You are on page 1of 14

1

‫صور من براعة االستهالل والتخلص في شعر المحامي آدم عثمان‬


‫ُغ ْمبي‬
A picture of preface and disposal ingenuity in Barrister Adam Usman
Gombe poem

‫إعداد‬

‫صفي عبد القادر‬


ُّ ‫الدكتور محمد‬
Dr. Muhammad Safiyyu Abdulkadir
Dept. of Languages, Arabic Unit

,FEDERAL UNIVERSITY KASHERE


GOMBE, GOMBE STATE NIGERIA
E-mail:muhammadsafiyyuabdulkadir@gmail.com
GSM: +2348065992340

2018 :‫تاريخ‬
‫‪2‬‬

‫صور من براعة االستهالل والتخلص في شعر المحامي آدم عثمان‬


‫ُغ ْمبي‬
‫‪A picture of preface and disposal ingenuity in Barrister Adam Usman‬‬
‫‪Gombe poem‬‬

‫‪ABSTRACT‬‬
‫‪This article is an assessment of the poem titled A picture of preface and disposal ingenuity in‬‬
‫‪Barrister Adam Usman Gombe poem. The poem was written by Barrister Adam Usman Gombe.‬‬
‫‪The article focuses specifically on literary description through the analysis of the selected poem.‬‬
‫‪It gives a biography of the poet and his contribution to the field of Arabic Language and its‬‬
‫‪.learning. The article uses description and analysis in its approach‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪H‬ون‪َ .‬وأَنَّ ُه ْم‬
‫ون‪ .‬أَلَ ْم ت ََر أَنَّ ُه ْم فِي ُك‪ِّ H‬ل َوا ٍد يَ ِهي ُم َ‬ ‫ش َع َرا ُء يَتَّبِ ُع ُه ُم ا ْل َغا ُو َ‬
‫الحمد هلل القائل " َوال ُّ‬
‫َص ُروا‬ ‫ت َو َذ َك ُروا هَّللا َ َكثِي ًرا َوا ْنت َ‬‫صالِ َحا ِ‬ ‫ين آَ َمنُوا َو َع ِملُوا ال َّ‬ ‫ون‪ .‬إِاَّل الَّ ِذ َ‬‫ون َما اَل يَ ْف َعلُ َ‬
‫يَقُولُ َ‬
‫‪H‬ون" (الش‪HH‬عراء‪)227-422 /‬‬ ‫ب يَ ْنقَلِبُ‪َ H‬‬ ‫ين ظَلَ ُم‪HH‬وا أَ َّ‬
‫ي ُم ْنقَلَ ٍ‬ ‫ِمنْ بَ ْع ِد َما ظُلِ ُموا َو َ‬
‫سيَ ْعلَ ُم الَّ ِذ َ‬
‫والصالة والسالم على أفصح من نطق بالضاد وأدبه هللا أحسن تأديب‪HH‬ا نبين‪HH‬ا وموالن‪HH‬ا‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫إن هذا المقال ألقى اهتمامه على براعة االس((تهالل وبراع(ة التخلص علم(ا ً ب((أن‬
‫اإلبداع في فن الشعر الفذ الجيد يعد في ابتداء األديب بما يشعر به من غرض في نظم‬
‫قصيدته وقدرته على االنتقال واالختالس الحساس بوجه رقي((ق ودقي((ق المع((نى بحيث‬
‫ال يشعر السامع بما يجري من انتقال الشاعر من المعاني المختلفة إال وق((د وق((ع علي((ه‬
‫المعاني األخرى لشدة التوافق وااللتئام بينهما‪ ،‬ولقد أحسن الشاعر في هذ الجانب( الفني‬
‫فاس((تهل في أش((عاره بم((ا ينس((جم م((ع البيئ((ة وطبيع((ة موض((وعاته فع((بر عن الص((ورة‬
‫الحقيقية لموضوعاته من خالل استهالله وتخلصه في أشعاره‪ ،‬وقدم ب((ذلك خدم(ة حي(ة‬
‫يع((رف من خالله((ا ج((ودة ومه((ارة في تك((وين األدب الع((ربي في المجتم((ع النيج((يري‪.‬‬
‫ولمعرفة هذا وذاك جاء هذا المقال القصير ليلقي الضوء على النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬نبذة تاريخية عن الشاعر آدم عثمان‬
‫‪ -‬المبحث الثاني‪ :‬عرض نموذجي سريع لبعض شعره‬
‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬صور تحليلية لبراعة االستهالل في شعره‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬المبحث الرابع‪ :‬صور تحليلية لبراعة التخلص في شعره‬


‫ثم الخاتمة والهوامش والمصادر‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬نبذة تاريخية عن الشاعر آدم عثمان‬
‫نسبه‪ -:‬هو آدم بن عثمان بن محمد بن "بُوسي" الفالتي العريق ينتسب إلى أسرة‬
‫ذات علم ودين من القبيلة الفالتية وتعد أس((رته من أنص((ار المجاه((د الش((يخ عثم((ان بن‬
‫فودي ‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ -‬في حملته الجهادي((ة واإلص((الحية‪ .‬وك((ان الش((اعر ينتمي إلى‬
‫أسرة حاكمة تتولى السلطة في قرية "بَرْ نِي" ‪ .‬وقد عرف لألسرة مكانة منيرة في العلم‬
‫إذ أن أباه الشيخ عثمان عالم وشهير يقصده طلبة العلم من أماكن مختلفة‪ ،‬يأخذون عنه‬
‫الدين واللغة‪ ،‬ويستمع إليه الناس تفسير الجاللين في رمضان(‪.)1‬‬
‫مولده ونشأته‪ -:‬ولد الشاعر آدم بن عثم((ان ق((رن في الي((وم الس((ابع عش((ر من "م((ايو"‬
‫ُول َج ْن ِغ َرا ُوو" تقع في حكومة " ُغ ْمبِي" (‪ )Gombe‬من‬
‫عام (‪1957‬م) في قرية تسمى "ب َ‬
‫والية " ُغ ْمبِي" (‪ )Gombe‬حاليا وذلك بعد أن تم هاجر والده إليه((ا‪ ،‬ثم انتق((ل الوال((د بع((د‬
‫والدة آدم إلى قرية "بُو َل بَرْ ِدي" وفيها قضى الوال((د حيات((ه كله((ا إلى وفات((ه في ع((ام (‬
‫‪1982‬م)‪.‬‬
‫نشأ آدم عثمان في بيت ش((عاره ال((ورع والزه((د‪ ،‬ش((عاره األدب والعلم‪ ،‬اإليم((ان‬
‫واألخالق‪ ،‬وفي((ه الش((رفاء ال((ذين هم في المحاس((ن والمحام((د قم(ة يش((ار إليهم بالبن((ان‪،‬‬
‫وفتح آدم عينيه وهو في كفالة والده عثمان يغذيه التربي((ة ويطعم((ه العلم ويش((ربه القيم‬
‫ويهذبه باألخالق ويكسوه األدب حتى زاد ثالث سنوات بعد عقد كامل من عم((ره ومن‬
‫ثم بدأ يتلقى عنه العلوم الدينية واللغوية والتصوف‪ ،‬ف((ازداد مه((ارة وخ((برة ووعي((ا في‬
‫ثقافته خالل دراسته من الكتب األولية المتداولة في المنطقة ثم لم ي((زل وه(و على ه((ذا‬
‫النمط حتى نال مقدرة ما يستعمل به العربية كتاب(ة وق((راءة مم((ا جعل((ه يق((رض الش((عر‬
‫وهو يافع من عمره‪ ،‬وهكذا لم يتوقف بل واصل زحفه العلمي ليصل إلى كتب أخ((رى‬
‫في فنون مختلفة في ال((دين واللغ((ة على أي((دي مش((اهير من العم((اء بين الق((رى والبالد‪.‬‬
‫وكان له أيضا حظ ج((وهري من النظ((ام التعليمي الح((ديث ففي ع((ام (‪1973‬م) التح((ق‬
‫بمدرسة تعليم الكبار فأتقن فن الحساب ومبادئ اإلنكليزية وأجاد القراءة في "الهوس((ا"‬
‫و"اإلنكليزية"‪ .‬به((ذا الت((درج العلمي تمكن أن يلتح((ق بمدرس((ة العل((وم العربي((ة "كن((و"‬
‫وقضى فيها أربع سنوات وفاز في العربية نطقا وكتابة وبعد أن كملت دراس((ته ع((ام (‬
‫‪1977‬م) التحق بجامعة عثمان بن فودي "صكتو" في ع((ام (‪1980‬م) وتخ((رج ع((ام (‬
‫‪1986‬م) وتخصص قبل في الشريعة والقانون فالتصل( بالمدرس((ة القانوني((ة النيجيري((ة‬
‫بـ"الَجُوسْ " (‪ )Lagos‬وسجل لمدة سنة كاملة ونال بها شهادة التخصص المه((ني ع((ام (‬
‫‪1987‬م) بعد هذه المراحل وطول الكد العلمي عاد السيف إلى قرابه حامال حلما يري((د‬
‫‪4‬‬

‫أن يحوله إلى حقيقة إلحياء روح الحياة المستقبلية له ولغ((يره من األم(ة جميع((ا‪ .‬وتع(د‬
‫ه(ذه الخط(وات وغيره(ا من تج((ارب الحي(اة االجتماعي(ة والسياس(ية واالقتص(ادية من‬
‫المؤثرات التي عملت في تكوين هويته الشاعرية واألدبية بصفة عامة‪)2(.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عرض نموذجي سريع لبعض شعره‬
‫نظم الشاعر قصائد في موضوعات عدة‪ ،‬بلغت أكثر من أربعة آلف قص((يدة منه((ا‪ :‬في‬
‫الدفاع والمظاهرة والترحيب‪ (،‬والتوديع‪ ،‬والتهنئة‪ ،‬والزيارة والذكرى والمدائح النبوي((ة‬
‫المولدية والغزل وغيرها من األغراض األدبية الحساسة‪:‬‬
‫ومنه((ا ه((ذه القص((يدة في "ال((دفاع عن الش((ريعة اإلس((المية" نظمه((ا دفاع((ا عن‬
‫الشريعة اإلسالمية لما قام بعض من كبار الساسة العلم((انيين أو الكف((ار ض((د الش((ريعة‬
‫اإلسالمية ومنعوا أن تكون جزء من الدستور النيجيري‪ ،‬تحت((وي على واح((د وأربعين‬
‫بيتًا (‪ )41‬من البحر الكامل‪ ،‬يقول في مطلعها‪:‬‬
‫وسعوا فسا ًدا يا لهم من عـار‬ ‫تبا لمن جحدوا بنعمة ربــهم *‬
‫للسلم مدوا الكف للــدوالر‬ ‫صحبوا الصهاينة الذين إذ دعوا *‬
‫وقفوا بشاطئ منهل منهــار‬ ‫يتزامرون على التآمر قل لـهم *‬
‫سحق الشريعة دون ما منشار‬ ‫*‬ ‫العام قد همت جنود كنيســة‬
‫وحينما ارتد سلمان رشدي وذلك لما ألف كتابه المس((مى بـ "اآلي((ات الش((يطان"‬
‫يهجم فيه على شخصية الرسول موالنا محمد صلى هللا عليه وس((لم ويق((ول في((ه كالم((ا‬
‫بشعًا‪ .‬لهذا الواقع قدم الشاعر قصيدة لل((دفاع عن الح((بيب المص((طفى ص((في هللا س((يدنا‬
‫محمد صلوات هللا الكاملة وسالمه التام عليه وللرد على المرتد البغيض الخبيث‪ ،‬يقول‬
‫في مطلعها‪:‬‬
‫بنو هاشم نالوا زرى المجد والهدى * بيمن الذي قد ما يسمى محمدا‬
‫وكان أمينا أحسن الخلق أحمدا‬ ‫ولواله ما عزوا وما فاح ذكرهم *‬
‫إلى الخلق ط ًرا مرسالً ثم مرشدا‬ ‫وأكرمه المولى بوحــي مفصل *‬
‫إذا آمنت تحظى شفاعته غـدا‬ ‫ليخرج من ظلم إلى النور أمــة *‬
‫مالئكـــة صلت عليه تعبدا‬ ‫وصلى عليه هللا واآلي أرشـدت *‬
‫وفي ص((لب الموض((وع في الج((زء األول المش((تمل على اث((ني عش((ر بيت((ا ي((بين‬
‫الشاعر عن ارتداد سلمان رشدى وما أدى إلى ه((ذه ال((ردة كم((ا يكش((ف عن دعم((ه من‬
‫جهة معادية من الكفرة على شنيع فعله وعلى سوء صنعه ويخبر أن ذلك كي((داً ومك((راً‬
‫منظم بيد الصهاينة وتحت رقاب(ة ال(دول المعادي(ة لإلس(الم‪ .‬ويخ(بر الش(اعر بأن(ه هجم‬
‫على الرسول محم((د ص((الة هللا وس((المه علي((ه وعلى آل بيت الرس((ول وعلى أزواج((ه‬
‫وعلى القرآن الكريم وسعى ضد اإلسالم والمسلمين‪ .‬يقول‪:‬‬
‫‪5‬‬

‫أال! إن سلمان بن رشدي قد ارتدى* زيول العدى ضد الرسول محمدا‬


‫يقطع أمعاء لـــه ومقددا‬ ‫وأنفقه حشــد بـمال مسمم*‬
‫بآيات شيطان طغينا مفــن ًدا‬ ‫*‬ ‫وألف مأمـــو ًرا كتابًا ملقبا‬
‫وكذب بالقرآن وحيا مسـددا‬ ‫وسب رسول هللا أسوء سبــة *‬
‫تحصن آل البيت طعنا مرصدا‬ ‫وعاهر أزواج الرسول مجاحـدا *‬
‫ليردى بها اإلسالم كي ًدا مؤيـ ًدا‬ ‫وألغم في ذاك الكتاب قنابــال *‬
‫أال! أولياء الكفر جاءوا بكيدهم * لقد بحثوا والكيد يسعى مبددا‬
‫وقادهم حقا وسب محمــدا‬ ‫وقوات أهل الشرك اكتسروا به *‬
‫بواسطة منه فوافوه ساعــدا‬ ‫*‬ ‫صهاينة جـاءت بـمكر منظم‬
‫على األرض عند المسلمين تشددا‬ ‫*‬ ‫وآيات شيطان ألكبر حـادث‬
‫* لنلعن سلمانا أبينا‬ ‫لدى هذه المأساة نجمع جمعـنا‬
‫التجلــدا‬
‫قد ارتد هندي مقابل شهــرة * ومال من الكفار ضل وما اهتدى‬
‫وهذه أيضا قصيدة أخرى في "المظاهرة"( وهي للمظاهرة ضد ه((ذا الق((رار الحك((ومي‬
‫لسحب التمويل عن السباخ نهائيا ً من قبل الحكوم((ة الفدرالي((ة‪ .‬وهي تحت((وي على س((تة‬
‫وعشرين بيتًا (‪ )26‬من البحر الكامل‪ ،‬يقول في مطلعها‪:‬‬
‫وقع العوادق خصبة ورباهـا‬ ‫طابت مزارع في ترون وكساها *‬
‫وترى الحفائر موزجت بغثاها‬ ‫جـرت السيول بمتنها ووسمنها *‬
‫كان في الثاني والعشرين من شهر أبريل (نيسان) عام تسعين وتس((عمائة وأل((ف‬
‫ك" ض((د‬ ‫ُون أُ ْو َ‬
‫للميالد (‪1990‬م) حدث انقالب فاشل في تاريخ "نَيْجيريا" بقيادة " ِغ( ِدي ْ‬
‫حكومة جنرال إبراهيم بدماصي بَابَ ْن ِغ َدا رئيس جمهورية نيجيريا العسكري (س((ابقا)‬
‫فنظم الشاعر عن ذلك يقول في مطلعها‪:‬‬
‫أال! هلل خالصـة الصفات * وأوحـى للهدى بالبينات‬
‫على المؤتى لخير المعجزات‬ ‫أعقب بالسالم على صالة *‬
‫ونظم الشاعر في هذا النوع ثالث قصائد كلها تتعلق بالقوم المدرس((ي اإلخ((واني‬
‫منها‪ ،‬قصيدة في "الذكرى ألجل يوم الجوائز" وهي تحتوي على سبعة وعش((رين بيت((ا‬
‫(‪ )27‬من البحر الطويل‪ ،‬يقول في مطلعها‪:‬‬
‫فيا رب هب لي الحسن عند ختامها‬ ‫حمدت إلهي في ابتداء نظامها *‬
‫وفي المولديات نظم الشاعر قصيدة أخرى مطلعها‪:‬‬
‫تسجـى لنا كأنـها أغنام‬ ‫*‬ ‫سبحان من من عنده انعام‬
‫أملت بـها من ربنا أقالم‬ ‫رافقها إلى الورى أيــام *‬
‫‪6‬‬

‫تأتـي إلينا فوقها أعالم‬


‫وفي "ذكرى مدرسة العل((وم العربي((ة كن((و" نظم الش((اعر ه((ذه القص((يدة ل((ذكرى‬
‫مرور سبعين عاما على تأسيس مدرسة العلوم العربية " َكنُو"‪ ،‬وهي مدرسة يعتز به((ا‬
‫المسلمون الشماليون‪ .‬وهي تحتوي على أربع((ة وس((تين بيتً((ا (‪ )64‬من البح((ر الكام((ل‪،‬‬
‫يقول في مطلعها‪:‬‬
‫فتنار من ومضاتها وهداها‬ ‫*‬ ‫ولدت وكائنة الشمال ظالمه‬
‫وألنت قرة أعيني ومناهـا‬ ‫يا فخر أبناء الشمال ومجدها *‬
‫وله قصيدة أخرى في انتصار المقاومة العراقي((ة على أمريك((ا تضمنت القصيدة س((بع‬
‫وح((دات‪ ،‬فالوح((دة األولى تحت((وي على ثماني((ة عش((ر بيت((ا وهي عب((ارة عن المقدم((ة‪،‬‬
‫يتحدث فيها عن العراق العربي المحتل من قب((ل أمريك((ا‪ ،‬ويش((ير إلى أمريك((ا وظلمه((ا‬
‫ويخبر عن ما أصاب( العراق من الحرب والخ((راب( من قب((ل الع((دو وال((دول المتحالف((ة‬
‫معه((ا على ح((رب الع((راق من أج((ل أس((لحة ال((دمار الش((امل المزعوم((ة‪ .‬ثم يخ((بر عن‬
‫انهزام الدول المتحالفة إثر نصر زائف من قبل أمريكا‪ ،‬ويتح((دث عن فش((ل الع((دو في‬
‫هذه الحرب( وانتصار المقاومة التي فتكت بهذه ال((دول جمي ًع((ا وي((بين أنهم هرب((وا‪ ،‬وال‬
‫يزال((ون يهرب((ون ويفش((لون‪ ،‬وأن الس((يادة واالنتص((ار للع((راق ال لألمريك((ا وال((دول‬
‫الصديقة لها‪ ،‬من ذلك يقول في مطلعها‪:‬‬
‫من إثر كارثة ألـم حـماها‬ ‫*‬ ‫من ذا يبلل للعراق جواهــا‬
‫وقعت على شرك التآمر والقلى * يا ليت لو فطنت بمكر عداها‬
‫ظل ًما وشؤم رئيسها أرداهـا‬ ‫أمريكا ظلت تستعد لضربـها *‬
‫فيها ويقلع غرسها وبناهــا‬ ‫وترى الخراب يعم كل دعامـة *‬
‫وقد نظم الشاعر قصائد كثيرة في ال(ترحيب منه(ا قص(يدته في ت(رحيب فض(يلة الش(يخ‬
‫نذير بن صاحب الفيضة الشيخ إبراهيم إنياس الكولخي بن الشيخ عب((د هللا حينم((ا ج((اء‬
‫زائرا إلى "كدونا"‪ (،‬وهي تحتوي على أربعة وثالثين بيتًا من البح((ر الطوي((ل‪ ،‬اس((تهل‬
‫الشاعر بقوله‪:‬‬
‫لنعمته شكري لـه لجـدير‬ ‫حمدت إلـهي واإللـه قديـر *‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫* ولوالهم أين الفتوح تسيــر‬ ‫لقد ساندوا المختار في نشر دينـه‬
‫* بحبهم ليلي أراه ينيـــــر‬ ‫أحبهم حقا وأشهد خالـقــي‬
‫أحب جميع الوارثين بسرهــم * كمثل أبي العباس وهو بريـر‬
‫ووارث سر منه غوث زمــاننا * أبي الفيض إبراهيم وهو وزيـر‬
‫ووجهت كلي نحوه دون ريبــة * به عز عبد قبل وهو حقيــر‬
‫‪7‬‬

‫وفي قص((يدة أخ((رى ي((رحب الش((اعر بص((احب الفيض((ة الش((يخ عم((ر بن محم((د‬
‫الحبيب بن محمد محمود بن محمد البشير بن محمد الح((بيب بن الش((يخ أحم((د التج((اني‬
‫ووالدته أم الخير بنت الشيخ إبراهيم إنياس وقسم قصيدته إلى مقدم((ة وص((لب وخاتم((ة‬
‫في سبعة وعشرين بيتًا من البحر البسيط‪ .‬فالمقدمة تحتوي على وحدتين اثنتين‪ ،‬وح((دة‬
‫افتتحها بالثناء على هللا وهي تشتمل على ثمانية أبيات‪،‬استهلها بقوله‪:‬‬
‫سبحانه من آيه في خلقه عبر * يا عالم السر ال يروي لك الـخبر‬
‫قد كنت إذ كنت ال ماء وال حجر‬ ‫أنت المهيمن باق ال فناء لـه *‬
‫وكان الشيخ "أَلَ َر َّم" محمد قد سافر إلى مكة المكرم((ة يري((د العم((رة فلم((ا قض((ى‬
‫نسك العمرة توجه قافالً إلى بلده بوثي ومن يوم قدومه استقبله حشد كبير من المريدين‬
‫بمن فيهم الشاعر يرحبون به واستقبله الشاعر به(ذه القص(يدة النوني(ة بقدوم(ه اس(تهلها‬
‫بقوله‪:‬‬
‫شر العواقب تطربي ألعانـي‬ ‫يا ساق مالك والبالد تعانــي *‬
‫وقضابها العمالت فـورعيان‬ ‫أطلقت عملتنا وترتع وحدهـا *‬
‫ونظم يوم الوداع قصائد عدة منها قصيدته‪ ،‬التي تحتوي على ستة عش((ر بيت((ا (‬
‫‪ )16‬من البحر الكامل‪ ،‬يودع فيها الشيخ طاهر عثمان بوثي حينما يغ((ادر متوجه((ا إلى‬
‫"كدونا" لتفسير القرآن الكريم‪ .‬مستهال‪:‬‬
‫ما كان ملكك عرضة الحدثان‬ ‫هللا لــم تك حائرا بـمكان *‬
‫ما كـان علمك قاص ًرا لزمان‬ ‫تدري لكل دقيقة مهما اختفت *‬
‫وقصيدة أخرى يهنئ فيها يحيى بن أحم((د على منص((ب القض((اء‪ (،‬وهي تحت((وي‬
‫على اثنين وعشرين بيتًا (‪22‬ب) من البحر الطويل‪ .‬استهلها بقوله‪:‬‬
‫تكلفه ذكــر السنين المواضيا‬ ‫حياتي مـا زالت تريب بخاطـرى *‬
‫إلى العدل يرتـاد الجيوب الخواليا‬ ‫وهذا زمان يشق من كان داعـيا *‬
‫كصوت بغاث الطير في عند مانيا‬ ‫يكون ثقيالً في المـجالس قولـه *‬
‫ليحظى العالبين الليوث الضواريا‬ ‫ولكن إذا ما هللا عزز امـــرء *‬
‫ليحيا الذي قد حي فالحق واضـح * ومن عاش يبغي الظلم قد عاش واهيا‬
‫وه((ذه قص((يدة في الزي((ارة نظمه((ا على ثالث((ة وعش((رين بيت((ا (‪ )23‬من البح((ر‬
‫الوافر‪ ،‬حين قام الشاعر ومعه صديق له بالزيارة الودية الرس((مية إلى قاض((ي القض((اة‬
‫ف" محمود‪ ،‬في اليوم السادس من شهر حزيران ع((ام ثم((ان‬ ‫لوالية بوثي عبد الملك "بَ َّ‬
‫وثمانين وتسعمائة وألف للميالد (‪1988‬م) فنظم هذه القصيدة ومطلعها‪:‬‬
‫وال أبغي اللقاء بـدون زاد‬ ‫*‬ ‫أروح إلى هواك بــدون زاد‬
‫لداء الحب فارقنـي رقادي‬ ‫*‬ ‫هويتك والـهــوى داء عياء‬
‫‪8‬‬

‫وأثبت محض حبك بـالوفاد‬ ‫قصدتك زائرا مـن محض حب *‬


‫إلى غير ذلك من القصائد الجميلة التي نظمها الشاعر وساهم بها في األدب‬
‫العربي النيجيري خاصة وفي العالم عامة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬صور تلحليلية لبراعة االستهالل في شعره‬
‫وبراع((ة االس((تهالل عب((ارة عن ابت((داء األديب بم((ا يش((عر على غرض((ه‪ ،‬ألن‬
‫السامع أو القارئ يفهم الغرض المنشود لدى األديب في أول االس((تهالل‪ .‬واالس((تهالل‬
‫هو رفع الصوت‪ .‬فأول االستهالل من القصيدة محال إقبال السامع عليه يقبل((ه إن ك((ان‬
‫ما ابتدأ به حسنا ومحرراً وإال أعرض عنه‪ .‬ومن ذلك اجتناب ما يؤدي إلى تش((اؤم في‬
‫المدح وما ينفر منه المقام‪ .‬ومن االبتداء الحسن ن((وع لطي((ف أخص من((ه وه((و أحس((نه‬
‫وهو ما اشتمل على ما يناسبه الح((ال المتكلم في((ه ويس((ير إلى م((ا س((بق الكالم ألجله(‪.)3‬‬
‫ومثال ذلك قول البوصيري في المديح النبوي‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مزجت دم ًعا جرى من مقلة بدم‬ ‫*‬ ‫أمن تذكر جيران بـذي سلم‬
‫وفي التهنئة يقول عبد هللا بن فودي‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫إلى حاج شهيـر بابــن راج‬ ‫هنيئًا ني َل خير بانفــــراج *‬
‫وفي الذكرى يقول الجنيد‪:‬‬
‫خرجنا بعون هللا فــي غلس إلى * الـمطار وكنا كالطيور البـواكر‬
‫فطارت بنا من يرو والجت الهوى* تدافع أمواج الهوى في الــهواجر‬
‫وقوله في ذكر الخرطوم‪:‬‬
‫شوقا بخرطوم ذات الورد والئاس‬ ‫يا مـــن يصعد انفاسا ً بأنفاس *‬
‫(‪)6‬‬
‫رعادة في الهوى ملمومـة ال َّراس‬ ‫اصبر قليالً فإنا ســوف تحملنا *‬
‫وبراعة اإلستهالل لدى هذا الشاعر تعد واحدة مم((ا يهتم ب((ه‪ ،‬ألن((ه يخرجه((ا في‬
‫صورة أدق وأحسن بألفاظ سلسلة عذبة‪ ،‬وك((ان يق((دمها في وض((وح م((ع حس((ن التنظيم‬
‫والتنسيق‪ ،‬ولعله يقدم لذلك اهتما ًما عل ًما بأنه أديب أوالً ومحام م((ترافع ثاني((ا إذ ال ش((ك‬
‫أنه خبير بارع بفنون رفع الشكوى أمام القضاة( في مواق((ف كث((يرة‪ ،‬وأن(ه خطيبٌ يق((ف‬
‫على المنابر وفي المحكمة وهو كذلك معلم ديني في ال((دهليز ك((ان من واجب((ه أن يق((دم‬
‫األشياء بشكل منظم وبأوضح صورة وأدق فيدل هذا على حسن أدبه ومهارته‪.‬‬
‫وفي مستهل قصيدته الدينية يدافع عن الرسول محمد صلى هللا علي((ه وس((لم لم((ا‬
‫هجم على كرمته سلمان رشدي حين ارتد عن اإلسالم فيقول‪:‬‬
‫بنو هاشم نالوا زرى المجد والهدى * بيمن الذي قد ما يسمى محم ًدا‬
‫وكان أمينًا أحسن الخلق أحمدا‬ ‫ولواله ما عزوا وما فاح ذكرهم *‬
‫إلى الخلق طر مرسالً ثم مرش ًدا‬ ‫وأكرمه المولى بوحــي مفصل *‬
‫‪9‬‬

‫(‪)7‬‬
‫إذا آمنت تحـظى شفاعته غ ًدا‬ ‫ليخرج من ظلم إلى النور أمـة *‬
‫ولم يكن في مس((تهل ه((ذه القص((يدة إال م((ا يش((عر بالمنزل((ة والرفع((ة والفض((يلة‬
‫والعزة والنور للرسول سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬كما في((ه م((ا يش((عر باإلنك((ار‬
‫والتجاهل والدفاع ع ّما يزعمه ويضمره ذلك الخبيث البغيض المتط((رف‪ .‬ف((إن الس((امع‬
‫أو القارئ يلمس في هذا االستهالل نفي ما ادعاه سلمان رشدي فترت((اح نفس((ه ويطمئن‬
‫قلبه إلى ما يذكره الشاعر من المنزلة ومكانة الرسول فينسى وال ي((ذكر بم((ا قال((ه ذل((ك‬
‫الخبيث البغيض‪ ،‬وهذا هو الغرض المطلوب في االستهالل‪ .‬وقـد أحس((ن الش((اعر في‬
‫تحريك المشاعر كما أمسك بزمام القصيدة من أولها بحيث يتفاع((ل الق((ارئ أو الس((امع‬
‫معه ويتشوق إلى متابعة مضامينها‪.‬‬
‫وقد اهتم ك((ل االهتم((ام به((ذا االس((تهالل حيث ص((رح باس((م محم((د من أول بيت‬
‫القصيدة مما ال شك فيه أنه يفهم المقصود في ذلك‪ ،‬واس((تخدم ألفاظ((ا واض((حة ناص((عة‬
‫الدالئل‪ .‬وهذه براعة جيدة وصورة بهية تدل على تمكنه في الفن‪.‬‬
‫ثم استهل في قصيدته "ذكرى مرور سبعين عا ًم((ا على تأس((يس مدرس((ة العل((وم‬
‫العربية كنو" بالشفقة والتعاطف واألسي والبؤس لم((ا أص((اب( أم العربي((ة بالد الع((راق‬
‫بالد علوم العربية والنحو والصرف والبالغة والعروض‪ ،‬ومن خالل ذلك استطاع أن‬
‫يثير انفعال األلم والبكاء في القارئ والسامع فيشعر ويتفاعل معه؛ فيقول‪:‬‬
‫من إثر كارثة ألـم حـماهـا‬ ‫*‬ ‫من ذا يبلل للعراق جـــواها‬
‫يا ليت لو فطنت بـمكر عداها‬ ‫وقعت على شرك التآمـر والقلى *‬
‫ظلما وشؤم رئيسها أردهــا‬ ‫أمريكا ظلت تستعد لضربــها *‬
‫فيها ويقلع غرسها وبناهـــا‬ ‫وترى الخراب يعم كل دعـامة *‬
‫مثل الصواعق تبت في مرماهـا‬ ‫من إثر عاصفة تصب قــذائفا *‬
‫رعد تزمجر والـحريق شطاهـا‬ ‫وكأن ناطحة السحاب إذا هوت *‬
‫والموت يغشى كل من آواهــا‬ ‫*‬ ‫وتكب فوق منازل منكوبــة‬
‫(‪)8‬‬
‫غدرا وتعسا بالذي دساهــا‬ ‫*‬ ‫أسفى على غزو العراق وسحفها‬
‫إنه ملك بهذا االستهالل كل ناحية في مشاعرنا ونفوسنا وس((الت ب((ه العي((ون من‬
‫التأسف والشجون والحزن‪ ،‬والغرض هنا جلب القلوب وتنبيهها بأهمية ه((ذه المدرس((ة‬
‫العلوم العربية كنو والذكر بأيام مساهمتها تجاه رفع معنوي((ة األم((ة في العلم والمعرف((ة‬
‫والثقاف((ة والحض((ارة‪ .‬ف((إن الش((اعر هن((ا امتل((ك التفك((ير األدبي الق((وي والعمي((ق به((ذا‬
‫االستهالل األدبي الرصين‪ .‬لينظر القارئ كيف يخبره فيه عن سقوط العراق مظلوم((ة‬
‫على يد أمريكا وحلفائه(ا‪ (،‬وأن أمريك((ا دم(رت الع(راق بك((ل األس(لحة الفتاك((ة وت(ركت‬
‫‪10‬‬

‫الخراب فيها‪ .‬إنه أحسن وأجاد وصف ه((ذه الح((رب الظالم((ة‪ ،‬فتح((دث عنه((ا بم((ا يكفي‬
‫جملة وتفصيال‪ .‬فيدل ذلك على براعته األدبية‪.‬‬
‫وهكذا استهل في قصيدته لـ"التودي((ع" لمناس((بة س(فر ش(يخه إلى مك(ة المكرم((ة‬
‫ألداء العمرة‪ .‬يقول فيه‪:‬‬
‫صابت القلب لتسكاب القـرم‬ ‫*‬ ‫اسئلوا عني ملمات الــورم‬
‫ن وصبت فوقـه غيم الغمـم‬ ‫كبدته كل أنواع الشجــو *‬
‫ال لخبث القلب أو صرد الهمم‬ ‫*‬ ‫إذ تخلفت لبؤسي عـن منـى‬
‫(‪)9‬‬
‫* عقـد الـقـدر قيو ًدا بالقدم‬ ‫إنني مرهون ما قـد صابنـي‬
‫ولم يكن في ه(ذا االس((تهالل إلى م((ا يش(ير إلى البك((اء واأللم والب(ؤس والتش(اؤم‬
‫ومن ثم وراءها فرح وبهجة‪ ،‬هذا بالنظر إلى موضوع القصيدة‪ ،‬وكان ذلك لتخلفه عن‬
‫مرافقة حبيبه إلى بيت هللا الحرام فكل أنواع الحزن قد عمت به وغمرته ألنه ال يتمنى‬
‫يو ًما أن يفارق هذ الحبيب‪ ،‬في هذا السفر الديني الموسمي‪ .‬ولكن ه((ذا الح((زن مش((وب‬
‫بالفرح ألنه يحب لش((يخه زي((ارة بيت هللا الح((رام‪ .‬هك((ذا ش((أن الم((ودع يح((زن ثم يأتي((ه‬
‫الفرح‪ .‬ويفهم في هذا االستهالل شيئين كبيرين هما أن الشاعر ح((زين وف((رح في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬واس(تطاع ببراعت(ه األدبي(ة أن يجمعهم(ا في مس(تهله مم(ا ي(ترك في مش(اعرنا‬
‫ديناميكيا قويا يجعل المقلتين تسيل بالدموع ويكون هناك انفعال المرافق((ة والتعل((ق م((ع‬
‫محبوبه إلى مكة المكرمة ألداء هذه العمرة المباركة‪.‬‬
‫وفي موض((وع آخ((ر من "ال((ترحيب" حينم((ا ق((دم ش((يخه الح((بيب( الش((يخ ط((اهر‬
‫عثمان بوثي مـن ك((دونا بع((د الغي((اب الطوي((ل من ال((زمن‪ ،‬يق((ول الش((اعر في مس((تهل‬
‫القصيدة‪:‬‬
‫لداء الـحب ليس لـه خفاء‪H‬‬ ‫*‬ ‫يبت القلب يـحرقـه الـجواء‬
‫داء إذ بـدا دائـــي عياء‬ ‫*‬ ‫أفيدوني فهل لطبيب قـــوم‬
‫فتـى في الحب ليس لـه بقاء‬ ‫يهز القلب بات بــــه هيام *‬
‫صــرام الحب لألحباب داء‬ ‫وبعد الـحب كبــده التأسي *‬
‫(‪)10‬‬
‫يعذبــــه وليس له وقاء‬ ‫ألـم تر للشجون بـه لـهيب*‬
‫فشدة رغبته واستطالعه على ح((ال المم((دوح تجعل((ه قلق((ا حزين((ا ألن((ه ي((رى أن‬
‫الزمن يبخله اللقاء به ويذم استبطاء الوقت ثم يستفص((ح الص((باح ليتم اللق((اء( بين((ه وبين‬
‫المم((دوح ويحص((ل ال((ترحيب( بع((د الغيب((ة الطويل((ة‪ ،‬وق((د ابتلى بحب المم((دوح فب((ات‬
‫ويحرقه الحزن والج((وى في اللي((ل ويتم((نى أن يلتقي بممدوح((ه في لحظ((ة من ال((وقت‪.‬‬
‫فهنا ترى أيها الق((ارئ أن ش((دة حب المم((دوح أورث الش((اعر الف((رح واأللم والح((رارة‬
‫يف((رح للمرافق((ة والق((اء ب((ه ثم يت((ألم للمفارق((ة والغي((اب‪ .‬ولحس((ن أداءه األدبي في ه((ذا‬
‫‪11‬‬

‫االستهالل يحس نفس القارئ التع((اطف مع((ه ويتطل((ع على م((ا ي((أتي بع((د ه((ذا اإلب((داع‬
‫الرشيق اللطيف‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬صور تحليلية لبراعة التخلص في شعره‬
‫وبراع(((ة التخلص عب(((ارة عن االنتق(((ال من المقدم(((ة أو التمهي(((د إلى الغ(((رض‬
‫المقصود مع حفظ المناسبة بينهما على وجه سهل يختلسه اختالسًا رقيقًا دقيق المع((نى‬
‫بحيث ال يشعر السامع باالنتقال من المعنى األول إال وقد وقع عليه الثاني لشدة االلتئام‬
‫بينهما(‪.)11‬‬
‫لقد اعتنى الشاعر بالتخلص في أشعاره اعتناء بالغ(ا لينظ(ر الق((ارئ إلى تمهي(ده‬
‫في قصيدة نظمها في الزيارة من ص((احب( الفض((يلة الش((يخ أحم((د أبي الفتح‪ ،‬يج((د أنـه‬
‫يتحدث عن حالة نفسه حين م(ا يطلب من قوم(ه من يقاوم(ه ويص(ده وي(رده إلى الح((ق‬
‫والصواب ولكن قومه كلما ناداهم واقترب إليهم ألجل طلب الرشاد والتوجي((ه يتخل((ون‬
‫عنه ويهاجرونه وهم ال يريدون إال أن يسعوا وراء المادية الدنيوية ويقول‪:‬‬
‫أن نطقت الحق ذا أمـر غريب‬ ‫يا لعمري إن قومـي نقمونـي *‬
‫هاجرونـي ليس منهم من يجيب‬ ‫*‬ ‫كلما ناديتهم نـحو التصـدى‬
‫أورثوني عزلــة شآن عسيب‬ ‫كم رأوني مائالً عـن نهج صدق *‬
‫بـات حسن الظن بالنس مخيب‬ ‫أحسن الظن مـع الناس ولكـن *‬
‫* عــزة الدنيا سراب ال حليب‬ ‫جلهم يسعى إلى مال وعـــز‬
‫ثم تخلص من هذا مباشرة إلى صلب الموضوع بقول‪:‬‬
‫قـدة الساري إلى المولى منيب‬ ‫دع فسل الـهـم بالزور لشيخ *‬
‫(‪)12‬‬
‫وبــه يصحبني الفتح القريب‬ ‫وجهه بشر لدى الـمحتاج فتح *‬
‫هنا قد رأيت أن الشاعر بحس((ن فطانت((ه وبراعت((ه األدبي((ة اس((تطاع االنتق((ال من‬
‫التمهيد إلى صلب الموض((وع ومن العت((اب إلى الم((دح ولش((دة اإللتئ((ام ال يك((اد الس((امع‬
‫يشعر باالنتقال من المعنى األول إال بأقصى التحررة‪.‬‬
‫وكذلك انتقل من المقدمة إلى المقص((ود في قص((يدته الديني((ة على ارت((دد س((لمان‬
‫رشدي‪ ،‬كان الشاعر يخبر عن جزاء محب سيدنا الرسول محمد صلى هللا عليه وس((لم‬
‫وعن ج((زاء مبغض((ه‪ ،‬كم((ا يخ((بر عن حكم المرت((د بس((بب كالم((ه الق((بيح على س((يدنا‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم وعن الحد الذي يجب عليه‪ .‬يقول‪:‬‬
‫ومبغضه يصلي السعير مصفـدا‬ ‫وحب رسول هللا دخل لـمؤمن *‬
‫بال شبهة واختار كفـرا تعمدا‬ ‫ومن سبه ارتد إن كـان مسلما *‬
‫وما حظه إال الرصاص المقرمـدا‬ ‫يحد بقتل إن تثبط توبــــة *‬
‫ثم تخلص بذكر المقصود عن سلمان رشدي ويقول‪:‬‬
‫‪12‬‬

‫أال! إن سلمان رشدي قد ارتدى * زيول العدى ضد الرسول محمدا‬


‫يقطع أمعاء لــــه ومققدا‬ ‫وأنفقة حشــد بـمال مسمم*‬
‫(‪)13‬‬
‫بآيات شيطان طغينا مفنــدا‬ ‫*‬ ‫وألف مأمـــورا كتابا ملقبا‬
‫وجاء التخلص في قصيدته الترحيبي((ة برج((وع الش((يخ ط((اهر عثم((ان ب((وثي من‬
‫كدونا‪ ،‬فكان في مقدته الطويلة التي يمدح بها الرسول ص((لى هللا علي((ه وس((لم ويص((لي‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه رضي هللا عنهم أجمعين‪ ،‬يقول منها‪:‬‬
‫أنواره ظلم اإلشـــراك تنصرم‬ ‫نور الـهدى وإمام األنبياء ومن *‬
‫محمد خير من يعزى لــه الكرم‬ ‫وهـو األمين عظيم الخلق سيدنا *‬
‫فضل الشفاعة يوم البعث إن يجم‬ ‫أتى أخيرا وفاق المرسلين لــه *‬
‫أصحابه هم عدو المصطفى نقموا‬ ‫يا رب صل على أزواجه وعلى *‬
‫ووسعوا رقعة اإلسالم إذ عزمـوا‬ ‫آووا وواسوا رسول هللا كلهـم *‬
‫ورتلوها لنا هم خير مـن علموا‬ ‫وبلغـــونا بآي هللا كاملـة *‬
‫حتـى أتتنا كما أدى بـها القلم‬ ‫أضحت تناقلها األجيال نيــرة *‬
‫كنا نرتلها دومـــا نفسرها * كيما نطبقها ديــنا ونـحتكم‬
‫ثم تخلص باإلشعار عن المقصود أي أنه انتقل من المقدمة إلى الموضوع فيقول‪:‬‬
‫وهل يغيب لعين الناظر العلـم؟‬ ‫اسأل سيخبرك عنا كل راويــة *‬
‫ومن كراماتك القرآن والحكم‬ ‫*‬ ‫شيخ الشيوخ ونسل من بنى كرم‬
‫(‪)14‬‬
‫وهل يساوي بذل أسه خـرم؟‬ ‫*‬ ‫وهللا أسس بالقرآن مـجـدكم‬
‫ال شك أن هذا التخلص دليل على دقة فطانته في الفن األدبي‪ ،‬وقد انتق((ل انتق((اال‬
‫غير محسوس ال يشعر به إال ماهر وعالم بأفانين الكالم‪.‬‬
‫وانظر أيه((ا الق((ارئ إلى أدب((ه في التخلص من قص((يدته ال((تي رحب به((ا الش((يخ‬
‫طاهر عثمان‪ ،‬فقد انتقل من المقدمة إلى اإلشعار بالمقصود‪ ،‬يقول في آخر مقدمته‪:‬‬
‫ليس األصم كم سطا وتكلـما‬ ‫*‬ ‫لـم ال تبوح بـحاجة أخفيتها‬
‫إال إذا صرف الزمان ترحـما‬ ‫تلك المسافة قــد أحالت بيننا *‬
‫وبقيت في الغوس ووجدي محرق * قلبـي وداء اإلنفـراد تأزمـا‬
‫وكان في المقدمة يشقي ويتشاءم بسبب فراق الشيخ وأنه أليم وخزين لعدم اللقاء(‬
‫بالمحبوب والسفر قد رمى به إلى بلد عميق ال عهد له برؤية الشيخ بل بقي هناك في‬
‫دار الغربة منفردًا‪ .‬ثم تخلص بإشعار المقصود‪ ،‬يمدح الشيخ في ذلك ويرحب به في‬
‫حالة السرور والفرح‪ ،‬يقول في ذلك التخلص‪:‬‬
‫أزهـارها ولها السحاب تكرما‬ ‫وإذا رأيت حدائقا قــد فتحت *‬
‫يا حسن منظـرها كأن جـمالها * وجـه األب البر الرحيم تبسما‬
‫‪13‬‬

‫شيخ الشيوخ على الجميع مقدما‬ ‫*‬ ‫هـــذا مربينا ومطلع سعدنا‬
‫ثم تخلص ك((ذلك من ه((ذا الم((دح والوص((ف ب((التعيير وال((ذم أو الهج((وم على المع((ادين‬
‫للشيخ فيقول‪:‬‬
‫يئسوا كما يئس الكذوب مسيلما‬ ‫ما ينبغي الحساد منك فإنـهـم *‬
‫مـــن شر قوم بالبالد مهدما‬ ‫هل يحسدونك بعدما أنقذتـهم *‬
‫(‪)15‬‬
‫جبناء ليس لهم سواك من الحمى‬ ‫وتراهم تحت المخابئ كأنـهـم *‬
‫إذا هكذا استمر الشاعر في القصائد التي نظمها يسرد التمهيد أو المقدمة فينتق((ل في‬
‫حينه دون أن يش(عر الق((ارئ أو الس(امع به((ذا االنتق(ال‪ (،‬ذل(ك يش(ير إلى حس(ن مهارت((ه‬
‫الناصعة في األدب العربي وأنه دلي((ل على حذاق((ة عقل((ه في الس((يطرة على المش((اعر‪،‬‬
‫كما اتصف بدقة الفطانة والخبرة في األداء الفني‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫اختتم هذ المقال القصير بعد إلقاء الضوء على نبذة تاريخية وج((يزة عن حي((اة الش((اعر‬
‫آدم عثمان باعتباره شاعر مطب((وع ثم مررن((ا ب((المحث الث((اني وه((و ع((رض نم((وذجي‬
‫س(ريع لبعض ش(عره‪ ،‬ثم وص((ل المق((ال لله((دف المنش((ود من((ه ف((ذكرنا المبحث الث((الث ص((ورا‬
‫تلحليلية لبراعة اإلستهالل في شعره والمبحث الرابع وهو صور تحليلية لبراع((ة التخلص‬
‫في شعره كذلك ثم وصلنا في النهاية إلى ذكر الخاتمة والهوامش والمصادر‪.‬‬
‫ويستخلص من المقال هذه األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إن المح((امى آدم عثم((ان قض((ى حيات((ه منس((جما م((ع ظ((روف البيئ((ة والمجتم((ع‬
‫فوكونت حياته األدبية منس((جمة م((ع األوض((اع االجتماعي((ة والسياس((ية والعلمي((ة‬
‫والدينية فأصبح شاعرا مفلقا ومحتضرا مع العصر ومجرياته‪.‬‬
‫‪ -‬امتالك الشاعر زمام اللغة العربية السليمة ولديه جودة األسلوب وس((المة ال((ذوق‬
‫في اسخدام األلفاظ التي تتفق من المعاني‪.‬‬
‫‪ -‬تم نجاحه في براعة االستهالل والتخلص في أشعاره كله((ا فك((ان حس((ن البراع((ة‬
‫في الجوانب الفنية الم((ؤثرة في المش((اعر‪ ،‬لموافقته((ا م((ع طبيع((ة الش((عر الع((ربي‬
‫الجيد وموضواته وأغراضه المختلفة‪.‬‬
‫‪:‬الهوامش والمصادر‬
‫محم((د ص((في عب((دالقادر (ال((دكتور) "ص‪HH‬ور من الخص‪HH‬ائص األدبي‪HH‬ة في ش‪HH‬عر المناس‪HH‬بات ل‪HH‬دى‬ ‫(‪)1‬‬
‫المحامي آدم عثمان" بحث مقدم لنيل شهادة الدكتوره في اللغة العربية في جامعة عثمان بن‬
‫فودي صكتو‪ ،‬نيجيريا‪ ،‬ص‪26/‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جالل الدين السيوطي‪ ،‬شرح عقود الجمان في علم المع‪HH‬اني والبي‪HH‬ان‪ ،‬دار إحي((اء الكتب العربي((ة‬ ‫(‪)3‬‬
‫بمصر د‪.‬ت‪ .‬ص‪.173-172‬‬
‫‪14‬‬

‫البوصيري( "بردة المديح المباركة في مدح خير البرية صلى هللا عليه وسلم"‪ ،‬نش((ره الح((اج عب((د‬ ‫(‪)4‬‬
‫هللا اليسار‪ ،‬انظر ص‪.10/‬‬
‫عبد هللا بن فودي (الشيخ اإلمام) "تزيين الورقات" طبع على نفقة سيد م((ودى( بص((كتو( د‪.‬ت‪ .‬ص‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪.14‬‬
‫الجنيد بن محمد البخاري (الوزير الدكتور) "ديوان قصائده" محطوطة‪ ،‬موجودة عند ابنه األستاذ‬ ‫(‪)6‬‬
‫الدكتور سمبو ولي جنيد رئيس قسم اللغة العربية سابقاً‪ ،‬جامعة عثمان بن فودي( ص((كتو نيجيري((ا‪،‬‬
‫ص‪ .50-49‬وهو مخطوط‪(.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المحامي آدم عمان (مخطوطات) (دون صفحة) مكتبة الباحث الخاصة‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)8‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)9‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)10‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫جالل الدين السيوطي‪ ،‬شرح عق((ود الجم((ان في علم المع((اني والبي((ان‪ ،‬دار إحي((اء الكتب العربي((ة‬ ‫(‪)11‬‬
‫بمصر د‪.‬ت‪ ،‬المصدر السابق ص‪.173‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)12‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)13‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)14‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬
‫ملف أشعار الشاعر المح((امي آدم عم((ان (مخطوط((ات) المص((ادر الس((ابق‪( ،‬دون ص((فحة) مكتب((ة‬ ‫(‪)15‬‬
‫الباحث الخاصة‪.‬‬

You might also like