ان قولنا لفظ "ابستمولوجيا العلوم اإلنسانية " يشير اللفظ إلى لقاء حقلين معرفيين "االبستمولوجيا" من جهة و"العلوم اإلنسانية" من جهة اخرى ،وباعتبار االبستمولوجيا نظرية في المعرفة العلمية وتهدف إلى إبراز القيم العلمية من خالل نقد فروض العلم ونتائجه وبيان أسسه المنطقية ،وفي المقابل نجد العلوم اإلنسانية باعتبارها مجال من مجاالت العلم والتي تحاول أن تقدم لنا فهما لمختلف الظواهر اإلنسانية، وبالتالي من خالل هذا الموجز يمكن اعتبار لقاء هذين الحقلين أمر بديهي ومنطقي في نفس الوقت. في مفهوم إبستمولوجيا العلوم اإلنسانية ففي الوقت الذي شقت فيه العلوم الطبيعية طريقها باستقاللها بموضوعها ومنهجها الخاص حيث تكللت الدراسات في هذا الميدان بتحقيق نتائج باهرة ودقيقة وهو ما اغرى الباحثين في االنسانيات بالسير نحو منحى ما سارت إليه العلوم الطبيعية محاولين تأسيس علم مستقل يهتم بدراسة الظاهرة اإلنسانية وهو ما يعرف اليوم بالعلوم اإلنسانية. فالعلوم اإلنسانية من العلوم الحديثة من حيث النشأة والتي تشمل مجاالت عدة كالتاريخ ،األدب ،الفن، الفلسفة …،إلخ باعتبارها موضوعات تدرس الظواهر االنسانية بأبعادها المختلفة ( النفسية، االجتماعية ،االقتصادية ،التاريخية ،الثقافية…). اال أن العلوم اإلنسانية منذ بدايات تأسيسها تطرح حولها تساؤالت ابستمولوجيا ،ولعل أولى هذه التساؤالت هو محل جدل بين قطبين تجسدا في االسم نفسه علوم/إنسانية مفاده كيف نجمع بين العلم الذي برز في دراسة الظواهر المادية مع اإلنسانية التي هي صورة من صور المعنوية والتي هي في األساس موضوع للفلسفة؟ ،وبالتالي كيف يمكن أن تكون الظاهرة اإلنسانية أن تغدو موضوعا للعلم؟ ،وهل باإلمكان ان تقتبس العلوم اإلنسانية المنهج التجريبي للعلوم الطبيعية وتتخذه منهجا لدراسة الظاهرة اإلنسانية ؟. ان هذه التساؤالت المطروحة شكلت موضوعات ابستمولوجية في العلوم اإلنسانية وعرفت بتسميات عدة مثل "أزمة الموضوعية في العلوم اإلنسانية"" ،أزمة المنهج في العلوم اإلنسانية" ،وهذه األزمات يشار اليها على أنها عوائق جعلت من العلوم اإلنسانية متخلفة نسبيا عن العلوم الطبيعية. وبالتالي ،المقصود ابستمولوجيا العلوم اإلنسانية هي انها الدراسات النقدية في موضوعات العلوم اإلنسانية قصد الكشف عن العوائق الممكنة وتذلياها ،فهي تفحص األسس والطرق العلمية في دراسة الظاهرة العلمية ،والتداوالت الناتجة في المعرفة في مجاالت العلوم اإلنسانية المختلفة. الظاهرة اإلنسانية ان مجمل اإلشكاليات المطروحة في العلوم اإلنسانية يعود بالدرجة االولى الى الموضوع محل الدراسة وهو الظاهرة اإلنسانية نفسها اذ يمكن ان تعرف الظاهرة اإلنسانية انيه على انها جملة األحداث والظواهر التي تنشأ عن تفاعل اإلنسان مع نفسه ومع بيئته ومع أفراد المجتمع انها تشكل مختلف جوانب الحياة البشرية ونشاطها. خصائص الظاهرة اإلنسانية التنوع وتعددية :الظاهرة اإلنسانية تتميز بتنوعها الهائل حيث يعكس كل فرد ومجتمع طابعا فريدا وخصائص فريدة. التفاعل والتأثير :تعكس الظاهرة اإلنسانية التفاعل الدائم التأثير المتبادل بين األفراد والمجتمعات. التاريخ والتطور :تظهر الظواهر اإلنسانية تاريخ اإلنسان وتطوره مع ارتباطها بالتغيرات االجتماعية والثقافية على مر العصور. التعقيد والتفرد :الظاهرة اإلنسانية تتسم بالتعقيد والتفرد حيث يصعب فهمها بشكل كامل نظرا لتداخل العوامل المتعددة. الوعي والتفكير :يتضح بالظواهر االنسانية الوعي والتفكير حيث يشارك في عمليات الفهم والتأمل حول حياتهم وبيئتهم. االجتماعية والفردية :الظاهرة اإلنسانية تنعكس فيها التفاعالت بين البعد االجتماعي والفردي حيث يلعب كل منهما دورا في تشكيل الظاهرة اإلنسانية.