلقائيا منظما بشكل ذاتي .وتشكل جميع ألانظمة والجيولوجيا ،في محيط ما ،نظاما
ّ ّ ّ
نظن أننا نستطيع البيئية على كوكبنا ما نسميه املحيط الحيوي الذي يحتوينا ،وكنا
ّ ّ ّ
السيطرة عليه والتالعب به .غير أن املالحظ ،بهذا الشأن ،أننا كلما سيطرنا عليه
ّ ّ ّ
أفسدناه وأفسدنا ظروف حياتنا ،وكلما صدقنا ،في هذه العالقة ،تملك الطبيعة كلما
كنا متملكين من طرف ّ ّ
قوة تقودنا إلى أقص ى النقيض :إلى التدمير الذاتي .لكن بفضل
الفيزيائية على ّ
حد ّ الوعي البيئي بدأنا نحاول إدراك عالقتنا مع الطبيعة ّ
الحية والطبيعة
سواء ،وهو جانب آخر من تعقيدنا كبشر.
مادة فيزيو -كيميائية ،بدءا بوحيد الحي مش ّكل بالكامل من ّأن الكائن ّّ
إن اكتشاف
ّ
ّ
التقدم العلمية للقرن العشرين ،وأحد الروابط بين ّ ّ
التطورات خلية ،كان من أكّر ال ّ
والتقدم البيولوجي .لقد ّتمت الّرهنة في عام ،0791بعد الاكتشافات التي قام ّ الفيزيائي
ّ ّ ّ
مسجلة في الوراثية بها واطسون Watsonتحت إشراف كريك ،Crickأن الشيفرة
عنصر كيميائي هو الحمض النووي :ADNفالحمض النووي الريبي املنقوص
ألاكسجين هو ما ّ
يتم نقله من الحمض النووي الريبي إلى الّروتينات ،على عكس ما كان
ّ
التطور الفيزيو – كيميائي ّ
قصة
************************
ّ
أكاديمية وكاتبة من الجزائر. (*)