Professional Documents
Culture Documents
1303
وليس من صنع البشر فالموروثات كانت نتاجاً بشرياً ومعرفياً تناقلها العرب وحافظوا عليها على مر العصور
ولكن هذه المرجعيات انتشرت بعد ظهور االسالم ودافع شعراء الدعوة اإلسالمية عنها فكانت ألسنتهم أشد وقعا
على المشركين من السيوف البتارة ،وحملوا راية االسالم عالية لتبقى خافقة يستمدون منها كل العزم والقوة(.)1
وكان الشاعر األندلسي منطلقا من الخزين المعرفي المعتمد على اساس فاعلية التواصل مع ذاكرة المتلقي
اذ أصبح في موقف اكثر حساسية وحذراً من توظيفه المعطيات التراثية الدينية من الموروثات االخرى ألنه يكون
امام ذاكرة غنية بهذا الموروث ومجريات احداثه واشخاصه ورموزه ،وألن القارئ طرف في العمل األدبي فمن
حقه ان يطلق احكامه على مدى وصول المتلقي بالمدلول التراثي مما يجعل احاطة الشاعر بثقافة القارئ ومعرفته
ابعاد المرجع الديني والتراثي وتوظيفه في العمل االبداعي بشكل واقعي وعصري التخلو من الموضوعية بحيث
يجعله يتذوق شيئا جديداً اضافه المبدع! الى التراث الديني(.)2
ومن انواع تلك المرجعية:
أ -القرآن الكريم:يعد القرآن الكريم "المنبع األول واألخير للثقافة اإلسالمية وكل ما عداه تبع له فرع له وقائم
عليه"(.)3
ويمثل التأثر بالقرآن الكريم أول مظهر من مظاهر التأثر بالمضمون الديني اإلسالمي ،اذ يتضح أثره في
أشعارهم سواء باستلهام بعض معانيه أو باقتباسهم بعض افكاره ،وتضمينهم بعض نصوصه أو بلغتهم وأساليبهم
وصورهم(.)4
ولم يختلف اثر القرآن الكريم في المجتمع األندلسي عن المجتمعات العربية األخرى ،فقد ظهر ذلك االثر
في حياتهم الثقافية ،بحيث يمكن أن نعده اساساً ومقوما رئيسا من مقومات الحياة العلمية في األندلس إذ شغل
القرآن الكريم مكانا ساميا مقدسا عند افراد المجتمع األندلسي ،فعكفوا على تالوته ودراسته.
ويعد القرآن الكريم " مصدراً من مصادر اللغة الشعرية المهمة التي زخرت بها قصائد الشعراء في
مختلف العصور [ ] ...والشاعر حين يقتبس من آيات القرآن الكريم فإنه يحاول بشكل أو بآخر أن يزيد أسلوبه
قوة ورصانة وجماالً"(.)5
فالشاعر ( محمد بن مسعود البجاني) يقتبس نص اآلية في قصيدة بعثها من سجنه إلى المنصور بن أبي
عامر يقول فيها(: )6
فهل
دعوت لماعيل صبري ْ
ُ
يسمعُ دعواي الملي ُك الحليم
مـوالي مـوالي أالعطفة
تذهب عني بالعذاب األليـم
أضمرت الذي زخرفوا
ُ كنت
إن ُ
عني فدعني للقدير الرحيم
شـوى
فـعنـده نـزاعـة لل ّ
وعنده الفردوس ذات النعيم
اعةً لِّ َّ
لش َوى " ( )7ووردت كذلك لفظة (الفردوس والنعيم) أكثر من فاقتبس قوله تعالى " َكال ِإَّنهَا لَ َ
ظى َن َّز َ
عشر مرات في القرآن(.)8
فقوافي تلك االبيات جميعها مستمدة من فواصل قرآنية ( :الحليم ،األليم ،الرحيم ،النعيم) وهذه صفات اهلل
تعالى ،وشبه الشاعر من يالقيه من عذاب بعذاب أهل النار .وكذلك وردت لفظة ( العذاب األليم) في القرآن
1304
ِ
يم"( .)9وهو في ذلك يطلب الكريم بهذا التركيب ست مرات في قوله تعالى " فَالَ ُي ْؤ ِمُنوْا َحتَّى َي َر ُوْا اْل َع َذ َ
اب األَل َ
ق
صراحة عطف مواله مذكرا بالعذاب األليم الذي يراه في السجن .وكذلك أورد لفظة القدير في قوله تعالى " َي ْخلُ ُ
ير"( .)10اما مفردة الرحيم فوردت ( )34مرة في القرآن في قوله تعالى " الحمد هلل رب ِ ِ
يم اْلقَد ُ
اء َو ُه َو اْل َعل ُ
َما َي َش ُ
العالمين الرحمن الرحيم"(.)11
ص ٍر َعاتَِي ٍة "( .)12وقوله
ص ْر َ ُهِل ُكوا بِ ِر ٍ
يح َ اد فَأ ْ
َما َع ٌ
ومن األلفاظ القرآنية (ريح صرصر) ،في قوله تعالى " َوأ َّ
َّام َّن ِحس ٍ
ات"(.)13 "إنا َأَرسْلَنا َعلَْي ِهم ِريحاً صرصراً ِفي أَي ٍ
َ َْ َ ْ تعالى ّ ْ َ
()14
والريح الصرصر ،هي الريح الباردة .
ويستعين بهذه اللفظة الشاعر عبد الملك بن ادريس الجزيري في وصف
: ()15
المعتقل الذي سجنه فيه المظفر بن أبي عامر ،إذ يقول
يأوي إليه كل أعور ناعـق
ِ
صرصر وتهـب فيـه ُّ
كل ريح
ويكاد َم ْن يرقى اليه َم ّرة
ُ
ِ
األبهر من غمرة يشكو انقطاع
فقوله (ريح صرصر) سيقف الشاعر على وصف السجن والريح التي تهب داخله ريح ليس فيها خير،
والنحس
وإ نما هي مؤذية تحمل معها الشر،ألن الريح الصرصر لم تأت في القرآن الكريم في غير معنى الهالك َ
أي ايام العقاب الذي يرسله اهلل على الكافرين.
فأيام الشاعر بهذا الوصف هو داخل سجنه أيام نحسات بدليل أن الريح التي تهب عليها هي ريح
()16
صرصر،ويغير هذا اللفظ ال يعطي المعنى الدقيق للصورة التي أراد أن يصف لها حال السجن وحاله فيه .
ضمن اشعاره المضامين القرآنية واتحد مع رموزه ،لتعظيم صورته
فالشاعر ابن زيدون في ظل المحنة ّ
لدى ابن جهور،ولتزيد رقة استعطافه ويقرب صورة مأساته بعد أن قادته المحنة الى غياهب السجن .فإحدى
صوره في مدح بن جهور بنيت على اية التطهير ،إذ يقول(:)17
فمحسن
ٌ ْهبه عنه
جس أن يذ ُالر ُ
هي ْ
شهير االيادي ما الالئه جحد ُ
()18
ِ
طهيراً" .طهِّ َر ُك ْم تَ ْ ِ
َه َل اْلَب ْيت َوُي َ
الر ْج َس أ ْ
ب َعن ُك ُم ِّ ِ ِ َّ وفي ذلك اشارة إلى قوله تعالى " ِإَّن َما ُير ُ
ِ
يد اللهُ لُي ْذه َ
حيث ألبس الشاعر ( ابن زيدون) على ممدوحه ابن جهور صفة ( الطهر) مستعيناً بلغة القرآن وجمالها
فكان من براعته الشعرية وتمكنه في بناء شعره أن اتكأ على الفاظ القرآن في ذلك فكان أن قيل في شعره إن "
جمال ديباجته ورقة معانيه وجمال صوته وحسن النغم ومالحة األداء جمع فيها الحسنيين"(.)19لذا فإن حساده
كثروا فوشوا به حتى انتهى المطاف إلى السجن.
ومن ذلك أيضا قول ابن زيدون مستعطفا سبحانه(:)20
نار بغي سرى إلى ج ّنة األمـ
ُ
ـن فأصبحت كالصريم
بأبي أنت ،إن تشأْ ت ُك برداً
وسالماً كنار إبراهيـم
تَصَب َح ْ ِ ف ِّمن َّرِّب َطائِ ٌ
ون #فَأ ْك َو ُه ْم َنائ ُم َ اف َعلَْيهَا َ
ط َيشير ابن زيدون في البيت األول الى قوله تعالى " فَ َ
ِِ ِ َكالص ِ ِ
ين ُ #قْلَنا َيا انص ُروا آلهَتَ ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم فَاعل َ
َّريم " وفي البيت الثاني يشير الى قوله تعالىَ " :قالُوا َح ِّرقُوهُ َو ُ
()21
1305
يم "( .)22فالشاعر يفدي أبا الحزم بن جهور بأبيه ويقول له :إنك تستطيع أن ِ ِ ِ
َن ُار ُكوني َب ْرداً َو َساَل ماً َعلَى إ ْب َراه َ
تحسن إلي بتحويل نكبتي الى جنة ،مثلما كانت النار برداً وسالماً على سيدنا إبراهيم ( عليه السالم).
وكذلك نجد ان زيدون مستعطفا بقوله(:)23
هل الرياح بنجم االرض عاصفةٌ؟
أم الكسوف لغير الشمس والقمر؟
ما للذنوب -التي جاني كبائرها
غيري -يحملني اوزارهـا وزري؟
،ليكسب أخرى"
زر ْ كل ٍتكسب ُّ
ازرةٌ و َ
زر َو َ
نفس إال َعليهَا والتَ ُ ُ مقتبسا لشكواه من قوله تعالى " :وال
()24
1306
َستَ ِج ْ
ب لَ ُك ْم "( .)35والشاعر ضمن قصيدته الفاظاً قرآنية أراد منها مناجاة تعالى"اد ُعونِي أ ْ
ْ وقد وظف قوله
للخالق لطلب العفو والصفح وكذلك في قوله(:)36
ويجعل شرب الخمر أرفع ماء ط ْعمه يرى أَ ْكلَ ُه الخنزير أفضل َ
ُه َّل بِ ِه ِل َغ ْي ِر اللّ ِه . )37("...فهو
ير وما أ ِ الد َم َولَ ْح َم اْل ِخ ِ
نز ِ َ َ فهو اقتبس من قوله تعالى " ِإَّن َما َح َّرم َعلَْي ُكم اْل َم ْيتَةَ و َّ
َ ُ َ
بين كفر الملك بأن طعامه الخنزير وشربه الخمر وهذا محرم كما ورد في قوله تعالى.
وفي قول ابن األبار يمدح أبا زكريا ويستشفع(:)38
العهد قبلتي التي
أليس َولي َ
وأيمم
ُ أوجه وجهي نحوها
طر السَّماو ِ َِِّ
ات ََ ت َو ْج ِه َي للذي فَ َ َ ( أوجه وجهي) تركيب قراني أستوحاه الشاعر من قوله تعالى"ِإنِّي َوج ْ
َّه ُ
ض َحنِيفاً )39( "...وهو في ذلك يضع ولي العهد في مكانة غاية في السمو والرفعة امالً في نيل استعطافه َواأل َْر َ
وانزال رحمته حينما يذكره بقوله تعالى عسى أن يطلق سراحه.
ومن تضمينات الشعراء للقرآن الكريم ما ورد فيه من قصص قرآني ومن ذلك قصة موسى وهي:
القاء ام موسى ولدها في اليم بعد وضعه في التابوت ورد في القرآن الكريم في قوله تعالىَ " :وأ َْو َح ْيَنا ِإلَى
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِِ ِ ِ ِِ ِ
َن أ َْرضعيه فَِإ َذا خ ْفت َعلَْيه فَأَْلقيه في اْلَي ِّم َواَل تَ َخافي َواَل تَ ْح َزنِي ِإَّنا َر ُّادوهُ ِإلَْيك َو َجاعلُوهُ م َن اْل ُم ْر َسل َ
(
ين" وسى أ ْ
أ ُِّم ُم َ
دو ليك ما يوحى،أن أقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم َفْليقُه اليم الساحل يأخذهُ َع ّ أم َ
.وقوله تعالى"إذ أوحينا الى ِّ
)40
ولتصنع على عيني"( .)41كل هذه األحداث تعد عبرة وتأسياً البن زيدون وهو في
َ وع ُد ُّو له وألقيت عليك محبةً مني
َ
السجن يقاسي مرارته ،إذ يقول(:)42
ألم ِ
يأن أن يبكي الغمام على مثلي؟ ْ
ويطلب ثأري البـرق منحـلت َّ
النصل ؟
أمقتولة األجفان! مـالـك والها؟
األيـام نجمـاً هوى قبلي؟ ألـم تـ ِ
رك
ُ ُ
اقلي بـكاء ِ
لسـت أو َل ُحـر ٍة ً
طوت باألسى كشحاً على مضض ِ
الثكل ْ
وفي (ام موسى) ِعبرةُ إذ َر َم ْت به
اليم في التابوت فاعتبري واسلي
الى ِّ
الصنع قـادراً
ِ لعل المليك المجمل
صنعا لـي
عل ً له بعد ٍ
يأس سوف ُي ْج ْ ُ
فالشاعر عندما يتذكر حال األم التي تلقي بابنها في البحر بيدها ليالقي مصيره تهون عليه حال ،ليس هذا
فقط وإ نما يخبرها.
وعدو له ،إنه إتمام للحالة الصعبة التي وصفت بها أم
ُّ عدو لي
اهلل تعالى ،كما جاء في اآلية انه سيأخذه ُّ
موسى والثانية مقارنة الشاعر نفسه في ظلمات السجن مع موسى داخل التابوت في البحر فإذا كان لهذا الضيق
من مخرج وان اهلل تعالى حفظ موسى من المخاطر وأعاده الى أمه ،فلعل الشاعر يجد مخرجاً بعد أن يصفح عنه
ابن جهور ويطلق سراحه(.)43
ومن شكواه وبث لواعجه وما ينتابه في السجن من مشاعر يستعين بقصة موسى في موضوع السامري
ومعاقبة اهلل له بعدم االختالط بالناس ومالمستهم له ،وموضوع ضرب الحجر بعصاه وانبجاس اثنتي عشرة عيناً
1307
ت ِم ْنهُ اثَْنتَا َع ْش َرةَ
انب َج َس ْ
ك اْل َح َج َر فَ َ
صا َ اض ِرب ب َ
ِّع َ استَ ْسقَاهُ قَ ْو ُمهُ أ ِ
َن ْ ِ
وسى ِإذ ْ
منه في قوله تعالىَ " :وأ َْو َح ْيَنا ِإلَى ُم َ
َع ْيناً قَ ْد َعِل َم ُك ُّل أَُن ٍ
اس َّم ْش َرَبهُ ْم "(.)44
يقول ابن زيدون(:)45
ويـاسـُو
َّهر َ
رح الد ُ
َي ْج ُ بـاس
ما على ظنـِّي ُ
يـاس
ء على اآلمـال ُ ربُّما أشـرق بـالَمـْر
عن العهد وخاسوا ما ترى في معشرحالوا
اس
يتقى منـه المسـَ ُ ورأونـي سامـريـا
هاس ِ
فانتهـاش وانتـ ْ اذؤب هامـت بلحمي
ٌ
اعتساس
ُ لي ،وللذئـب كلهم يسأ ُل عـن حا
مـن الصـخر انبجاس ان قسا الدهر فللماء
فجرت من
إن هذه االشارة الصغيرة تختزن المعنى القرآني بلباقة تغني عن التفصيل ،فعصا موسى التي َّ
ماء بإذن اهلل تعالى يستعين بها أكثر من شاعر في موضوعات مختلفة.
الحجر ً
ممن يحب تمسك بمشهد النبي يعقوب ( عليه
والشاعر ابن حزم في لوعته وحسرته في بعده وعدم قربه ّ
السالم) حينما جلى الحزن عنه عندما شم قميص يوسف فيقول ابن حزم في ذلك(:)46
منعت القرب من سيدي
ُ لما
ولج في َه ْجري ولم ينصف
َّ
صرت بإبصاري أثوابه
ُ
مسه اكتفي
أو بعض ما قد َ
كذاك يعقوب نبي الهدى
الحزن على يوسف
ُ اذ شفَّ ُه
شم قميصاً جاء من عنده
َّ
وكان مكفوفاً فمنه شفـي
َهِل ُك ْم ْت ب ِ
صيراً َوأْتُونِي بِأ ْ ِ ِ ِ ِ
وقد وظف قوله تعالى سبيل الحكاية " ا ْذ َهُبوْا بِقَميصي َهـ َذا فَأَْلقُوهُ َعلَى َو ْجه أَبِي َيأ َ
ين "(.)47 أْ ِ
َج َمع َ
ونجد الشاعر أبا الحسن البغدادي يستمد من معاني القرآن الكريم حين يشبه نفسه وقد سجن بنبي اهلل يونس
( عليه السالم) الذي ابتلعه الحوت ،وكانه بذلك يحاول تبرئة نفسه مما اتهم به من زندقة وإ لحاد في قوله(:)2
فمن رأى شاعراً في السجن ُمطرحا
مظلـوم
ُ ِ
بالبهتـان في ظلمة وهو
واألقـدار حـائمـ ُة
ُ حلمك
َ ناديت
ُ
كصاحب الحوت نادى وهو مكظوم
فاحلل بيمنك ربق االسر عن عنقي
ِ
واإلفصـال موسـوم فأنت بالفضل
وقد وظف المعنى من قوله تعالى" فاصبر لحكم ربك وال تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم"(.)48
والبد من القول :بأن شيوع الفاظ القرآن ومعانيه وآياته في شعر شعراء األندلس بصورة عامة
والمسجونين بصورة خاصة له داللة واضحة على تشرب الدين االسالمي في افكار األندلسين وثقافتهم وهوما حدا
1308
بهم الى استعمال القرآن الكريم ليكون ثيمة يحركها الشاعر المسجون الستمالة االمير أو الخليفة أو السجان ليصل
إلى استعطافه.
ب -األحاديث النبوية الشريفة:لقد كان للحديث النبوي الشريف أثره في إغناء الذائقة الفنية لدى الشاعر العربي
بوصفه نصاً روحياً يهدف الى خلق أفق معرفي ليسهم في اثراء البنية الشعرية بصورة تكاملية ومن األمثلة على
هذا الغنى والتكامل حالة تناسب بين الحديث النبوي الشريف " اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث والتحسوا،
وال تجسوا"(.)49وقول الشاعر (الشريف الطليق) إذ نجد أثراً واضحا للحديث النبوي في غنا الصورة الحسية
المتوافرة في النص الشعري فقال الشاعر (:)50
وال شك ان الحزن يجري لغاية
ولكن نفس المرء سيئة الظن
وقال النبي محمد ( صلى اهلل عليه وآله وسلم) ":والتزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل
(
عن خمس؛عن عمره فيما فناه ،وعن شبابه فيما أباله ,وعن ماله من اين اكتسبه وفيما انفقه وماذا عمل فيما علمه"
.)51
وقال النبي محمد ( صلى اهلل عليه وآله وسلم)":ان من اشر الناس عند اهلل يوم القيامة عالم لم ينفعه اهلل
بعلمه"(.)52
ويشير الشاعر أبو مروان الجزيري الى الحديثين السابقين طالبا من اإلنسان أن يستفيد منها وينتفع بما
تعلمه في سبيل الخير وفائدة الناس؛النه سوف يحاسب يوم القيامة عن علمه ماذا عمل به فاذا لم يفد الناس بعلمه
فإنه اسوؤهم عند اهلل ويتوفق الشاعر في توظيفه وذلك بتشبيه العلم الذي ال ينتفع منه بصالة من غير طهارة فأنشد
قائالً(:)53
والعلـمـ لـيس بنافـع اربابـه
ما لم يفد عمالً وحسن تبصر
فاعمل بعلمك توف نفسك وزنها
ال ترض بالتضييع وزن المخسر
سيان عندي علم من لم يستفـد
عمال به وصالة من لم يطهـر
ج -الشعيرة الدينية (الصالة):الصالة هي" العبادة المخصوصة المبينة! حدود أوقاتها في الشريعة" .وتعد ركناً
()54
من أركان االسالم وهي دعاء المرء واتصاله بخالقه بتأدية هيآتها ومعانيها في التذلل والطاعة هلل ولزوم نهيه عن
الفحشاء والمنكر .وأصلها الدعاء وسميت هذه العبادة لها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه(.)55
عن الفحشاء
كما جاء في قوله تعالى " واقم الصالة إن الصالة تنهى ْ
وإ ن الشاعر المعتمد! وظف الصالة في قوله(:)57 (.)56
والمنكر
وكنا إذا حانت لحرب فريض ٌة
ونادت بأوقات الصالة طبو ُل
شهدنا فكبرنا فظلت سيوفنا
تصلي بهامات العدا فتطيـ ُل
سجود على إثر الركوع متابعٌ
هناك بأرواح الكماة تسيـ ُل
1309
لما فيها من معاني الخشوع والتقرب إلى اهلل ...الخ ومن ٍ
معان شكلية يدركها المتلقي بسهولة ويسر،
والشاعر أخذ منها الشكلية في اداء السجود ثم الركوع فوظف ذلك في رسم صورة للحرب أشار الشاعر إلى هذه
الحرب وكأنها فريضة فهي تحمل معنى الجهاد في سبيل اهلل ،ولفرط بطولتهم كانت سيوفهم تصلي بهامات
االعداء وهذا هو بيت القصيد فالشاعر المسجون قرب صورة السجود والركوع في الصالة وكان موضع السجود
والركوع سيوفهم هامات االعداء وهي داللة على كثرة الضرب.
()58
وكذلك نجد هذا واضحاً في شعر ابن الخطيب في استعماله لمعاني الصالة وروحها في قوله :
وانفاسنا سكنت دفعة
كجهر الصالة تالة القنوت
اذ استعمل الشاعر المسجون ما هو متوافر عند طائفة من المسلمين في صالتهم من الجهر واالخفات اذ
يخفت المصلي صوته فيكاد ال يسمع القنوت في الصالة الجهرية وهذا المعنى يدركه المتلقي بيسر لذا عمد الشاعر
الستعمال هذا المعنى في بيته الشعري .لقد كانت مسألة توظيف الشاعر المسجون للمرجعيات الدينية!
القرآنيةتتجلى بوضوح اكثر من المرجعيات الدينية! األخرى سواء كانت حديثاً أو عقائد وغيرها.
الخاتمة
يكشف هذا البحث عن جملة من النتائج المستقاة من المفردات الواردة في طيات هذا البحث وهذه النتائج
هي-:
-شيوع استعمال مفردات القرآن الكريم في شعر السجون االندلسي.
-تقمص الشاعر االندلسي الحدى شخصيات قصص األنبياء وهي احد مظاهر استعمال القناع الديني.
-قلة استعمال ألفاظ الحديث الشريف في شعر السجون االندلسي بسبب انقطاع الصلة مع الموروث اللغوي
المشرقي الذي تمثله هذه المفردات.
-ظهور مستوى بياني من األلفاظ المستعملة في شعر السجون االندلسي ،متأثرة بالغرض المشبع باالنكسار
والترجي.
الهوامش
-1ينظر:المضامين الدينية! والتراثية في الشعر األندلسي في القرن الرابع الهجري (رسالة ماجستير) ،فائزة
رضا شاهين العزاوي ،جامعة تكريت2004 ،م.24 :
-2م.ن.25 :
-3الثقافة األسالمية :محمد راعب الطباخ ،حلب ،بيروت ،ط.14 :1950 ،2
-4ينظر:المضامين التراثية في الشعر األندلسي في عصر المرابطين الموحدين !،د .جمعة حسين يوسف
الجبوري،دار صفاء للنشر والتوزيع -عمان ،مؤسسة دار الصادق الثقافية ،ط.83 :2010 ،1
-5دراسة نقدية لظواهر في الشعر العربي ،د .حسين علي الدخيلي ،دار صادر للنشر والتوزيع ،عمان ،ط
2011 ،1م .58:
-6جذوة المقتبس في ذكر والة األندلس ،الحميدي أبو عبد اهلل محمد بن فتوح ( ت 488هـ) ،الدار المصرية
لتأليف والترجمة1966 ،م.86 :
-7المعراج.16-15/
-8ينظر :المائدة ،65/ويونس ،9/والحج.56/
-9يونس ،88 /والشعراء ،201/والحجر.50/
1310
-10الروم.54/
-11الفاتحة ،310/والبقرة37/و 54و 128و 160و.163
-12الحاقة.6/
-13فصلت.16/
-14لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر بيروت1956 ،م :مادة (صرصر).
-15مطمح األنفس ومسرح التأنس في ملح أهل األندلس ،الفتح بن محمد اإلشبيلي ،تح :محمد شوايكة ،دار
عمار ومؤسسة الرسالة ،بيالوت ،ط1983 ،1م .179 :و نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ،الشيخ
أحمد بن مقري التلمساني ،تح :د .إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت ،ط1968 ،1م.1/587 :
-16ينظر:أثر القرآن الكريم في الشعر األندلسي -منذ الفتح وحتى سقوط الخالفة 422 -92هـ ،د .محمد
شهاب العاني ،دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ،ط.56 :2002 ،1
-17ديوان ابن زيدون ،أبو الوليد أحمد بن عبد اهلل ،تح :كرم البستاني ،دار صادر ،بيروت1960 ،م:
.362
-18االحزاب.33 /
-19الشعراء وانشاد الشعر،علي الجندي ،القاهرة ،دار المعارف ،بمصر( ،د.ط)1967 ،م.61 :
-20ديوان ابن زيدون.125 :
-21القلم.20-19 /
-22األنبياء.69-68 /
-23ديوان ابن زيدون .255 – 254 :
-24االنعام.164 /
-25ديوان ابن زيدون.290 :
-26سبأ.16 /
-27ينظر :تفسير الجاللين الميسر ،جالل الدين المحلي وجالل الدين السيوطي ،حققه وعلق عليه :د .فخر
الدين قباده ،ط.430 /22 :2003 ،1
-28ديوان المعتمد بن عباد ,ملك اشبيلة,د.حامد عبدالمجيد,د.أحمد أحمد بدوي,راجعة:د.طه حسين ,مطبعة
دارالكتب المصرية القاهرة ,ط1430,5ه2009-م.299 :
-29النساء.106 /
-30ديوان المعتمد بن عباد.195 :
-31البقرة.259 /
-32المؤمنون 14 /و الحج.5 /
-33المغرب في حلى المغرب.1/212 :
-34غافر.60/
-35المغرب في حلي المغرب.1/212 :
-36البقرة ،173 /والمائدة ،3/والنحل.115/
-37ديوان ابن األبار.242-240 :
-38األنعام.79/
1311
-39القصص.7/
-40طه.39-38 /
-41ديوان ابن زيدون.271 :
-42ينظر:أثر القرآن الكريم في الشعر األندلس -منذ الفتح وحتى سقوط الخالفة 422 -92هـ.120-119 :
-43االعراف.160 /
-44ديوان ابن زيدون.273 :
-45ملحق تاريخ األدب األندلسي– عصر سيادة قرطبة :د.إحسان عباس ،دار الثقافة ،بيروت1969 ،م.
.97
-46سورة يوسف.96 :
-47نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب ,الشيخ أحمد بن مقري التلمساني ،تحقيق :د.إحسان عباس ،دار
صادر ،بيروت ،ط1،1968م .49 /4:
-48القلم.48 /
-49سنن ابي داود ،سليمان بن األشعث السجساتني األزدي ( ت 275هـ) ،تح :محمد محي الدين عبد
الحميد ،المكتبة العصرية ،بيروت(،د.ت)!.280 :4
-50الحلة السيراء ،ابو عبد اهلل محمد بن عبد اهلل القضاعي ابن االبار ،تحقيق :حسين مؤنس ،الشركة
العربية للطباعة والنشر ،القاهرة،ط1،1963م.1/221:
-51الجامع الصحيح ( سنن الترميزي) ،محمد عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ( 279هـ) ،تح:احمد
محمد شاكر واخرون ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.4/612 :
-52سنن الدرامي ،عبد اله عبد الرحمن أبو محمد الدرامي ( ت ،)255تح :فواز احمد زمرلي وخالد
السبع ،دار الكتاب ،بيروت ،ط 1407 ،1هـ.1/93 :
-53يتيمة! الدهر في محاسن أهل العصر ،أبو منصور عبد الملك النيسابوري الثعالبي ،تح ،محمد قميعة ،دار
الكتب العلمية ،ط1983، 1م.118-117 :
-54المعجم الوسيط ،قام باخراجه :إبراهيم مصطفى وأحمد حسين الزيات وحامد عبد القادر ومحمد علي
النجار،المكتبة االسالمية للطباعة والنشر والتوزيع.544 :
-55ينظر :مفردات الفاظ القرآن ،الراغب األصفهاني ( ت 425هـ) ،تح :صفوان عدنان داودي ،دار القلم
دمشق -دار الشامية -بيروت ،ط.491 :2000 ،1
-56العنكبوت.45 :
-57ديوان المعتمد.180 -179 :
-58ديوان الصيِّب والجهام والماضي والكهام ،تح :محمد الشريف قاهر ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،
الجزائر،ط.85 :1973 ،1
المصادر والمراجع
-القرآن الكريم
-المضامين الدينية والتراثية في الشعر األندلسي في القرن الرابع الهجري ،رسالة ماجستير ،فائزة رضا
شاهين العزاوي ،جامعة تكريت2004 ،م.
-الثقافة األسالمية ،محمد راعب الطباخ ،حلب ،بيروت ،ط1950 ،2م.
1312
-المضامين التراثية في عصر المرابطين الموجدين ،د .جمعه حسين يوسف الجبوري،ط2010 ،1م.
علي الدخيلي،دار صادر للنشر والتوزيع ،عمان،ط
-دراسة نقدية لظواهر في الشعر العربي ،د .حسين ّ
1،2011م.
-جذوة المقتبس في فكر والة األندلس،الحميدي أبو عبد اهلل محمد بن فتوح (ت 488هـ) ،الدار المصرية
لتأليف والترجمة1966 ،م.
-لسان العرب ،ابن منظور ،دار صادر بيروت1956 ،م.
-مطمح األنفس ومسرح التأنس في ّملَح أهل األندلس ،الفتح بن محمد اإلشبلي ،تحقيق:محمد شوايكة ،دار
عمار ومؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1983 ،1م.
-نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب،الشيخ أحمد بن مقري التلمساني ،تحقيق :د.إحسان عباس ،دار
صادر ،بيروت ،ط1،1968م.
-أثر القرآن الكريم في الشعر األندلس -منذ الفتح وحتى سقوط الخالفة 422 -92هـ ،د.محمد! شهاب العاني،
دار الشؤون الثقافة العامة بغداد،ط،1بيروت1960 ،م.
-الشعراء وانشاد الشعر،علي الجندي( ،د.ط) ،القاهرة ،دار المعارف بمصر1967 ،م.
-تفسير الجاللين الميسر،بإلمامين جالل الدين المحلي ،وجالل الدين السيوطي ،حققه وعلق عليه:د .فخر
الدين قبادة،ط1،2003م.
-تاريخ األدب األندلسي -عصر سيادة قرطبة ،د.إحسان عباس ،دار الثقافة ،بيروت1999 ،م.
-سنن الي داود اسليمان بن األشعت السجساتني األزدي (ت 275هـ) ،تحقيق :محمد محي الدين عبد الحميد!،
المكتبة العصرية ،بيروت( ،د.ت).4 ،
-الجامع الصحيح (سنين الترمذي) ،محمد عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ( ت 279هـ) ،تحقيق :احمد
محمد شاكر واخرون ،دار أحياء التراث العربي ،بيروت.
-سنت الدرامي ،عبد اهلل عبد الرحمن أبو محمد الدرامي ( ت 255هـ) ،تحقيق :فواز أحمد زمرلي وخالد
السبع ،دار الكتاب ،بيروت،ط1407 ،1هـ.
-الحلة السيراء في أشعار األمراء ،ابو عبد اهلل محمد بن عبد اهلل القضاعي ابن االبار ،تحقيق :حسين
مؤنس ،الشركة العربية للطباعة والنشر ،القاهرة،ط1963 ،1م.
-الدهر في محاسن أهل العصر ،أبو منصور عبد الملك النيسابوري تيمة الثعالبي ،تحقيق :محمد مفيد قميحة،
دار الكتب العلمية،ط1983 ،11م.
-المعجم الوسيط ،قام باخراجه :إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات ،حامد عبد القادر ومحمد علي النجار،
المكتبة االسالمية للطباعة والنشر والتوزيع.
-مفردات الفاظ القرآن ،الراغب األصفهاني ( ت 425هـ) ،تحقيق :صفوان عدنان داوودي ،ط2000 ،1م.
-ديوان المعتمد بن عباد ملك إشبيلية ،د .حامد عبد المجيد ،د .أحمد أحمد بدوي ،راجعه :د .طه حسين ،ط
،5مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة1430 ،هـ 2009 -م.
الص يب والجهام والماضي والكهام:تحقيق:محمد الشريف قاهر،الشركة الوطنية لنشر
-ديوان ِّ
والتوزيع،الجزائر ،ط1،1973م.
1313