You are on page 1of 546

‫أ‬

‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫أ أ‬ ‫أ أ‬
‫الحمد هلل رب العالمين والعاقبة للمتقين واشهد ان ل إله إل هللا وحده ل شريك له واشهد ان‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬
‫محمدا عبده ورسوله ﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد ‪,‬‬
‫عظيم النفع ‪َ ،‬ن َف َع هللا سبحانه وتعالى به ً‬
‫خلقا‬ ‫عظيم البركة ُ‬ ‫تاب ُ‬ ‫فهذا الك تاب الذي بين أايدينا ك ٌ‬
‫خلق من الذنوب وغوائلها ‪ ،‬قد وفق هللا عز وجل ُمصنفه‬ ‫لوقاية‬ ‫وكان سببا لهداية خلق وكان ً‬
‫سببا‬
‫ٍ‬
‫معان عظيمة وهدايات مباركة استنبطها‬ ‫يسر له من ٍ‬ ‫َ‬ ‫اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى فيما َّ‬
‫واستخرجها من ك تاب هللا عز وجل وسنة نبيه ﷺ في ذكر الداء والدواء‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وهذا الك تاب المسمى "بالداء والدواء" او" الجواب الكافي لمن سال عن الدواء الشافي" هو في هذا‬
‫أ‬
‫الباب ‪ ,‬باب ذكر الداء وذكر الدواء‪ ,‬وسبب تاليف اإلمام ابن القيم‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ -‬لهذا الك تاب‬
‫هو سؤال سائل ُمبتلى بذنب ُعضال ومعصية متجذرة في نفسه ‪ ,‬عرف أانها ستكون ً‬
‫سببا في هالكه‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫في دنياه واخراه ‪ ،‬ويريد خالص نفسه منها ونجاتها ‪ ,‬فسال هذا السؤال الذي اجاب عنه ابن القيم‬
‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫رحمه هللا بسخاء وكرم‪,‬فاجاب فيه بهذا الك تاب الحافل العظيم ‪ ،‬واحسب وهللا تعالى اعلم ان نية‬
‫ً‬
‫عظيما نفع هللا‬ ‫السائل صادقة فبارك هللا عز وجل في سؤاله هذه البركة العظيمة التي أاثمرت ك ً‬
‫تابا‬
‫ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مما ً‬‫به أا ً‬
‫ناصحا لنفسه وإخوانه في هذا الباب باب‬ ‫وخلقا‪ ,‬وهذا يستفاد منه ان المرء ينبغي ان يكون‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫السؤال ‪ .‬ولهذا لو نظرت في ك تب اهل العلم بل في ك ثير منها تجد ان سبب التاليف لها سؤال‬
‫مبارك فالنية الصالحة في السؤال والمقصد الحسن له ثمرة تعود على السائل نفسه وتعود على‬
‫أ‬ ‫ٌ‬ ‫غيره من المسلمين‪ ,‬وإذا كان ً‬
‫نصيب من الجر والثواب وهللا تبارك وتعالى‬ ‫سببا في الجواب فله‬
‫أ‬
‫فضله عظيم وعطاؤه جزيل ‪ ,‬فتسبب سؤال هذا السائل والمه في عرضه لسؤاله وتحسره على حاله‬
‫أ‬
‫وطمعه في وسيلة الخالص والنجاة من الداء العضال الذي ُبلي به ويريد خالص نفسه منه فاجاب‬
‫أ أ‬
‫ابن القيم رحمه هللا تعالى بهذا الجواب والمرجو ان اول من انتفع بهذا الجواب هو السائل نفسه‬
‫أ‬ ‫ً أ أ‬
‫خلقا ‪ ،‬واقول ايضا بهذه المناسبة ان العاصي‬ ‫ثم من بعد ذلك نفع هللا سبحانه وتعالى بسؤاله‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫المبتلى ببعض الذنوب التي اعياه الخالص منها عليه ان يقترب من اهل العلم ومجالس العلم‬
‫فليلزمها‪ ,‬فإنه إن صبر نفسه على ذلك‬ ‫ويصبر نفسه عليها وإن أابت نفسه في أاول أالمر وتلددت ُ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫واقترب من اهل العلم ومجالسهم يسر هللا له من ابواب التوفيق وانشراح الصدر والخالص من‬

‫‪1‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫الذنوب واضرارها واخطارها ما ل يحتسب ‪ .‬والقرب من اهل العلم غنيمة وسؤالهم عما َاشكل نجاة‬
‫وسالمة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ثم يستفاد ايضا من بسط اإلمام ابن القيم رحمه هللا هذا الجواب بهذا البسط الوافي ا َّن صبر العا ِّلم‬
‫على السائلين ورحمته لهم وبهم ‪ ,‬ولينه معهم ورفقه بهم وتلطفه في جوابهم كل هذا له مردوده‬
‫الحسن وثمرته العظيمة في قرب هؤلء من الخير وبعدهم من الشر ‪.‬وهذا الك تاب معاشر الكرام‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ثناء عظيم عند اهل العلم فك ثي ًرا ما يحيلون إليه ولو تقرا على سبيل المثال او تنظر عبر‬ ‫محل ٍ‬
‫وسائل البحث الحديثة في فتاوى مثال اللجنة الدائمة وفتاوى ابن اباز وفتاوى ابن عثيمين وغيرهم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫من اهل العلم تجد إحالت ك ثيرة لهذا الك تاب ‪,‬إحالت ك ثيرة جدا لهذا الك تاب‪ ,‬لن فيه الدواء‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫النافع والعالج الشافي لمراض ك ثيرة وادواء متنوعة ‪ ،‬ولهذا كل من يشتكي من الذنوب وتتاذى‬
‫حصل خيرا‬‫وتامله أباناة َّ‬
‫أ أ أ‬
‫نفسه منها ويريد الخالص ُيحال إلى هذا الك تاب المبارك فإن قراه باناة‬
‫عظيما وقد نقل عنه أاهل العلم ك ثيرا نقولت متنوعات في ك تب ك ثيرة ولهذا ترى‬ ‫ً‬ ‫ك ثي ًرا ً‬
‫ونفعا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫اإلحالة عليه في ك ثير ك تب اهل العلم وشروحات الحديث ‪ ،‬ولو طالعت ايضا في الشروحات‬
‫أ‬
‫وك تبت الداء والدواء او الجواب الكافي ترى نقولت ك ثيرة عن هذا الك تاب المبارك لإلمام ابن‬
‫أ‬
‫القيم رحمه هللا تعالى ‪,‬من ثناء اهل العلم عليه قول ابن الوزير في ك تابه" العواصم والقواصم" في‬
‫اخر الك تاب { قال‪ :‬وقد ذكر أامثال هذا الحديث َ‬
‫وج َّو َد الكالم في التخويف الشيخ اإلمام الشهير‬
‫بابن القيم الجوزية تلميذ شيخ اإلسالم ابن تيمية في ك تابه المعروف" الجواب الكافي على من‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫سال عن الدواء الشافي" فمن اراد الشفاء التام في هذا المعنى فعليه بمطالعته لما فيه من تدبر‬
‫ك تاب هللا وصحيح السنة النبوية ‪.‬‬
‫أ‬
‫وقال الشيخ بكر ابو زيد رحمه هللا في ك تابه "التقريب لفقه ابن القيم" قال ‪ { :‬وفي هذا الك تاب‬
‫من لطائ ف العلم وحقائ قه وبيان محاسبة النفس ومراقبتها ما ل يستغني عنه طالب علم‪ ( ,‬الكالم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫للشيخ بكر ابو زيد ) يقول ‪:‬وقد ذكر الشيخ عبد الظاهر ابو السمح في خاتمة الطبعة لهذا الك تاب‬
‫أ أ‬ ‫أ‬
‫اي يعني التي كانت بعنايته اي انه هو السبب في هداية هللا له إلى طريق السلف الصالح وسلوك‬
‫منهجهم في توحيد هللا تعالى وعبادته‪.‬‬
‫خلقا من عباده إلى الهدى والحق والطريق‬ ‫وكما قدمت هذا الك تاب هدى هللا سبحانه وتعالى به ً‬
‫القويم ‪ ،‬فهو ك تاب عظيم البركة كبير النفع‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ومن نعم هللا سبحانه وتعالى علي ا َّن معرفتي بهذا الك تاب قديمة وصلتي به مبكرة واعتبرها هذه‬
‫أ‬ ‫أ أ‬
‫من النعم العظيمة فاقول ايها الشاب من نعمة هللا عليك ان يكون هذا الك تاب في يدك في وقت‬
‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ أ‬
‫مبكر من عمرك تقراه بتامل وتتامله باناة فإنه بإذن هللا تبارك وتعالى سيكون له الثر العظيم‬
‫أ‬
‫عليك في حياتك‪ ,‬ثم معاشر الكرام إذا تاملنا في واقعنا المعاصر الذي بال مرية ك ثرت فيه الفتن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وتعددت ابواب الشهوات وانفتحت فيه على الناس من وسائل الفساد وابواب الفتنة والشر ما لم‬
‫أ‬
‫يكن موجودا في زمان سابق ‪ ،‬ولو لم يكن في زماننا إل هذه الجهزة الحديثة وما فيها من بالء‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫عظيم وشر وما فيها من فتن وما فيها من منافذ ك ثيرة جدا ادخلت ك ثي ًرا من الناس في ابواب من‬
‫خلل في اإلعتقاد واإليمان والمعرفة‬ ‫في‬ ‫الشبهات والمحرمات والمعاصي والثام ‪ ,‬بل أاوقعت ً‬
‫بعضا‬
‫ٍ‬
‫باهلل سبحانه وتعالى بل حتى وصل ببعض الناس إلى اإللحاد والعياذ باهلل كله من طريق هذه‬
‫أ‬
‫الجهزة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫وهذا الك تاب المبارك في مثل هذا الزمان لمن يوفق لقراءته باناة يعد حصانة عظيمة وصمام امان‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ أ‬
‫وحافظا واقيا بإذنه سبحانه وتعالى ‪ .‬فانا انصح واؤكد واشدد على اهمية هذا الك تاب واهمية قراءته‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫متا ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫مال ‪ .‬وعندما تقرا هذا الك تاب* قيد فوائده‪ *,‬وتامل في معانيه ‪*,‬وانقل ما‬ ‫والعناية به قراءة متانية‬
‫أ‬
‫تفيده منه إلى إخوانك‪ ,‬فإن الناس بحاجة ماسة إلى مضامين هذا الك تاب ‪ .‬ونسال هللا عز وجل‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫باسمائه الحسنى وصفاته العليا وبانه هللا الذي ل إله إل هو نساله جل وعال الذي يسر لنا هذا‬
‫أ‬
‫المجلس لقراءة هذا الك تاب المبارك لإلمام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ان ُي َيسر لنا من خالله‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫البركة العظيمة والنفع الكبير علينا في انفسنا واهلينا وإخواننا ومن نحب‪ ,‬وان يكون مجلسنا هذا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫باب خير لالمة ‪ ,‬باب خير لالمة عظيم في الوقاية من الذنوب ‪ .‬وإذا كنا نتحدث قبل قليل عن شر‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫هذه الجهزة فإن اهل الخير يسر لهم من ابواب إيصال الخير للناس من خالل هذه الجهزة فهدى‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫هللا سبحانه وتعالى ً‬
‫خلقا ‪ ،‬ولهذا اهل الفضل وطالب العلم واهل الخير والناصحون يستغلون‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫هذه الجهزة في نشر الخير ‪ ,‬و لهذا ادعو جميع طالب العلم واهل الفضل ان يكون هناك تعاون‬
‫على نشر مضامين هذا الك تاب المبارك لإلمام ابن القيم‪ -‬رحمه هللا‪ -‬للناس بحيث ينتفع به ٌ‬
‫خلق‬
‫أ‬
‫عظيم ‪ ،‬واصحاب اللسان غير العربي ينقلون لقراباتهم وإخوانهم والمسلمين في بلدانهم وحتى غير‬
‫أ‬
‫المسلمين ينقلون لهم من مضامين هذا الك تاب ما نرجو هللا سبحانه وتعالى سائلينه باسمائه‬
‫أ‬
‫الحسنى وصفاته العليا ان يجري في هذا الخير العظيم والبركة العميمة والنفع الكبير والفضل بيد‬
‫أ‬
‫هللا ل شريك له يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم ‪ ،‬ونبدا مستعينين باهلل مستمدين العون‬
‫والتوفيق منه جل في عاله ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫* بسم هللا الرحمن الرحيم ‪,‬وبه نستعين‪ ,‬سئل الشيخ العالمة المتقن الحافظ الناقد ‪:‬شمس الدين‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ابو عبد هللا محمد بن الشيخ تقي الدين ابي بكر المعروف بابن قيم الجوزية‪ -‬زاده هللا من فضله" َما‬
‫ين ‪ِّ -‬في َر ُج ٍل ْاب ُت ِّل َي ِّب َب ِّل َّي ٍة َو َع ِّل َم َا َّن َها ِّإ ِّن‬ ‫َّللا َع ْن ُه ْم َا ْج َم ِّع َ‬ ‫الس َاد ُة ْال ُع َل َم ُاء‪َ ،‬ا ِّئ َّم ُة ِّالدين َر ِّض َي َّ ُ‬
‫َت ُق ُول َّ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬
‫ْاس َت َم َّر ْت ِّب ِّه َا ْف َس َد ْت ُد ْن َي ُاه َوا ِّخ َرَت ُه‪َ ،‬و َق ِّد ْاج َت َه َد ِّفي َد ْف ِّع َها َع ْن َن ْف ِّس ِّه ِّب ُك ِّل َط ِّر ٍيق‪َ ،‬ف َما َي ْز َد ُاد ِّإل َت َو دق ًدا‬
‫َّللا ِّفي َع ْو ِّن‬ ‫َّللا َم ْن َا َع َان ُم ْب َت ًلى‪َ ،‬و َّ ُ‬ ‫الطر ُيق ِّإ َلى َك ْش ِّف َها؟ َف َر ِّح َم َّ ُ‬ ‫َوش َّد ًة‪َ ،‬ف َما ْالح َيل ُة في َد ْفع َها؟ َو َما َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ ُ َ َ ْ ُ ر َ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َع ْب ِّد َما َك َان ال َع ْب ُد ِّفي َع ْو ِّن َا ِّخ ِّيه‪ ،‬افتونا ماجو ِّ ين ر ِّحمكم َّللا تعالى‪.‬‬
‫ً أ‬
‫سببا في تاليف اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى لهذا‬ ‫هذا السؤال الذي بني عليه هذا الك تاب وكان‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الك تاب المبارك وهو ان رجل ابتلي ببلية ولم تسمى هنا والمراد بالبلية اي معصية عظيمة هلل‬
‫وتمكنت من نفسه وهو يعرف خطورتها عليه ِّوعظم مضرتها لكنه‬ ‫تجدرت في قلبه َّ‬ ‫سبحانه وتعالى َّ‬
‫فسال هذا السؤال ً‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫طالبا اإلعانة بدللته بما يكون فيه‬ ‫يريد الخالص منها فتابى نفسه ان تتركها ‪،‬‬
‫أ‬
‫خالصه من هذا البالء وقال ‪ ,‬فقال‪ :‬رحم هللا من اعان مبتلى وهللا في عون العبد ما كان العبد في‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫عون اخيه ‪ .‬هذه المعاناة التي اشير إليها في سؤال هذا السائل هي وهللا معاناة ك ثير من الناس في‬
‫أ‬
‫زماننا هذا خاصة الذين ابتلوا من خالل الجهزة الحديثة بالنظر المحرم إلى الشهوات المحرمة‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ً‬
‫انفتاحا لم يكن في زمان قبله لم يكن في اي زمان قبله فاصبحت‬ ‫وهذا الباب انفتح في هذا الزمان‬
‫فاتنا لك ثير‬ ‫قبيحا ً‬ ‫عرضا ً‬ ‫والعياذ باهلل صور ُالعري وممارسة الفواحش أواشياء من هذا القبيل ُتعرض ً‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫من الخلق واصبح بعض الناس كما يصف نفسه مدمنا لهذا النظر ويعرف ان هذا النظر لم ينل منه‬
‫أ‬
‫إل مرض قلبه وشقاء نفسه ويعرف انه دمار وهالك يعرف ذلك ويريد الخالص من ذلك النظر لتزكو‬
‫ين َي ُغ دضوا ِّم ْن َا ْب َص ِّار ِّه ْم َو َي ْح َف ُظوا ُف ُرو َج ُه ْم‬ ‫نفسه فما استطاع وهللا جل وعال يقول ‪ (:‬قل ِّل ْل ُم ْؤ ِّم ِّن َ‬
‫ات َي ْغ ُض ْض َن ِّم ْن‬ ‫ُْ ْ ْ‬
‫ون ) سورة النور ثم قال ( َوقل ِّلل ُمؤ ِّم َن ِّ‬ ‫َّللا َخب ٌير ب َما َي ْص َن ُع َ‬ ‫َذ ِّل َك َا ْز َكى َل ُه ْم ِّإ َّن َّ َ‬
‫ِّ ِّ‬
‫أ‬ ‫ً‬
‫َا ْب َص ِّار ِّه َّن‪ ) ..‬إلى تمام الية ‪ .‬فتورط ك ثير من الناس ذكورا وإناثا في هذا النظر ويعرف ان هذا النظر‬
‫سم وشر وبالء وهالك ويريد تركه ثم يعود وترجع نفسه فهذا الجواب الذي هنا لإلمام ابن القيم لم‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫يجعله ً‬
‫خاصا بسؤال هذا السائل والمتامل في الك تاب والسياق وما سياتي في اخر الك تاب يعرف‬
‫أ‬ ‫أان البلية التي كان ً‬
‫مصابا بها هذا الرجل هي العشق المحرم ‪ ،‬هي العشق المحرم ‪ ،‬واهلكه هذا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫العشق ويريد الخالص منه لكن سكرة هذا العشق اهلك ته واصبح مع هذا العشق في عمى يريد‬
‫أ‬ ‫َّ‬
‫خالصا فمثل هذا في زماننا ك ثير خاصة ما ول َدته هذه الجهزة من شرور عظيمة وفتن للناس‬
‫ْ‬ ‫أ‬
‫وتهييج للشهوات وتحريك للرذائل والمحرمات فاصبح هذا القول الذي هنا لهذا السائل َف َما ال ِّح َيل ُة‬

‫‪4‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫َّللا َم ْن َا َع َان ُم ْب َت ًلى هذا لسان حال ك ثير من الناس في‬ ‫الطر ُيق ِّإ َلى َك ْش ِّف َها؟ َف َر ِّح َم َّ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ‬
‫ِّفي دف ِّعها؟ وما ِّ‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫زماننا ممن ابتلوا بهذه الجهزة والمناظر المحرمة والفالم الوبيئة الدنيئة الخسيسة الحقيرة التي‬
‫أ‬
‫اهلكت ك ثير من الناس‪ ,‬وهيجت في نفوسهم الشهوات المحرمة‪ ,‬وصدتهم عن ذكر هللا وعن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الصالة وعن الخير وعن ابواب الخير واوردتهم المعاطب ‪ ,‬فهذا الكالم الذي هنا في سؤال َف َما‬
‫الطر ُيق ِّإ َلى َك ْش ِّف َها؟ َف َر ِّح َم َّ ُ‬
‫َّللا َم ْن َا َع َان ُم ْب َت ًلى على الخالص منها هو لسان‬ ‫ْالح َيل ُة في َد ْفع َها؟ َو َما َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫أ‬
‫حال ك ثيرين ولهذا ينبغي حقيقة ان يكون هناك تعاون كبير جدا وعظيم في نشر هذا الك تاب وبثه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫في الناس وإشاعته بينهم واوصي من اتاه هللا سبحانه يسارا في المال ان يساهم في طبع هذا‬
‫أ‬ ‫ً‬
‫خالصا من هذه الدواء المهلكة والشرور‬ ‫الك تاب الطبعات الك ثيرة ويترجم إلى لغات ليكون‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫المعطبة وإذا كان اهل الفساد يتعاونون تعاونا كبيرا ويبذلون اموال طائلة من اجل إخراج افالم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫دنيئة تفتن الناس وتثير فيهم الشهوات المحرمة والملذات الباطلة فالن يكون اهل الحق تعاونا‬
‫أ أ‬
‫في نشر الخير والفضيلة ونصح الناس ودعوتهم إلى الخير من باب اولى واحرى ‪ ,‬فهذه دعوة من‬
‫أ‬
‫خالل هذا المجلس ان يكون هناك تعاون على نشر هذا الك تاب بكل وسيلة وكل طريقة نرجو هللا‬
‫أ‬
‫سبحانه وتعالى ان يحقق من ذلك خيرا كبيرا ونفعا عميما بمنه وفضله إنه سميع الدعاء ‪.‬‬

‫َّللا ْب ُن َا ِّبي َب ْك ٍر‬ ‫َ‬


‫ين‪َ ،‬ش ْم ُس ِّالد ِّين ا ُبو َع ْب ِّد َّ ِّ‬ ‫الش ْي ُخ ْاإل َم ُام ْال َعا ِّل ُم‪َ ،‬ش ْي ُخ ْاإل ْس َال ِّم ُم ْف ِّتي ْال ُم ْس ِّلم َ‬ ‫اب َّ‬ ‫‪َ :‬ف َا َج َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ د َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ز َّ َ َ ُ َّ ُ َ‬
‫َّللا َت َعالى‪ِ * .‬ل ُك ِل َد ٍاء َد َواء *‬ ‫ايوب ِّإم ِّام المدرس ِّة الجو ِّ ي ِّة ر ِّحمه‬
‫َّللا َع ْن ُه ‪َ -‬ع ِّن َّالن ِّب ِّي ‪-‬‬ ‫يث َابي ُه َر ْي َر َة ‪َ -‬ر ِّض َي َّ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ ْ ُ َّ َ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫الحمد ِّ ِّلِل‪,‬اما بعد‪ :‬فقد ث َبت ِّفي َص ِّح ِّيح ال ُبخ ِّار ِّي ِّمن ح ِّد ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ه ُ ه‬
‫َّللا َد ًاء ِاَّل َا ْن َز َل ل ُه ِش َف ًاء» ‪.‬‬ ‫ﷺ ‪ -‬انه قال‪« :‬ما انزل‬
‫اب‬ ‫َّللا‪ِ « :‬ل ُكل َد ٍاء َد َواء َفا َذا َا َص َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّللا َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُول َّ‬ ‫ِّ‬ ‫يث َجابر ْبن َع ْبد َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫د‬‫ِّ‬ ‫ح‬‫َو ِّفي َص ِّحيح ُم ْس ِّلم ِّم ْن َ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ه‬ ‫َ َ ُ ه ِّ َ َ َ ْ‬
‫َّللا» ‪.‬‬
‫دواء الد ِاء برا ِب ِاذ ِن ِ‬
‫َّللا ل ْم ُي ْن ِز ْل َد ًاء‬
‫َ َ ه هَ َ‬ ‫َوفي ُم ْس َند ْاإل َمام َا ْح َم َد م ْن َحد ُ َ‬
‫يك َع ِّن َّالن ِّب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال‪ِ « :‬ان‬ ‫يث ا َس َامة ْب ِّن َش ِّر ٍ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا هَّل انزل ل ُه ِشف ًاء‪َ ،‬ع ِل َم ُه َم ْن َع ِل َم ُه َو َجهل ُه َم ْن َجهل ُه» ‪َ ،‬و ِّفي لف ٍظ‪« :‬ا هن ه َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا ل ْم َيض ْع د ًاء ِاَّل َوض َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ َل ُه ش َف ًاء‪َ ،‬ا ْو َد َو ًاء‪ ،‬ا هَّل َد ًاء َواح ًدا‪َ ،‬ق ُالوا‪َ :‬يا َر ُس َول هَّللا َما ُه َو؟ َق َال ِ‪ْ :‬ال َه َرم ُُ» َق َال الت ْرمذ دي‪َ :‬هذاَ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح‪.‬‬ ‫يث َص ِّح ٌ‬ ‫َحد ٌ‬
‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َد َو ُاء ْال ِّع ِّي د‬
‫الس َؤ ُال َو َه َذا َي ُع دم َا َد َو َاء ال َقل ِّب َو دالرو ِّح َوال َب َد ِّن َو َا ْد ِّو َي ِّت َها‪َ ،‬و َق ْد َج َع َل َّالن ِّب دي ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َج ْه َل َد ًاء‪َ ،‬و َج َع َل َد َو َاء ُه ُس َؤ َال ال ُع َل َم ِّاء‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫بدا ابن القيم ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬في جوابه هذا السؤال بهذا الحديث العظيم وذكره رحمه هللا ل لفاظ‬
‫أ‬
‫لهذا الحديث هو من حسن البدء وجماله وابان من خالل ذكره لهذا الحديث وقد عرفنا قبل قليل‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ان السائل اعياه الشفاء من دائه الذي ابتلي به وتمكن منه هذا الداء حتى ظن في نفسه انه ل‬
‫مخلص فذكر هذا الحديث ذكر هذا الحديث للمبتلين يا إخوان ذكر هذا الحديث العظيم للمبتلين‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬
‫بالمراض الحسية او المراض المعنوية التي امراض الشهوات وغيرها يفتح لجميع هؤلء باب المل‬
‫أ‬
‫والرجاء ويدفع عنهم ايضا سوء الظن واعتقاد عدم الخالص ‪ .‬بعض المرضى سواء مرضى الشهوات‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫او مرضى البدان يظن ان داءه ل دواء له وان مرضه ل عالج له واحيانا يحكم على بعض المراض‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫طبيا بان ل عالج لها وينزل هللا لها شفاءا وحصل من هذا قصصا ك ثيرة يعني بعض المراض حكم‬
‫أ‬ ‫أ أ‬
‫الطباء ان ل عالج لها ثم ييسر هللا للمريض تناول عشبة معينة يدل عليها او شربا لماء زمزم ينصح‬
‫أ‬
‫به او لجوءا هلل بالدعاء واإللحاح والسؤال فينجلي المرض وينكشف وفي هذا في واقعنا قصص‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ك ثيرة جدا من هذا القبيل فهذا الحديث مهم ان يبدا به مثل ما صنع اإلمام المربي الناصح رحمه‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أأ‬
‫هللا تعالى فبدا اول ما بدا بإيراد هذا الحديث في صحيح البخاري ان النبي ﷺ قال ‪َ «":‬ما َا ْن َز َل‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َّللا َد ًاء ِاَّل َا ْن َز َل ل ُه ِش َف ًاء» ‪.‬ثم قال اإلمام ابن القيم رحمه هللا ‪َ :‬و َه َذا َي ُع دم َا َد َو َاء ال َقل ِّب َو دالرو ِّح‬
‫هُ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬
‫َوال َب َد ِّن َو َا ْد ِّو َي ِّت َها ليس خاصا كما يظن ك ثير من الناس عندما يقرا هذا الحديث انه في امراض البدن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ ,‬ك ثير من الناس يتبادر إلى ذهنه ان هذا الحديث خاص بامراض البدن والحق كما ذكر اإلمام ابن‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫القيم رحمه هللا ان هذا في امراض البدن وامراض القلب امراض القلب التي هي الشهوات‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫والشبهات والذنوب والمعاصي والفات فهذه الدواء كلها لها ادوية ما انزل هللا داءا إل انزل هللا له‬
‫الشفاء‪.‬‬
‫وفي الحديث هو في الصحيح قام النبي ﷺ ليلة فزعا قال { ما انزل هللا هذه الليلة من الفتن‬
‫وما انزل هللا هذه الليلة من خزائن من يوقظ صواحب الحجرات يصلين‪ } .‬ذكر الداء والدواء‬
‫أ‬
‫وياتي هذا ك ثيرا في النصوص نصوص الك تاب والسنة يذكر الداء والدواء ولهذا قال قتادة رحمه هللا‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪ -‬إن هذا القران فيه ذكر دائكم ودوائكم اما دائكم فالذنوب واما دوائكم الستغفار ‪ -‬فالحاصل ان‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫بدء ابن القيم بهذا الحديث من احسن البدء واجمله لماذا ؟‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫‪-‬لنه عندما يسمعه المرء وقد استولى عليه الياس وعظم عنده الخطب وظن انه ل خالص فيقال له‬
‫قد قال النبي ﷺ‪ ":‬ما انزل هللا من داء اَّل وانزل هللا له شفاء" فهذا يبعث في قلب المرء‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫النشاط والحركة في بذل السباب وزوال القنوط والياس عن نفسه وقوة الطمع والرجاء في الشفاء‬
‫أ‬
‫فهذا الحديث له اثر عظيم ولهذا البدء به من حسن البدء وجماله‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫قال وفي صحيح مسلم عن جابر لكل داء دواء فإذا اصيب دواء الداء بريء بإذن هللا إذا اصيب‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫دواء الداء بريء اي المريض من الداء او المرض الذي اصابه وايضا حديث اسامة عن النبي ﷺ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه هَ َ‬
‫َّللا ل ْم ُي ْن ِز ْل َد ًاء ِاَّل َا ْن َز َل ل ُه ِش َف ًاء‪َ ،‬ع ِل َم ُه َم ْن َع ِل َم ُه َو َج ِه َل ُه َم ْن َج ِه َل ُه» ‪َ ،‬و ِّفي ل ْف ٍظ‪ِ « :‬ا هن‬ ‫قال ‪ِ « :‬ان‬
‫َ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫هَ َ‬
‫َّللا َما ُه َو؟ َق َال‪:‬‬ ‫َ‬
‫َّللا ل ْم َي َض ْع َد ًاء ِاَّل َو َض َع ل ُه ِش َف ًاء‪ ،‬ا ْو َد َو ًاء‪ِ ،‬اَّل َد ًاء َو ِاح ًدا‪ ،‬قالوا‪َ :‬يا َر ُسول ه ِ‬
‫أ‬ ‫ْ‬
‫ال َه َرم» ثم في قول النبي ﷺ علمه من علمه وجهله من جهله ان كالم الناس في الطب ‪-‬سواء‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫طب القلوب او طب البدان‪ -‬قد يكون بعلم وقد يكون بجهل ‪ ,‬وكم مرة من تتطبب في الناس‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫بجهل خلقا في اسقام وامراض فتسبب في تطببه بوقوع المريض بامراض اشد مما كان فيه _‬
‫معلما وموجها ومرشدا بال علم يورط السائلين ورطات عظيمة‬ ‫ومثله قل من يتكلم في أامور الدين ً‬
‫أ‬ ‫ُ‬
‫رشد فاثمه على من ارشده } فالمر في غاية‬ ‫وقد قال عليه الصالة والسالم { من ارشد لغير ٍ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫الخطورة فمداواة المراض البدنية او مداواة امراض القلوب ينبغي ان يكون بعلم ومن كان ل علم‬
‫عنده فإنه يسعه السكوت ‪ .‬نعم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى َو َق ْد َج َع َل َّالن ِّب دي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ال َج ْه َل َد ًاء‪َ ،‬و َج َع َل َد َو َاء ُه ُس َؤ َال ال ُع َل َم ِّاء‪.‬‬
‫أ‬
‫نعم هذه جملة جديدة سيستدل لها ابن القيم متممة للمعنى الذي سبق تقريره ان الحديث يعم‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ادواء القلوب والروح والبدن وادويتها ‪.‬‬
‫َ َ ََ َ َ ً‬ ‫َ َ‬
‫اب َر ُجل ِم هنا‬ ‫َّللا َق َال‪َ « :‬خ َر ْج َنا ِفي سف ٍر فاص‬ ‫يث َجا ِّب ِّر ْب ِّن َع ْب ِّد َّ ِّ‬ ‫*ف َر َوى ا ُبو َد ُاو َد ِّفي ُس َن ِّن ِّه ِّم ْن َح ِّد ِّ‬
‫ون ِلي ُر ْخ َص ًة ِفي هالت َي ُّم ِم؟‬ ‫َح َجر‪َ ،‬ف َش هج ُه ِفي َرْا ِس ِه‪ُ ،‬ث هم ْاح َت َل َم‪َ ،‬ف َس َا َل َا ْص َح َاب ُه َف َق َال‪َ :‬ه ْل َت ِج ُد َ‬
‫ول ه ِ‬
‫َّللا‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ر‬‫ات‪َ ،‬ف َل هما َق ِد ْم َنا َع َلى َ‬ ‫َق ُالوا‪َ :‬ما َنج ُد َل َك ُر ْخ َص ًة‪َ ،‬و َا ْن َت َت ْق ِد ُر َع َلى ْال َم ِاء‪َ ،‬ف ْاغ َت َس َل‪َ ،‬ف َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا اَّل َسالوا اذا ل ْم َي ْعل ُموا؟ فان َما ِشف ُاء ال ِع ِي ُّ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُا ْخب َر ب َذ ِل َك‪ ،‬فقال‪ :‬قتل ُوه قتل ُه ُم ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السؤال ِان َما ك َان‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ِْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َيك ِف ِيه ان يت َيم َم ويع ِص َر ‪ -‬او يع ِصب ‪ -‬على جر ِح ِه ِخرقة ث هم يم َسح عليها‪ ،‬ويغ ِسل َسا ِئ َر ج َس ِد ِه‪».‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫الس َؤ ُال‪.‬‬ ‫َف َا ْخ َب َر َا َّن ْال َج ْه َل َد ٌاء‪َ ،‬و َا َّن ِّش َف َاء ُه د‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫أ‬
‫* نعم لن النبي ﷺ قال في هذا الحديث العظيم ‪َ ":‬اَّل َس َالوا ِا َذا ل ْم َي ْع َل ُموا؟ فكيف يفتون‬
‫بغير علم ؟! وقد ترتب على جوابهم لهذا السائل بغير علم موت السائل ‪ ،‬فقال عليه الصالة‬
‫أ‬ ‫والسالم‪َ ":‬ق َت ُل ُوه َق َت َل ُه ُم ه ُ‬
‫َّللا "وهنا ننتبه إذا كان مثل هذا يعني ‪ -‬وقع في الزمن الول‪ -‬زمن النبي‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫عليه الصالة والسالم ‪,‬فكيف بالزمنة المتاخرة ؟!فما اعظم ما يقع مثل هذا واشد منه وقريبا منه‬

‫‪7‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬
‫في فتاوى ك ثيرة تنتشر انتشار النار في الهشيم من خالل الجهزة الن الحديثة وهي قائمة على‬
‫الضالل والباطل وإيقاع الناس في اإلثم والحرام‪.‬‬
‫الس َؤ ُال" ‪ ،‬إذا‬ ‫َّللا َا ََّل َس َا ُلوا ا َذا َل ْم َي ْع َل ُموا؟ َفا هن َما ِش َف ُاء ْال ِع ِي ُّ‬
‫فالنبي ﷺ قال ‪َ : ":‬ق َت ُل ُوه َق َت َل ُه ُم ه ُ‬
‫أ‬ ‫أ ِ‬ ‫ِ‬
‫كان اإلنسان عنده ِّعي‪ :‬عنده جهل‪ ,‬شفاء الجهل السؤال ‪ ،‬فاخبر النبي ﷺ ان الجهل وهذا‬
‫َ ُْ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫اس َالوا َا ْه َل ِّالذ ْك ِّر‬ ‫موطن الشاهد ان الجهل داء مرض‪ ,‬ان الجهل داء‪ ,‬وان دواء الجهل السؤال (ف‬
‫إن ُك ُنت ْم َل َت ْع َل ُم َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫أ أ‬ ‫أ‬
‫الجهل داء ودواؤه السؤال‪ ,‬دواؤه العلم والبحث وسؤال اهل العلم ‪,‬ولهذا قال ابن القيم اخبر ان‪:‬‬
‫أ‬
‫الجهل داء وان شفاؤه السؤال ‪.‬نعم‬

‫َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ َ ٌ َ َ َ َّ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا َت َعالى‪َ { :‬ول ْو‬ ‫[ال ُق ْرا ُن ِش َفاء] *قال رحمه هللا ‪:‬وقد اخبر سبحانه ع ِّن القرا ِّن انه ِّشفاء‪ ،‬فقال‬
‫َ ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َج َعل َن ُاه ُق ْرا ًنا َا ْع َج ِّم ًّيا ل َقالوا ل ْول ُف ِّص َل ْت ا َي ُات ُه َا َا ْع َج ِّمي َو َع َر ِّبي ُق ْل ُه َو ِّل َّل ِّذ َين ا َم ُنوا ُه ًدى َو ِّش َف ٌاء} [ ُسو َر ُة‬
‫ْ‬ ‫ُف ِّص َل ْت‪َ ]44 :‬و َق َال { َو ُن َنز ُل ِّم َن ْال ُق ْران َما ُه َو ِّش َف ٌاء َو َر ْح َم ٌة ِّل ْل ُم ْؤ ِّم ِّن َ‬
‫ين} [ ُسو َر ُة ِّاإل ْس َر ِّاء‪. ]82 :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو " ِّم ْن " ُه َنا ِّل َب َيان ْال ِّج ْنس َل ِّل َّلت ِّْ‬
‫يض‪َ ،‬فِّإ َّن ال ُق ْرا َن ُك َّل ُه ِّش َف ٌاء‪َ ،‬ك َما َق َال ِّفي ال َي ِّة ال ُم َت َق ِّد َم ِّة‪َ ،‬ف ُه َو‬ ‫ِّ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ َّ ْ َ َ ْ ُ ْ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َّ َ َ ً َ د َ َ َّ َ َ‬ ‫َ ٌ ُْ ُ‬
‫وب ِّمن د ِّاء الجه ِّل والش ِّك والري ِّب‪ ،‬فلم ين ِّز ِّل َّللا سبحانه ِّمن السم ِّاء ِّشفاء قط اعم ول‬ ‫ِّشفاء ِّللقل ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َا ْن َف َع َول َا ْع َظ َم َول َا ْن َج َع ِّفي ِّإ َزال ِّة َّالد ِّاء ِّم َن ال ُق ْرا ِّن‪.‬‬
‫ْ‬
‫* نعم يقول ابن القيم رحمه هللا ‪َ :‬و َق ْد َا ْخ َب َر ُس ْب َح َان ُه َع ِّن ال ُق ْرا ِّن َا َّن ُه ِّش َف ٌاء‪ ،‬وهذا جاء في ايات في‬
‫أ أ‬
‫مواضع من ك تاب هللا سبحانه وتعالى اخبر انه شفاء والشفاء الذي جعله هللا سبحانه وتعالى في‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫القران كما انه شفاء للقلوب من اسقامها اي اسقام الشبهات واسقام الشهوات فإنه ايضا في الوقت‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫نفسه شفاء لالبدان من امراضها فجعل هللا سبحانه وتعالى في هذا القران بركة عظيمة وشفاءا‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫عظيما وخالصا من الدواء والمراض لكن الشان كل الشان في طريقة الستشفاء بالقران كيف‬
‫يكون الستشفاء بالقران الكريم وهذا ما سيبينه ابن القيم رحمه هللا بيانا شافيا نافعا يذكر فيه‬
‫أ‬
‫فوائد عظيمة جدا فكيف يستشفي المرء بالقران ؟ القران شفاء من كل داء شفاء لمراض القلوب‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫وامراض البدان والمراض المتنوعات لكن كيف يكون هذا التداوي بالقران والستشفاء به وسياتي‬
‫عنده رحمه هللا بيان نافع ‪ .‬نعم‬

‫‪8‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫يث َا ِّبي َس ِّع ٍيد َق َال‪ْ « :‬ان َط َل َق َن َفر ِم ْن‬ ‫يح ْي ِّن ِّم ْن َح ِّد ِّ‬ ‫الص ِّح َ‬ ‫* قال رحمه هللا تعالى‪َ :‬و َق ْد َث َب َت ِّفي َّ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫اب هالن ِبي ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬في َس ْف َر ٍة َس َاف ُرو َها‪َ ،‬ح هتى َن َ ُزلوا َع َلى َحي ِم ْن َا ْح َي ِاء ْال َع َر ِب َف ْ‬
‫اس َت َض ُاف ُ‬
‫اص ح ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم‪َ ،‬ف ُل ِد َغ َس ِي ُد َذ ِل َك ال َح ِي‪َ ،‬ف َس َع ْوا ل ُه ِب ُك ِل َش ْي ٍء َّل َي ْن َف ُع ُه َش ْيء‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪:‬‬ ‫َف َا َب ْوا َا ْن ُي َضي ُف ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫َل ْو َا َت ْي ُت ْم َه ُؤ ََّل ِء هالرهط ال ِذ َين نزلوا‪ ،‬ل َعل ُه ا ْن َيك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون ِعند َب ْع ِض ِه ْم ش ْيء‪ ،‬فات ْوه ْم‪ ،‬فقالوا‪َ :‬يا ا ُّي َها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هالر ْه ُط ِا هن َس ِي َد َنا ل ِد َغ‪َ ،‬و َس َع ْي َنا ل ُه ِب ُك ِل َش ْي ٍء َّل َي ْن َف ُع ُه َش ْيء‪َ ،‬ف َه ْل ِع ْن َد َا َح ٍد ِم ْن ُك ْم ِم ْن َش ْي ٍء؟‬
‫َُْ َ َ ْ َ ه َ‬
‫َّللا ل َق ِد ْاس َت َض ْف َن ُاك ْم َف َل ْم ُت َض ِي ُف َونا‪َ ،‬ف َما َا َنا ِب َر ٍاق َح هتى‬ ‫َّللا ِا ِني َّلر ِقي‪ ،‬ول ِكن و ِ‬ ‫ف َقال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬و ه ِ‬
‫َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َت ْج َع ُلوا ِلي ُج ْع ًل‪َ ،‬ف َص َال ُح ُ‬
‫وه ْم َع َلى َق ِط ٍيع ِم َن ال َغ َن ِم‪َ ،‬ف ْان َط َل َق َي ْت ُف ُل َع َل ْي ِه َو َي ْق َ ُرا {ال َح ْم ُد ِ ه ِلِل َر ِب‬
‫ه‬
‫ين} َف َك َا هن َما ُن ِش َط ِم ْن ِع َق ٍال‪َ ،‬ف ْان َط َل َق َي ْم ِشي‪َ ،‬و َما ِب ِه َق َل َبة‪َ ،‬ف َا ْو َف ْو ُه ْم ُج ْع َل ُه ُم ال ِذي‬ ‫ْال َع َالم َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َص َال ُح ُ‬
‫وه ْم َعل ْي ِه‪ ،‬فقال َب ْعض ُه ْم‪ :‬اق َت ِس ُموا‪ ،‬فقال ال ِذي َر ِق َي‪َّ :‬ل نف َعل َحتى نا ِت َي هالن ِب هي ‪ -‬ﷺ –‬
‫َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ف َذ َك ُروا ل ُه َذ ِل َك‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ول ه ِ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫َف َن ْذ ُك ُر َل ُه هال ِذي َك َان‪َ ،‬ف َن ْن ُظ ُر َما َي ْا ُم ُرَنا‪َ ،‬ف َق ِد ُموا َع َلى َ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫اض ِرُبوا ِلي معكم َسهما‪».‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يك َا هن َها ُر ْق َية؟ ُث هم َق َال‪َ :‬ق ْد َا َص ْب ُت ْم‪ْ ،‬اق َتس ُموا َو ْ‬ ‫َو َما ُي ْدر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َق ْد َا هث َر ( َه َذا) ه‬
‫الد ِاء‪َ ،‬و َا َزال ُه َح هتى َك َا ْن ل ْم َي ُك ْن‪َ ،‬و ُه َو َا ْس َه ُل َد َو ٍاء َو َا ْي َس ُر ُه‬ ‫الد َو ُاء في َه َذا ه‬
‫ِ‬
‫أ‬
‫نعم ذكر رحمه هللا هذا الحديث العظيم حديث ابي سعيد الخدري رضي هللا عنه في قصة النفر من‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫اصحاب النبي ﷺ والذين مروا بقوم وطلبوا ان يضيفوهم فابوا ثم لدغ سيد القوم ثم لحقوا بهؤلء‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫النفر من اصحاب النبي الكريم عليه الصالة والسالم وذكروا لهم ان سيدهم لدغ وانهم سعوا له‬
‫أ‬
‫بكل شيء ل ينفعه شيء فاتوا إلى هؤلء وطلبوا منهم إن كان عندهم شيء ‪ ،‬فقال بعضهم نعم‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫وهللا إني لراق ارقي وهللا إني لرقي ولكن لقد استضفناكم فلم تضيفونا ‪ .‬الحاصل انه رقاه بالفاتحة‬
‫أ‬
‫فقط فقام كانما نشط من عقال وما به قلبة يعني ما يشتكي من شيء فانظر الشفاء العاجل من هذا‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الدواء الذي قد يفضي سريان سم ذوات السموم إلى ان يموت اإلنسان يسري السم إلى ان يصل‬
‫أ‬
‫القلب وقد يموت اإلنسان بسببه فقام كانما نشط من عقال ‪ ،‬فرقاه بفاتحة الك تاب فقط ‪ .‬قال‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫يك َا هن َها ُر ْق َية؟وهذا فيه ان الرقية بالفاتحة من اعظم ما يكون في باب‬
‫النبي ﷺ ‪َ :‬و َما ُي ْدر َ‬
‫ِ‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫الستشفاء لالمراض المتنوعة ‪ .‬ولهذا تسمى الشافية او الشفاء اخذا من هذا الحديث العظيم ‪ .‬نعم‬

‫الش َف ِّاء‪.‬‬ ‫َ َ َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬


‫* يقول رحمة هللا عليه ‪َ :‬ول ْو ا ْح َس َن ال َع ْب ُد َّالت َد ِّاو َي ِّبالفا ِّت َح ِّة‪ ،‬ل َراى ل َها تا ِّث ًيرا َع ِّج ًيبا ِّفي ِّ‬

‫‪9‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫َو َم َك ْث ُت ِّب َم َّك َة ُم َّد ًة َي ْع َت ِّر ِّيني َا ْد َو ٌاء َول َا ِّج ُد َط ِّب ًيبا َول َد َو ًاء‪َ ،‬ف ُك ْن ُت ُا َعا ِّل ُج َن ْف ِّسي ِّبال َفا ِّت َح ِّة‪َ ،‬ف َا َرى ل َها‬
‫َ‬
‫َت ْا ِّث ًيرا َع ِّج ًيبا‪َ ،‬ف ُك ْن ُت َا ِّص ُف َذ ِّل َك ِّل َم ْن َي ْش َت ِّكي َال ًما‪َ ،‬و َك َان َك ِّث ٌير ِّم ْن ُه ْم َي ْب َ ُرا َس ِّر ًيعا‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫هذه تجربة تذكر لإلستئناس وإل ما سبق في ذكر الحديث وتاييد النبي ﷺ واخباره بانها رقية‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫هذا كله كاف في تقرير هذا المر لكن عادة اهل العلم ان يذكروا مثل هذا لإلستئناس بمثل هذه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫الحكايات والخبار فابن القيم يذكر تجربة له رحمه هللا تعالى وانه مكث في مكة يصيبه بعض‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫المراض ل يجد طبيبا ول يجد عالجا فكان ل يداوي نفسه إل بالفاتحة ويرى لها اثرا عجيبا ويصف‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫هذا العالج اي الرقية بالفاتحة يصفها لك ثيرين ويجدون لذلك فائدة وذكر ان ك ثيرا منهم بريء‬
‫أ‬
‫سريعا ‪ ,‬هنا لفتة حقيقة يشار إليها ياتي ك ثير من الزوار ويبحثون عن رقاة وهذا ك ثير وهل تعرف‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫راقي وهل تدلني على راقي ربما اتوا إلى شخص ببعض الشخاص وقالوا هل انت راقي ؟ فالطريقة‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫التي عليها ابن القيم رحمه هللا وهي طريقة مباركة عظيمة يرشد المريض إلى ان يرقي نفسه ‪ .‬اذكر‬
‫أ أ‬ ‫أ‬
‫احد السلف اظن انه مطرف بن عبد هللا الشخير عاد مريضا فقال له المريض ادعو لي ‪ ،‬فقال له‬
‫َ َّ ُ ُ ْ‬
‫يب ال ُم ْض َط َّر ِّإ َذا َد َع ُاه) دعوة‬ ‫مطرف ادعو لنفسك فإن دعوتك دعوة مضطر وهللا يقول (امن ي ِّج‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫المعاني للمرض المتالم الذي في شدته ليس كدعوة شخص ل يحس بما يحسه المريض من الم‬
‫أ أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ومعاناة فدعوة المريض لنفسه دعوة مضطر فاولى من ان تقول نعم انا سادعو لك ووو الخ ‪...‬قل له‬
‫أ‬
‫ادعو لنفسك وحثه على ذلك وفي ظهر الغيب ادعو لخيك ل تترك ذلك ادعو له لكن ل يعلق‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫المرضى بالشخاص ول يربطون بهم حثه على ان يرقي نفسه وان يدعو لنفسه‪،‬‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫ولهذا هؤلء لما كانوا يسالون ابن القيم رحمه هللا كان يرشدهم إلى ان يرقي الواحد منهم نفسه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫بالفاتحة فيجدون لها فائدة عظيمة وك ثير منهم يبرا سريعا ‪ .‬يقول فكنت اصف ذلك لمن يشتكي ما‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫قال له فكنت ارقيهم بالفاتحة يقول كنت اصف ذلك لمن يشتكي هذه طريقة اهل العلم ‪ .‬الن‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫جلس بعض الناس وفتحوا عيادات والناس يتقاطرون عليهم من كل مكان واصبحت ابواب فتن‬
‫أ‬
‫هذه وشر ترتب على بعضها بل ك ثير منها مفاسد عظيمة ل يعلمها ال هللا ولم يعرف هذا عن احد‬
‫أ‬
‫من السلف انه يجلس في مكان ليس له عمل إل الناس يتقاطرون عليه ويرقيهم هذا ل يعرف ‪ .‬نعم‬

‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْْ َ ْ‬ ‫َ د َ‬ ‫َ‬


‫ات َو َال ْد ِّع َي َة ال ِّتي‬ ‫َ‬
‫* قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬ول ِّك ْن َه ُاه َنا ا ْم ٌر َي ْن َب ِّغي َّالتفط ُن ل ُه‪َ ،‬و ُه َو ا َّن الذك َار َوال َي ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُي ْس َت ْش َفى ِّب َها َو ُي ْر َقى ِّب َها‪ِّ ،‬ه َي ِّفي َن ْف ِّس َها َن ِّاف َع ٌة َش ِّاف َي ٌة‪َ ،‬ول ِّك ْن َت ْس َت ْد ِّعي َق ُب َول ال َم ِّح ِّل‪َ ،‬و ُق َّو َة ِّه َّم ِّة‬

‫‪10‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫َْ َ َ َُ ْ‬ ‫ْال َفاعل َو َت ْا ِّث َير ُه‪َ ،‬ف َم َتى َت َخ َّل َف َ ُ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ‬
‫ول ال ُم ْن َف ِّع ِّل‪َ ،‬ا ْو ِّل َما ِّن ٍع‬ ‫الشفاء كان ِّلضع ِّف تا ِّث ِّير ال ْف ِّاع ِّل‪ ،‬ا ْو ِّلعد ِّم ْقب ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون ذ ِّل َك ِّفي الد ِّو َي ِّة َوالد َو ِّاء ال ِّح ِّس َّي ِّة‪ ،‬فِّإ َّن َع َد َم تا ِّث ِّير َها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َقوي ِّف ِّيه َي ْم َن ُع ا ْن َي ْن َج َع ِّف ِّيه الد َو ُاء‪ ،‬ك َما َيك ُ‬
‫ِّ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون ِّل َما ِّن ٍع ق ِّو ٍي َي ْم َن ُع ِّم َن اق ِّت َضا ِّئ ِّه اث َر ُه‪ ،‬فِّإ َّن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ون ِّل َع َد ِّم ق ُبول الطب َيع ِّة ِّلذ ِّل َك َّالد َو ِّاء‪َ ،‬وق ْد َيك ُ‬ ‫َق ْد َيك ُ‬
‫ُ‬
‫ِّ ِّ‬
‫الطب َيع َة إ َذا َا َخ َذت َّالد َو َاء ب َق ُبول َتام َك َان ْانت َف ُاع ْال َب َدن به ب َح ْسب َذل َك ْال َق ُبول‪َ ،‬ف َك َذل َك ْال َق ْل ُب إذاَ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ٍ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ د َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ َ ْ ٌ َ َّ َ ٌ َ َّ ٌ ُ َ َ ٌ َ َ‬
‫ول ت ٍام‪ ،‬وكان ِّللر ِّاقي نفس فعالة و ِّهمة مؤ ِّثرة ِّفي ِّإزال ِّة الد ِّاء‬ ‫اخذ الرقى والتع ِّاويذ ِّبقب ٍ‬
‫ْ‬
‫الد َع ُاء َي ْد َف ُع ال َم ْك ُرو َه]‬
‫[ ُّ‬

‫وب‪َ ،‬ول ِّك ْن َق ْد َي َت َخ َّل ُف‬


‫َ‬ ‫َو َك َذل َك دالد َع ُاء‪َ ،‬فإ َّن ُه م ْن َا ْق َوى ْ َال ْس َباب في َد ْفع ْال َم ْك ُروه‪َ ،‬و ُح ُصول ْال َم ْط ُ‬
‫ل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َا َث ُر ُه َع ْن ُه‪ ،‬إ َّما ِّل َض ْع ِّف ِّه ِّفي َن ْف ِّس ِّه ‪ -‬با ْن َي ُك َ‬
‫َ‬
‫َّللا‪ِّ ،‬ل َما ِّف ِّيه ِّم َن ال ُع ْد َو ِّان ‪َ -‬و ِّإ َّما ِّل َض ْع ِّف‬ ‫ون ُد َع ًاء ل ُي ِّح دب ُه َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ون ب َم ْن َزل ِّة ْال َق ْوس الر ْخو ِّج ًّدا‪َ ،‬فِّإنَّ‬ ‫َّللا َو َج ْم ِّع َّي ِّت ِّه َع َل ْي ِّه َو ْق َت دالد َع ِّاء‪َ ،‬ف َي ُك ُ‬ ‫ْال َق ْلب َو َع َدم إ ْق َبا ِّل ِّه َع َلى َِّّ‬
‫ِّ ِّ ْ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ ْ َ ْ ُ ُ ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ول ال َما ِّن ِّع ِّم َن ِّاإلج َاب ِّة‪ِّ :‬من اك ِّل الح َر ِّام‪َ ،‬والظل ِّم‪َ ،‬و َري ِّن‬ ‫َ َّ ُ‬
‫السه َم يخرج ْ ِّمنه خروجا ض ِّعيف ْا‪ ،‬و ِّإما ِّلحص ِّ‬
‫الش ْه َو ِّة َو َّالل ْه ِّو‪َ ،‬و َغ َل َب ِّت َها َع َل ْي َها‪.‬‬ ‫دالذ ُنوب َع َلى ال ُق ُلوب‪َ ،‬و ْاس ِّت َيال ِّء ال َغ ْف َل ِّة َو َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّللا َو َا ْن ُت ْم ُم ِوق ُن َ‬ ‫يث َابي ُه َر ْي َر َة َعن َّالنبي ‪ -‬ﷺ ‪ْ « -‬اد ُعوا ه َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َْ َْ‬ ‫َ‬
‫ون‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ك َما ِّفي م ْستد َر ِّك الحا ِّك ِّم ِّمن ح ِّد ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ َُْ َ ه هَ َ‬
‫َّللا َّل َي ْق َب ُل ُد َع ًاء ِم ْن َقل ٍب َغ ِاف ٍل َّل ٍه» َف َه َذا َد َو ٌاء َن ِّاف ٌع ُم ِّز ٌيل ِّل َّلد ِّاء‪َ ،‬ول ِّك َّن‬ ‫ِب ِاَّلجاب ِة»«واعلموا ان‬
‫ْ‬ ‫َْ ْ ْ‬
‫َّللا ُت ْب ِّط ُل ُق َّو َت ُه‪َ ،‬و َك َذ ِّل َك َا ْك ُل ال َح َر ِّام ُي ْب ِّط ُل ُق َّو َت ُه َو ُي ْض ِّع ُف َها‪َ .‬ك َما ِّفي َص ِّح ِّيح ُم ْس ِّل ٍم‬ ‫َغفل َة ال َقل ِّب َع ِّن َّ ِّ‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫َّللا َط ِيب‪َّ ،‬ل َي ْق َب ُل ِاَّل‬ ‫اس‪ ،‬ا هن ه َ‬
‫ِ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ « -‬يا َا ُّي َها هالن ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يث ا ِّبي ُه َر ْي َر َة قال‪ :‬قال َر ُسول َّ ِّ‬
‫م ْن َحد َ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ َ ه هَ ََ ْ َ‬
‫ات َو ْاع َم ُلوا‬ ‫ُ ُُ‬
‫ين‪ ،‬فقال‪َ { :‬يا ا دي َها دالر ُسل كلوا ِّم َن الط ِّي َب ِّ‬
‫ين ب َما َا َم َر به ال ُم ْر َسل َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ط ِي ًبا‪ ،‬و ِان َّللا ام َر ال ُمؤ ِم ِن ِ‬
‫ات َما َر َز ْق َن ُاك ْم}‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ون‪َ ]51 :‬وقال‪َ { :‬ياا دي َها ال ِّذ َين ا َم ُنوا كلوا ِّم ْن ط ِّي َب ِّ‬ ‫ون َع ِّل ٌيم} [ ْال ُم ْؤ ِّم ُن َ‬ ‫َصا ِّل ًحا إ ِّني ب َما َت ْع َم ُل َ‬
‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬
‫[ال َب َق َر ِّة‪]172 :‬‬
‫ْ‬ ‫الس َف َر َا ْش َع َث َا ْغ َب َر‪َ ،‬ي ُم ُّد َي َد ْي ِه ا َلى ه‬ ‫ُث هم َذ َك َر هالر ُج َل ُي ِط ُيل ه‬
‫الس َم ِاء‪َ :‬يا َر ِب َيا َر ِب‪َ ،‬و َمط َع ُم ُه َح َرام‪،‬‬ ‫َ ِ‬
‫َ‬
‫اب ِلذ ِلك؟» ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َو َم ْش َرُب ُه َح َرام‪َ ،‬و َم ْل َب ُس ُه َح َرام‪َ ،‬و ُغ ِذ َي ِب ْال َح َر ِام‪َ ،‬فا هنى ُي ْستج ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َو َذ َك َر َع ْب ُد َّ ِّ ْ ُ َ ْ َ‬
‫اب َب ِّني ِّإ ْس َرا ِّئ َيل َبال ٌء‪َ ،‬ف َخ َر ُجوا َم ْخ َر ًجا‪َ ،‬ف َا ْو َحى‬ ‫اب دالز ْه ِّد ِّ َل ِّب ِّيه‪َ :‬ا َص َ‬ ‫َ‬
‫َّللا بن اح َمد ِّفي ِّك ت ِّ‬
‫َّ ُ َ َّ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ ْ ُ ْ َّ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ‬
‫ون ِّإل َّي َا ُك ًّفا َق ْد‬ ‫َّللا عز وجل ِّإلى ن ِّب ِّي ِّهم ان اخ ِّبرهم‪ِّ :‬إنكم تخرجون ِّإلى الص ِّع ِّيد ِّبابد ٍان ن ِّجس ٍة‪ ،‬وترفع‬
‫َ‬
‫ين ْاش َت َّد َغ َض ِّبي َع َل ْي ُك ْم؟ َول ْن َت ْز َد ُادوا‬ ‫َس َف ْك ُت ْم ب َها ِّالد َم َاء‪َ ،‬و َم َ ْال ُت ْم ب َها ُب ُي َوت ُك ْم ِّم َن ْال َح َر ِّام‪ْ ،‬ال َن ِّح َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫م ِّني إ َّل ُب ْعدا‪ً.‬‬
‫ِّ ِّ‬
‫ْ ْ‬ ‫َو َق َال َا ُبو َذر‪َ :‬ي ْك في م َن دالد َعاء َم َع ْالبر‪َ ،‬ما َي ْك في َّ‬
‫الط َع َام ِّم َن ال ِّمل ِّح‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ ِّ ِّ‬

‫‪11‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬

‫هذا كالم لإلمام ابن القيم وتقرير نافع جدا في هذا الباب لما ذكر الستشفاء بالفاتحة وعظم نفعه‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫قد يقول بعض الناس‪ :‬انه قد رقى نفسه بالفاتحة او رقي بها وايضا بغيرها فلم يحصل شفاءا وبعض‬
‫أ‬
‫الناس ولالسف عندما يعرض عليه الرقية بالفاتحة يقول نجرب ‪ ,‬الذي يقول نجرب هذا ما عنده‬
‫يقين ‪ ,‬الذي يقول‪ :‬نجرب هذا ما عنده يقين الشفاء مع اليقين مع الثقة باهلل سبحانه وتعالى‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫ْ ُ هَ ََُْ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫ون ِب ِاَّل َج َاب ِة» ولهذا نبه ابن القيم رحمه هللا‪ :‬ان النتفاع بهذه الدوية‬ ‫«ادعوا َّللا وانتم م ِوقن‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫النافعة من اليات والذكار الماثورة والدعية النافعة ان ذلك يستدعي قبول المحل وقوة همة‬
‫أ‬
‫الفاعل وتاثيره الماهية في نفسها هي الشفاء قطعا ويقينا لكن إن تخلف الشفاء فهذا يرجع إلى هذا‬
‫أ‬
‫المعنى الذي ذكره رحمه هللا تعالى والدواء في نفسه نافع والشفاء قطعا كما اخبر النبي عليه الصالة‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫والسالم ‪ ,‬الفاتحة قال وما ادراك انها رقية والقران وصفه هللا كله شفاء فإذا تخلف الثر تخلفت‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫العافية تخلف حصول النتفاع فهذا ليس عائدا لاليات والذكار والدعية فهي نافعة قطعا لكن إما‬
‫أ‬
‫في المحل غير قابل او من رقى نفس الراقي فيه ضعف بمنزلة الذي يرمي السهم بيد رخوة فيكون‬
‫ضعيفا ‪ ,‬فيحتاج لقوة اليقين وقوة الثقة باهلل سبحانه وتعالى والمريض نفسه يكون عنده قوة‬
‫أ‬
‫اليقين وقوة الرجاء وقوة الثقة باهلل سبحانه وتعالى ‪ ,‬ويشترط ايضا انتفاء المانع وهذا باب بينه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫العلماء وسياتي له بعض التفاصيل عند ابن القيم وهو مراعاة شروط الدعاء واداب الذكار حتى‬
‫تحقق النفع المرجو والفائدة المؤملة ‪.‬‬
‫ْ‬
‫َّللا َو َا ْن ُت ْم ُم ِوق ُنو َن ِب ِاَّل َج َاب ِة َو ْاع َل ُموا‬
‫ولهذا ذكر ابن القيم رحمه هللا هنا حديث النبي ﷺ « ْاد ُعوا ه َ‬
‫َْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َا هن ه َ َ ْ ُ‬
‫َّللا َّل َيق َبل ُد َع ًاء ِم ْن قل ٍب َغ ِاف ٍل َّل ٍه» ف َهذا َد َواء َن ِافع ُم ِزيل ِل هلد ِاء‪َ ،‬ول ِك هن َغفل َة ال َقل ِب َع ِن ه ِ‬
‫َّللا‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ُت ْب ِط ُل ُق هو َت ُه ‪ ).‬مثل ذلك اكل الحرام ولهذا قال النبي ﷺ فانى يستجاب لذلك فالحاصل ان‬
‫أ أ‬
‫الدعاء يحتاج كما في اثر ابي ذر إلى البر يحتاج إلى البر فإذا وجد الدعاء مع البر نفع النفع العظيم‬
‫والفائدة الكبيرة ‪.‬‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫ونسال هللا الكريم رب العرش الكريم باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان ينفعنا اجمعين بما علمنا‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫وان يزيدنا علما وتوفيقا وان يصلح لنا شاننا كله وال يكلنا إلى انفسنا طرفة عين وان يهدينا إليه‬
‫أ‬ ‫أ‬
‫صراطا مستقيما وان يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولة امرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫والمؤمنات الحياء منهم والموات‪,‬اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها‬
‫أ‬
‫ومولها‪,‬اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفة والغنى‪,‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا‬
‫وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم‬
‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫أ‬
‫متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثارنا على من ظلمنا وانصرنا‬

‫‪12‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الول‬
‫أ‬
‫على من عادانا ول تجعل مصيبتنا في ديننا ول تجعل الدنيا اكبر همنا ول مبلغ علمنا ول تسلط‬
‫علينا من ل يرحمنا‪,‬‬
‫أ‬ ‫أ أ‬ ‫أ أ‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ل إله إل انت استغفرك واتوب إليك‪,‬اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك‬
‫أ‬
‫نبينا محمد واله وصحبه اجمعين‬

‫*اضغط على الرابط لالشتراك*‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫ً‬
‫محمدا عبده‬ ‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬واشهد ان ال اله اال هللا وحده ال شريك له ‪ ،‬واشهد ان‬
‫ورسوله ﷺ‬

‫وعلى اله وصحبه اجمعين ‪ ,‬اما بعد ‪..‬‬


‫فتا ً‬
‫كيدا لما سبق ذكره واالشارة الى ه من اهمية هذا الك تاب العظيم ‪ ،‬و مسيس الحاجة اليه‬
‫فادة من مضامينه العظيمة وفوائده الثمينة ونفائسه الفريدة ‪ ،‬وا ً‬
‫يضا سبق‬ ‫اءة وتا ً‬
‫مال وا ً‬ ‫قر ً‬
‫خلقا من عباد هللا وكان ً‬
‫سببا في‬ ‫االشارة الى ان هذا الك تاب المبارك نفع هللا تبارك وتعالى به ً‬
‫سببا في ثبات خلق ‪ ،‬لما حواه من بيان رصين ونصح ثمين وافادات‬ ‫يضا ً‬‫هداية خلق ‪ ،‬وكان ا ً‬
‫وثباتا عليه ‪ ،‬وا ً‬
‫يضا سبق االشارة الى ثناء اهل العلم عليه‬ ‫اية بالحق ً‬ ‫عظيمة تفيد المسلم در ً‬
‫وداللتهم اليه ونصحهم بقراءته واالفادة منه وحثهم على ذلك ‪ .‬فهو ك تاب فيه خير عظيم‬
‫ونفع كبير ‪ ،‬ولهذا فاني انتهز هذه الفرصة ‪-‬فرصة منة هللا سبحانه وتعالى علينا اجمعين‬
‫باالجتماع والتوافر على قراءته واالفادة منه‪ -‬ان اقترح مشاريع دعوية عديدة تتعلق بهذا‬
‫وكل ياخذ منها ‹بسهم› بحسب ما ييسر هللا تبارك وتعالى له من ذلك ‪:‬‬ ‫الك تاب ٌ‬

‫قيا او نسخة الك ترونية والثانية اخف من االولي‬ ‫• المشروع االول ‪ :‬اهداء هذا الك تاب ور ً‬
‫وايسر ‪ ،‬مع حث لمن ُي َهدي الى ه هذا الك تاب على قراءته واالفادة منه ‪ ،‬واالشارة الى فوائده‬
‫جيده ‪ ،‬واضحة‬ ‫العظيمة وما حواه من خير ونفع عظيم ‪ .‬وهناك نسخ الك ترونية للك تاب ّ‬
‫يمكن ان يوضع لها رابط ُوترسل عبر االجهزة ؛ اجهزة التواصل مع الرابط مع الحث والترغيب‬
‫في قراءته ‪.‬‬
‫• المشروع الثاني ‪ :‬انتقاء فوائد بشكل يومي او اسبوعي من الك تاب وارسالها الى ٍكم ٍ‬
‫كبير من‬
‫يضا حتي تقع في نفوسهم رغبة في قراءة هذا‬ ‫الناس حتي ُيفيدوا من هذه الفوائد من جهة ‪ ،‬وا ً‬
‫ْ‬
‫الك تاب ‪ ،‬النك اذا ارسلت له فائدة ثمينة َوا َحلت على هذا الك تاب ‪ ،‬ثم ثانية واحلت على هذا‬
‫الك تاب ‪ ،‬ثم ثالثة واحلته على هذا الك تاب واعجبته الفوائد ا َح َّب الك تاب وبحث عنه وقراه‬
‫وكنت ً‬
‫سببا في معونته على ذلك ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫جدا ُ‬
‫يصلح ان ُت َنت َزع‬ ‫• المشروع الثالث ‪ :‬يتعلق بالخطباء ‪ ،‬هذا الك تاب فيه مواطن عديدة ً‬
‫جدا ‪ ،‬فانصح الخطباء ان ُيفيدوا في مواضيع‬ ‫ُوت َل َّخص وتكون خطبة جمعة مؤثرة ونافعة ً‬
‫عديدة لخطبهم في عدد من ُ‬
‫الجمع من هذا الك تاب الثمين العظيم المبارك ‪.‬‬
‫• المشروع الرابع ‪ :‬ترجمة هذا الك تاب الى اللغات ‪ ،‬ومن كان عنده قدرة على الترجمة‬
‫فليستعن باهلل سبحانه وتعالى وليجعل هذا من جملة عمله الصالح الذي يتقرب به الى هللا‬
‫عز وجل ‪ ،‬فليعمل على نقل فوائد هذا الك تاب بترجمتها الى لسان اهل بلده ‪ ،‬ثم (مسالة‬
‫النشر) ‪ :‬ان لم يتيسر نشره ور ّقي ًا فلينشره عبر الوسائل االتصال الحديثة التي َت َس َّهل َوت َي َّسر‬
‫فيها من النقل وسرعته وك ثرة تداوله ما ال يخفي ‪.‬‬
‫يتعلق باالباء في البيوت ‪ ،‬ان يكون هذا الك تاب في البيت ‪ :‬ك تاب‬ ‫• المشروع الخامس ‪َّ :‬‬
‫االجازة ؛ االجازة الصيفية ‪َ ،‬يو ِّّفره في البيت ُويخطط كيف ُي َف ِّّعل قراءته بين اهله وولده‬
‫وابنائه وبناته اما بعقد مسابقة علمية ‪،‬او منافسة بينهم ‪،‬او مجالس مستمرة منتظمة في قراءة‬
‫جدا باذن‬ ‫هذا الك تاب مع وضع حوافز او مشجعات في قراءته واالفادة منه ‪ ،‬وهذا فيه نفع ً‬
‫هللا عز وجل ‪ ،‬ومعونة باذن هللا على صالح البيوت ‪،‬وصالح االبناء وبخاصة ان االبناء والبنات‬
‫غرون ك ثي ًرا‬
‫في هذا الزمان ُي َفت ُنون ك ثي ًرا من خالل الوسائل ؛ وسائل الفتنة ووسائل الشر ُوي َ‬
‫رشدوا الى هذا الك تاب العظيم‬ ‫الم َح َّرمة ‪ ،‬فما احوجهم ان ُي َ‬
‫بالفساد والشهوات والملذات ُ‬
‫الذي من وفقه اله سبحانه وتعالى لقراءته واالفادة منه كان له باذن هللا ‹صمام› امان وباب‬
‫سالمة وعافية باذن هللا سبحانه وتعالى من الشرور واالفات ‪.‬‬
‫• المشروع السادس ‪ :‬المسابقات العلمية ‪ ،‬وهذه مثمرة ولهذا ُيشار على الجمعيات ‪،‬والمراكز‬
‫الدينية ‪،‬واماكن التوجيه ‪،‬واالدارات الدينية ان يعقدوا مسابقات في هذا الك تاب ‪،‬وباذن هللا‬
‫يبا عن مسابقة في هذا الك تاب ومنافسة علمية على نطاق واسع‬ ‫ساعلن قر ً‬‫ُ‬
‫سبحانه وتعالى ِّ‬
‫غرية ‪ ،‬كل ذلك من باب‬ ‫م‬ ‫باذن هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬وسيوضع لها اسئلة وجوائز ا ً‬
‫يضا ثمينة ُ‬
‫ِّ‬
‫التعاون على انتشار هذا الخير والفوائد التي حواها هذا الك تاب العظيم المبارك ‪.‬‬
‫• المشروع السابع ‪ :‬طباعة هذا الك تاب ‪ ،‬وهذا يعني يتعلق باهل الى سار والخير يستعينون‬
‫باهلل عز وجل ويوفرون نسخ ك ثيرة لطالب العلم وللناس ولعوان المسلمين ‪ ،‬فهذا ك تاب‬
‫والم َع ِّّلم وطالب العلم المبتدئ ‪ ،‬ك تاب يصلح للجميع ؛ النه ك تاب‬
‫يصلح للجميع ‪ :‬للعالم ُ‬
‫يعني في باب الوعظ والرقائق والتذكير والتحذير من الذنوب وبيان خطورة الذنوب ‪ ،‬وا ً‬
‫يضا‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫حسن الظن باهلل ‪ ،‬والتعلق باهلل ‪ ،‬والثقة به ‪ ،‬والتوكل عليه ‪ ،‬والتوحيد وما يترتب عليه من‬
‫الثبات والنجاة من الفتن والشرور فحوي يعني فوائد عظيمة يحتاج الى ها كل مسلم ‪ ،‬يحتاج‬
‫ماسة وضرورة ُم ِّل ّحة ‪.‬‬
‫اليها كل مسلم حاجة يعني ّ‬
‫يضا • المشروع الثامن ‪ :‬هذا يتعلق بطالب العلم الذين سيذهبون الى بلدانهم بعد انتهاء‬ ‫ا ً‬
‫الدراسة ‪-‬مع دعائنا لهم بان يحفظهم هللا وان يبارك في اجازتهم‪ -‬ان يكون هذا الك تاب‬
‫جمع عليه من استطاع من اهل الحي او جماعة المسجد او المعهد الذي‬ ‫مشروع في االجازة َي َ‬
‫‪،‬فيقرا الك تاب ُوي َع َّلق عليه بما تيسر ‪ ،‬واذا كان البلد الذي هو منه من اهل لسان‬‫هو مرتبط به ُ‬
‫غير عربي َفيقرا عليهم الك تاب ويترجم لهم هذا الك تاب ‪،‬فيكون مشروع لطالب العلم في‬
‫اجازته الصيفية ان يقراه ُويفيد منه طالب العلم في جماعة مسجدهم او المعهد الذي هو‬
‫مرتبط به او نحو ذلك مما َتي َّسر ‪.‬‬
‫جدا وهذه من اثمن الهدايا‬ ‫• المشروع التاسع ‪ :‬اهدائه ال ئمة المساجد والخطباء ‪ ،‬هذه نافعة ً‬
‫ً‬
‫خطيبا او امام مسجد في بلدك نسخة من هذا الك تاب ‪ ،‬ثم ُت َر ِّّغبه في‬ ‫وانفعها ‪ ،‬عندما ُتهديه‬
‫القراءة ؛ قراءته على الناس او ان ُيفيد منه في خطبة في الجمعة ‪ ،‬كم ستحصل من الخير‬
‫وجهته اليه وارشدته اليه ! ‪ ,‬وان ضممتني معك وقلت ان‬ ‫عندنا يشتغل هذا الخطيب بما ّ‬
‫يضا في هذا االجر وهذا الخير العظيم‬ ‫يكا لك ا ً‬
‫فالن يشجعك على ذلك فاحب ان اكون شر ً‬
‫الذي نسال هللا عز وجل ان ييسره ‪.‬‬
‫جدا لكن هذه تفتح لكم يعني ا ً‬
‫بوابا وما ذكرته يدل على ما لم اذكره ‪ ،‬يبقي‬ ‫‪ °‬المشاريع ك ثيرة ً‬
‫مشروع اخير ‪ ،‬ان قال واحد من االخوان ‪ :‬كل هذا ما َتي َّسر لي ‪ ،‬فاقول ‪ :‬ال تبخل على اخوانك‬
‫ً ّ‬
‫جميعا ُك ًال يعقد النية والعزم على مشروع من‬ ‫بالدعاء لهم ‪ ،‬كل من عقد نية‪ -‬انا ادعو االخوان‬
‫هذه المشاريع او اك ثر ‪ ،‬اقل شئ مشروع واحد منها لكن من يعني ما يجد فرصة او يجد‬
‫صعوبة ان يشارك في شئ منها مع انها ك ثير منها سهل ً‬
‫جدا فعليه ان يجتهد بالدعاء الخوانه‬
‫بالتوفيق ‪ ،‬يقول ‪ :‬نسال هللا ان يوفق هؤالء االخوة وان يعينهم ‪ ،‬يدعو لهم بظهرالغيب بما‬
‫يكون فيه الفائدة والخير ‪.‬‬
‫جميعا ‪ ،‬ان نتعاون في نشر هذا الك تاب حتي يكون معونة‬ ‫ً‬ ‫وحقيقة يا اخوان هذه رغبتنا‬
‫للناس على التقليل من الذنوب او التوبة منها ؛ الن الك تاب فعال يساعد ‪ ،‬واهل الشر والفساد‬
‫جدا في نشر الغواية وتحريك الشهوات والدعوة الى الذنوب والموبقات ‪ ،‬واهل‬ ‫لهم جهد كبير ً‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬
‫َ‬
‫الحق َاولي ان يعملوا في االصالح في االرض ‪.‬وهذا الك تاب من احسن الك تب في باب‬
‫االصالح والتعليم والتحذير من الذنوب وبيان خطر الذنوب وعقوباتها ‪.‬ابن القيم هنا في هذا‬
‫تكلم عن عقوبات الذنوب كالم ُي َخ ِّ ّوف ‪ ،‬يقرا الشخص عقوبة ثم اخري ثم عقوبة ثم‬ ‫الك تاب َّ‬
‫خوفا من الذنوب ‪ ،‬والناس بحاجة الى هذا ‪.‬ارجو هللا سبحانه وتعالى‬‫اخري حتي يستوي قلبه ً‬
‫واساله جل وعال باسمائه الحسني ان يبارك في هذه المشاريع التي اشرت اليها وان ُيعين‬
‫الجميع على ما فيه الخير والنفع والفائدة ‪.‬‬
‫واؤكد مرة اخري ما ختمت به ان كل احد يسمع االن من الحاضرين او من يسمعون من‬
‫خالل البث ان يعقد النية والعزم على ان يعمل بواحد من هذه المشروعات او اك ثر وندعو‬
‫ً‬
‫جميعا النفسنا وللجميع بالمعونة والتوفيق والسداد وان يجري هللا سبحانه وتعالى الخير‬
‫الكبير والنفع ‹ اعاننا هللا اجمعين وسددنا والهمنا الصواب وجعلنا اجمعين مفاتيح للخير‬
‫مغالى ق للشر َّ‬
‫بمنه وكرمه ‪ .‬نعم ‪.‬‬
‫****‬
‫((بسم هللا الرحمن الرحيم والحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله‬
‫نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ‪ .‬اما بعد ‪ ..‬فيقول العالمة ابن ّقيم الجوزية في ك تابه‬
‫الداء والدواء‬
‫ْ‬ ‫‪َ :‬ف ْص ٌل‪ُّ :‬‬
‫"الد َع ُاء ِّم ْن َا ْن َف ِّع َاال ْد ِّو َي ِّة"‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬
‫الد َع ُاء ِّم ْن َا ْن َف ِّع َاال ْد ِّو َي ِّة‪َ ،‬و ُه َو َع ُد ُّو ال َبال ِّء‪َ ،‬ي ْد َف ُع ُه‪َ ،‬و ُي َعا ِّل ُج ُه‪َ ،‬و َي ْم َن ُع ُن ُزول ُه‪َ ،‬و َي ْر َف ُع ُه‪َ ،‬ا ْو ُي َخ ِّّف ُف ُه‬
‫َو ُّ‬
‫َ ْ‬
‫ِا َذا َن َز َل‪َ ،‬و ُه َو ِّسال ُح ال ُم ْؤ ِّم ِّن‪.‬‬
‫يث َع ِّل ّي ْبن َابي َطا ِّل ٍب ‪َ -‬ر ِّض َي َّ ُ‬ ‫ََ ََ ْ‬
‫َّللا َع ْن ُه ‪َ -‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُول‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كما روى ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫د‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫يح‬ ‫ح‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫ح‬‫َ‬ ‫ال‬
‫ض» ‪.‬‬ ‫الس َم َاو ِّ َ ْ َ ْ‬ ‫الد ِّين‪َ ،‬و ُنو ُر َّ‬ ‫الد َع ُاء س َال ُح ْال ُم ْؤمن‪َ ،‬وع َم ُاد ّ‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ‪ُّ « :‬‬ ‫َّ ِّ‬
‫ات واالر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫قال رحمه هللا ‪ٌ ( :‬‬
‫فصل ‪ :‬والدعاء من انفع االدوية)‪.‬فالك تاب في" الداء والدواء" ‪ ،‬فالدعاء من‬
‫داء وكل بالء ‪ ،‬فهو نافع في كل داء وفي‬
‫انفع االدوية وهو من انفعها ‪ -‬من انفع االدوية‪ -‬لكل ٍ‬
‫كل بالء ‪،‬ولهذا ينبغي على المسلم ان تعظم عنايته بالدعاء في كل باب من ابواب البالء‬
‫يعاني منه ‪ ،‬اذا كان يعاني من بالء في قلة ذات الى د ‪ ،‬او يعاني من بالء في مرض ‪ ،‬او ضعف‬
‫في القوى والبدن ‪ ،‬او يعاني من بالء يتعلق باوالده من عقوق او نحو ذلك ‪ ،‬او يعاني من بالء‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫من اذي المتسلطين عليه والمؤذين له ‪ ،‬او غير ذلك من انواع البالء ‪ .‬فعالج ذلك كله الدعاء‬
‫‪ ..‬فالدعاء عالج ناجع ‪ ،‬نافع ‪ ،‬وعظيم النفع ‪،‬سيسوق المصنف رحمه هللا تعالى من الشواهد‬
‫فصل ‪ ،‬يقول ‪" :‬الدعاء من‬ ‫واالدلة ما يدل على عظيم نفع الدعاء وعظيم برك ته وانه مثل ما َّ‬
‫انفع االدوية ‪،‬وهو عدو البالء ‪ *،‬يدفعه ويعالجه *ويمنع نزوله* ويرفعه او يخففه اذا نزل"ولهذا‬
‫سياتي ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ‪ ،‬ما نزل ‪ :‬برفعه او تخفيفه ‪ ،‬وما لم ينزل ‪ :‬بدفعه‬
‫او تحويله ‪ ،‬فالدعاء فيه نفع عظيم ‪ ،‬لكن بشروط الدعاء وسياتي تنبيه المصنف رحمه هللا‬
‫عليها وضوابطه التي َّدل عليها ك تاب هللا وسنة نبيه عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫قال ‪ ":‬وهو سالح المؤمن" وساق هنا الحديث الذي في مستدرك الحاكم من حديث على‬
‫رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول ﷺ‪( :‬الدعاء سالح المؤمن ) واسناد الحديث ضعيف فهو‬
‫غير ثابت الن فيه من هو متروك ‪ ،‬فهو غير ثابت عن نبينا‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬والمعني في‬
‫قوله "الدعاء سالح المؤمن" ‪ :‬ان الدعاء يدفع البالء مثل ما ُيدفع العدو بماذا ؟ بالسالح ‪،‬‬
‫نصرون ُوتر َزقون بضعفائكم‬
‫فالدعاء سالح المؤمن ‪ ،‬والنبي عليه الصالة والسالم قال ‪( :‬انما ُت َ‬
‫‪ ،‬بدعائهم واخالصهم ) وهذا واضح ان الدعاء سالح ؛ سالح عظيم ً‬
‫جدا ونافع غاية النفع في‬
‫دفع البالء والشواهد على المعنى ك ثيرة ‪.‬والشواهد على سالمة المعنى ان (الدعاء سالح)‬
‫ك ثيرة ‪ ،‬لكن هذا اللفظ غير ثابت عن نبينا عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬الدعاء سالح المؤمن‬
‫وعماد الدين ونور السماوات واالرض ) نعم ‪.‬‬
‫ْ َ ََ َ‬ ‫َ‬
‫((قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬ول ُه َم َع ال َبال ِّء ثال ُث َمق َام ٍ‬
‫ات‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫ون َا ْق َوى ِّم َن ال َبال ِّء َف َي ْد َف ُع ُه‪.‬‬
‫َا َح ُد َها‪َ :‬ا ْن َي ُك َ‬
‫َ‬ ‫َّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ َ ُ َ ُ ْ‬
‫اب ِّب ِّه ال َع ْب ُد‪َ ،‬ول ِّك ْن َق ْد ُي َخ ِّّف ُف ُه‪،‬‬‫الثا ِّني‪ :‬ان يكون اضعف ِّمن البال ِّء فيقوى علي ِّه البالء‪ ،‬فيص‬
‫َو ِا ْن َك َان َض ِّع ًيفا‪.‬‬
‫َّالثا ِّل ُث‪َ :‬ا ْن َي َت َق َاو َما َو َي ْم َن َع ُك ُّل َو ِّاح ٍد ِّم ْن ُه َما َص ِّاح َب ُه‪)).‬‬
‫هذه االن ثالث مقامات للدعاء مع البالء ‪ ،‬يعني اذا كان هناك بالء وهناك ا ً‬
‫يضا دعاء لرفع او‬
‫دفع هذا البالء ‪ ،‬فهناك ثالث مقامات في هذا االمر ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬
‫ْ َ‬
‫ون َا ْق َوى ِّم َن ال َبال ِّء َف َي ْد َف ُع ُه‪ ،.‬وقوة الدعاء من قوة التزام الداعي بشروط الدعاء‬
‫‪ °‬اولها ‪َ :‬ا ْن َي ُك َ‬
‫وادابه ‪ ،‬الن الدعاء يك تسب القوة من اليقين ‪ ،‬الثقة ‪ ،‬عدم استعجال االجابة ‪ ،‬الجزم في‬
‫الدعاء الى غير ذلك من ضوابطه ‪.‬‬
‫فكلما كانت هذه الضوابط مجتمعة كان هذا اقوي في الدعاء ‪ ،‬ولهذا سياتي في فصل قريب‬
‫عند ابن القيم َع َّد امو ًرا ك ثيرة في انها اذا اجتمعت في الدعاء فانه ال يكاد ُي َرد ‪ ،‬وهو فصل‬
‫نفيس سياتي معنا قر ً‬
‫يبا باذن هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫فالحاصل انه قد يكون ‪-‬وهي الحالة االولي‪ " -‬الدعاء اقوي من البالء فيدفعه" ‪ ،‬والحالة‬
‫الثانية ان يكون" الدعاء اضعف من البالء" ‪،‬والضعف في الدعاء بضعف التزام المرء بشروط‬
‫الدعاء وادابه فيقوي عليه البالء فيصاب به العبد لكن قد يخففه ‪ ،‬قد يخففه هذا الدعاء‬
‫ً‬
‫ضعيفا" ‪ ،‬الحالة الثالثة ‪" :‬ان يتقاوما ويتعالجا ويمنع كل‬ ‫الضعيف " قد يخففه وان كان‬
‫واحد منهما صاحبه ‪ .‬نعم ‪.‬‬
‫يث َعا ِّئ َش َة ‪َ -‬ر ِّض َي َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫َّللا َع ْن َها ‪-‬‬ ‫((قال رحمه هللا تعالى‪َ :‬وقد َر َوى ال َحا ِّك ُم ِّفي َص ِّح ِّيح ِّه ِّم ْن َح ِّد ِّ‬
‫َ‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ‪َ « :‬ال ُي ْغ ِّني َح َذ ٌر م ْن َق َدر‪َ ،‬و ُّ‬ ‫َق َال ْت‪َ :‬ق َال َر ُسول َّ‬
‫الد َع ُاء َي ْن َف ُع ِّم َّما َن َز َل َو ِّم َّما ل ْم َي ْن ِّز ْل‪،‬‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َوا َّن ْال َب َال َء َل َي ْنز ُل َف َي ْل َق ُاه ُّ‬
‫الد َع ُاء َف َي ْع َت ِّل َج ِّان ِالى َي ْو ِّم ال ِّق َيام ِّة» ‪.‬‬
‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُُنعم ‪،‬اورد هنا هذا الحديث في مستدرك الحاكم عن ام المؤمنين عائشة رضي هللا عنها‬
‫واسناده ضعيف ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال لي رسول هللا ﷺ‪( :‬ال ُي ِّغني حذر من قدر) ‪ ،‬بمعني ان القدر‬
‫اذا جاء مهما كان حذر المرء وتوقيه منه فالمك توب البد ان يقع ‪ ،‬لكن ال يعني هذا تعطيل‬
‫االسباب وعدم فعلها ‪ ،‬بل االنسان وان كان الحذر ال يغني من القدر ‪ ،‬فاالنسان مطلوب منه‬
‫ان يبذل االسباب التي تكون بها عافيته وسالمته ‪ ،‬ومن اعظم ذلك ‪ :‬الدعاء الصادق‬
‫واال لحاح على هللا وحسن اللجوء اليه سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫قال ‪" :‬والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل" وهذا سياتي في الحديث الذي بعده ‪ .‬نعم ‪.‬‬

‫الد َع ُاء َي ْن َف ُع ِّم َّما َن َز َل َو ِّم َّما‬


‫يث ْابن ُع َم َر َعن َّالنب ّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪ُّ « :‬‬ ‫ِّ‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫((قال ‪َ : :‬و ِّف ِّيه َا ْي ًضا ِّم ْن َ‬
‫ح‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫ل ْم َي ْن ِّزل‪ ،‬ف َعل ْي ُك ْم ِّع َب َاد َّ ِِّّ‬
‫َّللا ب ُّ‬
‫الد َع ِّاء» ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫ً‬
‫موقوفا عن ابن‬ ‫وقوله في االثر او في الحديث الذي قبله ‪( :‬ال يغني حذر من قدر) هذا صح‬
‫عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪-‬قال ‪" :‬وفيه" اي مستدرك الحاكم "من حديث ابن عمر عن النبي‬
‫ﷺ قال ‪( :‬الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل)‬
‫مما نزل ‪ :‬اي من البالء ‪ ،‬ومعني نزل يعني ‪ :‬وقع واصيب به العبد‬
‫ومما لم ينزل ‪ :‬اي مالم يقع ‪،‬فالدعاء ينفع من هذا وينفع من هذا‬
‫وهذا المعني ‪( :‬ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل) يدل عليه االية الكريمة في سورة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫االسراء ‪ُ ( :‬قل ْاد ُعوا َّال ِّذ َين َز َع ْم ُت ْم ِّم ْن ُدو ِّن ِّه َف َال َي ْم ِّل ُك َ‬
‫الض ّ ِّر َع ْن ُك ْم َوال َت ْح ِّويال)‬
‫ون َك ْش َف ُّ‬
‫ِّ‬
‫كشفه ‪ :‬اي اذا نزل ‪،‬ال يملكون كشفه اذا نزل‪ ,‬وال يملكون تحويله اذا لم ينزل ‪ :‬يعني تحويله‬
‫موطن نزوله ‪،‬ال يملكون ذلك ‪.‬‬
‫هذا فيمن ُيدعي من دون هللا ‪،‬اما هللا سبحانه وتعالى من دعاه ولجا اليه فاالمر بيده والخلق‬
‫خلقه سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫الحاصل ان الدعاء ينفع مما نزل ‪ :‬اي من البالء بكشفه ‪ ،‬وينفع مما لم ينزل بدفع نزوله‬
‫وتحويله الى موطن اخر ‪ ،‬ففيه النفع العظيم ‪.‬‬
‫قال‪":‬فعليكم عباد هللا بالدعاء" اي اعتنوا به ‪ ،‬اك ثروا منه ‪،‬ا ِّل ُّحوا على هللا سبحانه وتعالى‬
‫بالدعاء فان فيه دفع البالء ورفعه ‪ ،‬دفعه ‪ :‬قبل ان يقع ‪ ،‬ورفعه ‪ :‬بعد وقوعه ‪ .‬نعم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يث َث ْو َب َان َعن َّالنب ّي ‪ -‬ﷺ ‪َ « -‬ال َي ُر ُّد ْال َق َد َر ا َّال ُّ‬ ‫َ‬
‫الد َع ُاء‪َ ،‬وال َي ِّز ُيد ِّفي ال ُع ُم ِّر ِاال‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫َو ِّف ِّيه ا ْي ًضا ِّم ْن َح ِّد ِّ‬
‫ْالب ُّر‪َ ،‬وا َّن َّالر ُج َل َل ُي ْح َر ُم ال ّر ْز َق ب َّ‬
‫الذ ْن ِّب ُي ِّص ُيب ُه»‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِ‬
‫ْ َّ‬ ‫َ‬
‫يث َث ْو َب َان َع ِّن َّالن ِّب ّ ِّي ‪ -‬ﷺ ‪« -‬ال َي ُر ُّد ال َق َد َر ِاال‬ ‫ثم ختم هذه االحاديث بهذا الحديث َح ِّد ِّ‬
‫الد َع ُاء) ‪،‬وهذا ثابت عنه ﷺ ‪ ،‬ففيه ان الدعاء يرد القدر ‪،‬وليس معني ذلك ان المك توب في‬ ‫ُّ‬
‫اللوح المحفوظ ان القدر يرد ذلك ‪ ،‬ليس هذا المعنى وانما المعنى ان القدر والدعاء ‪ :‬القدر‬
‫الذي ُك تب في اللوح والدعاء الذي هو من جملة القدر الذي ُك تب ‪.‬‬
‫في الحديث داللة علي ان من القدر ان يكون ُك تب بالء ينزل ُوك تب انه ُيكشف بالدعاء الذي‬
‫يدعو ‪ ،‬فيكون المعني ان هللا ّقدر السبب والمسبب ‪ّ ،‬قدر االسباب والمسببات ؛ فهذا بقدر‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫وهذا بقدر وهذا يعينك علي فهم الحديث ( َال َي ُر ُّد ْال َق َد َر ا َّال ُّ‬
‫الد َع ُاء) ان تعلم ان الدعاء من‬ ‫ِ‬
‫القدر ‪ ،‬فا ًذا الدعاء يرد القدر ‪.‬‬
‫افاد الحديث ان الدعاء يرد القدر ‪ ،‬وهذا فيه الحث العظيم علي الدعاء واال لحاح علي هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولهذا فان من االخطاء عند بعض الناس هناك دعوة ربما تكون شائعة في‬
‫بعض االماكن ‪ ،‬يقولون فيها ‪ " :‬اللهم انا ال نسالك رد القضاء ولكن نسالك اللطف فيه" هذا‬
‫للدعاء غير صحيح ‪ ،‬بل ُيسال هللا سبحانه وتعالىرد القضاء ‪ ،‬والدعاء يرد القضاء ‪ُ ،‬ويسال‬
‫تبارك وتعالىكما جاء في الدعاء الماثور في حديث عائشة ‪ ( :‬ان تجعل كل قضاء قضيته لي‬
‫خي ًرا)‬
‫فالحاصل ان هذا في الدعاء يقاوم البالء ويدفعه ويرفعه اذا وقع فشانه عظيم ً‬
‫جدا ‪ " ،‬وال يزيد‬
‫يضا من جملة المك توب ‪ ،‬مك توب في‬ ‫في العمر اال َالب ّر" هذا البر الذي يزيد في العمر هو ا ً‬
‫اللوح المحفوظ ا ّن عمره كذا وانه بالبر يكون عمره كذا ‪ ،‬فالك تاب الذي هو اللوح المحفوظ‬
‫ُك تب فيه كل ما هو كائن من االسباب والمسببات ‪ ،‬االعمال والنتائج ‪ ،‬االفعال واالثار ‪ ،‬كل‬
‫هذه مك توبة في اللوح المحفوظ ‪ ..‬والحديث ّ‬
‫حسنه اال لباني‪-‬رحمه هللا‪ -‬دون الجملة االخيرة‬
‫التي هي "وان الرجل ُلي َ‬
‫حرم الرزق بالذنب يصيبه" نعم‪.‬‬
‫اح في ُّ‬ ‫َ ٌْ ْ ْ‬
‫الد َع ِّاء)‬ ‫(اال ل َح ُ ِّ‬ ‫فصل ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ََْ َْ ْ‬
‫يث َا ِّبي ُه َرْي َر َة َق َال‪:‬‬ ‫الد َع ِّاء َ‪.‬و َق ْد َر َوى ْاب ُن َم َ‬
‫اج ْه ِّفي ُس َن ِّن ِّه ِّم ْن َح ِّد ِّ‬ ‫اح في ُّ‬
‫َو ِّم ْن انف ِّع االد ِّو َي ِّة‪ِ :‬اال ل َح ُ ِّ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ‪َ « :‬م ْن َل ْم َي ْس َال َّ َ‬
‫َّللا َي ْغ َض ْب َع َل ْي ِّه»‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫قال َر ُسول َّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫قدر زائد علي الذي قبله ‪ ،‬يعني الفصل الذي قبله ‪ ،‬قال ‪ :‬والدعاء من‬ ‫‪ :‬نعم ‪ ،‬هذا الفصل فيه ٌ‬
‫فصال ان من انفع االدوية اال لحاح في الدعاء‪ ،‬واال لحاح في الدعاء َق ْدر‬ ‫انفع االدوية ‪ ،‬ثم عقد ً‬
‫زائد علي ما سبق ‪ ،‬اال لحاح في الدعاء هو التكرار ودوام السؤال ‪ ،‬يدعو ويدعو ‪ ،‬مرة تلو‬
‫ً‬
‫متضرعا الى‬ ‫االخري ‪ُ ،‬م ِّل ّح ًا على هللا سبحانه وتعالى ‪،‬ال ينقطع من اال لحاح والسؤال والطلب‬
‫يلح على هللا سبحانه وتعالى‬ ‫هللا سبحانه وتعالى ( ْاد ُعوا َرَّب ُك ْم َت َض ُّر ًعا) التضرع هو اال لحاح ‪ّ ،‬‬
‫الم ِّل ّحين بالدعاء‪ ،‬الن الدعاء حبيب الى هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬والداعون قريبون‬ ‫وهللا يحب ُ‬
‫منه جل في عاله ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫قال ‪ " :‬ومن انفع االدوية اال لحاح في الدعاء" وقد روي ابن ماجة في سننه من حديث ابي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قال رسول هللا ﷺ ‪ ( :‬من لم يسال هللا يغضب عليه) والحديث ّ‬
‫حسنه اال لباني‬
‫‪-‬رحمه هللا‪ -‬في الصحيحة برقم ‪ 2654‬وذكر شواهد تدل علي ثبوته ‪،‬‬
‫(من لم يسال هللا يغضب عليه) هذا فيه دليل على حب هللا للدعاء ‪ ،‬وحبه للداعين ‪ ،‬وانه‬
‫سبحانه وتعالى من عظيم حبه للدعاء انه يغضب ممن يترك الدعاء ‪ ،‬وقد قال الناظم ‪:‬‬
‫وهللا يغضب ان تركت سؤاله ُوب َن ُّي ادم حين ُيسال يغضب‬
‫ابن ادم اذا سئل يغضب مرة واحدة ‪ ،‬وان ُا ِّل َّح عليه في السؤال مرتين ‪ ،‬ثالث يغضب اشد ما‬
‫دعي وان يتذلل ‪،‬‬ ‫يكون ‪ ،‬وهللا يغضب ان تركت سؤاله ‪ ،‬فهو ُي ِّحب الداعين ويحب ان ُي َ‬
‫والدعاء فيه افتقار ‪ ،‬فيه ُذل ‪ ،‬فيه انكسار بين يدي هللا في اظهاره فاقة العبد الى هللا سبحانه‬
‫وتعالى وتذلل بين يديه ‪ ،‬يمد يديه على هيئة الفقير المسكين الضعيف المحتاج المفتقر ُم ِّل ّح ًا‬
‫علي ربه ‪ ،‬ان هللا حي ي كريم يستحي من عبده اذا رفع اليه يديه ان يردهما صف ًرا ‪ ،‬فالحاصل‬
‫ان هذا الحديث حديث عظيم في بيان مكانة الدعاء وفضله وكرمه على هللا ‪ ،‬مثل ما جاء في‬
‫الحديث االخر ‪( :‬ليس شئ اكرم على هللا من الدعاء) ‪ ،‬في الحديث االخر قال ‪ ( :‬الدعاء هو‬
‫العبادة) نعم ‪..‬‬
‫َ‬ ‫يث َا َنس َعن َّالنب ّي ﷺ‪َ « :‬ال َت ْعج ُزوا في ُّ‬
‫الد َع ِّاء َف ِا َّن ُه ال َي ْه ِّل ُك َم َع‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫د‬
‫ِّ‬ ‫َو ِّفي َص ِّحيح ْال َحا ِّكم ِّم ْن َ‬
‫ح‬
‫ٍ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ‬
‫الد َع ِّاء ا َح ٌد» ‪).‬‬
‫ُّ‬

‫نعم ‪ .‬هنا في هذا الحديث واسناده ضعيف الن في اسناد منه منكر ‪،‬الحديث غير ثابت عن‬
‫نبينا عليه الصالة والسالم ‪،‬قال فيه (ال تعجزوا في الدعاء ‪ ،‬فانه ال يهلك مع الدعاء احد)‬
‫الدعاء يعني النجاة ‪ ،‬الدعاء نجاة للداعي ‪ .‬نعم ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َو َذ َك َر ْ َاال ْو َز ِّاع ُّي َعن ُّالز ْهر ّ ِّي َع ْن ُع ْر َو َة َع ْن َعا ِّئ َش َة ‪َ -‬ر ِّض َي َّ ُ‬
‫َّللا َع ْن َها ‪ -‬قال ْت‪ :‬قال َر ُسول َّ ِّ‬
‫َّللا ‪-‬‬ ‫ِّ ْ ِّ‬
‫ين في ُّ‬ ‫ﷺ‪« :‬ا َّن َّ َ‬
‫الد َع ِّاء» ‪.‬‬ ‫َّللا ُي ِّح ُّب ال ُم ِّل ِّ ّح َ ِّ‬ ‫ِ‬
‫يضا هذا غير ثابت الن فيه من هو متروك الحديث ‪ ،‬لكن جاء في بعض المصادر من قول‬ ‫وا ً‬
‫اعي انه قال ‪ :‬كان ُيقال افضل الدعاء اال لحاح علي هللا والتضرع ‪.‬‬
‫اعي او جاء عن االوز ّ‬
‫االوز ّ‬
‫نعم ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫ً َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫اب ُّالز ْه ِّد ِّل ِال َم ِّام َا ْح َم َد َع ْن َق َت َاد َة َق َال‪َ :‬ق َال ُم َو ّ ِّر ٌق‪َ :‬ما َو َج ْد ُت ِّلل ُم ْؤ ِّم ِّن َم َثال ِاال َر ُج ٌل ِّفي‬ ‫َ‬
‫َو ِّفي ِّك ت ِّ‬
‫ْال َب ْحر َع َلى َخ َش َب ٍة‪َ ،‬ف ُه َو َي ْد ُعو‪َ :‬يا َر ّ ِّب َيا َر ّ ِّب َل َع َّل َّ َ‬
‫َّللا َع َّز َو َج َّل َا ْن ُي ْن ِّج َي ُه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫هذا الخبر او االثر فيه هذا المثل الجميل الذي يبين حاجة العبد وفقره الى الدعاء واال لحاح‬
‫على هللا سبحانه وتعالى فيه واضطراره الى الدعاء ‪ ،‬ففي هذا االثر ان مثل المؤمن مثل رجل‬
‫يضا ال يحسن السباحة ‪،‬‬ ‫ض انه ا ً‬ ‫وافتر َ‬
‫في البحر علي خشبة ‪ ،‬يعني تخيل رجل علي البحر َ‬
‫وعلى خشبة يخشي سقوطه وغرقه في هذا البحر ‪ ..‬يا رب ‪ ،‬يارب‪ ,‬يعني يكرر ‪ ..‬يلح على هللا ان‬
‫وتصرفهم عن الحق‬ ‫ّ‬
‫ينجو ‪ ،‬االن اذا قدرت االمر وتاملت في امواج الفتن التي تموج في الناس ِّ‬
‫جدا متالطمة ‪ ،‬امواج الشبهات‬ ‫اله َلكة ‪ ،‬وتدفعهم الى الباطل ‪ ،‬امواج ك ثيرة ً‬ ‫‪ ،‬وتوقعهم في َ‬
‫تعوذوا باهلل من الفتن) ‪ ،‬قال‬ ‫ُومضالت الفتن ‪-‬نسال هللا العافية‪ ، -‬ولهذا قال النبي ﷺ‪ّ ( :‬‬
‫الصحابة ‪ :‬نعوذ باهلل من الفتن ‪ ،‬فهذه االمواج العاتية المهلكة النجاة منها بالتعوذ ‪ ،‬بالدعاء ‪،‬‬
‫باللجوء الى هللا سبحانه وتعالى ‪ ،‬وان يقول دائما المرء ‪ :‬يا رب ‪ ..‬يا رب ‪ ،‬يدعو ربه ويساله‬
‫حا علي هللا سبحانه‬ ‫دائما مل ً‬ ‫والمهلكات ‪ ،‬يبقي ً‬ ‫الثبات واالعاذة من الفتن والنجاة من الشرور ُ‬
‫ِّ‬
‫وتعالىوهللا ال ُي َخ ّيب من دعاه ‪ ،‬وال يرد من ناداه ( َوا َذا َس َا َل َك ِّع َب ِّادي َع ِّّني َفا ِّّني َقر ٌ‬
‫يب ۖ ُا ِّج ُ‬
‫يب‬ ‫ِ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫الد ِّاع ِا َذا َد َع ِّان ) نعم ‪.‬‬
‫َد ْع َو َة َّ‬

‫ات ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬


‫الد َع ِّاء]‬ ‫(قال رحمه هللا تعالى‪[ :‬ف ْصل ِّم ْن اف ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ات َّال ِّتي َت ْم َن ُع َت َرُّت َب َا َثر ُّ‬ ‫َوم َن ْاال َ‬
‫الد َع ِّاء َع َل ْي ِّه‪َ *:‬ا ْن َي ْس َت ْع ِّج َل ال َع ْب ُد‪َ *،‬و َي ْس َت ْب ِّط َئ ِاال َج َاب َة‪*،‬‬ ‫َِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫الد َع َاء‪َ ،‬و ُه َو ِّب َم ْن ِّزل ِّة َم ْن َب َذ َر َبذ ًرا َا ْو َغ َر َس َغ ْر ًسا‪َ ،‬ف َج َع َل َي َت َع َاه ُد ُه َو َي ْس ِّق ِّيه‪َ ،‬ف َل َّما‬
‫َف َي ْس َت ْحس ُر َو َي َد ُع ُّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫ْاس َت ْب َط َا ك َمال ُه َو ِاد َراك ُه ت َرك ُه َواه َمل ُه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫اب ِّ َال َح ِّد ُك ْم َما‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪ُ « :‬ي ْس َت َج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوفي صحيح ْال ُب َخار ّي م ْن َحد َ‬
‫يث ا ِّبي ُه َرْي َر َة ا َّن َر ُسول َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ْم َي ْعجل‪َ ،‬يقول‪ :‬د َع ْوت فل ْم ُي ْستج ْب ِّلي» ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َْ ُ َ ََ ُ ُ َْ َ ُ ْ‬
‫اب ِّلل َع ْب ِّد‪َ ،‬ما ل ْم َي ْد ُع ِّب ِاث ٍم َا ْو َق ِّط َيع ِّة َر ِّح ٍم‪َ ،‬ما ل ْم‬ ‫َو ِّفي َص ِّح ِّيح مس ِّل ٍم عنه‪« :‬ال يزال يستج‬
‫َّللا َما ِّاال ْس ِّت ْع َج ُال؟ َق َال َي ُق ُول‪َ :‬ق ْد َد َع ْو ُت‪َ ،‬و َق ْد َد َع ْو ُت‪َ ،‬ف َل ْم َا َر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َي ْس َت ْع ِّجل‪ِّ ،‬قيل‪َ :‬يا َر ُسول َّ ِّ‬
‫اب ِّلي‪َ ،‬ف َي ْس َت ْحس ُر ع ْن َد َذ ِّل َك َو َي َد ُع ُّ‬
‫الد َع َاء» ‪.‬‬ ‫ُي ْس َت َج ُ‬
‫ِّ ِّ‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َوفي ُم ْس َند َا ْح َم َد م ْن َحديث َا َن َ َ َ َ‬


‫َّللا ‪ -‬ﷺ‪« :‬ال َي َز ُال ال َع ْب ُد ِّب َخ ْي ٍر َما ل ْم‬ ‫ُ‬
‫س قال‪ :‬قال َر ُسول َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫َّللا َك ْي َف َي ْس َت ْع ِّج ُل؟ َق َال‪َ :‬ي ُق ُول َق ْد َد َع ْو ُت َرِّّبي َف َل ْم َي ْس َت ِّج ْب ِّلي» ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫َي ْس َت ْع ِّجل‪ ،‬قالوا‪َ :‬يا َر ُسول َّ ِّ‬

‫ثم عقد‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬هذا الفصل في التنبيه على افة من االفات التي تمنع ترتب اثر الدعاء‬
‫عليه ‪ ،‬يعني اذا ُو ِّج َدت تكون مانعة من اجابة الدعاء ‪ ،‬وهذا الفصل وما سياتي بعده فيه‬
‫تنبيه من االمام ابن َالق ّيم‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬الى اهمية العناية بشروط الدعاء وادابه وان‬
‫الداعي ينبغي عليه في كل مرة يدعو هللا سبحانه وتعالى ان يتادب باداب الدعاء ‪ ،‬وان يلتزم‬
‫شروطه وضوابطه وقيوده التي جاءت في ك تاب هللا وسنة نبيه ﷺ ‪ ،‬الن هذه الشروط كما‬
‫قدمت ُتعطي الدعاء قوة ‪،‬يكون الدعاء قوي بهذه الشروط ‪ ،‬قوي بهذه الضوابط العظيمة‬
‫ً‬
‫مقبوال‬ ‫دعاء‬ ‫ً‬
‫مستجابا ‪ً ،‬‬ ‫التي التزمها الداعي في دعائه فكانت قوة له في دعائه فيكون ً‬
‫دعاء‬
‫اب َال َحد ُك ْم َما َل ْم َي ْع َج ْل )يعني ان كان ً‬
‫سالما من هذه االفات‬ ‫ولهذا ياتي في الحديث ‪ُ «( :‬ي ْس َت َج ُ ِّ ِّ‬
‫فهو دعاؤه مستجاب ‪ ،‬فا ًذا هذا الفصل عقده‪-‬رحمه هللا‪ -‬تحذي ًرا من هذه االفات وان الداعي‬
‫ينبغي عليه ان يحرص علي معرفة اداب الدعاء وشروطه وان يعتني بها في كل مرة يدعو هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬قال ‪" :‬ومن االفات التي تمنع ترتب اثر الدعاء عليه‪-‬التي هي االستجابة‪ -‬ان‬
‫يستعجل العبد ويستبطئ االجابة فيستحسر ويدع الدعاء"‬
‫وهذا يحصل لك ثير من الناس في ك ثير من حاجاتهم ‪ ،‬يدعو مرة او مرتين ‪ ،‬يرفع يده مرةاو‬
‫مرتين ثم يقول مع نفسه دعوت ما يستجيب لي ‪ ،‬فيترك الدعاء وينقطع عن هذا الخير ‪ ،‬وترك‬
‫الدعاء هو حرمان ‪ ،‬ترك الدعاء هو حرمان من الخير ‪ ،‬لهذا كان احد السلف يقول ‪ :‬النا اشد‬
‫حرم االجابة ‪ ،‬كان عمر بن الخطاب رضي هللا عنه يقول ‪:‬‬ ‫حرم من الدعاء من ان ُا َ‬ ‫خشية ان ُا َ‬
‫اني ال احمل هم االجابة ولكن احمل هم الدعاء ‪ .‬ترك الدعاء هذا حرمان ‪،‬ترك الدعاء‬
‫واالنقطاع عنه هذا حرمان ‪ ،‬وهذا الحرمان من الدعاء يتسلل الى ك ثير من الناس ‪ ..‬عندما‬
‫يدعو مرة او مرتين في حاجة او في ضرورة من ضروراته ‪ ،‬ثم بينه وبين نفسه يقول ‪ :‬دعوت‬
‫ست َجب لي ويدع الدعاء ‪.‬‬‫فلم ُي َ‬

‫فا ًذا من الضوابط المهمة في الدعاء ‪ :‬ان يالزم المرء الطلب واال لحاح وال يياس من االجابة ‪،‬‬
‫يبا ايراد المصنف رحمه هللا لقول النبي ﷺ‪( :‬ادعوا هللا وانتم موقنون‬ ‫وقد َتق َّدم معنا قر ً‬
‫باالجابة) وهذا اليقين اذا حضر في القلب ال يقع هذا المعنى الذي عندنا هنا ‪ ،‬ال تقع هذه‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫لحاحا على هللا سبحانه‬ ‫االفة ‪ ،‬الن من عنده يقين وثقة باهلل سبحانه وتعالى ُيثمر يقينه ا ً‬
‫ِّ‬
‫وتعالى بالدعاء ‪ ،‬وتامل هذا المثل ما اجمله في توضيح هذه المسالة !‬
‫َ‬
‫(وهو بمنزلة‪-‬يعني هذا الذي يدعو مرة او مرتين ثم يستحسر ويدع الدعاء‪َ -‬و ُه َو ِّب َم ْن ِّزل ِّة َم ْن َب َذ َر‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َبذ ًرا َا ْو َغ َر َس َغ ْر ًسا‪َ ،‬ف َج َع َل َي َت َع َاه ُد ُه َو َي ْس ِّق ِّيه‪َ ،‬ف َل َّما ْاس َت ْب َط َا َك َمال ُه َو ِا ْد َر َاك ُه َت َر َك ُه َو َا ْه َم َل ُه) ‪.‬‬
‫مذموما من يفعل ذلك ‪،‬شخص يبذر ويتعب ثم اذا‬ ‫ً‬ ‫واذا كان هذه الحال فيما يراه الناس‬
‫اوشك اهمله وتركه وقال ‪ :‬تعبت فيه وما اثمر ! ‪,‬هذا ُي َذم ‪ ،‬فمثله الداعي يعني سبحان هللا‬
‫ربما من الناس من ينقطع عن الدعاء وهو عن االجابة قاب قوسين او ادنى ‪ ،‬قربت االجابة‬
‫ودنت منه ثم ينصرف عن الدعاء وينقطع ويقول دعوت ودعوت فلم ُيستجب لي ‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وفي الصحيح ‪-‬في صحيح البخاري‪ -‬من حديث ابي هريرة رضي هللا عنه ان رسول هللا‬
‫ﷺ قال ‪ُ ( :‬يستجب الحدكم مالم يعجل) انتبه ! (يستجب الحدكم مالم يعجل) ا ًذا العجلة‬
‫في الدعاء ليس فيها خير ‪ ..‬العجلة في الدعاء"افة" مثلما عبر بن القيم ‪ .‬العجلة في الدعاء‬
‫يضا االجابة بل ُيلح ويدعو ويكرر الدعاء وهو يؤمل‬ ‫افة ‪،‬ال يستعجل االجابة وال يستبطئ ا ً‬
‫ستجب لي)‬ ‫ويرجو ‪ ،‬قال ‪( :‬يستجاب الحدكم مالم يعجل ‪ ،‬يقول '‪ :‬دعوت فلم ُي َ‬

‫يضا ورد في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي هللا عنه ‪ ،‬قال ﷺ‪( :‬ال يزال يستجاب‬ ‫وا ً‬
‫الحدكم ما لم ُ‬
‫يدع باثم او قطيعة رحم ‪ ،‬مالم يستعجل)‬
‫مضرة على االنسان‬ ‫الدعاء باالثم وقطيعة الرحم‪ :‬هذا من استعجال الشر والعياذ باهلل ‪ ،‬وهذا َّ‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪،‬وهللا يقول ‪َ ( :‬و َي ْد ُع ْاال ْن َس ُان ب َّ‬
‫الش ّ ِّر ُد َع َاء ُه ِّبال َخ ْي ِّر ۖ َو َك َان ِاال ْن َس ُان َع ُجوال) فهذا من االفات ‪،‬يعني‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫دعاء االنسان على نفسه او على قرابته او على ولده يدعو عليهم باثم او قطيعة رحم ‪ ،‬هذا من‬
‫العجلة ‪ ،‬من العجلة المذمومة ‪ ،‬فهذا ال ُيستجاب للعبد ‪ ،‬قال ‪ُ ( :‬يستجاب الحدكم ما ُ‬
‫يدع‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫باثم او قطيعة رحم) ( َو َل ْو ُي َع ِّ ّج ُل َّ ُ‬
‫الش َّر ْاس ِّت ْع َجال ُه ْم ِّبال َخ ْي ِّر ل ُق ِّض َي ِال ْي ِّه ْم َا َج ُل ُه ْم)‬
‫َّللا ِّل َّلناس َّ‬
‫ِّ‬
‫لكن من رحمة هللا ان هذا ال ُيستجاب ‪ ،‬قال ‪( :‬يستجاب الحدكم ما لم يدع باثم او قطيعة‬
‫رحم ‪ ،‬ما لم يستعجل) قيل ‪ :‬يا رسول هللا! وما االستعجال ؟ قال ‪ :‬يقول قد دعوت وقد‬
‫دعوت فلم اره يستجيب لي ‪ .‬فيستحسر ذلك ويدع الدعاء ‪ ،‬يستحسر ويقع عنده الياس‬
‫والقنوط ويدع الدعاء ‪ ،‬يترك الدعاء ‪ ،‬فاذا هذه مثل ما ّعبر ابن القيم ‪" :‬اف ة" ينبغي على‬
‫الداعي ان يحذر منها ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫يضا ما في المسند لالمام احمد وهو بمعني ما سبق من حديث انس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬ ‫ثم اورد ا ً‬
‫رسول هللا ﷺ‪( :‬اليزال العبد بخير ما لم يستعجل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول هللا! كيف يستعجل ؟‬
‫قال ‪ :‬يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي ) نعم ‪.‬‬
‫َ ْ ٌ ََْ ُ ْ‬
‫ات ِاال َج َاب ِّة)‬ ‫((قال رحمه هللا ) ‪ :‬فصل اوق‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ُّ َ ْ ُْ‬ ‫َ َ َ ُّ ُ ُ َ ْ َ ْ‬
‫وب‪َ ،‬و َص َاد َف َوق ًتا ِّم ْن ا ْوق ِّ‬
‫ات‬ ‫َو ِاذا ج َم َع م َع الد َع ِّاء حضور القل ِّب َوجم ِّع َّيته ِّبك ِّل َّي ِّت ِّه َعلى ال َمطل ِّ‬
‫ْاال َج َاب ِّة ِّ ّ‬
‫الس َّت ِّة‪َ ،‬و ِّه َي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫*الث ُل ُث ْ َاالخ ُير م َن َّالل ْيل‪َ *،‬وع ْن َد ْ َاال َذان‪َ * ،‬و َب ْي َن ْ َاال َذان َو ْاال َق َامة‪َ * ،‬و َا ْد َب ُار َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫ات‬ ‫الصل َو ِّ‬ ‫ِّ ِ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ْ َ ُ ُ ِّ ْ َ َ ْ َ ْ ُ ُ َ ِّ َ َ ْ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َّ َ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ات‪ *،‬و ِّعند صع ِّود ِاالم ِّام يوم الجمع ِّة على ال ِّمنب ِّر حتى تقضى الصالة ِّمن ذ ِّلك اليو ِّم‪*،‬‬ ‫ال َمك ُت َوب ِّ‬
‫ْ‬
‫َوا ِّخ ُر َس َاع ٍة َب ْع َد ال َع ْص ِّر‪.‬‬
‫ا َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َو َص َاد َف ُخ ُش ًوعا ِّفي ال َقل ِّب‪َ ،‬و ْان ِّك َس ًارا َب ْي َن َي َد ِّي َّالر ّ ِّب‪َ ،‬و ُذال ل ُه‪َ ،‬و َت َض ُّر ًعا‪َ ،‬و ِّر َّق ًة‪.‬‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ ْ‬
‫الد ِّاعي ال ِّق ْب َل َة‪.‬‬ ‫واستقبل‬
‫َو َك َان َع َلى َط َه َار ٍة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َرف َع َي َد ْي ِّه ِالى َّ ِّ‬
‫َّللا‪.‬‬
‫َّللا َو َّالث َن ِّاء َع َل ْي ِّه‪.‬‬ ‫َ‬
‫َو َب َدا ِّب َح ْم ِّد َّ ِّ‬
‫َّ َ‬
‫الصال ِّة َع َلى ُم َح َّم ٍد َع ْب ِّد ِّه َو َر ُسو ِّل ِّه ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬ ‫ُث َّم َث َّنى ِّب‬
‫ُث َّم َق َّد َم َب ْي َن َي َد ْي َح َ‬
‫اج ِّت ِّه َّالت ْو َب َة َو ِّاال ْس ِّت ْغ َف َار‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ َ َّ َ‬
‫َّللا‪َ ،‬و َال َّح َع َل ْي ِّه ِّفي ال َم ْس َال ِّة‪َ ،‬و َت َم َّل َق ُه َو َد َع ُاه َر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة‪.‬‬ ‫ثم دخل على ِّ‬
‫َ‬
‫َو َت َو َّس َل ِال ْي ِّه ِّب َا ْس َما ِّئ ِّه َو ِّص َفا ِّت ِّه َو َت ْو ِّح ِّيد ِّه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ً َ َّ َ َ ُّ َ‬
‫الد َع َاء ال َي َك ُاد ُي َر ُّد َا َب ًدا‪َ ،‬وال ِّس َّي َما ِا ْن َص َاد َف َاال ْد ِّع َي َة‬ ‫وقدم بين يدي دعا ِّئ ِّه صدقة‪ ،‬ف ِان هذا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ال ِّتي َا ْخ َب َر َّالن ِّب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن َها َم َظ َّن ُة ِاال َج َاب ِّة‪َ ،‬ا ْو َا َّن َها ُم َت َض ِّّم َن ٌة ِّل ِّال ْس ِّم َاال ْع َظ ِّم‪.‬‬
‫هذه الجملة عظيمة ً‬
‫جدا وفيها خالصة بديعة للغاية ‪ ،‬خالصة موجزة وبديعة للغاية في اداب‬
‫بديعا ً‬
‫نافعا ‪ ،‬وهذه االمور التي َّعد َد رحمه هللا‬ ‫جمعا ً‬
‫الدعاء وشروطه ‪ ،‬فجمع في هذه الخالصة ً‬
‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫تعالى االمر فيها كما ذكر ‪ :‬اذا اجتمعت للعبد في دعاؤه ال يكاد دعاؤه ُي َرد ‪،‬دعاؤه مستجاب ‪،‬‬
‫فهذه خالصة وهذا من االمثلة التي اقول يعني قبل قليل انها ُتنشر ‪ ،‬يعني مثل هذه االن لو‬
‫لت هذه‬‫اخذت هذه الجملة وقلت ‪ :‬قال ابن القيم في ك تابه العظيم "الداء والدواء" وا ْر َس َ‬
‫الفائدة تا َّكد انه سيفرح بهذه الفائدة وسيحب الك تاب ‪ ،‬فتجمع في هذا بين خيرين ‪ ،‬يعني‬
‫دللته علي هذه الفائدة النفيسه وتحبيبه لهذا الك تاب المبارك ‪ ،‬وهذه وسائل حقيقة مهمة في‬
‫االشتغال بها والتعاون عليها في تحريك مثل هذه المعاني ونشر مثل هذه الفضائل والخيرات‬
‫حتي ُي َنتفع بها باذن هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫والكالم على هذا الفصل يؤجل الي لقائنا القادم ونسال هللا تبارك وتعالى ان يوفقنا اجمعين‬
‫لكل خير ‪.‬‬
‫***********‬
‫جزاكم هللا خي ًرا وبارك هللا فيكم الهمكم هللا الصواب ووفقكم للحق نفعنا هللا بما سمعنا وغفر‬
‫هللا لنا ولكم وللمسلمين اجمعين ‪.‬‬
‫يقول السائل جزاكم هللا خي ًرا في بالدنا تقوم ك ثير من الفرق والطوائ ف على تقديس االولياء‬
‫ودعائهم من دون هللا فارجو منكم الوصية والنصيحة بارك هللا فيكم ‪.‬‬
‫هذا الذي اشار إليه السائل الكريم في هذا السؤال هو حقيقة من المصائب العظيمة والباليا‬
‫الجسيمة والنكبات التي ُبليت فيها بعض المجتمعات بسبب دعاة الضالل وائمة الباطل وقد‬
‫قال نبينا عليه الصالة والسالم في الحديث الصحيح " ان اخوف ما اخاف على امتي اال ئمة‬
‫المضلين" فائمة الضالل هم من روجوا لمثل هذه الضالالت ودعوا إلى التعلق الباطل باالولياء‬
‫المزعومين وااللتجاء إليهم والضراعة بين يديهم وقصد قبورهم للدعاء والذل والسؤال والبكاء‬
‫والرجاء وهذا كله من الشرك باهلل الن الدعاء هو اعظم العبادة هو حق هلل سبحانه وتعالى وقد‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ُّ َّ َ ْ ُ‬
‫يب ل ُه ِإل ٰى َي ْو ِم ال ِق َي َام ِة َو ُه ْم‬ ‫ون الل ِه من ال يست ِج‬ ‫قال هللا جل وعال‪ ":‬ومن اضل ِممن يدعو ِمن د ِ‬
‫َ‬ ‫ون ﴿‪َ ﴾٥‬و ِإ َذا ُح ِش َر َّالن ُ‬ ‫َعن ُد َعا ِئه ْم َغ ِاف ُل َ‬
‫اس َك ُانوا ل ُه ْم َا ْع َد ًاء َو َك ُانوا ِب ِع َب َاد ِت ِه ْم َك ِاف ِر َين ﴿‪ ﴾٦‬وقال‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫هللا سبحانه وتعالى قل اد ُعوا ال ِذ َين َز َع ْم ُتم ِِّمن ُدون الل ِه ۖ ال َي ْم ِلك َ‬
‫ات‬‫الس َم َاو ِ‬
‫ون ِمثقال ذ َّر ٍة ِفي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َال ِفي ْ َاال ْرض َو َما َل ُه ْم ِفيه َما ِمن ِش ْر ٍك َو َما َل ُه ِم ْن ُهم ِِّمن َظهير ﴿‪ ﴾٢٢‬قال تعالى ُقل ْاد ُعوا َّال ِذينَ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الض ِّر َع ُنك ْم َو َال َت ْحو ًيال ﴿‪ ﴾٥٦‬وقال تعالى َو َّال ِذ َين َت ْد ُعونَ‬ ‫ون َك ْش َف ُّ‬ ‫َز َع ْم ُتم ِِّمن ُدو ِن ِه َف َال َي ْم ِل ُك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِمن ُدو ِن ِه َما َي ْم ِل ُك َ‬
‫ون ِمن ِقط ِم ٍير ﴿‪ِ ﴾١٣‬إن تد ُعوه ْم ال َي ْس َم ُعوا د َع َاءك ْم َول ْو َس ِم ُعوا َما ْاستج ُابوا‬
‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬
‫آ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل ُك ْم ۖ َو َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َي ْك ُف ُرو َن ِب ِش ْر ِك ُك ْم ۖ َوال ُي َن ِِّب ُئ َك ِم ْث ُل َخ ِب ٍير ﴿‪ ﴾١٤‬وااليات في هذا المعنى‬
‫مستغيثا به ملتجا‬ ‫ً‬ ‫ك ثيرة والدعاء كما قال نبينا صلى هللا عليه وسلم هو العبادة فمن دعا غير هللا‬
‫وندا مع هللا سبحانه وتعالى وهذا هو‬ ‫شريكا مع هللا ً‬ ‫ً‬ ‫طارحا حاجته بين يديه فقد إتخذه‬ ‫ً‬ ‫إليه‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الشرك اال كبر المحبط للعمل المبطل للدين َول َق ْد ُا ِوح َي ِإل ْي َك َو ِإلى ال ِذ َين ِمن َق ْب ِل َك ل ِئ ْن َا ْش َر ْك َت‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َي ْح َب َط َّن َع َم ُل َك َول َت ُك َون َّن ِم َن ال َخ ِاس ِر َين ﴿‪ ﴾٦٥‬والسائل في سؤاله يسال عن الخالص‬
‫والخالص هو في شيء واحد وهو نشر التوحيد بين الناس ‪ ،‬الناس محتاجون الى التوحيد‬
‫آ‬
‫ودالتهم عليه وذكر براهينه وادلته من ك تاب هللا وسنة نبيه الناس بحاجة إلى من يعلمهم القران‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫ويعلمهم ادعية القران ويعلمهم ضوابط الدعاء في القران وفي سنة النبي الكريم عليه الصالة‬
‫والسالم بحاجة ماسة إلى ذلك الن ك ثير منهم مساكين نشاوا في بلد ليس فيه إال دعاة ضالل وال‬
‫داعيا يدعو إلى الحق ولهذا ك ثير منهم قريب إلى الحق إذا ُذكرت‬ ‫يسمع إال دعاة الضالل ما سمع ً‬
‫آ‬
‫له االدلة ُوبينت له يرجع عن قريب ‪ ،‬اذكر مرة كان إلى جواري احد الزوار كنت اقرا القران وهو‬
‫بجنبي يدعو ويبكي ا ِّثر في بكائه وهو يدعو ثم بعد قليل وقد تاثرت ببكائه بعد قليل اسفت لحاله‬
‫افعا يديه ويقول مدد مدد وهو يستغيث باحد المخلوقين انا كنت متاث ًرا ببكائه وهو خاشع في‬ ‫ر ً‬
‫دعائه ثم فوجئت واذا هذا البكاء يدعو غير هللا فتلطفت معه في الحديث وتدرجت معه شيء عن‬
‫آ‬
‫بلده متى وصلت كذا يعني باسلوب لطيف تضطره ان يتجاوب معك ثم اخذت اذكر له ايات‬
‫واحاديث في فضل الدعاء والبكاء والخشوع وان هذا ال يرد والدعاء يستجاب وهو يستمع الي‬
‫معطيني جنبه فلما اخذت اذكر الدعاء والبكاء وفائدته واشياء من هذا القبيل إلتفت علي ثم‬
‫آ‬
‫دخلت في الصميم ان الدعاء حق هلل وال يجوز ان يدعى غير هللا واخذت اسوق ايات وتعمدت ان‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫اك ثر من ايات القران في هذا الباب واحاديث وذكرت قصص من سيرة النبي عليه الصالة والسالم‬
‫في ضراعته الى هللا وصيته البن عباس إذا سالت هللا فاسال هللا اشياء من هذا القبيل اطلت‬
‫سؤاال غير مناسب لكنني انا كنت متقصد لهذا السؤال اريد ان‬ ‫وهو يستمع استماع جيد ثم سالته ً‬
‫طبعا هذه خطا‬ ‫اتاكد هل فهم وإال ما فهم قلت سمعت هذا الكالم قال نعم قلت له ما رايك هذا ً‬
‫آ‬
‫الن هذه ايات واحاديث ليس فيها راي لكن انا قصدت ان اعرف هل فهم الرجل او لم يفهم فقال‬
‫آ‬ ‫لي وهللا كالم ً‬
‫عجبا ذكرني بمقولة لإلمام الشافعي قال تقول لي ايات واحاديث وتقول ما رايك‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫هكذا قال لي تقرا علي ايات واحاديث وتقول لي ما رايك قلت وال زلت اقول لك االن ما رايك‬
‫آ‬
‫الني سمعتك منذ قليل ترفع يديك وتدعو غير هللا فاينك من هذه االيات واالحاديث اتدرون ماذا‬
‫قال لي هو الموضع الذي حقيقة قال لي يا اخي انا من بلد كذا وكذا سمى لي بلده ما احد قال لي‬
‫اذا بعضهم‬ ‫هذا الكالم يعني ما سمع الدعوة الى التوحيد والصلة باهلل ما احد قال لي الكالم هذا ً‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫يكون نشا في مجتمع ما عندهم اال والعياذ باهلل الدعوة الى التعلق باالولياء ودعاء غير هللا‬
‫واالستغاثة بغير هللا وينسجون لهم خاصة السدنة ينسجون قصص يروجونها بين العوام‬
‫ويفتعلونها حتى ينكب العوام على هؤالء المقبورين دعاء واستغاثه وااللتجاء الي غير هللا نعم‪.‬‬
‫احسن هللا اليكم ومتعكم هللا بالصحة والعافية واياك والسامعين يقول اخي قد ابتلي بالعشق‬
‫وفتك به هذا البالء حتى كره نفسه وهو محب للتوحيد والهله فهل من نصيحة وتوجيه كي‬
‫اوصل صوتكم اليه؟‬
‫ً‬
‫اوال نسال هللا عز وجل الخيه هذا المبتلى بالعشق بالعافية نسال هللا له العافية ونسال هللا‬
‫العافية لكل مبتلى ووصيتي لهذا االخ ان يتلطف باخيه وان يقنعه بقراءة هذا الك تاب وان يتلطف‬
‫معه بان يقرا هذا الك تاب إن قرا اخاه هذا الك تاب قراءة متانية ففيه الشفاء بإذن هللا واصل‬
‫الك تاب هو شكوى من عاشق عانى العشق معاناة شديدة جدا فطلب من يعينه ويدله فك تب هذا‬
‫نافعا عظيم النفع فانت إن استطعت‬ ‫الك تاب االمام ابن القيم رحمه هللا تعالى وذكر فيه ً‬
‫عالجا ً‬
‫ان تقنع اخاك ان يقرا الك تاب فبها ونعمة وإال فاعمل الثانية اقرا انت الك تاب قراءة متقنة وخذ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفوائد منه واوصلها الخيك بالتدريج شيائ فشيائ فاإنه بإذن هللا تعالى يكون بذلك خالصه‬
‫وعافيته وعافاه هللا وكل مبتلى نعم‪.‬‬
‫يقول احسن هللا إليكم شيخنا هل من الالزم ان يصلي المعتمر فيه الروضة كل يوم ام مرة واحدة‬
‫تك في؟‬
‫جاء في الحديث عن نبينا عليه الصالة والسالم انه قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض‬
‫الجنة فهذا يدل على فضل هذه البقعة‪ ،‬وليس في هذا الحديث وال في غيره تخصيص اوقات او‬
‫إلتزامات معينة في اليوم كذا او نحو ذلك لكن تيسرت الصالة والجلوس في الروضة فبها ونعمة‬
‫وإن لم يتيسر بسبب ك ثرة الزحام وخفف على نفسه وعلى إخوانه المسلمين فلعل في هذا بإذن‬
‫هللا سبحانه وتعالى خيرا نعم‪.‬‬
‫يقول شيخنا هل يفهم من حديث ابي سعيد امس بان سيد القوم لم يكن مسلم وعليه فتجوز‬
‫الرقية من المسلم للكافر؟‬
‫نعم هذا المعنى مستفاد والرقية تصح وخاصة اذا كانت وسيلة لدعوته لإلسالم وهدايته الدين‬
‫آ‬
‫وبيان ما في القران من الخير والبركة والنفع نعم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني‬

‫يقول لي إبنة ال تسمع وال تتكلم وكانت تصلي ماتت في سن السابعة عشرة من عمرها فهل يجوز‬
‫لي ان اعمل عمرة ؟‬
‫نعم إذا كانت على هذه الحال‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال اله إال انت استغفرك واتوب إليك‪.‬‬

‫🔴 *اضغط على الرابط لالشتراك*👇🏻‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪17‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمدهلل رب العالمين والصالة والسالم على رسوله واله وصحبه اجمعين ‪,‬اما بعد ‪,‬‬
‫ْ‬
‫يقول العالمة بن القيم الجوزية رحمه هللا في ك تابه "الداء والدواء "فصل" َا ْو َقات ِاْل َج َابة"‬
‫ْ‬
‫َف ْصل( َا ْو َقات ِاْل َج َابة)‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫الد َعاء حضو َر ال َقلب َو َج ْمع َّي َته بكل َّيته َع َلى ال َمطلوب‪َ ،‬و َص َاد َف َو ْق ًتا م ْن َا ْو َقات‬ ‫َوا َذا َج َم َع َم َع ُّ‬
‫ِْ‬
‫َّ‬
‫ِاْلج َابة الستة‪َ ،‬وه َي‪:‬‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُّالثلث ْ َاْلخير م َن َّالل ْيل‪َ ،‬وع ْن َد ْ َاْل َذان‪َ ،‬و َب ْي َن ْ َاْل َذان َو ْاْل َق َامة‪َ ،‬و َا ْد َبار َّ‬
‫الص َل َوات ال َم ْك ت َوبات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َوع ْن َد صعود ْاْل َمام َي ْو َم ْالجم َعة َع َلى ْالم ْن َبر َح َّتى ت ْق َضى َّ‬
‫الصالة من ذلك ال َيوم‪َ ،‬واخر َس َاعة‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َب ْع َد ال َع ْصر‪.‬‬
‫ً َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َو َص َاد َف خش ًوعا في ال َقلب‪َ ،‬و ْانك َس ًارا َب ْي َن َي َدي َّالرب‪َ ،‬وذْل له‪َ ،‬و َت َض ُّر ًعا‪َ ،‬ور َّق ًة‪.‬‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َّ ْ‬
‫الداعي الق ْب َل َة‪.‬‬ ‫واستقبل‬
‫َو َك َان َع َلى َط َه َارة‪.‬‬
‫َ‬
‫َو َر َف َع َي َد ْيه ِالى َّّللا‪.‬‬
‫َو َب َد َا ب َح ْمد َّّللا َو َّالث َناء َع َل ْيه‪.‬‬
‫َّ َ‬
‫الصالة َع َلى م َح َّمد َع ْبده َو َرسوله ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬ ‫ث َّم َث َّنى ب‬
‫اجته َّالت ْو َب َة َواْل ْست ْغ َف َار‪.‬‬ ‫ث َّم َق َّد َم َب ْي َن َي َد ْي َح َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ث َّم َد َخ َل َع َلى َّّللا‪َ ،‬و َال َّح َع َل ْيه في ال َم ْس َالة‪َ ،‬و َت َم َّل َقه َو َد َعاه َر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة‪.‬‬
‫َ‬
‫َو َت َو َّس َل ِال ْيه ب َا ْس َمائه َوص َفاته َو َت ْوحيده‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ً َ َّ َ َ ُّ َ‬
‫الد َع َاء ْل َي َكاد ي َر ُّد َا َب ًدا‪َ ،‬وْل س َّي َما ِا ْن َص َاد َف َاْل ْدع َي َة‬ ‫وقدم بين يدي دعائه صدقة‪ ،‬ف ِان هذا‬
‫ْ ْْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫التي َا ْخ َب َر َّالنب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن َها َم َظ َّنة ِاْل َج َابة‪ ،‬ا ْو ا َّن َها م َت َضم َنة لالسم اْلعظم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫______‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم الحمدهلل رب العالمين والصالة والسالم على رسوله واله وصحبه‬
‫اجمعين ‪,‬اما بعد‪,‬‬
‫فهذا فصل عظيم النفع ‪,‬كبير الفائدة‪ ,‬عقده ا إْلمام بن القيم رحمه هللا تعالى لبيان شروط الدعاء‬
‫وا إْلجابة ‪,‬وان الدعاء إانما يكون نافعا مثمرا إاذا اجاب الداعي بشروطه وضوابطه الذي دل عليها‬
‫ْ‬
‫ك تاب هللا‪ ,‬وعلى سنة نبيه صلوات هللا وسالمه وبركاته عليه ‪ ,‬قد قال هللا تعالى ‪ْ { :‬ادعوا َرَّبك ْم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َت َض ُّر ًعا َوخ ْف َي ًة ِا َّنه َْل يح ُّب الم ْع َتد َين َو َْل ت ْفسدوا في َاْل ْرض َب ْع َد ِا ْص َالح َها َو ْادعوه َخ ْو ًفا َو َط َم ًعا ِا َّن‬
‫ين } [ اْلعراف ‪] 56 -55 :‬‬ ‫َر ْح َم َت ّللا َقريب م َن ْالم ْحسن َ‬

‫وهذه من اْليات الجوامع ْلداب الدعاء مع ضوابطه وفيها ان‪ -:‬الدعاء إانما يكون نافع لصاحبه‬
‫إاذا جاء بضوابطه التي دل عليها ك تاب هللا وسنة نبيه صلوات هللا وسالمه وبركاته عليه ‪.‬الحاصل‬
‫ان الداعي إاذا اعتنى في دعاءه بالضوابط الشرعية واْلداب المرعية التي دل عليها ك تاب هللا‬
‫وسنة نبيه ﷺ كان ذلك ابلغ واعظم واقوى لتحقق اثر الدعاء وثمرته المرجوة‪,‬وا إْلمام بن‬
‫القيم‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ذكر هنا خالصة مختصرة وعصارة مفيدة جمع فيها اهم شروط الدعاء‬
‫وادابه ‪,‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫الد َعاء حضو َر ال َقلب َو َج ْمع َّي َته بكل َّيته َع َلى ال َمطلوب"‬ ‫قال رحمه هللا تعالى" َوا َذا َج َم َع َم َع ُّ‬
‫ِ‬
‫حضور القلب اي‪ :‬ان يكون وهو يدعو هللا عز وجل يدعوه بقلب حاضر ليس بقلب ْله ‪,‬احيانا‬
‫يدعوا المرء ربه ويرفع يديه ولكن قلبه في واد اخر‪ْ ,‬ل يكون حاضر ولهذا مر معنا في الحديث ان‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ‬
‫ّللا ْل َي ْس َتجيب د َع ًاء م ْن َقلب‬ ‫ّللا َو َا ْنت ْم موقنون ب ِاْلجابة ‪ ،‬واعلموا ان‬ ‫النبي ﷺ قال ‪ْ ( :‬ادعوا َّ َ‬
‫َ‬
‫َغافل ْله ) ‪ .‬فالقلب إاذا كان غافال ْلهيا هذا مانع من موانع ا إْلجابة‪ ,‬إاذن في الدعاء ْلبد من‬
‫حضور القلب ‪ ,‬وْلبد من جمعيته على المطلوب ‪-‬ان يكون القلب متوافرا مجتمعا على المطلوب‪-‬‬
‫المعني المقصود ‪,‬فيكون حاضرا ويكون مجتمعا‪-‬مجتمعا على حاجة المرء مقصوده و مطلوبه‬
‫ْ‬
‫في توجهه إالى ربه سبحانه وتعالى ‪,‬قال ‪َ ، :‬و َص َاد َف َو ْق ًتا م ْن َا ْو َقات ِاْل َج َابة الس َّتة‪،‬‬
‫وهذه نبه عليها ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ليكون في هذا التنبيه معونة على العبد ان يتحرى هذه‬
‫اْلوقات ‪,‬ليس معنى ذلك انه ْل يدعو إاْل في هذه اْلوقات لكن المراد بذلك ان يكون لهذه‬
‫اْلوقات مزيج عناية بالدعاء ْلن ا إْلجابة فيها احرى فيتحرى فيها الدعاء ْلنها اوقات مظنة إاجابة ‪,‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬
‫ْ‬
‫قال ‪َ :‬وه َي‪ُّ :‬الثلث َاْلخير م َن َّالل ْيل‪ ,‬وهذا وقت شريف فاضل عظيم ‪,‬قال نبينا عليه السالم في‬
‫الحديث الصحيح ‪ " ":‬ينزل ربنا عز وجل حين يبقى ثلث الليل اْلخر إالى السماء الدنيا كل ليلة ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬من يسالني فاعطيه ؟ ومن يدعوني فاستجيب له ؟ ومن يستغفرني اغفر له ؟ "‬
‫فافاد ذلك ان هذا الوقت الشريف وقت النزول ا إْل لهي الثلث اْلخير من الليل وقت إاجابة‬
‫للدعاء فيها الرب الغني الحميد جل في عاله يقول‪:‬من يدعوني من يسالني؟من يستغفرني؟‬
‫فوقت إاجابة دعاء من دعى اجيب دعاءه ومن سال اعطي سئله ومن استغفر غفر له ولهذا‬
‫ينبغي على المسلم ان يكون لهذا الوقت حظا من الدعاء والذكر وما ك تب هللا سبحانه وتعالى‬
‫ويسر من قيام الليل ‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ ، :‬وع ْن َد َاْل َذان ‪ :‬وقت ما يؤذن المؤذن السنة ان تقول مثل ما يقول وهذا‬
‫ْ‬
‫فيه ثواب عظيم كما في حديث عمر في الصحيح ‪ِ ( :‬ا َذا َق َال الم َؤذن ‪َّّ :‬للا َا ْك َبر َّّللا َا ْك َبر َف َق َال‬
‫َا َحدك ْم ‪َّّ :‬للا َا ْك َبر َّّللا َا ْك َبر‪ ...‬إالى ان قال في تمامه)‪ (,‬ث َّم َق َال ‪َّّ :‬للا َا ْك َبر َّّللا َا ْك َبر َفق َال ‪َّّ :‬للا َا ْك َبر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّّللا َا ْك َبر ث َّم َق َال ‪ْ :‬ل ِال َه ِاْل َّّللا َق َال ‪ْ :‬ل ِال َه ِاْل َّّللا م ْن َقلبه َد َخ َل ال َج َّن َة )‬
‫فالسنة عند سماع اْلذان ان يقول مثلما يقول المؤذن ‪ ,‬إاْل إاذا وصل إالى حي على الصالة حي‬
‫على الفالح‪..‬فالسنة كما في حديث عمر المشار إاليه ان يقول ْل حول وْل قوة إاْل باهلل ‪.‬‬
‫فقول المصنف رحمه هللا ‪ :‬اْلذان ‪ :‬اي بعد اْلذان مباشرة ‪ ,‬بعد الفراغ من اْلذان ‪ ,‬هذا وقت‬
‫لتحري الدعاء ‪ ,‬واول ما يبدا به من الدعاء الصالة على النبي ﷺ‪,‬وسؤال هللا له الوسيلة" ثم‬
‫صلوا عليا ثم سلوا لي الوسيلة" فاول ما يبدا بعد الفراغ من اْلذان يصلي على النبي ﷺ الصالة‬
‫ا إْلبراهيمية ثم من بعدها يسال هللا الوسيلة لنبينا عليه الصالة والسالم "اللهم ات م َح َّم ًدا‬
‫ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ ً َ ْ ً َّ‬
‫ودا الذي َو َع ْد َته" فيدعوا بهذه الدعوة ثم من بعد ذلك يدعوا‬ ‫الوسيلة والفضيلة والمقاما المحم‬
‫بما تيسر له ْلن هذا من اوقات ا إْلجابة كما ذكر بن القيم رحمه هللا وغيره من اهل العلم وقد جاء‬
‫حديث عند ابي داود وغيره وهو حديث ثابت " عن عبد هللا بن عمرو ‪ :‬ان رجال قال ‪ :‬يا رسول هللا‬
‫إان المؤذنين يفضلوننا » ‪ :‬فاقونا بالفضل‬
‫اْلذان فيه ثواب ‪ ,‬من يقرا اْلحاديث التي وردت في ثواب اْلذان يجد ان المؤذنين حصلوا ثواب‬
‫ْ‬
‫الد َّال َع َلى ال َخ ْير َك َفاعله ) هذا دْللة دعوة للصالة ورد‬
‫عظيم ولو لم يكن في ذلك إاْل حديث ‪َّ ( :‬‬
‫فيه احاديث عظيمة جدا في فضل اْلذان فقال رجل للنبي ﷺ‪ ":‬إان المؤذنين يفضلوننا »‬
‫فقال عليه الصالة والسالم ‪":‬قل كما يقولون ثم سل تعطى " فقوله عليه الصالة والسالم "ثم‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫سل تعطى " هذا يدل على انه بعد اْلذان وقت تحري الدعاء ‪,‬بعد ان تصلي على النبي‬
‫ْ‬
‫ﷺ‪,‬وبعد ان تاتي بالدعاء المختص به عليه الصالة والسالم " اللهم ات م َح َّم ًدا ﷺ ال َوس َيل َة‬
‫ْ‬
‫َوال َفض َيل َة‪..‬الخ "‬
‫"بعد ذلك سل تعطى "كما صح بذلك الحديث ‪ ,‬قال ‪ :‬إفاذا انتهيت ‪:‬يعني من اْلذان >سل‬
‫تعطى " وهذا يدل على ان هذا وقت تحر للدعاء كما قال بن القيم "عند اْلذان "‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال ‪َ :‬و َب ْي َن َاْل َذان َو ِاْل َق َامة‪ ،‬ثم الوقت المتسع الذي بين اْلذان وا إْلقامة ‪:‬ايضا هو وقت إاجابة‬
‫للدعاء وقد صح في الحديث عن نبينا عليه الصالة والسالم انه قال‪ ":‬ان الدعاء بين اْلذان‬
‫وا إْلقامة ْل يرد "‬
‫ْ‬
‫الص َل َوات ال َم ْك ت َوبات ‪ ,‬والمراد هنا بدبر الصالة ‪:‬اي اخر الصالة قبل التسليم – هذا‬
‫قال ‪َ :‬و َا ْد َبار َّ‬
‫هو المراد قبل التسليم لما جاء في حديث بن مسعود في ذكر تعليم النبي ﷺ لهم التشهد‬
‫قال عقب ذلك قال النبي ﷺ عقب ذلك "ثم ليتخير من المسالة ما شاء " إفاذا هذا وقت‬
‫تخير وتحري للدعاء قبل ان يسلم‪ ,‬ولهذا ينبغي على المسلم ان يحرص قبل السالم ان يدعوا بما‬
‫تيسر وك ثير من المصلين يمل إاذا طال التشهد ‪,‬‬
‫اذكر من طرائف القصص‪ :‬احد اْل ئمة كان يصلي ‪-‬ولعل ا إْلمام محدثكم ‪ ,-‬هذا الكالم قديم جاءه‬
‫احد المصلين وقال يا شيخ انا قرات التشهد مرتين‪ ,‬من قال تقرا التشهد مرتين؟ اذا انت التشهد‬
‫فرصتك العظيمه ان تتحرى من الدعاء ما تشاء ‪,‬هذا وقت تحري دعاء وقت فاضل عظيم يتحرى‬
‫فيه المسلم خاصه الدعوات الجوامع العظيمه الماثوره عن النبي الكريم صلوات هللا وسالمه‬
‫وبركاته عليه‪.‬‬
‫قال ‪:‬وعند صعود ا إْلمام يوم الجمعه على المنبر حتى تقضى الصالة‪ ,‬و اخر ساعه بعد العصر من‬
‫ذلك اليوم وذلك لما ورد عن نبينا عليه الصاله والسالم في الحديث الصحيح انه قال‪ ":‬يوم‬
‫الجمعه هو خير يوم طلعت عليه الشمس "قال صلوات هللا وسالمه عليه" وفيه ساعة ْل يصادفها‬
‫عبد مسلم وهو يصلي يدعو هللا سبحانه وتعالى إاْل اعطاه حاجته" وفي تحديد هذه الساعة خالف‬
‫معروف بين اهل العلم واصح ما قيل وهو هذان الوقتان اللذان اشار اليهما ابن القيم رحمه هللا‬
‫تعالى "عند صعود ا إْلمام يوم الجمعه على المنبر حتى تقضى الصاله"‬
‫" اذا ننتبه هنا إالى امر مهم في صاله الجمعه السجود" اقرب ما يكون العبد إالى ربه وهو ساجد"‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫وعند ما قبل السالم ادبار الصلوات‪ :‬مر معنا ان وقت ماذا تحر الدعاء؟‪ -‬يوم الجمعه‪ .‬هذا‬
‫السجود وهذا الدعاء الذي قبل السالم شانه اخر لهذه الفضيله التي جاءت في الحديث فاجتمع‬
‫فيه فضل الحال وفضل الزمان والوقت فضل في صاله وفي وقت يتحرى فيه الدعاء في الصاله‬
‫وايضا زمان فاضل كما جاء في هذا الحديث الذي هو" ساعه من يوم الجمعه تبدا من صعود‬
‫ا إْلمام إالى ان تقضى الصاله" فاْلدعية التي تكون في الصاله صاله الجمعه لها شان عظيم قال‬
‫مصادفه خشوعا في القلب وانكسار بين يدي الرب ً‬
‫وذْل له وهذه المعاني مهمه جدا في الدعاء‬
‫ان يكون القلب مخبت خاشع منيب مقبل على هللا عز وجل متذلل بين يديه قال تضرعا ورقه‬
‫كل هذه المعاني تكون في القلب وهو يدعو هللا عز وجل وتضرع ورقه‬
‫قال‪ :‬واستقبل الداعي القبله‪ -‬وهذا ليس من شروط الدعاء ‪-‬ولكنه من ادبه ولهذا ياتي في‬
‫احاديث عديدة في الدعاء يقول فاستقبل عليه الصاله والسالم القبله ودعا ‪-‬فهذا من اداب‬
‫الدعاء‪ -‬العظيمه وكان على طهاره وهذا ايضا من اْلداب وليس من الشروط وهو عظيم الشان في‬
‫هذا الباب" باب الدعاء وتحري اجابته ورفع يديه إالى هللا" ورفع اليدين هو هيئه ذل وافتقار الى‬
‫هللا سبحانه وتعالى وهو من اسباب اْلجابه ولهذا جاء في حديث سلمان رضي هللا عنه ان النبي‬
‫ﷺ قال‪ ":‬ان هللا حي ي كريم يستحي من عبده اذا رفع اليه يديه ان يردهما صفرا" اي خائبتين‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪ :‬وبدا بحمد هللا والثناء عليه ثم ثنى بالصاله على محمد عبده ورسوله ﷺ‬
‫وهذا يدل عليه قصة الرجل وهي ثابته الذي سمعه النبي ﷺ يدعو في صالته فقال عجله هذا‬
‫فقال النبي ﷺ ‪":‬اذا صلى احدكم فليبدا بتحميد هللا والثناء عليه ثم الصاله على رسوله هللا‬
‫ﷺ ثم يدعو بما شاء"‬
‫َ‬ ‫قال رحمه هللا‪ :‬ث َّم َق َّد َم َب ْي َن َي َد ْي َح َ‬
‫اجته َّالت ْو َب َة َواْل ْست ْغ َف َار‪ :.‬التوبه‪ :‬فالح " توبوا ِالى َّّللا َجم ًيعا‬
‫ون" وبموجب لنيل الخيرات و إاجابه الدعوات وغفران الذنوب‬ ‫ون َل َع َّلك ْم ت ْفلح َ‬ ‫َا ُّي َه ْالم ْؤمن َ‬

‫ثم ادخل على هللا ومعنى الدخول هنا اي دخول بالدعاء وا إْل لحاح وا إْلقبال على هللا سبحانه‬
‫وتعالى في عرض الحاجه والطلب والسؤال ثم دخل على هللا و الح عليه سبحانه وتعالى قال‪:‬‬
‫ْ‬
‫ون في ال َخ ْي َرات َو َي ْدع َون َنا َر َغ ًبا َو َر َه ًبا "اي يجمع في دعائه بين الرغبه والرهبه‬ ‫{ا َّنه ْم َكانوا ي َسارع َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ََٰ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ََٰ‬
‫راغب راهبا وهذا شان المسلم في كل العبادات ‪ ":‬اولئك الذين يدعون يبتغون ِالى ربهم‬
‫ون َع َذ َابه ۚ" ففي كل عباده منها الدعاء يجمع العبد بين‬ ‫ون َر ْح َم َته َو َي َخاف َ‬ ‫ْال َوس َيل َة َا ُّيه ْم َا ْق َرب َو َي ْرج َ‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫الرجاء والخوف والرغبه والرهبه قال وتوسل إاليه باسمائه وصفاته وتوحيده التوسل إاليه باسمائه‬
‫وصفاته هذا يك ثر في ادعيه في القران ادعيه الرسول عليه الصاله والسالم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قد قال هللا سبحانه وتعالى‪َ ":‬و َّلِل َاْل ْس َماء الح ْس َنى َف ْادعوه ب َها " وقال جل وعال‪﴿ ":‬قل ْادعوا‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ّللا َاو ْادعوا َّالر ْح َم َن َا ًيا َّما َت ْدعوا َف َله َاْل ْس َماء الح ْس َنى " فهذه اعظم الوسائل في الدعاء ‪:‬التوسل‬
‫َ‬
‫إالى هللا سبحانه وتعالى باسمائك الحسنى وصفاته العليا ويضمن كل دعوه ما نسبها من اْلسماء‬
‫إان كان غفران للذنوب الغفور الرحيم كان سؤال عن الرزق الرزاق الكريم وهكذا يدعو حاجاته‬
‫وسؤاْلته متوسال إالى هللا باسمائه وصفاته ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين‬
‫توسل بالفتاح و انه خير الفاتحين يدعوا ويتوسل الى هللا في كل حاجه بما يناسبها من اسماء‬
‫هللا سبحانه وتعالى وصفاته‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وتوحيده اي ْل إاله اْل هللا وهذه وسيله عظيمه جدا‪ْ -‬ل إاله اْل هللا وسيله عظيمه ‪-‬ولهذا‬
‫تنظر في ك ثير من اْلدعيه الماثوره عن النبي ﷺ تجد فيها هذه الكلمه كلمه التوحيد‪ ,‬اللهم اني‬
‫اسالك بانك انت هللا ْل اله اْل انت اْلحد الصمد ‪ ,..‬تجد ادعيه ك ثيره ماثورة عن النبي عليه‬
‫الصاله والسالم فيها التوسل إالى هللا جل وعال بالتوحيد‪,‬ومن ذلك دعاء سيد اْلستغفار وادعية‬
‫ك ثيرة ماثورة عنه صلوات هللا وسالمه وبركاته عليه ‪ ،‬وقدم بين يدي دعائه صدقة ْل اعلم ً‬
‫حديثا‬
‫خاصا في هذا لكن هناك عمومات تدل على هذا مثل حديث ان" الصدقة تطفيء غضب الرب"‪،‬‬ ‫ً‬
‫يضا ما جاء في حديث الولي الحديث المشهور قال عليه الصاله والسالم قال هللا تعالى‪ ":‬من‬ ‫وا ً‬
‫وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب إالي عبدي بشيء احب إالي مما افترضته عليه وْل يزال‬ ‫عاد لي ً‬
‫عبدي يتقرب إالي بالنوافل "‪ ،‬والصدقة منها إاما واجبة‪ :‬فتدخل في اْلول ما تقرب إالي عبدي‬
‫بشيء احب إالي مما افترضته عليه او مستحبة‪ :‬فتدخل في الثاني‪ ",‬وْل يزال عبدي يتقرب إالي‬
‫بالنوافل حتى احبه"‪ ،‬الثمرة ما هي ؟ ثمار من ضمنها إاجابة الدعاء قال‪ ":‬حتى احبه إفاذا احببته‬
‫كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها‬
‫"اي يسدده في قواه وحواسه ولئن سالني ْلعطينه ولئن إاستعاذ بي ْلعيذنه فالتقرب إالى هللا‬
‫بالنوافل‪ ,‬ومنها الصدقة من اسباب إاجابة الدعاء ‪ ،‬ليس المعنى المراد هنا ان المرء عندما يريد‬
‫ان يدعو قبل الدعاء يخرج صدقة وكل مرة يريد ان يدعو يخرج صدقة و إانما المعنى ان يكون‬
‫صاحب صدقة بذل فهذه الصدقة وهذا ا إْلحسان وهذا البذل من اسباب إاجابة الدعاء قال إفان‬
‫هذا الدعاء يعني الذي جمع هذه اْلوصاف وهذه الضوابط العظيمة إفان هذا الدعاء ْل يكاد يرد‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫ا ً‬
‫بدا وْل سيما إان صادف اْلدعية التي اخبر النبي ﷺ انها مظنة اْلجابة او انها متضمنة لالسم‬
‫اْلعظم وذكر رحمه هللا تعالى على ذلك امثلة عديدة ‪.‬نعم‪.‬‬

‫الس َنن ( َوفي) َصحيح ْابن ح َّب َان م ْن َحديث َع ْبد َّّللا ْبن‬ ‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬فم ْن َها َما في ُّ‬
‫ً‬
‫ب َرْي َد َة َع ْن َابيه َا َّن َرس َول َّّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ « -‬سم َع َرجال َيقول‪َّ :‬الله َّم ِاني َا ْس َال َك ب َاني َا ْش َهد َا َّن َك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َّ َّ َ‬
‫الص َمد الذي ل ْم َيل ْد َول ْم يول ْد َول ْم َيك ْن له ك ف ًوا َا َحد‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ل َق ْد‬ ‫انت ّللا ْل ِاله ِاْل انت‪ ،‬اْلحد‬
‫اسمه‬ ‫اب َوفي َل ْفظ‪َ :‬ل َق ْد َس َا ْل َت َّ َ‬
‫ّللا ب ْ‬ ‫ّللا باْل ْسم َّالذي ا َذا سئ َل به َا ْع َطى‪َ ،‬وا َذا دع َي به َا َج َ‬
‫َس َا َل َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َاْل ْع َظم‪».‬‬

‫هذا حديث عظيم وفيه هذه التوسالت العظيمة إالى هللا تعالى" بالتوحيد" كما تقدم وباسماء هللا‬
‫الحسنى وصفاته العظيمة وهذا من اعظم التوسل إالى هللا اعظم ما تتوسل به إالى هللا توحيده ْل‬
‫اله اْل هللا واسمائه وصفاته جال وعال ‪ .‬وهذا الحديث مشتمل على ذلك سمع ً‬
‫رجال يقول اللهم‬ ‫إ إ‬
‫إاني اسالك باني اشهد انك انت هللا ْل إاله إاْل انت هذه وسيلة عظيمة وهي التوسل إالى هللا‬
‫ً‬
‫وصدقا فهذا التوحيد من اسباب‬ ‫موحدا من اهل ْل اله اْل هللا ً‬
‫حقا‬ ‫ً‬ ‫بالتوحيد ‪ ،‬إفاذا كان العبد‬
‫إ إ‬
‫إاجابة دعائيه بل هو اعظم اسباب إاجابة الدعاء اْلحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫فوا احد هذا توسل إالى هللا باْلسماء والصفات وبما تضمنته السورة العظيمة المباركة سورة‬ ‫ك ً‬
‫ا إْلخالص‪ ،‬وفي الحديث المعروف قصة الرجل الذي كان يقرا بها ويختم بها كل صالة فلما سئل‬
‫عن ذلك قال‪ْ :‬لن فيها صفة الرحمن وانا احب الرحمن فهي سورة اخلصت لذكر صفة الرحمن‬
‫سبحانه وتعالى ‪,‬فتضمن هذا الدعاء التوسل الى هللا باْلسماء وصفات التي تضمنتها هذه السورة‬
‫العظيمة "سورة ا إْلخالص"‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪":‬لقد سال هللا باْلسم الذي إاذا سئل به اعطى و إاذا‬
‫دعي به اجاب" وفي رواية‪ ":‬لقد سالت هللا باْلسم اْلعظم الذي إاذا سئل به اعطى و إاذا دعي به‬
‫اجاب" الحاصل ان هذا الحديث هو حديث ثابت فيه هذا التوسل العظيم هلل باسمائه سبحانه‬
‫وتعالى وصفاته وان هذه الدعوة من الدعوات التي ينبغي ان يتحراها المسلم وان يعتني بها بهذه‬
‫اْللفاظ الثابتة الماثورة في هذا الحديث العظيم ‪,‬نعم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫الس َنن َو َصحيح ْابن ح َّب َان َا ْي ًضا م ْن َحديث َا َنس ْبن َمالك « َا َّنه‬ ‫قال رحمه هللا تعالى ‪ :‬في ُّ‬
‫َ‬
‫َك َان َم َع َرسول َّّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬جال ًسا َو َرجل ي َصلي‪ ،‬ث َّم َد َعا َف َق َال‪َّ :‬الله َّم ِاني َا ْس َال َك ب َا َّن ل َك‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْال َح ْم َد‪َْ ،‬ل ا َل َه ا َّْل َا ْن َت ْال َم َّنان َبديع َّ‬
‫الس َم َاوات َو َاْل ْرض‪َ ،‬يا َذا ال َجالل َو ِاْل ْك َرام‪َ ،‬يا َح ُّي َيا َق ُّيوم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اسمه ال َعظيم الذي اذا دع َي به ا َج َ‬‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال َّالنب ُّي ‪ -‬ﷺ‪ :‬لقد د َعا َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اب‪َ ،‬و ِاذا سئل به‬ ‫ِ‬
‫ّللا ب ْ‬
‫َا ْع َطى‪».‬‬
‫ْ‬
‫َا ْخ َر َج ال َحد َيث ْين َا ْح َمد في َم ْس َنده‪..‬‬

‫ايضا حديث ثابت وفيه هذه التوسالت العظيمة إالى هللا جل وعال باسمائه‬ ‫وهذا الحديث ً‬
‫الحسنى وصفاته العليا وقد قال نبينا ﷺ في تمامه لقد دعا هللا إباسمه العظيم الذي إاذا دعي‬
‫به اجاب و إاذا سئل به اعطى فهو كالذي قبله يعني دعاء عظيم فيه توسالت عظيمة هلل جال وعال‬
‫في توحيده واسمائه وصفاته وهذا اعظم ما يتوسل به الى هللا جل وعال في الدعاء نعم‪.‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬وفي َجامع الت ْرمذي‪ ،‬م ْن َحديث َا ْس َم َاء ب ْنت َيز َيد َا َّن َّالنب َّي ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َق َال‪ْ « :‬اسم َّّللا َاْل ْع َظم في َه َات ْين اْل َي َت ْين { َو ِالهك ْم ِاله َواحد ْل ِال َه ِاْل ه َو َّالر ْح َمن َّالرحيم}‬
‫ْ‬
‫[سو َرة ال َب َق َرة‪. ]163 :‬‬
‫ْ ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫َو َفات َحة ال ع ْم َر َان {الم ‪َّّ -‬للا ْل ِال َه ِاْل ه َو ال َح ُّي ال َق ُّيوم} ‪َ »،‬ق َال الت ْرمذ ُّي‪َ :‬ه َذا َحديث َح َسن‬
‫َصحيح‪.‬‬
‫َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نعم ‪ -‬قال إاسم هللا اْلعظم في هاتين اْليتين‪َ ":‬و ِال َٰهك ْم ِال َٰه َواحد ۖ ْل ِال َٰ َه ِاْل ه َو َّالر ْح َم َٰن َّالرحيم‬
‫ْ ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫﴿‪﴾١٦٣‬وفاتحة ال عمران الم ﴿‪َّ ﴾١‬الل ه ْل ِال َٰ َه ِاْل ه َو ال َح ُّي ال َق ُّيوم ﴿‪﴾٢‬بعض اهل العلم جزم‬
‫ان اسم هللا اْلعظم هو هللا وهذا اْلسم إاليه ترجع جميع اْلسماء الحسنى ولهذا تجد في القران‬
‫الش َه َادة ۖ ه َو َّالر ْح َم َٰن َّالرحيم‬ ‫اْلسماء تضاف اليه" ه َو َّالل ه َّالذي َْل ا َل َٰ َه ا َّْل ه َو ۖ َعالم ْال َغ ْيب َو َّ‬
‫َّ َ ْ ْ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َّ ْ‬ ‫َّ َّ َ َ َّ ْ ِ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫﴿‪ ﴾٢٢‬ه َو الل ه الذي ْل ِال َٰ َه ِاْل ه َو ال َملك القدوس السالم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ۚ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون ﴿‪ ﴾٢٣‬ه َو َّالل ه ال َخالق ال َبارئ الم َصور ۖ له َاْل ْس َماء الح ْس َن َٰى ۚ ي َسبح له‬ ‫س ْب َح َان َّالل ه َع َّما ي ْشرك َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الس َم َاوات َو َاْل ْرض ۖ َوه َو ال َعزيز ال َحكيم ﴿‪ ﴾٢٤‬فمن اهل العلم من جزم ان اْلسم اْلعظم‬ ‫َما في َّ‬
‫هو هللا وهذا ذكره ابن القيم في زاد المعاد رحمه هللا‪ :‬ان اسم هللا اْلعظم الحي القيوم وهذان‬
‫القوْلن في تعين اْلسم اْلعظم هو اقوى ما قيل في هذا الباب اقوى ما قيل إاما انه اسمه تبارك‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫وتعالى هللا او انه اسمه اْلسمين الحي القيوم وهذه اْلسماء جاءت في اْلحاديث التي ذكر النبي‬
‫ﷺ انها فيها اسم هللا اْلعظم الذي من دعي به اجاب ومن سال به اعطى ‪,‬‬
‫وْلهل العلم في التعيين اقوال ك ثيرة يعني ربما اوصلها بعضهم الى العشرين او اك ثر ً‬
‫قوْل لكنها‬
‫ك ثير منها واه ً‬
‫جدا وضعيف لكن اقوى ما قيل اسم هللا او الحي القيوم او اْلعظم ْل يختص باسم‬
‫معين و إانما اسماء هللا جل وعال الحسنى العظيمة او كما قال بعض اهل العلم يكون في اْلسماء‬
‫الجوامع التي ْل تدل على معنى مفرد و إانما تدل على معاني ك ثيرة و معاني عديدة‪ ،‬لكن بغض‬
‫النظر عن ذلك كله من دعا بهذه اْلدعية ‪,‬بغض النظر عن الخالف والتعيين ْلسمه اْلعظم من‬
‫دعا بهذه اْلدعية التي قال النبي ﷺ في خاتمتها‪ ":‬لقد سال هللا باسمه اْلعظم" ماذا يكون؟‬
‫يكون دعا باسم هللا اْلعظم ً‬
‫قطعا دعا باسم هللا اْلعظم إاذا جاء بهذا الدعاء وهذه التوسالت‬
‫باللفظ الذي جاء في هذا الحديث هو ً‬
‫قطعا دعا إباسم هللا اْلعظم‪ ،‬ولهذا ينبغي على المسلم ان‬
‫يعنى بهذه اْلدعية ً‬
‫حفظا لها ودعاء هلل سبحانه وتعالى بها‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬وفي م ْس َند َا ْح َم َد َو َصحيح ال َحاكم م ْن َحديث َابي ه َرْي َر َة َو َا َنس ْبن‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َمالك َو َرب َيع َة ْبن َعامر َعن َّالنبي ﷺ ‪َ -‬ا َّنه َق َال‪َ « :‬ال ُّظوا َب َيا َذا ال َجالل َو ِاْل ْك َرام» ‪َ -‬ي ْعني‪:‬‬
‫ْ‬
‫َت َع َّلقوا ب َها َوال َزموا َو َداوموا َع َل ْي َها‪..‬‬

‫ايضا ثابت انه ﷺ قال الظوا ب يا ذا‬ ‫ثم اورد رحمه هللا هذا الحديث عن نبينا ﷺ وهو حديث ً‬
‫الجالل واْلكرام‪ ،‬وبين ابن القيم رحمه هللا تعالى ان المعنى اي تعلقوا بها و إالزمواها وداوموا‬
‫عليها الضمير يعود على الدعوة يعني اعتنوا بهذه الدعوة واظبوا عليها ْلزموها حافظوا عليها ْلنها‬
‫دعوة عظيمة فالظوا هذه الكلمات تفيد عناية بهذا الدعاء واهتمام به يا ذا الجالل واْلكرام وليس‬
‫المراد ان يقول الداعي يا ذا الجالل واْلكرام ويسكت و إانما يجعل هذه وسيله بين حاجته‬
‫ودعوته وسؤاله ومطلوبه نعم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫قال رحمه هللا تعالى‪َ :‬وفي َجامع الت ْرمذي م ْن َحديث َابي ه َرْي َر َة ‪َ -‬رض َي َّّللا َع ْنه ‪َ « -‬ا َّن َّالنب َّي ‪-‬‬
‫الد َعاء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬يا َح ُّي َيا‬ ‫ﷺ ‪َ -‬ك َان ا َذا َا َه َّمه ْ َاْل ْمر َر َف َع َرْا َسه ا َلى َّ‬
‫الس َماء‪َ ،‬وا َذا ْاج َت َه َد في ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ُّيوم» ‪.‬‬

‫هذا الدعاء فيه رجل متروك فهو غير ثابت عن نبينا صلوات هللا وسالمه عليه‪ ،‬اما يا حي يا قيوم‬
‫فهذه شانها عظيم في الدعاء كما مر معنا في الدعاء إباسم هللا اْلعظم الحديث اْلول فيه يا حي يا‬
‫قيوم او الحديث الثاني فيه يا حي يا قيوم فقال النبي ﷺ لقد دعا هللا باسمه اْلعظم نعم‪.‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى َوفيه َا ْي ًضا م ْن َحديث َا َنس ْبن َمالك‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ك َان َّالنب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬ا َذا‬
‫َح َزَبه َا ْمر َق َال‪َ :‬يا َح ُّي َيا َق ُّيوم ب َر ْح َمت َك َا ْس َتغيث‬

‫قال‪ :‬وفيه من حديث انس ابن مالك قال كان النبي ﷺ اذا حزبه او كربه امر يعني كرب او‬
‫شدة‪ -‬قال‪ :‬يا حي يا قيوم برحمتك استغيث" ففيه التوسل الى هللا سبحانه وتعالى بهذين‬
‫اْلسمين العظيمين الحي القيوم واليهما ترجع جميع اْلسماء والصفات‬
‫ْلن صفات هللا‪ _:‬إاما ذاتية فهي ترجع إالى اسمه الحي‬
‫او فعليه فهي ترجع الى اسمه القيوم‬
‫إفالى هذين اْلسمين ترجع جميع اْلسماء الحسنى فهما من اْلسماء الجوامع للصفات الك ثيرة‬
‫والعظيمة والنعوت الجليلة هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فكان اذا حزبه او كربه امر قال‪ ":‬يا حي يا قيوم‬
‫ً‬
‫وطالبا الغوث والنجاة من الشدة فهي دعوة‬ ‫برحمتك استغيث" اي اتوسل اليك واستغيث ً‬
‫سائال‬
‫عظيمة وْل سيما في الشدائد والكربات نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬وفي َصحيح ال َحاكم م ْن َحديث َابي ُا َم َام َة َعن َّالنبي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫« ْاسم َّّللا َاْل ْع َظم في َثالث س َور م َن الق ْران‪ :‬ال َب َق َرة‪َ ،‬وال ع ْم َر َان‪َ ،‬و َط َه‪َ ،‬ق َال ال َقاسم‪:‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َفال َت َم ْست َها َف ِا َذا ه َي ا َية {ال َح ُّي ال َق ُّيوم) } » ‪.‬‬

‫نعم وهذا الحديث فيه ان ‪":‬اسم هللا اْلعظم ‪-‬يقول عليه الصاله والسالم‪ ":‬اسم هللا اْلعظم في‬
‫َ ََٰ َّ‬
‫ثالث سور من القران اية الكرسي من سورة البقرة واول ال عمران‪ "..‬الم (‪َّّ )1‬للا ْل ِال َه ِاْل ه َو‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ال َح ُّي ال َق ُّيوم"‪ ",‬وسورة طه" قول هللا تعالى" َو َع َنت الوجوه لل َحي ال َق ُّيوم " وهذا الحديث مع‬
‫بعض اْلحاديث منه جزم بعض اهل العلم ان الحي القيوم هو اسم هللا اْلعظم‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬و في َجامع الت ْرمذي َو َصحيح ال َحاكم م ْن َحديث َس ْعد ْبن َابي َو َّقاص‬
‫َ َ َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َعن َّالنبي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬د ْع َوة ذي ُّالنون‪ِ ،‬اذ َد َعا َوه َو في َبطن الحوت " {ْل ِال َه ِاْل َا ْن َت‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫س ْب َح َان َك اني ك ْنت م َن َّ‬
‫ين} [سو َرة َاْل ْنب َياء‪ِ ]87 :‬ا َّنه ل ْم َي ْدع ب َها م ْسلم في َش ْيء َق ُّط ِاْل‬ ‫الظالم َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْاس َت َج َ‬
‫اب ّللا له‪ ».‬قال الت ْرمذ ُّي‪ :‬حديث َصحيح‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬وفي م ْس َت ْد َرك ال َحاكم َا ْي ًضا م ْن َحديث َس ْعد َعن َّالنبي ‪ -‬ﷺ ‪َ « -‬اْل‬
‫ُا ْخبرك ْم ب َش ْيء ِا َذا َن َز َل ب َرجل م ْنك ْم َا ْمر مه ٌّم‪َ ،‬ف َد َعا به ي َفرج َّّللا َع ْنه؟ د َعاء ذي ُّالنون» ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫َوفي َصحيحه َا ْي ًضا َع ْنه َا َّنه َسم َع َّالنب َّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وه َو َيقول‪َ « :‬ه ْل َادلك ْم َع َلى ْاسم َّّللا‬
‫َ‬
‫اص ًة؟ َف َق َال َاْل َت ْس َمع‬ ‫ْ َاْل ْع َظم؟ د َعاء يون َس‪َ ،‬ف َق َال َرجل‪َ :‬يا َرس َول َّّللا‪َ ،‬ه ْل َك َان ليون َس َخ َّ‬
‫ْ‬ ‫اس َت َج ْب َنا َله َو َن َّج ْي َناه م َن ْال َغم َو َك َذل َك ن ْنجي ْالم ْؤمن َ‬ ‫َق ْو َله‪َ { :‬ف ْ‬
‫ين} [سو َرة َاْل ْنب َياء‪َ ]88 :‬ف َا ُّي َما‬
‫ات في َم َرضه َذل َك ُا ْعط َي َا ْج َر َشهيد‪َ ،‬و ِا ْن َبر َئ َبر َئ‬ ‫ين َم َّر ًة َف َم َ‬‫م ْسلم َد َعا ب َها في َم َرضه َا ْرَبع َ‬
‫َ‬
‫َم ْغفو ًرا له» ‪.‬‬

‫اورد رحمه هللا هذه اْلحاديث الثالثه واصحها اْلول وهو ثابت عن نبينا عليه الصاله والسالم‪,‬‬
‫ْ‬
‫حديث سعد بن ابي وقاص رضي هللا عنه عن النبي ﷺ قال‪َ «، :‬د ْع َوة ذي ُّالنون‪ِ ،‬اذ َد َعا َوه َو‬
‫ين} هذه الدعوة تضمنت ثالث او‬ ‫في َب ْطن ْالحوت " { َْل ا َل َه ا َّْل َا ْن َت س ْب َح َان َك اني ك ْنت م َن َّ‬
‫الظالم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اربع وسائل عظيمة هلل سبحانه وتعالى يتوسل الى هللا بها ‪-:‬‬
‫الوسيلة اْلولى‪ :‬التوحيد (وهو اعظم الوسائل توسل إالى هللا سبحانه وتعالى بالتوحيد ْل إاله إاْل‬
‫انت ‪،‬‬
‫والوسيلة الثانية‪ :‬التنزيه هلل جل وعال عن كل ما ْل يليق بجالله وكماله وعظمته‪،‬‬
‫والوسيلة الثالثة ‪:‬اْلعتراف بالتقصير ملتجا الى هللا بافتقاره واعترافه بتقصيره‬
‫فهذه هي وسائل عظيمة هي من اسباب قبول الدعاء ولهذا تامل قول النبي ﷺ ‪ ":‬إانه لم يدعو‬
‫بها مسلم في شيء قط اْل استجاب هللا له" فهي وسائل عظيمة يتوسل الى هللا بها سبحانه‬
‫وتعالى وهي من اسباب قبول الدعاء وعدم رده ‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫يح ْين م ْن َحديث ْابن َع َّباس « َا َّن َرس َول َّّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ك َان‬ ‫الصح َ‬ ‫قال رحمه هللا تعالى َوفي َّ‬
‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬
‫َيقول ع ْن َد ال َك ْرب‪ْ :‬ل ِال َه ِاْل َّّللا ال َعظيم ال َحليم‪ْ ،‬ل ِال َه ِاْل َّّللا َر ُّب ال َع ْرش ال َعظيم‪ْ ،‬ل ِال َه ِاْل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الس ْبع‪َ ،‬و َر ُّب َاْل ْرض‪َ ،‬و َر ُّب ال َع ْرش ال َكريم‪.‬‬
‫الس َم َاوات َّ‬ ‫َّّللا َر ُّب َّ‬
‫ْ‬
‫» َوفي م ْس َند ِاْل َمام َا ْح َم َد م ْن َحديث َعلي ْبن َابي َطالب ‪َ -‬رض َي َّّللا َع ْنه ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ع َّل َمني‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫َرسول َّّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬ا َذا َن َز َل بي َك ْرب َا ْن َاق َول‪ْ :‬ل ِال َه ِاْل َّّللا ال َحليم ال َكريم‪ ،‬س ْب َح َان َّّللا‬
‫ين» ‪.‬‬ ‫َو َت َب َار َك َّّللا َر ُّب ْال َع ْرش ْال َعظيم‪َ ،‬و ْال َح ْمد َّلِل َرب ْال َع َالم َ‬

‫نعم هذا الذي ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس هو ذكر عظيم جليل الشان يستحب‬
‫ان يقوله المسلم في الكروبات والشدائد وهو فرج في الشدائد والكروبات فقد كان نبينا عليه‬
‫الصاله والسالم يقول عند الكرب يعني عند الشدة ْل اله اْل هللا العظيم الحليم‪ْ ،‬ل اله اْل هللا رب‬
‫العرش العظيم‪ْ ،‬ل اله اْل هللا رب السماوات ورب اْلرض رب العرش الكريم ‪ ،‬وهذا كله توسل الى‬
‫هللا جال وعال وتعظيم له وتوحيد وتوسل له جل وعال باسمائه وصفاته فهو من اعظم تفريج‬
‫الكروبات والشدائد والضائقات التي تصيب العبد نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى » َوفي م ْس َند ِاْل َمام َا ْح َم َد م ْن َحديث َعلي ْبن َابي َطالب ‪َ -‬رض َي َّّللا‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫َع ْنه ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ع َّل َمني َرسول َّّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬ا َذا َن َز َل بي َك ْرب َا ْن َاق َول‪ْ :‬ل ِال َه ِاْل َّّللا ال َحليم‬
‫ين» ‪..‬‬ ‫ْال َكريم‪ ،‬س ْب َح َان َّّللا َو َت َب َار َك َّّللا َر ُّب ْال َع ْرش ْال َعظيم‪َ ،‬و ْال َح ْمد َّلِل َرب ْال َع َالم َ‬

‫نعم هذا في اسناده مقال ويغني عنه الحديث الذي قبله حديث ابن عباس وهو في الصحيحين‬
‫نعم‪.‬‬

‫قال رحمه هللا تعالى َوفي َم ْس َنده َا ْي ًضا م ْن َحديث َع ْبد َّّللا ْبن َم ْسعود َق َال‪َ :‬ق َال َرسول‬
‫َ‬
‫اب َا َح ًدا َق ُّط َه ٌّم َوْل ح ْزن‪َ ،‬ف َق َال‪َّ :‬الله َّم ِاني َع ْبد َك ْابن َع ْبد َك ْابن َا َمت َك‪،‬‬ ‫َّّللا ‪ -‬ﷺ‪َ « :‬ما َا َص َ‬
‫َ‬
‫َناص َيتي ب َيد َك‪َ ،‬ماض ف َّي ح ْكم َك‪َ ،‬ع ْدل ف َّي َق َضاؤ َك‪َ ،‬ا ْس َال َك َّالله َّم بكل ْاسم ه َو ل َك‪َ ،‬س َّم ْي َت‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫به َن ْف َس َك‪َ ،‬ا ْو َع َّل ْم َته َا َح ًدا م ْن َخلق َك‪َ ،‬ا ْو َا ْن َزل َته في ك َتاب َك‪َ ،‬او ْاس َت ْا َث ْر َت به في علم ال َغ ْيب‬
‫َّ‬
‫اب َهمي؛ ِاْل‬ ‫ع ْن َد َك َا ْن َت ْج َع َل ْالق ْرا َن ْال َعظ َيم َرب َيع َق ْلبي‪َ ،‬ونو َر َص ْدري‪َ ،‬وج َال َء ح ْزني‪َ ،‬و َذ َه َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َاذ َه َب َّّللا َه َّمه َوح ْزَنه‪َ ،‬و َا ْب َدله َم َك َانه َف َر ًحا‪َ ،‬فق َيل‪َ :‬يا َرس َول َّّللا‪َ ،‬اْل َن َت َع َّلم َها؟ َق َال‪َ :‬ب َلى َي ْن َبغي‬
‫ل َم ْن َسم َع َها َا ْن َي َت َع َّل َم َها»‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫هذه دعوه عظيمه تقال عند الهم والغم واْلمور المؤلمة المحزنة حثنا نبينا عليه الصاله والسالم‬
‫على ان نتعلمها ولهذا في خاتمة الحديث لما قيل ‪:‬اْل نتعلمها قال بل ينبغي لمن سمعها ان‬
‫يتعلمها ‪.‬من الذي قال هذا؟‪ -‬رسولنا عليه الصاله والسالم ‪":‬ينبغي على من سمعها ان يتعلمها"‬
‫فهذه دعوات ينبغي على كل من سمعها ان يتعلمها ‪:‬يعني يحفظ الفاظها ‪,‬ويتعلمها‪ :‬اي يفهم‬
‫معانيها ومدلوْلتها ويجعلها في دعوته فيما يصيبه من هم وكرب وشدة ‪ ,‬إفان فيها كما اخبر نبينا‬
‫عليه الصاله والسالم إاذهاب للهم والحزن و إابدال له بالفرح والسرور‪،‬‬
‫وانتظمت هذه الدعوة امور اربعة فيها الفرج من الهموم والغموم‪-:‬‬
‫اْلول‪ :‬التوحيد ‪:‬توحيد هللا واخالص الدين له واعالن العبودية له والذل بين يديه في قوله‪:‬‬
‫عبدك ابن عبدك ابن امتك‪،:‬‬
‫واْلمر الثاني‪ :‬اْليمان بالقضاء والقدر ‪.‬وان اْلمور كلها بقضاء هللا‪ .‬واْليمان بالقضاء والقدر‬
‫ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫سلوان للمصاب" َما َا َص َ‬
‫اب من ُّمص َيبة ِاْل ب ِاذن َّّللا ۗ َو َمن ي ْؤمن ب َّالِل َي ْهد َقل َبه ۚ َو َّّللا بكل َش ْيء‬
‫َعليم ‪ ،‬قال‪ ":‬ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك" ‪،‬‬
‫واْلمر الثالث‪ :‬معرفة اسماء هللا الحسنى وصفاته العظيمة والتوسل إالى هللا بها‪ ,‬قال ‪":‬اسالك‬
‫بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في ك تابك او علمته احدا من خلقك او استاثرت به‬
‫في علم الغيب عندك "‪.‬‬
‫اْلمر الرابع‪ :‬العناية بالقران ْلنه قال‪ ":‬ان تجعل القران العظيم ربيع قلبي"‪ ،‬وهنا انبه عندما‬
‫يدعو الداعي بهذه الدعوة "ان تجعل القران ربيع قلبي" ماذا ينبغي عليه بعد هذا ؟ ايستقيم ان‬
‫يدعو بهذا الدعاء ثم يهجر القران ؟‬
‫ولهذا هناك اخطاء في اْلدعية يترتب عليها عدم وجود اثر الدعاء ‪-:‬‬
‫ومن ذلك ما نبه عليه اهل العلم انك اذا دعوت بدعوة في امر ما إابذل السبب‪ ,‬فانت إاذا‬
‫قلت" ان تجعل القران ربيع قلبي" افتح المصحف واقرا وتدبر وتامل في كالم هللا واجعل‬
‫بيعا لقلب المرء وهو في‬ ‫بيعا لقلبك ‪,‬لن يكون القران ر ً‬ ‫حظا من وقتك حتى يكون ر ً‬ ‫للقران ً‬
‫بيعا للقلب عندما يفتح المرء‬ ‫الرف او يوضع في بعض البيوت للزينة او نحو ذلك‪ ,‬لن يكون ر ً‬
‫ْ َ‬
‫وينظر في اْليات ويقرا ويتدبر ويفهم يكون حين إا ًذا ربيع لقلبه‪" ،‬ك َتاب َا َنزل َناه ِال ْي َك م َب َارك‬
‫ْ ْ‬
‫ل َي َّد َّبروا ا َياته َول َي َت َذ َّك َر ُاولو َاْل ل َباب "‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫فهذه امور اربعة اجتمعت في الحديث( التوحيد‪ ،‬اْليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬والتوسل الى هللا‬
‫باسمائه وصفاته‪ ،‬والعناية بالقران) هذه اْلمور اْلربعة التي اجتمعت في هذا الدعاء هي‬
‫سبب الفرج وزوال الهم والغم والكروبات‪ -‬نعم‪.‬‬
‫قال رحمه هللا تعالى « َو َق َال ْابن َم ْسعود‪َ :‬ما َك َر َب َنب ٌّي م َن ْ َاْل ْنب َياء‪ ،‬ا َّْل ْاس َت َغ َ‬
‫اث ب َّ‬
‫الت ْسبيح‪».‬‬ ‫ِ‬
‫هذا اْلثر رواه ابن سمعون في اماليه واسناده ضعيف وهو موقوف على ابن مسعود رضي هللا عنه‬
‫قال ‪":‬ما كرب نبي من اْلنبياء اْل استغاث بالتسبيح" وقد مر معنا في دعاء ذي النون في الكرب"‬
‫ْل إاله اْل انت سبحانك إاني كنت من الظالمين" فهذا فيه ان التسبيح يؤتى به في الكرب والشدة‬
‫كما تقدم معنا في دعوة ذا النون اما هذا اْلثر إفاسناده الى ابن مسعود ضعيف نعم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ين‪َ ،‬وفي ُّ‬ ‫الد ْن َيا في ك َتاب ْالم َجاب َ‬ ‫قال رحمه هللا تعالى « َو َذ َك َر ْابن َابي ُّ‬
‫الد َعاء َعن ال َح َسن‪،‬‬
‫ْ‬
‫َق َال‪َ :‬ك َان َرجل م ْن َا ْص َحاب َّالنبي ﷺ ‪ -‬م َن َاْل ْن َصار ي َك َّنى َا َبا م َع َّلق َو َك َان َتاج ًرا َي َّتجر ب َمال‬
‫َ‬
‫ص م َق َّنع في السالح‪،‬‬ ‫َله َول َغ ْيره‪َ ،‬ي ْضرب به في ْاْل َفاق‪َ ،‬و َك َان َناس ًكا َور ًعا‪َ ،‬ف َخ َر َج َم َّر ًة َف َلق َيه ل ٌّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال له‪َ :‬ض ْع َما َم َع َك َف ِاني َقاتل َك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َما تريده م ْن َدمي؟ َش ْان َك بال َمال‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ا َّما ال َمال‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َفلي‪َ ،‬ول ْست ُاريد ِاْل َد َم َك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ا َّما ِا َذا َا َب ْي َت َف َذ ْرني ُا َصلي َا ْرَب َع َر َك َعات‪َ ،‬ق َال َصل َما َب َدا ل َك‪،‬‬
‫َف َت َو َّض َا ث َّم َص َّلى َا ْرَب َع َر َك َعات‪َ ،‬ف َك َان م ْن د َعائه في اخر سجوده َا ْن َق َال‪َ :‬يا َودود َيا َودود‪َ ،‬يا َذا‬
‫ْ َّ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َع ْرش ال َمجيد‪َ ،‬يا َف َّعاْل ل َما تريد‪َ ،‬ا ْس َال َك بعز َك الذي ْل ي َرام‪َ ،‬وبملك َك الذي ْل ي َضام‪َ ،‬وبنور َك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الذي َم َال َا ْر َك َان َع ْرش َك َا ْن َت ْك ف َيني َش َّر َه َذا اللص‪َ ،‬يا مغيث َاغ ْثني‪َ ،‬ثال َث َم َّرات‪َ ،‬ف ِا َذا ه َو‬
‫ص َا ْق َب َل َن ْح َوه‪،‬‬ ‫ب َفارس َق ْد َا ْق َب َل ب َيده َح ْرَبة َق ْد َو َض َع َها َب ْي َن ُاذ َن ْي َف َرسه‪َ ،‬ف َل َّما َبص َر به الل ُّ‬
‫َ‬
‫َف َط َع َنه َف َق َت َله‪ ،‬ث َّم َا ْق َب َل ِال ْيه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ق ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬م ْن َا ْن َت ب َابي َا ْن َت َو ُامي؟ َف َق ْد َا َغ َاثني َّّللا ب َك‬
‫الس َماء‬ ‫الس َماء َّالراب َعة‪َ ،‬د َع ْو َت بد َعائ َك ْ َاْل َّول َف َسم ْعت َْل ْب َواب َّ‬ ‫ْال َي ْو َم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ا َنا َم َلك م ْن َا ْهل َّ‬
‫الس َماء َض َّج ًة‪ ،‬ث َّم َد َع ْو َت بد َعائ َك َّالثالث‪،‬‬ ‫َق ْع َق َع ًة‪ ،‬ث َّم َد َع ْو َت بد َعائ َك َّالثاني‪َ ،‬ف َسم ْعت َْل ْهل َّ‬
‫ْ‬ ‫َفق َيل لي‪ :‬د َعاء َم ْكروب َف َس َا ْلت َّ َ‬
‫ّللا َا ْن ي َول َيني َق ْت َله‪َ ،‬ق َال ال َح َسن‪َ :‬ف َم ْن َت َو َّض َا َو َص َّلى َا ْرَب َع‬
‫ْ َ َ‬ ‫َر َك َعات‪َ ،‬و َد َعا ب َه َذا ُّ‬
‫يب له‪َ ،‬م ْكرو ًبا َك َان َا ْو َغ ْي َر َم ْكروب‪»..‬‬ ‫الد َعاء‪ ،‬استج‬

‫نعم لكن هذا لو ثبت لكنه غير ثابت فال يعمل بما دل عليه لعدم ثبوته و إاسناد هذا الخبر إاسناد‬
‫واه وينظر في الكالم على إاسناده السلسلة الضعيفة للشيخ اْللباني رحمه هللا وغفر له واسكنه‬
‫فردوسه اْلعلى برقم ‪ 5737‬وبين اسناد هذا الخبر اسناد واه فهو غير ثابت‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث‬

‫ً‬
‫وتوفيقا وان‬ ‫ونسال هللا الكريم رب العرش العظيم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا علما‬
‫يصلح شاننا كله وان ْل يكلنا الى انفسنا طرفة عين ‪ ،‬اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من‬
‫زكاها انت وليها وموْلها‪ ،‬اللهم إانا نسالك الهدى والتقى والعفة والغنى‪ ،‬اللهم اقسم لنا من‬
‫خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به‬
‫علينا مصائب الدنيا‪ ،‬اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل‬
‫ثارنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا وْل تجعل مصيبتنا في ديننا وْل تجعل الدنيا اكبر‬
‫همنا وْل مبلغ علمنا وْل تسلط علينا من ْل يرحمنا‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ْل اله إاْل انت استغفرك واتوب اليك‬
‫اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين‪.‬‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك*‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمدهلل رب العالمين والصالة والسالم على عبدهللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه‬
‫اجمعين‪ ..‬اما بعد ‪ ,‬فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا تعالى في ك تابه الداء‬
‫والدواء‪:‬‬

‫الد َع ِاء َضرو َرة َص ِاح ِب ِه‬ ‫يب َله ْم‪َ ،‬ف َيكون َقد ْاق َت َر َن ب ُّ‬ ‫است ِج َ‬‫َو َك ِث ًيرا َما َت ِجد َا ْد ِع َي ًة َد َعا ِب َها َق ْوم َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا‪َ ،‬ا ْو َح َس َنة َت َق هد َم ْت ِم ْنه َج َع َل هَّللا س ْب َح َانه ِإ َج َاب َة َد ْع َو ِت ِه ش ْك ًرا ِل َح َس َن ِت ِه‪َ ،‬ا ْو‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو ِإق َباله َعلى ه ِ‬
‫َ‬ ‫ه َ‬
‫الس هر ِفي ل ْف ِظ َذ ِل َك‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬
‫َص َاد َف َوق َت ِإ َج َاب ٍة‪َ ،‬ون ْحو ذ ِل َك‪ ،‬فا ِج َيب ْت َد ْع َوته‪ ،‬ف َيظ ُّن الظ ُّان ا هن ِ‬
‫ْ‬
‫ه‬ ‫ْ ْ‬
‫ُّالد َع ِاء َف َي ْاخذه م َج هر ًدا َع ْن ِتل َك ُاْلمو ِر ال ِتي َق َارَن ْته ِم ْن َذ ِل َك هالد ِاعي‪َ ،‬و َه َذا َك َما ِإ َذا ْاس َت ْع َم َل‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫َرجل َد َو ًاء َن ِاف ًعا ِفي ال َو ْق ِت ال ِذي َي ْن َب ِغي ْاس ِت ْع َماله َع َلى ال َو ْج ِه ال ِذي َي ْن َب ِغي‪َ ،‬ف ْان َت َف َع ِب ِه‪َ ،‬ف َظ هن‬
‫ْ ْ‬
‫وب‪َ ،‬ك َان َغا ِل ًطا‪َ ،‬و َه َذا َم ْو ِضع‬ ‫ول ال َمطل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫اف‬
‫ٍ‬
‫َغ ْيره َا هن ْاس ِت ْع َم َال َه َذا هالد َو ِاء بم َج هرده َ‬
‫ك‬ ‫ِ ِِ‬
‫اس‪.‬‬ ‫َي ْغ َلط ِف ِيه َك ِثير ِم َن ه‬
‫الن‬
‫ِ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ً‬
‫محمدا عبده‬ ‫الحمدهلل رب العالمين ‪ ,‬واشهد ان ْل إله إْل هللا َ‬
‫وحده ْل شريك له‪ ,‬وا َ‬
‫شهد ان‬
‫ورسوله‪ ,‬صلى هللا وسلم عليه‪ ,‬وعلى اله واصحابه اجمعين‪..‬اما بعد‪,‬‬
‫فهذا الفصل َع َق َده اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى في ثنايا كالمه عن الدعاء‪ ,‬ا هنه اعظم‬
‫الدواء وانفعه في عالج كل اْلدواء وجميع اْلسقام وانواع اْلمراض‪ ,‬ه‬
‫ومر معنا ِذكر اإلمام ابن‬
‫ً‬
‫مستجابا؛‬ ‫القيم رحمه هللا تعالى‪ ,‬الشروط التي ْلب هد من رعايتها والعناية بها؛ ليكون الدعاء‬
‫وليكون للدعاء اثره وعائدته ومنفعته‪.‬‬
‫وهذا الفصل اراد ان ي َن ِبه به رحمه هللا تعالى‪ ,‬ان بعض الناس قد يغتر ببعض الفاظ اْلدعية‪,‬‬
‫التي هي من إنشاء بعض الناس‪ ,‬في موقف م هعين او في ضرورة م هعينة‪ ,‬فدعا فاست َ‬
‫جيب له‪,‬‬
‫فك ثير ما يتوهم الناس في مثل هذا المقام ا هن هذا السر عائد ْل لفاظ الدعاء‪.‬‬
‫ك ثيرا ما يحصل‪ ,‬وفي زماننا هذا ك ثيرا مايتداول بعض الناس ادعية هي م َ‬
‫تكلفة في إنشائها‪,‬‬
‫ويذكرون حولها قصة واحدة معينة‪ ,‬إما لشخص انشئ هذا الدعاء‪ ,‬او انه دعا به فحصل‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫مقصوده‪ ,‬فيتوهم الناس ا هن هذا السر في الفاظ الدعاء‪ ,‬البد ان ننتبه لهذه الفائدة فانها‬
‫ثمينة جدا‪.‬‬
‫يظن ك ثير من الناس ان هذا سر في لفظ الدعاء‪ ,‬سر في لفظ الدعاء‪ ,‬ومثلما قال ابن القيم‬
‫رحمه هللا‪ :‬قد تكون االجابة التي حصلت لهذا الدعاء؛ القنران هذا الدعاء بالضرورة التي‬
‫قامت بصاحبه الداعي‪ ,‬وهللا تعالى يقول‪َ (( :‬ا هم ْن ي ِجيب ْالم ْض َط هر ِإ َذا َد َعاه َو َي ْك ِشف ُّ‬
‫الس َوء‬
‫عائدا الى قوة إقبال الداعي على هللا‪ ,‬وصدقه في‬ ‫َو َي ْج َعلك ْم خ َل َف َاء ْ َاْل ْرض)) ‪ ,‬وقد يكون ً‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫اْللحاح والطلب‪ ,‬قد يكون هناك حسنة او حسنات تقدم بها‪ ,‬فكانت سببا لقبول دعوته‬
‫ووسيلة لقبول دعوته كعفة عن فاحشة او ٍبر بالوالدين او اداء للحقوق او صنائع معروف‬
‫قدمها‪ ,‬فتكون ر ً‬
‫افدا عظيما في قبول دعائه ‪.‬‬
‫فهذا الدعاء الذي يستجاب‪ ,‬قد يظن ك ثير من الناس انه عائد لال لفاظ؛ ولهذا في زماننا‬
‫نشاة‪ ,‬ويقولون فالن بن فالن حصل له كيت وكيت وكيت ودعا‬ ‫يتداولون ا ً‬
‫لفاظا مخترعة م َ‬
‫بهذا الدعاء ف‪ ,‬ويظنون إن كان حقا مايشيرون اليه قد حصل قد يكون ذلك عائدا الى‬
‫ماذا؟ ‪ -‬الى إما ضرورة قامت في الداعي‪ ,‬او مثلما قال ابن القيم‪ :‬صدق في اإلقبال واإللحاح‬
‫على هللا في الدعاء‪ ,‬او يكون اقترن بالدعاء او سبق الدعاء حسنة وحسنات او صنائع‬
‫افدا في قبول دعائه‪ ,‬ففي مثل هذه الحالة يظن ك ثير من الناس ان ه‬
‫السر‬ ‫معروف‪ ,‬فكانت ر ً‬
‫في لفظ الدعاء‪ ,‬فيؤخذ مجردا عن اْلمور التي اقترن بها‪.‬‬
‫يضرب ابن القيم مثال هنا للتوضيح‪ ,‬يقول‪" :‬هذا كما اذا استعمل رجل دواء نافعا في‬
‫الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي" ‪ ,‬استعمل ً‬
‫دواء نافعا في وقت معين على‬
‫غيره ان استعمال هذا‬ ‫ً‬
‫صحيحا‪" ,‬فانتفع به فظن ُ‬ ‫ً‬
‫استعماْل‬ ‫الوجه الذي ينبغي استعمله‬
‫الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب فيكون بذلك غالطا وهذا موضع يغلط فيه‬
‫ك ثير من الناس"‪.‬‬
‫حقيقة هذه فائدة‪ ,‬فائدة ثمينة جدا ينبغي ان ينتبه لها؛ إلن ك ثيرا ما يتداول بعض الناس‬
‫في زماننا عبر وسائل التواصل ادعية يقولون جربت‪ ,‬وان فالن من الناس جربها في كذا‬
‫فعال قد حصل يظنون ان السر عائد الى ماذا ؟ الى‬‫فنفعت‪ ,‬ويظنون ان اْلنتفاع إن كان ً‬
‫لفظ الدعاء‪ ,‬وليس اْلمر كذلك‪ ,‬بل هناك صور اعظم من ذلك ياتي تنبيه ابن القيم عليها‪,‬‬
‫نعم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫اب‪َ ،‬ف َي ُظن ال َج ِاه ُل َان‬


‫قال رحمه هللا‪َ :‬و ِمن َه َذا َقد َيت ِف ُق ُد َع ُاؤ ُه ِباض ِط َرار ِعن َد َقبر َف ُي َج ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َّللا‪َ ،‬ف ِا َذا َح َص َل َذ ِل َك ِفي َبيت‬
‫السر ِل ِِلض ِط َر ِار َو ِصد ِق اللج ِا ِالى ِ‬ ‫السر ِللقب ِر‪َ ،‬ولم َيعلم ان ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َّللا‪َ ،‬ك َان اف َضل َوا َحب ِالى ِ‬
‫َّللا‪.‬‬ ‫وت ِ‬‫ِمن ُب ُي ِ‬
‫هذا تنبيه مثل الذي قبله‪ ,‬يعني التنبيه الذي قبله‪ ,‬يتوهم منه الناس ان هذا السر في‬
‫اْل لفاظ‪ ,‬الفاظ الدعاء‪ ,‬ومثل هذا عندما يدعو رجل عند قبر‪ ,‬ثم تحصل اجابة‪ ,‬قد يتوهم‬
‫الناس ان ه‬
‫السر عائد لدغائه عند القبر‪ ,‬فيتوهمون ان هذا من اسباب إجابة الدعاء ‪ ,‬وْل يكون‬
‫اْلمر كذلك‪ .‬قد يكون وافق ان الرجل في ضرورة ‪ ,‬م ِلح على هللا‪ ,‬صادق في إلحاحه على هللا‬
‫سبحانه وتعالى؛ فاجيبت حاجته لذلك ‪ ,‬فال يكون ُّ‬
‫السر في كونه دعا عند القبر‪ ,‬ولهذا‬
‫ك ثيرا مايضل ك ثير من الناس ويتعلقون بتعلقات باطلة تبنى على ظنون فاسدة واوهام‬
‫كاسدة ْلصحة لها‪ ,‬بل هناك حالة اعظم من ذلك‪ ,‬من هاتين الحالتين‪ ,‬اللتان ذكرهما ابن‬
‫القيم رحمه هللا تعالى‪ ,‬وقد ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم‪,‬‬
‫والتنبيه عليها في هذا الموطن له اهميته؛ حتى ْل ي َغتر‪ْ ,‬ل هن هذه التنبيهات كلها من اجل‬
‫ماذا ؟ اْل يغتر‪.‬‬
‫ظن انها الفاظ مجابة‪ ,‬وانها الفاظ دعوات مستجابة‪ ,‬وْل يكون‬ ‫االولى ان ْل يغتر بالفاظ ي ُّ‬
‫اْلستجابة التي حصلت في القصة إن َص هحت عائدة الى اْل لفاظ‪ ,‬وإنما عائدة الى اشياء‬
‫اخرى‪.‬‬
‫او عند قبر في الحالة الثانية‪ ,‬وْل يكون ُّ‬
‫السر عائدا لكونها عند القبر وإنما ْلمور اخرى‪ ,‬من‬
‫ضرورة او صدق او شيء من هذا القبيل‪.‬‬
‫اسمع ماذا يقول ابن تيمية في ك تابه اقتضاء الصراط المستقيم‪ :‬يقول‪ :‬ومن هذا الباب‬
‫من قد يدعو دعاءا يعتدي فيه؛ اما بطلب ما ال يصلح‪ ,‬او بالدعاء الذي فيه معصية‪ ,‬فيه‬
‫معصية هللا‪ ,‬شرك او غيره‪.‬‬
‫انتبه‪ ..‬شرك او غيره‪ ,‬فإذا حصل بعض غرضه‪ ,‬ظ هن ان ذلك دليل على ان َع َمله صالح ‪ ,‬قال‬
‫ابن تيمية رحمه هللا‪ :‬وهو ‪-‬يعني في حقيقة االمر‪-‬في منزلة من املي له وامد بالمال‬
‫والبنين ُ‬
‫يظن ان ذلك مسارعة له في الخيرات‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫اْلن عندما يمد الشخص بالمال والبنين َويظن انه مسارعة بالخيرات وهو في الحقيقة‬
‫مثال دعى‬‫شخصا ً‬‫ً‬ ‫استدراج‪ ,‬نستدرجهم من حيث ْل يعلمون‪ ,‬وهذا ايضا يغتر لو ق ِدر ان‬
‫صاحب قبر‪ ,‬وهذا من الشرك اْل كبر المبطل للعمل‪ ,‬لو قدر انه دعى صاحب قبر في حاجة‬
‫ثم حصلت الحاجة‪ ,‬كم يفتن ك ثير من الناس في ذلك‪ ,‬فإن كان ِوجد من ذلك وصح‪ ,‬وك ثيرا‬
‫ما يكون في هذا من الكذب واإلفك‪ ,‬خاصة السدنة يكذبون اشياء على العوام ليروجوا‬
‫ً‬
‫عندهم التعلق بالمقبورين ودعائهم من دون هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬فلو ق ِدر ان شيئ من ذلك‬
‫حصل فيكون من قبيل اْلستدراج‪ْ ,‬ل من قبيل صحة الدعاء واستقامة العمل ا ً‬
‫بدا‪ْ ,‬لنه ْل‬
‫ً‬
‫مستقيما وهو شرك باهلل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫يمكن ان يكون العمل‬
‫فالحاصل ان هذه التنبيهات مهمة؛ حتى ْل يحصل اغترار بالفاظ م هعينة او باماكن م هعينة او‬
‫غتر اإلنسان‪ ,‬والخالصة في هذا اْلمر ان الم َع هول في الدعاء‬ ‫احوال وصفات م َع هينة فال َي ُّ‬
‫استقامة وصحة‪ ,‬هو موافقته للمشروع‪ ,‬وضوابط الشريعة‪ ,‬وشروطها وادابها التي جاءت في‬
‫ك تاب هللا وسنة نبيه ﷺ‪ ,‬وما سوى ذلك ْل يغتر اْلنسان به‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫فصل ش ُروط الد َع ِاء ال ُمستج ِ‬
‫اب]‬
‫َ َ ََ َََ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫السِل ُح‬ ‫السِل ُح ِب َض ِارِب ِه‪ ،‬ال ِبح ِد ِه فقط‪ ،‬فمتى كان ِ‬ ‫السِل ِح‪ ،‬و ِ‬ ‫َواالد ِع َية َوالت َعوذ ُات ِب َمن ِزل ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِسِلحا َت ًّاما ال ا َف َة ِب ِه‪َ ،‬والس ِاع ُد َس ِاع ُد َق ِوي‪َ ،‬وال َما ِن ُع َمف ُقود؛ َح َص َلت ِب ِه ِالن َك َاي ُة ِفي ال َع ُد ِو‪،‬‬
‫َ‬
‫َو َم َتى َت َخل َف َو ِاحد ِمن َه ِذ ِه الثِل َث ِة َت َخل َف الت ْا ِث ُير‪َ ،‬ف ِان َك َان الد َع ُاء ِفي َنف ِس ِه َغي َر َصا ِلح‪َ ،‬ا ِو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الد ِاعي لم َيج َمع َبي َن َقل ِب ِه َو ِل َسا ِن ِه ِفي الد َع ِاء‪َ ،‬او َك َان َثم َما ِنع ِم َن ِاال َج َاب ِة‪ ،‬لم َيح ُص ِل‬
‫َاال َث ُر‪.‬‬

‫هذا فصل عظيم‪ ,‬ومهم جدافي بيان الدعاء‪ ,‬من حيث تحقق اْلثر او تخلف اْلثر‪ ,‬تحقق‬
‫اْلثر‪ :‬تحقق اثر الدعاء او تخلف اثر الدعاء‪ْ ,‬ل هن َالمرء قد يدعو له او لغيره ثم َي ه‬
‫تخلف اْلثر‪ ,‬او‬ ‫ِ‬
‫يدعو ويتحقق اْلثر‪ ,‬ولهذا مثلما سبق ان َم هر معنا ا هن من اداب الدعاء ‪ ,‬ان ْل يستحسر المرء‬
‫دائما‪ ,‬وهذه مستفيدة من‬‫ستجب لي‪ ,‬لكن ً‬ ‫ويستعجل اإلجابة ويقول دعوت ودعوت فلم ي َ‬
‫هذا الفصل العظيم الذي عقده‪ ,‬دائما َيتفقد المرء نفسه‪ ,‬ويتهم نفسه بالتقصير ويزيد الدعاء‪,‬‬
‫فيزيد اإلخالص ويزيد اإلقبال‪ ,‬ويزيد اْللحاح على هللا سبحانه وتعالى‪ْ ,‬ل ان ينثني من اول‬
‫الطريق‪ ,‬بمنزلة من بذر ِبذ ًرا ُّثم لما اوشك ان ينتفع به ا َهمله وتركه‪ ,‬طال به اْلمر فاهمله‬
‫وتركه‪ ,‬فيقول ابن القيم هنا في هذا الفصل ‪:‬واالدعية والتعوذات بمنزلة السِلح‪ ,‬والسِلح‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬
‫شخصا معه سيف وحاد ولكن يده رخوة ً‬
‫تماما ث هم لما َيضرب ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫بضاربه ال بحده‪ ,‬ارايتم لو ان‬
‫هكذا هي رخوة‪ ,-‬هل يؤثر شيئ؟! ْلنها رخوة يده‪ ,‬فالسالح بضاربه ْل بحده‪ ,‬هذا يقصد به‬
‫رحمه هللا‪ :‬ا هن الدعاء في وجود عوائده واثاره وثمراته‪ ,‬هذا عائد الى قوة الدعاء‪ ,‬والدعاء‬
‫يك تسب القوة من ماذا؟ نعم‪ ,‬الدعاء يك تسب القوة من* استيفاء شروطه وضوابطه التي في‬
‫ً‬
‫ستوفيا للشروط‪ ,‬كان ذلك اقوى‬ ‫وسنته‪ ,‬وسنة ِنبيه ﷺ‪ ,‬فكلما ماكان الدعاء م‬
‫ك تاب هللا‪ِ ,‬‬
‫الدعاء وامكن وادعى لإلجابة‪ ,‬ولهذا نالحظ في اْلحاديث التي تذكر اداب الدعاء او‬ ‫في ِ‬
‫شروط الدعاء يذكر فيها يستجاب ْلحدكم مالم كذا ‪ ,‬فتذكر اْلستجابة مقيدة بتلك القيود‬
‫والضوابط‪.‬‬
‫إذن السالح بضاربه الدعاء بقوة الداعي في دعائه‪ ,‬مثل السالح بضاربه ايضا الدعاء بقوة‬
‫الداعي في دعائه‪ ,‬وقوة الداعي في دعائه‪ ,‬راجعة الى استيفائه لشروط الدعاء وقيوده‬
‫وضوابطه التي في الك تاب والسنة‪.‬‬
‫قال‪" :‬فمتى كان السِلح سِلحا تاما ال افة به"‪ ,‬هنا مكانها تقول‪ :‬إذا كانت اْلدعية ادعية‬
‫صحيحة‪ ,‬ثابتة ماثورة‪" ,‬والساعد ساعد قوي" والداعي داعي قوي باستيفائه للشروط واداب‬
‫الدعاء "والمانع مفقود" اي المانع من وجود اْلثر مفقود‪ْ ,‬لن اْلن لو كانت اْلرض التي‬
‫ضرب‪ ,‬المكان الذي يضرب بالسيف‪ ,‬مع قوة الساعد وحدة السيف‪ ,‬حصاة صلبة صماء‪,‬‬ ‫ت ً‬
‫وضربها بقوة ساعده وحدة السيف تؤثر فيها‪ ,‬ارض صلبة او حصاة صلبة صماء يؤثر فيها ما‬
‫يؤثر فيها‪ ,‬لوجود مانع الذي هو صالبة الموضع‪ ,‬إذن قبول المحل‪ ,‬قبول المحل‪ ,‬يعني‬
‫سالمة الدعاء في نفسه وقوة الداعي وقبول المحل‪ ,‬فإذا اجتمعت هذه الثالث حصلت‬
‫تخلفت واحدة من هذه الثالث تخلف اْلثر‪.‬‬‫المنفعة‪ ,‬مثلما تحصل النكاية في العدو‪ ,‬ومتى ه‬

‫قال‪ :‬فاذا كان الدعاء في نفسه غير صالح‪ ,‬او الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في‬
‫الدعاء‪ ,‬يعني هذا في ضعف الدعاء وعدم هقوته‪ ,‬او كان َثمة مانع من االجابة لم يحصل‬
‫االثر‪.‬‬
‫فهذا تنبيه مهم‪ ,‬الفائدة من هذا التنبيه‪ ,‬ان المرء في كل مرة يتخلف اْلثر‪ْ ,‬ل يلوم إْل‬
‫نفسه‪ْ ,‬ل يرجع باللوم إْل لنفسه‪ ,‬يرجع لنفسه بالتقصير‪ ,‬لعلي كذا‪ ,‬لعلي كذا‪ ,‬فيزداد في‬
‫اْللحاح ويعاود السؤال‪ً ,‬ويقبل على هللا بصدق‪ ,‬ويخلص في دعائه ويصدق في رجائه مع‬
‫هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬نعم‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫َ‬
‫[‪ :‬قال رحمه هللا تعالى‪ :‬فصل َ‪:‬و َه ُاه َنا ُس َؤال َمش ُهور َو ُه َو‪َ :‬ان ال َمد ُعو ِب ِه ِان َك َان َقد ُق ِد َر لم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ُكن ُبد ِمن ُو ُق ِوع ِه‪َ ،‬د َعا ِب ِه ال َعب ُد َاو لم َيد ُع‪َ ،‬و ِان لم َي ُكن َقد ُق ِد َر لم َي َقع‪َ ،‬س َواء َس َال ُه‬
‫َ‬
‫ال َعب ُد َاو لم َيس َال ُه‪].‬‬
‫نعم‪ً ,‬‬
‫وبناءا على هذا بعض الجهال ومن ْل فهم عنده وْل بصيرة قد يقول ما الحاجة للدعاء؟!‪,‬‬
‫إذا كانت اْلمور بقضاء وقدر‪ ,‬واْلشياء مقدرة فما الحاجة للدعاء؟!‬
‫يقول هناك سؤال مشهور وهو‪ :‬ان المدعو به إذا كان قد ق ِدر ‪ ,‬لم يكن بد من وقوعه‪ ,‬دعى‬
‫به العبد او لم يدعو ‪ ,‬وإن لم يكن قد قدر لم يقع سواء سال العبد او لم يسال‪ ,‬فبعض‬
‫الناس ربما لجهله وظنه صحة هذا السؤال‪ْ ,‬لن هذا السؤال فيه خلل‪ ,‬يظن صحة هذا‬
‫السؤال واستقامته‪ ,‬فربما ترك الدعاء‪ ,‬ربما ترك الدعاء وربما ظن انه شيء ْل حاجة إاليه‪,‬او‬
‫ربما قال تحصيل حاصل‪ ,‬ففي اإلجابة على هذا هناك إجابات مغلوطة عديدة‪ ,‬يشير إليها‬
‫ابن القيم ثم يبين رحمه هللا الصحيح في هذا اْلمر‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َف َظنت َطا ِئ َفة ِصح َة َه َذا الس َؤ ِال‪َ ،‬ف َت َر َك ِت الد َع َاء َو َقالت‪ :‬ال َفا ِئ َد َة ِف ِيه‪َ ،‬و َه ُؤال ِء َم َع َفر ِط‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َجه ِلهم َو َض َِل ِلهم‪ُ ،‬م َت َن ِاق ُض َ َ َ َ َ‬
‫اب فيقال‬ ‫وج ُب تع ِطيل ج ِم ِيع االس َب ِ‬ ‫ون ف ِان طرد َمذه ِب ِهم ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كلت او لم تاكل‪ ,‬وان لم‬ ‫ُ‬
‫الحدهم‪ :‬ان كان الشبع والري قد ق ِدر لك‪ ,‬فِل بد من وقوعهما‪ ,‬ا َ‬
‫طا َت الزوجة‬ ‫كلت او لم تاكل‪ ,‬وان كان الولد قد ُقدر لك‪ ,‬فِل ُبد منه َو ْ‬ ‫ُيقدرا لم َي َقعا ا َ‬
‫ِ‬
‫مة او لم َتطا‪ ,‬وان لم ُي َقدر لم َي ُكن‪ ,‬فِل حاجة الى التزوج والتسري‪َ ,‬وه ُلم جرا‪.‬‬ ‫واال َ‬

‫اب ال ِتي ِب َها‬ ‫َ‬


‫ب‬ ‫س‬ ‫اش َرة َ‬
‫اال‬ ‫ِ‬ ‫َف َهل َي ُق ُول َه َذا َع ِاقل َاو ا َدمي؟ َبل ال َح َي َو ُان ال َبه ُيم َمف ُطور َع َلى ُم َب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ات اع َق ُل َواف َه ُم ِمن َه ُؤال ِء ال ِذ َين ُهم َكاالن َع ِام َبل ُهم ا َضل‬ ‫ِق َو ُام ُه َو َح َي ُات ُه‪َ ،‬فال َح َي َو َان ُ‬
‫َس ِبيِل‪.‬‬
‫ظنت ان هذا الكالم صحيح‪ ,‬وهو‪ :‬ا هن َالمدعو به‬ ‫هذه طائ فة اولى فيما يتعلق بهذه المسالة‪ ,‬ه‬
‫إن كان م هقدر فما في حاجة للدعاء‪ ,‬وإن لم ي هقدر فالدعاء ْل فائدة منه إن دعى‪ ,‬إذن ْل حاجة‬
‫حب العبادات الى هللا‪ ,‬واعظمها شا ًنا‪,‬‬
‫عطلوا الدعاء الذي هو ا ُّ‬‫للدعاء‪ ,‬وتوقفو عن الدعاء‪ ,‬ه‬
‫الدعاء هو العبادة‪ ,‬ومر معنا احاديث عظيمة في فضل الدعاء وكرمه على هللا وعظيم مكانته‪,‬‬
‫صحيحا‪ ,‬فعطلوا الدعاء‪ ,‬وهذا مدخل من مداخل الشيطان المه ِلكة والعياذ‬‫ً‬ ‫فظنوا هذا اْلمر‬
‫برد عظيم وقوي‪ ,‬وهو‪ :‬ا هن هؤْلء الذين‬ ‫ه‬ ‫ه‬
‫باهلل‪ ,‬لكن ابن القيم رحمه هللا لما رد على هؤْلء رد ٍ‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫يقولون هذا القول‪ ,‬هم في الحقيقة ْل يطردونه في كل شيء‪ْ :‬ل يطبقونه في كل شيء‪ ,‬ولهذا‬
‫يقولون دليل فساد المذهب التناقض الذي يكون عليه صاحبه‪ ,‬فابن القيم يقول‪ :‬هؤْلء هم‬
‫ْل يطردون هذا المذهب في كل شيء‪ ,‬في قضية مهمة قضية الطعام والشراب‪ ,‬لو يقال لهم‬
‫شبع‪ ,‬وإن كان م هقدرا ان َيحصل لك الري‬‫شبع‪َ ,‬ت َ‬
‫كان م هقدرا ان َت َ‬
‫على نفس فهمهم الفاسد إن َ‬
‫َيحصل‪ْ ,‬لتاكل وْل تشرب‪ ,‬اترك الطعام والشراب‪ ,‬هل يفعل؟ ‪ ,‬لماذا ْل يفعل والدعاء تركه‬
‫تحركت مثلما يقول العوام عصافير البطن‪َ ,‬ب َحث عن اْل كل واكل‬ ‫بناءا على نفس الكالم‪ ,‬إذا ه‬
‫بشراهة ولم يفكر في المذهب وْل كل اْلمور هذه‪ ,‬كلها يتركها‪ ,‬هذا التناقض اْلن في‬
‫المذهب‪ ,‬اْلن هو نفس التقرير في اْل كل ياكل ويشرب‪ ,‬وإذا كان اشتهى الزوجة واْلوْلد‬
‫مثال‪ ,‬يقول‪ْ :‬ل ْل ‪ْ ,‬ل تتزوج وْل تاخذ‪ ,‬مايحتاج إن كان مقدرا ان يكون لك اوْلد يكون لك‬
‫اوْلد‪ ,‬مايقبل‪ ,‬وفي الدعاء هوقفه وترك الدعاء وهجره ً‬
‫ظنا منه ان ‪ ,‬ولهذا فساد هؤْلء يظهر في‬
‫تناقضهم في تطبيق هذا المذهب او هذا الراي الفاسد الذي فهموه‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫عطلوا اْلسباب بهذه الطريقة‬ ‫فعال ه‬
‫وقال ابن القيم الحيوانات اعقل منهم‪ ,‬إذا كانوا ً‬
‫الحيوانات اعقل منهم‪ ,‬الحيوانات تبذل السبب‪ ,‬يقول عليه الصالة والسالم‪" :‬لو توكلتم‬
‫توكله لرز َق ُكم كما َير ُزق الطير"‪ ,‬تبقى في العش؟‪ ,‬قال‪َ " :‬تغدوا"‪ ,‬في الصباح‬
‫على هللا حق ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شبعت‪ ,‬وترجع معها ايضا بطعام‬ ‫الباكر تتحرك تبحث عن ‪" ,‬تغدوا خماصا وتروح ِبطانا"‪ِ ,‬‬
‫لصغيرها في ع ِشه‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫اب الت َعب ِد ال َمحض ُي ِث ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َََ َ ُ َ َ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫قال رحمه هللا‪َ :‬وتكاي َس بعض ُهم َوقال‪ِ :‬االش ِتغال ِبالد َع ِاء ِمن ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ ُ َْ‬
‫وب ِب َوجه َما َوال َفر َق ِعن َد َه َذا‬ ‫ُ‬
‫َّللا َعلي ِه الد ِاع َي‪ِ ،‬من غي ِر ان يكون له تا ِثير ِفي ال َمطل ِ‬
‫ُ َ‬
‫ُ‬ ‫اك َعن ُه ِبال َقل ِب َو ِالل َسان ِفي الت ْا ِثير ِفي ُح ُ‬ ‫ال ُم َت َكيس َبي َن الد َع ِاء َ‬
‫وب‪،‬‬‫ول ال َمطل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫م‬‫اال‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ِ ِ‬
‫وت َو َال َفرق‪َ.‬‬
‫ِ‬
‫اط الد َع ِاء عن َد ُهم به َكارِت َباط السكُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوارِت َب ُ‬
‫ِِ‬
‫نطلية عليهم الشبهة المتقدمة‪ ,‬او‬ ‫يضا مذهب اخر فاسد في هذا الباب‪ ,‬ايضا م َ‬ ‫نعم‪ ,‬وهذا ا ً‬
‫إلن الدعاء له تاثير‪ ,‬يقولون الدعاء ليس له تاثير بناءا‬ ‫التقرير السابق‪ ,‬فقالوا‪ :‬نحن ندعو‪ْ ,‬ل ه‬
‫على الكالم الذي مر‪ ,‬قالوا ندعو فقط َت ُّعبدا هلل‪ْ ,‬ل ْل هن الدعاء له تاثير ‪ ,‬الدعاء ْل تاثير له او‬
‫يضا مذهب ظاهر فساده وبطالنه‪ ,‬نعم‪.‬‬ ‫تعبدا هلل‪ ,‬وهذا ا ً‬ ‫منفعة‪ ,‬وْل اثر‪ ,‬لكن ندعو ُّ‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫َق َالت َطا ِئ َفة ُاخ َرى َاك َي ُس ِمن َه ُؤ َال ِء‪َ :‬بل الد َع ُاء َع َِل َمة ُم َجر َدة َن َص َب َها ُ‬
‫َّللا ُسب َح َان ُه َا َم َارة‬ ‫ِ‬
‫اج َت ُه قدَ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ َ َََ ُ َ َ ُ َ َ َ َ َ ََ َ َ‬
‫ِ‬ ‫على قض ِاء الحاج ِة‪ ،‬فمتى و ِفق العبد ِللدع ِاء كان ذ ِلك عِلمة له وامارة على ان ح‬
‫َ‬
‫الش َت ِاء‪َ ،‬ف ِان َذ ِل َك َد ِليل َو َعِل َمة َع َلى‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫انق َضت‪َ ،‬و َهذا ك َما ِاذا َراي َت غيما اس َو َد َب ِاردا ِفي ز َم ِن ِ‬
‫َ‬
‫َان ُه ُيم ِط ُر‪.‬‬
‫اب‪ِ ،‬ه َي َا َم َارات‬ ‫َق ُالوا‪َ :‬و َه َك َذا ُحك ُم الط َاعات َم َع الث َواب‪َ ،‬وال ُك ف ُر َوال َم َعاصي َم َع الع َ‬
‫ق‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫اب ال َان َها َاس َباب ل ُه‪.‬‬ ‫اب وال ِعق ِ‬ ‫وع الثو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َمح َضة ل ُو ُ‬
‫ق‬
‫َ‬
‫َو َه َك َذا ِعن َد ُه ُم ال َكس ُر َم َع ِاالن ِك َس ِار‪َ ،‬وال َحر ُق َم َع ِاالح َر ِاق‪َ ،‬و ِاالز َه ُاق َم َع ال َقت ِل لي َس َشيء‬
‫َ‬ ‫من َذل َك َس َببا ال َبت َة‪َ ،‬و َال ارِت َب َ‬
‫اط َبي َن ُه َو َبي َن َما َي َت َرت ُب َع َلي ِه‪ِ ،‬اال ُم َجر ُد ِاالق ِت َر ِان ال َع ِاد ِي‪ ،‬ال‬ ‫ِ ِ‬
‫ََُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الت ْا ِث ُير الس َب ِبي َوخالفوا ِبذ ِل َك ال ِحس َوال َعقل‪َ ،‬والشر َع َوال ِفط َرة‪َ ،‬و َسا ِئ َر ط َوا ِئ ِف العقِل ِء‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫َبل َاض َح ُكوا َع َلي ِه ُم ال ُع َقِل َء‪.‬‬
‫يضا قول ظاهر الفساد‪ ,‬يقولون ان الدعاء‪ ,‬واْلثر الذي يترتب على‬ ‫نعم‪ ,‬وهذا القول الثالث‪ ,‬ا ً‬
‫الدعاء‪ ,‬وجود اْلثر هذا ليس من تاثير الدعاء‪ ,‬ليس وجود اْلثر تاثير سببه وجود الدعاء‪,‬‬
‫ليس هو هذا‪ ,‬وإنما هو اْلقتران العادي‪ ,‬فال ارتباط بين الدعاء واْلثار التي تترتب عليه‪,‬‬
‫وسائر‬
‫والفطرة‪ِ ,‬‬ ‫ومثلما قال ابن القيم‪ :‬هذا الذي يقولونه مخالف للحس والعقل والشرع ِ‬
‫طوائف العقِلء‪.‬‬
‫ِ‬
‫اْلن ذكر رحمه هللا ثالث اقوال فيما يتعلق بالمسالة السابقة‪ُّ ,‬كلها ظاهرة الفساد‪ ,‬ث هم هبين‬
‫الصواب رحمه هللا ذاكرا الشواهد واْلدلة عليه‪ ,‬نعم‪.‬‬

‫اب َان َه ُاه َنا ِقسما َثا ِلثا‪َ ،‬غي َر َما َذ َك َر ُه السا ِئ ُل‪َ ،‬و ُه َو َان َه َذا ال َمق ُدو َر‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬والص َو ِ‬
‫َ‬
‫ُق ِد َر ِب َاس َباب‪َ ،‬و ِمن َاس َبا ِب ِه الد َع ُاء‪َ ،‬ف َلم ُي َقدر ُم َجردا َعن َس َب ِب ِه‪َ ،‬ول ِكن ُق ِد َر ِب َس َب ِب ِه‪َ ،‬ف َم َتى‬
‫َ‬
‫َا َتى ال َعب ُد ِبالس َب ِب‪َ ،‬و َق َع ال َمق ُدو ُر‪َ ،‬و َم َتى لم َي ْا ِت ِبالس َب ِب ان َت َفى ال َمق ُدو ُر‪َ ،‬و َه َذا َك َما ُق ِد َر‬
‫َ‬ ‫الش َب ُع َوالري ب َ‬
‫اال ك ِل َوالشر ِب َو ُق ِد َر ال َول ُد ِبال َوط ِء‪َ ،‬و ُق ِد َر ُح ُص ُول الزر ِع ِبال َبذ ِر‪َ ،‬و ُق ِد َر ُخ ُرو ُج‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س الح َي َو ِان ِبذب ِح ِه‪َ ،‬وكذ ِلك ق ِد َر دخول الجن ِة ِباالع َم ِال‪َ ،‬ودخول الن ِار ِباالع َم ِال‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نف ِ‬
‫نعم‪ ,‬والدعاء وتحقق اْلمور او المطالب او المصالح او المقاصد بالدعاء‪ ,‬فهذا م هقدر وهذا‬
‫م هقدر‪ ,‬الدعاء نفسه م هقدر‪ ,‬واْلثار التي تترب عليه هي ا ً‬
‫يضا م هقدرة ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫ثالثا غير ماذكره السائل‪ ,‬السائل همر علينا كالمه في‬‫قسما ً‬


‫يقول‪ :‬والصواب ان ها هنا ً‬
‫السؤال‪ ,‬وهو‪ :‬إن كان مقد ًرا فال حاجة إليه‪ ,‬وإن كان غير مقدر فال َم َنفعة فيه‪ ,‬لكن يقول‬
‫هناك قسم ثالث غير ما ذكره السائل‪ ,‬وهو ان هذا المقدر ق ِدر باسباب ومن اسبابه الدعاء‪,‬‬
‫ومر َمعنا ْل َير ُّد َالق َدر إْل الدعاء‪ ,‬والدعاء من القدر‪ ,‬ولهذا رد القدر بالدعاء هو من رد َ‬
‫القدر‬ ‫ه‬
‫بالقدر‪ ,‬فاْلنسان إذا داهمه مصاب او كانت هناك مخاوف‪ ,‬او انعقدت‬ ‫نرد َالقدر َ‬ ‫بالقدر‪ُّ ,‬‬
‫َ‬
‫اسباب مصيبة معينة‪ ,‬او بالء معين‪ ,‬ما يستسلم ويقول هذا مقدر ويقف بل ُّ‬
‫يرد القدر‬
‫بالدعاء‪ ,‬يدعو ويلح على هللا سبحانه وتعالى حتى تنجلي عنه الغمة وتنكشف‪ ,‬ويزول‬
‫الخوف‪ ,‬فالدعاء نفسه من القدر‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ه َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫السا ِئل َول ْم ي َو هف ْق له‪.‬‬ ‫قال‪َ :‬و َه َذا ال ِق ْسم ه َو ال َح ُّق‪َ ،‬و َه َذا ال ِذي ح ِرمه‬

‫إذا السؤال نفسه خطا‪ ,‬السؤال نفسه المتقدم الذي انبنت عليه تلك الفهوم الفاسدة‪,‬‬
‫السؤال في نفسه خطا‪ْ ,‬ل هن مثلما قال هناك قسم اخر في المسالة ماتنبه له هؤْلء‪ ,‬وهو ان‬
‫هذا الم هقدر باسباب ومن اسبابه الدعاء‪ ,‬والدعاء نفس ا ً‬
‫يضا من جملة القدر‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اب‬ ‫الد َع ُاء ِمن اق َوى االس َب ِ‬
‫َ‬
‫اب‪َ ،‬ف ِا َذا ُق ِد َر ُو ُق ُوع ال َمد ُع ِو ِب ِه ِبالد َع ِاء لم َي ِصح َان ُي َق َال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ِحين ِئذ فالد َع ُاء ِمن اق َوى االس َب ِ‬
‫َ َ‬
‫ات َو َاالع َم ِال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ال فا ِئ َد َة ِفي الد َع ِاء‪ ،‬ك َما ال ُيقال‪ :‬ال فا ِئ َد َة ِفي اال ك ِل َوالشر ِب َو َج ِم ِيع ال َح َرك ِ‬
‫وب‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ول ال َمطل ِ‬ ‫َو َلي َس َشيء ِم َن َاالس َب ِ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ‬
‫اب انفع ِمن الدع ِاء‪ ،‬وال ابلغ ِفي حص ِ‬
‫ُع َم ُر َيس َتن ِص ُر ِبالد َع ِاء‬
‫اّلل َو َر ُسو ِل ِه ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬و َاف َق َه ُهم ِفي ِد ِين ِه‪،‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫َّللا َعن ُهم ‪ -‬اعل َم االم ِة ِب ِ‬ ‫َو َلما َك َان الص َح َاب ُة ‪َ -‬ر ِض َي ُ‬
‫َك ُانوا َاق َو َم ِب َه َذا الس َب ِب َو ُش ُرو ِط ِه َوا َدا ِب ِه ِمن َغي ِر ِهم‪.‬‬
‫َّللا َعن ُه ‪َ -‬يس َتن ِص ُر ِب ِه َع َلى َع ُد ِو ِه‪َ ،‬و َك َان َاع َظ َم ُجن َدي ِه‪َ ،‬و َك َان َي ُق ُول‬ ‫َو َك َان ُع َم ُر ‪َ -‬ر ِض َي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ َالص َحا ِب ِه‪ :‬لس ُتم ُتن َص ُرو َن ِب َك ث َرة‪َ ،‬و ِان َما ُتن َص ُرو َن ِم َن الس َم ِاء‪َ ،‬و َك َان َي ُق ُول‪ِ :‬ا ِني ال َاح ِم ُل َهم‬
‫َ‬
‫ِاال َج َاب ِة‪َ ،‬ول ِكن َهم الد َع ِاء‪َ ،‬ف ِا َذا ُال ِهم ُت ُم الد َع َاء‪َ ،‬ف ِان ِاال َج َاب َة َم َع ُه‪،‬‬
‫َو َا َخ َذ الش ِاع ُر َه َذا ال َمع َنى َف َن َظ َم ُه َف َق َال‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫َ َ‬
‫لو لم ُت ِرد َني َل َما َار ُجو َو َاط ُل ُب ُه ‪ِ ...‬من ُج ِود َك في َك َما َعلم َت ِني الط َل َبا‬

‫نعم‪ ,‬يقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا‪ :‬ا هن الصحابة رضي هللا عنهم هم افقه اْلمة واعلم‬
‫اْلمة‪ ,‬كانوا اقوم الناس بهذا السبب الذي هو الدعاء‪ ,‬واقومهم بادابه وشروطه وضوابطه‪ ,‬والبالء‬
‫إنما جاء فيمن بعدهم‪ ,‬والبدع إنما جاءت فيمن بعدهم‪ ,‬قد عافاهم هللا ه‬
‫وسلمهم وكانوا خير امة‬ ‫ِ‬
‫محمد عليه الصالة والسالم‪ ,‬فكانوا اقوم الناس بالدعاء‪ ,‬واحرصهم عليه‪ ,‬والزمهم للسنة واْلتباع‬
‫َوت ُّقي َدهم َ‬
‫بالهدي‪َ ,‬هدي النبي الكريم عليه الصالة والسالم‪ ,‬والتزامهم بالشروط ولهذا ترى اسئلتهم‬
‫العظيمة في الدعاء للنبي ﷺ ً‬
‫تفقيها ْلنفسهم ولالمة رضي هللا عنهم وارضاهم‪ ,‬وذكر امثلة من‬
‫ما يتعلق بسيرة عمر‪ ,‬قال‪ " :‬كان يستنصر به على عدوه‪ ,‬وكان اعظم جنده"‪ ,‬والدعاء سالح‬
‫ويستنصر به على اْلعداء‪ ,‬ولهذا تجد في القران وفي سنة النبي ﷺ ادعية كلها استنصار على‬
‫العدو بالدعاء‪ ,‬وكم يحتاج الناس في هذا الزمان ان يلحوا على هللا سبحانه وتعالى ان ينصرهم‬
‫على عدوهم‪ ,‬وان يجعل كيد عدوهم في نحره‪ ,‬كان عليه الصالة والسالم إذا خاف ً‬
‫عدوا قال‪:‬‬
‫"اللهم انا نجعلك في نحورهم‪ ,‬ونعوذ بك من شرورهم"‪ ,‬هذا استنصار بالدعاء‪ ,‬وقد قال عليه‬
‫الصالة والسالم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وإخالصهم‪ ,‬الدعاء ضرورة وسبب‬
‫عظيم‪ ,‬وسالح متين‪ ,‬ينبغي‪ ,‬سالح َْليخبو كما يقول شيخ اْلسالم ابن تيمية رحمه هللا سالح‬
‫تسلط فيه‬‫وْلسيما في هذا الزمان الذي ه‬
‫جدا‪ ,‬ينبغي على المسلمين ان يفزعوا الى هللا ه‬ ‫عظيم ً‬
‫اْلعداء‪ ,‬وك ثرت فيه شرورهم‪ ,‬ان يفزعوا الى هللا سبحانه وتعالى ان يرد كيد اْلعداء في نحورهم‪,‬‬
‫وان ينصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان‪ ,‬وان ينصر من نصر دين هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ,‬هذا استنصار بالدعاء‪ ,‬قال‪ :‬كان عمر يستنصر به على عدوه وكان اعظم جنده‪ ,‬وكان يقول‬
‫للصحابة‪ " :‬لستم تنصرون بك ثرة وإنما تنصرون من السماء" اي بالدعاء‪ ,‬من السماء‪:‬اي بالدعاء‬
‫بالفزع إلى هللا واللجوء إليه سبحانه وتعالى‪ ,‬وكان رضي هللا عنه يقول‪" :‬إني ْل احمل هم اإلجابة‪,‬‬
‫ولكن هم الدعاء‪ ,‬فإذا الهمت الدعاء فإن اْلجابة معه"؛ ْل هن هللا يقول‪ ":‬ادعوني استجب لكم"‪,‬‬
‫نعم‪.‬‬
‫َ‬
‫َّللا ُسب َح َان ُه َي ُق ُول‪{ :‬اد ُعو ِني َاس َت ِجب ل ُكم}‬
‫َف َمن ُاله َم الد َع َاء َف َقد ُار َيد ب ِه اال َج َاب ُة‪َ ،‬فان َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ َِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يب دع َوة الد ِاع ِاذا د َع ِان}‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[ ُسو َر ُة َغ ِافر‪َ ]60 :‬وقال‪َ { :‬واذا َسال َك ِع َب ِادي َع ِني فا ِني قريب ا ِج ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ‪َ « :‬من لم َيس َا ِل‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يث ا ِبي ُه َري َر َة قال‪ :‬قال َر ُسول ِ‬
‫اجه من َحد َ‬
‫َو ِفي ُس َن ِن اب ِن َم َ ِ ِ ِ‬
‫َّللا َيغ َضب َع َلي ِه» ‪.‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َو َه َذا َي ُدل َع َلى َان ِر َض َاء ُه ِفي ُس َؤا ِل ِه َو َط َاع ِت ِه‪َ ،‬و ِا َذا َر ِض َي الرب َت َب َار َك َو َت َعالى َف ُكل َخير ِفي‬
‫َ‬
‫ِر َض ُاه‪َ ،‬ك َما َان ُكل َبِلء َو ُم ِص َيبة ِفي َغ َض ِب ِه‪.‬‬

‫يقول رحمة هللا عليه‪ :‬من الهم الدعاء فقد اريد به االجابة‪ ,‬ولهذا من النعم العظيمة والمنن‬
‫ً‬
‫الجسيمة التي يوفق هللا لها عبده ان يوفقه للدعاء‪ ,‬وإذا وجد المرء في نفسه إقباْل على الدعاء‪,‬‬
‫فهذا من امارات الخير‪ ,‬ودْلئل التوفيق‪ ,‬إذا راى نفسه منشرحة ومقبلة على الدعاء‪ ,‬وكلما مر‬
‫عليه وقت اقبل على هللا واخذ يلح ويدعو‪ ,‬وهو حسن الظن باهلل‪ ,‬عظيم اْل لحاح على هللا‪,‬‬
‫صادقا في دعائه والتجائه الى هللا‪ ,‬معتنيا بشروط الدعاء وادابه وضوابطه‪ ,‬هذا من عالمات‬ ‫ً‬
‫الخير ودْلئله‪ ,‬إذا ِوفق العبد‪ ,‬وإذا ح ِرم الدعاء ح ِرم الخير‪.‬‬
‫ماع الخير‪ ,‬فاذا الخير ك ثير‪ ,‬الصِلة خير‪ ,‬والصيام خير‪,‬‬ ‫ُ‬
‫قال احد السلف‪( :‬تاملت في ِج ِ‬
‫نقدر على شيء مما في يده اال ان نساله‪ ,‬فادركت ان جماع‬ ‫واذا كل ذلك بيد هللا‪ ,‬وال ِ‬
‫الخير الدعاء)‪ ,‬فالدعاء جماع الخير‪ ,‬وهو مفتاح كل خير‪ ,‬فإذا ح ِرم المرء الدعاء ح ِرم الخير‪,‬‬
‫وفق وش ِرح صدره للدعاء فهذا من امارات الخير ودْلئل التوفيق‪ ,‬وهللا سبحانه وتعالى‬ ‫وإذا ه‬
‫يحب الدعاء‪ ,‬ويرضى عن الداعين‪ ,‬وفي هذا الحديث وقد تقدم معنا "من لم يسال هللا‬
‫يغضب عليه" يقول ابن القيم‪ :‬هذا يدل على ان رضاه في سؤاله وطاعته‪ ,‬واذا رضي هللا‬
‫تبارك وتعالى فكل خير في رضاه‪ ,‬كما ان كل بِلء ومصيبة في غضبه‪ ,‬كل بالء ومصيبة‬
‫في غضبه ومن لم يسال هللا‪ ,‬ماذا؟ يغضب عليه‪ ,‬إذا ينبغي على العبد ان ْل يهجر الدعاء‪,‬‬
‫وْل يليق بالعبد ان يهجر الدعاء‪ ,‬بل الجدير بالمسلم ان يكون قريبا من الدعاء في كل وقت‪,‬‬
‫يقبل على هللا ويدعو( يارب يارب) يلح على هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َّللا‪َ ،‬ال ا َل َه اال َا َنا‪ ،‬ا َذا َر ِض ُ‬
‫يت َب َارك ُت‪،‬‬ ‫َو َقد َذ َك َر اال َم ُام َاح َم ُد ِفي ِك َتاب الزه ِد َا َثرا [ « َا َنا ُ‬
‫ِ‬
‫َِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َََِ ُ َ َ َ َ ُ ََ ُ ََ‬
‫وليس ِلبرك ِتي منتهى و ِاذا غ ِضبت لعنت‪ ،‬ولعن ِتي تبلغ السا ِبع ِمن الول ِد» ] ‪...‬‬

‫نعم ‪ ..‬يعني هذا من اخبار بني إسرائيل ويغني عنه ما سبق من اْلدلة واْليات‬
‫واْلحاديث التي قدم اإلمام رحمه هللا ذكرها ‪..‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫َ‬
‫_قال رحمه هللا‪َ :‬و َقد َدل ال َعق ُل َوالنق ُل َوال ِفط َر ُة َو َت َج ِار ُب ُاال َم ِم ‪َ -‬ع َلى اخ ِتِل ِف َاج َن ِاس َها‬
‫َ‬ ‫َو ِم َل ِل َها َو ِن َح ِل َها ‪َ -‬ع َلى َان الت َقر َب ا َلى َرب ال َع َالم َ‬
‫ين‪َ ،‬و َط َل ِب َمر َضا ِت ِه‪َ ،‬وال ِب ِر َو ِاالح َس ِان ِالى‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫اب الجا ِل َب ِة ِلك ِل‬‫اب الجا ِل َب ِة ِلك ِل خير‪َ ،‬واضدادها ِمن اك َب ِر االس َب ِ‬ ‫خل ِق ِه ِمن اعظ ِم االس َب ِ‬
‫َ‬
‫َّللا‪َ ،‬واس ُتد ِف َعت ِنق َم ُت ُه‪ِ ،‬ب ِمث ِل َط َاع ِت ِه‪َ ،‬والت َقر ِب ِالي ِه‪َ ،‬و ِاالح َس ِان‬ ‫َ‬
‫َشر‪ ،‬ف َما اس ُتج ِل َبت ِن َع ُم ِ‬
‫َ‬
‫ِالى َخل ِق ِه‪.‬‬
‫‪ ..‬نعم ‪ :‬يعني اْلسباب الصالحة لنيل الخير في عبادة الحق او اإلحسان إلى الخلق ‪ ..‬هذه‬
‫لها اثرها على العبد بل اثارها العظيمة وعوائدها الكريمة عليه في الدنيا واْلخرة ‪ ..‬مثل ما‬
‫قال هللا سبحانه وتعالى(‬
‫) فالعبد كل ماكان اعظم تقربا إلى هللا‬
‫وطلبا لمرضاته وعناية بالبر واإلحسان إلى الخلق مان ذلك من اعظم اْلسباب الجالبة‬
‫للخير له ‪ ..‬من اعظم اْلسباب الجالبة للخير له ‪ ..‬فاإليمان والعمل الصالح يثمران كل خير‬
‫قي الدنيا واْلخرة بل إن كل خير في الدنيا واْلخرة هو ثمرة من ثمرات اإليمان ‪ ..‬وكل شيء‬
‫يدفع عن العبد ويوقى من العبد هو من ثمار اإليمان العمل الصالح ‪ ..‬فكل ماكان العبد‬
‫اعظم عناية لالسباب النافعة كان ذلك سببا لجلب الخيرات ودفع الشرور ‪ ..‬فما إستجلبت‬
‫نعم هللا وْل إستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب إليه واإلحسان إلى خلقه ‪ ..‬ثم ذكر رحمه‬
‫هللا تعالى كالما نافعا موسعا مفيدا في ترتب حصول الخيرات في الدنيا واْلخرة وحصول‬
‫الشرور في الدنيا واْلخرة على ما يكون من العبد ‪ ..‬فاْلعمال الصالحة والطاعات الزاكية‬
‫يضا مثل ما قال هللا‬ ‫يترتب عليها كل خير واْلعمال السيئة والشر والفساد يترتب عليه ا ً‬

‫عزوجل ( ِل َيج ِز َي ال ِذ َين َا َس ُاءوا ِب َما َع ِم ُلوا َو َيج ِز َي ال ِذ َين َاح َس ُنوا ِبال ُحس َنى)‪ ..‬وقال جل‬
‫وعال (( َهل َج َز ُاء االح َس ِان ِاال االح َس ُان ))‪ ..‬وقال جل وعال ( َّثُم َك َان َع ِاق َب َة ال ِذ َين َا َس ُاءوا‬
‫الس َواى) ‪ ..‬واْليات في هذا المعنى ك ثيرة ‪ ..‬وهذا مبحث نافع ومفيد وذكر رحمه هللا تعالى‬
‫على امثلة ك ثيرة جدا ‪ ..‬ويؤجل الكالم عليه بإذن هللا سبحانه وتعالى إلى اللقاء القادم ‪..‬‬
‫نسال هللا ان ينفعنا اجمعين وان يوفقنا لكل خير بمنه وكرمه ‪..‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫_جزاكم هللا خيرا وبارك فيكم والهمكم هللا الصواب ووفقكم للحق ‪ ..‬نفع هللا ما سمعنا‬
‫وغفر لنا ولكم وللمسلمين اجمعين ‪ ..‬امين‬

‫س_ يقول السائل ‪:‬احسن هللا إليك ‪ ..‬هل ثبت ان يوم االربعاء ما بين الظهر والعصر‬
‫وقت من اوقات اجابة الدعاء؟ ‪..‬‬
‫ورد في هذا الباب الحديث عن جابر رضي هللا عنه وهو مخرج في اْلدب المفرد لإلمام‬
‫البخاري وفي عدد من المصادر وفيه ان النبي ﷺ في يوم اْلحزاب دعى يوم اْلثنين ثم‬
‫دعى يوم الثالثاء ثم دعى يوم اْلربعاء ‪..‬فاستجيب له يوم اْلربعاء بين الظهر والعصر ‪..‬‬
‫والحديث الصحيح غير ثابت عن نبينا صلوات هللا وسالمه عليه ‪ ..‬وعلى فرض ثبوته ْل يفيد‬
‫تخصيص ذلك الوقت فضال عن تخصيص مكان معين‬
‫يتحرى فيه الدعاء ‪ ..‬وانما يستفاد منه ان صح فائدة عظيمة هي متقررة وهي مداومة الدعاء‬
‫‪ ..‬مداومة الدعاء واال لحاح وان االنسان ال يتوقف ‪ ..‬فالنبي ﷺ بناءا على هذا الحديث إن‬
‫ثبت دعا اْلثنين ثم دعا الثالثاء ثم إستجيب له قي اْلربعاء ‪ ..‬فبعض الناس ياتي ويقصد‬
‫اْلربعاء نفسه فال يكون حتى وإن صح الحديث ْل يكون طبق الحديث ‪ْ ..‬لن النبي ما خص‬
‫عليه الصالة والسالم اْلربعاء وإنما دعى اْلثنين ثم دعى الثالثاء ثم دعى اْلربعاء فاستجيب‬
‫له في اْلربعاء ‪ ..‬فالفائدة التي تستفاد منه إن صح هي اإللحاح "ادعوا ربكم تضرعا " ويك ثر‬
‫من الدعاء ويلح على هللا سبحانه وتعالى فيه ‪ ..‬وما جاء في الحديث ان جابرا قال ‪ :‬لم‬
‫تعرض لي حاجة اال تحريت ذلك الوقت ‪ ..‬هذا غير ثابت على الصحيح ‪..‬غير ثابت عنه‬
‫رضي هللا عنه ‪ ...‬نعم‬
‫س_ يقول ظلمني احد الموظفين في البلدية ومزق اوراقي وقد كنت اعطيتها له ‪..‬‬
‫فاعتراني شعور بالظلم فدعوت هللا عليه ان يمزقه كما مزق اوراقي ‪..‬فمات بعد سنتين او‬
‫ثِلث في حادث مروري مزقت فيه جثته بحيث لم يستطيع ان يغسل او يك فن ‪..‬بل‬
‫وضعوه في كيس بِلستيكي مخصص لذلك ‪ ..‬هل علي اثم او هل علي شيء فيما دعوت‬
‫عليه؟‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫العقوبة حتى في دعاء الشخص على من ظلمه ْل يتجاوز فيها حد المظلمة ‪ ..‬وهذا يخطي فيه‬
‫ك ثير من الناس ‪ ..‬يعني بعض الناس يظلم في قضية ما معينة وفي مصلحة من المصالح‬
‫الدنيوية فيدعوا على من ظلمه بان يجعله من اهل النار مخلدا فيها ‪ ..‬هذا ظلم ‪..‬او يدعوا‬
‫َ‬
‫عليه باشياء اعظم من الذنب ‪ ..‬هللا ييقول( َو ِان َع َاقب ُتم َف َع ِاق ُبوا ِب ِمث ِل َما ُع ِوقب ُتم ِب ِه َول ِئن‬
‫صابِ ِرينََّّ) ويف سورة الشورى قال جل وعال (‪َ { :‬و َج َز ُاء َس ِي َئة َس ِي َئة ِمث ُل َها‬ ‫َص َبرتم ل ُه َو َخير لِِّل م‬
‫ُ َ‬
‫َّللا ان ُه َال ُي ِحب الظا ِلم َ‬
‫ين })‪..‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ف َمن َع َفا َواصل َح فاج ُر ُه َعلى ِِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اخد العلماء من هذه اْلية ان المراتب ثِلثة‪ .. :‬المراتب في هذا الباب ثِلثة ‪-:‬‬
‫اْلولى‪َ " :‬و َج َز ُاء َس ِي َئة َس ِي َئة ِمث ُل َها"‪ ..‬وهذا عدل ‪َ "..‬و ِان َع َاقب ُتم َف َع ِاق ُبوا ِب ِمث ِل َما ُع ِوقب ُتم‬
‫ِب ِه"‬
‫َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬
‫المرتبة الثانية‪ :‬العفو‪ :‬وهذا اكمل ‪" ..‬ف َمن َع َفا َواصل َح فاج ُر ُه َعلى ِ‬
‫َّللا"‪..‬‬
‫ين "‪ ..‬ففي مثل هذه اْلمور ياتي السؤال اْلن‬ ‫والمرتبة الثالثة‪ :‬الظلم ‪ "..‬ان ُه َال ُي ِحب الظا ِلم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ..‬اذا مزق الموظف ورقة االنسان ‪ ..‬هل تمزيق الورقة يستحق به عقوبة شرعية ان يؤتى‬
‫به ويمزق بدنه‪..‬هل يستحق؟ ‪ ..‬هو ْل يستحق ذلك لتمزيق الورقة ‪ ..‬نعم هناك عقوبات‬
‫اخرى يكون مستحقا لها ‪..‬لكن إتفاقا ليس مستحقا ان يمزق بدنه ‪ ..‬إذا ْل يصح ان يدعى‬
‫عليه بذلك ‪ ...‬وقد يكون هذا اْلمر منية ذلك الرجل وْل عالقة لها بدعوة هذا الداعي او يكون‬
‫دعا عليه بامر ْل يستحقه ‪ْ ..‬ل يستحق ان يدعي عليه في مثل ذلك بمثل هذا الدعاء ‪َ "..‬و َيد ُع‬
‫نس ُان ِبالش ِر ُد َع َاء ُه ِبال َخي ِر َو َك َان اال َ‬
‫نس ُان َع ُجوال‪"..‬‬ ‫اال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واين التسرع في مثل هذا الدعاء‪..‬؟مما وقفت عليه في ترجمة عون بن عبد هللا في" سيرة‬
‫اعالم النبالء" وهي فائدة ثمينة ادعوا الجميع إلى تقييدها إما في الذهن او ك تابة ‪ ..‬ذكروا في‬
‫ترجمته كانوا اذا اشتد غضبه من شخص قال ‪ :‬بارك هللا فيك ‪ ..‬مرة رويتها في احد‬
‫المجالس قال ‪":‬هذا وهو مرتاح ماهو غضبان ‪ ..‬بماذا يدعوا ‪..‬إذا كان في شدة الغضب بارك‬
‫هللا فيك؟ فكيف وهو مرتاح؟ ‪ ..‬فالحاصل إلى ان اْلنسان ما ينبغي ان يتسرع وهذا من‬
‫اْلستعجال في الدعاء ‪ ...‬نعم‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع‬

‫س_ يقول‪ :‬جزاك هللا خيرا ‪ ..‬هل من اك ثر من الدعاء فقط في طلب االمور والمصالح‬
‫الدنيوية ‪ ..‬هل عليه شيء ؟‬

‫اس َمن َي ُق ُول َرب َنا ا ِت َنا‬ ‫َ َ‬


‫هللا جل وعال قال في سورة البقرة عقب ذكر احكام الحج ‪ (:‬ف ِمن الن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِفي الدن َيا َو َما ل ُه ِفي اال ِخ َر ِة ِمن َخِلق * َو ِمن ُهم من َي ُق ُول َرب َنا ا ِت َنا ِفي الدن َيا َح َس َنة َو ِفي‬
‫اب الن ِار) وهذه الدعوة صح من حديث انس بن مالك رضي هللا عنه‬ ‫اال ِخ َر ِة َح َس َنة َو ِق َنا َع َذ َ‬
‫انها كانت اك ثر دعوات النبي صلوات هللا وسالمه عليه‪,‬فال ينبغي لإلنسان ان يقصر دعائه‬
‫على اْلمور الدنيوية فقط‪ ,‬فهو إلى امور اْلخرة احوج وضرورته إلى اْلخرة احوج ‪ ..‬قد يدعوا‬
‫بحاجات في الدنيا وهو غدا سيغادر الدنيا ويلقى هللا سبحانه وتعالى ويلقى اليوم اْلخر و ما‬
‫فيه ‪ ..‬فحاجته إلى السؤال بما يتعلق باليوم اْلخر اعظم وضرورته إليه الزم واشد ‪ ...‬نعم‬
‫َ‬
‫س_ احسن هللا اليك ‪..‬يقول‪ :‬لماذا اشتد خوف السلف من هذه االية " َو َب َدا ل ُهم ِم َن‬
‫ون "‬ ‫َّللا َما َلم َي ُك ُونوا َيح َت ِس ُب َ‬‫ِ‬
‫هذا من عظم إيمانهم رضي هللا عنهم ‪ْ ..‬لنه كلما عظم اْليمان عظم الخوف ‪ ..‬ومثل ماقال‬
‫الحسن رضي هللا عنه ‪ :‬إن المؤمن جمع بين إحسان ومخافة ‪ ..‬فمثل هذا اْلية توجب‬
‫ون‪ ..‬فيخاف اْلنسان يخاف ان يرد ‪..‬‬ ‫َّللا َما َلم َي ُك ُونوا َيح َت ِس ُب َ‬ ‫َ‬
‫الخوف ‪َ ..‬و َب َدا ل ُهم ِم َن ِ‬
‫َّللا َما َلم َي ُك ُونوا َيح َت ِس ُب َ‬ ‫َ‬ ‫" ُا ََٰولئ َك الذ َين َلم ُيرد ُ َ َ ُ ُ‬
‫ون"‪.‬‬ ‫َّللا ان ُيط ِه َر قل َوب ُهم‪َ ".".‬و َب َدا ل ُهم ِم َن ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مثل هذه الدعوات تحرك في القلب وْل شك خوفا عظيما وهذا من كمان ايمانهم ‪ ..‬يقول‬
‫الحسن ‪ :‬المؤمن جمع بين إحسان ومخافة والمنافق جمع بين إساءة وامن ‪ ..‬قد ذكر هللا‬
‫ون َما ا َتوا و ُق ُل ُوب ُهم‬
‫سبحانه وتعالى في صفة المؤمنين الكمل ‪..‬قال جل وعال ( َوال ِذ َين ُيؤ ُت َ‬
‫َو ِج َلة َان ُهم ا َل َٰى َربهم َر ِاج ُع َ‬
‫ون)‪.‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ْل إله إْل انت استغفرك واتوب إليك ‪ ...‬اللهم صل وسلم‬
‫على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك*‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه‬
‫اجمعين‪ ،‬اما بعد‪ ،‬يقول العالمة ابن قيم الجوزية رحمه هللا تعالى في ك تابه " الداء والدواء"‬
‫ُّ ْ‬ ‫الد ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة‪َ ،‬و ُح ُص َول ُّ‬ ‫َ َْ‬ ‫َو َق ْد َرَّت َب َّ ُ‬
‫الد ْن َيا َوال ِخ َر ِة ِفي‬ ‫الس ُرو ِر ِفي‬ ‫ات في ُّ‬ ‫َ‬
‫َّللا ُس ْب َحان ُه ُح ُصول الخ ْي َر ِ ِ‬
‫ول َع َلى ْال ِع َّل ِة‪َ ،‬و ْال ُم َس َّب ِب َع َلى َّ‬
‫الس َب ِب‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫ِ‬
‫الش ْرط‪َ ،‬و ْال َم ْع ُ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ِك َتاب ِه َع َلى ْ َال ْع َمال‪ُ ،‬ت َرُّت َب ْال َج َز ِاء َع َلى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِفي الق ْرا ِن َي ِزيد َعلى ال ِف َم ْو ِض ٍع‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َف َت َار ًة ُي َرِت ُب الجزاء على الحكم ْال َك ْو ِن َّي’‪َ ,‬و ْ َال ْم َر َّ‬
‫الش ْر ِع َّي َع َلى ال َو ْص ِف ال ُم َن ِاس ِب ل ُه َك َق ْو ِل ِه َت َعالى‪:‬‬
‫ين} ُ ُ ْ َ‬ ‫{ َف َل َّما َع َت ْوا َع ْن َما ُن ُهوا َع ْن ُه ُق ْل َنا َل ُه ْم ُك ُونوا ِق َر َد ًة َخ ِاس ِئ َ‬
‫اف‪. ]166 :‬‬ ‫[سو َرة ال ْع َر ِ‬
‫[سو َر ُة ُّالز ْخ ُر ِف‪. ]55 :‬‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َل َّما ا َس ُف َونا ْان َت َق ْم َنا ِم ْن ُه ْم} ُ‬
‫ْ‬
‫الس ِار َق ُة َف ْاق َط ُعوا َا ْي ِد َي ُه َما َج َز ًاء ِب َما َك َس َبا نكال} [ال َما ِئ َد ِة‪. ]83 :‬‬
‫الس ِار ُق َو َّ‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪َ { :‬و َّ‬
‫ين َو ْال ُم ْؤم َنات َو ْال َقا ِن ِت َ ْ َ‬
‫ات َو ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫َّ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫َو َق ْو ِل ِه‪ِ { :‬ان المس ِل ِم‬
‫ين‬ ‫الص ِاد ِق َ‬
‫ات َو َّ‬ ‫ين َوالقا ِن َت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ين َوال ُم ْس ِل َم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُْ َ َ ْ‬ ‫الصاب َرات َو ْال َخاشع َ ْ َ‬ ‫َو َّ َ‬
‫ات‬‫ين َوال ُم َت َص ِدق ِ‬ ‫ات والمتص ِد ِق‬ ‫ين َوالخ ِاش َع ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصا ِب ِر َين َو َّ ِ ِ‬ ‫ات َو َّ‬ ‫الص ِادق ِ‬
‫ات َا َع َّد َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫الذاكر َين َّ َ َ‬ ‫ين ُف ُرو َج ُه ْم َو ْال َحاف َظ َ َّ‬ ‫ات َو ْال َح ِاف ِظ َ‬ ‫الصا ِئم َ‬
‫َّللا‬ ‫َّللا ك ِث ًيرا َوالذا ِك َر ِ‬ ‫ات و ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصا ِئ َم ِ‬‫ين َو َّ‬ ‫َو َّ ِ‬
‫َْ َْ‬ ‫َ َْ ً َ ْ‬
‫اب‪. ]35 :‬‬ ‫ل ُه ْم مغ ِف َرة َواج ًرا َع ِظ ًيما } [الحز ِ‬
‫وهذا ك ثيرا جدا ‪.‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ل اله ال هللا وحده ل شريك له واشهد‬
‫ان محمدا عبده ورسوله ﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين‪ ،‬اما بعد‪.‬‬
‫فهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه هللا تعالى واشار الى ك ثرته في القران الكريم وان مواطن وروده‬
‫موضعا وذكر نحو هذا ا ً‬
‫يضا في ك تابه مفتاح دار السعادة ‪ ,‬مبني على ما‬ ‫ً‬ ‫في القران يزيد على ال لف‬
‫سبق مما يتعلق بالدعاء ‪ ,‬وان العناية بالدعاء هو من دفع القدر بالقدر ‪ ,‬لن الدعاء ٌ‬
‫سبب يبذله‬
‫العبد واذا ُوفق العبد للدعاء فهو من قدر هللا وهو ا ً‬
‫يضا من توفيق هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫ومر معنا في الحديث قول نبينا ﷺ ( ل يرد القدر ال الدعاء ) والدعاء من القدر ونحو هذا ما‬
‫يت يا رسول هللا ً‬
‫دواءا نتداوى به او رقية‬ ‫جاء في الحديث الخر قال عليه الصالة والسالم ( ارا َ‬
‫نسترقيها ايرد ذلك من قدر هللا شيء قال هي من قدر هللا ) ‪.‬‬
‫بالوباء بعد مشورة مع الصحابة ثم‬ ‫وعمر رضي هللا عنه في قصة رجوعه عن البلد الذي اصيب َ‬
‫تفر من قدر هللا ؟ قال له‪ :‬لو قالها غيرك يا ابا عبيدة ! نفر‬‫عزم على الرجوع فقال له ابو عبيدة ا ُّ‬
‫عجيبا قال لو جئت الى ً‬
‫واديا فيها عدوتان جهتان‬ ‫ً‬ ‫من قدر هللا الى قدر هللا ثم ضرب ً‬
‫مثال‬
‫ناحيتان احداهما فيها مرعى والخرى ل مرعى فيها ان رعيت ابلك في العدوة التي فيها مرعى‬
‫فهذا بقدر وان رعيتها في الذي ل مرعى فيه فهذا بقدر ‪ ,‬يقصد ان‪ :‬النسان ان جاء الى مثل هذا‬
‫الموطن سيذهب الى الذي فيه المرعى ما يقول المور بقدر ويذهب الى المكان الذي ل مرعى فيه‬
‫بل يبذل السبب‪ ,‬والسبب اذا وفق له العبد فهو من قدر هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫فهو يريد ان يؤكد رحمه هللا تعالى على ِع َظم شان الدعاء ِوع َظم عوائده على العبد وفوائده في‬
‫الدنيا والخرة وا َّن ما اشار اليه رحمه هللا تعالى من قول او من ذلك السؤال اذا كان الدعاء او‬
‫مقد ًرا فما الحاجة الى الدعاء ؟‪َّ ,‬‬
‫وبي َن رحمة هللا عليه ا َّن السؤال في اصله‬ ‫المر الذي ندعو به َّ‬
‫فاسد ‪ ,‬ل َّن الدعاء سبب مامور به وهو من قدر هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫المقدرة على العبد من وقوع بالء او عدم وقوعه ‪ ,‬من حصول ِش َّد ٍة او‬ ‫ومن المعلوم ا َّن المور َّ‬
‫عدم حصولها الى غير ذلك ا ٌمر ُم َّغيب عن العبد ل يدري ‪ ,‬لكن العبد مامور ببذل السباب التي‬
‫يضا ان يحرص على الدعاء الذي في المحافظة عليه‬ ‫ومطلوب منه ا ً‬
‫ٌ‬ ‫تكون بها العافية والسالمة ‪,‬‬
‫لح في الدعاء وان ُيك ِثر وان ل يقنط من‬ ‫العافية والسالمة ‪ ,‬بل ُا ِم َر ان يواظب على الدعاء وان ُي َّ‬
‫رحمة هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وحصول الشرور‬ ‫الخيرات في الدنيا والخرة ُ‬ ‫فذكر رحمه هللا هنا‪ :‬انه قد َرَّت َب هللا سبحانه ُحصول َ‬
‫الع َّلة ‪,‬‬‫في الدنيا والخرة في ك تابه على العمال‪ ,‬ترتيب الجزاء على الشر ‪ ,‬وترتيب المعلول على ِ‬
‫والعلة‪ :‬هي الموجبة للحكم ‪,‬والمعلول‪ :‬هو الحكم هو الذي اوجبته العلة ‪ُ ,‬‬
‫والم َس َّبب على َس َب ِب ِه ‪,‬‬
‫ثوابا او ً‬
‫عقابا ُمرتب على العمل ‪.‬‬ ‫الجزاء ً‬‫فكما ا َّن هذه ُم َرَّتبة بعضها على بعض فكذلك َ‬
‫عقابا وا ً‬
‫يضا حصول الخيرات في الدنيا‬ ‫ثوابا او ً‬
‫وترتيب حصول الخيرات في الدنيا والخرة يعني‪ً :‬‬
‫والخرة وحصول الشرور في الدنيا والخرة اي في باب الثواب والعقاب ‪-‬الدنيوي والخروي‪ -‬كله‬
‫في ك تاب هللا مرتب على العمال قال ‪ :‬وهذا في القران يزيد على الف موضع هنا هذه الكلمة‬
‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫ذكرها وذكر نحوها في ك تاب" مفتاح دار السعادة" عندما تقف على مثل هذه الكلمة لعالم مثل‬
‫ابن القيم رحمة هللا عليه تدرك العناية العظيمة منه بك تاب هللا ‪ ,‬حتى لما ذكر هذه العبارة في‬
‫ك تابه مفتاح دار السعادة قال ‪ :‬لو كان هذا في القران والسنة في نحو مئة موضع او مئتين‬
‫عناية منه بتدبر‬ ‫بطرق متنوعة ‪ِ ،‬وذكر هذا الرقم مبني على ٍ‬ ‫لسقناها ‪,‬ولكنه يزيد على الف موضع ٍ‬
‫ك تاب هللا سبحانه وتعالى وهذا يفتح لطالب العلم نافذة في هذا التحصيل العظيم بالتدبر ‪,‬‬
‫ُ‬ ‫َ ٌ ْ َ‬
‫اب َا َنزل َن ُاه ِال ْي َك ُم َب َار ٌك ِل َي َّد َّب ُروا ا َيا ِت ِه َو ِل َي َت َذ َّك َر ُاولوا‬‫التدبر لك تاب هللا سبحانه وتعالى { ِك ت‬
‫َْْ‬
‫ال ل َب ِ‬
‫اب}‪.‬‬
‫ثم ذكر هنا رحمه هللا‪ :‬ا َّن هذا جاء على انواع‪ -‬يعني بطرق متنوعة‪ -‬وذكر امثلة ‪,‬والنوع ‪:‬هو ما‬
‫يدخل تحته افراد عديدة من المثلة فذكر انواع ‪ .‬النوع الول ذكره رحمه هللا بترتب الجزاء على‬
‫والحكم‪ُ -:‬حكم كوني و قدري و ُحكم امري شرعي ‪ ,‬ترتبه عليه على الوصف المناسب له‬ ‫الحكم ‪ُ ,‬‬ ‫ُ‬
‫يعني بحسب الوصف المناسب له ‪ ،‬وذكر امثلة على ذلك { َف َل َّما ا َس ُف َونا َانت َق ْم َنا ِم ْن ُه ْم } النتقام‬
‫هو الجزاء وهو مترتب على ماذا ؟ على ما ذكره هللا عنهم بقوله { ا َس ُف َونا } ومعنى اسفونا‪ :‬اي‬
‫اغضبونا والسف شدة الغضب‪,‬‬
‫ً‬ ‫السار ُق َو َّ َ َ ْ َ َ‬
‫َّللا} هذا في العقوبات ‪ .‬في باب‬ ‫الس ِارق ُة فاقط ُعوا ا ْي ِد َي ُه َما َج َز ًاء ِب َما َك َس َبا َن َكال ِم َن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ َو َّ‬
‫َ َ َّ ُ َ‬ ‫والمسلمات } ثم ذكر ا ً‬
‫غف َر ًة‬
‫هللا ل ُهم َم ِ‬ ‫وصافا عديدة لهم َخ َتمها بقوله { اعد‬ ‫المسلمين ُ‬ ‫الثواب { ا َّن ُ‬
‫ظيما } وهذا في القران ك ثير ‪.‬نعم ‪.‬‬ ‫َواج ًرا َع ً‬

‫َ‬ ‫الش ْر ِط َو ْال َج َز ِاء َك َق ْو ِل ِه َت َع َالى‪{ :‬ا ْن َت َّت ُقوا َّ َ‬


‫َّللا َي ْج َع ْل ل ُك ْم ُف ْر َق ًانا َو ُي َك ِف ْر َع ْن ُك ْم‬ ‫َو َت َار ًة ُي َرِت ُب ُه َع َل ْي ِه ب ِص َيغ ِة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ََْ ْ َ ُ ْ ُ َُ ْ‬
‫س ِيَئ ِتكم ويغ ِفر لكم} [سورة النف ِال‪]29 :‬‬
‫الدين} َّ‬
‫[الت ْو َب ِة‪. ]11 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫الص َال َة َوا َت ُوا َّالز َك َاة َفا ْخ َو ُان ُك ْ‬
‫م‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪َ { :‬فا ْن َت ُابوا َو َا َق ُاموا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ً َ َ ً ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال ِج ِن‪. ]16 :‬‬ ‫وقو ِل ِه‪{ :‬وان ل ِو استقاموا على الط ِريق ِة لسقيناهم ماء غدقا}‬
‫هذا نوع اخر من هذا الباب تارة يرتبه عليه بصيغة الشرط والجزاء { ا ْن َت َّت ُقوا َّ َ‬
‫َّللا } هذا الشرط {‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َي ْج َع ْل ل ُك ْم ُف ْر َق ًانا َو ُي َك ِف ْر َع ْن ُك ْم َس ِي ََئ ِت ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر ل ُك ْم } هذا هو الجزاء‪ { ,‬ف ِان تابوا } هذا هو الشرط‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫{ َو َا َق ُاموا َّ َ َ‬
‫الدين } هذا هو الجزاء ‪ .‬فاخوانكم في الدين اي ان‬ ‫الصالة َوات ُوا َّالزكاة فاخوانكم في ِ‬
‫حصل منهم ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫الة َوا َت ُوا َّالز َك َاة َف َخ ُّلوا َس ِب َيل ُه ْم }‬


‫الص َ‬‫ومثلها { َفا ْن َت ُابوا َو َا َق ُاموا َّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫} َو َال ِو ْاس َت َق ُاموا } هذا الشرط { َل ْس َق ْي َن ُاه ْم } هذا الجزاء ‪َ { .‬ول ْو َا َّن َا ْه َل ال ُق َر ٰى ا َم ُنوا َو َّات َق ْوا ل َف َت ْح َنا‬
‫ض}‬ ‫ر‬ ‫الس َم ِاء َو ْ َال ْ‬
‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ات ِم َ‬
‫ٍ‬
‫َع َل ْيهم َب َر َ‬
‫ك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َّالن ِع ِيم } (والية التي‬
‫ََْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َّ َ‬
‫اب ا َم ُنوا َواتق ْوا لك ف ْرنا َع ْن ُه ْم َس ِيَئ ِت ِه ْم َولدخل َن ُاه ْم َج َّن ِ‬ ‫َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ َ‬
‫{ َولو ان اهل ال ِك ت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بعدها( " َول ْو َا َّن ُه ْم َا َق ُاموا َّالت ْو َر َاة َو ِال ِنج َيل َو َما ُا ِنز َل ِال ْي ِهم ِمن َّرِب ِه ْم َل َك ُلوا ) ‪.‬‬
‫َ َ َّ ُ ُ ْ َ ْ‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ب َال ِم َّالت ْع ِل َ َ ْ‬
‫[سو َر ُة ص‪. ]29 :‬‬ ‫اب} ُ‬ ‫َّ َّ َ‬
‫يل ك قو ِل ِه‪ِ { :‬ل َيدب ُروا ايا ِت ِه َو ِل َيتذك َر اولو ال ل َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ً ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال َب َق َر ِة‪. ]143 :‬‬ ‫اس ويكون الرسول عليكم ش ِهيدا}‬ ‫وقو ِل ِه‪ِ { :‬لتكونوا شهداء على الن ِ‬
‫نعم تارة ياتي بالم التعليل فقوله عز وجل { ِل َي َّد َّب ُروا ا َيا ِت ِه } الالم هنا لم التعليل اي انما انزل‬
‫ْ‬ ‫ٰ‬ ‫َ ٌ ْ َ‬
‫اب َا َنزل َن ُاه ِال ْي َك ُم َب َار ٌك ِل َي َّد َّب ُروا ا َيا ِت ِه } وكذلك قوله { َو َك َذ ِل َك َج َعل َن ُاك ْم‬ ‫القران لجل ذلك ذلك { ِك ت‬
‫ون َّالر ُس ُول َعل ْي ُك ْم شهيدا } الالم هنا لم التعليل ‪-‬نعم ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُا َّم ًة َو َس ًطا ِل َت ُك ُونوا ُش َه َد َاء َع َلى َّالناس َو َي ُك َ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ ً َ ْ َ َ َ َّ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ُ َ ً َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال َح ْش ِر‪:‬‬ ‫يل ك قو ِل ِه‪{ :‬كي ل يكون دولة بين الغ ِني ِاء ِمنكم}‬ ‫وتارة يا ِتي ِباد ِاة ك ِي ال ِتي ِللتع ِل ِ‬
‫‪. ]77‬‬
‫الس َب ِب َّي ِة‪َ ،‬ك َق ْو ِل ِه َت َع َالى‪َ { :‬ذ ِل َك ِب َما َق َّد َم ْت َا ْي ِد ُيك ْم} ُ‬
‫[سو َر ُة ا ِل ِع ْم َر َان‪. ]182 :‬‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ِب َب ِاء َّ‬
‫َ ُُْ ْ َْ َُ َ ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال َما ِئ َد ِة‪. ]105 :‬‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪ِ { :‬بما كنتم تعملون}‬
‫[سو َر ُة ا ِل ِع ْم َر َان‪:‬‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪{ :‬ب َما ُك ْن ُت ْم َت ْك ِس ُب َ‬
‫َّللا} ُ‬ ‫ون} ‪َ ،‬وق ْو ِل ِه‪{ :‬ذ ِل َك ِبان ُه ْم كانوا َيك ف ُرو َن ِبا َي ِ‬ ‫ِ‬
‫‪. ]112‬‬

‫نعم الباء هنا يعني‪ :‬هي سبب ان كان عقوبة ما ذكر في السياق فهي السبب لتلك العقوبة وان‬
‫كان ثوابا فهو سبب لذلك الثواب { ْاد ُخ ُلوا ْال َج َّن َة ب َما ُك ُنت ْم َت ْع َم ُل َ‬
‫ون} الباء هنا سببية اي بسبب‬ ‫ِ‬
‫اعمالكم ‪.‬‬
‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ب ْال َم ْف ُعول ِ َل ْج ِل ِه َظ ِاه ًرا َا ْو َم ْح ُذ ًوفا‪َ ،‬ك َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َر ُج ٌل َو ْام َ َرا َتان م َّم ْن َت ْر َض ْو َن م َن ُّ‬
‫الش َه َد ِاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َا ْن َت ِض َّل ا ْح َد ُاه َما ف ُتذ ِك َر ا ْح َد ُاه َما الخ َرى} ُ‬
‫َ‬
‫[سو َرة ال َبق َر ِة‪. ]282 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫ين} ُ ُ ْ َ‬ ‫َو َك َق ْو ِل ِه َت َع َالى‪َ { :‬ا ْن َت ُق ُولوا َي ْو َم ْال ِق َي َام ِة ا َّنا ُك َّنا َع ْن َه َذا َغ ِاف ِل َ‬
‫[سو َرة ال ْع َر ِ‬
‫اف‪]172 :‬‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َّ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ ُ ْ‬
‫[سو َر ُة َال ْن َع ِام‪َ ، ]156 :‬ا ْي‪َ :‬ك َر َاه َة َا ْن‬ ‫وقو ِل ِه‪{ :‬ان تقولوا ِانما ان ِزل ال ِك تاب على طا ِئفتي ِن ِمن قب ِلنا}‬
‫ُ‬
‫َت ُقولوا‪.‬‬
‫ً‬
‫محذوفا ك قوله { َف َر ُج ٌل َو ْام َ َرا َت ِان ِم َّمن َت ْر َض ْو َن ِم َن‬ ‫نعم تارة ياتي بالمفعول لجله ظاهرا او‬
‫الش َه َداء َان َتض َّل } المصدر المؤول هنا "ان َّ‬
‫تضل" في محل نصب مفعول لجله ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫الس َب ِب َّي ِة َك َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َك َّذ ُب ُوه َف َع َق ُرو َها َف َد ْم َد َم َع َل ْي ِه ْم َرُّب ُه ْم ِب َذ ْن ِب ِه ْم َف َس َّو َاها} ُ‬
‫[سو َر ُة‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ِب َف ِاء َّ‬
‫س‪. ]14 :‬‬ ‫َّ ْ‬
‫الشم ِ‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ََ َ َ ُ ْ َ ْ َ ً َ َ ً ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال َح َّاق ِة‪. ]10 :‬‬ ‫وقو ِل ِه‪{ :‬فعصوا رسول رِب ِهم فاخذهم اخذة را ِبية}‬
‫ون‪. ]48 :‬‬ ‫ين} ْال ُم ْؤ ِم ُن َ‬‫وه َما َف َك ُانوا ِم َن ْال ُم ْه َل ِك َ‬ ‫َو َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َك َّذ ُب ُ‬
‫الد َّال ِة َع َلى ْال َج َز ِاء‪َ ،‬ك َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َل َّما ا َس ُف َونا ْان َت َق ْم َنا ِم ْن ُه ْم} ُ‬
‫[سو َر ُة ُّالز ْخ ُر ِف‪.]55 :‬‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ب َا َداة [ َل َّما] َّ‬
‫ِ ِ‬
‫َو َن َظا ِئ ِر ِه‪.‬‬

‫فاء السببية هنا في الية الولى { فدمدم } الفاء في ( فدمدم ) هذه فاء السببية وفي الثانية‬
‫( فاخذهم ) وفي الثالثة ( فكانوا من ُ‬
‫المهلكين ) وتارة ياتي بفاء َّ‬
‫السببية ‪ ،‬فاء السببية هي يؤتى‬
‫بها لترتب السبب على ُم َس َببه ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ً َ ْ َ َ َ َّ َّ َّ‬
‫الدال ِة َع َلى ال َج َز ِاء‪َ ،‬ك َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َل َّما ا َس ُف َونا ْان َت َق ْم َنا ِم ْن ُه ْم} [ ُسو َر ُة ُّالز ْخ ُر ِف‪:‬‬ ‫وتارة يا ِتي ِباد ِاة [لما]‬
‫‪.]55‬‬
‫َو َن َظا ِئ ِر ِه‪.‬‬
‫ُ ْ‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي با َّن َو َما َعم َل ْت فيه‪َ ،‬ك َق ْوله‪{ :‬ا َّن ُه ْم َك ُانوا ُي َسار ُع َ ْ َ‬
‫[سو َر ُة َال ْن ِب َي ِاء‪. ]90 :‬‬ ‫ات}‬ ‫ون ِفي الخ ْي َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫[ال ْن ِب َي ِاء‪. ]77 :‬‬ ‫ين} ْ َ‬ ‫َو َق ْو ِل ِه ِفي َض ْو ِء َه ُؤ َل ِء‪{ :‬ا َّن ُه ْم َك ُانوا َق ْو َم َس ْو ٍء َف َا ْغ َر ْق َن ُاه ْم َا ْج َم ِع َ‬
‫ِ‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫نعم يعني الولون ‪-‬مسارعتهم في الخيرات‪ -‬هي سبب فوزهم بنعيم هللا سبحانه وتعالى ورضوانه‪,‬‬
‫والخرون لما كانوا َقوم َسوء استحقوا هذه العقوبة عقوبة هللا سبحانه وتعالى لنهم قوم سوء ‪.‬‬

‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ َ‬


‫الدال ِة َع َلى ْارِت َب ِاط َما َق ْب َل َها ِب َما َب ْع َد َها‪َ ،‬ك َق ْو ِل ِه‪َ { :‬ف َل ْول َا َّن ُه َك َان ِم َن‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي ِب َا َد ِاة " ل ْول "‪،‬‬
‫ات‪. ]144 - 143 :‬‬ ‫[سو َر ُة َّ َّ‬
‫الصاف ِ‬ ‫ون } ُ‬ ‫ين ‪َ -‬ل َلب َث ِفي َب ْط ِن ِه ا َلى َي ْو ِم ُي ْب َع ُث َ‬ ‫ْال ُم َسب ِح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين } نعم‪.‬‬ ‫نعم يعني ان التسبيح نجاة للعبد { َو َك َٰذ ِل َك ُن ِنجي ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ ُ ْ َ َ ُ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫ون ِب ِه ل َك َان َخ ْي ًرا ل ُه ْم}‬ ‫َو َت َار ًة َي ْا ِتي " ِب َل ِو " الدال ِة على الشر ِط ك قو ِل ِه‪{ :‬ولو انهم فعلوا ما يوعظ‬
‫[ ُسو َر ُة ِالن َس ِاء‪. ]66 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ ٌ ُ َ ُّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الش ِر َو َال ْح َك ِام ال َك ْو ِن َّي ِة‬ ‫َو ِبال ُج ْم َل ِة َفال ُق ْرا ُن ِم ْن َا َّو ِل ِه ِالى ا ِخ ِر ِه ص ِريح ِفي ترت ِب الجز ِاء ِبالخي ِر و‬
‫اب‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫الد ْن َيا َو ْالخ َرة َو َم َصالحه َما َو َم َفاسده َما َع َلى ْ َ‬
‫ال‬ ‫َو ْ َال ْمرَّية َع َلى ْ َال ْس َباب‪َ ،‬ب ْل َت ْرِتيب َا ْح َكام ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ْ‬
‫َو َال ْع َم ِال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َو َم ْن َت َف َّق َه ِفي َه ِذ ِه ال َم ْس َال ِة َو َت َا َّم َل َها َح َّق َّالت َا ُّم ِل ْان َت َف َع ِب َها َغ َاي َة َّالن ْف ِع‪ ،‬ومن َي َّت ِك ْل َع َلى ال َق َد ِر َج ْهال‬
‫ً‬
‫ون َت َو ُّك ُل ُه َع ْج ًزا‪َ ،‬و َع ْج ُز ُه َت َو ُّكال‪،‬‬
‫يطا َوا َض َاع ًة‪َ ،‬ف َي ُك ُ‬
‫ِ ِ‬
‫م ْن ُه‪َ ،‬و َع ْج ًزا َو َت ْفر ً‬
‫ِ‬
‫يعني هذه المسالة يؤكد رحمة هللا عليه على اهمية ان يفقهها العبد ‪ ,‬وان ُيعنى بها واشار رحمه‬
‫هللا ان ورود شواهدها في القران يزيد على ال لف ‪ ,‬وهذا كله بالتامل والتدبر ُيعين العبد على‬
‫َالبذل لالسباب النافعة التي مالتها على العبد في الدنيا حميدة في الدنيا والخرة ‪ ,‬وفي الوقت‬
‫نفسه ان يحذر العبد اشد الحذر من السباب الضارة والعمال الضارة التي يترتب على وقوع‬
‫العبد فيها الشر والمالت السيئة في الدنيا والخرة فاذا فقه العبد ذلك واحسن فهمه اعانه على‬
‫بذل السبب النافع والبعد عن السبب السيء ‪.‬‬
‫جهال منه وعج ًزا وتفر ً‬
‫يطا واضاعة بل هذه اليات الك ثيرة التي امثلتها‬ ‫قال ولم يتكل على القدر ً‬
‫تزيد على ال لف تدفع العبد الى ان يجتهد في فعل السباب وبذلها فيما يحقق له المصلحة‬
‫والمنفعة في امور دينه ودنياه‪ .‬يبذل السباب ول يتكل على القدر لنه اذا اتكل على القدر يكون‬
‫وتواكال اذا اتكل على القدر َوع َّطل السباب يكون حينئذ توكله عج ًزا وت ً‬
‫واكال‪ ,‬وعجزه‬ ‫ً‬ ‫توكله عج ًزا‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫ً‬
‫وكسال يقول في‬ ‫توكال‪ ,‬يقول ابن القيم وعجزه ً‬
‫توكال يعني عندما يترك العمال النافعة عج ًزا‬ ‫ً‬
‫توكال وليس المر كذلك ‪ ،‬التوكل مربوط في النصوص‬ ‫نفسه ماذا ؟ انه متوكل! فيصف عجزه بانه ً‬
‫ِبفعل السباب وبذلها ولهذا قال عليه الصالة والسالم ( لو توكلتم على هللا حق توكله لرزقكم كما‬
‫يرزق الطير ) ‪ ,‬ثم بين عليه الصالة والسالم ان الطير ل تبقى في ُع ِشها‪ ,‬بل تبذل السبب تغدو‬
‫ماصا اي جائعة بحاجة الى الطعام‬‫في الصباح الباكر تبحث عن َعيشها وطعامها وغذائها تغدو خ ً‬
‫ِ‬
‫وتروح يعني في المساء ً‬
‫بطانا َش ِبعة ‪ ،‬بذلت السبب لو توكلتم على هللا حق توكله لرزقكم كما‬
‫يرزق الطير فهذا الحديث نفسه فيه دللة على بذل السبب وان التوكل مرتبط بفعل السباب‪.‬‬
‫َ ْ َ ُ ُ َّ ْ ْ َّ َ ُ ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ ْ‬
‫ض ال َق َد َر‬ ‫قال رحمه هللا‪ :‬ب ِل الف ِقيه كل ال ِفق ِه ال ِذي يرد القدر ِبالقد ِر‪ ،‬ويدفع القدر ِبالقد ِر‪ ،‬ويع ِار‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ ُ َ ْ‬
‫وع َوال َع َط َش َوال َب ْر َد َو َا ْن َو َاع ال َم َخ ِاو ِف‬ ‫ِبالقد ِر‪ ،‬بل ل يم ِكن ِ ِلنس ٍان ان ي ِعيش ِال ِبذ ِلك‪ ،‬ف ِان الج‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َوال َم َح ِاذ ِير ِه َي ِم َن ال َق َد ِر‪.‬‬
‫َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ َّ ُ ْ‬ ‫َو ْال َخ ْل ُق ُك ُّل ُه ْم َسا ُع َ‬
‫َّللا َو َال َه َم ُه ُر ْش َد ُه َي ْد َف ُع َق َد َر‬ ‫ون ِفي دف ِع هذا القد ِر ِبالقد ِر‪ ،‬وهكذا من وفقه‬
‫الصا ِل َحة‪َ ،‬ف َه َذا و َز ُان ْال َق َدر ْال ُم َخوف في ُّ‬
‫الد ْن َيا َو َما‬ ‫ْال ُع ُق َوب ِة ْ ُال ْخ َر ِو َّي ِة ِب َق َدر َّالت ْو َب ِة َو ْال َيمان َو ْ َال ْع َمال َّ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َب ْع ُض َها َب ْع ًضا‪َ ،‬و َل ُي ْب ِط ُل َب ْع ُضهاَ‬ ‫الد َارْين َو ِاح ٌد َو ِح ْك َم ُت ُه َو ِاح َد ٌة َل ُي َن ِاق ُ‬ ‫ُي َض ُّاد ُه َس َو ٌاء‪َ ،‬ف َر ُّب َّ‬
‫ِ‬
‫َب ْع ًضا‪َ ،‬ف َه ِذ ِه ْال َم ْس َا َل ُة ِم ْن َا ْش َر ِف ْال َم َسا ِئل ِل َم ْن َع َر َف َق ْد َر َها‪َ ،‬و َر َع َاها َح َّق ر َع َاي ِت َها‪َ ،‬و َّ ُ‬
‫َّللا ْال ُم ْس َت َعان‪ُ.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه مثل ما وصف‪ -‬مسالة شريفة وعظيمة للغاية ونافعة للمسلم غاية النفع ‪ ,-‬وجدير بكل مسلم‬
‫ان يتامل لن هذا من اعظم الفقه والفهم ‪ ,‬ولهذا َصدرها بقول الفقيه كل الفقيه‪ ,‬هذا من اعظم‬
‫الفقه ومن اعظم الفهم‪ ,‬لدين هللا سبحانه وتعالى ان يرد المرء القدر بالقدر ويدفع القدر بالقدر ‪,‬‬
‫مثال يكاد المر فيه يكون متفق عليه‪ -‬في هذه المسالة ‪ ،-‬قال ل‬ ‫ويعارض القدر بالقدر ثم وضح ً‬
‫يمكن لالنسان ان يعيش ال بذلك فان الجوع والعطش والبرد وانواع المخاوف والمحاذير هي‬
‫من القدر ‪ ,‬والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر ‪ ,‬الجائع والعطشان والبردان ما يبقى‬
‫في مكانه يقول‪ :‬مقدر علي هذا الجوع ول اكل لن هذا مقدر علي ‪ ,‬بل تجده يبحث عن الطعام‬
‫ليس فقط يبحث عن الطعام يبحث عن الجود والشهى والحسن وال لذ ويختار هذا ويترك هذا‬
‫‪ ,‬هنا في مثل هذا الموطن بذل السبب يشتغل بشكل جيد ‪ ,‬يعني يختار لما يات الى مسالة‬
‫الصالة والعبادة وما تكون به النجاة في الدار الخرة يتعللون بهذه المسالة‪ ,‬وعرفنا فيما سبق ان‬
‫من دلئل فساد المذهب تناقض صاحبه وعدم طرد مذهبه في كل المور ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫جدا ‪-‬لما ضرب هذا المثال قال ‪ :‬ومن وفقه هللا‬ ‫يقول ‪-‬لما ضرب هذا المثال انتبه هذا كالم عظيم ً‬
‫والهمه رشده يدفع قدر العقوبة الخروية بقدر التوبة واليمان والعمل الصالح ‪ ،‬يعني مثل ما انه‬
‫يدفع قدر الجوع بال كل ويدفع قدر العطش بالشرب وقدر البرد الشديد بالبحث عن المالبس‬
‫الشتوية المناسبة وهذا جيد وهذا احسن وهذا افضل وهذه المدفاة احسن الخ ‪ ..‬كما انه يسعى‬
‫في هذه السباب فكذلك ينبغي عليه ان يدفع العقوبة الخروية بماذا ؟ ببذل السباب ‪ ،‬مثل ما‬
‫يضا العقوبة الخروية يدفعها ببذل السباب ولهذا‬ ‫هو الن يدفع هذه الشياء ببذل السباب ا ً‬
‫عجبا لمن يتوقى بعض الطعمة الن تجد ك ثير‬ ‫كالما بمعناه ) قال ً‬ ‫عجبا ( ً‬
‫احد المتقدمين قال‪ً :‬‬
‫من الناس يعني يعمل لنفسه حمية من بعض الطعمة وتساله لماذا ؟ يقول اخشى انها تسبب‬
‫ً‬
‫وتوقيا وربما‬ ‫لي كذا او تتعبني في كذا ‪ ,‬حتى بعضهم من غير شكاية يتجنب بعض الطعمة حمية‬
‫مثال ال ك ثار من الطعام ويتوقى من امور ويضبط اموره في هذا الباب حمية يخشى‬ ‫يضا يتوقى ً‬‫ا ً‬
‫من المراض يخشى من التبعات الخ ‪ .‬فاحد المتقدمين يقول ‪:‬‬
‫( ً‬
‫عجبا لمن يتقي بعض الطعمة خوف َم َض َّرِتها ‪..‬كيف ل يتقي الذنوب َخ َ‬
‫وف َم َع َّرِتها )‬
‫الذنوب اذا تمادى فيها العبد افضت به الى النار وهذه الشياء التي هو حريص على اتقائها اذا لم‬
‫يتقيها افضت به الى مضرة دنيوية قد تكون وقد ل تكون لكن الذنوب اذا ما اتقاها العبد افضت‬
‫به الى النار ولهذا لما ُع ِر َفت التقوى في اللغة ماذا قيل في معناها ؟ ان تجعل بينك وبين ما‬
‫تخشاه وقاية تقيك ‪ .‬هذا يوضح التقوى لغة‪ :‬ان تجعل بينك وبين ما تخشاه ً‬
‫وقاية تقيك عندما‬
‫تخشى البرد تلبس ‪ ,‬الجوع تاكل ‪ ,‬العطش تشرب حرارة الشمس تستظل‪ ,‬تجعل ما بينك وبين ما‬
‫تخشاه ً‬
‫وقاية تقيك ‪ ،‬وتقوى هللا ‪:‬هي ان تجعل بينك وبين ما تخشاه من سخط هللا وقاية تقيك ‪,‬‬
‫وهي فعل الوامر وترك النواهي ‪.‬‬
‫فكما ان النسان يتقي هذه الشياء ويبذل السباب في اتقائها ‪ ,‬فكذلك عقوبة هللا في الدار‬
‫الخرة ل بد من بذل السباب التي ُت َّتقى بها النار { َيا َا ُّي َها َّالذ َين َا َم ُنوا ُقوا َا ْن ُف َس ُك ْم َو َا ْهل ُ‬
‫يك ْم نارا }‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اي ادبوهم علموهم ربوهم على طاعة هللا والبعد عن معصيته ‪ ,‬بهذا تكون الوقاية من النار ل بد‬
‫من بذل السبب ‪ ,‬اما ان يتقاعس النسان ويتوانى ويفرط ويتكل على بعض الشياء ‪ ،‬ابن القيم‬
‫جدا في موجبات التفريط عند ك ثير من الناس اتكال على بعض‬ ‫سياتي له كالم قريب نافع ً‬
‫الشياء وذكر امثلة مهمة ستاتي عنده رحمه هللا تعالى ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫المخوف في الدنيا وما ُي ُّ‬


‫ضاده سواء‪,‬انتبه فالقدر المخوف في الدنيا الجوع‬ ‫قال‪ :‬فهذا وزان القدر َ‬
‫والعطش والخ وباتفاق ان الناس َيسعون في اتقاء ذلك فكذلك القدر المخوف في الخرة وهو‬
‫النار وسخط هللا ل بد من بذل السباب التي ُيتقى بها ذلك ‪.‬‬
‫قال‪َ :‬ف َر ُّب الدارين واحد الدنيا والخرة وحكمته واحدة ل يناقض بعضها ً‬
‫بعضا ول يبطل بعضها‬
‫ً‬
‫بعضا‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪:‬ل ِك ْن َي ْب َقى َع َل ْي ِه َا ْم َر ِان ِب ِه َما َت ِت ُّم َس َع َاد ُت ُه َو َفال ُح ُه‪.‬‬

‫يعني اذا تقرر ما سبق ان ل بد من بذل السباب وان النجاة بهذا البذل وان العبد ينبغي ان‬
‫ً‬
‫وتجنبا للمعاصي يبقى عليه‬ ‫يجاهد نفسه على ذلك ويبذل من وسعه ما استطاع ً‬
‫فعال للطاعات‬
‫اذا فهم ذلك وعرفه يبقى عليه امران تتم سعادته بهما ‪.‬‬
‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ‬
‫ون ل ُه َب ِص َير ٌة ِفي َذ ِل َك ِب َما ُي َش ِاه ُد ُه ِفي‬ ‫اب الش ِر والخي ِر‪ ،‬ويك‬ ‫َ َ ُ ُ َ ْ َْ َ ََ َ َ‬
‫احده َما‪ :‬ان يع ِرف تف ِاصيل ا ْس َب ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ال َعال ِم‪َ ،‬و َما َج َّرَب ُه ِفي َن ْف ِس ِه َو َغ ْي ِر ِه‪َ ،‬و َما َس ِم َع ُه ِم ْن َا ْخ َب ِار ُال َم ِم َق ِد ًيما َو َح ِد ًيثا‪.‬‬

‫يعرف تفاصيل اسباب الشر والخير لن فعل الخير متوقف على ماذا ؟ على المعرفة به واتقاء‬
‫يضا متوقف على المعرفة بالشر ‪ ,‬ولهذا ً‬
‫قديما قيل ‪ :‬كيف يتقي من ل يدري ما يتقي ‪ ،‬اذا‬ ‫الشر ا ً‬
‫كانت المور مترتبة على السباب فيلزم العبد ان يعرف ويجاهد نفسه على المعرفة التفصيلية‬
‫باسباب الخير ليفعلها واسباب الشر ليتقيها ‪ ,‬ويكون له بصيرة في ذلك بما يشاهده في العالم ‪,‬‬
‫وكما قيل‪ :‬السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره ‪ ،‬وفي دعاء بعض السلف ( اللهم ل‬
‫تجعل غيري اسعد بما علمتني مني ول تجعلني لغيري عبرة ) الخير لالنسان ان ينظر ويعتبر‬
‫بدل ان يبقى هو عبرة لالخرين‪ .‬واذا اراد الناس ان يعتبروا قيل انظروا الى امة كذا وانظروا الى‬
‫فالن وانظروا الى حال كذا لالعتبار ‪ٌ ,‬‬
‫فخير له ان يعتبر هو بدل ان يكون عبرة لالخرين ‪.‬‬
‫قال ان يعرف تفاصيل اسباب الشر والخير و يكون له بصيرة في ذلك ما يشاهده في العالم وما‬
‫ً‬
‫عموما من يفعل الخير ما هي‬ ‫جربه في نفسه وغيره ‪ ,‬ما يشاهده في العالم يعني في الناس‬
‫العواقب ومن يفعل الشر ما هي العواقب ‪ ,‬و كما ان هذا يكون في الفراد ا ً‬
‫يضا ُينظر في المم {‬
‫ض} وما جربه في نفسه وغيره ‪ ,‬تجربة‬ ‫ر‬‫اس َف َي ْم ُك ُث ِفي ْ َال ْ‬
‫َ‬ ‫َف َا َّما َّالزَب ُد َف َي ْذ َه ُب ُج َف ًاء ۖ َو َا َّما َما َي َنف ُع َّ‬
‫الن‬
‫ِ‬
‫النسان هو في نفسه يستفيد منها لن النسان يمر بمراحل ‪ ,‬مراحل من اعمال الخير ومراحل‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫من اعمال الشر ‪ ,‬وينظر في العواقب في هذا والعواقب في هذا ‪ ،‬حاله في هذا وحاله في هذا ‪،‬‬
‫ً‬
‫وحديثا ‪.‬‬ ‫وما سمعه من اخبار المم ً‬
‫قديما‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا تعالى ‪َ :‬و ِم ْن َا ْن َف ِع َما ِفي َذ ِل َك ُت َد ُّب ُر ال ُق ْرا ِن َف ِا َّن ُه َك ِف ٌيل ِب َذ ِل َك َع َلى َا ْك َم ِل ال ُو ُج ِوه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الش ِر َج ِم ًيعا ُم َف َّص َل ًة ُم َب َّي َن ًة‪ُ ،‬ث َّم ُّ‬ ‫اب ْال َخ ْير َو َّ‬ ‫َو ِف ِيه َا ْس َب ُ‬
‫الس َّن ِة‪َ ،‬ف ِا َّن َها َش ِق َيق ُة ال ُق ْرا ِن‪َ ،‬و ِه َي ال َو ْح ُي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّالثا ِني‪َ ،‬و َم ْن َص َر َف ِالي ِهما ِعنايته اك تفى ِب ِهما ِمن غي ِر ِهما‪ ،‬وهما ي ِريا ِنك الخي َر والش َّر وا ْس َباب ُهما‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َح َّتى َك َا َّن َك ُت َعا ِي ُن َذ ِل َك ِع َي ًانا‪،‬‬

‫يعني من يوفقه هللا سبحانه وتعالى للتدبر في القران والتامل في هداياته وكذلك في سنة النبي‬
‫عليه الصالة والسالم اك تفى بهما عن غيرهما ‪ ,‬فيهما الك فاية في هداية العبد الى اسباب الخير‪,‬‬
‫يضا اسباب الشر وما‬ ‫وبيانا لالثار العظيمة المترتبة عليها في الدنيا والخرة وا ً‬ ‫حثا على فعلها ً‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫تفصيال فيه‬ ‫يترتب على الشر من العواقب الوخيمة في الدنيا والخرة ‪ ،‬هذا مفصل في القران‬
‫يضا سبيل المفسدين ومالتهم {‬ ‫ك فاية وفي القران ُبي َنت سبيل المصلحين ومالتهم ُوبي َنت ا ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين } اي تتضح للناس حتى يعتبروا ويرتدعوا وايضاً‬ ‫ين َسب ُيل ْال ُم ْجر ِم َ‬
‫ات َو ِل َت ْس َتب َ‬
‫ِ‬ ‫َو َك َذ ِل َك ُن َف ِص ُل ْال َ‬
‫ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُف ِصلت سبيل المصلحين" وهللا يعلم المصلح من المفسد "حتى ينتفع الناس بهم ويتخذون ائمة‬
‫وقدوة لهم ‪ ,‬فالقران وكذلك السنة فيهما البيان المفصل الشافي الكافي ‪.‬‬

‫َّللا ِفي َا ْه ِل َط َاع ِت ِه َو َا ْه ِل َم ْع ِص َي ِت ِه‪َ ،‬ط َاب َق َذ ِل َك َما َع ِل ْم َت ُه‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ُْ َ‬


‫َو َب ْع َد ذ ِل َك ِاذا َتا َّمل َت اخ َب َار ال َم ِم‪َ ،‬وا َّي َام َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫الس َّن ِة‪َ ،‬و َرَا ْي َت ُه ب َت َف ِاصيل َما َا ْخ َب َر َّ ُ‬ ‫ِم َن ْال ُق ْران َ‬
‫َّللا ِب ِه‪َ ،‬و َو َع َد ِب ِه‪َ ،‬و َع ِل ْم َت ِم ْن ا َيا ِت ِه ِفي ال َف ِاق َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫التار ُيخ َت ْفصيلٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّللا ُي ْنج ُز َو ْع َد ُه َل َم َح َال َة‪ ،‬فَ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيدلك َعلى ان الق ْران حق‪َ ،‬وان َّالر ُسول حق‪َ ،‬وان َ ِ‬
‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الش ِر‪.‬‬‫َّللا َو َر ُس ُول ُه م َن ْ َال ْس َباب ْال ُك ِل َّي ِة ِل ْل َخ ْير َو َّ‬
‫ات َما َع َّر َف َنا َّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِل ُج ْزِئ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول رحمه هللا اذا تاملت القران وهداياته والسنة وهداياتها واخذت العبرة انظر التاريخ ‪ ,‬التاريخ‬
‫حلت بها عقوبة‬ ‫هو شاهد لما تقراه في القران عن احوال المم ‪ ,‬المم التي نجاها هللا والمم التي َّ‬
‫هللا سبحانه وللنجاة اسباب وللعقوبة اسباب ‪ ,‬فينظر في اسباب النجاة َليستمسك بها وينظر في‬
‫اسباب العقوبة ليحذر منها ويتقيها ‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى لما يذكر اسباب نجاة المصلحين‬
‫َّ‬ ‫الصالحين يذكر ان هذا للجميع { وكذلك ُننجي ُالمؤمنين { } ا َّنا َل َن ُ‬
‫نص ُر ُر ُس َل َنا َوال ِذ َين ا َم ُنوا } {‬
‫َو َك َان َح ًّقا َع َل ْي َنا َن ْص ُر ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين }‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫يضا هي لمن كان على شاكلتهم ‪ ،‬لمن كان على طريقتهم ‪,‬‬ ‫والعقوبة التي تحل بالظالمين ا ً‬
‫َ‬ ‫فالعقوبة التي حلت { َو َما ه َي م َن َّ‬
‫ين ِب َب ِع ٍيد } لما يذكر العقوبة { َا ُك َّف ُار ُك ْم َخ ْي ٌر ِم ْن ُاول ِئ ُك ْم‬
‫الظا ِلم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫َا ْم ل ُك ْم َب َر َاء ٌة ِفي ُّالزُب ِر } العقوبة التي تحل بالك فار حقيق بها ايضا الك فار المتاخرين فياخذ‬
‫النسان العبرة والعظة مما قصه هللا سبحانه وتعالى وفصله في القران وما جاء في السنة ويجد‬
‫في التواريخ او في التاريخ شواهد ك ثيرة على ذلك ‪.‬‬
‫[ َف ْص ٌل ُم َغ َال َط ُة َّالن ْف َ ْ َ ْ َ‬
‫س حول ال ْس َب ِ‬
‫اب]‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َال ْم ُر َّالثاني َا ْن َي ْح َذ َر ُم َغ َال َط َة َن ْفسه َع َلى َهذه ْ َ‬
‫اب َو َه َذا ِم ْن َا َه ِم ُال ُمو ِر َف ِا َّن ال َع ْب َد َي ْع ِر ُف َا َّن‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫س‬ ‫ال‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْال َم ْعص َي َة َوال َغ ْف َل َة م َن َ‬
‫ْ‬
‫اب ال ُم ِض َّر ِة ل ُه ِفي ُد ْن َي ُاه َوا ِخ َرِت ِه َول ُب َّد‪َ ،‬ول ِك ْن ُت َغا ِل ُط ُه َن ْف ُس ُه ِب ِال ِت َك ِال‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫س‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َت َارة‪ً،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الت ْسويف ب َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َع َلى َعفو َّ ِ َ َ‬
‫ْ‬
‫الت ْو َب ِة َو ِال ْس ِتغف ِار ِب ِالل َس ِان ت َارة‪َ ،‬و ِب ِف ْع ِل ال َم ْند َوب ِ‬ ‫َّللا ومغ ِف َرِت ِه ت َارة‪ ،‬و ِب ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َكابر َت َارةً‬ ‫ال ْش َباه َو ُّالن َظ َراء َت َار ًة‪َ ،‬وبال ْقت َداء ب ْ َ‬ ‫َوب ْالع ْلم َت َار ًة‪َ ،‬وبال ْحت َجاج ب ْال َق َدر َت َار ًة‪َ ،‬وبال ْحت َجاج ب ْ َ‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُا ْخ َرى‪.‬‬

‫هذا المر الثاني لحظ سبحان هللا يعني هذا الرجل مصلح ومربي وموفق في صياغة الكالم‬
‫ول ان المور مترتبة على اسبابها وقال الشواهد على هذا في القران تزيد على‬ ‫وترتيبه ولما ذكر ا ً‬
‫الف ‪ ،‬مترتبة على اسبابها وقرر بوضوح وجالء هذا المر ‪ ,‬دعا الى امرين تتحقق بهما السعادة‬
‫ينبنيان على ما سبق المر الول ان تعرف السباب التي تكون بها السعادة لتفعلها والسباب‬
‫التي يكون بها الهالك ليجتنبها ‪ ,‬يفعل ذلك ويبذل جهده في معرفة السباب وذكر اعظم ما‬
‫َ‬
‫ُيعينك على ذلك العناية بالقران والسنة فيهما هذه الهدايات بما فيه الك فاية والغنية { َا َول ْم‬
‫َي ْك ِف ِه ْم َا َّنا َا ْن َزْل َنا َع َل ْي َك ْال ِك َت َ‬
‫اب ُي ْت َلى َع َل ْي ِه ْم } ففي القران وفي السنة ك فاية في تحقق العبرة‬
‫والعظة واخذ الهدايات العظيمة فيما تكون به النجاة ُليفعل وفيما تكون به العقوبة ُليجتنب‬
‫ُويترك ‪ ،‬بعد ذلك يقول رحمه هللا ان يحذر مغالطة نفسه لن سبحان هللا قد يعرف الذي سبق‬
‫يضا يكون‬ ‫مثال من المعرفة التفصيلية من السباب والعقوبات‪ ,‬حتى ا ً‬ ‫يضا عنده شيء ً‬ ‫ويكون ا ً‬
‫عند العبد معرفة تفصيلية بعقوبات لذنوب معينة يجد نفسه ماذا ؟! نعم يا اخوان ‪ ,‬واقع فيها‬
‫وهو يعرف و قرا ‪ .‬مرة يحدثنا احد الفاضل يقول‪ :‬كنت اتناقش في باص في احدى الدول ‪ ,‬يقول‬
‫كنت اتناقش مع شخص في مسالة اظن كانت مقصود وعظ شخص امامهم كان مخمو ًرا فيقول‪:‬‬
‫اخذت اتناقش معه في تحريم الخمر وكيف انه يتدرج وكان معنا صاحب اخطات في اليات‬
‫فالتفت المخمور وصحح لي اليات‪ -‬انا يحدثني بهذه القصة صاحبها يقول‪ :‬صحح لي الية‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫حيانا يكون النسان يعرف العقوبة للذنب المعين ويجد نفسه تقع فيه هنا في مشكلة اخرى‬ ‫‪,‬فا ً‬
‫غير ما سبق غير قضية عدم المعرفة يعرف ولهذا بعض العصاة المبتلى ببعض الذنوب عندما‬
‫ينصح في ذنب يقول‪ :‬وهللا اني اعرف وان هذا فيه عقوبة ادعوا لي ان هللا يخلصني من هذا ‪،‬‬
‫يعرف ا ًذا هذا يحتاج الى معرفة امر اخر غير الذي سبق بمعرفته وتحقيقه تكون السعادة ما هو‬
‫ان يحذر مغالطة نفسه على هذه السباب‪ ,‬كيف مغالطة النفس؟! يعني يكون يعرف ان هذه‬
‫الفعال توجب العقوبة والدليل كذا –يعرف‪ , -‬لكن نفسه تغالطه وهي تريد هذا العمل المشين‬
‫تقول له رحمة هللا واسعة فتدعوه نفسه الى البقاء على الذنب ً‬
‫اتكال ماذا ؟! على الرحمة ‪ .‬فان‬
‫العبد يعرف ان المعصية والغفلة من اسباب المضرة له في الدنيا والخرة ولكن تغالطه نفسه‬
‫بالتكال على عفو هللا ومغفرته تارة يتكل على العفو والمغفرة ‪ ,‬يقول ربك غفور ويستمر في ذنبه‬
‫او يغالط نفسه بالتسويف بالتوبة يعني عندما يدعى او تدعوه نفسه الى ترك هذا المر يقول‪:‬‬
‫معك وقت استمر الن يعني سبحان هللا بعض الشباب عنده مفهوم عجيب في هالمسالة يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫خمسا‬ ‫اغتنم شبابك ‪,‬ايش معنى اغتنم شبابك ؟! اغتنم شبابك الرسول ﷺ قال ‪":‬اغتنموا‬
‫قبل خمس شبابك قبل هرمك" اغتنم شبابك ‪ .‬بعض الشباب يريد ان يغتنم الشباب بالستك ثار‬
‫من المعاصي الستك ثار من الذنوب ‪ ,‬واذا احد ناصحه من الكبار في نفسه يقول هذا ما يعرف ‪,‬‬
‫اذا صرنا في سنه نتوب ! ويؤجل التوبة اذا كبر ويريد ان يغتنم الشباب هذا من الشيطان ‪,‬اغتنام‬
‫الشباب اعظم ما ينبغي ان يحرص عليه الشاب ان يغتنمه في الخيرات وانواع الطاعات وانواع‬
‫القرب ‪,‬واذا كان يوم القيامة هللا سبحانه وتعالى يسال الناس عن العمر كله ‪ ,‬فانه جل وعال‬
‫يسال عن مرحلة الشباب سؤال ً‬
‫خاصا مع انها داخلة في العمر" ل تزول قدما عبد يوم القيامة‬
‫حتى يسال عن اربع عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما اباله ) اذا سئل عن عمره فيما افناه؟‬
‫اليست مرحلة الشباب داخلة في العمر ؟! داخلة‪ ,‬لكن لهمية هذه المرحلة في ان تغتنم في‬
‫الخيرات للقوة والنشاط والصحة الخ ‪ ,‬يكون عنها سؤال خاص يوم القيامة فاحيانا تاتي‬
‫المغالطة بتسويف التوبة ‪ ,‬ك ثير ما سبحان هللا الشيطان عمل عمله مع بعض الناس بتسويف‬
‫التوبة الى ان دخلوا القبور وهو معهم في التسويف كل ما حدثتهم انفسهم بالتوبة دعاهم الى‬
‫التاجيل الى ان دخلوا القبور وهم في هذا التسويف ‪ .‬وبالستغفار باللسان تارة يعني بعضهم‬
‫يظن ان مجرد الستغفار باللسان يك في وسيذكر ابن القيم شيء من المثلة على هذا ‪.‬‬
‫وبفعل المندوبات تارة خاصة ما ياتي في بعض المندوبات ذكر ترتب غفران الذنوب عليها‬
‫فيك تفي بها ( من قال سبحان هللا وبحمده في يوم مئة مرة غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫البحر ) يقول لنفسه خذي راحتك في الذنوب افعلي ما شئت منها استك ثري منها غفرت له ذنوبه‬
‫ولو كانت مثل زبد البحر ! الهذا قال النبي ﷺ هذا الحديث ؟! سبحان هللا ‪ ،‬يعني سبحان هللا‬
‫ينقلب المفهوم لدى بعض الناس في فهم بعض الحاديث فيجعلون والعياذ باهلل مفهوم‬
‫الحديث الحث على الذنوب يجعلون بعض الحاديث مفهومها عندهم الحث على الذنوب‬
‫والستك ثار منها الحديث فيه حث على ماذا ؟ على ك ثرة ذكر هللا والمحافظة على طاعة هللا‬
‫سبحانه وتعالى وانه بهذا غفران الذنوب ‪ ،‬اما الستك ثار من الذنوب فهذا سبب لماذا ؟ للعقوبات‬
‫مثل ما مر معنا في التفاصيل التي ذكرها ابن القيم رحمه هللا ‪.‬‬
‫وبالعلم تارة اي انه عنده علم وعنده حظ ونصيب من علم او عنده علم بهذا او دراية‬
‫وبالحتجاج تارة بالقدر يحتج على معاصيه بالقدر وهذا امر قدره هللا عليه والقدر ُيحتج به في‬
‫المصائب دون المعائب ‪ ,‬اذا اصابت المرء مصيبة يقول قدر هللا وما شاء فعل واذا وقع في‬
‫ذنب ما يقول قدر هللا وما شاء فعل يقول استغفر هللا واتوب اليه ويبادر الى التوبة والنابة‬
‫والرجوع الى هللا سبحانه وتعالى ‪ ,‬وبالحتجاج بالشباه والنظائر والقتداء بال كابر تارة ‪ ,‬هذه‬
‫حال ك ثيرين يعني بعض الناس فيما يقارفه من ذنوب امعة ينظر من حوله اما كبار او في سنه‬
‫ينظر الى حالهم ومعهم فيما يفعلون ‪ ,‬ويتكل على مثل ذلك ‪.‬‬
‫فهذه امور هي مثل ما وصف ابن القيم مغالطات للنفس تعرف ما يكون به النجاة وتعرف ان هذا‬
‫الذنب يترتب عليه تلك العقوبات لكن يغالط نفسه بمثل هذه الشياء ويضرب على ذلك الن‬
‫امثلة ك ثيرة ‪.‬‬
‫َو َك ِث ٌير ِم َن َّالناس َي ُظ ُّن َا َّن ُه َل ْو َف َع َل َما َف َع َل ُث َّم َق َال‪َ :‬ا ْس َت ْغ ِف ُر َّ َ‬
‫َّللا‪َ ،‬ز َال َا َث ُر َّ‬
‫الذ ْن ِب َو َر َاح َه َذا ِب َه َذا‬ ‫ِ‬
‫هذا ك ثير يظن هذا الظن لكن الذنوب وخاصة الكبائر ل بد فيها من توبة وسياتي معنا ً‬
‫لحقا‬
‫قول النبي ﷺ الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان ك فارة لما بينهم ما‬
‫نك ْم َس ِي ََئ ِت ُك ْم } المراد بالسيَئت‬ ‫اجتنبت الكبائر { ان َت ْج َت ِن ُبوا َك َبا ِئ َر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َك ف ْر َع ُ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ْ ُ ُّ ِ ْ َ ً‬
‫الصغائر{ وند ِخلكم مدخال ك ِريما } ‪.‬‬
‫قال رحمه هللا ‪َ ، :‬و َق َال لي َر ُج ٌل م َن ْال ُم ْن َتسب َ َ ْ ْ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ َ ُ ُ‬
‫ين ِالى ال ِفق ِه‪ :‬ا َنا اف َعل َما اف َعل ث َّم اقول‪ُ :‬س ْب َح َان َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ِب َح ْم ِد ِه‪ِ ،‬مائ َة َم َّر ٍة َو َق ْد ُغ ِف َر ذ ِل َك ا ْج َم ُع ُه‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫هذا جهل مطبق والعياذ باهلل جهل عظيم ‪.‬‬


‫َ‬
‫َّللا َو ِب َح ْم ِد ِه‪ِ ،‬مائ َة َم َّر ٍة ُح َّط ْت‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َك َما َص َّح َع ِن َّالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ا َّن ُه قال‪َ « :‬م ْن قال ِفي َي ْو ٍم ُس ْب َح َان َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َخ َط َاي ُاه‪َ ،‬ول ْو َك َان ْت ِم ْث َل َزَب ِد ال َب ْح ِر» ‪َ ،‬و َق َال ِلي ا َخ ُر ِم ْن َا ْه ِل َم َّك َة‪َ :‬ن ْح ُن ِا َذا َف َع َل َا َح ُد َنا َما َف َع َل‪،‬‬
‫َْ ََ َ َ َ ْ‬
‫اف ِبال َب ْي ِت ُا ْس ُب ًوعا َو َق ْد ُم ِح َي َع ْن ُه َذ ِل َك‬ ‫اغتسل وط‬

‫طاف بالبيت اسبوعا يعني سبعة اشواط محي عنه ذلك ولهذا بعضهم يغتر بمثل ذلك وتجده‬
‫حتى ليس فقط يفعل ذنوب حتى يترك فرائض من فرائض الدين ويظن انه اذا فعل غفر له ذلك‬
‫كله‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪َ ،‬و َق َال ِلي ا َخ ُر‪َ :‬ق ْد َص َّح َع ِن َّالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن ُه َق َال‪َ « :‬اذ َن َب َع ْب ٌد َذ ْن ًبا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ا ْي َر ِب َا َص ْب ُت َذ ْن ًبا‬
‫ْ‬
‫َّللا‪ُ ،‬ث َّم َاذ َن َب َذ ْن ًبا ا َخ َر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ا ْي َر ِب َا َص ْب ُت َذ ْن ًبا‪،‬‬ ‫َّللا َذ ْن َب ُه‪ُ ،‬ث َّم َم َك َث َما َش َاء َّ ُ‬‫َف ْاغ ِف ْر ِلي‪َ ،‬ف َغ َف َر َّ ُ‬
‫الذ ْن َب َو َي ْا ُخ ُذ ِب ِه‪َ ،‬ق ْد َغ َف ْر ُت ِل َع ْب ِدي‪،‬‬ ‫َّللا َع َّز َو َج َّل‪َ :‬عل َم َع ْبدي َا َّن َل ُه َرًّبا َي ْغف ُر َّ‬ ‫َف ْاغ ِف ْر ِلي‪َ ،‬ف َق َال َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس َق ْد‬ ‫الض ْر ُب ِم َن َّ‬
‫الن‬ ‫الذ ْن َب َو َي ْا ُخ ُذ به‪َ ،‬و َه َذا َّ‬ ‫َف ْل َي ْص َن ْع َما َش َاء‪َ ».‬ق َال‪َ :‬ا َنا َل َا ُش ُّك َا َّن لي َرًّبا َي ْغف ُر َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َ َّ َ ُ ُ‬
‫اك‬‫وص ِم َن َّالر َج ِاء‪َ ،‬واتكل َعل ْي َها َوت َعل َق ِب َها ِب ِكل َتا َي َد ْي ِه َو ِاذا ُعو ِت َب َعلى الخط َايا َو ِالن ِه َم ِ‬ ‫تعلق ِبنص ٍ‬
‫َّللا َو َم ْغف َرِته َو ُن ُصوص َّالر َج ِاء‪َ ،‬و ِل ْل ُج َّهال م ْن َه َذا َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ‬
‫الض ْر ِب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِف َيها‪َ ،‬س َرد ل َك َما َي ْحفظ ُه ِم ْن َس َع ِة َر ْح َم ِة َّ ِ ِ ِ‬
‫ََ ْ‬
‫اب َغ َرا ِئ ُب َو َع َجا ِئ ُب َك َق ْو ِل َب ْع ِض ِه ْم‪:‬‬‫اس ِفي هذا ال َب ِ‬
‫َ َّ‬
‫ِمن الن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َك ِث ْر َما ْاس َت َط ْع َت ِم َن ال َخ َط َايا ‪ِ ...‬ا َذا َك َان ال ُق ُد ُوم َع َلى َك ِر ٍيم‬

‫نسال هللا العافية ‪ .‬نعم‬


‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫وب َج ْهل ِب َس َع ِة َعف ِو َّ ِ‬ ‫َ ْ ْ َ َّ َ ُّ َ ُّ ُ‬
‫َّللا‪.‬‬ ‫َوقو ِل الخ ِر‪ :‬التنز ُه ِمن الذن ِ‬
‫نعوذ باهلل التنزه من الذنوب يعني تركها والبعد عنها هذا يقول جهل بسعة عفو هللا ‪ ،‬هذا جهل‬
‫بسعة عفو هللا يقصد ال ك ثار من الذنوب والمعاصي والثام وان من يترك الذنوب هذا جاهل‬
‫بعفو هللا ‪ ،‬عفو هللا سبحانه وتعالى لمن يستحق العفو وعقوبته لمن يستحق العقوبة نعم‪.‬‬
‫َ‬
‫وب َج َر َاء ٌة َعلى َم ْغ ِف َر ِة َّ ِ‬
‫َّللا َو ْاس ِت ْص َغ ٌار‪.‬‬ ‫َ َ ْ َ َ ُ ُّ ُ‬
‫َوقال الخ ُر‪ :‬ت ْرك الذن ِ‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫نعم يقصد ان مغفرة هللا كبيرة وعظيمة فترك الذنوب جراة ! الجراة فعل الذنوب وليس ترك‬
‫الذنوب لكن هذا تالعب الشيطان بهؤلء نعم ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ َّ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ‬
‫ض َه ُؤل ِء َي ُق ُول ِفي ُد َعا ِئ ِه‪َّ :‬الل ُه َّم ِا ِني َا ُع ُوذ ِب َك ِم َن ال ِع ْص َم ِة‪.‬‬‫وقال محمد بن حز ٍم‪ :‬رايت بع‬

‫يعني اعوذ بك ان تسلمني من ان اقع في الذنوب والعياذ باهلل نسال هللا العافية ‪-‬يقول هذا في‬
‫دعاء نعم ‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َو ِم ْن َه ُؤل ِء ال َم ْغ ُرو ِر َين َم ْن َي َت َع َّل ُق ِب َم ْس َال ِة ال َج ْب ِر‪،‬‬

‫الجبر يعني مجبور على فعل نفسه فيتعلق بهذا ‪،‬ولهذا يقولون ‪:‬عند المعصية جبري وعند‬
‫الطاعة قدري يعني مذهبه حسب هواه ‪ ,‬فاذا فعل معصية عوتب فيها قال انا مجبور واذا دعي‬
‫الى طاعة تركها وقال ما قدر هللا لي الطاعة‬
‫وهذا كله مبني على الفساد والهوى المبني في النفس ومن الشيطان والعياذ باهلل وتالعبه بهؤلء‬
‫نعم‪.‬‬
‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َو ِم ْن َه ُؤل ِء ال َم ْغ ُرو ِر َين َم ْن َي َت َع َّل ُق ِب َم ْس َال ِة ال َج ْب ِر‪َ ،‬و َا َّن ال َع ْب َد ل ِف ْع َل ل ُه ال َب َّت َة َول ْاخ ِت َي َار‪َ ،‬و ِا َّن َما ُه َو‬
‫ْ‬
‫َم ْج ُبو ٌر َع َلى ِف ْع ِل ال َم َع ِاصي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َو ِم ْن َه ُؤل ِء َم ْن َي ْغ َت ُّر ِب َم ْس َال ِة ِال ْر َج ِاء‪َ ،‬و َا َّن ِال َيم َان ُه َو ُم َج َّر ُد َّالت ْص ِد ِيق‪َ ،‬و َال ْع َم َال ل ْي َس ْت ِم َن‬
‫يكا ِئ َيل‪.‬‬‫ْال َيمان‪َ ،‬و َا َّن ا َيم َان َا ْف َسق َّالناس َكا َيمان ج ْبر َيل َوم َ‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫نعم هذا خطورة مذهب الرجاء وان من يعتقد هذا المذهب يضره في سلوكه وعمله ويدفعه الى‬
‫مثل هذا الغرور ويتعطل عنده العمل والطاعة والعبادة والتقرب الى هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫َ‬
‫ين‪َ ،‬و َك ْث َر ِة َّالت َر ُّد ِد ِالى ُق ُبو ِر ِه ْم‪َ ،‬و َّالت َض ُّر ِع‬
‫الصا ِل ِح َ‬‫َو ِم ْن َه ُؤ َل ِء َم ْن َي ْغ َت ُّر ِب َم َح َّب ِة ْال ُف َق َر ِاء َو ْال َم َشا ِيخ َو َّ‬
‫ِ‬
‫ا َل ْيه ْم‪َ ،‬و ِال ْس ِت ْش َفاع به ْم‪َ ،‬و َّالت َو ُّسل ا َلى َّ‬
‫َّللا به ْم‪َ ،‬و ُس َؤا ِل ِه ب َح ِقه ْم َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُح ْر َم ِته ْم ِع ْن َده‪ُ.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫نعم حتى انه يقع في ضروب من الشرك يظن ان بها نجاة وفيها الهالك المحقق وهذا الذي اشار‬
‫اليه يك ثر عند الطرقية اصحاب الطرق الضالة ‪ ,‬تجد فرائض الدين وواجباته وتجنب المحرمات‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫والثام هم في بعد عنها ك ثير ما يكون عندهم بعد عنها و يتعلقون بمثل هذا الضالل ومثل هذه‬
‫التعلقات الباطلة التي ما انزل هللا بها من سلطان نعم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللا َم َك َان ًة َو َصال ًحا‪َ ،‬فال َي َد ُع ُوه َا ْن ُي َخ ِل ُص ُوه َك َما‬ ‫َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْغ َت ُّر ِبا َبا ِئ ِه َوا ْسال ِف ِه‪َ ،‬وا َّن ل ُه ْم ِع ْن َد َّ ِ‬
‫وب َا ْب َنا ِئ ِه ْم َو َا َق ِارِب ِه ْم‪َ ،‬و ِا َذا َو َق َع َا َح ٌد‬‫وك َت َه ُب ِل َخ َو ِاص ِه ْم ُذ ُن َ‬ ‫وك‪َ ،‬فا َّن ْال ُم ُل َ‬‫ِ‬
‫ُي َشاه ُد في َح ْض َرة ْال ُم ُ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ُ َ ُ ِ ُ َ َ ُّ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫ِمنهم ِفي ام ٍر مف ِظ ٍع خلصه ابوه وجده ِبج ِاه ِه ومن ِزل ِت ِه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّللا َع َّز َو َج َّل َغ ِن ٌّي َع ْن َع َذا ِب ِه‪َ ،‬و َع َذ ُاب ُه ل َي ِز ُيد ِفي ُمل ِك ِه َش ْي ًَئ‪َ ،‬و َر ْح َم ُت ُه ل ُه ل‬ ‫َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْغ َت ُّر ب َا َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ص ِم ْن ُم ْل ِك ِه َش ْي ًَئ‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ا َنا ُم ْض َط ٌّر ا َلى َر ْح َم ِت ِه‪َ ،‬و ُه َو َا ْغ َنى ْ َال ْغ ِن َي ِاء‪َ ،‬و َل ْو َا َّن َف ِق ًيرا ِم ْس ِكيناً‬ ‫َت ْن ُق ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫اّلل َا ْك َر ُم َو َا ْو َس ُع َفال َم ْغ ِف َر ُة ل‬ ‫ُم ْض َط ًّرا ا َلى َش ْرَب ِة َم ٍاء ِع ْن َد َم ْن ِفي َدار ِه َش ٌّط َي ْجري َل َما َم َن َع ُه ِم ْن َها َف َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َت ْن ُق ُص ُه ِ َش ْي ًَئ َو ْال ُع ُق َوب ُة َل َتز ُيد في ُم ْلكه َش ْيَئ‪ً.‬‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫الس َّن ِة‪َ ،‬ف َّات َك ُلوا َع َل ْي ِه َك ِات َك ِال‬‫وص ْال ُق ْرا ِن َو ُّ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ ْ ُ ُ‬
‫و ِمنهم من يغتر ِبفه ٍم ف ِاس ٍد ف ِهمه هو واضرابه ِمن نص ِ‬
‫الض َحى‪. ]55 :‬‬ ‫يك َرُّب َك َف َت ْر َضى} [ ُسو َر ُة ُّ‬ ‫َب ْع ِضه ْم َع َلى َق ْو ِل ِه َت َع َالى‪َ { :‬و َل َس ْو َف ُي ْع ِط َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َق َالوا‪َ :‬و ُه َو َل َي ْر َضى َا ْن َي ُك َ‬
‫ون ِفي َّالن ِار َا َح ٌد ِم ْن ُا َّم ِت ِه‪َ ،‬و َه َذا ِم ْن َا ْق َب ِح ال َج ْه ِل‪َ ،‬و َا ْب َي ِن ال َك ِذ ِب َع َل ْي ِه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫يب َّ‬ ‫َّللا َت َع َالى ُي ْر ِض ِيه َت ْع ِذ ُ‬
‫الظ َل َم ِة َوال َف َس َق ِة َوال َخ َو َن ِة‬ ‫َفا َّن ُه َي ْر َضى ب َما َي ْر َضى ب ِه َرُّب ُه َع َّز َو َج َّل‪َ ،‬و َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ِ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ‬
‫والم ِص ِرين على الكبا ِئ ِر‪ ،‬فحاشا رسوله ان يرضى ِبما ل يرضى ِب ِه ربه تبارك وتعالى‪.‬‬

‫الحاصل ان هذه كلها يعني فهوم كاسدة وظنون واوهام تعلق بها بعض الناس فجعلته يبقى‬
‫ُم ً‬
‫صرا على ذنوبه ومراد ابن القيم رحمه هللا بذكر هذه المثلة على وجه التفصيل ‪ ,‬وهذا التفصيل‬
‫الذي ذكره يدل ان الرجل رحمه هللا له َسبر لحوال الناس ومعرفة بها َسبر المصلح الناصح‬
‫فعنده هذا السبر والدراية والمعرفة المفصلة وذكر هذه الشياء التي هي موجودة ول تزال توجد‬
‫في اناس ويتكلون عليها او يتكوئن عليها فيبقون مصرين على الذنوب والعياذ باهلل هذا يتكل‬
‫على كذا وهذا يتكل على كذا وهذا يبني اصراره على الذنوب على مثل هذا الفهم او ذاك الفهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫جميعا لسخط هللا ومقته وعقوبته و هم في هذه‬ ‫وان المال او النتيجة واحدة وهي تعرض هؤلء‬
‫الوهام والظنون التي القاها الشيطان وكلها من مصائد الشيطان ‪.‬ابن القيم رحمه هللا له تفصيل‬
‫واسع في هذه المسالة في ك تاب خاص" اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" ‪ ،‬واستمر رحمه هللا‬
‫في ذكر المثلة في هذا الباب‪ .‬نك تفي بهذا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس‬

‫ً‬
‫وصالحا وهدى وان يغفر لنا‬ ‫ً‬
‫وتوفيقا‬ ‫ونسال هللا الكريم ان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا ً‬
‫علما‬
‫ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الحياء منهم والموات ‪ ،‬اللهم ا ِت‬
‫نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولها ‪ ،‬اللهم انا نسالك الهدى والتقى‬
‫والعفة والغنى ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ل اله ال انت استغفرك واتوب اليك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك‬
‫نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪.‬‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك*‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪17‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على رسوله نبينا محمد عليه وعلى اله وصحبه‬
‫اجمعين اما بعد‪ ,‬فيقول العالمة بن القيم الجوزية رحمه هللا تعالى في ك تابه الداء والدواء ‪:‬‬
‫الذ ُن َ‬ ‫َّللا َي ْغف ُر ُّ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫[سو َر ُة ُّالز َم ِّر‪:‬‬ ‫وب َج ِّم ًيعا} ُ‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬وك ِّاتك ِّال َب ْع ِّض ِّه ْم َعلى ق ْو ِّل ِّه ت َعالى‪ِ { :‬ا َّن َّ َ ِّ‬
‫َ ْ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ُّ ُ َ َ َ ُ َ‬ ‫‪]َ 53‬و َه َذا َا ْي ًضا م ْن َا ْق َبح ْال َج ْهل‪َ ،‬فا َّن الش ْر َك َداخ ٌ‬
‫اس َها‪َ ،‬ول‬ ‫وب واس‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫الذ‬ ‫س‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذ‬
‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫ِّ ِ ِّ‬ ‫ِّْ َ ِّ‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّخ َال َف َا َّن َه ِّذ ِّه ال َية ِّفي حق التا ِّئب َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ين‪ ،‬ف ِان ُه َيغ ِّف ُر ذن َب ك ِّل تا ِّئ ٍب ِّمن ا ِّي ذن ٍب كان‪ ،‬ولو كان ِِّ الية ِّفي‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ين َل َب َط َل ِْ ُن ُص ُ‬ ‫َحق َغ ْير َّالتا ِّئب َ‬
‫وص ال َو ِّع ِّيد كل َها‪َ .‬وا َح ِّاديث ِاخ َر ِّاج ق ْو ٍم ِّم َن ال ُم َو ِّح ِّد َين ِّم َن َّالن ِّار‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫الش َف َاع ِّة‪َ .‬و َه َذا ِان َما اتى َص ِّاح َب ُه ِّم ْن ِّقل ِّة ِّعل ِّم ِّه َوف ْه ِّم ِّه‪ ،‬ف ِان ُه ُس ْب َح َان ُه َه ُاه َنا َع َّم َم َواطل َق‪ ،‬ف ُع ِّل َم ان ُه ا َر َاد‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ب َّ‬
‫ِّ‬
‫ون َذ ِّل َك ِّل َمنْ‬ ‫َّللا َل َي ْغ ِّف ُر َا ْن ُي ْش َر َك ب ِّه َو َي ْغ ِّف ُر َما ُد َ‬‫ص َو َق َّي َد َف َق َال‪{ :‬ا َّن َّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫التا ِّئ ِّبين‪ ،‬و ِّفي ُسور ِّة ِّالن َس ِّاء خص َ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ‬ ‫[سو َر ُة ِّالن َس ِّاء‪َ ، ]48 :‬ف َا ْخ َب َر َّ ُ‬
‫الش ْر َك‪َ ،‬و َا ْخ َب َر َا َّن ُه َي ْغ ِّف ُر َما ُد َون ُه‪َ ،‬ول ْو َك َان‬‫َّللا ُس ْب َحان ُه ان ُه ل َيغ ِّف ُر ِّ‬ ‫َي َش ُاء} ُ‬
‫الش ْر ِّك َو َغ ْي ِّر ِّه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َهذا ِّفي َح ِّق َّالتا ِّئ ِّب ل ْم ُيف ِّرق َب ْي َن ِّ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪,‬الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬واشهد ان ل اله ال هللا وحده ل شريك له‬
‫واشهد ان محمدا عبده ورسوله ﷺ وعلى اله وصحبه اجمين ‪,‬اللهم ياربنا فقهنا في الدين‬
‫وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علما واصلح لنا الهنا شاننا كله يا حي ياقيوم يا ذا الجالل وال كرام‪ ,‬اما‬
‫بعد‪,‬‬
‫فهذا من جمله المثلة التي يذكرها المام بن القيم رحمه هللا تعالى لما يقع فيه بعض الناس من‬
‫مغالطة لنفسه بالتكال على مثل هذه الفهوم او الظنون الفاسدة ويذكر رحمه هللا هذه المثلة‬
‫واك ثر منها رحمة هللا عليه تحذيرا منها لنها ل تزال تتكرر عند العصاة والمذنبين فيستروح‬
‫لذنبه بالتكال على مثل هذه المور ليبقى مقيما على الذنب تاركا التوبة والوبة الى هللا سبحانه‬
‫وتعالى ‪،‬‬
‫َّللا َي ْغ ِّف ُر‬
‫قال رحمه هللا ‪* :‬وكاتكال بعضهم* اي كمغالطته لنفسه على قول هللا تعالى *«{ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الذ ُن َ‬
‫وب َج ِّم ًيعا} »*‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫قال *وهذا ايضا من اقبح الجهل ‪ *:‬الية جاءت في مساق الحث على التوبة الى هللا فجعلها‬
‫اصحاب هذا الفهم في مساق الحث على فعل الذنوب فقلبوا مفهومها راسا على عقب نسال هللا‬
‫العافية والسالمة ‪,‬الية جاءت في مساق الحث على التوبة لنه قوله سبحانه وتعالى *«{ا َّن َّ َ‬
‫َّللا‬ ‫ِ‬ ‫َي ْغف ُر ُّ‬
‫الذ ُن َ‬
‫وب َج ِّمي ًعا} »*‬ ‫ِّ‬
‫ْ ُ‬
‫َّللا»* ومعنى ل تقنطوا‪ :‬اي توبوا مهما كانِ‬ ‫جاء قبله قول هللا عز وجل« ل َتق َنطوا ِّم ْن َر ْح َم ِّة َّ ِّ‬
‫ذنوبكم‪ ,‬ولهذا قال المصنف رحمه هللا تعالى ويدخل في ذلك الشرك هو راس الذنوب‪ ,‬هو‬
‫َّللا َي ْغف ُر ُّ‬
‫الذ ُن َ‬
‫وب َج ِّم ًيعا} »* اي الشرك وغيره من الذنوب في حق من‬ ‫داخل في الية *« *«{ ِا َّن َّ َ ِّ‬
‫تاب منه‪ ,‬فان من تاب تاب هللا سبحانه وتعالى عليه ‪,‬فالية جاءت في مساق الحث على التوبة‬
‫فعكس هؤلء مفهوم الية وجعلوها في الحث على ال ك ثار من الذنوب فاذا جاءه داعي التوبة‬
‫َّللا َي ْغف ُر ُّ‬
‫الذ ُن َ‬
‫وب َج ِّم ًيعا} فيبقى على ذنبه ول يتوب بهذا الفهم الذي هو‬ ‫الى هللا قال ‪ِ {«* :‬ا َّن َّ َ ِّ‬
‫من اقبح الجهل كما قال بن القيم‪,‬‬
‫*قال وهذا انما اوتي صاحبه من قلة علمه وفهمه فانه سبحانه هنا _ اي في اية الزمر _ عمم‬
‫واطلق* عمم اي الذنوب واطلق اي المغفرة لم يقيدها‪,‬عمم الذنوب جميعا‪ ,‬واطلق المغفرة‬
‫بدون قيد وفي سورة النساء‬
‫ون َذ ِّل َك ِّل َم ْن َي َش ُاء »* خصص قال ‪ «* :‬ا َّن َّ َ‬
‫َّللا ل َي ْغ ِّف ُر‬ ‫َّللا ل َي ْغ ِّف ُر َا ْن ُي ْش َر َك ب ِّه َو َي ْغ ِّف ُر َما ُد َ‬
‫*« ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ا ْن يشرك ِّب ِّه > خصص هذا الذنب‪ ,‬وقيد المغفرة‪ ,‬بقوله ‪ ":‬ويغ ِّفر ما دون ذ ِّلك ِّلمن يشاء " فقال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ون َذ ِّل َك ِّل َم ْن َي َش ُاء »* »* فاخبر سبحانه انه ل‬ ‫َّللا ل َي ْغ ِّف ُر َا ْن ُي ْش َر َك ب ِّه َو َي ْغ ِّف ُر َما ُد َ‬
‫ِّ‬
‫*« *« ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫يغفر الشرك ‪,‬واخبر انه يغفر ما دونه ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره‬
‫الحاصل ان‪ :‬اية الزمر في حق التائب ‪ ,‬واية النساء‪ :‬في حق من مات على ذلك‪ -‬من مات على‬
‫الشرك‪ -‬فال مطمع له اطالقا في مغفرة هللا سبحانه وتعالى‪,‬واما الذنوب التي دون الشرك‬
‫والك فر باهلل فهي تحِ المشيئة‪,‬‬
‫اما اية الزمر فهي في حق التائبين‪ ,‬فاطلقِ المغفرة في كل الذنوب لن من تاب من اي ذنب‬
‫َّ َ‬
‫كان‪ ,‬تاب هللا عليه ‪,‬واعظم الذنوب ثالثة‪ *:‬الشرك *والقتل * والزنا‪ ,‬وهللا يقول *« َوال ِّذ َين ل‬
‫َٰ‬ ‫َّللا ا َّل ب ْال َحق َو َل َي ْزُن َ‬
‫ون ۚ َو َمن َي ْف َع ْل َذ ِّل َك‬ ‫ون َّالن ْف َس َّال ِّتي َح َّر َم َّ ُ‬ ‫َّللا ا ََٰل ًها ا َخ َر َو َل َي ْق ُت ُل َ‬ ‫َي ْد ُع َ‬
‫ون َم َع َّ ِِّ‬
‫ِ ِّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َي ْل َق َا َث ًاما (‪ُ )68‬ي َض َاع ْف َل ُه ْال َع َذ ُ‬
‫اب َي ْو َم ال ِّق َي َام ِّة َو َي ْخ ُل ْد ِّف ِّيه ُم َه ًانا »*‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫من تاب تاب هللا عليه من هذه الذنوب او غيرها من الذنوب‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ ْ‬
‫ض ال ُج َّه ِّال ِّب َق ْو ِّل ِّه َت َعالى‪َ { :‬ي َاا ُّي َها ِال ْن َس ُان َما َغ َّر َك ِّب َرِّب َك ال َك ِّر ِّيم}‬ ‫ِّ‬ ‫قال رحمه هللا *و كاغ ِّتر ِّار بع‬
‫َ ْ‬
‫[ ُسو َر ُة ِّال ْن ِّف َط ِّار‪َ ]66 :‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ك َّر َم ُه‪َ ،‬و َق ْد َي ُق ُول َب ْع ُض ُه ْم‪ِ :‬ا َّن ُه ل َّق َن ال ُم ْغ َت َّر ُح َّج َت ُه‪َ ،‬و َه َذا َج ْه ٌل‬
‫الس ِّوء َو َج ْه ُل ُه َو َه َو ُاه‪َ ،‬و َا َتى ُس ْب َح َان ُه‬ ‫الش ْي َط ُان‪َ ،‬و َن ْف ُس ُه ْ َال َّم َار ُة ِّب ُّ‬ ‫يح‪َ ،‬وا َّن َما َغ َّر ُه ب َرب ِّه ْال َغ ُرو ُر‪َ ،‬و ُه َو َّ‬
‫ِّ ِّ‬
‫َقب ٌ‬
‫ِّ‬
‫ْ َ ُ ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الس ِّيد الشديد الع ِّظ ُيم المطاع‪ ،‬ال ِّذي ل ين َب ِّغي ِّالغ ِّترار ِّب ِّه‪ ،‬ول ِاهمال ح ِّق ِّه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّب َلف ِّظ الك ِّر ِّيم وهو َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َف َو َض َع َه َذا ال ُم ْغ َت ُّر ال َغ ُرو َر ِّفي َغ ْي ِّر َم ْو ِّض ِّع ِّه‪َ ،‬و ْاغ َت َّر ِّب َم ْن ل َي ْن َب ِّغي ِّال ْغ ِّت َر ُار ِّب ِّه‪.‬‬

‫هذا مثال اخر من المثلة التي هي للمغالطة مغالطة النفس ان بعض هؤلء اغتر بفهم فاسد‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فهمه من قوله تعالى { َي َاا ُّي َها ِال ْن َس ُان َما َغ َّر َك ِّب َرِّب َك ال َك ِّر ِّيم} »* ما الذي غرك فجعلك تنسى حق‬
‫هللا ؟؟والواجب عليك نحوه؟؟ من توحيد او طاعة او عبادة او بعد عما يسخطه سبحانه‬
‫وتعالى؟ ما غرك بربك الكريم ؟؟!‬
‫فالجهال من هؤلء الذين ساء فهمهم فهموا من الية فهما فاسدا قالوا ‪:‬انا في الية لقن العاصي‬
‫حجته‪ -‬والعياذ باهلل ‪-‬‬
‫ْ‬
‫َما َغ َّر َك ِّب َرِّب َك ال َك ِّر ِّيم} قال كرمه ‪,‬بمعنى قصدوا ماذا ؟ ‪-‬قصدوا ان العاصي يفعل ما يشاء والرب‬
‫ماذا ؟‪ -‬والرب كريم‪ :‬يعني يصفح مهما كانِ المور‪ ,‬فيتكوئن على مثل هذا الفهم ويستمرون‬
‫في الذنوب والمعاصي ‪-‬نسال هللا العافية ‪-‬قال وهذا جهل قبيح‬
‫وانما غره بربه الغرور ‪ ,‬والغرور ‪ :‬اسم من اسماء الشيطان‪ ,‬العدو ‪,‬قال رحمه هللا تعالى ‪ :‬وانما‬
‫غره بربه الغرور وهو الشيطان‬
‫ونفسه الماره بالسوء وجهله وهواه‪ ,‬هذا الذي غر النسان واوقعه في المعاصي ‪,‬قال‪ :‬واتى‬
‫سبحانه بلفظ الكريم تنبيها على ماله من حق العبادة لنه كريم عظيم جليل ماجد سبحانه‬
‫وتعالى فحقه ان يطاع وان يذل له ويخصع سبحانه وتعالى‪ ,‬لكن هناك اشياء غرت النسان‬
‫فصرفته عن طاعة هللا والقيام بحقوقه على عباده الى الوقوع في ما يسخط هللا سبحانه وتعالى‪,‬‬
‫من الشيطان والنفس المارة بالسوء والهوى ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫َّللا ُت ْر َج ُع ُال ُمو ُر (‪)4‬‬ ‫َ‬ ‫و في الية في قوله تعالى *« َوان ُي َكذ ُب َ َ‬
‫وك ف َق ْد ُك ِّذ َب ِْ ُر ُسل ِّمن ق ْب ِّل َك ۚ َو ِالى َّ ِّ‬ ‫ِ ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا َحق َف َال َت ُغ َّرَّن ُك ُم ال َح َي ُاة ُّ‬ ‫َيا َا ُّي َها َّالن ُ‬
‫الد ْن َيا َول َي ُغ َّرَّن ُكم ِّب َّ ِّ‬
‫اَلل ال َغ ُرو ُر (‪ِ )5‬ا َّن‬ ‫اس ِا َّن َو ْع َد َّ ِّ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫اب َّ‬
‫الس ِّع ِّير »* فالغرور‪ :‬هو‬ ‫الش ْي َط َان َل ُك ْم َع ُدو َف َّات ِّخ ُذ ُوه َع ُد ًّوا ۚ ا َّن َما َي ْد ُعو ِّح ْزَب ُه ِّل َي ُك ُونوا ِّم ْن َا ْص َ‬
‫ح‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان لنه يغر النسان بمثل هذه الخدع وهذه المصائد فيجعله مقيما على المعاصي‬
‫والذنوب مضيعا حق هللا سبحانه وتعالى عليه‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ ْ‬ ‫َ‬
‫َو َك ْاغ ِّت َر ِّار َب ْع ِّض ِّه ْم ِّب َق ْو ِّل ِّه َت َعالى ِّفي َّالن ِّار‪{ :‬ل َي ْصال َها ِال َال ْش َقى ‪ -‬ال ِّذي َك َّذ َب َو َت َولى} [ ُسو َر ُة َّالل ْي ِّل‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪َ ، ]16 - 15‬و َق ْو ِّل ِّه‪ُ { :‬ا ِّع َّد ْت ِّلل َك ِّاف ِّر َين} [ ُسو َر ُة ال َب َق َر ِّة‪. ]24 :‬‬
‫َ َ‬ ‫َو َل ْم َي ْدر َه َذا ْال ُم ْغ َت ُّر َا َّن َق ْو َل ُه‪َ { :‬ف َا ْن َذ ْرُت ُك ْم َن ًارا َت َل َّظى} ه َي‪َ :‬ن ٌار َم ْخ ُص َ ٌ‬
‫ات َج َه َّن َم‪،‬‬ ‫وصة ِّم ْن ُج ْمل ِّة َد َرك ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫َو َل ْو َك َان ِْ َجم َيع َج َه َّن َم َف ُه َو ُس ْب َح َان ُه َل ْم َي ُق ْل َل َي ْد ُخ ُل َها َب ْل َق َال {ل َي ْصال َها ال َال ْش َقى} َول َيلز ُمَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َْ ِ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ِّم َن الدخ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّم ْن َع َد ِّم َص ْل ِّي َها‪َ ،‬عد ُم دخو ِّل َها‪ ،‬فا َّن َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ص ل ي ْستل ِّز ُم نف َي‬ ‫ول‪ ،‬ونف ُي الخ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصل َي اخ ُّ‬
‫ِ‬
‫ون َم ْض ُموناً‬ ‫ْ َال َعم‪ُ .‬ث َّم ان َه َذا ْال ُم ْغ َت ُّر َل ْو َت َا َّم َل ْال َي َة َّال ِّتي َب ْع َد َها؛ َل َع ِّل َم َا َّن ُه َغ ْي ُر َد ِّاخل ِّف َيها‪َ ،‬ف َال َي ُك ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫ل ُه َا ْن ُي َج َّن َب َها‪.‬‬
‫ين} [ ُسو َر ُة ا ِّل ِّع ْم َر َان‪:‬‬ ‫َو َا َّما َق ْو ُل ُه ِّفي َّالنار { ُا ِّع َّد ْت ِّل ْل َك ِّافر َين} ‪َ ،‬ف َق ْد َق َال ِّفي ْال َج َّن ِّة‪ُ { :‬ا ِّع َّد ْت ِّل ْل ُم َّت ِّق َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪َ ]133‬ول ُي َن ِّافي ِا ْع َد ُاد َّالن ِّار ِّللك ِّاف ِّر َين ا ْن َيدخل َها الف َّس ُاق َوالظل َمة‪َ ،‬ول ُي َن ِّافي ِا ْع َد ُاد ال َج َّن ِّة‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِّل ْل ُم َّت ِّق َ‬
‫ين َا ْن َي ْد ُخ َل َها َم ْن ِّفي َقل ِّب ِّه َا ْد َنى ِّم ْث َق ِّال َذ َّر ٍة ِّم َن ِال َيم ِّان‪َ ،‬ول ْم َي ْع َم ْل َخ ْي ًرا َق ُّط‪.‬‬

‫هذا ايضا مثال من المثلة التي وقع بعض الناس في مغالطات مع نفسه فاقام على ذنوبه‬
‫بسببها اتكاءا على مثل هذه المفاهيم الخاطئة فبعضهم يستدل بالية يقول ان هللا سبحانه‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫وتعالى قال في شان النار ‪{ :‬ل َي ْصال َها ِال َال ْش َقى ‪ -‬ال ِّذي َك َّذ َب َو َت َولى} »*‬
‫ْ‬
‫مراده ان النار انما هي لمن ؟ ‪ -‬للكافر ‪ ,‬في الية التية ايضا قال *« { ُا ِّع َّد ْت ِّلل َك ِّاف ِّر َين} »* فاذا‬
‫العصاة على فهم هؤلء‪,‬ما شانهم ؟؟ ‪ -‬ليس لهم مكان في النار‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ ْ‬
‫النار ‪{ :‬ل َي ْصال َها ِال َال ْش َقى ‪ } -‬من هو الشقى ؟؟ ‪ - { :‬ال ِّذي َك َّذ َب َو َت َولى} اي الكافر وقال في‬
‫ْ‬
‫الية الخرى *«{ ُا ِّع َّد ْت ِّلل َك ِّاف ِّر َين} »* اي امور العصيان مالها عالقة امور المعاصي ل عالقة لها‬
‫في النار ودخولها‪ ,‬فيتكا على مثل هذا الفهم الخاطئ لالية فيبقى مقيما والعياذ باهلل على ذنوبه‬
‫ومعاصيه واوتي هذا مثل سابقيه من سوء فهمه لكالم هللا سبحانه وتعالى‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫َ َ َّ‬
‫يقول بن القيم رحمه هللا‪ :‬ولم يدري هذا المغتر ان قوله *«‪َ { :‬ف َا ْن َذ ْرُت ُك ْم َن ًارا َت َل َّظى ل َي ْصال َها ِال‬
‫ْ‬
‫َال ْش َقى ‪ *» } -‬هو لنار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانِ جميع جهنم فهو لم يقل لم‬
‫يدخلها وانما قال ل يصالها ‪:‬‬
‫َ َ َّ ْ‬
‫فيقول بن القيم المراد بالنار *« َن ًارا َت َل َّظى ل َي ْصال َها ِال َال ْش َقى »* يعني الكافر المكذب هذه‬
‫ْ‬
‫طبقة من النار او دركة من دركات النار للكافرين { ُا ِّع َّد ْت ِّلل َك ِّاف ِّر َين} وهذه الطبقة ل يصالها ال‬
‫الكافر‪ ,‬لعل ما يوضح هذا المعنى تماما الذي اشار اليه بن القيم قول هللا سبحانه وتعالى في‬
‫َ‬
‫وت ِّف َيها َول َي ْح َي ى} »*‬‫سورة اخرى قال *« َو َي َت َج َّن ُب َها ْ َال ْش َقى َّال ِّذي َي ْص َلى َّالن َار ْال ُك ْب َرى ُث َّم َل َي ُم ُ‬
‫هذا من هو ؟؟‬
‫‪-‬هذا الكافر ‪.‬‬
‫وجاء في الصحيح لما ذكر النبي عليه الصالة والسالم لما ذكر حديث الشفاعة قال *{ واما اهل‬
‫النار الذين هم اهلها ل يموتون فيها ول يحيون ولكن اناس اخذتهم النار بذنوبهم _ ثم ذكر‬
‫النبي عليه الصالة والسالم حال عصاة الموحدين ودخولهم النار فقال _ فتميتهم النار اماتة‬
‫ثم يخرجون ضبائر ضبائر من النار فيلقون في نهر الفردوس فيحيون بماءه فينبتون كما تنبِ‬
‫الحبة في حميل السيل }*‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫اجمع بين الية والحديث ‪ :‬الية‪ -:‬قال *«*« َو َي َت َج َّن ُب َها َال ْش َقى ال ِّذي َي ْص َلى َّالن َار ال ُك ْب َرى ُث َّم ل‬
‫َ‬
‫وت ِّف َيها َول َي ْح َي ى} »* »*‬
‫َي ُم ُ‬

‫من هو ؟؟الكافر‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ -:‬قال‪ ":‬ان اهل النار الذين هم اهلها الك فار ل يموتون فيها ول يحيون"‪ ,‬ل‬
‫يموتون‪ :‬اي فيستريحون من العذاب‪ ,‬ول يحيون‪ :‬اي حياتا فيها راحة‪ -‬بل هم في عذاب مقيم‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ونكال اليم دائم ‪َ «*-‬وال ِّذ َين َك َف ُروا ل ُه ْم َن ُار َج َه َّن َم ل ُي ْق َضى َع َل ْي ِّه ْم َف َي ُم ُوتوا َول ُي َخ َّف ُف َع ْن ُه ْم ِّم ْن‬
‫َع َذا ِّب َها َك َذ ِّل َك َن ْج ِّزي ُك َّل َك ُفو ٍر »* هذا يتعلق بالك فار ‪,‬‬
‫َ َ َّ ْ‬
‫والية هنا *« ل َي ْصال َها ِال َال ْش َقى ‪ *» } -‬تتعلق بالك فار لكن هل فيها دللة على ان العاصي ل‬
‫يعذب ؟؟‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫‪ -‬الية ليس لها عالقة‪ ...‬هناك ايات اخرى دلِ على تعذيب العاصي بحسب عصيانه وذكرت‬
‫معاصي ك ثيرة وتوعد عليها بالنار فكيف تبطل تلك النصوص الك ثيرة التي هي معاصي وتوعد‬
‫عليها بالنار بهذا الفهم الخاطئ لهذه الية وان هذه الية بزعم هؤلء افادت ان النار ل يدخلها‬
‫اصال ال الكافر اما العصاة ل مكان لهم في النار ؟!‬
‫ْ‬
‫ومثلها ايضا الية التي بعدها *«*«{ ُا ِّع َّد ْت ِّلل َك ِّاف ِّر َين} »* كونها اعدت لهم يبقون فيها مؤبدين خالدين‬
‫ابد الباد‪ ,‬ل يعني ان ل يكون للعصاة حظ من العذاب في النار على قدر المعاصي ‪,‬لكن هنا ايضا‬
‫ينبغي ان يعرف امر مهم ال وهو ان دخول الكافر للنار مختلف عن دخول العاصي للنار‪,‬‬
‫دخول الكافر للنار‪ :‬دخول تخليد وتابيد‪.‬‬
‫ودخول العاصي للنار ‪ :‬دخول تمحيص وتطهير ‪ ,‬لنه لما لقي هللا سبحانه وتعالى بايمان معه خبث‬
‫المعاصي التي لم يتب منها ولقي هللا بها ‪,‬وكانِ الجنة دار طيب المحض ‪-‬ل يدخلها ال الطيب‬
‫المحض ‪ -‬فكان دخولهم للنار من اجل ان يطهروا من معاصيهم وذنوبهم ثم يدخلون من بعد ذلك‬
‫التطهير الى الجنة ولهذا قال عليه الصالة والسالم في الحديث الذي اشرت اليه *{يخرجون ظبائر‬
‫ظبائر}* دفعات دفعات ‪-‬جماعات جماعات‪ -‬لنهم متفاوتون في الذنوب فيطهرون في النار على قدر‬
‫ذنوبهم ثم يخرجون يخرج القل ثم ال ك ثر ثم ال ك ثر وهكذا‬

‫اشو َر َاء‪َ ،‬ا ْو َي ْو ِّم َع َر َف َة‪َ ،‬ح َّتى َي ُق َول‬ ‫قال رحمه هللا تعالى‪ :‬و َك ْاغ ِّت َرار َب ْع ِّضه ْم َع َلى َص ْوم َي ْوم َع ُ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وب ْال َعام ُك َّل َها‪َ ،‬و َي ْب َقى َص ْو ُم َع َر َف َة زَي َاد ًة في َال ْجر‪َ ،‬ول ْم َيدرْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫اشو َر َاء ُي َك ِّف ُر ُذ ُن‬‫َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ي ْو ُم َع ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫س‪َ ،‬ا ْع َظ ُم َو َا َج ُّل ِّم ْن ِّص َي ِّام َي ْو ِّم َع َر َف َة‪َ ،‬و َي ْو ِّم‬ ‫ات ْال َخ ْ‬
‫م‬ ‫ِّ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫الص َ‬
‫ل‬ ‫َّ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫َ‬
‫ان‬ ‫ض‬‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫ا‬‫َه َذا ْال ُم ْغ َت ُّر‪َ ،‬‬
‫ْ ِّ‬
‫اشو َر َاء‪َ ،‬و ِّه َي ِا َّن َما ُت َك ِّف ُر َما َب ْي َن ُه َما ِا َذا ْاجت ِّن َب ِِّ الك َبا ِّئ ُر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َع ُ‬

‫َّ‬
‫الص َغا ِّئ ِّر‪ِ ،‬ال َم َع ْان ِّض َم ِّام‬ ‫َف َر َم َض ُان ا َلى َر َم َض َان‪َ ،‬و ْال ُج ُم َع ُة ا َلى ْال ُج ُم َع ِّة‪َ ،‬ل َي ْق َو َيا َع َلى َت ْك ِّفير َّ‬
‫ِّ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ِ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ِْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫تر ِّك الكبا ِّئ ِّر ِاليها‪ ،‬فيقوى مجموع المري ِّن على تك ِّف ِّير الصغا ِّئ ِّر‪.‬‬
‫ْ‬
‫َف َك ْي َف ُي َك ِّف ُر َص ْو ُم َي ْو ِّم َت َط ُّو ٍع ُك َّل َك ِّب َير ٍة َع ِّم َل َها ال َع ْب ُد َو ُه َو ُم ِّصر َع َل ْي َها‪َ ،‬غ ْي ُر َتا ِّئ ٍب ِّم ْن َها؟ َه َذا‬
‫ُ َ ٌ َ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ ً َ ُ ُ ْ‬
‫وب ال َع ِّام َع َلى‬ ‫محال على انه ل يمت ِّنع ان يكون صوم يو ِّم عرفة ويو ِّم عاشوراء مك ِّفرا ِّلج ِّم ِّيع ذن ِّ‬
‫ْ‬ ‫ون ِّم ْن ُن ُصوص ْال َو ْع ِّد َّال ِّتي َل َها ُش ُرو ٌط َو َم َوا ِّن ُع‪َ ،‬و َي ُك ُ‬
‫ون ِا ْص َر ُار ُه َع َلى ال َك َبا ِّئ ِّر َما ِّن ًعا‬ ‫ِّ‬
‫ُع ُم ِّوم ِّه‪َ ،‬و َي ُك ُ‬
‫ْ‬ ‫ِّم َن َّالت ْك ِّفير‪َ ،‬فا َذا َل ْم ُي ِّص َّر َع َلى ْال َك َبا ِّئر ِّل َت َس ُاع ِّد َّ‬
‫الص ْو ِّم َو َع َد ِّم ِال ْص َر ِّار‪َ ،‬و َت َع ُاو ِّن ِّه َما َع َلى ُع ُم ِّوم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ‬
‫اب ال َك َبا ِّئ ِّر ُم َت َس ِّاع َد ْي ِّن ُم َت َع ِّاو َن ْي ِّن َع َلى‬‫التك ِّف ِّير‪ ،‬كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اج ِّتن ِّ‬
‫َّ ْ‬
‫الص َغا ِّئ ِّر َم َع َا َّن ُه ُس ْب َح َان ُه َق ْد َق َال‪ِ { :‬ا ْن َت ْج َت ِّن ُبوا َك َبا ِّئ َر َما ُت ْن َه ْو َن َع ْن ُه ُن َك ِّف ْر َع ْن ُك ْم‬ ‫َت ْك ِّفير َّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫َس ِّي ََئ ِّتك ْم} [ ُسو َرة ِّالن َس ِّاء‪ ]31 :‬ف ُع ِّل َم ا َّن َج ْعل الش ْي ِّء َس َب ًبا ِّللتك ِّف ِّير ل َي ْم َن ُع ا ْن َيت َس َاعد ُه َو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الس َب َب ْي ِّن َا ْق َوى َو َا َت َّم ِّم ْن ُه َم َع ْان ِّف َر ِّاد‬ ‫ون َّالت ْك ِّف ُير َم َع ْاج ِّت َماع َّ‬ ‫َو َس َب ٌب ا َخ ُر َع َلى َّالت ْك ِّفير‪َ ،‬و َي ُك ُ‬
‫ِّ‬
‫اب َّالت ْك فير َك َان َا ْق َوى َو َا َت َّم َو َِّا ْش َمل‪َ.‬‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫َا َح ِّد ِّه َما‪َ ،‬و ُك َّل َما َقو َي ِْ َا ْس َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫هذا ايضا مثال اخر من امثلة اتكال هؤلء المغرورين بسبب فهوم خاطئة لبعض النصوص ول سيما‬
‫نصوص" الوعد والرجاء" فمن ذلك ان بعضهم اتكل في اقامته على ذنوبه على قول النبي ﷺ‬
‫*{صيام يوم عاشوراء احتسب على هللا ان يك فر سنة التي قبله}*‬
‫وما ورد ايضا في فضل يوم عرفة وما فيه من تك فير للذنوب فاتكل بعضهم على فهم هخاطئ لهذه‬
‫الحاديث حتى قال بعضهم يوم عاشوراء يك فر ذنوب العام كلها ويبقى صيام يوم عرفة زيادة في‬
‫الجر ‪,‬على هذا الفهم الذي يفهمه هذا من الحديث اي شيء يصنع هو ؟‬
‫‪ -‬على مدار العام يبقى في ذنوبه ومعاصيه لن عنده صيام عاشوراء يك فر سنة وعنده ‪,‬صيام عرفة‬
‫احتياط زائد فهذا صيام عاشوراء يك فر سنة كاملة و صيام عرفة هذا رصيد زائد‪ ,‬فيكون من باب زيادة‬
‫الجر‪ ,‬اما التك فير انتهى للسنة الكاملة بصيام يوم عرفة فيبقى والعياذ باهلل مطمئنا على فعل‬
‫الذنوب مقيما عليها ويغتر بهذا الفهم الخاطئ ‪,‬قال‪ :‬ولم يدر هذا المغتر ان صوم رمضان وهو اعظم‬
‫من صيام يوم عاشوراء واعظم من صيام يوم عرفة ‪,‬لماذا ؟؟ ‪-‬قال هللا سبحانه وتعالى في الحديث‬
‫القدسي *{ ما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه }*‬
‫صيام عاشوراء نافلة‪ ,‬وعرفة نافلة‪ ,‬وصيام رمضان فريضة ‪",‬فماتقرب احد بشيء احب الى هللا بشيء‬
‫الذي افترضه هللا على عباده "‬
‫ويقول المصنف ‪:‬صوم رمضان والصلوات الخمس اعظم واجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء‬
‫وهي انما تك فر ما بينها اذا اجتنبِ الكبائر ‪،‬‬
‫لن النبي ﷺ قال في الحديث الصحيح *{ الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى‬
‫رمضان مك فرات الى ما بينهن ما اجتنبِ الكبائر}* اذن التك فير الذي جاء في عرفة وجاء في يوم‬
‫عاشوراء بهذا القيد الذي قيد به‪ ,‬فالتك فير ما هو اعظم من هذا الصيام وهو صيام رمضان والصلوات‬
‫الخمس المفروضة‪ ,‬فاذا كانِ الصلوات الخمس المفروضة وهي اعظم‪ ,‬صيام شهر رمضان وهو‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫اعظم‪ ,‬ل يكون تك فيره للذنوب ال بهذا القيد اجتناب الكبائر فالن يكون صيام عاشوراء وصيام عرفة‬
‫كذلك من باب اولى ‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى القرب لن بن القيم ذكر معنيين و كان القرب هو الول فيما ذكره رحمه هللا قال‪:‬‬
‫فرمضان الى رمضان والجمعة الى الجمعة ل يقوى على تك فير الصغائر ال مع انضمام ترك الكبائر‬
‫اليه قال‪ ":‬ما اجتنبِ الكبائر " فيقوى مجموع المرين على تك فير الصغائر ‪,‬فكيف يك فر صوم تطوع‬
‫كل كبيرة عملها العبد على حسب الفهم الذي فهمه اولئك وهو مصر عليها غير تائب منها هذا‬
‫محال!!‬

‫قال رحمه هللا‪َ :‬و َك ِّات َك ِّال َب ْع ِّض ِّه ْم َع َلى َق ْو ِّل ِّه ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬حا ِّك ًيا َع ْن َرِّب ِّه " « َا َنا ِّع ْن َد ُح ْس ِّن َظ ِّن َع ْب ِّدي‬
‫ون‬ ‫الظن ا َّن َما َي ُك ُ‬ ‫بي‪َ ،‬ف ْل َي ُظ َّن بي َما َش َاء» َي ْعني َما َك َان في َظنه َفاني َفاع ُل ُه به‪َ ،‬و َل َرْي َب َا َّن ُح ْس َن َّ‬
‫ِِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الظن ب َربه َا ْن ُي َجازَي ُه َع َلى ا ْح َسانه َو َل ُي ْخل َف َو ْع َد ُه‪َ ،‬و َي ْق َبلَ‬ ‫َم َع ْال ْح َسان‪َ ،‬فا َّن ْال ُم ْحس َن َح َس ُن َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ ِّ ِ‬
‫َت ْو َب َت ُه‪.‬‬
‫َ ُّ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ْ ْ َ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ َّ ْ ُ ُ ْ‬
‫الظل ِّم َوال َح َر ِّام‬ ‫ات َف ِا َّن َو ْح َش َة ال َم َع ِّاصي و‬ ‫يء ال ُم ِّص ُّر َعلى الك َبا ِّئ ِّر َوالظل ِّم َوال ُمخالف ِّ‬ ‫واما الم ِّس‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َت ْم َن ُع ُه م ْن ُح ْسن الظن ب َربه‪َ ،‬و َهذا َم ْو ُج ٌ‬
‫الش ِّاه ِّد‪ ،‬ف ِا َّن ال َع ْب َد ال ِّب َق ال َخا ِّر َج َع ْن ط َاع ِّة َس ِّي ِّد ِّه‬ ‫ود ِّفي َّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫الظن َا َب ًدا‪َ ،‬فا َّن ال ُم ِّس َ‬ ‫ْ‬
‫الظ َّن به‪َ ،‬ول ُي َجام ُع َو ْح َش َة ال َس َاءة ا ْح َس ُان َّ‬ ‫َ‬ ‫َل ُي ْحس ُن َّ‬
‫يء ُم ْس َت ْو ِّح ٌش ِّب َق ْد ِّر‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ِّ َ ْ ِ َ ِّ ِ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اس ظ ًّنا ِّب َرِّب ِّه اط َو ُع ُه ْم ل ُه‪.‬‬ ‫َ َ َ ْ ُ َّ‬
‫ِا َساء ِّت ِّه‪ ،‬واح َسن الن ِّ‬
‫الظ َّن‬ ‫الظ َّن ب َربه َف َا ْح َس َن ْال َع َم َل‪َ ,‬وا َّن ْال َفاج َر َا َس َاء َّ‬ ‫َك َما َق َال ْال َح َس ُن ْال َب ْصر ُّي ‪ :‬ا َّن ْال ُم ْؤم َن َا ْح َس َن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ِّب َرِّب ِّه َف َا َس َاء ال َع َم َل‪.‬‬
‫الظ ِّن ِّب َرِّب ِّه َم ْن ُه َو َش ِّار ٌد َع ْن ُه‪َ ،‬حال ُم ْرَت ِّح ٌل ِّفي َم َس ِّاخ ِّط ِّه َو َما ُي ْغ ِّض ُب ُه‪* ،‬‬ ‫ون ُم ْحس ُن َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َوك ْي َف َيك ُ ِّ‬
‫ض ِّل َل ْع َن ِّت ِّه َق ْد َه َان َح ُّق ُه َو َا ْم ُر ُه َع َل ْي ِّه َف َا َض َاع ُه‪َ ،‬و َه َان َن ْه ُي ُه َع َل ْي ِّه َف ْارَت َك َب ُه َو َا َص َّر َع َل ْي ِّه؟ َو َك ْي َف‬ ‫ُم َت َعر ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ِّ ُ َّ َّ َ َ ْ َ َ َز ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ َو َ‬
‫يح ِّسن الظن ِّبرِّب ِّه من بار ه ِّبالمحارب ِّة‪ ،‬وعادى او ِّلياءه‪ ،‬و الى اعداءه‪ ،‬وجحد ِّصفات كما ِّل ِّه‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو َا َس َاء َّ‬
‫الظ َّن ِّب َما َو َص َف ِّب ِّه َن ْف َس ُه‪َ ،‬و َو َص َف ُه ِّب ِّه َر ُسول ُه ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬و َظ َّن ِّب َج ْه ِّل ِّه َا َّن َظ ِّاه َر َذ ِّل َك َضال ٌل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو ُك ْف ٌر؟ َو َك ْي َف ُي ْحس ُن َّ‬
‫الظ َّن ِّب َرِّب ِّه َم ْن َي ُظ ُّن َا َّن ُه ل َي َت َك َّل ُم َول َي ْا ُم ُر َول َي ْن َهى َول َي ْر َضى َول َي ْغ َض ُب؟ ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َّللا في َحق َم ْن َش َّك في َت َع ُّلق َس ْمعه ب َب ْع ْ ْ‬
‫الس ُّر ِّم َن ال َق ْو ِّل‪َ { :‬و َذ ِّل ُك ْم‬
‫ات‪َ ،‬و ُه َو ِّ‬ ‫ض ال ُجزِّئ َّي ِّ‬‫ِّ ِّ ِّ ِّ ْ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقد قال ِّ ِّ‬
‫َ َ ْ َ َ َّ ُ‬
‫َّ‬
‫َظ ُّن ُك ُم ال ِّذي َظ َن ْن ُت ْم ِّب َرِّب ُك ْم َا ْر َد ُاك ْم َف َا ْص َب ْح ُت ْم ِّم َن ال َخ ِّاس ِّر َين} [ ُسو َر ُة ُف ِّص َل ِْ‪. ]23 :‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫ون‪َ ،‬ك َان َه َذا ِا َس َاء ًة ِّل َظ ِّن ِّه ْم ِّب َرِّب ِّه ْم‪،‬‬ ‫َّللا ُس ْب َح َان ُه َل َي ْع َل ُم َك ِّث ًيرا ِّم َّما َي ْع َم ُل َ‬
‫َف َه ُؤ َل ِّء َل َّما َظ ُّنوا َا َّن َّ َ‬
‫وت َج َال ِّل ِّه‪َ ،‬و َو َص َف ُه ب َما َل َي ِّل ُ‬
‫يق‬ ‫ات َك َما ِّل ِّه‪َ ،‬و ُن ُع َ‬
‫ِّ‬ ‫ف‬‫الظ ُّن‪َ ،‬و َه َذا َش ْا ُن ُكل َم ْن َج َح َد ص َ‬
‫ِّ‬
‫َف َا ْر َد ُاه ْم َذل َك َّ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ْ ِّ‬
‫َ‬
‫الش ْي َط ِّان‪ ،‬ل‬ ‫ب ِّه‪َ ،‬فا َذا َظ َّن َه َذا َا َّن ُه ُي ْد ِّخ ُل ُه ال َج َّن َة َك َان َه َذا ُغ ُرو ًرا َو ِّخ َد ًاعا م ْن َن ْف ِّس ِّه‪َ ،‬و َت ْسو ًيال م َن َّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ ِ َ َ َ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ َّ َ ْ َ َ َْ‬
‫ِاحسان ظ ٍن ِّبرِّب ِّه‪.‬فتامل هذا المو ِّضع‪ ،‬وتامل ِّشدة الحاج ِّة ِالي ِّه ‪.‬‬

‫هذا ايضا مثال اخر يذكره رحمه هللا تعالى لحال هؤلء المغترين المغالطين لنفسهم فيقول‪:‬‬
‫كاتكال بعضهم على قوله ﷺ حاكيا عن ربه انه قال عز وجل *{ انا عند حسن ظن عبدي بي‬
‫فليظن بي ماشاء}*‬
‫فكيف يفهم هؤلء هذا الحديث" انا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء" يفهم هذا‬
‫الحديث انه مقيم على معاصيه وعلى ذنوبه وعلى اثامه‪ ,‬وهو يظن بربه انه لن يعذبه عليها‪,‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فيبقى مقيما عليها الى ان يلقى هللا بها‪ ,‬وقد قال هللا سبحانه *« ل ْي َس ِّب َا َما ِّن ِّي ُك ْم َول َا َما ِّن ِّي َا ْه ِّل‬
‫اب ۗ َمن َي ْع َم ْل ُس ًوءا ُي ْج َز ِّب ِّه »* فليسِ المسالة مجرد اماني ورجاء مجرد ‪,‬بل ل بد من‬ ‫ْ َ‬
‫ال ِّك ت ِّ‬
‫اقامة برهان باصالح النفس والعمل‪ ,‬والبعد عن مساخط الرب سبحانه وتعالى‪ .‬قال رحمه هللا ‪:‬‬
‫ما كان في ظنه فاني فاعله به ‪,‬ثم بين بن القيم رحمه هللا ان حسن الظن باهلل ل يستقيم ال مع‬
‫حسن العمل واما سوء العمل ل يكون معه حسن ظن باهلل ال شيء يكون في النفس على وجه‬
‫المغالطة لها ‪-‬على وجه المغالطة للنفس‪ -‬لتبقى مصرة على الذنوب والمعاصي‪ ,‬اما حسن الظن‬
‫حقيقة باهلل ل يكون ال مع حسن العمل ولهذا نقل نقال عظيما جدا عن المام الحسن البصري‬
‫رحمه هللا انه قال [ ان المؤمن احسن الظن بربه فاحسن العمل وان الفاجر اساء الظن بربه‬
‫فاساء العمل] اذن حسن الظن مرتبط بحسن العمل‪ ,‬وسوء الظن مرتبط بسوء العمل‪ ,‬قل‬
‫ايضا ان شئِ‪ :‬ان حسن العمل يثمر حسن الظن ‪,‬كل ما اجتهد العبد في احسان العمل يثمر‬
‫هذا حسن الظن‪ ,‬والساءة في العمل تثمر الوحشة وسوء الظن‪ ,‬ل تثمر حسن ظن ‪,‬وانما تثمر‬
‫وحشة وسوء ظن‪ ,‬ولهذا فان مرد المر الى صالح العمل" صالح الطاعة هلل سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫وحسن التقرب اليه سبحانه وتعالى بصالح العمال"‬
‫يقول‪ :‬كيف يكون محسن الظن بربه من هو شارد عنه؟ مايمكن حال مرتحل في الذنوب‬
‫والمعاصي وما يسخط هللا ويبغضه متعرض للعنة هللا قد هان حقه وامره عليه فاضاعه وهان‬
‫نهيه عليه فارتكبه واصر عليه‪ ,‬كيف يكون هذا محسن الظن وهو على هذه الحالة !!‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫وكيف يكون محسن الظن بربه من بارزه بالمحاربة‪ ,‬وعادى اولياءه ووالى اعداءه ‪,‬وجحد صفاته‬
‫واساء الظن بما وصف به نفسه !!‬
‫قال وكيف يحسن الظن به من يظن انه ل يتكلم ول يامر ول ينهى ول يرضى ول يغضب؟ كل‬
‫هذه ل تستقيم مع حسن الظن باهلل سبحانه وتعالى!! ‪,‬ثم ذكر مثال عظيما في هذا الباب اخذه‬
‫ُ‬
‫من هذا السياق في سورة فصلِ ‪:‬قال هللا سبحانه وتعالى *« َو َقالوا ِّل ُج ُل ِّود ِّه ْم ِّل َم َش ِّه ُّدت ْم َع َل ْي َنا‬
‫ون (‪َ )21‬و َما ُك ُنت ْم‬ ‫نط َق ُك َّل َش ْي ٍء َو ُه َو َخ َل َق ُك ْم َا َّو َل َم َّر ٍة َوا َل ْي ِّه ُت ْر َج ُع َ‬ ‫َّللا َّالذي َا َ‬ ‫َق ُالوا َا َ‬
‫نط َق َنا َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫َّللا َل َي ْع َل ُم َك ِّثيراً‬‫ود ُك ْم َو ََٰل ِّكن َظ َن ُنت ْم َا َّن َّ َ‬ ‫َت ْس َت ِّت ُرو َن َان َي ْش َه َد َع َل ْي ُك ْم َس ْم ُع ُك ْم َو َل َا ْب َص ُار ُك ْم َو َل ُج ُل ُ‬
‫ون (‪*» )22‬‬ ‫ِّم َّما َت ْع َم ُل َ‬

‫هذا ماهو ؟ ‪ -‬هذا ظن خاطئ خطير في حق هللا‪ ,‬في امر العلم‪ -‬صفة العلم هلل جل وعال‪ -‬ولكن‬
‫ظننتم ان هللا ل يعلم ك ثيرا مما تعلمون‪،‬‬
‫هل نفوا صفة العلم من اصلها ؟؟ ‪ -‬نفوا علم هللا بالتفاصيل مثل ما قال بن القيم هنا ‪ :‬قال‪:‬‬
‫وقد قال في حق ما شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات وهو السر‪ :‬تعلق سمعه او علمه كما‬
‫في الية تعلق علمه ببعض الجزئيات هو السر ‪,‬فقالوا يعلم المور الظاهرة ول يعلم الخفية‪-‬‬
‫َّ‬
‫والعياذ باهلل‪ , -‬فماذا ترتب على هذا الظن الفاسد ؟؟ ‪-‬قال *«{ َو َذ ِّل ُك ْم َظ ُّن ُك ُم ال ِّذي َظ َن ْن ُت ْم‬
‫َّ‬ ‫ب َرب ُك ْم َا ْر َد ُاك ْم َف َا ْص َب ْح ُت ْم ِّم َن ْال َخ ِّاسر َين َفان َي ْصب ُروا َف َّ‬
‫الن ُار َم ْث ًوى ل ُه ْم َو ِان َي ْس َت ْع ِّت ُبوا َف َما ُهم ِّم َن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ين »*‬ ‫ْال ُم ْع َتب َ‬
‫ِّ‬
‫وهذه الية نستفيد منها فائدة ‪:‬ان الخطا في اسماء هللا وصفاته جد خطير خطير جدا‪ ,‬ليس ام ًرا‬
‫سهال‪ ,‬هؤلء لم ينكروا صفة العلم من اصلها ‪,‬وانما ظنوا ان علم هللا ل يتناول بعض الجزئيات‪,‬‬ ‫ً‬
‫فارداهم هذا الظن‪-‬اهلكهم‪ -‬وكان موجبا لسخط هللا وعقوبته سبحانه وتعالى فالخطا في‬
‫السماء والصفات امر ليس بالهين ‪ ,‬قال ‪ :‬فهولء لما ظنوا انه سبحانه ل يعلم ك ثيرا مما‬
‫يعملون كان هذا اساءة لظنهم بربهم فارداهم ذلك الظن ‪:‬وهذا شان كل جاحد ‪,‬كل من جحد‬
‫صفات هللا كصفات كماله ونعوت جالله سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّ ْ َّ َ ْ َ َ َ‬
‫اج ِّة ِال ْي ِّه‪َ ، ،‬و َك ْي َف َي ْج َت ِّم ُع ِّفي َقل ِّب‬ ‫‪ :‬قال رحمه هللا تعالى‪ :‬فتامل هذا المو ِّضع‪ ،‬وتامل ِّشدة الح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َي ْس َم ُع َو َي َرى َم َك َان ُه‪َ ،‬و َي ْع َل ُم ِّس َّر ُه َو َعال ِّن َي َت ُه‪َ ،‬ول َي ْخ َفى َع َل ْي ِّه‬ ‫ْال َع ْب ِّد َت َي ُّق ُن ُه ب َا َّن ُه ُم َال ٍق َّ َ‬
‫َّللا‪َ ،‬و َا َّن َّ َ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وف َب ْي َن َيد ْي ِّه‪َ ،‬و َم ْسوئل َع ْن ك ِّل َما َع ِّمل‪َ ،‬و ُه َو ُم ِّق ٌيم َعلى َم َس ِّاخ ِّط ِّه‬ ‫َ‬ ‫َخ ِّاف َي ٌة ِّم ْن َا ْمر ِّه‪َ ،‬وان ُه َم ْوق ٌ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫وس‪،‬‬ ‫الظ َّن به‪َ ،‬و َه ْل َه َذا ا َّل م ْن خ َدع ُّالن ُ‬


‫ف‬ ‫ُم َضي ٌع َل َوامره‪ُ ،‬م َعط ٌل ل ُح ُقوقه‪َ ،‬و ُه َو َم َع َه َذا ُي ْحس ُن َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫ْ‬
‫َو ُغ ُرو ِّر َال َما ِّن ِّي؟‬
‫َو َق ْد َق َال َا ُبو ُا َم َام َة ْب ُن َس ْهل ْبن ُح َن ْي ٍف‪َ :‬د َخ ْل ُِ َا َنا َو ُع ْر َو ُة ْب ُن ُّالزَب ْير َع َلى َعا ِّئ َش َة ‪َ -‬ر ِّض َي َّ ُ‬
‫َّللا َع ْن َها ‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َف َق َال ِْ « َل ْو َرَا ْي ُت َما َر ُس َ‬
‫ض له‪َ ،‬وكانِ ِّعن ِّدي ِّستة دنا ِّن َير‪ ،‬او َس ْب َعة‪ ،‬فام َرِّني‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِّ‬ ‫‪-‬‬ ‫ﷺ‬ ‫‪-‬‬ ‫َّللا‬
‫ِّ‬ ‫ول‬
‫َّللا‪ ،‬ث َّمُ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ح َّتى َع َاف ُاه َُّ‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا ْن ُا َفر َق َها‪َ ،‬ق َال ِْ‪َ :‬ف َش َغ َل ِّني َو َج ُع َر ُسول َِّّ‬ ‫ُ‬
‫َر ُسول َّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َّ َ‬ ‫ََ َ َ ْ َُ َ َ‬ ‫ََ‬
‫َّللا ل َق ْد َش َغ َل ِّني َو َج ُع َك‪،‬‬ ‫الستة الدنا ِّنير؟ فقلِ‪ :‬ل و ِّ‬ ‫َسال ِّني َع ْن َها فقال‪َ :‬ما ف َعل ِِّ؟ اك ْن ِِّ ف َّرق ِِّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َّللا َل ْو َل ِّق َي َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َّللا َو َه ِّذ ِّه ِّع ْن َد ُه؟ َو ِّفي ل ْف ٍظ‪َ :‬ما‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫قال ِْ ف َد َعا ِّب َها‪ ،‬ف َو َض َع َها ِّفي َك ِّف ِّه‪ ،‬ف َقال‪َ :‬ما ظ ُّن َن ِّب ِّي َّ ِّ‬
‫َّللا َو َه ِّذ ِّه ِّع ْن َد ُه‪».‬‬ ‫َظ ُّن ُم َح َّم ٍد ب َرب ِّه َل ْو َل ِّق َي َّ َ‬
‫ِّ ِّ‬
‫سبحان هللا تامل هذا الحديث سِ دنانير ونبي هللا صلوات هللا وسالمه عليه غفر هللا له ما‬
‫تقدم من ذنبه وما تاخر ويقول ما ظن بي هللا ولو لقي هللا هذه عنده ‪,‬يقول بن القيم رحمه هللا‬
‫تعالى تعليقا على الحديث‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َّ َ‬
‫اَلل ِا َذا ل َق ْو ُه َو َم َظا ِّل ُم ال ِّع َب ِّاد ِّع ْن َد ُه ْم؟ َف ِا ْن َك َان َي ْن َف ُع ُه ْم‬
‫اب الكبا ِّئ ِّر والظلم ِّة ِّب ِّ‬‫فيا َِّلل ما ظن اصح ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َق ْول ُه ْم‪َ :‬ح َّس َّنا ُظ ُن َون َنا ِّب َك‪ِ ،‬ا َّن َك ل ْن ُت َع ِّذ َب َظا ِّل ًما َول َف ِّاس ًقا‪َ ،‬فل َي ْص َن ِّع ال َع ْب ُد َما َش َاء‪َ ،‬و ِّل َي ْرَت ِّك ْب ُك َّل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّللا َع ْن ُه‪َ ،‬ول ُي ْحس ْن َظ َّن ُه ب َّ َ‬
‫َّللا! َما َي ْب ُل ُغ ال ُغ ُرو ُر ِّبال َع ْب ِّد‬ ‫َ‬
‫اَلل‪ ،‬ف ِا َّن َّالن َار ل َت َم ُّس ُه‪ ،‬ف ُس ْب َح َان َّ ِّ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫َما َن َه ُاه َّ ُ‬

‫يعني كل نصوص الوعيد بهذا تبطل كلها ‪,‬ول يصبح لها اي قيمة ‪,‬واي نص فيه وعيد وتهديد‬
‫يعرض على مثل هؤلء ماذا يقول ؟؟‪ -‬يقول نحسن الظن باهلل ‪,‬ول يبالي بنصوص الوعيد ول‬
‫يك ترث بها‪ ,‬يقول انا احسن الظن باهلل وهللا عز وجل يقول *{فليظن بي ماشاء}* ويبقى مقيما‬
‫على‪ ...‬فتاتي هذه الفهوم الغالطة الخاطئة على جميع نصوص الوعيد بالبطال ‪,‬ويصبح ليس‬
‫لها اي قيمة على فهم هؤلء وحاشا ان يكون المر كذلك ‪.‬‬
‫ون ‪َ -‬ف َما َظ ُّن ُك ْم ب َرب ْال َع َالم َ‬
‫ين} [ ُسو َر ُة‬ ‫َّللا ُتر ُيد َ‬
‫ِّ‬ ‫َو َق ْد َق َال ا ْب َر ِّاه ُيم ِّل َق ْو ِّم ِّه‪َ { :‬ا ِّئ ْف ًكا ا ِّل َه ًة ُد َ‬
‫ون َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ ُّ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َّ َّ‬
‫ات‪ * . ]87 - 86 :‬اي ما ظنكم ان يفعل ِّبكم ِاذا ل ِّقيتموه وقد عبدتم غيره‪* .‬؟!‬ ‫الصاف ِّ‬
‫اذا لقوه وقد عبدوا غيره ليس لهم يوم القيامة عند هللا ال النار مخلدين فيها ابدا الباد‪ ,‬وان‬
‫ظنوا غير ذلك والظنون ك ثيرة عند اصحاب الضالل والباطل‪ -‬اليهود اشد الناس ك فرا من‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات »* قالوا ايام تعد على رؤوس الصابع‬ ‫ظنونهم يقولون‪ «* -‬لن ت َم َّس َنا َّالن ُار ِال ا َّي ًاما َّم ْع ُد َود ٍ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫قليلة جدا بل قالوا ما هو اشد قالوا *« { َو َق ُالوا َل ْن َي ْد ُخل ْال َج َّنة ا َّل َم ْن َك َان ُه ً‬
‫ودا َا ْو َن َص َارى } »*‬
‫ْ َّ‬ ‫ُ َ‬
‫َّللا َو َا ِّح َّب ُاؤ ُه »* اشياء من هذا القبيل ك ثيرة*« َو َقالوا ل ْن َي ْد ُخل ال َج َّنة ال‬ ‫َ‬
‫وقالوا *« َن ْح ُن ا ْب َن ُاء َّ ِّ‬
‫ودا َا ْو َن َص َارى »* هذه كلها ل تسمن ول تغني من جوع ول تنفع صاحبها‪ ,‬وانما الذي‬ ‫َم ْن َك َان ُه ً‬
‫ينفعه مع الظن حسن العمل‪ -‬توحيدا واخالص وايمانا وطاعة وعبادة هلل وتقربا اليه‪ -‬اما من‬
‫لقي هللا بالشرك فليس له ال النار‪ ,‬ول مطمع له اطالقا في رحمته ومغفرته‪ ,‬ومن لقي هللا فيما‬
‫دون الشرك فهناك تهديد ووعيد ونصوص وعيد جاءت بالعقوبات وهي عقوبات عظيمة زاجرة‬
‫رادعة في ك تاب هللا وسنة نبيه صلوات وسالمه وبركاته عليه ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ‬
‫اَلل ُه َو ُح ْس ُن ال َع َم ِّل َن ْف ُس ُه‪َ ،‬ف ِا َّن‬ ‫َو َم ْن َتا َّمل َهذا ال َم ْو ِّض َع َح َّق َّالتا ُّم ِّل َع ِّل َم ا َّن ُح ْس َن الظ ِّن ِّب َّ ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َع ْب َد ِا َّن َما َي ْح ِّم ُل ُه َع َلى ُح ْس ِّن ال َع َم ِّل حسن َظ ُّن ُه ِّب َرِّب ِّه َا ْن ُي َج ِّازَي ُه َع َلى َا ْع َما ِّل ِّه َو ُي ِّث َيب ُه َع َل ْي َها َو َي َت َق َّب َل َها‬
‫َّ‬
‫الظ ِّن‪َ ،‬ف ُك َّل َما َح ُس َن َظ ُّن ُه بربه َح ُس َن َع َم ُل ُه‪َ ،‬و ِال َف ُح ْس ُن‬ ‫م ْن ُه‪َ ،‬ف َّالذي َح َم َل ُه َع َلى ْال َع َمل ُح ْس ُن َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫يث شد ِّاد ْب ِّن ا ْو ٍس َع ِّن‬ ‫يث ِّالت ْر ِّم ِّذ ِّي َوال ُم ْس َن ِّد ِّم ْن َح ِّد ِّ‬ ‫الظ ِّن َم َع ِّات َب ِّاع ال َه َوى َعجز‪ ،‬ك َما ِّفي َح ِّد ِّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّالن ِّب ِّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪« :‬ال َك ِّي ُس َم ْن َد َان َن ْف َس ُه َو َع ِّم َل ِّل َما َب ْع َد ال َم ْو ِّت‪َ ،‬وال َع ِّاج ُز َم ْن َا ْت َب َع َن ْف َس ُه‬
‫َ‬
‫َه َو َاها‪َ ،‬و َت َم َّنى َعلى َّ ِّ‬
‫َّللا» ‪.‬‬
‫َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ ُ َّ َّ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫اب ال َهال ِّك َفال‬ ‫اب النج ِّاة‪ ،‬واما مع ان ِّعق ِّاد اسب ِّ‬ ‫و ِّبالجمل ِّة فحسن الظ ِّن ِانما يكون مع ان ِّعق ِّاد اسب ِّ‬
‫الظ ِّن‪.‬‬‫َي َت َا َّتى ا ْح َس ُان َّ‬
‫ِ‬
‫نعم يقول رحمه هللا ‪:‬من تامل هذا الموضع الذي ساء فيه الفهم عند اولئك حق التامل علم ان‬
‫حسن الظن باهلل هو حسن العمل نفسه‪ :‬بمعنى انه كل ما حسن العمل حسن الظن ولهذا‬
‫المؤمن في قبض روحه يكون فيه من النس والراحة والبشر بخالف غيره الذي يقول *« َق َال َر ِّب‬
‫َّ‬ ‫ْارج ُعون (‪َ )99‬ل َعلي َا ْع َم ُل َصال ً‬
‫حا ِّف َيما َت َر ْك ُِ َكال »* فالمؤمن الذي حسن عمله يرتفع حسن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الظن بحسب ارتفاع العمل وك ثرته ‪,‬ومن ساء عمله ساء ظنه ولهذا في الخاتمة يظهر مثل هذا‬
‫حا ِّف َيما َت َر ْك ُِ »*‬ ‫المر *« َق َال َرب ْارج ُعون (‪َ )99‬ل َعلي َا ْع َم ُل َصال ً‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫قال‪ :‬وال فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز ‪ ,‬ثم استشهد في هذا الحديث *{ الكيس من دان‬
‫نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على هللا الماني }* هذا الحديث‬
‫في اسناده كالم ‪,‬لكن معناه مستقيم تماما صحيح ل ريب في استقامة معناه وسالمته لن فعال‬
‫الكيس الحاذق من الناس الفطن من دان نفسه اي حاسب نفسه ‪,‬عمر بن خطاب رضي هللا عنه‬
‫يقول *{ حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا }* فالكيس الذي يحاسب نفسه في الدنيا قبل ان‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫يحاسبه هللا يوم القيامة‪ ,‬والعاجز هو الذي يتبع نفسه هواها ومع ذلك يتمنى على هللا الماني‬
‫كحال من قال هللا عنهم *« ﴿ َل ْي َس ب َا َماني ُك ْم َو َل َا َماني َا ْهل ْالك َتاب َم ْن َي ْع َم ْل ُس ً‬
‫وءا ُي ْج َز ِّب ِّه »*‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫يبقى على المعاصي‪ -‬على الفجور ‪-‬تمنى ‪-‬يقول انا اتمنى ان اكون في الدرجات العالية في الجنة‬
‫والمنازل الرفيعة‪ ,‬قدم لنفسك ‪,‬مهد لها بالعمل الصالح ‪,‬بالتوبة ‪,‬بالنابة ‪,‬بالقبال على هللا‪ ,‬ليس‬
‫هو مجرد اماني‪ ,‬فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ,‬والعاجز من اتبع نفسه هواها‬
‫وتمنى على هللا الماني يتبع هوى النفس من المعاصي والنغماس في المحرمات وفي الوقِ‬
‫نفسه يتمنى على هللا الماني ان يكون في الجنة وان يكون في الدرجات العالية الى اخره فهذه‬
‫الماني ليسِ بمجدية ول منجية ول نافعة لصاحبها وانما الذي ينفع صاحبها ان يحاسب نفسه‬
‫وان يزن عمله قبل ان يلقى هللا" حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا اعمالكم قبل العرض‬
‫ََْ َُْ ُ َ َ‬
‫ون ل َت ْخ َفى ِّم ْن ُك ْم َخ ِّاف َي ٌة »*‬ ‫على هللا"‪ «* ,‬يوم ِّئ ٍذ تعرض‬
‫قال‪ :‬وبالجملة فحسن الظن انما يكون مع انعقاد اسباب النجاح ‪-‬الذي هي العمال الصالحة‬
‫والتقرب الى هللا‪ -‬واما مع انعقاد اسباب الهالك ‪ ..‬يعني في ممارسة العبد لها واتيانه لها ‪ ,‬فال‬
‫يتاتى حسن الظن اذن‪,‬ول يزال الكالم موصول حول هذه المساله مسالة حسن الظن نك تفي‬
‫بهذا نسال هللا الكريم ان ينفعنا ويوفقنا لكل خير بمنه وكرمه‬
‫*السئلة ‪*:‬‬

‫جزاكم هللا خيرا وبارك اللهفيكم والهمكم هللا الصواب ووفقكم للحق ونفعنا هللا بما سمعنا‬
‫وغفر هللا لنا ولكم وللمسلمين اجمعين امين‬

‫*السؤال الول ‪ *:‬يقول السائل هل العبد يسال عن الذنب الذي تاب منه امام ربه ؟‬
‫*الجواب ‪ *:‬من تاب تاب هللا عليه اذا كان صادقا في توبته الى هللا سبحانه وتعالى فان هللا‬
‫اب َوا َم َن َو َعم َل َع َم ًال َصال ً‬
‫حا فاولئك ُي َب ِّد ُل هللا‬ ‫يتوب عليه بل جاء في سورة الفرقان ( ا َّل َمن َت َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َغ ُفو ًرا َّر ِّح ًيما )‪.‬‬
‫ات َو َك َان َّ ُ‬ ‫َ‬
‫َس ِّيَئ ِّت ِّه ْم َح َس َن ٍ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫*سؤال الثاني ‪ *:‬يقول زوجتي تعاني من حساسية في الصدر ول تستطيع لبس الخمار فهل‬
‫يجوز لها ان تخرج بدون ان تلبس الخمار كاشفة عن وجهها ؟؟؟‬
‫*الجواب ‪ *:‬هذه الحساسية التي في الصدر ل يظن انها لها تعلق بالخمار ال اذا كان نوع من‬
‫القماش تتحسس منه اذا وضعته على وجهها فتستبدله باخر لن بعض القمشة نعم يكون فيها‬
‫لمن عنده حساسية في صدره اذى له فقد تكون كذلك فتبحث عن نوع اخر من القماش ل‬
‫يسبب هذه الحساسية التي تعاني منها ‪,‬وتغطية الوجه واجب تغطية الوجه للمراة واجب‬
‫دلئل وجوبه واضحة في ك تاب هللا وسنة نبيه ﷺ ووالد الكريم حفظه هللا ومتع بعلمه له‬
‫رسالة نافعة ومفيدة جدا في هذا الباب وجوب تغطية المراة وجهها وجمع فيها الدلة على ذلك‬
‫من ك تاب والسنة ‪.‬‬
‫*سؤال الثالث ‪ *:‬كيف نجمع بين المر بحسن الظن باهلل وبين ما ورد عن السلف الصالح من‬
‫خوفهم الشديد من هللا ومن عذابه واقوالهم التي جاءت عنهم في مرض الموت خاصة ؟‬
‫*الجواب ‪ *:‬السلف من يقرا سيرتهم يجد ان هللا سبحانه وتعالى جمع لهم الخير وكل باب من‬
‫ابواب الدين كله لهم منه نصيب فلهم نصيب من الخوف ولهم نصيب من حسن الظن ولهم‬
‫نصيب من الرجاء ولهم نصيب من كل باب من ابواب الدين وهللا سبحانه وتعالى قال‪:‬‬
‫ون َع َذ َاب ُه ۚ »*‬ ‫ون ا َل َٰى َربه ُم ْال َو ِّس َيل َة َا ُّي ُه ْم َا ْق َر ُب َو َي ْر ُج َ‬
‫ون َر ْح َم َت ُه َو َي َخ ُاف َ‬ ‫*« ُا ََٰول ِّئ َك َّال ِّذ َين َي ْد ُع َ‬
‫ون َي ْب َت ُغ َ‬
‫ِ ِّ ِّ‬
‫اجتمع فيهم المران رجاء الرحمة وخوف العذاب هذا موجود وهذا موجود فعنده رجاء لرحمة‬
‫هللا فال قنوط وعنده خوف من عذاب هللا فال امن وهذا هو حقيقة العمل الصالح ان يكون بين‬
‫الرجاء والخوف ولهذا السلف الصالح رحمهم هللا تعالى جمع هللا لهم المحاسن والخيرات‬
‫فعندهم من الخوف ماهو من كمال ايمانهم وعندهم ايضا من الرجاء باهلل سبحانه وتعالى ايضا‬
‫ما هو من كمال ايمانهم ولهذا عندهم هذا وعندهم هذا عندهم حسن الظن وعندهم ايضا‬
‫الخوف من هللا سبحانه وتعالى‬
‫*سؤال الرابع ‪ *:‬يقول بارك هللا فيك الذي اسلم هل كل ما عمل من قبل يغفر له عند اسالمه‬
‫*الجواب ‪ *:‬عمرو بن العاص لما اراد ان يسلم اشترط على النبي ﷺ ان يغفر له كل ما مضى‬
‫فقال النبي ﷺ *{ الم تعلم ان السالم يهدم ماقبله وان التوبة تهدم ماكان قبلها وان الحج‬
‫يهدم ما كان قبله }*فالسالم يهدم ماكان قبله فاذا اسلم دخل في السالم تائبا هلل تعالى فان‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس‬

‫اسالمه وتوبته تهدم ماكان قبله ‪,‬لكن ان اسلم وبقي على معصية من المعاصي فان هذه‬
‫المعصية يؤاخذ عليها واسالمه مقبول ويكون مسلماعاصيا‬
‫نسال هللا الكريم رب العرش العظيم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا وان‬
‫يصلح لنا شاننا كله انه سميع قريب مجيب ‪ ,‬سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ل اله ال انِ‬
‫استغفرك واتوب اليك‪ ,‬اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبيك محمد و اله وصحبه‬
‫قال ‪:‬فان الشرك داخل في هذه الية فانه راس الذنوب واساسها ول خالف ان هذه الية في‬
‫ْ ُ‬
‫حق التائبين بدليل *«« ل َتق َنطوا ِّم ْن َر ْح َم ِّة َّ ِّ‬
‫َّللا»»* اي توبوا الى هللا مهما عظمِ ذنوبكم‬
‫‪,‬كبرت خطاياكم‪ ,‬تعددت ‪ ,‬ل تقنطوا فان هللا يغفر‪ ,‬و لهذا قال جماعة من اهل العلم ان هذه‬
‫الية ارجى اية في ك تاب هللا ‪,‬لن الذنوب مهما عظمِ ان تاب العبد منها وصدق في توبته الى‬
‫هللا تاب هللا عليه ‪,‬‬
‫*قال فانه يغفر كل ذنب للتائب ‪ *:‬اي ذنب كان‬
‫*قال ‪ :‬ولو كانِ الية في حق غير التائبين_ يعني كما يفهم هؤلء _ من الية لبطلِ نصوص‬
‫الوعيد كلها ‪ *:‬ما اصبح لها اي قيمة واحاديث اخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة لن‬
‫على فهم هؤلء يغفر الذنوب جميعا ليس في حق من تاب وانما في حق من مات على ذلك هذا‬
‫فهم هؤلء وهو كما قال بن القيم من اقبح الجهل‬

‫*اضغط على الرابط لالشتراك*‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫والحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه‬
‫اجمعين‪ ,‬اما بعد‪:‬‬
‫ا‬
‫فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا لعالى بب هابه الداء والدواء‬
‫مسهند حسن الظن َ‬
‫سعة مغفرة هللا ورحمهه وعفوه وجوده‪,‬‬ ‫فإن قيل‪ :‬بل يهالى ذلك‪ ,‬ويبون ُ‬
‫وا ان رحمهه سبقت غضبه‪ ,‬وانه ال لنفعه العقوبة وال ا‬
‫يضره العفو‪.‬‬
‫جود وارحم‪ .‬ولبن إنما يضع ذلك في‬ ‫وهللا فوق ذلك‪ ,‬وا ا‬
‫جل (‪ )2‬واكرم وا َ‬ ‫قيل‪ :‬اال ُمر هبذا‪ُ ,‬‬
‫محله الالئق به‪ ,‬فإنه سبحانه موصوف بالحبمة‪ ,‬والعزة‪ ,‬واالنهقام وشدة البطش‪ ,‬وعقوبة من‬
‫يسهحق العقوبة‪.‬‬
‫الظن على مجرد صفاله واسمائه الشهرك في ذلك ا‬
‫البر والفاجر‪ ,‬والمؤمن‬ ‫معو ُل ُحسن ا‬ ‫فلو كان َّ‬
‫ِ‬
‫المجرم اسماؤه وصفاله‪ ,‬وقد باء بسخطه وغضبه‪ ,‬ا‬
‫ولعرض‬ ‫َ‬ ‫والبافر‪ ,‬ووليه وعدوه‪ .‬فما ينفع‬
‫وضع في محارمه‪ ,‬وانههك حرماله؟ بل حسن الظن ينفع من لاب‪ ,‬وندم‪ ,‬واقلع‪,‬‬ ‫للعنهه‪ ,‬وا َ‬
‫حسن ا‬
‫الظن‪ .‬فهذا حسن‬ ‫وبدل السيئة بالحسنة‪ ,‬واسهقبل بقية عمره بالخير والطاعة‪ ,‬ثم ا‬ ‫ا‬
‫الظن (‪ ,)3‬واالول غرور! وهللا المسهعان‪.‬‬
‫لسهط ْل هذا الفصل‪ ,‬ا‬
‫فإن الحاجة إليه شديدة لبل احد‪َ ,‬فف ْر ٌق (‪ )1‬بين حسن الظن باهلل‬ ‫وال ِ‬
‫به‪ : .‬ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ�ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬ ‫وبين الغرور‬
‫ﲫﲭﲮﲯﲰﱠ‬
‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ� ﲬ‬
‫(‪ ,)3‬فجعل هؤالء اهل َّالرجاء‪ ,‬ال ا‬
‫البطالين (‪ )4‬والفاسقين‪.‬‬
‫‪ :‬ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﲩ ﲪ ﲫ�ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ�‬

‫ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ�ﱢ فاخبر سبحانه انه بعد هذه‬


‫االشياء غفور رحيم لمن فعلها‪ .‬فالعالم (‪ )6‬يضع َّالرجاء مواضعه‪ ,‬والجاهل المغهر يضعه في‬
‫غير مواضعه‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ,‬الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له‬
‫محمدا عبده ورسوله ﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد‪ :‬فهذه ُشبهة مع‬ ‫واشهد ان ً‬
‫جوابها خهم بها رحمه هللا لعالى هذا الفصل وهو فصل طويل‪ ,‬ومن لطف ابن القيم‪ -‬رحمه هللا‬
‫مبينا ان الموضوع جدير بها وان‬‫لعالى‪ -‬في البيان واإليضاح‪ ,‬ولطفه بالقارئ يعهذر عن اإلطالة ً‬
‫ماسة إليها‪ ,‬الن مثل ما مر معنا هي امور لرد على اذهان بعض الناس وخاصة‬ ‫الحاجة ا‬
‫المنغمسين في الذنوب فيجعلونها ُلب َئ ًة لهم للبقاء على ذنوبهم ومعاصيهم‪ ,‬فبان‬
‫مقهضى النصح في هذا الباب اإلطالة بعض الشيء بذكر االمثلة الهي ذكر‪ -‬رحمه هللا لعالى‪,-‬‬
‫ولالمثلة الهي اوردها‪ -‬رحمه هللا‪ -‬بقية سهالي عند بن القيم فإنه في هذا الب هاب اطال َالن َفس في‬
‫اإلجابة على هذه االشياء الهي قد يهعلق بها من ُيغالط نفسه ليبقى على ذنوبه ومعاصيه‪ ,‬فيقول‬
‫رحمه هللا ‪:‬فإن قيل بل َيها الى ذلك‪َ ,‬يها الى ذلك يعني‪َ :‬يها الى ان يبون اإلنسان ُم ً‬
‫قيما على‬
‫حسن َّ‬
‫الظن باهلل انه إذا لقي هللا يوم القيامة يغفر له‪,‬‬ ‫المعاصي والذنوب غير لائب منها وان ُي ِ‬
‫الن هللا واسع المغفرة‪,‬واسع العفو‪ ,‬واسع الرحمة‪ ,‬واسع الصفح ‪-‬سبحانه ولعالى‪ -‬يقول‪:‬‬
‫باق على ذنوبه ومعاصيه الن َّالرب سبحانه ولعالى واسع العفو‪,‬‬ ‫َا‬
‫يهالى ذلك وإن كان اإلنسان ٍ‬
‫واسع المغفرة‪,‬واسع الرحمة‪ ,‬ورحمهه سبقت غضبه‪ ,‬والعقوبة ال لنفعه وال لزيد في ملبه شيء‬
‫والعفو ال يضره فيبون َيها الى ذلك‪ ,‬قال ابن القيم ‪-‬رحمة هللا عليه‪ -‬االمر هبذا‪ ,‬قصده االمر‬
‫هبذا ان الرب واسع المغفرة واسع الرحمة واسع العفو سبحانه ولعالى وان رحمهه سبقت‬
‫َ‬
‫غضبه‪ ,‬وانه ال لنفعه العقوبة وال يضره العفو‪ ,‬يقول‪:‬االمر هبذا وهللا عز وجل فوق ذلك وا َجل‪-‬‬
‫سبحانه ولعالى‪ -‬لبن شانه سبحانه ولعالى انه يضع االمور في مواضعها ﭧﭐﭨﭐﱣﭐﲷ‬
‫سوي سبحانه ولعالى بين شخص َّزم نفسه بزمام َّ‬
‫الشرع‬ ‫ﲸﲹﲺﱢ ال ُي ا‬
‫ٍ‬
‫‪,‬وضبطها بضوابط الشريعة وجاهدها على لجنب الذنوب والمعاصي‪ ,‬وبين شخص ُمسرف على‬
‫نفسه بالمعاصي ُومسرف على نفسه بالذنوب و الخطايا‪ ,‬االول ُيحسن الظن في هللا والثاني مع‬
‫إقامهه ُيحسن الظن باهلل لبنه ُمسرف على نفسه‪ ,‬وحسن الظن باهلل كما لقدم إنما يبون مع‬
‫حسن العمل وصالح العمل واسهقامة المرء على طاعة هللا سبحانه ولعالى فهو سبحانه ولعالى‬
‫محله فهو موصوف بالحبمة والحبمة وضع االمور مواضعها‪,‬وإنزالها منازلها‬‫إنما يضع ذلك في ا‬

‫‪٩١‬‬ ‫ﲺ�ﳁﱢ‬
‫ﲻ‬ ‫كل ما يسهحقه‪ ,‬كما ﭧﭐﭨﭐﱣﭐﲷﲸﲹ‬
‫‪,‬وإعطاء ٍ‬
‫الجنة بحسب االعمال‪,‬‬ ‫الجنة درجات والنار دركات‪ ,‬درجات ا‬ ‫‪ ,‬هذا بحسب االعمال ولهذا َّ‬
‫سوى بين الناس ال في درجات ا‬
‫الجنة وال في دركات النار‪,‬‬ ‫ودركات النار بحسب االعمال وال ُي َّ‬
‫وإنما االمر بحسب االعمال‪ ,‬وهذا ُمقهضى حبمة هللا سبحانه ولعالى فهو موصوف بالحبمة‬
‫والعزة واإلنهقام ِوشدة البطش وعقوبة من يسهحق ُالعقوبة‪ ,‬هؤالء اهل هذه المقولة الب ئوا على‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫ُحسن الظن باهلل ُمجردين النظر في هذا الباب إلى اسمائه سبحانه ولعالى وانه واسع العفو‬
‫‪,‬واسع الرحمة واسع الصفح‪ ,‬واسع المغفرة‪ ,‬ا‬
‫جردوا النظر إلى ذلك‪,‬‬
‫فيقول ابن القيم رحمه هللا‪ :‬لو كان ُم َع َّول حسن الظن على مجرد صفاله واسمائه الشهرك في‬
‫ذلك َّالبر والفاجر والمؤمن والبافر ووليه وعدوهم ‪-‬ثم يؤكد في بيان ذلك‪ -‬فيقول‪ :‬فما يمنع‬
‫المجرم اسمائه وصفاله وقد باء بسخط هللا! نعم هللا واسع المغفرة واسع الرحمة‪ ,‬لبن المجرم‬
‫حظا منها او جعل حظه منها قليل ونصيبه منها يسير فما ينفع المجرم‬ ‫بإجرامه لم يجعل لنفسه ً‬
‫اسمائه وصفاله وقد باء بسخطه غضبه ولعرض ِل َلعنهه ووقع في محارمه وانههك ُحرماله‪ ,‬بل‬
‫ُحسن الظن ينفع من لاب وندم واقلع َوب َّدل السيئة بالحسنة واسهقبل ا‬
‫بقية عمره بالخير‬
‫والطاعة‪ ,‬هذا الذي ينفعه حسن الظن ال ُالمقيم على معاصيه وذنوبه وخطاياه‪ ,‬هذا شاهد‬
‫جميل للمسالة االية البريمةﭐﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ�ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲫ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﱠ هذا الرجاء في ا‬
‫محله النه معه‬ ‫ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ� ﲬ‬
‫َص َلح عمل ومثله ُقل في حسن الظن في محله إذا كان مع ُحسن العمل‪.‬‬
‫وقال رحمه هللا لعالى ٌ‬
‫فصل‪:‬وك ثير من الجهال اعهمدوا على (‪ )1‬رحمة هللا وعفوه وكرمه‪,‬‬
‫وضيعوا امره ونهيه‪ ,‬ونسوا انه شديد العقاب‪ ,‬وانه ال ا‬
‫يرد باسه عن القوم المجرمين‪ .‬ومن اعهمد‬ ‫ا‬
‫على العفو مع اإلصرار فهو كالمعاند‪.‬‬

‫جدا من‬‫يضا اطال فيه بعض الشيء وذكر فيه ا ادلة ك ثيرة ً‬ ‫وهذا فصل جديد عظيم ً‬
‫جدا وا ً‬
‫الس َّنة‪ ,‬شواهد لما َّقرر رحمه هللا لعالى فيقول ك ثير من ُ‬
‫الج اهال وهذا واقع في زماننا هذا ك ثير‬ ‫ُ‬
‫خاطب‬ ‫الج اهال اعهمدوا وإن شئت قل الب ئوا على رحمة هللا وعفوه وكرمه ولهذا عندما ُي َ‬ ‫من ُ‬
‫ثيرا ما يالي على السنههم مع إقامهه على المعاصي يقول‪ :‬ربك‬‫بعضهم في ذنوبه وفي معاصيه ك ً‬
‫غفور ربك رحيم هللا واسع المغفرة هللا واسع الرحمة‪ ,‬فيهبئ على ذلك ويبقى على معاصيه‬
‫عرض نفسه لهذه الرحمة وهذه المغفرة بهرك الذنوب وطلب العفو من هللا سبحانه‬ ‫ُ ا‬
‫دون ان ي ِ‬
‫ﱘﱢ هل هي مب هوبة لبل احد؟‪ -‬هي وسعت‬ ‫ﱙ‬ ‫ولعالى ﭧﭐﭨﭐﱣﭐﱕﱖﱗ‬‫�‬ ‫�‬

‫كل شيء نعم‪ -‬هم يقولوا هللا واسع الرحمة‪ ,‬ﭧﭐﭨﭐﱣﭐ ﱚ ﱛ ﱜ‬

‫ﱝ�ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﭐﱤﱥ ﱦﱧﱨ�‬ ‫�‬

‫ﱢ‪ :‬إلى اخر االيات‪,‬‬


‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬
‫ً‬
‫فعال ا ٌ‬
‫هل لها الذي يهقي‪ ,‬يؤمن بااليات‪ ,‬يطيع هللا عز وجل‪ ,‬ليست هي لبل‬ ‫فهذا هو الذي‬
‫احد‪ ,‬نعم‪ -‬واسع المغفرة لبنها ليست لبل احد‪ ,‬فب ثير من الناس يهبئ على الرحمة‪ ,‬يهبئ‬
‫على المغفرة مع إسرافه وبقائه على ذنوبه ومعاصيه‪ ,‬قال‪ :‬ومن اعهمد على العفو مع اإلصرار على‬
‫الذنب فهو كالمعاند‪ ,‬وسيالي ُنقول جميلة في هذا الباب‪ ,‬نعم‬
‫وقال معروف (‪ :)2‬رجاؤك لرحمة من ال لطيعه من ِالخذالن والحمق (‪.)3‬‬
‫عضوا منك (‪ )4‬في الدنيا بسرقة ثالثة دراهم‪ ,‬ال لا َم ْن ان لبون‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬من قطع ً‬
‫عقوبهه في االخرة على نحو هذا (‪)5‬‬

‫نعم سيالي قريب من هذا النقل نقله عن ابن عقيل الحنبلي في هذا المعنى‪ ,‬نعم‬
‫وقيل للحسن‪ :‬نراك طويل البباء! فقال‪ :‬اخاف ان يطرحني في النار‪ ,‬وال يبالي (‪.)6‬‬

‫قيل للحسن‪ -‬اي الحسن البصري‪ -‬رحمه الل‪:‬ه اراك طويل البباء ‪:‬يعني بباؤك ك ثير‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫اخاف ان يطرحني وال يبالي‪ ,‬وهذا يالي في نقول عديدة قريبة في هذا المعنى عن السلف‪ ,‬وهو‬
‫من شدة خوفهم‪ ,‬الحسن نفسه رحمه هللا يقول ‪:‬المؤمن جمع بين إحسان ومخافة ‪ ,‬والفاجر‬
‫او المنافق جمع بين إساءة وامن‪ ,‬فهذا الخوف الذي نراه عند السلف هو من حسن‬
‫عملهم ‪ ,‬وحسن إيمانهم‪ ,‬وحسن طاعههم ‪,‬النهم جمعوا بين الحسن في العمل والخوف من‬
‫هللا سبحانه ولعالى‪ ,‬ولهذا ﭧﭐﭨﭐﱣﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋ‬
‫�‬

‫ﱢ‪٠‬‬
‫‪ ,‬الذين يؤلون ما الوا‪ :‬يقدمون ما يقدمون من اعمال صالحة وقلوبهم وجلة ‪ :‬اي خائ فة‪,‬‬
‫ُ‬
‫خائ فة اي من ان ل َرد عليهم اعمالهم وال لقبل ﭐﱣﭐﲈﲉﲊﲋﲌﲍﱢ‬
‫ُ‬
‫يقول ابن عمر‪ :‬لو اعلم انه ُل ُق ِبل مني ولو سجدة واحدة خير لي من الدنيا وما فيها‪ ,‬فبانوا مع‬
‫إحسانهم في العمل عندهم خوف ال ينظرون إلى اعمالهم على وجه ُالعجب والغرور وان اعمالهم‬
‫بملون ويرون انهم مقصرين وهذه‬ ‫ومهم ِمة ال ينظرون إليها هذا النظر‪ ,‬وإنما يحسنون ُوي ا‬
‫ِ‬ ‫كاملة‬
‫الب َّمل‪ ,‬قد سالت عائشة رضي هللا عنها النبي ﷺ عن معنى االية‪ ,‬قالت‪:‬‬ ‫صفة المؤمنين ُ‬
‫الصديق ولبنه الرجل ُيصلي‬ ‫اهو الرجل يزني ويسرق ويقهل ويخاف ان ُي َّ‬
‫عذب؟ قال‪ :‬ال يا ابنة ِ ا‬
‫ويصوم ويهصدق ويخاف اال ُي َقبل‪ ,‬قال‪ :‬اخاف ان يطرحني وال يبالي‪ ,‬نظير هذا ما ُنقل عن‬
‫بعض السلف من خوفهم من قولهﭐﭨﭐﱣﭐﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒ ﱢ الزمر‪:‬‬
‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫هنا يقول‪ :‬اخاف ان يطرحني وال يبالي‪:‬ﭐﱣﭐ ﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐﳑﳒﱢ هذا‬


‫يورث ً‬
‫�‬

‫خوفا‪ ,‬لبن الما كان عندهم مع الخوف رجاء ال ُيفضي بهم الخوف إلى قنوط النهم جمعوا‬
‫ً‬
‫بين الرجاء والخوف ولهذا إذا رايت مثال في باب الخوف ال لظن ان هذا هو فقط مسلك من ُن ِقل‬
‫يضا اثار مروية عنهم في باب الرجاء ُلذكر في موطنها وهذا جانب ال بد ان‬
‫عنه هذا النقل هناك ا ً‬
‫ننهبه له في فهم هدي السلف وطريقههم رضي هللا عنهم وارضاهم‪ ,‬ببى احد السلف عند الوفاة‬
‫فقيل له ما ُيببيك؟ فقال‪ :‬سمعت قول هللا سبحانه ولعالى ﱣﭐ ﳊﳋﳌﳍﳎﳏﳐ‬
‫ﳑﳒﱢ فاخشى ان يبدو له َّفي مثل ذلك او كالم من هذا معناه‪ ,‬فانا انظر ما يبدو له‬ ‫�‬

‫ً‬
‫موجودا عند‬ ‫َّفي‪-‬او ً‬
‫كالما ً‬
‫قريبا في هذا المعنى في هذه االية‪ ,-‬الحاصل ان هذا الخوف كان‬
‫السلف رحمهم هللا‪ ,‬هنا ِقف ولامل بشبل واضح‪ .‬هؤالء اكملوا اعمالهم‪ ,‬وذاك ُالم ا ِفرط مقيم‬
‫إقامة مسهمرة ويقول ماذا؟ ‪-‬يقول‪ :‬ربك غفور رحيم‪ ,‬هؤالء اهل طاعة وعبادة‬ ‫على المعاصي ً‬
‫ومداومة على العبادة وعندهم هذا الخوف وذاك ُالم ا ِفرط ماذا؟ ‪-‬على لفريطه مسهمر‪ ,‬وفي‬
‫الوقت نفسه عنده امن‪ ,‬وهذا المعنى الذي المح إليه الحسن رحمه هللا بقوله‪ :‬ان المؤمن جمع‬
‫بين إحسان ومخافة والفاجر جمع بين إساءة وامن‪,‬‬
‫وكان يقول‪ :‬إن قوم الهههم ا ا‬
‫ماني المغفرة حهى خرجوا من الدنيا بغير لوبة‪ ,‬يقول احدهم إني‬
‫حسن الظن بربي وكذب لو احسن الظن الحسن العمل‪.‬‬ ‫ُا ِ ا‬

‫هذه كلمة عظيمة فيها ك فاية في الجواب على كل ما سبق من االمثلة الهي ذكر اإلمام ابن ا‬
‫القيم‬
‫رحمه هللا فالحسن ُذكر له ان قوم الهههم اماني المغفرة‪ ,‬اماني المغفرة اي لمني ان ينالوا مغفرة‬
‫‪ :‬ﭐﱡﭐﱙﱚ ﱛﱜﱝ‬ ‫�‬ ‫هللا مع بقائهم على الذنوب وهللا سبحانه ولعالى‬
‫ﱞﱠﱡﱢﱣﱤﱠ النساء‪ ,٩٢١ :‬ليس االمر ُمجرد اماني فقط فهناك ُاناس‬ ‫ﱟ‬
‫ُ‬
‫�‬

‫الهههم اماني المغفرة حهى خرجوا من الدنيا بغير لوبة‪ -‬نسال هللا العافية‪ ,-‬ال يزال للهيه اماني‬
‫المغفرة ‪-‬ربك غفور ‪..‬إلى اخر حياله وهو ُمقيم على المعاصي فالههه هذه االماني عن الهوبة إلى‬
‫هللا سبحانه ولعالى وإلى اإلنابة إليه‪ ,‬يقول احدهم‪:‬الني ُاحسن الظن بربي يعني انا هذا شاني‬
‫الني ُاحسن الظن بربي‪َ ,‬وك َذب النه لو احسن الظن الحسن العمل الن االمران مهالزمان حسن‬
‫الظن وحسن العمل‪ -‬نعم‪.‬‬
‫وسال رجل الحسن فقال‪ :‬يا ابا سعيد‪ ,‬كيف نصنع بمجالسة اقوام ا‬
‫يخوفونا حهى لباد قلوبنا‬
‫قواما يخوفونك حهى لدرك ا ْم َنا خير لك من ان لصحب ً‬
‫قوما‬ ‫لطير؟ فقال‪ :‬وهللا الن لصحب ا ً‬
‫يؤمنونك حهى للحقك المخاوف (‪.)1‬‬‫ا‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫جدا من هذا اإلمام الهابعي الجليل رحمه هللا لعالى‪ ,‬قيل له يا ابا سعيد‬ ‫هذه نصيحة ثمينة ً‬
‫يخوفوننا ما معنى يخوفوننا؟ يذكرون لنا نصوص الخوف ونصوص‬ ‫كيف نصنع بمجالس اقوام ِ‬
‫يخوفونك‬ ‫ً‬
‫وهللا الن لصحب اقواما ِ‬
‫يخوفوننا حهى لباد قلوبنا لطير اي من الخوف‪ ,‬قال ِ‬ ‫الوعيد ِ‬
‫قواما ُيؤمنونك حهى للحق المخاوف اي يوم القيامة‬‫َ‬ ‫حهى ُلدرك ا ًمنا خير من ان لصحب ا ً‬
‫ً‬
‫والعقوبات‪ ,‬وفعال يعني من الناس من ُي َؤ ِمن العاصي يؤمنه ويشجعه على معاصيه وربما قال‬
‫قيما‪ ,‬لبن الناصح في مثل هذا المقام يذكر‬ ‫له‪ :‬هللا غفور ورحيم ونحو هذا البالم فيبقى ُم ً‬
‫قيما على المعاصي‬‫نصوص الوعيد الزاجرة للعاصي عن معاصيه‪ ,‬ولهذا إذا كان الشخص ُم ً‬
‫المناسب ان ُي َذكر له نصوص الوعيد النه هو بحاجة إليها الن عنده لفريط ومعاصي ُفي َذكر‬
‫نصوص الوعيد وحهى يخاف ويرلدع وينزجر‪ ,‬إذا خاف وارلدع وانزجر ُيجمع له َ ٍ‬
‫حينئذ بين‬
‫قيما على المعاصي ُم ِب ًبا على الذنوب يحهاج ان ُيذ َّكر بنصوص‬ ‫الرجاء والخوف‪ ,‬لبن ما دام ُم ً‬
‫الوعيد‪ ,‬ولهذا بعض العلماء افرد ُك ُه ًبا في الببائر لهذا الغرض‪ ,‬يذكر الببيرة والوعيد عليها‪ ,‬ما‬
‫يذكر شيء يهعلق بالرجاء في الغالب‪ ,‬كله وعيد كبائر ووعيد عليها‪ ,‬نعم‬
‫وقد ثبت في الصحيحين (‪ )2‬من حديث اسامة بن زيد قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫جاء بالرجل يوم القيامة‪ُ ,‬في َلقى في النار‪ ,‬فهندلق ا ُ‬
‫قهاب بطنه (‪ ,)3‬فيدور في النار كما‬ ‫يقول‪ُ :‬ي ُ‬
‫يدور [‪ /11‬ب] الحمار َبرحاه‪ُ ,‬فيطيف به ا ُ‬
‫هل النار‪ ,‬فيقولون‪ :‬يا فالن ما اصابك؟ الم لبن‬
‫لامرنا بالمعروف‪ ,‬ولنهانا (‪ )4‬عن المنبر؟ فيقول‪ :‬كنت امركم بالمعروف وال اليه وانهاكم عن‬
‫المنبر واليه ‪.‬‬

‫جدا ُك ُلها في هذا الجانب جانب الوعيد‪,‬‬


‫القيم في َسوق احاديث ك ثيرة ً‬ ‫من هذا الموطن بدا ابن ا‬
‫الج َّهال الذين اعهمدوا على الرحمة والعفو والبرم َونسوا ان عقاب هللا‬‫سيعالج مشبلة هؤالء ُ‬ ‫النه ُ‬
‫شديد فهم بحاجة إلى ان ُيسرد لهم هذه النصوص حهى َيعوا الحقيقة‪ ,‬وحهى ينظروا إلى هذا‬
‫الجانب‪ ,‬فهم في غفلة عنه‪ ,‬ولهذا كما قدمت لبم إذا كان الشخص ُم ً‬
‫قيما على الذنوب‬
‫فالمناسب ان ُي َذ َّكر بنصوص الوعيد بما ُي َح ِقق له اإلرلداع واإلنزجار عن المعاصي والذنوب الهي‬
‫ً‬
‫هو مقيم عليها فذكر اوال هذا الحديث وفي الصحيحين عن اسامة ابن زيد رضي هللا عنهما في‬
‫قصة او خبر الرجل ‪-‬الذي ُيؤلى به يوم القيامة ُويلقى في النار حهى لندلق اقهاب بطنه اي امعاء‬
‫بطنه لندلق اي لخرج ُويطاف في النار كما ُيطاف الحمار بالرحى‪ ,‬فيطوف به اهل النار‬
‫مهعجبين يا فالن يقولون له ما اصابك الم لبن لامرنا بالمعروف ولنهانا عن المنبر؟ الحظ هنا‬
‫الرجل هذا الذي ُالقي في النار كان في الدنيا يامر بالمعروف وينهى عن المنبر ومعروف بذلك‪,‬‬
‫يامر من؟ يامر ُعصاة ولهذا هو معروف وقالوا يا فالن الم لبن؟ فبان يامر ُع ً‬
‫صاة بالمعروف‬
‫وينهى عن المنبر ويعرفونه بذلك في الدنيا ويطوفون مهعجبين وهم يرونه معهم في النار‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫فيقول لهم كنت امركم بالمعروف وال اليه وانهاكم عن المنبر واليه‪ ,‬هذا الذي يامر بالمعروف‬
‫وال ياليه وينهى عن المنبر وياليه مع إلقائه في النار ُش ِابه بماذا؟‪-‬بالحمار ُش ِابه بالحمار ُويلقى في‬
‫النار ُويطاف به في النار وقد اندلقت اقهابه اي امعاء بطنه كما ُيطاف بالحمار‪ُ ,‬ذ ِكر الحمار هنا‬
‫كما ُيطاف بالحمار في الرحى َف ُش ِابه بالحمار ُوذكر انه يلقى في النار ويعاقب بهذه العقوبة هنا‬
‫ُش ِابه من يامر بالمعروف وينهى عن المنبر ولبنه يا يالمر بالمعروف وال ينهى عن المنبر بالحمار‬
‫ويوعظ وال ينهفع ُش ابه ا ً‬
‫يضا بالحمار‬ ‫وفي القران البريم اية ُش ابه فيها من ُي َؤمر بالمعروف ُوي َّذ َكر َ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ َ ُ ْ َ َّ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فما االية؟ قال لعالى‪ :‬فما لهم ع ِن الهذ ِكر ِة مع ِر ِضين ﴿‪ ﴾4٤‬كانهم حمر مسه ِنفرة المدثر‪,‬‬
‫ففي الحديث ُش ِبه من يامر بالمعروف وينهى عن المنبر لبنه ال يالمر بالمعروف وال يفعل‬
‫ويوعظ ُوي َذكر فيفر من الذكرى‬ ‫يؤمر بالمعروف ُوينهى عن المنبر َ‬ ‫بالحمار‪ ,‬وفي القران ُش ابه من َ‬
‫ِ‬
‫يضا ُش ِابه بالحمار‪ ,‬عافانا هللا نعم‪.‬‬
‫وال ينهفع بها ا ً‬

‫وذكر اإلمام احمد من حديث ابي رافع رضي هللا عنه قال ‪ :‬مر رسول هللا ﷺ بالبقيع فقال‪:‬‬
‫فظننت انه يريدني‪ .‬فقال‪ :‬ال‪ ,‬ولبن هذا قبر فالن ُ‬
‫بعثهه ً‬
‫ساعيا على (‪)1‬‬ ‫ُ‬ ‫اف لك‪ ,‬اف لك!‬
‫ال فالن‪َ ,‬فغ َّل َنمر (‪ُ ,)2‬فد ار َع االن َ‬
‫مثلها من نار ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يضا من احاديث الوعيد‪ ,‬حديث ابي رافع رضي هللا عنه قال َّمر رسول هللا ﷺ بالبقيع‬ ‫هذا ا ً‬
‫حدا حول النبي ﷺ كان يمشي وحده مع النبي صلوات هللا‬ ‫فقال ُاف َلك ُاف َلك هو ال يرى ا ً‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وسالمه عليه‪ ,‬فظن انه يقصده بها ظن انه يريده بها‪ ,‬ا ٍف لك ا ٍف لك‪ ,‬قال فظننت انه‬
‫وسماه‪ ,‬هذا قبر‬‫يريدني فقال ال‪ ,‬قال النبي ﷺ لم اقصدك بهذه البلمة ولبن هذا قبر فالن َّ‬
‫ساعيا اي في اخذ اموال الصدقة واموال زكاة َب ُّعهه ً‬
‫ساعيا إلى ال‬ ‫ساعيا إلى ال فالن‪ً ,‬‬ ‫ُفالن َب ُّعهه ً‬
‫فالن َف َغ َّل َن ِم َرة قطعة واحدة َغ َّلها َف ُد ار َع االن يقول ا‬
‫فدرع االن مثلها من النار في قبره نمرة‬ ‫ِ‬
‫اقلها‪ ,‬فبيف بشخص عنده مظالم ك ثيرة للناس وحقوق ك ثيرة للناس ولعديات ك ثيرة للناس ثم‬
‫يقول في نفسه ربك غفور رحيم وهللا واسع المغفرة يجب ان ينظر إلى هذه االحاديث يجب ان‬
‫ينظر لها ويهامل فيها ويبون له فيها عبرة والعاظ وذكرى‪ ,‬نمرة اغلها يقول النبي ﷺ ا‬
‫فدرع‬
‫درعا من نار في قبره بسبب للك النمرة‪ ,‬هي السبب لما غلها‬ ‫االن مثلها من النار في قبره البس ً‬
‫‪-‬فال يسههين اإلنسان بالمظالم‪ -‬ال يسههين بالهعديات ‪-‬ال يسههين بظلم العباد ‪,‬ويهبل على‬
‫مغفرة هللا سبحانه ولعالى‪ ,‬من القصص حقيقة الهي في نفس الباب وفيها عبرة قصة ابي مسعود‬
‫رضي هللا عنه وهي في سنن ابي داود وإسنادها ثابت قال‪ :‬بعثني رسول هللا ﷺ ً‬
‫ساعيا هذه‬
‫ساعيا مسالة فيها شيء من الخطورة النه يرى اموال واموال والنفس ضعيفة ولفهن‬ ‫مسالة ً‬
‫بالمال ك ثير ما‪ ,‬االعمال الخيرية عندما يليها بعض الناس ويوضع في يده اموال طائلة إما لبناء‬
‫مسجد او اليهام ويرى اموال طائلة ربما كان قبل ذلك ما وقعت في يده في حياله مثل هذه‬
‫االموال لبنه احسن به الظن ودفعت له للك االموال ليبني ً‬
‫مسجدا او ليبني دار ايهام او‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫ليساعد محهاجين في بلده ووضع في يده مال في حياله كلها ما راها يالي الشيطان ويقول انت‬
‫االن بذلت وساعي وكذا وكذا لك نصيب خذ العشر ثم يقول ال ما يب في العشر خذ الربع انت‬
‫صال لو ما جئت به ما ا‬‫ً‬
‫حصل هؤالء المساكين شيء من ذلك انت الساعي ولك‬ ‫جدير بهذا ا‬
‫جزءا ً‬
‫كبيرا منه إن لم ياخذه كله وربما يقول الشيطان‬ ‫نصيب ولك ولك إلى ان يجعله ياخذ ً‬
‫ً‬
‫انت اصال لما كنت صغير يهيم وهذا لاليهام فخذه ماذا باعهبار سابق يعني حيالك كلك يهيم‬
‫وفقير وكذا وياليه بهاويالت حهى يوقعه والعياذ باهلل وهذا الذي احدثبم عنه يقع ك ثير حهى‬
‫فصل ابن القيم ال بد ان ا‬
‫نفصل حهى ننهبه وإال يفاجا‬ ‫وهللا في زماننا ال بد ان نبين مثل ما ا‬
‫اإلنسان ‪,‬يعني سبحان هللا لو ان ً‬
‫شخصا اخذ هذه االموال ثم اسهعملها في غير وجهها ولما‬
‫ً‬
‫اك هملت مثال بنى فيها بيت ولما اك همل البيت قبضت روحه فبان ورثهه لهم الغن وهو الذي‬
‫عليه ماذا؟؟‪ -‬الغرم والعقوبة ‪ ,‬فيجب على اإلنسان ان ينهبه‪ ,‬الحاصل ابو مسعود يقول بعثني‬
‫رسول هللا ﷺ ً‬
‫ساعيا ثم قال لي‪ :‬انطلق ابا مسعود انطلق ابا مسعود ال الفينك يوم القيامة‬
‫على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء‪ -‬والغلول يالي من غل يحمله على عنقه يوم القيامة ‪-‬‬
‫ولهذا اناس يالون يوم القيامة الذي على رقبهه إبل والذي على رقبهه غنم والذي على رقبهه خيل‬
‫والذي على رقبهه صامت يعني( ذهب وفضة) والذي على رقبهه رقاع لخفق كما في الحديث‬
‫حديث ابي هريرة حديث الغلول في صحيح البخاري‪ ,‬قال‪ :‬ال الفينك يوم القيامة على ظهرك‬
‫بعير من إبل الصدقة له رغاء‪ ,‬قال‪ :‬فقلت إذن ال انطلق اسمح لي قال له النبي ‪:‬ال اكرهك على‬
‫ً‬
‫هذا العمل قال إذن ال انطلق‪ :‬يعني اخشى هذا فيه خوف فيه ورع فيه شيًئ ليس مهيقن من ان‬
‫يقع فيه ولهذا يعني قيدت هنا فائدة لبم ثمينة سمعهها من الوالد في هذا المجلس في شرحه‬
‫خيرا‪ ,‬قال هذا يدل على ما كان‬‫لهذا الحديث في سنن ابي داود‪ ,‬قال حفظه هللا وجزاه عنا ً‬
‫عليه الصحابة من الخشية من الوقوع في االمور المحرمات وان الواحد منهم قد يهرك الشيء لما‬
‫يخشى ان يهرلب عليه وان كان غير مهيقن وقوعه في اإلثم ليس مهيقن من وقوعه في اإلثم هنا‬
‫لبنه ور ًعا قال‪ :‬إذن ال انطلق‪ ,‬قال النبي ﷺ اكرهك‪ :‬يعني إن شئت لذهب لبن االمر بهذه‬
‫الخطورة‪.‬‬
‫هذا حقيقة يعني ينبهنا على فائدة ان قضية االموال هذه قضية ليست بالهينة ومن يبون على‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عمل في االموال الهي لجمع مثال في ايهام او بناء دور ايهام او في لحفيظ للقران او مثال في بناء‬
‫مساجد او في اعمال خيرية او ما إلى ذلك االمر جد خطير‪ ,‬واإلنسان يفهن خاصة من كان‬
‫قليل ذات اليد إذا فوجئ مرة في حياله قال لشخص انا وهللا احسن بك الظن وبلدك محهاج‬
‫إلى كذا خذ هذا المبلغ مئة الف وهو في حياله كلها ربما الفي لاير ما اجهمعت في يده فيالي في‬
‫جدا فيحضر الشيطان فو ًرا والنفس االمارة والهوى واشياء ك ثيرة وعليه خطورة‪,‬‬ ‫يده مبلغ كبير ً‬
‫الصحابي هنا ابا مسعود انظر الورع العظيم قال إذن ال انطلق سامحني قال ال اكرهك على ذلك‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫فاإلنسان في مثل هذه الحال إن وجد في نفسه ضعف ان يقول سامحني ما اسهطيع إذا كان‬
‫يخشى على نفسه‪ ,‬فالعافية يقولون ماذا؟ ال يعدلها شيء نعم‬
‫‪ ,‬نعم بس لهمة الحديث ما كانت واضحة عندي يقول ال الفينك يوم القيامة على ظهرك بعير‬
‫من إبل الصدقة له رغاء قد غللهه قال فقلت إذن ال انطلق قال ال اكرهك هذا حديث عظيم جداً‬
‫وفيه حقيقة مثل ما ذكر الوالد حفظه هللا خوف الصحابة من امور ليس مهيقن وقوعها في اإلثم‬
‫لبن الورع العظيم والخوف الذي في قلوبهم يحملهم على ذلك‪ ,‬نعم‬
‫يضا (‪ )3‬من حديث انس بن مالك قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ :-‬مرر ُت َ‬
‫ليلة‬ ‫وفي مسنده ا ً‬
‫ُ‬
‫نار‪,‬فقلت‪ :‬من هؤالء؟ قالوا (‪ :)1‬خطباء من‬ ‫ض ُ‬
‫شفاههم بمقاريض من‬ ‫ُاسر َي بي على قوم ُل َقر ُ‬
‫ِ‬
‫اهل الدنيا (‪ ,)2‬كانوا يامرون الناس ا‬
‫بالبر‪ ,‬وينسون انفسهم‪ ,‬افال يعقلون (‪)3‬؟ ‪.‬‬

‫وهذا الحديث ايضا فيه هذا الوعيد للخطباء خاصة والوعاظ والمعلمين فيه وعيد لمن كان يامر‬
‫بالمعروف وينهى عن المنبر لبن يخالف الناس إلى ما ينهاهم عنه ولهذا قول هللا سبحانه‬
‫ون ﴾‬ ‫ون ْال ِب َه َ‬
‫اب َا َف َال َل ْع ِق ُل َ‬ ‫اس ب ْالب ار َو َل ْن َس ْو َن َا ْن ُف َس ُب ْم َو َا ْن ُه ْم َل ْه ُل َ‬
‫َ‬ ‫ولعالى﴿ َا َل ْا ُم ُرو َن َّ‬
‫الن‬
‫ِ ِِ‬
‫َ‬
‫وما ذكره هللا عن نبيه شعيب عليه السالم ( َو َما ُا ِر ُيد َا ْن ُا َخا ِل َف ُب ْم ِإلى َما َا ْن َه ُاك ْم َع ْن ُه)‬
‫ُ‬ ‫ون َما َال َل ْف َع ُل َ‬ ‫يضا في اول سورة الصف ( ِل َم َل ُق ُول َ‬
‫ون (‪َ )2‬ك ُب َر َم ْق ًها ِع َند َّالل ِه َان َل ُقولوا َما‬ ‫وما جاء ا ً‬
‫ون (‪.))3‬هذه االيات الثالث يعني‪ :‬كما جاء عن بعض السلف يجب على كل من لصدر‬ ‫َال َل ْف َع ُل َ‬
‫للخطابة والدعوة والهعليم ان يجعلها نصب عينيه‪ ,‬فإن من العقوبات الهي يوم القيامة عقوبات‬
‫لخطباء من امة محمد عليه الصالة والسالم كانوا يامرون الناس بالبر وينسون انفسهم وهم‬
‫يهلون الب هاب‪ .‬نعم‬
‫يضا (‪ )4‬من حديثه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول هللا‪ -‬ﷺ ‪ :-‬لما ُع ِر َج بي مرر ُت بقوم لهم اظفار‬ ‫وفيه ا ً‬
‫هم‪.‬فقلت‪َ :‬من هؤالء يا جبريل؟ فقال (‪ :)5‬هؤالء الذين‬ ‫ُ‬ ‫يخمشون وجوههم وصدور‬ ‫من نحاس‪ِ ,‬‬
‫ياكلون لحوم الناس ويقعون في اعراضهم ‪.‬‬

‫هذا ايضا من احاديث الوعيد لمن ياكلون لحوم الناس والمراد باكل لحوم الناس اي الغيبة قال‬
‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ ْ َ ُ َ ً ا َ َّ ا َّ َ ْ َ َّ ْ‬
‫الظ ِان ِإث ٌم ۖ َوال‬ ‫هللا سبحانه ولعالى (يا ايها ال ِذين امنوا اجه ِنبوا ك ِثيرا ِمن الظ ِن ِإن بعض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َل َج َّس ُسوا َوال َي ْغ َهب َّب ْع ُض ُبم َب ْع ًضا ۖ َا ُي ِح ُّب َا َح ُد ُك ْم َان َي ْا ُك َل ل ْح َم َا ِخ ِيه َميها فب ِرههموه)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫يضا السخرية واالسههزاء واإلنههاك العراضهم والولوغ في حرمالهم‪,‬‬ ‫فاكل لحوم الناس بالغيبة وا ً‬
‫هذا باب عظيم من ابواب اإلثم فيه عقوبات عظيمة ‪,‬ومع ذلك في مجالس لعقد ال لشيء إال‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫لغيبة الناس والهندر والضحك والسخرية باالخرين مجالس من اولها إلى اخرها واصحابها ال‬
‫يبالون وال يفبرون بوقوف بين ا‬
‫يدي هللا وان هذا باب من ابواب اإلثم وباب من ابواب العقوبة‬
‫يوم يلقى العبد ربه سبحانه ولعالى‪ ,‬قال‪ :‬لما عرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون‬
‫بها وجوههم وصدورهم فقلت من هؤالء يا جبريل قال هؤالء الذين ياكلون لحوم الناس ويقعون‬
‫في اعراضهم‪ ,‬والجزاء من جنس العمل لما كان العمل اكل للحوم الناس بالغيبة والسخرية‬
‫واالسههزاء والولوغ في االعراض كانت العقوبة ان اصبحت اظفارهم من نحاس يخمشون بها‬
‫وجوههم وصدورهم عقوبة لهم حهى هذا العمل الذي كانوا عليه‪ ,‬نعم‬
‫يضا (‪ )6‬عنه‪ ,‬قال‪ :‬كان النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يب ثر ان يقول‪ :‬يا ا‬
‫مقلب القلوب (‪ِ )7‬اثب ْت قلبي‬ ‫وفيه ا ً‬
‫جئت به‪ ,‬فهل لخاف علينا؟ قال‪ :‬نعم‪ ,‬اإن‬ ‫على دينك ‪ .‬فقلنا‪ :‬يا رسول هللا‪َ ,‬ا امنا بك وبما َ‬
‫إصبعين من اصابع هللا‪ ,‬ا‬
‫يقلبها كيف شاء ‪.‬‬ ‫القلوب بين َ‬

‫هذا الحديث من االحاديث العظيمة في هذا الباب باب الخوف‪ ,‬الصحابة رضي هللا عنهم قالوا‬
‫للنبي ﷺ ‪ :‬امنا بك وبما جئت به فهل لخاف علينا يعني وقد امنا بك وامنا بما جئت به‬
‫فقال‪ :‬النبي ﷺ" نعم إن القلوب بين اصبعين من اصابع هللا يقلبها كيف شاء وجاء في‬
‫بعض االحاديث فإن شاء اقامه وإن شاء ازاغه وكان اك ثر دعاء النبي ﷺ ‪ :‬يا مقلب القلوب‬
‫جدا ينبغي ‪-‬معاشر المؤمنين‪ -‬ان نحافظ‬ ‫ثبت قلبي على دينك وهذه الدعوة دعوة عظيمة ً‬
‫عليها وان نعهني بها عناية عظيمة يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك الننا خاصة في هذا‬
‫جدا لبن إذا فوض اإلنسان امره إلى هللا واك ثر‬ ‫الزمان مع ك ثرة الفهن وهللا على خطر عظيم ً‬
‫جل وعال من ابواب الهوفيق والنجاة والسالمة‬ ‫يسر له ا‬
‫اللجوء إلى هللا وصدق مع هللا في الدعاء ا‬
‫والعافية ما لبون به نجاة العبد بإذن هللا سبحانه ولعالى فبان من اك ثر دعاء نبينا ﷺ يا‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ومن االدعية في القران َر َّب َنا ال ُل ِز ْغ ُق ُل َوب َنا َب ْع َد ِإذ َه َد ْي َه َنا‬
‫اب ﴿‪ ﴾٨‬ال عمران‪ ,‬نعم‬ ‫نت ْال َو َّه ُ‬ ‫َو َه ْب َل َنا ِمن َّل ُد َ‬
‫نك َر ْح َم ًة ۖ إ َّن َك َا َ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫ضاحبا‬ ‫يضا (‪ )1‬عنه‪ :‬ان رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال لجبريل‪ :‬مالي لم ار (‪ )2‬ميبائيل‬ ‫وفيه ا ً‬
‫قط؟ قال‪ :‬ما ضحك منذ ُخ ِلقت النار ‪.‬‬ ‫ا‬

‫ضاحبا َقط‪,‬‬ ‫ً‬ ‫قال وفيه اي ُالمسند ان رسول هللا ﷺ قال لجبريل مالي لم ارى ميبائيل‬
‫بالقطر الموكول بالسحاب بالمطر‪ ,‬فقال مالي‬ ‫وميبائيل في قول بعض اهل العلم هو الموكول َ‬
‫ضاحبا قط قال ما ضحك منذ ُخ ِل َقت النار‪ ,‬وهذا فيه إثبات الضحك للمالئبة‬ ‫ً‬ ‫لم ارى ميبائيل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وفيه إثبات الخوف ايضا الخوف العظيم وفيه ايضا ان ميبائيل خ ِلق قبل خلق النار قال ما‬
‫ضحك منذ ُخ ِل َقت النار اي خ ًوفا‪ ,‬فهذا الخوف نافع للعبد وهو جزء من اإليمان َو َا َّما َم ْن َخ َ‬
‫اف‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫جدا في حياة العبد لبن اإلنسان الذي اسهمرا المعاصي واقام‬ ‫َم َق َام َر اب ِه هذا الخوف موهم ً‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫عليها ال يلهفت إلى الخوف وينظر إلى عموم المغفرة وسعة المغفرة وال يلهفت إلى الخوف فيبقى‬
‫مصرا عليها فهبون حاله مثل ما قال ابن القيم رحمه هللا كالمعاند ليس هذا هو‬ ‫على المعاصي ً‬
‫حسن الظن باهلل‪ ,‬نعم‬
‫وفي صحيح مسلم (‪ )3‬عنه‪ ,‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪ُ :-‬ي َؤلى با َنع ِم اهل الدنيا من (‪)4‬‬
‫يت خ ًيرا ا‬
‫قط؟ هل َّمر بك‬ ‫صبغ في النار َص ً‬
‫بغة‪ ,‬ثم يقال له‪ :‬يا ابن ادم‪ ,‬هل را َ‬ ‫اهل النار‪ُ ,‬في َ‬
‫نعيم قط؟ فيقول‪ :‬ال وهللا يا ا‬
‫رب‪.‬‬
‫بؤسا في الدنيا من اهل الجنة‪ ,‬فيصبغ في الجنة َص ً‬
‫بغة‪ ,‬فيقال له‪ :‬يا ابن‬ ‫ويؤلى با ا‬
‫شد الناس ً‬
‫ا‬ ‫ادم‪ ,‬هل رايت ً ا‬
‫رب ما امر بي بؤس قط‪,‬‬‫بؤسا قط؟ هل امر بك شدة قط؟ فيقول‪ :‬ال‪ ,‬وهللا يا ا ِ‬
‫وال را ُ‬
‫يت شدة (‪ )5‬قط ‪.‬‬

‫هذا الحديث العظيم وهو في صحيح مسلم من االحاديث الهي فيها حث على النظر إلى‬
‫العواقب والماالت وما يبون في الدار االخرة من ثواب وعقاب وان الناصح لنفسه ينبغي ان‬
‫ين ﴿‪َ ﴾26‬ف َم َّن َّالل هُ‬‫ينظر‪ ,‬الن هذا النظر نجاة العبد يوم القيامة ِإ َّنا ُك َّنا َق ْب ُل ِفي َا ْه ِل َنا ُم ْش ِف ِق َ‬
‫الس ُم ِوم ﴿‪ ﴾27‬الطور‪ ,‬ال بد من الخوف واإلشفاق في الدنيا ال بد من‬ ‫َع َل ْي َنا َو َو َق َانا َع َذ َاب َّ‬
‫الخوف‪ ,‬وهذا الحديث يعين إعانة عظيمة على الخوف من النار‪ُ ,‬يؤلى بانعم اهل الدنيا‬
‫لنعما في الدنيا وهو من اهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة يعني ُيغمس فيها‬ ‫‪:‬اك ثرهم ً‬
‫فبر اإلنسان في هذه‬ ‫خيرا قط؟ انظر انعم اهل الدنيا ُي ا‬ ‫غمسة ثم ُيقال له يا ابن ادم هل رايت ً‬
‫ِ‬
‫اللحظة في جميع انواع النعيم الذي في الدنيا مجرد ان ُيغمس غمسة في النار يوم القيامة‬
‫يت ً‬
‫نعيما قط؟ يقول لم‬ ‫سال هل را َ‬ ‫ُوي َ‬

‫يضا في هذه الصورة البؤس الشديد‬ ‫بؤسا في الدنيا وفبر ا ً‬ ‫نعيما قط‪ ,‬بالمقابل اشد الناس ً‬ ‫ارى ً‬
‫بؤس‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫في الدنيا وهو من اهل الجنة يوم القيامة‪ُ ,‬ي َ‬
‫صبغ في الجنة صبغة ويقال هل رايت من ٍ‬
‫بؤس قط‪ ,‬ولهذا الدنيا سجن المؤمن وجنة البافر اي باعهبار الماالت‬ ‫ٍ‬ ‫قط؟ يقول ما رايت‬
‫جدا الباب باب النظر في العواقب والماالت ُويعين‬ ‫والعواقب‪ ,‬ولهذا هذا الحديث حديث نافع ً‬
‫وح افت النار‬
‫على فهمه الحديث االخر الذي قال فيه النبي ﷺ ‪ُ :‬ح َّفت الجنة بالمباره ُ‬
‫بالشهوات ما معنى ذلك؟ يعني ال َل ُغر العبد الشهوات وحسن اإلسهمهاع بها في الدنيا فإن هذا‬
‫زائل ومن وراءه النار‪ ,‬وإذا ُغمس اإلنسان في النار يوم القيامة كل ُمهع الدنيا ينساها ويقول لم‬
‫الجنة بالمباره فال لمنع اإلنسان المباره من إلزام نفسه على الطاعة‬ ‫وح َّفت َّ‬
‫نعيما قط‪ُ ,‬‬ ‫َا ُذق ً‬
‫والعبادة والقيام بفرائض هللا سبحانه ولعالى فإن العاقبة الجنة جنة عرضها السماوات واالرض‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع‬

‫ُا َّعدت للمهقين فيها ماال عين رات وال اذن سمعت وال خطر على قلب بشر وال يزال ابن القيم‬
‫رحمه هللا لعالى يسوق االحاديث وبعد هذا ساق حديث البراء بن عازب الطويل في ذكر عذاب‬
‫القبر ونعيمه وهذا يؤجل إلى لقائنا في الغد بإذن هللا لعالى‪.‬نسال هللا البريم ان ينفعنا‬
‫بمنه وكرمه‪.‬‬ ‫علما ً‬
‫ولوفيقا ِا‬ ‫اجمعين وان يزيدنا ً‬

‫اك ثر من سؤال عن ليلة النصف من شعبان‬


‫وال‪ :‬بإخهصار انصح بان يقرا رسالة قيمة مخهصرة عظيمة النفع كبيرة الفائدة في‬‫ليلة النصف من شعبان ا ً‬
‫هذا الباب لإلمام عبد العزيز ابن باز رحمه هللا لعالى ‪ ,‬وهي ليست طويلة في ثالث صفحات او اربع‬
‫صفحات لبنه جزاه هللا خي ًرا الى فيها على خالصة المقصود وزبدة االمر في هذا الباب ا‬
‫وبين رحمة هللا عليه‬
‫ان الفضائل الب ثيرة الهي لذكر واالعمال والعبادات الهي لذكر لخص بها ليلة النصف من شعبان ال اصل‬
‫لها صحيح ثابت عن رسول هللا صلوات هللا وسالمه عليه ونقل نقوالت عديدة عن اهل العلم في لاكيد‬
‫ذلك وانه لم يثبت عن النبي ﷺ لخصيص لليلة النصف من شعبان بقيام وال ا ً‬
‫يضا النهار بصيام إال‬
‫لمن كان له صيام معهاد من كان يصوم البيض يسهمر على صيامه الن النية صيام البيض‪.‬‬
‫يضا بعمل فهذا ليس‬‫فيصوم صيامه المعهاد اما لخصيص ليلة النصف من شعبان بعمل ولخصيص يومها ا ً‬
‫فيه شيء يثبت يعهمد عليه عن نبينا البريم عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫واالصل في العبادة الهوقيف كما قال عليه الصالة والسالم من عمل ً‬
‫عمال ليس عليه امرنا فهو رد اي‬
‫مردود على صاحبه غير مقبول منه بل الليلة وإن ثبت فيها فضيلة الليلة اي ليلة كانت وإن ثبت فيها‬
‫مسوغا لهخصيصها بعبادة وعمل حهى يالي الشارع بذلك ‪ ,‬فانظر ً‬
‫مثال‬ ‫ً‬ ‫فضيلة الفضيلة وحدها ليست‬
‫فضل الجمعة وليلة الجمعة نهى النبي ﷺ ان لخص ليلة الجمعة بقيام مع انها ليلة فاضلة ونهى ان‬
‫يوما قبله او ً‬
‫يوما بعده العبادات مبنية على الهوقيف وإذا كان‬ ‫يفرد يومها بصيام يخص به إال ان يصوم ً‬
‫العمل ال دليل عليه من سنة النبي البريم عليه الصالة والسالم الصحيحة الثابهة فإنه يرد على صاحبه وال‬
‫يقبل منه‪ .‬ونسال هللا البريم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا علما ولوفيقا وان يصلح لنا شاننا‬
‫كله واال يبلنا إلى انفسنا طرفة عين اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولوالة امرنا وللمسلمين والمسلمات‬
‫وللمؤمنين والمؤمنات االحياء منهم واالموات سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت اسهغفرك‬
‫والوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين‬

‫���� ���‬
‫����‬‫���‬‫�‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‬
‫‪...‬اما بعد ‪ ,‬فيقول العالمة ابن القيم الجوزية ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬في ك تابه" الداء والدواء‬
‫َ ََ َ‬ ‫ه‬ ‫َ َْ‬
‫َ‬ ‫* َو ِفي ال ُم ْسن ِد ِمن ح ِد ِ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ‬
‫ول ِ‬ ‫يث ال َبر ِاء ب ِن ع ِاز ٍب قال رضي هللا عنهما انه قال ‪« :‬خرجنا مع ر ُس ِ‬
‫َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬و َج َل ْس َنا َح ْول ُه‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫‪ِ -‬في َج َن َاز ِة َر ُج ٍل ِم َن اْل ْن َص ِار‪ ،‬ف ْان َت َه ْي َنا ِإلى ال َق ْب ِر َول هما ُيل َح ْد‪ ،‬ف َجل َس َر ُسول ه ِ‬
‫اب‬ ‫ذ‬ ‫ود َي ْن ُك ُت به في ْ َاْل ْرض‪َ ،‬ف َر َف َع َ ْرا َس ُه َف َق َال‪ْ :‬اس َتع ُيذوا ب هاَّلل م ْن َع َ‬ ‫الط ْي َر‪َ ،‬وفي َيده ُع ٌ‬ ‫َك َا هن َع َلى ُر ُءوس َنا ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال َق ْب ِر ‪َ -‬م هرَت ْي ِن َا ْو َثال ًثا ‪ُ -‬ث هم َق َال‪ِ :‬إ هن ال َع ْب َد ال ُم ْؤ ِم َن ِإ َذا َك َان ِفي ْان ِق َط ٍاع ِم َن ُّالد ْن َيا‪َ ،‬و ِإ ْق َب ٍال ِم َن اْل ِخ َر ِة‪َ ،‬ن َز َل‬
‫ْ‬ ‫يض ْال ُو ُج ِوه َك َا هن ُو ُج َ‬ ‫ِإ َل ْي ِه َم َال ِئ َك ٌة ِم َن ه‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬م َع ُه ْم َك َف ٌن ِم ْن َا ْك َف ِان َا ْه ِل ال َج هن ِة‪،‬‬ ‫وه ُه ُم ه‬ ‫الس َم ِاء ِب ُ‬
‫ْ‬ ‫وط ْال َج هن ِة‪َ ،‬ح هتى َي ْج ِل ُسوا ِم ْن ُه َم هد ْال َب َصر‪ُ ،‬ث هم َي ِج ُ‬
‫يء َم َل ُك ال َم ْو ِت َح هتى َي ْج ِل َس ِع ْن َد َ ْرا ِس ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وط ِم ْن َح ُ‬
‫ن‬ ‫َو َح ُن ٌ‬
‫َف َي ُق ُول‪ْ :‬اخ ُرجي َا هي ُت َها هالن ْف ُس ْال ُم ْط َمئ هن ُة‪ْ ،‬اخ ُرجي إ َلى َم ْغف َرة م َن هَّللا َور ْض َوان‪َ ،‬ف َت ْخ ُر ُج َتس ُيل َك َما َتسيلُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وها ِفي َي ِد ِه َط ْر َف َة َع ْين َح هتى َي ْا ُخ ُذ َوها‪َ ،‬ف َي ْج َع ُلوهاَ‬ ‫َ‬
‫الس َق ِاء‪َ ،‬ف َي ْا ُخ ُذ َها‪َ ،‬فإ َذا َا َخ َذ َها ل ْم َي َد ُع َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ْال َق ْط َر ُة ِم ِْ‬
‫ن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ ْ ْْ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ََْ‬
‫ض‪،‬‬ ‫وط‪ ،‬وي ْخرج ِمنها كاطي ِب نفح ِة ِمس ٍك و ِجدت على وج ِه اْلر ِ‬ ‫ِفي ذ ِل َك الك ف ِن‪َ ،‬و ِفي ذ ِل َك ال َح ُن ِ‬
‫َ‬
‫ون‪ُ :‬رو ُح ُفال ِن‬ ‫الطي َب ُة؟ َف َي ُق ُول َ‬ ‫ُ ه‬ ‫ََ َ َ ََ ََ َ َ َ ه َ ُ َ َ‬ ‫َ َُْ َ‬
‫ف َيصعدون ِب َها‪ ،‬فال ي ُم ُّرون ِب َها على م ٍال ِمن ال َمال ِئك ِة ِإْل قالوا‪ :‬ما ه ِذ ِه ُّالروح ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ون ل ُه َف ُي ْف َت ُح ل ُه‪َ ،‬ف ُي ُش ِي ُع ُه ِم ْن ُك ِل‬ ‫ْب ِن ُفال ٍن‪ِ ،‬ب َا ْح َس ِن َا ْس َما ِئ ِه ال ِتي َك ُانوا ُي َس ُّم َون ُه ِب َها ِفي الدنيا‪ ،‬فيستف ِتح‬
‫َّللا َع هز َو َج هل‪ْ :‬اك ُت ُبوا‬ ‫الساب َع ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُول ه ُ‬ ‫الس َم ِاء ِه‬ ‫الس َم ِاء هال ِتي َت ِل َيها َح هتى ُي ْن َت َهى ِب ِه ِإ َلى ه‬ ‫وها ِإ َلى ه‬ ‫َس َم ٍاء ُم َق هر ُب َ‬
‫ض‪َ ،‬فِإ ِني ِم ْن َها َخ َل ْق ُت ُه ْم‪َ ،‬و ِف َيها ُا ِع ُيد ُه ْم َو ِم ْن َها ُا ْخ ِر ُج ُه ْم َت َار ًة‬ ‫ر‬ ‫ين‪َ ،‬و َا ِع ُيد ُوه ِإ َلى ْ َاْل ْ‬ ‫اب َع ْب ِدي ِفي ِع ِلي َ‬ ‫ِك َت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ض‪َ ،‬ف َي ْا ِت ِيه َم َل َك ِان‪َ ،‬ف ُي ْج ِل َسا ِن ِه‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن ل ُه‪َ :‬م ْن َر ُّب َك؟ َف َي ُق ُول‪َ :‬ر ِب َي‬ ‫ِ‬ ‫ُا ْخ َرى‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ف ُت َع ُاد ُرو ُح ُه ِإلى َاْل ْر‬
‫ه‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللا َع هز َو َج هل‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن ل ُه‪َ :‬ما ِد ُين َك؟ َف َي ُق ُول‪ِ :‬د َين َي ِاْل ْسال ُم‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن ل ُه‪َ :‬ما َه َذا هالر ُج ُل ال ِذي ُب ِع َث‬ ‫هُ‬
‫َّللا َع هز َو َج هل َفا َم ْن ُت‬ ‫اب ه ِ‬ ‫َّللا‪َ ،‬ف َي ُق َوْلن َل ُه‪َ :‬و َما ِع ْل ُم َك؟ َف َي ُق ُول‪َ :‬ق َ ْرا ُت ِك َت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِف ُيك ْم؟ َف َي ُق ُول‪ُ :‬ه َو ُم َح هم ٌد َر ُس ُول ه‬
‫َ ْ ُ َ ُ َ ْ َ ه ََْ ُ ُ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫الس َم ِاء‪َ :‬ا ْن صدق عب ِدي‪ ،‬فاف ِرشوا له ِمن الجن ِة‪ ،‬وال ِبسوه ِمن الجن ِة‪،‬‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِب ِه َو َص هد ْق ُت‪َ ،‬ف ُي َن ِادي ُم َن ٍاد ِم َن ه‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َو ْاف َت ُحوا ل ُه َب ًابا ِإلى ال َج هن ِة َق َال‪َ :‬ف َي ْا ِت ِيه ِم ْن ُرو ِح َها َو ِط ِيب َها‪َ ،‬و ُي ْف َس ُح ل ُه ِفي َق ْب ِر ِه َم هد َب َص ِر ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َي ْا ِت ِيه َر ُج ٌل‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫اب‪َ ،‬ط ِي ُب ِالر ِيح‪َ ،‬ف َي ُق ُول َا ْب ِش ْر ِبال ِذي َي ُس ُّر َك‪َ ،‬ه َذا َي ْو ُم َك ال ِذي ُك ْن َت ُت َوع ُد‪،‬‬ ‫َ ُ ْ ْ َ ُ‬
‫ح َسن ال َوج ِه‪ ،‬ح َسن ِالث َي ِ‬
‫الصا ِل ُح‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ر ِب َا ِق ِم‬ ‫يء ِب ْال َخ ْير‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ا َنا َع َم ُل َك ه‬ ‫َف َي ُق ُول َل ُه‪َ :‬م ْن َا ْن َت َف َو ْج ُه َك ْال َو ْج ُه هال ِذي َي ِج ُ‬
‫ِ‬
‫الس َاع َة‪َ ،‬ح هتى َا ْر ِج َع إ َلى َا ْه ِلي َو َما ِلي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬وإ هن ْال َع ْب َد ْال َك ِاف َر إ َذا َك َان ِفي ْان ِق َطاع ِمنَ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ق‬‫ِ‬ ‫ا‬‫الس َاع َة َرب َ‬ ‫ه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون ِم ْن ُه‬ ‫وح‪َ ،‬ف َي ْج ِل ُس َ‬ ‫الس َم ِاء‪ُ ،‬س ُود ْال ُو ُج ِوه‪َ ،‬م َع ُه ُم ْال ُم ُس ُ‬ ‫ُّالد ْن َيا‪َ ،‬و ِإ ْق َب ٍال ِم َن ْاْل ِخ َر ِة‪َ ،‬ن َز َل ِإ َل ْي ِه َم َال ِئ َك ٌة ِم َن ه‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َم هد ْال َب َصر‪ُ ،‬ث هم َي ِج ُ‬
‫يء َم َل ُك ال َم ْو ِت َح هتى َي ْج ِل َس ِع ْن َد َ ْرا ِس ِه‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ا هي ُت َها هالن ْف ُس ال َخ ِب َيث ُة‪ْ ،‬اخ ُر ِجي ِإلى‬ ‫ِ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬
‫َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ه ُّ ُ َ ُّ ْ‬ ‫َس َخ ٍط م َن ه ِ َ َ َ َ َ َ ْ ُ‬
‫وف ال ُم ْب َت ِل‪،‬‬ ‫َّللا َوغض ٍب‪ ،‬قال‪ :‬فتغ َرق ِفي جس ِد ِه فينت ِزعها‪ ،‬كما ينتزع السفود ِمن الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف َي ْا ُخ ُذ َها‪ ،‬فإذا اخذ َها ل ْم َي َد ُع َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وها ِفي َي ِد ِه ط ْرفة َع ْي ٍن‪َ ،‬ح هتى َي ْج َعلون َها ِفي ِتل َك ال ُم ُس ِوح‪َ ،‬و َيخ ُر ُج ِم ْن َها‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ ُ ُّ و َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ه َ ُ‬ ‫َك َا ْن َ‬
‫ض فيصعدون ِبها‪ ،‬فال يمر ن ِبها على م ٍال ِمن المال ِئك ِة ِإْل قالوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫اْل‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫يح‬ ‫ر‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َما َه ِذ ِه الروح الخ ِبيثة‪ .‬ف َيقولون‪ُ :‬روح فال ِن ب ِن فال ٍن‪ِ ،‬باق َب ِح ا ْسما ِئ ِه ال ِتي كان ي َسمى ِبها ِفي الدن َيا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫َ َُ ه ُ َ ُ ْ َْ َ ُ ه َ َ َ َ ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ ْ ََ ْ َ ُ َ َ ُ‬
‫ون ال َج هن َة َح هتى‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ْ{ -‬ل تفتح لهم ابواب السم ِاء وْل يدخل‬ ‫ف ُي ْس َتف َت ُح فال ُيف َت ُح ل ُه‪ ،‬ث هم ق َرا َر ُسول ه ِ‬
‫َْْ‬ ‫َ ُ ُ هُ َ ه َ َ ه ُْ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫َي ِل َج ال َج َمل ِفي َس ِم ال ِخ َي ِاط} [اْل ْع َر ِ‬
‫ْ ُ‬
‫ض‬‫ين‪ِ -‬في اْلر ِ‬ ‫اف‪ ]40 :‬ف َيقول َّللا عز وجل‪ :‬اك ت ُبوا ِك تابه ِفي ِس ِج ٍ‬
‫الس َماء َف َت ْخ َط ُف ُه ه‬
‫الط ْي ُر َا ْو َت ْه ِوي‬ ‫الس ْف َلى‪َ ،-‬ف ُت ْط َر ُح ُرو ُح ُه َط ْر ًحا‪ُ ،‬ث هم َق َ َرا‪َ { :‬و َم ْن ُي ْشر ْك ب ه َ‬
‫اَّلل َف َكا هن َما َخ هر ِم َن ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫[سو َر ُة ال َح ِج‪َ ]31 :‬ف ُت َع ُاد ُرو ُح ُه ِفي َج َس ِد ِه‪َ ،‬و َي ْا ِت ِيه َم َل َك ِان َف ُي ْج ِل َسا ِن ِه‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن‬ ‫ِب ِه ِالر ُيح ِفي َم َك ٍان َس ِح ٍيق}‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ُه‪َ :‬م ْن َر ُّب َك؟ َف َي ُق ُول‪َ :‬ه ْاه َه ْاه ْل َا ْد ِري‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن ل ُه‪َ :‬ما ِد ُين َك؟ َف َي ُق ُول‪َ :‬ه ْاه َه ْاه ْل َا ْد ِري‪َ ،‬ف َي ُقوْل ِن ل ُه‪َ :‬ما‬
‫الس َم ِاء‪َ :‬ا ْن َك َذ َب َع ْب ِدي‪،‬‬ ‫َه َذا هالر ُج ُل هال ِذي ُب ِع َث ِف ُيك ْم؟ َف َي ُق ُول‪َ :‬ه ْاه َه ْاه َْل َا ْد ِري‪َ ،‬ف ُي َن ِادي ُم َن ٍاد ِم َن ه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف ْاف ِر ُشوا ل ُه ِم َن هالن ِار‪َ ،‬و ْاف َت ُحوا ل ُه َب ًابا ِإلى هالن ِار‪َ ،‬ف َي ْا ِت ِيه ِم ْن َح ِر َها َو َس ُم ِوم َها‪َ ،‬و ُي َض هي ُق َع َل ْي ِه َق ْب ُر ُه‪َ ،‬ح هتى‬
‫ه‬
‫اب ُم ْن ِت ُن ِالر ِيح‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ا ْب ِش ْر ِبال ِذي َي ُسو ُؤ َك‪،‬‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫الث‬ ‫ُ‬
‫يح‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫يح ْال َو ْجه َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ق‬‫َت ْخ َتل َف فيه َا ْض َال ُع ُه‪َ ،‬و َي ْاتيه َر ُج ٌل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫َه َذا َي ْو ُم َك ال ِذي ُك ْن َت ُت َوع ُد‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬و َم ْن َا ْن َت؟ َف َو ْج ُه َك ال َو ْج ُه ال ِذي َي ِج ُِ‬ ‫ه‬
‫الش ِر‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ا َنا َع َمل َك‬ ‫يء ب ه‬
‫الس َاع َة‪».‬‬ ‫يث‪َ ،‬ف َي ُق ُول‪َ :‬ر ِب َْل ُت ِق ِم ه‬ ‫ْال َخب ُ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ ْ َ َ َْ ً ُ ه َُ ه ُ َ‬
‫ض ل ُه َا ْع َمى َا َص ُّم َا ْب َك ُم‪ِ ،‬في َي ِد ِه ِم ْر َز هب ٌة‪ ،‬ل ْو َض َر َب ِب َها َج َبال َك َان ُت َر ًابا‪ُ ،‬ث هم‬ ‫و ِفي لف ٍظ ِْلحمد ايضا «ثم يقي‬
‫ه‬
‫يح َص ْي َح ًة َي ْس َم ُع َها ُك ُّل َش ْي ٍء ِإْل هالث َق َل ْي ِن‪َ ،‬ق َال‬ ‫َّللا َع هز َو َج هل َك َما َك َان‪َ ،‬ف َي ْضر ُب ُه َض ْر َب ًة ُا ْخ َرى‪َ ،‬ف َي ِص ُ‬
‫ِ‬
‫ُي ِع ُيد ُه ه ُ‬
‫اش هالن ِار» ‪.‬‬ ‫ْ َ ُ ُ ُ ْ َ ُ َ ُ َ ٌ َ ه َ ُ َ ُّ َ ُ ْ َ‬
‫ال َبراء‪ :‬ث هم يفتح له باب ِإلى الن ِار ويمد له ِمن ِفر ِ‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪,‬الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬واشهد ان ْل إله إْل هللا وحده ْل شريك هللا واشهد ان‬
‫محمدا عبده ورسوله ﷺ عليه وعلى إله واصحابه اجمعين ‪,‬اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا‬ ‫ً‬
‫وزدنا علما واصلح لنا شاننا كله وْل تكلنا إلى انفسنا طرفة عين‪..‬اما بعد ‪,‬‬
‫فال يزال المصنف اْلمام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى ‪-‬يسوق اْلحاديث من سنة النبي الكريم صلوات‬
‫هللا وسالمه وبركاته عليه في هذا الجانب الذي جمع فيه ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬هذا الجمع النافع المفيد من‬
‫اْلحاديث وهو جانب الوعيد ‪,‬واك ثر من اْلحاديث ْلنه بصدد رحمه هللا تعالى معالجة من يغالط نفسه‬
‫في إقامته على المعاصي والذنوب بباب إحسان الظن باهلل سبحانه وتعالى ويغفل غفلة عظيمة عن‬
‫نصوص الوعيد وابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ساق هذه النصوص واك ثر من ذكرها معالجة لهذه‬
‫المشكلة ْلنها مشكلة موجودة في ك ثير من الناس ك ثير من الناس يتكل على باب حسن الظن وان هللا‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫واسع المغفرة ‪,‬وان رحمة هللا سبحانه وتعالى وسعت كل شيء‪ ,‬ويغفل عن هذه النصوص الك ثيرة التي‬
‫فيها الوعيد والتهديد وعقوبات الذنوب والمعاصي يغفل عنها غفلة عظيمة ثم يبقى ً‬
‫مقيما على المعاصي‬
‫إلى ان تداهمه المنية وهو على ذلك ً‬
‫عياذا باهلل ‪,‬ولهذا عالج ذلك هو التذكير بنصوص الوعيد ولهذا‬
‫اطال في ذكرها وبسطها وذكر انواع العقوبات التي تتعلق بها وهنا ذكر رحمه هللا حديث البراء بن عازب‬
‫رضي هللا عنهما الطويل في ذكر نعيم القبر وعذابه وهو حديث ثابت عن نبينا صلوات هللا وسالمه عليه‬
‫الحفاظ والحديث ذكر‬ ‫قال المصنف اْلمام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬وهو حديث صحيح صححه جماعة من ُ‬
‫فيه النبي ﷺ نعيم القبر وعذابه والكالم على جمل هذا الحديث قد يطول لكن موضع الشاهد من‬
‫سياق المصنف رحمه هللا تعالى هذا الحديث ما جاء في اخره عندما يكون العبد في انقطاع من الدنيا‬
‫وإقبال على اْلخرة وهو على اْلسراف واْلقامة على ذنوبه ومعاصيه فإنه في هذه الحالة يكون على خطر‬
‫عظيم وان الواجب عليه ان يعد لهذا اليوم عدته ْلن اعماله التي قدمها في هذه الحياة ستاتيه في قبره‬
‫على صورة رجل فإن كانت صالحة جاءت على صورة رجل صالح جاءت صفته في الحديث بانه حسن‬
‫الوجه حسن الثياب طيب الريح فتاتي اعماله على صورة رجل صالح مبشرة له لكن اذا كانت اعمال‬
‫الرجل خبيثة سيئة فإنه ياتيه عمله على صورة رجل قبيح ‪،‬قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول‬
‫‪ :‬ابشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من انت فوجهك الذي يجيء بالشر ‪,‬‬
‫ً‬
‫صالحا‬ ‫جدا بان يعمل على إصالح عمله ْلن عمله إن كان‬‫هذا الحديث فيه إيقاظ للعبد إيقاظ عظيم ً‬
‫سيئ ً‬ ‫ً‬ ‫كان ً‬
‫خبيثا‬ ‫مؤنسا له في وحشة القبر مبش ًرا له ياتيه على احسن صورة اجمل هيئة‪ ,‬وإذا كان عمله‬
‫فإنه سياتيه على هذه الصورة السوء والخبث مبش ًرا بما يسوء المرء‪ ,‬فوجب على كل ناصح لنفسه ان‬
‫يعد لهذا اليوم عدته وان يعلم ان هذه الحفرة سيدرج فيها وْل بد ‪،‬‬
‫ربما ظن انه يعيش عم ًرا ً‬
‫طويال وما علم انه سيدرج فيها في الغد حتى وإن كان ً‬
‫شابا ولهذا قال نبينا‬
‫عليه الصالة والسالم *{ اك ثروا من ذكر هادم اللذات }*‬
‫فذكر هذا اليوم وذكر هذه التفاصيل في هذا الحديث وفي غيره مما ذكر المصنف وما لم يذكر هو باب‬
‫مفرطا ُومضي ًعا في جانب طاعة‬
‫من ابواب إصالح العبد و ان ُيحذر من اْلتكال على حسن الظن باهلل ً‬
‫هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬إذ َب ُص َر ِب َج َم َاع ٍة‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬عال َم‬ ‫ول ه ِ‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ر‬‫* َو ِفي ْال ُم ْس َن ِد َا ْي ًضا َع ْن ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ب ْي َن َما َن ْح ُن َم َع َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ْاج َت َم َع َه ُؤْل ِء؟ ِق َيل‪َ :‬ع َلى َق ْب ٍر َي ْح ِف ُرو َن ُه‪َ ،‬ف َف ِز َع َر ُس ُول ه َِّللا ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬ف َبد َر َب ْي َن َيد ْي ا ْص َحا ِب ِه ُم ْس ِر ًعا‪َ ،‬حتى‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َْ َ َ َْ ْ َ َ َ َ َ ُ ََْْ َ ْ ْ‬
‫اس َت ْق َبل ُت ُه َب ْي َن َي َد ْي ِه ِ َْل ْن ُظ َر َما َي ْص َن ُع‪َ ،‬ف َب َكى َح هتى َب هل هالث َرى ِم ْن‬‫انتهى ِإلى القب ِر‪ ،‬فجثا على ركبتي ِه‪ ،‬ف‬
‫ْ‬
‫ُد ُم ِوع ِه‪ُ ،‬ث هم َا ْق َب َل َع َل ْي َنا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ا ْي ِإ ْخ َوا ِني‪ِ ،‬ل ِم ْث ِل َهذا ال َي ْو ِم فا ِع ُّدوا»‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫يضا من حديث البراء رضي هللا عنه بعد حديث البراء الطويل يوضح‬ ‫سياق المصنف لهذا الحديث وهو ا ً‬
‫لنا ان الغرض من سياق الحديث اْلول‪ :‬هو المعنى الذي جاء في هذا الحديث الثاني *{لمثل هذا اليوم‬
‫فاعدوا}* واْلعداد يكون بإصالح العمل حتى يكون ً‬
‫مؤنسا للمرء في قبره سرو ًرا وراحة وقرة عين له وان‬
‫ً‬
‫وشؤما في قبره ‪,‬يقول عليه الصالة والسالم *{ لمثل هذا‬ ‫يجانب العمل السيء حتى ْل يكون اذى عليه‬
‫اليوم فاعدوا }*‬
‫لمثل هذا اليوم الذي سينزل بكل واحد منكم فاعدوا العدة لمثل هذا اليوم ‪ ،‬يوم يكون العبد في‬
‫انقضاء من الدنيا وإقبال من اْلخرة انتهت دنياه بكل تفاصيلها واقبل على اْلخره‪ ,‬فلمثل هذا اليوم‬
‫إذا اولئك الذين يسوق ابن القيم هذه اْلحاديث من اجلهم وهم من يتكلون على جانب حسن‬ ‫فاعدوا ‪ً ,‬‬
‫الظن مع اْلقامة على الذنوب والمعاصي يجب ان ينظروا في مثل هذه اْلحاديث وان يعملوا على إعداد‬
‫العدة وتامل هنا قول النبي ﷺ *{ فاعدوا }* ولما قال له رجل متى الساعة قال *{ ماذا اعددت لها }*‬
‫ْل بد من عدة ما يك في اْلتكال على حسن الظن باهلل ْل بد ان يعد لذلك اليوم عدته *« َو َت َز هو ُدوا َفِإ هن َخ ْي َر‬
‫َ‬ ‫ه هْ َ َ هُ َ ُ َْْ‬
‫اب »*‬ ‫ون يا او ِلي اْل ِ‬
‫ب‬ ‫ل‬ ‫الز ِاد التقوى ۚ واتق ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ات‪َ :‬يا َا ُّي َها‬ ‫َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ي ْو ًما ف َن َادى ثال َث َم هر ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫يث ُب َر ْي َد َة قال‪َ « :‬خ َر َج ِإل ْي َنا َر ُسول ه ِ‬ ‫* َو ِفي ال ُم ْس َن ِد ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ُ‬ ‫اس‪َ ،‬ا َت ْد ُرو َن َما َم َث ِلي َو َم َث ُل ُك ْم؟ َق ُالوا‪ :‬ه ُ‬
‫َّللا َو َر ُسول ُه َا ْع َل ُم‪َ ،‬ف َق َال ِإ هن َما َم َث ِلي َو َم َث ُل ُك ْم َم َث ُل َق ْو ٍم َخ ُافوا َع ُد ًّوا‬ ‫هالن ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫َي ْا ِتي ِه ْم َف َب َع ُثوا َر ُجال َي َت َر َاءى ل ُه ْم‪َ ،‬ف َا ْب َص َر ال َع ُد هو‪َ ،‬ف َا ْق َب َل ِل ُي ْن ِذ َر ُه ْم‪َ ،‬و َخ ِش َي َا ْن ُي ْد ِر َك ُه ال َع ُد ُّو َق ْب َل َا ْن ُي ْن ِذ َر‬
‫ََ‬ ‫اس ُات ُيت ْم‪َ ،‬ا ُّي َها هالن ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ات» ‪.‬‬ ‫اس ا ِت ُيت ْم‪ ،‬ثال َث َم هر ٍ‬ ‫ق ْو َم ُه‪ ،‬فا ْه َوى ِب َث ْو ِب ِه‪ :‬ا ُّي َها هالن ُ ِ‬

‫هذا يبيبن هذا الحديث وهو في المسند‪ -‬حديث البراء‪ -‬ان النبي ﷺ نصح اْلمه وابان السبيل‪,‬‬
‫واوضح اْلمر‪ -‬سالم هللا وصلواته عليه –كانه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم هكذا كان في وعظه‬
‫مفرطا بل ياخذ بهذا الوعظ الذي جاء عن النبي ﷺ وهذا‬ ‫وتنبيهه وتخويفه ‪ ,‬فما ينبغي للعبد ان يبقى ً‬
‫التخويف وهذا التذكير وان يقف على هذه النصوص متا ً‬
‫مال لها وان يكون لها اْلثر عليه في حياته ولهذا‬
‫اورد رحمه هللا هذا الحديث العظيم ان النبي ﷺ قال *{ ايها الناس اتدرون ما مثلي ومثلكم؟‪ ,‬قالوا‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬
‫هللا ورسوله اعلم‪ ,‬قال‪ :‬إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا ياتيهم فبعثوا ً‬
‫رجال يتراءى لهم فابصر‬
‫العدو فاقبل لينذرهم }* فهو منذر جيش صلوات هللا وسالمه عليه منذر من عذاب شديد والحديث وإن‬
‫كان في سنده مقال لكن يشهد له ما جاء في صحيح مسلم ان النبي ﷺ قال *{ إنما مثلي ومثلكم‬
‫كمثل رجل راى العدو فانطلق يربا اهله ‪-‬اي يحفظهم ويصونهم‪ -‬فخشي ان يسبقوه‪ -‬اي العدو إلى اهله‪-‬‬
‫فجعل يهتف يا صباحاه }* يهتف من بعد محذ ًرا فالنبي ﷺ حذر وانذر وخوف وذكر الوعيد فما‬
‫ينبغي للعبد الناصح لنفسه ان يهمل هذه النصوص عن نبينا عليه الصالة والسالم ويبقى ً‬
‫متكال على‬
‫حسن الظن مع حسن الظن مع التفريط واْلضاعة‪ ,‬وهذا مراد المصنف رحمه هللا تعالى من سياق هذا‬
‫الحديث ونظائره‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ُ « :‬كل ُم ْس ِك ٍر َح َر ٌام‪َ ،‬و ِإ هن َعلى ه ِ‬
‫َّللا َع هز‬ ‫يث َجا ِب ٍر قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫َو ِفي َص ِح ِيح ُم ْس ِل ٍم ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َج هل َع ْه ًدا ِل َم ْن َش ِر َب ال ُم ْس ِك َر َا ْن َي ْس ِق َي ُه ِم ْن ِط َين ِة ال َخ َب ِال‪ِ ،‬ق َيل‪َ :‬و َما ِط َين ُة ال َخ َب ِال؟ َق َال‪َ :‬ع َر ُق َا ْه ِل‬
‫هالن ِار َا ْو ُع َص َار ُة َا ْه ِل هالن ِار» ‪.‬‬

‫عهدا لمن شرب‬ ‫في هذا الحديث وهو في صحيح مسلم يقول عليه الصالة والسالم إن على هللا عز وجل ً‬
‫الخمر ان يسقيه من طينة الخبال‪ ...‬ايليق بالمرء ان يبقى على هذا الخمر يشربه ويقول‪ :‬انا احسن‬
‫عهدا لمن شرب الخمر ان يسقيه من طينة الخبال‬‫الظن باهلل ونبينا ﷺ يقول إن على هللا عز وجل ً‬
‫ً‬
‫شديدا ويقف يتامل في هذه الطينة طينة الخبال‬ ‫فمثل هذا يحدث ً‬
‫خوفا في قلب الناصح لنفسه وحذ ًرا‬
‫عهدا لمن شرب مسكر ان يسقيه من هذه‬‫التي يقول النبي ﷺ في هذا الحديث ‪:‬إن على هللا عز وجل ً‬
‫الطينة طينة الخبال قالوا ‪ :‬وما طينة الخبال قال‪ :‬عرق اهل النار او عصارة اهل النار‪ ,‬اصل الخبال‪:‬‬
‫عرقا خبيث ًا او‬
‫الفساد ‪,‬فعرق اهل النار او عصارة اهل النار هو‪ :‬هذا الفساد الذي يخرج من اجسامهم ً‬
‫عصارة خبيثة فيسقيه هللا سبحانه وتعالى منها‪ -‬عقوبة له‪ -‬فما يليق بعاقل ان يغفل النظر عن هذه‬
‫اْلحاديث العظيمة في الوعيد ويقول انا احسن الظن باهلل ‪,‬نعم احسن الظن باهلل واحسن العمل‬
‫وتجنب مساخط الرب سبحانه وتعالى‪ ,‬فمثل هذه اْلحاديث ما تغفل بل يجب على اْلنسان وخاصة‬
‫المبتلى بمثل هذه الذنوب ان ينظر ويعيد النظر ويكرر النظر حتى تكون موقظة لقلبه وخالص له من‬
‫عقوبة ربه –نعم ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ « :‬ا َرى َما ْل َت َر ْو َن َو َا ْس َم ُع َما ْل‬ ‫ُ‬ ‫َوفي ْال ُم ْس َند َا ْي ًضا م ْن َحد َ َ َ َ َ َ‬
‫يث ا ِبي ذ ٍر قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الس َم ُاء َو ُح هق ل َها ا ْن ت ِئط‪َ ،‬ما ِف َيها َم ْو ِض ُع ا ْر َبع ا َصاب َع إْل َو َعل ْي ِه َملك َس ِاجد‪ ،‬ل ْو ت ْعل ُم َ‬ ‫ون‪ ،‬اط ِت ه‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َت ْس َم ُع َ‬
‫ون‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َما َا ْع َل ُم‪َ ،‬ل َض ِح ْك ُت ْم َق ِل ًيال‪َ ،‬و َل َب َك ْي ُت ْم َك ِث ًيرا‪َ ،‬و َما َت َل هذ ْذ ُت ْم ِب ِالن َس ِاء َع َلى ْال ُف ُرش‪َ ،‬و َل َخ َر ْج ُت ْم ِإ َلى ُّ‬
‫الص ُع َد ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫َ ْ َ ُو َ َ ه َ ه َ َ ه َ َ َ ُ َ َ ه َ‬
‫َّللا ل َو ِد ْد ُت َا ِني َش َج َر ٌة ُت ْع َض ُد‪.‬‬
‫َّللا عز وجل» قال ابو ذ ٍر‪ :‬و ِ‬ ‫تجار ن ِإلى ِ‬

‫يضا من اْلحاديث النافعة في هذا الباب يقول الناصح اْلمين صلوات هللا وسالمه عليه‬ ‫هذا الحديث ا ً‬
‫َ‬ ‫*{ َا هط ِت ه‬
‫الس َم ُاء َو ُح هق ل َها َا ْن َت ِئ هط }* واْلطيط‪ :‬هو الصوت الذي يكون للسماء من المالئكة الك ثر الذين‬
‫على السماء او فوق السماء‪ ,‬ولهذا قال صلوات هللا وسالمه عليه ما فيها موضع اربع اصابع إْل وعليه‬
‫ملك ساجد‪ .‬اْلن لما ترفع راسك وتنظر هذه السماء المحيطة باْلرض كلها وبينها وبين اْلرض خمسمائة‬
‫عام وثم هي مستديرة على اْلرض في سعتها ‪,‬هذه السماء الواسعة ما فيها موضع اربعة اصابع إْل وفيه‬
‫ملك ساجد هلل‪ ,‬ثم السماء التي فوقها مثل ذلك‪ ,‬وسعتها اعظم‪ ,‬والتي فوقها اوسع واعظم‪ ,‬ولهذا‬
‫المالئكة ْل يحصيهم إْل الذي خلقهم سبحانه وتعالى ‪,‬وسبحان هللا لما تتامل هذا الحديث وتقرا ً‬
‫مثال‬
‫ون َع َلى هالن ِب ِي »* كم هم هؤْلء الذين يصلون على النبي ﷺ ؟ !‬ ‫َّللا َو َمال ِئ َك َت ُه ُي َص ُّل َ‬
‫*« ِإ هن ه َ‬

‫فالحاصل‪ :‬ان هذه الك ثرة من المالئكة كلهم ساجدون هلل خاضعون خائ فون خاضعون هلل سبحانه‬
‫وتعالى ‪,‬ثم يقول ﷺ*{ لو تعلمون ما اعلم لضحك تم ً‬
‫قليال ولبكيتم ك ثي ًرا وما تلذذتم بالنساء على‬
‫الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجارون إلى هللا عز وجل }* هذا الحديث عندما ينظر فيه اْلنسان مرة‬
‫مقيما على التفريط والتضييع؟؟ والنبي‬‫واثنتين وثالث واربع ايسعه ان يتكل على حسن الظن ويبقى ً‬
‫ﷺ يقول‪ {*:‬لو تعلمون ما اعلم }* اي من عقاب هللا وبطشه وانتقامه وما اعد من العقوبات إلى اخره‬
‫قليال ولبكيتم ك ثي ًرا وما تلذدتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى‬ ‫*{ لو تعلمون ما اعلم لضحك تم ً‬
‫الصعدات تجارون }* ‪,‬ايليق بعبد واْلمر كذلك ان يتكل على حسن الظن ويغفل مثل هذا ؟!!‬
‫ثم قوله هنا *{ لضحك تم ً‬
‫قليال ولبكيتم ك ثي ًرا }* فيه كما نبه اهل العلم إلى‪ :‬اجتماع الرجاء والخوف‬
‫*{ لضحك تم ً‬
‫قليال ولبكيتم ك ثي ًرا }* يعني انه فيه باب رجاء يعني كما انه فيه وعيد وتهديد وعقوبات إلى‬
‫اخره فيه باب رجاء ‪,‬لكن ْل بد من إعمال الرجاء والخوف حتى تتحقق للعبد النجاة‪ْ ,‬لن العبد إن اعمل‬
‫الرجاء وحده امن من مكر هللا وعقوبته‪ ,‬وإن اعمل الخوف وحده قنط من رحمة هللا ويئس من روح هللا‬
‫وكل من اْلمن من المكر‪ ,‬والقنوط من الرحمة من كبائر الذنوب‪ ,‬وْل يمكن ان يحصل اْلعتدال والقوام‬
‫في ذلك إْل بإعمال الرجاء والخوف ً‬
‫معا والرجاء بابه احاديث الوعد‪ ,‬والخوف بابه احاديث الوعيد‪ ,‬بهذا‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫تكون نجاة العبد *« َن ِب ْئ ِع َب ِادي َا ِني َا َنا ال َغ ُفو ُر هالر ِح ُيم (‪َ )49‬و َا هن َع َذا ِبي ُه َو ال َع َذ ُاب َاْل ِل ُيم »* هذا وهذا‬
‫ْل بد منهما ‪.‬‬
‫َ ْ‬ ‫َو ِفي ْال ُم ْس َن ِد َا ْي ًضا ِم ْن َِ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬في َج َن َاز ٍة َف َل هما ْان َت َه ْي َنا ِإلى ال َق ْب ِر‬ ‫ول ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬‫يث ُح َذ ْي َف َة َق َال‪ُ « :‬ك هنا َم َع َ‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫َق َع َد َع َلى َس َاق ْيه‪َ ،‬ف َج َع َل ُي َرد ُد َب َص َر ُه فيه‪ُ ،‬ث هم َق َال‪ُ :‬ي ْض َغ ُط ْال ُم ْؤم ُن فيه َض ْغ َط ًة َت ُزو ُل م ْن َها َح َمائ ُل ُه َو ُي ْم َالُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َع َلى ال َك ِاف ِر َن ًارا‪َ ،‬وال َح َما ِئل‪ُ :‬ع ُرو ُق اْلنث َي ْي ِن‪».‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫يضا من اْلمور التي تتعلق بالقبر ‪ ,‬وان الناصح لنفسه ينبغي ان يعد لهذا اليوم عدته كما‬ ‫يعني هذا ا ً‬
‫تقدم معنا من قول نبينا عليه الصالة والسالم *{ لمثل هذا اليوم فاعدوا }*‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬إ َلى َس ْع ِد ْبن ُم َع ٍاذ ِح َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫يث َجابر َق َال‪َ « :‬خ َر ْج َنا َم َع َر ُسول ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫َو ِفي ْال ُم ْس َن ِد َا ْي ًضا ِم ْن َ‬
‫ح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ه َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬وو ِضع ِفي قب ِر ِه‪ ،‬و ُس ِوي علي ِه‪َ ،‬سبح ر ُسول ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُت ُو ِف َي‪ ،‬فل هما َصلى َعل ْي ِه َر ُسول ه ِ‬
‫َ‬
‫َّللا ِل َم َس هب ْح َت‪ُ ،‬ث هم َك هب ْر َت؟ َف َق َال‪ :‬ل َق ْد َت َض َاي َق َع َلى َه َذا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً ُ‬ ‫َ‬
‫ف َس هب ْح َنا ط ِويال‪ ،‬ث هم َك هب َر‪ ،‬ف َك هب ْرَنا‪ ،‬ف ِقيل‪َ :‬يا َر ُسول ه ِ‬
‫ْال َع ْب ِد ه‬
‫الصا ِلح َق ْب ُر ُه َح هتى َف هر َج ه ُ‬
‫َّللا َع ْن ُه» ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ْل إله إْل هللا ‪ ...‬قال في هذا العبد الصالح قال ﷺ ‪":‬لو نجا احد عليه من ضمة القبر لنجا منها سعد‬
‫بن معاذ "‪,‬فهل يليق بإنسان ان يتكل على حسن الظن وينسى هذا اليوم ‪,‬وينسى ضغطة القبر‪ ,‬وينسى‬
‫ما جاء في حديث البراء المتقدم من تفاصيل ؟! هذه امور موقظات تجعل العبد ينتبه ويحذر اشد‬
‫الحذر من التمادي في الذنوب ً‬
‫اتكاْل على حسن الظن باهلل سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫سعد بن معاذ اهتز لموته عرش الرحمن رضي هللا عنه وارضاه وتضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى‬
‫فرج عنه قال ﷺ ‪ :‬لو نجا احد منها لنجا منها سعد بن معاذ !‬
‫فمثل هذه اْلمور تجعل العبد يحاسب نفسه ويزن اعماله ويجاهد نفسه على طاعة ربه سبحانه وتعالى‬
‫بما يرجو ان ينال به النجاة ‪,‬تقدم معنا لما سمع ابو ذر الحديث المتقدم قال‪ :‬وهللا لوددت اني شجرة‬
‫تعضد ‪,‬هذه اْلحاديث تحرك في القلب خوف‪ ,‬وهذا هو المطلوب هنا اْلن ‪ :‬وهو ابن القيم يعالج قضية‬
‫يعني متجذرة في ك ثير من الناس مفرطين ومقيمين على المعاصي ومضيعين ْلوامر هللا ومرتكبين‬
‫لك ثير من المحرمات‪ ,‬ثم يسلي نفسه مع هذا التفريط ويقول إن الرب غفور رحيم وهللا واسع المغفرة وما‬
‫إلى ذلك ‪,‬نعم لكن ْل بد ان ينتبه إلى هذه المعاني العظيمة ‪,‬وْل بد ان تداوى القلوب بمثل هذه‬
‫اْلحاديث‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫ْ‬ ‫َوفي َصحيح ْال ُب َخاري م ْن َحد َ‬


‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ « :‬إ َذا ُو ِض َع ِت ال َج َن َاز ُة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يث ا ِبي َس ِع ٍيد‪ ،‬قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ َ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َو ْاح َت َمل َها ِالر َجال َعلى ا ْع َن ِاق ِه ْم‪ ،‬فِإ ْن كانت َصا ِل َحة قالت‪ :‬ق ِد ُمو ِني ق ِد ُمو ِني‪َ ،‬و ِإ ْن كانت غ ْي َر َصا ِل َح ٍة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َق َال ْت‪َ :‬يا َو ْي َل َها‪َ ،‬ا ْي َن َت ْذ َه ُب َ‬
‫ون ِب َها؟ َي ْس َم ُع َص ْو َت َها ُك ُّل َش ْي ٍء ِإْل ِاْل ْن َس َان‪َ ،‬ول ْو َس ِم َع َها ِاْل ْن َس ُان ل ُص ِع َق» ‪.‬‬

‫إذا المناط في هذه اْلمور على الصالح او غير الصالح‪،‬‬ ‫نعم هنا ذكر الجنازة الصالحة وغير الصالحة ً‬
‫الصالح في طاعة هللا وعبادته وحسن التقرب إليه ‪,‬وغير الصالح باْلقامة على عصيانه وارتكاب‬
‫مساخطه وما يغضب الرب سبحانه وتعالى‪ ,‬فإن كانت صالحة‪ :‬قالت قدموني قدموني ْلنها تعلم انها‬
‫مقبلة على خير وعلى نعيم‪ ,‬وعند قبض روح الصالح تبشره المالئكة عند موته‪.‬وابشروا بالجنة‪ .‬يسمع‬
‫البشارة وتقبض روحه وهو في انس وسعادة بما هو مقبل عليه‪ ,‬ومجرد ما يقبض الملك‪ -‬ملك الموت‪-‬‬
‫روح العبد المؤمن الصالح‪ ,‬فالمالئكة الذين تقدم ذكرهم معنا مالئكة الرحمة وهم يجلسون على مقربة‬
‫منه‪ْ ,‬ل يدعونها في يده طرفة عين‪ ,‬ومعهم حنوط من الجنة‪ ,‬وك فن من الجنة ‪,‬ولهذا هنا انتبه إلى فائدة‬
‫جميلة تتعلق بحديث البراء‪ :‬ان المؤمن بعد موته يك فن مرتين ‪-:‬‬
‫‪-‬ك فن لجسده‪ :‬وهذا يباشره اهله وقرابته ومن يقوم على تغسيله وتك فينه‪.‬‬
‫‪-‬وك فن لروحه‪ :‬بعد قبضها من ِقبل ملك الروح والذي يقوم على هذا التك فين لروحه ووضع الحنوط في‬
‫ك فنه هم المالئكة الذين‪ .‬وصفهم النبي ﷺ بالصفات العظيمة التي تقدمت معنا في حديث البراء‬
‫هذه إذا كانت صالحة والصالح باْلعمال الصالحة والطاعات الزاكية‪.‬‬
‫فمثل هذا اليوم يجب على العبد ان يعد له عدته بمجاهدة نفسه على الصالح وان يحذر من ضده وهو‬
‫غير الصالح إن كانت غير صالحة قال‪ :‬يا ويلها اين تذهبون بها ‪.‬‬

‫ْ‬
‫الش ْم ُس َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َع َلى‬‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ « :‬ت ْد ُنو ه‬ ‫ُ‬ ‫َوفي ُم ْس َند َا ْح َم َد م ْن َحد َ ُ َ َ َ َ‬
‫يث ا ِبي ا َم َام َة قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ون ِف َيها َع َلى َق ْد ِر‬ ‫وس َك َما َت ْغ ِلي ال ُق ُدو ُر‪َ ،‬ي ْع َرُق َ‬ ‫يل‪َ ،‬و ُي َز ُاد ِفي َح ِر َها َك َذا َو َك َذا‪َ ،‬ت ْغ ِلي ِم ْن َها ُّالر ُء ُ‬ ‫قد ِر ِم ٍ‬
‫َْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َخ َط َاي ُاه ْم‪ِ ،‬م ْن ُه ْم َم ْن َي ْب ُل ُغ ِإلى َك ْع ِب ِه‪َ ،‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْب ُل ُغ ِإلى َس َاق ْي ِه‪َ ،‬و ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْب ُل ُغ ِإلى َو َس ِط ِه‪َ ،‬و ِم ْن ُه ْم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َم ْن ُيل ِج ُم ُه ال َع َر ُق» ‪.‬‬

‫يغرقون فيها على قدر خطاياهم‬ ‫نعم هذا الذي يتكل على حسن الظن هل تامل في قول النبي ﷺ‬
‫اليس في هذا داعي لالنتباه واليقضة والحذر من الخطايا ؟!!‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫الشمس تدنو قدر ميل تكون قريبة ويزاد في حرها وليس في ذلك ظل في ذلك اليوم ظل إْل من يظلهم‬
‫هللا سبحانه وتعالى في ظله يوم ْل ظل إْل ظله ‪-‬وهم اهل الصالح‪ -‬وذكرت اعمالهم الصالحة التي‬
‫استحقو بها ذلك فيجب على من تغالطه نفسه ان ينتبه لمثل هذه اْلحاديث وان يعد لمثل هذه‬
‫اْلحوال عدتها ‪.‬‬

‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫اس َع ِن هالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ك ْي َف َا ْن َع ُم َو َص ِاح ُب ال َق ْر ِن َق ِد ال َت َق َم ال َق ْر َن؟ َو َح َنى َج ْب َه َت ُه‬ ‫ٍ‬ ‫َو ِف ِيه َع ِن ْاب ِن َع هب‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َي ْس َم ُع َم َتى ُي ْؤ َم ُر َف َي ْن ُف ُخ‪َ ،‬ف َق َال َا ْص َح ُاب ُه‪َ :‬ك ْي َف َن ُق ُول؟ َق َال‪ُ :‬ق ُولوا‪َ :‬ح ْس ُب َنا ه ُ‬
‫َّللا َو ِن ْع َم ال َو ِكيل‪َ ،‬على ه ِ‬
‫َّللا‬
‫ْ‬
‫َت َو هكل َنا» ‪.‬‬

‫يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬كيف انعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا جبهته يستمع متى يؤمر؟‪:‬‬
‫الصو ِر َف َص ِع َق َمن ِفي‬
‫يعني متى يؤمر بالنفخ في الصور فتنتهي الدنيا كلها في هذه النفخة *« َو ُن ِف َخ ِفي ُّ‬
‫َّللا ۖ ُث هم ُنف َخ فيه ُا ْخ َرى َفإ َذا ُه ْم ق َي ٌام َي ُ‬ ‫َْْ ه‬
‫نظ ُرو َن»*‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِإْل َمن َش َاء ه ُ ِ ِ ِ‬ ‫الس َم َاو ِ َ َ‬
‫ات ومن ِفي اْلر ِ‬ ‫ه‬
‫حيا على وجه اْلرض وبها تنتهي هذه الحياة وتبدا‬ ‫فهذه النفخة التي يترتب عليه صعق كل من كان ً‬
‫الحياة اْلخروية‪ ,‬فيقول عليه الصالة والسالم‪ :‬كيف انعم وصاحب القرن قد إلتقم القرن ؟!‬
‫الحاصل ان مثل هذه اْلحاديث ينبغي ان يحضرها العبد في ذهنه‪ ,‬حتى تكون موقظة له بالبعد عن‬
‫اْلسراف على نفسه بالمعاصي والذنوب ‪{*,‬قالوا ‪:‬كيف نقول يارسول هللا؟ قال‪ :‬قولوا حسبنا هللا ونعم‬
‫جدا وهي كلمة توكل وإلتجاء وتفويض إلى هللا سبحانه وتعالى يحسن ان‬ ‫الوكيل }* وهذه كلمة عظيمة ً‬
‫يقولها المسلم في دفع ما يخاف من اهوال او شدائد او كربات‪ ,‬وان يقولها ايض ًا في جلب ما يطلب من‬
‫مصالح ومقاصد حسنة طيبة ‪,‬وك ثير من الناس يظن انها تقال فقط في مقام دفع المكروه ‪.‬وهي تقال في‬
‫مقام دفع المكروه‪ ,‬وجلب المصالح والمنافع‪ .‬ولهذا شرع لنا في كل مرة نخرج فيها من البيت ان‬
‫نقول‪ ":‬بسم هللا توكلنا على هللا ْل حول وْل قوة إْل باهلل "‪:‬نستعين باهلل ونلتجا إليه سبحانه وتعالى‬
‫ونفوض امورنا إليه جل وعال ‪,‬‬
‫ومن الشواهد على ان هذه الكلمة تقال في باب طلب النعماء‪ ,‬وهذا ‪-‬كما ذكرت ‪-‬ك ثير من الناس يغفل‬
‫عنه من الشواهد انها تقال في مقام طلب النعماء قوله سبحانه وتعالى َو َل ْو َا هن ُه ْم َر ُضوا َما ا َت ُاه ُم ه ُ‬
‫َّللا‬
‫ُ َ‬ ‫َّللا َس ُي ْؤت َينا ه ُ َ‬ ‫ُ َُ‬
‫ون »*‬ ‫َّللا ِمن ف ْض ِل ِه َو َر ُسول ُه ِإ هنا ِإلى ه ِ‬
‫َّللا َر ِاغ ُب َ‬ ‫َو َر ُسول ُه َوقالوا َح ْس ُب َنا ه ُ ِ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫قالوا حسبنا هللا وفي هذا المقام مقام طلب النعماء ‪,‬وإما استعمالها في مقام دفع الضر والبالء ففي قوله‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اس َق ْد َج َم ُعوا ل ُك ْم َف ْاخ َش ْو ُه ْم َف َز َاد ُه ْم ِإ َيم ًانا َو َقالوا َح ْس ُب َنا‬ ‫اس ِإ هن هالن َ‬ ‫سبحانه وتعالى { هال ِذ َين َق َال َل ُه ُم هالن ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا َو ِن ْع َم ال َو ِك ُيل} »* وجمع المعنيان في اْلية التي في سورة الزمر قول هللا سبحانه وتعالى *« َول ِئن‬ ‫هُ‬
‫َّللا ِإ ْن َا َر َاد ِن َي ه ُ‬
‫َّللا ِب ُض ٍر‬ ‫ون من ُ‬ ‫ض َل َي ُق ُول هن ه‬
‫َّللا ۚ ُق ْل َا َف َ َرا ْي ُتم هما َت ْ‬ ‫الس َم َاوات َو ْ َ‬ ‫َس َا ْل َت ُهم هم ْن َخ َ‬
‫ون ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫اْل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ل‬
‫َّللا ۖ »* ‪ .‬اي في هذا وهذا‬ ‫ات َر ْح َم ِت ِه ۚ ُق ْل َح ْسب َي ُ‬
‫ه‬ ‫ات ُضر ِه َا ْو َا َر َاد ِني ب َر ْح َم ٍة َه ْل ُه هن ُم ْم ِس َك ُ‬ ‫َه ْل ُه هن َك ِاش َف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في باب الرحمة وفي باب دفع الضر وقل حسبي هللا ‪ :‬اي في هذا وفي هذا في باب طلب الرحمة وفي‬
‫باب دفع الضر والشدة ‪.‬‬

‫َو ِفي ْال ُم ْس َن ِد َا ْي ًضا َعن ْابن ُع َم َر َي ْر َف ُع ُه‪َ « :‬م ْن َت َع هظ َم ِفي َن ْف ِس ِه‪َ ،‬او ْاخ َت َال ِفي ِم ْش َي ِت ِه‪َ ،‬ل ِق َي ه َ‬
‫َّللا َو ُه َو َع َل ْي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َغ ْض َب ٌان» ‪.‬‬

‫نعم هذه فيها عقوبات المتكبرين المختالين المتعظمين في انفسهم انه يلقى هللا سبحانه وتعالى وهو‬
‫عليه غضبان ‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪« :‬إ هن ْال ُم َصور َين ُي َع هذ ُب َ‬


‫ون َي ْو َم ال ِق َي َام ِة‪َ ،‬و ُي َق ُال ل ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ه‬ ‫ْ َ َ َ َ‬
‫الص ِحيح ْي ِن َعن ُه قال‪ :‬قال َر ُسول ِ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ‬ ‫َو ِفي ه‬ ‫َ‬
‫َا ْح ُيوا َما َخ َل ْق ُت ْم» ‪.‬‬

‫احيوا ما خلقتم يعني يؤمر بان ينفخ فيما خلق اي فيما صور‪,‬احيوا فيما خلقتم اي فيما صورتم انفخوا‬
‫فيه الروح ثم يعذبون بكل صورة صوروها في هذه الحياة الدنيا ‪,‬وجاء في عقوبات المصورين احاديث‬
‫ك ثيرة ً‬
‫جدا‪ ,‬جاء فيها احاديث ك ثيرة ووعيد ‪,‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض َع َل ْي ِه َم ْق َع ُد ُه ِبال َغ َد ِاة َوال َع ِش ِي‪ِ ،‬إ ْن َك َان‬ ‫ه َ ََُْ َ َ َ‬
‫ات ُعر َ‬ ‫َ َ َْ ً َ ْ ُ َ ه‬
‫و ِفي ِهما اي ْضا عنه ع ِن الن ِب ِي ْ‪ -‬ﷺ ‪ِ « :‬إن احدكم ِإذا م ِ‬
‫ِم ْن َا ْه ِل ال َج هن ِة َف ِم ْن َا ْه ِل ال َج هن ِة‪َ ،‬و ِإ ْن َك َان ِم ْن َا ْه ِل ال هن ِار َف ِم ْن َا ْه ِل هالن ِار‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪َ :‬ه َذا َم ْق َع ُد َك َح هتى‬
‫ْ‬
‫َّللا َع هز َو َج هل َي ْو َم ال ِق َي َام ِة» ‪.‬‬
‫َي ْب َع َث َك ه ُ‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫َو ِفي ِه َما َا ْي ًضا َع ْن ُه َعن هالن ِبي ‪ -‬ﷺ ‪ِ « -‬إ َذا َص َار َا ْه ُل ْال َج هن ِة ِفي ْال َج هن ِة‪َ ،‬و َا ْه ُل هالنار ِفي هالنار‪ِ ،‬ج َ‬
‫يء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود َف َال َم ْو ٌت‪َ ،‬و َيا َا ْهلَ‬‫ب ْال َم ْوت َح هتى ُي َوق َف َب ْي َن ْال َج هنة َو هالنار‪ُ ،‬ث هم ُي ْذ َب َح‪ُ ،‬ث هم ُي َنادي ُم َناد‪َ :‬يا َا ْه َل ْال َج هنة ُخ ُل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هالن ِار ُخلود فال َم ْو ٌت‪ ،‬ف َيز َد ُاد ا ْهل ال َج هن ِة ف َر ًحا ِإلى ف َر ِح ِه ْم‪َ ،‬و َيز َد ُاد ا ْهل هالن ِار ُحزنا ِإلى ُح ِزن ِه ْم» ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬

‫نعم في هذا الحديث وهو في الصحيحين اخبر النبي عليه الصالة والسالم انه يجاء يوم القيامة بالموت‬
‫عندما يكون في اهل الجنة‪ -‬الذين اكرمهم هللا عز وجل بدخولها‪ -‬ويكون في النار اهلها الذين هم‬
‫خالدون فيها بعد إخراج عصاة الموحدين‪ ,‬يؤتى بالموت يوقف بين الجنة والنار‪ -‬يؤتى به حقيقة‪ -‬ثم‬
‫ينادى اهل الجنة يقال‪ :‬اتعرفون هذا‪ ,‬فيقولون‪ :‬نعم هذا الموت ‪,‬وينادى اهل النار ويقال‪ :‬اتعرفون‬
‫هذا؟ فيقال ‪:‬نعم هذا الموت ‪ .‬كيف عرفوه ؟؟‬
‫‪ْ-‬لنهم ذاقوه كل واحد منهم ذاقه‪ ,‬كل واحد منهم ذاق الموت عرفه بان ذاق الموت‪ ,‬فيعرفونه معرفة‬
‫جيدة بهذا الموت الذي ذاقوه‪ ,‬انتهت دنياهم وبدات اخرتهم إنتهت بهذا الموت دار العمل وبدا دار‬
‫الجزاء والحساب فيؤتى بهذا الموت ويجعل في مكان بين الجنة والنار ثم كما اخبر عليه الصالة‬
‫والسالم يذبح الموت ‪ ،‬الموت يذبح حقيقة كما اخبر نبينا عليه الصالة والسالم يذبح الموت ماذايعني‬
‫ذبح الموت ؟؟إذا ذبح الموت ماذا يعني؟؟؟‬
‫إطالقا واهل النار في النار خلود ابدي ْل‬ ‫ً‬ ‫‪-‬يعني ان اهل الجنة في الجنة خلود ابدي ‪ْ,‬ل يتطرقه موت‬
‫إطالقا ولهذا مر معنا في *« { َو َي َت َج هن ُب َها ْ َاْل ْش َقى هال ِذي َي ْص َلى هالن َار ْال ُك ْب َرى ُث هم َْل َي ُم ُ‬
‫وت ِف َيها‬ ‫يتطرقه موت ً‬
‫َ‬
‫َوْل َي ْح َي ى} »* ْل يموت ‪ :‬اي الموت ذبح انتهى‪ ,‬وْل يحي ى ‪ :‬اي ْل يحي ى حياة فيها راحة وفيها حياة بل‬
‫حياة فيها جحيم وعقاب ابدي مستمر ‪,‬هذا الحديث ْلجل توضيح مراد ابن القيم اؤكد على هذا المعنى‬
‫من سوق الحديث ‪,‬هذا الحديث عندما يقراه المرء ماذا يحدث في نفسه ؟عندما يقرا هذا الحديث‬
‫ويتامل في معناه ويتامل في ذلك اليوم ماذا يحدث في نفسه ؟؟‪ -‬يحدث خوف يحدث‪ ...‬وهذا هو‬
‫جدا في حياة المرء حتى تداوي ما عنده من‬‫المطلوب ‪-‬هذا هو المقصود ‪-‬هذه اْلحاديث هي مهمة ً‬
‫تفريط وتقصير وعدم استعداد لذلك اليوم العظيم ‪.‬‬

‫َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َى َ ْ ً َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ٌ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ ه ُ َ َ‬
‫َّللا ل ُه َصال ًة َم َاد َام‬ ‫و ِفي المسن ِد عنه قال‪« :‬م ِن اشتر ثوبا ِبعشر ِة در ِاهم ِفيها ِدرهم حرام لم يقب ِل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َع َل ْي ِه‪ُ »،‬ث هم َا ْد َخ َل ِإ ْص َب َع ْي ِه ِفي ُا ُذ َن ْي ِه ُث هم َق َال ُص هم َتا ِإ ْن ل ْم َا ُك ْن َس ِم ْع ُت هالن ِب هي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ي ُقول ُه‪*].‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫نعم هذا الحديث وبعده احاديث فيها ما يتعلق بعقوبات بعض المعاصي ْل تقبل له صالة فلعل يؤجل‬
‫هذا وما بعده وما في معناه إلى لقاءنا القادم ‪..‬‬
‫ً‬
‫وتوفيقا وان يصلح‬ ‫نسال هللا الكريم رب العرش العظيم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا ً‬
‫علما‬
‫ً‬
‫مستقيما‪,‬‬ ‫لنا شاننا كله وان ْل يكلنا إلى انفسنا طرفة عين وان يهدينا إليه صر ً‬
‫اطا‬
‫اشير إلى كالم سياتي ْلبن القيم رحمه هللا تعالى لكن جميل ان نستحضره مع كل حديث قراناه مع‬
‫هذه اْلحاديث يقول ابن القيم‪ :‬واْلحاديث في هذا الباب اضعاف اضعاف ما ذكرنا لما اورد اْلحاديث‬
‫قال في تمامها واْلحاديث في هذا الباب اضعاف اضعاف ما ذكرنا فال ينبغي لمن نصح نفسه ان يتعامى‬
‫عنها‪ ,‬ويرسل نفسه في المعاصي ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن هذا مراد ابن القيم من سوق هذه‬
‫اْلحاديث واحاديث الباب كما قال اضعاف اضعاف ما ذكر رحمه هللا تعالى ‪,‬ونسال هللا التوفيق‬
‫والمعونة والسداد ‪.‬‬
‫*اْلسئلة* جزاكم هللا خي ًرا وبارك هللا فيكم والهمكم هللا الصواب ووفقكم للحق نفعنا هللا بما سمعنا‬
‫وغفر هللا لنا ولكم وللمسلمين اجمعين ‪.‬‬
‫السؤال اْلول ‪ *:‬يقول السائل احسن هللا إليك ملك الموت هل هو واحد ام إنه إسم جنس فيكون عدد‬
‫من المالئكة ؟‬
‫*الجواب ‪ *:‬ملك الموت واحد *« ُق ْل َي َت َو هف ُاك ْم َم َل ُك ْال َم ْو ِت هال ِذي ُو ِك َل ب ُك ْم ُث هم إ َلى َرب ُك ْم ُت ْر َج ُع َ‬
‫ون »*‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ون »* فملك الموت واحد وله اعوان وما يذكر ان‬ ‫و في اْلية اْلخرى قال *« َت َو هف ْت ُه ُر ُس ُل َنا َو ُه ْم َْل ُي َفر ُط َ‬
‫ِ‬
‫إسمه عزرائيل الذي هو ملك الموت هذا جاء في بعض اْلسرائيليات ولم ياتي في اْلحاديث الصحيحة‬
‫يضا يحضر وفاة المؤمن مالئكة هم‬ ‫يعتمد عليها في هذا الباب فهو ملك وله اعوان من المالئكة ‪,‬وا ً‬
‫مالئكة الرحمة جاء وصفهم في حديث البراء بن عازب‪ ,‬ويحضر قبض روح الكافر مالئكة هم مالئكة‬
‫العذاب جاء وصفهم في حديث البراء ‪.‬‬
‫ً‬
‫صالحا؟‬ ‫*السؤال الثاني ‪ *:‬اثابكم هللا يقول هل يعذب الميت في قبره ببكاء اهله عليه وإن كان‬
‫*الجواب ‪ *:‬هذا جاء في الحديث ان الميت ليعذب ببكاء اهله ‪,‬والحديث ثبت عن نبينا ﷺ‬

‫وْلهل العلم في معنى هذا الحديث اقوال منها ‪:‬ان تعذيبه ببكاء اهله إن كان له يد في ذلك وهذا له‬
‫صور ً‬
‫مثال ‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫مثال بلده معروف بالبكاء والتسخط والجزع واْلعمال الجاهلية معروف في البلد ومعتاد‬ ‫‪ -‬ان يكون ً‬
‫عليها فلم ينههم عن ذلك ‪,‬ولهذا بعض السلف ومنهم بعض الصحابة في وصيته يحذر اهله من ذلك‪- .‬‬
‫ابرا إلى هللا‪ -‬يك تب في الوصية من كل صالقة وحالقة وشاقة‪ -‬يثبتها في الوصية‪ -‬فإذا كان مثل هذا او‬
‫يضا له يد في مثل هذا اْلمر او عرف عنه مثل ذلك فيمن مات من قرابته فتلقوا ذلك عنه او نحو‬ ‫كان ا ً‬
‫ذلك‪..‬‬
‫َ‬
‫‪ -‬اما ذنوبهم التي هي لهم وْل يد له فيها فإن هللا سبحانه وتعالى يقول *« { َوْل َت ِز ُر َو ِاز َر ٌة ِو ْز َر ُا ْخ َرى} »*‬

‫*السؤال الثالث ‪ *:‬يقول هل من السنة إلقاء موعظة للناس بعد دفن الميت وباستمرار بعد دفن كل‬
‫ميت ؟‬
‫ً‬
‫معتادا‬ ‫هذا السؤال بناه السائل على ما ورد في حديث البراء وحديث البراء ْل يدل على ان هذا اْلمر كان‬
‫وسنة ماضية في كل جنازة وإنما هذه تاخر اللحد وكان يعمل على التهيئة فاستغل عليه الصالة والسالم‬
‫هذه الفرصة فوعظهم وذكرهم ‪,‬فإذا كانت الموعظة لها مناسبة معينة او سبب معين او خطا معين‪,‬‬
‫فاحتاج إلى تنبيه فإنه يؤتى بها‪ ,‬اما ان تتخذ سنة ويداوم عليها مع كل جنازة نحو ذلك ‪,‬فهذا مما ْل‬
‫اصل له في هدي النبي الكريم عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫*السؤال الرابع ‪ *:‬يقول ما حكم من يتوب وبعد قليل يقع في نفس الذنب ؟‬
‫*الجواب ‪ -*:‬إذا كان يعلم ان له ً‬
‫ربا يغفر الذنب ويقبل التوب ويجاهد نفسه على التوبة ويتوب ثم تغلبه‬
‫نفسه‪ ,‬ثم يجاهد نفسه على التوبة‪ ,‬فهذا يرجى له خير ‪,‬وقد تقدم حديث في هذا المعنى‪,‬‬
‫نادما ً‬
‫منيبا إلى هللا عز‬ ‫‪ -‬لكن إذا كان ْل يبالي فهذا الذي على خطر لكن إذا كانت تغلبه نفسه ثم يرجع ً‬
‫باكيا على تفريطه وما حصل منه‪ ,‬ثم تحصل بعض اْلسباب التي تجره مرة اخرى إلى الذنب‬ ‫وجل تائب ًا ً‬
‫‪,‬ثم يبادر إلى التوبة فهذا يرجى له خير بإذن هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫*السؤال الخامس ‪ *:‬يقول ماهي الطريقة الصحيحة في الوقوف على القبر والدعاء للميت بالتثبيت‬
‫واْلستغفار له ؟‬
‫*الجواب‪ *:‬عند دفن الميت السنة إن‪ -‬يدعى له بالتثبيت‪ ,‬ومن المعلوم ان من على القبر هم عليه من‬
‫جهاته كلها هم على القبر ‪ ,‬فكل في مكانه وفي جهته يدعو بهذه الدعوة للميت وقد جاء في الحديث‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن‬

‫*{ سلوا هللا له التثبيت فإنه اْلن يسال }* يدعى له بالثبات يدعى له بالمغفرة‪ُ ,‬يسال هللا له ذلك يجتهد‬
‫له في الدعاء‪ ,‬لكن ْل يطيل المكث وما جاء عن عبد هللا بن عمر بن العاص انه قال*[ قدر نحر جزور ]*‬
‫يقول الشيخ بن باز رحمة هللا‪ :‬عليه هذا اجتهاد منه ‪,‬لكن ْل يعرف في السنة ان يمكث ً‬
‫طويال وإنما‬
‫يدعو له وبعض اهل العلم يقول الهدي في دعاء النبي ﷺ يدعو ً‬
‫ثالثا لكن يدعو له بما تيسر ثم‬
‫مكوثا ً‬
‫طويال ْلن هذا لم يعرف ولم ينقل عن النبي الكريم‬ ‫ينصرف‪ -,‬وْل يقيم إقامة طويلة او يمكث ً‬
‫صلوات هللا وسالمه وبركاته عليه ‪.‬‬
‫سبحانك هللا وبحمدك اشهد ان ْل إله إْل انت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫* اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه‬
‫اجمعين ‪ ..‬اما بعد ‪:‬‬
‫فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا تعالى في ك تابة الداء والدواء‬
‫َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ َى َ ْ ً َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ ٌ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ ه ُ َ َ‬
‫َّللا ل ُه َصال ًة َما َد َام‬ ‫* و ِفي المسن ِد عنه قال‪« :‬م ِن اشتر ثوبا ِبعشر ِة در ِاهم ِفيها ِدرهم حرام لم يقب ِل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َع َل ْي ِه‪ُ »،‬ث هم َا ْد َخ َل ِإ ْص َب َع ْي ِه ِفي ُا ُذ َن ْي ِه ُث هم َق َال ُص هم َتا ِإ ْن ل ْم َا ُك ْن َس ِم ْع ُت هالن ِب هي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ي ُقول ُه‪.‬‬
‫* بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ,‬الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له ُ‬
‫ولي المتقين‬
‫ً‬
‫محمدا عبده ورسوله صلى هللا وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين ‪..‬اما بعد ‪:‬‬ ‫واشهد ان‬
‫فال يزال اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى يسوق احاديث الوعيد في مقام بيانه رحمه هللا تعالى او‬
‫تحذيره مما يقع فيه بعض الناس من مغالطة النفسهم في إقامتهم على المعاصي وإسرافهم على‬
‫انفسهم بالذنوب وانهم يتك ئون في هذا على حسن الظن باهلل سبحانه وتعالى فيورد رحمه هللا تعالى‬
‫هذه االحاديث ‪ ،‬احاديث الوعيد ‪,‬واحاديث العقوبات المشتملة على الزواجر‪ ,‬وما عد هللا سبحانه‬
‫وتعالى الصحاب المعاصي وارباب الذنوب من عقوبات ان هذه يجب ان تكون على بال المسلم وان‬
‫تكون حاضرة في ذهنه ِلئال يعرض نفسه لسخط هللا سبحانه وتعالى وعقوبته جل وعال‪ ,‬فساق‬
‫احاديث ك ثيرة منها هذا الحديث في المسند ان النبي ﷺ قال ‪ {* :‬من اشترى ً‬
‫ثوبا بعشرة دراهم‬
‫فيها درهم حرام لم يقبل هللا له صالة ما دام عليه }* اي الثوب ‪.‬‬
‫والحديث من حيث اإلسناد غير ثابت الن مداره على رجل ُيقال له هاشم االقوص وهو كما قال‬
‫اإلمام البخاري رحمه هللا غير ثقة فالحديث ضعيف اإلسناد غير ثابت عن نبينا الكريم عليه الصالة‬
‫قليال درهم او اقل من درهم او نحو ذلك هذا جاء فيه‬ ‫والسالم لكن خطورة المال الحرام وإن كان ً‬
‫احاديث ك ثيرة عن نبينا عليه الصالة والسالم تغني عن هذا الحديث الضعيف مثل ما في صحيح‬
‫مسلم ان النبي ﷺ قال*{ من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه اوجب هللا له النار قالوا يا رسول‬
‫ً‬
‫شيئ يسي ًرا قال ولو كان ً‬
‫قضيبا من اراك }* لو كان عود ِمسواك فكيف باشياء كبيرة‬ ‫هللا ولو كان‬
‫شبر بغير حق طوقه يوم‬ ‫قيد‬ ‫اقطع‬ ‫من‬ ‫يقتطعها اإلنسان بحق وسياتي معنا عند المصنف ً‬
‫قريبا‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫شيئ يسيراً‬ ‫القيامة من سبعة اراضين وفي بعض اال لفاظ ُخسف به سبعة اراضين فحتى لو كان االمر‬
‫او ً‬
‫قليال فإن الظلم ظلمات والحقوق مؤداة يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫َ َ َ ْ ََ َ هَ‬
‫الصال َة ُس ْك ًرا َم هر ًة َو ِاح َد ًة َف َك َا هن َما‬ ‫َّللا ا ْب ِن َع ْم ٍرو َع ِن هالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال‪« :‬من ترك‬ ‫* َو ِف ِيه َع ْن َع ْب ِد ه ِ‬
‫َّللا َا ْن َي ْس ِق َي ُه‬ ‫َ‬ ‫َك َان ْت َل ُه ُّالد ْن َيا َو َما َع َل ْي َها َف ُسل َب َها‪َ ،‬و َم ْن َت َر َك ه َ ْ َ‬
‫ات َك َان َح ًّقا َعلى ه ِ‬ ‫الصال َة ُسك ًرا ا ْر َب َع َم هر ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬
‫َّللا؟ قال‪ُ :‬ع َص َارة ا ْه ِل َج َه هن َم»‬ ‫ِط َين َة ال َخ َب ِال‪ِ ،‬قيل‪َ :‬و َما ِط َين ُة الخ َب ِال َيا َر ُسول ه ِ‬
‫َ‬

‫بالس ُكر والسكر افة عظيمة وشر مستطير ومضاره‬ ‫ثم اورد رحمه هللا تعالى هذا الحديث فيما يتعلق ُ‬
‫على من يفعله مضار عظيمة ‪ ،‬بل جاء وصفه بانه ام الخبائث النه ِجماع الشرور‪ ،‬ومفتاح البوابها‬
‫وهذا الحديث شاهد على هذا المعنى ان الخمر ام الشرور والخبائث‪ ,‬قال‪[*:‬من ترك الصالة ُسك ًرا‬
‫مرة واحدة ]* ‪ :‬هذا يفيد ماذا ؟؟‬
‫للسكر الذي هو فيه‬ ‫‪-‬ان من افات الخمر انه قد يفوت بسببه الصالة قد يفوت الفرض والفرضين ُ‬
‫جدا ومن‬ ‫السكر يترتب عليه تعطيل الواجبات وفعل المحرمات ‪,‬فهو جماع الشرور وافة عظيمة ً‬ ‫ف ُ‬
‫ُب َلي به والعياذ باهلل فتح على نفسه ش ًرا ً‬
‫عظيما ‪.‬‬
‫فسلبها ]*هذه خسارة‬ ‫قال‪ [*:‬من ترك الصالة ُسك ًرا مرة واحدة فكانما كانت له الدنيا وما عليها ُ‬
‫جدا‪ ,‬هذه يتصورها الك ثير من الناس فيما يتعلق ُبمتع الدنيا مثل لو شخص من االثرياء‬ ‫فادحة ً‬
‫اصبح وليس عنده من ماله وماله ال يساوي الدنيا كلها جزء يسير منها اصبح وال يملك منه شيء‬
‫يتالم الناس له ويعتبرونها في حقه فاجعة عظيمة‪.‬‬
‫جزءا يسي ًرا منها _ فكانما كانت‬
‫*[ من ترك الصالة ُسك ًرا مرة واحدة فكانما كانت له الدنيا _ ليس ً‬
‫له الدنيا وما عليها فسلبها]*‬
‫وهذا يبين لنا ان الصالة خير من الدنيا وما فيها انظر إلى قول النبي ﷺ في نافلة الفجر قال‪:‬‬
‫*{هي خير من الدنيا وما فيها }*‬
‫ِذكر هللا خير من الدنيا وما فيها لئن اقول سبحان هللا والحمد وال إله إال هللا وهللا اكبر احب إلي مما‬
‫طلعت عليه الشمس يعني احب اليه من الدنيا وما فيها ‪،‬‬
‫فسلبها ومن ترك الصالة ُسك ًرا‬
‫*{ فمن ترك الصالة ُسك ًرا مرة واحدة فكانما كانت له الدنيا وما عليها ُ‬
‫حقا على هللا ان يسقيه طينة الخبال قيل وما طينة الخبال يا رسول هللا؟ قال‬ ‫اربع مرات كان ً‬
‫عصارة اهل جهنم}*والخبال اصله الفساد فالعصارة الفاسدة المنتنة الخبيثة ُيسقى منها يوم القيامة‬
‫جز ًاءا ً‬
‫وفاقا والجزاء من جنس العمل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫اب ه ُ‬
‫َّللا‬ ‫اب َت َ‬‫ين َص َب ًاحا‪َ ،‬فِإ ْن َت َ‬ ‫قال َو ِف ِيه َا ْي ًضا َع ْن ُه َم ْر ُف ًوعا « َم ْن َشر َب ْال َخ ْم َر َم هر ًة َل ْم ي ْق َب ْل َل ُه َص َال ٌة َا ْر َب ِع َ‬
‫ِ‬
‫َّللا َع َل ْيه‪َ ،‬ف َال َا ْدري في هالثال َثة ا ْوَ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َص َب ًاحا‪ ،‬فِإ ْن ت َ‬ ‫َّللا َل ُه َص َالة ا ْر َب ِع َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َع َل ْي ِه‪َ ،‬فِإ ْن َع َاد َل ْم َي ْق َبل ه ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫اب ُ ِ‬ ‫اب ت َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َّللا ا ْن َي ْس ِق َي ُه ِم ْن َردغ ِة الخ َب ِال َي ْو َم ال ِق َي َام ِة‪. ».‬‬ ‫ِفي هالرا ِب َع ِة قال‪ :‬فِإ ْن َع َاد ك َان َحقا َعلى ه ِ‬

‫يضا يتعلق بالخمر هذه االفة الخبيثة التي يترتب عليها من الشرور الشيء الك ثير يقول عليه‬ ‫* وهذا ا ً‬
‫ً‬
‫صباحا }*اي‬ ‫الصالة والسالم في الوعيد على شربها *{ من شرب الخمر مرة لم ُتقبل له صالة اربعين‬
‫يوما‪ ،‬وليس معنى ذلك ان هذه المدة االربعين تسقط عنه الصالة بل هي باقية واجبة عليه‬ ‫اربعين ً‬
‫وال تبرا ذمته إال ان يؤديها‪ ,‬وليس معنى انه ال تقبل صالته اي انه إذا صلى في هذه االربعين تكون‬
‫صالته غير صحيحة ؛صالته صحيحة مجزئة لكن ال ُيثاب عليها صالته صحيحة وتبرا الذمة ‪,‬ولو‬
‫تركها في هذه المدة وقال انها غير مقبولة ًإذا اتركها فاإلثم يتضاعف والعقوبة اعظم الن ترك الصالة‬
‫عمدا ك ٌفر؛*{ العهد الذي بيننا وبينهم الصالة فمن تركها فقد ك فر}* فهو يلزمه ان يصلي ويواظب‬ ‫ً‬
‫على الصالة ويعتني بها لكن ال ُيثاب عليها عقوبة له ال ُيثاب عليها في تلك المدة مدة االربعين *{من‬
‫صباحا فإن تاب تاب هللا عليه}* وهذا فيه ان باب التوبة‬ ‫ً‬ ‫شرب الخمر مرة لم ُتقبل له صالة اربعين‬
‫دائما وان هللا يقبل التوبة من شرب‬ ‫مفتوح وان العاصي ُالمسرف يجب عليه ان يستحضر هذا ً‬
‫ه‬
‫الخمر ومن اي ذنب كما قال هللا سبحانه وتعالى ‪ُ :‬ق ْل َيا ِع َب ِاد َي ال ِذ َين َا ْس َر ُفوا َع َلى َا ْن ُف ِس ِه ْم ال َت ْق َن ُطوا‬
‫ْ‬ ‫َّللا َي ْغ ِف ُر ُّالذ ُن َ‬
‫وب َج ِم ًيعا ِإ هن ُه ُه َو ال َغ ُفو ُر هالر ِح ُيم »* من تاب تاب هللا‬ ‫َّللا »* اي توبوا *« ِإ هن ه َ‬
‫ِم ْن َر ْح َم ِة ه ِ‬
‫صباحا فإن تاب تاب هللا عليه‬ ‫ً‬ ‫عليه فإذا تاب تاب هللا عليه *{فإن عاد لن يقبل هللا له صالة اربعين‬
‫حقا على هللا ان يسقية من ردغة الخبال يوم‬ ‫فال ادري في الثالثة او في الرابعة قال فإن عاد كان ً‬
‫القيامة }* ومر معنا معنى ذلك في الحديث الذي قبله ‪.‬نعم‬
‫ْ‬
‫ات ُم ْد ِم ًنا ِلل َخ ْم ِر َس َق ُاه‬ ‫ُ‬ ‫َوفي ْال ُم ْس َند َا ْي ًضا م ْن َحديث َابي ُم َ َ َ َ َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ « :‬م ْن َم َ‬ ‫وسى قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ات‪ُ ،‬ي ْؤ ِذي ا ْهل هالن ِار‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هُ َ‬
‫َّللا ِم ْن ن ْه ِر ال ُغوط ِة‪ِ ،‬قيل‪َ :‬و َما ن ْه ُر ال ُغوط ِة؟ قال ن ْه ٌر َي ْج ِري ِم ْن ف ُرو ِج ال ُم ِوم َس ِ‬
‫ِر ُيح ُف ُرو ِج ِه هن» ‪.‬‬

‫ﷺ‬
‫ثم ذكر هذا الحديث الثالث ا ً‬
‫يضا فيما يتعلق بالخمر والعقوبات التي عليها ان النبي‬
‫يضا مشكلة في الخمر ان من دخل فيها شرب مرة او مرتين‬‫مدمنا للخمر }*هنا ا ً‬
‫قال‪ {*:‬من مات ً‬
‫جدا ومضرة‬ ‫يستدرجه هذا االمر إلى ان يدخل في ما يسمى اإلدمان واإلدمان ا ً‬
‫يضا افة خطيرة ً‬
‫جسيمة على العبد*{فمن مات ً‬
‫مدمنا للخمر سقاه هللا من نهر الغوطة قيل وما نهر الغوطة؟ قال‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫نهر يجري من فروج المومسات يؤذي اهل النار ريح فروجهن }*إذا كان يؤذي اهل النار ريح‬
‫فروجهن فكيف بمن يشرب هذا السائل ِ‬
‫النتن الخبيث المؤذي يشربه ‪ ،‬سقاه هللا يوم القيامة‬
‫من نهر الغوطة ‪,‬نهر الغوطة هذا الذي يخرج من فروج المومسات ‪.‬‬
‫ً‬
‫وموقظا كبي ًرا للمرء ان يتجنب هذه االفة‬ ‫ً‬
‫عظيما‬ ‫والعاقل عندما يتامل في مثل هذا يجد فيه ر ً‬
‫ادعا‬
‫فمع قراءة هذه االحاديث الثالثة ولها نظائر في السنة ك ثيرة ايليق بعاقل ناصح لنفسه ان ُيهمل هذه‬
‫االحاديث ويستمر في شرب الخمر ويقول انا احسن الظن باهلل ان ال يعذبني ؟!‬
‫هذا مقصود ابن القيم بإراده مثل هذه االحاديث ولو ُا ِعم َل هذا الفهم الذي يفهمه بعض الناس‬
‫لعطلت جميع احاديث الوعيد ولم يصبح لها معنى ‪-‬لم يصبح لها اي معنى‪ -‬ولم يصبح لها اي اثر‬
‫فهذه االحاديث زاجرة وهي عقوبات اعدها هللا سبحانه وتعالى ‪,‬انظر الجملة التي وردت في هذا‬
‫خذا ً‬
‫قويا وفيه‬ ‫الحديث قال *{ إال كان ً‬
‫حقا على هللا ان يسقيه }* هذا الوعيد ياخذ بقلوب العقالء ما ً‬
‫من الزجر والردع ما ال يخفى‪ .‬نعم‬

‫ُْ َ ُ ه ُ َْ َ ْ َ َ ََ‬
‫ات‪َ ،‬ف َا هما َع ْر َض َت ِان‬‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ث‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪« :‬يعرض الناس يوم ال ِقيام ِة ث‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َو ِف ِيه ا ْي ًضا َع ْن ُه قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َف ِج َد ٌال َو َم َع ِاذ ُير‪َ ،‬و َا هما هالثا ِل َث ُة َف ِع ْن َد َذ ِل َك َت ِط ُير ُّ‬
‫الص ُح ُف ِفي َاال ْي ِدي‪َ ،‬فا ِخذ ِب َي ِم ِين ِه‪ْ ،‬وا ِخذ ِب ِش َما ِل ِه» ‪.‬‬

‫* ثم اورد رحمه هللا هذا الحديث ان النبي ﷺ قال‪ {*:‬يعرض الناس يوم القيامة ثالث عرضات‬
‫يضا يبدي المعاذير‬ ‫فاما عرضتان فجدال ومعاذير }*جدال اي المذنب العاصي يجادل عن نفسه وا ً‬
‫وعرضة معاذير يعني لكن ليس‬ ‫ٌ‬ ‫عن ذنوبه وعما وقع فيه من اخطاء فجدال ومعاذير عرضة جدال‬
‫هذا لكل احد هذا ليس لكل احد ولهذا تقرا في سورة ُالمرسالت يقول هللا سبحانه وتعالى*« ََٰه َذا َي ْو ُم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َال َي ِنط ُق َ‬
‫ون (‪َ )35‬وال ُي ْؤ َذ ُن ل ُه ْم َف َي ْع َت ِذ ُرو َن (‪*» 36‬هذا ليس لكل احد وإنما لبعض المذنبين او ِصنف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من المذنبين وإال هناك منهم من شانهم كما قال هللا َوال ُي ْؤ َذ ُن ل ُه ْم َف َي ْع َت ِذ ُرو َن»*‬
‫قال‪ :‬واما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في االيدي فاخذ بيمينه او اخذ بشماله وفي سورة الحاقة‬
‫وفي سورة الحاقة واإلنشقاق ذكر ما يترتب على هذا وعن هذا ‪.‬نعم‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫ات‬‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال‪ِ « :‬إ هياك ْم َو ُم َحق َر ِ‬ ‫يث ْاب ِن َم ْس ُع ٍود ا هن َر ُسول ه ِ‬ ‫َو ِفي ال ُم ْس َن ِد ا ْي ًضا ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّالذ ُن َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬م َثال‪َ ،‬ك َم َث ِل‬ ‫وب‪ :‬فِإ هن ُه هن َي ْج َت ِم ْع َن َعلى هالر ُج ِل َح هتى ُي ْه ِلك َن ُه‪َ ،‬و َض َر َب ل ُه هن َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يء ِبال ُع ِود‪َ ،‬و هالر ُجل َي ِج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ض فال ٍة ف َح َض َر َص ِن ُيع الق ْو ِم‪ ،‬ف َج َعل هالر ُجل َي ْنط ِل ُق ف َي ِج ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َق ْو ٍم َن َزلوا ا ْر َ‬
‫يء‬
‫ْ‬
‫ِبال ُع ِود‪َ ،‬ح هتى َج َم ُعوا َس َو ًادا َو َا هج ُجوا َن ًارا‪َ ،‬و َا ْن َض ُجوا َما َق َذ ُفوا ِف َيها» ‪.‬‬

‫جدا في بيان خطورة الصغائر والذنوب التي ال يراها اإلنسان شيء‬ ‫* ثم اورد هذا الحديث العظيم ً‬
‫ً‬
‫ويقول هذه تافهة او يسيرة او ليست بشيء محقرات الذنوب اي التي يتحاقرها اإلنسان ال يراها شيئ‬
‫وك ثير من الذنوب سبحان هللا بعض الكبائر اصبحت محقرات عند بعض الناس فالحاصل ان‬
‫شيئ النبي ﷺ ضرب ً‬ ‫ً‬
‫مثال بعد ان حذر‬ ‫محقرات الذنوب يعني الذنوب الصغيرة التي ال يراها فاعلها‬
‫ناصحا عليه الصالة والسالم من محقرات الذنوب قال إياكم ومحقرات الذنوب اي احذروها‬ ‫ً‬ ‫امته‬
‫واتقوها تجنبوها ادركوا خطورتها *{إياكم ومحقرات فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه}* هذه‬
‫وماض على تلك الطريقة حتى تجتمع‬ ‫واحدة وهذه اخرى وهذه ثالثة وهذه رابعة محقرات محقرات ِ‬
‫عجيبا يوضح لنا ذلك وضرب‬ ‫مثال ً‬ ‫عليه هذه المحقرات فتهلكه والعياذ باهلل وضرب لنا النبي ﷺ ً‬
‫مثال*{ كمثل قوم نزلوا ارض فالة فحضر صنيع القوم }* يعني صنيعهم الطعام‬ ‫لهن رسول هللا ﷺ ً‬
‫واحدا صغي ًرا‬ ‫عودا ً‬ ‫إعدادا معهم العجين معهم الماء لكن يحتاجوا النار ُتنضج الطعام لو اخذوا ً‬ ‫ً‬
‫ووضعوه تحت ِالقدر ا ُينضج طعامهم ؟‬
‫ً‬
‫‪-‬ما يصنع شيئ ‪,‬فلو جاء واحد منهم بعود واحد واشعله ووضعه تحت القدر من اجل ان ينضج‬
‫الطعام اي شيء يقول له اصحابه؟ ‪ُ -‬يحقر امره‪ ,‬يقال ماذا يصنع ؟ ‪-‬هذا ما يفيد شي! وال يوقد‪.‬‬
‫يضا ما ينضج رابع ما ينضج الطعام لكن يقول*{فجعل‬ ‫يضا ما ينضج ثالث ا ً‬
‫ولو جاء معهم بثاني ا ً‬
‫الرجل ينطلق فيجيب العود والرجل يجيب العود حتى جمعوا سوادا }* كمية كبيرة *{واججوا‬
‫نارا}*فانضجوا ما قذفوا فيها حينئذ تنضج ‪,‬هذا مثال سبحان هللا عجيب ً‬
‫جدا ‪,‬ان المحقرات في‬
‫النظرة االولى الوهلة االولى لها يراها اإلنسان ليست بشيء مثل هؤالء الذين يصنعون الطعام‪,‬‬
‫ولنستحضر المثال ً‬
‫جيدا فإنه نافع من الناصح االمين عليه الصالة والسالم‪,‬‬
‫شخصا وهم في البرية يصنعون طعام وعندهم القدر وفيه اللحم وفيه االشياء االخرى‬‫ً‬ ‫يعني لو ان‬
‫وذهب واحد وجاب عود صغير ووضعه واشعله تحت القدر وقال انتظروا االن ينضج الطعام‬
‫يحقرون عمله ما هذا ؟؟!! ‪-‬هذا ليس بشيء‪ ,‬وجاء بعود تاني ‪ ..‬يحقرون عمله ‪,‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫هذا مثال عجيب سبحان هللا ‪,‬من ينظر حال الناس مع ذنوب هم كشان هؤالء كما في هذا المثل‬
‫فإذا جاء ذنب واخر وثالث ورابع وخامس إلى ان يكون سواد من الذنوب وال يدري كم هذه الذنوب‬
‫ً‬
‫ناصحا عليه الصالة والسالم *{إياكم‬ ‫التي تراكبت تراكمت مع مر الليالي وكر االيام ولهذا قال‬
‫ومحقرات الذنوب }* اي احذروها ‪,‬هذا الحديث االن مع اولئك الذين يتك ئون على حسن الظن اي‬
‫شيء يكون هذا الحديث وهم فيه من هو منغمس في الكبائر ً‬
‫متكال على حسن الظن‪ .‬نعم‬
‫ْ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ُ « :‬ي ْض َر ُب ال ِج ْس ُر َع َلى َج َه هن َم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يث ا ِبي ُه َر ْي َر َة قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬
‫الصحيح م ْن َحد َ‬
‫قال َو ِفي ه ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫يب ِم ْث ُل َش ْو ِك‬ ‫ون َا هو َل َم ْن َي ُجو ُز‪َ ،‬و َد ْع َوى ُّالر ُسل َي ْو َم ِئ ٍذ‪ ،‬هالل ُه هم َس ِل ْم َس ِل ْم‪َ ،‬و َع َلى َح هاف َت ْي ِه َك َال ِل ُ‬ ‫َف َا ُك ُ‬
‫ِ‬
‫اس ب َا ْع َماله ْم‪َ ،‬فم ْن ُه ُم ْال ُم َوث ُق ب َع َمله‪َ ،‬وم ْن ُه ُم ْال ُم َج ْر َد ُل‪ُ ،‬ث هم َي ْن ُجو‪َ ،‬ح هتى إ َذا َف َرغَ‬ ‫هَْ َ ْ َ ُ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫السعد ِان‪ ،‬تخطف الن َ ِ ِ ِ ِ‬
‫َ َ ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللا ِم َن ال َق َض ِاء َب ْي َن ال ِع َب ِاد‪َ ،‬و َا َر َاد َا ْن ُي ْخ ِر َج ِم َن هالن ِار َم ْن َا َر َاد َا ْن َي ْر َح َم ِم هم ْن َك َان َي ْش َه ُد َا ْن ال ِإل َه ِإال‬ ‫هُ‬
‫َّللا َع َلى هالن ِار َا ْن َت ْا ُك َل ِم ِن‬ ‫الس ُج ِود‪َ ،‬و َح هر َم ه ُ‬ ‫َّللا‪َ ،‬ا َم َر ْال َم َال ِئ َك َة َا ْن ُي ْخر ُج ُ‬
‫وه ْم‪َ ،‬ف َي ْع ِر ُف َون ُه ْم ِب َع َال َم ِة ا َث ِار ُّ‬ ‫هُ‬
‫ِ‬
‫ون‬‫الس ُج ِود‪َ ،‬ف ُي ْخر ُج َون ُه ْم َق ِد ْام ُت ِح ُشوا َف ُي َص ُّب َع َل ْيه ْم ِم ْن َم ٍاء ُي َق ُال َل ُه َم ُاء ْال َح َي ِاة‪َ ،‬ف َي ْن ُب ُت َ‬ ‫ُّ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ْابن ا َد َم َا َ‬
‫ث‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السي ِل» ‪.‬‬ ‫يل ه‬ ‫ن َبات الحب ِة ِفي ح ِم ِ‬
‫* قال رحمه هللا‪ :‬هذا الحديث عن ابي هريرة رضي هللا عنه ان النبي ﷺ قال‪{*:‬يضرب الجسر على‬
‫جهنم }* يضرب اي ينصب وجاء في بعض النصوص وصفه بانه احد من الشعر وادق من السيف‬
‫ويؤمر الناس بالمرور والعبور من فوق هذا الصراط والنار من تحت المار على هذا الصراط قال هللا‬
‫ه‬ ‫ه‬
‫تعالى *« َو ِإن ِم ُنك ْم ِإال َو ِار ُد َها ۚ َك َان َع َل َٰى َر ِب َك َح ْت ًما هم ْق ِض ًّيا "‪ُ ".‬ث هم ُن َن ِجي ال ِذ َين هات َقوا ‪ ..‬نسال هللا من‬
‫هََ ه‬
‫الظا ِلم َ‬
‫حد من هذا العبور على يقين لثبوته لكن النجاة هو في شك‬ ‫ين ِف َيها ِج ِث ًّيا »* كل ا ٍ‬ ‫فضله ونذ ُر ِ‬
‫منها ولهذا يجب ان ُي ِعد لهذا اليوم عدته وان ُيصلح عمله الن العبور على الصراط الذي ُينصب على‬
‫متن جهنم يوم القيامة هو بحسب سير اإلنسان في الصراط المستقيم الذي في الدنيا *« َو َا هن َه َذا‬
‫ِص َر ِاطي ُم ْس َت ِق ًيما َف هات ِب ُع ُوه »* كل ما كان المرء اتبع للصراط المستقيم في الدنيا كان هذا انفع له في‬
‫العبور على الصراط الذي على متن جهنم يوم القيامة وإذا تخطفت المرء االهواء والشبهات‬
‫والضالالت واخرجته عن الصراط المستقيم في الدنيا تخطفته يوم القيامة الكالليب التي على جنبي‬
‫الصراط يوم القيامة فهناك كالليب كما اخبر النبي ﷺ لماذا تخطف الناس؟ لماذا تخطف ِفئم او‬
‫ً‬
‫سقوطا‬ ‫فئت من الناس؟‪ -‬قال تخطف الناس باعمالهم‪ -‬اي السيئة اعمالهم الرديئة ‪-‬التي اوجبت‬
‫وهويا ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬في نار جهنم‪ ,‬فاكون اول من يجوز اي يعبر ودعوة الرسل يومئذ اللهم سلم‬ ‫ً‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫السعدان تخطف الناس باعمالهم‬


‫سلم وهذه شفاعة ‪ ,‬وعلى حافتيه اي الصراط كالليب مثل شوك ِ‬
‫اي اعمالهم السيئة التي توجب هالكهم‪ -‬والعياذ باهلل ‪-‬‬
‫فمنهم الموبق بعمله ‪ :‬اي ُالمهلك ‪.‬‬
‫ومنهم ُالمخردل ‪ :‬اي المقطع تقطعه هذه ‪.‬‬
‫ثم ينجو حتى إذا فرغ هللا من القضاء بين العباد واراد ان يخرج من النار من اراد ان يرحمهم من هم‬
‫هؤالء ؟من هم ؟ ‪-‬عصاة الموحدين الذين عندهم ذنوب اوجبت لهم السقوط في النار فإذا اراد ان‬
‫يخرجهم سبحانه وتعالى من اراد ان يرحم مما كان يشهد ان ال إله إال هللا ‪ :‬الحظ هؤالء الذين في‬
‫النار يشهدون ان ال إله إال هللا ويصلون ولهذا النار ال تاكل مواضع السجود منهم يشهدون ان ال إله‬
‫إال هللا ويصلون لكن عندهم ذنوب اوبقتهم اهلك تهم فدخلوا بسببها في النار ‪.‬‬
‫امر المالئكة ان يخرجوهم ‪ :‬فيعرفونهم بعالمة اثار السجود وحرم هللا على النار ان تاكل من ابن‬
‫صب عليهم من ماء يقال له‬‫ادم اثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا ‪-‬اي محشتهم النار‪ -‬احرقتهم ُفي ُ‬
‫الحبة في حميل السيل ‪ :‬هؤالء ُيطرحون هؤالء يعني ُيخرجون من النار‬ ‫ماء الحياة فينبتون نبات ِ‬
‫فحما مثل قطع الفحم وتميتهم النار إماتة ُويخرجون من النار موتى احرقتهم‬‫وقد امتحشوا صاروا ً‬
‫النار واماتتهم وهذه اإلماتة عندما يريد هللا سبحانه وتعالى ان يخرجهم تميتهم النار إماتة فيخرجون‬
‫الحبة في حميل السيل ‪,‬الحبة في‬ ‫قطع من الفحم ويلقون في نهر الفردوس فيحيون بماءه كما تنبت ِ‬
‫حميل السيل ‪ :‬السيل عندما ياتي في الوادي يحمل البذور التي في الوادي على متنه ثم ُيلقيها على‬
‫جنبتيه فتنبت على جنبتي الوادي بماء السيل ‪.‬‬
‫هؤالء مثل هذا الذي ينبت على جانب الوادي من ماء الوادي هؤالء يحيون بماءه قال عليه الصالة‬
‫الحبة في حميل السيل اال ترونها تخرج صفراء ملتوية" يعني هؤالء‬ ‫والسالم ‪":‬ينبتون كما تنبت ِ‬
‫يوجد في القلب‬‫يحيون مثل هذه النباتات التي تحيا بماء السيل‪ ,‬هؤالء عصاة الموحدين فمثل هذا ِ‬
‫اجرا من الذنوب حتى ال يكون من هؤالء الذين تصيبهم النار ولو للحظة الن انعم اهل الدنيا‬ ‫ر ً‬
‫ادعا ز ً‬
‫كما تقدم لو ُغمس في النار غمسة واحدة لقال ماذا ؟ ما رايت خي ًرا قط ‪,‬فال ُيفتن المرء بالدنيا‬
‫وزخرفها ومتعها ولهوها ال يفتن بذلك غمسة واحدة في النار تنسيه كل هذا ويقول ما رايت خي ًرا قط‬
‫وما مر بي ٌ‬
‫نعيم قط فال يغتر اإلنسان وال يفتن‪ .‬نعم‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫اس ُي ْق َضى ِف ِيه َي ْو َم‬ ‫َُ ُ ه َه َ ه‬


‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يقول‪ِ « :‬إن اول الن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َو ِفي َص ِح ِيح ُم ْس ِل ٍم َع ْن ُه قال َس ِم ْع ُت َر ُسول ه ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال ِق َي َام ِة َثال َث ٌة‪َ :‬ر ُج ٌل ْاس ُت ْش ِه َد‪َ ،‬ف ُا ِت َي ِب ِه َف َع هر َف ُه ِن َع َم ُه َف َع َر َف َها‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َع ِمل َت ِف َيها؟ َق َال‪َ :‬ق َاتل ُت‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يك َح هتى ُق ِتل ُت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ك َذ ْب َت‪َ ،‬ول ِك ْن َق َاتل َت ِل ُي َق َال‪ُ :‬ه َو َج ِر ٌئ‪َ ،‬ف َق ْد ِق َيل‪ُ ،‬ث هم ُا ِم َر ِب ِه َف ُس ِح َب َع َلى‬ ‫ِف َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َو ْج ِه ِه َح هتى ُال ِق َي ِفي هالن ِار‪َ ،‬و َر ُج ٌل َت َع هل َم ال ِعل َم َو َع هل َم ُه َو َق َ َرا ال ُق ْرا َن َف ُا ِت َي ِب ِه َف َع هر َف ُه ِن َع َم ُه َف َع َر َف َها َف َق َال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ه ْ ُ َ ْ ْ َ َ َ ه ْ ُ ُ َ َ َْ ُ َ ْ‬
‫يك ال ُق ْرا َن‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ك َذ ْب َت‪َ ،‬ول ِك هن َك‬ ‫ما ع ِملت ِفيها؟ قال تعلمت ِفيك ال ِعلم وعلمته‪ ،‬وقرات ِف‬
‫ْ‬
‫َت َع هل ْم َت ِل ُي َق َال‪ُ ،‬ه َو َعا ِل ٌم‪َ ،‬ف َق ْد ِق َيل‪َ ،‬و َق َ ْرا َت ال ُق ْرا َن ِل ُي َق َال‪ُ :‬ه َو َق ِار ٌئ َف َق ْد ِق َيل‪ُ ،‬ث هم ُا ِم َر ِب ِه َف ُس ِح َب‬
‫ْ‬ ‫َْ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫َّللا ُت َس هع ُر ِب ِه ُم هالن ُار َي ْو َم ال ِق َي َام ِة» ‪.‬‬‫َعلى َو ْج ِه ِه َح هتى ال ِق َي ِفي هالن ِار» َو ِفي لف ٍظ «ف َه ُؤال ِء ا هول َخل ِق ه ِ‬

‫* هذا الحديث فيه ان اول من ُتسعر بهم النار يوم القيامة هؤالء الثالثة‪ ,‬اول ثالثة من خلق هللا‬
‫تسعر بهم النار يوم القيامة هؤالء لو تنظر في حال هؤالء الثالثة عندهم هذه االعمال التي لو تاملت‬
‫ُتعد من جالئل اعمال الدين وعظيمها ورفيعها ‪-:‬‬
‫_ الجهاد حتى االستشهاد‪.‬‬
‫مقرءا ً‬
‫معلما له مكانته في العلم‪.‬‬ ‫_ وتعلم العلم وقراءة القران حتى يكون عال ًما ً‬
‫ِ‬
‫_ والنفقة والبذل في سبيل هللا والعطاء الواسع ‪.‬‬
‫هذه االعمال الثالثة هي من جالئل االعمال وعظيم الخصال‪ ,‬ومع ذلك هؤالء لما فسدت نياتهم‬
‫ُردت اعمالهم وكانوا من اول من ُتسعر بهم النار ‪:‬‬
‫رجل قاتل ُليقال جريء وقد قيل ‪ :‬قال الناس جريء وهو قاتل من اجل هذه الكلمة‪ ,‬وقيلت في‬
‫الدنيا قل ماليين المرات ‪,‬ما تنفع يوم القيامة إذا كانت هي مقصوده وهي غايته وهي ُبغيته ما تنفع‬
‫يوم القيامة ‪،‬‬
‫ورجل تعلم ِالعلم ‪ :‬قرا القران حفظ واتقن واضبط والزم العلماء وقرا الك تب وحفظ المتون‪ ,‬ليقال‬
‫قارئ ليقال عالم‪ ,‬ليقال فقيه ليقال مجتهد‪ ,‬ثم نال ذلك وقيل عنه هذه الكلمات او اك ثر ماذا تنفع‬
‫يوم القيامة إذا كانت هي مقصوده في هذا العلم وتحصيله ‪,‬ولهذا يجب على طالب العلم ان يحذر‬
‫من هذا ُالمبطل للعمل‪ ,‬تجده السنوات الطويلة يالزم العلم والعلماء ويحفظ وإلى اخره فإن فسدت‬
‫ُ ً‬
‫عالجت شيئ ‪-‬‬ ‫النية باء بالخيبة والعياذ باهلل والنية تحتاج إلى معالجة ومعالجة ومعالجة مستمرة ما‬
‫يقول سفيان‪ -‬اشد علي من نيتي النية امرها ليس بالهين ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫والثالث‪ُ :‬ينفق ويبذل من االموال ليقال فالن سخي وفالن كريم وفالن يبذل اموال فيقال ذلك‬
‫لكن ما ينفعه هذا يوم القيامة ‪,‬لماذا ؟؟‪-‬النه لن يدخل في صالح عمل المرء إال ما ابتغي به وجه‬
‫ْ‬
‫هللا *« َف َم ْن َك َان َي ْر ُجوا ِل َق َاء َر ِب ِه َفل َي ْع َم ْل َع َم ًال َصا ِل ًحا َوال ُي ْش ِر ْك ِب ِع َب َاد ِة َر ِب ِه َا َح ًدا »*‬
‫عمال اشرك َ‬
‫معي فيه‬ ‫وفي الحديث القدسي يقول هللا تعالى *{انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل ً‬
‫غيري ترك ته وشركه }* لما ناتي إلى مسالة حسن الظن هؤالء الثالثة منهم ‪ :‬واحد منهم في جهاد‬
‫عظيما في النكاية باالعداء وحتى ُق ِتل لكن كان يفعل ذلك من اجل ان ُيقال جريء ‪,‬‬ ‫بالءا ً‬ ‫وابلى ً‬

‫واخر‪ :‬عك ف على العلم وحفظه وضبطه واتقن وحفظه وتعلم إلى اخره ليقال عالم او يقال قارئ‬
‫متقن حافظ ُمجيد يقصد هذا ‪.‬‬
‫وثالث‪ :‬حصل االموال واخذ ُينفق ويبذل بسخاء لكن الجل ان يقال ُمنفق هؤالء اعمالهم عظيمة‪,‬‬
‫في الظاهر اعمال عظيمة ً‬
‫جدا لكن لما كانت النية ليست هلل وإنما للرياء للسمعة للشهرة كانوا من‬
‫اول من ُتسعر بهم النار يوم القيامة‪.‬نعم‬

‫اس‬ ‫قال رحمه هللا تعالى َو َسم ْع ُت َش ْي َخ ْاإل ْس َالم ْاب َن َت ْيم َي َة َي ُق ُول‪َ :‬ك َما َا هن َخ ْي َر هالناس ْ َاال ْنب َي ُاء َف َش ُّر ه‬
‫الن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وه ُم َا هن ُه م ْن ُه ْم َول ْي َس م ْن ُه ْم‪ ،‬فخ ْي ُر هالناس َب ْع َد ُه ُم ال ُعل َم ُاء‪َ ،‬و ُّ‬ ‫َم ْن َت َش هب َه به ْم ُ‬
‫ون‪،‬‬‫الص ِديق َ‬ ‫الش َه َد ُاء‪َ ،‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِِ‬
‫وه ُم َا هن ُه ِم ْن ُه ْم َو َل ْي َس ِم ْن ُهم‪ْ.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس من تشبه ِب ِهم ي ِ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫الن‬ ‫ر‬‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫و‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫َو ْال ُم ْخ ِل ُص َ‬
‫ون‬
‫ِ‬

‫ين‬ ‫َّللا َو هالر ُس َول َف ُا َول ِئ َك َم َع هال ِذ َين َا ْن َع َم ه ُ‬


‫َّللا َع َل ْيه ْم ِم َن هالنبي َ‬ ‫هذا من االية الكريمة " َو َم ْن ُي ِطع ه َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ َ ه ِ َ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫الص ِد ِيقين والشهد ِاء والصا ِل ِحين وحسن اول ِئك ر ِفيقا) ‪,‬اظن االقرب الصالحون؟ام‬ ‫َو ِ‬
‫المخلصون؟‪..‬المخلصون؟ نعم‪ ..‬وانا عندي الصديقون والمخلصون يوجد عطف‪ ,‬وا ً‬
‫يضا‬
‫الصديقون المخلصون يستوي المعنى ا ً‬
‫يضا‪,‬‬
‫‪ -‬نعم يوهم انه من العلماء او من الشهداء والصديقون اوالمخلصون وهو ليس منهم‪.‬نعم‬
‫ْ‬
‫يث َا ِبي ُه َر ْي َر َة َع ِن هالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪َ « :‬م ْن َك َان ْت ِع ْن َد ُه ِ َال ِخ ِيه َمظ َل َم ٌة ِفي‬ ‫ْ َ‬
‫َو ِفي َص ِح ِيح ال ُبخ ِار ِي ِم ْن َح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ْ ْ‬
‫ض َفل َي ْا ِت ِه‪َ ،‬فل َي ْس َت ِح هل َها ِم ْن ُه َق ْب َل َا ْن ُي ْؤ َخ َذ َول ْي َس ِع ْن َد ُه ِد َين ٌار َوال ِد ْر َه ٌم‪َ ،‬فِإ ْن َك َان ْت ل ُه‬‫م ٍال او ِعر ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ات ُا ِخ َذ ِم ْن َح َس َنا ِت ِه َفا ْع ِط َيها َهذا‪َ ،‬و ِإال ُا ِخذ ِم ْن َس ِيئ ِت َهذا َفط ِر َح ْت َعل ْي ِه ث هم ط ِر َح ِفي هالن ِار»‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َح َس َن ٌ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫* هذه نصيحة عظيمة من نبينا الكريم عليه الصالة والسالم المته في باب الحقوق حقوق العباد‬
‫وان الحقوق مؤداة يوم القيامة كما اخبر بذلك عليه الصالة والسالم‪ ,‬فيقول عليه الصالة والسالم‬
‫ناصحا المته*{من كانت عنده الخيه مظلمة من مال او ِعرض فلياته فليستحلها منه}*يطلب منه‬ ‫ً‬
‫العفو والمسامحة او يرد الحق الذي له او يطلب منه العفو يطلب منه المسامحة يتودد معه يتلطف‬
‫معه ياتي بالعبارات اللطيفة الرقيقة التي تدخل عليه تطفئ من غضبه او الشدة عليه فيعفو إذا عفا‬
‫عنه غنم الن الموقف يوم القيامة عصيب ً‬
‫جدا ‪,‬الدنيا قد يكون هناك درهم ودينار ‪,‬حتى في الدنيا لو‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫لم يكن معك درهم و دينار قد يكون بلطفك في طلب العفو تنال عفوا بدون درهم وال دينار‪ .‬لكن‬
‫يوم القيامة ال درهم وال دينار دراهم ودنانير تنتهي في الدنيا فما ثم إال الحسنات والسيئت ياتي‬
‫الناس كما جاء في حديث عبد هللا ابن ُانيس*{ ياتون يوم القيامة ً‬
‫بهما قالوا وما بهما يارسول هللا‬
‫القصاص بالحسنات والسيئت كما هو موضح في هذا‬ ‫قال ليس معهم من الدنيا شيء}*فيكون َ‬
‫الحديث ‪,‬فإذا كانت له حسنات ُاخذ من حسناته واعطيها اي الخصوم اصحاب الحقوق وإال اخذي‬
‫من سيئته ‪,‬إذا فنيت حسناته او لم يكن له حسناته‪ ..‬فطرحت عليه ثم طرح في النار وهذا المعنى‬
‫الذي هنا يوضحه الحديث المعروف في صحيح مسلم عندما قال النبي ﷺ *{ اتدرون من المفلس‬
‫قالوا المفلس فينا من ال درهم له وال متاع قال إن المفلس ِمن امتي من ياتي يوم القيامة بصالة‬
‫وصيام وصدقة اعمال وحسنات وياتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا واخذ مال هذا‬
‫وقذف هذا فيؤخذ من حسناته فيعطون فإن فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من سيئتهم‬
‫فطرح في النار) هذا مفلس‪ ,‬ولهذا هذه نصيحة ثمينة جدا‪ ,‬ويجب على المرء ان تقع من قلبه ً‬
‫موقعا‬
‫عظيما فإذا كانت هناك حقوق يتفقد ويتنبه ويؤدي الحقوق الهلها‪ ,‬او يطلب منهم العفو قبل ان ال‬ ‫ً‬
‫يكون درهم وال دينار عندما يقف الناس بين يدي هللا يوم القيامة ‪,‬ايليق بعاقل للناس عنده مظالم‬
‫وحقوق ويتكئ على ُحسن الظن ويقول ربك غفور ويمشي مستم ًرا في هذه المظالم‪ ,‬هل هذا ناصح‬
‫لنفسه او موبق لها ومهلك العياذ باهلل ؟! الحقوق مؤداة والظلم ظلمات يوم القيامة ‪.‬نعم‬

‫َّللا َع ْن ُه ‪َ -‬ع ِن هالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬م ْن َا َخ َذ ِش ْب ًرا ِم َن‬


‫يث َابي ُه َر ْي َر َة ‪َ -‬ر ِض َي ه ُ‬ ‫ْ َ‬
‫الص ِح ِيح ِمن ح ِد ِ ِ‬ ‫َو ِفي ه‬
‫ْ َاال ْرض ب َغ ْير َح ِق ِه ُخ ِس َف ب ِه َي ْو َم ْال ِق َي َام ِة إ َلى َس ْبع َا َر ِض َ‬
‫ين» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫هُ ه‬
‫َّللا ال ِذي‬ ‫وفي لفظ الحديث "طوقه يوم القيامة من سبع اراضين" وهذا فيه ان االراضين سبع ‪«*,‬‬
‫ض ِم ْث َل ُه هن »* اي سبع فمن اخذ ً‬
‫شبرا من االرض !‬ ‫ر‬ ‫ات َو ِم َن ْ َاال ْ‬ ‫ََ‬
‫خل َق َس ْب َع َس َم َاو ٍ‬
‫ِ‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫جدا وزحف‬ ‫تعالوا ننظر في الشبر ماذا يكون لو كان شخص عنده ارض زراعية ومئت اال الف واسعة ً‬
‫على ارض جاره شب ًرا ماذا يقدم هذا الشبر في ارضه الواسعة التي اكرمه هللا بها ! قل زحف مت ًرا امتار‬
‫ماذا تقدم هذه االرض ! وربما يعيش وما إستفاد منها لكن يطوقها يوم القيامة من سبع اراضين‪.‬‬
‫*{ لعن هللا من غير منار االرض}*يقول عليه الصالة والسالم ‪,‬من المعاني التي ذكرها العلماء ان‬
‫العالمات ويدخلها ً‬
‫قليال في ارض جاره‬ ‫ياتي إلى العالمات التي تضبط الحدود بينه وبين جاره فينزع‬
‫ً‬
‫إذا ادخلها في ارض جاره ما الذي حدث ضاقت ارض جاره واتسعت ارضه يغير حتى ياخذ شيئ منه‪.‬‬
‫إذا كان شبر يطوقه من سبع اراضين ‪,‬كيف من ياخذ االراضي الشاسعة ويتعدى على الحقوق وياتي‬
‫مثال يداعي في المحاكم ويحتال وياتي باشياء وشهادات وشهود إلى اخره ويحكم له فيها حتى وإن‬
‫ُح ِك َم له من القاضي هذا ال ينجيه من عذاب هللا يوم القيامة النه قد يكون الحن بالحجة من صاحب‬
‫االرض فيقضى له لكن هذا ال ينجيه من عذاب هللا يوم القيامة ‪{*,‬من اخذ شب ًرا من االرض بغير حق‬
‫ُخسف به يوم القيامة إلى سبع اراضين }*‪.‬‬
‫الشيخ عطية سالم رحمه هللا كان له درس في هذا المسجد قال في تعليقه على هذا الحديث قال‬
‫كلمة جميلة ‪:‬قال [هذا وعيد شديد ينبغي على جميع اهل البساتين واالراضي واصحاب المخططات‬
‫الذين يتعاطون العقارات ان يحفظوا هذا الحديث ليتحروا الحق فال يتجاوزوه] ‪.‬‬
‫فعال هذا الحديث ينبغي ان يحفظه المشتغل بالعقار واصحاب البساتين‬ ‫جدا ً‬
‫وهذا كالم عظيم ً‬
‫والمخططات يحفظوا هذا الحديث ليحفظوا انفسهم من عقوبة هللا يوم القيامة‬ ‫واصحاب االراضي ُ‬
‫يضر ! ‪-‬ال ‪, ..‬شبر واحد يطوقه من سبعة اراضين يوم القيامة‬ ‫واال يغتر يقول هذا جزء يسير ما ُ‬
‫فيحتاط لنفسه لينجو من سخط هللا سبحانه وتعالى وعقوبته يوم القيامة ‪.‬نعم‬
‫َّللا ﷺ ‪َ « :‬ن ُار ُك ْم َه ِذ ِه هال ِتي ُي ِوق ُد َب ُنو ا َد َم ُج ْز ٌء ِم ْن َس ْب ِع َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫يح ْي ِن َع ْن ُه قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫الص ِح َ‬
‫َو ِفي ه‬
‫َّللا إ ْن َك َان ْت َل َك ِاف َي ٌة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فِإ هن َها َق ْد ُف ِض َل ْت َع َل ْي َها ب ِت ْس َع ٍة َو ِس ِت َ‬
‫ين ُج ْز ًءا‬ ‫ِ‬ ‫ُج ْز ًءا م ْن َنار َج َه هن َم‪َ ،‬ق ُالوا‪َ :‬و ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُك ُّل ُه هن ِم ْث ُل َح ِر َها» ‪.‬‬

‫* هذا الحديث وهو في الصحيحين يصف فيه النار نار يوم القيامة انها اضعاف‪ -‬اضعاف النار ‪-‬التي‬
‫جزءا‪ ,‬الصحابة رضي هللا عنهم لما اخبرهم بذلك قال‪:‬‬‫في الدنيا وانها ُفضلت عليها بتسعة وستين ً‬
‫ِ‬
‫ناركم التي توقدون منها جزء من سبعين جزء من نار جهنم قالوا ‪{*:‬وهللا إن كانت كافية }*‬
‫الصحابة قالوا‪ :‬وهللا إن كانت لكافية نارنا هذه كافية ان يوضع فيها المخطئ االثم ان يوضع فيها‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫كافية ‪,‬قال عليه الصالة والسالم*{فإنها قد ُفضلت عليها بتسعة وستين حزءا كلهن مثل حرها}*إذا‬
‫كان اإلنسان ال يحتمل نار الدنيا التي هي اقل من نار القيامة بتسعة وستين إذا كان ال يحتمل النار‬
‫التي في الدنيا ان يضع فيها إصبعه‪ ,‬بدل ان يضع فيها إصبعه ال يضع فيها بل يدني منها ما يضعها‬
‫داخلها وإنما يدنيها للحظات يتحمل؟فكيف إذا وضع إصبعه في هذه النار؟؟ فكيف إذا وضع‬
‫كامال في هذه النار ؟! كيف إذا وضع جسمه في نار هي ضعف هذه النار بتسع وستين مرة‬ ‫جسمه ً‬
‫؟؟!‬
‫هذا ال بد ان ينتبه له المرء والذنوب تفضي إلى النار تفضي إلى سخط الجبار فيجب على العبد ان‬
‫يتقي النار‪ ,‬يقول سبحانه وتعالى*« ُقوا َا ُنف َس ُك ْم َو َا ْه ِل ُيك ْم َن ًارا »* قال الصحابة‪ :‬اي ادبوهم علموهم‬
‫ربوهم على طاعة هللا سبحانه وتعالى حتى تكون الوقاية من النار ‪,‬الوقاية من النار ما تكون بمجرد‬
‫االماني ال بد من عمل ال بد من وضع وقاية بينه وبين النار بالطاعة ولزوم العمل وحسن التقرب إلى‬
‫هللا سبحانه وتعالى ‪ُ ,‬تتقى النار بالتقوى‪ ...‬النار تتقى بتقوى هللا ‪,‬وتقوى هللا فعل ما امر وترك ما نهى‬
‫عنه وزجر‪.‬نعم‬
‫ْ‬ ‫ََ َ َ ُ ْ ْ ه ً‬ ‫ْ‬
‫اّلل َش ْيئ‪َ ،‬و ِإ ْن ُق ِتل َت َا ْو‬ ‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فقال‪« :‬ال تش ِرك ِب ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫َو ِفي ال ُم ْس َن ِد َع ْن ُم َع ٍاذ قال‪ :‬ا ْو َصا ِني َر ُسول ه ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُح ِر ْق َت‪َ ،‬وال َت ُع هق هن َوا ِل َد ْي َك َو ِإ ْن َا َم َر َاك َا ْن َت ْخ ُر َج ِم ْن َا ْه ِل َك َو َما ِل َك‪َ ،‬وال َت ْت ُر َك هن َصال ًة َم ْك ُت َوب ًة ُم َت َع ِم ًدا‪،‬‬
‫َ ه َ ْ ََ َ َ َ ً َ ْ ُ َ ً ُ َ َ ً ََ ْ َ َ ْ ْ ُ ه ُ ه َ‬
‫َّللا‪َ ،‬وال َت ْش َر َب هن َخ ْم ًرا‪َ ،‬فِإ هن ُه َ َرا ُس ُك ِل َف ِاح َش ٍة‪،‬‬
‫فِإن من ترك صالة مك توبة متع ِمدا فقد ب ِرئت ِمنه ِذمة ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫َو ِإ هي َاك َوال َم ْع ِص َي َة‪ ،‬فِإ هن ال َم ْع ِص َي َة ُت ِحل َس َخ َط ه ِ‬
‫َّللا» ‪.‬‬

‫* هذا الحديث فيه جملة من الوصايا اوصى بها النبي ﷺ الصحابي الجليل معاذ ِحب النبي ﷺ‬
‫*{ يا معاذ إني احبك }* اوصاه بهذه الوصايا قال اوصاني رسول هللا ﷺ فقال ‪{*:‬ال تشرك باهلل‬
‫ً‬
‫لت او ُح ِرقت }* وهذه مرحلة كمال الن اإلنسان لو قال ك ف ًرا ليدفع تحريق عن نفسه او‬ ‫شيئ وإن ُق ِت َ‬
‫ً‬
‫القتل عن نفسه اتقاءا لهذا لم يعاقبه هللا سبحانه وتعالى قال هللا عز وجل*« ( َم ْن َك َف َر ِب ه ِ‬
‫اّلل ِم ْن‬
‫َب ْع ِد ِإ َيما ِن ِه ِإال َم ْن ُا ْكر َه َو َق ْل ُب ُه ُم ْط َم ِئن ِب َ‬
‫اإليم ِان ) »*‬ ‫ِ‬
‫وفي الحديث قال عليه الصالة والسالم *{ إن هللا تجاوز عن امتي الخطا والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه }* فقال *{وإن قتلت وحرقت وال تعقن والديك وإن امراك ان تخرج من اهلك ومالك }*‬
‫تخرج من اهلك اي تطلق زوجك ومالك‪ :‬يعني إن كان ً‬
‫رقيقا تبيعه او مال تنفقه او ما إلى ذلك‪..‬‬
‫يضا انها مرحلة كمال ‪,‬لكن المطلوب هو البر بالوالدين إال إذا كان ً‬
‫مثال طلب‬ ‫فهذا الذي يظهر ا ً‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫الوالدين مبني على الدين مثلما طلب عمر رضي هللا عنه من إبنه ‪,‬فإذا كان مبني على امر من هذا‬
‫القبيل فال بد‪ ,‬لكن إذا كان طلب الوالدين تطليق الزوجة مبني على هوى او اغراض شخصية او امور‬
‫يضا ا ً‬
‫حيانا يكون الوالد يطلب الطالق النها متدينة‪ ..‬النها مستقيمة ‪...‬النها متحجبة ويكون‬ ‫حتى ا ً‬
‫الوالد ً‬
‫مفرطا في هذه االشياء فيطلب منه طالقها ‪,‬ال ُيطاع في ذلك ولهذا المسالة فيها تفصيل‪،‬‬
‫*{وال تعقن والديك }* حتى وإن طلب منه هذه االشياء ال يعقهم يبرهم ويحسن إليهم حتى وإن ما‬
‫استجاب لطلبهم ال يقابلهم بالعقوق كيف وقد قال هللا سبحانه وتعالى*« َو ِإن َج َاه َد َاك َع َل َٰى َان‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ُت ْش ِر َك ِبي َما ل ْي َس ل َك ِب ِه ِعل ٌم َفال ُت ِط ْع ُه َما ۖ َو َص ِاح ْب ُه َما ِفي ُّالد ْن َيا َم ْع ُرو ًفا ‪*» ..‬‬
‫ما قال فعقهما قال" وصاحبهما" مع هذه الحالة امر بالصحبة بالمعروف" وال تتركن صالة مك توبة‬
‫متعمدا فإن من ترك صالة مك توبة متعمدا فقد برئت منه ذمة هللا "‬
‫نافعا لها في ك تاب المصنف رحمه هللا‪_ .‬‬ ‫وبيانا ً‬ ‫جمعا ً‬ ‫و هذا المعنى فيه احاديث عديدة ينظر ً‬
‫الصالة _ *{وال تشربن خم ًرا فإنها راس كل فاحشة }* النها ام الخبائث وجماع الشرور ‪.‬‬
‫*{وإياك و المعصية }* اي احذرها ‪.‬‬
‫*{فإن المعصية تحل سخط هللا}* اي توجب سخط هللا سبحانه وتعالى‪.‬نعم‬
‫َ‬
‫اف َما َذ َك ْرَنا‪َ ،‬فال َي ْن َب ِغي ِل َم ْن َن َص َح َن ْف َس ُه َا ْن‬‫ع‬‫َ‬ ‫اف َا ْ‬
‫ض‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ض‬‫يث في َه َذا ْال َباب َا ْ‬ ‫قال رحمه هللا َو ْ َاال َحاد ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫َي َت َع َامى َع ْن َها‪َ ،‬و ُي ْرس َل َن ْف َس ُه في ال َم َعاصي‪َ ،‬و َي َت َع هل َق بحبل هالر َجاء َو ُح ْسن ه‬
‫الظ ِن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توضح ان طول النفس الذي في سوق االحاديث اراد منها النصح لهؤالء‬ ‫هذه الخاتمة لالحاديث ِ‬
‫الذين يتعامون عن مثل هذه النصوص ويرسلون انفسهم في المعاصي متعلقين بحسن الرجاء‬
‫وحسن الظن ‪ ,‬فاين هم من هذه االحاديث ؟ اين هم من تاملها وتدبرها والنظر فيها والنظر في هذه‬
‫العقوبات الزواجر الموقظات ؟ وك ثير من العصاة لما اكرمهم هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬لما اكرمهم هللا‬
‫بالوقوف على هذه االحاديث ردعتهم ك ثير منهم تاب من حديث واحد ك ثير من العصاة تاب من‬
‫حديث واحد حتى إن بعضهم ليقول للعالم او الداعية الذي بلغه هذا الحديث قال ‪ :‬وهللا ما سمعته‬
‫إال االن‪ ,‬وال عرفته إال االن ويحمد هللا الذي اكرمه بمعرفة هذا الحديث ‪,‬فهذه االحاديث هي روادع‬
‫وزواجر وموقظة للقلوب فمن يتكل على حسن الظن ال بد ان يداوي نفسه بها بان يتاملها مرة‬
‫واخرى واهل العلم اعتنوا بجمع هذه االحاديث حتى اشرت فيما سبق ان بعض العلماء افردوا ك ً‬
‫تبا‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع‬

‫في الكبائر ال يذكر فيها إال الكبائر الكبيرة االولى وما هي واالدلة على العقوبات التي فيها والثانية‬
‫والثالثة والرابعة والخامسة فتعد الكبائر وتذكر العقوبات من اجل ماذا ؟؟‬
‫‪ -‬التحذير منها واتقاءها ( تعلم الشر ال للشر ولكن لتوقيه‪ ..‬فإن من لم يعرف الشر من الناس يقع‬
‫فيه) ‪(,‬كيف يتقي من ال يدري ما يتقي) ال بد ان ُتعرف هذه النصوص وان يردع المرء كل ما‬
‫همت نفسه بخطيئة يردعها بمثل هذه النصوص وبهذه االحاديث احاديث الوعيد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َق َال َا ُبو ْال َو َف ِاء ْب ُن َِ‬
‫يل‪ :‬ا ْح َذ ْر ُه َوال َت ْغ َت هر ِب ِه‪َ ،‬فِإ هن ُه َق َط َع ال َي َد ِفي َثال َث ِة َد َر ِاه َم‪َ ،‬و َج َل َد ال َح هد ِفي ِم ْث ِل َ ْرا ِس‬
‫ٍ‬ ‫ق‬‫ع‬
‫الش ْم َل ُة َن ًارا َع َلى َم ْن َغ هل َها َو َق ْد ُقتلَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِاإل ْب َر ِة ِم َن ال َخ ْم ِر‪َ ،‬و َق ْد دخل ِت ال َم ْراة هالن َار ِفي ِه هر ٍة‪َ ،‬واشت َعل ِت‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َش ِه ًيدا‪.‬‬

‫نعم هذا قد مر معنا في حديث ابي رافع في اوائل االحاديث التي ساق رحمه هللا لما مر بالقبر‬
‫فقال‪{ *:‬ا ٍف لك ا ٍف لك فقال الصحابي ظننت انه يريدني }* فيقول بن العقيل‪[*:‬احذره وال‬
‫تغتر فإنه قطع اليد في ثالث دراهم وجلد الحد في مثل راس اإلبرة من الخمر ]* يعني في شرب‬
‫قليل من الخمر‪[* ,‬ودخلت إمراة النار في هرة ]*كما ثبت بذلك الحديث ‪[*,‬واشتعلت الشملة‬
‫نا ًرا على من غلها وقد قتل ً‬
‫شهيدا ]*‪.‬‬
‫ً‬
‫فما يغتر اإلنسان مثال ببعض اعماله الصالحة فيتمادى في بعض الذنوب ُويسرف على نفسه في‬
‫بعض الخطايا‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫ً‬
‫وتوفيقا وان‬ ‫نسال هللا الكريم رب العرش العظيم ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا ً‬
‫علما‬
‫يصلح لنا شاننا كله واال يكلنا إلى انفسنا طرفة عين إنه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت استغفرك واتوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك‬
‫ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪.‬‬
‫* اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما‬
‫بعد‪ ،‬فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا تعالى في ك تابه " الداء والدواء "‬

‫وقال االمام احمد‪ :‬حدثنا ابو معاوية قال حدثنا االعمش‪ ،‬عن سليمان بن ميسرة‪ ،‬عن طارق بن شهاب‬
‫رضي هللا عنه يرفعه قال‪" :‬دخل رجل الجنة في ذباب ‪ ،‬ودخل النار رجل في ذباب "‪ .‬قالوا ‪ :‬وكيف‬
‫ذلك يا رسول هللا ؟ قال ّمر رجالن على قوم لهم صنم ال يجوزه احد حتى يقرب له ً‬
‫شيائ ‪ .‬فقالوا‬
‫الحدهما‪ :‬قرب‪ ،‬قال‪ :‬ليس عندي شيء‪ .‬قالوا له ‪ :‬قرب ولو ذبابا ‪ .‬فقرب ذبابا ‪ ،‬فخلوا سبيله ‪ ،‬فدخل‬
‫شيائ دون هللا عز وجل‪ ،‬فضربوا عنقه ‪ ،‬فدخل‬ ‫النار ‪ .‬وقالوا لالخر‪ :‬قرب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما كنت القرب الحد ً‬
‫الجنة " ‪ .‬وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب ‪.‬‬
‫ً‬
‫محمدا‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له واشهد ان‬
‫عبده ورسوله ﷺ وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم يا ربنا فقهنا في الدين اما بعد‪.‬‬
‫فهذا الحديث الذي ساقه المصنف رحمه هللا تعالى ساقه في ضمن االحاديث المتقدمة في باب العقوبات ‪،‬‬
‫والحديث كما هو واضح من سياقه وداللته يدل على امرين على سعة رحمة هللا ومغفرته سبحانه وتعالى‬
‫يضا يدل على عظيم عقوبة هللا جل وعال وشدتها وان االعمال بالخواتيم فإن قول النبي‬ ‫وعظيم مغفرته وا ً‬
‫ذبابا لصنم‬ ‫مسلما وك فر بتقريبه ً‬ ‫ﷺ * دخل رجل النار في ذباب * قوله في ذباب يدل انه قبل ذلك كان ً‬
‫َ‬
‫الن الذبح عبودية وصرف العبودية لغير هللا تعالى شرك‪ُ ":‬ق ْل ِإ َّن َصال ِتي َو ُن ُس ِكي َو َم ْح َي َاي َو َم َما ِتي ِل َّل ِه َر ِّ ِب‬
‫تافها ليس مما ُيتقرب بمثله‬ ‫ين ﴿‪َ ﴿،﴾١٦٢‬ف َص ِّل ل َر ِّب َك َو ْان َح ْر ﴿‪﴾٢‬اي لربك ‪ ،‬وإلن كان الذباب ً‬ ‫ْال َع َالم َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لكن هذا الخبر يفيد ان ارباب الباطل مقصودهم عمل القلب يعني وجود اصل التقرب فإذا وجد اصل‬ ‫ِّ‬
‫التقرب إن كان في النفيس والثمين فبها وإن لم يكن فبما يصح به حصول التقرب ووجوده ‪ ،‬واالعمال‬
‫وتعظيما هلل وعدم تقرب لغيره فقتلوه دخل الجنة وفيه ان‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وإخالصا‬ ‫ً‬
‫توحيدا‬ ‫بالخواتيم الرجل الذي إمتنع‬
‫الجنة والنار قريبتان من اهلهما فليس بين صاحب الجنة والجنة إال ان يموت وليس بين صاحب النار‬
‫ذبابا السياق يدل‬ ‫والنار إال ان يموت ‪ ،‬وهذا الحديث يو َرد عليه إشكال معروف وهو ان هذا الذي قرب ً‬
‫ْ ْ‬ ‫َّ‬
‫على ان هناك إكراه وهللا سبحانه وتعالى يقول ﴿ َمن َك َف َر ِب َّالل ِه ِمن َب ْع ِد ِإ َيما ِن ِه ِإال َم ْن ُا ْك ِر َه َو َقل ُب ُه ُمط َم ِئ ٌّن‬
‫ْ‬
‫ِب ِاإل َيم ِان﴾اي فال إثم عليه وال عقوبة إستثناه هللا فهذا إشكال يورد على هذا الحديث او هذا الخبر وجواب‬
‫اهل العلم عليه من وجهين ‪:‬‬
‫االول‪ :‬إحتمال عدم وجود اإلكراه وهو إحتمال قائم الن هؤالء الذين هم قائمون على صنم ال يجوزه اي ال‬
‫يمر من عنده حتى يقرب اما بدون تقريب ال يمر من تلك الجهة ال يسمحون له بالمرور حتى ُيقرب فيه خيار‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫اخر به السالمة او ال يوجد؟ نعم ما هو؟ يرجع هم ال يجوز احد ال يمر احد إال ان ُي ِّ ِقرب فهناك خيار الرجوع‬
‫إذا فلما ُقتل؟ ربما يكون ُ‬ ‫ً‬
‫قتل ُه لما في كالمه من تسفيه لمعبودهم عندما قال لهم ما كنت القرب‬ ‫قد ُيقال ِ ِ‬
‫ً‬
‫الحد غير هللا وهذا صدع بالتوحيد وتسفيه للمعبودات الباطلة وانها ال تستحق شيائ هذا جواب ‪.‬‬
‫فإن رفع الحرج عن المكره هذا إنما هو المة محمد ﷺ ولهذا يقول جل وعال‬ ‫االخر‪ :‬إذا كان في االمر إكراه ِّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫في سورة الكهف﴿ ِإ َّن ُه ْم ِإن َيظ َه ُروا َع َل ْي ُك ْم َي ْر ُج ُم ُوك ْم َا ْو ُي ِع ُيد ُوك ْم ِفي ِم َّل ِت ِه ْم َولن ُت ْف ِل ُحوا ِإ ًذا َا َب ًدا ﴿‪﴾٢٠‬‬
‫والسياق يدل على ان هناك إكراه رجم وفي تمام االية نفي للفالح وقد جاء في الحديث عن نبينا محمد‬
‫ُ‬
‫كرهوا عليه) الحاصل ان هذا الخبر فيه ما‬ ‫ﷺ انه قال‪( :‬إن هللا تجاوز عن امتي الخطا والنسيان وما است ِ‬
‫اشرت في اول الحديث عنه بيان سعة الرحمة والمغفرة وا ً‬
‫يضا شدة العقوبة ولو كان في ا ٍمر يراه اإلنسان‬
‫يسي ًرا ولهذا يقول في تيسير العزيز الحميد الشيخ سليمان بن عبد هللا قال فيه وهو من الفوائد التي ينقلها‬
‫الحسبان اي‬ ‫عن شيخ اإلسالم محمد بن عبد الوهاب رحمه هللا فيه الحذر من الذنو ولو كانت صغيرة في ُ‬
‫ذباب تافه ُي ِّقرب‬
‫خيل إليه يجب ان يحذر منها ولهذا قد يقول اإلنسان وماذا في ٍ‬ ‫فيما يظنه اإلنسان او فيما ُي ِّ‬
‫لصنم او نحو ذلك فال يستهين اإلنسان في الذنوب ولو كانت صغيرة حسبانه وفي ظنه وهذا هو مقصود‬
‫المصنف رحمه هللا تعالى من إيراد هذا الخبر في هذا الموطن والحديث ليس في مسند اإلمام احمد‬
‫واالصل ان العزو هكذا يشعر ان الحديث في المسند وهو إنما هو في ك تاب الزهد له ‪-‬رحمه هللا تعالى ‪-‬عن‬
‫ً‬
‫موقوفا عليه‪ -‬نعم ‪.‬‬ ‫طارق ابن شهاب عن سلمان الفارسي‬

‫قال وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب‪.‬‬
‫هينا او ً‬
‫تافها او نحو‬ ‫نعم يعني الكلمه الواحدة ومثلها الفعل الواحد وإن كان يعني يسي ًرا يظنه في حسبانه او ً‬
‫خريفا "رب كلمة يقولها المرء ال يلقي بها ً‬
‫باال يهوي بها في النار سبعين‬ ‫ذلك قد يهوي به في النار سبعين ً‬
‫ً‬
‫خريفا " نعم‬
‫قال رحمه هللا تعالى‪ :‬وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من ِنعم هللا عليه في الدنيا‪ ،‬وانه ال ّ‬
‫يغير به‬
‫ويظن ذلك انه من محبة هللا له ‪ ،‬وانه يعطيه في االخرة افصل من ذلك ‪ .‬وهذا من الغرور ‪.‬‬
‫سواء من اهل الشرك او من ارباب الذنوب‬ ‫نعم هذا من الغرور وكم ُيفتن ك ثير من الناس بسبب ذلك ً‬
‫والمعاصي يجد ً‬
‫مثال انه مع إقامته على المعاصي والذنوب وإسرافه على نفسه بإرتكابها ماله يزيد تجارته‬
‫الدنيوية تتنامى صحته وعافيته في إزدياد ونحو هذه االشياء فيظن ان هذا العطاء الدنيوي في المال في‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫الصحة في الولد َت ِي ُّسر االمور الدنيوية له يظن ان هذا دليل على رضا هللا عنه وان هللا عز وجل إنما اعطاه‬
‫اض عنه فيتكئ او يتكل على هذا فيبقى على ذنوبه مغت ًرا بهذا االمر‬ ‫المال والصحة والعافية والولد لكونه ر ٍ‬
‫َّ‬
‫ات ۚ َبل ال َي ْش ُع ُرو َن ﴿‪﴾٥٦‬فيظن‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ون َا َّن َما ُنم ُّد ُهم ب ِه ِمن َّمال َو َب ِن َ‬
‫َا َي ْح َس ُب َ‬
‫ين ﴿‪ ﴾٥٥‬ن َس ِار ُع ل ُه ْم ِفي الخ ْي َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫مسرفا فهذا من الغرور‬‫هؤالء ان هذا العطاء الدنيوي دليل الرضا ‪ ،‬رضى هللا عنه فيتكل على هذا ويبقى ً‬
‫قال ربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم هللا عليه في الدنيا يعني صحته تجارته ك ثرة الولد او‬
‫نحو ذلك وانه ال يغير به ويظن ان ذلك من محبة هللا له وانه يعطيه في االخرة افضل من ذلك وهذا الذي‬
‫يظنه هذا الظان هو من الدالئل على هوان الدنيا على هللا سبحانه وتعالى وان االمر كما قال هللا عز وجل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫في شانها" ُكال ُّن ِم ُّد َه ٰ ُؤال ِء َو َه ٰ ُؤال ِء "يعني الك فار والمؤمنين من العطاء الدنيوي" َو َما َك َان َع َط ُاء َر ِِّب َك‬
‫ً‬
‫ات َو َا ْك َب ُر َت ْف ِضيال ﴿‪ -﴾٢١‬نعم‬ ‫َْ َْ‬ ‫انظ ْر َك ْي َف َف َّض ْل َنا َب ْع َض ُه ْم َع َل ٰى َب ْ‬
‫َم ْح ُظو ًرا ﴿‪ُ ﴾٢٠‬‬
‫ض ۚ َولال ِخ َر ُة اك َب ُر َد َر َج ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ع‬

‫قال ا إالمام احمد حدثنا يحي ى بن غيالن قال حدثنا رشدين بن سعد عن حرملة بن عمران التوجيبي عن‬
‫عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر رضي هللا عنه عن النبي ﷺ انه قال‪ ( :‬إاذا رايت هللا عز وجل يعطي‬
‫العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب إفانما هو إاستدراج) ثم تال قوله عز وجل‪َ ":‬ف َل َّما َن ُسوا َما ُذ ِِّك ُروا ِب ِه‬
‫ْ‬
‫َف َت ْح َنا َع َل ْي ِه ْم َا ْب َو َاب ُك ِّ ِل َش ْي ٍء َح َّت ٰى ِإ َذا َف ِر ُحوا ِب َما ُا ُوتوا َا َخذ َن ُاهم َب ْغ َت ًة َفِإ َذا ُهم ُّم ْب ِل ُسو َن ﴿‪.﴾٤٤‬‬

‫كاف في دحض الشبهة المتقدمة وبيان فسادها يقول ﷺ (إذا رايت هللا عزوجل‬ ‫نعم يعني هذا الحديث ٍ‬
‫يعطي العبد من الدنيا علي معاصيه ما يحب) يعني ما يحب العبد من امور الدنيا (فإنما هو إستدراج) ثم‬
‫تال قول هللا عز وجل‪َ ":‬ف َل َّما َن ُسوا َما ُذ ِِّك ُروا ِب ِه َف َت ْح َنا َع َل ْي ِه ْم َا ْب َو َاب ُك ِّ ِل َش ْي ٍء" انظر هذا العطاء الدنيوي‬
‫ْ‬
‫اموال تجارات مساكن منازل مراكب إلى اخره ابواب كل شيء " َح َّت ٰى ِإ َذا َف ِر ُحوا ِب َما ُا ُوتوا َا َخذ َن ُاهم َب ْغ َت ًة َفِإ َذا‬
‫ون"فإذا كان العطاء متوالي على العبد ويتكاثر وماله يتنامى وهو في المعاصي مقيم على المعاصي‬ ‫ُهم ُّم ْب ِل ُس َ‬
‫فهذا من امارات ودالئل انه مستدرج مثل ما قال نبينا ﷺ (فإنما هو إستدراج) نعم‪.‬‬

‫وقال بعض السلف إاذا رايت هللا يتابع عليك نعمه وانت مقيم على معاصيه فاحذره إفانما هو إاستدراج‬
‫اس ُا َّم ًة َو ِاح َد ًة َّل َج َع ْل َنا ِل َمن َي ْك ُف ُر ِب َّ‬
‫الر ْح َم ٰ ِن‬ ‫ون َّالن ُ‬‫يستدرجك به‪ ،‬وقد قال هللا تعالى‪َ ":‬و َل ْو َال َان َي ُك َ‬
‫ْ‬
‫ِل ُب ُيو ِت ِه ْم ُس ُق ًفا ِّمن ِف َّض ٍة َو َم َعا ِر َج َع َل ْي َها َيظ َه ُرو َن ﴿‪َ ﴾٣٣‬و ِل ُب ُيو ِت ِه ْم َا ْب َو ًابا َو ُس ُر ًرا َع َل ْي َها‬
‫ين ﴿‪.﴾٣٥‬‬ ‫َي َّتك ُُئ َن ﴿‪َ ﴾٣٤‬و ُز ْخ ُر ًفا ۚ َوان ُك ُّل َٰذ ِل َك َل َّما َم َت ُاع ْال َح َياة ُّ‬
‫الد ْن َيا ۚ َو ْاال ِخ َر ُة ِع َند َرّب َك ِل ْل ُم َّت ِق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه االية سبحان هللا فيها بيان لطف هللا سبحانه وتعالى بالعباد ورحمته حتى ال يكون االمر فتنة لهم‬
‫َّ ْ‬ ‫وسبب إلنصرافهم عن دين هللا فيقول جل وعال‪َ ":‬و َل ْو َال َان َي ُك َ‬
‫اس ُا َّم ًة َو ِاح َد ًة ل َج َعل َنا ِل َمن َي ْك ُف ُر‬
‫ون َّالن ُ‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬
‫ْ‬
‫الر ْح َم ٰ ِن ِل ُب ُيو ِت ِه ْم ُس ُق ًفا ِّمن ِف َّض ٍة َو َم َعا ِر َج َع َل ْي َها َيظ َه ُرو َن ﴿‪َ ﴾٣٣‬و ِل ُب ُيو ِت ِه ْم َا ْب َو ًابا َو ُس ُر ًرا َع َل ْي َها‬
‫ِب َّ‬
‫لوسع عليهم سعة عظيمة في العطاء الدنيوي بانواعه واصنافه" َو ِان ُك ُّل‬ ‫َي َّت ِك ُُئ َن ﴿‪َ ﴾٣٤‬و ُز ْخ ُر ًفا" يعني ِّ‬
‫الد ْن َيا" مهما كان العطاء هو عطاء دنيوي زائل زائ ف منتهي منقضي فال ُي ِّغتر به وكل‬ ‫َٰذ ِل َك َل َّما َم َت ُاع ْال َح َياة ُّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫الد ْن َيا ِاال َم َت ُاع ال ُغ ُرو ِر ﴿‪ ﴾١٨٥‬فال يغتر العبد بهذا ‪ ،‬ولوال هوان‬ ‫متاع في الدنيا فال ُيغتر به" َو َما ال َح َي ُاة ُّ‬
‫ٍ‬
‫الدنيا على هللا لما سقى منها كافر شربة ماء الدنيا هينة على هللا والذي يريد ان يعرف هوان الدنيا على هللا‬
‫جلية فلينظر في سيرة النبي ﷺ ماذا كان بيته وماذا كان طعامه وماذا كان لباسه وماذا وماذا؟‬ ‫معرفة ِّ‬
‫منزلة ومكانته في االخرة الفردوس االعلى منزلة ال يبلغها‬ ‫وهو افضل ِعباد هللا واشرفهم عند هللا واعظمهم ِ‬
‫احد ‪-‬نعم‪.-‬‬
‫َ‬
‫نس ُان ِا َذا َما ْاب َتال ُه َرُّب ُه َف َا ْك َر َم ُه َو َن َّع َم ُه َف َي ُق ُول َرِّبي‬‫وقد ّرد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله‪َ ":‬ف َا َّما ْاال َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َا ْك َر َم ِن ﴿‪َ ﴾١٥‬و َا َّما ِا َذا َما ْاب َتال ُه َف َق َد َر َع َل ْي ِه ِر ْز َق ُه َف َي ُق ُول َرِبي اهان ِن ﴿‪ ﴾١٦‬كال" اي ليس كل من ّنعمته‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ووسعت عليه رزقه اكون قد اكرمته وال كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه اكون قد اهنته بل ابتلي هذا‬
‫بالنعم واكرم هذا باالبتالء ‪.‬‬
‫فعال من يظن هذا الظن ويتوهم هذا الوهم يظن ان من‬ ‫يضا فيها جواب لما تقدم الن من الناس ً‬ ‫هذه االية ا ً‬
‫وسع هللا عليه في العطاء الدنيوي فهذا دليل على ان هذا الموسع عليه كريم عند هللا يظنون ذلك‬ ‫ِّ‬
‫نس ُان‬ ‫والمضيق عليه دليل على هوانه عند هللا قال هللا تعالى‪َ ":‬ف َا َّما ْاال َ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬ ‫قت‬‫يضا يظنون ان ُالم ِّ‬ ‫وبالمقابل ا ً‬
‫ِ‬
‫ا َذا َما ْاب َت َال ُه َرُّب ُه َف َا ْك َر َم ُه َو َن َّع َم ُه َف َي ُق ُول َرّبي َا ْك َر َمن " وان هذا دليل على كرامتي عند هللا ومكانتي" َو َا َّما اذاَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َما ابتال ُه فقد َر َعل ْي ِه ِرزق ُه ف َيقول َرِّبي اهان ِن" قال هللا (كال) ليس هذا وال هذا ليس هذا الذي يظن هؤالء‬
‫إذا ما هو االمر؟ هذا إبتالء وهذا إبتالء من يعطيه هللا عز وجل العطاء الدنيوي‬ ‫وال الذي يظن اولئك‪ً ،‬‬
‫يضا مبتلى فإن هللا سبحانه وتعالى يبتلي بالرخاء والشدة‬ ‫ضيق عليه في امور الدنيا ا ً‬ ‫مبتلى ومن ا ً‬
‫يضا ُي ِّ‬
‫ون ﴿‪﴾٣٥‬‬ ‫الش ّر َو ْال َخ ْير ِف ْت َن ًة ۚ َوا َل ْي َنا ُت ْر َج ُع َ‬ ‫َّ‬ ‫ََُْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويبتلي بالصحة والمرض ويبتلي بالغنى والفقر" ونبلوكم ِب ِ‬
‫عجبا المر المؤمن إان امره كله خير إان اصابته) هذا هو اإلبتالء‬ ‫يبتلي بهذا وهذا ولهذا قال النبي ﷺ ( ً‬
‫االول الذي هو النعمة والعطاء ( إان اصابته سراء شكر فكان خي ًرا له و إان اصابته) وهذا اإلبتالء الثاني‬
‫الشدة والمرض والفقر وما إلى ذلك ( إان اصابته ضراء صبر فكان خي ًرا له) وذلك ال يكون إال للمؤمن‬
‫فالمؤمن مبتلى بالسراء والضراء بالشدة والرخاء لكنه فائز في ِكال اإلبتالئين فهو في سرائه فائز بثواب‬
‫الشاكرين وفي ضرائه فائز بثواب الصابرين‪ ،‬وثمة خالف عند اهل العلم قديم وبعضهم افرده بمصنف‬
‫ايهم اعظم عند هللا الغني الشاكر او الفقير الصابر؟ الن ُك ًال منهما ا ِّدى عبودية إبتالئه الذي إبتاله هللا به‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫ذاك إبتاله هللا بالغنى فشكر وهذا ابتاله بالفقر فصبر كل ادى العبودية التي تتعلق بنوع اإلبتالء الذي‬
‫يخصه ‪ .‬قال ابن القيم رحمه هللا ‪ :‬سالت شيخ اإلسالم ابن تيمية عن هذه المسالة فقال ‪:‬اعظمهما اج ًرا‬
‫اتقاهما هلل " االتقى هلل هو االعظم اج ًرا" قال‪ :‬قلت له‪ :‬فإن كانوا في التقوى سواء ‪ ,‬قال‪ :‬هم في االجر‬
‫سواء‪ ,‬الغني الشاكر والفقير الصابر‪ ,‬قال هم في االجر سواء‪ ,‬الن هذا ابتالء هذا‪ ,‬وهذا ابتالء هذا‪ ,‬فهذا‬
‫حقق العبودية المطلوبة ‪,‬وهذا حقق العبودية المطلوبة‪ ,‬فليس كما ُيظن ان المرء إذا ُو ِّسع عليه في الدنيا‬
‫هذا من عالمات إكرام هللا وحبه له‪ ,‬وما يدري هذا المسكين قد تكون هذه السعة الدنيوية استدراج مثل ما‬
‫َ‬ ‫تقدم معنا في الحديث وفي االية الكريمة ‪َ ":‬س َن ْس َت ْدر ُج ُهم ِّم ْن َح ْي ُث َال َي ْع َل ُم َ‬
‫ون (‪َ )182‬و ُا ْم ِلي ل ُه ْم ِا َّن‬ ‫ِ‬
‫َك ْي ِدي َم ِتين "‪-‬نعم*‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الد ْن َيا َم ْن ُي ِح ُّب َو َم ْن ال ُي ِح ُّب َوال ُي ْع ِطي ِاال َيم َان ِاال َم ْن‬
‫َّللا ُي ْع ِطي ُّ‬
‫َو ِفي َج ِامع ِّالت ْر ِم ِذ ّي َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ‪« :‬ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ِح ُّب»‬
‫نعم وهدا المعنى الذي في هذا الحديث هو في االيةالتي تقدمت وهي في سورة اإلسراء قال هللا سبحانه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫وتعالى‪ُ ﴿ :‬كال ُن ِم ُّد َه ُؤال ِء ﴾‪ .‬هؤالء‪ :‬يعني الك فار﴿ ُكال ُن ِم ُّد َه ُؤال ِء َو َه ُؤال ِء ِم ْن َع َط ِاء َر ِِّب َك﴾‪ .‬المقصود‬
‫بالعطاء هنا ما هو الدنيوي ‪,‬مثل ما في الحديث‪ ":‬إن هللا يعطي الدنيا من يحب ومن ال يحب"‬
‫اما اإليمان ‪:‬الدين ال يعطيه هللا إال من يحب‪ ,‬فيكرمه سبحانه وتعالى‪ ,‬ويفوز بإصطفاء هللا واجتبائه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهدايته‪ ,‬مثل ما قال هللا سبحانه وتعالى ‪َ ":‬و َل ِك َّن َّ َ‬
‫َللا َح َّب َب ِإل ْي ُك ُم ِاإل َيم َان َو َز َّي َن ُه ِفي ُق ُلو ِب ُك ْم َو َك َّر َه ِإل ْي ُك ُم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ًْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ْ َ َ ُ َٰ‬
‫َللا و ِنعمة وَللا ع ِليم ح ِكيم ( وقال هللا‬ ‫الك فر والفسوق وال ِعصيان اول ِئك هم الر ِاشدون (‪ )7‬فضال ِمن ِ‬
‫َللا َع َل ْي ُك ْم َو َر ْح َم ُت ُه َما َز َك ٰى ِم ُنكم ِِّم ْن ا َح ٍد ا َب ًدا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫َللا ُي َز ِِّكي َم ْن َي َش ُاء "وقال‪"َ :‬ول ْوال ف ْضل َّ ِ‬
‫سبحانه وتعالى‪َ ":‬بل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫"وااليات في هذا المعنى ك ثيرة نعم*‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َّللا َع َل ْي ِه َو ُه َو ال َي ْع َل ُم‪،‬‬ ‫الس َلف‪ُ :‬ر َّب ُم ْس َت ْد َرج بن َعم َّ َ‬
‫َّللا َعل ْي ِه َو ُه َو ال َي ْعل ُم‪َ ،‬و ُر َّب َم ْغ ُرو ٍر ِب َس ْت ِر َّ ِ‬
‫ٍ ِِ ِ ِ‬ ‫ض َّ ِ‬ ‫َو َق َال َب ْع ُ‬
‫َ‬
‫اس َع َل ْي ِه َو ُه َو ال َي ْع َل ُم‪.‬‬ ‫َو ُر َّب َم ْف ُت َ َ َّ‬
‫ون ِبثن ِاء الن ِ‬
‫ٍ‬
‫مستدرج بنعم هللا وهو ال يعلم‬ ‫َ‬ ‫* هذه ثالث‪ -‬ثالث جديرة بالتامل‪ -‬في هذه الكلمة لبعض السلف يقول‪ُ :‬رب‬
‫ويكون توالي النعم عليه وتتاليها يتوهم من ذلك ان هذا عن رضى من هللا سبحانه وتعالى وال يعلم ان هذا‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ون َا َّن َما ُنم ُّد ُه ْم به م ْن َمال َو َب ِن َ ُ‬
‫استدراج له مثل ما في االية الكريمة‪َ {":‬ا َي ْح َس ُب َ‬
‫ين ن َسا ِر ُع ل ُه ْم ِفي الخ ْي َر ِ‬
‫ات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫َبل ال َي ْش ُع ُرو َن } فهذا استدراج‪ُ .‬فرب إانسان تتوالى عليه النعم وهو ال يعلم ان هذا استدراج له ورب‬
‫فيغره ذلك‬ ‫مغرور بستر هللا عليه وهو ال يعلم ‪ :‬يجد انه يرتكب معاصي واخرى وثالثة وال احد ِّيطلع عليه ِّ‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫مفتون بثناء الناس عليه وهو ال يعلم ‪,‬ال يعلم انه في خيبة‬
‫ٍ‬ ‫ويفضي به إلى التمادي في هذا الباب‪ .‬ورب‬
‫ظاهر باطنه خالف ذلك‪ ,‬ولنا الظاهر وهللا يتولى السرائر‪,‬‬ ‫ُ‬
‫وخسران وخاصة إذا كان الناس يثنون عليه في ٍ‬
‫فربما يغتر بثناء الناس عليه وباطنه الذي يعلمه هللا سبحانه المطلع على السرائر يوجب سخط هللا ومقته‬
‫وغضبه سبحانه وتعالى نعم‪.‬‬
‫[ َف ْصل ِاال ْغ ِت َر ُار ب ُّ‬
‫الد ْن َيا]‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َا ْع َظ ُم ْال َخ ْلق ُغ ُرو ًرا َمن ْاغ َت َّر ب ُّ‬
‫اج َل َها‪َ ،‬فا َث َر َها َع َلى اال ِخ َر ِة‪َ ،‬و َر ِض َي ِب َها ِم َن اال ِخ َر ِة‪َ ،‬ح َّتى َي ُق َول‬ ‫الد ْن َيا َو َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ض َه ُؤال ِء‪ :‬الدن َيا نقد‪ ،‬واال ِخ َرة ن ِسيئة‪ ،‬والنقد اح َسن ِمن الن ِسيئ ِة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫بع‬
‫ودة‪َ ،‬و َال ُد َّرة َم ْو ُع َ‬
‫ودة‪.‬‬ ‫َو َي ُق ُول َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ذ َّرة َم ْن ُق َ‬
‫ََ ََُ ْ َ‬
‫ين ب َّ‬
‫الش ِّك‪.‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ َ ُ ُ َ ْ َ َّ ُ ُّ ْ ُ َ َّ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫ويقول اخ ُر ِمن ُه ْم‪ :‬لذات الدن َيا مت َيقنة‪ ،‬ولذات اال ِخ َر ِة مشكوك ِف َيها‪ ،‬وال ادع ال َي ِق ِ‬

‫خرج من هذه‬ ‫نسال هللا العافية‪ ,‬نسال هللا العافية ‪ ,‬يعني هذا كله من كيد الشيطان البن ادم حتى َي ُ‬
‫مفلسا من الخير وال يزال الشيطان يدخل على الناس من مداخل ومداخل حتى يغادروا هذه‬ ‫الدنيا ً‬
‫الدنيا وهم مفاليس ‪-‬من الخير نسال هللا عز وجل العافية والسالمة‪ -‬فيقول ابن القيم ‪ :‬من اعظم‬
‫الناس والخلق غرو ًرا من اغتر بالدنيا وعاجلها‪ ,‬فاثرها على االخرة ورضي بها من االخرة ‪ :‬ودخل عليه‬
‫الشيطان من هذا المدخل الدنيا نقد واالخرة نسيئة مؤجل والنقد احسن من النسيئة‪ :‬شيء بيدك‬
‫احسن من شيء مؤجل او مؤخر النقد ‪,‬يملي لهم الشيطان مثل هذا الدنيا نقد واالخرة نسيئة والنقد‬
‫احسن من النسيئة وسياتي اجوبة عظيمة وجميلة البن القيم عن هذه الكلمات كلها ويقول‪ :‬بعضهم‬
‫َذ ّرة يعني شيء يسير قليل منقودة تعطى تاخذها فو ًرا وال ُد ّرة وال درة ثمينة موعودة ويقول اخر منهم‬
‫للذات الدنيا متيقنة وللذات االخرة مشكوك فيها والمشكوك فيه ما هو سالمة عقل من يقول هذا‬
‫الكالم ‪-‬عقله ليس فيه سالمة‪ -‬ودينه ليس فيه سالمة ‪-‬ولهذا ايضا سياتي جواب ابن القيم رحمة هللا‬
‫عليه عن هذا فيقول صاحب هذا‪ :‬ال ادع اليقين بالشك‪ -‬نعم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َه َذا م ْن َا ْع َظم َت ْلبيس َّ‬
‫الش ْي َط ِان َو َت ْس ِوي ِل ِه‪َ ،‬وال َب َها ِئ ُم ال ُع ْج ُم َا ْع َق ُل ِم ْن َه ُؤال ِء؛ َف ِا َّن ال َب ِه َيم َة ِا َذا َخ َاف ْت‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َم َض َّر َة َش ْي ٍء ل ْم ُت ْق ِد ْم َعل ْي ِه َول ْو ُض ِرَب ْت‪َ ،‬و َه ُؤال ِء ُي ْق ِد ُم َا َح ُد ُه ْم َعلى َما ِف ِيه َعط ُب ُه‪َ ،‬و ُه َو َب ْي َن ُم َص ِّد ٍق‬
‫َو ُم َك ِّذ ٍب‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫اس َح ْس َر ًة‪َ ِ ،‬ال َّن ُه َا ْق َد َم َع َلى‬ ‫اَّلل َو َر ُسو ِل ِه َو ِل َقا ِئ ِه َو ْال َج َز ِاء‪َ ،‬ف ُه َو ِم ْن َا ْع َظم َّ‬
‫الن‬ ‫ِ‬ ‫الض ْر ُب ا ْن ا َم َن َا َح ُد ُه ْم ب َّ‬ ‫َف َه َذا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َو َر ُسو ِل ِه َف َا ْب َع ُد َله‪ُ.‬‬
‫ِع ْلم‪َ ،‬وا ْن َل ْم ُي ْؤ ِم ْن ب َِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ْ‬
‫َو َق ْو ُل َه َذا ال َقا ِئ ِل‪َّ :‬الن ْق ُد َخ ْير ِم َن َّالن ِس َيئ ِة‪.‬‬
‫ف َج َو ُاب ُه َا َّن ُه ِا َذا َت َس َاوى َّالن ْق ُد َو َّالن ِس َيئ ُة َفال َّن ْق ُد َخ ْير‪َ ،‬و ِا ْن َت َف َاو َتا َو َك َان ِت َّالن ِس َيئ ُة َا ْك َب َر َو َا ْف َض َل َف ِه َي َخ ْير‪،‬‬
‫ْ ََْ ْ‬ ‫الد ْن َيا ُك ُّل َها ِم ْن َا َّو ِل َها ا َلى ا ِخر َها َك َن َفس َ‬ ‫َف َك ْي َف َو ُّ‬
‫اس اال ِخ َر ِة؟‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫اح‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْن َيا في اال ِخ َر ِة‬ ‫كما في مسند االمام احمد من حديث اوس بن شداد قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ ‪َ " :‬ما ُّ‬
‫ْ ْ‬ ‫ا ّال ِم ْث ُل َما َي ْج َع ُل َا ُ‬
‫حد ُك ْم ُا ْص ُب َع ُه في ال َي ِّم َفل َي ْن ُظ ْر ِب َم َي ْر ِج ُع"‬ ‫ِ‬
‫إذا ماذا يكون متاع الدنيا ؟هذا المثل عجيب وعظيم جدا إذا جاء اإلنسان للبحر الواسع المتباعد االطراف‬ ‫ً‬
‫وادخل إصبعه في البحر ثم يعقد موازنة بين الماء الذي علق بإصبعه والبحر ماذا يساوي؟ فهذا َمثل‬
‫للفرق بين الدنيا ونعيم االخرة‪ ,‬بل ليس في الدنيا مما في االخرة إال االسماء فيها ما ال عين رات وال اذن‬
‫سمعت والخطر على قلب بشر‪ -‬نعم‪.‬‬
‫َفا َيث ُار َه َذا َّالن ْقد َع َلى َهذه َّالنس َيئة‪ ،‬م ْن َا ْع َظم ْال ُغ ْبن َو َا ْق َبح ْال َج ْهل‪َ ،‬وا َذا َك َان َه َذا ِن ْس َب َة ُّ‬
‫الد ْن َيا ِب َم ْج ُم ِوع َها‬ ‫ِ ِ‬ ‫َِ ْ ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الى اال ِخ َر ِة‪ ،‬ف َما ِمقد ُار ُع ُمر االن َسان ب ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الن ْس َب ِة ِالى اال ِخ َر ِة‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يقارن باالخرة الباقية؟ماذا يقارن باالخرة؟! " َو ِإ َّن َّالد َار‬ ‫جدا‪ ,‬يعني عمر اإلنسان ماذا َ‬ ‫يضا الفتة عظيمة ً‬ ‫وهذا ا ً‬
‫قارن؟ يعني إذا قلنا عمر اإلنسان سبعين سنة ؟ إذا كان‬ ‫ون "فماذا ُي َ‬ ‫ْاال ِخ َر َة َله َي ْال َح َي َو ُان َل ْو َك ُانوا َي ْع َل ُم َ‬
‫ِ‬
‫عمره سبعين سنة وهو ينام النوم المعتاد في اليوم والليلة ثمان ساعات كم يصفي من السبعين؟ لو قلنا‬
‫مكلف‪,‬‬ ‫ستين اهون للحساب‪ ,‬إذا كان عمره ستين سنة ونام في كل يوم وليلة ثمان ساعات والنائم غير َّ‬
‫عشرين سنة إنتهت هذه من عمره غير مكلف فيها ‪ ,‬وخمسة عشر سنة قبل التكليف‪ -‬ما بقي شيء ‪ -‬يبقى‬
‫يقارن؟ دعك‬ ‫جدا‪ ,‬انظر اول شي يكون في االخرة يوم كان مقداره خمسين الف سنة ماذا َ‬ ‫ُس ِّنيات قليلة ً‬
‫نعيما هنا‬ ‫يحصل ً‬ ‫االن من النعيم الذي هنا والنعيم الذي هناك ‪,‬لكن الوقت ومقدار العمر إذا كان اإلنسان ِّ‬
‫وإال بعض‬ ‫جدا ‪,‬هذا إن اعطي عم ًرا ِّ‬ ‫الس ِّنيات القليلة ً‬ ‫في هذه الحياة الدنيا يخسر بسببه نعيم االخرة في هذه ُ‬
‫الناس سبحان هللا نسال هللا العافية ‪-‬نسال هللا العافية ‪-‬بعض الناس يركب سيارته او في الطائرة من بلد‬
‫إلى بلد وليس له حاجة إال المعصية في البلد الذي هو مسافر إليه ويموت في الطريق ا ِّي خسارة هذه ! اي‬
‫بالء هذا ! اي شدة هذه! وهذا الذي ينتقل من بلد إلى بلد او من حي إلى حي بدون سفر‪ ,‬قد يموت في‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫طريقه‪ ,‬ما يامن اإلنسان متى ياتيه الموت؟ فتنتهي هذه الدنيا التي هو مغتر بمالذها متهالك على مالذها‬
‫فيخسر نعيم االخرة والعياذ باهلل ‪-‬نعم‬
‫ْ‬ ‫َف َا ُّي َما َا ْو َلى ب ْال َعاقل؟ ا َيث ُار ْال َعاجل في َهذه ْال ُم َّدة ْال َيس َير ِة‪َ ،‬و ِح ْر َم ُان ْال َخ ْير َّ‬
‫الدا ِئ ِم ِفي اال ِخ َر ِة‪َ ،‬ا ْم َت ْر ُك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َش ْي ٍء َح ِق ٍير َص ِغ ٍير ُم ْن َق ِط ٍع َع ْن ُق ْر ٍب‪ِ ،‬ل َيا ُخذ َما ال ِق َيم َة ل ُه َوال َخط َر ل ُه‪َ ،‬وال ِن َه َاي َة ِل َع َد ِد ِه‪َ ،‬وال َغ َاي َة ِال َم ِد ِه؟‬
‫جدا فيسال عنه يقال‬ ‫ستعمل تارة في الشيء التافه اليسير ً‬ ‫*ال قيمة له ‪,‬هذه الكلمة لها استعماالن ‪:‬يعني ُت َ‬
‫شيائ ‪ً ,‬‬ ‫ً‬
‫وتارة تستعمل في الثمين غاية الثمن الذي ال قيمة له يعني ‪ :‬مهما‬ ‫هذا ال قيمة له‪ ,‬يعني ال يساوي‬
‫بذلت من قيمة فال توفيه ‪,‬وابن القيم الحظته في ك تبه تارة يستعمل هذه الكلمة في هذا‪ ,‬وتارة يستعملها‬
‫في هذا‪ ,‬ال قيمة له‪ ,‬فهي ُتستعمل يعني في التافه الذي ال قيمة له‪ ,‬والثمين غاية الثمانة الذي مهما بذل فيه‬
‫قيمة ال يوفى‪ ,‬وقوله وال َخ َط َر له‪ :‬اي المثل له ‪ ,‬وجاء في حديث في ابن ماجة "شمروا إالى الجنة إفانها ال‬
‫خطر لها" يعني ال مثل لها ‪,‬لكن إسناده ضعيف –نعم‪.‬‬
‫َو َا َّما َق ْو ُل ْاال َخر‪َ :‬ال َا ْت ُر ُك ُم َت َي َّق ًنا ل َم ْش ُكوك فيه‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا َّما َا ْن َت ُك َ َ‬
‫َّللا َو َو ِع ِيد ِه‬ ‫ون َعلى َش ٍّك ِم ْن َو ْع ِد َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ون َيقين م ْن َذل َك‪َ ،‬فا ْن ُك ْن َت َع َلى ال َيقين َف َما َت َر ْك َت اال َذ َّر ًة َعاج َل ًة ُم ْن َقط َع ًة َفا ِن َيةً‬ ‫َ‬ ‫َوص ْدق ُر ُسله‪َ ،‬ا ْو َتكُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َع ْن ُق ْر ٍب‪ ،‬ال ُمر ُم َت َي َّقن ال َش َّك ِف ِيه َوال ْان ِق َط َاع ل ُه‪.‬‬
‫َّ ّ َ َ َ َّ َّ‬
‫الدال َة َع َلى ُو ُج ِود ِه َو ُق ْد َرِت ِه َو َم ِش َيئ ِت ِه‪َ ،‬و َو ْح َدا ِن َّي ِت ِه‪َ ،‬و ِص ْد ِق‬ ‫ات الر ِب تعالى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ِا ْن ك ْن َت َعلى َش ٍّك ف َر ِاج ْع ا َي ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َّللا‪َ ،‬و َت َج َّر ْد َو ُق ْم ِ َّ َِّلل َن ِاظ ًرا َا ْو ُم َن ِاظ ًرا‪َ ،‬ح َّتى َي َت َب َّي َن ل َك َا َّن َما َج َاء ْت ِب ِه ُّالر ُس ُل َع ِن‬ ‫َ ْ‬
‫ُر ُس ِل ِه ِف َيما اخ َب ُروا ِب ِه َع ِن َّ ِ‬
‫َ‬
‫ض َي َت َعالى َو َي َت َق َّد ُس َو َي َت َن َّز ُه‬ ‫الس َم َاو ِ َ ْ َ ْ‬ ‫َّللا َف ُه َو ْال َح ُّق َّال ِذي َال َش َّك ِف ِيه‪َ ،‬و َا َّن َخا ِل َق َه َذا ْال َع َال ِم َو َر َّب َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ات واالر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َع ْن ِخال ِف َما َا ْخ َب َر ْت ِب ِه ُر ُس ُل ُه َع ْن ُه‪َ ،‬و َم ْن َن َس َب ُه ِالى َغ ْي ِر َذ ِل َك َف َق ْد َش َت َم ُه َو َك َّذ َب ُه‪َ ،‬و َا ْن َك َر ُرُبو ِب َّي َت ُه َو ُمل َك ُه‪ِ ،‬اذ‬
‫ً َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون ال َم ِل ُك ال َح ُّق َع ِاج ًزا َا ْو َج ِاهال‪ ،‬ال َي ْع َل ُم َش ْي ًائ‪،‬‬ ‫ِم َن ال ُم َح ِال ال ُم ْم َت ِن ِع ِع ْن َد ُك ّ ِل ِذي ِفطر ٍة س ِليم ٍة‪ ،‬ان يك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫يب َوال ُي َع ِاق ُب‪َ ،‬وال ُي ِع ُّز َم ْن َي َش ُاء‪َ ،‬وال ُي ِذ ُّل َم ْن‬ ‫وال يسمع وال يب ِصر وال يتكلم‪ ،‬وال يامر وال ينهى‪ ،‬وال ي ِث‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اف َم ْم َل َك ِت ِه َو َن َو ِاح َيها‪َ ،‬وال َي ْع َت ِني ِب َا ْح َو ِال َر ِع َّي ِت ِه‪َ ،‬ب ْل َي ْت ُر ُك ُه ْم ُس ًدى‬ ‫َيش ُاء‪َ ،‬وال ُي ْر ِسل ُر ُسل ُه ِالى اط َر ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وك ْال َب َشر َو َال َي ِل ُ‬ ‫َو ُي َخ ّليه ْم َه َم ًال‪َ ،‬و َه َذا َي ْق َد ُح في ُم ْلك ا َحاد ُم ُ‬
‫يق ِب ِه‪َ ،‬ف َك ْي َف َي ُجو ُز ِن ْس َب ُة ال َم ِل ِك ال َح ِ ّق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َْ‬
‫ين ِالي ِه؟‬ ‫ْال ُِ‬
‫ب‬‫م‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ْ ْ ُ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ْ َ ً َ‬
‫ين َك َما ِل ِه َو ْاس ِت َوا ِئ ِه َت َب َّي َن ل ُه َا َّن َم ْن ُع ِن َي ِب ِه َه ِذ ِه‬ ‫و ِْاذا تامل ِاالن َسان حاله ْ ِمن مبد ِا كو ِن ِه نطفة ِالى ْ ِح ِ‬
‫َ‬ ‫ال ِع َن َاي َة‪َ ،‬و َن َق َل ُه ا َلى َه ِذ ِه َاال ْح َوال‪َ ،‬و َص َّر َف ُه ِفي َه ِذ ِه َاال ْط َوار‪َ ،‬ال َي ِل ُ‬
‫يق ِب ِه َا ْن ُي ْه ِم َل ُه َو َي ْت ُر َك ُه ُس ًدى‪ ،‬ال َي ْا ُم ُر ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َال َي ْن َه ُاه َو َال ُي َع ّر ُف ُه ب ُح ُق ِوق ِه َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َال ُي ِث ُيب ُه َو َال ُي َع ِاق ُبه‪ُ.‬‬
‫ِ ِ‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫نعم كما في قوله سبحانه وتعالى‪َ ( :‬ا َي ْح َس ُب ا إال ْن َس ُان َا ْن ُي ْت َر َك ُس ًدى ) اي ال يؤمر وال ُينهى‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َول ْو َت َا َّم َل ال َع ْب ُد َح َّق َّالت َا ُّم ِل ل َك َان ُك ُّل َما ُي ْب ِص ُر ُه َو َما ال ُي ْب ِص ُر ُه َد ِليال ل ُه َع َلى َّالت ْو ِح ِيد َو ُّالن ُب َّو ِة َوال َم َع ِاد‪َ ،‬و َا َّن‬
‫ْ‬ ‫ْال ُق ْرا َن َك َال ُم ُه‪َ ،‬و َق ْد َذ َك ْرَنا َو ْج َه ِاال ْس ِت ْد َال ل ب َذ ِل َك ِفي ِك َ‬
‫اب ِا َيم ِان ال ُق ْرا ِن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ ِ‬
‫هذا مطبوع التبيان" التبيان في اقسام القران" وهنا ذكر اسمه بمعناه‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ع ْن َد َق ْوله‪َ { :‬ف َال ُا ْقس ُم ب َما ُت ْبص ُرو َن ‪َ -‬و َما َال ُت ْبص ُرو َن ‪ -‬ا َّن ُه َل َق ْو ُ‬
‫ول َك ِر ٍيم} [ ُسو َر ُة ال َح َّاق ِة‪. ]40 - 38 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َُْ ُ َ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ ً‬
‫ات‪. ]21 :‬‬ ‫َوذك ْرنا ط َرفا ِم ْن ذ ِل َك ِع ْن َد ق ْو ِل ِه‪َ { :‬و ِفي انف ِسك ْم افال ت ْب ِص ُرو َن} [ ُسو َر ُة الذ ِارَي ِ‬
‫ات َك َما ِل ِه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ ْْ‬
‫ات ِصف ِ‬ ‫َوا َّن ِاالن َس َان َد ِليل نف ِس ِه َعلى ُو ُج ِود خا ِل ِق ِه َوت ْو ِح ِيد ِه‪َ ،‬و ِصد ِق ُر ُس ِل ِه‪َ ،‬و ِاث َب ِ‬
‫ْ‬
‫َف َق ْد َب َان َا َّن ال ُم َض ِّي َع َم ْغ ُرور َع َلى َّالت ْق ِد َيرْي ِن‪َ :‬ت ْق ِد ِير َت ْص ِد ِيق ِه َو َي ِق ِين ِه‪َ ،‬و َت ْق ِد ِير َت ْك ِذ ِيب ِه َو َش ِّك ِه‪.‬‬
‫نعم تقديرين‪ -‬تقدم ذكر ابن القيم رحمه هللا تعالى ‪-‬النه قال‪ :‬إما ان يكون كذا وإما ان يكون كذا يعني إما‬
‫مصدق ثم ال يعمل او يكون شاك غير مصدق فهو على التقديرين مغرور ‪ -‬نعم‬ ‫ان يكون ِّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َف ِا ْن ُقل َت‪َ :‬ك ْي َف َي ْج َت ِم ُع َّالت ْص ِد ُيق ال َج ِاز ُم ال ِذي ال َش َّك ِف ِيه ِبال َم َع ِاد َوال َج َّن ِة َو َّالن ِار َو َي َت َخ َّل ُف ال َع َم ُل؟ َو َه ْل‬
‫وك ِل ُي َع ِاق َب ُه َا َش َّد ُع ُق َوب ٍة‪َ ،‬ا ْو‬ ‫الط َباع ْال َب َشرَّية َا ْن َي ْع َل َم ْال َع ْب ُد َا َّن ُه َم ْط ُلوب َغ ًدا ا َلى َب ْين َي َد ْي َب ْعض ْال ُم ُ‬
‫ل‬ ‫في ّ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬
‫يت َس ِاه ًيا َغ ِافال‪ ,‬ال َي َت َذ َّك ُر َم ْو ِق َف ُه َب ْي َن َي َد ِي ال َم ِل ِك‪َ ،‬وال َي ْس َت ِع ُّد ل ُه‪َ ،‬وال َي ْا ُخ ُذ ل ُه‬ ‫ُي ْكر َم ُه َا َت َّم َك َر َام ٍة‪َ ،‬و َيب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُا ْه َب َت ُه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّللا ُس َؤال َص ِحيح َوارد َع َلى َا ْك َثر َه َذا ْال َخ ْلق‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫اج ِت َم ُاع َه َذ ْي ِن َاال ْم َرْي ِن ِم ْن َا ْع َج ِب َاال ْش َي ِاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِقيل‪َ :‬هذا ل َع ْم ُر َّ ِ‬
‫َ َ َّ َ ُّ َ ُ َّ ُ َ‬
‫َوهذا التخل ُف له ِعدة ا ْس َب ٍ‬
‫اب‪:‬‬
‫*انتبه هنا لمسالة عظيمة ينبه عليها رحمه هللا يقول‪ :‬فإن قيل او قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي ال‬
‫شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف عن العمل الحظ عبارة ابن القيم قال‪ :‬التصديق الجازم الن‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫مفصال ً‬ ‫التصديق باليوم االخر على درجتين ‪ُ ,‬وي َ‬
‫ونافعا في ك تاب" فتح الملك العالم‬ ‫نظر في بيان ذلك بيانا‬
‫في العقائد واالداب واالحكام" المستنبطة من القران لإلمام ابن السعدي رحمه هللا تعالى" وهو الك تاب‬
‫الذي بإذن هللا سبحانه وتعالى سنقرؤه في شهر رمضان المبارك بعد صالة العصر هو‪ :‬ك تاب عظيم ونافع‬
‫غاية وفيه خالصة معاني القران في العقيدة واالداب االحكام ‪,‬وهو من ك تب الشيخ رحمه هللا النفيسة‬ ‫ً‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫فالحاصل ان التصديق باليوم االخر او اإليمان باليوم االخر على درجتين‪ -:‬الدرجة االولى‪ :‬اإليمان او‬
‫التصديق الجازم‪ ,‬والثانية اإليمان او التصديق الراسخ‪.‬‬
‫الفرق بينهما شاسع‪ ,‬ولهذا الحظ عبارة ابن القيم قال‪ :‬فإن قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي الشك‬
‫فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل الراسخ ‪-‬ال يتخلف معه العمل الراسخ ‪,‬ال يتخلف معه العمل الن‬
‫حسنها عندما تحدثه‬ ‫الراسخ هو الذي يكون حاض ًرا مع العبد في اوقاته في الطاعة ‪,‬يستحضر اليوم االخر ُفي ِ ِّ‬
‫ين (‪)26‬‬ ‫نفسه باالمعصية‪ ,‬يستحضر اليوم االخر‪ ,‬فيك ف عنها وال يزال معه (إ َّنا ُك َّنا َق ْب ُل ِفي َا ْه ِل َنا ُم ْش ِف ِق َ‬
‫ِ‬
‫الس ُموم )‪َ ,‬ف َا َّما َم ْن ُاو ِت َي ك َت َاب ُه ب َيم ِينه َف َي ُق ُول َه ُاؤ ُم ْاق َر ُءوا ك َتاب َي ْه (‪ )19‬إ ِنيِّ‬ ‫َف َم َّن َّ ُ َ َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫َللا َعل ْينا َووقانا َعذ َاب َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َظ َن ُ‬
‫نت َا ِِّني ُمال ٍق ِح َسا ِب َي ْه (‪ )20‬اي اعتقدت اني مالق حسابي ‪,‬فاما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن‬
‫الهوى‪ ,‬اإليمان الراسخ ال يتخلف معه العمل اما اإليمان الجازم فهو الذي فيه هذه المسالة التي ذكر‪,‬‬
‫واإليمان الجازم هو الحد الذي ال ُيقبل ادنى منه في صحة اإليمان النه ادنى من ذلك الشك وهو ك فر ‪,‬لم‬
‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ َ‬
‫اَلل َو َر ُسو ِل ِه ُث َّم‬
‫ون ال ِذ َين ا َم ُنوا ِب َّ ِ‬ ‫يكن هناك جزم فما الذي دون الجزم نعم الشك والشك ك فر" ِإنما المؤ ِمن‬
‫َ‬
‫ل ْم َي ْرَت ُابوا " اي ايقنوا ولم يشكوا فإذا ُوجد الشك ‪-‬الظن‪ -‬لم يستقم حينئذ إيمان ‪,‬الن اإليمان ال بد فيه من‬
‫ويتخلف العمل هل هذا يمكن؟‬ ‫جزم فهل يجتمع التصديق الجازم الذي ال شك فيه بالمعاد والجنة والنار ِّ‬
‫قال ابن القيم ‪:‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ان هذا ُمم ِكن و له اسباب ‪ ,‬واشار إلى بعضها‪ ,‬االسباب التي اشار إليها‬
‫ينبغي ان ينتبه اإلنسان لها حتى يكون في سالمة وعافية‪ -‬نعم‬

‫اب‪:‬‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ْ‬
‫س‬ ‫ا‬‫َو َه َذا َّالت َخ ُّل ُف َل ُه ع َّد ُة َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ْ ُ ْ ْ َُْ َ ُ ْ‬
‫ين‪َ ،‬و َم ْن َظ َّن َا َّن ال ِعل َم ال َي َت َف َاو ُت‪َ ،‬ف َق ْول ُه ِم ْن َا ْف َس ِد َاال ْق َو ِال َو َا ْب َط ِل َها‪.‬‬‫ِ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫احدها‪ :‬ضعف ال ِعل ِم‪ ،‬ونقصان‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َق ْد َس َا َل ِا ْب َر ِاه ُيم ال َخ ِل ُيل َرَّب ُه َا ْن ُي ِرَي ُه ِا ْح َي َاء ال َم ْو َتى ِع َي ًانا َب ْع َد ِعل ِم ِه ِب ُق ْد َر ِة َّالر ّ ِب َع َلى َذ ِل َك‪ِ ،‬ل َي ْز َد َاد‬
‫وم َغ ْي ًبا َش َه َاد ًة‪.‬‬‫ُط َم ْا ِن َين ًة‪َ ،‬و َي ِص َير ْال َم ْع ُل ُ‬
‫َ َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫مخب ُر َكال ُم َع َاي َن» ‪.‬‬ ‫َو َق ْد َر َوى َا ْح َم ُد ِفي ُم ْس َن ِد ِه َع ِن َّالن ِب ّ ِي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬انه قال‪« :‬ليس ال‬
‫نقال ‪,‬يقال له ‪:‬حصل كذا‪ُ ,‬وجد كذا ‪,‬وقع كذا‪ ,‬هل هو سواء مع المعاين‬ ‫المخبر‪ :‬هو الذي يصل إليه الخبر ً‬ ‫* َ‬
‫الذي يشاهد االمر بعينه‪ -‬يقف عليه بنفسه‪ -‬يراه؟ "ليس المخبر كالمعاين" وا ً‬
‫يضا يروى الحديث وهو‬
‫حديث ثابت" ليس الخبر كالمعاينة" نعم‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫ْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َف ِا َذا ْاج َت َم َع ِالى َض ْع ِف ال ِعل ِم َع َد ُم ْاس ِت ْح َض ِار ِه‪َ ،‬ا ْو َغ ْي َب ُت ُه َع ِن ال َقل ِب ِفي َك ِث ٍير ِم ْن َا ْو َقا ِت ِه َا ْو َا ْك َث ِر َها‬
‫الش ْه َو ِة‪َ ،‬و َت ْس ِو ُيل‬ ‫ات ْال َه َوى‪َ ،‬و ْاس ِت َيال ُء َّ‬‫الط ْبع‪َ ،‬و َغ َل َب ُ‬‫ال ْشت َغاله ب َما ُي َض ُّاد ُه‪َ ،‬و ْان َض َّم ا َلى َذل َك َت َقاضي َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الش ْي َط ِان‪َ ،‬و ْاس ِت ْب َط ُاء ال َو ْع ِد‪َ ،‬و ُط ُول َاال َم ِل‪َ ،‬و َر ْق َد ُة ال َغ ْف َل ِة‪َ ،‬و ُح ُّب ال َع ِاج َل ِة‪َ ،‬و ُر َخ ُ‬ ‫َّالن ْفس‪َ ،‬و ُغ ُرو ُر َّ‬
‫ص‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ ِ َ ْ ُ ْ‬
‫التا ِو ِيل و ِالف العوا ِئ ِد‪..‬‬

‫* هذه االن ماهي‪ ,‬ما هي هذه ?هذه اسباب التخلف يعني‪ :‬يؤمن باليوم االخر ‪,‬ويصدق باليوم االخر ‪,‬وفي‬
‫العمل يتخلف‪ ,‬يقع في المعاصي‪ ,‬يفرط في الطاعات ‪,‬وهو يؤمن بانه سيقف بين يدي هللا وانه سيحاسبه ‪-‬‬
‫فهناك اسباب احدها‪ :‬ضعف العلم‪ ,‬ونقصان اليقين ‪ -‬إفاذا انضم إالى ضعف العلم ونقصان اليقين تقاضي‬
‫الطبع ‪,‬غلبة االهواء‪ ,‬استيالء الشهوة‪ ,‬تسهيل النفس‪ ,‬غرور الشيطان‪ ,‬إاستبطاء الوعد‪ ,‬طول االمل‪,‬‬
‫رقدة الغفلة‪ ,‬حب العاجلة‪ ,‬رخص التاويل الف العوائد هذه كلها اسباب ‪ ,‬ولهذا يقف اإلنسان عند هذه‬
‫االسباب‪ ,‬ويتامل تامل الحذر‪ ,‬اال ُيدخل عليه من خاللها ‪,‬او من خالل بعضها‪ ,‬الن ك ثير من الناس‬
‫التخلف الذي عنده كان بسبب هذه االمور و اجناسها وامثالها‪ -‬نعم‬
‫َ‬ ‫ات َو ْ َاال ْر َ‬
‫ض َا ْن َت ُزوال‬ ‫اك َال ُي ْم ِس ُك ْاال َيم َان ا َّال َّال ِذي ُي ْم ِس ُك َّ‬
‫الس َم َاو ِ‬ ‫َف ُه َن َ‬
‫ِ ِ‬
‫*اللهم ثبت اإليمان في قلوبنا واحفظنا يارب العالمين‪ ,‬اللهم ثبت اإليمان في قلوبنا واحفظنا يا ذا الجالل‪,‬‬
‫ربنا ال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َّ ُ ْ‬
‫اس ِفي ِاال َيم ِان َو َاال ْع َم ِال‪َ ،‬ح َّتى َي ْن َت ِه َي ِالى َا ْد َنى ِم ْث َق ِال َذ َّر ٍة ِفي ال َقل ِب‪.‬‬ ‫و ِبهذا السب ِب يتفاوت الن‬
‫*نعم‪ -‬اإليمان يصل إلى هذا الحد ويعلو ويرتفع ويزيد حتى يكون امثال الجبال كما ُسئل بعض السلف‬
‫‪:‬ايزيد اإليمان وينقص؟ قال‪ :‬نعم حتى يكون امثال الجبال‪ :‬اي ً‬
‫قوتا وينقص حتى ال يبقى منه شيء اوحتى‬
‫ال يبقى منه إال مثقال ذرة‪ -‬نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ َّ ْ َ ْ‬
‫اب ير ِجع ِالى ضع ِف الب ِصير ِة والصب ِر‪ ،‬و ِلهذا مدح َّللا سبحانه اهل الصب ِر و ِ ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫و ِجماع ه ِذ ِه االسب ِ‬
‫ون ب َا ْمرَنا َل َّما َص َب ُروا َو َك ُانوا با َيا ِت َنا ُي ِوق ُن َ‬
‫ون}‬ ‫ْ ُ ْ َ َّ ً َ ْ ُ َ‬ ‫ََ َ ََ َ‬ ‫َو َج َع َل ُه ْم َا ِئ َّم ًة في ّ‬
‫ِ‬ ‫الد ِين‪ ،‬فقال تعالى‪ِ { :‬منهم ا ِئمة يهد ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫الس ْج َد ِة‪]24 :‬‬ ‫[ َّ‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫*وللمصنف‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ -‬كالم متين ونفيس للغاية في معنى هذه االية في رسالة له إلى احد إخوانه‬
‫ُطبعت بهذا العنوان" رسالة ابن القيم إالى احد إاخوانه" ِّ‬
‫وبين فيها ان اإلمامة في الدين تكون بامور اربعة‬
‫جمعت في االية الكريمة‪ -‬نعم‪.‬‬
‫َ ْ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ُ ْ َّ ْ‬
‫الظ ِّن َوال ُغ ُرو ِر]‬ ‫[فصل الفرق بين حس ِن‬
‫ْ‬ ‫الظ ّن َو ْال ُغ ُرور‪َ ،‬و َا َّن ُح ْس َن َّ‬ ‫َو َق ْد َت َب َّي َن ْال َف ْر ُق َب ْي َن ُح ْسن َّ‬
‫الظ ِّن ِا ْن َح َم َل َع َلى ال َع َم ِل‪َ ،‬و َح َّث َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َس َاق‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الظ ّن ُه َو َّالر َجاء‪ُ،‬‬ ‫ا َل ْيه‪َ ،‬ف ُه َو َصحيح‪َ ،‬وا ْن َد َعا ا َلى ْالب َط َالة َواال ْنه َماك في ْال َم َعاصي َف ُه َو ُغ ُرور‪َ ،‬و ُح ْس ُن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف َم ْن َك َان َر َج ُاؤ ُه َه ِاد ًيا ل ُه ِالى الط َاع ِة‪َ ،‬ز ِاج ًرا ل ُه َع ِن ال َم ْع ِص َي ِة‪َ ،‬ف ُه َو َر َجاء َص ِحيح‪َ ،‬و َم ْن َك َان ْت ِب َطال ُت ُه‬
‫ْ‬ ‫َر َج ًاء‪َ ،‬و َر َج ُاؤ ُه ب َط َال ًة َو َت ْفر ً‬
‫يطا‪َ ،‬ف ُه َو ال َم ْغ ُرو ُر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َل ْو َا َّن َر ُج ًال َك َان ْت َل ُه َا ْرض ُي َؤ ّم ُل َا ْن َي ُع َ‬
‫ود َع َل ْي ِه ِم ْن َم ْغ ِل َها َما َي ْن َف ُع ُه َف َا ْه َم َل َها َول ْم َي ْب ُذ ْر َها َول ْم َي ْح ُرث َها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ض َل َع َّد ُه َّالن ُ‬ ‫ْ‬
‫َو َح ُس َن َظ ُّن ُه ِب َا َّن ُه َي ْا ِتي ِم ْن َم ْغ ِل َها َما َي ْا ِتي َم ْن َح َر َث َو َب َذ َر َو َس َقى َو َت َع َاه َد َاال ْر َ‬
‫اس ِم ْن َا ْس َف ِه‬
‫الس َف َه ِاء‪.‬‬
‫ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َك َذ ِل َك ل ْو َح ُس َن َظ ُّن ُه َو َق ِو َي َر َج ُاؤ ُه ِب َا ْن َي ِج َيئ ُه َولد ِم ْن َغ ْي ِر ِج َم ٍاع َا ْو َي ِص َير َا ْع َل َم َا ْه ِل َز َما ِن ِه ِم ْن َغ ْي ِر َط َل ِب‬
‫ص َت ٍ ّام َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َا ْم َث ُال َذ ِل َك‪.‬‬ ‫ْ ْ َ ْ‬
‫ال ِعل ِم‪ ،‬و ِحر ٍ‬
‫*نعم وفي هذا المعنى يقول الشاعر ‪:‬‬
‫َ‬
‫تمنيت ان تمسي فقيها‪ ..‬مناظرا بغير عناء والجنون فنون‬
‫وليس اك تساب المال دون مشقة تلقيتها فالعلم كيف يكون؟‬
‫العلم يحتاج إلى اسباب ولهذا قال عليه الصالة والسالم ‪":‬إنما العلم بالتعلم" واما من يقول اللهم علمني‬
‫ويبقى فال ُيصب عليه العلم صبا في فراشه يعني ورد في الحديث ان النبي ﷺ كان كل يوم بعد صالة‬
‫طيبا ً‬
‫وعمال متقبال ًۚ " لو ان ً‬
‫إنسانا صلى‬ ‫زقا ً‬‫الصبح يدعو بثالث دعوات‪ " :‬اللهم اني اسالك علما نافعا ور ً‬
‫إ‬
‫الصبح ودعا بهذه الدعوة وبعدها اتجه إلى فراشه ونام إلى الظهر ُيصب عليه العلم في فراشه ً‬
‫صبا? ا ِّ‬
‫يسوى‬
‫حلق العلم ومتون العلم ويحفظ وإلى‬ ‫به االخر الذي بعد هذا الدعاء يقوم بنشاط ويذهب اماكن العلم و َ‬
‫اخره" إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم"‪ ",‬ومن يتحرى الخير يعط ومن يتوقى الشر يوق" ال بد من‬
‫بذل االسباب إذا كان البد من بذل االسباب ‪,‬وهذا مقصود ابن القيم لنيل المصالح الدنيوية‪ ,‬فكذلك ال بد‬
‫من بذل االسباب لنيل المصالح االخروية‪ ,‬والفوز بالدرجات العالية في جنات النعيم‪ -‬نعم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ ز َّ َ َ ْ َ‬
‫ات ال ُعال َو َّالن ِع ِيم ال ُم ِق ِيم‪ِ ،‬م ْن َغ ْي ِر َط َاع ٍة َوال َت َق ُّر ٍب‬ ‫فكذ ِلك من حسن ظنه وق ِوي رجاؤه ِفي الفو ِ ِبالدرج ِ‬
‫يق‪.‬‬ ‫اب َن َو ِاه ِيه‪َ ،‬و ِب َّ ِ‬
‫اَّلل َّالت ْو ِف ُ‬ ‫ن‬‫َّللا َت َع َالى ب ْام ِت َثال َا َو ِامر ِه‪َ ،‬و ْاج ِت َ‬
‫ِ‬ ‫ا َلى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*نعم ‪ -‬يعني كذلك مثل الصورة االولى يعني شخص عنده ارض زراعية لكن ال يبذر وال يسقي وال يحرث وال‬
‫وال‪ ,..‬وفي النهاية يتمنى ان يكون مثل االخر‪ ,‬ياتي وقت الحصاد ويغل منها مثل هؤالء‪ ,‬هذا يعده الناس‬
‫ضرب من ضروب السفه و الجنون‪ ,‬والنهاية ُغبن وخسران‪ ,‬فمثل ذلك االخرة ال بد ان يبذل اإلنسان‬
‫َ َ َ ْ َ َّ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َّ َّ َ َ‬ ‫َّ‬
‫َّللا ل َم َع‬ ‫االسباب ويجاهد نفسه ‪,‬كما قال هللا تعالى‪َ ":‬وال ِذ َين َج َاه ُدوا ِفينا لنه ِدينهم سبلنا و ِان‬
‫ْال ُم ْح ِس ِن َ‬
‫ين"‬
‫َّللا ُا َول ِئ َك َي ْر ُج َ‬
‫ون َر ْح َم َة‬ ‫يل َّ ِ‬‫ب‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ي‬‫ف‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫د‬ ‫َّللا َت َع َالى‪{ :‬ا َّن َّال ِذ َين ا َم ُنوا َو َّال ِذ َين َه َ‬
‫اج ُروا َو َج َاه ُ‬ ‫َو َق ْد َق َال َّ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َّللا} [ ُسو َر ُة ال َب َق َر ِة‪. ]218 :‬‬
‫َّ ِ‬
‫من هم هؤالء الذين يرجون رحمة هللا ؟ذكر صفاتهم‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫ف َتا َّمل ك ْي َف َج َعل َر َج َاء ُه ْم ِات َيان ُه ْم ِب َه ِذ ِه الط َاع ِ‬
‫ات؟‬
‫نعم فتامل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات ‪-‬نعم‬
‫ين ِ َال َو ِامر ِه‪ْ ،‬ال َب ِاغ َ‬
‫ين َع َلى ِع َب ِاد ِه‪،‬‬ ‫َّللا ْال ُم َع ِ ّط ِل َ‬
‫ِ‬ ‫ين ِل ُح ُقوق َّ‬ ‫ين ْال ُم َض ّي ِع َ‬ ‫َو َق َال ْال ُم ْغ َت ُّرو َن‪ :‬ا َّن ْال ُم َف ّر ِط َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫َّ‬
‫َّللا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َعلى َمح ِار ِم ِه‪ ،‬اول ِئك يرجون َرحمة ِ‬ ‫َ‬ ‫ْال ُم َت َج ّرِئ َ‬
‫ِ‬
‫*ايستقيم هذا؟ هل يستوي هؤالء مع هؤالء‪ -‬كالذين اثنى هللا عليهم باعمالهم؟ وقال‪ :‬اولئك يرجون رحمة‬
‫هللا اما ِّ‬
‫البطالين العاطلين‪ ,‬السابحين في االماني‪ ,‬المنغمسين في الذنوب والمعاصي ‪,‬اين هم من الرجاء‬
‫حقيقة؟‪ ,‬من يرجو رحمة هللا يطلبها ‪,‬ويتعرض لها ويطلب مواسمها ويجاهد نفسه على نيلها ‪,‬انظر إلى‬ ‫ً‬
‫الناس إذا دخل رمضان‪ -‬نسال هللا ان يبلغنا رمضان اجمعين‪ -‬إذا دخل رمضان ماذا يصنعون؟ يرجون‬
‫رحمة هللا ويتنافسون في االعمال الصالحة‪ ,‬ال يقعدون ِّبطالين عاطلين بل يتنافسون في االعمال الصالحة‬
‫يرجون رحمة هللا‪ ,‬اولئك يرجون رحمة هللا بخالف حال المغرورين‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العاشر‬

‫ْ‬ ‫اال ْس َب َّ ْ‬ ‫ون َم َع ْاال ْت َي ُان ب ْ َ‬ ‫َوس ُّر ْال َم ْس َا َلة‪َ :‬ا َّن َّالر َج َاء َو ُح ْس َن َّ‬
‫اب ال ِتي اق َت َض ْت َها ِحك َم ُة َّ ِ‬
‫َّللا ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الظ ّن ا َّن َما َي ُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َش ْر ِع ِه َو َق َد ِر ِه َوث َوا ِب ِه َو َك َر َام ِت ِه‪َ ،‬ف َيا ِتي ال َع ْب ُد ِب َها ث َّم ُي ْح ِس ُن ظ َّن ُه ِب َرِّب ِه‪َ ،‬و َي ْر ُج ُوه َا ْن ال َي ِكل ُه ِال ْي َها‪َ ،‬و َا ْن َي ْج َعل َها‬
‫َ‬
‫وص َل ًة ِالى َما َي ْن َف ُع ُه‪َ ،‬و َي ْص ِر َف َما ُي َع ِار ُض َها َو ُي ْب ِط َل َا َث َر َها‪.‬‬ ‫ُم ِ‬
‫*نعم‪ -‬هذا سر المسالة وخالصة االمر‪.‬‬
‫نسال هللا الكريم رب العرش العظيم باسماءه ُ‬
‫الحسنى وصفاته ُالعليا وبانه هو هللا الذي ال إله إال هو ان‬
‫ً‬
‫وتوفيقا وان ُيصلح لنا شاننا كله وان ال يكلنا على انفسنا طرفة‬ ‫ينفعنا اجمعين بما علمنا وان يزيدنا ً‬
‫علما‬
‫عين إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ان ال إله إال انت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على محمد واله‪ .‬اما بعد ‪ ,‬فيقول اإلمام العالمة ابو عبد هللا ابن‬
‫القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬وغفر له وللشارح والسامعين وجميع المسلمين‪ ،‬يقول في ك تابه الداء والدواء‪:‬‬
‫ا‬
‫فصل‪ :‬ومما ينبغي ان يعلم ان من رجا شيئ استلزم رجاءه ثالثة امور‪:‬‬
‫احدها‪ :‬محبة ما يرجوه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬خوفه من فواته‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬سعيه في تحصيله بحسب اإلمكان‪.‬‬
‫(واما رجاء ال يقارنه شيء من ذلك فهو من باب االماني‪ ،‬والرجاء شيء ‪,‬واالماني شيء اخر‪ ،‬فكل راج‬
‫خائ ف‪ ،‬والسائر على الطريق إذا خاف اسرع السير مخافة الفوات)‪.‬‬
‫ا‬
‫محمدا عبده ورسوله‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬واشهد ان‬
‫ﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين‪ ،‬اما بعد‪:‬‬
‫فهذا فصل عقده ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬لتوضيح وبيان ما سبق‪ ،‬الن من اشار إليهم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬ا‬
‫سابقا‬
‫الذين يغالطون انفسهم ببقائهم على اإلسراف على انفسهم بالذنوب والمعاصي‪ ،‬ثم يزعمون انهم مع‬
‫هذا يحسنون الظن باهلل‪ ،‬وانه يغفر ذنوبهم‪ ،‬وانه ال يعاقبهم‪ ،‬وان رجاءهم باهلل عظيم‪ ،‬فهذه التي‬
‫تكون من هؤالء مع بقائهم على الذنوب هي اماني وليست رجاء؛ الن الرجاء يستلزم ما اشار إليه ابن‬
‫القيم ‪-‬رحمه هللا‪ ،-‬فإذا انتفت هذه االشياء التي ذكر هنا فإن االمر يكون مجرد اماني‪ ،‬وهللا تعالى‬
‫َّ َ ُ َ َ ْ ْ‬
‫اب ۗ من ي ْعم ْل ُس اوءا ُي ْجز ِب ِه﴾ [النساء‪ .]123 :‬وقال ‪-‬سبحانه‬ ‫يقول‪﴿ :‬ل ْيس ِباما ِن ِيك ْم وال اما ِن ِي اه ِل ال ِك ت ِ‬
‫ْ‬ ‫وتعالى‪﴿ :-‬وق ُالوا لن ي ْد ُخل ْالج َّنة إ َّال من كان ُه ا‬
‫ودا َا ْو نصارى ۗ ِتلك َاما ِن ُّي ُه ْم ۗ ُق ْل ه ُاتوا ُب ْرهان ُك ْم ِإن ُك ُنت ْم‬ ‫ِ‬
‫ص ِاد ِقين بلى م ْن َا ْسلم و ْجه ُه ِ َّ ِلِل و ُهو ُم ْح ِسن فل ُه ا ْج ُر ُه ِعند ر ِب ِه وال خ ْوف عل ْي ِه ْم وال ُه ْم ي ْحزُنون﴾‬
‫َ‬
‫خاضعا هلل ‪-‬عز وجل‪،-‬‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ممتثال‬ ‫ا‬
‫مطيعا‬ ‫[البقرة‪ ،]112-111 :‬لكن بهذا القيد‪ :‬اسلم وجهه هلل‪ ،‬اي ا‬
‫منقادا‬
‫ا‬
‫وهو محسن فله اجره عند ربه‪،‬اما ان يبقى مع االماني المجردة فإنها ال تجدي صاحبها شيئ وال تنفعه‪.‬‬
‫وإذا سمى هؤالء فعلهم هذا قوة رجاء؛ ُفيقال لهم ‪ :‬هذا ليس من قوة الرجاء في شيء‪ ،‬وإنما هو مجرد‬
‫اماني‪ ،‬والرجاء كما يوضح ابن القيم هنا يستلزم ثالثة امور‪ *:‬محبة ما يرجوه‪ *،‬وخوفه من فواته‪،‬‬
‫*وسعيه في تحصيله بحسب اإلمكان‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬
‫ساعيا ا‬
‫باذال‬ ‫وثالثا ا‬
‫محبا له‪ ،‬وفي الوقت نفسه خائ افا ان يفوت‪ ،‬ا‬‫هذا هو الرجاء الحقيقي للشيء ان يكون ا‬
‫االسباب التي ينال بها هذا الذي يرجوه‪ ،‬واما رجاء ال يقارنه شيء من ذلك فهو من باب االماني‪.‬‬
‫يعرف المرء الذي عنده هل هو الرجاء‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫وهذا ضابط مفيد جدا للتفرقة بين االماني والرجاء‪ ،‬وايضا حتى ِ‬
‫الصحيح او االماني الزائ فة‪ ،‬ال بد ان يفرق بينهما‪ ،‬وهذا الضابط نافع ا‬
‫جدا في التفرقة بين االماني‬
‫والرجاء‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه هللا تعالى‪( :-‬والرجاء شيء‪ ،‬واالماني شيء اخر)‪ ،‬ما هو الرجاء؟ وما هي االماني؟‬
‫ا‬
‫شخصا‬ ‫مصحوبا ُبحب الذي يرجوه‪ ،‬وخوف فواته‪ ،‬والسعي في تحصيله‪ ،‬إذا ُق ِدر ان‬ ‫ا‬ ‫الرجاء‪ :‬ما كان‬
‫رجاء؟ ليس من الرجاء‬ ‫سببا لتحصيله‪ ،‬ايكون صنيعه هذا ا‬ ‫يحب تحصيل شيء لنفسه‪ ،‬لكن ال يبذل ا‬
‫َّ‬
‫في شيء‪ ،‬وإنما هو اماني‪ ،‬واالماني ال ُتجدي وال تنفع صاحبها كما قال هللا‪﴿ :‬ل ْيس ِب َاما ِن ِي ُك ْم﴾ االماني‬
‫جدا عند الناس‪ ،‬وكما قال الحسن البصري ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬ليس اإليمان بالتمني وال بالتحلي‪،‬‬ ‫ك ثيرة ا‬
‫ولكن اإليمان ما وقر في القلب وصدقته االعمال) اإليمان ليس مجرد اماني وتمنيات‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬والرجاء شيء واالماني شيء اخر‪ ،‬فكل راج خائ ف)‪.‬‬
‫الن عرفنا ان الرجاء يستلزم المحبة‪ ،‬ويستلزم خوف؛ الن ما يرجوه يعد ا‬
‫ثمينا عنده للغاية فيخاف ان‬
‫يفوته هذا الذي يرجوه‪ ،‬فكل راج خائ ف والسائر على الطريق إذا خاف اسرع السير مخافة الفوات‪.‬‬
‫سرع ويبذل السبب‬ ‫ُ‬
‫إذن سرعة السير من قوة الرجاء‪ ،‬وقوة الرجاء تولد خوف فوات ما يرجو‪ ،‬في ِ‬
‫ويجتهد‪ ،‬فيظفر بإذن هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بمقصوده وحاجته‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وفي جامع الترمذي من حديث ابي هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬انه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬‬
‫ﷺ ‪" :-‬من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل‪ ،‬اال إن سلعة هللا غالية‪ ،‬اال إن سلعة هللا الجنة")‪.‬‬

‫واضحا ِبي انا‪ ،‬يقول‬


‫ا‬ ‫هذا مثل دنيوي يعرفه الناس ويشاهدونه ا‬
‫واقعا‪ ،‬وهو يصور المسالة يصورها تصوي ارا‬
‫‪-‬عليه الصالة والسالم‪" :-‬من خاف ادلج" يعني اسرع‪ ،‬وحث الخطا‪ ،‬االن هذا كلنا ندركه‪ ،‬إذا كنت‬
‫ا‬
‫مثال في الطريق إلى المطار‪ ،‬وتخاف ان تفوتك الطائرة‪ ،‬وانت محتاج إلى هذا السفر ومشتاق إليه‪ ،‬اي‬
‫شيء تصنع؟ تبقى في مكانك وتقول‪ :‬امشي؟ وتتوانى وتقول‪ :‬لن تفوت؟ ما يفعل هذا اإلنسان‪ ،‬من‬
‫خاف ادلج؛ معروف هذا‪ ،‬من خاف ادلج واسرع في نيله‪ ،‬ومن ادلج بلغ المنزل بلغ المقصود‪ ،‬إذا كنا‬
‫حثيثا في نيل المطالب‬ ‫عمال ا‬ ‫نعرف هذا في شيء في امورنا الدنيوية ومصالحنا الدنيوية‪ ،‬فلنعمل ا‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫يضا يصور لنا ان امور االخرة ونيل‬ ‫االخروية "اال إن سلعة هللا غالية اال إن سلعة هللا الجنة" هذا ا ا‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الدرجات العالية فيها يحتاج إلى تجارة دنيوية‪ ،‬وهي التجارة الرابحة ﴿ ِإ َّن ال ِذين ي ْتلون ِك تاب َّ ِ‬
‫ّللا‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الصالة و َانف ُقوا ِم َّما رز ْقن ُاه ْم ِس ًّرا وعال ِني اة ي ْر ُجون ِتجار اة لن ت ُبور﴾ [فاطر‪﴿ ،]29 :‬يا َا ُّيها ال ِذين‬
‫و َاق ُاموا َّ‬
‫ُّ‬
‫ام ُنوا ه ْل َا ُدل ُك ْم على ِتجارة ُت ِنج ُيكم ِم ْن عذاب َا ِليم﴾ [الصف‪ ،]10 :‬التجارة هذه التي تكون في الدنيا‬
‫للنجاة من العذاب اال ليم يوم القيامة هي‪ :‬بذل الوسع‪ ،‬ومجاهدة النفس على طاعة هللا وحسن التقرب‬
‫إليه ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫الشاهد إذا كان الناس يعلمون ان( من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل)‪ ،‬فالشان كذلك في امور‬
‫االخرة‪ ،‬ال بد من خوف‪ ،‬البد من إدالج‪ ،‬ال بد من عمل‪ ،‬ال بد من سعي‪ ،‬ال بد من بذل حتى يبلغ‬
‫المنزل العالي في جنات النعيم‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وهو ‪-‬سبحانه‪ :-‬كما جعل الرجاء الهل االعمال الصالحة فكذلك جعل الخوف الهل‬
‫االعمال الصالحة ُفع ِلم ان الرجاء والخوف النافع هو ما إقترن به العمل الصالح)‪.‬‬
‫هذه جملة عظيمة ا‬
‫جدا وفيها زبدة نافعة ومفيدة للمسلم‪.‬‬
‫يقول ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وهو ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬كما جعل الرجاء الهل العمل الصالح فكذلك جعل الخوف‬
‫الهل العمل الصالح‪ ،‬فعلم ان الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل) فإذا لم يكن الرجاء مقتر انا‬
‫نافعا إذا اقترن بالعمل‪ ،‬برهان‬ ‫نافعا‪ ،‬فهو إنما يكون ا‬ ‫بالعمل او لم يكن الخوف مقتر انا بالعمل لم يكن ا‬
‫كونه ا‬
‫نافعا اقترانه بالعمل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وانظر في ذلك قول هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ُ ﴿ :-‬اول ِئك ال ِذين ي ْد ُعون ي ْبت ُغون ِإلى ر ِب ِه ُم الو ِسيلة َا ُّي ُه ْم َا ْقر ُب‬
‫وي ْر ُجون ر ْحمت ُه ويخ ُافون عذاب ُه ﴾ [اإلسراء‪ ]57 :‬قبل‪﴿ :‬ي ْر ُجون ر ْحمت ُه ويخ ُافون عذاب ُه﴾؛ (( َا ُّي ُه ْم‬
‫َا ْقر ُب))‪ ،‬اي بالتنافس في االعمال والطاعات‪ ،‬ومثلها قوله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ِ ﴿ :-‬إ َّن ُه ْم ك ُانوا ُيس ِار ُعون ِفي‬
‫ْ‬
‫ات وي ْد ُعوننا رغ ابا وره ابا ۖ وك ُانوا لنا خ ِاش ِعين﴾ [االنبياء‪ ،]90 :‬فالرجاء النافع والخوف النافع هو‬ ‫الخ ْير ِ‬
‫المقترن بعمل‪.‬نعم‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ات ر ِب ِه ْم ُي ْؤ ِم ُنون وال ِذين ُهم ِبر ِب ِه ْم‬
‫قال تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن ال ِذين ُهم ِم ْن خ ْشي ِة ر ِب ِهم ُّم ْش ِفقون وال ِذين ُهم ِباي ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُُ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ات‬‫ال ُي ْش ِركون وال ِذين ُيؤتون ما اتوا َّوقل ُوب ُه ْم و ِجلة ان ُه ْم ِإلى ر ِب ِه ْم ر ِاج ُعون اول ِئك ُيس ِار ُعون ِفي الخ ْير ِ‬
‫و ُه ْم لها سا ِب ُقون﴾ [المؤمنون‪ ،]61-57 :‬وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ -‬انها‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫قالت‪ :‬سالت رسول هللا ﷺ ‪ -‬عن هذه االية فقلت‪ :‬اهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟‬
‫فقال‪" :‬ال يا ابنة الصديق‪ ،‬ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون‪ ،‬ويخافون اال يتقبل منهم‪،‬‬
‫اولئك يسارعون في الخيرات‪ ،‬وقد روي من حديث ابي هريرة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ا ا‬
‫يضا)‪.‬‬
‫َّ‬
‫قول هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ِ ﴿ :-‬إ َّن ال ِذين ُهم ِم ْن خ ْشي ِة ر ِب ِهم ُّم ْش ِف ُقون﴾ إلى اخر االيات‪ ،‬هذه جاءت‬
‫الكمل‪ ،‬والمؤمنون الكمل الذين كملوا إيمانهم هم من اتصفوا بهذه‬ ‫مشتملة على صفات المؤمنين ُ‬
‫نعوتا عظيمة لهم‪ ،‬منها ‪-‬‬ ‫النعوت العظيمة‪ ،‬وهي برهان تحقيقهم لإليمان والتوحيد‪ ،‬فذكر هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬ا‬
‫َّ‬
‫وهو موطن الشاهد‪ -‬لما اراد ابن القيم قوله‪﴿ :‬وال ِذين ُي ْؤ ُتون ما اتوا َّو ُق ُل ُوب ُه ْم و ِجلة﴾ المعنى ﴿ ُي ْؤ ُتون ما‬
‫اتوا َّو ُق ُل ُوب ُه ْم و ِجلة﴾ يفعلون ما يفعلون من الذنوب وهم خائ فون ان يعاقبهم هللا عليها‪ ،‬هل هذا هو‬
‫المعنى؟ قالت عائشة‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬اهو الرجل يزني ويسرق ويقتل ويخاف ان يعذب؟ ‪..‬هل هذا معنى‬
‫االية‪ ،‬قال‪" :‬ال يا ابنة الصديق‪ ،‬ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف ان ال يقبل"‪.‬‬
‫إذن قوله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ُ ﴿ :-‬ي ْؤ ُتون ما اتوا َّو ُق ُل ُوب ُه ْم و ِجلة﴾ اي يقدمون ما يقدمون من االعمال‬
‫والقربات المتنوعة وهم في الوقت نفسه خائ فون ان ترد وان ال تقبل منهم‪ِ ﴿ ،‬إ َّنما يتق َّب ُل َّ ُ‬
‫ّللا‬ ‫الصالحة ُ‬
‫ْ‬
‫ِمن ال ُم َّت ِقين﴾ [المائدة‪ ،]27:‬وال يجزم المرء لنفسه انه حقق التقوى في اعماله‪ ،‬ولهذا يقدم ما يقدم‬
‫من طاعة وهو يرجو ان يقبلها هللا منه‪ ،‬ال يجزم انها متقبلة مهما بذل‪ ،‬ولهذا شعار المسلمين من ُلدن‬
‫بعضا عقب طاعة الصيام في رمضان وعقب طاعة الحج في عيد الفطر‬ ‫زمن الصحابة إذا لقي بعضهم ا‬
‫وعيد االضحى؛ يقول بعضهم لبعض تقبل هللا منا ومنكم‪ ،‬هذا من زمن الصحابة ُسنة ماضية‪ ،‬تقبل‬
‫هللا منا ومنكم‪ ،‬ال احد يجزم ال لنفسه وال لغيره بان اعماله متقبلة‪ ،‬ولكن يرجو‪ ،‬يقدم ويرجو‪،‬ا ا‬
‫يضا‬
‫يقدم ويخاف‪ ،‬يرجو ان تقبل ويخاف ان ترد وال يجزم‪.‬‬
‫يضا الخوف بالعمل‪ ،‬ولهذا ال يتعجب اإلنسان؛ سياتي معنا‬ ‫فاقترن إذن الرجاء بالعمل‪ ،‬واقترن ا ا‬
‫نصوص تروى عن الصحابة مع كمال ايمانهم عندهم خوف شديد‪ ،‬من ال يعرف االمر يتعجب مبلغ‬
‫الخوف الذي عندهم مع كمال العمل‪ ،‬وربما يرى من نفسه ومن غيره مع قوة التفريط في العمل ما‬
‫عنده خوف مثل هذا الخوف الذي عند الصحابة؛ وهم عندهم من كمال العمل وكمال الطاعة وعندهم‬
‫شدة خوف‪ ،‬وسياتي امثلة عجيبة ذكرها ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪.-‬‬

‫قال‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وهللا ‪-‬سبحانه‪ -‬وصف اهل السعادة باإلحسان مع الخوف‪ ،‬ووصف االشقياء باإلساءة‬
‫مع االمن)‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬وصف اهل السعادة باإلحسان اي في العمل والعبادة والطاعة والتقرب مع‬
‫الخوف‪ ،‬شاهد ذلك االية التي تقدمت‪ ،‬فيه إحسان في العمل وفيه مسارعة في الخيرات وفيه إيمان‬
‫تعبد وفيه تقرب هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬ومع ذلك قلوبهم وجلة‪ ،‬فوصف اهل السعادة باإلحسان‬ ‫وفيه ُّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫مع الخوف‪ ،‬ووصف االشقياء باإلساءة مع االمن ﴿افا ِم ُنوا مكر َّ ِ‬
‫ّللا ﴾ [االعراف‪ ]99 :‬عندهم إساءة‪،‬‬
‫وهم في الوقت نفسه امنون‪ ،‬ولهذا قال الحسن البصري ‪-‬رحمه هللا تعالى‪( :-‬إن المؤمن جمع بين‬
‫إحسان ومخافة‪ ،‬والمنافق او الفاجر جمع بين إساءة وامن)‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬ومن تامل احوال الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وجدهم في غاية العمل مع غاية‬
‫الخوف‪ ،‬ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط واالمن‪ ،‬فهذا الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يقول‪ :‬وددت‬
‫اني شعرة في جنب عبد مؤمن)‪.‬‬
‫نقوال تحتاج إلى ان اإلنسان ا‬‫ا‬
‫فعال يتامل فيها؛ وإن كان بعضها في سنده مقال‪ ،‬بعضها‬ ‫االن سينقل‬
‫سنده ضعيف‪ ،‬لكن مجموعها والثابت منها يصور يوضح لنا حقيقة واضحة في الصحابة وشدة خوفهم‬
‫‪-‬رضي هللا عنهم‪ ،-‬وان شانهم كما ذكر ابن القيم‪( :‬من يتامل احوال الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وجدهم‬
‫في غاية العمل مع غاية الخوف)‪ ،‬ما معنى غاية العمل؟‬
‫نعم كماله‪ ،‬مكملين لالعمال‪ِ ،‬جد واجتهاد وداب في العبادة التقرب إلى هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪،-‬‬
‫(وغاية في الخوف) يعني خوف ليس قليل‪ ،‬وإنما غاية في الخوف‪ ،‬خوف شديد قوي يمال قلوبهم‪ ،‬مع‬
‫كمال العمل الذي هم عليه‪.‬‬
‫ثم يقول ‪-‬رحمة هللا عليه‪( :-‬ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط واالمن) يتحدث عن واقع مؤلم‬
‫في احوال ك ثير من الناس‪ ،‬ومن ينظر سيرة هذا اإلمام ‪-‬اعني ابن القيم رحمه هللا تعالى‪ -‬يجد ا‬
‫عجبا في‬
‫تعبده‪ :‬في صالته‪ ،‬وفي طاعاته‪ ،‬وقرباته هلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬ويقول‪( :‬نحن جمعنا بين التقصير‪،‬‬
‫بل التفريط واالمن)‪ ،‬هو يشير بذلك إلى حال المفرطين‪ ،‬لكن خذ يا طالب العلم فائدة من كلمة ابن‬
‫ا‬
‫عظيما‪ ،‬فإنها نافعة لك عندما تدعو إلى هللا‪ ،‬عندما ترتقي المنبر‬ ‫ا‬
‫موضعا‬ ‫القيم هذه ضعها في قلبك‬
‫تخطب‪ ،‬عندما تعظ الناس‪ ،‬انتبه لها‪ ،‬ما قال ‪-‬رحمة هللا عليه وهو يقرر هذه المسالة‪ :‬وانتم جمعتم‬
‫بين التقصير واالمن‪ ،‬يخاطب من عنده ا ويخاطب من يقرا‪ ،‬ما قال انتم‪ ،‬إذا قال الخطيب انتم كذا‬
‫‪،‬وانتم كذا‪ ،‬كانه ماذا؟ ‪-‬كانه سالم‪ ،‬وربما يكون اك ثر منهم تقصي ارا‪ ،‬ربما فيه ما فيه هو من التقصير‪،‬‬
‫لكن لما يجعل نفسه معهم ومنهم‪ ،‬يكون للكالم اثره‪ ،‬إذا كان يقول‪ :‬ونحن؛ وهم يعلمون من حاله ‪-‬‬
‫صالحا واستقامة يؤثر فيهم اك ثر‪ ،‬يقولون‪ :‬كيف االن وهو في صالحه وفي عبادته‬ ‫ا‬ ‫اعني الخطيب‪-‬‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫يقول‪ :‬ونحن؟! يؤثر فيهم اك ثر‪ ،‬لكن لو قالوا‪ :‬انتم‪ ،‬تجد في بعضهم ربما ياتيه ويخاطبه‪ :‬وانت ويش‬
‫تكون؟ وإن ما قالها بلسانه له تبقى في خاطره عليه‪ ،‬هذا منهج مهم ومسلك عظيم عليه اهل العلم في‬
‫التعليم والدعوة إلى هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬
‫من يعطينا شاهدا على هذا المنهج ؟ ‪ -‬من قصة مؤمن ال فرعون في سورة غافر‪,‬وهو يك تم إيمانه ويعظ‬
‫ْ‬
‫نص ُرنا ِمن با ِس َّ ِ‬
‫ّللا ِإن جاءنا﴾ ما قال‪ :‬ينصركم‪ ،‬هو مؤمن يك تم إيمانه‪ ،‬ما‬ ‫قومه ماذا قال؟‪﴿ -‬فمن ي ُ‬
‫قال‪ :‬من ينصركم من باس هللا إن جاءكم‪ ،‬انتم كذا‪ ،‬مثل هذا نافع ا‬
‫جدا‪ ،‬هذا ننتبه له‪ ،‬ابن القيم ‪-‬‬
‫رحمه هللا‪ -‬يقول‪( :‬ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط واالمن) اقرا له مثل هذا بل اقوى منه في‬
‫ك تابه ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬طريق الهجرتين لما تحدث عن المقربين ما هي اعمالهم‪ ،‬وارجع إليه ضروري‬
‫ترجع لهذا الك تاب‪ ،‬لما تكلم عن المقربين ما هي صفاتهم‪ ،‬واخذ يعرض صفات المقربين‪ ،‬بل ذكر‬
‫برنامج المقربين اليومي من الفجر إلى الفجر‪ ،‬ماذا يعمل‪ ،‬حتى بين وين يصلي في المسجد‪ ،‬وين‬
‫يكون‪ ،‬ذكر شيء عجب في اوصاف المقربين‪ ،‬لكنه قبل ان يبدا بذكر اوصافهم اخذ يقدم اعتذار في‬
‫قرابة صفحة كاملة كيف هو يذكر اوصاف المقربين‪ ،‬وهو ما شم رائحتهم يقول‪ ،‬ويعتذر ويقول لكن‬
‫جدا ينبغي لطالب‬‫يشفع لنا‪ ،‬ويذكر اشياء االول الثاني الثالث‪ ،‬هذا فرق شاسع في التعليم‪ ،‬وهذا مهم ا‬
‫العلم ان ينتبه له لما يعتلي المنبر او يخطب او ُيحاضر او يكلم الطالب‪.‬‬
‫وبالمناسبة االية التي ذكر زميلكم ارجعوا إلى كالم جميل في معناها البن سعدي ‪-‬رحمه هللا‪ ،-‬في تفسير‬
‫ابن سعدي ذكر مثل هذه المعاني التي ينبغي ان ينتبه لها الداعي او الخطيب او الواعظ إلى اخره‪.‬‬
‫قال‪( :‬ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط واالمن) ثم ذكر امثلة من واقع الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪.-‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬فهذا الصديق ‪-‬رحمه هللا‪ -‬يقول‪ :‬وددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن ذكره احمد‬
‫عنه وذكر عنه انه كان‪.)....‬‬

‫االن وانت تسمع‪ ،‬هذه نقول عديدة عن الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ ،-‬من هو الصديق؟ استحضره في‬
‫ذهنك من يكون ‪-‬رضي هللا عنه‪-‬؟ ابو بكر الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬هو افضل الناس في كل االمم بعد‬
‫النبيين ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬والدالئل على ذلك ك ثيرة‪ ،‬فاسمع هذا الذي له هذا الفضل وله هذه المكانة‬
‫وشهد له النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بالجنة؛ وتاتي مثل هذه العبارات‪ ،‬قد يكون بعض ذلك ال يثبت لكن في‬
‫مجموع الروايات فيه خوف شديد عند هؤالء‪ ،‬وهذا الذي ذكر ابن القيم ان هللا وصف اهل السعادة‬
‫باإلحسان مع الخوف‪ ،‬غاية اإلحسان مع غاية الخوف‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫(وذكر عنه ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬انه كان يمسك بلسانه ويقول‪ :‬هذا الذي اوردني الموارد‪ ،‬وكان يبكي ك ثيرا‪،‬‬
‫ويقول‪ :‬ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا‪ ،‬وكان إذا قام إلى الصالة كانه عود من خشية هللا ‪-‬عز وجل‪ ،-‬واتي‬
‫بطائر فقلبه‪ ،‬ثم قال ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬ما صيد من صيد وال قطعت من شجرة إال بما ض َّيعت من‬
‫التسبيح‪ ،‬ولما احتضر ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال لعائشة ‪-‬رضي هللا عنها‪ :-‬يا بنية‪ ،‬إني اصبت من مال‬
‫المسلمين هذه العباءة وهذا الحالب وهذا العبد‪ ،‬فاسرعي به إلى ابن الخطاب‪ ،‬وقال ‪-‬رضي هللا عنه‪:-‬‬
‫وهللا لوددت كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد)‪.‬‬
‫قريبا عمن؟ ابي ذر‪ ،‬مر معنا ا‬
‫قريبا‬ ‫هذه (وهللا لوددت اني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد) مر معنا ا‬
‫عن ابي ذر مثل هذا‪ ،‬وايضا جاء عن ابن مسعود مثل هذا المعنى‪.‬‬
‫هذا الذي ُنقل عن ابي بكر‪ ،‬ونقل عن نظائر له‪ ،‬وسياتي نظائر ا ا‬
‫يضا عن الصحابة‪ ،‬هو من شدة خوفهم‬
‫من اهوال يوم القيامة والعقوبات التي عدها هللا‪ ،‬والنار وسخط هللا‪ ،‬يقرؤونها في القران‪ ،‬ويكون لها وقع‬
‫جدا في قلوبهم وخوف شديد مع العمل الذي هم عليه‪ ،‬وال يلتفتون لهذه االعمال‪ ،‬وإنما يرجون رب‬ ‫قوي ا‬
‫العالمين ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ان يك تب لهم نجاة‪ ،‬كيف وقد سمعوا من النبي ‪-‬ﷺ ‪ -‬انه قال‪" :‬لن يدخل‬
‫احد الجنة بعمله"‪ ،‬ولهذا اإلنسان يحسن في العمل لكن ال يلتفت للعمل‪ ،‬يرجو نجاته من رب‬
‫العالمين‪ ،‬يسال هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬ان ينجيه وان يتغمده برحمته‪.‬‬

‫(وقال قتادة‪ :‬بلغني ان ابا بكر ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬وددت لو اني خضرة تاكلني الدواب‪ ،‬وهذا عمر ‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ -‬قرا سورة الطور‪ ،‬حتى إذا بلغ ﴿ ِإ َّن عذاب ر ِبك لو ِاقع﴾ [الطور‪ ]7 :‬بكى واشتد بكاؤه‬
‫حتى مرض وعادوه‪ ،‬وقال البنه وهو في الموت‪ :‬ويحك ضع خدي على االرض عساه ان يرحمني‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ويل امي إن لم يغفر لي‪ ،‬قالها ثالثا ثم قضى‪ ،‬وكان يمر باالية في ورده بالليل فتخيفه‪ ،‬فيبقى في‬
‫البيت اياما يعاد يحسبونه مريضا وكان في وجهه ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬خطان اسودان من البكاء‪ ،‬وقال له‬
‫ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ :-‬نصر هللا بك االمصار وفتح بك الفتوح‪ ،‬وفعل وفعل‪ ،‬فقال‪ :‬وددت اني‬
‫انجو ال اجر وال وزر‪ ،‬وهذا عثمان بن عفان ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبتل‬
‫لحيته‪ ،‬وقال ‪-‬رضي هللا عنه‪ :-‬لو انني بين الجنة والنار‪ ،‬ال ادري إلى ايهما يؤمر بي‪ ،‬الخترت ان اكون‬
‫رمادا قبل ان اعلم إلى ايهما اصير)‪.‬‬
‫هذا جاء عن عبد هللا الرومي قال‪ :‬بلغني‪ ،‬بعض الروايات المتقدمة هي غير ثابتة‪ ،‬يعني ا‬
‫مثال ذكر‬
‫الخطان االسودان من البكاء في إسناده انقطاع‪ ،‬والذي قبله سنده ضعيف‪ ،‬لكن مجموع هذه االخبار‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫توضح ان وهو المقصود وليس المقصود ذات الخبر المنقول‪ ،‬والصفة التي تنقل في الخبر‪ ،‬وإنما‬
‫المقصود ان هذا مشهور ومتواتر في حال الصحابة‪ ،‬ومستفيض عنهم شدة خوفهم‪ ،‬وهذا هو المقصود‬
‫من هذه النقول الك ثيرة‪ ،‬اما تفاصيلها بعضها قد ال يكون ا‬
‫ثابتا‪ .‬نعم‬

‫(قال ‪-‬رحمه هللا‪ :-‬وهذا علي بن ابي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وبكاؤه وخوفه‪ ،‬وكان يشتد خوفه من‬
‫اثنتين‪ :‬طول االمل واتباع الهوى‪ ،‬قال‪ :‬فاما طول االمل فينسي االخرة‪ ،‬واما اتباع الهوى فيصد عن‬
‫الحق‪ ،‬اال وإن الدنيا قد ولت مدبرة واالخرة مقبلة ولكل واحدة بنون‪ ،‬فكونوا من ابناء االخرة‪ ،‬وال‬
‫تكونوا من ابناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب وغدا حساب وال عمل)‪.‬‬

‫وجاء هذا الخبر وصية منه ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يحذر من طول االمل واتباع الهوى‪ ،‬يحذر في وصية له ‪-‬‬
‫رضي هللا عنه‪ -‬من طول االمل واتباع الهوى‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬فاما طول االمل ُفينسي االخرة)‪ ،‬طول االمل اي في الدنيا‪ ،‬ينسي االخرة يعني ينسي‬
‫االهتمام باالخرة واعمال االخرة‪ ،‬واتباع الهوى يصد عن الحق‪ ،‬إذا اتبع المرء هواه صده عن الحق‬
‫َّ‬
‫﴿فِإن ل ْم ي ْست ِج ُيبوا لك ف ْاعل ْم َا َّنما ي َّت ِب ُعون َا ْهواء ُه ْم ۚ وم ْن َاض ُّل ِم َّم ِن َّاتبع هو ُاه﴾ ‪,‬‬
‫ثم قال‪ ( :‬اال وإن الدنيا قد ولت مدبرة‪ ،‬واالخرة مقبلة‪ ،‬ولكل واحد بنون) االخرة لها بنون‪ ،‬والدنيا‬
‫لها بنون‪(،‬فكونوا من ابناء االخرة‪ ،‬وال تكونون من ابناء الدنيا‪ ،‬فإن اليوم عمل وال حساب‪ ،‬وغدا‬
‫حساب وال عمل)‪ ،‬وهذه موعظة عظيمة نافعة في محاسبة النفس واالستعداد للقاء هللا ﴿ َّات ُقوا َّّللا‬
‫و ْلت ُ‬
‫نظ ْر ن ْفس َّما ق َّدم ْت ِلغد ۖ و َّات ُقوا َّّللا ﴾ [الحشر‪ ]18 :‬فهذه الموعظة نافعة جدا‪ ،‬والتامل فيها نافع‬
‫بإذن هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪.-‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وهذا ابو الدرداء ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬كان يقول‪ :‬إن اشد ما اخاف على نفسي يوم القيامة‬
‫ان يقال لي‪ :‬يا ابا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟)‪.‬‬

‫يعني النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال‪" :‬ال تزول قدما عبد حتى يسال عن اربع"‪ ،‬ومنها "عن علمه ماذا عمل به"‬
‫فمع العمل الذي هم عليه عندهم هذا الخوف‪ ،‬ولهذا عرفنا ان الخوف مقارن لماذا؟ للعمل‪ ،‬فمع‬
‫الخوف الذي كان عندهم كانوا اهل عمل وإحسان في العمل‪ ،‬فيقول ‪-‬رضي هللا عنه‪( :-‬إن اشد ما‬
‫اخاف على نفسي يوم القيامة ان يقال لي‪ :‬يا ابا الدرداء‪ ،‬قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟)‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫(وكان ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يقول‪ :‬لو تعلمون ما انتم القون بعد الموت‪ ،‬لما اكلتم طعاما على شهوة‪ ،‬وال‬
‫شربتم شرابا على شهوة‪ ،‬وال دخلتم بيتا تستظلون فيه ولخرجتم إلى الصعيد تضربون وتبكون على‬
‫انفسكم ولو وودت اني شجرة تعضد ثم تؤكل)‪.‬‬
‫مر مثله عن ابي بكر وابي ذر‪ ،‬واشرت ا ا‬
‫يضا ابن مسعود‪ ،‬وهذا ابو الدرداء‪.‬‬

‫(وكان ابن عباس ‪-‬رضي هللا عنهما‪ -‬اسفل عينيه مثل الشراك من الدموع‪ ،‬وكان ابو ذر يقول‪ :‬يا ليتني‬
‫كنت شجرة تعضد‪ ،‬وودت اني لم اخلق‪ ،‬وعرضت عليه النفقة‪ ،‬فقال‪ :‬عندنا عنز نحلبها‪ ،‬واحمرة ننقل‬
‫عليها‪ ،‬ومحرر يخدمنا‪ ،‬وفضل عباءة وإني اخاف الحساب فيها)‪.‬‬

‫مثل هذه الكلمات التي فيها شدة الخوف؛ يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬عن الذي يصح‬
‫منها؛ بعضها كما قدمت قد ال يثبت‪ ،‬لكن الذي يصح منها ال يكون المعنى ذاته مر ا‬
‫ادا‪ ،‬ولكن اهوال‬
‫يوم القيامة وشدائد يوم القيامة والخوف الشديد الذي يمال القلب يوجد فيه مثل هذه الكلمات ا‬
‫خوفا‪،‬‬
‫وإال في جانب اخر تراهم عندهم طمع ورجاء وسؤال الجنة وطلب ثواب االخرة وعمل االخرة وامور من‬
‫هذا القبيل‪ ،‬فانبه على ذلك حتى ال يظن الظان ان هذا هو الذي عندهم‪ ،‬ال؛ عندهم ايضا طلب للجنة‬
‫وعمل الجل الجنة‪ ،‬مثلما قال النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬لالعرابي‪ :‬حولها ندندن‪ ،‬انا ومعاذ والصحابة كلهم حول‬
‫الجنة ا‬
‫نيال لها‪ ،‬والنار نجاة منها يدندنون‪ ،‬لكن هذا الخوف له باب‪ ،‬وهو عندما يذكرون اهوال يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وشدائد يوم القيامة والعقوبات ووو‪ ...‬إلخ‪ ،‬اشتد الخوف فتاتي مثل هذه الكلمات‪ ،‬لكنها‬
‫اصالة ليست مقصودة‪ ،‬لكن حملهم عليها شدة الخوف‪ .‬ولهذا يقول ابن تيمية‪( :‬خوف وهيبة من‬
‫اهوال القيامة‪ ،‬فيثابون على هذا الخوف‪ ،‬وخوفهم هذا جزء من إيمانهم)‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وقرا تميم الداري ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ليلة سورة الجاثية‪ ،‬فلما اتى على هذه االية ﴿ َا ْم‬
‫ات﴾ [الجاثية‪ ]21 :‬جعل‬ ‫الس ِيئ ِت َان َّن ْجعل ُه ْم ك َّال ِذين ام ُنوا وع ِم ُلوا َّ‬
‫الصا ِلح ِ‬ ‫ح ِسب َّال ِذين ْاجتر ُحوا َّ‬
‫يرددها ويبكي حتى اصبح‪ ،‬وقال ابو عبيدة عامر بن الجراح‪ :‬وودت اني كبش فذبحني اهلي واكلوا‬
‫لحمي وحسوا مرقي)‪.‬‬
‫هذا في سنده انقطاع‪ ،‬بعض المتقدم يعني ليس ا‬
‫ثابتا‪ ،‬لكن اعيد ما اشرت إليه‪ ،‬التفاصيل ليست‬
‫مقصودة‪ ،‬وإنما المقصود الخروج بصورة واضحة ان الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪- -‬وهذا متظافر عنهم‬
‫ومستفيض‪ -‬فيه شدة خوف من هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬ومثل هذه العبارات ما صح منها محمول على ما‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫ذكره ابن القيم ان ابن تيمية وهو شدة الخوف عندهم من اهوال يوم القيامة والشدائد‪ ،‬فهو جزء من‬
‫خوفهم‪ ،‬وخوفهم جزء من إيمانهم‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬وهذا باب يطول تتبعه)‪.‬‬

‫الستفاضته وتواتره وك ثرة النقول فيه‪ ،‬وك ثير من النقول المتقدمة تجدونها في مثل الزهد لإلمام احمد‬
‫والك تب التي تعنى بهذا الجانب‪ ،‬وك تب الرقاق‪.‬‬

‫(قال البخاري في صحيحه‪ :‬باب خوف المؤمن من ان يحبط عمله وهو ال يشعر‪ ،‬وقال إبراهيم التيمي ‪-‬‬
‫مكذبا‪ ،‬وقال ابن مليكة‪ :‬ادركت ثالثين من‬‫رحمه هللا‪ :-‬ما عرضت قولي على عملي إال خشيت ان اكون ِ‬
‫اصحاب النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬كلهم يخاف النفاق على نفسه‪ ،‬ما منهم احد يقول إنه على إيمان جبريل‬
‫وميكائيل)‪.‬‬

‫النه ادرك ُالم ِرجئة الذي يقول الواحد منهم إيماني كإيمان جبريل‪ ،‬وهم يعتقدون ان اهل اإليمان فيه‬
‫سواء‪ ،‬وان احاد االمة إيمانه مثل إيمان صديق االمة‪ ،‬في رده عليهم يقول‪( :‬ادركت ثالثين من‬
‫اصحاب النبي ‪ -‬ﷺ ‪ )-‬وفي بعض الروايات‪ :‬او اك ثر‪( ،‬كلهم يخاف النفاق على نفسه‪ ،‬ما منهم احد‬
‫يقول إنه على إيمان جبريل او ميكائيل)‪.‬‬

‫(ويذكر عن الحسن ‪-‬رحمه هللا‪ -‬انه قال‪ :‬ما خافه إال مؤمن‪ ،‬وال امنه إال منافق)‪.‬‬
‫وا ا‬
‫يضا يروى عنه انه يقول‪ :‬ان المؤمن جمع بين إحسان ومخافة‪ ،‬والمنافق جمع بين إساءة وامن‪.‬‬

‫(وكان عمر بن الخطاب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬يقول لحذيفة‪ :‬انشدك هللا هل سماني لك رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫؟ يعني في المنافقين‪ ،‬فيقول‪ :‬ال‪ ،‬وال ازكي بعدك احدا)‪.‬‬

‫يقول هذا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬وارضاه وهو من هو في العمل والعبادة والطاعة والخيرية والفضل‪ ،‬وشهد له‬
‫النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بالجنة‪ ،‬لكن ماذا؟ هذا الخوف جزء من اإليمان‪ ،‬خوف يمال قلوبهم‪ ،‬ال يزكون‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫انفسهم‪ ،‬مع الصالح العظيم الذي اكرمهم هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬به ما يزكي الواحد منهم نفسه‪ ،‬هللا ‪-‬‬
‫جل وعال‪ -‬يقول‪﴿ :‬فال ُتز ُّكوا َا ُنفس ُك ْم ۖ ُهو َا ْعل ُم ِبم ِن َّاتقى﴾ [النجم‪ ]32 :‬ال يزكي نفسه‪ ،‬فهذا الخوف‬
‫جزء من اإليمان القوي العظيم الذي عمرت به قلوبهم ‪-‬رضي هللا عنهم‪-‬وارضاهم‪.‬‬

‫قال ‪-‬رحمه هللا‪( :-‬فسمعت شيخنا يقول ‪-‬يعني ابن تيمية‪ :-‬ليس مراده اني ال ابرئ غيرك من النفاق‪،‬‬
‫بل المراد‪ :‬ال افتح على نفسي هذا الباب‪ ،‬فكل من سالني‪ :‬هل سماني لك رسول هللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬
‫فازكيه‪ ،‬قلت‪ :‬وقريب من هذا قول النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬للذي ساله ان يدعو له ان يكون من السبعين الفا‬
‫الذين يدخلون الجنة بغير حساب‪ ،‬قال‪" :‬سبقك بها عكاشة"‪ ،‬ولم يرد ان عكاشة وحده احق بذلك‬
‫ممن دعاه من الصحابة‪ ،‬ولكن لو دعا له لقام اخر واخر وانفتح الباب‪ ،‬وربما قام من ال يستحق ان‬
‫يكون منهم‪ ،‬فكان اإلمساك اولى وهللا اعلم)‪.‬‬
‫يعني قول النبي ‪ -‬ﷺ ‪" :-‬سبقك بها عكاشة" يعني ا‬
‫حسما لمثل هذا‪ ،‬وحذيفة ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬لما‬
‫ا‬
‫حسما لمثل‬ ‫قال‪ :‬ال‪ ،‬وال ازكي بعدك ا ا‬
‫حدا‪ ،‬يعني إن ُسئلت بعدك هذا السؤال لن اجيب‪ ،‬لماذا؟‬
‫هذا‪ ،‬مثل ما قال النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬للسائل‪" :‬سبقك بها عكاشة"‪.‬‬
‫الحاصل هذه النقول جمعها ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬في بيان حال الصحابة‪ ،‬وعندما تنظر في‬
‫حالهم في هذا الباب تجد شدة الخوف الذي كانوا عليه ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬وارضاهم‪،‬إذا نظرت ا ا‬
‫يضا‬
‫يضا من احسن الناس رجاء‪ ،‬فجمعوا بين الرجاء والخوف‪ ،‬وهذا الذي يجب ان يكون‬ ‫الرجاء تجد ا ا‬
‫عليه المرء‪ ،‬الن المرء اذا كان عنده خوف وحده بدون رجاء؛ ماذا يحدث له؟ يقنط‪ ،‬واذا كان عنده‬
‫رجاء بال خوف‪ ،‬ماذا يحدث له؟ يامن من مكر هللا‪.‬‬
‫فإذا جمع بين الرجاء والخوف حدث التوازن‪ ،‬اقول ذلك حتى ننتبه‪ ،‬الصحابة ليس هذا الذي عندهم‬
‫فقط‪ ،‬إذا جئت في ابواب الرجاء والنقول عنهم في هذا الباب تجد ا‬
‫كالما عظيما في كمال حالهم ‪-‬رضي‬
‫هللا عنهم‪ -‬وارضاهم‪.‬‬
‫اشير هنا إلى قاعدة في هذا الباب قررها اهل العلم في مسالتنا هذه‪ ،‬وان الواجب ان يكون العبد والحال‬
‫المحمودة في العبد ان يكون بين الخوف والرجاء‪ ،‬فال يبلغ به الخوف ا‬
‫مبلغا إلى ان يوصله إلى القنوط‬
‫يضا ال يبلغ به الرجاء ا‬
‫مبلغا إلى ان يصل به إلى ان يامن من مكر هللا ‪-‬سبحانه‬ ‫من رحمة هللا او الياس‪ ،‬وا ا‬
‫وتعالى‪ ،-‬وكل من االمرين من كبائر الذنوب؛ اعني القنوط من رحمة هللا‪ ،‬واالمن من مكر هللا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬
‫وعالمة ذلك؛ انتبه للفائدة‪ ،‬وعالمة ذلك ان يكون ا‬
‫دائبا في عمل الخير واجتناب الشر‪ ،‬فإن الذي‬
‫يياس من رحمة هللا ال ْيب ُعد ان يصل به االمر إلى ان يدع العمل‪ ،‬كيف؟ يقول انا ُمعذب معذب‪،‬‬
‫فلماذا اعمل؟ ولماذا اترك المعاصي؟ ولماذا؟ وهذه حال واقعة‪ ،‬يصل به الياس إلى ان يترك العمل‪،‬‬
‫فيقول في نفسه‪ :‬انا معذب معذب‪ ،‬منتهي‪ ،‬العذاب حاصل حاصل‪ ،‬فلماذا ادع العمل استولى عليه‬
‫ماذا؟ الياس هذا نوع‪.‬‬
‫النوع االخر من يامن من مكر هللا‪ ،‬من امن من مكر هللا‪ ،‬االمن من مكر هللا هو في قرارة نفسه انه يوم‬
‫القيامة ماذا؟ ناجي‪ ،‬فيقول‪ :‬انا يوم القيامة ناج‪ ،‬فا ا‬
‫يضا ما الحاجة للعمل؟‬
‫فالنتيجة واحدة‪ ،‬شدة الياس واالمن من مكر هللا كلها تفضي إلى نتيجة واحدة‪ ،‬وهي ترك العمل‪.‬‬
‫اذن المحمود هو الجمع بين الرجاء والخوف‪ ،‬والعالمة الصادقة على ذلك الداب على العمل‪ ،‬إذا‬
‫كان عنده داب على العمل وعناية بالعمل هذه من عالمات اجتماع الرجاء والخوف‪ ،‬لكن من يستولي‬
‫عليه شدة الياس ربما وصل به االمر إلى تركه‪ ،‬النه سيقول‪ :‬انا معذب معذب فما الحاجة للعمل؟‬
‫والذي يامن يقول‪ :‬انا ناج ناج فما الحاجة إلى العمل؟ فكل منهما سيفضي به هذا إلى ترك العمل‪.‬‬
‫ثم ذكر ‪-‬رحمه هللا‪ -‬ا‬
‫فصال ا‬
‫جديدا رجع فيه إلى ما سبق قال‪( :‬فلنرجع إلى ما كنا فيه من ذكر دواء الداء‬
‫الذي إن استمر افسد دنيا العبد واخرته)‪.‬وهذا يوضح لنا ان ابن القيم عنده نفس عميق عظيم في‬
‫اإلصالح‪ ،‬وجلد وصبر في البيان والنصح‪ ،‬ربما لما قرانا ما سبق‪ ،‬قلنا في انفسنا‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬انتهت‬
‫المسالة‪ ،‬واضحة‪ ،‬ما عاد تحتاج بيان‪ ،‬يقول‪ :‬نرجع االن نبين‪ ،‬نحن االن نظن انه ما عاد بقي فيها‬
‫شيء‪ ،‬واضحة‪ ،‬وذكر ادلة وبراهين‪ ،‬وصارت واضحة‪ ،‬يقول‪ :‬فلنرجع إلى ما كنا فيه وسيمشي ا ا‬
‫يضا‬
‫معك االن في نفس طويل يحتاج منك صبر لتفهمه‪ ،‬مثلما صبر ‪-‬رحمه هللا‪ -‬الصبر العظيم في تحريره‬
‫وبيانه‪ ،‬فجزاه هللا خيرا على ما احسن وابان‪ ،‬ونفعنا هللا اجمعين‪ ،‬ووفقنا لكل خير‪.‬‬

‫جزاكم هللا خيرا‪ ،‬وبارك هللا فيكم‪ ،‬والهمكم هللا الصواب‪ ،‬ووفقكم للحق‪ ،‬وغفر هللا لنا ولكم وللمسلمين‬
‫اجمعين‪.‬‬
‫احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ :‬ما معنى قول ابي بكر ‪-‬رضي هللا عنه‪( :-‬فإن لم تبكوا فتباكوا)؟‬
‫تبك فحاول ان‬
‫‪-‬هذا إن ثبت‪ ،‬قلت إن بعض هذه االثار في سندها كالم‪ ،‬لكن إن ثبت فالمعنى‪ :‬إن لم ِ‬
‫تستجلب لنفسك البكاء بحسن التدبر‪ ،‬حسن التامل‪ ،‬حسن النظر في المعاني‪ ،‬إحضار النفس‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫إحضار القلب‪ ،‬ال ان المراد التظاهر بالبكاء‪ ،‬ليس هذا المراد‪ ،‬ولكن (تباكوا) يعني تعاطوا او ابذلوا‬
‫االسباب التي تصل إلى حصول هذا المقصود‪.‬‬
‫احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ :‬من كان عنده مظلمة عند احد‪ ،‬ثم استحل منه‪ ،‬وطلب ان يعفو‬
‫ويصفح عنه‪ ،‬ولكنه ابى ان يعفو عنه‪ ،‬فهل يبقى إثم بعدما استحل منه؟‬
‫‪-‬االستحالل وحده ال يك في‪ ،‬إذا كانت حقوق مالية او اشياء من هذا القبيل‪ ،‬ولم يطلب منه ا‬
‫ماال‪،‬‬
‫وقال‪ :‬سامحني والح عليه في المسامحة‪ ،‬وقال له ‪ :‬ال‪ ،‬انا اريد حقي‪ ،‬ما يخرج من التبعة بهذا الطلب‪،‬‬
‫ولكن يسعى ا‬
‫جاهدا في إعطائه ما في ذمته له‪.‬‬
‫‪-‬وإذا كان االمر ال يتعلق بحقوق مالية‪ ،‬يعني غيبة ونحو ذلك‪ ،‬اهل العلم منهم من ذكر إذا كان طلب‬
‫منه يفضي إلى مفسدة‪ ،‬فالشريعة جاءت بدرء المفاسد‪ ،‬يعني ان تاتي الخيك وتقول له‪ :‬انا قلت فيك‬
‫كذا‪ ،‬وقلت فيك كذا‪ ،‬وقلت فيك كذا‪ ،‬وقلت فيك كذا‪ ،‬وتفصل ماذا قلت فيه في ساعة سفه وجهل‪،‬‬
‫ثم تفصل له‪ ،‬ربما هو ال يدري عن شيء‪ ،‬فتمال صدره عليك‪ ،‬وتثير نفسه عليك‪ ،‬وتوجد في نفسه‬
‫عليك‪ ،‬هذه مفسدة‪ ،‬فإذا كان يخشى من ذلك‪ ،‬فيك ثر له من الدعاء‪ ،‬او ا ا‬
‫يضا يكون الطلب بغير‬
‫الطريقة التي تقدمت‪ ،‬يعني يلقاه‪ ،‬ويقول له‪ :‬ارجو المسامحة‪ ،‬ال بد ان يكون حصل تقصير‪ ،‬ال بد من‬
‫شيء تعرف نحن فينا ضعف وفينا قصور‪ ،‬وانت رجل كريم ومحسن‪ ،‬وجزاك هللا خير‪ ،‬إن كان‬
‫حصل‪ ،...‬مثل هذا الكالم‪ ،‬وإال فيك ثر له من الدعاء‪ ،‬ويجعل محل ذمه وغيبته والطعن في عرضه‬
‫ثناء عليه‪ ،‬لتذهب هذه تلك بإذن هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬لكن الحقوق المالية إن لم يسامح ال بد ان‬
‫يعيدها له‪.‬‬
‫احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ :‬من ترك صوم رمضان لعذر‪ ،‬ولم يزل حتى جاء رمضان اخر‪ ،‬فهل‬
‫يصومه بنية قضاء الفائ تة او بنية االداء؟‬
‫‪-‬ال‪ ،‬يصوم بنية االداء‪ ،‬يصوم رمضان الحاضر بنية االداء‪ ،‬والفائت هذا باقي في ذمته‪ ،‬يصومه بعد‬
‫رمضان‪ ،‬وإذا كان عنده تقصير يستغفر من هذا التقصير‪ ،‬ويندم على هذا التقصير‪ ،‬ثم يقضي بعد‬
‫رمضان الفائت من الذي قبله‪ ،‬ويطعم عن كل يوم مسكين بسبب تاخيره إلى ما بعد رمضان‪.‬‬
‫احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ :‬اسات الظن في شخص‪ ،‬فماذا يلزمني؟‬
‫ا‬ ‫ا ا‬
‫محمال‪ ،‬والن يكون خطؤك مع اخيك في باب إحسان‬ ‫ظنا سيئ وانت تجد على الخير‬ ‫‪-‬ال تظن باخيك‬
‫الظن خير لك من ان يكون خطؤك مع اخيك في باب إساءة الظن‪ ،‬النك إن احسنت الظن فيه وانت‬
‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫مخطئ ماجور على إحسانك الظن‪ ،‬وإن اسات الظن فيه وانت مخطئ اثمت على إساءتك الطن في‬
‫اخيك‪ ،‬ولهذا يحذر المرء من مثل هذا‪ ،‬وخاصة الظنون هذه التي هي في الحقيقة من إلقاء الشيطان‬
‫إللقاء العداوة بين اإلخوان‪ ،‬ولهذا في ادنى موقف ياتي الشيطان ويلقي في نفس المرء اسوا‬
‫االحتماالت واسوا الظنون‪ ،‬ثم تقع العداوة وهذا هو مطلوب الشيطان‪.‬‬
‫فعلى كل حال مثل هذا ينبغي ان المسلم يحذر منه‪ ،‬ومثل ما انه يحب لنفسه ان يحسن به الظن في‬
‫كالمه في اقواله في تصرفاته في افعاله‪ ،‬فليفعل ما يحبه لنفسه مع إخوانه‪ ،‬والمؤمن يحب الخيه ما‬
‫يحب لنفسه‪ ،‬وياتي إلخوانه الشيء الذي يحب ان يؤتى إليه‪.‬‬
‫‪ -‬إلى‬ ‫ﷺ‬ ‫احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ :‬المراة التي كانت تصرع وتتكشف‪ ،‬فارشدها النبي ‪-‬‬
‫الصبر‪ ،‬هل يفهم من هذا ان الصبر على المرض افضل من السعي والعالج والدعاء في ذلك؟‬
‫‪-‬السعي في العالج ليس بواجب‪ ،‬لكن قد قال النبي ‪ -‬ﷺ ‪" :-‬تداووا عباد هللا" يعني رغب في‬
‫الدواء‪ ،‬ولهذا فإن التداوي هو مستحب‪ ،‬بعض اهل العلم قال بوجوبه‪ ،‬لكن يستحب للمرء ان‬
‫يتداوى بما يرجو ان يكون فيه ا‬
‫نفعا له‪ ،‬وقد قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪" :-‬تداووا عباد هللا‪ ،‬ما انزل هللا‬
‫من داء إال انزل له دواء‪ ،‬علمه من علمه‪ ،‬وجهله من جهله"‪.‬‬
‫وهذه المراة كانت ُتصاب بالصرع وتتكشف‪ ،‬فقال‪":‬تصبرين ولك الجنة؟" قالت‪ :‬اصبر‪ ،‬لكنني‬
‫اتكشف‪ُ ،‬فادعو هللا اال اتكشف‪ ،‬التكشف الذي يحصل من هذه المراة هو وقت الصرع‪ ،‬فهل هي‬
‫صال‪ ،‬فليس اثمة‪ ،‬وال يعاقبها هللا على شيء يكون ما تشعر به –‬ ‫اثمة؟ هي مصابة بصرع‪ ،‬ما تدري ا ا‬
‫مصروعة‪ ،-‬لكن مع ذلك تقول‪ُ :‬ادعو هللا ان ال اتكشف‪ ،‬فسبحان هللا‪ ،‬هناك نوع من الصرع تصاب‬
‫به ك ثير من النساء‪ ،‬وهو ان تكون صريعة الشهوات واالهواء‪ ،‬إذا اصيبت بهذا الصرع تتكشف وال‬
‫تبالي‪ ،‬وال تخاف من عقوبة هللا‪ ،‬وال تفكر ا ا‬
‫صال في هذا االمر النها صريعة الشهوة‪ ،‬وهذا النوع من‬
‫جدا إذا اصاب المراة‪ ،‬تجد تتكشف وال تبالي‪ ،‬هذه تتكشف مصروعة بالمرض الذي‬ ‫الصرع خطير ا‬
‫اصابها‪ ،‬وتطلب من النبي ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ان ال تتكشف‪ ،‬واصبحت من بعد ذلك تصاب بالصرع وال‬
‫تتكشف‪ ،‬وذاك التكشف لم تكن محاسبة عليه‪ ،‬فكيف بالتي تتكشف ا‬
‫عمدا قاصدة‪ ،‬وال تبالي وال‬
‫تخاف من لقاء هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬؟! نسال هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬العافية‪.‬‬
‫سؤال واحد‪ ،‬احسن هللا إليكم‪ ،‬يقول السائل‪ ،‬شيخنا نحن طلبة الجامعة قاربنا على الرجوع إلى‬
‫بالدنا فبماذا تنصحونا في هذا الصيف وفي رمضان خاصة؟‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي عشر‬

‫انصحكم تسمعون االذان االن‪ ،‬وترددون معه‪ ،‬اما الجواب عليه ما في وقت يك في‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت استغفرك واتوب إليك ‪,‬اللهم صل وسلم على عبدك‬
‫ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين‪.‬‬
‫اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫وامحلد هلل رب العاملني والصالة والسالم عىل عبد هللا ورسوهل نبينا وعىل آهل وحصبه آمجعني آما بعد‪ ,‬فيقول‬
‫ا‬
‫العالمة ابن القمي اجلوزية رمحه هللا يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫السموم يف ْ َاْلبْدَ ان‬ ‫‪َ:‬ضر ا ُّذلنوب يف الْقَلْب كَ َ َ‬


‫َضر ُّ‬ ‫فَ ْص ٌل َ َ‬
‫فَلْ َ َْنج ْع ا َل َما كنَّا فيه م ْن ذ ْكر د ََواء ادلَّ اء َّاذلي ان ْاس َت َم َّر َآفْ َسدَ دنْ َيا الْ َع ْبد َوآخ َرتَه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السموم يف ْ َاْلبْدَ ان عَ َىل‬ ‫ُّ‬ ‫ر‬ ‫َض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫َا‬
‫ه‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫د‬ ‫َّ‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫‪,‬‬‫ََض‬
‫ُّ‬ ‫ت‬ ‫اص‬
‫َ ََ َ‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫وب‬
‫َ‬ ‫ن‬‫ذل‬‫ُّ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫‪,‬‬‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ي‬ ‫فَ َما يَن ْ َبغ‬
‫ش َودَا ٌء ا َّل َسبَبه ُّاذلنوب َوالْ َم َعاص‪ ,‬فَ َما َّاذلي آَخ َْر َج‬ ‫الَضر‪َ ,‬وه َْل يف ادلُّ نْ َيا َو ْاْلخ َرة َ ر‬ ‫اخْت َالف د ََر َجاِتَا يف َّ َ‬
‫ِ‬
‫الُّسور ا َل دَار ْاْل َلم َو ْ َاْل ْح َزان َوالْ َم َصائب؟‬ ‫ْ َاْلب َ َو ْين م َن الْ َجنَّة‪ ,‬دَار ا َّ َّلَّلة َوالنَّعمي َوالْبَ ْ َجة َو ُّ‬
‫ِ‬
‫الس َماء َو َط َردَه َولَ َعنَه‪َ ,‬و َم َسخَ َظاه َره َو ََبطنَه فَ َج َع َل ص َورتَه آَ ْقبَ َح ص َورة‬ ‫َو َما َّاذلي آَخ َْر َج ِابْل َيس م ْن َملَكوت َّ‬
‫َوآَ ْش نَ َعهَا‪َ ,‬و ََبطنَه آَ ْقبَ َح م ْن ص َورته َو َآ ْش نَ َع‪َ ,‬وب اد َل َبلْق ْرب ب ْعدً ا‪َ ,‬وَب َّلر ْ َمحة لَ ْعنَ ًة‪َ ,‬وَبلْ َج َمال ق ْب ًحا‪َ ,‬وَبلْ َجنَّة َنَ ًرا‬
‫تَلَ َّظى‪َ ,‬وَب ْلميَان ك ْف ًرا‪َ ,‬وبم َو َالة الْ َو ال الْ َحميد آَع َْظ َم عَدَ َاوة َومشَ اقَّة‪َ ,‬وب َز َجل الت َّ ْسبيح َوالتَّ ْقديس َوالَّتَّ ْليل َز َج َل‬
‫ِ‬
‫الّشك َو ْالكَذب َو ُّالزور َوالْف ْحش‪َ ,‬وبل َباس ْالميَان ل َب َاس الْك ْفر َوالْفسوق َوالْع ْص َيان‪ ,‬فَه ََان عَ َىل َّاّلل غَاي َ َة‬ ‫ْالك ْفر َو ا ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫السقوط‪َ ,‬و َح َّل عَلَ ْيه غضَ ب َّالر اب تَ َعال فأه َْواه‪َ ,‬و َمقتَه آك َب ال َمقت فأ ْردَاه‪ ,‬ف َص َار‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الْه ََوان‪َ ,‬و َسقَطَ م ْن َع ْينه غَاي َ َة ُّ‬
‫الس َيادَة‪ ,‬فَع َيا ًذا ب َك اللَّه َّم م ْن مخَالَفَة آَ ْمركَ‬ ‫ل الْع َبادَة َو ا‬ ‫ض لنَ ْفسه َبلْقيَادَة ب َ ْعدَ ت ْ َ‬ ‫ك فَاسق َوم ْجرم‪َ ,‬ر َ‬ ‫قَ َّوادًا ل ا‬
‫َو ْارت ََكب َنَ ْي َك‪.‬‬
‫َو َما َّاذلي آَ ْغ َر َق آَ ْه َل ْ َاْل ْرض ُكَّه ْم َح َّّت عَ َال الْ َماء فَ ْو َق َرآْس الْج َبال؟ َو َما َّاذلي َسلَّطَ االريَ الْ َعق َمي عَ َىل قَ ْوم عَاد‬
‫َح َّّت آَلْقََّتْ ْم َم ْو َت عَ َىل َو ْجه ْ َاْل ْرض َ ََكَنَّ ْم آَ ْ َْعاز َ َْنل خَاوي َ ٌة‪َ ,‬و َد َّم َر ْت َما َم َّر عَلَ ْيه م ْن د ََير ْه َوحروِث ْم َوزروعه ْم‬
‫َود ََواّبا ْم‪َ ,‬ح َّّت َصاروا ع ْ َب ًة ل ْ ُْل َمم ا َل ي َ ْوم الْقيَا َمة؟‬
‫ِ‬
‫الص ْي َح َة َح َّّت قَ َط َع ْت قلوّبَ ْم يف آَ ْج َوافه ْم َو َماتوا َع ْن آخر ْه؟‬ ‫َو َما َّاذلي آَ ْر َس َل عَ َىل قَ ْوم ثَمو َد َّ‬
‫َو َما َّاذلي َرفَ َع ق َرى اللُّوطيَّة َح َّّت ََس َعت الْ َم َالئ َكة ن َب َيح َلِكّب ْم‪َّ ,‬ث قَلَبَ َا عَلَْيْ ْم‪ ,‬فَ َج َع َل عَالْيَ َا َسافلَهَا‪ ,‬فَأَهْلَ َكه ْم‬
‫الس َماء آَ ْم َط َرهَا عَلَْيْ ْم‪ ,‬فَ َج َم َع عَلَْيْ ْم م َن الْعقوبَة َما ل َ ْم َ َْي َم ْعه عَ َىل آُ َّمة غَ ْْي ْه‪َ ,‬ولخ َْواَن ْم‬
‫َمجي ًعا‪َّ ,‬ث آَتْ َب َعه ْم ح َج َار ًة م َن َّ‬
‫ِ‬
‫ه م َن َّ‬
‫الظالم َني ب َبعيد؟‬ ‫َآ ْمث َالهَا‪َ ,‬و َما َ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫َو َما َّاذلي آَ ْر َس َل عَ َىل قَ ْوم ش َع ْيب ََس َ‬


‫َاب الْ َع َذاب ََك ُّلظلَل‪ ,‬فَلَ َّما َص َار فَ ْو َق رءوسه ْم آَ ْم َط َر عَلَْيْ ْم َنَ ًرا تَلَ َّظى؟‬
‫َو َما َّاذلي آَ ْغ َر َق ف ْر َع ْو َن َوقَ ْو َمه يف الْ َب ْحر‪َّ ,‬ث نَقَلَ ْت آَ ْر َو َاَح ْم ا َل َ ََجَّنَّ َ‪ ,‬فَ ْ َاْل ْج َساد للْغ ََرق‪َ ,‬و ْ َاْل ْر َواح للْ َح ْرق؟‬
‫ِ‬
‫ون َودَاره َو َماهل َو َآهِْل؟‬ ‫َو َما َّاذلي خ ََس َف بقَار َ‬
‫ون م ْن ب َ ْعد نوح بأَن َْواع الْعق َوَبت‪َ ,‬و َد َّم َرهَا تَدْ م ًْيا؟‬ ‫ْل الْقر َ‬ ‫َو َما َّاذلي آَه َ َ‬
‫َو َما َّاذلي آَه َ َ‬
‫ْل قَ ْو َم َصاحب يس َب َّلص ْي َحة َح َّّت َ ََخدوا َع ْن آخر ْه؟‬
‫ْسائي َل قَ ْو ًما آُول بَأْس َشديد فَ َجاسوا خ َال َل ادلا ََير‪َ ,‬وقَتَلوا االر َجا َل‪َ ,‬و َس بوا ا ُّذل اري َّ َة‬ ‫َو َما َّاذلي ب َ َع َث عَ َىل بَن ا ْ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َوالن ا َس َاء‪َ ,‬وآَ ْح َرقوا ادلا ََي َر‪َ ,‬وَنَ َبوا اْل ْم َوال‪َّ ,‬ث ب َ َعَثَ ْم عَلْيْ ْم َم َّر ًة ََثن َية فَأَهْلكوا َما قَدَروا عَل ْيه َوت ََّبوا َما عَل ْوا تَ ْتب ًْيا؟‬
‫َ‬
‫الس ْب َوخ ََراب الْب َالد‪َ ,‬و َم َّر ًة َِب ْور‬
‫َو َما َّاذلي َسلَّطَ عَلَْيْ ْم آَن َْوا َع الْعق َوَبت‪َ ,‬م َّر ًة َبلْقَ ْتل َو َّ‬
‫الْملوك‪َ ,‬و َم َّر ًة ب َم ْسخه ْم ق َر َد ًة َو َخنَاز َير‪َ ,‬وآخر َذ َل آَ ْق َس َم َّالر ُّب تَ َب َاركَ َوتَ َع َال‪{ :‬ل َ َي ْب َع َ َّث عَلَْيْ ْم ا َل ي َ ْوم الْقيَا َمة َم ْن‬
‫ِ‬
‫ي َسومه ْم س َوء الْ َع َذاب} [س َورة ْ َاْلع َْراف‪. ]761 :‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‪,‬امحلد هلل رب العاملني‪ ,‬وآشهد آن ل اهل ال هللا وحده ل شيك هل ‪,‬وآشهد آن محمدًا‬
‫عبده ورسوهل ﷺ ‪,‬وعىل آهل وآحصابه آمجعني آما بعد‪,‬‬
‫فهذا الفصل وهو‪ :‬عو ٌد ال بدء وتأكيد ملتقدم عقده المام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬لبيان آن اذلنوب ضارة ول‬
‫بد وواقعة مَضِتا عىل العبد ول بد‪ ,‬وآَضار اذلنوب متنوعة‪ ,‬وجدير بك َنحص لنفسه آن يعتب بأحوال‬
‫امل َعذبني‪,‬ومن ذاقوا آَضار اذلنوب‪ ,‬فيعتب ل آن َيعل من نفسه عبة لْلخرين‪ ,‬فان السعيد من اتعظ بغْيه‬
‫والشقي من َكن عظة لغْيه‪ ,‬ولهذا ينبغي عىل العبد* آن يكون َنحصًا لنفسه غاية النصح ‪*,‬وآن َياهد نفسه‬
‫للبعد عن اذلنوب ليسل من غوائلها وعواقبا ومضارها الوخمية عىل صاحبا يف ادلنيا واْلخرة‪ ,‬وذكر المام ابن‬
‫القمي رمحه هللا تعال يف هذا الفصل َمُّسدًا َنف ًعا جدً ا رمبا ل تَكد تراه ّبذا العرض وهذا الرتتيب وهذه الوجازة‬
‫يف موضع آخر‪ ,‬ذكر فيه عقوَبت متنوعة ترتبت عىل اذلنوب عب التارخي ْلنواع من اذلنوب‪ ,‬وهللا س بحانه‬
‫وتعال قص ذل يف القرآن وآَبنه يف مواطن عديدة‪ ,‬ليعتب املعتب ويتعظ املتعظ‪ ,‬فان هذه القصص واْلخبار مل‬
‫حتىك جملرد العل ّبا واملعرفة ‪,‬وامنا حكيت ْلخذ العبة والعظة‪ ,‬ولهذا فان ما َسعنا اْلن من مُّسد ْلنواع من‬
‫وحذرا من اذلنوب وآخطارها وآَضارها‪,‬‬ ‫العقوَبت وُكها لها شواهدها ودلئلها َيعل يف العبد حيطة من نفسه‪ً ,‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫فرتتب علْيا لك ما َسعهنا وآكرث يف اْلمم السابقة‪ ,‬وذكر هللا س بحانه وتعال يف كتابه ج ال وعال آمور كثْية من‬
‫تفصيال ‪,‬لك ذل ْلخذ العبة والعظة من ذل‪ ,‬وبعد ذل آخذ رمحه هللا تعال يسوق‬ ‫جامل و ً‬ ‫آحوال اْلمم ا ً‬
‫نصوصا كثْي من الس نة يف ذكر عواقب اذلنوب ومضارها يف ادلنيا واْلخرة‪ ,‬نعم‪.‬‬ ‫ً‬

‫قَا َل ْال َمام آَ ْ َمحد َح َّدثَنَا الْ َوليد ْبن م ْسل َح َّدثَنَا َص ْف َوان ْبن َُع َر َو َح َّدثَن َع ْبد َّالر ْ َمحن ْبن جبَ ْْي ْبن ن َف ْْي َع ْن َآبيه‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ادلَّردَاء َجال ًسا َو ْحدَ ه ي َ ْبِك‪ ,‬فقلت‪:‬‬ ‫قَا َل‪ :‬ل َ َّما فت َح ْت قبص ف ار َق ب َ َني آهْلهَا‪ ,‬فبَىك ب َ ْعضه ْم ِال ب َ ْعض‪ ,‬ف َرآيْت آ ََب ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يك يف ي َ ْوم آَ َع َّز َّاّلل فيه ْال ْس َال َم َوآَه َِْل‪ ,‬فَقَا َل‪َ :‬و ْ َْي َك ََي ج َب ْْي‪َ ,‬ما آَه َْون الْ َخلْق عَ َىل َّاّلل‬ ‫ََي آَ ََب ادلَّ ْردَاء َما ي ْبك َ‬
‫ِ‬
‫ه آُ َّم ٌة قَاه َرةٌ َظاه َرةٌ لَهم الْم ْل‪ ,‬تَ َركوا َآ ْم َر َّاّلل فَ َصاروا ا َل َما تَ َرى‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َع َّز َو َج َّل ا َذا آَضَ اعوا آَ ْم َره‪ ,‬بَيْنَ َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا آثر عن آيب ادلرداء رض هللا عنه وفيه عظمي فقه الصحابة رض هللا عهنم وآرضاه وآخذه العبة من‬
‫القصص وآحوال اْلمم والعقوَبت‪ ,‬فلام آكرم هللا س بحانه وتعال املسلمني بفتح قبص ف ارق بني آهلها وشت َت‬
‫يبق هلم ذاك‬ ‫مشلهم بعد آن َكنت آمة ظاهرة قاهرة لها مل‪ ,‬لها دوةل ذهبت يف همب الري و َّتفرق آمره ومل َ‬
‫املل وذاك الظهور‪ ,‬هذا َبلنس بة للمسلمني يف ذاك اليوم يوم فرح عظمي وْسور وغبطة وهناءة بنعمة هللا‬
‫لكن آيب ادلرداء رض هللا عنه جلس وحده يبِك‪ ,‬فقيل هل‬ ‫س بحانه وتعال آن َّيُّس هذا الفتح العظمي واخلْي‪َّ ,‬‬
‫يف ذل ما يبكيك يف يوم آعز هللا فيه السالم وآهِل ؟!يعن هذا يوم فرح وْسور وغبطة وهناءة ّبذه النعمة‬
‫فعز هللا فيه السالم وآهِل مفا اذلي َيعل تبِك؟ قال‪ :‬وْيك َي جبْي ما آهون اخللق عىل هللا عز وجل اذا‬ ‫َّ‬
‫آضاعوا آمره ‪ ,‬ويف املصدر تركوا آمره‪ ,‬آو املصادر مصادر خترجي اخلب ‪-‬تركوا آمره‪ -‬وهام مبعىن واحد وهذا اخلب‬
‫يف الزهد لالمام آمحد ‪ ,‬وليس يف مس نده والحاةل هكذا َبلطالق عىل المام آمحد تشْي ال آنه يف املس ند‪,‬‬
‫قال ‪:‬اذا آضاعوا آمره بيامن ه آمة قاهرة ظاهرة هلم املل تركوا آمر هللا فصار آمره ال ما ترى آي‪ :‬انَّتىى‬
‫الظهور وانَّتىى املل وتشتت اْلمر و َّتفرقوا‪ ,‬فهذا فيه عبة‪ ,‬ملا نظر ال هذا اجلانب بىك من هذه العبة‬
‫والعظة‪ ,‬وآن يف هذا دلةل عىل هوان اخللق عىل هللا س بحانه وتعال اذا آضاعوا آمره " َو َمن ُين اللَّـه فَ َما َهل‬
‫من ُّم ْكرم "‪ ,‬اذا آضاعوا آمره‪ ,‬لكن ان حفظوا آمر هللا س بحانه وتعال حفظهم هللا وآيده وآمده وآعاَنم‬
‫وكفاه ش آعداهئم‪" ,‬ا َّن اللَّـ َه يدَ افع َعن َّاذل َين آ َمنوا ۗ" " ََك َن َحقًّا عَلَ ْينَا ن َْص الْم ْؤمن َني " لكن اذا تركوا آمر هللا‬
‫ِ‬
‫س بحانه وتعال هانوا عليه " َو َمن ُين اللَّـه فَ َما َهل من ُّم ْكرم " نعم‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫َوقَا َل عَ ُّل ْبن الْ َج ْعد‪ :‬آَنْ َبأََنَ ش ْع َبة َع ْن َ ُْعرو ْبن م َّر َة قَا َل‪ََ :‬س ْعت آَ ََب الْ َبخ َْرت اي يَقول‪ :‬آَخ َ َْبن َم ْن ََس َع النَّ َّب ‪-‬‬
‫ل النَّاس َح َّّت ي ْعذروا م ْن آَنْفسه ْم» ‪.‬‬ ‫ﷺ ‪ -‬يَقول‪« :‬ل َ ْن ُيَ ْ َ‬

‫ث آورد رمحه هللا تعال هذا احلديث آن النب ﷺ قال " ل َ ْن ُيَ ْ َ‬
‫ل النَّاس َح َّّت ي ْعذروا م ْن آَنْفسه ْم " آي‬
‫يكون مهنم اْساف عىل آنفسهم َبذلنوب واملعاص‪ ,‬وانصاف عن حقوق هللا اليت خلقهم من آجلها وآوجده‬
‫لتحقيقها‪ ,‬واَنامك يف ادلنيا وشهواِتا ومَّلاِتا‪ ,‬وعدم مبالة َبْلخرة وآمرها العظمي‪ ,‬فاذا َكنوا كذل آصبحوا‬
‫عرضة للعقوبة والهالك فل يبقى هلم حينئذ عذر‪ ,‬آي عىل آنفسهم جنوا وبذنوّبم آوجبوا عقوبة هللا س بحانه‬
‫وتعال فل يبقى هلم عذر ‪,‬وهذا معىن قوهل حّت يعذروا من آنفسهم آي َبرتَكّبم لَّلنوب واملعاص ومساخط‬
‫هللا س بحانه وتعال والانصاف فال يبقى هلم عذر‪ ,‬فيكونون حقيقني بعقوبة هللا ول عذر هلم ْلَنم جنوا عىل‬
‫آنفسهم َبلْساف والكباب عىل اذلنوب‪ ,‬نعم‪.‬‬

‫َويف م ْس نَد آَ ْ َمحدَ م ْن َحديث آُ ام َسلَ َم َة قَال َ ْت‪ََ :‬س ْعت َرسو َل َّاّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يَقول‪« :‬ا َذا َظه ََرت الْ َم َعاص يف‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون؟ قَال‪ :‬بَىل‪ ,‬قلت‪ :‬ك ْي َف‬ ‫ُآ َّميت َ َُّعهم َّاّلل ب َع َذاب م ْن ع ْنده‪ ,‬فَقلْت‪ََ :‬ي َرسو َل َّاّلل‪َ ,‬آ َما فْي ْم ي َ ْو َمئذ آَُنَ ٌس َصالح َ‬
‫ون ا َل َمغْف َرة م َن َّاّلل َورضْ َوان» ‪.‬‬ ‫ي ْصنَع بأُولَئ َك؟ قَا َل‪ :‬يصيب ْم َما آَ َص َ‬
‫اب النَّ َاس‪َّ ,‬ث يَصْي َ‬
‫ِ‬
‫وهذا احلديث فيه آن املعاص اذا ظهرت ومعىن ظهرت‪ :‬آصبح لها ش يوع بني الناس وظهور آصبحت ظاهرة‪,‬‬
‫فاذا َكن حال الناس ّبذه الصفة ظهرت اذلنوب وشاعت وكرثت يف الناس َّع هللا س بحانه وتعال امجليع‬
‫بعذاب من عنده‪ ,‬ومعىن َُّعهم آي الصاحل مهنم والطاحل املذنب وغْي املذنب يعم امجليع بعذاب من عنده‪ ,‬فقيل‬
‫َي رسول هللا آما فْيم يومئذ آَُنس صاحلون؟ فيشملهم هذا العذاب آما فْيم آَنس صاحلون؟ قال بىل‪ ,‬قلت‬
‫فكيف يصنع بأولئك يعن‪ :‬مع آَنم مل يكونوا من آهل تل اذلنوب و مل يكونوا من آهل تل املعاص‪ ,‬قال‬
‫يصيبم ما آصاب الناس ث يصْيون ال مغفرة من هللا ورضوان‪ ,‬يصيبم ما آصاب الناس آي العقوبة اليت تزنل‬
‫تعم امجليع لكن يصْيوا مأهلم ال مغفرة من هللا ورضوان‪ْ ,‬لَنم آهل طاعة وليسوا بأهل معصية‪,‬لكن هذا من‬
‫شؤم املعاص ‪,‬وعقوبة املعاص كام آفاد هذا احلديث مثل النار اذا حلت يف مَكن آُكت اْلخَض واليابس ل‬
‫تألك اليابس فقط حّت اْلخَض تأُكه‪ ,‬مفَضة اذلنوب وشؤهما عىل البالد والناس حّت ادلواب حّت الزروع لها‬
‫شؤم " َظه ََر الْ َف َساد يف الْ َ اب َوالْ َب ْحر ب َما كَ َسبَ ْت آَيْدي النَّاس " نعم‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫َويف َم َراس يل الْ َح َسن َعن النَّ اب ‪ -‬ﷺ ‪َ « -‬ل تَ َزال هَذه ْ ُاْل َّمة َ ْحت َت يَد َّاّلل َويف كَنَفه َما ل َ ْم ي َمال ْئ ق َّراؤهَا‬
‫شارهَا‪ ,‬فَا َذا ْه فَ َعلوا َذ َل َرفَ َع َّاّلل يَدَ ه َعهنْ ْم‪,‬‬ ‫ُآ َم َر َاءهَا‪َ ,‬و َما ل َ ْم ي َزكا صلَ َحاؤهَا ف َّج َارهَا‪َ ,‬و َما ل َ ْم ُي ْن خيَ َارهَا آَ ْ َ‬
‫ِ‬
‫َضّبَ م َّاّلل َبلْفَاقَة َوالْ َف ْقر» ‪.‬‬
‫وه س َوء الْ َع َذاب‪َّ ,‬ث َ َ‬ ‫َّث سل اطَ عَلَْيْ ْم َجبَاب َرِت ْم فَ َسام ْ‬

‫هذا رواه ابن آيب ادلنيا يف العقوَبت وَبملناس بة فكتاب "العقوَبت لبن آيب ادلنيا" وهو مطبوع هو يف هذا‬
‫الباب ‪,‬يذكر آنواع العقوَبت‪ ,‬ويسوق اْلحاديث واْلخبار ُكها يف هذا الباب وهذا اخلب من مراس يل احلسن‬
‫وآيضً ا اس ناده ضعيف وهو مرسل نعم‪.‬‬

‫َويف الْم ْس نَد م ْن َحديث ثَ ْو ََب َن قَا َل‪ :‬قَا َل َرسول َّاّلل ‪ -‬ﷺ ‪« :‬ا َّن َّالرج َل لَي ْح َرم االر ْز َق َب َّذلنْب يصيبه» ‪.‬‬
‫ِ‬
‫هذا تقدم عند املصنف رمحه هللا يف آوائل الكتاب عندما تلكم عن ادلعاء والقضاء ل يرد القدر ال ادلعاء‪ ,‬جاء‬
‫يف آخر احلديث هذه امجلةل وآول احلديث اذلي يتعلق َبدلعاء ورده للقدر آو القضاء‪ ,‬ثبت مبا هل من شواهد‪,‬‬
‫يعن هذه امجلةل من حديث ثوَبن ثبتت مبا لها من شواهد‪ ,‬آما آخر احلديث ان الرجل ليحرم الرزق َبذلنب‬
‫يصيبه‪ ,‬فقد ذكر الش يخ اْللبان رمحه هللا آن هذه الزَيدة مل َيد لها ما يشهد لها ‪,‬لكن اذلنوب واملعاص لها‬
‫مضار عظمية من مضهنا هذا املعىن اذلي ذكر يف احلديث احلرمان من الرزق ومن البكة يف الرزق والبكة يف‬
‫العيش‪ ,‬كام آن آيضً ا آن الطاعة سبب يف البكة كام قال هللا تعال " َم ْن َُع َل َصال ًحا امن َذكَر آَ ْو ُآ َ ىنث َوه َو م ْؤم ٌن‬
‫فَلَن ْحييَنَّه َحيَا ًة َط اي َب ًة ۗ" ضد ذل يرتتب عليه ضد ذل آيضً ا‪ ,‬ضد ذل وهو العمل اليسء يرتتب عليه ضد‬
‫ذل وهو احلياة غْي الطيبة وهو من عقوَبت اذلنوب ‪-‬نعم‪.‬‬

‫لك آُفق‪ََ َ ,‬ك تَتَدَ ا َعى ْاْلَ َُكَة‬


‫َوفيه آَيْضً ا َع ْنه قَا َل‪ :‬قَا َل َرسول َّاّلل ‪ -‬ﷺ ‪« :‬يوشك آَ ْن تَتَدَ ا َعى عَلَ ْيك ْ ُاْل َمم م ْن ا‬
‫الس ْيل‪ ,‬ت ْ َزنع‬‫عَ َىل قَ ْص َعَّتَا‪ ,‬قلْنَا‪ََ :‬ي َرسو َل َّاّلل‪ ,‬آَم َن ق َّةل بنَا ي َ ْو َمئذ؟ قَا َل‪ :‬آَن ْْت ي َ ْو َمئذ كَثْيٌ ‪َ ,‬ولَكن َّ ْك غثَا ٌء َكغثَاء َّ‬
‫الْ َمهَابَة م ْن قلوب عَد او ُْك‪َ ,‬و َْي َعل يف قلوبك الْ َوهَن‪ ,‬قَالوا َو َما الْ َوهَن؟ قَا َل‪ :‬ح ُّب الْ َح َياة َوكَ َراهَة الْ َم ْوت‬

‫هذا احلديث فيه آن املسلمني اذا اَنمكوا يف املعاص‪ ,‬وآكبوا عىل ادلنيا‪ ,‬وانشغلوا عن طاعة هللا س بحانه‬
‫وتعال‪ ,‬وطلب مرضاته وآصبح مههم ومهَّتم اللهو والغفةل والباطل‪ ,‬فان من العقوبة عىل ذل تسليط آمم الكفر‬
‫علْيم ‪,‬حّت يكونوا ّبذا املثال اذلي ذكر يف احلديث قال‪ :‬يوشك آن تتداعى عليك اْلمم من لك آُفق كام تداعى‬
‫اْل َُكة عىل قَصعَّتا‪َ ,‬آ َُكَة ‪:‬مجع آلك مثل كَتَبة مجع َكتب‪ ,‬مثل ما يوضع الطعام ث َيمتع عليه آُكة جياع من لك‬
‫َجة كيف يكون آخذه لهذا اْللك وتناوهلم لهذا الطعام؟ وه آتوا ال هذا الطعام من لك َجة وه جياع‪,‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫فيوشك يقول عليه الصالة والسالم ‪:‬آن تتداعى عليك اْلمم من لك آُفق كام تداعى اْل َُكَة عىل قَصعَّتا مثل مما‬
‫َيمتع اْل َُكة عىل القَصعة اليت ه وعاء الطعام اذلي يوضع فيه الطعام‪ ,‬قلنا ‪َ:‬ي رسول هللا آَمن ق َّةل مناا يومئذ‬
‫يعن عندما تتداعي اْلمم آمم الكفر وتتسلط عىل املسلمني آيكونون يف ذل الوقت قةل بسبب قلَّتم؟ قال‪ :‬آنت‬
‫يومئذ كثْي ولكنك غثا ٌء كغثاء الس يل‪ ,‬غثاء الس يل‪:‬اذلي ْيمِل فوق متنه من الزبد واْلش ياء اخلفيفة اليت‬
‫ْيملها عىل متنه وهو مندفع فيقول عليه الصالة والسالم ‪:‬ولكنك غثاء كغثاء الس يل تزنع املهابة من قلوب‬
‫عدوُك وَيعل يف قلوبك الوهن‪َ ,‬يمتع آمران‪ -:‬املهابة تذهب ‪:‬املهابة اليت َيعلها هللا س بحانه وتعال للمسلمني‬
‫َبسالهمم وامياَنم وطاعَّتم قد قال عليه الصالة والسالم‪" :‬نصت َبلرعب مسْية شهر"فهذه املهابة تذهب‬
‫فُّسا يف احلديث عندما س ئل النب ﷺ عنه قال‪:‬‬ ‫واْلمر اْلخر يصاب املسلمون َبلوهن والوهن هو جاء م ً‬
‫حب ادلنيا وكراهية املوت‪ ,‬حب ادلنيا ْلن القلوب انشغلت ّبا وتعلقت ّبا‪ ,‬ومل يصبح هناك اهامتم َبْلخرة‬
‫يليق مبقام اْلخرة العظمي‪ ,‬حفب ادلنيا ْلن قلوّبم تعلقت َبدلنيا‪ ,‬فهذا احلديث يبني آن املسلمني اذا َكنوا ّبذه‬
‫الصفة َكنت العقوبة تسلط اْلعداء‪ ,‬تسلط آمم الكفر علْيم من لك جانب ومن لك َجة‪ -‬نعم ‪.‬‬

‫َويف الْم ْس نَد م ْن َحديث آَنَس قَا َل‪ :‬قَا َل َرسول َّاّلل ‪ -‬ﷺ ‪« :‬ل َ َّما عر َج يب َم َر ْرت بقَ ْوم لَه ْم آَ ْظفَ ٌار م ْن‬
‫ون لحو َم النَّاس‬ ‫ون وجوهَه ْم َوصد َور ْه‪ ,‬فَقلْت‪َ :‬م ْن هَؤ َلء ََي ج ْبيل؟ فَقَا َل‪ :‬هَؤ َلء َّاذل َين يَأُْك َ‬‫َُناس َ َْيمش َ‬
‫َويَقَع َ‬
‫ون يف آَع َْراضه ْم‪».‬‬

‫هذا تقدم عند املصنف رمحه هللا تعال وفيه هذه العقوبة للمغتابني‪ ,‬ومن يقعون يف آعراض الناس آي غيب ًة‬
‫وخسرية واس َّتز ًاءا وِتمكًا‪ ,‬عقوبَّتم ذكرت يف هذا احلديث‪ :‬آنه يكون هلم يوم القيامة آظفار من ُناس َيمشون‬
‫ّبا وجوههم وصدوره ‪,‬والعقوبة من جنس العمل‪ ,‬ملا َكن العمل آلك للحوم الناس َبلغيبة والسخرية وُنو‬
‫ذل‪ ,..‬آصبحت العقوبة من جنس ذل‪ ,‬يكون هلم آظافر من ُناس َيمشون ّبا وجوههم عقوبة من هللا‬
‫س بحانه وتعال‪ -‬نعم‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫الرتمذ اي م ْن َحديث آَيب ه َرْي َر َة قَا َل‪ :‬قَا َل َرسول َّاّلل ‪ -‬ﷺ ‪َْ َ « :‬يرج يف آخر َّالز َمان قَ ْو ٌم َ َْيتل َ‬
‫ون‬ ‫َويف َجامع ا ْ‬
‫السكَّر‪َ ,‬وقلوّب ْم قلوب ا اذلئَاب‪ ,‬يَقول‬ ‫ون للنَّاس مسوكَ الضَّ أْن م َن اللاني‪ ,‬آَلْسنََّت ْم آَ ْح َىل م َن ُّ‬ ‫ادلُّ نْ َيا َبدلا ين‪َ ,‬ويَلْبَس َ‬
‫ون؟ فَب َحلَ ْفت‪َْ َ ,‬لبْ َع َ َّث ُآولَئ َك ف ْتنَ ًة تَدَع الْ َحل َمي فْيَا َح ْ َْي َان» ‪.‬‬
‫ون؟ َوعَ َ َّل َ َْي َرتئ َ‬
‫َّاّلل َع َّز َو َج َّل‪ :‬آَيب يَغ َ ُّْرت َ‬

‫هذا احلديث ضعيف الس ناد فيه رجل مرتوك هو ْيىي ابن عبيد هللا ‪,‬فيه ‪:‬آنه َيرج يف آخر الزمان قوم‬
‫َيتلون ادلنيا َبدلين‪ ,‬اخلتل لليشء ‪:‬آخذه خلسة مثل اذلئب عندما َيتل الفريسة فيختلون ادلنيا َبدلين‪ ,‬ورمبا‬
‫يكون املعىن آَنم َيتلون ادلنيا َبدلين الظاهر هو طلب ادلين والباطن ادلنيا‪ ,‬ويلبسون للناس مسوك الضأن‬
‫من اللني‪ :‬يعن يتظاهرون َبلزهد والورع واخلش ية‪ ,‬آلسنَّتم آحىل من السكر وقلوّبم قلوب اذلئاب يقول هللا‬
‫ون؟ فَب َحلَ ْفت َ َْلبْ َع َ َّث عَ َىل آُولَئ َك ف ْتنَ ًة تَدَع الْ َحل َمي مهنْ ْم َح ْ َْي ًان" لكنه كام‬
‫ون آَ ْم عَ َ َّل َ َْي َرتئ َ‬
‫عز وجل‪ " :‬آَيب يَغ َ ُّْرت َ‬
‫قدمت غْي َثبت ‪-‬نعم‪.‬‬

‫َو َذكَ َر ا ْبن َآيب ادلُّ نْ َيا م ْن َحديث َج ْع َفر ْبن م َح َّمد َع ْن آَبيه َع ْن َج اده قَا َل‪ :‬قَا َل عَ َ رل‪ :‬يَأْت عَ َىل النَّاس َز َم ٌان َل‬
‫اب م َن الْهدَ ى‪,‬‬ ‫ه خ ََر ٌ‬‫ي َ ْبقَى م َن ْ ِال ْس َالم ِا َّل ْاَسه‪َ ,‬و َل م َن الْق ْرآن ِا َّل َر َْسه‪َ ,‬م َساجد ْه ي َ ْو َمئذ عَام َرةٌ‪َ ,‬و َ‬
‫الس َماء‪ ,‬مهنْ ْم خ ََر َجت الْف ْتنَة َوفْي ْم تَعود‬
‫ش َم ْن َ ْحت َت آَدي َّ‬ ‫علَ َماؤ ْه َ ُّ‬

‫هذا يروى مرفوعًا وموقوفًا ومل يثبت ل هذا ول هذا كام فصل ذل‪ ,‬وآَبنه الش يخ اْللبان رمحه هللا تعال يف‬
‫سلسلته الضعيفة‪ ,‬فهو غْي َثبت ل مرفوعًا ال النب ﷺ ول هذا املوقوف عىل عل ابن آيب طالب رض‬
‫هللا عنه‪,‬قال‪ :‬يأت عىل الناس زمان ل يبقى من السالم ال آَسه وهذا اْلمر قد يكون واق ًعا يف بعض املناطق‪:‬‬
‫يعن يعرف يف بعض املناطق السالم َبلهوية يعن يكتب يف الهوية آو البطاقة مسل لكن ل صالة ول عبادة‬
‫ول دين‪ ,‬فهذا اذا َكن كذل فهذا ليس عنده من السالم ال المس‪ ,‬يف البطاقة يكتب مسل‪ ,‬وآما اْلفعال ل‬
‫يفعل شيئًا من آعامل السالم ل صيام ول صالة ول زَكة واَنامك يف ادلنيا آيضً ا آمور الميان ليس عنده مهنا‬
‫خَض ول من القرآن ال رميه آي حروفه وُكامته آما حقائقه ومعانيه وتدبره والاهتداء ّبداَيته والعمل به فال‬
‫يكون موجودًا‪ ,‬مساجده يومئذ عامرة آي فْيا مصلني وه خراب من الهدى يعن تكون عامرة َبْلجسام‬
‫دون القلوب وعىل لك اْلثر ليس َثبتًا عن عل رض هللا عنه وآرضاه ‪-‬نعم‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫َو َذكَ َر م ْن َحديث ََساك ْبن َح ْرب َع ْن َع ْبد َّالر ْ َمحن ْبن َع ْبد َّاّلل ْبن َم ْسعود َع ْن آَبيه قَا َل‪ :‬ا َذا َظه ََر االزَنَ‬
‫ِ‬
‫َو االر ََب يف قَ ْريَة آَذ َن َّاّلل َع َّز َو َج َّل ّبَ َالكهَا‪.‬‬

‫هذا عن عبد هللا بن مسعود رض هللا عنه موقوف عليه ‪ ,‬قَا َل‪ :‬ا َذا َظه ََر االزَنَ َو االر ََب يف قَ ْريَة آَذ َن َّاّلل َع َّز‬
‫ِ‬
‫َو َج َّل ّبَ َالكهَا‪ .‬لكن ثبت هذا يف مس تدرك احلاُك من حديث بن عباس رض هللا عهنام مرفوعا‪,‬لفظه "اذا‬
‫ظهر الزَن والرَب يف قرية فقد آحلوا بأنفسهم عذاب هللا " وهذا فيه آن اذلنوب من موجبات حلول العقوبة‪-‬‬
‫عقوبة هللا س بحانه وتعال عىل الناس‪ -‬نعم‬
‫َويف َم َراس يل الْ َح َسن‪ :‬ا َذا آَ ْظه ََر النَّاس الْع ْ َل‪َ ,‬وضَ َّيعوا الْ َع َملَ‪َ ,‬و َ َحتابُّوا َب ْ َْللْسن‪َ ,‬وتَ َباغَضوا َبلْقلوب‪,‬‬
‫ِ‬
‫َوتَقَ َاطعوا َب ْ َْل ْر َحام‪ ,‬ل َ َعهنَ م َّاّلل َع َّز َو َج َّل ع ْندَ َذ َل‪ ,‬فَأَ َ َّ‬
‫َصه ْم َو َآ ْ َُعى َآبْ َص َار ْه‪.‬‬
‫نعم هذا عن احلسن البصي‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬مرس ًال‪ ,‬وقد جاء يف القرآن يف سورة محمد قال تعال " فَه َْل‬
‫َصه ْم َوآَ ْ َُعى آَبْ َص َار ْه" –‬ ‫ع ََسيْ ْت ان ت ََول َّ ْي ْت آَن ت ْفسدوا يف ْ َاْل ْرض َوتقَ اطعوا آَ ْر َحا َم ْك آُولَئ َك َّاذل َين لَ َعهنَ م َّاّلل فَأَ َ َّ‬
‫ِ‬
‫َّشة َرهْط م َن الْمهَاجر َين‬ ‫اش ع ْ َ‬ ‫َويف س َن ا ْبن َما َج ْه م ْن َحديث َع ْبد َّاّلل ْبن َُع َر ْبن الْخ ََّطاب قَا َل‪ :‬ك ْنت عَ َ‬
‫ع ْندَ َرسول َّاّلل ‪َ -‬ص َّىل َّاّلل عَلَ ْيه َو َس َّ َل ‪ -‬فَأَ ْقبَ َل عَلَ ْينَا َرسول َّاّلل ‪َ -‬ص َّىل َّاّلل عَلَ ْيه َو َس َّ َل ‪ -‬ب َو َْجه فَقَا َل‪ََ « :‬ي‬
‫ّش الْمهَاجر َين َ َْخس خ َصال َآعوذ َب َّّلل آَ ْن تدْ ركوه َّن‪َ :‬ما َظه ََرت الْفَاحشَ ة يف قَ ْوم َح َّّت آَ ْعلَنوا ّبَا ا َّل‬ ‫َم ْع َ َ‬
‫ِ‬
‫ابْتلوا َب َّلط َواعني َو ْ َاْل ْو َجاع الَّيت ل َ ْم تَك ْن يف آَ ْس َالفهم َّاذل َين َمضَ ْوا‪َ ,‬و َل نَقَ َص قَ ْو ٌم الْم ْكيَا َل َوالْم َزي َان ا َّل ابْتلوا‬
‫ِ‬
‫الس َماء فَلَ ْو َل الْبَ َائ ل ْمَ‬ ‫السلْ َطان‪َ ,‬و َما َمنَ َع قَ ْو ٌم َز ََك َة َآ ْم َواله ْم ِا َّل منعوا الْقَ ْط َر م َن َّ‬ ‫َب الس ن َني َوشدَّة الْ َمئون َة َو َج ْور ُّ‬
‫ي ْم َطروا‪َ ,‬و َل َخ َف َر قَ ْو ٌم الْ َعهْدَ ا َّل َسلَّطَ َّاّلل عَلَْيْ ْم عَد ًّوا م ْن غَ ْْي ْه فَأَخَذوا ب َ ْع َض َما يف آَيْدُي ْم‪َ ,‬و َما ل َ ْم تَ ْع َم ْل‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫َآئ َّمَّت ْم ب َما آَنْ َز َل َّاّلل يف كتَابه ال َج َع َل َّاّلل بَأْ َسه ْم بَيْهنَ ْم» ‪.‬‬
‫ِ‬
‫نعم‪-‬هذا يؤجل ال اللقاء القادم َبذن هللا س بحانه وتعال‪...‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫اْلس ئةل‪:‬‬
‫يقول ‪:‬ش يخنا آحسن هللا اليك ‪ :‬رجال يغتاب الكثْي من الناس‪ ,‬حّت آنه ل يذكر اسامهئم ‪,‬وهو اْلن يريد التوبة‪,‬‬
‫فكيف السبيل ال ذل وكيف يرد املظامل ويتحلل من هؤلء ‪,‬جزاُك هللا خْيا؟‬
‫آسأل هللا عز وجل بأسامءه احلس ىن آن يتوب عىل السائل وآن يوفقه للتوبة النصوح و آن مين علينا آمجعني‬
‫َبلتوفيق لسديد اْلقوال وصالح اْلعامل ويعيذَن من شور آنفس نا ومن سيئات آعاملنا ‪ ,‬الغيبة آمرها ليس َبلهني‬
‫‪,‬آمرها عظمي جدا ‪,‬ولومل يأت يف الغيبة ال اْلية الكرمية اليت يف سورة احلجرات " َو َل ي َ ْغتَ ْب ب َ ْعض ْك ب َ ْعضً ا َآْي ُّب‬
‫اب َّرح ٌمي" وهذا فيه فتح َبب للمغتاب آن يتوب‬ ‫اّلل ت ََّو ٌ‬
‫اّلل ۗ ا َّن َّ َ‬ ‫آَ َحد ُْك آَ ْن يَأْ َ‬
‫لك لَ ْح َم آَخيه َم ْيتًا فَكَرهْتموه َوات َّقوا َّ َ‬
‫ِ‬
‫لغ‬
‫‪ْ,‬لن َبب التوبة مفتوح و آن هللا س بحانه وتعال تواب من ا يبة وغْيها لكن اذا صدق العبد مع ربه س بحانه وتعال‬
‫يف التوبة‪ ,‬واذلنب اذلي يتوب منه العبد اذا َكن يتعلق َبْلدميني لبد ان يتحلِل وان يطلب مساحمته‪ ,‬لن ذنبه‬
‫تعلق به (حق هل ) وس يقتص منه يوم القيامة ‪,‬والقصاص من احلس نات‪,‬يأخذون من حس ناته‪-‬من صالته‪ -‬من قراءته‬
‫للقرءان ‪-‬من جلوسه لطلب العل ‪َ,-‬يلس لطلب العل س نوات رمبا تذهب الس نوات اليت جلسها ْلخرين ما جلسوا‬
‫لطلب العل ! مثِل‪ ,‬فهكذا تذهب جلوسه هلم‪,‬تذهب صالته‪,‬حّت آن بعض الناس من كرثة تعدَيِتم عىل آخرين يأت‬
‫يوم القيامة ويكون مفلسا مع آنه عنده صلوات كثْية وصيام كثْي وصدقات وآعامل بر‪ُ ,‬كها تذهب ْلحصاب التبعات‬
‫واحلقوق‪ ,‬مفن اخلْي للعبد آن يتخلص مهنا يف ادلنيا قبل آن تؤخذ من حس ناته يوم القيامة ‪ ,‬وفامي يتعلق َبلطعن يف‬
‫آعراض الناس من الغيبه هلم والسخرية والاس َّتزاء وُنو ذل ‪ ,‬اذا َكن يعل آن طلب املساحمه ممن اغتاّبم بتفصيل‬
‫ما قال فْيم يرتتب عليه مفاسد ! فالّشيعه جاءت بدرء املفاسد ‪,‬فعليه يف هذا املقام آن يفعل آمرين‪-:‬‬
‫اْلول‪ :‬آن يكرث من ذكره َب خلْي ‪-‬تعويضا عن اذلكرى هلم َبلسوء‪ -‬مع ادلعاء هلم والاس تغفار والرتمح ‪-‬آحياءا‬
‫َكنوا آو آموات‪-‬وُنو ذل‪..‬‬
‫والثان‪ :‬آن يطلب من هؤلء املساحمه ليس عىل وجه التفصيل بذكر ما َكن منه‪ -‬مما َيىش آن يرتتب عليه‬
‫املفسده‪ ,‬ولكن عىل وجه العموم‪ ,‬يذهب ويقول لبد و آن آخطأت يف حقك وحدث من تقصْي ‪-‬ويكون متلطف‬
‫معه‪ -‬ويطلب منه آن يساحمه وغالب الناس فْيم خْي ومن اخلْي هل آن يطلب منه املساحمه يف ادلنيا قبل ان يقتص‬
‫من حس ناته يوم القيامة‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫س‪ *2‬يقول‪ :‬آحسن هللا اليك‪ :‬قد كنت نظرت ال بعض اْلفالم والصور وقد تبت ال هللا تعال ولكن ل آزال‬
‫آرى هذه اْلمور يف خاطري فكيف السبيل حملو تل اْلمور من ذاكرت؟‬
‫‪-‬آيضا نسأل هللا للسائل التوبة النصوح و آن َيلصه من هذه البقاَي والرواسب لهذه املشاهدات اْلمثة اليت َكنت‬
‫فرتة من الزمان يشاهدها‪ ,‬ولعل سؤال هذا اْلخ الكري يفتح َبب همام للتنبيه عىل آمر يغفل عنه آكرث من ينظر ال‬
‫تل املناظر ‪,‬ويشاهد تل املشاهد‪,‬كثْي ممن ينظر لتل املناظر يظن آَنا نظرات تنَّتىي يف حيهنا وتنقيض يف وقَّتا‬
‫لكن ليس اْلمر كذل بل اْلمر كام ذكر السائل الكري يبقى مهنا بقاَي تنطبع يف القلب ‪,‬حّت آن بعض الناس يذكر‬
‫عن نفسه آن بقاَي من تل املناظر تقفذ ال قلبه وهو ساجد‪ ..‬وهو راكع وهو مادد يديه َبدلعاء تقفذ مناظر سيئة‬
‫َكن مهنمَك فرته من ُعره َبلنظر الْيا‪ -‬هو ملا َكن ينظر الْيا ظهنا اَنا فرتة وتنَّتىي ول يبقى مهنا يشء لكهنا تبقى ْلن‬
‫اْلش ياء اليت ينظر الانسان الْيا ببصه ويس متع الْيا بسمعه تنطبع يف القلب وتلتصق به وخالصه منه ليس َبلهني‬
‫لكن ل يقال آن القلب ل َيلص مهنا‪ ,‬ولنذكر هنا قول هللا س بحانه وتعال‪ ":‬بَل َّاّلل ي َز اك َم ْن يَشَ اء" تزكية القلب بيد‬
‫هللا ‪,‬فعىل العبد آن يصدق مع هللا س بحانه وتعال يف طلب زَكة قلبه صادقا مع هللا فيذهب هللا عنه اذا صدق‬
‫ومن دعاء نبيينا ((اللَّه َّم آت ن َ ْفيس تَ ْق َواهَا َو َزكاهَا آَن َْت خ َْْي َم ْن َز ََّكهَا َآن َْت َولْيُّ َا َو َم ْو َلهَا‪...‬فيلجأ ال هللا‪,‬هذا اذلي‬
‫ُآوص به هذا السائل الكري آن يلجأ ال هللا س بحانه وتعال صادقا ملحا عىل هللا آن يزك قلبه‪ ,‬وزَكة القلب تعن‬
‫يف معناها‪ :‬طهارة القلب ‪ْ,‬لن الزتكية للقلب ل تكون ال بطهارته‪ ,‬ولهذا يقول بن تميية رمحه هللا ‪ :‬فان تزكية القلب‬
‫تشمل هذا وهذا‪* .‬تشمل عامرته َبخلْي و *سالمته من الّشور من اْلفات ‪-‬تشمل هذا وهذا‪ ",-‬خ ْذ م ْن آَ ْم َواله ْم‬
‫َصدَ قَ ًة ت َطهار ْه َوت َزكاْيم ّبَا"‬
‫تطهره‪ :‬آي ما يكون َبلقلب من حش و آش ياء من هذا القبيل‪ ,‬وتزكْيم‪ :‬فالزتكية تشمل هذا وهذا‬
‫فاذلي آنصح به السائل آن يقبل عىل هللا س بحانه وتعال صادقا وملح ًا عىل هللا َبدلعاء آن يزك قلبه‪,‬ويف الوقت‬
‫نفسه يأخذ بأس باب زَكة القلب‪ ,‬و آعظم ما يكون من ذل‪ :‬العناية َبلقرءان‪ ,‬وشغل اْلوقات مع قراءة كتاب هللا‬
‫س بحانه وتعال قراءة وتدبرا‪",‬ي َ ْتلو عَلَْيْ ْم آ ََيته َوي َزكاْي ْم" آي َبلقرءان والقرءان هو كتاب فيه تزكية للقلوب‪.‬‬
‫يقول ‪:‬جزاك هللا خْيا‪:‬ماذا يفعل من عق وادليه لِك ينجو من عذاب هللا يف اْلخرة وادلنيا وقد ينجو من عقوق‬
‫آبناءه هل كام عق وادله؟‬
‫توبته مما َكن منه من عقوق و ان َكن وادله حيا ل يزال عىل قيد احلياه ففرصته عظمية جدا ليعوض ما َكن منه يف‬
‫سالف آمره من عقوق ال حتول ال الب والاحسان‪ ,‬وطلب املساحمة من وادله والعفو ‪,‬و ان َكن وادله ميتا فليعمل‬
‫عىل بر وادله وليضاعف َجده يف بر وادله مبا يس تطيع من الب اذلي يكون للوادل بعد الوفاة ‪ ,‬و آعظم ذل‪ :‬ادلعاء‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫الكثْي للوادل‪ ,‬مثل ما قال عليه الصالة والسالم "آو ودل صاحل يدعو هل" فيكرث ادلعاء للوادل َبملغفرة والرمحة‪,‬وايضا‬
‫يتصدق عن وادله وْيج ويعمتر ويفعل من وجوه الب اليت لها آدلَّتا يف كتاب هللا وس نة نبيه عليه الصالة والسالم‬
‫ويرجو من هللا آن يكون مكفرا مما َكن منه من عقوق‪ .‬لكن الصدق مع هللا يف التوبة من هذا العقوق آساس جناة من‬
‫َكن عاقا لوادله ث يتبع التوبة الصادقة ما يتبعه من آعامل تكون َبذن هللا س بحانه وتعال معونة لتحقق هذا اْلمر‪.‬‬
‫اّلل َل يَغْفر آَن ي ْ َ‬
‫ّشكَ به "؟‬ ‫س‪*3‬هل الّشك الاصغر يدخل يف قوهل تعال " ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ْلهل العل يف هذه املسأةل قولن‪-:‬‬
‫اّلل َل يَغْفر َآن ي ْ َ‬
‫ّشكَ به " فاْلية عامة‪,‬‬ ‫‪-‬مهنم من قال‪ :‬انه يدخل‪ ,‬لعموم اْلية‪ :‬لن هللا س بحانه وتعال قال " ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫لكن اهل هذا القول يقولون‪ :‬وان َكن ل يغفر‪ ,‬لكن ليس عذابه عذاب املّشك الّشك الاكب اخملرج من املِل اذلي‬
‫هو اخللود يف النار‪.‬‬
‫ون َذَٰ َل ل َمن يَشَ اء ۗ "‬
‫‪-‬والقول الثان‪ :‬ان الّشك الاصغر شأنه َكلكبائر‪ ,‬فيكون داخل حتت قوهل" َويَغْفر َما د َ‬
‫ويكون املراد َبلّشك اذلي ل يغفر هو الّشك اْلكب الناقل من املةل احملبط للعمل ُكه‪.‬‬
‫س‪ *4‬من ه اولو الارحام اذلين جتب صلَّتم؟وهل الزَيرة واجبة؟‬
‫‪ -‬آولو اْلرحام ‪:‬ه قرابة الانسان ‪,‬قرابته من َجة آبيه ‪ -‬آجداده –وادل آبيه ووادلتة آبيه‪ .‬و اخوان وادليه من‬
‫اْلعامم وهكذا تتد القرابة من َجة الاب ومن َجة اْلم ‪,‬فهؤلء القرابة هلم حق‪,‬حق الصِل‪,‬وصةل الرمح واجبة‬
‫‪ ,‬وقطيعة الرمح اث موجب عقوبة هللا س بحانه وتعال‪,‬والصةل تكون بأمور مهنا ‪* :‬الزَيرة ‪,‬وتكون بأمور كثْية‬
‫يصل الرمح بزَيرِتم – يف زماننا هذا‪َ -‬بلتصال علْيم‪َ ,‬بلحسان الْيم‪َ,‬بلهدية املتيُّسة هلم‪َ,‬بدلعاء هلم‪,‬‬
‫بتخصيص هلم دعاء َيصهم ‪,,‬ال غْي ذل من اْلمور اليت ه من صةل الرمح‪.‬‬
‫س‪ 5‬يقول آحسن هللا اليك ‪,‬ما السبيل ال تدبر القرءان؟!‬
‫اب َآنْ َزلْنَاه ال َ ْي َك مبَ َاركٌ ل َي َّدبَّروا آ ََيته‬
‫‪ -‬تدبر القرءان مقصد ْلجِل نزل كتاب هللا‪ ,‬كام قال س بحانه وتعال" كتَ ٌ‬
‫ِ‬
‫ون الْق ْرآ َن" ‪,‬وقال ‪ ":‬آَفَ َ ْل ي َ َّدبَّروا الْقَ ْو َل" ‪ ,‬فالقرءان انزل لتدبر آَيته وتعقل معانيه وُيدى‬ ‫"‪,‬وقال‪ ":‬آَفَ َال يَتَدَ بَّر َ‬
‫ه آَ ْق َوم" والسبيل ال تدبر القرءان َبلقراءة‬ ‫ّبداَيته كام قاهل هللا س بحانه وتعال‪ِ " :‬ا َّن َه َذا الْق ْرآ َن ُيَ ْدي للَّيت َ‬
‫املطمئنة لكتاب هللا عز وجل اليت ل تكون (هبدا ) ‪,‬فعندما يقرآ ل يكون مهه مّت آخت السورة‪,‬وامنا يكون مهه‬
‫مّت آعقل معانْيا‪,‬وآفهم هداَيِتا ودللِتا‪,‬ويس تعني عىل الفهم بكتب التفسْي املعمتدة ْلهل العل ‪,‬ومن آحسن هذه‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني عشر‬

‫للمبتدئ‪ :‬تفسْيالامام السعدي‪ -‬رمحه هللا تعال‪ -‬وكذل التفسْي امليُّس اذلي طبع يف اجملمع وبدآ به تفسْي الامام‬
‫السعدي ث تفسْي بن كثْي ‪-‬رمحهام ا هلل‪ , -‬فان هذه الكتب –كتب آهل العل ‪-‬تعني العبد عىل تدبر القرءان‬
‫الكري والاهتداء ّبداَيته ونسأل هللا العظمي آن يوفقنا لك خْي‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وحبمدك آشهد آن ل اهل ال آنت آس تغفرك وآتوب اليك‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك�� *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫رب العاملني والصالة والسالم عىل عبد هللا ورسوهل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ،‬آما بعد‪ ...‬فيقول‬
‫امحلد هلل ِ‬
‫ابن القمي اجلوزية_ رمحه هللا لعايف_ كتابه ادلاء وادلواء‬

‫َْش ِة َر ْهطٍ ِم َن الْ َُُ َِاِ ِر َنن ِع ْن َد‬ ‫اِش ع ْ َ‬‫اَّلل بْ ِن ُ َُع َر بْ ِن الْخ هَط ِاب قَا َل‪ُ :‬ك ْن ُت عَ ِ َ‬ ‫يث َع ْب ِد ه ِ‬ ‫َو ِ ُس َ َِن ابْ ِن َما َج ْه ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ْش الْ َُُ َِاِ ِر َنن َ َْخ ُس ِخ َصالٍ َآعُو ُذ ِِب ه َِّلل‬ ‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ب َِو ْ ِج ِه فَقَا َل‪ََ « :‬ي َم ْع َ َ‬ ‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فَأَ ْقبَ َل عَلَ ْينَا َر ُسو ُل ه ِ‬ ‫َر ُسولِ ه ِ‬
‫آَ ْن لُدْ ِر ُكوه هُن‪َ :‬ما َظَ ََر ِت الْفَا ِحشَ ُة ِ قَ ْو ٍم َح هَّت آَعْلَنُوا ِبِ َا ا هَّل ابْ ُتلُوا ِِب هلط َوا ِعنيِ َو ْ َاْل ْو َجاِِ ال ه ِِ ل َ ْْ ََ ُُ ْن ِ آَ ْس َال ِفَِ ُْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫السلْ َط ِان‪َ ،‬و َما َمنَ َع قَ ْو ٌم َز ََك َة‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫َ ُ َ َ ْ ِ ُّ‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫و‬ ‫ئ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ه‬
‫د‬ ‫ِ‬
‫ش‬ ‫ه ِاَّل َنن َمضَ ْوا‪َ ،‬و ََّل نَقَ َص قَ ْو ٌم الْ ُِ ُْيَا َل َوالْ ُِ َزي َان ِا هَّل ابْ ُتلُوا ِِب ِ َ َ‬
‫و‬ ‫ني‬‫ن‬‫ِ‬ ‫لس‬
‫اَّلل عَلَْيْ ِ ْْ عَدُ ًّوا ِم ْن غَ ْ ِْي ِ ِْه‬
‫اِئ ل َ ْْ ي ُ ُْ َط ُروا‪َ ،‬و ََّل َخفَ َر قَ ْو ٌم الْ َعَْدَ ا هَّل َسلهطَ ه ُ‬ ‫الس َُا ِء فَلَ ْو ََّل الَْبَ َ ِ ُ‬
‫ه‬ ‫َآ ْم َوا ِلَِ ْْ ا هَّل ُم ِن ُعوا الْقَ ْط َر ِم َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫اَّلل كتَا ِبه اَّل َِ َعل ا ه َُّلل بَأ َسَُ ْْ بَيَْنَ ُ ْْ» ‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فَأَخ َُذوا ب َ ْع َض َما آيْد ِهي ْْ‪َ ،‬و َما ل ْْ لَ ْع َُل آئ هُُتُ ُ ْْ ِب َُا آنْ َزل ه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫رب العاملني وآشَد آن َّل اهل اَّل هللا وحده َّل ِشيك هل وآشَد آن محمدً ا عبده‬ ‫بسْ هللا الرمحن الرحمي‪ ،‬امحلد هلل ِ‬
‫ورسوهل _ ﷺ _ وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪.‬اللَْ علُنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علُتنا وزدان عل ًُا ‪،‬وآصلح لنا شأننا‬
‫لكه وَّل َلكنا ايف آنفس نا طرفة عني‪،‬آما بعد‪..‬‬
‫فَذا احلديث ‪..‬حديث ُعر بن اخلطاب_ رىض هللا عنه _ يُعد من اْلحاديث اجلوامع بيان عقوِبت اَّلنوب‬
‫وَّل س امي اَّلنوب الِ يس تفيش آمرها الناس ونُرث ظَورها بيَنْ فان الظَور العام لذلنوب من آس باب‬
‫العقوِبت العامة و هذا احلديث لعوذ النيب عليه الصالة والسالم من آن يدرك آحصابه رىض هللا عَنْ هذه‬
‫اْلمور‪ ،‬واذا َكن يُتعوذ ِبهلل س بحانه ولعايف من ادراكَا دون آن يقع فْيا املرء فُيف الشأن ِبلوقوِ فْيا‬
‫والانغامس فْيا والعياذ ِبهلل‪ ،‬ولَذا فان الناحص لنفسه يتعوذ ِبهلل س بحانه ولعايف من الْشور لكَا واَّلنوب جبُيع‬
‫آنواعَا ويسأل ربه آن يعيذه من ِش نفسه وِش الش يطان وآن يعيذه من ِش اْلعامل ويسء اْلعامل ويسأل ربه‬
‫لبارك ولعايف التوفيق لصاحل اْلعامل وسديد اْلقوال‪،‬ذكر عليه الصالة والسالم َخسة خصال مشينة خطْية اذا‬
‫شاعت َرلب علْيا مرضات عظمية جدً ا‪:‬‬
‫اْلويل‪ :‬قال‪ :‬ما ظَرت الفاحشة قوم حَّت آعلنوا ِبا ‪ ،‬ظَرت الفاحشة ‪ :‬آي الزان ومثهل وآقبح اللواط‬
‫قوم حَّت آعلنوا ِبا‪ :‬آصبحت لُامرس ليس ِبخلفاء وامنا لَا آمُنة ولَا دور ولَا حمالت‬ ‫اذا ظَرت الفاحشة‬
‫لُقصد ولعرف بذكل‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫ما ظَرت الفاحشة قوم حَّت آعلنوا ِبا اَّل ابتلوا ِبلطواعني واْلوجاِ الِ مل َُن آسالفَْ اَّلنن مضوا ‪ :‬آي‬
‫ينشأ فْيْ آمراضً ا غْي معروفة وَّل مألوفة وَّل معتادة وَّل ُُس َع ِبا قبل ذكل‪ ،‬ومثل هذه اْلمراض مل نُن قبل ذكل‬
‫وِو ٌد لَا ‪،‬فال نُون لَا آيض ًا جتربة سابقة عالجا ‪َّ..‬ل نُون هناك جتارب آو جتربة سابقة عالجا‪ْ ..‬لهنا‬
‫ون آيض ًا مستْشية ومس تعصية وهذه عقوبة من هللا س بحانه ولعايف ملا مت َع هؤَّلء آبداهنْ‬ ‫آمراض جديدة‪ ،‬وَُ ُ‬
‫متعة حمرمة‪ ،‬وَّلذوا آبداهنْ مذلة آو لذل ًذا حمر ًما ‪،‬عوقبوا جبزاء من جنس العُل فبالِه هللا س بحانه ولعايف بأسقام‬
‫آِسادِه وآمراض آبداهنْ فاس تحالت الذلة ايف سقْ وآمل ووِع وغُصص ونُد‪ ،‬وهذه عقوبة ُمعجةل هذه‬
‫احلياة ادلنيا‪ ،‬وآما عقوبة اْلخرة فأشد و آنىك وآعظْ وآفظع ‪،‬لُن هذه من العقوِبت املعجةل ملن َكنت هذه حاهلْ‬
‫‪-‬والعياذ ِبهلل‪ -‬ظَور الفاحشة فْيْ واس تعالهنا جممتعاهتْ اَّل بالِه هللا عز وجل ِبلطواعني واْلوجاِ الِ مل‬
‫َُن آسالفَْ اَّلنن مضوا‪.‬‬
‫نقص قو ٌم املُيال واملزيان اَّل ابتلوا ِبلس نني وشدة املئونة وِور السلطان‪ :‬وهذه عقوبة آيض ًا من جنس‬
‫الثانية‪ :‬وَّل َ‬
‫نقصا املُيال واحجافًا مع الناس وهض ًُا للحقوق وآ ًًلك ْلِزاء من آمواهلْ ِبلباطل بالِه هللا‬
‫العُل ملا َكن العُل ً‬
‫عز وجل ِبلس نني ‪:‬ويه الشدة ‪،‬جبفاف اْلرض ونضوب املياه وحصول القحط واجلدب ‪.‬‬
‫وشدة املئونة‪ :‬يعين املعيشة تش تد علْيْ ولضيق آحواهلْ وآمورِه ‪.‬‬
‫وِور السلطان‪ :‬آي ي ُسلط هللا س بحانه ولعايف علْيْ من السالطني من جيورون التعامل معَْ مثلام َكنوا ِه‬
‫وِورا يسلط هللا علْيْ من الوَّلة من يعاملَْ ِبذه املعامةل‬ ‫جيورون التعامل مع الناس فلام َكن لعاملَْ ظل ًُا ً‬
‫الظا ِل ُِ َني ب َ ْعضً ا‪)..‬‬
‫‪،‬وهذا املعىن دل عليه القرآن قول هللا س بحانه ولعايف سورة اْلنعام ( َوكَ َ َٰذ ِ َكل ن َُو ِيل ب َ ْع َض ه‬
‫فاذا شاِ الظمل اجملمتع ‪،‬والتعدي عىل احلقوق َُون العقوبة من جنس ذكل‪ ،‬آن يويف عىل الظامل ظاملا‪،‬مفثلام‬
‫يتسلطوا عىل الناس ظلامً يسلط هللا س بحانه ولعايف عليه من ذكل عقوبة هل ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما منع ‪-‬وهذه الثالثة‪ -‬قو ٌم زَكة آمواهلْ اَّل ُم ِنعوا القطر من السامء‪ :‬وزَكة املال فريضة ويه كام هو معلوم‬
‫قرينة الصالة ورك ٌن من آرَكن اَّلسالم ويه زَكة ْلهنا َُزيك صاحب املال‪ ،‬و املال نفسه‪ ،‬وَُون سببًا لزَكة اجملمتع‬
‫من الغل واحلسد وغْي ذكل‪ ،..‬ففْيا من معاين الزتكية اليشء العظمي ‪،‬فاذا منع الناس الزَكة عوقبوا جبزاء من جنس‬
‫صنيعَْ ‪،‬فاذا َمنعوا الزَكة ُمنعوا القَطر ‪،‬اذا منعوا فضل ماهلْ وقليل من ماهلْ آوِبه هللا س بحانه ولعايف علْيْ‬
‫كثْي من املال اَّلي آعطاِه هللا اَيه َُون العقوبة َمنع ‪،‬فلام َكن صنيعَْ من ًعا َكنت العقوبة من ًعا‪ : ،‬قال ‪:‬فلوَّل‬
‫الَباِئ مل ميطروا ‪:‬يعين اذا نزلت اْلمطار بعض اْلحيان فَذه ليست هلْ وامنا للَباِئ ‪،‬وما حيصلونه من املاء ِه‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫فيه لب ٌع للَباِئ ‪،‬لوَّل الَباِئ مل ميطروا ‪،‬لُن هذا القليل اَّلي يزنل هو للَباِئ وِه فيه لب ٌع لَا‪ ،‬وهذا عقوبة هلْ للُنع‬
‫ملا َكن صنيعَْ منعا َكنت العقوبة كذكل ‪.‬‬
‫وَّل خفر قو ٌم وهذه الرابعة العَد اَّل سلط هللا علْيْ عدوا من غْيِه ‪،‬اذا نُثوا العَد واْلمان اَّلي الزتموه واخلوا‬
‫به َكنت العقوبة آيض ًا من جنس ذكل ‪ ،‬يسلط هللا علْيْ عدو ًا من غْيِه فأخذوا بعض ما آيدهيْ‪ :‬آي عقوب ًة‬
‫من هللا س بحانه ولعايف هلْ‪.‬‬
‫واخلامسة‪ :‬وما مل لعُل آمئُتْ مبا آنزل هللا عز وجل كتابه اَّل ِعل هللا بأسَْ بيَنْ ‪:‬وآيض ًا هذه عقوبة عظمية‬
‫يصلح فْيا التفُك واختالل اْلمن وش يوِ الفوىض ومفاسد كثْية ومضار عظمية ويه َُون عقوبة هلْ من هللا‬
‫بسبب لفريطَْ اقامة ِشعه جل عاله‪.‬نعْ ‪،‬‬

‫اَّلل ْب ِن َم ْس ُعو ٍد َع ْن‬ ‫يث َ ُْع ِرو ْب ِن ُم هر َة َع ْن َسا ِل ِْ بْ ِن آَ ِِب الْ َج ْع ِد َع ْن آَ ِِب ُع َب ْيدَ َة بْ ِن َع ْب ِد ه ِ‬ ‫الس َ َِن ِم ْن َح ِد ِ‬ ‫َو ِ الْ ُُ ْس نَ ِد َو ُّ‬
‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪« :‬ا هن َم ْن ََك َن قَ ْبلَ ُ ُْك‪ََ ،‬ك َن ا َذا َ ُِع َل الْ َعا ِم ُل ِف ِْي ْْ ِِبلْخ َِطيئَ ِة َج َاء ُه النه ِايه لَ ْع ِذ ًنرا‪،‬‬ ‫َآبِي ِه قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل ه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل َذ ِ َكل ِمَنْ ُ ْْ‪،‬‬ ‫ه َ هُ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫آ‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫س‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ْل‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِب‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ة‬ ‫ئ‬‫ي‬ ‫َط‬‫ِ‬ ‫خ‬ ‫ىل‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ ََ ُ َ‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َك‬ ‫َ‬ ‫ُ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫فَا َذا ََك َن ِم َن الْغَ ِد َجال َ َس ُه َو َو َالكَ ُه َو َش َ َ‬
‫ب‬ ‫ار‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ون‬
‫َ‬ ‫دُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫و‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َك‬ ‫و‬ ‫ا‬‫و‬
‫َ َْ َ‬‫ص‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫‪،‬‬‫َي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫يَس‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫و‬ ‫د‬
‫َ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َاو‬
‫د‬ ‫ْ‬ ‫ْي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ ْ‬ ‫َنَ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُث‬
‫ه‬ ‫‪،‬‬‫ض‬ ‫ٍ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ىل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬‫ض‬‫ِ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ب‬ ‫وب‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫َض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وف‪َ ،‬ولَتََنْ َ ُو هن َع ِن الْ ُُ ْن َُ ِر‪َ ،‬ولَتَأْخ ُُذ هن عَ َىل ي َ ِد ه‬
‫الس ِفي ِه‪َ ،‬ولَتَأْ ُط ُ نر ه ُه عَ َىل الْ َح ِق‬ ‫َو ه ِاَّلي ن َ ْف ُس ُم َح هُ ٍد ِب َي ِد ِه لَتَأْ ُم ُر هن ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬
‫وب ب َ ْع ِض ُ ُْك عَ َىل ب َ ْع ٍض‪ ُ ،‬هُث ل َ َيلْ َعنَ ُ ُْك َ َمَك ل َ َعَنَ ُ ْْ» ‪.‬‬ ‫اَّلل ِب ُقلُ ِ‬
‫رضبَ هن ه ُ‬ ‫آَ ْط ًرا‪َ ،‬آ ْو ل َ َي ْ ِ‬

‫السَن وساق اَّلس ناد ايف آِب عبيدة ابن عبدهللا ابن مسعود عن‬ ‫"ُث آورد رمحه هللا هذا احلديث املس ند و ُ‬
‫آبيه‪ ،‬وهو مل يسُع من آبيه فَو منقطع فاَّلس ناد هنا ليس بثابت لُن املعىن آو العقوبة هذه دلت علْيا اْلية‬
‫الُرمية وقد آشْي الْيا هذا احلديث‪( :‬لُ ِع َن ه ِاَّل َنن كَ َف ُروا ِم ْن ب َ ِين ا ْ َ‬
‫ْسائِي َل عَ َ ٰىل ِل َس ِان د َُاوو َد َو ِع َيَس ا ْب ِن َم ْر َ ََي )‬
‫ِ‬
‫ما السبب ؟‪ -‬قال ‪ََ ( :‬كنُوا ََّل يَتَنَاه َْو َن َع ْن ُمنْ َُ ٍر فَ َعلُو ُه )‪.‬‬

‫ِْل ِم ْن قَ ْو ِم َك َآ ْرب َ ِع َني‬


‫ُون‪ :‬ا ِين ُمَ ِ ٌ‬ ‫اَّلل ا َيف يُ َ‬
‫وش َع ْب ِن ن ٍ‬ ‫َو َذكَ َر ا ْب ُن آَ ِِب ادلُّ نْ َيا َع ْن ا ْب َرا ِه َمي ْب ِن َ ُْع ٍرو ه‬
‫الص ْن َع ِ ِاين قَا َل‪ :‬آَ ْو ََح ه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِش ِار ِ ِْه‪ ،‬قَا َل‪ََ :‬ي َر ِب‪َ ،‬ه ُؤ ََّل ِء ْ َاْل َْ‬
‫ِش ُار‪ ،‬فَ َُا َِب ُل ْ َاْل ْخيَ ِار؟ قَا َل‪:‬اهنْ ل َ ْْ يَغْضَ ُبوا‬ ‫آَلْفًا ِم ْن ِخيَ ِار ِ ِْه‪َ ،‬و ِس تِ َني آَلْفًا ِم ْن َِ‬
‫ِلغَضَ ِيب‪َ ،‬و ََكنُوا ي ُ َؤ ِ ُ‬
‫الكوهنَ ُ ْْ َوي ُشَ ِاربُوهنَ ُ ْْ‪.‬‬

‫هذا اخلرب اَّلي ذكره رمحه هللا هو " العقوِبت َّلبن آِب ادلنيا "وكثْي من النقول الِ هنا يه من كتاب‬
‫العقوِبت َّلبن آِب ادلنيا‪ ،‬وكتاب العقوِبت َّلبن آِب ادلنيا هو ِزء آفرده مجع النصوص واْلحاديث واْلاثر‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫كبْيا ولك ذكل يسوقه ِبْلسانيد‪ ،‬وابن آِب ادلنيا متزي ِبْلِزاء احلدييية‬
‫واْلخبار ِبب العقوِبت‪ ،‬حفشد مجعا ً‬
‫الُثْية‪ ،‬رمبا لصل ايف اْلربعامئة ِزء لكَا آبواب مثل هذا ‪،‬يعين مث ًال آفرد العقوِبت جبزء‪،‬آفرد الشُر جبزء‬
‫‪،‬آفرد اليقني جبزء ‪،‬وهُذا هل آِزاء كثْية‪ ،‬وحيشد اْلِزاء الِ جيُع من النقول واْلاثر ما نُرحي الباحث‪ْ ،‬لن‬
‫اذا َكن اَّلنسان يبحث عن آثر عن آحد من آمئة السلف فلينظر هل َّلبن آِب ادلنيا هذا اْلثر ِز ٌء آفرده‬
‫الغالب جيده‪ ،‬وهذا آقوهل عن جتربة آاثر عديدة ‪ ،‬الغالب جيده ْلنه حيشد يعين وجيُع مجع جعيب جد ًا ‪ُ،‬ث‬
‫يسوق ما يسوق ِبْلسانيد ومن آس ند فقد آحال آو برآت ذمته ‪.‬‬
‫آورد‪ -‬رمحه هللا‪ -‬هذا اخلرب قال ذكر ابن آِب ادلنيا عن ابراهمي بن ُعر الصنعاين وهذا جمَول احلال ‪،‬قال آوَح‬
‫هللا ايل يوشع هذا من آخبار بين اْسائيل‪ ،‬فعىل لك حال يعين القائل لَذا حاهل جمَوةل فال يوثق مبا ذكر وآيضً ا‬
‫هو من آخبار بين اْسائيل ‪.‬‬

‫َو َذكَ َر َآبُو ُ َُع َر ْب ُن َع ْب ِد الْ َ ِرب َع ْن آَ ِِب ِ ُْع َر َان قَا َل‪ :‬ب َ َع َث ه ُ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل َملََُ ْ ِني ا َيف قَ ْري َ ٍة‪ ،‬آَ ْن د َِم َراهَا ِب َُ ْن ِفْيَا‪ ،‬فَ َو َجدَا‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل‪ :‬دَم َراهَا َودَم َرا ُه َم َعَ ُْْ‪،‬‬ ‫َر ُج ًال قَائِ ًُا يُ َص ِّل ِ َم ْسجِ ٍد‪ ،‬فَقَ َاَّل‪ََ :‬ي َر ِب‪ ،‬ا هن ِفْيَا َع ْبدَكَ فُ َالانً يُ َص ِّل‪ ،‬فَقَال ه ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فَان ه ُه َما لَ َُ هع َر َو ْ ُج ُه ِ ه قَطُّ‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهذا آيضً ا س نده ضعيف و روي مرفوع ًا ايل النيب عليه الصالة والسالم عند الطرباين اْلوسط من حديث‬
‫جابر رىض هللا عنه ‪،‬وَّل يثبت عن نبينا صلوات هللا وسالمه وبرَكله عليه‪.‬‬

‫َو َذكَ َر الْ ُح َُ ْي ِد ُّي َع ْن ُس ْفيَ َان بْ ِن ُع َييْنَ َة‪ :‬قَا َل‪َ :‬ح هدثَ ِين ُس ْفيَ ُان ْب ُن َس ِعي ٍد َع ْن ِم ْس َع ٍر‪« :‬آَ هن َملَ ًًك آُ ِم َر آَ ْن َ َْي ِس َف ِبقَ ْري َ ٍة‪،‬‬
‫اَّلل ال َ ْي ِه‪ :‬آَ ْن ِب ِه فَابْدَ آْ‪ ،‬فَان ه ُه ل َ ْْ ي َ َت َُ هع ْر َو ْ ُج ُه ِ ه َساعَ ًة قَطُّ‪.‬‬
‫فَقَا َل‪ََ :‬ي َر ِب‪ ،‬ا هن ِفْيَا فُ َالانً الْ َعابِدَ‪ ،‬فَأَ ْو ََح ه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعْ هذا عن ِمسعر هو ابن كيدان و مصدر التخرجي قال عن مسعر قال‪ :‬بلغين ‪،‬وذكر هذا اخلرب آن‬
‫ملًَكً‪،‬البالغات عند آهل العمل ليست من الصحيح احملتج به ‪.‬مفسعر بن كيدان يقول‪ :‬بلغين آن ملًَكً مفا الواسطة‬
‫آو من الواسطة بينه وبني هذا النقل آن ملًَكً خسف بقرية اخل‪...‬‬

‫اب د َُاو ُد الْخ َِطيئَ َة قَا َل‪ََ :‬ي َر ِب ا ْغ ِف ْر ِيل‪ :‬قَا َل قَدْ غَفَ ْر ُت َ َكل‪،‬‬ ‫َو َذكَ َر ا ْب ُن آَ ِِب ادلُّ نْ َيا َع ْن َوه ِْب ْب ِن ُمنَ ِب ٍه قَا َل‪ :‬ل َ هُا آَ َص َ‬
‫ْسائِيلَ‪ ،‬قَا َل ََي َر ِب‪ ،‬كَ ْي َف َوآَن َْت الْ َح َ ُُك الْ َعدْ ُل ََّل ي َ ْظ ِ ُمل آَ َحدً ا‪ ،‬آَانَ آَ ْ َُع ُل الْخ َِطيئَ َة َولُلْ ِز ُم عَ َارهَا‬ ‫َوآَلْ َز ْم ُت عَ َارهَا ب َ ِين ا ْ َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل ال َ ْي ِه‪ ،‬ان َهك ل َ هُا َ ُِعلْ َت الْخ َِطيئَ َة ل َ ْْ يُ َع ِجلُوا عَلَ ْي َك ِِب َّْل ْن ًَك ِر‪».‬‬
‫غَ ْ ِْيي‪ ،‬فَأَ ْو ََح ه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫هذا عن وهب بن ُمنبِه وهو من آخبار بين اْسائيل واملنت عندي نًكرة ‪َّ-‬ل يسمل من نًكرة ‪-‬وقد قال هللا‬
‫س بحانه ولعايف فامي َيتص بداوود عليه السالم هذا الباب ‪ِ،‬بب انًكر املنُر‪،‬قال (لُ ِع َن ه ِاَّل َنن كَ َف ُروا ِم ْن ب َ ِين‬
‫ْسائِي َل عَ َ ٰىل ِل َس ِان د َُاوو َد َو ِع َيَس ا ْب ِن َم ْر َ ََي ) ‪ََ ( ،‬كنُوا ََّل يَتَنَاه َْو َن َع ْن ُمنَُْ ٍر فَ َعلُو ُه ) فَْ لُعنوا عىل لسانه ْلهنْ‬
‫اْ َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(َكنُوا َّل يَتَنَاه َْو َن َع ْن ُمنُْ ٍر ف َ َعلو ُه ) ‪.‬‬

‫و داوود عليه السالم خباصة نُرث عند الْيود الُذب عليه‪،‬نُرث عندِه الُذب عليه واهتامه بُتْ جائرة ظاملة‪.‬‬

‫اكل‪ :‬آَن ه ُه َد َخ َل عَ َىل عَائِشَ َة‪ ،‬ه َُو َو َر ُج ٌل آخ َُر‪ ،‬فَقَا َل لَََا هالر ُج ُل‪ََ :‬ي آُ هم الْ ُُ ْؤ ِم ِن َني‬ ‫َو َذكَ َر ا ْب ُن آَ ِِب ادلُّ نْ َيا َع ْن آَن َ ِس ْب ِن َم ِ ٍ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل ِ َ َُسائِ ِه‪،‬‬ ‫َضبُوا ِِبلْ َُ َع ِاز ِف‪ ،‬غَ َار ه ُ‬
‫ِشبُوا الْ َخ ُْ َر‪َ ،‬و َ َ‬
‫َح ِدثِينَا َع ِن هالزلْ َز َ ِةل‪ ،‬فَقَال َ ْت‪ :‬ا َذا ْاستَبَا ُحوا ِالزانَ ‪َ ،‬و َ ِ‬
‫ِ‬
‫فَقَا َل ِل ْ َْل ْر ِض ََ َزلْ َز ِيل ِبِ ِ ْْ‪ ،‬فَا ْن َتَ بُوا َونَ َز ُعوا‪َ ،‬وا هَّل هَدَ مْيَا عَلَْيْ ِ ْْ‪ ،‬قَا َل‪ََ :‬ي آُ هم الْ ُُ ْؤ ِم ِن َني‪ ،‬آَعَ َذ ًاِب لََُ ْْ؟ قَال َ ْت‪ :‬ب َ َىل‪،‬‬
‫ِ‬
‫ُس ًطاِ عَ َىل الْ ًَك ِف ِر َنن‪ ،‬فَقَا َل َآن َ ٌس‪َ :‬ما َ ُِس ْع ُت َح ِديثًا ب َ ْعدَ َر ُسولِ ه ِ‬
‫اَّلل ‪-‬‬ ‫َم ْو ِع َظ ًة َو َر ْ َمح ًة ِللْ ُُ ْؤ ِم ِن َني‪َ ،‬ونَ ًَك ًَّل َوعَ َذ ًاِب َو ُ ْ‬
‫يث‪.‬‬‫ﷺ ‪ -‬آَانَ آَ َش ُّد فَ َر ًحا ِب ِه ِم ِين ِبِ َ َذا الْ َح ِد ِ‬

‫*ُث آورد رمحه هللا لعايف هذا اخلرب عن آنس آنه دخل عىل عائشة هو ورج ٌل آخر وسألوها عن الزلزةل‪ ،‬فذكرت‬
‫آهنا َُون عقوبة ْلنواِ من املعايص لُن آيض ًا اَّلس ناد غْي اثبت ‪،‬وقال اَّلهيب‪ :‬آ ِ‬
‫حس ُب ُه موضوع ًا عىل آنس‪ ،‬قال‬
‫ذكل لعقباله عّل املس تدرك احلامك ‪ ،‬آخره‪ ،‬قال‪َ" :‬ي آم املؤمنني آعذاِب هلْ ‪،‬قالت بل موعظة ورمحة للُؤمنني‬
‫ونًكَّل وعذاِب وُسطا عّل الًكفرنن‪.‬‬
‫هذه امجلةل بأي يشء لُذكرمك آمر همر معنا ؟نعْ ‪،‬هذه امجلةل ( قالت‪ :‬بل موعظة ورمحة للُؤمنني ونًك ًَّل وعذا ًِب‬
‫وُسط ًا عىل الًكفرنن) مباذا لذكرمك ؟‪ -‬نعْ مر معنا (كنمت لعدون اْلية ختويفا وحنن نعدها نعُة)‪،،‬لفصيل ما آِشان‬
‫اليه هو هذا( قالت‪ :‬بل موعظة ورمحة للُؤمنني ونًكَّل وعذاِب وُسطا عّل الًكفرنن)‪.‬‬

‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فَ َوضَ َع يَدَ ُه عَلَْيْ َا ُ هُث قَا َل‪:‬‬ ‫َو َذ َك َر ا ْب ُن َآ ِِب ادلُّ نْ َيا َح ِديثًا ُم ْر َس ًال‪« :‬ا هن ْ َاْل ْر َض ََ َزلْ َزل َ ْت عَ َىل َعَْ ِد َر ُسولِ ه ِ‬
‫ْاس ُُ ِين‪ ،‬فَان ه ُه ل َ ْْ يَأْ ِن َ ِكل ب َ ْعدُ ‪ ُ ،‬هُث الْتَ ِفَ َت ا َيف آَ َْ‬
‫حصا ِب ِه‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬ا هن َرب ه ُ ُْك لَيَ ْس تَ ْع ِت ُب ُ ُْك فَأَ ْع ِت ُبو ُه‪ ُ ،‬هُث ََ َزلْ َزل َ ْت ِِبلنه ِاس عَىلَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يش ٍء آَ ْحدَ ثْ ُت ُُو ُه‪َ ،‬و ه ِاَّلي ن َ ْف ِِس ِب َي ِد ِه ل َ ِْئِ‬
‫َعَْ ِد ُ َُع َر بْ ِن الْخ هَط ِاب فَقَا َل‪ََ ،‬ي آَهيُّ َا النه ُاس َما ََكن َْت َه ِذ ِه هالزلْ َز َ ُةل ا هَّل َع ْن َْ‬
‫ِ‬
‫عَاد َْت ََّل آُ َسا ِك ُن ُ ُْك ِفْيَا َآبَدً ا» ‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫قال ذكر ابن آِب ادلنيا حديثا مرسال يعين هذا مرسل ضعيف وقد قال احلافظ ابن عبد الرب رمحه هللا كتابه‬
‫"الاس تذَكر" « مل يأت عن النيب _ ﷺ _ من وج ٍه حصيح آن الزلزةل َكنت عرصه وَّل حصت عنه فْيا‬
‫آي الزلزةل ُس نة وقد َكنت آول ما َكنت عَد ُعر _رىض هللا عنه_»‬
‫فَذه فائدة مثينة للحافظ ابن عبد الرب آنه مل حيصل زلزةل لْلرض زمن النيب عليه الصالة والسالم‪،‬ومل حيفظ‬
‫عنه س نة لتعلق ِبلزلزةل ‪،‬نعْ هناك ُعومات يس تفاد مَنا هذا الباب لُن الزلزةل بعيَنا مل حيفظ عنه فْيا‬
‫ﷺ ُس نة‪.‬‬

‫رض َب يَدَ ُه عَلَْيْ َا‪َ ،‬وقَا َل‪َ :‬ما َ ِكل؟ َما َ ِكل؟ آَ َما‬ ‫َو ِ َمنَا ِق ِب ُ َُع َر َِّل ْب ِن آَ ِِب ادلُّ ن ْ َيا «آَ هن ْ َاْل ْر َض ََ َزلْ َزل َ ْت عَ َىل َعَْ ِد ُ َُع َر‪ ،‬فَ َ َ‬
‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ي َ ُقو ُل‪ :‬ا َذا ََك َن ي َ ْو ُم الْ ِقيَا َم ِة فَلَيْ َس ِفْيَا ِذ َراٌِ َو ََّل‬ ‫اهنه َا ل َ ْو ََكن َِت الْ ِقيَا َم ُة َح هدثَ ْت آَ ْخبَ َارهَا‪ُِ َ ،‬س ْع ُت َر ُسو َل ه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ش ٌرب اَّل َوه َُو ي َ ْنط ُق» ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫آيض ًا هذا غْي اثبت ْلن س ند منه مرتوك احلديث ‪.‬‬

‫َو َذكَ َر ْاَّل َما ُم آَ ْمحَدُ َع ْن َص ِفيه َة‪ ،‬قَال َ ْت‪ُ :‬زلْ ِزل َ ِت الْ َُ ِدينَ ُة عَ َىل َعَْ ِد ُ َُع َر‪ ،‬فَقَا َل‪ََ :‬ي آَهيُّ َا النه ُاس َما َه َذا؟ َو َما آَ ْ َ‬
‫ْس َِ َما‬
‫ِ‬
‫آَ ْحدَ ثْ ُ ْمت‪ ،‬ل َ ِ ِْئ عَاد َْت ََّل آُ َسا ِكنُ ُ ُْك ِفْيَا‪.‬‬

‫وهذا قال ذكر اَّلمام آمحد عن صفية قال ‪ :‬زلزلت املدينة عىل عَد ُعر _رىض هللا عنه_ فقال َي آهيا الناس ما‬
‫هذا؟ ‪،‬ما آْسِ ما آحدثمت َّلن عادت َّل اساكنُك فْيا ‪.‬‬
‫وهذا من ُعر _رىض هللا عنه_ فيه آن الزلزةل فْيا عقوبة‪ ،‬وايقاظ للناس‪ ،‬ولنبيه للعصاة الغافلني ْلن سُون‬
‫اْلرض وركودها هذه من نعْ هللا عىل العباد‪.‬‬
‫من نعْ هللا س بحانه ولعايف عىل العباد‪ :‬آن اْلرض حتُتْ ساكنة غْي متحركة غْي رِراجة ‪،‬لو َكنت اْلرض الِ‬
‫حتت الناس آرض ًا رِراجة متحركة َّل يس تطيع آحداً آن يبين بيت ًا‪َّ،‬ل يس تطيع آن نزرِ زرع ًا‪َّ،‬ل يس تطيع آن يسافر‬
‫من ب ٍدل ايف بدل ‪،‬ولَذا سُون اْلرض من النعْ العظمية الِ ينبغي آن يستشعرها املرء وآَّل يعيص هللا عىل هذه‬
‫اْلرض الِ ِعلَا هللا قرار ًا ساكنة ُحي ِصل علْيا املرء منافعه ومصاحله ِمفن ُشُر هللا عىل هذه النعْ آَّل يُعىص هللا‬
‫س بحانه ولعايف عىل هذه اْلرض‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫َوقَا َل َك ْع ٌب‪ :‬ان ه َُا ُزلْ ِزل َ ِت ْ َاْل ْر ُض ا َذا ُ ُِع َل ِفْيَا ِِبلْ َُ َع ِايص ف َ ُ ْرت ِعدُ فَ َرقًا ِم َن هالر ِب َج هل َج َال ُ ُهل آَ ْن ي َ هط ِل َع عَلَْيْ َا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعْ وهذا رواه ابن آِب ادلنيا واَّلي قبهل آيض ًا العقوِبت و هذا اْلثر آن َزلزل اْلرض هو بسبب معايص بين‬
‫آدم علْيا ‪.‬‬

‫اَّلل َع هز َو َج هل ِب ِه الْ ِع َبادَ‪َ ،‬وقَدْ كَتَبْ ُت‬ ‫يش ٌء ي ُ َعالِ ُب ه ُ‬ ‫َو َكتَ َب ُ َُع ُر ْب ُن َع ْب ِد الْ َع ِزن ِز ِا َيف ْ َاْل ْم َص ِار‪ :‬آَ هما ب َ ْعدُ فَا هن َه َذا هالر ِْ َف َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يش ٌء َيتَ َصد ْهق ِبه‪ ،‬فا هن ه َ‬
‫اَّلل َع هز‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِا َيف ْ َاْل ْم َص ِار آَ ْن ُ َْي ِر ُِوا ِ ي َ ْو ِم كَ َذا َوكَ َذا ِ َشَْ ِر كذا َوكذا‪ ،‬ف َُ ْن َك َن ع ْندَ ُه ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اْس َ ِرب ِه فَ َص هىل} ُ[س َور ُة ْ َاْلعْ َىل‪. ]41 - 41 :‬‬‫َو َج هل ي َ ُقو ُل‪{ :‬قَدْ آَفْلَ َح َم ْن ََ َز هَّك ‪َ -‬و َذكَ َر ْ َ‬
‫َاْس َنن} ُ[س َور ُة ْاْلَع َْر ِاف‪. ]32 :‬‬ ‫َوقُولُوا َ َمَك قَا َل آ َد ُم‪َ { :‬ربهنَا َظلَ ُْنَا آَنْ ُف َس نَا َوا ْن ل َ ْْ لَ ْغ ِف ْر لَنَا َوََ ْر َ ْمحنَا لَنَ ُُونَ هن ِم َن الْخ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ُوح‪َ { :‬وا هَّل لَ ْغ ِف ْر ِيل َوََ ْر َ ْمح ِين َآ ُك ْن ِم َن الْخ ِ ِ‬
‫َاْس َنن} ُ[س َور ُة هُو ٍد‪. ]14 :‬‬ ‫َوقُولُوا َ َمَك قَا َل ن ٌ‬
‫ِ‬
‫َوقُولُوا َ َمَك قَا َل يُون ُ ُس‪ََّ { :‬ل ا َ َهل ا هَّل آَن َْت ُس ْب َحان ََك ا ِين ُك ْن ُت ِم َن ه‬
‫الظا ِل ُِ َني} ُ[س َور ُة ْاْلَنْ ِبيَا ِء‪. ]74 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يش ٌء يُ َعا ِل ُب‬ ‫ُث آورد هذا اْلثر عن ُعر بن عبد العزنز رمحه هللا آنه كتب ايف اْلمصار‪َ :‬آ هما ب َ ْعدُ فَا هن َه َذا هالر ِْ َف َ ْ‬
‫ِ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل ِب ِه الْ ِع َبا َد ‪،‬مر معنا قريب ًا وان َكن س نده فيه مقال‪،‬قال‪ :‬ان ربُك ليس تعتبُك آي بزلزةل اْلرض وهذا‬ ‫هُ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل ِب ِه‬ ‫يش ٌء ي ُ َعالِ ُب ه ُ‬ ‫املعىن يعين ذكره ُعر بن عبد العزنز وهو معىن حصيح قال‪ :‬ب َ ْعدُ فَا هن َه َذا هالر ِْ َف َ ْ‬
‫ِ‬
‫الْ ِع َبا َد‪،‬معىن يعالب به العباد آي‪َ :‬من هللا عليُك ِبذه اْلرض ‪-‬ساكنة مس تقرة‪ ،‬لقميون علْيا مصاحلُك وحاِتُك‬
‫وآمورمك‪ ،‬لنامون نوما هنيئا‪ ،‬مس تقرة آحوالُك مطُئنني‪ ،‬فُيف يليق بُك وقد آنعْ هللا عليُك ِبذه النعُة آن لعصوا‬
‫هللا فوق هذه اْلرض ولتحركوا عىل هذه اْلرض ِبملعايص ‪،‬معايص هللا س بحانه ولعايف‪،‬فاهزتاز اْلرض من حتُتْ‬
‫هذا من العتاب هلْ حِ ينتَبوا ( َو َما نُ ْر ِس ُل ِِب ْْل ََي ِت ا هَّل َ ْخت ِوي ًفا) ختويفا للعباد وانذارا وحتذنرا ولَذا مثل هذه‬
‫ِ‬
‫العقوِبت َُون لبعض الناس ِبب خْي‪،‬مك من انسان َكنت هذه ِبب خْي هل فتاب ايف هللا وآانب وصدق مع هللا‬
‫لوبته‪،‬قال‪ :‬ان هذه الرِفة يشء يعالب هللا عز وجل به العباد‪ ،‬وقد كتبت ايل اْلمصار آن َيرِوا يوم‬
‫كذا وكذا شَر كذا وكذا مفن َكن عنده يشء فليتصدق به فان هللا عز وجل يقول (قَدْ آَفْلَ َح َم ْن ََ َز ه َّٰك َ*و َذكَ َر‬
‫نن} ُ[س َور ُة ْ َاْلع َْر ِاف‪:‬‬ ‫اْس َ ِرب ِه فَ َص هىل) َوقُولُوا َ َمَك قَا َل آ َد ُم‪َ { :‬ربهنَا َظلَ ُْنَا آَنْ ُف َس نَا َوا ْن ل َ ْْ لَ ْغ ِف ْر لَنَا َوََ ْر َ ْمحنَا لَنَ ُُونَ هن ِم َن الْخ ِ ِ‬
‫َاْس َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫َاْس َنن} ُ[س َور ُة هُو ٍد‪. ]14 :‬‬ ‫ُوح‪َ { :‬وا هَّل لَ ْغ ِف ْر ِيل َوََ ْر َ ْمح ِين َآ ُك ْن ِم َن الْخ ِ ِ‬
‫‪َ . ]32‬وقُولُوا َ َمَك قَا َل ن ٌ‬
‫ِ‬
‫َوقُولُوا َ َمَك قَا َل يُون ُ ُس‪ََّ { :‬ل ا َ َهل ا هَّل آَن َْت ُس ْب َحان ََك ا ِين ُك ْن ُت ِم َن ه‬
‫الظا ِل ُِ َني} ُ[س َور ُة ْ َاْلنْ ِبيَا ِء‪. ]74 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫حاصل القول آنه حهثْ هذا املقام عىل آمرنن ‪ ،‬عىل كرثة الصدقة وكرثة الاس تغفار ‪،‬‬
‫الصدقة لطفيء غضب الرب س بحانه ولعايف‪ ،‬والاس تغفار يدرآ عن الناس ِشورا عظمية وجيلب هلْ آيض ًا خْيات‬
‫ا*وي ُ ُْ ِدد ُ ْْمك ِبأَ ْم َوالٍ َوبَنِ َني َو َ ْجي َع ْل لَ ُ ُْك َِن ه ٍ‬
‫ات‬ ‫عظمية ‪(،‬فَ ُقلْ ُت ْاس تَ ْغ ِف ُروا َ بر ه ُ ُْك ِان ه ُه ََك َن غَفه ًارا*نُ ْر ِس ِل ه‬
‫الس َُ َاء عَلَ ْي ُ ُْك ِمدْ َر ًار َ‬
‫َو َ ْجي َع ْل لَ ُ ُْك آَهنْ َ ًارا)‪.‬‬

‫َوقَا َل ا َّْل َما ُم آَ ْمحَدُ ‪َ :‬ح هدثَنَا آَ ْس َو ُد ْب ُن عَا ِم ٍر َح هدثَنَا آَبُو بَ ُْ ٍر َع ِن ْ َاْل ْ َُع ِش َع ْن َع َطا ِء ْب ِن آَ ِِب َر َِبحٍ َع ِن ا ْب ِن ُ َُع َر قَا َل‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُِس ْع ُت َر ُسول هاَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ي َ ُقول‪« :‬اذا ضَ هن النه ُاس ِِبدلينَ ِار َوادل ْر ِِه‪َ ،‬ولَ َباي َ ُعوا ِِبلعينَة‪َ ،‬ولَ ِب ُعوا آَذانَ َب ال َبقَ ِر‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬آَ ْن َز َل ه ُ‬
‫اَّلل ِبِ ِ ْْ بَال ًء َّل نَ ْرف ُع ُه َع ُ ْْ َح هَّت نُ َراِ ُعوا دنَنَ ُ ْْ» َر َوا ُه آبُو د َُاو َد ِب ْس نَاد َح َس ٍن‪.‬‬ ‫َوََ َر ُكوا الْجِ ََا َد ِ َسب ِ‬
‫ِيل ه ِ‬
‫ِ‬
‫هذا احلديث وقد حسن اس ناده ابن القمي ‪،‬وآيض ًا ش يخه ابن َميية رمحه هللا حسن اس ناده ِامعة من آهل العمل‬
‫‪،‬ذكر فيه النيب عليه الصالة والسالم آربعة خصال اذا وجدت َكنت سبب ًا لزنول البالء ‪،‬البالء اَّلي َّل نُرفع حَّت‬
‫نراِع الناس دنَنْ ‪.‬‬
‫اْلويف‪ :‬اذا ظن الناس ِبدلينار وادلرِه ‪،‬آي‪ :‬آصبح فْيْ الشح والبخل فال َيرِون النفقة الِ آوَِبا هللا‬
‫س بحانه ولعايف علْيْ‪َّ،‬ل َيرِون زَكة آمواهلْ وَّل َيرِون النفقات الِ آوَِبا هللا علْيْ ملا قام نفوسَْ من‬
‫الشح والبخل ‪.‬‬
‫مثن مؤجل ‪:‬يعين مث ًال يشرتي س يارة من خشص بعْشة‬ ‫والثانية‪ :‬التبايع ِبلعينة ‪،‬آن يشرتي الرجل سلعة من آخر ب ٍ‬
‫آَّلف رَيل مقسطة عىل مث ًال عْشة شَور لك شَر آلف جمرد ما يشرتهيا‪ ،‬اَّلي ِبعه يشرتهيا منه بمثن ُمعجل آقل‬
‫من قميُتا بامثنية آَّلف رَيل فرتِع للبائع اْلول ‪،‬يعين العني ِبقية للبائع اْلول لُن صورة العُل وصول ايل القرض‬
‫الربوي ِبلفائدة وجيعلون هذه العني بيَنْ وبني املراِبت العالنية فيبيعه السلعة بمثن مؤجل ُث يبتاعَا منه فور ًا بمثن‬
‫معجل فيُون حاصل اْلمر آنه آعطاه ماَّل بفائدة مقسطا عليه ملدة شَور ‪،‬قال ولبايعمت ِبل ِعينة‪.‬‬
‫والثالتة‪ :‬لَبِعوا آذانب البقر يعين لعلقوا لعلق ًا ِبدلنيا وآصبح متًكلبني علْيا يه مهُتْ وشغلَْ الشاغل وَركوا اجلَاد‬
‫سبيل هللا اَّلي هو ذروة س نام اَّلسالم ‪،‬آنزل هللا ِبْ ً‬
‫بالء َّل نرفعه حَّت نراِعوا دنَنْ‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫َو َذكَ َر ا ْب ُن َآ ِِب ادلُّ نْ َيا ِم ْن َح ِد ِ‬


‫يث ا ْب ِن ُ َُع َر قَا َل‪ :‬لَقَدْ َرآَيْنَا َو َما آَ َح ٌد آَ َح هق ِب ِدينَ ِار ِه َو ِد ْر َ ِمه ِه ِم ْن آَ ِخي ِه الْ ُُ ْس ِ ِمل‪.‬‬
‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ي َ ُقو ُل‪« :‬ا َذا ضَ هن النه ُاس ِِب ِدلينَ ِار َو ِادل ْر َ ِِه‪َ ،‬ولَ َباي َ ُعوا ِِبلْ ِعينَ ِة‪َ ،‬وََ َر ُكوا الْجِ ََا َد ِ‬ ‫َولَقَدْ َ ُِس ْع ُت َر ُسو َل ه ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الس َُاء بَال ًء‪ ،‬فال نَ ْرف ُع ُه َعَنْ ُ ْْ َح هَّت نُ َر ِاِ ُعوا دنَنَ ُ ْْ» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬وآَخ َُذوا آَ ْذانَ َب الْ َبقَ ِر‪ ،‬آَنْ َز َل ه ُ‬
‫اَّلل عَلَْيْ ِ ْْ م َن ه‬ ‫ِيل ه ِ‬
‫َسب ِ‬

‫نعْ‪ -‬وهذا مبعىن اَّلي قبهل ‪،‬لُن فيه زَيدة لبني حال الصحابة رىض هللا عَنْ السخاء والُرم والبذل ‪ ،‬قال‪":‬‬
‫وُساء‪.‬‬
‫لقد رآيتنا وما آحد آحق بديناره ودرمهه من آخيه املسمل" يعين بذَّل ً‬
‫يه ا هَّل ُع ُقوب َ ٌة ِم َن ه ِ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل عَ َىل النه ِاس‪.‬‬ ‫َوقَا َل الْ َح َس ُن‪ :‬ا هن الْ ِف ْتنَ َة َو ه ِ‬
‫اَّلل َما ِ َِ‬ ‫ِ‬
‫رص‪ ،‬فَقَا َل‪ِ :‬ب َُا كَ َسبَ ْت آَيْ ِدينَا َسل ه ْط َت عَلَ ْينَا َم ْن ََّل ي َ ْع ِرفُ َك َو ََّل‬ ‫ْسائِي َل ا َيف َما ي َ ْصنَ ُع ِبِ ِ ْْ ُ ْخبتَنَ ه ُ‬
‫َون ََظ َر ب َ ْع ُض آَنْ ِبيَا ِء ب َ ِين ا ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نَ ْر َ ُمحنَا‪.‬‬
‫رص ِ َدلانْ َيا َل‪َ :‬ما ه ِاَّلي َسل ه َط ِين عَ َىل قَ ْو ِم َك؟ قَا َل‪ِ :‬ع َظ ُْ خ َِطيئ َ ِت َك َو ُظ ْ ُمل قَ ْو ِمي آَنْ ُف َسَُ ْْ‪.‬‬ ‫َوقَا َل ُ ْخبتَنَ ه ُ‬

‫نعْ‪ -‬هذا من آخبار بين اْسائيل‪.‬‬

‫اَّلل َع هز َو َج هل ا َذا آَ َرا َد ِِبلْ ِع َبا ِد ِن ْق َُ ًة‬


‫ْس َو ُح َذيْ َف َة َع ِن النه ِ ِيب ‪ -‬ﷺ ‪« -‬آَ هن ه َ‬ ‫يث َ هُع ِار ْب ِن ََي ِ ٍ‬ ‫َو َذكَ َر ا ْب ُن َآ ِِب ادلُّ نْ َيا ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ِ‬
‫ات ْ َاْل ْطفَا َل‪َ ،‬و َآ ْعقَ َْ آَ ْر َحا َم ِالن َسا ِء‪ ،‬فَتَ ْ ِزن ُل ِالن ْق َُ ُة‪َ ،‬ولَيْ َس ِف ِْي ْْ َم ْر ُحو ٌم» ‪.‬‬
‫َآ َم َ‬

‫* نعْ وهو غْي اثبت‪.‬‬

‫وك ِب َي ه‬
‫دَي‪،‬‬ ‫وب الْ ُُلُ ِ‬
‫وك‪ ،‬قُلُ ُ‬ ‫اكل الْ ُُلُ ِ‬‫اَّلل َم ِ ُ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل‪ :‬آَانَ ه ُ‬ ‫اكل ْب ِن ِدينَ ٍار قَا َل‪ :‬قَ َر ْآ ُت ِ الْ ِح ْْكَ ِة‪ :‬ي َ ُقو ُل ه ُ‬ ‫َو َذكَ َر َع ْن َم ِ ِ‬
‫وك‪َ ،‬ولَ ُِ ْن لُوبُوا‬ ‫فَ َُ ْن آَ َطا َع ِين َِ َعلُْتُ ُ ْْ عَلَ ْي ِه َر ْ َمح ًة‪َ ،‬و َم ْن َع َص ِاين َِ َعلُْتُ ُ ْْ عَلَ ْي ِه ِن ْق َُ ًة‪ ،‬فَ َال ت َ ْشغَلُوا َآنْ ُف َس ُ ُْك ب َِس ِب الْ ُُلُ ِ‬
‫ا َ هيل آَع ِْط ُفَُ ْْ عَلَ ْي ُ ُْك‪.‬‬
‫ِ‬
‫نعْ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن عصاين ِعلُتْ عليه نقُة ‪ ،‬هذا املعىن دلت عليه اْلية الِ آِشت الْيا ( َوكَ َ َٰذ ِ َكل ن َُو ِيل ب َ ْع َض‬
‫الظا ِل ُِ َني ب َ ْعضً ا ِب َُا ََكنُوا نَ ُْ ِس ُب َ‬
‫ون) ‪-‬يعين مبا كسبت آيدهيْ بصنائعَْ وآعامهلْ ‪ .‬نعْ‪،،‬‬ ‫ه‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫اَّلل ِبقَ ْو ٍم خ ْ ًَْيا َِ َع َل آَ ْم َر ُ ِْه ا َيف ُحلَ َُاِئِ ِ ْْ‪َ ،‬وفَيهأَ ُ ِْه ِع ْندَ ُ َُس َحاِئِ ِ ْْ‪َ ،‬وا َذا آَ َرا َد ه ُ‬
‫اَّلل ِبقَ ْو ٍم‬ ‫يل الْ َح َس ِن‪ :‬ا َذا َآ َرا َد ه ُ‬ ‫َو ِ َم َر ِاس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِشا َِ َع َل َآ ْم َر ُ ِْه ا َيف ُس َفََاِئِ ِ ْْ‪َ ،‬وفَيهأَ ُ ِْه ِع ْندَ ُ َخب َالِئِ ِ ْْ‪.‬‬‫َ ًّ‬
‫ِ‬
‫الس َُا ِء َو َ ْحن ُن ِ ْ َاْل ْر ِض‪ ،‬فَ َُا عَ َال َم ُة غَضَ ب َِك‬ ‫وَس‪ََ :‬ي َر ِب آَن َْت ِ ه‬ ‫َو َذكَ َر ْاَّل َما ُم آَ ْمحَدُ َوغَ ْ ُْي ُه َع ْن قَتَا َد َة قَا َل‪ :‬قَا َل ُم َ‬
‫ِ‬
‫ِش َارُ ْمك فََ َُو ِم ْن‬
‫ِم ْن ِرضَ اكَ ؟ قَا َل‪ :‬ا َذا ْاس تَ ْع َُلْ ُت عَلَ ْي ُ ُْك ِخيَ َارُ ْمك فََ َُو ِم ْن عَ َال َم ِة ِرضَ ِاِئ َع ْن ُ ُْك‪َ ،‬وا َذا ْاس تَ ْع َُلْ ُت عَلَ ْي ُ ُْك َِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُس ِطي عَلَ ْي ُُك‪ْ.‬‬ ‫عَ َال َم ِة ُ ْ‬
‫َو َذكَ َر ا ْب ُن آَ ِِب ادلُّ نْ َيا َع ِن الْ ُفضَ ْي ِل ْب ِن ِع َي ٍاض قَا َل‪ :‬آَ ْو ََح ه ُ‬
‫اَّلل ا َيف ب َ ْع ِض ْ َاْلنْ ِبيَا ِء‪ :‬ا َذا َع َص ِاين َم ْن ي َ ْع ِرفُ ِين َسل ه ْط ُت عَلَ ْي ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن ََّل ي َ ْع ِرفُ ِين‪.‬‬

‫*هذا لكه مبعىن واحد ويغين عن هذا اْلية الُرمية الِ آِشت الْيا ‪.‬‬
‫* و ِشح العقيدة الطحاوية َّلبن آِب العز ًلكم عظمي حول هذا املعىن ميُن آن نُراِع واس تدَّلل عليه ِبْلية‬
‫الِ آِشت الْيا‪.‬‬

‫اَّلل آُ َم َر َاء كَ َذب َ ًة‪َ ،‬و ُو َز َر َاء‬


‫الساعَ ُة َح هَّت ي َ ْب َع َث ه ُ‬ ‫يث ا ْب ِن ُ َُع َر ِب َرفْ ِع ِه‪َ « :‬و ه ِاَّلي ن َ ْف ِِس ِب َي ِد ِه‪ََّ ،‬ل لَ ُقو ُم ه‬ ‫َو َذكَ َر آَيْضً ا ِم ْن َح ِد ِ‬
‫اِه ِس ميَا ُء ُّالر ْه َب ِان‪َ ،‬وقُلُوِبُ ُ ْْ آَن َ ُْنت ِم َن الْجِ َي ِف‪ ،‬آَه َْوا ُُ ُ ِْه‬ ‫فَ َج َرةً‪َ ،‬و َآع َْواانً خ ََون َ ًة‪َ ،‬وع َُرفَ َاء َظلَ َُ ًة‪َ ،‬وقُ هر َاء فَ َسقَ ًة‪ِ ،‬س مي َ ُ ْ‬
‫ون ِفْيَا‪َ ،‬و ه ِاَّلي ن َ ْف ُس ُم َح هُ ٍد ِب َي ِد ِه ل َ ُي ْنقَضَ هن ْاَّل ْس َال ُم ع ُْر َو ًة ع ُْر َوةً‪،‬‬ ‫اَّلل لََُ ْْ ِف ْتنَ ًة غَ ْ َرب َاء ُم ْظ ِل َُ ًة فَ َيُتَ َالَ ُُ َ‬
‫ُمخْ تَ ِلفَ ٌة‪ ،‬فَ َي ْفتَ ُح ه ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِش َارمك‪ُ َ ،‬سو ُمونَُك ُس َوء‬‫ي‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫وف‪َ ،‬ولَتََنْ َ ُو هن َع ِن الْ ُُ ْن َُ ِر‪َ ،‬آ ْو ِلي َُس ِل َط هن ه ُ‬
‫اَّلل عَلَ ْي ُ ُْك آَ ْ َ‬ ‫اَّلل‪ ،‬لَتَأْ ُم ُر هن ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬
‫اَّلل ه ُ‬ ‫َح هَّت ََّل يُقَا َل‪ :‬ه ُ‬
‫وف‪َ ،‬ول َ َتَنْ َ ُو هن َع ِن الْ ُُ ْنَُ ِر‪َ ،‬آ ْو ل َ َي ْب َع َ هَ ه ُ‬
‫اَّلل عَلَ ْي ُ ُْك َم ْن ََّل‬ ‫اب لََ ُْْ‪ ،‬ل َ َتأْ ُم ُر هن ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬ ‫الْ َع َذ ِاب‪ ُ ،‬هُث يَدْ عُو ِخيَ ُارُ ْمك فَ َال ي ُْس تَ َج ُ‬
‫نَ ْر َح ُْ َص ِغ َْيُ ْمك‪َ ،‬و ََّل ي ُ َو ِق ُر كَب َِْيُ ْمك» ‪.‬‬

‫*هذا اس ناده من هو مرتوك احلديث‪.‬‬

‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪َ « :‬ما َطفه َف‬ ‫يث َس ِعي ِد ْب ِن ُِبَ ْ ٍْي َع ِن ا ْب ِن َعبه ٍاس قَا َل‪ :‬قَا َل َر ُسو ُل ه ِ‬ ‫الط َ َرب ِ ِاين َوغَ ْ ِْي ِه ِم ْن َح ِد ِ‬
‫َو ِ ُم ْع َج ِْ ه‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل الْقَ ْط َر‪َ ،‬و َما َظَ ََر ِ قَ ْو ٍم ِالزانَ ا هَّل َظَ ََر ِف ِْي ُْ الْ َُ ْو ُت‪َ ،‬و َما َظَ ََر‬ ‫قَ ْو ٌم كَ ْي ًال‪َ ،‬و ََّل َ َخب ُسوا ِم َزياانً ‪ ،‬ا هَّل َمنَ َعَُ ُْ ه ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون‪َ ،‬وَّل ظَ ََر ِ قَ ْو ٍم القَ ْت ُل ‪ -‬يَقتُ ُل ب َ ْعضُ َُ ْْ ب َ ْعضً ا ‪ -‬اَّل َسلطَ ه ُ‬
‫اَّلل عَلْيْ ِ ْْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ قَ ْو ٍم ِالر َِب ا هَّل َسلهطَ ه ُ‬
‫اَّلل عَلْيْ ِ ُْ ال ُج ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف َوالَنه ْ َيي َع ِن الْ ُُ ْن َُ ِر‬ ‫وط ا هَّل َظَ ََر ِف ِْي ُْ الْخ َْس َف‪َ ،‬و َما ََ َركَ قَ ْو ٌم ْ َاْل ْم َر ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬ ‫عَدُ هو ُ ِْه‪َ ،‬و ََّل َظَ ََر ِ قَ ْو ٍم َ َُع ُل قَ ْو ِم لُ ٍ‬
‫ِ‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫يث ا ْب َرا ِه َمي ْب ِن ْ َاْل ْش َع ِث َع ْن َع ْب ِد هالر ْ َمح ِن ْب ِن َزيْ ٍد‬


‫ا هَّل ل َ ْْ َُ ْرفَ ْع آَ ْ َُعالَُُ ْْ َول َ ْْ ي ُْس َُ ْع ُدعَا ُُ ُ ِْه» َو َر َوا ُه ا ْب ُن َآ ِِب ادلُّ نْ َيا ِم ْن َح ِد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن آَبِي ِه َع ْن َس ِعي ٍد ِبه‪ِ.‬‬

‫*نعْ هذا غْي اثبت لُن يغين عنه ُعوم ًا ذكر العقوبة ما لقدم من حديث ُعر بن اخلطاب رىض هللا عنه‪.‬‬

‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وقَدْ َح َف َز ُه النهفَ ُس‪،‬‬ ‫يث ع ُْر َو َة َع ْن عَائِشَ َة قَال َ ْت‪َ « :‬د َخ َل عَ َ هّل َر ُسو ُل ه ِ‬ ‫َو ِ الْ ُُ ْس نَ ِد َوغَ ْ ِْي ِه ِم ْن َح ِد ِ‬
‫يش ٌء‪ ،‬فَ َُا ََ َلكه َْ َح هَّت ل ََوضه أَ‪َ ،‬وخ ََر َج‪ ،‬فَلَ ِص ْق ُت ِِبلْ ُح ْج َر ِة‪ ،‬فَ َص ِعدَ الْ ُِ ْن َ َرب‪ :‬فَ َح ُِدَ ه َ‬
‫اَّلل‬ ‫فَ َع َرفْ ُت ِ َو ْ ِج ِه آَ ْن قَدْ َح َف َز ُه َ ْ‬
‫اَّلل َع هز َو َج هل ي َ ُقو ُل لَ ُ ُْك‪ُ :‬م ُروا ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬
‫وف َواهنْ َ ْوا َع ِن الْ ُُ ْن َُ ِر قَ ْب َل آَ ْن لَدْ ع ُِوين‬ ‫َوآَثْ َىن عَلَ ْي ِه‪ ُ ،‬هُث قَا َل‪ََ :‬ي آَهيُّ َا النه ُاس‪ ،‬ا هن ه َ‬
‫ِ‬
‫يُك» ‪.‬‬ ‫ْرصُ ْمك‪َ ،‬وت َ ْسأَلُ ِوين فَ َال ُآع ِْط ُ ْ‬
‫رص ِوين فَ َال آَن ُ ُ‬‫فَ َال آُ ِِي ُب ُ ُْك‪َ ،‬وت َ ْستَنْ ِ ُ‬

‫*وهذا آيضً ا اس ناده ضعيف‪.‬‬

‫اَّلل فَتَتَ َج َاو َز ُه‪َ ،‬و ََّل لَأْ ُم ُر‬ ‫َوقَا َل الْ ُع َُ ِر ُّي هالزا ِهدُ ‪ :‬ا هن ِم ْن غَ ْفلَتِ َك َع ْن ن َ ْف ِس َك‪َ ،‬واع َْر ِاض َك َع ِن ه ِ‬
‫اَّلل آَ ْن ََ َرى َما ي ُْس ِخطُ ه َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ َ َنْ ع ِ ً ِ َ ِ ُ ِلن ْف ِ ِ ِ‬
‫فيه‪َ ،‬وَّل ََ َي َ ْنهُ‪ ،‬خ َْوفا م هُ ْن َّل ي َ ُِْل َ سه ُ ًّ‬
‫َضا َوَّل نَف ًعا‪.‬‬
‫وف‪َ ،‬والَنه ْ َيي َع ِن الْ ُُ ْن َُ ِر‪َ ،‬مخَافَ ًة ِم َن الْ َُ ْخلُو ِق َني‪ ،‬نُ ِز َع ْت ِمنْ ُه ه‬
‫الطاعَ ُة‪َ ،‬ول َ ْو آَ َم َر َو َ َدل ُه آَ ْو‬ ‫َوقَا َل‪َ :‬م ْن ََ َركَ ْ َاْل ْم َر ِِبلْ َُ ْع ُر ِ‬
‫ب َ ْع َض َم َوا ِلي ِه ََّل ْس َتخ هَف ِ َِب ِق ِه‪.‬‬

‫نعْ ‪،‬نُزعت منه الطاعة يعين هيبته لذهب مثل ما ضيع هذا الواِب اذا َكن مير ِبملنُر اَّلي يسخط هللا‬
‫َضا وَّل نفع ًا ‪،‬يعين هذا اَّلي ميارس املنُر آو َّل يفعل‬
‫فيتجاوزه وَّل يأمر وَّل نَني خوف ًا ممن َّل ميِل لنفسه ً‬
‫املعروف فاذا َكن َّل يأمره ويتجاوزه وَّل يأمر وَّل نَنيي خوفا ممن َّل ميِل ‪َ،‬كنت العقوبة ذهاب الطاعة ‪،‬لُن اذا‬
‫َكن اخلوف هذا يرتلب عليه آذى ومرضة عليه فال مالمة عليه ْلن اْلمر ِبملعروف والَنيي عن املنُر هو آصهل‬
‫جلب املنافع واملصاحل ودفع للْشور واملفاسد ‪،‬ولَذا قيل ليُن آمرك ِبملعروف ِبملعروف وليُن هنيك عن املنُر‬
‫بغْي املنُر ‪،‬اذا َكن يرتلب عىل الَنيي عن املنُر مفسدة آشد من مفسدة انًكر املنُر فدرء املفسدة مقدم ‪،‬اذا‬
‫َكن َياف من ذكل ‪،‬واس متر اَّلمام ابن القمي يسوق النقول عن آمئة السلف رمحَْ هللا‪ ،‬واْلحاديث هذا‬
‫ذكر العقوِبت‪،‬وذكر الضعيف فامي مر معنا‪ ،‬عادة آهل العمل جيُعون مثل الُتب املوسعة جيُعون ما الباب‬
‫مع اَّلحاةل ايف مصادرِه فيُون من جة آحال ايل مصدره لْياِع ومن جة اخرى نُون يس تدل ِبذه اْلخبار‬
‫ِبلعُوم يعين َّل ينظر ايل لفاصيل اخلرب نفسه وحمتوَيله وامنا املعىن العام‪،‬واملعىن العام مس تقر‪ ،‬يعين مثال الناس‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫اذا َكنوا وقعوا الظمل والْش والفساد ويل علْيْ من ِشارِه ويسلط علْيْ ‪،‬هذا دل عليه القرآن ‪،‬وذكر ابن القمي‬
‫آاثر هذا املعىن كثْية بعضَا ضعيف فال يرض ضعفه اثبات املعىن العام اَّلي قصده ‪َّ،‬ل نُون قصد لفاصيل‬
‫ما هذه اْلخبار وامنا قصد هذا املعىن وهو معىن مس تقر دل عليه كتاب هللا س بحانه ولعايف‪،‬وهذا هل نظائر‬
‫عديدة فامي ذكره ابن القمي رمحه هللا لعايف‪:‬‬
‫ونسأل هللا الُرَي آن ينفعنا آمجعني مبا علُنا وآن نزيدان علام ولوفيقا انه لبارك ولعايف ُسيع قريب‪.‬‬
‫ِزامك هللا خْيا وِبرك هللا فيُك واهلُُك هللا الصواب ووفقُك للحق ونفعنا هللا مبا ُسعنا وغفر هللا لنا ولُك‬
‫وللُسلُني آمجعني ‪..‬آمني‬
‫س‪ :4‬يقول السائل آحسن هللا اليك‪ ،‬هل حصيح آن دانيال نيب ؟‬
‫هذا من اخملتلف فيه يعين‪ :‬هناك من نبوهتْ متحققة وقد جاء ذكر َخس وعْشنن كتاب هللا عز وجل وهناك‬
‫من نبوهتْ خمتلف فْيا مَنْ دانيال‪.‬‬
‫س‪ :3‬يقول آحسن هللا اليُك ‪،‬هل مؤالكة من نعرف عنه بأنه صاحب معصية آو بدعة ظاهرة ‪،‬يوِب ذكل‬
‫العقوبة ‪،‬مؤالكته؟‬
‫‪-‬اذا َكنت املؤالكة يصحَبا نية التألف والتودد اليه ولقريبه ايف اخلْي وحتبيبه والتدرج مناحصته ودَّلةل عىل اخلْي‬
‫‪،‬فَذا ِبب خْي ونرىج آن يرتلب عليه ِبذن هللا س بحانه ولعايف املصلحة واملنفعة ‪،‬آما اذا َكن َّل يبايل آصال‬
‫ِبملعصية وَّل نمتعر لَا وَّل نُرتث ِبا وليس هل ِه اَّل جملس ِبلضحك واللعب وَّل يبايل هذا اَّلي َُييش عليه‬
‫‪،‬وهللا آعمل‪.‬‬
‫س‪ .2‬يقول ِزاك هللا خْيا‪،‬هل من الس نة وضع اليدنن عىل الصدر عند زَيرة قرب الرسول ﷺ ؟‬
‫‪َّ-‬ل اعمل ما يدل عىل ذكل‪ ،‬وهذه الصفة يه مْشوعة قيام اَّلنسان صالله بني يدي رب العاملني‪ ،‬ويه‬
‫هيئة خشوِ و ذل هلل س بحانه ولعايف‪،‬وآما عند اليان قرب النيب عليه الصالة والسالم‪،‬والسالم عليه وعىل‬
‫صاحبيه آو عند زَيرة القبور ُعوما فال يْشِ للُرء آن يضع يديه عّل صدره كَيئة املُصّل ‪.‬‬
‫ومن اْلمور املؤسفة واقع بعض الناس آنه عند القرب يقف عىل هذه الَيئة خشوِ َّل نُون منه صالله‬
‫و وقوفه بني يدي رب العاملني جل عاله ‪.‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث عشر‬

‫س‪ :1‬يقول يل ٌمع من آحصاب النفوذ وهو نُره لقصْي الثوب واعفاء اللحية ‪ ،‬فلكام آزوره من ِبب صةل الرمح‬
‫يؤذيين بسب مظَري آمام الناس ‪،‬فامب لنصحين؟‬
‫آنصحك ِبملداومة عىل زَيرة العْ والصرب عليه واملالطفة هل ‪ ،‬و قابل آذاه بنصح واذا َكن ُعك ِريء هذه اجلرآة‬
‫ذى قويل‪ ،‬فُن آنت ِرئ لُن برفق وآدب ولطف ِبيصال اخلْي هل ودَّلَّلله عليه مع ادلعاء لَذا‬ ‫سب و آ ً‬‫ٍ‬
‫العْ آن يصلحه هللا ‪،‬آكرث من ادلعاء هل ‪ .‬ومع الرجل ِصنو آبيه وهل حق واذا َكن ِبذه الصفات ‪،‬لصرب عىل آذاه‬
‫وآنت َرِو هللا س بحانه ولعايف آن حيقق هل صالح ًا وهداية عىل يديك‪.‬‬
‫س بحانك اللَْ وِبُدك آشَد آن َّل اهل اَّل آنت آس تغفرك وآلوب اليك‪ ،‬اللَْ ِ‬
‫صل وسمل عّل عبدك ورسوكل‬
‫نبينا محمد و آهل وحصبه‪.‬‬
‫*اضغط عىل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪،‬الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا‬
‫محمد وعلى اله وصحبه اجمعين ‪..‬اما بعد ‪ ,‬فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا تعالى في‬
‫ك تابه الداء والدواء ‪.‬‬

‫الص ِديق‬ ‫َ َ َ َ َ إ‬
‫س إب ِن ا ِبي َح ِازم قال‪ :‬قال ابو َبكر ِ‬
‫َ‬ ‫يث َق إ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫قال َو َذ َك َر إاْل َمام َا إح َمد ِفي م إس َن ِد ِه ِم إن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َه ِذ ِه إ آاْل َي َة‪َ ،‬وا َّنك إم َت َضع َون َها َع َلى َغ إير َم إو ِض ِع َها { ياَ‬ ‫رضي هللا عنه ‪َ :‬يا َا ُّي َها َّالناس ا َّنك إم َت إتل َ‬
‫إ ِ‬ ‫َِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َا ُّي َها ال ِذ َين ا َم ُنوا َع َل ْي ُك ْم َا ُنف َس ُك ْم ۖ َل يضركم من ضل ِإذا اهتديتم } [سورة الما ِئد ِة‪. ]105 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اس ا َذا َ َراوا َّ‬
‫الظا ِل َم َف َل إم َي ْاخذوا َع َلى َي َد إي ِه ‪-‬‬ ‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬يقول‪« :‬ا َّن َّالن َ‬ ‫َوا ِني َسم إعت َرس َول َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َِ َ إ َ ََ إ‬
‫و ِفي لفظ‪ِ :‬اذا راوا المنكر فلم يغ ِيروه ‪ -‬يوشك ان يعمهم ّللا ِب ِعقاب ِمن ِعن ِد ِه» ‪.‬‬
‫*بسم هللا الرحمن الرحيم الحمد هلل رب العالمين واشهد ان َل إله إَل هللا وحده َل شريك له واشهد‬
‫ان محمدا عبده ورسوله صلى هللا وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا‬
‫وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما واصلح لنا شاننا كله وَل تكلنا إلى انفسنا طرفة عين‪ ..‬اما بعد ‪,‬‬
‫اورد اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى هذا الحديث العظيم عن ِصديق اَلمة ابي بكر رضي هللا عنه‬
‫استع ِلن بها ولم ُينكرها اهل الصالح‬ ‫وارضاه وهو في بيان خطورة المعاصي والذنوب وَل سيما إذا ُ‬
‫فإن مثل هذا يكون من اسباب العقوبات العامة ولهذا روى ابو بكر رضي هللا عنه ان النبي ﷺ‬
‫قال‪{*:‬إن الناس إذا راوو الظالم فلم ياخذوا على يديه وفي لفظ إذا راوو المنكر فلم يغيروه اوشك‬
‫ان يعمهم هللا بعقاب من عنده}* وقد قال العلماء في مثل هذا إن ظهور المعاصي واَلستعالن بها‬
‫دون انكار من اهل الصالح والفضل يدل على استهانة بالدين وبامر الدين من الجميع فيكون‬
‫موجبا للعقوبة العامة فافاد هذا الحديث ان الواجب هو إنكار المنكر لكن في حدود ضوابط‬
‫الشريعة وادلتها َلن الناس في هذا الباب او الخاطئين في هذا الباب على قسمين قسم من اشار‬
‫إليهم ابو بكر رضي هللا عنه في هذا الحديث قال إنكم تتلون هذه اَلية وإنكم تضعونها على غير‬
‫مواضعها والمراد ان يترك اإلنسان اَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقول ما دمت صالحا في‬
‫نفسي مستقيما في نفسي فال علي من امر اَلخرين يصلحوا او يفسدوا ما دمت في نفسي صالحا‬
‫َّ‬
‫هذا يك فيني ثم يستشهد على صنيع هذا باَلية الكريمة قول هللا سبحانه وتعالى *« َيا َا ُّي َها ال ِذ َين‬
‫َ‬
‫ا َم ُنوا َع َل ْي ُك ْم َا ُنف َس ُك ْم ۖ َل َي ُض ُّر ُكم َّمن َض َّل ِإ َذا ْاه َت َد ْي ُت ْم »* فيفهمون من ذلك ان المعنى إذا‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫اهتديتم انتم في انفسكم فال عليكم من ضالل اَلخرين وا َّن هذا يعني ان َل يؤمر بالمعروف وَل‬
‫ينهى عن المنكر فيقضون بهذا اَللتباس في الفهم على اَليات الصريحة والنصوص الك ثيرة الداعية‬
‫إلى اَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانه من اسباب خيرية اَلمة وفالحها ونجاتها وسعادتها في‬
‫الدنيا واَلخرة يقابل هؤَلء اخرون يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر لكن من غير فقه ومن غير‬
‫حكمة ومن غير بصيرة بضوابط الشريعة ومن غير ايضا نظر إلى العواقب والماَلت فربما ترتب‬
‫على طريقتهم في اَلمر او النهي الغير مضبوطة بضوابط الشريعة من المفاسد الشيء الك ثير ومن‬
‫المضار الشيء الك ثير والحق قوام بين ذلك واَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من‬
‫شعائر الدين وهو من موجبات الفالح لالمة وسعادتها في الدنيا واَلخرة لكن اَلمر بالمعروف‬
‫والناهي عن المنكر ينبغي ان يكون عا ِلما بما يامر به وما ينهى حكيما فيما يامر به وفيما ينهى عنه‬
‫ذا صبر وحلم واناة في دعوته وامر بالمعروف والنهي عن المنكر مراعيا لضوابط الشريعة التي‬
‫تتحقق بها بإذن هللا سبحانه وتعالى المصالح وتدرا المفاسد ‪.‬‬
‫إ‬
‫َو َذ َك َر َاْل إو َز ِاع ُّي َع إن َي إح َي ى إب ِن َا ِبي َك ِثير عن ابي َس َل َم َة َع إن َا ِبي ه َرإي َر َة رضي هللا عنه انه َق َال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ « :‬ا َذا َخ ِف َي ِت ال َخ ِط َيئة ل إم َتض َّر ِاْل َص ِاح َب َها‪َ ،‬و ِا َذا َظ َه َر إت َف َل إم ت َغ َّي إر‪،‬‬
‫قال َرسول َّ ِ‬
‫َ َ‬
‫إ‬
‫َض َّر ِت ال َع َّام َة» ‪.‬‬
‫*نعم هذا الحديث عن ابي سلمة عن ابي هريرة قال قال رسول هللا ﷺ إذا خفيت الخطيئة إلى‬
‫اخره‪ ...‬في سند مروان ابن سالم قال الحافظ متروك لكن روى ابن وضاح هذا الخبر في البدع‬
‫والنهي عنها عن اَلوزاعي قال سمعت بالل ابن سعد يقول وذكره من قوله من قول بالل ابن سعد‬
‫وهو اَلشبه واَلقرب وفي هذا الخبر ان الخطيئة إذا اخفيت لم تضر إَل صاحبها َلنها وقعت خفاءا‬
‫فمضرتها على صاحبها وحده لكن إذا ظهرت ُ‬
‫واستع ِلن بها فلم تغير ضرت العامة وهذا المعنى تقدم‬
‫معنا في حديث النبي ﷺ *{ إذا راو المنكر فلم يغيروه اوشك ان يعمهم هللا بعقاب من عنده }*‬
‫قال إذا راوا المنكر فلم يغيروه لكن إذا استخفى به صاحبه لم يراه العامة عامة الناس او عموم‬
‫الناس لم يروه إذا استخفى به صاحبه ‪.‬‬
‫إ‬ ‫َو َذ َك َر إاْل َمام َا إح َمد َع إن ع َم َر ا إبن إال َخ َّ‬
‫وشك الق َرى َا إن ت َخ ِر َب َو ِه َي َع ِام َر ٌة‪ِ ،‬ق َيل َو َك إي َف‬ ‫اب‪ :‬ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َخ َّرب َو ِه َي َع ِام َر ٌة؟ َق َال‪ :‬ا َذا َع َل ف َّجار َها َا إب َر َار َها‪َ ،‬و َس َاد إال َقب َيل َة م َن ِافقوها‪َ.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫*نعم هذا اثر يروى عن عمر ابن الخطاب رضي هللا عنه قال توشك القرى اي البلدان والديار‬
‫والمدن ان تخرب وهي عامرة‪ ،‬وهي عامرة اي بالبيوت والسكان وقالوا كيف تخرب وهي عامرة قال‬
‫إذا عال فجارها ابرارها وساد القبيلة منافقوها ‪ ،‬إذا كانت حال القرية بهذه الصفة يكون هذا من‬
‫سباب الخراب‪،‬والخراب هنا خراب الدين وضياعه الذي يترتب عليه من المفاسد والمضار‬
‫والعواقب الوخيمة ما َل يعلم مداه إَل هللا سبحانه وتعالى ‪.‬نعم‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫َو َذ َك َر َاْل إو َز ِاع ُّي َع إن َح َّس َان ا إب ِن َع ِط َّي َة َا َّن َّالن ِب َّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬س َيظ َهر ِش َرار ُا َّم ِتي َع َلى‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫ِخ َي ِار َها‪َ ،‬ح َّتى َي إس َت إخ ِف َي الم إؤ ِمن ِفي ِه إم َك َما َي إس َت إخ ِفي الم َن ِافق ِف َينا ال َي إو َم» ‪.‬‬
‫* ثم اورد هذا الحديث وهو مرسل وسنده ايضا ضعيف ان النبي ﷺ قال سيظهر شرار امتي‬
‫على خيارها حتى يستخفي المؤمن فيهم ‪ :‬يستخفي اي بإيمانه خشية من اهل الشر واهل الفساد‬
‫وهذا يقع يعني في المناطق التي يكون فيها ظهور َلهل الفساد فإن بعض اهل اإليمان قد يستخفي‬
‫خوفا من شرهم وتسلطهم واذاهم له قال يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا اليوم ‪.‬‬
‫إ إ‬
‫يث إاب ِن َع َّباس َي إر َفعه َق َال‪َ « :‬ي ْا ِتي َز َم ٌان َيذوب ِف ِيه َقلب الم إؤ ِم ِن‬ ‫َو َذ َك َر إابن َابي ُّ إ‬
‫الدن َيا ِم إن َح ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ َ ى َ إ إ َ َ‬ ‫َإ‬ ‫إ إ‬
‫ّللا؟ قال‪ :‬فيما ير ِمن المنك ِر ْل‬ ‫َك َما َيذوب ال ِملح ِفي الم ِاء‪ِ ،‬قيل‪ِ :‬مم ذاك يا رسول ِ‬
‫َي إس َت ِطيع َت إغ ِي َيره» ‪.‬‬
‫* نعم هذا ضعيف اإلسناد غير ثابت رفعه إلى النبي عليه الصالة والسالم وفيه انه ياتي على الناس‬
‫زمان يذوب فيه قلب المؤمن اي كمدا والما كما يذوب الملح يعني إذا وضع في الماء قيل مما ذاك‬
‫قال مما يرى من المنكر َل يستطيع تغييره ‪.‬نعم‬

‫يث َج ِرير َا َّن َّالن ِب َّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ما ِم إن َق إوم ي إع َمل ِفي ِه إم‬ ‫ََ إ َ‬
‫َوذك َر ِاْل َمام ا إح َمد ِم إن َح ِد ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ِبال َم َع ِاصي‪ ،‬ه إم َا َع ُّز َو َا إك َثر ِم َّم إن َي إع َمله‪ ،‬ل إم ي َغ ِيروه ِاْل َع َّمهم َّّللا ِب ِع َقاب» ‪.‬‬
‫* هذا يشهد له حديث ابي بكر المتقدم معنا قريبا قال في هذا حديث صلوات هللا وسالمه عليه ما‬
‫من قوم ُيعمل فيهم بالمعاصي هم اعز واك ثر ممن يعمله لم يغيروه إَل عمهم هللا بعقابه ‪،‬وهذا فيه‬
‫ان بعض احوال المؤمنين في المنكرات انهم في غاية الضعف وعدم القدرة ففرق بين ان يكون‬
‫لهم قوة ُومكنة وقدرة على اإلنكار وبين من كانوا في مرحلة ضعف ربما إنكارهم يودي بهم إلى‬
‫مضار عظيمة وعواقب مثال ضارة ففي هذه الحالة ينظر اَلمر والناهي ويقدر المصالح والمفاسد‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫ويتامل في الضوابط ‪ ،‬ضوابط اَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي ضوء ذلك يكون اَلمر‬
‫والنهي ولهذا ينبغي ان ُيعلم ان باب اَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس اَلمر فيه هكذا على‬
‫إطالقه َل في اَلمر بالمعروف وَل ايضا في النهي عن المنكر َل بد من مراعاة ضوابط الشريعة في‬
‫ذلك وان يكون امره بالمعروف معروفا ونهيه عن المنكر َل ان يكون بمنكر بل يكون باعتدال‬
‫ومراعاة لقواعد الشريعة وضوابطها التي بها تتحقق المصالح وتدرا المفاسد ‪ .‬نعم‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫إ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬يقول‪« :‬ي َجاء‬ ‫َو ِفي َص ِح ِيح الب َخ ِار ِي‪َ ،‬ع إن ا َس َام َة ا إب ِن َزإيد قال‪َ :‬س ِم إعت َرسول َّ ِ‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫الرج ِل َي إو َم ال ِق َي َام ِة‪َ ،‬فيل َقى ِفي َّالن ِار‪َ ،‬ف َت إن َد ِلق َا إق َتابه ِفي َّالن ِار‪َ ،‬ف َيدور َك َما َيدور ال ِح َمار ِب َر َحاه‪،‬‬
‫ِب َّ‬
‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‪َ :‬ا إي فلن‪َ ،‬ما َش ْان َك؟ َال إس َت ك إن َت َت ْامرَنا ِبال َم إعرو ِف‬ ‫َف َي إج َتمع َع َل إي ِه َا إهل َّالنار‪َ ،‬ف َيقول َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َت إن َه َانا َعن إالم إن َكر؟ َق َال‪َ :‬ب َلى‪ ،‬اني ك إنت آامرك إم ب إال َم إعروف َو َْل آا ِتيه َو َا إن َهاك إم َعن إالم إنكرَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آ‬
‫َوا ِت ِيه» ‪.‬‬
‫* هذا الحديث تقدم عند المصنف رحمه هللا تعالى وفيه ان اَلمر بالمعروف والناهي عن المنكر‬
‫ينبغي ان يكون هو في نفسه ممتثال ما يامر به ومنتهيا عما ينهى عنه َلنه في غاية الخطورة ان‬
‫يكون اَلمر بالمعروف والنهي عن المنكر على لسانه فقط َل يكون واقعا في حاله وعمله وسلوكه‬
‫ر َ َ ْ ُ ُ و َ َّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ‬
‫اب ۖ َا َفال‬ ‫فهذا في غاية الخطو ة *« اتامر ن الناس ِبال ِب ِر وتنسون انفسكم وانتم تتلون ال ِك ت‬
‫َ ُ َ َ ْ َ َّ َ َ ُ ُ‬
‫ون ﴿‪ ﴾٢‬كبر مقتا ِعند الل ِه ان تقولوا‬ ‫ون ﴿‪َ «*» ﴾٤٤‬يا َا ُّي َها َّال ِذ َين ا َم ُنوا ِل َم َت ُق ُول َ‬
‫ون َما ََل َت ْف َع ُل َ‬ ‫َت ْع ِق ُل َ‬
‫ون ﴿‪*» ﴾٣‬‬ ‫َما ََل َت ْف َع ُل َ‬
‫َ‬
‫وفي دعوة شعيب عليه السالم لقومه عليه السالم قال *« َو َما ُا ِر ُيد َا ْن ُا َخا ِل َف ُك ْم ِإل ٰى َما َا ْن َه ُاك ْم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫َع ْن ُه ۖ ِإ ْن ُا ِر ُيد ِإَل ِاإل ْصال َح َما ْاس َت َط ْع ُت ۖ َو َما َت ْو ِف ِيقي ِإَل ِب َّالل ِه ۖ َع َل ْي ِه َت َو َّكل ُت َو ِإل ْي ِه‬
‫يب﴿‪*»﴾٨٨‬‬ ‫ُا ِن ُ‬

‫فاَلمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب عليه ان يراعي هذا في نفسه هو بان يكون ممتثال‬
‫للشيء الذي يامر به منتهيا عن الشيء الذي ُينهى عنه ‪ .‬وفي هذا الحديث انه يجاء برجل يوم‬
‫القيامة ويلقى في النار فتندلق اقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه اهل النار‬
‫وهم في غاية العجب متعجبين اشد العجب من وجود هذا الشخص بينهم في النار يقولون له يا‬
‫فالن ما شانك الست كنت تامرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر‪.‬يعني معروف بسيرته عند العصاة‬
‫انه ينهاهم ويامرهم فتعجبوا غاية العجب من وجوده بينهم في النار يوم القيامة فقال كنت امركم‬
‫بالمعروف وَل اتيه وانهاكم عن المنكر و اتيه فكان باء بهذه العقوبة والعياذ باهلل‪ .‬نعم‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫َ‬ ‫إ‬
‫َو َذ َك َر ِاْل َمام َا إح َمد َع إن َما ِل ِك ا إب ِن ِد َينار َق َال‪َ :‬ك َان َح إب ٌر ِم إن َا إح َب ِار َب ِني ِا إس َرا ِئ َيل َي إغ َشى َم إن ِزله‬
‫ض َب ِن ِيه َي إو ًما َي إغ ِمز ِالن َس َاء‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ّللا‪َ ،‬ف َ َراى َب إع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الر َجال َو ِالن َساء‪ ،‬ف َي ِعظه إم َويذ ِكره إم ِبا َّي ِام َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫َم إهل يا بن َّي‪ ،‬مهل يا بن َّي ف َسقط ِمن َس ِر ِير ِه‪ ،‬فانقط َع نخاعه‪َ ،‬وا إس ِقط ِت ام َراته‪َ ،‬وق ِتل بنوه‪،‬‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ إ‬ ‫َ‬
‫َف َا إو َحى َّّللا ِالى َن ِب ِي ِه إم‪َ :‬ا إن َا إخ ِب إر فل ًنا الح َب َر‪َ :‬ا ِني ْل ُا إخ ِرج ِم إن صل ِب َك ِص ِد ًيقا َا َب ًدا‪َ ،‬ما َك َان‬
‫ً‬ ‫إ‬ ‫َّ‬
‫َغ َضب َك ِلي ِاْل َا إن قل َت َم إهل َيا ب َن َّي‪!.‬‬
‫* ثم اورد هذا الخبر وهو من اخبار بني إسرائيل وعادة العلماء في مثل هذه اَلخبار يوردونها‬
‫إستئناسا بذكرها وَل سيما إذا حوت معاني مفيدة او ِحكما او نحو ذلك فتذكر إستئناسا َل تذكر‬
‫ليستشهد بها او يستدل بها او يبنى عليها حكم هذا َل يصح لكن تذكر على سبيل اإلستئناس ‪ ،‬ففي‬
‫هذا الخبر ان حبر من احبار بني إسرائيل والحبر هو العا ِلم كان يغشى منزله ‪ :‬اي ياتي منزله‬
‫الرجال والنساء فيعظهم ويذكرهم بايام هللا فراى بعض بنيه يوما يغمز النساء فقال مهال يا بني‬
‫مهال يا بني قال هذه الكلمة وانتبهوا للمعنى فيها قال مهال يا بني يعني ما رعيت حقي وسمعتي‬
‫ومكانتي ما رعيت ذلك فإلتفت في وعظه َلبنه ونهيه إلبنه إلى ماذا إلى نفسه ليس غضبا هلل وإنما‬
‫نظر في هذا اَلمر مما يتعلق به هو سمعته شخصه غضب لذلك لم تكن هذه الغضبة هلل سبحانه‬
‫وتعالى وَل يكون في صالح عمل المؤمن إَل ما كان هلل حتى الغضب الذي يقع من اإلنسان في باب‬
‫المنكر إذا لم يكن هلل متقربا به َل يدخل في صالح عمله مهما اشتد غضبه ومهما كان امره ‪,‬فهذا‬
‫الرجل غضب من ابنه لكن قال مهال يا بني مهال يا بني يعني ان هذا يتنافى مع بنوتك لي ورعايتك‬
‫لمقامي وحفظك لقدري ومكانتي ومنزلتي اراد هذا المعنى فسقط من سريره فانقطع نخاعه‬
‫واسقطت امراته وقتل بنوه فاوحى هللا إلى نبيهم ان اخبر فالنا الحبر اني َل اخرج من صلبك‬
‫ِصديقا ابدا ما كان غضبك لي إَل ان قلت مهال يا بني مهال يا بني يعني ما راعيت هذا المعنى ‪,‬على‬
‫كل هذا من اَلخبار التي تروى عن بني إسرائيل ‪ .‬نعم‬

‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪ِ « :‬ا َّياك إم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ إ َ‬
‫ّللا ا إب ِن َم إسعود ا َّن َرسول َّ ِ‬ ‫يث َع إب ِد َّ ِ‬
‫َوذك َر ِاْل َمام ا إح َمد ِم إن َح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوم َح َّق َرات ُّ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫وب‪ ،‬ف ِا َّنه َّن َي إج َت ِم إع َن َعلى َّالرج ِل َح َّتى ي إه ِلك َنه‪َ ،‬و ِا َّن َرسول َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫الذ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ً‬
‫َض َر َب َله َّن َم َثل‪َ ،‬ك َم َثل ال َق إو ِم َن َزلوا َا إر َ‬
‫ض َفلة‪َ ،‬ف َح َض َر َص ِنيع ال َق إو ِم‪َ ،‬ف َج َع َل َّالرجل َي إنط ِلق‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫َف َي ِجيء ِبالع ِود‪َ ،‬و َّالرجل ي ِجيء ِبالع ِود‪ ،‬حتى ج َمعوا َس َوادا‪َ ،‬واججوا ن ًارا‪َ ،‬وانضجوا َما قذفوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِف َيها» ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫* وهذا الحديث سبق ان تقدم عند المصنف رحمه هللا تعالى وفيه التحذير من محقرات الذنوب اي‬
‫الذنوب التي َل يراها فاعلها شيئ يرى انها يسيرة وليست مهمة وليست بذاك الشان فيستهين بها‬
‫هذه المحقرات من الذنوب اجتماعها على اإلنسان في امتداد عمره تشكل ِحمال كبيرا قد َل ينتبه له‬
‫وهو َل يزال كل يوم يستهين بها وهذا هين وهذا حقير وهذا ليس كذا ويمضي في حياته ثم يفاجئ‬
‫وإذا بركام من هذه اَلمور التي هو َل يراها شيئ فضرب النبي ﷺ مثاَل عجيبا ‪ ،‬عجيبا للغاية‬
‫يدرك المرء من خالله خطورة محقرات الذنوب وهو لو ان اناسا في البرية ارادوا ان يصنعوا طعاما‬
‫معهم مكونات الطعام يحتاجون إلى النار إلنضاجه فلو جاء واحد منهم بعود صغير واشعل تحت‬
‫هذا القدر الذي فيه طعام هؤَلء ايصنع شيئ ؟؟‬
‫يقول هذا تافه ليس بشيء ما يصنع شيئ فإذا جيء بعود اخر معه َل يصنع شيئ ثالث ايضا َل‬
‫يصنع شيئ َل يزال يراه الناس في اعينهم َل يصنع شيئ لكن لو استمر الجمع حتى اجتمع عدد‬
‫ليس بالقليل من اَلعواد انضج إذن طعامهم فهذا سبحان هللا مثل عجيب ان محقرات الذنوب َل‬
‫يزال المرء يراها ليست بشيء وانها هينة ثم ُيفاجئ بعد ذلك انها كونت كما هائال من الذنوب‬
‫ِوحمال ثقيال من الذنوب يبوء بعقوبته يوم يلقى هللا سبحانه وتعالى وكل اعمال المرء محصاة عليه‬
‫كما قال جل وعال *« َا ْح َص ُاه َّالل ُه َو َن ُس ُوه »* العبد ينسى هذه اَلشياء وَل تزال نفسه تستهين هذا‬
‫قليل وهذا يسير وهذا هين وهذا ليس بشيء ثم يفاجئ بتراكمات وتراكبات من الذنوب فتكون‬
‫ُمهلكة له والعياذ باهلل ‪ .‬نعم‬
‫ً‬ ‫قال َو ِفي َص ِحيح إالب َخار ِي َع إن َا َنس ا إبن َما ِلك َق َال‪« :‬ا َّنك إم َل َت إع َمل َ‬
‫ون َا إع َماْل ِه َي َا َد ُّق ِفي‬
‫َ إ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫َ إ إ َ َّ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬من المو ِبق ِ‬
‫ات‪».‬‬ ‫ول ِ‬ ‫اعي ِنكم ِمن الشع ِر‪ِ ،‬ان كنا لنعدها على عه ِد رس ِ‬
‫* هذا يبين الحال الشريفة العظيمة الرفيعة التي كان عليها اصحاب النبي ﷺ من الورع وتقوى‬
‫هللا عز وجل وإتقاء الذنوب وعدم اإلستهانة بالمحقرات وإيراد المصنف له عقب الذي قبله من‬
‫اجود وانفع ما يكون إذا كان الناس يتهاونون بالمحقرات فإن الصحابة رضي هللا عنهم كان شانهم‬
‫اعلى من ذلك قال *إنكم لتعملون اعماَل هي ادق في اعينكم من الشعر* ‪ :‬يعني تحتقرونها هينة‬
‫ليست بشيء ‪ ،‬كنا نعدها على عهد رسول هللا ﷺ من الموبقات* ‪ :‬اي المهلكات‪ .‬نعم‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪« :‬ع ِذ َب ِت إام َ َرا ٌة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا ا إب ِن ع َم َر ا َّن َرسول َّ ِ‬ ‫يث َع إب ِد َّ ِ‬
‫يح إي ِن ِم إن َح ِد ِ‬ ‫الص ِح َ‬
‫َو ِفي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ِفي ِه َّرة َس َج َن إت َها َح َّتى َم َات إت‪َ ،‬ف َد َخ َل ِت َّالن َار‪ْ ،‬ل ِه َي َاط َع َم إت َها‪َ ،‬وْل َس َق إت َها‪َ ،‬وْل هي َت َر َك إت َها َت ْاكل‬
‫ض» ‪.‬‬ ‫ر‬‫ِم إن َخ َشاش إ َاْل إ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫* هذا فيه ان النبي عليه الصالة والسالم راى اي راى بعينه ﷺ وكان هذا النظر للنار ومن فيها‬
‫من المعذبين كان وقت صالته بالناس صالة الكسوف والشمس كسفت في حياته عليه الصالة‬
‫والسالم مرة واحدة وهو يصلي بالناس صالة الكسوف راى الجنة والنار راى الجنة حقيقة وراى‬
‫النار ايضا حقيقة وراى اصنافا من المعذبين في النار ذكر منهم عليه الصالة والسالم انه راى إمراة‬
‫تعذب في هرة سجنتها حتى ماتت اي حبستها في غرفة او في مكان حتى ماتت فدخلت النار في‬
‫هرة َل هي اطعمتها وَل سقتها وَل هي ترك تها تاكل من خشاش اَلرض إذا كانت هذه المراة قد راها‬
‫النبي ﷺ تعذب في هرة اليست النفس المؤمنة اعلى واعظم ! فماذا يصنع من يلقى هللا‬
‫سبحانه وتعالى وفي ذمته دماء ازهقها َلرواح مؤمنة ونفوس معصومة محرمة إذا كانت هذه عذبت‬
‫في هرة فكيف بمن ازهق روحا مؤمنة او اوراحا مؤمنة مثل ما يصنع والعياذ باهلل الخوارج ومن هم‬
‫على شاكلتهم من تقتيل َلهل اإلسالم قد قال عليه الصالة والسالم عنهم يقتلون اهل اإلسالم‬
‫ويدعون اهل اَلوثان َل يتسلطون إَل على المسلمين ويسلون سيوفهم على رقاب المسلمين وكم‬
‫ازهقوا عبر التاريخ من ارواح مؤمنة معصومة محرمة فماذا يصنع هؤَلء بتلك الدماء إذا كانت إمراة‬
‫عذبت في هرة حبستها حتى ماتت ‪،‬كيف الشان بمن يقتل النفس المعصومة التي حرم هللا‬
‫سبحانه وتعالى قتلها ‪ ،‬وقتل النفس المعصومة هو اعظم ذنب ُعصي هللا تبارك وتعالى به بعد‬
‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َّ‬ ‫الشرك باهلل « َو َّال ِذ َين ََل َي ْد ُع َ‬
‫ون َم َع َّالل ِه إ َل ٰها ا َخ َر َو ََل َي ْق ُت ُل َ‬
‫ون َّالن ْف َس ال ِتي َح َّر َم َّالل ُه ِإَل ِبال َح ِق َوَل‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫﴾يض َاعف ل ُه ال َعذ ُاب َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َو َيخلد ِف ِيه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ون ۖ َو َمن َي ْف َع ْل َٰذ ِل َك َي ْل َق َا َثاما ﴿‪ُ ٦٨‬‬ ‫َي ْزُن َ‬
‫ُم َهانا ﴿‪*» ﴾٦٩‬‬
‫َ‬ ‫إ إ‬
‫َو ِفي ال ِحل َي ِة ِ َْل ِبي ن َع إيم َع إن ح َذ إي َف َة رضي هللا عنه َا َّنه ِق َيل له‪ِ :‬في َي إوم َو ِاحد َت َر َك إت َبنو‬
‫َ َ‬
‫ِا إس َرا ِئ َيل ِد َينه إم؟ َق َال‪ْ :‬ل‪َ ،‬ول ِك َّنه إم َكانوا ِا َذا ُا ِمروا ِب َش إيء َت َركوه‪َ ،‬و ِا َذا نهوا َع إن َش إيء َر ِكبوه‪،‬‬
‫َح َّتى إان َس َلخوا ِم إن ِد ِين ِه إم َك َما َي إن َس ِلخ َّالرجل ِم إن َق ِم ِيص ِه‪.‬‬
‫* ثم اورد هذا اَلثر عن حذيفة ابن اليمان وهو في الحلية اي حلية اَلولياء َلبي ُنعيم انه قيل له في‬
‫يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم قال ‪َ :‬ل لم يكن تركهم لدينهم في يوم واحد ولكنهم كانوا إذا‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫امروا بشيء تركوه وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا عن دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه‬
‫وهذا اَلثر حقيقة عظيم جدا يعني انسالخ المرء من الدين َل ياتي في يوم وليلة فجاة لكن إذا‬
‫استهان بالمعاصي واَلوامر َل يبالي بها والنواهي َل يبالي واستمر على هذه الحال هذا المعنى الذي‬
‫قال بعض السلف المعاصي بريد الك فر الشرك فإذا استهان استمر على هذه اإلستهانة ربما اوصلته‬
‫استهانته بالمعاصي إلى اإلنسالخ من الدين فبنوا إسرائيل لم ينسلخوا من الدين فجاة هكذا في‬
‫يوم وليلة انسلخوا من الدين لكن انسالخهم من الدين كان عبر مراحل وخطوات اتبعوها‬
‫َ َ‬ ‫َ َّ‬
‫الش ْي َط ِان»*‬
‫ات َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫للشيطان *« َيا ا ُّي َها ال ِذ َين ا َم ُنوا َل ت َّت ِب ُعوا خط َو ِ‬
‫هؤَلء مضوا في مراحل وخطوات للشيطان اتبعوها إلى ان وصلوا إلى درجة اإلنسالخ من الدين‬
‫جملة ‪ .‬نعم‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫الس َل ِف‪ :‬ال َم َع ِاصي َب ِريد الك إف ِر‪َ ،‬ك َما َا َّن الق إب َل َة َب ِريد ال ِج َم ِاع‪َ ،‬وال ِغ َناء‬‫َو ِم إن َهاه َنا َق َال َب إعض َّ‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫الزَنا‪َ ،‬و َّالن َظر َب ِريد ال ِع إش ِق‪َ ،‬وال َم َرض َب ِريد ال َم إو ِت‪.‬‬ ‫َ‬
‫ب ِريد ِ‬
‫* قال رحمه هللا ومن هنا قال بعض السلف المعاصي بريد الك فر يعني توصل اإلنسان إليه وتفضي‬
‫به إليه َلن الشيطان اعاذنا هللا عز وجل اجمعين واهلينا وذرياتنا منه ‪ ،‬يتبع مع المرء خطوات‬
‫وَل يقنع من المؤمن إَل ان يصل به إلى الك فر باهلل فهو يتدرج به خطوة تلوى اَلخرى تلوى اَلخرى‬
‫إلى ان يوقعه في الك فر فالمعاصي بريد للك فر اي توصل صاحبها إلى الك فر [كما ان ُالقبلة بريد‬
‫الجماع] القبلة المحرمة بريد للجماع المحرم [والغناء بريد الزنا] يهيج في نفس المرء الزنا ويحركه‬
‫في قلبه [والنظر بريد العشق] النظر المحرم للصور بريد العشق حتى يتولع القلب بها ويبتلى بها‬
‫بالعشق المحرم ولهذا قال هللا سبحانه *« ُقل ِل ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين َي ُغ ُّضوا ِم ْن َا ْب َص ِار ِه ْم َو َي ْح َف ُظوا‬
‫ٰ‬
‫ُف ُرو َج ُه ْم ۖ َذ ِل َك َا ْز َك ٰى َل ُه ْم»* اي اطهر وانقى لقلوبهم واسلم من شرور العشق وما شاكله من اَلمور‬
‫التي ادواء وامراض للقلوب والمرض بريد الموت ‪ .‬نعم‬
‫َ‬ ‫َ إ إ َ َ إ ً َ إ َ َّ َ َّ َ َ َ َ َ َّ َ‬
‫الذ إن ِب ْل َت ْا َم إن س َوء َع ِاق َب ِت ِه‪َ ،‬ول َما َي إت َبع‬ ‫و ِفي ال ِحلي ِة ايضا ع ِن اب ِن عباس انه قال‪ :‬يا ص ِاحب‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫الذ إنب ا َذا َعم إل َته‪ِ ،‬ق َّلة َح َيا ِئ َك ِم َّم إ‬
‫الذ إن َب َا إع َظم م َن َّ‬
‫َّ‬
‫الش َم ِال ‪َ -‬وان َت َعلى‬ ‫ين َو َعلى ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الذ إنب ‪َ -‬ا إع َظم م َن َّ‬ ‫َّ‬
‫الذ إن ِب‪َ ،‬وض ِحكك وانت ْل تد ِري ما ّللا صا ِنع ِبك اعظم ِمن الذن ِب‪،‬‬
‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫َّ‬
‫َو َف َرحك ِبالذن ِب ِاذا ظ ِف إرت ِب ِه اعظم ِم َن الذن ِب‪َ ،‬وحزنك َعلى الذن ِب ِاذا فاتك اعظم ِم َن‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫الذ إن ِب َوْل َي إض َط ِرب ف َؤاد َك ِم إن‬ ‫الذ إنب‪َ ،‬و َخ إوف َك م َن الريح ا َذا َح َّر َك إت س إت َر َباب َك َو َا إن َت َع َلى َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬
‫َ َ َّ َ إ َ َ إ َ َ َّ إ َ إ َ َ َ إ َ إ ي َ َ َ َ إ َ ُّ َ َ إ َ‬
‫وب َف إاب َتله ِبال َبل ِء ِفي‬ ‫ّللا ِاليك اعظم ِمن الذن ِب‪ ،‬ويحك هل تد ِر ما كان ذنب اي‬ ‫نظ ِر ِ‬
‫ين َع َلى َظالم َي إد َرؤه َع إنه‪َ ،‬ف َل إم يع إنه‪َ ،‬و َل إم َي إن َه َّ‬
‫الظا ِل َم‬ ‫ََ َ‬
‫اث ب ِه ِم إس ِك ٌ‬ ‫َج َس ِد ِه َو َذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ما ِل ِه؟ إاستغ ِ‬‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ إ إ َ إََ‬
‫عن ظل ِم ِه‪ ،‬فابتله ّللا‪.‬‬
‫* ثم اورد رحمه هللا هذا اَلثر في حلية اَلولياء عن ابن عباس رضي هللا عنهما انه قال [يا‬
‫صاحبي الذنب َل تامن سوء عاقبته] الذنوب لها عواقب عواقب وخيمة بعضها في الدنيا‬
‫وبعضها في اَلخرة والناصح لنفسه يدعوها دائما إذا تحركت لفعل الذنب إلى النظر في‬
‫العواقب َل يجعلها ناظرة إلى لذة الذنب وحالوة المعصية بل ينقلها إلى النظر إلى عاقبة الذنب‬
‫فإذا نقلها اخذ بنفسه إلى طريق السالمة والنجاة وإن ابقاها مع لذة ‪ .‬الذنب هلكت ‪ ،‬ولهذا من‬
‫نصح المرء لنفسه إذا تحرك فيها داعي الذنب والمعصية ان ينقل نفسه مباشرة إلى العواقب‬
‫يقول َل إذا فعلت ماذا يترتب علي ُويحدث نفسه بالعواقب التي تترتب على فعله للذنب وقد‬
‫قال الناظم ‪:‬‬
‫تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها‬
‫من الحرام ويبقى الخزي ُ‬
‫والعار‬
‫تبقى عواقب سوء من مغبتها‬
‫َل خير في لذة من بعدها ُ‬
‫النار‬
‫اذا نظر هذا النظر س ِلم بإذن هللا واذا اغمض عينيه عن هذه المعاني وركز نظره على لذة المعصية‬
‫التي يريدها والتفت إلى هذا فقط هلك والعياذ باهلل ‪،‬انظر هذا الكالم كالم عجيب سبحان هللا‬
‫يقول [ولما يتبع الذنب اعظم من الذنب إذا عملته] يعني َل تظن ان الذنب هو مجرد معصية‬
‫فعلت َل هناك امور ايضا تتبعها ك ثير منها هي اشد من نفس الذنب الذي وقع فيه اإلنسان [قلة‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬
‫حياؤك ممن على يمينك وعلى شمالك] َّما َيل ِف ُظ ِمن َق ْول ِإَل ل َد ْي ِه َر ِقيب َع ِتيد﴿‪﴾١٨‬ملك عن‬
‫يمينه وملك عن شماله عندما يغشى اإلنسان المعاصي ويرتكب الذنوب والملكان على يمينه كاتب‬
‫للحسنات وكاتب للسيئت فقلة الحياء هذا امر ‪[،‬وضحكك وانت َل تدري ما هللا صانع بك‬
‫اعظم‪ ].‬اإلنسان وهو يضحك في ذنبه وَل يدري ما العواقب التي ستؤول به في هذه الفعلة وهذه‬
‫المعصية [وفرحك بالذنب إذا ظفرت به اعظم من الذنب ] ك ثير من الناس يعني في بعض الذنوب‬
‫وبعض الشهوات المحرمة نفسه تطلبها من وقت فإذا ظفر بالمعصية التي يريد فرح هذه ايضا‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫مصيبة يفرح بمعصية هللا هو اَلن ليس فقط معصية َل ‪ ...‬فرح قلبه بالمعصية ان ظفر بها فهذه‬
‫ايضا مصيبة عظيمة [حزنك على الذنب إذا فات اعظم من الذنب] يتحسر ويتالم ان فاته الذنب‬
‫الذي كانت نفسه متطلعة إلى ان تفعله [خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وانت على الذنب‬
‫ون ِم َن َّالناس َو ََل َي ْس َت ْخ ُف َ‬
‫ون ِم َن َّالل ِه َو ُه َو َم َع ُه ْم‬ ‫وَل يضطرب فؤادك من نظر هللا إليك ] *« َي ْس َت ْخ ُف َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َُ ُ َ َ‬
‫ون َما َل َي ْر َض ٰى ِم َن ال َق ْو ِل »*‬‫ِإذ يب ِيت‬
‫حدث احد اَلشخاص عن نفسه انه كان في غرفة ينظر فيها من خالل اَلجهزة إلى مناظر محرمة‬ ‫ُي ِ‬
‫اثمة فسمع حركة عند باب الغرفة اطفا الجهاز وخاف وفتح الباب وإذا قطة كانت تتحرك عند الباب‬
‫حصل له هذا الفزع من حرك تها عند بابه ورب العالمين جل في عاله يراه ولم يتحرك في قلبه‬
‫خوف من هللا !!‬
‫وَل يليق بالمؤمن ان يجعل هللا سبحانه وتعالى اهون الناظرين إليه هذا َل يليق بالمؤمن فهذه‬
‫المعاني حقيقة لو ان اإلنسان استذكرها لكانت اعظم رادع له عن الذنب إذا استذكرها عندما‬
‫تتحرك نفسه للمعصية لكانت اعظم رادع له عن الذنب [قال ويحك هل تدري ما كان ذنب ايوب‬
‫فابتاله هللا بالبالء في جسده قال استغاث به مسكين إلى اخره] هذا التعيين للذنب الذي كان من‬
‫ايوب هللا اعلم به ونفس اَلثر في ثبوته عن ابن عباس ضعف في إسناده إليه فعلى كل المعاني‬
‫المتقدمه هذه معاني مهمة جدا المعاني المتقدمة التي مرت معنا وان صاحب الذنب ينبغي ان‬
‫ينظر إلى هذه المعاني وان يكون في حذر هذه المعاني عظيمة جدا ومهم النظر إليها واعتبارها‪.‬نعم‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫َق َال ِاْل َمام َا إح َمد‪َ :‬ح َّد َث َنا ال َو ِليد َق َال‪َ :‬س ِم إعت َاْل إو َز ِاع َّي َيقول‪َ :‬س ِم إعت ِبل َل ا إب َن َس إعد َيقول‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْل َت إنظ إر ِالى ِص َغ ِر ال َخ ِط َيئ ِة َول ِك ِن إانظ إر ِالى َم إن َع َص إي َت‪.‬‬
‫* هذا اثر عظيم جدا لبالل بن سعد يرويه عنه اَلوزاعي يقول َل تنظر إلى صغر الخطيئة دائما إذا‬
‫تحرك في النفس رغبة في فعل خطيئة ما َل يقول المرء في نفسه هذه صغيرة هذه سهلة هذه‬
‫يسيرة َل ينظر هذا النظر ولكن انظر إلى من عصيت وانظر إلى عظم من عصيت سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫سبحان هللا ننتبه هنا إلى فائدة مهمة ان نظر المرء عندما يوجهه ينفعه بإذن هللا إذا كان نظرا‬
‫نافعا مثل ما ارشد بالل ابن سعد ان تنظر إلى عظم من عصيت عندك امران إذا تحرك في النفس‬
‫رغبة في المعصية عنده امران إما ان ينظر إلى ان المعصية سهلة هذه يسيرة جدا إن نظر هذا‬
‫النظر وقع فيها وفي غيرها من الذنوب لكن إن نظر نظرا اخر وقال َل يا نفس َل تقولي هذا الذنب‬
‫يسير انظري إلى عظمة هللا انظري إلى نعمة هللا عليك بالسمع بالبصر بالقوة بالحواس‪،‬بالمال َل‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫بك ان تستعملي هذه حتى ولو كان صغيرا فإن نظر هذا النظر ك فه بإذن هللا سبحانه وتعالى‬
‫يليق ِ‬
‫عن المعصية ‪ .‬نعم‬
‫َّ‬ ‫َ َ إ‬
‫َوقال الف َض إيل ا إبن ِع َياض‪ِ :‬ب َق إد ِر َما َي إص َغر الذ إنب ِع إن َد َك َي إعظم ِع إن َد َّ ِ‬
‫ّللا‪َ ،‬و ِب َق إد ِر َما َي إعظم‬
‫ِع إن َد َك َي إص َغر ِع إن َد َّ ِ‬
‫ّللا‪.‬‬
‫* قال الفضيل بن عياض بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند هللا يصغر عندك اي تستهين به‬
‫وتستخف بامره وَل تعظم الرب سبحانه وتعالى يعظم عند هللا سبحانه وتعالى وبقدر ما يعظم‬
‫عندك يصغر عند هللا إذا عظمت الذنب ِوعظم الخطيئة وان هذا َل يليق بالمؤمن وهذا امر عظيم‬
‫ومقام هللا اجل من ان اعصيه ونحو ذلك بقدر ما يعظم عندك اي الذنب عندك يصغر عند هللا ‪.‬‬
‫نعم‬
‫إ‬
‫ات ِم إن َخل ِقي ِا إب ِليس‪َ ،‬و َذ ِل َك َا َّنه‬
‫وسى ا َّن َا َّو َل َم إن َم َ‬ ‫َو ِق َيل‪َ :‬ا إو َحى َّّللا َت َع َالى ا َلى م َ‬
‫وسى‪َ ،‬يا م َ‬
‫إ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ات‪.‬‬ ‫ا َّول َم إن َع َصا ِني‪َ ،‬و ِان َما اعد من عصا ِني ِمن اْلمو ِ‬
‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬

‫* الموت المراد به هنا موت القلب َلن الموت قد يكون اإلنسان ميتا وهو ياكل ويمشي ويتحرك‬
‫وهو ميت قال هللا سبحانه وتعالى *« َا َو َمن َك َان َم ْيتا َف َا ْح َي ْي َن ُاه »* كمن هو اعمى وقال جل وعال‬
‫ول ِإ َذا َد َع ُاك ْم ِل َما ُي ْح ِي ُيك ْم»‪،‬‬‫س‬‫ُ‬ ‫لر‬‫« َيا َا ُّي َها َّال ِذ َين ا َم ُنوا ْاس َت ِج ُيبوا ِل َّل ِه َو ِل َّ‬
‫ِ‬
‫فالحياة بطاعة هللا والموت بالمعاصي والذنوب واعظم ما يكون الموت بالك فر باهلل سبحانه وتعالى‬
‫قال يا موسى إن اول من مات من خلقي إبليس اي هذا النوع من الموت وذلك انه عصاني وإنما‬
‫ا ُّعد من عصاني من اَلموات ليس كل من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت اَلحياء الميت هو‬
‫ميت اَلحياء ميت القلب اما من مات على طاعة هللا واستراح من هذه الدنيا وعناءها ليس بميت‪،‬‬
‫الميت حقيقة ميت اَلحياء الذي هو على اَلرض يمشي ياكل يشرب يتحرك ولكنه ميت القلب‬
‫والعياذ باهلل ‪ .‬نعم‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َوفي إالم إس َند َو َجامع الت إرمذي م إن َحد َ‬
‫ّللا ‪-‬‬‫يث ا ِبي َصا ِلح َع إن ا ِبي ه َرإي َر َة قال‪ :‬قال َرسول َّ ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫اب َو َن َز َع َو إاس َتغ َف َر‬ ‫ﷺ ‪« :‬ا َّن الم إؤ ِم َن اذا اذ َن َب ذن ًبا ن ِك َت ِفي قل ِب ِه نك َتة َس إو َداء‪ ،‬فاذا ت َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ إ ِ َ إ َ َ َ ِ َ إ َ َّ َ إ َ َ إ َ َ َ َ َّ َّ‬
‫ص ِقل قلبه‪ ،‬و ِان زاد زادت حتى تعلو قلبه‪ ،‬فذ ِلك الران ال ِذي ذكره ّللا عز وجل ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫ون ﴿‪[ }﴾١٤‬سو َرة إالم َط ِف ِف َ‬


‫ين‪َ ». ]14 :‬ق َال‬ ‫{ َك َّل ۖ َب إل ۖ َر َان َع َل ٰى قلوبهم َّما َكانوا َي إك ِسب َ‬
‫ِِ‬
‫يث َص ِح ٌ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِالت إرمذ ُّي‪َ :‬ه َذا َحد ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫* هذا الحديث وما بعده يؤجل إلى لقاء الغد بإذن هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫وانبه إلى ان الدرس في شهر رمضان المبارك نسال هللا جل وعال ان يبلغنا إياه على خير وصحة‬
‫وعافية وطاعة وإيمان وحسن تقرب هلل سبحانه وتعالى وان يغنمنا اجمعين خيرات هذا الشهر‬
‫وبركاته بمنه وكرمه سيكون الدرس في شهر رمضان بعد صالة العصر في ك تاب فتح الرحيم الملك‬
‫العالم في العقائد واَلداب واَلحكام المستنبطة من القران لإلمام ابن السعدي رحمة هللا عليه وهو‬
‫ك تاب عظيم ويناسب ان نستفيد منه جميعا في شهر رمضان َلنه خالصة نافعة جدا في تفسير‬
‫القران وبيان معانيه واحد اَلفاضل المحسنين جزاه هللا خيرا وجعل ذلك في ميزان حسناته طبع‬
‫كمية طيبة جدا من هذا الك تاب وصلت المدينة اليوم وسيوزع هدا الك تاب من الغد الثالثاء بعد‬
‫العصر بكشك التوعية رقم سبعة جوار مبنى الرائسة المسجد النبوي وكذلك الكشك رقم اربعة‬
‫الذي في اخر سور الحرم الجهة الجنوبية المقابلة لباب رقم خمسة باب قباء وذلك يوميا اعتبارا من‬
‫الغد وسيكون التوزيع في رمضان بعد العصر وبعد التراويح فالمرجو من اإلخوان الكرام كل ياخذ‬
‫نسخته من الك تاب ويهيئها معه من اول يوم من رمضان بعد العصر نبدا في قراءة هذا الك تاب‬
‫بإذن هللا وبالنسبة لهذا الك تاب ك تاب الداء والدواء ايضا في رمضان نستمر بإذن هللا في قراءته‬
‫لكن بعد صالة الفجر ‪ ،‬فسيكون بإذن هللا في رمضان درسان اَلول بعد الفجر إكمال لك تاب الداء‬
‫والدواء َلبن القيم والثاني بعد العصر والعادة ان الدرس في رمضان واحد كما هو معلوم عندكم‬
‫لكن سبحان هللا انا نفسي ايضا مستانس جدا بك تاب الداء والدواء وما تمكنت ان اوقفه ‪،‬ونسال‬
‫هللا ان يعيننا اجمعين وان ييسر لنا وإياكم الخير بمنه وكرمه ‪ .....‬ويوزع معه ايضا رسالة جديدة‬
‫عنوان عشر قواعد في تزكية النفوس وايضا هي مفيدة لنا اجمعين في قبالة هذا الشهر المبارك‪.‬نعم‬
‫*اَلسئلة ‪*:‬‬
‫*سؤال ‪ *:1‬يقول متعك هللا بالصحة هل حلق اللحية يعد من الذنوب او انه امر استحباب فقط؟‬
‫*الجواب ‪َ *:‬ل ليس امر اَلستحباب َلن النبي ﷺ امر بإعفاءها وقال في امره بإعفائها قال‬
‫{خالفوا المجوس اعفوا اللحى } ومخالفة المجوس ليس امرا مستحبا بل هذا امر واجب ولهذا فإن‬
‫حلق اللحية امر محرم وَل يجوز للمرء ان يحلق لحيته بل إن اللحية زينة للرجل وجمال ومما‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع عشر‬

‫يروى عن ام المؤمنين عائشة رضي هللا عنها انها إذا حلفت تقول والذي زين الرجال باللحى‬
‫وفتاوى اهل العلم من مشايخنا الكبار وعلمائنا اَلفاضل كلها واحدة متفقة على تحريم حلقها وان‬
‫حلقها امر محرم ليس امرا مكروها فقط بل هو امر محرم والدَلئل على ذلك ك ثيرة بسطها اهل‬
‫العلم رحمهم هللا في فتاواهم ومصنفاتهم التي في شان اللحية‪ .‬نعم‬
‫*سؤال ‪ *2:‬يقول حفظك هللا إذا كان الوالد يغتاب وانكرت عليه ولم يستجب فهل لي ان اترك‬
‫مجلسه وهل لي ان ازعل اغضب على الوالد َلجل هذا اَلمر؟‬
‫*الجواب ‪ *:‬الوالد له حق خاص وعظيم تامل هذا الحق في قول هللا سبحانه وتعالى*« َو ِإن‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫َج َاه َد َاك َع َل ٰى َان ُت ْش ِر َك ِبي َما ل ْي َس ل َك ِب ِه ِعلم َفال ُت ِط ْع ُه َما ۖ َو َص ِاح ْب ُه َما ِفي ُّالد ْن َيا َم ْع ُروفا »* ما قال‬
‫إزعل على تعبير السائل او ازعل َل‪ ...‬قال صاحبهما في الدنيا معروفا امر في مثل هده الحالة‬
‫الشديدة وهي امر الشرك والدعوة إلى الشرك امر بالمصاحبة بالمعروف وكيف بما هو دون الشرك‬
‫من اَلقوال واَلفعال فاستمر في اللطف مع الوالد والبر له واإلحسان إليه وك ثرة الدعاء له وتخير‬
‫اوقات ارتياحه وطمانينة نفسه فإقرا عليه اَلحاديث وكالم اهل العلم في حرمة الغيبة وخطورتها‬
‫حتى يكون بإذن هللا سبحانه وتعالى خالصه من هذه اَلفة على يديك بإذن هللا سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫نسال هللا الكريم ان ينفعنا اجمعين وان يوفقنا لكل خير ‪،‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان َل إله إَل انت استغفرك واتوب إليك اللهم صل وسلم على عبدك‬
‫ورسولك نبينا محمد و اله وصحبه‬
‫* اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪ ،‬اما‬
‫بعد‪ ...‬فيقول االمام ابو عبد هللا ابن القيم _ رحمه هللا تعالى_وغفر له وللشارح والسامعين وجميع‬
‫المسلمين يقول رحمه هللا تعالى في ك تابه الداء والدواء‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َوفي ْال ُم ْس َند َو َجامع الت ْرمذي م ْن َحد َ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ِ « :‬ا هن‬ ‫يث ا ِبي َصا ِل ٍح َع ْن ا ِبي ُه َرْي َر َة قال‪ :‬قال َر ُسول ه ِ‬ ‫ِ ِِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْال ُمؤ ِم َن اذا اذن َب ذن ًبا ن ِك َت ِفي قل ِب ِه نك َتة َس ْو َد ُاء‪ ،‬فاذا ت َ‬
‫اب َون َز َع َو ْاس َتغف َر ُص ِقل قل ُب ُه‪َ ،‬و ِا ْن ز َاد ز َاد ْت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا َع هز َو َج هل‪َ { :‬ك هَّل َب ْل َر َان َع َلى ُق ُلوبه ْم َما َك ُانوا َي ْك ِس ُبون}َ‬
‫َح هتى َت ْع ُل َو َق ْل َب ُه‪َ ،‬ف َذ ِل َك هالر ُان هال ِذي َذ َك َر ُه ه ُ‬
‫ِِ‬
‫يث َص ِح ٌ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ين‪َ ». ]14 :‬و َق َال ِالت ْرمذ ُّي‪َ :‬ه َذا َحد ٌ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫[سو َر ُة ْال ُم َ‬
‫ط‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ,‬الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له واشهد ان‬
‫محمدا عبده ورسوله ﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين‪ ,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما‬
‫واصلح لنا شاننا كله وال تكلنا إلى انفسنا طرفة عين‪ ,,‬اما بعد‪,‬‬
‫فهذا حديث عظيم في بيان ان الذنوب لها اثر على قلب العبد وانه كلما اذنب العبد ذنبا كان لهذا الذنب اثر‬
‫ه‬
‫على قلبه وكلما ازدادت الذنوب ازداد االثر إلى ان يصل إلى الدرجة التي وصفت في قوله تعالى { َكَّل َب ْل َر َان‬
‫يبين ان اثر الذنوب على القلب ليس‬ ‫ون" والحديث ّ‬ ‫َع َلى ُق ُلوبه ْم } اي غطى على قلوبهم " َما َك ُانوا َي ْك ِس ُب َ‬
‫ِِ‬
‫بالهين‪ ,‬ارايت عندما يكون في يدك عودا من خشب وبين يديك ارض ملساء ناعمة ثم اخذت تضرب بطرف‬ ‫ّ‬
‫العود االرض هذا العمل يسمى نكت ‪ ,‬فتنكت بالعصا اي تضرب بها االرض‪ ,‬إذا كرر َت الضرب في مواضع‬
‫منها ونظرت إلى االرض وجدت ماذا؟وجدت اثرا لهذا النكت وهكذا الشان في الذنوب‪ ,‬الذنوب كلما حصلت‬
‫من العبد نكت في القلب نك تة سوداء‪ ,‬وإذا اذنب ذنبا اخر نكت ايضا نك تة اخرى وثالثة ورابعة‪ ,,‬وكل ما‬
‫زادت الذنوب زاد النكت في القلب إلى ان يغطى القلب من كل جهاته بهذا النكت فيصل إلى درجة الران‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫التي هي التغطية على القلب كامال ‪,‬فيقول عليه الصالة والسالم ‪ِ « :‬ا هن ال ُم ْؤ ِم َن ِا َذا َاذ َن َب َذ ْن ًبا ُن ِك َت ِفي َقل ِب ِه‬
‫ْ‬ ‫ُن ْك َت ٌة َس ْو َد ُاء‪َ ،‬فا َذا َت َ‬
‫اب َو َن َز َع اي من الذنب َو ْاس َت ْغ َف َر ُص ِق َل َقل ُب ُه" انظر هنا النعمة يعني مع كون الذنوب‬ ‫ِ‬
‫تؤدي إلى هذا النكت ال يظن المذنب ان هذا النكت الذي وقع في قلبه يبقى ال يظن انه يبقى بل بإذن هللا‬
‫بالنزع والتوبة واالستغفار يصقل قلبه ومعنى يصقل‪ :‬اي يجلى ويمحو هللا سبحانه وتعالى ما في قلبه من‬
‫نك تة او ثنتين او ثالثة او اربع تمحى إذا تاب صادقا مع هللا سبحانه وتعالى في توبته من الذنب الذي قارفه‬
‫او الخطيئة التي ارتكبها قال فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ‪ ,‬الحظ االن انت عندما يكون عندك في‬
‫البيت مراة نظيفة ناصعة ودائما تنظر فيها ثم ترى عليها قطعا من السواد ال تحب ان تبقى فتجلوها عن‬
‫المراة بمنشفة او نحو ذلك هذا يسمى صقل‪ ,‬صقل قلبه‪ :‬اي جلي الذي في قلبه فاصبح سالما من ذاك‬
‫ّ‬
‫النكت الذي كان فيه وهذا فيه فائدة للعبد المؤمن انه متى زلت به القدم ووقع في الذنب والخطيئة فليبادر‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫إلى التوبة إلى هللا واالستغفار من الذنب ولينزع عن الذنب ‪-‬يقلع عنه إقالعا تاما‪ -‬فيصقل قلبه‪,‬ا ّي خير‬
‫يرجوه المرء لنفسه عندما يبقى القلب مملوءا بهذه النكت السوداء‪ ,‬بل يجب عليه ان يبادر إلى ما يجلو هذا‬
‫السواد وينقي القلب وتتحقق به زكاة قلبه بإذن هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬الن التزكية التي للقلب تكون اوال‬
‫ْ‬
‫بتطهيره من هذه االشياء ‪ ,‬ثم عمارته بالخير ‪ ,‬فهي تتناول هذا وهذا كما قال هللا‪ُ " :‬خذ ِم ْن َا ْم َوا ِل ِه ْم َص َد َق ًة‬
‫مقدم على التزكية التي هي التحلية فينقى القلب تنقيته‬ ‫ُت َطه ُر ُه ْم َو ُت َزكيه ْم ب َها"‪ ,‬والتطهير الذي هو التخلية َّ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫باالستغفار والتوبة واإلقالع عن الذنب‪ ,‬قال وإن زاد‪ :‬اي في الذنوب زادت اي النكت في قلبه حتى تعلو‬
‫ون} نعم‪.‬‬ ‫قلبه اي تغطيه فذلك الران الذي ذكره هللا عز وجل في { َك هَّل َب ْل َر َان َع َلى ُق ُلوبه ْم َما َك ُانوا َي ْك ِس ُب َ‬
‫ِِ‬
‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و َق َال ُح َذ ْي َف ُة‪ :‬ا َذا َا ْذ َن َب ْال َع ْب ُد َذ ْن ًبا ُن ِك َت ِفي َق ْلب ِه ُن ْك َت ٌة َس ْو َد ُاء َح هتى َي ِص َير َق ْل ُب ُه َك ه‬
‫الش ِاة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هالرْي َد ِاء‪.‬‬

‫نعم هذا االثر عن حذيفة هو بمعنى الحديث المتقدم وان الن َكت ال تزال بسبب الذنوب على القلب نك تة تلو‬
‫االخرى حتى تغطي القلب تماما‪ -‬نعم‪.‬‬
‫َ‬
‫اب َح هدث ِني ُع َب ْي ُد ه ِ‬
‫َّللا ْب ُن َع ْب ِد‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫وب قال َح هد َث َنا َابي َع ْن َصا ِلح َعن ْ‬
‫اب‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫َو َق َال ْاْل َم ُام َا ْح َم ُد‪َ :‬ح هد َث َنا َي ْع ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ا هما َب ْع ُد َيا َم ْع َش َر ُق َرْيش‪َ ،‬فا هن ُكمْ‬ ‫َّللا ْبن َم ْس ُع ٍود َا هن َر ُس َول ِه‬ ‫َّللا ْبن ُع ْت َب ُة َع ْن َع ْب ِد ِه‬ ‫هِ‬
‫َ ٍْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب‬ ‫َّللا‪َ ،‬فا َذا َع َص ْي ُت ُم ُوه َب َع َث َع َل ْي ُك ْم َم ْن َي ْل َح ُاك ْم َك َما ُي ْل َحى َهذا ال َق ِض ُ‬‫َا ْه ٌل ِل َه َذا ْ َاْل ْمر َما َل ْم َت ْع ُصوا ه َ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يب ِفي َي ِد ِه‪ ،‬ث هم ل َحا ق ِض َيب ُه فاذا ُه َو ا ْب َي ُ‬ ‫بَ‬
‫ض َي ْص ِلد» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫ثم اورد رحمه هللا تعالى هذا الحديث عن عبد هللا بن مسعود ان رسول هللاﷺ قال‪َ ":‬ا هما َب ْع ُد َيا َم ْع َش َر‬
‫َّللا –‬ ‫ُق َرْيش‪َ ،‬فا هن ُك ْم َا ْه ٌل ِل َه َذا ْ َاْل ْمر "المراد باالمر اي الوالية وسياسة الناس ووالية امرهم‪َ -‬ما َل ْم َت ْع ُصوا ه َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫انظر اثر ِالمعصية وهذا المقصود من إيراد هذا الحديث هنا انظر اثر المعصية قال ‪َ " :‬ما َل ْم َت ْع ُصوا هَّللا‪َ،‬‬
‫يب"‪ ,‬كان عليه الصالة والسالم بيده قضيب‬ ‫َفا َذا َع َص ْي ُت ُم ُوه َب َع َث َع َل ْي ُك ْم َم ْن َي ْل َح ُاك ْم َك َما ُي ْل َحى َه َذا ْال َق ِض ُ‬
‫ِ‬
‫يعني قطعة من غصن شجرة عود من الشجر وانت تعرف ان عود الشجر عليه غطاء قشرة القشرة التي على‬
‫الغطاء إذا نزعتها ماذا يتبين لك من ورائها بياض العود‪ ,‬يتبين لك بياض العود هذا العمل يقال له ‪-‬يعني‬
‫قشر القضيب يقال لحاه اي قشره لحاه اي قشره قشر هذا الغطاء الذي عليه او القشرة التي عليه قال‪َ " :‬ف ِا َذا‬
‫يب "‪ :‬والمقصد ان‬ ‫يب" ‪,‬و" َك َما ُي ْل َحى َه َذا ْال َق ِض ُ‬
‫َع َص ْي ُت ُم ُوه َب َع َث َع َل ْي ُك ْم َم ْن َي ْل َح ُاك ْم َك َما ُي ْل َحى َه َذا ْال َق ِض ُ‬
‫اموركم تكون في ضعف وفي نقص وفي وهاء مثل ما يلحى هذا القضيب‪ ,‬الن القضيب إذا لحي القضيب‬
‫ذبل ‪ ,‬وبقاء هذه القشرة عليه هي تحافظ على بقائه ‪ ,‬فإذا قشر هذا اللحاء الذي عليه ‪-‬الذي هو القشرة التي‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عليه‪ -‬يفضي به إلى الذبول فهي تحفظه بإذن هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬قال ‪َ ":‬ب َع َث َع َل ْي ُك ْم َم ْن َيل َح ُاك ْم َك َما ُيل َحى‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬
‫َ‬
‫يب ِفي َي ِد ِه‪ُ ،‬ث هم ل َحا َق ِض َيب ُه"‪.‬يعني اخذ يقشر هذه القشرة التي على القضيب " َف ِا َذا ُه َو‬ ‫َه َذا ْال َقض ُ َ‬
‫يب ِبق ِض ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض َيص ِلد» يبرق ويلمع‪ ,‬يصلد‪ :‬اي يبرق ويلمع –نعم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َا ْب َي ُ‬

‫ض َما َي ُق ُول ِل َب ِني‬ ‫ع‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و َذ َك َر ْاْل َم ُام َا ْح َم ُد‪َ :‬ع ْن َو ْهب َق َال هالر ُّب َع هز َو َج هل‪َ :‬ق َال ِفي َب ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يت َغض ْب ُت‪َ ،‬واذاَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْس َرا ِئ َيل‪ :‬ا ِني ا َذا ُا ِط ْع ُت َر ِضيت‪َ ،‬واذا َر ِضيت َب َاركت‪َ ،‬ول ْي َس ِلب َرك ِتي ِن َه َاية‪َ ،‬واذا ُ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ َ ْ ُ َ َِ ْ ُ ِ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ه َ ِ َ ْ َ َ‬
‫غ ِضبت لعنت‪ ،‬ولعن ِتي تبلغ السا ِبع ِمن الول ِد "‪.‬‬

‫نعم‪ -‬هذا تقدم وايضا سياتي‪ ,‬وهو من اخبار بني إسرائيل‪ ,‬والشاهد منه ان المعصية تفضي إلى الغضب‪,‬‬
‫والغضب يفضي إلى الهالك " َو َمن َي ْحل ْل َع َل ْيه َغ َضبي َف َق ْد َه َوى﴿‪ " ﴾٨١‬يؤدي إلى الهالك والمعصية‬
‫تفضي إلى الغضب‪ ,‬والغضب يفضي إلى الهالك ‪,‬نعم‪.‬‬
‫هذا الخبر قال ذكر اإلمام احمد اي في ك تابه "الزهد" وايضا اثر الذي يليه عن عائشة فيما ك تبته إلى معاوية‬
‫هو في " ك تاب الزهد لإلمام احمد" نعم‬
‫َ‬
‫قال َو َذ َك َر َا ْي ًضا َع ْن َو ِك ٍيع َح هد َث َنا َز َك ِرهيا َع ْن َع ِام ٍر َق َال‪َ :‬ك َت َب ْت َعا ِئ َش ُة ِالى ُم َع ِاو َي َة رضي هللا عنه‪َ :‬ا هما َب ْع ُد‪:‬‬
‫اس َذ ًّاما‪.‬‬ ‫َّللا َع هد َح ِام َد ُه ِم َن ه‬
‫الن‬ ‫ِ‬ ‫َفا هن ْال َع ْب َد ا َذا َعم َل ب َم ْع ِص َي ِة ه‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا يعد اثر من االثار التي تترتب على الذنب او الذنوب‪ ,‬الذنوب يترتب عليها اثار ك ثيرة وسياتي تفصيل‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َّللا َع هد‬
‫للعواقب التي تترتب على الذنوب من بينها هذارالذي جاء في هذا االثر ان" ال َع ْب َد ِاذا َع ِمل ِب َم ْع ِص َي ِة ه ِ‬
‫اس َذ ًّاما"‪.‬فيعني وجود الذنب توجب ذم اإلنسان والمراد بذمه‪ :‬ليس من اهل الفسق و اهل‬ ‫َ َُ َ ه‬
‫ح ِامده ِمن الن ِ‬
‫المعاصي وإنما من اهل الخير يذمونه على تفريطه وتضيعه ووقوعه فيما يسخط هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬نعم‬

‫وب‬ ‫قال رحمه هللا‪َ :‬ذ َك َر َا ُبو ُن َع ْيم َع ْن َسا ِلم ْبن َابي ْال َج ْعد َع ْن َابي ه‬
‫الد ْر َد ِاء َق َال‪ِ :‬ل َي ْح َذر ْام ُر ٌؤ َا ْن َت ْل َع َن ُه ُق ُل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين ِم ْن َح ْي ُث ْل َي ْش ُع ُر‪ ،‬ث هم قال‪ :‬اتد ِري ِم هم َهذا؟ قل ُت‪ْ :‬ل‪ ،‬قال‪ِ :‬ا هن ال َع ْبد َيخلو ِب َم َع ِاصي ه ِ‬
‫َّللا‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّللا ُب ْغ َض ُه ِفي ُق ُلوب ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين ِم ْن َح ْي ُث ْل َي ْش ُع ُر‪.‬‬ ‫َف ُي ْل ِقي ه ُ‬
‫ِ‬
‫وهذا اثر عن ابي الدرداء رضي هللا عنه في بيان هذا االثر ‪,‬وهو نظير الذي قبله‪ ,‬قال‪َ :‬ع هد َح ِام َد ُه ِم َن‬
‫يبين ابو الدرداء رضي هللا عنه ما يترتب على الذنب من ا ّن وقوع العبد فيه‬ ‫هالناس َذ ًّاما له‪.‬ففي هذا االثر ّ‬
‫وجب بغض قلوب المؤمنين له‪ ,‬ويترتب عليه ذلك ‪َ ،‬ق َال‪ :‬ا هن ْال َع ْب َد َي ْخ ُلو ب َم َع ِاصي ِه‬ ‫ِ‬
‫َّللا َف ُي ْل ِقي هَّللاُ‬ ‫‪,‬ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين ِم ْن َح ْي ُث ْل َي ْش ُع ُر ‪,‬وهذا المعنى الذي ذكره ابو الدرداء هنا يشهد له ما جاء‬ ‫ُب ْغ َض ُه ِفي قلوب ال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫في الحديث الصحيح "ان هللا اذا احب عبده نادى جبريل في السماء اني احب فَّلنا" ثم بعد ذلك‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫قال‪ ":‬ان هللا اذا ابغض عبده نادى جبريل ثم تلقى له البغضاء في اْلرض "فالمعنى الذي جاء هنا‬
‫يشهد له ما جاء في حديث النبي الكريم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫َّللا ْب ُن َا ْح َم َد في ك َتاب ُّالز ْهد ِ َْلبيه َع ْن ُم َح همد ْبن سير َين‪َ :‬ا هن ُه َل هما َرك َب ُه ه‬
‫الد ْي ُن‬ ‫َ‬
‫قال رحمه هللا‪َ :‬وذ َك َر َع ْب ُد ه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ْاغ َت هم ِل َذ ِل َك‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ِني َ َْل ْعر ُف َه َذا ْال َغ هم ب َذ ْنب َا َص ْب ُت ُه ُم ْن ُذ َا ْرَب ِع َ‬
‫ين َس َن ًة‪.‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبد هللا بن اإلمام احمد له زيادات على ك تاب والده الزهد‪ ,‬وايضا ك تابه المسند فاهل العلم عندما‬
‫يخرجون هذا االثر ال يقول روى اإلمام احمد في الزهد‪ ,‬وإنما يقولون روى عبد هللا في ك تاب الزهد البيه‪,‬‬ ‫ّ‬
‫النه لما روى ك تاب الزهد زاد بعض االحاديث وهي مميزة ومعروفة زادها ‪ ,‬وتعرف بزيادات عبد هللا على‬
‫المسند او على الزهد البيه او نحو ذلك‪ ,..‬ففي زياداته على الزهد البيه ان محمد ابن سيرين لما ركبه‬
‫َّالدين اغتم لذلك فقال‪ :‬اني ْلعرف هذا الغم بذنب اصبته منذ اربعين سنة ‪ ,‬وهذا المعنى جاءت فيه‬
‫اثار وهو ان الذنب قد ال تكون عاقبته بعده مباشرة ‪ ,‬بل قد تتاخر إلى سنوات طويلة ليس شرط تحديدا‬
‫اربعين‪ ,‬لكن قد تتاخر إلى سنوات طويلة فيقول‪ :‬اني ْلعرف هذا الغم بذنب اصبته منذ اربعين سنة‪,‬‬
‫اعد النظر في هذا االثر يعني هناك معنى ال بد ان ننتبه له حتى تعرف الحياة التي كانوا عليها ‪,‬بل السالمة‬
‫والعافية التي كانوا عليها يقول‪ :‬ذنب اصبته منذ اربعين سنة‪ ,‬الحياة مملوءة بالذنوب ال يمكن ان يقول‬
‫مثل هذا الكالم (ذنب اصبته منذ قبل اربعين سنة) إذا كانت تراكمات من الذنوب لكن الحياة الصافية‬
‫‪,‬يذكر فعال حياته صافية‪ ,‬يذكر فعال ما كان قبل اربعين او قبل ‪ ..‬النه اليزال يوجعه وحتى وإن تاب منه‬
‫بخالف التراكمات الك ثيرة من الذنوب‪ ,‬فال يكون الشان فيها مثل هذا فيقول‪ :‬اني ْلعرف هذا الغم من‬
‫ذنب اصبته منذ اربعين سنة‪ ,‬الحاصل ان الذنب والمعصية ال تنسى" َا ْح َص ُاه ه ُ‬
‫َّللا َو َن ُس ُوه ‪ ،‬ال تنسى‪,‬‬
‫محصاة عليه ولها عقوية‪ ,‬قد تكون عقوبتها قريبة‪ ,‬وقد تكون مؤخرة في الدنيا ‪,‬مؤخرة‪ :‬يعني تتاخر إلى‬
‫اربعين سنة او في حدود ذلك او اقل او اك ثر‪ ,‬وقد مؤخرة إلى الدار االخرة‪ ,‬لكن هللا جل وعال رحيم غفور‬
‫كريم بعباده جل وعال‪ ,‬فمن تاب تاب هللا عليه إذا صدق مع هللا سبحانه وتعالى في توبته وإنابته تاب‬
‫هللا سبحانه وتعالى عليه وايضا (اني ْلعرف هذا الغم اني ْلعرف هذا الغم بذنب اصبته) هذا من كمال‬
‫ًّ ْ‬
‫السلف ‪ .‬يعني يعيد ما اصابه من الذنوب إلى تفريطه‪َ " ,‬ف ُكَّل َا َخذ َنا ِب َذ ِنب ِه "‪ ,‬يعيده إلى تفريطه إلى‬
‫تقصيره هو في جنب هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬فرق بين من هذه حاله عندما تصيبه المصيبة ومن يتسخط‬
‫ويرى انه ليس اهال ان يصاب بهذا البالء او بهذا‪ ..‬فرق بين هؤْلء يعني يصيبه غم فيعيده إلى ماذا ؟‪-‬‬
‫يعيده إلى تقصير قبل اربعين سنة‪ ,‬واخر يصيبه الغم ويقول‪ :‬كيف انا اصبت بهذا وانا ماذا فعلت وماذا‬
‫صنعت حتى ابتلى؟‪ ,‬بعضهم يتسخط من قدر هللا سبحانه وتعالى فيقع في باب إثم اخر ويجر على نفسه‬
‫بلوى اخرى‪ ,‬فشتان بين هؤالء وهؤالء ‪,‬حياة السلف حياة مجيدة مباركة ومع هذه البركة ال يزكي الواحد‬
‫منهم نفسه بل ال يزال يرى نفسه مقصرا ‪,‬نعم‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫ْ‬ ‫َق ْد َْل ُي َؤث ُر ه‬


‫الذ ْن ُب ِفي ال َح ِال‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اس في َا ْمر ه‬
‫الذ ْن ِب‪َ ،‬و ِه َي َا هن ُه ْم ْل َي َر ْو َن َت ْا ِث َير ُه ِفي‬ ‫ِ‬
‫ُْ ٌ َ ٌَ َْ ُ‬
‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و َه ُاه َنا نك َتة د ِقيقة َيغلط ِف َيها هالن ُ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َح ِال‪َ ،‬و َق ْد َي َت َا هخ ُر َت ْا ِث ُير ُه َف ُي ْن َسى‪َ ،‬و َي ُظ ُّن ال َع ْب ُد َا هن ُه ْل ُي َغ ِب ُر َب ْع َد َذ ِل َك‪َ ،‬و َا هن َاْل ْم َر َك َما َق َال ال َقا ِئ ُل‪:‬‬
‫وع ُغ َب ُار‪.‬‬ ‫ا َذا َل ْم ُي َغب ْر َحائ ٌط في ُو ُقوعه ‪َ ...‬ف َل ْي َس َل ُه َب ْع َد ْال ُو ُ‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه نك تة مهمة ينبه عليها اإلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى‪ ,‬يغلط فيها الناس‪ ,‬في امر الذنب‪ ,‬ك ثير من‬
‫الناس عندما يقع في الذنب ثم يرى انه بعد الذنب انه لم ي َصب بشيء ‪-‬لم يحصل له‪ -‬فيظن حينئذ انه ال‬
‫تاثير له النه لو كان له تاثير او له اثر لوجدت له مباشرة فطالما انها لم توجد مباشرة فليس لها تاثير‬
‫ويقيسون هذا المعنى على ما جاء في البيت‪:‬‬
‫وع ُغ َب ُار‬ ‫ا َذا َل ْم ُي َغب ْر َحائ ٌط في ُو ُقوعه ‪َ ...‬ف َل ْي َس َل ُه َب ْع َد ْال ُو ُ‬
‫ق‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ما دام انه لم يحصل غبار وقت وقوع الحائط إذا ليس هناك غبار فيما بعد‪ ,‬فما دام ان الذنب لم تحصل له‬
‫عقوبة مباشرة إذا ليس هناك عقوبة هكذا يفهم بعض الناس‪ ,‬وما يدري المسكين انه قد يصاب بالعقوبة بعد‬
‫عشر سنوات بعد عشرين سنة ‪,‬قال‪ :‬قال وقد يتاخر تاثيره فينسى حتى انه‪ ,..‬فعال بعض الناس يعاقب بامر‬
‫بسبب ذنب اصابه لكنه نسي الذنب‪ ,‬بخالف حال السلف في صدقهم مع هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬وخوفهم من‬
‫الذنوب‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َّللا! َم َاذا َا ْه َل َك ْت َه ِذ ِه ُّالن ْك َت ُة ِم َن ال َخل ِق؟ َو َك ْم َا َزال ْت ُغ َب َار ِن ْع َم ٍة؟ َو َك ْم‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و ُس ْب َح َان ه ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َج َل َب ْت ِم ْن ِن ْق َم ٍة؟ َو َما َا ْك َث َر ال ُم ْغ َت ِر َين ِب َها ال ُع َل َم ِاء َوال ُف َضَّل ِء‪َ ،‬ف ْضَّل َع ِن ال ُج هه ِال‪َ ،‬ول ْم َي ْع َل ِم ال ُم ْغ َت ُّر َا هن‬
‫ض ْال ُج ْر ُح ْال ُم ْن َدم ُل َع َلى ْالغش َو ه‬
‫الد َغ ِل‪.‬‬ ‫الس ُّم‪َ ،‬و َك َما َي ْن َق ُّ‬
‫ُّ‬ ‫ض‬ ‫ض َو َل ْو َب ْع َد ِحين‪َ ،‬ك َما َي ْن َق ُّ‬ ‫ه‬
‫الذ ْن َب َي ْن َق ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الد َغ ِل‪ :‬يعني عندما يكون احد فيه جرح ثم يخاط الجرح او يالم الجرح على‬ ‫ْال ُج ْر ُح ْال ُم ْن َدم ُل َع َلى ْالغش َو ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اشياء في داخل البدن من امور هي مضرة بالبدن مثل ما وصفها رحمه هللا بالغش والدغل‪ ,‬اشياء في داخل‬
‫ينضف الجرح من االوساخ او االقذار ثم يالم الجرح عليها وهي بداخله‪ ,‬وقت المها ربما المريض ال‬ ‫البدن لم َّ‬
‫يشعر بشيء ويجد ان الجرح إلتام وانتهى االمر ‪,‬لكن ما الذي يحصل؟‪ -‬مثل ما ذكر اإلمام ابن القيم يرجع‬
‫الجرح إلى فساد ربما اشد من الحالة التي ترك عليها قبل ان يالم ‪,‬النه لئم على فساد‪ ,‬فيترتب على ذلك‬
‫زيادة الفساد وزيادة الشر ‪,‬لكن ياتي هذا ليس مباشرة ‪,‬الن مباشرة يرى المريض انه أال َم جرحه وانتهى امره‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫ثم يفاجا بعد حين باالثار او العواقب المؤلمة له جدا‪ ,‬فالذنب مثل ذلك ‪ ,‬قد ال تكون هناك عقوبة مباشرة‬
‫ثم يفاجا بعد سنوات باشياء يعاني منها معاناة في حياته وهي من اثار ذنوبه ومعاصيه‪ -‬نعم‪.‬‬

‫َّللا َك َا هن ُك ْم َت َر ْو َن ُه‪َ ،‬و ُع ُّدوا َا ْن ُف َس ُك ْم ِم َن‬ ‫قال رحمه هللا‪َ :‬و َق ْد َذ َك َر ْاْل َم ُام َا ْح َم ُد َع ْن َابي ه‬
‫الد ْر َد ِاء‪ْ :‬اع ُب ُدوا ه َ‬
‫ِ‬ ‫ً ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫طغكم‪َ ،‬و ْاعل ُموا ا هن ال ِب هر ْل َي ْبلى‪َ ،‬وا هن ِاْلث َم ْل ُين َسى‪.‬‬ ‫ال َم ْوتى‪َ ،‬و ْاعل ُموا ا هن ق ِليَّل ُيغ ِنيك ْم‪ ،‬خ ْي ٌر ِمن ك ِث ٍير ُي ِ‬

‫َّللا َك َا هن ُك ْم َت َر ْو َن ُه‪,‬وهذه درجة‬


‫هذا اثر عن ابي الدرداء فيه موعظة‪ ,‬بل مواعظ نافعة للمسلم ‪,‬يقول‪ْ :‬اع ُب ُدوا ه َ‬
‫اإلحسان قال في الحديث قال‪ :‬اخبرني عن اْلحسان ‪,‬قال‪ :‬ان تعبد هللا كانك تراه" فيقول رضي هللا عنه‬
‫ْ‬
‫َّللا َك َا هن ُك ْم َت َر ْو َن ُه ‪,‬وهذه درجة اإلحسان في العبادة‪َ (,‬و ُع ُّدوا َا ْن ُف َس ُك ْم ِم َن ال َم ْو َتى‪ )،‬وهذا شاهده في‬
‫ْاع ُب ُدوا ه َ‬
‫الحديث ‪ :‬تذكروا هاذم اللذات ‪,‬اك ثروا من ذكر هاذم اللذات" إذا امسيت فال تنتظر الصباح وإذا اصبحت‬
‫فال تنتظر المساء‪ ,‬فعدوا انفسكم في الموتى وهذا نافع للعبد إذا عد نفسه في الموتى وذكر نفسه بالموتى‬
‫وقال لنفسه ‪ :‬يا نفسي ربما انت ال تكونين غدا من اهل هذه الحياة قد ال تدركين رمضان‪.‬‬
‫اروي لكم قصة سمعتها قريبا تنفعنا ولوال ما فيها من النفع لم اروها لكم‪ ,‬قبل ثالث ايام تحديدا ثالث ايام‬
‫او اربعة احد االفاضل ومعه جواله يريني تواصال بينه وبين داعية في بلده‪ ,‬بلده في دولة إفريقية‪ ,‬وذكر لي‬
‫ان ذلك الداعية له جهود كبيرة في الدعوة وذكر لي ملخصا للحوار الذي بينه وبين ذلك الداعية في تخطيط‬
‫لما يقدمونه من دعوة في رمضان‪ ,‬نفعل كذا ونفعل كذا‪ ,‬واالوقات التي يكون فيها برامجهم يعني تواصل في‬
‫ماذا يقدمون في رمضان ‪,‬قال هذا من اسبوع‪ ,‬وانا يوميا بيني وبينه تواصل كله تخطيط لرمضان‪ ,‬قال‬
‫واخبرك انه اليوم توفي ‪ ,‬هذا من الدعاة وكان يخطط لهذا الرمضان الذي ننتظره نحن ويرتب ماذا سيقدم‬
‫للمسلمين من اعمال ونصائح ومواعظ‪ ,‬وهي تك تب له بإذن هللا سبحانه وتعالى وحالت بينه وبين رمضان‬
‫المنية وكان يخطط خيرا عظيما يقدمه في بلده إلخوانه المسلمين في رمضان‪ ,‬وهو يخطط‪ ,‬ما كان يعلم انه‬ ‫ّ‬
‫لن يكون ممن اهل هذا الرمضان‪ ,‬فمثل هذه المعاني مثل ما قال ابو الدرداء رضي هللا عنه عدوا انفسكم‬
‫في الموتى ‪:‬هذا من اعظم االمور التي تعين العبد على تزكية نفسه وإصالحها حتى قال سعيد بن جبير رحمه‬
‫هللا تعالى قال كالما معناه‪ :‬لو غفل قلبي عن الموت لخشيت ان يهلك علي قلبي او يفسد علي قلبي فذكر‬
‫الموت صالح للعبد ‪ ,‬وتذكير نفسه بالموت صالح له بإذن هللا تعالى‪,‬احد السلف اراد ان يعظ احد العصاة‬
‫واخذه إلى القبور وقال انظر لو كنت مكان هؤْلء ماذا تتمنى؟ قال اتمنى ان يعيدني هللا الى الدنيا‬
‫آ‬ ‫آ‬
‫ْلعمل غير ما انا اعمله اْلن ‪.‬قال انت اْلن في الدنيا اعمل‪ -‬قبل ان يصبح االمر مجرد ماذا؟‪ -‬امنية‬
‫يك ْم‪،‬او يطغيكم‬ ‫فيقول رضي هللا ُع ُّدوا َا ْن ُف َس ُك ْم م َن ْال َم ْو َتى‪َ ،‬و ْاع َل ُموا َا هن َقل ًيَّل ُي ْغ ِن ُ‬
‫يك ْم‪َ ،‬خ ْي ٌر م ْن َك ِثير ُي ْله ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعني ال ينهمك اإلنسان في الدنيا انهماكا تاما وال ايضا يترك العمل الدنيوي الذي تتحقق به مصلحته‬
‫يك ْم‪،‬‬‫ومصلحة اهله وولده‪ ,‬لكن ال يجعل الدنيا هي اكبر همه وال مبلغ علمه‪ ,‬ولهذا َو ْاع َل ُموا َا هن َقل ًيَّل ُي ْغ ِن ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ َ‬
‫يك ْم َو ْاع َل ُموا َا هن ال ِب هر ْل َي ْب َلى‪.‬بل يبقى وتبقى اثاره الطيبة وعوائده الحميدة على العبد في‬ ‫َخ ْي ٌر م ْن َك ِثير ُي ْله ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َون ُس ُوه "‪َ ",‬و َما ك َان َرُّب َك‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الدنيا واالخرة ‪َ ،‬وا هن اْلث َم ْل ُين َسى مثل ما قال هللا سبحانه وتعالى " اح َص ُاه ُ‬
‫ِ‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫َن ِس ًّيا " فاعمال العبد محصاة عليه‪ ,‬اعمال العبد حسنها وسيؤها محصاة عليه‪ ,‬فينتبه العبد اإلثم ال ينسى‬
‫حتى وإن نسيه العبد‪ ,‬فإنه الينسى بل محصى على العد ‪,‬نعم‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َْ ُ ْ‬
‫ض ال ُع هب ِاد ِالى َص ِب ٍي‪َ ،‬ف َت َا هم َل َم َح ِاس َن ُه‪َ ،‬ف ُا ِت َي ِفي َم َن ِام ِه َو ِق َيل ل ُه‪ :‬ل َت ِج َد هن ِغ هب َها‬‫قال رحمه هللا ‪ :‬ونظر بع‬
‫َب ْع َد َا ْرَب ِع َ‬
‫ين َس َن ًة‪.‬‬

‫لتجدن غبها بعد اربعين سنة‪ :‬مثل االثر الذي تقدم قد ال يكون المراد االربعين تحديدا ‪,‬يعني بعد حين‬
‫ولو مدة طويلة‪ ,‬ولو مدة طويلة تجد غ َّبه ‪,‬ولهذا ال يستهين اإلنسان بالمعاصي والذنوب ‪,‬ال يستهين بها‪ ,‬ال‬
‫يستهين بالنظر المحرم ‪,‬ولينتبه في هذا المقام من الجواالت ‪,‬الجواالت هذه وهللا مصيبة االن في هذا‬
‫الزمان مصيبة عظيمة جدا ‪,‬ودخل إلى القلوب ‪-‬قلوب المؤمنين النقية‪ -‬دخل إليها‪ .‬من خالل الجواالت‬
‫اشياء خطيرة جدا وبالوي جسيمة وكانت قلوبا نقية فلوثها الجوال بشيء عجب خاصة الجواالت التي‬
‫تسمى الذكية ‪,‬والذكاء بدون زكاء يعد بالءا‪ ,‬و مضرة على اإلنسان ‪,‬اإلنسان الذكي غاية الذكاء إذا لم يكن‬
‫عنده زكاء يكون افة على المجتمع الذي هو فيه‪ ,‬ومضرة عليه‪,‬وهذه االجهزة مع ما فيها من لوث‪ -‬لوث‬
‫ك ثير جدا‪ -‬اصبحت في ايدي الغافلين قليل اإليمان قليل الطاعة والعياذ باهلل قليل العلم فاصبحت‬
‫تصب في قلوبهم امور صبا ‪,‬وتملؤها باشياء خطيرة جدا فامرضت وخلخلت القلوب واوهت اإليمان‬
‫واضعفت اليقين‪ ,‬وسببت اضرار ك ثيرة ‪,‬ولهذا يجب على العبد ان يكون ناصحا لنفسه‪ ,‬وإذا كان يخلو‬
‫بنفسه مع هذا الجوال بما فيه من المناظر ويظن انه في عافية من نظر الناس إليه فليعلم ان رب‬
‫العالمين مطلع عليه سبحانه وتعالى ‪,‬وليتق هللا جل وعال وليحافظ على سالمة قلبه‪ ,‬إذا كنا مر علينا في‬
‫الحديث النك تة السوداء باهلل عليكم اخبروني كم هي النكت السوداء التي ادخلتها هذه الجواالت إلى‬
‫القلوب؟‪,‬إذ كنا نتحدث قبل قليل عن حديث النبيﷺ النك تة السودا كلما زاد زادت‪,‬كم هي النكت‬
‫التي دخلتها هذه االجهزة ببرامجها من نكت سوداء على ك ثير من القلوب؟‪ -‬بعض الناس ليس فقط نقطة‬
‫سوداء بعضهم تحول من الدين إرتد بسبب الجواالت ‪,‬وبعضهم دخل في اهواء وادواء ومصائب عظام‬
‫إلى متى اإلنسان ينساق مع وراء برامجها المعطبة المهلكة؟ فيجب على اإلنسان ان يضع لنفسه حاجزا‬
‫يحول بينه وبين ما فيها من المهالك‪ ,‬ويتقي هللا سبحانه وتعالى ما ينساق مع هذه االجهزة حتى توصل‬
‫إلى به وتفضي به إلى الهلكة والعياذ باهلل ‪..‬نعم‬
‫قال رحمه هللا‪َ :‬ه َذا َم َع َا هن ِل هلذ ْن ِب َن ْق ًدا ُم َع هج ًَّل َْل َي َت َا هخ ُر َع ْن ُه‪َ ،‬ق َال ُس َل ْي َم ُان هالت ْي ِم ُّي‪ :‬ا هن هالر ُج َل َل ُي ِص ُ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫الس ِر َف ُي ْص ِب ُح َو َع َل ْي ِه َم َذل ُت ُه‪.‬‬ ‫هْ‬
‫الذن َب ِفي ِ‬

‫نعم‪ -‬يعني هناك مثل ما تقدم اإلشارة يعني‪ :‬قد تكون العقوبة معجلة وقد تتاخر‪ ,‬وقد يكون تاخرها ليس‬
‫السبوع وال لشهر ‪,‬قد يكون عشر سنوات‪ ,‬اربعين سنة قد تتاخر العقوبة‪ ,‬قد تكون العقوبة في االخرة ‪,‬فال‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫يستهين اإلنسان بالذنب‪ ,‬ويقول لنفسه نعم وقعت بالذنب فما حصل!‪,‬اي كم َّغرت هذا الفهم كم غر من‬
‫اناس؟! نعم‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َو َق َال َي ْح َي ى ْب ُن ُم َع ٍاذ هالر ِاز ُّي َع ِج ْب ُت ِم ْن ِذي َع ْق ٍل َي ُق ُول ِفي ُد َعا ِئ ِه‪ :‬هالل ُه هم ْل ُت ْش ِم ْت ِب َي َاْل ْع َد َاء‪ُ ،‬ث هم ُه َو‬
‫ْ‬ ‫ُي ْش ِم ُت ب َن ْف ِس ِه ُك هل َع ُدو َل ُه‪ِ ،‬ق َيل‪َ :‬و َك ْي َف َذ ِل َك؟ َق َال َي ْع ِصي ه َ‬
‫َّللا َو َي ْش َم ُت ِب ِه ِفي ال ِق َي َام ِة ُك ُّل َع ُد ٍو‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نعم نعم هذا االثر يعني يتعجب يحي ى بن معاذ الرازي ممن يقول في دعائه" اللهم ال ْ‬
‫تشمت بي االعداء" ثم‬
‫يشمت بنفسه االعداء ‪ :‬بان يرتكب المعاصي والذنوب ثم تكون شماتة عليه يوم القيامة تكون شماتة‬ ‫هو ْ‬
‫عليه يوم القيامة‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َو َق َال ُذو ُّالن َ ْ َ َ ه َ‬
‫َّللا ِس ْت َر ُه ِفي ال َعَّل ِن َي ِة‪.‬‬
‫السر َه َت َك ه ُ‬
‫ون‪ :‬من خان َّللا ِفي ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آ ْ‬
‫[ َف ْص ٌل ِم ْن ا َث ِار ال َم َع ِاصي]‬
‫الد ْن َيا َو ْ آاْل ِخ َر ِة َما َْل َي ْع َل ُم ُه ا هْل ه ُ‬
‫َّللا‪.‬‬ ‫يحة ْال َم ْذ ُم َومة‪ْ ،‬ال ُم ِض هر ِة ب ْال َق ْلب َو ْال َب َدن في ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِل ْل َم َع ِاصي ِم َن ْ آاْل َثار ْال َقب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ ْ َ ه ْ ْ َ ُ ٌر َ ْ ُ ُ ه ُ ْ ْ‬
‫َّللا ِفي ال َقل ِب‪َ ،‬وال َم ْع ِص َي ُة ُتط ِف ُئ َذ ِل َك ُّالنو َر‪.‬‬ ‫ف ِمنها‪ِ :‬حرمان ال ِعل ِم‪ ،‬ف ِان ال ِعلم نو يق ِذفه‬

‫نعم‪ .‬هذا فصل ننتبه له فصل عظيم جدا نحن من اول ما نقرا في الك تاب‪ ,‬واإلمام ابن القيم‪ -‬رحمه هللا‬
‫تعالى‪ -‬يحدثنا عن عواقب الذنوب واخطار الذنوب ومضار الذنوب ‪,‬وساق احاديث تلو االحاديث حتى ظننا‬
‫ان االمر قد تم في البيان في إيضاح عواقب الذنوب واضرارها‪ ,‬وإذا بإبن القيم وهذا من نصحه العظيم رحمة‬
‫المضرة بالقلب والبدن‬ ‫هللا عليه يعقد هذا الفصل العظيم يقول‪ :‬وللمعاصي من آاْلثار القبيحة المذمومة ُ‬
‫آ‬
‫في الدنيا واْلخرة ما ْل يعلمه اْل هللا ثم يمشي عشرات الصفحات ونحن قبل قليل كنا نظن ان الموضوع‬
‫استوفي في ذكر عواقب الذنوب الن كل الذي تقدم هو عواقب للذنوب واضرار لها في الدنيا واالخرة ‪,‬وهذا‬
‫الفصل الذي نحن االن بدانا في قراءته من نفائس هذا الك تاب فصل عظيم جدا ‪,‬وحقيقة كل مسلم يحتاج‬
‫ان يقرا هذا الفصل‪ -‬فصل عظيم ومهم‪ -‬وانا انصح الدعاة والخطبة والوعاظ ان يجعلوا هذا موضوعا لوعظ‬
‫الناس في خطبهم ووعظهم يجعلوا ذلك من موضوعاتهم المهمة في الخ َطب ووعظ الناس وتحدثا بنعمة هللا‬
‫سبحانه وتعالى ربما اول او ثاني خطبة او ثالث خطبة ‪-‬يعني ال تزيد عن ذلك‪ -‬من خطبة كانت من هذا‬
‫الموضع نقلت كالم ابن القيم كما هو‪ .‬ومجرد وضعت معه الحمد والثناء ومخاطبة عباد هللا والباقي كله‬
‫نقلته من اإلمام ابن القيم في هذا الموضع وفعال كالم عظيم جدا الناس يحتاجون إليه ‪,‬الناس يحتاجون‬
‫حاجة شديدة إلى هذا الكالم اسمعوا ماذا يقول ابن الوزير في ك تابه"العواصم والقواصم"عن هذا الفصل‬
‫يقول‪ :‬ومن احسن من جمع في ذلك ابن القيم ‪ -‬يعني من جمع في اثار الذنوب وعواقبها‪" -‬ومن احسن‬
‫من جمع في ذلك ابن القيم في ك تابه الجواب الكافي‪ ,‬فقد جود في الزجر عن المعاصي ‪,‬واجاد وابدع‪,‬‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫سبق الى مثله " وفعال الذي يقف على كالم ابن القيم يجد ان ابن القيم فعال‬‫وافاد‪ ,‬وامتع‪ ,‬وجاء بما لم ُي َ‬
‫اجاد ّ‬
‫ونوع في االضرار ورتب واحسن في اإليراد واالستشهاد واالستدالل‪ -‬نعم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ ْ َ ه ْ ْ َ ُ ٌر َ ْ ُ ُ ه ُ ْ ْ‬
‫َّللا ِفي ال َقل ِب‪َ ،‬وال َم ْع ِص َي ُة ُتط ِف ُئ َذ ِل َك ُّالنو َر‪.‬‬ ‫ف ِمنها‪ِ :‬حرمان ال ِعل ِم‪ ،‬ف ِان ال ِعلم نو يق ِذفه‬
‫ْ‬ ‫َو َل هما َج َل َس ْاْل َم ُام ه‬
‫الش ِاف ِع ُّي َب ْي َن َي َد ْي َما ِل ٍك َو َق َ َرا َع َل ْي ِه َا ْع َج َب ُه َما َ َراى ِم ْن ُو ُفو ِر ِفط َن ِت ِه‪َ ،‬و َت َو ُّق ِد َذ َكا ِئ ِه‪،‬‬
‫َ َى ه َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ً َ َ ُ ْ ْ ُ ُ ْ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫َو َك َم ِال َف ْه ِم ِه‪ ،‬فقال‪ِ :‬ا ِني ار َّللا قد القى على قل ِبك نورا‪ ،‬فَّل تط ِفئه ِبظلم ِة المع ِصي ِة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َق َال ه‬
‫الش ِاف ِع ُّي َر ِح َم ُه ه ُ‬
‫َّللا‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َش َك ْو ُت ِالى َو ِك ٍيع ُس َوء ِح ْف ِظي ‪َ ...‬ف َا ْر َش َد ِني ِالى َت ْر ِك ال َم َع ِاصي‬
‫ََ َ َْْ َه ْ َْ َ ٌْ ََ ُْ ه َ‬
‫َّللا ْل ُي ْؤ َت ُاه َع ِاصي‬ ‫وقال اعلم ِبان ال ِعلم فضل ‪ ...‬وفضل ِ‬

‫هذا االمر االول من العواقب القبيحة المذمومة المترتبة على المعاصي والذنوب‪-:‬‬
‫حرمان العلم ‪ :‬فحرمان العلم اي ابتداءا الذنوب تحول بين اإلنسان وبين طلب العلم‪ ,‬وكم من اناس حال‬
‫بينهم وبين طلب العلم الذنوب‪ .‬حرمتهم ذنوبهم من العلم‪ ,‬وكلما تحرك فيهم إقبال إلى العلم حرمتهم‬
‫الذنوب منه وحالت بينهم وبينه‪ ,‬هذا من جهة‪,‬من جهة اخرى ان المشتغل في العلم إذا وقع في الذنوب‬
‫كانت هذه الذنوب سببا ايضا لحرمانه هو للعلم ‪,‬فربما فقد حسن الفهم الذي كان عنده ‪ ,‬ربما فقد قوة‬
‫الحافظة التي كانت عنده‪ ,‬وربما ذهب عنه شيئ عظيما حصله في وقت طويل من عمره‪ ,‬فتكون الذنوب‬
‫نت‬‫سببا للحرمان من العلم‪ ,‬وذلك مثل ما مر معنا ان العلم نور‪َ "-‬و َك َذل َك أا ْو َح ْي َنا إ َل ْي َك روحا ّم ْن أا ْمرَنا ۚ َما ك َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫َت ْدري َما الك َتاب َوال اإل َيمان َولكن َج َعل َناه نورا َّن ْهدي به َمن َّن َشاء م ْن ع َباد َنا "‪ ,‬العلم نور‪َ ",‬و َم ْن َك َان َم ْيتا‬
‫الظل َمات"‪ ,‬العلم نور‪ -‬نور وضياء لصاحبه‪-‬‬ ‫َف أا ْح َي ْي َناه َو َج َع ْل َنا َله نورا َي ْمشي به في َّالناس َك َم ْن َم َثله في ُّ‬
‫والمعصية ظلمة‪ ,‬وظلمة المعصية تطفئ نور العلم ‪ ,‬فقال رحمه هللا ‪ :‬منها حرمان العلم فان العلم نور‬
‫توقد قلبه واضاء واشرق بنور‬ ‫يقذفه هللا في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور ‪:‬ولهذا ال يليق بالعبد الذي ّ‬
‫العلم ان يذهب إلى المعاصي يطفئ بها نور العلم الذي اضيء قلبه به‪ .‬قال‪َ :‬ج َل َس ْاْل َم ُام ه‬
‫الش ِاف ِع ُّي َب ْي َن‬ ‫ِ‬
‫َي َد ْي َما ِل ٍك َو َق َ َرا َع َل ْي ِه َا ْع َج َب ُه َما َرَاى ِم ْن ُو ُفور ِف ْط َن ِت ِه‪َ ،‬و َت َو ُّق ِد َذ َكا ِئ ِه‪َ ،‬و َك َمال َف ْه ِم ِه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ِني َا َرى ه َ‬
‫َّللا َقدْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ََْ َ َ ْ ُ َ َ ُ ْ ْ ُ ْ ْ ِ‬
‫القى َعلى قل ِب َك نو ًرا‪ ،‬فَّل تط ِفئ ُه ِبظل َم ِة ال َم ْع ِصي ِة‪.‬‬
‫َ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫قال رحمه هللا‪َ :‬وم ْن َها‪ :‬ح ْر َم ُان الر ْزق‪َ ،‬وفي ْال ُم ْس َند‪« :‬ا هن ْال َع ْب َد َل ُي ْح َر ُم الر ْز َق ب ه‬
‫الذ ْن ِب ُي ِص ُيب ُه» َو َق ْد َت َق هد َم‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َّللا ِب ِم ْث ِل َت ْر ِك‬
‫َّللا َم ْجل َبة ِل ِلرز ِق ف َت ْر ُك هالتق َوى َم ْجل َبة ِلل َفق ِر‪ ،‬ف َما ْاس ُت ْج ِل َب ِرز ُق ه ِ‬ ‫َو َك َما ا هن َتق َوى ه ِ‬
‫ْ‬
‫ال َم َع ِاصي‪.‬‬

‫منها ‪-‬اي من عواقب الذنوب‪ -‬حرمان الرزق ‪ :‬وايضا ذهاب البركة التي فيه يحرم الرزق وما كان عنده من‬
‫رزق ال يبارك له فيه‪ ,‬يحرم من البركة‪ ,‬قال َوفي ْال ُم ْس َند‪« :‬ا هن ْال َع ْب َد َل ُي ْح َر ُم الر ْز َق ب ه‬
‫الذ ْن ِب ُي ِص ُيب ُه» َو َق ْد‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللا مجلبة ِل ِلرز ِق‪ ,‬وهذا دل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َت َق هد َم‪ ،‬معنا واستشهد على ذلك بهذا الحديث وايضا بقوله ‪ :‬وكما ان تقوى ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ّللا َي ْج َع ْل له َم ْخ َرجا (‪َ )2‬و َي ْرز ْقه م ْن‬ ‫عليه االية في سورة الطالق‪ -‬قول هللا سبحانه وتعالى‪َ " :-‬و َم ْن َي َّتق َّ َ‬
‫َ‬
‫َح ْيث ال َي ْح َتسب" (ويرزقه من حيث ال يحتسب) فتقوى هللا سبحانه وتعالى" مجلبة للرزق"‪ -‬إذا ي َفهم من‬
‫ذلك ان ترك التقوى مجلبة لماذا؟‪ -‬للفقر ‪,‬إذا كانت التقوى مجلبة للرزق‪ ,‬فترك التقوى مجلبة للفقر‪َ ,‬ف َما‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّللا ِب ِم ْث ِل َت ْر ِك ال َم َع ِاصي – نعم‪.‬‬
‫ْاس ُت ْج ِل َب ِرز ُق ه ِ‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََْ ُ ََْ َ ه َ‬ ‫ْ‬


‫َّللا ْل ُت َو ِازُن َها َوْل ُت َق ِارُن َها ل هذ ٌة َا ْصَّل‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و ِم ْن َها‪َ :‬و ْح َشة َي ِج ُد َها ال َع ِاصي ِفي قل ِب ِه بينه وبين ِ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َو َلو ْاج َت َم َع ْت َل ُه َل هذ ُات ُّ‬
‫الد ْن َيا ِب َا ْس ِر َها ل ْم َت ِف ِب ِتل َك ال َو ْح َش ِة‪َ ،‬و َه َذا َا ْم ٌر ْل َي ِح ُّس ِب ِه ِاْل َم ْن ِفي َقل ِب ِه َح َي ٌاة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وب ا هْل َح َذ ًرا ِم ْن ُو ُقوع ِت ْل َك ْال َو ْح َش ِة‪َ ،‬ل َك َان ْال َع ِاق ُل َحرياًّ‬ ‫َو َما ل ُج ْر ب َميت ا َيَّل ٌم‪َ ،‬ف َل ْو َل ْم ُت ْت َرك ُّ‬
‫الذ ُن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍح ِ ِ ٍ ِ‬
‫ِب َت ْر ِك َها‪.‬‬
‫َ‬
‫ين َو ْح َش ًة َي ِج ُد َها ِفي َن ْف ِس ِه َف َق َال ل ُه‪:‬‬ ‫َو َش َكا َر ُج ٌل ا َلى َب ْعض ْال َعار ِف َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬ ‫ن‬ ‫وب ‪َ ...‬ف َد ْع َها ا َذا ش ْئ َت َو ْاس َت ْ‬
‫ا‬ ‫ا َذا ُك ْن َت َق ْد َا ْو َح َش ْت َك ُّ‬
‫الذ ُن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ ْ َ ْ َ ه ْ َ َ ه ْ َ ه ُ ْ‬
‫اَّلل ال ُم ْس َت َع ُان‪.‬‬ ‫وليس على القل ِب امر ِمن وحش ِة الذن ِب على الذن ِب‪ ،‬ف‬
‫َ‬ ‫َْ ََْ ُ ََْ َ ه َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫َّللا ْل ُت َو ِازُن َها َوْل ُت َق ِارُن َها‬
‫قال ومنها اي‪ -‬من عواقب الذنوب‪َ -‬و ْح َشة َي ِج ُد َها ال َع ِاصي ِفي قل ِب ِه بينه وبين ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ل هذ ٌة َا ْصَّل‪ -‬مهما كانت اللذة‪ -‬والعاصي إذا كان يجد في المعاصي التي يغشاها لذة او متعة فهي لذة فانية‬
‫في وقتها‪ ,‬لكن من عواقب هذه اللذة المحرمة المسخطة هلل سبحانه وتعالى انها توجد في قلب العاصي‬
‫وحشة بينه وبين هللا ‪ ,‬إن قارنها باللذة التي يحصلها في معصية لم تقارن ولو مثل ما قال ابن القيم ‪:‬لو‬
‫اجتمعت له لذات الدنيا باسرها‪ ,‬ا ّي خير بلذات الدنيا إذا كانت تفقد العبد او تجلب للعبد وحشة بينه‬
‫وبين هللا سبحانه وتعالى يصبح القلب مستوحش بينه وبين هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬وحشة بخالف المؤمن‬
‫قلبه مقبل على هللا وهذا قلبه مستوحش‪ ,‬قلبه مقبل على هللا مستانس بطاعة هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬وهذا‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫مستوحش من اثار الذنوب لكن العاصي الذي تراكمت عليه الذنوب ال يحس مثل الميت الذي في طرف‬
‫حذرا من‬‫بدنه جرح هل يحس بالم؟! فهو ايضا ال يحس وما لجرح بميت ايَّلم ‪ ,‬فلو لم تترك الذنوب إال َ‬
‫وقوع تلك الوحشة لكان حريا بتركها ‪,‬قال‪ :‬شكى احدهم الى بعض العارفين هذه الوحشة فقال له‪ :‬اذا‬
‫كنت قد اوحشتك الذنوب فدعها اذا شئت واستانس‪ -‬ادخل في االنس‪ -‬االنس بطاعة هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬دعك من الذنوب التي ال خير فيها وال طائل من ورائها‪ ,‬وادخل في االنس الحقيقي واللذة‬
‫الحقيقية التي هي إنما تكون بطاعة هللا سبحانه وتعالى‪ .‬نعم‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ ْ َ ُ ه َ ْ ُ ُ َ ُ ََْ ُ ََْ َ ه‬


‫اس‪َ ،‬وْل ِس هي َما َا ْه ُل ال َخ ْي ِر ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬ف ِا هن ُه َي ِج ُد‬ ‫قال رحمه هللا ‪ :‬و ِمنها‪ :‬الوحشة ال ِتي تح ْصل له بينه وبين الن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو ْح َش ًة َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه ْم‪َ ،‬و ُك هل َما َق ِو َي ْت ِتل َك ال َو ْح َش ُة َب ُع َد ِم ْن ُه ْم َو ِم ْن ُم َجال َس ِت ِه ْم‪َ ،‬و ُح ِر َم َب َر َك َة ِاْل ْن ِت َف ِاع ِب ِه ْم‪،‬‬
‫ْ‬
‫الش ْي َط ِان‪ِ ،‬ب َق ْد ِر َما َب ُع َد ِم ْن ِح ْز ِب هالر ْح َم ِن‪َ ،‬و َت ْق َوى َه ِذ ِه ال َو ْح َش ُة َح هتى َت ْس َت ْح ِك َم‪َ ،‬ف َت َق َع‬ ‫َو َق ُر َب م ْن ِح ْزب ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ْام َ َرا ِت ِه َو َول ِد ِه َو َا َق ِارِب ِه‪َ ،‬و َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َن ْف ِس ِه‪َ ،‬ف َت َر ُاه ُم ْس َت ْو ِح ًشا ِم ْن َن ْف ِس ِه‪.‬‬
‫َّللا َف َا َرى َذ ِل َك ِفي ُخ ُل ِق َد هاب ِتي‪َ ،‬و ْام َ َرا ِتي‪.‬‬ ‫الس َل ِف‪ :‬ا ِني َ َْل ْع ِصي ه َ‬ ‫ض ه‬ ‫َو َق َال َب ْع ُ‬
‫ِ‬
‫ثم ذكر رحمه هللا نوع اخر من الوحشة يجدها العاصي اْلولى‪ :‬وحشة بينه وبين هللا ‪,‬والثانية ‪:‬وحشة بينه‬
‫وبين الناس وال سيما اهل الخير وهذه المعتبرة اما العصاة فهو وإياهم على شاكلة واحدة والطيور على‬
‫اشباهها تقع‪ ,‬لكن المعتبر الوحشة التي تقع بينه وبين اهل الخير وكلما جاء إلى مجلس فيه صلحاء واهل‬
‫الخير استوحش من المجلس وربما لم تحب نفسه اصال الدخول فيه وال تقبل عليه فهذه وحشة سببها‬
‫المعاصي‪ ,‬والذنوب فإنه يجد بينه وبين اهل الخير وحشة وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم‪ ,‬ماذا يترتب‬
‫على بعده من اهل الخير؟‪ -‬إذا بعد من اهل الخير اصبح نهبة الهل الشر واهل الفساد ‪,‬وإذا بعد عنهم حرم‬
‫بركة االنتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقرب بعده من حزب الرحمن وهذه الوحشة التي تكون بين‬
‫اعبد واهل الخير اهل الفضل واهل الصالح تفضي به إلى ان تصله بحزب الشيطان ويكون منهم‪ ,‬ويصبح‬
‫من جنود الشيطان ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬ولهذا من االضرار العظيمة للذنوب انها توجد في قلب العاصي هذا‬
‫الوحشة ولهذا ال يرغب في مجالس الخير‪ ,‬مجالس التعليم‪ ,‬مجالس للتذكير‪ ,‬مجالس الوعظ ‪,‬ما يرغب في‬
‫شيء منها وال تالفه نفسه‪ ,‬حتى إذا كان يستمع إلى المذياع إذا ّدور المذياع فجاءت موعظة او ذكرى‬
‫استوحشت نفسه ما تقبل وإذا جاء اللهو والباطل والحرام اقبلت نفسه على ذلك هذا كله من االضرار التي‬
‫تجرها المعاصي والذنوب على العبد ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫ه‬ ‫َ‬
‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و ِم ْن َها‪َ :‬ت ْع ِس ُير ُا ُمو ِر ِه َع َل ْي ِه‪َ ،‬فَّل َي َت َو هج ُه ِ َْل ْم ٍر ِاْل َي ِج ُد ُه ُم ْغ َل ًقا ُد َون ُه َا ْو ُم َت َع ِس ًرا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َه َذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّللا َج َع َل ل ُه ِم ْن َا ْم ِر ِه ُي ْس ًرا‪َ ،‬ف َم ْن َع هط َل هالت ْق َوى َج َع َل ل ُه ِم ْن َا ْم ِر ِه ُع ْس ًرا‪َ ،‬و َيا َ ه َِّلل‬ ‫َك َما َا هن َم ْن َت َل هقى ه َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ ُ َْ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َْ َ َ ْ‬
‫اب ال َخ ْي ِر َوال َم َصا ِل ِح َم ْس ُد َود ًة َع ْن ُه َو ُط ُر َق َها ُم َع هس َر ًة َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُه َو ْل َي ْع َل ُم ِم ْن‬ ‫العجب! كيف ي ِجد العبد ابو‬
‫َا ْي َن ُا ِت َي؟‬

‫هذا ايضا ‪-‬من عواقب الذنوب‪ -‬تعسر اْلمور ‪:‬كلما دخل في باب من االبواب وجده مغلق‪ ,‬ويجد اموره‬
‫متعسرة ‪,‬وماعلم ان هذا التعسر من عواقب ذنوبه ‪ ,‬واثامه وخطاياه ‪,‬وانظر إلى استدالل ابن القيم على‬
‫َ‬
‫ّللا َي ْج َع ْل له م ْن أا ْمره ي ْسرا "هذا نظير استدالله المتقدم على ان‬ ‫هذا المعنى بقوله جل وعال‪َ ":‬و َم ْن َي َّتق َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا َي ْج َع ْل له َم ْخ َرجا (‪َ )2‬و َي ْرز ْقه م ْن َح ْيث ال‬
‫المعاصي مجلبة للفقر‪ ,‬استدل على ذلك بماذا؟ " َو َم ْن َي َّتق َّ َ‬
‫َي ْح َتسب") فاستدل بها على هذا المعنى قال‪ :‬إذا كانت التقوى مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر‬
‫وإذا كانت التقوى مجلبة للتيسير فتركها مجلبة للتعسير إذا كانت التقوى مجلة للتيسير" َو َم ْن َي َّتق َّ َ‬
‫ّللا‬
‫َ‬
‫َي ْج َع ْل له م ْن أا ْمره ي ْسرا " وااليتان كالهما في سورة الطالق‪ -‬فكذلك ترك التقوى مجلبة للتعسير‪ -‬نعم‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫َو ِم ْن َها‪ُ :‬ظل َم ٌة َي ِج ُد َها ِفي َقل ِب ِه َح ِق َيق ًة َي ِح ُّس ِب َها َك َما َي ِح ُّس ِب ُظل َم ِة هالل ْي ِل ال َب ِه ِيم ِا َذا ْادل َه هم‪َ ،‬ف َت ِص ُير ُظل َم ُة‬
‫ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الظ ْل َمة ْالحس هية ل َب َصره‪َ ،‬فا هن ه‬ ‫ْال َم ْعص َية ل َق ْلبه َك ُّ‬
‫الظل َم ُة‬ ‫الط َاع َة ُنو ٌر‪َ ،‬وال َم ْع ِص َي َة ُظل َم ٌة‪َ ،‬و ُك هل َما َق ِو َي ِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ َُ ُ َ ه ََ َ ْ َ َ ه َ َ‬
‫الضَّل ْل ِت َو ُاْل ُمو ِر ال ُم ْه ِل َك ِة َو ُه َو ْل َي ْش ُع ُر‪َ ،‬ك َا ْع َمى ُا ْخ ِر َج ِفي ُظل َم ِة‬ ‫ازدادت حيرته‪ ،‬حتى يقع ِفي ال ِبد ِع و‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ْ‬
‫الظل َم ُة َح هتى َتظ َه َر ِفي ال َع ْي ِن‪ُ ،‬ث هم َت ْق َوى َح هتى َت ْع ُل َو ال َو ْج َه‪َ ،‬و َت ِص ُير‬ ‫هالل ْي ِل َي ْم ِشي َو ْح َد ُه‪َ ،‬و َت ْق َوى َه ِذ ِه‬
‫ْ‬
‫َس َو ًادا ِفي ال َو ْج ِه َح هتى َي َر ُاه ُك ُّل َا َح ٍد‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اس‪ِ :‬ا هن ِلل َح َس َن ِة ِض َي ًاء ِفي ال َو ْج ِه‪َ ،‬و ُنو ًرا ِفي ال َقل ِب‪َ ،‬و َس َع ًة ِفي ا ِلر ْز ِق‪َ ،‬و ُق هو ًة ِفي‬ ‫ٍ‬
‫َ َ‬
‫قال َع ْب ُد ه ِ‬
‫َّللا ْب ُن َع هب‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وب ْال َخ ْل ِق‪َ ،‬وا هن ِل ه‬ ‫ْال َب َدن‪َ ،‬و َم َح هب ًة في ُق ُ‬
‫لس ِي َئ ِة َس َو ًادا ِفي ال َو ْج ِه‪َ ،‬و ُظل َم ًة ِفي ال َق ْب ِر َوال َقل ِب‪َ ،‬و َو ْه ًنا ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫ْزق َ ُ ْ َ ً ِ ُ ُ ْ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫وب الخل ِق"‬ ‫الر ِ ‪ ،‬وبغضة ِفي قل ِ‬ ‫البد ِن‪ ،‬ونقصا ِفي ِ‬
‫نعم ‪-‬لعل هذه تؤجل‪.‬‬
‫نسال هللا الكريم رب العرش العظيم باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان ينفعنا اجمعين بما علمنا وان‬
‫يزيدنا علما وتوفيقا وان يصلح لنا شاننا كله وان ال يكلنا إلى انفسنا طرفة عين ‪،‬اللهم ات نفوسنا تقواها زكها‬
‫انت خير من ّزكاها انت وليها وموالها ‪،‬اللهم إنا نسال الهدى والتقى والعفة والغنى ‪،‬اللهم اغفر لنا ولوالدينا‬
‫وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات االحياء منهم واالموات ‪،‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما‬
‫يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس عشر‬

‫اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثارنا على من ظلمنا وانصرنا على‬
‫من عادانا وال تجعل مصيبتنا في ديننا وال تجعل الدنيا اكبر همنا وال مبلغ علمنا وال تسلط علينا من ال‬
‫يرحمنا ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت استغفرك واتوب إليك‬
‫اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ﷺ‬
‫وعلى اله واصحابه واجمعين اما بعد فنسال هللا الكريم رب العرش العظيم باسمائه الحسنى وصفاته‬
‫العليا ان يبارك لنا اجمعين في شهرنا المبارك العظيم‪ ,‬وان يهله علينا وعلى امة اإلسالم باالمن واإليمان‬
‫والسالمة واإلسالم ‪,‬وان يجعله عزا المة محمد ﷺ ‪ ,‬وان يغنمنا اجمعين خيرات هذا الشهر وبركاته‬
‫العظيمة‪ ,‬وان يعيننا فيه وفي كل وقت حين على ذكره وشكره وحسن عبادته‪ ,‬ونساله جل في عاله ان‬
‫يوفقنا لعمارة اوقات هذا الشهر العظيم لياليه وايامه بطاعته وحسن التقرب إليه‪ ,‬وان يجعلنا ممن يحسن‬
‫صيامه إيمانا واحتسابا وقيامه إيمانا واحتسابا‪ ,‬وان يبلغنا ليلة القدر‪ ,‬وان يغنمنا ما فيها من عظيم الثواب‬
‫واالجر بمنه وكرمه سبحانه وتعالى وقد قال نبينا ﷺ كما في الترمذي وغيره‪ ":‬إذإ كان إول ليلة من‬
‫شهر رمضان صفدت إلشياطين ومردة إلجن وغلقت إبوإب إلنار فلم يفتح منها باب وفتحت إبوإب‬
‫إلجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد كل ليلة يا باغي إلخير إقبل ويا باغي إلشر إقصر وهلل عتقاء من‬
‫إلنار وذلك كل ليلة"‪ ,‬إنه يا معاشر العباد شهر عظيم وموسم عظيم ووقت مبارك وهو خير الشهور‪,‬‬
‫واحبها إلى هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬فليحمد هللا العبد المؤمن ان بلغه رمضان وهو في صحة وعافية وامن‬
‫وإيمان وليسال ربه جل وعال ان يعينه فيه على الطاعة والعبادة وحسن العمل ‪,‬فنسال هللا لنا اجمعين‬
‫التوفيق والسداد والهداية والرشاد والمعونة على كل خير‪ ,‬إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء‪ ,‬وهو اهل الرجاء‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫إلحمد هلل رب إلعالمين وإلصالة وإلسالم على عبد هللا ورسوله نبينا محمد وعلى إله وصحبه إجمعين‬
‫إما بعد ‪ ،‬فيقول إلمام إلعالمة إبو عبد هللا إبن إلقيم رحمه هللا تعالى وغفر له وللشارح وإلسامعين‬
‫ّ‬
‫إلمضرة بالقلب‬ ‫وجميع إلمسلمين في ك تابه إلدإء وإلدوإء في فصل إثار إلمعاصي إلقبيحة إلمذمومة‬
‫وإلبدن في إلدنيا وإلخرة قال رحمه هللا ‪:‬‬
‫ْ‬
‫تابع فصل [ َف ْصل ِم ْن إ َث ِار إل َم َع ِاصي]‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو ِم ْن َها‪ :‬ظل َمة َي ِجد َها ِفي َقل ِب ِه َح ِق َيق ًة َي ِح ُّس ِب َها َك َما َي ِح ُّس ِبظل َم ِة َّإلل ْي ِل إل َب ِه ِيم ِإ َذإ ْإدل َه َّم‪َ ،‬ف َت ِصير ظل َمة‬
‫ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫الظ ْل َمة ْإلح ّس َّية ل َب َصره‪َ ،‬فا َّن َّ‬ ‫ْإل َم ْعص َية ل َق ْلبه َك ُّ‬
‫إلظل َمة‬ ‫إلط َاع َة نور‪َ ،‬وإل َم ْع ِص َي َة ظل َمة‪َ ،‬وك َّل َما َق ِو َي ِت‬ ‫ِ َ َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْإز َد َإد ْت َح ْي َرته‪َ ،‬ح َّتى َيق َع في إلب َدع َو َّ‬
‫إلضال ل ِت َوإلمو ِر إلم ْه ِلك ِة َوه َو ل َي ْشعر‪ ،‬كا ْع َمى خ ِر َج ِفي ظلم ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫َّإلل ْي ِل َي ْم ِشي َو ْح َده‪َ ،‬و َت ْق َوى َه ِذ ِه إلظل َمة َح َّتى َتظ َه َر ِفي إل َع ْي ِن‪ ،‬ث َّم َت ْق َوى َح َّتى َت ْعل َو إل َو ْج َه‪َ ،‬و َت ِصير‬
‫ْ‬
‫َس َو ًإدإ ِفي إل َو ْج ِه َح َّتى َي َرإه ك ُّل َإ َحد‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫إلر ْز ِق‪َ ،‬وق َّو ًة ِفي‬ ‫َّللا إ ْبن َع َّباس‪ :‬إ َّن ِل ْل َح َس َن ِة ِض َي ًاء ِفي ْإل َو ْج ِه‪َ ،‬ونو ًرإ ِفي ْإل َق ْل ِب‪َ ،‬و َس َع ًة ِفي ّ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال َع ْبد َّ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫لس ِيئ ِة َسوإدإ ِفي إلوج ِه‪ ،‬وظلمة ِفي إلقل ِب‪ ،‬ووهنا ِفي إلبد ِن‪،‬‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫وب إلخل ِق‪ ،‬وإن ِل َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ْإل َب َدن‪َ ،‬و َم َح َّب ً‬
‫ة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِْ َْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََْ ً‬
‫وب إلخل ِق"‬ ‫إلرز ِق‪َ ،‬وبغضة ِفي قل ِ‬ ‫ّ‬
‫ونقصا ِفي ِ‬
‫هذا من االثار التي تترتب على المعاصي والذنوب ‪,‬ان من اثارها ترتب هذه الظلمة التي تظهر على العاصي‪,‬‬
‫الن طاعة هللا سبحانه وتعالى نور وضياء‪ ,‬الصالة نور وكل طاعة يتقرب بها إلى هللا سبحانه وتعالى هي نور‬
‫لصاحبها وضياء له ‪,‬وعلى الضد من ذلك عصيان هللا سبحانه وتعالى هذا ظلمة ‪,‬فكما ان طاعة هللا نور‬
‫فإن معصيته ظلمة‪ ,‬وهذه الظلمة تغشى العاصي ‪ ,‬ويظلم حتى إن هذه الظلمة لتكسو وجهه‪ ,‬فيظلم وجهه‬
‫بسبب المعاصي والذنوب التي يقترفها ‪,‬وهذه الظلمة التي تكون على وجهه هي من ظلمة قلبه‪ ,‬الن القلب‬
‫يظلم بالمعاصي وقد مر معنا في حديث نبينا عليه الصالة والسالم إذا اذنب العبد نكت في قلبه نك تة‬
‫سوداء وإذا زاد زادت اي الن َكت السوداء على قلبه حتى تكسو قلبه وتغطيه فإذا غطت هذه النقط السوداء‬
‫قلبه كان القلب مظلما وظلمته سببها المعاصي ثم تترحل هذه الظلمة وتنتقل إلى ان تصل إلى وجهه‬
‫فيكون مظلما بسبب المعاصي‪ ,‬فهي ظلمة للقلب وظلمة للوجه وظلمة في الطريق‪ ,‬فهو يسير بال هداية‪,‬‬
‫ويتحرك بال بصيرة‪َ " ,‬فا َّن َها َل َت ْع َمى ْ َإل ْب َصار َو ََٰل ِكن َت ْع َمى ْإلقلوب َّإل ِتي ِفي ُّ‬
‫إلصدو ِر ‪" .‬قال رحمه هللا تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فتصير ظلمة إلمعصية لقلبه كالظلمة إلحسية لبصره ‪ :‬ارايتم الشخص الذي يبصر عندما يطفئ المصباح‬
‫في الليل المظلم؟ كيف انه ال يهتدي طريقه؟ فمثله من اظلم قلبه بالمعاصي فإنه يسير في االرض حيران‬
‫ال يهتدي إلى سبيل وال يهتدي إلى طريق وإنما تستدرجه الشياطين واهواء النفس المظلمة إلى انواع من‬
‫الهلكة يسير إليها في خطوات تلو خطوات يدعوه إليها الشيطان‪-‬والعياذ باهلل ‪-‬فالحاصل من اضرار‬
‫المعاصي وعواقبها الوخيمة انها‪ :‬تسبب ظلمة يجدها العاصي في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل‬
‫البهيم‪ .‬اورد رحمه هللا اثرا عظيم النفع عن ابن عباس رضي هللا عنهما في عوإقب إلحسنات وعوإقب‬
‫إلسيائت‪ ,‬واثار الحسنات واثار السيائت قال رضي هللا عنه‪ :‬إن للحسنة ضياءإ في إلوجه ونورإ في إلقلب‬
‫سوإدإ في إلوجه ‪-‬وهذا هو موضع‬ ‫وسعة في إلرزق وقوة في إلبدن ومحبة في قلوب إلخلق وإن للسيئة ً‬
‫سوإدإ في إلوجه وظلمة في إلقلب ووهنا في إلبدن ونقصا في إلرزق وبغضة‬ ‫الشاهد هنا‪ -‬وإن للسيئة ً‬
‫في قلوب إلخلق‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ ْ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ْ‬
‫وهن إل َقل َب َوإل َب َد َن‪-:‬‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫اص‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫إل‬ ‫قال رحمه هللا‪ :‬و ِمنها إن‬
‫ْ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َْْ ََ َ‬
‫وهنه َح َّتى ت ِز َيل َح َي َاته ِبالك ِّل َّي ِة‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ -‬إ َّما َو ْهن َها ِللقل ِب فا ْمر ظ ِاهر‪َ ،‬بل ل تزإل ت ِ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫‪َ -‬و َإ َّما َو ْهن َها ِلل َب َد ِن َف ِا َّن إلم ْؤ ِم َن ق َّوته ِم ْن َقل ِب ِه‪َ ،‬وك َّل َما َق ِو َي َقلبه َق ِو َي َب َدنه‪َ ،‬و َإ َّما إل َف ِاجر َف ِا َّنه ‪َ -‬و ِإ ْن َك َان‬
‫َ‬
‫اج ِة‪َ ،‬ف َتخونه ق َّوته َإ ْح َو ِج َما َيكون ِإلى َن ْف ِس ِه ‪ .‬و َت َا َّم ْل ق َّو َة َإ ْب َد ِإن‬ ‫َقو َّي ْإل َب َدن ‪َ -‬فه َو َإ ْض َعف َش ْيء ِع ْن َد ْإل َح َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف ِار َس َو ُّإلرو ِم‪ ،‬ك ْي َف خانته ْم‪ ،‬إح َو َج ما كانوإ ِإل ْي َها‪َ ،‬وق َه َره ْم إهل ِإل َيم ِان ِبق َّو ِة إبدإ ِن ِه ْم َوقلو ِب ِه ْم؟‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫هذا ايضا من اثار المعاصي انها تسبب الوهن للعاصي في قلبه وبدنه‪ ,‬تسبب إلوهن اي الضعف في قلبه‬
‫وبدنه‪ ,‬اما وهن القلب فما يقع فيه المرء من معاصي يمرض القلب الن المعصية مرض والمرض ضعف‬
‫ووهن‪ ,‬فيكون القلب بسبب المعاصي مريضا ضعيفا‪ ,‬وكلما زادت المعاصي زاد هذا الوهن والضعف في‬
‫قلبه إلى ان يصل كما قال المصنف بان‪ :‬تزيل حياته بالكلية‪ :‬يعني ال تزال به المعاصي تضعفه ‪,‬تضعفه‬
‫اي‪ :‬تضعف حياته إلى ان تذهب حياته‪ ,‬وهذا معنى ما تقدم إن المعاصي بريد الك فر ‪ :‬فالمعاصي ال تزال‬
‫تضعف القلب حتى تذهب عنه حياته‪ ,‬والمراد بالحياة حياة اإليمان التي هي الحياة الحقيقة ‪,‬وإضعافها‬
‫للبدن الن البدن تبع للقلب‪ ,‬ويوضح لنا ذلك قول نبينا عليه الصالة والسالم ‪":‬إل إن في إلجسد مضغة‬
‫إذإ صلحت صلح إلجسد كله وإذإ فسدت فسد إلجسد كله إل وهي إلقلب"‪ ,‬فالقلب في تحركاته هو تبع‬
‫للبدن فإذا كان القلب قويا كان البدن تبعا له في القوة وإذا كان ضعيفا كان البدن تبعا له في الضعف –‬
‫نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫قال رحمه هللا َوم ْن َها‪ :‬ح ْر َمان َّ‬
‫إلط َاع ِة‪َ ،‬ف َل ْو ل ْم َيك ْن ِل َّلذ ْن ِب عق َوبة ِإل َإ ْن َيص َّد َع ْن َط َاعة َتكون َب َدله‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الذ ْن ِب َط ِريق َثا ِل َثة‪ ،‬ث َّم َرإ ِب َعة‪َ ،‬و َهل َّم َج ًّرإ‪َ ،‬ف َي ْن َق ِطع َع ِنه‬
‫َو َي ْق َط َع َطر َيق َط َاعة ُإ ْخ َرى‪َ ،‬ف َي ْن َقط َع َع َل ْيه ب َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ ْ َ َ َ َ ُّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ً َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ِبالذن ِب طاعات ك ِثيرة‪ ،‬كل و ِإحدة ِمنها خير له ِمن إلدنيا وما عليها‪ ،‬وهذإ كرجل إكل إكلة إوجبت له‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِم ْر َض ًة َط ِو َيل ًة َم َن َع ْته ِم ْن ِع َّد ِة َإ َكال ِت َإط َي َب ِم ْن َها‪َ ،‬و ََّّللا إلم ْس َت َعان‪.‬‬
‫هذإ إيضا من إلثار إلتي تترتب على إلمعاصي‪ :‬ان من اثارها السيئة انها تحرم صاحبها من الطاعات ‪,‬‬
‫وليست تحرمه من طاعة واحدة ‪,‬بل تحرمه من طاعة تلو اخرى بحسب استغراقه في المعاصي‪ ,‬فإن‬
‫المعاصي إذا اخذت من وقت المرء شغلته عن الطاعة التي خلق الجلها‪ ,‬ووجد لتحقيقها ‪,‬حتى إن بعض‬
‫الناس لم تشغله المعاصي عن امور من الرغائد والمستحبات‪ ,‬بل شغلت بعض الناس المعاصي عن‬
‫الفرائض والواجبات‪ ,‬ولهذا تجد في بعض الناس من يترك فريضة هللا جل وعال يدعى إليها فيتركها‬
‫الشتغاله بمعصية‪ ,‬وهذه مصيبة عظيمة جدا! تعد من اثار المعاصي السيئة انها تحرم صاحبها من طاعة‬
‫هللا سبحانه وتعالى ‪,‬ولهذا ال يزال العاصي ينهمك في المعصية وتستهوي قلبه‪ ,‬ثم تمر عليه اوقات‬
‫الطاعات الفاضلة بل الفرائض المتحتمة ويتركها بسبب هذه المعاصي‪ ,‬إذا هذا من االثار السيئة للمعاصي ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫انها تحرمه من الطاعة بل من طاعات‪ .‬وإنظر إلى المثال العجيب الذي ضربه ابن القيم رحمه هللا تعالى‬
‫لتوضيح ذلك‪ :‬كرجل إكل إكلة إوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة إكالت طيبات ‪:‬هذا مثال يوضح‬
‫لنا حال العاصي‪,‬العاصي تقع نفسه في معصية من المعاصي تستهويه فيقع فيها‪ ,‬ثم تحرمه من طاعات‬
‫ك ثيرة هي خير من الدنيا وما فيها‪ ,‬فليتفكر المرء في هذا االمر الذي نبه عليه ابن القيم رحمه هللا‪ ,‬فإنه‬
‫سيراه واقعا في ك ثير من الناس ك ثير من الناس حرموا من طاعات ك ثيرة بسبب المعاصي التي استهوتهم‬
‫وشغلت اوقاتهم‪ -‬نعم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا َو ِم ْن َها‪َ :‬إ َّن إل َم َع ِاص َي ت َق ِ ّصر إلعم َر َو َت ْم َحق َب َر َك َته َول ب َّد‪َ ،‬ف ِا َّن إل ِب َّر َك َما َي ِزيد ِفي إلعم ِر‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َفالفجور ي َق ِ ّصر إلعم َر‪َ .‬و َق ِد ْإخ َت َل َف َّإلناس ِفي َه َذإ إل َم ْو ِض ِع‪-:‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َف َقال ْت َطا ِئ َفة‪ :‬ن ْق َصان عم ِر إل َع ِاصي ه َو َذ َهاب َب َر َك ِة عم ِر ِه َو َم ْحق َها َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َه َذإ َح ٌّق‪َ ،‬وه َو َب ْعض َت ْا ِث ِير‬
‫ْ‬
‫إل َم َع ِاصي‪.‬‬
‫إلر ْز ِق َإ ْس َب ًابا َك ِث َير ًة‬ ‫ّ‬ ‫َو َق َال ْت َطا ِئ َفة‪َ :‬ب ْل ت ْنقصه َحق َيق ًة‪َ ،‬ك َما ت ْنقص ّ ْ َ َ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫إلرزق‪ ،‬فجعل َّللا سبحانه ِللب َرك ِة ِفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت َك ِّثره َو َت ِزيده‪َ ،‬و ِلل َب َر َك ِة ِفي إلعم ِر إ ْس َب ًابا تك ِّثره َوت ِزيده‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫إلش َق َاوة‪،‬‬ ‫إلس َع َادة َو َّ‬ ‫ال ْر َزإق َو ْإل َجال‪َ ،‬و َّ‬ ‫َقالوإ ‪َ :‬و َل ي ْم َنع زَي َادة ْإلعمر ب َا ْس َباب َك َما ي ْن َقص ب َا ْس َباب‪َ ،‬ف ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫إلص َّحة َوإل َم َرض‪َ ،‬وإل ِغ َنى َوإلفقر‪َ ،‬و ِإ ْن كان ْت ِبق َض ِاء َّإلر ّ ِب َعز َو َجل‪ ،‬فه َو َيق ِضي َما َي َشاء ِبا ْس َباب َج َعل َها‬ ‫َو ِ ّ‬
‫َ‬
‫وج َب ًة ِلم َس َّب َبا ِت َها م ْق َت ِض َي ًة ل َها‪.‬‬ ‫م ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َو َقال ْت َطا ِئ َفة ُإ ْخ َرى‪َ :‬ت ْا ِثير إل َم َع ِاصي ِفي َم ْح ِق إلعم ِر ِإ َّن َما ه َو ِب َا َّن َح ِق َيق َة إل َح َي ِاة ِه َي َح َياة إل َقل ِب‪َ ،‬و ِل َه َذإ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َج َع َل ََّّللا س ْب َح َانه إل َك ِاف َر َم ِّي ًتا َغ ْي َر َح ّي‪َ ،‬ك َما َق َال َت َعالى‪َ { ،‬إ ْم َوإت َغ ْير َإ ْح َياء} [سو َرة َّإلن ْح ِل‪]21 :‬‬
‫َّ ْ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ف ِتل َك‬ ‫ات َح َيا ِت ِه ِب ِ‬ ‫َ‪.‬ف ْال َح َياة ِفي ْإل َح ِق َيق ِة َح َياة ْإل َق ْلب‪َ ،‬وعمر ْإل ْن َسان م َّدة َح َّيا ِت ِه َف َل ْي َس عمره إ َّل َإ ْو َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َّإل ِتي ِه َي َح ِق َيقة عمر ِه‪َ ،‬و َل عم َر َله ِس َوإها‪َ.‬‬ ‫إلط َاعة َتزيد في َهذه ْ َإل ْوقَ‬ ‫َس َاعات عمره‪َ ،‬ف ْالب ُّر َو َّإلت ْق َوى َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو ِب ْالج ْم َل ِة‪َ ،‬ف ْال َع ْبد إ َذإ َإ ْع َر َ‬
‫َّللا َو ْإش َت َغ َل ِبال َم َع ِاصي َض َاع ْت َع َل ْي ِه َإ َّيام َح َيا ِت ِه إل َح ِق ِيق َّية إل ِتي َي ِجد‬ ‫ض َع ِن َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِغ َّب ِإ َض َاع ِت َها َي ْو َم َيقول‪{ :‬يا ليت ِني قدمت ِلح َيا ِتي} [سورة إلفج ِر‪. ]24 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ون َله َم َع َذ ِل َك َت َط ُّلع إ َلى َم َصا ِل ِحه ُّ‬ ‫َف َال َي ْخلو إ َّما َإ ْن َيك َ‬
‫إلد ْن َي ِو َّي ِة َو ُإل ْخ َر ِو َّي ِة َإ ْو ل‪َ ،‬ف ِا ْن ل ْم َيك ْن له َت َط ُّلع ِإلى‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ َ َ َ َ ْ ِ َ َ َ ً َ ْ َ َ َ َ َ ُّ َ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫َذ ِل َك َف َق ْد ضاع علي ِه عمره كله‪ ،‬وذهبت حياته ب ِاطال‪ ،‬و ِإن كان له تطلع ِإلى ذ ِلك طالت علي ِه إلط ِريق‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِب َس َب ِب إل َع َوإ ِئ ِق‪َ ،‬و َت َع َّس َر ْت َع َل ْي ِه َإ ْس َباب إل َخ ْي ِر ِب َح ْس ِب ْإش ِت َغا ِل ِه ِب َا ْض َد ِإد َها‪َ ،‬و َذ ِل َك ن ْق َصان َح ِق ِيق ٌّي ِم ْن‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫عم ِر ِه‪َ .‬و ِس ُّر إل َم ْس َال ِة َإ َّن عم َر ِإل ْن َس ِان م َّدة َح َّيا ِت ِه َول َح َي َاة له ِإل ِب ِا ْق َبا ِل ِه َع َلى َرِّب ِه‪َ ،‬و َّإلت َن ُّع ِم ِبح ِّب ِه َو ِذ ْك ِر ِه‪،‬‬
‫َو ِإ َيث ِار َم ْر َضا ِت ِه‪.‬‬
‫ذكر رحمه هللا تعالى هذا االثر من إثار إلذنوب وعوإقبها إلوخيمة‪ :‬انها تقصر العمر وتمحق البركة فيه‪ ,‬وإذا‬
‫كانت الطاعة سببا في البركة في العمر والسعة في الرزق‪ ,‬والقوة في البدن‪ ,‬فالمعصية على الضد من ذلك ‪,‬‬
‫وتامل في توضيح هذا المعنى الذي يقرره ابن القيم رحمه هللا قول النبي عليه الصالة والسالم‪ ":‬من إحب‬
‫إن ينسا له في إثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه"‪ ,‬هذه الطاعة الحبيبة إلى هللا عز وجل صلة الرحم‬
‫سبب لطول العمر ‪ ,‬وسبب للسعة في الرزق ضدها إذا ماذا يكون إذا كانت هي سبب لطول العمر والسعة‬
‫ض‬ ‫ر‬‫في الرزق؟‪ -‬فضدها الذي هو القطيعة ماذا يكون؟ " َف َه ْل َع َس ْيت ْم إن َت َو َّل ْيت ْم َإن ت ْف ِسدوإ ِفي ْ َإل ْ‬
‫ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ََٰ َّ َ‬
‫َوت َق ِ ّطعوإ َإ ْر َح َامك ْم ( ُإول ِئ َك إل ِذ َين ل َع َنهم ََّّللا َف َا َص َّمه ْم َوإ ْع َم َٰى إ ْب َص َاره ْم" إذا كانت الطاعة تزيد العمر‬
‫وتوجب البركة فيه والسعة في الرزق والقوة في البدن‪ ,‬والرخاء في العيش‪ ,‬والحياة الطيبة الكريمة‪ ,‬فإن‬
‫المعصية على الضد من ذلك‪ ,‬انظر في هذا وهذا قول هللا سبحانه وتعالى‪َ ":‬م ْن َع ِم َل َصا ِل ًحا ِّمن َذ َكر َإ ْو‬
‫ون"‪ ,‬ضد ذلك قال‪":‬‬ ‫ُإ َنث َٰى َوه َو م ْؤ ِمن َف َلن ْحي َي َّنه َح َي ًاة َط ّي َب ًة ۖ َو َل َن ْجزَي َّنه ْم َإ ْج َرهم ب َا ْح َسن َما َكانوإ َي ْع َمل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ًَ‬
‫َّللا فاذإق َها ََّّللا‬ ‫َو َض َر َب ََّّللا َم َثال ق ْرَي ًة َك َان ْت إ ِم َن ًة مط َم ِئ َّن ًة َيا ِت َيها ِرزق َها َر َغدإ ِم ْن ك ِل َم َكان ف َك َف َر ْت ِبانع ِم َّ ِ‬
‫ون ﴾‪ ,‬المعاصي يترتب عليها محق البركة وحلول العقوبة وقصر‬ ‫اس ْإلجوع َو ْإل َخ ْو ِف ب َما َكانوإ َي ْص َنع َ‬ ‫ِل َب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمر‪ ,‬والطاعة على الضد من ذلك يترتب عليها السعة في الرزق والبركة في العمر والحياة الطيبة الكريمة‪,‬‬
‫قال ابن القيم رحمه هللا‪ :‬إختلف إلناس في هذإ إلموضع يعني ما المعنى المراد في كون الطاعة سبب‬
‫لطول العمر وكون المعصية سبب لقصر العمر؟ ما معنى ذلك؟!‬
‫فذكر إقوإل ثالثة‪-:‬‬
‫طائفة‪ :‬ذهبت إلى ان المعنى في نقصان العمر عمر العاصي هو ذهاب البركة‪ -‬بركة عمره ‪-‬ومحقها وان‬
‫عمره وإن امتد من حيث الزمان‪ -‬من حيث المدة الزمانية‪ -‬فهو عمر ال بركة فيه ‪ ,‬عمر محقت برك ته وال شك‬
‫ان كما ذكر ابن القيم رحمه هللا تعالى ان‪ :‬هذإ من إثار إلذنوب وعوإقبها محق البركة‪ -‬محق البركة في‬
‫العمر‪-‬‬
‫طائفة إخرى‪ :‬قالت ‪ :‬بل تنقص العمر حقيقة كما تنقص الرزق قال‪ :‬فجعل هللا سبحانه للبركة في إلرزق‬
‫إسبابا ك ثيرة تك ثره وتزيده ‪ ,‬ايضا بالمقابل المعصية كما هو الشان في الطاعة‪ ,‬فإذا كان للمعصية الشؤم‬
‫على العبد السباب ك ثيرة تزيد من الشؤم في حياته والوهاء والضعف والنقص إلى اخره‪ ..‬من االثار‬
‫والعواقب السيئة‪ ,‬فإن الطاعة سبب للخيرات ‪,‬فجعل هللا سبحانه وتعالى الطاعة سببا لكل خير‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫والمعصية سببا لكل بالء‪ ,‬ما نزل بالء إل بذنب ول رفع إل بتوبة فالمعاصي هي اسباب مثل ما قال هللا‪":‬‬
‫ّ‬
‫م َّما َخط َيائتهم "مثل ما قال هللا‪ ":‬كال َا َخذ َنا ب َذنبه" ‪-‬نعم‬
‫وإلقول إلخر إو إلثالث ‪ :‬ان تاثير المعصية في محق العمر إنما هو بان حقيقة الحياة حياة القلب‪ ,‬بعض‬
‫اهل العلم حمل المعنى في زيادة العمر في المطيع نقصان العمر في العاصي ان الحياة الحقيقية هي حياة‬
‫القلب‪ ,‬فالمدة التي يكون القلب فيها حيا هي عمره‪ :‬النه حينئذ مشتغل بالحياة الحقيقة التي خلق الجلها‪,‬‬
‫واوجد لتحقيقها فإذا اشتغل بالمعاصي‪ -‬والعياذ باهلل‪ -‬خرج عن هذه الحياة ‪,‬فاصبحت حياته ال قيمة لها ‪,‬‬
‫ضاعت ‪-‬لو كانت ستين سبعين ثمانين‪ ..‬إذا كانت مشغولة بالمعاصي والذنوب لم يصبح لها قيمة لماذا‬
‫؟‪-‬الن القيمة الحقيقية للحياة بحياة القلب بطاعة الرب سبحانه وتعالى ‪ -‬نعم‪ ,‬وإذا كانت حياة المرء‬
‫الحقيقية إنما هي بطاعة هللا فسبحان هللا إنتبه لهذإ المعنى هذه الحياة الحقيقية ال ينتهي اثرها بموت‬
‫العبد‪ ,‬بل بعد موته يبدا ما يسميه بعض اهل العلم بالعمر الثاني ‪ -‬حياة ثانية بعد الموت ‪ -‬ال ينتهي بموته‬
‫بل يبدا بعد موته عمر اخر‪ .‬فيكون وهو ميت في قبره ال تزال االجور تتوالى عليه في قبره‪ ,‬وهو في قبره‬
‫‪.‬وكم من اناس ماتوا من عشرات بل من مائت السنين وال يزال كل يوم يك تب لهم ماذا؟‪ -‬اجور ‪ .‬مثل ما‬
‫قال هللا سبحانه وتعالى في سورة يس" إ َّنا َنحن نحي ي ال َمو َتى َو َنك تب َما َق َّدموا َوا َث َارهم َوك َّل َشيء‬
‫اح َصي َناه في إ َمام مبين"‪ ,‬اثارهم هذه‪ :‬بعد موت اإلنسان من اثار اعماله الصالحة ‪,‬يك تب له ‪,‬لو نظرت االن‬
‫في ائمة العلم ودعاة الحق ممن ماتوا من مائت السنوات والناس ال يزالون يتفقهون على علومهم‬
‫ومؤلفاتهم وتحقيقاتهم‪ ,‬هذا كله اجور مستمرة لهؤالء‪ ,‬ولهذا كم من اناس هم في إلقبور وال تزال االجور‬
‫تتوالى عليهم كل يوم ! وكم من اناس يمشون على االرض احياء ‪ ,‬يتحركون عليها بصحة وعافية‪ ,‬ياكلون‬
‫ويشربون ويمر االيام وال تك تب لهم اجور بل تك تب اثام واوزار‪ ,‬فانظر الفرق بين الحياتين حياة هذا الذي‬
‫في قبره الذي هو العمر الثاني‪ -‬الحياة الثانية‪ -‬وبين هذه الحياة التي ‪...‬وهذا يوضح المعنى الذي ذكره ابن‬
‫القيم رحمه هللا هذا الذي يمشي على االرض بالمعاصي واالثام اي حياة هذه؟! حتى وإن كان في تمام‬
‫الصحة والرزق الطعام والقوة إلى غير ذلك؟! اي حياة هذه إذا كان يمشي على قدمين تمر االيام والليالي‬
‫والشهور ال تك تب له اجور بل يك تب عليه اوزار؟! – نعم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال رحمه هللا [ َف ْصل َت َوإلد إل َم َع ِاصي]‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو ِم ْن َها َإ َّن إل َم َع ِاص َي َت ْز َرع َإ ْم َثال َها‪َ ،‬وتو ِلد َب ْع َض َها َب ْع ًضا‪َ ،‬ح َّتى َي ِع َّز َع َلى إل َع ْب ِد م َف َار َقت َها َوإلخروج ِم ْن َها‪َ ،‬ك َما‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َّ ْ َ َّ ّ َ َّ ّ َ َ ْ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ‬
‫إب إل َح َس َن ِة إل َح َس َنة َب ْع َد َها‪َ ،‬فال َع ْبد‬
‫قال بعض إلسل ِف‪ِ :‬إن ِمن عقوب ِة إلس ِيئ ِة إلس ِيئة بعدها‪ ،‬و ِإن ِمن ثو ِ‬
‫َ َ َْ‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِإ َذإ َع ِم َل َح َس َن ًة َقال ْت ُإ ْخ َرى ِإلى َج ْن ِب َها‪ْ :‬إع َمل ِني َإ ْي ًضا‪َ ،‬ف ِا َذإ َع ِم َل َها‪َ ،‬قال ِت َّإلثا ِل َثة َك َذ ِل َك َو َهل َّم َج ًّرإ‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ََ َ َ ّ‬
‫إلرْبح‪َ ،‬و َت َز َإي َد ِت إل َح َس َنات‪.‬‬ ‫فتضاعف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫إلس ّي َائت َإ ْي ًضا‪َ ،‬ح َّتى َتص َير َّ‬
‫إلط َاعات َوإل َم َع ِاصي َه ْي َائت َر ِإس َخ ًة‪َ ،‬و ِص َفات ل ِز َم ًة‪َ ،‬و َم َل َكات‬ ‫ِ‬ ‫َو َك َذ ِل َك َك َان ِت َِّ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ‬
‫إلط َاع َة ل َض َاق ْت َع َل ْي ِه َن ْفسه‪َ ،‬و َض َاق ْت َع َل ْي ِه َإل ْرض ِب َما َرح َب ْت‪َ ،‬و َإ َح َّس ِم ْن‬ ‫َثا ِب َت ًة‪َ ،‬ف َل ْو َع َّط َل إلم ْح ِسن‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ َّ َ ْ‬
‫وت ِإ َذإ َف َار َق إل َم َاء‪َ ،‬ح َّتى ي َع ِاو َد َها‪َ ،‬ف َت ْسك َن َن ْفسه‪َ ،‬و َت َق َّر َع ْينه‪.‬‬ ‫نف ِس ِه ِبانه كالح ِ‬
‫َ‬
‫إلط َاع ِة؛ ل َض َاق ْت َع َل ْي ِه َن ْفسه َو َض َاق َص ْدره‪َ ،‬و َإ ْع َي ْت َع َل ْي ِه‬ ‫َو َل ْو َع َّط َل ْإلم ْجرم ْإل َم ْعص َي َة َو َإ ْق َب َل َع َلى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َم َذ ِإهبه‪َ ،‬ح َّتى ي َع ِاودها‪ ،‬حتى ِإ َّن ك ِث ًيرإ ِم َن إلف َّس ِاق لي َو ِإقع إل َم ْع ِص َية ِمن غ ْي ِر لذة َي ِجدها‪َ ،‬ول د ِإع َية‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِإل ْي َها‪ِ ،‬إل ِب َما َي ِجد ِم َن َإل ل ِم ِبم َف َار َق ِت َها‪.‬‬
‫ْ ْ‬
‫َك َما َص َّر َح ِب َذ ِل َك َش ْيخ إل َق ْو ِم إل َح َسن ْبن َها ِنئ َح ْيث َيقول‪:‬‬
‫َ‬
‫َو َك ْاس َش ِرْبت َع َلى ل َّذة ‪َ ...‬و ُإ ْخ َرى َت َد َإو ْيت ِم ْن َها ِب َها‬
‫َو َقال ْإ َخر‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َف َك َان ْت َد َوإ ِئي َو ْه َي َدإ ِئي ِب َع ْي ِن ِه ‪َ ...‬ك َما َي َت َد َإوى َش ِارب إل َخ ْم ِر ِبال َخ ْم ِر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إلط َاع َة َو َي ْالف َها َوي ِح ُّب َها َوي ْؤ ِثر َها َح َّتى ي ْر ِس َل ََّّللا س ْب َح َانه َو َت َعالى ِب َر ْح َم ِت ِه َع َل ْي ِه‬ ‫َو َل َي َزإل ْإل َع ْبد ي َعاني َّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫إل َمال ِئ َك َة َتؤ ُّزه ِإل ْي َها َإ ًّزإ‪َ ،‬وت َح ّ ِرضه َع َل ْي َها‪َ ،‬وت ْز ِعجه َع ْن ِف َر ِإش ِه َو َم ْج ِل ِس ِه ِإل ْي َها‪.‬‬
‫َ‬
‫ين‪َ ،‬ف َتؤ ُّزه ِإل ْي َها َإ ًّزإ‪.‬‬ ‫إلش َي ِاط َ‬ ‫َو َل َي َزإل َي ْا َلف ْإل َم َع ِاص َي َوي ِح ُّب َها َوي ْؤ ِثر َها‪َ ،‬ح َّتى ي ْر ِس َل ََّّللا إ َل ْي ِه َّ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال َّول َقو ّى َج َّن َد َّ‬ ‫َف ْ َ‬
‫إلط َاع َة ِبال َم َد ِد‪َ ،‬ف َكانوإ ِم ْن َإ ْك َب ِر َإ ْع َوإ ِن ِه‪َ ،‬و َه َذإ َقو ّى َج َّن َد إل َم ْع ِص َي َة ِبال َم َد ِد َف َكانوإ َإ ْع َو ًإنا‬
‫َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫ثم ذكر رحمه هللا في هذا الفصل اثر اخر من اثار المعاصي‪ ,‬وجدير بكل مسلم ان يتامل وان يتامل وان‬
‫يزيد التامل في مثل هذا الكالم العظيم فإنه نافع غاية النفع الن فيه إيقاظ للقلوب وتجلية لمعاني مهمة‬
‫ينبه عليها‪ ,‬فيقول رحمه هللا ان‪:‬إلمعاصي تزرع إمثالها ويولد‬ ‫يحتاج فعال العبد ان يوقف عليه‪ ,‬وان َ‬
‫بعضها بعضا مثل الطاعات ‪-‬الطاعات تزرع امثالها ويولد بعضها بعضا ‪-‬وإذا وقع المرء في المعصية نادته‬
‫اختها‪ -‬اخت المعصية‪ -‬نادته ليقع فيها ‪,‬ونادته الثالثة والرابعة إلى ان يجد نفسه ماضيا في المعاصي في‬
‫خطوات‪ ,‬وقل مثل ذلك في الطاعة‪ ,‬ارايتم العبد إذا خرج متطهرا من بيته متجها إلى بيت هللا للصالة‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬
‫مقصده الصالة يؤدي فرض هللا‪ ,‬كم هي السنن العظيمة التي َّ‬
‫يوفق لها في اتجاهه إلى صالته؟ ‪,‬كم من‬
‫الخيرات والطاعات التي تتيسر له في إتيانه بيوت هللا سبحانه وتعالى؟‪ ,‬كم من ابواب البر؟! ولهذا شرع‬
‫لنا إذا دخلنا باب المسجد ان نقول ماذا ‪,‬افتح لي ابواب رحمتك ‪,‬الن هذا مدخل‪ -‬مدخل عظيم‪ -‬يدخل‬
‫منه العبد إلى نيل الرحمات والعطايا العظيمة والهبات فالطاعة تولد اخرى وتدعو إلى اخرى والمعصية‬
‫مثل ذلك قال‪ :‬إن إلمعاصي تزرع إمثالها ويولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد يعني يصعب على‬
‫العبد مفارقتها والخروج منها‪ ,‬كما قال بعض السلف‪ :‬إن من عقوبة السيئة السيئة السيئة بعدها وإن من‬
‫ثواب الحسنة الحسنة بعدها‪ ,‬السيئة لها عقوبة وهي انها تجر إلى سيئة اخرى واالخرى إلى اخرى‪ ,‬والحسنة‬
‫لها ثواب وهي انها تجر إلى اخرى واالخرى إلى اخرى وهكذا ولهذا يحتاج العبد ان يصبر نفسه على وضع‬
‫قدمه في خطا ماذا؟‪ -‬نعم الطاعات‪ ,‬يصبر نفسه يضع قدمه في خطا الطاعات وتبدا الطاعات تدعوه هذه‬
‫إلى تلك إلى تلك وهكذا ‪,‬يجد نفسه ماضيا وليحذر من ماذا؟‪ -‬من ان يضع قدمه في خطا المعاصي النه إن‬
‫وضع قدمه في خطا المعاصي جرته إلى معاصي اخرى‪,‬‬
‫بعض السلف ‪-‬واظنه اإلمام احمد‪ -‬ضرب لهذا مثال عجيبا‪ :‬ارايتم الشخص إذا كان عليه ثوب حلة نظيفة‬
‫بيضاء جميلة ووصل إلى مكان فيه طين ويريد ان يمر هل ترون انه مباشرة يخوض في الطين يدخل‬
‫بالحلة البيضاء في الطين؟ ام تجده ينظر في خطواته‪ ,‬يبحث عن اماكن جافة ؟هذا حجر وهذه خشبة‬
‫و‪..‬يضع عليها خطواته حتى ال يصيب حلته شيء يسير إذا استمر في خطواته في هذا الطريق الذي فيه‬
‫الوحل‪ ,‬ثم اصابه في طرف ثوبه نقطة بسيطة من الوحل ثم اصابته اخرى ثم اصابته ثالثة يصل إلى‬
‫مرحلة ماذا؟‪ -‬يدخل مباشرة يخوض في الطين ‪,‬وهذا واقع المعاصي تجد المرء في البداية متحفظ متوقي‬
‫ومتردد ويفعل او ال يفعل ثم يفعل واحدة ثم اخرى مثلها ثم ثالثة ثم يخوض في المعاصي وال يبالي ‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬يخوض في المعاصي‪ ,‬هذا الذي هو تولد المعاصي بعضها من بعض ال يستهين بالمعصية‬
‫وان يضع قدمه في خطاها ال يستهين بذلك‪ ,‬الن هذا طريق هلكة طريق شر ‪-‬يجب ان يمنع نفسه‪,‬‬
‫والطاعة عليه ان يصبر نفسه على طريقها ويضع قدمه فيها‪ ,‬فالطاعة تدعو إلى اختها والمعصية تدعو إلى‬
‫اختها‪ ,‬قال‪ :‬فالعبد إذإ عمل حسنة قالت إخرى إلى جنبها إعملني إيضا‪ ,‬قالت اخرى‪ :‬يعني طاعة اخرى‬
‫اعملني ايضا فإذا عملها قالت الثالثة كذلك يعني ان الحسنة تدعو إلى الحسنة وتنادي إليها ‪,‬قال‪ :‬فالعبد‬
‫إذإ همل حسنة قالت إخرى إلى جنبها إعملني إيضا فاذإ عملها قالت إلثالثة كذلك وهلم جرإ فتضاعف‬
‫الربح وتزايدت الحسنات‪ ,‬هذا الذي ذكره ابن القيم له شاهد جميل جدا في القران في قول هللا سبحانه‬
‫َ‬
‫وتعالى‪َ :‬و َمن َيق َترف َح َس َنة َّنزد له ف َيها حسنا "ۚ‪ ,‬واقرؤوا كالم ابن سعدي عن هذه االية‪ -‬كالم جميل جدا‪-‬‬
‫َ‬
‫َّنزد له ف َيها حسنا ‪ :‬من يقترف حسنة نزد له فيها حسنى الن الحسنة تجلب الحسنة " ل َّلذ َين َاح َسنوا‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬
‫َّ‬
‫الحس َنى َوز َي َاد ٌة"‪َ ",‬هل َج َزاء اإلح َسان إال اإلح َسان "بالمقابل ايضا يقول هللا سبحانه وتعالى‪ " :‬ث َّم َك َان‬
‫الس َواى"‪ ,‬قال وكذلك جانب السيائت ايضا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيائت‬ ‫َعاق َب َة َّالذ َين َا َساءوا ُّ‬
‫راسخة ‪,‬هذه في جانب الطاعة امر عظيم وفي جانب المعصية مشكلة وهللا عويصة جدا إذا كانت‬
‫المعصية هيئة راسخة للعبد‪ -‬هذه وهللا مصيبة مصيبة عظيمة جدا ‪-‬لكن متى يصل المرء إلى ان تصبح‬
‫المعصية هيئة راسخة فيه؟ متى يصل إليها يبدا في الخطوات التي اشرنا إليها سابقا في المعاصي إلى ان‬
‫الموفق من عباد هللا الذي وضع خطواته في الطاعات يمضي‬ ‫تصبح المعصية هيئة راسخة فيه؟ واالخر َّ‬
‫فيها إلى ان تصبح الطاعة هيئة راسخة فيه وصفة الزمة ماذا يترتب على هذا وهذا؟ إنتبه إلكالم عظيم‬
‫عطل إلمحسن إلطاعة إلتي إصبح إلطاعة هيئة رإسخة فيه وصفة لزمة وملكة ثابتة‪ -‬لو‬ ‫جدإ يقول‪ :‬فلو ّ‬
‫عطل المحسن الطاعة‪ -‬لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه إلرض بما رحبت وإحس من نفسه بانه‬
‫كالحوت إذإ فارق إلماء حتى يعاودها إي حتى يعاود إلطاعة فترجع إليه حياته ورإحته وإنسه‬
‫وطمانينته بالمقابل العاصي الذي اصبحت المعصية َملكة له وهيئة ثابتة‪ ,‬لو عطل إلمجرم إلمعصية‬
‫وإقبل على إلطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وإعيت عليه مذإهبه حتى يعاودها ‪:‬اي حتى يرجع‬
‫للمعصية ‪,‬لكن إلوإجب عليه إن يصبر على إلمرإرة‪ :‬هذه التي يتحدث عنها ابن القيم ويجاهد نفسه إلى‬
‫ان تتحول الملكة التي عنده من تلك السيئة إلى الملكة الحسنة في طاعة هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬يصبر‬
‫نفسه‪ :‬يجاهد نفسه‪ -‬يتحمل المرارة التي يجدها في اول مرة‪ -‬حتى يصبح طريقا حلوا ال الذ منه وال اطيب‬
‫‪,‬قال حتى إن ك ثيرا من الفساق ‪-‬سبحان هللا العظيم‪ -‬إنتبه ماذإ يقول‪-‬حتى إن ك ثيرإ من إلفساق ليوإقع‬
‫إلمعصية من غير لذة يجدها‪ ,‬لماذا‪ ,‬لماذا يواقع المعصية من غير لذة؟‪ -‬النها اصبحت ملكة له‪,-‬ما يتركها‪,‬‬
‫فيفعلها من غير لذة‪ ,‬النها اصبحت ملكة له سيطرت عليه من غير لذة يجدها وال داعية إليها‪ ,‬إال لما يجد‬
‫من الم مفارقتها‪ ,‬كما صرح بذلك شيخ القوم في الزاد‪ ,‬نقل هذا البيت قال كما صرح بذلك شيخ السوء‬
‫حيث يقول‪:‬‬
‫وكاس شربت على لذة وإخرى تدإويت منها بها‪,‬‬
‫وهل يتداوى من المعصية بالمعصية؟ هل المعصية تداوي؟‪,‬فهو يداوي نفسه من الم المعصية‬
‫بالمعصية وال يزال ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬يهلك نفسه ‪ ,‬فالكاس االولى شربها لذة والكاس االخرى للتداوي من‬
‫اال لم الذي يجده في المفارقة‪ ,‬النها اصبحت ملكة له ‪,‬قال رحمه هللا‪ :‬ول يزإل إلعبد يعاني إلطاعة يعني‬
‫يعالج نفسه ويصبر نفسه‪ ,‬يعاني إلطاعة ويالفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل هللا سبحانه برحمته عليه‬
‫إلمالئكة تؤزه إليها إزإ وتحرضه عليها وتزعجه عن فرإشه ومجلسه إليها ول يزإل إلخر يالف إلمعاصي‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫ويحبها ويؤثرها حتى يرسل هللا عليه إلشياطين فتؤزه إليها إزإ‪ ,‬فاالول قوى جند الطاعة بالمدد فصاروا‬
‫من اكبر اعوانه وهذا قوى جند المعصية بالمدد فكانوا اعوانا عليه ‪,‬نعم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا [ َف ْصل إل َم ْع ِص َية ت ْض ِعف ِإ َر َإد َة إل َخ ْي ِر]‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َو ِم ْن َها‪َ - :‬وه َو ِم ْن َإ ْخ َو ِف َها َع َلى إل َع ْب ِد ‪َ -‬إ َّن َها ت ْض ِعف إل َقل َب َع ْن ِإ َر َإد ِت ِه‪َ ،‬فت َقوى ِإ َر َإد َة إل َم ْع ِص َي ِة‪،‬‬
‫ات ِن ْصفه‬ ‫َوت ْض ِعف إ َر َإد َة َّإلت ْو َب ِة َش ْي ًائ َف َش ْي ًائ‪ ،‬إ َلى َإ ْن َت ْن َس ِل َخ ِم ْن َق ْلب ِه إ َر َإدة َّإلت ْو َب ِة ب ْالك ِّل َّي ِة‪َ ،‬ف َل ْو َم َ‬
‫ِ‬ ‫ْ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َل َما َت َ‬
‫َّللا‪ ،‬فيا ِتي ِب ِالس ِتغف ِار وتوب ِة إلكذإ ِبين ِب ِاللس ِان ِبش ْيء ك ِثير‪ ،‬وقلبه معقود‬ ‫اب ِإلى ِ‬
‫َ‬
‫إض َو َإ ْق َرِب َها ِإلى‬ ‫ر‬ ‫ِب ْال َم ْع ِص َي ِة‪ ،‬م ِص ٌّر َع َل ْي َها‪َ ،‬عازم َع َلى م َو َإق َع ِت َها َم َتى َإ ْم َك َنه َو َه َذإ ِم ْن َإ ْع َظ ِم ْ َإل ْم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬
‫إل َهال ِك‬
‫هذا ايضا من االخطار العظيمة التي تترتب على المعاصي ‪,‬يقول رحمه هللا‪ :‬وهو إخوفها على إلعبد‬
‫يعني ان هذا من إلعقوبات إلخطيرة إلتي تترتب على إلعبد ‪:‬انها تضعف القلب عن إرادته‪ ,‬فتقوي‬
‫إرادة المعصية‪ ,‬وتضعف إرادة التوبة شيائ فشيائ بمعنى ان‪ :‬المرء كلما جنحت نفسه ‪-‬والعياذ‬
‫باهلل‪ -‬للمعصية واتبعها باخرى وتقدم في خطوة ثالثة في طريق المعصية وهكذا سار في الطريق‬
‫اثرت هذه المعاصي على قلبه‪ ,‬ضعف إرادته‪ ,‬كان قبل ذلك عنده إرادة قوية فتضعف بسبب هذه‬
‫المعاصي‪ ,‬اإلرادة‪ :‬إرادة الخير التي في قلبه ومن ذلك إرادة التوبة‪ ,‬قبل ان يقع في المعصية تكون‬
‫نفسه كارهة ‪ ,‬يدخل المعصية ونفسه متخوفة منها‪ ,‬فإذا دخل وانتقل إلى اخرى‪ .‬وإلى ثالثة هذا‬
‫الذي كان يجده في قلبه ماذا يحدث له؟‪ -‬يضعف إلى ان يتبلد تماما‪ ,‬يقولون في االمثال ك ثرة‬
‫اإلمساس تذهب ماذا؟ اإلحساس ‪,‬يوضح لنا ذلك اك ثر" المثل الذي جاء في السنة" قال عليه‬
‫الصالة والسالم ‪:‬إن هللا ضرب مثال صرإطا مستقيما وعلى جنبة إلصرإط سورإن وفي إلسورين‬
‫إبوإب مفتحة وعلى إلبوإب إلمفتحة ستور مرخاة ودإع يدعو من إول إلصرإط ‪:‬يا عباد هللا‬
‫إدخلوإ إلصرإط ول تعوجو‪ ,‬ودإع يدعو من جوف إلصرإط‪ -‬وهذا وجه الشاهد – يا عبد هللا ل‬
‫تفتح إلباب فانك إن فتحته تلج‪ ,‬قال‪ :‬إما إلصرإط‪ :‬فهو اإلسالم ‪,‬وإما إلسورإن‪ :‬فحدود هللا‪ ,‬وإما‬
‫إلبوإب إلتي عليها ستور مرخاة ‪:‬فمحارم هللا‪ ,‬وإما إلدإع إلذي يدعو من إول إلصرإط‪ :‬فك تاب هللا‬
‫‪,‬وإما إلدإعي إلذي يدعو من جوف إلصرإط‪ :‬فواعظ هللا في قلب كل مسلم‪ ,‬هذا الواعظ إذا اراد‬
‫العبد ان يدخل في المعصية او يفتح بابا من ابواب المعاصي يجد في قلبه وخزا ‪ -‬الما‪ -‬ضيقة‪ -‬عدم‬
‫رغبة‪ -‬عدم انشراح صدر‪ -‬ولهذا إذا دعاه اهل المعاصي إلى معاصيهم يجد انه ليس مرتاحا ‪,‬فإن‬
‫غلب غلبه اهل الشر او غلبته النفس االمارة بالسوء او الشيطان ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬فدخل في طريق‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫المعصية وامتد سيره فيها الواعظ الذي كان يجده اوال قبل الدخول ماذا يحصل له؟ يبقى على‬
‫قوته? ‪ -‬ال وهللا مادام انه سار في الطريق وامتد سيره فيه يضعف هذا الواعظ‪ ,‬ولهذا ابن القيم‬
‫يقول‪ :‬وتضعف إرإدة إلتوبة شيائ فشيائ‪ ,‬ويضعف هذإ إلوإعظ إلذي في قلبه شيائ فشيائ إلى إن‬
‫تنسلخ من قلبه إرإدة إلتوبة والعياذ باهلل إلى إن تنسلخ من قلبه إرإدة إلتوبة‪ :‬يعني في خطواته‬
‫في طريق المعصية‪ ,‬قد يمر بمراحل ونفسه تحدثه بالتوبة‪ ,‬فإذا امتد سيره في المعاصي يصل إلى‬
‫مرحلة إلى ان ينسلخ فال يفكر في التوبة اصال‪ ,‬إلى إن تنسلخ من قلبه إرإدة إلتوبة بالكلية فلو‬
‫مات نصفه لما تاب إلى هللا‪ :‬من تمكن‪ -‬والعياذ باهلل‪ -‬وتغلغل المعصية من قلبه‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ْ ْ‬
‫قال رحمه هللا [ َف ْصل ِإلف إل َم ْع ِص َي ِة]‬
‫ْ َ ْ ْؤ َ َ َّ َ‬ ‫ْ َ ََ َ َ ًَ ََ َ َْ‬ ‫َ َْْ‬ ‫َ ْ َ َ َّ َ ْ‬
‫و ِمنها‪ :‬إنه ين َس ِلخ ِمن إلقل ِب ْإس ِتق َباحها‪ ،‬فت ِصير له عادة‪ ،‬فال ي ْستق ِبح ِمن نف ِس ِه ر ية إلن ِ‬
‫اس له‪،‬‬
‫َ َ‬
‫َول َكال َمه ْم ِف ِيه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ََْ ْ‬
‫وق ه َو َغ َاية َّإلت َه ُّت ِك َو َت َمام َّإلل َّذ ِة‪َ ،‬ح َّتى َي ْف َت ِخ َر َإ َحده ْم ِبال َم ْع ِص َي ِة‪َ ،‬وي َح ِّد َث‬
‫اب إلفس ِ‬‫وهذإ ِعند إرب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِب َها َم ْن ل ْم َي ْع َل ْم َإ َّنه َع ِم َل َها‪َ ،‬ف َيقول‪َ :‬يا فالن‪َ ،‬ع ِملت َك َذإ َو َك َذإ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َّ َ‬
‫اس ل ي َع َاف ْو َن‪َ ،‬وي َس ُّد َع َل ْي ِه ْم َط ِريق َّإلت ْو َب ِة‪َ ،‬وت ْغ َلق َع ْنه ْم َإ ْب َوإب َها ِفي إل َغا ِل ِب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وهذإ إلضرب ِمن إلن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ‬
‫َك َما َق َال َّإلن ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪« :‬ك ُّل ُإ َّم ِتي م َع ًافى ِإل إلم َج ِاهرو َن‪َ ،‬و ِإ َّن ِم َن ِإل ْج َه ِار َإ ْن َي ْست َر ََّّللا إل َع ْب ِد‬
‫ات‬‫ث َّم ي ْصبح َي ْف َضح َن ْف َسه َو َيقول‪َ :‬يا ف َالن َعم ْلت َي ْو َم َك َذإ َو َك َذإ َك َذإ َو َك َذإ‪َ ،‬في َه َت َك َن ْف َسه‪َ ،‬و َق ْد َب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫َي ْستره ربه» ‪.‬‬
‫َ‬

‫قال رحمه هللا ‪ :‬ومنها إن ينسلخ من إلقلب إستقباحها‪ ,‬استقباحها اي ‪:‬المعصية ان يراها قبيحة‪ ,‬ك ثير‬
‫من العصاة في اول االمر في طريقه وفي خطواته في المعاصي يراها قبيحة‪ ,‬لكن تغلبه االمارة بالسوء‬
‫ويغلبه قرناء الشر والفساد‪ ,‬فيفعل القبيح‪ ,‬وهو يدرك قبح ما يفعل‪ ,‬يدرك انه قبيح يعلم انه قبيح ويفعله‪,‬‬
‫لكن غلبته نفسه ‪,‬غلبه دعاة الشر قرناء الفساد‪ ,‬هذا االستقباح للمعصية إذا امتد سيره في المعصية هل‬
‫يبقى? ‪ -‬ال يبقى يصل إلى مرحلة ينسلخ من القلب استقباح المعصية ‪ ,‬فال يستقبح من نفسه رؤية الناس له‬
‫‪ ,‬المجاهرون بالمعاصي هذه المجاهرة التي وصلوا إليها وهي غاية في السوء هل كانوا كذلك ابتداءا? ‪-‬كانوا‬
‫في مرحلة من مراحل حياتهم يستترون بالمعاصي ‪,‬ويرون انها قبيحة‪ ,‬حتى إن نفوسهم كارهة لها لكن‬
‫غلبوا عليها ‪,‬لكن امتد سيرهم وواصلوا السير في طريق المعاصي إلى ان اصبحوا مجاهرون‪ ,‬لعل احدكم‬
‫يذكرنا بكالم مر معنا احد السلف سئل عن بني إسرائيل‪ :‬هل وصلوا إلى الهالك في ليلة واحدة؟ قال ال‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس عشر‬

‫كانوا إذا امرهم االنبياء ال ياتمرون ‪.‬وإذا نهوهم لم ينتهوا‪ ,‬اصبحوا هكذا في خطوات في المعاصي إلى ان‬
‫اصبحوا إلى هذا المال‪ ,‬فالمجاهرون ما كانوا من بداية امرهم هكذا ابدا ايضا‪ ,‬قل مثل ذلك كبار المجرمين‬
‫َّ‬
‫في اشد ما يكونون في اإلجرام ما كانوا كبار من اول االمر في اإلجرام‪ ,‬ولكن خطوات ‪َ " ,..‬يا َا ُّي َها الذ َين‬
‫الشي َطان "فمن عقوبة المعصية إذا سار اإلنسان فيها انه ربما يصل به الحال ‪-‬‬ ‫ا َمنوا َال َت َّتبعوا خط َوات َّ‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬إلى ان ينسلخ من قلبه استقباح المعاصي ‪,‬إذا انسلخ من قلبه استقباح المعاصي يصل إلى‬
‫مرحلة ماذا ؟ ‪-‬المجاهرة بها‪ ,‬النها ليست قبيحة ال يراها قبيحة فيجاهر بها‪ ,‬االخرون يستترون بالمعاصي‬
‫وهو يهتك هذا الستر عن نفسه‪ .‬ويقول لقرنائه واصحابه‪ :‬فعلت وفعلت‪ -‬وفعلت المور هي قبيحة‪ -‬ولكنه‬
‫ما اصبح يراها قبيحة‪ ,‬هذه المرحلة التي وصل إليها ت َعد من عقوبات إلذنوب وعواقب الذنوب الوخيمة‪:‬‬
‫انها قد تفضي باإلنسان إلى هذه المرحلة الشنيعة انه ينسلخ من قلبه استقباح الذنوب إلى ان يصل‪-‬‬
‫والعياذ باهلل‪ -‬إلى درجة المجاهرة‪ ,‬المجاهرة ماذا يترتب عليها ? (كل إمتي معافى إل إلمجاهرون) ‪,‬نعم‬
‫االن في االجهزة الحديثة مثال في المجاهرة ‪.‬بعض الناس فعال وصل إلى هذه المرحلة واصبح يهتك ستر‬
‫هللا عليه بتصوير نفسه في قبائح شنيعة جدا ثم يبعثها مرسلة في الجوال يراها ك ثير من الناس ‪ ,‬وتبقى‬
‫ثابتة ‪ ,‬هذا كله من عواقب المعاصي‪ ,‬هل هؤالء الذين يفعلون مثل هذه المجاهرات بالمعاصي ‪-‬يصورون‬
‫انفسهم في اشياء شنيعة جدا وامور قبيحة ال تليق ‪ -‬هل كانوا هكذا من اول االمر? ‪-‬ال وضعوا اقدامهم في‬
‫المعاصي خطوة تلو االخرى إلى ان حصل هذا االنسالخ للقلب‪ ,‬فاصبح ال يستقبح المعصية‪ ,‬إذا اصبح ال‬
‫يستقبحها‪ ,‬يصل إلى درجة المفاخرة فيها‪ ,‬وتعجب نفسه بها فيهتك ستر هللا سبحانه تعالى قال‪ :‬وإن من‬
‫إلجهار إن يستر هللا إلعبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فالن عملت يوم كذإ كذإ وكذإ وفعلت كذإ‬
‫وكذإ‪,‬في زماننا هذا ما اصبح يحتاج ان يقول ماذا? عملت ما يحتاج االن في زماننا يصور نفسه ‪-‬والعياذ‬
‫باهلل‪ -‬مايحتاج يقول للناس‪ ,‬وال يحتاج انه يقابل فالن ثم فالن ثم فالن مشوار طويل‪,‬يضغط زر واحد في‬
‫لحظة واحدة وتذهب للعالمين ‪,‬يهتك ستره على المال ‪,‬على العالمين كلهم ‪,‬ولهذا يحتاج فعال ان ي َ‬
‫نتبه إلى‬
‫ان الجوال يعد شؤم على ك ثير من الناس إال من رحم هللا وعافاه هللا‪ ,‬ولهذا يا صاحب الجوال قل‪ :‬يارب‬
‫سلم سلم قل يارب سلم سلم‪ ,‬وصلى هللا وسلم على رسول هللا‪..‬‬
‫*اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪..‬اما بعد‪,‬‬

‫فيقول العالمة ابن قيم الجوزية ‪ -‬رحمه هللا وغفر له ‪ -‬ولشيخنا والمسلمين‪ ،‬في ك تابه "الداء‬
‫والدواء "قال ‪َ :‬و ِم ْن َها َأن ُكل َم ْع ِص َية ِم َن ْأل َم َع ِاصي َفه َي ِم َيرأث َع ْن ُأ ِمة ِم َن ْ ُأْل َمم أل ِتي َأ ْه َل َك َها ُ‬
‫ّللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعز َو َجل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫وطي ُة‪ِ :‬م َيرأث َع ْن َق ْو ِم لوط‪.‬‬ ‫فالل ِ‬
‫ص‪ِ ،‬م َيرأث م ْن َق ْو ِم ُش َع ْيب‪.‬‬ ‫اق‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ب‬ ‫َو َأ ْخ ُذ ْأل َحق بالزأ ِئ ِد َو َد ْف ُع ُ‬
‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ْ ُ ُ ُّ ْ َ ْ ْ‬
‫ض ِبال َف َس ِاد‪ِ ،‬م َيرأث َع ْن َق ْو ِم ِف ْر َع ْو َن‪.‬‬ ‫وألعلو ِفي أْلر ِ‬
‫َوألت َك ُّب ُر َوألت َج ُّب ُر ِم َيرأث َع ْن َق ْو ِم ُهود‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َف ْال َع ِاصي َْل ِبس ِث َي َ‬
‫ض َه ِذ ِه أْل َم ِم‪َ ،‬و ُه ْم أ ْع َد ُأء ِ‬
‫ّللا‪.‬‬ ‫اب َب ْع َ‬
‫ّللا أ ْب ُن َأ ْح َم َد رحمه هللا ِفي ِك َتابه ُّألز ْه ِد ِ َْلب ِيه َع ْن َما ِل ِك أ ْبن ِد َينار َق َال‪َ :‬أ ْو َحى ُ‬
‫ّللا‬ ‫َوق ْد َر َوى َع ْب ُد ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِألى َن ِبي ِم ْن َأ ْن ِب َي ِاء َب ِني ِأ ْس َرأ ِئ َيل َأ ْن ُق ْل ِل َق ْو ِم َك‪ْ :‬ل ت ْد ُخ ُلوأ َم َد ِأخ َل َأ ْع َدأ ِئي‪َ ،‬وْل تل َب ُسوأ َمَل ِب َس‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َأ ْع َدأ ِئي َوْل ْتر َك ُبوأ َم َرأ ِك َب َأ ْع َدأ ِئي‪َ ،‬وْل تط َع ُموأ َم َط ِاع َم َأ ْع َدأ ِئي‪َ ،‬فت ُك ُونوأ َأ ْع َدأ ِئي َك َما ُه ْم َأ ْع َدأ ِئي‪.‬‬
‫ّللا ْب ِن ُع َم َر رضي هللا عنهما َع ِن ألن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َال‪ُ « :‬ب ِع ْث ُت‬ ‫َ‬
‫يث َع ْب ِد ِ‬ ‫َو ِفي ُم ْس َن ِد أ ْح َم َد ِم ْن َح ِد ِ‬
‫َ َ ََُْ ُ َ َُْ َ َ َ َ‬
‫يك ل ُه‪َ ،‬و ُج ِع َل ِر ْز ِقي َت ْح َت ِظ ِل ُر ْم ِحي‪،‬‬ ‫ِبالس ْي ِف َب ْي َن َي َد ِي ألساع ِة‪ ،‬حتى يعبد ّللا وحده ْل ش ِر‬
‫َ‬
‫ألذل ُة َوألص َغ ُار َع َلى َم ْن َخال َف َأ ْم ِري‪َ ،‬و َم ْن َت َشب َه ِب َق ْوم َف ُه َو ِم ْن ُه ْم» ‪.‬‬ ‫َ‬
‫َو ُج ِعل ِ‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم ‪،‬الحمد هلل رب العالمين ‪،‬واشهد ان ال اله إال هللا وحده ال شريك له ‪،‬واشهد‬
‫علما ً‬
‫نافعا‬ ‫محمدا عبده ورسوله ‪-‬صلى هللا وسلم عليه ‪-‬وعلى اله واصحابه اجمعين ‪،‬اللهم إنا نسالك ً‬ ‫ً‬ ‫ان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪،‬ورزقا طيبا وعمال متقبال‪..‬اما بعد‪ ,‬فهذا اثر من اثار الذنوب ‪،‬وعاقبة من عواقب الذنوب ‪،‬أنها تجعل‬ ‫ً‬
‫ألمذنب متشبها بامة من أْلمم ألكافرة‪ ،‬التي حلت بها عقوبة هللا ‪،‬ومقته ‪،‬و سخطه‪ ،‬وغضبه ‪-‬جل‬
‫في عاله ‪-‬والعاصي في عصيانه هلل ‪ -‬عز وجل‪ -‬وارث من تلك االمم ً‬
‫نصيبا من افعالهم المشينة‪ ،‬التي‬
‫موجبا لسخط هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬عليهم ‪،‬كما ان المطيع وارث في طاعته النبياء هللا ‪،‬قال ‪-‬‬ ‫كانت ً‬
‫عليه الصالة والسالم‪ "-‬وأن ألعلماء ورثة أْلنبياء ‪ ،‬فان أْلنبياء لم يورثوأ دينارأ وْل درهما ‪،‬وأنما ورثوأ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫ألعلم‪ ،‬فمن أخذه أخذ بحظ وأفر "‪،‬اي من ميراث االنبياء والعاصي هلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬وارث لالمم‬
‫‪،‬االمم التي سخط هللا عليها لفعائلها الشنيعة ‪،‬و اثامها‪ ،‬وفعلهم لما يسخط هللا ‪-‬سبحانه وتعالى ‪-‬فمن‬
‫اثار الذنوب ‪،‬وعواقبها الوخيمة‪ ،‬ان المذنب متشبه باولئك‪ ،‬او بتلك االمم في بعض افعالهم ‪،‬ووارث‬
‫لهم بعض صفاتهم ‪،‬وخصالهم ‪،‬التي اوجبت سخط هللا ‪-‬جل وعال ‪،-‬فعلى سبيل المثال من يعمل‬
‫عمل قوم لوط ‪،‬إتيان الذكران من العالمين ‪،‬هو وارث لقوم لوط ‪،‬الذين ذكرهم هللا ‪ -‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫واصفا لهم بالضالل واإلسراف والجهل وغير ذلك من االوصاف ‪ .‬واحل بهم جل‬ ‫في مواطن من القران ً‬
‫َ‬
‫وعال عقوبته وسخطه ‪ .‬وأخذ ألحق بالزأئد ودفعه بالنقصان ‪ ،‬ميرأث عن قوم شعيب ‪َ (.‬وال َتنقصوا‬
‫ْالم ْك َي َال َو ْالم َيز َان ۚ ) فكانوا (إ َذا ْاك َتال ْوا َع َلى َّالناس َي ْس َت ْوف َ‬
‫ون * َوإ َذا َكالوه ْم َا ْو َّو َزنوه ْم ي ْخسرو َن )‬
‫فيبخسون الناس حقهم ‪.‬فمن كان يتعامل في بيعه وشرائه بهذه الطريقة ‪ ،‬يتعامل في كيله ووزنه بهذه‬
‫الطريقة ‪ ،‬فهذا العمل الذي يعمله هو ميراث ‪ ،‬ورثه عن تلك االمة التي غضب هللا سبحانه وتعالى‬
‫عليها ‪.‬‬
‫شبها من فرعون وقومه‬ ‫كذلك من كان صاحب كبر وعلو في االرض ‪ ،‬وتعال على عباد هللا فإن فيه ً‬
‫َ‬
‫( َوإ َّن ف ْر َع ْو َن ل َعال في َاال ْرض ) فيكون فيه شبه من فرعون وقومه ومن كان على شاكلته من اهل‬
‫العلو والتكبر في االرض ‪ .‬وألتكبر وألتجبر ميرأث عن قوم هود ‪ ،‬فالعاصي البس ثياب بعض هذه‬
‫االمم وهم اعداء هللا ‪.‬واورد رحمه هللا هذا الخبر من اخبار بني إسرائيل ان هللا اوحى إلى نبي من‬
‫انبيائهم " ا ْن قل لقومك ْل يدخلوأ مدأخل أعدأئي وْل يلبسوأ مَلبس أعدأئي ‪ ،‬وْل يركبوأ مرأكب‬
‫أعدأئي ‪".‬‬
‫المقصد اال يتشبهوا باعداء هللا في خصائصهم وصفاتهم سواء في لباسهم او في طريقة اكلهم او في‬
‫طريقة دخولهم وخروجهم ونحو ذلك ‪.‬ال يتشبهوا بهم فيما هو من خصائصهم ‪.‬قال ‪ :‬فتكونوا اعدائي‬
‫كما هم اعدائي ‪.‬‬
‫المعنى الذي جاء في هذا الخبر هو بمعنى ما جاء في الحديث الصحيح الذي ساقه المصنف رحمه‬
‫هللا بعده وهو قول نبينا ﷺ ‪":‬من تشبه بقوم فهو منهم ‪".‬‬
‫من تشبه بهم في خصائصهم سواء في دخولهم او خروجهم او اكلهم او شربهم او لباسهم او نحو‬
‫ذلك في االمور التي هي من خصائصهم فهو منهم ‪ .‬فتكونوأ أعدأئي كما هم أعدأئي ‪ ،‬اي فهو منهم‬
‫كما جاء في الحديث عن نبينا الكريم عليه الصالة والسالم ‪.‬نعم‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫‪:‬فصل ‪َ [ :‬ف ْصل َه َو ُأن أل َع ِاصي َع َلى َرِب ِه]‪َ [ ,‬ف ْصل ِأل ُف أل َم ْع ِص َي ِة]‬ ‫وقال رحمه هللا ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِأل ُف أل َم ْع ِص َي ِة َو ِم ْن َها‪ :‬أن أل َم ْع ِص َية َس َبب ِل َه َو ِأن أل َع ْب ِد َعلى َرِب ِه َو ُسق ِ‬
‫وط ِه ِم ْن َع ْي ِن ِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ّللا ل ْم‬‫قال أل َح َس ُن أل َب ْص ِر ُّي‪َ :‬ه ُانوأ َعل ْي ِه ف َع َص ْو ُه‪َ ،‬ول ْو َع ُّزوأ َعل ْي ِه ل َع َص َم ُه ْم‪َ ،‬و ِأذأ َه َان أل َع ْب ُد َعلى ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ْ ْ ُ َ َ ََ َ َ ُ َ‬
‫ّللا َف َما ل ُه ِم ْن ُم ْك ِرم} [ ُسو َر ُة أل َح ِج‪َ ]18 :‬و ِأ ْن َعظ َم ُه ُم‬ ‫ّللا َت َعالى‪َ { :‬و َم ْن ُي ِه ِن‬ ‫يك ِرمه أحد‪ ،‬كما قال‬
‫َ َ َ‬
‫اج ِت ِه ْم ِأل ْي ِه ْم َأ ْو َخ ْوفا ِم ْن َش ِر ِه ْم‪َ ،‬ف ُه ْم ِفي ُق ُلو ِب ِه ْم َأ ْح َق ُر َش ْيء َو َأ ْه َو ُن ُه‬ ‫اس ِفي ألظ ِاه ِر ِلح‬ ‫ألن ُ‬

‫يضا من عواقب الذنوب ‪ ،‬ان ألمعصية سبب لهوأن ألعبد على هللا ‪،‬كما ان الطاعة‬ ‫نعم ‪.‬هذا ا ً‬
‫سبب لعلو مكانة الشخص ورفعته ‪ ،‬ورفعة منزلته عند هللا سبحانه وتعالى ‪.‬ألمعصية سبب لهوأن‬
‫َ‬
‫ألعبد على هللا ‪ ،‬وإذا هان العبد على هللا سبحانه وتعالى هلك ( َو َمن يهن ََّّللا َف َما له من ُّم ْكرم ۚ ) اي‬
‫ال يجد من يكرمه‪ .‬فهذا اثر من اثار الذنوب انها توجب هوان العبد على هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأن عظمهم ألناس‪ :‬يعني بعض اهل المعاصي قد يكون معظمين عند بعض الناس ال لمكانة‬
‫لهم في قلوب الناس وإنما لحاجات اخرى قد يكرمه لحاجة عنده ‪,‬وقلبه يبغضه قد يكرمه ً‬
‫خوفا منه‪,‬‬
‫وخوفا من بطشه واذاه‪ ,‬ونحو ذلك لكن المعصية سبب لهوان العبد ‪.‬نعم‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون َع َل ْي ِه َو َي ْص ُغ َر ِفي َقل ِب ِه‪َ ،‬و َذ ِل َك َعَل َم ُة‬ ‫قال َو ِم ْن َها‪َ :‬أن ْأل َع ْب َد َْل َي َز ُأل َي ْرَت ِك ُب ألذ ْن َب َحتى َي ُه َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫أل َهَل ِك‪ ،‬ف ِان ألذ َن َب ُكل َما َص ُغ َر ِفي َع ْي ِن أل َع ْب ِد َعظ َم ِع ْن َد ِ‬
‫ّللا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َق ْد َذ َك َر أل ُب َخ ِار ُّي ِفي َص ِح ِيح ِه َع ِن ْأب ِن َم ْس ُعود رضي هللا عنه َق َال‪ِ :‬أن أل ُم ْؤ ِم َن َي َرى ُذ ُن َوب ُه َك َان ُها ِفي‬
‫ْ‬
‫اف َأ ْن َي َق َع عليه‪َ ،‬و ِأن أل َف ِاج َر َي َرى ُذ ُن َوب ُه َك ُذ َباب َو َق َع َع َلى َأ ْن ِف ِه‪َ ،‬ف َق َال ِب ِه َه َك َذأ َف َط َار‪.‬‬
‫َأ ْصل َج َبل َي َخ ُ‬
‫ِ‬
‫آ‬
‫ايضا هذا من أْلثار ألتي تترتب على ألذنوب‪ :‬ان إرتكاب العبد للذنب واستمراءه له واستمراره في‬
‫فعله يوجب هوأن ألذنب عنده الن المرء اول ما يذنب اول ما يبدا يقع في الذنب يحس بكبره‬
‫وعظمه‪ ,‬يحس بذلك إذا استمر في الذنب‪ ,‬يصغر هذا الكبر للذنب في عينه ويهون عنده حتى يصل‬
‫إلى مرحلة يفقد هذا اإلحساس‪ ,‬بل والعياذ باهلل ربما وصل إلى مرحلة يتفاخر فيها بفعله لذلك‬
‫ثقيال‪ ,‬ثم إذا استمر فيه ضعف هذا اإلحساس في قلبه إلى ان‬ ‫الذنب‪ ,‬فهو في اول االمر يحسه كبي ًرا ً‬
‫يذهب هذا اإلحساس عنه تماما‪ ,‬إلى ان يصل إلى عد هذا الذنب مفخرة من المفاخر فيجاهر بها ‪,‬قد‬
‫مر معنا قول نبينا عليه الصالة والسالم‪ ":‬كل أمتي معافى أْل ألمجاهرون" قال وقد ذكر البخاري في‬
‫صحيحه عن ابن مسعود انه قال‪ ":‬أن ألمؤمن يرى ذنوبه كانها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه"‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫الجبل ليس بالهين إذا كان اإلنسان في حافة جبل او طرفه وهو خائ ف ًا يسقط عليه هذا الجبل او في‬
‫اصل الجبل وخائ ف ان يسقط عليه هذا الجبل‪ -‬ليس جبل‪ -‬لو كان فوق اإلنسان صخرة ثقيلة‬
‫وليست ممسكة بشيء ثابت وهو تحتها كيف يكون خوفه؟ كيف لو كانت ً‬
‫جبال كبيرا؟ فالمسلم‬
‫يحس ان ذنبه او ذنوبه كانه تحت اصل جبل خائ ف ان يسقط عليه الجبل‪ ,‬قال‪ :‬وألفاجر يرى‬
‫ً‬
‫شيئ‪ ,‬ال يرى‬ ‫ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذأ ‪ :‬يعني هش الذباب عن انفه يعني ال يراه‬
‫ذنبه شيء‪ ,‬كانه ذباب وقع على انفه فقال هكذا‪ :‬فرق بين هذا وذاك فرق بين من يحس ان الذنب‬
‫عظيما وبين من يراه كذباب وقع على انفه فقال به هكذا فطار لكن السؤال هنا هذا الذي يحس ان‬
‫ذنبه كذباب وقع على انفه فقال به هكذأ فطار ‪ ،‬هل كان بهذه الصفة من بدء االمر من بداية االمر ؟‬
‫ال وهللا كان في بداية االمر الذنب كبير عنده و عظيم جدا ثم تمادى في الذنب وتمادى وتمادى إلى‬
‫شيئ ‪ً ،‬‬‫ً‬
‫فإذا هذا من خطورة المعاصي ‪ ،‬من خطورة المعاصي ان‬ ‫ان وصل إلى هذه المرحلة ال يراه‬
‫العبد ال يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه و يصغر في عينه ‪ .‬نعم‬
‫َ ْ ُ ْ ُّ ُ‬
‫وب]‬ ‫[فصل شؤ ُم ألذن ِ‬
‫ود َع َل ْي ِه ُش ْؤ ُم َذ ْنوبه‪َ ،‬ف َي ْح َت ِر ُق ُه َو َو َغ ْي ُر ُه ِب ُش ْؤ ِم‬ ‫قال رحمه هللا َوم ْن َها‪َ :‬أن َغ ْي َر ُه م َن ألناس َوألد َوأب َي ُع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ُ َ ُّ ْ‬
‫ألظل ِم‪.‬‬ ‫وب و‬
‫ألذن ِ‬
‫ْ‬
‫وت ِفي َو ْك ِر َها ِم ْن ُظل ِم ألظا ِل ِم‪.‬‬ ‫َق َال َأ ُبو ُه َرْي َر َة رضي هللا عنه ‪ :‬أن ْأل ُح َب َارى َل َت ُم َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫آ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َق َال ُم َج ِاهد‪ِ :‬أن أل َب َها ِئ َم َتل َع ُن ُع َص َاة َب ِني أ َد َم ِأ َذأ ْأش َتد ِت ألس َن ُة‪َ ،‬و َأ ْمس َك أل َم َط ُر‪َ ،‬و َت ُق ُول‪َ :‬ه َذأ ِب ُش ْؤ ِم‬
‫آ‬
‫َم ْع ِص َي ِة بني أ َد َم‪.‬‬
‫وب َب ِني‬ ‫ون‪ُ :‬م ِن ْع َنا ْأل َق ْط َر ب ُذ ُ‬
‫ن‬ ‫أب ْ َأْل ْرض َو َه َو ُّأم َها َحتى ْأل َخ َن ِاف ُس َو ْأل َع َقار ُب‪َ ،‬ي ُق ُول َ‬
‫ُّ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫د‬‫َو َق َال ِع ْكر َم ُة‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َذ ْنب ِه‪َ ،‬حتى يبوء ْبل َع َنة َم ْن َْل َذ ْن َب َله‪ُ.‬‬ ‫َ‬ ‫آَ ََ َ ْ‬
‫أد َم‪.‬فَل يك ِف ِيه ِعق ُ ِ‬
‫آ‬
‫*هذا ايضا اثر من أثار ألذنوب وعوأقبها الوخيمة ان الذنب يعود شؤمه على المذنب وعلى غيره‬
‫ْ‬
‫حتى إن شؤم ذنبه ليطال الدواب والبهائم والطيور ‪ ،‬قال هللا سبحانه وتعالى ‪َ { :‬ظ َه َر ال َف َساد في‬
‫ْ ْ‬
‫ال َبر َوال َب ْحر ب َما َك َس َب ْت َا ْيدي َّالناس } ‪ ،‬ولهذا يروى في االثار منها هذه االثار التي نقل االمام ابن‬
‫القيم رحمه هللا تعالى‪ :‬ان الدواب و الطيور و البهائم وغيرها تتاذى من معاصي ابن ادم وتقول ‪:‬‬
‫منعنا القطر منعنا المطر بسبب معاصي بني ادم ‪ ،‬فالمعاصي لها شؤم و شؤمها قد يطال وينال‬
‫الحشرات والدواب والبهائم ‪ ،‬ولهذا بعض اهل العلم قالوا في قول النبي عليه الصالة و السالم ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫{ وأن ألعالم ليستغفر له كل شيء حتى ألحيتان في ألماء) الن نفع العالم يصل إليها بك فه الناس‪,‬‬
‫وردعهم عن الذنوب ونهيهم عن المعاصي فيصلح الناس وصالح الناس سبب للخيرات فيستغفر له‬
‫كل شيء ‪ ،‬النه الصالح الذي يترتب عليه يصل إليهم ‪ ،‬فهذا المعنى ذكره بعض اهل العلم في معنى‬
‫هذا الحديث ‪،‬فإذا كان العاصي اي يترتب على عصيانه هذا االذى الذي ينال هذه البهائم والطيور‬
‫وغيرها فإن المصلحين في الناس يترتب على ايديهم من الخير ما يصل إلى هذه الدواب والبهائم‬
‫والطيور ‪.‬نعم‬

‫ألذل]‬ ‫[ َف ْصل ْأل َم ْعص َي ُة ُتور ُث ُّ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ّللا ‪َ ،‬ق َال‬ ‫قال رحمه هللا َو ِم ْن َها‪ :‬أن أل َم ْع ِص َي َة ُتو ِر ُث ألذل َوْل ُبد؛ ف ِان أل ِعز ُكل أل ِع ِز ِفي ط َاع ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُْ‬ ‫ََ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ َ ْ‬
‫ّللا‪َ ،‬ف ِان ُه ْل‬ ‫َ‬
‫ِلَف أل ِعز ُة َج ِميعا} [ ُسو َر ُة ف ِاطر‪ ]10 :‬أ ْي فل َيطل ْب َها ِبط َاع ِة ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬من كان ي ِريد أل ِعزة ِ ِ‬
‫َي ِج ُد َها ِأْل ِفي َط َاعته‪.‬‬
‫َ‬
‫ض ألس َل ِف‪ :‬ألل ُهم َأ ِعزِني ِب َط َاع ِت َك َوْل ُت ِذل ِني ِب َم ْع ِص َي ِت َك‪.‬‬ ‫َ َ ْ َُ َْ‬
‫َوكان ِمن دع ِاء بع ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َق َال أل َح َس ُن أل َب ْص ِر ُّي‪ِ :‬أن ُه ْم َو ِأ ْن َط ْق َط َق ْت ِب ِه ُم أل ِب َغ ُال‪َ ،‬و َه ْم َل َج ْت ِب ِه ُم أل َب َر ِأذ ُين‪ِ ،‬أن ُذل أل َم ْع ِص َي ِة‬
‫ّللا ِأْل َأ ْن ُي ِذل َم ْن َع َص ُاه‪.‬‬‫َْل ُي َفار ُق ُق ُل َوب ُه ْم‪َ ،‬أ َبى ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ّللا ْب ُن أل ُم َب َار ِك‪:‬‬ ‫قال َع ْب ُد ِ‬
‫ألذل ِأ ْد َم ُان َها‬ ‫وب ‪َ ...‬و َق ْد ُيور ُث ُّ‬‫َ‬ ‫يت ْأل ُق ُ‬
‫ل‬ ‫وب ُتم ُ‬ ‫َ‬ ‫َرَأ ْي ُت ُّ‬
‫ألذ ُ‬
‫ن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ‪َ ...‬و َخ ْير ِل َن ْف ِس َك ِع ْص َي ُان َها‬ ‫ألذ ُن َ ُ ْ ُ ُ‬ ‫َو َت ْر ُك ُّ‬
‫وب ح َياة ألقل ِ‬ ‫ِ‬
‫ألد َين أْل ْأل ُم ُل ُ‬
‫وك ‪َ ...‬و َأ ْح َب ُار ُسوء َو ُر ْه َب ُان َها‬ ‫ِ‬
‫َو َه ْل َأ ْف َس َ‬
‫د‬
‫ِ‬
‫ثم ذكر رحمه هللا تعالى‪ :‬ان من عواقب الذنوب واضرارها الوخيمة انها تورث الذل‪ ،‬إذا كانت الطاعة ٌعز‬
‫للمطيع ورفعه فإن المعصية ٌذل له وهوان والعز في طاعة هللا ‪,‬مثل ما قال عمر بن الخطاب رضي هللا‬
‫عنه ‪ :‬نحن قوم أعزنا هللا باْلسَلم ‪,‬فاإلسالم والطاعة هلل سبحانه وتعالى هذا ٌعز للعبد ورفعه‬
‫والمعصية ٌذل وهوان ‪،‬فمن اراد العزة هلل فليطلبها بطاعته ‪ ،‬فليطلبها بطاعة هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫قال الحسن‪ :‬أنهم ‪-‬اي العصاة‪ ، -‬أنهم وأن طقطقت بهم ألبغال ‪ ،‬وهملجت بهم ألبرأذين ‪-‬نوع من‬
‫الخيل‪ ،-‬أن ذل ألمعصية ْل يفارق قلوبهم ‪ ،‬يعني حتى وإن كانت عندهم مركوبات جميلة حسنة‬
‫طيبة فإن ذل المعصية ال يفارق قلوبهم ‪،‬ابى هللا إال ان يذل من عصاة‪ ،‬نعم‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا [ َف ْصل أل َم َع ِاصي ُت ْف ِس ُد أل َع ْق َل]‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو ِم ْن َها‪َ :‬أن أل َم َع ِاص َي ُت ْف ِس ُد أل َع ْق َل‪َ ،‬ف ِان ِلل َع ْق ِل ُنورأ‪َ ،‬وأل َم ْع ِص َي ُة ُتط ِف ُئ ُنو َر أل َع ْق ِل َوْل ُبد‪َ ،‬و ِأ َذأ ُط ِف َئ‬
‫ص‪.‬‬ ‫ُنو ُر ُه َض ُع َف َو َن َق َ‬

‫‪ ،‬منها ان المعاصي تفسد العقل سبب لفساد العقل ‪ ،‬الطاعة تضيء العقل وتكسوه نو ًرا فيحسن‬
‫المرء في استعمال عقله تفكرا وتامال ونظرا في العواقب والماالت وغير ذلك ‪ ،‬فإذا غشى الذنوب‬
‫ً‬
‫مسلوبا هذا النور والضياء الذي‬ ‫وارتكبها اطفات هذا الذي في عقله‪ ،‬واضرت بعقله واصبح يتحرك‬
‫كان في عقله بسبب شؤم المعاصي والذنوب ‪،‬نعم ‪،‬‬
‫َ‬
‫يب َع ْق ُل ُه‪َ ،‬و َه َذأ َظ ِاهر‪َ ،‬ف ِان ُه ل ْو‬ ‫ّللا َأ َحد َحتى َي ِغ َ‬ ‫ض ألس َل ِف‪َ :‬ما َع َصى َ‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬و َق َال َب ْع ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َح َض َر َع ْق ُل ُه ل َح َج َز ُه َع ِن أل َم ْع ِص َي ِة َو ُه َو ِفي َق ْب َض ِة ألر ِب َت َعالى‪َ ،‬أ ْو َت ْح َت َق ْه ِر ِه‪َ ،‬و ُه َو ُمط ِلع َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ِفي‬
‫ْ‬ ‫ْ آ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َد ِأر ِه َع َلى ِب َس ِاط ِه َو َمَل ِئ َك ُت ُه ُش ُهود َع َل ْي ِه َن ِاظ ُرو َن ِأل ْي ِه‪َ ،‬و َو ِأع ُظ أل ُق ْرأ ِن َي ْن َه ُاه‪َ ،‬و َو ِأع ُظ أل َم ْو ِت َي ْن َه ُاه‪،‬‬
‫َ‬
‫اف أضعاف َما َي ْح ُص ُل ل ُه‬ ‫ألد ْن َيا َو ْ آأْل ِخ َر ِة َأ ْض َع ُ‬
‫َو َوأع ُظ ألنار َي ْن َه ُاه‪َ ،‬وألذي َي ُف ُوت ُه ب ْال َم ْع ِص َية م ْن َخ ْير ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف ِب ِه ُذو َع ْقل َس ِليم؟‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫ألس ُرو ِر َوأللذ ِة ِب َها‪ ،‬ف َهل ُيق ِد ُم َعلى ِأْل ْس ِت َهان ِة ِبذ ِل َك ك ِل ِه‪َ ،‬و ِأْل ْس ِتخف ِ‬ ‫ِم َن ُّ‬

‫‪ ،‬قال رحمه هللا تعالى‪ :‬قال بعض ألسلف‪ :‬ما عصى هللا أحدأ أبد حتى يغيب عقله‪ ,‬قال‪ :‬وهذأ‬
‫ظاهر ‪,‬ولهذا فإن اهل العلم يرون ان كل عاص جاهل وان عصيانه من جهله وانه لو كان عاقال تمام‬
‫العقل لما ارتكب تلك المعاصي فعصيانه من جهله‪.‬‬
‫قال بعض السلف‪ :‬ما عصى هللا أحد حتى يغيب عقله‪ ،‬قال ابن القيم‪ :‬وهذأ ظاهر فانه لو حضر‬
‫عقله ‪ -‬اي وقت تحرك نفسه‪ -‬لفعل ألمعصية لحجزه عن ألمعصية ‪ ،‬العاصي عندما وقع في‬
‫المعصية لنتامل في هذا ‪ ،‬هل وقع فيها عن نظر وتامل بعقله؟ او ان النظر إنما كان منصبا على‬
‫حركة نفسه وشهوته دون ان يعمل عقله؟‪ ,‬الن لو اعمل عقله حجزه ‪ ،‬لو اعمل عقله لقال له‪ :‬هذا‬
‫يسخط هللا ‪ ،‬هذا يترتب عليه كذا ويترتب عليه كذا‪ ،‬يذكر له حواجز تحجزه عن المعصية ‪،‬فإذا‬
‫غاب العقل لم يكن حاضرا وقت تحرك النفس في المعصية ارتكبها‪ ,‬ولهذا من الخير لإلنسان‪ ,‬إذا‬
‫تحركت نفسه لفعل معصية من المعاصي ان يجتهد فورا في ان يحرك عقله في ذلك الموطن ‪,‬فال‬
‫يعمل بحركة نفسه الباطنة قلبه وإرادته بل يعمل عقله ‪-‬تفكرا وتامال وتدبرا في العواقب وما يترتب‬
‫على هذا الذنب ‪ ،-‬قال‪ :‬فانه لو حضره عقله لحجزه عن ألمعصية وهو في قبضة ألرب تعالى أو‬
‫آ‬
‫تحت قهره ومطلع عليه وفي دأره وعلى بساطه ومَلئك ته شهود عليه ‪ ،‬ناظرون أليه ووأعظ ألقرأن‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫ينهاه‪ ،‬ووأعظ أْليمان ينهاه‪ ،‬ووأعظ ألموت ينهاه ‪ ،‬ووأعظ ألنار ينهاه ‪ ،‬هذه االشياء كلها ال تظهر‬
‫لإلنسان وقت المعصية إال إن حرك عقله تامَل وتفكرأ فإنه يكون بإذن هللا سبحانه وتعالى حاجزا له‬
‫عن المعاصي‪ ،‬نعم ‪،‬‬

‫وب]‬ ‫وب َت ْط َب ُع َع َلى ْأل ُق ُ‬


‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫[ َف ْصل ُّ‬
‫ألذ ُ‬
‫ِ‬
‫ين‪.‬‬‫وب أ َذأ َت َك َاث َر ْت ُطب َع َع َلى َق ْلب َص ِاحب َها‪َ ،‬ف َك َان ِم َن ْأل َغ ِاف ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫قال رحمه هللا َوم ْن َها‪َ :‬أن ُّ‬
‫ألذ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪:‬‬‫ون} [ ُسو َر ُة ْأل ُم َط ِف ِف َ‬ ‫ض ألس َل ِف ِفي َق ْو ِل ِه َت َع َالى‪َ { :‬كَل َب ْل َر َأن َع َلى ُق ُلوبه ْم َما َك ُانوأ َي ْك ِس ُب َ‬ ‫َك َما َق َال َب ْع ُ‬
‫ِِ‬
‫‪َ ، ]14‬ق َال‪ُ :‬ه َو ألذ ْن ُب َب ْع َد ألذ ْن ِب‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َق َال أل َح َس ُن‪ُ :‬ه َو ألذ ْن ُب َع َلى ألذ ْن ِب‪َ ،‬حتى ي ْعمى أل َقل َب‪.‬‬
‫اط ْت ِب ُق ُلو ِب ِه ْم‪.‬‬‫َو َق َال َغ ْي ُر ُه‪َ :‬لما َك ُث َر ْت ُذ ُن ُوب ُه ْم َو َم َعاصيه ْم َأ َح َ‬
‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫َو َأ ْص ُل َه َذأ َأن أل َقل َب َي ْص َد ُأ ِم َن أل َم ْع ِص َي ِة‪َ ،‬ف ِا َذأ َز َأد ْت َغ َل َب ألص َد ُأ َحتى َي ِص َير َرأنا‪ُ ،‬ثم َي ْغ ِل ُب َحتى‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َي ِص َير َط ْبعا َو ُق ْفَل َو َخ ْتما‪َ ،‬ف َي ِص ُير أل َقل ُب ِفي ِغ َش َاوة َو ِغَلف‪َ ،‬ف ِا َذأ َح َص َل ل ُه َذ ِل َك َب ْع َد أل ُه َدى َوأل َب ِص َير ِة‬
‫َ‬
‫ْأن َع َك َس َف َص َار َأ ْعَل ُه َأ ْس َف َل ُه‪َ ،‬ف ِح َين ِئذ َي َت َوْل ُه َع ُد ُّو ُه َو َي ُس ُوق ُه َح ْي ُث َأ َر َأد‪.‬‬
‫هذه ايضا من عوأقب ألذنوب‪ :‬أنها أذأ تكاثرت طبع على قلب صاحبها ‪،‬قد مر معنا في حديث‬
‫نبينا عليه الصالة والسالم انه قال ‪ :‬أذأ أذنب ألعبد نكت في قلبه نك ته سودأء فان تاب ونزع‬
‫وأستغفر صقل وأذأ زأد زأدت‪ -‬اي النكت‪ -‬حتى تالوأ قلبه وذلك ألرأن ثم تَل قوله سبحانه‬
‫ون} } ‪،‬اي من الذنوب والمعاصي‪ ،‬فالمعاصي‬ ‫وتعالى‪َ {{ :‬كَل َب ْل َر َأن َع َلى ُق ُلوبه ْم َما َك ُانوأ َي ْك ِس ُب َ‬
‫ِِ‬
‫يترتب عليها انه ينكت في القلب نك ته تلو االخرى وهكذا إلى ان تغطي هذه النكت السوداء قلب‬
‫المرء فيطبع على القلب‪ ,‬وتغطي هذه المعاصي على قلبه وذلك الران { َكَل َب ْل َر َأن َع َلى ُق ُلو ِب ِه ْم َما‬
‫ون} } اي غطى عليها ما كانوا يكسبون‪.‬‬ ‫َك ُانوأ َي ْك ِس ُب َ‬

‫واصل هذا ان القلب يصدا من المعصية ‪-‬يعني المعاصي يترتب عليها صدا القلوب‪ -‬فالقلوب تصدا‬
‫بالمعاصي وجالء صدئها ذكر هللا ‪,‬فإذا ذكر هللا واقبل عليه واناب إليه‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬صقل قلبه‬
‫كما قال نبينا ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪. -‬‬

‫ّللا ﷺ ]‬
‫ول ِ‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ر‬‫وب ُت ْد ِخ ُل ْأل َع ْب َد َت ْح َت َل ْع َن ِة َ‬ ‫[ َف ْصل ُّ‬
‫ألذ ُن ُ‬
‫ِ‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫َ‬
‫‪َ -‬ف ِان ُه ل َع َن َع َلى‬ ‫ﷺ‬ ‫ّللا ‪-‬‬
‫ول ِ‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ر‬ ‫وب ُت ْد ِخ ُل ْأل َع ْب َد َت ْح َت َل ْع َن ِة َ‬ ‫قال رحمه هللا َوم ْن َها‪َ :‬أن ُّ‬
‫ألذ ُن َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َ َ َ َُْ َ َْ ُ َْ َ َْ ُ ُ‬
‫ول َف ِاع ِل َها َت ْح َت ألل ْع َن ِة‪.‬‬ ‫معاص وغيرها أك َبر ِمنها‪ ،‬ف ِه َي أولى ِبدخ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َف َل َع َن أل َو ِأش َم َة َوأل ُم ْس َت ْو ِش َم َة‪َ ،‬وأل َو ِأص َل َة َوأل ُم ْس َت ْو ِص َل َة‪َ ،‬وألن ِام َص َة َوأل ُم َت َن ِم َص َة‪َ ،‬وأل َو ِأش َر َة‬
‫ْ‬
‫َوأل ُم ْس َت ْو ِش َر َة‪.‬‬
‫ألرَبا َو ُم ْؤ ِك َل ُه َو َكا ِت َب ُه َو َش ِاه َد ُه‪.‬‬ ‫ل‬‫َو َل َع َن آأك َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َول َع َن أل ُم َح ِل َل َوأل ُم َحل َل ل ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن ألس ِار َق‪.‬‬
‫آ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َول َع َن َش ِار َب أل َخ ْم ِر َو َس ِاق َيها َو َع ِاص َر َها َو ُم ْع َت ِص َر َها‪َ ،‬و َبا ِئ َع َها َو ُم ْش َت ِر َيها‪َ ،‬وأ ِك َل َث َم ِن َها َو َح ِام َل َها‬
‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َوأل َم ْح ُمول َة ِأل ْي ِه‪.‬‬
‫َ‬
‫ض َو ِه َي َأ ْعَل ُم َها َو ُح ُد ُود َها‪.‬‬ ‫ر‬‫َو َل َع َن َم ْن َغي َر َم َن َار ْ َأْل ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن ل َع َن َوأ ِل َد ْي ِه‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ِن أت َخ َذ َش ْيئ ِف ِيه ُّألرو ُح َغ َرضا َي ْر ِم ِيه ِب َس ْهم‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َو َل َع َن ْأل ُم َخن ِث َ‬
‫ألر َج ِال َوأل ُم َت َر ِجَل ِت ِم َن ِألن َس ِاء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ين ِم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا‪.‬‬‫َول َع َن َم ْن ذ َب َح ِل َغ ْي ِر ِ‬
‫آ‬ ‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َأ ْح َد َث َح َدثا َأ ْو أ َوى ُم ْح ِدثا‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫َول َع َن أل ُم َص ِو ِر َين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َع ِم َل َع َم َل َق ْو ِم لوط‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َسب َأ َب ُاه َو ُأم ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َك ِم َه َأ ْعمى َع ِن ألط ِر ِيق‪َّ - .‬كمه‪ :‬اعمى اي اضل اعمى عن الطريق‪-‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َأ َتى َب ِه َيمة‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َو َس َم َدأبة ِفي َو ْج ِه َها‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َضار ُم ْس ِلما َأ ْو َم َك َر ِب ِه‪.‬‬
‫أت ْأل ُق ُبو ِر َو ْأل ُمت ِخ ِذ َين َع َل ْي َها ْأل َم َس ِاج َد َو ُّ‬
‫ألس ُر َج‪.‬‬ ‫َول َع َن َزو َأر ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َأ ْف َس َد ْأم َ َرأة َع َلى َز ْو ِج َها‪َ ،‬أ ْو َم ْم ُلوكا َع َلى َس ِي ِد ِه‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َأ َتى ْأم َ َرأة ِفي ُد ُب ِر َها‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َأ ْخ َب َر َأن َم ْن َب َات ْت ُم َه ِاج َرة ِل ِف َ‬
‫أش َز ْو ِج َها ل َع َن ْت َها أل َمَل ِئ َك ُة َحتى ُت ْص ِب َح‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َول َع َن َم ِن ْأن َت َس َب ِألى َغ ْي ِر َأ ِب ِيه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َو َأ ْخ َب َر َأن َم ْن َأ َش َار ِألى َأ ِخ ِيه ِب َح ِد َيدة َف ِان أل َمَل ِئ َك َة َتل َع ُن ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫َول َع َن َم ْن َسب ألص َح َاب َة‪.‬‬
‫َم ْن َل َع َن ُه ُ‬
‫ّللا‬
‫َ‬ ‫آ آ‬
‫ض َو َق َط َع َر ِح َم ُه‪َ ،‬وأ َذ ُأه َوأ َذى َر ُسول ُه ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬ ‫ر‬‫ّللا في ك تابه َم ْن َأ ْف َس َد ِفي ْ َأْل ْ‬ ‫َو َق ْد َل َع َن ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َو َل َع َن َم ْن َك َت َم َما َأ ْن َز َل ُ‬
‫ات َوأل ُه َدى‪.‬‬ ‫ّللا ُس ْب َحان ُه ِم َن أل َب ِي َن ِ‬
‫َ َُْ َ ُْ ْ ََ ْ َ َ ُْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ات ِبال َف ِاح َش ِة‪.‬‬ ‫ات ألغ ِافَل ِت ألمؤ ِمن ِ‬ ‫َول َع َن أل ِذين يرمون ألمحصن ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َْ ََْ ْ‬ ‫َََ َ َ ْ َ َ َ‬
‫يل ألمؤمن أل ُم ْس ِل ِم‪.‬‬ ‫ولعن من جعل َس ِبيل ألك ِاف ِر أهدى ِمن َس ِب ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ألر ُج َل َيل َب ُس ِل ْب َس َة أل َم ْ َرأ ِة َوأل َم ْ َرأ َة َتل َب ُس ِل ْب َس ألر ُج ِل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َول َع َن َر ُسول ِ‬
‫ألر ْش َو ِة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ة‬ ‫َو َل َع َن ألرأشي َو ْأل ُم ْرَتشي َوألرأئ َش‪َ ،‬و ُه َو‪ْ :‬أل َوأس َط ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َول َع َن َع َلى َأ ْش َي َاء ُأ ْخ َرى َغ ْي ِر َه ِذ ِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ون ِمم ْن َي ْل َع ُن ُه ُ‬ ‫َف َل ْو َل ْم َي ُك ْن ِفي ِف ْعل َذ ِل َك أْل ر َض ُاء َف ِاع ِل ِه ب َا ْن َي ُك َ‬
‫ّللا َو َر ُسول ُه َو َمَل ِئ َك ُت ُه ل َك َان ِفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ َ َ ِ‬
‫َذ ِل َك َما َيد ُعو ِألى ت ْر ِك ِه‪:.‬‬

‫هذا ايضا من االثار التي تجلبها الذنوب والمعاصي انها تدخل فاعلها تحت اللعنة‪ ،‬تدخل فاعلها‬
‫تحت اللعنة‪,‬وابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى‪ -‬ذكر امثلة في معاصي توجب اللعنة‪ ،‬وقال ‪-‬رحمه هللا‪: -‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫فانه لعن على معاصي وألتي غيرها أكبر منها‪ ،‬فإذا كانت هذه المعاصي وهي اصغر مما هو اكبر‬
‫منها‪ ،‬فإن غيرها من باب اولى ان يكون كذلك‪ ،‬فإذن من عواقب الذنوب واضرارها الوخيمة انها‬
‫تدخل فاعلها تحت اللعنة وإذا تفكر العاقل في هذا االمر اوجبه‪ -‬اوجب له نصحا لنفسه بترك‬
‫الذنوب‪ ،-‬والبعد عنها حتى ال يكون داخال تحت من لعنهم هللا‪ ،‬او لعنهم رسوله ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،-‬او من تلعنهم المالئكة مالئكة هللا ‪,‬واللعن دليل على ان االمر الذي لعن فاعله عليه‬
‫ليس هينا‪ ،‬وال من صغائر الذنوب‪ ،‬فإن اللعن دليل على ان الذنب الذي فعل عظيم وليس‬
‫بالهين‪ ،‬وهو من عالمات الكبيرة ان يلعن المرء على فعلها‪ ،‬ألحاصل أن من االضرار التي توجبها‬
‫الذنوب والمعاصي انها تدخل فاعلها تحت لعنة هللا‪ ،‬او لعنة رسوله ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬او لعنة‬
‫المالئكة‬
‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‪ : -‬فلو لم يكن في فعل ذلك ‪ -‬أي ألذنب أو ألمعصية ‪-‬أْل رضا فاعله بان‬
‫يكون ممن يلعنه هللا ورسوله ومَلئك ته لكان في ذلك ما يدعوأ ألى تركه‪ -‬نعم ‪.‬‬
‫ْ َْ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ّللا ﷺ‬
‫ول ِ‬‫«قال ‪-‬رحمه هللا‪[ -‬فصل ِحرمان دعو ِة ر ُس ِ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬و َد ْع َو ِة ْأل َم ََل ِئ َك ِة‪َ ،‬فان َ‬
‫ّللا ُس ْب َح َان ُه َأ َم َر َن ِبي ُه َأ ْن َي ْس َت ْغ ِف َر‬ ‫ول ِ‬ ‫‪َ .‬و ِم ْن َها‪ِ :‬ح ْر َم ُان َد ْع َو ِة َر ُس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِب َح ْم ِد َرِب ِه ْم‬ ‫ون ْأل َع ْر َش َو َم ْن َح ْو َل ُه ُي َسب ُح َ‬ ‫ات‪َ ،‬و َق َال َت َع َالى‪{ :‬أل ِذ َين َي ْحم ُل َ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ين َو ْأل ُم ْؤ ِم َ‬‫ِل ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫آ‬
‫ون ِب ِه َو َي ْس َت ْغ ِف ُرو َن ِلل ِذ َين أ َم ُنوأ َرب َنا َو ِس ْع َت كل ش ْيء َرح َمة َو ِعلما فاغ ِف ْر ِلل ِذ َين تابوأ َوأت َب ُعوأ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َو ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫آ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ ََ َ ْ‬
‫ات َع ْدن أل ِتي َو َع ْد َت ُه ْم َو َم ْن َص َل َح ِم ْن أ َبا ِئ ِه ْم‬ ‫أب أل َج ِح ِيم ‪َ -‬رب َنا َوأد ِخل ُه ْم َجن ِ‬ ‫س ِبيلك و ِق ِهم عذ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َأ ْز َو ِأج ِه ْم َو ُذ ِريا ِت ِه ْم ِأن َك َأ ْن َت أل َع ِز ُيز أل َح ِك ُيم ‪َ -‬و ِق ِه ُم ألس ِي َئ ِت َو َم ْن َت ِق ألس ِي َئ ِت َي ْو َم ِئذ َف َق ْد َر ِح ْم َت ُه‬
‫ْ ْ‬
‫َو َذ ِل َك ُه َو أل َف ْو ُز أل َع ِظ ُيم} [ ُسو َر ُة َغ ِافر‪. ]9 - 7 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ِل ِك َتا ِب ِه َو ُسن ِة َر ُسو ِل ِه أل ِذ َين ْل َس ِب َيل ل ُه ْم َغ ْي ُر ُه َما‪،‬‬ ‫ين ْأل ُمتب ِع َ‬ ‫ين ألتا ِئب َ‬ ‫َف َه َذأ ُد َع ُاء ْأل َم ََل ِئ َك ِة ِل ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا ْأل ُم ْس َت َعان‪ُ.‬‬ ‫ات ْأل َم ْد ُعو َل ُه ب َها‪َ ،‬و ُ‬ ‫و َْل َي ْط َم ُع َغ ْي ُر َه ُؤ َْل ِء با َج َابة َهذه ألد ْع َوة‪ ،‬أ ْذ َل ْم َيتص ْف بصفَ‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ‬
‫يضا اثر من أثار ألذنوب‪ ،‬وعاقبة من عواقبه الوخيمة‪ ،‬ان المعاصي والذنوب توجب حرمان‬ ‫هذا ا ً‬
‫العبد من دعوة الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ ،-‬ودعوة المالئكة ‪,‬فإن هللا ‪-‬سبحانه‪ -‬امر نبيه ‪ -‬ﷺ‬
‫نين َوالمؤمنات ﴾‬ ‫اعلم َا َّنه ال إ َله إ َّال ََّّللا َو َ‬
‫استغفر ل َذنب َك َوللمؤم َ‬ ‫‪ -‬ان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات﴿ َف َ‬
‫[ محمد ‪]47:19 -‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫امره هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بذلك ‪,‬وينال العبد نصيبه من استغفار النبي ‪ -‬ﷺ ‪-‬بحسب حظه من‬
‫اإليمان و اإلتباع للنبي الكريم عليه الصالة والسالم‪ .‬مثل هذا ما جاء في هذه الدعوات العظيمة‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ‬
‫ون ال َع ْر َش َو َم ْن َح ْوله "اي من المالئكة‪ ،‬فهناك مالئكة‬ ‫للمالئكة قال هللا سبحانه ‪ ":‬الذين يحمل‬
‫حمله للعرش وهناك مالئكة حافون وترا المالئكة حافين من حول العرش‪ ،‬فهؤالء المالئكة الذين‬
‫ون ب َح ْمد َربه ْم‬‫هم حملة العرش والمالئكة ‪-‬الذين هم حافون من حول عرش الرحمن‪ "-‬ي َسبح َ‬
‫ون به َو َي ْس َت ْغفرو َن ل َّلذ َين ا َمنوا "وذكر هللا سبحانه وتعالى الفاظ دعائهم ‪َ {:‬ر َّب َنا َوس ْع َت ك َّل َش ْيء‬ ‫َوي ْؤمن َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َر ْح َم ًة َوعل ًما َف ْاغف ْر ل َّلذ َين َتابوا َو َّات َبعوا َسب َيل َك َوقه ْم َع َذ َاب ال َجحيم ‪َ -‬ر َّب َنا َو َا ْدخله ْم َج َّنات َع ْدن التي‬
‫َو َع ْد َته ْم َو َم ْن َص َل َح م ْن ا َبائه ْم َو َا ْز َواجه ْم َوذر َّياته ْم إ َّن َك َا ْن َت ْال َعزيز ْال َحكيم ‪َ -‬وقهم َّ‬
‫السي َئت َو َم ْن َتق‬
‫ْ ْ‬
‫السي َئت َي ْو َمئذ َف َق ْد َرح ْم َته َو َذل َك ه َو ال َف ْوز ال َعظيم} ‪,‬هذه الدعوات من المالئكة وهم جنس اخر غير‬ ‫َّ‬
‫جنس البشر‪ ،‬المالئكة خلقوا من نور والبشر خلقوا من طين و مع اختالف الجنس أنظر هذه الرابطة‬
‫مما يدلك ان رابطة اإليمان هي اوثق رابطة على اإلطالق‪ .‬وهي اوثق من رابطة النسب ولهذا الرابطة‬
‫الدينية اوثق من الرابطة الطينية‪ .‬الدين هو اوثق رابطة واعلى رابطة على اإلطالق ولهذأ أنظر مع‬
‫اختالف الجنس المالئكة خلقوا من نور والبشر خلقوا من طين ثم يدعون هذه الدعوات‪ .‬لكنها لمن ؟‬
‫‪-‬وهذا موطن الشاهد من السياق‪- ،-‬للذين امنوا وتابوا و اتبعوا سبيل النبي عليه الصالة والسالم‪,‬‬
‫الذي هو شرع هللا جل في عاله ولهذا قال ابن القيم‪ :‬فهذأ دعاء ألمَلئكة للمؤمنين‪,‬هذا اخذهم من‬
‫آ‬
‫قوله ‪:‬ويستغفرون للذين أمنوأ ألتائبين ألمتبعين لك تابه وسنة رسوله ﷺ ْل سبيل له غيرهما‪،‬‬
‫هذا اخذهم من قوله‪َ ":‬ف ْاغف ْر ل َّلذ َين َتابوا َو َّات َبعوا َسب َيل َك "‬
‫ْل سبيل ألى هللا من غير ألك تاب وألسنة‪ .‬سبيله الك تاب والسنة ك تابه وسنة نبيه عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ,‬فال يطمع غير هؤالء بإجابة هذه الدعوة إذا لم يتصف بصفات المدعو له بها والمدعو له بها‬
‫هو ‪:‬المؤمن التائب المتبع لسبيل هللا ك تابه وسنة نبيه عليه الصالة والسالم‪ ,‬فإذا كان اإليمان و‬
‫التوبة وإتباع سبيل هللا جل في عاله ينال به العبد هذا الدعاء فإن المعصية والبعد عن التوبة‬
‫يوجب ماذا؟‪ -‬الحرمان‪ ,‬يوجب الحرمان من ذلك‪ .‬نعم‬
‫ْ ُُ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫ات أل ُع َص ِاة]‬ ‫قال رحمه [ف ْصل َما َرأ ُه ألر ُسول ﷺ ِمن عقوب ِ‬
‫يث َس ُم َر َة ْب ِن ُج ْن ُدب َق َال‪َ « :‬ك َان‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫يح‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ار‬‫خ‬ ‫َوم ْن ُع ُق َوبات ْأل َم َعاصي َما َر َو ُأه ْأل ُب َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص َعل ْي ِه َم ْن ش َاء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ألن ِب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬مما ُيك ِث ُر أ ْن َيقول ِْل ْص َحا ِب ِه‪َ :‬هل َرأى أ َحد ِمنك ُم ُرؤ َيا؟ قال ف َيق ُّ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ّللا َأ ْن َي ُقص‪َ ،‬و َأن ُه َق َال َل َنا َذ َ‬
‫أت َغ َدأة‪ِ :‬أن ُه َأ َتا ِني ألل ْي َل َة أ ِت َي ِان‪َ ،‬و ِأن ُه َما أ َبت َع َثاني ‪َ ،‬و ِأن ُه َما َقاْل ِلي‪:‬‬ ‫ُ‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬
‫آ‬
‫ْأن َط ِل ْق َو ِأ ِني ْأن َط َل ْق ُت َم َع ُه َما‪َ ،‬و ِأنا َأ َت ْي َنا َع َلى َر ُجل ُم ْض َط ِجع َو ِأ َذأ أ َخ ُر َقا ِئم َع َل ْي ِه ِب َص ْخ َرة‪َ ،‬و ِأ َذأ ُه َو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َي ْه ِوي ِبالص ْخ َر ِة ِل َ ْرأ ِس ِه‪َ ،‬ف َي ْث َل ُغ َرْأ َس ُه َف َي َت َد ْه َد ُه أل َح َج ُر َه ُاه َنا َف َيقتب ُع أل َح َج ُر‪َ ،‬ف َي ْا ُخ ُذ ُه‪َ ،‬فَل َي ْر ِج ُع ِأل ْي ِه‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ود َع َل ْي ِه َف َي ْف َع ُل ِب ِه ِم ْث َل َما َف َع َل أل َمر ِة ُأْلولى‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬قل ُت ل ُه َما‪:‬‬ ‫َحتى ُي ْص َح َرْأ ُس ُه َك َما َك َان‪ُ ،‬ثم َي ُع ُ‬
‫َ‬
‫ّللا َما َه َذ ِأن؟ َقاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬ ‫ُس ْب َح َان ِ‬
‫آ‬ ‫ْ‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا‪َ ،‬ف َا َت ْي َنا َع َلى َر ُجل ُم ْس َتلق ِل َق َف ُاه‪َ ،‬و ِأ َذأ أ َخ ُر َقا ِئم َع َل ْي ِه ِب َك ُّلوب ِم ْن َح ِديد‪َ ،‬و ِأ َذأ ُه َو َي ْا ِتي َأ َح َد‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِشق ْي َو ْج ِه ِه ف ُي َش ْر ِش ُر ِش ْد َق ُه ِألى َق َف ُاه‪َ ،‬و َم ْن ِخ َر ُه ِألى َق َف ُاه‪َ ،‬و َع ْي َن ُه ِألى َق َف ُاه‪ُ ،‬ثم َي َت َحو ُل ِألى أل َجا ِن ِب‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْآ‬
‫أْل َخ ِر‪َ ،‬ف َي ْف َع ُل ِب ِه ِم ْث َل َما َف َع َل ِبال َجا ِن ِب َأْلو ِل‪َ ،‬ف َما َي ْف َر ُغ ِم ْن َذ ِل َك أل َجا ِن ِب َحتى ُي ْص َح َذ ِل َك‬
‫ْ ُْ َ َ َ ُْ‬ ‫ْأل َجان ُب َك َما َك َان‪ُ ،‬ثم َي ُع ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ّللا! َما‬ ‫ود َعل ْي ِه ف َي َعمل ِم ْثل َما ف َعل ِفي أل َمر ِة أْلولى‪ ،‬قال‪ :‬قل ُت‪ُ :‬س ْب َح َان ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َه َذ ِأن؟ َف َقاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬
‫َ‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا َف َا َت ْي َنا َع َلى ِم ْث ِل ألت ُّنو ِر‪ ،‬قال وأحسب أنه كان يقول ف ِا َذأ ِف ِيه ل َغط َو َأ ْص َوأت‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫َ‬
‫َفاط َل ْع َنا ِف ِيه‪َ ،‬ف ِا َذأ ِف ِيه ِر َجال َو ِن َساء ُع َرأة‪َ ،‬و ِأ َذأ ُه ْم َي ْا ِتي ِه ْم ل َهب ِم ْن َأ ْس َف َل ِم ْن ُه ْم‪َ ،‬ف ِا َذأ َأ َت ُاه ْم َذ ِل َك‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ألل َه ُب َض ْو َض ْوأ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬قل ُت‪َ :‬ما َه ُؤْل ِء؟ َق َال‪َ :‬ف َقاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا‪َ ،‬ف َا َت ْي َنا َع َلى َن ْهر فحسبت أنه كان يقول َأ ْح َم َر ِم ْث ِل ألد ِم‪ ،‬و ِأ َذأ ِفي ألن ْه ِر َر ُجل َسا ِبح‬
‫َي ْس َب ُح‪َ ،‬و ِأ َذأ َع َلى َش ِط ألن ْه ِر َر ُجل َق ْد َج َم َع ِع ْن َد ُه ِح َج َارة َك ِث َيرة‪َ ،‬و ِأ َذأ َذ ِل َك ألسا ِب ُح َي ْس َب ُح َما َي ْس َب َح‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُثم َي ْا ِتي َذ ِل َك أل ِذي َج َم َع ِع ْن َد ُه أل ِح َج َار َة َف َي ْف َغ ُر ل ُه َف ُاه َف ُيل ِق ُم ُه َح َجرأ‪َ ،‬ف َي ْن َط ِل ُق َف َي ْس َب ُح‪ُ ،‬ثم َي ْر ِج ُع ِأل ْي ِه‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُكل َما َر َج َع ِأل ْي ِه‪ْ ،‬ف َغر ل ُه َف ُاه َفال ِق ُم ُه َح َجرأ‪ُ ،‬قل ُت ل ُه َما‪َ :‬ما َه َذ ِأن؟ َقاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬
‫ْ آ‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا‪َ ،‬ف َا َت ْي َنا َع َلى َر ُجل َك ِر ِيه أل َم ْرأ ِة‪َ ،‬أ ْو َك َا ْك ِر ِه َما َأ ْن َت َرأء َر ُجَل َم ْ ًرأى‪َ ،‬و ِأ َذأ ُه َو ِع ْن َد ُه َنار َي ُحش َها‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َو َي ْس َعى َح ْول َها‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬قل ُت ل ُه َما‪َ :‬ما َه َذأ؟ َق َال‪َ :‬قاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا حتى أتينا َع َلى َر ْو َضة ُم َع َتمة ِف َيها ِم ْن ُك ِل لون ألرِب ِيع‪َ ،‬و ِأ َذأ َب ْي َن َظ َه َر َأن ِي ألر ْو َض ِة َر ُجل‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َط ِويل‪ْ ،‬ل َأ َك ُاد َأ َرى َرْأ َس ُه ُطوْل ِفي ألس َم ِاء‪َ ،‬و ِأ َذأ َح ْو َل ألر ُج ِل ِم ْن َأ ْك َث ِر ِول َدأن َ َرأ ْي ُت ُه ْم َق ُّط‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُقل ُت لهما‪َ :‬ما َه َذأ؟ َما َه ُؤْل ِء؟ َق َال‪َ :‬قاْل ِلي‪ْ :‬أن َط ِل ِق ْأن َط ِل ْق‪.‬‬
‫َف ْان َط َل ْق َنا‪َ ،‬ف َا َت ْي َنا ِأ َلى دوحة َع ِظ َيمة َل ْم َأ َر روضة َق ُّط َأ ْع َظ َم ِم ْن َها‪َ ،‬و َْل َأ ْح َس َن‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َاْل ِلي‪ْ :‬أر َق‬
‫اب ْأل َم ِد َين ِة‪َ ،‬ف ْ‬
‫اس َت ْف َت ْح َنا‪،‬‬ ‫ِف َيها‪َ ،‬ف ْارَت َق ْي َنا ِف َيها أ َلى َم ِد َينة َم ْب ِنية ِب َل ِبن َذ َهب‪َ ،‬و َل ِبن ِفضة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َا َت ْي َنا َب َ‬
‫ِ‬
‫َف ُف ِت َح َل َنا‪َ ،‬ف َد َخ ْل َن َاها‪َ ،‬ف َت َلق َانا ر َجال‪َ ،‬ش ْطر ِم ْن َخ ْل ِقه ْم َك َا ْح َسن َما َأ ْن َت َرأء‪َ ،‬و َش ْطر ِم ْن ُه ْم َك َا ْق َبح ماَ‬
‫ََ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َأ ْن َت َرأء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬قاْل ل ُه ْم‪ :‬أذ َه ُبوأ فق ُعوأ ِفي ذ ِلك ألن َه ِر‪ ،‬قال‪َ :‬و ِأذأ ن َهر معت ِرض يج ِري كان م َاء ُه‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬
‫َ‬ ‫اض‪َ ،‬ف َذ َه ُبوأ َف َو َق ُعوأ ِف ِيه‪ُ ،‬ثم َر َج ُعوأ أ َل ْي َنا‪َ ،‬ق ْد َذ َه َب َذ ِل َك ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ْأل َم ْح ُ‬
‫ألس ُوء َع ْن ُه ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬قاْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫أل‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫ِلي‪َ :‬ه ِذ ِه َجن ُة َع ْدن َو َها َذ َأك َم ْن ُزلك‪َ.‬‬
‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َس َما َب ْص ِري ُص ُعدأ‪َ ،‬ف ِا َذأ َق ْصر ِم ْث ُل ألرَب َاب ِة أل َب ْي َض ِاء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬قاْل ِلي‪َ :‬ه َذأ َم ْن ِزل َك‪ُ ،‬قل ُت ل ُه َما‪:‬‬
‫ْآ َ‬ ‫َ‬
‫يك َما‪َ ،‬ف َذ َرأ ِني َف َا ْد ُخ ُل ُه‪َ ،‬قاْل‪َ :‬أما أْل َن َفَل‪َ ،‬و َأ ْن َت َد ِأخ ُل ُه‪.‬‬ ‫ّللا ف ُ‬
‫َب َار َك ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫قال ُقل ُت ل ُه َما‪َ :‬ف ِا ِني َرَأ ْي ُت ُم ْن ُذ ألل ْي َل ِة َع َجبا‪َ ،‬ف َما َه َذأ أل ِذي َ َرأ ْي ُت؟ َق َال‪َ :‬قاْل ِلي‪َ :‬أ َما ِأنا َس ُن ْخ ِب ُر َك‪.‬‬
‫ْ آ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َأما ألر ُج ُل َأْلو ُل‪ :‬أل ِذي َأ َت ْي َت َع َل ْي ِه ُي ْث َل ُغ َرْأ ُس ُه ِبال َح َج ِر‪َ ،‬ف ِان ُه ألر ُج ُل َي ْا ُخ ُذ أل ُق ْرأ َن َف َي ْر ُف ُض ُه‪َ ،‬و َي َن ُام َع ِن‬
‫َ ْ‬
‫ألصَل ِة أل َم ْك ُت َوب ِة‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َأما ألر ُج ُل‪ :‬أل ِذي َأ َت ْي َت َع َل ْي ِه ُي َش ْر َش ُر ِش ْد ُق ُه ِألى َق َف ُاه‪َ ،‬و َم ْن ِخ ُر ُه ِألى َق َف ُاه‪َ ،‬و َع ْي ُن ُه ِألى َق َف ُاه‪َ ،‬ف ِان ُه‬
‫ْآ‬ ‫ْ ْ‬
‫ألر ُج ُل َي ْغ ُدو من َب ْي ِت ِه َف َي ْك ِذ ُب أل َكذ َب َة َت ْب ُل ُغ أْل َف َاق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َو َ‬
‫ألر َج ُال َو ِألن َس ُاء أل ُع َر ُأة أل ِذ َين ُه ْم ِفي ِم ْث ِل ِب َن ِاء ألت ُّنو ِر‪َ ،‬ف ِان ُه ُم ُّألزَن ُاة َوألز َوأ ِني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫أ‬
‫ألرَبا‪.‬‬ ‫ل‬ ‫َو َأما ألر ُج ُل ألذي َأ َت ْي َت َع َل ْيه َي ْس َب ُح في ألن ْهر َو ُي ْل َق ُم ْألح َج َار َة‪َ ،‬فان ُه آأك ُ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ آ‬ ‫ْ‬
‫َو َأما ألر ُج ُل أل َك ِر ُيه أل َمرأة أل ِذي ِع ْن َد ألن ِار َي ُح ُش َها َو َي ْس َعى َح ْول َها‪َ ،‬ف ِان ُه َما ِلك َخ ِاز ُن َج َهن َم‪.‬‬
‫َو َأما ألر ُج ُل ألط ِو ُيل أل ِذي ِفي ألر ْو َض ِة‪َ ،‬ف ِان ُه ِأ ْب َر ِأه ُيم‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َو َأما ْألو ْل َد ُأن أل ِذ َين َح ْو َل ُه‪َ ،‬ف ُك ُّل َم ْو ُلود َم َ‬
‫ات َع َلى أل ِفط َر ِة ‪َ -‬و ِفي ِر َو َأي ِة أل َب ْر َقا ِن ِي‪ُ :‬و ِل َد َع َلى أل ِفط َر ِة ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ّللا ‪ -‬ﷺ ‪َ :‬و َأ ْو َْلدُ‬ ‫ين؟ َف َق َال َر ُسولُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ّللا َوأ ْوْلد أل ُمشر ِك َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ين‪َ :‬يا َ‬‫ض أل ُم ْس ِلم َ‬‫ْ‬ ‫َف َق َال َب ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ْأل ُم ْشر ِك َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫آ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َأما أل َق ْو ُم أل ِذ َين َك ُانوأ َشطر ِم ْن ُه ْم َح َسن َو َشطر ِم ْن ُه ْم َق ِبيح‪َ ،‬ف ِان ُه ْم َق ْوم َخ َل ُطوأ َع َمَل َصا ِلحا َوأ َخ َر‬
‫ّللا َع ْن ُه ْم‪».‬‬ ‫َسيئ َت َج َاو َز ُ‬
‫ِ‬
‫هذا الحديث في ذكر هذه الرؤيا العظيمة التي راها النبي عليه الصالة والسالم مشتمل على ألعديد‬
‫من عقوبات ألمعاصي وألذنوب‪ ،‬ولهذا صدر اإلمام ابن القيم رحمه هللا إراده بهذا الحديث بقوله‪:‬‬
‫ومن عقوبات ألمعاصي ما روأه ألبخاري‪ ..‬الى اخره‪ ،‬فهذه من عقوبات ألمعاصي راها النبي صلوات‬
‫هللا وسالمه وبركاته عليه‪ ،‬أما أْلول من هؤْلء ألمعذبين فهو‪ :‬الذي تثقل راسه عن الصالة المك توبة‬
‫التي اوجبها هللا سبحانه وتعالى عليه‪ ,‬وخاصة يكون هذا االمر في صالة الفجر‪ ،‬ويتحول في زماننا‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫هذا في شهر رمضان الى صالة الظهر الن ك ثير من الناس يسهر في ليالي رمضان حتى يتسحر ويصلي‬
‫الفجر ثم ينام فيتحول الثقل الذي كان عنده عن صالة الفجر إلى ثقل عن صالة الظهر‪ -‬والعياذ‬
‫باهلل‪ -‬فيثقل راسه عن الصالة المك توبة وهذأ أمر خطير جدأ‪ ,‬ولهذا ينبغي على كل من يضع راسه‬
‫على الوسادة لينام أن ينتبه قد تكون هذه الوسادة الوتيرة المريحة سبب ان يثلغ راسه يوم القيامه‪،‬‬
‫نعم قد تكون هذه الوسادة سبب الن يثلغ راسه يوم القيامه يضرب بصخرة حتى ينفلق ثم يلتئم‬
‫ويضرب حتى ينفلق ويضرب حتى ينفلق وهكذا‪ ،‬فالوسادة امرها خطير جدا ولهذا يجب على المرء‬
‫وهو يتنعم بارتياح ونوم هانئ طيب على هذه الوسادة‪ -‬يتلذذ بعد العناء والتعب ‪ -‬بان يضع راسه‬
‫على الوسادة ليدخل في نوم يريح بدنه ويجم نفسه ويقوم منه بنشاط عليه أن ينتبه لهذأ المعنى‬
‫ويسال ربه ان يعينه على النهوض لصالة ‪,‬وإال تكون هذه الوسادة سبب لعقوبة هللا وقد كان نبينا‬
‫كما صح في الحديث‪ ":‬أذأ عرس بليل" يعني نام في وقت متاخر من الليل "أقام ساعده" يعني‬
‫وضع ساعده بهذه الطريقة ووضع خده على ك فه ونام‪ ,‬ولو تجرب هذه النومة وانت في غاية التعب‬
‫محتاج إلى الراحة الشديدة‪،‬تجد انها نومة متعبة وال يمكن ان تستغرق في النوم‪،‬لكن إذا عظمت‬
‫متعبا ويلقي راسه على الوسادة وهو‬ ‫الصالة في قلبك رضيت بهذه النومة‪،‬الن من ياتي في اخر الليل ً‬
‫اصال ال يفكر في مسالة الصالة وإنما يفكر فقط في راحة بدنه‪،‬ثم يصبح و تطلع الشمس و هو على‬
‫فراشه خامد ال يقوم‪ ..‬هذه مصيبة عظيمة ولهذا الوسادة خطيرة جدا ولي خطبة خطبة جمعة‬
‫بعنوان ‪[:‬الوسادة و إضاعة الصالة] النه يجب على المرء ان ينتبه لشان الوسادة‪،‬الوسادة هذه‬
‫الوثيرة الجميلة ك ثير من الناس ربما تكون سبب الن يثلغ راسه مرات يوم القيامة ‪ ،‬يلتئم و يثلغ‬
‫يلتئم ويثلغ وهكذا ‪-..‬عقوبة له والعياذ باهلل‪.-‬‬
‫آ‬
‫قال ‪ :‬ألذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فان ألرجل ياخذ ألقرأن فيرفضه وينام عن ألصَلة‬
‫ألمك توبة‪.‬قوله (وينام عن ألصَلة ألمك توبة ) هذا مثال لرفضه للقران‪ ،‬قوله ينام عن الصالة المك توبة‬
‫هذا مثال لرفضه للقران‪،‬الن رفض القران ترك العمل به‪،‬رفض القران او هجر القران ترك العمل بالقران‬
‫َ َ ُ ُ َْْ‬ ‫آَ‬ ‫َ َ َْ َ َ َ ُ‬
‫اب }‪،‬فإذا كان يحفظ حروفه وال يقيم‬ ‫{ ِك تاب أنزلن ُاه ِأل ْيك م َب َارك ِل َيدب ُروأ أيا ِت ِه َو ِل َيتذك َر أولو أْل ل َب ِ‬
‫حدوده فهذا رفض للقران ‪ ،‬الن القران انزل ليعمل به ‪ ،‬ازل ليعمل به {أل ِذ َين آأ َت ْي َن ُاه ُم ْأل ِك َت َ‬
‫اب َي ْت ُل َون ُه‬
‫َ‬
‫َحق ِتَل َو ِت ِه}اي ‪ :‬يعملون به ‪ ،‬تالوة القران حق التالوة هي العمل بالقران‪،‬فإذا لم يعمل به فهذا رفض‬
‫للقران‪،‬واعظم من ذلك‪..‬اعظم ما يكون من ذلك‪..‬ان ينام عن الصالة المك توبة‪،‬ان ينام عن الصالة‬
‫المك توبة‪ ،..‬وهذا النوم عن الصالة المك توبة قد يبتلى به بعض الحفاظ للقران‪ ،‬نعم ‪،‬قد يبتلى به‬
‫بعض الحفاظ‪ ،‬يكون حافظ القران حفظا متقنا لو قرا ال يخطىء في حرف‪ ،‬من إتقانه لحفظه‪،‬لكن ينام‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬
‫آ‬
‫عن الصالة المك توبة‪،‬هذا النوم عن الصالة المك توبة رفض للقرأن ‪ ،‬كم في القران من االيات في االمر‬
‫بإقامة الصالة‪ ..‬والمحافظة على الصالة وان الصالة لها وقت موقوت و زمن محدد ‪,‬و تهديد للساهين‬
‫عن الصالة المؤخرين لها عن وقتها {فويل للمصلين} {فخلف من بعدهم خلف} كم في القران من‬
‫االيات في هذا المعنى؟ ‪,‬فإذا كان ينام عن الصالة المك توبة هذا من اشد ما يكون من الرفض ل القران‬
‫الكريم‪،‬فالحاصل أن هذا من العقوبات‪..‬هذا نوع من العقوبات‪،..‬والجزاء من جنس العمل ‪ ،‬ألجزأء‬
‫من جنس ألعمل‪،‬لما كانت المعصية هنا ثقل راس عن فريضة هللا كانت عقوبته ثلق راسه‪،‬لما كانت‬
‫معصيته ثقل راسه عن طاعة هلل صارت عقوبته ثلق راسه‪.‬نسال هللا جل وعال ان يعين الجميع وان‬
‫يعيذ الجميع‪,‬وان يصلح ابنائنا وابناء المسلمين بمنه وكرمه‪.‬‬
‫ألثاني من هؤْلء ألمعذبين قال‪ :‬ألرجل ألذي أتيت عليه يشرشر (يعني‪ :‬يقطع ) شدقه ألى قفاه ‪،‬‬
‫قطع من جهة الفم ومن جهة المنخر ومن جهة العين‪ ،‬فهو‬ ‫ومنخره ألى قفاه ‪ ،‬وعينه ألى قفاه يعني‪ :‬ي َّ‬
‫الرجل يغدو في بيته او من بيته فيكذب الكذبة تبلغ االفاق‪.‬‬
‫في الزمان االول كيف تبلغ الكذبة االفاق؟ هل تبلغ الكذبة االفاق في يوم وليلة ؟ ‪ -‬تحتاج على االقل‬
‫شهر‪ ،‬شهرين‪ ،‬ثالثة حتى تبلغ االفاق؛ الن وسائل االتصال ليست كالزمان هذا‪ ،‬لكن االن الكذبة‬
‫تبلغ االفاق في ثانية واحدة مجرد ما يدخل كلمة في هذه االجهزة ويضغط ضغطة واحدة‪ ،‬مجرد ما‬
‫يضغط تبلغ االفاق في ثانية واحدة‪ ،‬مش دقيقة‪ ،‬في ثانية واحدة تبلغ الكذبة االفاق وتصل القصى‬
‫تنبيها ً‬
‫عظيما ان يتقي َّللا عز وجل و ان يكون على حذر من هذه االجهزة‪.‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬وهذا ينبه المرء ً‬

‫كما ان هذه االجهزة فيها فائدة‪ ،‬من نواحي شر وشؤم على ك ثير من الناس ومضرة عظيمة عليهم؛ الن‬
‫ك ثير من الناس يجلس ويكذب وينشر ويك تب ابو فالن ويفتري ويلصق ت َه ًما ‪...‬إلخ ويقول ما احد‬
‫ْ‬
‫يعرفني‪ ،‬او يعلم بحالي‪ ،‬وما علم ان رب العالمين مطلع عليه وإن اعماله كلها محصاة " َما َيل ِف ُظ ِم ْن‬
‫ّللا َو َن ُس ُوه "فهذه عقوبة لهؤالء‪ ،‬هذه عقوبة‪ ،‬بل هذه من‬ ‫َق ْول أْل َل َد ْي ِه َر ِقيب َع ِتيد "‪َ " ,‬أ ْح َص ُاه ُ‬
‫العقوبات التي لهؤالء‪ ,‬وليتفكر كيف أنه يوم ألقيامة يشرشر شدقه ألى قفاه ومنخره ألى قفاه وعينه‬
‫ألى قفاه ثم يلتئم ُويعاد ذلك!‬
‫ألمعاقبين‪ :‬الزناة فإنهم يكونون عراة في مثل التنور وياتيهم اللهب والنار‬ ‫َ‬ ‫و ألثالث من هؤْلء‬
‫وعقوبة لهم من جنس اعمالهم‪ ،‬لما تلذذوا تلك اللذة المحرمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المصطلية من تحتهم‪ ،‬يصيحون‬
‫اوجبت لهم هذه العقوبة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬
‫آ‬ ‫وأما ألرجل ألذي أ َ‬
‫تيت عليه يسبح في ألنهر ُويلقم من حجر فانه أكل ألربا‪ ،‬اكل الربا هذه من‬
‫عقوبته يوم القيامة ليست هذه عقوبته فقط بل هذه من عقوبته يوم القيامة‪.‬‬
‫آ‬
‫وأما ألرجل ألكريه ألمرأة ألذي عند ألنار يحشها ويسعى حولها فانه مالك‪ ،‬يوقدها‪ ،‬يحشها اي‬
‫يوقدها‪ ,‬فانه مالك خازن جهنم‪ ،‬وأما ألرجل ألطويل ألذي في ألروضة فانه أبرأهيم ألخليل عليه‬
‫ألصَلة وألسَلم‪.‬‬
‫ألحاصل أن هذا الذي تقدم ذكر لبعض العقوبات التي تكون يوم القيامة‪.‬‬

‫ض]‬ ‫ر‬‫وب ُت ْح ِد ُث ْأل َف َس َاد ِفي ْ َأْل ْ‬ ‫قال رحمه هللا‪َ ( :‬ف ْصل ُّ‬
‫ألذ ُن ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وب َو ْأل َم َع ِاصي‪َ :‬أن َها ُت ْح ِد ُث ِفي ْ َأْل ْ‬ ‫ْ آ َ ُّ ُ‬
‫ض َأ ْن َوأعا ِم َن أل َف َس ِاد ِفي أل ِم َي ِاه َوأل َه َو ِأء‪َ ،‬وألز ْر ِع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َو ِمن أث ِار ألذن ِ‬
‫اس ِل ُي ِذ َيق ُه ْم‬ ‫ْ َ ْ ْ َ َ ْ َْ‬ ‫َ َ ََ َ َََ َْ ُ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫و ِألثم ِار‪ ،‬وألم َسا ِك ِن‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬ظهر ألف َساد ِفي أل َب ِر وأل َبح ِر ِبما ك َس َبت أي ِدي ألن ِ‬
‫ون} [ ُسو َر ُة ُّألرو ِم‪. ]41 :‬‬ ‫ض أل ِذي َعم ُلوأ َل َعل ُه ْم َي ْر ِج ُع َ‬ ‫َب ْع َ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫الظ ْلم َو ْأل َف َس ِاد َف َي ْحب ُس ُ‬ ‫ُّ‬
‫ّللا ِب َذ ِل َك أل َقط َر‪َ ،‬ف َي ْه ِل ُك أل َح ْر ُث‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫قال مج ِاهد‪ِ :‬أذأ و ِل َي ألظا ِل ُم َس َعى ِب ِ‬
‫َ َ ُ َ‬
‫اس‬ ‫ألن‬ ‫ي‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ّللا َْل ُي ِح ُّب ْأل َف َس َاد‪ُ ،‬ثم َق َ َرأ‪َ { :‬ظ َه َر ْأل َف َس ُاد ِفي ْأل َبر َو ْأل َب ْحر ب َما َك َس َب ْت َأ ْ‬
‫ي‬ ‫َوألن ْس ُل‪َ ،‬و ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا َما ُه َو َب ْح ُر ُكمْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون} [ ُسو َر ُة ُّألرو ِم‪. ]41 :‬ثم قال‪ :‬أما و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض أل ِذي َعم ُلوأ َل َعل ُه ْم َي ْر ِج ُع َ‬ ‫ِل ُي ِذ َيق ُه ْم َب ْع َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫َه َذأ‪َ ،‬ول ِك ْن ُك ُّل َق ْرَية َع َلى َماء َجار َف ُه َو َب ْحر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َق َال ِع ْك ِر َم ُة‪َ :‬ظ َه َر أل َف َس ُاد ِفي أل َب ِر َوأل َب ْح ِر‪َ ،‬أ َما ِأ ِني ْل َأ ُق ُول ل ُك ْم‪َ :‬ب ْح ُر ُك ْم َه َذأ‪َ ،‬ول ِك ْن ُك ُّل َق ْرَية َع َلى‬
‫َماء‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫ّللا َت َعالى‬
‫ْ‬
‫يف‪ُ ،‬قل ُت‪َ :‬و َق ْد َسمى‬ ‫ألر ِ‬ ‫و‬‫َو َق َال َق َت َاد ُة‪َ :‬أما ْأل َب ُّر َف َا ْه ُل ْأل َع ُم ِود‪َ ،‬و َأما ْأل َب ْح ُر َف َا ْه ُل ْأل ُق َرى َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ََ َ َ َ َ َْ َْ ْ َ َ َ َ ْ َُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ‬
‫ألماء ألعذب بحرأ‪ ،‬فقال‪{ :‬وما يست ِوي ألبحر ِأن هذأ عذب فرأت سا ِئغ شرأبه وهذأ ِملح أجاج}‬
‫[ ُسو َر ُة َف ِاطر‪]12 :‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َول ْي َس ِفي أل َعال ِم َب ْحر ُحلو َو ِأقف‪َ ،‬و ِأن َما ِه َي َأْل ْن َه ُار أل َج ِارَي ُة‪َ ،‬وأل َب ْح ُر أل َما ِل ُح ُه َو ألسا ِك ُن‪َ ،‬ف َسمى‬
‫َ َْ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُ ْ ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫اس ِم ِتل َك أل ِم َي ِاه‪.‬‬ ‫أل ُق َرى أل ِتي عليها أل ِمياه ألج ِارية ِب‬
‫َو َق َال ْأب ُن َزْيد { َظ َه َر ْأل َف َس ُاد في ْأل َبر َو ْأل َب ْحر} َق َال‪ُّ :‬‬
‫ألذ ُن ُ‬
‫وب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫وب َن ْف ُس َها‬ ‫وب َس َب ُب ْأل َف َساد ألذي َظ َه َر‪َ ،‬وأ ْن َأ َر َأد َأن ْأل َف َس َاد ألذي َظ َه َر ُه َو ُّ‬
‫ألذ ُن ُ‬ ‫ُق ْل ُت‪َ :‬أ َر َأد َأن ُّ‬
‫ألذ ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ألذي َعم ُلوأ} َْل َم ْأل َعاق َبة َوألت ْع ِليل‪َ ،‬و َع َلى ْ َأْلول َف ْال ُم َرأدُ‬ ‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فتكون ألَل ُم ِفي قو ِل ِه‪ِ { :‬ل ُي ِذيق ُه ْم بع َ ِ ِ‬
‫ض ِع ْن َد َم َع ِاصي أل ِع َب ِاد‪َ ،‬ف ُكل َما َأ ْح َد ُثوأ َذ ْنبا‬ ‫ر‬‫ّللا ِفي ْ َأْل ْ‬
‫ص َوألش ُّر َو ْ آأْل َْل ُم أل ِتي ُي ْح ِد ُث َها ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ب ْال َف َساد‪ :‬ألن ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َ ْ َ ُْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ ْ ُ ْ‬
‫أحدث ّللا لهم عقوبة‪ ،‬كما قال بعض ألسل ِف‪ :‬كلما أحدثتم ذنبا أحدث ّللا لكم ِمن سلطا ِن ِه‬
‫ُع ُق َوبة‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫وج َب ُات َها‪َ ،‬و َي ُد ُّل َع َل ْي ِه َق ْول ُه َت َعالى‪ِ { :‬ل ُي ِذ َيق ُه ْم‬ ‫ّللا َأ ْع َل ُم ‪َ -‬أن ْأل َف َس َاد ْأل ُم َر َأد به ُّ‬
‫ألذ ُن ُ‬
‫وب َو ُم ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َوألظ ِاه ُر ‪َ -‬و ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ض أل ِذي َع ِم ُلوأ} َف َه َذأ َحال َنا‪َ ،‬و ِأن َما َأ َذ َأق َنا ألش ْي َء أل َي ِس َير ِم ْن َأ ْع َما ِل َنا‪َ ،‬ول ْو َأ َذ َأق َنا ُكل َأ ْع َما ِل َنا ل َما‬ ‫َب ْع َ‬
‫َت َر َك َع َلى َظ ْه ِر َها ِم ْن َدأبة‪.‬‬
‫يضا من عواقب الذنوب واثار المعاصي انها تحدث انواع الفساد في االرض‪ ,‬ولهذا مر معنا ان‬ ‫هذا ا ً‬
‫الدواب والطير تلعن اهل المعاصي والذنوب لما يترتب على عصيانهم من االثار السيئة من قلة‬
‫االمطار وجفاف االرض وزوال البركة منها‪.‬‬
‫وهذه االثار للذنوب تدل على عظم خطورة الذنوب وانها يترتب عليها من المضار ما يكون به فساد‬
‫البر والبحر كما قال َّللا _ سبحانه وتعالى _ ‪َ ﴿ :‬ظ َه َر َالفساد في َالبر َو َالبحر بما َك َس َبت َايدي الناس‬
‫عون﴾ [ الروم ‪] 41 -‬‬ ‫عض َّالذي َعملوا َل َع َّلهم َيرج َ‬ ‫لي َ‬
‫ذيقهم َب َ‬

‫ونقل ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬نقوالت عن غير واحد من السلف في معنى البر والبحر وان‬
‫ماء قليال او نهرا او واديا او ً‬
‫منقعا‬ ‫البحر ليس المراد به البحر المالح فقط بل كل قرية عليها ماء ولو ً‬
‫للماء او نحو ذلك كلها يشملها هذا الفساد الذي هو من شؤم المعاصي وعواقبها الوخيمة‪.‬‬
‫ونسال َّللا الكريم رب العرش العظيم باسمائه الحسنى وصفاته العليا وبانه َّللا الذي ال إله إال هو ان‬
‫مستقيما اللهم اصلح لنا ديننا الذي هو عصمة امرنا‬ ‫ً‬ ‫يصلح احوالنا اجمعين وان يهدينا إليه صر ًاطا‬
‫واصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واصلح لنا اخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل‬
‫خير والموت راحة لنا من كل شر‪.‬اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين‬
‫والمؤمنات االحياء منهم واالموات ‪ ,‬اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها‬
‫وموالها‪ .‬اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفة والغنى‪ .‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا‬
‫وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا اللهم‬
‫متعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثارنا على من ظلمنا وانصرنا‬

‫‪17‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع عشر‬

‫على من عادانا وال تجعل مصيبتنا في ديننا وال تجعل الدنيا اكبر همنا وال مبلغ علمنا وال تسلط علينا‬
‫من ال يرحمنا‪.‬سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت استغفرك واتوب إليك اللهم صل‬
‫وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه‪.‬‬
‫* اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪18‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين‪ ..‬اما بعد‪,‬‬
‫فيقول العالمة ابن قيم الجوزية رحمه هللا وغفر له ولشيخنا وللمسلمين في ك تابه الداء والدواء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال َم َع ِاصي َس َب ُب ال َخ ْس ِف َو َّالزَل ِز ِل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قال َو ِم ْن َت ْا ِثير َم َع ِاصي َّالل ِه ِفي ْ َاَل ْ‬
‫ض َما َي ِح ُّل ِب َها ِم َن ال َخ ْس ِف َو َّالزَل ِز ِل‪َ ,‬و َي ْم َح ُق َب َر َك َت َها‪َ ,‬و َق ْد « َم َّر‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َر ُس ُول َّالل ِه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬في ِديار ث ُمود‪ ,‬ف َمن َع ُه ْم ِمن دخول ِديار ِه ْم ِإَل َوه ْم باك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‪َ ,‬و ِمن ش ْر ِب ِم َي ِاه ِه ْم‪,‬‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َّالذي ُعج َن بم َياهه ْم ل َّلن َواضح‪ ,‬ل َت ْا ِثير ُشؤمْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َو ِم َن ِاَل ْس ِت ْسق ِاء ِمن ا َب ِار ِه ْم‪ ,‬حتى ا َم َر ان َل ُي ْعل َف ال َع ِج ُ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْال َم ْعص َية في ْال َم ِاء‪َ »,‬و َك َذل َك َت ْاثير ُش ْؤم ُّالذ ُنوب في َن ْ‬
‫ص ِالث َم ِار َو َما ت َرى ِب ِه ِم َن اَلف ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ض َب ِني ُا َم َّي َة‪ِ ,‬ح ْن َط ٌة‪,‬‬ ‫يث َق َال‪ُ :‬و ِج َد ِفي َخ َزا ِئ َن َب ْع‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫قال َوذك َر ِاْل َم ُام ا ْح َم ُد ِفي ُم ْس َن ِد ِه ِفي ِض ْم ِن َح ِد ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْال َح َّب ُة ب َق ْدر َن َو ِاة َّالت ْم َر ِة‪َ ,‬و ِه َي ِفي ُص َّر ٍة َم ْك ُت ٌ‬
‫وب َع َل ْي َها‪َ :‬ك َان َه َذا َي ْن ُب ُت ِفي َز َم ٍن ِم َن ال َع ْد ِل‪َ ,‬و َك ِث ٌير ِم ْن‬ ‫ِْ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َهذه اَل َفات ا ْح َدث َها الل ُه ُس ْب َح َان ُه َوت َعالى ب َما ا ْح َد َث الع َب ُاد م َن الذ ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫الص ْح َر ِاء َا َّن ُه ْم َك ُانوا َي ْع َه ُد َ‬ ‫َو َا ْخ َب َرِني َج َم َاع ٌة ِم ْن ُش ُيوخ َّ‬
‫ون ِالث َم َار اك َب َر ِم َّما ِه َي اَل َن‪َ ,‬وك ِث ٌير ِم ْن َه ِذ ِه اَلف ِ‬
‫ات‬ ‫َ ُ ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ال ِتي ُت ِص ُيب َها ل ْم َيكونوا َي ْع ِرفونها‪ ,‬و ِإنما حدثت ِمن قر ٍب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ,‬الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬واشهد ان َل إله إَل هللا وحده َل شريك له واشهد‬
‫محمدا عبده ورسولهﷺ وعلى اله واصحابه اجمعين ‪..‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا‬ ‫ً‬ ‫ان‬
‫وزدنا علما‪ ,‬واصلح لنا شاننا كله‪ ,‬وَل تكلنا إلى انفسنا طرفة عين اما بعد ‪ ,‬فهذا اثر اخر من اثار‬
‫الذنوب وعواقبها ومضارها انها لها تاثير على اَلرض التي وقعت عليها المعصية ‪ -‬معصية هللا‪ -‬فتؤثر‬
‫يضا تؤثر على ما كان فيها من بركة َلن‬ ‫على اَلرض في مياهها وزروعها واشجارها وثمارها والبركة ا ً‬
‫َ‬
‫طاعة هللا سبحانه وتعالى سبب للبركات بركات اَلرض وخيراتها كما قال هللا سبحانه وتعالى َول ْو َا َّن‬
‫ْ‬ ‫َ َّ َ َ ْ َ ْ َٰ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫ض َول ِكن َك َّذ ُبوا َف َا َخذ َن ُاهم ِب َما َك ُانوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْهل الق َر ٰى ا َم ُنوا َواتق ْوا لف َت ْح َنا َعل ْي ِهم َب َرك ٍ‬
‫ات ِمن السم ِاء واَلر ِ‬
‫ون) فإذا كانت الطاعة والتقوى مجلبة لبركات اَلرض وخيراتها لك ثرة المياه ونماء الزروع ووفور‬ ‫َي ْك ِس ُب َ‬
‫الماشية وحصول الخيرات المتنوعة فإن المعصية على الضد من ذلك‪ ,‬تؤثر في نضوب المياه وقلة‬
‫اَلمطار ُويبس اَلشجار وجفافها وتاثر الماشية إلى غير ذلك‪ ..‬من انواع اَلثار التي هي من عواقب‬
‫الذنوب وشؤمها وكلما عظم الذنب كان ا ُثر الذنب ‪-‬او المعصية ‪-‬على اَلرض اشد واكبر ‪ ,‬ولهذا‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬
‫ضرب اْلمام ابن القيم في هذا الباب ً‬
‫مثال رحمه هللا تعالى بديار ثمود‪ -‬المعذبين الذين اهلكهم هللا‬
‫سبحانه وتعالى بالصيحة‪ -‬فهذه الديار لما مر بها النبي عليه الصالة والسالم مع اصحابه في غزوة‬
‫تبوك في طريقه صلوات هللا وسالمه عليه وعجن بعض الصحابة عجينهم ليطبخ من مياهها ‪ ,‬فامر‬
‫شرب الماء في‬ ‫ُ‬
‫النبي عليه الصالة والسالم ان يعطى للنواضح‪ -‬يعني اْلبل‪ -‬ونهى عن اكله ونهى عن ِ‬
‫سريعا‪َ ,‬لن اَلرض اصابها شؤم المعصية فحلت العقوبة ‪-‬عقوبة‬ ‫ذلك الموطن‪ ,‬وامر ان يمروا مرو ًرا ً‬
‫هللا سبحانه وتعالى فيها‪ -‬فامرهم عليه الصالة والسالم ان يسرعوا وان يمروا متباكين ‪:‬يعني متاثرين‬
‫من هذا اَلمر َل يمروا مرور اَلنبساط ونحو ذلك‪ ,‬كل ذلك لما ُتحدثه المعصية في اَلرض من تاثير‪-‬‬
‫تاثير في الثمار‪ ,‬تاثير في الزروع ‪,‬تاثير في البركة‪ -‬بركة اَلرض وخيراتها إلى غير ذلك من انواع‬
‫التاثيرات –نعم‪.‬‬
‫ُّ ْ ْ‬ ‫َ َّ َ ْ ُّ ُ‬
‫الص َو ِر َوال َخل ِق‪َ ,‬ف َق ْد َر َوى ِالت ْر ِم ِذ ُّي ِفي َج ِام ِع ِه َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن ُه َق َال‪:‬‬ ‫وب ِفي‬ ‫قال رحمه هللا َواما تا ِث ُير الذن ِ‬
‫ْ‬ ‫ون ِذ َر ًاعا‪َ ,‬فل ْم َي َز ِل ْال َخ ْل ُق َي ْن ُق ُ‬ ‫« َخ َل َق َّالل ُه ا َد َم َو ُط ُول ُه ِفي َّ‬
‫ص َح َّتى اَل َن» ‪.‬‬ ‫الس َم ِاء ِس ُّت َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض م َن َّ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ ْ َ‬
‫الظ َل َم ِة َوال َف َج َر ِة َوال َخ َو َن ِة ‪ُ ,‬ي ْخ ِر ُج َع ْب ًدا ِم ْن ِع َب ِاد ِه ِم ْن َا ْه ِل َب ْي ِت َن ِب ِي ِه ‪-‬‬ ‫ف ِإذا ا َراد الل ُه ا ْن ُيط ِه َر اَل ْر َ ِ‬
‫َّ‬
‫ود َو َّالن َص َارى‪َ ,‬و ُي ِق ُيم ِالد َين ال ِذي َب َع َث‬ ‫يح ْال َي ُه َ‬‫ض ِق ْس ًطا َك َما ُم ِل َئ ْت َج ْو ًرا‪َ ,‬و َي ْق ُت ُل ْال َم ِس ُ‬ ‫ﷺ ‪َ -‬ف َي ْم َ ُال ْ َاَل ْر َ‬
‫ود َك َما َك َان ْت‪.‬‬‫ض َب َر َكا ِت َها‪َ ,‬و َت ُع ُ‬ ‫َّالل ُه ِب ِه َر ُس َول ُه‪َ ,‬و ُت ْخر َج ْ َاَل ْر ُ‬
‫ِ‬
‫نعم ‪,‬هذا موطن الشاهد من هذا التقرير ان الطاعة والصالح في اَلرض واستقامة العباد على طاعة‬
‫هللا سبحانه وتعالى سبب للبركات‪ -‬سبب لبركات اَلرض وخيراتها‪ -‬فإذا جاء في اخر الزمان الذي هو‬
‫وقت نزول عيسى عليه السالم وخروج المهدي وقد تواتر به الحديث عن نبينا صلوات هللا وسالمه‬
‫وبركاته عليه ُفتمال اَلرض بالقسط بعد ان كانت ُملئت بالجور والجور ترتب عليه فساد في اَلرض في‬
‫زروعها في مياهها في ثمارها في ماشيتها ففي ذلك الزمان تمال اَلرض ً‬
‫عدَل ُفتخرج اَلرض بركاتها‬
‫تخرج اَلرض بركاتها وهذا يستفاد منه ان بركة اَلرض تبع للطاعة في اَلرض طاعة هللا سبحانه‬
‫وتعالى في اَلرض وذهاب البركة من اَلرض تبع للمعصية‪ -‬معصية هللا سبحانه وتعالى في اَلرض‪-‬‬
‫ففي ذلك الزمان إذا ملئت اَلرض ً‬
‫عدَل تخرج اَلرض بركاتها وتعود كما كانت ‪.-‬‬
‫ْ‬ ‫ون ْال ُع ْن ُق ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ َ ُّ َ‬ ‫َح َّتى إ َّن ْالع َص َاب َة م َن َّالن َ ْ ُ ُ‬
‫ود ِم َن ال ِع َن ِب َو ْق َر َب ِع ٍير‪,‬‬ ‫ون ب ِق ْح ِف َها‪َ ,‬و َي ُك ُ‬
‫ون ُّالرمانة وي ْست ِظل ِ‬
‫اس ل َياكل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو َّإن ِالل ْق َح ِة ال َو ِاح َد ِة ل َتك ِفي ال ِفَئ َم ِم َن َّ‬
‫اس‪,‬‬
‫ِ‬ ‫الن‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫هذا ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصالة والسالم اخبر ان ذلك يحصل‪.....‬في ذلك الزمان‬
‫بعد نزول عيسى وخروج المهدي عندما تمتال اَلرض ً‬
‫عدَل يحصل هذا اَلمر وهو عليه الصالة والسالم‬
‫الصادق المصدوق الذي َل ينطق عن الهوى صلوات هللا وسالمه وبركاته عليه فاخبر ان العصابة‬
‫من الناس ياكلون الرمانة‪,‬العدد الكبير من الناس تك فيهم رمانة واحدة‪,‬قال ويستضلون بقحفها‬
‫يجلسون في ظل قشرة رمانة من كبرها‪,‬هذا كله من البركة التي ينزلها هللا سبحانه وتعالى في اَلرض‬
‫لما كان في اَلرض من طاعة وعدل واستقامة على طاعة هللا ويكون العنقود الواحد من العنب ِوقر‬
‫عددا كبي ًرا من الناس وإن اللقحة الواحدة لتك في الفَئم‬
‫بعير يعني ِحمل بعير عنقود واحد يك في ً‬
‫يعني يك في حليبها الفَئم من الناس يعني العدد الكبير من الناس‪ -‬نعم ‪.‬‬
‫ض َل َّما َط ُه َر ْت ِم َن ْال َم َع ِاصي َظ َه َر ْت ِف َيها ا َث ُار ْال َب َر َك ِة ِم َن َّالل ِه َت َع َالى َّال ِتي َم َح َق ْت َها ُّالذ ُن ُ‬
‫وب‬ ‫َو َه ِذا ِ ََل َّن ْ َاَل ْر َ‬
‫ْ‬
‫َوال ُك ْف ُر‪,‬‬
‫نعم الذنوب والك فر تمحق بركات اَلرض وهذا هو المقصود‪,‬اذا كنا نتحدث عن اَلرض ً‬
‫عموما لماذا‬
‫يضا َل ننظر حتى نستفيد اك ثر ‪,‬ينظر كل واحد منا إلى بيته في خاصة نفسه َل بد ان ننتبه‬ ‫ا ً‬
‫لهذا‪,‬البيت اذا ُش ِغ َل بطاعة هللا كان هذا بركة في البيت‪,‬مجلبة للبركة في البيت وإذا كان البيت‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فات وغير ذلك‬ ‫بيت معصية هلل سبحانه وتعالى فهذا مجلبة للشؤم على البيت‪ ,‬شرورا وامرارا وا ٍ‬
‫وتمحق بركة البيت فالبركة تبع للطاعة ومحقها تبع للمعصية إذا كانت المعصية محقت البركة وإذا‬
‫كانت الطاعة حلت البركة ‪.‬نعم‬
‫َ َ َ ْ َ َ َّ ْ ُ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ً ْ َ ْ ْ‬
‫ض َتط ُل ُب َما ُي َشا ِك ُل َها ِم َن‬ ‫ض ب ِقيت اثارها س ِارية ِفي اَلر ِ‬ ‫ات ال ِتي انزلها الله ِفي اَل ْر ِ‬ ‫قال ‪ :‬وَل ريب ان العقوب ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُّ ُ َّ‬
‫وب ال ِتي ِه َي ا َث ُار ِتل َك ال َج َرا ِئ ِم ال ِتي ُع ِذ َب ْت ِب َها اَل َم ُم‪,‬‬
‫ُ‬
‫الذن ِ‬
‫الظا ِلم َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫ين ِب َب ِع ٍيد ﴿‪ .﴾٣٨‬نعم‬ ‫نعم يشهد بذلك قول هللا َوما ِه َي ِمن ِ‬
‫ات‪َ ,‬ك َما َا َّن َه ِذ ِه ْال َم َع ِاصي ِم ْن ا َث ِار ِت ْل َك ْال َج َرا ِئ ِم‪َ ,‬ف َت َن َ‬
‫اس َب ْت‬ ‫َ ْ ْ ُ‬
‫ض ِم ْن اث ِار ِتل َك ال ُعق َوب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫قال َف َه ِذ ِه ْاَل َث ُار ِفي ْ َاَل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ َ َ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ ُّ َ َّ ً َ ً َ َ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ َ ْ‬
‫ِحكمة الل ِه وحكمه الكو ِني اوَل وا ِخرا‪ ,‬وكان الع ِظيم ِمن العقوب ِة ِللع ِظ ِيم ِمن ال ِجناي ِة‪ ,‬واَلخف ِلالخ ِف‪,‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َو َه َك َذا َي ْح ُك ُم ُس ْب َح َان ُه َب ْي َن َخل ِق ِه ِفي َد ِار ال َب ْر َز ِخ َو َد ِار ال َج َز ِاء‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬
‫يضا تنبيه في هذا الباب ان‪ :‬العقوبة ً‬
‫محقا للبركة‪ ,‬وما يترتب على المعصية من شؤم هو‬ ‫وهذا ا ً‬
‫بحسب حجم المعصية والمعاصي‪ ,‬تتفاوت ليست على درجة واحدة‪ ,‬فكل ما عظمت الذنوب‬
‫وك ثرت كان ذلك اشد في محق البركة وحلول العقوبة‪ .‬نعم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫الش ْي َط ِان َو َم ِح َّل ُه َو َد َار ُه‪َ ,‬ف ِإ َّن ُه ل َّما َق َار َن ال َع ْب َد َو ْاس َت ْولى َع َل ْي ِه ُن ِز َع ِت ال َب َر َك ُة ِم ْن‬
‫قال رحمه هللا‪َ :‬و َت َا َّم ْل ُم َق َارَن َة َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َّ َ ْ َ َ ُ ُ ْ َ ْ‬
‫ض َما َا َّث َر ْت‪ُ ,‬ن ِز َع ِت ال َب َر َك ُة ِم ْن ُك ِل َم ِح ٍل َظ َه َر ْت‬ ‫عم ِر ِه‪ ,‬وعم ِل ِه‪ ,‬وقو ِل ِه‪ ,‬و ِرز ِق ِه‪ ,‬ولما اثرت طاعته ِفي اَلر ِ‬
‫ْ‬ ‫ِف ِيه َط َاع ُت ُه‪َ ,‬و َك َذ ِل َك َم َس ْك ُن ُه َل َّما َك َان ْال َج ِح َيم َل ْم َي ُك ْن ُه َن َ‬
‫اك َش ْي ٌء ِم َن ُّالرو ِح َو َّالر ْح َم ِة َوال َب َر َك ِة‪.‬‬

‫نعم‪ -‬يعني الشيطان هو من وراء هذه المعاصي والذنوب يؤز العباد إليها ازا وكلما كان الناس اك ثر‬
‫وسببا لحلول العقوبة‪,‬فكلما كان العبد ً‬
‫قريبا‬ ‫سببا لمحق البركة عنهم ً‬
‫طاعة لهذا الشيطان كان ذلك ً‬
‫شؤما في حياة العبد و ً‬
‫محقا للبركة في عمره في‬ ‫متبعا لما يدعو إليه كان ذلك ً‬
‫مطيعا له ً‬
‫من الشيطان ً‬
‫رزقه في حياته و كلما كان ابعد كلما كان ذلك اسلم له‪ ,‬نعم‬
‫لعلنا نرجع إلى الدرس الماضي في الحديث الذي مر معنا حديث سمرة بن جندب الذي في صحيح‬
‫خاصا وساق فيه الحديث‪,‬قال‪ :‬ومن عقوبات‬ ‫فصال ً‬‫البخاري عقد له المصنف رحمه هللا تعالى ً‬
‫المعاصي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة ابن جندب وذكر في هذا الحديث الطويل‬
‫ثلغ لراس الرجل ثم يلتام ثم يثلغ ثم يلتام ثم يثلغ وهكذا‬ ‫انواع من العقوبات منها عقوبة‪ ,‬هي ٌ‬
‫‪,‬واَلخرى يشرشر شدقه إلى قفاه و منخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه والثالثة‪ :‬الرجال والنساء العراة‬
‫اللذين هم في مثل بناء التنور والرابعة ‪ :‬الرجل الذي قال اتيت عليه يسبح في النهر ُ‬
‫ويلقم الحجارة‬
‫فإنه اكل الربا في صحيح البخاري في بعض البخاري روى الحديث في اك ثر من موضع ربما في ثالث‬
‫مواضع في بعض المواضع التي خرج فيها اْلمام البخاري رحمه هللا زيادة مهمة و مفيدة في فهم‬
‫معني هذا الحديث ففيه ان النبي ﷺ قال‪ :‬بعد هذه العقوبات ُفيصنع به إلى يوم القيامة يصنع‬
‫به يعني تصنع به هذه العقوبة إلى يوم القيامة ‪,‬فهذا يفيد ماذا؟ان هذه العقوبة اين ؟‪ -‬نعم في‬
‫القبر‪ -‬ان هذه العقوبة في القبر‪ -‬ان هذه العقوبات التي ُذكرت في هذا الحديث في القبر َلن‬
‫قال ‪:‬فيصنع به‪ :‬يعني هذه العقوبة إلى يوم القيامة ‪,‬ثلغ للراس والشرشرة للشدق ‪,‬والتنور الذي في‬
‫مثل التنور هذه في القبر ولهذا قال عليه الصالة والسالم ُفيصنع به إلى يوم القيامة‪,‬واْلمام ابن‬
‫القيم رحمه هللا في ك تابه "الروح" اشار للحديث وقال هذا في البرزخ يعني هذه العقوبات في البرزخ‬
‫الذي هو القبر وباَلمس لما اشرت إلى الحديث ُكنت اذكر ان هذا يوم القيامة لكن الصواب انه في‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫البرزخ ‪,‬الصواب انه في البرزخ وهذه الرواية توضح ذلك ‪,‬توضح ذلك انه في البرزخ وان هذه‬
‫العقوبات في البرزخ ‪,‬‬
‫تحدثت عنه في الحديث نفسه ذاك الذي ُيثلغ راسه ثم يلتئم سبب ذلك انه يقرا القران‬ ‫ُ‬ ‫اعود لما‬
‫فيرفضه ‪ ,‬وينام عن الصالة المك توبة‪ :‬اي ُيثقل راسه عن الصالة المك توبة‪ ,‬من اجل ان ُيقرب‬
‫ً‬
‫شخصا ُمبتلى‬ ‫المعنى الذي في الحديث للذهن اك ثر‪ ,‬حتى يستيقظ القلب وينتبه وإذا اردنا ان ننبه‬
‫صه من ذلك‪ ,‬وهذه العقوبات ِذ ُكرها زاجر لمن اراد هللا سبحانه‬‫بذلك لعل هللا سبحانه وتعالى ُيخل ُ‬
‫تقديرا في لشخص ُيثقل راسه عن الصالة‬ ‫وتعالى به خي ًرا من التمادي فيما هو عليه ‪ ,‬فاقول‪ :‬لو قيل ً‬
‫غدا عن الصالة المك توبة سيلقى على راسك صخرة حتى ينثلغ‬ ‫المك توبة‪ ,‬لو قيل له إن نمت ً‬
‫راسك ‪,‬هل يثقل راسه؟‪ -‬ا ًبدا !‪ ,‬وما يدريه لعله يكون ًغدا من ِعداد اَلموات دخل القبر وبدا في‬
‫مسالة ثلغ الراس انتبهوا لعله من الغد يكون في ِعداد اَلموات ما يضمن انه ًغدا من اَلحياء وانه‬
‫يقوم ويصلي ما يضمن قد يكون في عداد اَلموات ويدرج في قبره وتبدا هذه العملية عملية ثلغ‬
‫الراس التي إلى يوم القيامة كما قال فيصنع به إلى يوم القيامة فيصنع به إلى يوم القيامة فهذه‬
‫المعاني لما يوضحها المرء في نفسه ويتامل فيها ويدرك ان هذه عقوبات اخبر عنها الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم فال يخاطر بنفسه بل يعمل على خالص نفسه ونجاتها من ذلك نسال هللا عز وجل‬
‫لنا اجمعين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا واَلخرة لنا وَلهلينا وذرياتنا والمسلمين‬
‫اجمعين‪ -‬نعم ‪.‬‬
‫َ ْ ٌ ُّ ُ ُ ْ ْ‬
‫وب ُتط ِف ُئ ال َغ ْي َر َة]‬ ‫قال رحمه‪[ :‬فصل الذن‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫وب‪َ :‬ا َّن َها ُتط ِف ُئ ِم َن ال َقل ِب َن َار ال َغ ْي َر ِة ال ِتي ِه َي ِل َح َيا ِت ِه َو َص َال ِح ِه َكال َح َر َار ِة ال َغ ِر ِيز َّي ِة ِل َح َي ِاة‬ ‫َوم ْن ُع ُق َوب ُّ ُ‬
‫ات الذن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ات ال َمذ ُم َوم ِة‪ ,‬ك َما ُيخ ِر ُج ال ِك ُير‬ ‫الصف ِ‬ ‫َج ِم ِيع ال َبد ِن‪ ,‬فال َغ ْي َرة َح َر َارت ُه َون ُار ُه ال ِتي تخ ِر ُج َما ِف ِيه ِم َن الخ ْب ِث َو ِ‬
‫ُخ ْب َث َّالذ َه ِب َو ْال ِف َّض ِة َو ْال َح ِد ِيد‪َ ,‬و َا ْش َر ُف َّالناس واجد ُهم َو َا ْع َال ُه ْم ِه َّم ًة َا َش ُّد ُه ْم َغ ْي َر ًة َع َلى َن ْف ِس ِه َو َخ َّ‬
‫اص ِت ِه‬ ‫ِ‬
‫َو ُع ُموم َّالناس‪َ ,‬و ِل َه َذا َك َان َّالنب ُّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا ْغ َي َر ْال َخ ْلق َع َلى ْ ُاَل َّم ِة‪َ ,‬و َّالل ُه ُس ْب َح َان ُه َا َش ُّد َغ ْي َر ًة ِم ْن ُه‪َ ,‬ك َما َث َبتَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الص ِح ِيح َعنه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬انه قال‪« :‬اتعج ُبون ِمن غ ْي َر ِة َسع ٍد؟ َلنا اغ َي ُر ِمنه‪َ ,‬والله اغ َي ُر ِم ِني»‬ ‫ِفي َّ‬

‫وف‪َ « :‬يا ُا َّم َة ُم َح َّم ٍد َما احد َا ْغ َي ُر ِم َن َّالل ِه َا ْن َي ْزِن َي َع ْب ُد ُه َا ْو َت ْزِن َي‬ ‫ُ‬
‫س‬ ‫ك‬‫الصحيح َا ْي ًضا َا َّن ُه َق َال في ُخ ْط َبة ْال ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِفي ِ ِ‬
‫ا َم ُت ُه» ‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫الص ِح ِيح َا ْي ًضا َع ْن ُه َا َّن ُه َق َال‪َ « :‬ل َا َح َد َا ْغ َي ُر ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َح َّر َم ال َف َو ِاح َش َما َظ َه َر ِم ْن َها َو َما‬
‫َو ِفي َّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َب َط َن‪َ ,‬وَل َا َح َد َا َح ُّب ِإل ْي ِه ال ُعذ ُر ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َا ْر َس َل ُّالر ُس َل ُم َب ِش ِر َين َو ُم ْن ِذ ِر َين‪َ ,‬وَل َا َح َد َا َح ُّب‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ِإل ْي ِه ال َم ْد ُح ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َاث َنى َع َلى َن ْف ِس ِه»‪:‬‬

‫في هذا الفصل ذكر رحمه هللا تعالى ان من عقوبات المعاصي انها ُتذهب الغيرة ‪ ,‬الغيرة هذه مركوزة‬
‫في الفطر جعلها هللا سبحانه وتعالى في ِفطر العباد ‪,‬والدين يمكنها ويقويها‪ ,‬ويمكن لها في النفس‬
‫والمعصية ُتذهبها‪ -‬معصية هللا سبحانه وتعالى تذهب الغيرة ‪-‬وغيرة المرء على شرفه وحريمه واهله‬
‫هذه من سمات الخير واماراته وعالمات علو النفس وشرفها مثل ما قال اَلمام ابن القيم رحمه هللا ‪":‬‬
‫واشرف الناس واعالهم همة اشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس فهذه الغيرة هي جزء من‬
‫ديا نة المرء وصالحه واستقامة قلبه على طاعة هللا سبحانه وتعالى فإذا انخرطت نفسه في المعاصي‬
‫سببا لذهاب الغيرة عنه ولهذا يعني قد يصل‬ ‫معاصي هللا سبحانه وتعالى كانت تلك المعاصي ً‬
‫اْلنسان ولعياذ باهلل بسبب المعاصي ان يرى اهله على مسلك قبيح مشين فال يتحرك شيء في قلبه‬
‫َل يتحرك شيء في قلبه َلن الغيرة التي في قلبه طافية ليس عنده غيرة اطفا هذه الغيرة المعاصي‬
‫التي انخرط فيها ولهذا يقول ابن القيم رحمه هللا ‪ ":‬ومن عقوبات الذنوب انها تطفئ من القلب نار‬
‫الغيرة التي هي لحياته و صالحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن ‪ ,‬فالغيرة شانها عظيم جدا و‬
‫نفعها كبير وقد قال عليه الصالة و السالم وهو اغير الخلق عليه الصالة و السالم و اشد الخلق غيرة‬
‫قال‪ { :‬اتعجبون من غيرة سعد ؟ يعني من شدة غيرته َلنا اغير منه و هللا اغير مني } ‪ ,‬وقال في‬
‫خطبة الكسوف ‪ { :‬يا امة محمد ما احد اغير من هللا من ان يزني عبده او تزني امته}‪َ ,‬لن خطبة‬
‫الكسوف والكسوف إنما حصل في حياته عليه الصالة والسالم مرة واحدة فخطب خطبة حذر فيها‬
‫َ َ ُ ْ ُ ْ َ َّ‬
‫ات ِإَل َت ْخ ِو ًيفا } فالكسوف اية من ايات هللا يخوف بها‬
‫من الكبائر َلن هللا يقول ‪ {:‬وما نر ِسل ِباَلي ِ‬
‫عباده ‪ ,‬فحدوث هذه اَلية مقام من مقامات التخويف و التذكير و اْلنذار وخاصة من المعاصي‬
‫الكبار ولهذا في خطبة الكسوف حذر عليه الصالة والسالم من اربع ذنوب هي اكبر الذنوب و‬
‫اعظمها ‪ *,‬حذر من الشرك بإخباره انه راى عمر ابن لحي الذي جلب الشرك يجر ُق ْص َبه اي امعاءه‬
‫المحجن الذي كان يسرق الحاج ‪ *,‬و حذر من‬ ‫في النار ‪ *,‬و حذر من السرقة ِبذكر الرجل الذي معه ِ‬
‫القتل بذكر قصة المراة التي راها في النار تعذب في هرة ‪ ,‬كل ذلك كان في صالة او خطبة الكسوف‬
‫‪* ,‬و حذر من الزنا بقوله ‪ { :‬يا امة محمد ما احد اغير من هللا من ان يزني عبده او تزني امته } ‪,‬‬
‫وطريقة التحذير التي كانت في صالة الكسوف كانت مختلفة عن طريقتها وصيغتها في خطبه‬
‫اَلخرى ومواعظه ‪َ,‬لنه عليه الصالة والسالم كان يحذر من هذه المعاصي بذكر ما راه من المعذبين‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫في النار َلهل تلك المعاصي‪ -‬و الرؤيا للنار و المعذبين ‪ ,-‬عندما كان يصلي بالناس راى الجنة و راى‬
‫تعذب في هرة‬ ‫النار ‪ ,‬راى الجنة و نعيمها و راى النار وراى بعض المعذبين فيها ‪,‬راى المراة التي َّ‬
‫حبستها َل هي اطعمتها و َل هي ترك تها تاكل من خشاش اَلرض ‪ ,‬وراى الذي كان يسرق الحاج ‪,‬‬
‫وراى عمر ابن لحي الذي جلب الشرك إلى جزيرة العرب ‪ ,‬راى ذلك كله عليه الصالة والسالم بعينه‬
‫واخبر اصحابه صلى هللا عليه و سلم بما راى وهذا اْلخبار كله في مقام التحذير من هذه المعاصي‬
‫والموبقات المهلكات ‪ ,‬الحاصل انه في تلك الخطبة اخبر عليه الصالة والسالم عن غيرة هللا وانه َل‬
‫ادعا عن هذه المعصية‬ ‫احد اغير من هللا سبحانه وتعالى من ان يزني عبده او تزني امته ‪,‬وك فى بهذا ر ً‬
‫القبيحة ‪ .‬نعم‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الص ِح ِيح َا ْي ًضا َع ْن ُه َا َّن ُه َق َال‪َ« :‬ل َا َح َد َا ْغ َي ُر ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َح َّر َم ال َف َو ِاح َش َما َظ َه َر ِم ْن َها‬ ‫المتن ‪َ :‬و ِفي َّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َو َما َب َط َن‪َ ,‬وَل َا َح َد َا َح ُّب ِإل ْي ِه ال ُعذ ُر ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َا ْر َس َل ُّالر ُس َل ُم َب ِش ِر َين َو ُم ْن ِذ ِر َين‪َ ,‬وَل َا َح َد‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َا َح ُّب ِإل ْي ِه ال َم ْد ُح ِم َن َّالل ِه‪ِ ,‬م ْن َا ْج ِل َذ ِل َك َاث َنى َع َلى َن ْف ِس ِه» ‪.‬‬
‫َ ْ ْ َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ َّ َ ُ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫وج ُب‬ ‫يث َب ْي َن الغ ْي َر ِة ال ِتي ا ْصل َها ك َراهة الق َبا ِئ ِح َو ُبغض َها‪َ ,‬و َب ْي َن َمح َّب ِة ال ُعذ ِر ال ِذي ُي ِ‬ ‫ف َج َم َع ِفي َهذا ال َح ِد ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َك َم َال ال َع ْد ِل َو َّالر ْح َم ِة َو ِاْل ْح َس ِان‪َ ,‬وانه ُس ْب َح َان ُه ‪َ -‬م َع ِش َّد ِة َغ ْي َرِت ِه ‪ُ -‬ي ِح ُّب َا ْن َي ْع َت ِذ َر ِإل ْي ِه َع ْب ُد ُه‪َ ,‬و َي ْق َب ُل ُعذ َر‬
‫َ‬ ‫َمن ْاع َت َذ َر إ َل ْيه‪َ ,‬و َّإن ُه ََل ُي َؤاخ ُذ َعب َيد ُه ب ْارِت َ‬
‫اب َما َي َغ ُار ِم َن ْارِت َكا ِب ِه َح َّتى َي ْع ُذ َر ِإل ْي ِه ْم‪َ ,‬و ِ ََل ْج ِل َذ ِل َك َا ْر َس َل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ُر ُس َل ُه َو َا ْن َز َل ُك ُت َب ُه ِإ ْع َذ ًارا َو ِإ ْن َذ ًارا‪َ ,‬و َه َذا َغ َاي ُة ال َم ْج ِد َو ِاْل ْح َسان‪َ ,‬و ِن َه َاي ُة ال َك َمال َ‪.‬ف ِإ َّن َك ِث ًيرا ِم َّم ْن َت ْش َت ُّد َغ ْي َرُتهُ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ول ِل ُعذ ِر َم ِن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ َّ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ ْ ْ ْ‬
‫َ‬
‫ِمن المخل ِوقين تح ِمله ِشدة الغي َر ِة على ُسرع ِة ِاْليق ِاع والعقوب ِة ِمن غي ِر ِإعذ ٍار ِمنه‪ ,‬و ِمن غي ِر ق ُب ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ َْ َ ْ َ ُ ُ َ ُ َْ ْ ْ َ‬
‫س َاَل ْم ِر ُعذ ٌر َوَل َت َد ُع ُه ِش َّد ُة ال َغ ْي َر ِة َا ْن َي ْق َب َل ُعذ َر ُه‪.‬‬ ‫اعتذر ِإلي ِه‪ ,‬بل يكون له ِفي نف ِ‬
‫وَل تدعه شدة غيرته ا ْن يقبل عذره َلنه َل يتامل) ‪.‬نعم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫‪َ ,‬و َك ِث ٌير ِم َّم ْن َي ْق َب ُل ال َم َع ِاذ َير َي ْح ِم ُل ُه َع َلى َق ُبو ِل َها ِق َّل ُة ال َغ ْي َر ِة َح َّتى َي َت َو َّس َع ِفي ُط ُر ِق ال َم َع ِاذ ِير‪:,‬‬

‫بعض الناس على خط النقيض من هذا ‪ ,‬يقبل اي عذر لضعف الغيرة التي عنده ‪ ,‬واَلخر شدة‬
‫ً‬
‫صحيحا ‪.‬واَلخر ضعف الغيرة عنده تجعله ادنى‬ ‫الغيرة تحمله على عدم قبول اي عذر ولو كان العذر‬
‫عذر يسمعه ولو كان من اوهى ما يكون يقبله ‪ ,‬فهذان على خطي نقيض والحق ٌ‬
‫قوام بين ذلك ‪,‬‬
‫نعم ‪.‬‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫‪َ ,‬و َي َرى ُعذ ًرا َما ل ْي َس ِب ُعذ ٍر‪َ ,‬ح َّتى َي ْع َت ِذ َر َك ِث ٌير ِم ْن ُه ْم ِبال َق َد ِر‪َ ,‬و ُك ٌّل ِم ْن ُه َما َغ ْي ُر َم ْم ُد ٍوح َع َلى ِاْلط َال ِق ‪:‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬
‫ً‬
‫كل منهما يعني اَلول الذي من شدة غيرته َل يقبل عذر اصال‪ .‬واَلخر الذي لضعف غيرته يقبل اي عذر‬
‫كان ‪ ,‬ولو كان من ا ْوهى ما يكون ‪.‬‬
‫الغيرة يقبل العذر الصحيح‪َ.‬لن بعض‬‫كل منهما غير ممدوح على اْلطالق ‪ ,‬والممدوح هو الذي مع شدة ْ‬
‫صال حتى وإن كان ص ً‬
‫حيحا َلنه َل يتامل هل ثمة عذر او َل ؟ َل‬ ‫الناس مع شدة الغيرة َل يقبل العذر ا ً‬
‫يتامل في ذلك ‪.‬‬
‫وهذا الحديث العظيم الذي ُذكر في غيرة هللا جل وعال وانه َل احد اغير منه ‪ ,‬وإنه من اجل ذلك‬
‫حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪.‬ذكر فيه انه َل احد احب إليه العذر من هللا ‪ ,‬مع هذه الشدة‬
‫في الغيرة ‪ ,‬وانه َل احد اشد منه سبحانه وتعالى فهو ا ُ‬
‫يضا َل احد احب إليه العذر من هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬من اجل ذلك ارسل الرسل مبشرين ومنذرين ‪,‬نعم ‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ -‬قال رحمه هللا ‪َ :‬و َق ْد َص َّح َع ِن َّالن ِب ِي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن ُه َق َال‪ِ « :‬إ َّن ِم َن ال َغ ْي َر ِة َما ُي ِح ُّب َها َّالل ُه‪َ ,‬و ِم ْن َها َما َي ْب َغ ُض َها‬
‫ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َّ َ َّ‬
‫يث‪.‬‬ ‫الل ُه‪ ,‬فال ِتي َي ْب َغ ُض َها الل ُه ال َغ ْي َر ُة ِم ْن غ ْي ِر ِر َيب ٍة» َوذك َر ال َح ِد ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو ِإ َّن َما ْال َم ْم ُد ُ‬
‫وح ْاق ِت َر ُان ال َغ ْي َر ِة ِبال ُعذ ِر‪َ ,‬ف َي َغ ُار ِفي َم ِح ِل ال َغ ْي َر ِة‪َ ,‬و َي ْع ُذ ُر ِفي محل ال ُعذ ِر‪َ ,‬و َم ْن َك َان َه َك َذا َف ُه َو‬
‫وح َح ًّقا‪..‬‬‫ْال َم ْم ُد ُ‬

‫الشيخ ‪ :‬نعم ‪ ,‬وهما اللذان جمعا بينهما في الحديث ‪ُ ,‬جمع بينهما في الحديث ‪َ:‬ل اشد غيرة من‬
‫هللا َل احد اغير من هللا وَل احد احب إليه العذر من هللا ‪ .‬فالممدوح اقتران الغيرة بالعذر ‪ ,‬فيغار‬
‫في محل الغيرة ويعذر في موضع العذر ‪ ,‬نعم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ ْ‬
‫ات ال َك َم ِال ُك َّل َها َك َان َا َح َّق ِبال َم ْد ِح ِم ْن ُك ِل َا َح ٍد‪َ ,‬وَل َي ْب ُل ُغ َا َح ٌد َا ْن َي ْم َد َح ُه َك َما‬ ‫قال ‪:‬ولما جمع سبحانه ِصف ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َي ْن َب ِغي ل ُه‪َ ,‬ب ْل ُه َو َك َما َم َد َح َن ْف َس ُه َواث َنى َعلى َنف ِس ِه‪ ,‬فال َغ ُيو ُر ق ْد َواف َق َر َّب ُه ُس ْب َح َان ُه ِفي ِص َف ٍة ِم ْن ِص َفا ِت ِه‪,‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫الص َف ُة ِإل ْي ِه ِب ِز َم ِام ِها‪َ ,‬و َا ْد َخ َل ْت ُه َع َلى َر ِب ِه‪َ ,‬و َا ْد َن ْت ُه ِم ْن ُه‪َ ,‬و َق َّر َب ْت ُه‬ ‫َ‬
‫َو َم ْن َواف َق الل َه ِفي ِصف ٍة ِم ْن ِصفا ِت ِه ق َادت ُه ِتل َك ِ‬
‫ْ‬
‫ِم ْن َر ْح َم ِت ِه‪َ ,‬و َص َّي َرْت ُه َم ْح ُب ًوبا إليه‪َ ,‬ف ِإ َّن ُه ُس ْب َح َان ُه َر ِح ٌيم ُي ِح ُّب ُّالر َح َم َاء‪َ ,‬ك ِر ٌيم ُي ِح ُّب ال ُك َر َم َاء‪َ ,‬ع ِل ٌيم ُي ِح ُّب‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َْ‬ ‫ْ َ‬
‫يف‪َ ,‬حي ي ُي ِح َّب َا ْه َل ال َح َي ِاء‪,‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ال ُعل َم َاء‪ ,‬ق ِو ٌّي ُي ِح ُّب ال ُمؤ ِم َن الق ِو َّي‪َ ,‬وه َو ا َح ُّب ِإل ْي ِه ِم َن ال ُمؤ ِم ِن الض ِع ِ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َج ِم ٌيل ُي ِح ُّب َا ْه َل ال َج َم ِال‪ِ ,‬و ْت ٌر ُي ِح ُّب َا ْه َل ال َو ْت ِر‪.‬‬

‫مثال اتصف‬ ‫نعم‪ ,‬يقول رحمة الله عليه‪ :‬إن العبد إذا وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته‪ ,‬يعني ً‬
‫بالكرم‪ ,‬اتصف بالغيرة‪ ,‬اتصف بالرحمة‪ ,‬اتصف باْلحسان‪ ,‬اتصف بالبذل واْلنفاق واْلحسان‪,‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫إذا وافق ربه في صفة من صفاته كان اقرب لله ونيل رحمته سبحانه وتعالى‪ ,‬وعندما ُيقال وافق في‬
‫صفة من صفاته‪ ,‬اي على القاعدة المتكررة في هذا الباب ‪ :‬ان الصفة ُالمضافة إلى العبد تكون‬
‫والصفة المضافة إلى الرب تكون بحسب ما يليق بالرب‪ ,‬ليس كمثله‬ ‫بحسب ما يليق بالعبد‪ِ ,‬‬
‫شيء‪ ,‬ولهذا القاعدة المتكررة عند اهل العلم‪ ,‬ان ما يلزم الصفة باعتبار إضافتها إلى هللا من كمال َل‬
‫يلزم الصفة نفسها عندما تضاف إلى العبد وكذلك العكس‪ ,‬ما يلزم الصفة باعتبار إضافتها إلى العبد‬
‫من نقص‪َ ,‬ل يلزم الصفة باعتبار إضافتها إلى هللا‪َ ,‬لن اْلضافة تقتضي التخصيص بمعنى ان ‪ :‬ما‬
‫يضاف إلى الله سبحانه وتعالى يخصه ويليق بجالله وكماله وما ُيضاف إلى العبد يخصه ويليق‬
‫بضعفه ونقصه‪ ,‬فإذا قيل وافق الصفة ُيقصد بالموافقة انها في العبد باعتبار ما يليق بالعبد وفي‬
‫الرب باعتبار ما يليق بالرب سبحانه وتعالى من كمال وانه ليس كمثله شيء‪.‬‬

‫ات َو َت ْم َن ُع ُه ِم َن‬ ‫قال رحمه هللا َو َل ْو َل ْم َي ُك ْن في ُّالذ ُنوب َو ْال َم َعاصي إ ََّل َا َّن َها ُتوج ُب ل َصاحب َها ض َّد َهذه َ‬
‫الصف ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اف ِب َها ل َك َفى ِب َها ُع ُق َوب ًة‪ ,‬ف ِإ َّن ال َخط َر َة َت ْن َق ِل ُب َو ْس َو َس ًة‪َ ,‬وال َو ْس َو َسة َت ِص ُير ِإ َر َاد ًة‪َ ,‬و ِاْل َر َاد ُة َتق َوى ف َت ِص ُير‬ ‫ِاَل ِت َص ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫َع ِز َيم ًة‪ُ ,‬ث َّم َت ِص ُير ِف ْعال‪ُ ,‬ث َّم َت ِص ُير ِص َف ًة َل ِز َم ًة َو َه ْي َئ ًة َثا ِب َت ًة َر ِاس َخ ًة‪َ ,‬و ِح َين ِئ ٍذ َي َت َع َّذ ُر ال ُخ ُرو ُج ِم ْن ُها َك َما َي َت َع َّذ ُر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ال ُخ ُرو ُج ِم ْن ِص َفا ِت ِه ال َقا ِئ َم ِة ِب ِه‪.‬‬

‫هذا تنبيه مهم جدا يعني‪َ :‬ل يستهين المرء بالبدايات‪َ ,‬لن البدايات توصل إلى النهايات‪ .‬فالخطرة‬
‫التي َت ِرد على القلب‪ ,‬ينبغي على العبد ان َل يسترسل معها‪ ,‬والمراد بالخطرة‪ :‬التي تشتمل على باب‬
‫من ابواب اْلثم‪ ,‬باب من ابواب المعصية‪َ ,‬ل يسترسل معها‪ -‬بل يحاول ان يطردها من نفسه و َل‬
‫يلقيها‪َ -‬لن الخطرة إن بقيت تحولت إلى وسوسة تتكرر على النفس‪ ,‬والوسوسة تتحول إلى إرادة‪,‬‬
‫فإذا تحولت إلى إرادة‪ ,‬تتحول اْلرادة إلى عزيمة‪ ,‬فإذا اصبحت عزيمة تصير ً‬
‫فعال‪ ,‬واَلفعال‬
‫المحرمة هذه بداياتها‪ :‬خطرة ثم وسوسة ثم إرادة ثم عزيمة ثم فعل‪ً ,‬إذا َل يستهين المرء‬
‫بالبدايات‪َ ,‬ل يستهين بها‪ ,‬يطردها عن نفسه َلنه إن ابقاها في نفسه تحولت تحوَلت إلى ان ُتصبح‬
‫فعال‪ .‬ثم َل يبقى اَلمر عند هذا الحد‪ ,‬إذا صارت ِفعال‪ ,‬قد تتحول مع تكرار الفعل إلى صفة َلزمة‬
‫وهيئة ثابتة في اْلنسان والعياذ بالله وحينئذ يتعذر الخروج منها‪ .‬نعم‬
‫ْ ْ‬ ‫قال‪َ :‬و ْال َم ْق ُص ُ‬
‫ود َا َّن ُه ُك َّل َما ْاش َت َّد ْت ُم َال َب َس ُت ُه ل ُّلذ ُ‬
‫وب َا ْخ َر َج ْت ِم ْن َقل ِب ِه ال َغ ْي َر َة َع َلى َن ْف ِس ِه َو َا ْه ِل ِه َو ُع ُم ِوم‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫يح ََل م ْن َن ْفسه َو ََل م ْن َغ ْيره‪َ ,‬وإ َذا َو َصلَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّالناس‪َ ,‬و َق ْد َت ْض ُع ُف في ْال َق ْلب ج ًّدا َح َّتى ََل َي ْس َت ْ‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬
‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ََ ْ َ َ َ‬
‫اب ال َه َال ِك‪َ .‬و َك ِث ٌير ِم ْن َه ُؤَل ِء َل َي ْق َت ِص ُر َع َلى َع َد ِم ِاَل ْس ِت ْق َب ِاح‪َ ,‬ب ْل ُي َح ِس ُن‬
‫ِإلى هذا الح ِد فقد دخل ِفي ب ِ‬
‫ْ َ َ َ َ ُّ ْ‬
‫الظل َم ِل َغ ْي ِر ِه‪,‬‬ ‫الفو ِاحش و‬

‫هذا هو كما سبق مراحل وخطوات في الشر يخطوها المرء بدايتها خطره ثم ‪,‬وسوسة‪ ,‬ثم إرادة ثم‬
‫عزيمة ثم فعل ثم يصبح صفة َلزمة‪ ,‬ثم يتحول إذا كانت صفة َلزمة إلى المجاهرة بالمعصية‬
‫واَلفتخار بها والدعوة إليها والحث عليها وترغيب الناس فيها‪ ,‬وإذا راها ُتفعل يستمتع ويرى هذا من‬
‫ذنبا ومعصية‬‫ُالمتعة ‪,‬كل هذا َلن هذه الذنوب عندما جاءت البدايات إلى ان تمكنت فصارت ً‬
‫تطفيء هذه الغيرة من القلب فيتحول المرء والعياذ باهلل إلى هذا التحول ُالمهلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ َ َ ُّ ْ‬ ‫َ َ‬
‫الظل َم ِل َغ ْي ِر ِه‪َ ,‬و ُي َز ِي ُن ُه ل ُه‪,‬‬ ‫قال َو َك ِث ٌير ِم ْن َه ُؤَل ِء َل َي ْق َت ِص ُر َع َلى َع َد ِم ِاَلس ِتقب ِاح‪ ,‬بل يح ِسن الفو ِاحش و‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َي ْد ُع ُوه إ َل ْيه‪َ ,‬و َي ُح ُّث ُه َع َل ْيه‪َ ,‬و َي ْس َعى َل ُه في َت ْحصي ِله‪َ ,‬و ِل َه َذا َك َان َّالد ُّي ُ‬
‫وث َا ْخ َب َث َخل ِق َّالل ِه‪َ ,‬وال َج َّن ُة َح َر ٌام‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫َع َل ْي ِه‪َ ,‬و َك َذ ِل َك ُم َح ِلل الظل ِم َوال َب ْغ ِي ِل َغ ْي ِر ِه َو ُم َز ِي ُن ُه ل ُه‪ ,‬فانظ ْر َما ال ِذي َح َمل ْت َعل ْي ِه ِقلة ال َغ ْي َر ِة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫َو َه َذا َي ُدل َك َع َلى َا َّن َا ْص َل ِالد ِين ال َغ ْي َر ُة‪َ ,‬و َم ْن َل َغ ْي َر َة ل ُه َل ِد َين ل ُه‪َ ,‬فال َغ ْي َر ُة َت ْح ِمي ال َقل َب َف َت ْح ِمي ل ُه‬
‫ْ َ َ َ َ َ ْ َ ُ ُّ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ ْ‬
‫وت ل ُه ال َج َو ِار ُح؛ َف َال َي ْب َقى ِع ْن َد َه َد ْف ٌع‬ ‫الجو ِارح‪ ,‬فتدفع السوء والفو ِاحش‪ ,‬وعدم الغير ِة ت ِميت القلب‪ ,‬فتم‬
‫ْ‬
‫ال َب َّت َة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َم َث ُل ْال َغ ْي َر ِة ِفي ْال َق ْل ِب َم َث ُل ْال ُق َّو ِة َّال ِتي َت ْد َف ُع ْال َم َر َ‬
‫ض َو ُت َق ِاو ُم ُه‪َ ,‬ف ِإ َذا َذ َه َب ِت ال ُق َّو ُة َو َج َد َّالد ُاء ال َم ِح َّل َقا ِبال‪,‬‬
‫َّ‬
‫وس‪ -‬اي القرون‪ -‬ال ِتي َت ْد َف ُع ِب َها َع ْن‬ ‫ام‬‫َو َل ْم َي ِج ْد َد ِاف ًعا‪َ ,‬ف َت َم َّك َن‪َ ,‬ف َك َان ْال َه َال ُك‪َ ,‬و ِم ْث ُل َها ِم ْث ُل َص َي ِاصي ْال َج ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َن ْف ِس ِه َو َول ِد ِه‪َ ,‬ف ِإ َذا َت َك َّس َر ْت َط ِم َع ِف َيها َع ُد ُّو ُه‪.‬‬

‫نعم ‪ ,‬قول ابن القيم رحمه هللا في ذكر هذين المثلين للغيرة ؛يعني وجود الغيرة في العبد فيقول‪:‬‬
‫مثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه وهي تسمى في زماننا هذا" المناعة‬
‫"‪,‬هذه المناعة قوة جعلها هللا سبحانه وتعالى في البدن ‪,‬تدفع المرض ‪,‬وتقاوم المرض‪ ,‬تدفعه‬
‫قبل ان يقع ‪,‬وتدفعه بعد وقوعه ‪,‬بان تطرده من البدن فهذه المناعة قوة جعلها هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ :‬في بدن العبد فإذا ذهبت هذه المناعة‪ ,‬وجد الداء المحل ً‬
‫قابال ‪,‬فالغيرة إذا طفئت وجد‬
‫الداء‪ -‬داء المعصية‪ -‬وجد المحل قابال‪َ ,‬لنه المكان منطفئة فيها الغيرة ولهذا انطفاء الغيرة‪ .‬مجلبة‬
‫َلدواء الذنوب‪ ,‬والمعاصي ليس على العاصي نفسه بل حتى على حريمه واهله َل يغار عليهم وَل‬
‫جدا وهي اصل‬ ‫يؤثر فيه ان يرى الخبث يوجد في اهله او في بيته‪ .‬فالشاهد ان الغيرة شانها عظيم ً‬ ‫ِ‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫الدين كما قال ‪-‬رحمه هللا‪ -‬ومن َل غيرة له‪َ ,‬ل دين له‪ ,‬فالغيرة تحمي القلب‪,‬فتحمي له الجوارح‬
‫‪,‬فتدفع السوء والفواحش ‪,‬وعدم الغيرة تميت القلب ‪,‬نعم ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال ‪-‬رحمه هللا‪َ [ -‬ف ْص ٌل ال َم َع ِاصي ُتذ ِه ُب ال َح َي َاء]‬
‫َ ْ ُ ُ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ ْ‬
‫اب ال َخ ْي ِر‬ ‫و ِمن عقوبا ِتها‪ :‬ذهاب الحي ِاء ال ِذي هو مادة حي ِاة القل ِب‪ ,‬وهو اصل ك ِل خي ٍر‪ ,‬وذهابه ذه‬
‫َ‬
‫اس ِم ْن َكال ِم‬ ‫الص ِحيح َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ا َّن ُه َق َال‪ْ « :‬ال َح َي ُاء َخ ْي ٌر ُك ُّل ُه» ‪َ .‬و َق َال‪ِ « :‬إ َّن ِم َّما َا ْد َر َك َّالن َ‬ ‫َا ْج َم ِع ِه َ‪.‬و ِفي َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ َ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُّالن ُب َّو ِة اَلولى‪ِ :‬إذا ل ْم تست ِح فاصنع ما ِشئت»‬
‫ْ‬

‫َو ِف ِيه َت ْف ِس َير ِان‪:‬‬


‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َا َح ُد ُه َما‪َ :‬ا َّن ُه َع َلى َّالت ْه ِد ِيد َوال َو ِع ِيد‪َ ,‬وال َم ْع َنى َم ْن ل ْم َي ْس َت ِح َف ِإ َّن ُه َي ْص َن ُع َما َش َاء ِم َن ال َق َبا ِئ ِح‪ِ ,‬إ ِذ ال َح ِام ُل َع َلى‬
‫ْ‬ ‫َت ْر ِك َها ْال َح َي ُاء‪َ ,‬فإ َذا َل ْم َي ُك ْن ُه َن َ‬
‫اك َح َي ٌاء َي ْر َد ُع ُه َع ِن ال َق َبا ِئ ِح‪َ ,‬ف ِإ َّن ُه ُي َو ِاق ُع َها‪َ ,‬و َه َذا َت ْف ِس ُير َا ِبي ُع َب ْي َد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َو َّالثا ِني‪َ :‬ا َّن ال ِف ْع َل ِإ َذا ل ْم َت ْس َت ِح ِم ْن ُه ِم َن َّالل ِه َف ْاف َعل ُه‪َ ,‬و ِإ َّن َما ال ِذي َي ْن َب ِغي َت ْر ُك ُه ُه َو َما ُي ْس َت َحى ِم ْن ُه ِم َن َّالل ِه‪,‬‬
‫ْ‬
‫َو َه َذا َت ْف ِس ُير ِاْل َم ِام َا ْح َم َد ِفي ِر َو َاي ِة ْاب ِن َها ِن ٍئ‪.‬‬
‫[سو َر ُة ُف ِص َل ْت‪. ]04 :‬‬ ‫ون َت ْه ِد ًيدا‪َ ,‬ك َق ْو ِل ِه‪ْ { :‬اع َم ُلوا َما ِش ْئ ُت ْم} ُ‬ ‫َف َع َلى ْ َاَل َّول‪َ :‬ي ُك ُ‬
‫ِ‬
‫ون إ ْذ ًنا َوإ َب َ‬
‫اح ًة‪.‬‬ ‫َ َّ َ ُ‬
‫َو َعلى الثا ِني‪ :‬يك ُ ِ ِ‬
‫‪ ,‬نعم ‪.‬هنا يبين اْلمام ابن القيم ‪-‬رحمه هللا تعالى ‪ -‬ان من عقوبات الذنوب ذهاب الحياء ‪ ,‬والحياء‬
‫كما اخبر نبينا ‪-‬عليه الصالة والسالم ‪":-‬خير كله "وهو ُخلق يقوم في قلب العبد ‪,‬يحمله علي فعل‬
‫الجميل ‪,‬وترك القبيح ‪ ,‬والحياء َل ياتي إَل بخير‪ ,‬وجود الحياء في العبد‪َ ,‬ل ياتي إَل بخير للعبد‪,‬‬
‫فالحياء خير كله وإذا ُنزع الحياء عن العبد‪ ,‬كان ذلك مجلبة للشرور ‪,‬وقد قال ‪-‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ":-‬إن مما ادرك الناس من كالم النبوة اَلولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "‪,‬قيل في‬
‫المعنى" إذا لم تستحي "هذا جاء على وجه التهديد والوعيد‪" ,‬إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "يعني‬
‫من َل حياء له‪,‬يفعل من الذنوب ما شاء وَل يبالي‪َ ,‬لن ما عنده حياء‪ ,‬منزوع الحياء ‪,‬وهذا في مقام‬
‫التهديد‪,‬مثل قول هللا سبحانه وتعالى{ ْاع َم ُلوا َما ِش ْئ ُت ْم} " هذا تهديد‪ ,‬لمن ُيلحد في ايات هللا ‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫سبحانه وتعالى ‪ِ "-‬إ َّن َّال ِذ َين ُي ْل ِح ُد َ‬
‫ون ِفي ا َيا ِت َنا َل َي ْخ َف ْو َن َع َل ْي َنا ۗ َا َف َمن ُيل َق ٰى ِفي َّالن ِار َخ ْي ٌر َام َّمن َي ْا ِتي‬
‫ْ‬
‫ا ِم ًنا َي ْو َم ال ِق َي َام ِة ۚ ْاع َم ُلوا َما ِش ْئ ُت ْم " اعملوا ما شئتم "هذا تهديد لهم‪ ,‬ليس ام ًرا لهم بان يفعلوا ما‬
‫شاءوا‪ ,‬إنما تهديد لهم ‪,‬هللا مطلع عليكم بصير بكم‪َ ,‬ل تخفى عليه منكم خافية‪ ,‬فقوله هنا من َل‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫حياء له " ًإن مما ادرك الناس من كالم النبوة اَلولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "هذا تهديد‪,‬‬
‫يعني منزوع الحياء ‪,‬يصنع ما شاء‪ ,‬وهذا تهديد له في عواقب انتزاع الحياء منه الوخيمة ا َّن ُه يرتكب‬
‫الذنوب الك ثيرة‪ ,‬والمعاصي المتنوعة‪ ,‬وقيل في المعنى‪ ,‬ا َّن المراد بقوله ‪":‬إذا لم تستحي "يعني‬
‫ستحي ى منه افعله‪,‬افعل ما شئت من اَلمور‪ ,‬فقوله" افعل ما شئت" إذا‬ ‫إذا كان اَلمر ليس مما ُي َ‬
‫لم تستحي‪ ,‬يعني إذن بالفعل‪ ,‬إذا كان اَلمر َل ُيستحي ى منه‪ ,‬ففعل ما شئت من امور ما دام انه‬
‫ليس من اَلمر الذي يستحي ى منه‪ ,‬اي من هللا ‪-‬سبحانه وتعالى ‪-‬يعني ليس فيه معصية هلل‪ ,‬افعل‬
‫ما شئت من اَلمور المباحة التي اباحها هللا‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬فإن قيل‪...‬‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ََْ ْ َ َ‬
‫يل ِإلى َح ْم ِل ِه َع َلى ال َم ْع َن َي ْي ِن؟‬ ‫ف ِإن ِقيل‪ :‬فهل ِمن س ِب ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُق ْل ُت‪ََ :‬ل‪َ ,‬و ََل َع َلى َق ْول َم ْن َي ْحم ُل ْال ُم ْش َت َر َك َع َلى َجميع َم َعا ِن ِيه‪ِ ,‬ل َما َب ْي َن ْاْل َب َ‬
‫اح ِة َو َّالت ْه ِد ِيد ِم َن ال ُم َن َاف ِاة‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َِ َ ْ ُ ُ ْ َ َ ْ‬
‫وجب اع ِتبار اَلخ ِر‪.‬‬ ‫ول ِكن اع ِتبار اح ِد المعنيي ِن ي ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو ْال َم ْق ُص ُ‬
‫وب ُت ْض ِع ُف ال َح َي َاء ِم َن ال َع ْب ِد‪َ ,‬ح َّتى ُر َّب َما ْان َس َل َخ ِم ْن ُه ِبال ُك ِل َّي ِة‪َ ,‬ح َّتى ِإ َّن ُه ُر َّب َما َل َي َت َا َّث ُر ِب ِعل ِم‬ ‫ود َا َّن ُّالذ ُن َ‬
‫َ‬
‫اس ِب ُس ِوء َحا ِل ِه َوَل ِب ِاط َال ِع ِه ْم َع َل ْي ِه‪َ ,‬ب ْل َك ِث ٌير ِم ْن ُه ْم ُي ْخ ِب ُر َع ْن َحا ِل ِه َو ُق ْب ِح َما َي ْف َع ُل‪,‬‬
‫الن ِ‬
‫َّ‬

‫الحديث َل ُيحمل على المعنيين‪َ ,‬لن احدهما تهديد منع ‪,‬واَلخر إباحة فال يحمل على المعنيين‪,‬‬
‫لكن اعتبار احد المعنيين يوجب اعتبار اَلخر‪ ,‬إذا اعتبرنا ان قوله" إذا لم تستحي ففعل ما شئت "‬
‫تهديد لمن يفعل ما شاء من المعاصي والذنوب ووعيد له‪ ,‬فإن هذا المعنى فيه اعتبار لمعنى اخر‪,‬‬
‫دليال عليه الحديث َل يدل على المعنيين ً‬
‫معا لكن فيه اعتبار لمعنى اخر إذا‬ ‫وإن لم يكن الحديث ً‬
‫كان اَلمر َل يستحي ى منه َل يضر اْلنسان ان يفعله َل يشمله التهديد َل يشمله هذا التهديد هذا مراده‬
‫بقوله ولكن اعتبار احد المعنيين يوجب اعتبار اَلخر‪ ,‬نعم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قال َو ْال َم ْق ُص ُ‬
‫وب ُت ْض ِع ُف ال َح َي َاء ِم َن ال َع ْب ِد‪َ ,‬ح َّتى ُر َّب َما ا ْن َس َل َخ ِم ْن ُه ِبال ُك ِل َّي ِة‪َ ,‬ح َّتى ِإ َّن ُه ُر َّب َما َل َي َت َا َّث ُر‬ ‫ود َا َّن ُّالذ ُن َ‬
‫َ‬ ‫ْ َّ‬
‫اس ِب ُس ِوء َحا ِل ِه َوَل ِب ِاط َال ِع ِه ْم َع َل ْي ِه‬
‫ِب ِعل ِم الن ِ‬
‫نعم َلنه انسلخ من الحياء فالذنوب ُتضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ من الحياء كلية ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪َ ,‬ب ْل َك ِث ٌير ِم ْن ُه ْم ُي ْخ ِب ُر َع ْن َحا ِل ِه َو ُق ْب ِح َما َي ْف َع ُل‪َ ,‬وال َح ِام ُل ل ُه َع َلى َذ ِل َك ْان ِس َال ُخ ُه ِم َن ال َح َي ِاء‪َ ,‬و ِإ َذا َو َص َل‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ال َع ْب ُد ِإلى َه ِذ ِه ال َح َال ل ْم َي ْب َق ِفي َص َال ِح ِه َمط َم ٌع‪.‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫هذا الذي يذكر ابن القيم رحمه هللا ربما منزوع الحياء في الزمن اَلول إذا لقي اثنان او ثالثة او اربعة‬
‫او خمسة او عشرة يحدثهم باعماله القبيحة لكن في زماننا تحول اَلمر تحول اخر عند منزوعي الحياء‬
‫والعياذ باهلل تحول تحول اخر ليس مجرد حديث عن نفسه يتحدث مع اثنين او ثالثة او اربعة كما‬
‫كان في الزمان اَلول اَلن تحول تحول اخر يصور نفسه على حاَلت قبيحة شنيعة ويرسلها عبر‬
‫اَلجهزة يراها من يراها ‪ ,‬يراها من يراها في صورة شنيعة من نزع الحياء لم تكن موجودة في اي‬
‫زمان سابق في صورة من الحياء وشناعة انتزاع الحياء لم تكن موجودة في اي زمان سابق ً‬
‫قديما‬ ‫نزع‬
‫كان منزوع الحياء يقابل من يقابل من بعض الناس ويقول فعلت كذا او فعلت كذا ويصف لهم ما‬
‫فعل اما اَلن يصور فعله القبيح الشنيع ويضع في الجهاز ويراه من يراه من العالمين ويراه من يراه‬
‫من العالمين هذا الصورة من انتزاع الحياء هي اشنع ما وجد في التاريخ من انتزاع الحياء والعياذ‬
‫باهلل نعم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ََ ْ ُ ْ‬
‫يس َطل َع َة َو ْج ِه ِه ‪َ ...‬ح َّيا َو َق َال‪َ :‬ف َد ْي ُت َم ْن َل ُي ْف ِل ُح‪.‬‬ ‫قال و ِإذا راى ِإب ِل‬

‫نعم إبليس يفرح بهؤَلء َلنهم تحولوا إلى جنود له كان من قبل يدعوهم إلى خطواته فخطوا ما‬
‫يدعوهم إليه إلى ان اصبح إبليس إذا راهم استبشر وحيا وفرح بهم َلنهم اصبحوا من جنوده نعم‪.‬‬

‫اب‪,‬‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ات َو َّ‬


‫الد‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫قال‪َ :‬و ْال َح َي ُاء ُم ْش َت ٌّق ِم َن ْال َح َي ِاة‪َ ,‬و ْال َغ ْي ُث ُي َس َّمى َح َيا ‪ -‬ب ْال َق ْصر ‪ََ ِ -‬ل َّن ب ِه َح َي ُاة ْ َاَل ْرض َو َّ‬
‫الن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َك َذ ِل َك ُسم َي ْت ب ْال َح َي ِاء َح َي ُاة ُّالد ْن َيا َو ْاَل ِخ َر ِة‪َ ,‬ف َم ْن ََل َح َي َاء ِف ِيه َف ُه َو َمي ٌت ِفي ُّالد ْن َيا َش ِق ٌّي ِفي ْاَل ِخ َر ِة‪َ ,‬و َب ْينَ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وب َو َب ْي َن ِق َّل ِة ال َح َي ِاء َو َعد ِم الغ ْي َر ِة تالز ٌم ِم َن الط َرف ْي ِن‪َ ,‬وكل ِمن ُه َما َي ْستد ِعي اَلخ َر َو َيطل ُب ُه َح ِثيثا‪َ ,‬و َم ِن‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫الذن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْاس َت َحى ِم َن َّالل ِه ِع ْن َد َم ْع ِص َي ِت ِه‪ْ ,‬اس َت َحى َّالل ُه ِم ْن ُع ُق َوب ِت ِه َي ْو َم َيل َق ُاه‪َ ,‬و َم ْن ل ْم َي ْس َت ِح ِم ْن َم ْع ِص َي ِت ِه ل ْم َي ْس َت ِح‬
‫َّالل ُه ِم ْن ُع ُق َوب ِت ِه‪.‬‬

‫نعم وهذا الجانب من الحياء هو اعظمه واجله ‪ ,‬وهو الحياء من هللا رب العالمين سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫الحياء من هللا وقد قال عليه الصالة والسالم ‪ :‬استحيوا من هللا حق الحياء) ‪ .‬فاَلستحياء من هللا‬
‫حجزا له عن كل ما يسخط هللا َلنه‬ ‫هو اعظم الحياء وإذا وجد في العبد كان من اعظم ما يكون ً‬
‫كلما حملته او دعته نفسه إلى معصية هلل سبحانه وتعالى منعه حياؤه من هللا ‪ ,‬يذكر رؤية هللا له‬
‫واطالعه عليه ‪ ,‬وعلمه بحاله فيستحي من هللا سبحانه وتعالى ‪ ,‬ولهذا من توفيق هللا للعبد الذي‬
‫اكرمه هللا بامتالء قلبه بالحياء من هللا سبحانه وتعالى ان َل يكون هللا عنده اهون الناظرين إليه ‪,‬‬
‫فشدة حيائه منه جل وعال تجعل هللا عنده اعظم الناظرين إليه ‪ .‬فكلما حدثته نفسه بذنب او‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن عشر‬

‫معصية استحيا من هللا ان يفعله ‪ ,‬متذكرا ان ربه سبحانه وتعالى يراه و مطلع عليه ‪ ,‬وانه جل وعال‬
‫َل تخفى عليه من العباد خافية ‪..‬‬
‫ً‬
‫وتوفيقا وان يصلح لنا شاننا كله‬ ‫ونسال هللا الكريم ان ينفعنا اجمعين فيما علمنا وان يزيدنا ً‬
‫علما‬
‫وان َل يكلنا إلى نفسنا طرفة عين وان يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولوَلة امورنا وللمسلمين‬
‫والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ‪ ,‬اَلحياء منهم واَلموات اللهم ا ِت نفوسنا تقواها ‪ ,‬زكها انت خير‬
‫من زكاها ‪ ,‬انت وليها وموَلها ‪,‬اللهم َّإنا نسالك الهدى والتقى ‪ ,‬والعفة والغنى ‪ ,‬واصلح لنا ديننا‬
‫الذي هو عصمة امرنا ‪ ,‬واصلح دنيانا التي فيها معاشنا ‪ ,‬واصلح لنا اخرتنا التي فيها معادنا ‪,‬‬
‫واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ‪ ,‬والموت راحة لنا من كل شر ‪ ,‬اللهم إقسم لنا من خشيتك‬
‫ما يحول بيننا وبين معاصيك ‪ ,‬ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ‪,‬ومن اليقين ما تهون به علينا‬
‫مصائب الدنيا ‪ ,‬اللهم متعنا باسماعنا ‪ ,‬وإبصارنا ‪ ,‬وقوتنا ما احييتنا ‪ ,‬واجعله الوارث منا ‪,‬‬
‫واجعل ثارنا على من ظلمنا ‪ ,‬وانصرنا على من عادانا ‪ ,‬وَل تجعل مصيتنا في ديننا ‪ ,‬وَل تجعل‬
‫الدنيا اكبر همنا ‪ ,‬وَل مبلغ علمنا ‪ ,‬وَل تسلط علينا من َل يرحمنا ‪,‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ,‬اشهد ان َل إله إَل انت ‪ ,‬استغفرك واتوب إليك ‪ ...‬اللهم صل وسلم على‬
‫عبدك ورسولك نبينا محمد ‪ ,‬وعلى اله وصحبه‬
‫جزاكم هللا خي ًرا‬
‫* اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫الحمد هلل رب العالمين وصلى هللا وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجميعين ‪ ،‬اما بعد ‪،‬‬
‫فيقول العالمة ابن القيم الجوزية رحمه هللا وغفر له ولشيخنا والمسلمين في ك تابه الداء والدواء‬
‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫قال ‪َ [ :‬ف ْصل ال َم َع ِاصي ُت ْض ِع ُف ِفي ال َقل ِب َت ْع ِظ َيم َّالر ِب]‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُّ ُ‬
‫وب‪َ :‬ا َّن َها ُت ْض ِع ُف ِفي ال َقل ِب َت ْع ِظ َيم َّالر ِب َج َّل َجَل ل ُه‪َ ،‬و ُت ْض ِع ُف َو َق َار ُه ِفي َقل ِب‬ ‫ات الذن ِ‬
‫ُ‬
‫َو ِم ْن ُعق َوب ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ّللا َو َع َظ َم ُت ُه ِفي َقل ِب ال َع ْب ِد ل َما َت َج َّ َرا َع َلى َم َع ِاص ِيه‪َ ،‬و ُرَّب َما‬ ‫َ‬
‫ال َع ْب ِد َول ُب َّد‪َ ،‬ش َاء ا ْم ا َبى‪َ ،‬ول ْو َت َم َّك َن َوق ُار َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْاغ َت َّر ال ُم ْغ َت ُّر‪َ ،‬و َق َال‪ِ :‬ا َّن َما َي ْح ِم ُل ِني َع َلى ال َم َع ِاصي ُح ْس ُن َّالر َج ِاء‪َ ،‬و َط َم ِعي ِفي َع ْف ِو ِه‪ ،‬ل َض ْع ُف َعظ َم ِت ِه‬
‫ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َّ ْ َ َّ َ َ َ َ َّ َ‬
‫ّللا َت َعالى َو َجَل ل ُه ِفي َقل ِب ال َع ْب ِد َت ْق َت ِضي َت ْع ِظ َيم‬ ‫س؛ ف ِان عظمة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِفي قل ِبي‪ ،‬وهذا ِمن مغالط ِة النف‬
‫ّللا َح َّق‬ ‫وب‪َ ،‬و ْال ُم َت َج ُرُئ َن َع َلى َم َع ِاص ِيه َما َق َد ُروا َّ َ‬ ‫ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ ُّ ُ‬
‫ح ُرما ِت ِه‪َ ،‬وتع ِظ ُيم ح ُرما ِت ِه يحول ب ْينه َوب ْين الذن ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫ون َع َل ْي ِه َا ْم ُر ُه َو َن ْه ُي ُه؟‬ ‫َق ْدر ِه‪َ ،‬و َك ْي َف َي ْق ِد ُر ُه َح َّق َق ْدر ِه‪َ ،‬ا ْو ُي َع ِظ ُم ُه ا َو ُي َكب ُر ُه‪َ ،‬و َي ْر ُجو َو َق َار ُه َو ُي ِج ُّل ُه‪َ ،‬م ْن َي ُه ُ‬
‫ِ‬
‫ّللاَّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َِ ْ ْ‬
‫هذا ِمن امح ِل المح ِال‪ ،‬وابي ِن الب ِاط ِل‪ ،‬وك فى ِبالع ِاصي عقوبة ان يضم ِحل ِمن قل ِب ِه تع ِظيم ِ‬
‫َج َّل َج ََل ُل ُه‪َ ،‬و َت ْع ِظ ُيم ُح ُر َما ِت ِه‪َ ،‬و َي ُه ُ‬
‫ون َع َل ْي ِه َح ُّق ُه‪.‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ,‬واشهد ان ال إله إال هللا وحده ال شريك له واشهد ان ً‬
‫محمدا عبده ورسوله‬
‫صلى هللا وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما‬
‫واصلح لنا شاننا كله وال تكلنا إلى انفسنا طرفة عين‪..‬اما بعد‪:‬‬
‫فهذا اثر اخر من اثار الذنوب وعواقبها الوخيمة انها تضعف في قلب المرء تعظيم هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ومعلوم ان القلب كلما ُع ِم َر بتعظيم هللا عز وجل كان ذلك ادعى الستقامته على طاعة هللا‪،‬‬
‫بل إن استقامة المرء على طاعة هللا عز وجل بحسب ما قام في قلبه من التعظيم هلل جل وعال فذذا‬
‫اختل هذا التعظيم هلل اختل العمل‪ ،‬ولهذا ينبغي على العبد المؤمن ان ينظر إلى االمور الجالبة إلى‬
‫يضا في‬ ‫قلبه تعظيم ربه سبحانه وتعالى فيعتني بها ُليعمر قلبه بالتعظيم هلل عز وجل وان ينظر ا ً‬
‫ضعفة لتعظيم الرب سبحانه وتعالى في القلب فيجتنبها ويحذر منها ومن اشد ما يكون في‬ ‫االسباب ُالم ِ‬
‫ذلك الذنب بعد الذنب‪ ،‬والمعصية بعد المعصية فذن النفس إذا انهمكت في الذنوب ضعف فيها‪ ،‬بل‬
‫ربما ذهب ما في القلب من تعظيم هلل جل وعال‪ ،‬قال هللا تعالى‪َّ ﴿ :‬ما َل ُك ْم َل َت ْر ُج َ‬
‫ون ِل َّل ِه َو َقارا َو َق ْد‬
‫َخ َل َق ُك ْم َا ْط َوارا ﴾ [ نوح‪ ،]١٤-١٣ :‬اقرا ما بعدها هذه كلها من الجوالب للتعظيم هلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫التفكر في اياته العظيمة الدالة على عظمته ِوفي اسمائه العظيمة الدالة على عظمته سبحانه وتعالى‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫لكن العبد إذا انغمس في الذنوب ذهب عن قلبه هذا التعظيم‪ ،‬قد قال هللا عز وجل‪َ ﴿ :‬و َما َق َد ُروا َّالل َه‬
‫َّ‬
‫َح َّق َق ْد ِر ِه ﴾ [ الزمر‪ ]٦٧ :‬اي ما عظموه سبحانه وتعالى حق تعظيمه ‪،‬فمن انفع ما يكون للقلوب ان تكون‬
‫معظمة هلل ‪،‬ومن اضر ما يكون على القلوب ان يذهب عنها هذا التعظيم هلل سبحانه و تعالى ‪،‬والذنوب‬
‫ذات خطورة عظيمة على قلب العبد في إضعاف هذا التعظيم هلل سبحانه والمطلوب من العبد الناصح‬
‫لنفسه ان يحافظ على هذا التعظيم هلل في قلبه وان يعمل على زيادته ال على إنقاصه وإضعافه‪.‬نعم‬

‫ون َع َل ْي ِه ْم‪،‬‬ ‫ّللا َع َّز َو َج َّل َم َه َاب َت ُه ِم ْن ُق ُلوب ْال َخ ْلق‪َ ،‬و َي ُه ُ‬ ‫قال َو ِم ْن َب ْعض ُع ُق َوب ِة َه َذا‪َ :‬ا ْن َي ْر َف َع َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس‪َ ،‬و َع َلى َقدرْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ب ِه‪ ،‬ك َما َه َان َعل ْي ِه ا ْم ُر ُه َو ْاس َتخ َّف ب ِه‪ ،‬ف َعلى قدر َم َح َّب ِة ال َع ْب ِد ِ َّ ِلِل ُي ِح ُّب ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َو َي ْس َت ِخ ُّف َ‬
‫ِ‬ ‫الن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ُح ُر َما ِت ِه‪َ ،‬و َك ْي َف َي ْن َتهكُ‬ ‫ُ‬ ‫ّللا َي َخ ُاف ُه ْال َخ ْل ُق‪َ ،‬و َع َلى َق ْدر َت ْع ِظيم ِه ِ َّ ِلِل َو ُح ُر َما ِت ِه ُي َع ِظ ُم ُه النَّ‬ ‫َخ ْو ِف ِه ِم َن َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا َع َلى‬ ‫ّللا َو َل ُي َهو ُن ُه َّ ُ‬‫ِ‬ ‫ون َع َل ْي ِه َح ُّق َّ‬ ‫اس ُح ُر َما ِت ِه َا ْم َك ْي َف َي ُه ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّللا‪َ ،‬و َي ْط َم ُع َا ْن َل َي ْن َته َك َّ‬
‫الن‬ ‫ات َّ ِ‬ ‫َع ْبد ُح ُر َم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّالن َ‬
‫ّللا َول َي ْس َت ِخ ُّف ِب ِه ال َخل ُق؟‬ ‫اس؟ ا ْم َك ْي َف َي ْس َت ِخ ُّف ِب َم َع ِاصي ِ‬ ‫ِ‬
‫وب‪َ ،‬و َا َّن ُه َا ْر َك َس َا ْرَب َاب َها ِب َما َك َس ُبوا‪َ ،‬و َغ َّطى‬ ‫الذ ُ‬
‫ن‬ ‫َو َق ْد َا َش َار ُس ْب َح َان ُه ا َلى َه َذا في ك َتابه ع ْن َد ذ ْكر ُع ُق َوبات ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫َع َلى ُق ُلو ِب ِه ْم‪َ ،‬وط َب َع علي َها ِبذنو ِب ِه ْم‪ ،‬وانه ن ِس َي ُه ْم ك َما ن ُسوه‪ ،‬واهان ُه ْم ك َما اهانوا ِدينه‪ ،‬وض َّيع ُه ْم ك َما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ُ ْ َ ْ ُ َ َ ُ َ َ ْ ُ َّ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ّللا َف َما ل ُه ِم ْن ُم ْك ِرم} [ ُسو َر ُة‬ ‫ات له‪{ :‬ومن ي ِه ِن‬ ‫َض َّي ُعوا ا ْم َر ُه‪َ ،‬و ِل َهذا قال ت َعالى ِفي اي ِة سج ِود المخلوق ِ‬
‫َ‬
‫ّللا َف َل ْم َي ُك ْن ل ُه ْم ِم ْن‬ ‫ود َل ُه َو ْاس َت َخ ُّفوا ب ِه َو َل ْم َي ْف َع ُل ُوه َا َه َان ُه ُم َّ ُ‬
‫ِ‬
‫الس ُج ُ‬ ‫ْال َحج‪َ ]18 :‬فا َّن ُه ْم َل َّما َه َان َع َل ْي ِه ُم ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ُمك ِرم بعد ان اهانهم ّللا‪ ،‬ومن ذا يك ِرم من اهانه ّللا؟ او ي ِهن من اكرمه ّللا؟‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫يضا من عقوبات الذنوب ‪،‬من العقوبات التي تجرها الذنوب على العاصي ان يرفع هللا جل وعال‬ ‫*هذه ا ً‬
‫مهابة الناس منه؛ الن اإليمان الصحيح القويم يكسو المؤمن هيبة ومكانة في القلوب ومحبة مثل ما‬
‫تقدم معنا في الحديث‪(( :‬ان هللا اذا احب عبده نادى ِج ْب ِريل‪ ،‬اني احب فَلنا فاحبه‪ ،‬فيحبه‬
‫جبريل‪ ،‬ثم ينادي ِج ْب ِريل في اهل السماء ان هللا يحب فَلنا فاحبوه فيحبه اهل السماء‪ ،‬ثم ُيجعل‬
‫َّ‬
‫القبول في الرض))‪ .‬وهذا المعنى مقرر في القران الكريم قول هللا سبحانه وتعالى‪ِ ﴿:‬ا َّن ال ِذ َين ا َم ُنوا‬ ‫له َ‬
‫ات َس َي ْج َع ُل َل ُه ُم َّالر ْح َم ٰ ُن ُو ًّدا ﴾[ مريم‪ ]٩٦ :‬اي ‪ :‬مودة ومحبة‪ .‬يجعل‪ :‬هذا تفضل ومن من‬ ‫َو َع ِم ُلوا َّ‬
‫الصا ِل َح ِ‬
‫هللا وهو بيد هللا سبحانه وتعالى؛ الن قلوب العباد بيده يجعلها محبة لما شاء ومبغضة لما شاء ‪.‬‬
‫االمر امره‪ ,‬والخلق خلقه سبحانه وتعالى؛ ولهذا من العقوبات التي يبوء بها العاصي هوانه عند هللا‬
‫سبحانه وتعالى‪ ,‬ولما استهان بطاعة هللا‪ -‬جل وعال ‪-‬و امتثال امره‪ ,‬واجتناب نهيه‪ ,‬عوقب عقوبة من‬
‫جنس عمله فاذهب هللا هيبته ومكانته التي كانت في قلوب الناس‪،‬فهذه من العقوبات المعجلة في‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫هذه الحياة الدنيا وهي ماضية على قاعدة الشريعة في باب الجزاء وانه من جنس العمل‪ .‬فذذا كان‬
‫استهانة وهوان امر الشرع عند المرء يهينه هللا‪.‬‬
‫نسيانا يجازيه هللا سبحانه وتعالى " نسوا هللا فنسيهم " إذا كان ً‬
‫تضييعا يضيع امره‪ ,‬ويكون‬ ‫إذا كان ً‬
‫امره ُف ً‬
‫رطا النه ضيع امر هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬وهذا الهوان إذا حصل للعبد ال يجد من ُيكرمه إذا اهانه‬
‫هللا " من ُي ِهن هللا فماله من مكرم " وهذه اإلهانة ذكرها هللا سبحانه وتعالى في سياق سجود‬
‫الشذاذ) من الناس الذين انحرفوا عن‬‫الكائنات كلها هلل سبحانه وتعالى‪ ,‬ال يخرج عن هذا السجود إال ( ُ‬
‫وم‬ ‫ات َو َمن ِفي ْ َال ْرض َو َّ‬
‫الش ْم ُس َو ْال َق َم ُر َو ُّالن ُج ُ‬ ‫الس َم َاو ِ‬‫ّللا َي ْس ُج ُد َل ُه َمن ِفي َّ‬ ‫صراط هللا المستقيم ﴿ َا َل ْم َت َر َا َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ّللا َف َما َل ُه ِمن ُّم ْكرم ا َّن َّ َ‬
‫ّللا‬ ‫اب َو َمن ُيهن َّ ُ‬‫اب َو َك ِثير ِم َن َّالناس َو َك ِثير َح َّق َع َل ْي ِه ْال َع َذ ُ‬ ‫الد َو ُّ‬ ‫َو ْالج َب ُال َو َّ‬
‫الش َج ُر َو َّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َيف َعل َما َيش ُاء ۩ ﴾ [ الحج ‪] ١٨ :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬

‫فهؤالء الذين خرجوا عن ما عليه الكون كله الكون كله يسجد هلل الكون كله يسجد السماء تسجد‬
‫االرض تسجد الشمس تسجد القمر يسجد االشجار تسجد الجبال تسجد ك ثير من الناس الذين هم‬
‫عباد هللا الصالحون يسجدون هلل ال يخرج عن هذا السجود‪ -‬سجود الكائنات هلل سبحانه وتعالى‪ -‬إال‬
‫من انحرف عن صراط هللا سبحانه وتعالى المستقيم فيلقى عقوبة على هذا االنحراف والخروج عن‬
‫َ َ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫ّللا َف َما ل ُه ِم ْن ُم ْك ِرم}‬ ‫صراط هللا المستقيم ان يهينه هللا {ومن ي ِه ِن‬
‫قال رحمه هللا ‪َ [ :‬ف ْصل ْال َم َع ِاصي ُت ْن ِسي َّ َ‬
‫ّللا]‬
‫ّللا ِل َع ْب ِد ِه‪َ ،‬و َت ْر َك ُه َو َت ْخ ِل َي َت ُه َب ْي َن ُه َو َب ْي َن َن ْف ِس ِه َو َش ْي َطا ِن ِه‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬
‫َو ِم ْن ُع ُق َوبا ِت َها‪ :‬ا َّن َها َت ْس َت ْد ِعي ِن ْس َي َان َّ ِ‬
‫ْ َ َ ُ َّ َ ُ ْ َ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َّ ُ َّ َ ْ‬
‫ّللا َول َت ْن ُظ ْر َن ْفس َما‬ ‫اهلك الهَل ك ال ِذي ل يرجى معه نجاة‪ ،‬قال ّللا‪{ :‬ياايها ال ِذين امنوا اتقوا‬
‫ون ‪َ -‬و َل َت ُك ُونوا َك َّال ِذ َين َن ُسوا َّ َ‬
‫ّللا َف َا ْن َس ُاه ْم َا ْن ُف َس ُه ْم‬ ‫ّللا َخبير ب َما َت ْع َم ُل َ‬ ‫َق َّد َم ْت ِل َغد َو َّات ُقوا َّ َ‬
‫ّللا ا َّن َّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُا َول ِئ َك ُه ُم ْال َف ِاس ُق َ‬
‫ون} [ ُسو َر ُة ال َح ْش ِر‪. ]19 - 18 :‬‬
‫قال‪ :‬ومن عقوباتها‪ :‬اي الذنوب‪ ,‬انها تستدعي نسيان هللا لعبده وتركه اي وترك هللا لعبده ‪,‬وهذا‬
‫العطف من عطف التفسير؛ الن المراد بالنسيان هنا الترك اما النسيان الذي هو ذهاب العلم وضعف‬
‫المعرفة‪ -‬او عدم ذكر الشيء‪ -‬هذا هللا منزه عنه سبحانه وتعالى‪ ,‬هذا نقص منزه عنه جل وعال " وما‬
‫كان ربك نسيا " ولهذا ال تنافي بين قوله " وما كان ربك نسيا " وقوله " نسوا هللا فنسيهم " الن‬
‫النسيان المنفي غير المثبت المنفي هذا نقص ال يليق باهلل سبحانه وتعالى " وما كان ربك نسيا " اما‬
‫النسيان في قوله " نسوا هللا " يعني َت َر ُكوا طاعة هللا وضيعوها فتركهم وضيعهم سبحانه وتعالى عقوبة‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫لهم من جنس عملهم مثل قوله " فلما َز ُاغوا َا َزاغ هللا قلوبهم " عقوبة لهم من جنس عملهم وهذا له‬
‫جدا اشار المصنف رحمه هللا تعالى إلى بعضها ‪.‬‬ ‫نظائر ك ثيرة ً‬

‫ون ِب َم ْن َن ِس َي ُه ِب َت ْر ِك َت ْق َو ُاه‪َ ،‬و َا ْخ َب َر َا َّن ُه َع َاق َب َم ْن َت َر َك‬ ‫قال ‪َ :‬ف َا َم َر ب َت ْق َو ُاه َو َن َهى َا ْن َي َت َش َّب َه ِع َب ُاد ُه ْال ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ِ‬
‫َّالت ْق َوى ِب َا ْن ان َساه نف َسه‪ ،‬اي ان َساه مصا ِلحها‪ ،‬وما ين ِجيها ِمن عذا ِب ِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫ّللا َذ ِل َك ُك َّل ُه َج َزاء ِل َما َن ِس َي ُه‬ ‫وج ُب َل ُه ْال َح َي َاة ْ َال َب ِد َّي َة‪َ ،‬و َك َم َال َل َّذ ِت َها َو ُس ُرور َها َو َن ِعيم َها‪َ ،‬ف َا ْن َس ُاه َّ ُ‬ ‫َو َما ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِم ْن َع َظ َم ِت ِه َو َخ ْو ِف ِه‪َ ،‬و ْال ِق َي ِام ب َا ْمر ِه‪َ ،‬ف َت َرى ْال َع ِاص َي ُم ْهمَل ِل َم َصا ِلح َن ْف ِس ِه ُم َضيعا َل َها‪َ ،‬ق ْد َا ْغ َف َل َّ ُ‬
‫ّللا‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ َ َِ َ ِ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫ْ‬
‫َقل َب ُه َع ْن ِذ ْك ِر ِه‪َ ،‬و َّات َب َع َه َو ُاه َو َك َان ام ُره ف ُرطا‪ ،‬ق ِد انف َرطت علي ِه مصا ِلح دن َياه وا ِخ َرِت ِه‪ ،‬وقد فرط ِفي‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫ون ِم ْن ل َّذة‪ِ ،‬ا َّن َما ِه َي َس َح َاب ُة َص ْيف‪َ ،‬ا ْو َخ َي ُال َط ْيف َك َما‬ ‫سعاد ِت ِه الب ِدي ِة‪ ،‬واستبدل ِبها ادنى ما يك‬
‫ِق َيل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َا ْح ََل ُم َن ْوم َا ْو َك ِظل َزا ِئل ‪ ...‬ا َّن َّالل ِب َ‬
‫يب ِب ِم ْث ِل َها ل ُي ْخ َد ُع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫نعم ‪,‬لما امرهم سبحانه وتعالى بتقواه ‪،‬إمتثاال المره سبحانه وانتهاء عن نهيه؛ الن تقوى هللا ان‬
‫يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من سخط هللا وعقوبته وقاية تقيه ‪ ،‬وذلك إنما يكون بفعل ما امر ‪،‬‬
‫وترك ما نهى عنه وزجر ‪.‬فلما قابلوا هذا االمر منه سبحانه وتعالى لهم بتقواه ‪ ،‬بالترك وعدم الفعل ‪،‬‬
‫َٰ‬ ‫ّللا َف َا َ‬
‫نس ُاه ْم َا ُنف َس ُه ْم ُاول ِئ َك ُه ُم‬ ‫عاقبهم هللا سبحانه وتعالى بعقوبة هي من جنس عملهم ﴿ َن ُسوا َّ َ‬
‫ون﴾[ الحشر‪ ]19 :‬هذه عقوبة هي من جنس عملهم ( نسوا هللا ) اي ‪ :‬نسوا تعظيمه ‪،‬ونسوا‬ ‫ْال َف ِاس ُق َ‬
‫ماضيا في‬‫تقواه‪،‬ونسوا إمتثال اوامره ‪ ،‬وإجتناب نواهيه ‪.‬فعاقبهم با ْن انساهم انفسهم ‪،‬فيصبح المرء ً‬
‫هذه الحياة وهو بعيد كل البعد عن مصالح نفسه؛الن اموره بتضييعه امر هللا كلها اصبحت‬
‫ضائعا ‪ ،‬وال تجتمع نور العبد إال بلزوم طاعة هللا ‪،‬ولهذا في الدعاء‬ ‫ُفرطا ‪ (.‬وكان امره فرطا ) اي ً‬
‫الماثور في صحيح مسلم ‪":‬اللهم اصلح لي ديني الذي هو ماذا ؟ ‪-‬عصمة امري ‪.‬‬
‫ما يكون لالمر عصمة و سالمة وإلتائم إال بطاعة هللا ولزوم دينه‪ ،‬فذذا ضيع دين هللا (كان امره‬
‫فرطا ) ‪ ,‬ثم تلك اللذة التي شغلته عن تحقيق تقوى هللا ‪ ،‬هي لذة زائلة فانية ‪ ،‬ليست باقية ‪،‬وهذا‬
‫من اعظم الحرمان ان يؤثر لذة تذهب في لحظة يسيرة على لذة باقية في الدار االخرة ‪،‬فهذا من اعظم‬
‫الحرمان ‪،‬ان يؤثر لذة فانية تبقى عواقبها الوخيمة على الملتذ في دنياه واخراه ‪ ،‬وا ً‬
‫يضا يضيع اللذة‬
‫العظيمة التي اعدها هللا في الدار االخرة الوليائه المقربين وعباده المؤمنين ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ‬
‫ّللا‪َ ،‬و َب ْي ُع َها َذ ِل َك‬ ‫ْ‬
‫ات ِن ْس َي ُان ال َع ْب ِد ِل َنف ِس ِه‪َ ،‬و ِا ْه َمال ُه ل َها‪َ ،‬و ِا َض َاع ُت ُه َحظ َها َو َن ِص َيب َها ِم َن َّ ِ‬
‫َوا ْعظ ُم ال ُعق َوب ِ‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ َ َ‬
‫ض ل ُه ِم ْن ُه‪َ ،‬و ْاس َت ْب َد َل ِب ِه َم ْن َع ْن ُه‬ ‫س الثم ِن‪ ،‬فضيع من ل ِغنى له عنه‪ ،‬ول ِعو‬ ‫ِبالغب ْ ِن والهو ِان وابخ ْ ِ‬
‫ض‪:‬‬ ‫ُ ُّ َ َ ْ ْ ُ ُ ُّ َ‬
‫كل ال ِغنى او ِمنه كل ال ِعو ِ‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫ِم ْن ُك ِل َش ْيء ِاذا َض َّي ْع َت ُه ِع َوض ‪َ ...‬و َما ِم َن َّ ِِ‬
‫ّللا ا ْن َض َّي ْع َت ِم ْن ِع َو ُ‬
‫وبيعها كذا؟‪ -‬الطالب‪ُ :‬‬
‫وبيعها ذلك بالغبن‪.‬‬ ‫الشيخ ‪ :‬عندك ُ‬

‫الشيخ ‪ :‬اما ان تكون‪ :‬وبيعه ذلك او بيعها‪-:‬وبيعه ذلك بالغبن والهوان وابخس الثمان‪,‬او وبيعها‬
‫بالغبن والهوان بيعها اي النفس‬
‫((الشرح))‪:‬‬
‫هذا اعظم الخسران ان يستبدل الذي ادنى بالذي هو خير فيحرم نفسه اشد الحرمان بل االدنى الذي‬
‫استبدله بالذي هو خير هو في الحقيقة ضياع لحياته وهالك لها وإيقاع لها في المضرة العظيمة التي‬
‫تلحقها في دنياه واخراه واما اللذة التي ُفتن بها فهي لذة فانية منقضبة كما قال القائل ‪:‬‬
‫تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الخزي ُ‬
‫والعار‬
‫وتبقى عواقب سوء من مغبتها *** ل خير في لذة من بعدها ُ‬
‫النار‬
‫وهذا البيت عظيم ً‬
‫جدا جدير بان ُيتامل قول الشاعر‪:‬‬
‫وما من هللا ان ضيعته ِع ُ‬
‫وض‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ضيعته ِعوض‬ ‫من كل شيء اذا‬
‫كل شيء إذا ضيعته له عوض لكن الدين ال عوض له‪ ،‬تقوى هللا ال عوض لها ‪،‬طاعة هللا ال عوض‬
‫لها‪.‬لكل شيء ذهب عن اإلنسان او لم يحصله اإلنسان عوض‪ ،‬في تقوى هللا خلف من كل‬
‫شيء‪،‬وليس من تقوى هللا خلف‪ ،‬في تقوى هللا خلف من كل شيء ‪ ،‬وليس من تقوى هللا‬
‫خلف‪،‬إذا ذهبت التقوى ما يعوضها اي شيء‪ ،‬ولو اعطي المرء الدنيا كلها‪ ،‬بكل زخرفها ‪ ،‬إن ضاعت‬
‫التقوى من العبد وحرم التقوى لو اعطي الدنيا بحذافيرها ال تعوضه ما فقده من تقوى هللا سبحانه‬
‫وتعالى‪،‬لكن إن ِوج َد عنده تقوى هللا عز وجل ففيها عوض عن كل شيء عن جميع المالوفات‪ ،‬او‬
‫المحبوبات او المبتغيات فالتقوى فيها عوض وفيها خلف عن كل شيء اما إذا ضاعت تقوى هللا‬
‫سبحانه وتعالى فذنه ليس لها عوض وليس لها خلف‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫ض َع ْن ُكل َش ْيء َما ِس َو ُاه َو َل ُي َعو ُ‬


‫ض ِم ْن ُه َش ْيء‬ ‫قال رحمه هللا ‪َ :‬ف َّ ُ‬
‫الِل ُس ْب َح َان ُه ُي َعو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫*وهذا ايضا كالم عظيم بمعنى ما سبق ‪،‬هللا سبحانه وتعالى يعوض كل ما سواه‪ ،‬ولهذا الذي يترك‬
‫ً‬
‫شيائ من مبتغياته الدنيوية الجل هللا‪،‬اي لما في ذلك االمر من مخالفة او حتى ُشبهة فيتركه الجل هللا‬
‫ً‬
‫يعوضه هللا‪ ،‬ولهذا جاء في الحديث قال عليه الصالة والسالم‪[:‬من ترك شيائ هلل عوضه هللا خي ًرا منه]‬
‫العوض بيده سبحانه وتعالى‪ ,‬والفضل بيده جل وعال‪ ,‬لكن الذي يضيع دين هللا سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫حصل الدنيا ال تعوضه ما ضيعه من‬ ‫هذا الضياع لدين هللا ليس منه عوض‪ ،‬وال يعوضه شيء ولو َّ‬
‫تقوى هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫َ‬
‫قال َو ُي ْغ ِني َع ْن ُك ِل َش ْيء َول ُي ْغ ِني َع ْن ُه َش ْيء‪.‬‬

‫يعني سبحانه وتعالى عن كل شيء وال يغني عنه شيء؛ الن العبد ال غنى له عن هللا طرفة عين﴿ َيا َا ُّي َها‬
‫ت ِبخلق ج ِديد ﴾[ فاطر‪]١٦ -١٥ :‬‬
‫اس َا ُنت ُم ْال ُف َق َر ُاء ا َلى َّالل ِه َو َّالل ُه ُه َو ْال َغ ِن ُّي ْال َحم ُيد ان َي َش ْا ُي ْذ ِه ْب ُك ْم َو َي ْا ِ َ ْ َ‬
‫َّالن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َو ُي ِج ُير ِم ْن ُك ِل َش ْيء َول ُي ِج ُير ِم ْن ُه َش ْيء‪َ ،‬و َي ْم َن ُع ِم ْن ُك ِل َش ْيء َول َي ْم َن ُع ِم ْن ُه َش ْيء‪َ ،‬ك ْي َف َي ْس َت ْغ ِني‬
‫ْ‬
‫ال َع ْب ُد َع ْن َط َاع ِة َم ْن َه َذا َش ْا ُن ُه َط ْر َف َة َع ْين؟ َو َك ْي َف َي ْن َسى ِذ ْك َر ُه َو ُي َض ِي ُع َا ْم َر ُه َح َّتى ُي ْن ِس َي ُه َن ْف َس ُه‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُّ ْ‬
‫الظل ِم؟ َف َما َظ َل َم ال َع ْب ُد َرَّب ُه َول ِك ْن َظ َل َم َن ْف َس ُه‪َ ،‬و َما َظ َل َم ُه َرُّب ُه َول ِك ْن ُه َو‬ ‫فيخسرها ويظ ِلمها اعظم‬
‫َّ‬
‫ال ِذي َظ َل َم َن ْف َس ُه‪.‬‬
‫﴿ َو َما َظ َل ُم َونا َو َٰل ِكن َك ُانوا َا ُنف َس ُه ْم َي ْظ ِل ُم َ‬
‫ون﴾[ البقرة‪ ] 57 :‬ما ظلم ربه ولكن ظلم نفسه وجنى على نفسه‬
‫واضر بها واحل بها الخزي والعار واحلها محال العقوبات والعواقب الوخيمة في الدنيا واالخرة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قال رحمه هللا ‪ :‬فصل‪َ [ :‬ف ْصل ال َم َع ِاصي ُت ْخ ِر ُج ال َع ْب َد ِم ْن َدا ِئ َر ِة ِال ْح َس ِان]‬
‫ْ‬ ‫َو ِم ْن ُع ُق َوبا ِت َها‪َ :‬ا َّن َها ُت ْخر ُج ْال َع ْب َد ِم ْن َدا ِئ َر ِة ْال ْح َسان َو َت ْم َن ُع ُه ِم ْن َث َواب ْال ُم ْح ِس ِن َ‬
‫ين‪َ ،‬ف ِا َّن ِال ْح َس َان ِا َذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َّ َ ْ ِ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ُ َ َ ُ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َْْ َ َ َ َ ُ ِ ْ‬
‫باشر القلب منعه م ِن المع ِاصي‪ ،‬ف ِان من عبد ّللا كانه يراه‪ ،‬لم يكن كذ ِلك ِال ِلس ِتيَل ِء ِذك ِر ِه‬
‫ْ‬
‫َو َم َح َّب ِت ِه َو َخ ْو ِف ِه َو َر َجا ِئ ِه َع َلى َقل ِب ِه‪ِ ،‬ب َح ْي ُث َي ِص ُير َك َا َّن ُه ُي َش ِاه ُد ُه‪َ ،‬و َذ ِل َك َي ُح ُول َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ِا َر َاد ِة‬
‫اص ِة‪َ ،‬و َع ْي ُش ُه ُم‬ ‫ْال َم ْع ِص َي ِة‪َ ،‬ف ْضَل َع ْن ُم َو َاق َع ِت َها‪َ ،‬فا َذا َخ َر َج ِم ْن َدا ِئ َر ِة ْال ْح َسان‪َ ،‬ف َات ُه ُص ْح َب ُة ُر ْف َق ِت ِه ْال َخ َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْال َه ِن ُ‬
‫يء‪َ ،‬و َن ِع ُيم ُه ُم َّالت ُّام‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫فذذا خرج من دائرة اإلحسان فاته صحبة رفقة الخاصة‪ :‬يعني رفقة الرفقاء واالصحاب وعيشهم‬
‫الهنيء‪َّ ,‬‬
‫اللهم اهدنا فيمن هديت‪,‬إذا خرج عن هذه الدائرة خرج عن صحبة هؤالء ورفقة هؤالء< وحسن‬
‫اولئك رفيقا > ‪-‬نعم ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ّللا ب ِه َخ ْيرا َا َق َّر ُه ِفي َدا ِئ َر ِة ُع ُم ِوم ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫قال َفا ْن َا َر َاد َّ ُ‬
‫ين‪َ ،‬ف ِا ْن َع َص ُاه ِبال َم َع ِاصي ال ِتي ُت ْخ ِر ُج ُه ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َدا ِئ َر ِة ِاليم ِان كما قال الن ِب ُّي ‪َ -‬صلى ّللا علي ِه و َسل َم‪« :‬ل يزِني الزا ِني ِحين يزِني وهو مؤ ِمن‪ ،‬ول يش َر ُب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين َي ْسر ُق َو ُه َو ُم ْؤ ِمن‪َ ،‬و َل َي ْن َته ُب ُن ْه َبة َذ َ‬ ‫السار ُق ِح َ‬ ‫ََ َ ْ ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ ْ َُ َ َ ُ َ ُ ْ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخمر ِحين يشربها وهو مؤ ِمن‪ ،‬ول يس ِرق َّ ِ‬
‫ين َي ْن َت ِه ُب َها َو ُه َو ُم ْؤ ِمن» َف ِا َّي ُاك ْم ِا َّي ُاك ْم‪َ ،‬و َّالت ْو َب ُة َم ْع ُرو َضة َب ْع ُد‪.‬‬ ‫اس َا ْب َص َار ُه ْم ِح َ‬‫َش َرف َي ْر َف ُع ا َل ْي ِه ِف َيها َّالن ُ‬
‫ِ‬
‫يضا من العقوبات من عقوبات المعاصي انها‪ :‬تخرج العبد من دائرة اإلحسان‪ ,‬ثم ايضا تصل‬ ‫*هذا ا ً‬
‫به إال ان تخرجه من دائرة اإليمان؛ الن الحديث‪،‬حديث جبريل عليه السالم لما سال النبي عليه‬
‫الصالة والسالم عن مراتب الدين كانت ثالثة‪ :‬السَلم‪ ،‬واليمان‪ ،‬والحسان‪.‬‬
‫وفي حديث جبريل المشهور ُب ِينت كل مرتبة فهذه مراتب ثالث للدين‪ ،‬ومثل ما اشار ابن القيم في‬
‫كالمه هي بمثابة الدوائر‪,‬احد السلف اراد ان يوضح هذه المراتب فوضع ثالث دوائر دائرة داخل دائرة‬
‫فجعل الدائرة الصغيرة التي في الداخل هي اإلحسان ثم االوسع منها اإليمان ثم االوسع منها اإلسالم‪,‬‬
‫مسلما ‪-‬فذذا تمكن‬ ‫ً‬ ‫محسنا مباشرة ‪-‬يكون‬ ‫ً‬ ‫فالعبد إذا دخل في الدين يكون ماذا؟ ‪ً -‬‬
‫مسلما ال يصبح‬
‫َ‬
‫اإليمان من قلبه انتقل إلى الدائرة االخرى وهي مرتبة اإليمان‪ ,‬كما قال هللا سبحانه وتعالى‪َ ﴿:‬قال ِت‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َال ْع َر ُ‬
‫اب ا َم َّنا ُقل ل ْم ُت ْؤ ِم ُنوا ﴾ اي لم تصلوا إلى هذه المرتبة ﴿ َول ٰ ِكن ُقولوا َا ْس َل ْم َنا َول َّما َي ْد ُخ ِل‬
‫ْ‬
‫ِال َيم ُان ِفي ُق ُلو ِب ُك ْم ﴾[ الحجرات‪ .]١٤ :‬إذا دخل اإليمان في القلوب وتمكن ارتقوا إلى دائرة اإليمان فذذا‬
‫َجدوا في العبادة إتقانا وإحسانا وتتميما وتكميال فعبدوا هللا كانهم يرون هللا سبحانه وتعالى انتقلوا‬
‫إلى الدائرة االعلى وهي دائرة اإلحسان ‪,‬فما الذي يحدث في المعصية؟‪ -‬إن كان المرء محسنا فدخل‬
‫َ‬
‫في المعاصي اخرجته من دائرة اإلحسان ورفقة المحسنين ﴿ َو َح ُس َن ُاول ٰ ِئ َك َر ِفيقا ﴾[ النساء‪ ]٦٩ :‬اي‬
‫يخرج من ذلك ويصبح ليس من المحسنين وال من هذه الرفقة التي هي صفوة الخلق ال يكون منهم‪,‬‬
‫وإذا تمادى في المعاصي ودخل في عظائم الذنوب وكبائر االثام خرج من دائرة اإليمان وخروجه من‬
‫دائرة اإليمان ال يعني خروجه من الملة بل هناك دائرة تحيطه قبل الك فر وهي دائرة اإلسالم لكن‬
‫ليس وراء اإلسالم إال الك فر‪ ,‬فذذا فعل ما يكون به خروجه من اإلسالم انتقل من الملة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫ين]‬‫اب ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬ ‫قال رحمه هللا [ َف ْصل ْال َع ِاصي َي ُف ُوت ُه َث َو ُ‬


‫َّ‬
‫ّللا ُي َد ِاف ُع َع ِن ال ِذ َين ا َم ُنوا‪َ ،‬و َف َات ُه ُك ُّل َخ ْير‬ ‫ّللا َع ْن ُه ْم‪َ ،‬فا َّن َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ين‪َ ،‬و ُح ْس ُن ِد َفاع َّ‬ ‫َو َم ْن َف َات ُه ُر ْف َق ُة ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الد ْن َيا َو َما ِفيها‪َ.‬‬‫ّللا في ك َتابه َع َلى ْال َيمان‪َ ،‬و ُه َو َن ْح ُو م َائة َخ ْص َلة‪ُ ،‬ك ُّل َخ ْص َلة م ْن َها َخ ْير م َن ُّ‬ ‫َرَّت َب ُه َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحسن دفاع هللا عنهم قال‬ ‫يضا فصل عظيم يبين فيه رحمة هللا عليه ان من فاته رفقة المؤمنين ُ‬ ‫هذا ا ً‬
‫ين﴾‬ ‫هللا تعالى‪ ﴿ :‬ا َّن َّالل َه ُي َد ِاف ُع َعن َّال ِذ َين ا َم ُنوا ﴾[الحج‪ ]٣٨ :‬وقال‪َ ﴿ :‬و َك َان َح ًّقا َع َل ْي َنا َن ْص ُر ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َّ َ َ ُ ُ ُ ُ َ َ َ َّ‬
‫[ الروم‪ِ ﴿, ]٤٧ :‬انا لننصر رسلنا وال ِذين امنوا ِفي الحي ِاة الدنيا ويوم يقوم الشهاد ﴾[ غافر‪, ]٥١ :‬فمن‬
‫َّ‬
‫فاته ُرفقة المؤمنين وحسن دفاع هللا عنهم ﴿ ِا َّن َّالل َه ُي َد ِاف ُع َع ِن ال ِذ َين ا َم ُنوا ﴾[الحج‪ ]٣٨ :‬فاته كل خير‬
‫فهم القوم ال يشقى بهم جليس ورفقتهم هي الغنيمة فمن خرج عن رفقتهم فاته الخير‪ ,‬ولهذا يحتاج‬
‫اص ِب ْر َن ْف َس َك‬ ‫العبد إلى ماذا؟ ان يصبر نفسه على رفقتهم ويلزمها بها بهذه الرفقة وإن تفلتت يلزمها ﴿ َو ْ‬
‫اك َع ْن ُه ْم ُتر ُيد ز َين َة ْال َح َياة ُّ‬
‫الد ْن َيا‬ ‫ون َو ْج َه ُه َو َل َت ْع ُد َع ْي َن َ‬ ‫ون َرَّب ُهم ب ْال َغ َد ِاة َو ْال َع ِشي ُير ُيد َ‬ ‫َم َع َّال ِذ َين َي ْد ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ َ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫َول ُت ِط ْع َم ْن َا ْغ َفل َنا َقل َب ُه َعن ِذك ِرنا َوات َب َع هواه وكان امره فرطا﴾[ الكهف‪,]٢٨ :‬هذا الضياع يترك رفقة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االخيار الصالحين الذين رفقتهم تسوقه إلى كل خير وإلى كل مقام علي ويذهب بنفسه يطيع من كان‬
‫منهمكا في الضياع واللهو والباطل ‪ -‬فهذا هو الهالك‪ -‬ولهذا من‬ ‫ً‬ ‫امره ُفرطا من ُاغفل قلبه عن ذكر هللا‬
‫رفيقا لالخيار في‬ ‫يكون ً‬ ‫رفيقا لهم بدل ان َ‬ ‫فاته ُرفقة االخيار ما الذي يحدث له؟‪ -‬تلق ُفه االشرار‪,‬واصبح ً‬
‫رفيقة لالشرار ُوتحشر معهم يوم القيامة وهذا‬ ‫ُالدنيا ُويحشر معهم يوم القيامة ابى لنفسه إال ان تكون ً‬
‫ِِ‬
‫والظلم لها‪.‬‬ ‫من اعظم الجناية على النفس ُ‬

‫عملها ‪،‬يقول ابن القيم رحمه هللا عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ابن القيم هنا ذكر فائدة جدير بطالب العلم ان يقيدها وان ي ِ‬
‫فوائد اليمان وهي نحو مئة خصلة كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها ‪,‬يقصد رحمه هللا ان‬
‫َ‬
‫اإليمان له فوائد ‪ ،‬فوائد ك ثيرة‪ ،‬واثار و ِثمار مثل ما قال هللا سبحانه وتعالى‪َ ﴿:‬ال ْم َت َر َك ْي َف َض َر َب َّالل ُه‬
‫الس َم ُ ْ ُ ُ َ ُ َّ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫اء تؤ ِتي اكل َها كل ِحين ﴾[ ابراهيم‪-]٢٥ -٢٤ :‬‬ ‫َم َثَل َك ِل َمة ط ِي َبة َك َش َج َرة ط ِي َبة ا ْصل َها ثا ِبت َو َف ْر ُع َها ِفي َّ ِ‬
‫ثمار ك ثيرة جدا وجنا لذيذ في الدنيا واالخرة وانواع من الفوائد والثمار يجنيها المؤمن في دنياه ُواخراه‬
‫وهي ك ثيرة جدا ‪ ،‬فيقول اإلمام ابن القيم رحمه هللا وهو ‪-‬اي هذه الفوائد‪-‬نحو مئة خصلة كل خصلة‬
‫منها خير من الدنيا وما فيها ‪،‬ومن يتتبع ابن القيم لما يقول نحو مئة خصلة‪ -‬قال هذا عن تتبع‪ -‬ولو‬
‫كان في الك تاب سعة لبسط اك ثر من اإلشارة التي اشار‪ -‬رحمه هللا تعالى‪ ،-‬ففوائد اإليمان وثماره التي‬
‫تقريبا اك تفى بها وذكر ان نحو‬ ‫يقرب من عشر فوائد ً‬ ‫جدا‪ ،‬اشار إلى ما ُ‬ ‫دل عليها القران والسنة ك ثيرة ً‬
‫من مئة‪ .‬واحسن من رايته ك تب في هذه الفوائد المام ابن سعدي رحمه هللا في ك تابه‪ :‬التوضيح‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫والبيان لشجرة اإليمان؛ الن هذا الك تاب هو ك تاب عظيم جدا قسمه إلى ثالثة اقسام ‪ ،‬قسم ذكر فيها‬
‫حقيقة اإليمان‪ ،‬وقسم ذكر فيه االمور التي ُيستمد منها اإليمان‪ ،‬وقسم وهو الثالث ذكر فيه فوائد‬
‫اإليمان وثماره‪َّ ،‬‬
‫وعد رحمه هللا فوائد عظيمة ً‬
‫جدا لإليمان‪،‬‬
‫حرصا على اإليمان‪ً ،‬‬
‫ونصحا لنفسه على الثبات على‬ ‫ومن فائدة معرفة العبد بفوائد اليمان‪ :‬انها تزيده ً‬
‫اإليمان؛حتى يظفر بهذه الفوائد ويكون من اهلها‪ ،‬وهي فوائد عظيمة كبيرة يجنيها العبد ً‬
‫ثمرة إليمانه‬
‫في دنياه ُواخراه‪.‬نعم‬

‫ين َا ْجرا َع ِظيما} [ ُس َور ُة ِالن َساءِ ‪. ]146 :‬‬ ‫ّللا ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫َفم ْن َها‪َ ْ :‬ال ْج ُر ْال َع ِظ ُيم‪َ { :‬و َس ْو َف ُي ْؤ ِت َّ ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫الد ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة‪{ :‬ا َّن َّ َ‬
‫ّللا ُي َد ِاف ُع َع ِن ال ِذ َين ا َم ُنوا} [ ُس َور ُة ْال َح ِج‪:. ]38 :‬‬ ‫الد ْف ُع َع ْن ُه ْم ُش ُرو َر ُّ‬ ‫َوم ْن َها‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ون ِب َح ْم ِد َرِب ِه ْم‬ ‫ون ْال َع ْر َش َو َم ْن َح ْو َل ُه ُي َسب ُح َ‬ ‫َو ِم ْن َها‪ْ :‬اس ِت ْغ َف ُار َح َم َل ِة ْال َع ْرش َل ُه ُم‪َّ { :‬ال ِذ َين َي ْحم ُل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِب ِه َو َي ْس َت ْغ ِف ُرو َن ِل َّل ِذ َين ا َم ُنوا} [ ُس َور ُة َغ ِافر‪. ]7 :‬‬
‫َو ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ّللا َو ِل ُّي َّال ِذ َ ُ‬
‫ين ا َمنوا} [ ُس َور ُة ال َب َق َر ِة‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ّللا َت َع َالى‪ُ َّ { :‬‬
‫ّللا‪َ ،‬ق َال َّ ُ‬ ‫ّللا َل ُه ْم‪َ ،‬و َل َي ِذ ُّل َم ْن َو َال ُه َّ ُ‬ ‫َ‬
‫َو ِم ْن َها‪ُ :‬م َوال ُة َّ ِ‬
‫‪. ]257‬‬
‫وحي َرُّب َك ا َلى ْال َم ََل ِئ َك ِة َا ِني َم َع ُك ْم َف َثب ُتوا َّال ِذ َ ُ‬
‫ين ا َمنوا} [ ُس َور ُة‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫َو ِم ْن َها‪َ :‬ا ْم ُر ُه َم ََل ِئ َك َت ُه ب َت ْثب ِيته ْم‪{ :‬ا ْذ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ْ َال ْن َف ِال‪. ]12 :‬‬
‫الر ْز َق ْال َك ِر َيم‪ { .‬ل ُه ْم َد َر َجات ِع َند َرِب ِه ْم َو َم ْغ ِف َرة َو ِر ْزق‬ ‫الد َر َج ِ ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ َ‬
‫ات ِعند رِب ِهم والمغ ِفرة و ِ‬
‫َوم ْن َها‪َ :‬ا َّن َل ُه ُم َّ‬
‫ِ‬
‫َك ِريم}‬
‫َّ َ ْ ُ ْ ُ َ َّ‬
‫ون ال ِذ َين ِا َذا ُذ ِك َر َّالل ُه َو ِج َل ْت ُق ُل ُوب ُه ْم َو ِا َذا ُت ِل َي ْت َع َل ْي ِه ْم ا َي ُات ُه َز َاد ْت ُه ْم ِا َيمانا‬ ‫الشيخ‪ِ "*:‬انما المؤ ِمن‬
‫الص ََل َة َو ِم َّما َر َز ْق َن ُاه ْم ُي ِنف ُقو َن ﴿‪ُ ﴾٣‬ا َول ٰ ِئ َك ُه ُم ْال ُم ْؤ ِم ُن َ‬
‫ون‬ ‫ون َّ‬ ‫ون ﴿‪َّ ﴾٢‬ال ِذ َين ُي ِق ُيم َ‬ ‫َو َع َل ٰى َربه ْم َي َت َو َّك ُل َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ًّ َّ ِ ِ‬
‫َحقا ل ُه ْم درجات ِعند رِب ِهم ومغ ِفرة و ِرزق ك ِريم ﴿‪ [ ﴾٤‬النفال]هذه ثمرة من ثمار اإليمان العظيمة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدرجات العالية والمغفرة والرزق الكريم‪.‬‬
‫ين َو َل ِك َّن ْال ُم َن ِاف ِق َ‬
‫ين َل َي ْع َل ُم َ‬
‫ون} [ ُس َور ُة ْال ُم َن ِاف ُق َون‪. ]8 :‬‬ ‫قال َو ِم ْن َها‪ْ :‬ال ِع َّز ُة‪َ { :‬و ِ َّ ِلِل ْال ِع َّز ُة َو ِل َر ُسو ِل ِه َو ِل ْل ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ّللا َم َع ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين} [ ُس َور ُة ْ َال ْن َف ِال‪. ]19 :‬‬ ‫ّللا ِ َل ْهل ْال َيمان‪َ { :‬و َا َّن َّ َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ُ َّ‬
‫و ِمنها‪ :‬م ِعية ِ ِ ِ ِ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫نعم‪ .‬والمعية هنا خاصة الن المعية نوعان‪ :‬عامة وخاصة‪.‬‬


‫ون َب ِصير} وقال تعالى‬ ‫َللا ب َما َت ْع َم ُل َ‬
‫َ ُ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ُ َ َّ ُ‬
‫العامة ‪:‬كما جاء في قوله سبحانه وتعالى {وهو معك ْم اين ما كنت ْم و ِ‬
‫َّ‬
‫{ ِإال ُه َو َم َع ُه ْم َا ْي َن َما َك ُانوا} هذه معية عامة باإلطالع والعلم واإلحاطة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َّ َ َّ‬
‫َللا َم َع ال ِذ َين َّات َقوا َّوال ِذ َين ُهم‬ ‫َللا َم َع ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين} ‪ِ {،‬إن‬ ‫واما الخاصة‪ :‬مثل ما جاء في هذه االية { َو َا َّن َّ َ‬
‫َللا َم َع َنا } ‪ِ {،‬إ َّن ِني َم َع ُك َما َا ْس َم ُع َو َا َرى } هذه خاصة‪ ,‬إنما هي الولياء هللا‪،‬‬ ‫ون } ‪َ {،‬ال َت ْح َز ْن ِإ َّن َّ َ‬
‫م ْح ِس ُن َ‬
‫وهي تقتضي الحفظ والتاييد والمعونة والتوفيق والتسديد ‪-‬نعم‪-‬‬
‫ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َّ ُ َّ‬
‫ّللا ال ِذ َين ا َم ُنوا ِم ْن ُك ْم َوال ِذ َين ُا ُوتوا ال ِعل َم َد َر َجات}‬ ‫الر ْف َع ُة ِفي الدنيا وال ِخر ِة‪ { :‬يرف ِع‬ ‫َ َْ‬
‫قال و ِمنها‪ِ :‬‬
‫[ ُس َور ُة ْال ُم َج َاد َل ِة‪. ]11 :‬‬
‫َو ِم ْن َها‪ :‬ا ْع َط ُاؤ ُه ْم ِك ْف َل ْين ِم ْن َر ْح َم ِت ِه َوا ْع َط ُاؤ ُه ْم ُنورا َي ْم ُش َ‬
‫ون ِب ِه َو َم ْغ ِف َر ُة ُذ ُنو ِب ِه ْم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّللا َوا ِم ُنوا ِب َر ُسو ِل ِه ُي ْؤ ِت ُك ْم ِك ْف َل ْي ِن ِمن َّر ْح َم ِت ِه‬ ‫‪ :‬في إعطائهم ك فلين { َيا َا ُّي َها َّال ِذ َين ا َم ُنوا َّات ُقوا َّ َ‬
‫ّللا َغ ُفور َّر ِحيم } في اخر سورة الحديد ‪.‬نعم‬ ‫َ َ ْ َ َّ ُ ُ َ ْ ُ َ‬
‫ون ب ِه َو َي ْغ ِف ْر َل ُك ْم ۚ َو َّ ُ‬
‫ويجعل لك ْم نورا تمش ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َّ‬
‫َو ِم ْن َها‪ :‬ال ُو ُّد ال ِذي َي ْج َع ُل ُه ُس ْب َح َان ُه ل ُه ْم‪َ ،‬و ُه َو َا َّن ُه ُي ِح ُّب ُه ْم َو ُي َح ِب ُب ُه ْم ِالى َمَل ِئ َك ِت ِه َو َا ْن ِب َيا ِئ ِه َو ِع َب ِاد ِه‬
‫َ‬
‫ات َس َي ْج َع ُل ل ُه ُم َّالر ْح َم ٰ ُن ُو ًّدا ﴾‬ ‫ين‪ ﴿ .‬ا َّن َّال ِذ َين ا َم ُنوا َو َع ِم ُلوا َّ‬
‫الصا ِل َح ِ‬ ‫الصا ِل ِح َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وايضا الحديث الذي مر معنا قريبا‪ ،‬هو بمعنى االية { ان هللا اذا احب عبده نادى جبريل اني احب‬
‫فَلنا فيحبه جبريل فينادي جبريل في اهل السماء ان هللا يحب فَلن فيحبوه ثم يجعل له القبول‬
‫في الرض} نعم‪.‬‬

‫ون}‬‫َو ِم ْن َها‪َ :‬ا َم ُان ُه ْم ِم َن ْال َخ ْو ِف َي ْو َم َي ْش َت ُّد ْال َخ ْو ُف‪َ { :‬ف َم ْن ا َم َن َو َا ْص َل َح َف ََل َخ ْوف َع َل ْيه ْم َو َل ُه ْم َي ْح َزُن َ‬
‫ِ‬
‫[ ُس َور ُة ْ َال ْن َع ِام‪. ]48 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫َو ِم ْن َها‪َ :‬ا َّن ُه ُم ال ُم ْن َع ُم َع َل ْي ِه ُم ال ِذ َين ُا ِم ْرَنا َا ْن َن ْس َال ُه َا ْن َي ْه ِد َي َنا ِالى ِص َر ِاط ِه ْم ِفي ُك ِل َي ْوم َول ْي َلة َس ْب َع‬
‫َع ْش َر َة َم َّرة‪.‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اط ال ِذ َين َا ْن َع ْم َت َع َل ْي ِه ْم َغ ْي ِر‬‫اط ال ُم ْس َت ِق َيم (‪ِ )6‬صر‬ ‫َ‬
‫نعم‪ .‬منها انهم المنعم عليهم { ْاه ِدنا ِ‬
‫الصر‬
‫ين (‪ })7‬فالمنعم عليهم هم اهل اإليمان ‪،‬من فوائد اليمان‪ -:‬ان يكون‬ ‫ْال َم ْغ ُضوب َع َل ْيه ْم َو َل َّ‬
‫الض ِال َ‬
‫ِ ِ‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫ين‬ ‫ّللا َو َّالر ُس َول َف ُا َول ِئ َك َم َع َّال ِذ َين َا ْن َع َم َّ ُ‬


‫ّللا َع َل ْيه ْم ِم َن َّالنبي َ‬ ‫العبد من هؤالء {( َو َم ْن ُي ِطع َّ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُّ َ َ َ َّ ِ َ َ َ ُ َ ُ َ‬
‫َ‬
‫الص ِد ِيقين والشهد ِاء والصا ِل ِحين وحسن اول ِئك ر ِفيقا)} فيكون معهم ‪،‬يكون من هذه الزمرة و في‬ ‫َو ِ‬
‫هذه الرفقة العظيمة ‪ ،‬قال ‪:‬الذين امرنا ان نساله ان يهدينا الى صراطهم في كل يوم و ليلة سبع‬
‫فرضا‪ ,‬اوجب هللا علينا ذلك‪ -‬ان نساله طريقهم‪ -‬اي في قوله سبحانه و تعالى‬ ‫عشرة مرة ‪ُ ،‬امرنا‪ :‬اي ً‬
‫ْ َ َ َ ْ‬
‫اط ال ُم ْس َت ِق َيم } ك ثير من العوام يقرؤون الفاتحة وال يستشعرون ان هذا‬ ‫في سورة الفاتحة ‪ { :‬اه ِدنا ِ‬
‫الصر‬
‫دعاء‪,‬ولهذا من نصائح المام محمد ابن عبد الوهاب رحمه هللا الثمينة قال‪ :‬ينبغي ان ُينبه العوام‬
‫ان هذا دعاء لن ك ثير من العوام يقراها مجرد قراءة ل يستشعر انه يدعو هللا وهذا دعاء بل هو‬
‫اعظم الدعاء لن هللا لم يفرض علينا دعاءا ندعوه به لتكرر اليام بهذا العدد ال هذا الدعاء ‪-‬هذا‬
‫َ َ َّ‬
‫اط ال ِذ َين َا ْن َع ْم َت "فاوجبه هللا‬ ‫اعظم الدعاء واجله‪ -‬ان تسال هللا ان يهديك الصراط المستقيم " ِصر‬
‫على العباد سبع عشرة مرة بعدد الركعات المفروضة بعدد الركعات التى افترضها على العباد في الفجر‬
‫والظهر والعصر والمغرب والعشاء سبعة عشر ركعة لكل ركعة‪ -‬ال صالة لمن لم يقرا بفاتحة الك تاب‪ -‬ال‬
‫بد ان تقرا في كل ركعة فهذا الدعاء العظيم يساله المؤمن‪ ,‬بل ُا ِم َر المؤمن ان يساله ربه في كل يوم‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اط ال ِذ َين َا ْن َع ْم َت َع َل ْي ِه ْم "فاإليمان يكون‬ ‫اط ال ُم ْس َت ِق َيم (‪ِ )6‬صر‬ ‫الصر‬ ‫َ‬
‫وليلة سبع عشرة مرة " ْاه ِدنا ِ‬
‫من هؤالء الذين امر هللا عزوجل العباد ان يسالوا هللا كل يوم سؤاال متكررا ان يجعله وان يهديه‬
‫صراطهم وسبيلهم ‪.‬نعم‬

‫ون‬‫قال َو ِم ْن َها‪َ :‬ا َّن ْال ُق ْرا َن ا َّن َما ُه َو ُهدى َل ُه ْم َو ِش َفاء‪ُ { :‬ق ْل ُه َو ِل َّل ِذ َين ا َم ُنوا ُهدى َو ِش َفاء َو َّال ِذ َين َل ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫َ‬ ‫َِ‬
‫ِفي ا َذا ِن ِه ْم َو ْقر َو ُه َو َعلي ِهم عمى اول ِئك ينادون ِمن مكان ب ِعيد } [ ُس َورة ف ِصلت‪. ]44 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫هدى وشفاء لهم اي الهل اإليمان قال تعالى" َو َذ ِك ْر‬ ‫يضا من ثمار اإليمان ان القران إنما هو ً‬ ‫وهذه ا ً‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫الذ ْك َر ٰى َت َنف ُع ْال ُم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ين "‪ِ ",‬ا َّن ِفي َذ ِل َك ل ِذ ْك َرى ِل َم ْن َك َان ل ُه َقلب "‪َ ",‬ف َذ ِك ْر ِبال ُق ْرا ِن َم ْن‬ ‫ف ِا َّن ِ‬
‫َ‬
‫اف َو ِع ِيد "فالقران شفاء لهؤالء‪ ,‬واما غير المؤمنين والذين اليؤمنون في اذانهم وقر‪ ,‬وهو عليهم‬ ‫َي َخ ُ‬
‫عمى‪ ,‬اولئك ينادون من مكان بعيد ‪ -‬نعم‬
‫ْ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ َْْ ُ ُ ْ‬
‫الد ْن َيا َوال ِخ َر ِة َف َس َب ُب ُه ِال َيم ُان‪،‬‬ ‫ود َا َّن ِال َيم َان َس َبب َجا ِلب ِل ُك ِل َخ ْير‪َ ،‬و ُك ُّل َخ ْير ِفي‬ ‫قال والمقص‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َو ُك ُّل َشر في ُّ‬
‫الد ْن َيا َوال ِخ َر ِة َف َس َب ُب ُه َع َد ُم ِال َيم ِان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نعم ‪ -‬هذا تلخيص بعد ان اشار إلى بعض فوائد اإليمان وثماره العظيمة ‪,‬نبه إلى ان اإليمان سبب‬
‫جالب لكل خير‪ ,‬وكل خير في الدنيا واالخرة فسببه اإليمان‪-‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫ْ‬ ‫ُّ ْ‬
‫الد ْن َيا َوال ِخ َر ِة َف َس َب ُب ُه َع َد ُم ِال َيم ِان‪.‬‬ ‫قال َو ُك ُّل َشر ِفي‬
‫فاليمان مجلبة لكل خير وضده مجلبة لكل شر او كذلك وتضييعه مجلبة لكل شر‪-‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون َع َلى ال َع ْب ِد َا ْن َي ْرَت ِك َب َش ْيئ ُي ْخ ِر ُج ُه ِم ْن َدا ِئ َر ِة ِال َيم ِان؟‪َ ،‬و َي ُح ُول َب ْي َن ُه َو َب ْي َن ُه؟!‪َ ،‬ول ِك ْن‬
‫َف َك ْي َف َي ُه ُ‬
‫َل َي ْخ ُر ُج ِم ْن َدا ِئ َر ِة ُع ُم ِوم ْال ُم ْس ِلم َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نعم‪,‬ولكن ل يخرج من دائرة عموم المسلمين لنها ثَلث دوائر ‪:‬الحسان ثم اليمان ثم السَلم ‪,‬فذذا‬
‫خرج من اإلحسان كان في دائرة اإليمان وإذا خرج من دائرة اإليمان كما جاء في الحديث‪ ":‬ل يزني الزاني‬
‫حين يزني وهو مؤمن‪ ,‬ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ‪,‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو‬
‫مؤمن‪ ,‬ول ينتهب نهبة يرفع الناس فيه اليها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" فذذاخرج من هذه الدائرة‬
‫دائرة اإليمان صار في دائرة اإلسالم‪ ،‬ولهذا قال الشيخ ‪ :‬ولكن ل يخرج من دائرة عموم المسلمين؛ الن‬
‫هذه معاصي‪ ،‬وليست ك فر ناقل من الملة‪ ،‬فهو وإن خرج من دائرة اإليمان‪ ،‬ال يكون بذلك كاف ًرا ‪ ،‬كما‬
‫هي عقيدة الخوارج في العصاة يك فرونهم‪ -‬هذا ضَلل‪ -‬يخرج نعم من دائرة اإلسالم ‪،‬لكنه يكون في دائرة‬
‫اإلسالم‪ ،‬عموم المسلمين‪ ،‬إال إذا وقع في ك فر ناقل من الملة‪ ،‬غير المعاصي‪ ،‬المعاصي ال يك فر بها‬
‫المرء‪ ،‬لكن إذا وقع فيما هو ك فر ناقل من الملة‪ ،‬حينئذ يخرج من دائرة اإلسالم‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫قال َفان ْاس َت َم َّر َع َلى ُّ‬
‫يف َع َل ْي ِه َا ْن َي ِر َين َع َلى َقل ِب ِه‪َ ،‬ف ُي ْخ ِر ُج ُه َع ِن ِال ْسَل ِم‬
‫الذ ُنوب َو َا َص َّر َع َل ْي َها ِخ َ‬
‫ِ‬ ‫ُْ ِِ‬
‫ِبالك ِل َّي ِة‪.‬‬

‫نعم ‪،‬ولهذا تقدم معنا ان المعاصي بريد الك فر والشرك‪ ،‬إذا استمر فيها ُيخشى ان ُتفضي به إلى الك فر‬
‫و الشرك باهلل‪ ،‬نعم ‪.‬‬
‫َ ْ َ ُ َ ْ َ َّ َ ْ ُ َّ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ُ َ ُّ ُ َ َ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫اف ال ُك ْف َر‪.‬‬‫و ِمن هاهنا اشتد خوف السل ِف‪ ،‬كما قال بعضهم‪ :‬انتم تخافون الذنوب‪ ،‬وانا اخ‬

‫نعم ‪ .‬يعني السلف اتاهم هللا ‪-‬عز وجل ‪-‬الكمال‪ ،‬فهم مع شدة صالحهم واستقامتهم ورعايتهم لطاعة‬
‫هللا‪ ،‬وبعدهم عن المعاصي والذنوب ‪،‬كانوا يخافون ‪ ،‬وهذا الخوف هو من كمال إيمانهم ‪،‬عبد هللا ابن‬
‫ابي ُمليكة يقول‪ :‬ادركت اك ثر من ثَلثين صحابيا‪ ،‬كلهم يخاف النفاق على نفسه‪ ،‬والمؤمن مامور ان‬
‫يتعوذ باهلل من الك فر ‪،‬وان يتعوذ باهلل من النفاق ‪،‬ومن الدعوات الماثورة في الصباح ً‬
‫ثالثا وفي المساء‬
‫ثالثا‪ " :‬اللهم اني اعوذ بك من الك فر‪ ،‬ومن الفقر‪ ،‬واعوذ بك من عذاب القبر ل اله ال انت" ً‬
‫ثالثا في‬ ‫ً‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع عشر‬

‫وثالثا في المساء‪ ،‬هذا ثابت عن نبينا عليه الصالة والسالم ‪ ,‬فالمؤمن يتعوذ باهلل‪،‬ولو لم يا ِت‬ ‫الصباح ً‬
‫في الخوف من الشرك والك فر‪،‬إال ما جاء في الدعاء‪ ،‬دعاء خليل الرحمن قال‪" :‬واجنبني وبني ان نعبد‬
‫ْ‬
‫الصنام " الذي حطم االصنام بيده ‪،‬وكسرها بيده‪ ،‬يدعو هللا َو ْاج ُن ْب ِني َو َب ِن َّي َان َّن ْع ُب َد َال ْص َن َام (‪َ )35‬ر ِب‬
‫اس " ‪,‬ولهذا الخوف من الشرك‪،‬هذا امر مطلوب‪ ،‬ان يكون اإلنسان خائ ًفا‬ ‫ا َّن ُه َّن َا ْض َل ْل َن َك ِثيرا ِم َن َّ‬
‫الن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على نفسه من الشرك‪ ،‬الن إذا ِوجد في القلب الخوف من الشرك‪ ،‬حمله ذلك علي ك ثرة التعوذ باهلل من‬
‫ملتجا إلى هللا‪ ،‬ك ثير االلتجاء إلى هللا ان يعيذه من الشرك‪،‬‬ ‫الشرك‪ ،‬وهذا مطلوب من العبد‪ ،‬ان يكون ً‬

‫يضا على إغالق المنافذ‪ ،‬وسد الوسائل‪،‬المفضية إلى الشرك‪،‬والذرائع المؤدية إليه‪،‬وهذا‬ ‫وحمله ا ً‬
‫مطلوب من العبد‪ ،‬الن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬لما حرم الشرك‪،‬اغلق جميع المنافذ‪،‬وسد جميع‬
‫الوسائل‪،‬التي تفضي إلى الشرك‪،‬فكما ان العبد مطلوب منه ان يجتنب الشرك‪،‬ويبعد عنه‪،‬فذنه مطلوب‬
‫منه في الوقت نفسه‪ ،‬ان يبتعد عن كل وسيلة‪ ،‬تفضي به إلى الشرك باهلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪-‬‬
‫نسال هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬ان ينفعنا اجمعين‪ ،‬وان يوفقنا لكل خير‪ ،‬وان يصلح لنا شاننا كله‪ ،‬وان ال يكلنا‬
‫إلى انفسنا طرفة عين‪،‬اللهم اقسم لنا من خشيتك‪،‬ما يحول بيننا وبين معاصيك‪ ،‬ومن طاعتك ما‬
‫تبلغنا به جنتك‪،‬ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا‪ ،‬اللهم متعنا باسماعنا‪ ،‬وابصارنا‪ ،‬وقوتنا‪،‬‬
‫ما احييتنا‪،‬واجعله الوارث منا‪،‬واجعل ثارنا على من ظلمنا‪ ،‬وانصرنا على من عادانا‪ ،‬وال تجعل مصيبتنا‬
‫في ديننا‪ ،‬وال تجعل الدنيا اكبر همنا‪ ،‬وال مبلغ علمنا‪،‬وال تسلط علينا من ال يرحمنا‪،‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان ال إله إال انت ‪،‬استغفرك واتوب إليك‪ ،‬اللهم صلى وسلم على عبدك‬
‫ورسولك نبينا محمد واله وصحبه ‪.‬‬
‫اضغط على الرابط لالشتراك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫القّي اجلوزي م رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني يف كتابه" ادلاء وادلم واء"‪:‬‬
‫يقول العالةم ابن م‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُضْ يع ُف الْقَلْ َب]‬


‫الس ْ يْي‪ ،‬فَ َال‬ ‫اَّلل َوادل يهار ْال آ يخ َر ية‪ ،‬أَ ْو تَ ُعوقُ ُه أَ ْو تُو يق ُف ُه َوتَ ْق َط ُع ُه َع ين ه‬ ‫َو يةم ْن ُع ُق َوبِتي َا‪ :‬أََّنه َا تُضْ يع ُف َس ْ َْي الْقَلْ يب ا ََل ه ي‬
‫ِ‬
‫جيب الْ َو ياصلَ‪َ ،‬وي َ ْقط ُعَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫اَّلل خ ُْط َوةً‪َ ،‬ه َذا ا ْن ل َ ْم تَ ُر هد ُه َع ْن وهجه اَل َو َرائه‪ ،‬فاذلن ُْب َي ُ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫تَدَ عُ ُه َ َْي ُطو ا ََل ه ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ الْ ُق هو ُة ال ه يِ‬ ‫ُوب ضَ ُعفَ ْت تي ْ َ‬ ‫اَّلل يب ُق هو يت يه‪ ،‬فَا َذا َةم ير َض يب ُّذلن ي‬ ‫الطا يل َب‪َ ،‬والْقَلْ ُب ان ه َما ي يَس ُْي ا ََل ه ي‬ ‫السائي َر‪َ ،‬ويُنَ يكم ُس ه‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت‬‫اَّلل الْ ُم ْس تَ َع ُان‪.‬فَا هذلن ُْب ا هةما أن ي ُ يم َ‬ ‫اَّلل انْ يق َطاعًا يصعب تَدَ ُار ُكهُ‪َ ،‬و ه ُ‬ ‫ت ُ َس ي م ُْي ُه‪ ،‬فَا ْن َزال َ ْت يبلْ ُ يكم هي ي انْقَ َط َع َع ين ه ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْقَلْ َب‪ ،‬أَ ْو ي ُ ْم يرضَ ُه َةم َرضً ا ُةمخ ميَوفًا‪ ،‬أَ ْو يُضْ يع ُف قُ هوتَ ُه َو ََل ب ُ هد َح هَّت يَنَْتَ ي يَ ضَ ْع ُف ُه ا ََل ْ َال ْش َيا يء الث ه َما ين َي ي ال ه يِ‬
‫ِ‬
‫ِه‪[ « :‬الْهَ ُّم‪َ ،‬والْ َح َز ُن‪َ ،‬والْ َع ْج ُز‪َ ،‬والْ َك َس ُل‪َ ،‬والْ ُج ْ ُْب‪َ ،‬والْ ُب ْخ ُل‪َ ،‬وضَ لَ ُع‬ ‫ْاس َت َعا َذ يةمْنْ َا النه ي ُِّب ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬و ي َ‬
‫ُك اثْنَ ْ يني يةمْنْ َا قَ يرينَ يان‪.‬‬ ‫ادله ْي ين‪َ ،‬وغَلَ َب ُ م يالر َجالي ] » َو ُ ُّ‬
‫دَث الْهَ هم‪َ ،‬وا ْن‬ ‫فَالْهَ ُّم َوالْ َح َز ُن قَ يرينَ يان‪ :‬فَا هن الْ َم ْك ُرو َه الْ َو يار َد عَ ََل الْقَلْ يب ا ْن ََك َن يةم ْن أَ ْةم ٍر ُةم ْس َت ْقبَ ٍل يَتَ َوقه ُع ُه أَ ْح َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دَث الْ َح َز َن‪.‬‬ ‫ََك َن يةم ْن أَ ْةم ٍر َةم ٍاض قَدْ َوقَ َع أَ ْح َ‬
‫َوالْ َع ْج ُز َو ْالكَ َس ُل قَ يرينَ يان‪ :‬فَا هن َ ََتل ُّ َف الْ َع ْب يد َع ْن أَ ْس َب ياب الْخ ْ يَْي َوالْ َف َالحي‪ ،‬ا ْن ََك َن يل َعدَ يم قُدْ َرتي يه فَه َُو الْ َع ْج ُز‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْن ََك َن يل َعدَ يم ا َرا َدتي يه فَه َُو ْالكَ َس ُل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬
‫َوالْ ُج ْ ُْب َوال ُب ْخ ُل قَ يرينَ يان‪ :‬فَا هن عَدَ َم النهفع ي ةمنْ ُه ا ْن َك َن يب َبدَ نه فَه َُو ال ُج ْ ُْب‪َ ،‬وا ْن َك َن يب َماهل فَه َُو ال ُب ْخ ُل‪.‬‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوضَ لَ ُع ادله ْي ين َوقَه ُْر م يالر َجالي قَ يرينَ يان‪ :‬فَا هن ْاس يت ْع َال َء الْغ ْ يَْي عَلَ ْي يه ا ْن ََك َن ي َِب م ٍق فَه َُو يةم ْن ضَ لَع ي ادله يْ ين‪َ ،‬وا ْن ََك َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َبا يط ٍل فَه َُو يةم ْن قَهْ ير م يالر َجالي ‪.‬‬
‫ُوب يةم ْن أَ ْق َوى ْ َال ْس َب ياب الْ َجا يل َب ي يلهَ يذ يه الش ياء الث ه َما ين َي ي ‪َ َ ،‬مَك أََّنه َا يةم ْن أَ ْق َوى ْ َال ْس َب ياب الْ َجا يل َب ي‬ ‫َوالْ َم ْق ُصود أَ هن ا ُّذلن َ‬
‫الشقَا يء‪َ ،‬و ُسو يء الْقَضَ ا يء‪َ ،‬و َ ََشاتَ ي ْ َالعْدَ ا يء‪َ ،‬و يةم ْن أَ ْق َوى ْ َال ْس َب ياب الْ َجا يل َب ي يل َز َوالي ين َع يم ه ي‬
‫اَّلل‪،‬‬ ‫يل َجهْ يد الْ َب َال يء‪َ ،‬ود ََر يك ه‬
‫ُس يط يه‪.‬‬ ‫َو َ ََت ُّولي عَا يف َيتي يه وجفأة ين ْق َم يت يه َو َ يَجي َع ُ ْ‬

‫فهذه عقوب أخرى ةمن العقوبت الِ ترتت مب عَل املعاِص و ا مذلنوب ‪ ،‬أ من املعاِص تُضعف القلب و تُوهميه‬
‫بدل أن يكون قلبا قواي ةمتينا عاةمرا بخلْي وارادة اخلْي فا من ذكل بملعاِص يضعف ‪ ،‬و ربمام بملعاِص و‬
‫اش تدادها عَل املرء رمبا ذهبت عنه مقوته بلك مي ‪ ،‬و لهذا فا من يف ترك املعاِص حفظا للقلب و حفظا لقوته‬
‫بقاء عليه ‪،‬و عَل الض مد ةمن ذكل طاع هللا معز و جل و احلفاظ عَل ةمراضيه س بحانه و تعاَل مقوة‬ ‫وا ً‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫للقلب و ثبات عَل احلق واَلةمام ابن القّي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬ذكر هذا الثر قال ‪ :‬ان املعاِص ةمن عقوبَتا‬
‫أَّنا تضعف القلب يف سْيه اَل هللا وادلار الآخرة ‪-:‬‬
‫سْيه اَل هللا‪ :‬بعتبار أن هللا هو املقصود املعبود امللتجأ اليه ‪-‬تبارك وتعاَل‪ -‬بلعبادة‬
‫وادلار الآخرة‪ :‬بعتبار أَّنا دار املعاد ودار اجلزاء عَل العامل ‪.‬‬
‫ولهذا كثْيا ةما يقرن بني هذين اَلميانني اَلميان بهلل واَلميان بليوم الآخر يف نصوص كثْية يف الكتاب والس ن‬
‫سواء يف بب الرتغيب والعامل الصاحلات أو الرتهيب ةمن العامل السيئ فاهلل عز وجل لنه املقصود املعبود‬
‫امللتجأ اليه املتقرب اليه بلعمل‪ ،‬وادلار الآخرة بعتبار أَّنا دار اجلزاء عَل العمل وفهيا املعاد‪ (,‬يل َي ْج يز َي ه ياذل َين‬
‫أَ َسا ُءوا يب َما َ يَعلُوا َو َ َْي يز َي ه ياذل َين أ َْح َس ُنو يابلْ ُح ْس ََن )‬
‫فهي اةما أن تضعف القلب يف سْيه فيكون ضعيفا أو تعوقه أو توقفه حَّت يتعطل عن السْي وَلحظ أةمرا هنا‬
‫َلبد ةمن التنبه هل‪:‬أن سْي القلب هو الساس لسْي البدن ‪-‬سْي القلب اَل هللا وادلار الآخرة هو الساس‬
‫لسْي البدن‪ -‬فكام قوي القلب قوي السْي ولكام ضعف القلب ضعف السْي‪ ,‬فالعربة بقوة السْي وضعفه اَل‬
‫هللا وادلار الآخرة ِبسب قوة القلب‪ ,‬ولهذا أحياان يكون البدن يف أحسن ةما يكون ةمن القوة والنشاط وينادى‬
‫املرء اَل فريض هللا يح عَل الصالة يح عَل الفالح فال يكون فيه قوة لذلهاب اَل الصالة ةمع أنه قوي‬
‫البدن لكنه َيد جعزا وضعفا وكسال فال يْنض وبملقابل جتد أآخر قوي القلب وبدنه ضعيف جدا يف أشد ةما‬
‫يكون لكرب س نه فرتاه يتحاةمل عَل نفسه ةمتكئ عَل عصاه ةمتحمال الةمراض الِ ةمعه وشدة السْي عليه اَل‬
‫أن يصل اَل بيت هللا‪ ,‬فهذا قوي القلب وان َكن ضعيف البدن والآخر قوي البدن وهو ضعيف القلب‪,‬‬
‫فأصبح املؤثر يف السْي اَل هللا تبارك وتعايل هو قوة القلب مفا اذلي يضعف هذه القوة الِ يف القلب هذا‬
‫اذلي ينبه عليه اَلةمام ابن القّي رمحه هللا تعاَل وهو أن املعاِص تلو املعاِص جتعل القلب ضعيفا جتعل القلب‬
‫ةمعوقا ولهذا اَلعاق احلقيقي اعاق القلب ‪.‬كثْي ةمن الناس اذا رأى ةمن هو فاقد لبعض أطرافه أو ةمعتال يف‬ ‫م‬
‫بعض أطرافه فال يس تطيع أن مييش اَل عَل كريس أو عَل حنو ذكل يعطف عليه ملا يرى فيه ةمن هذا النقص‪,‬‬
‫وقد يكون هذا اذلي يعطف عَل ذاك أشد ةمنه اعاق ةمن هج اعاق القلب ‪,‬فأوَل به أن يعطف عَل نفسه‬
‫وأن يرمح نفسه وأن يعمل عَل تقوي قلبه حَّت يكون قلبا ةمطيعا هلل‪ ،‬فيتحرك بدنه يف طاع هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاَل‪ -‬ولهذا اَلعاق احلقيقي ِه اعاق القلب وليست اعاق البدن‪ ،‬لن القلب هو احملرك للبدن‪ .‬هذه اَلعاق‬
‫الَّت َتصل والضعف اذلي َيصل للقلب ةمثلام أشار ابن القّي هو مير مبراحل‪ ،‬يعين يبدأ بلضعف اَل أن يصل‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫اَل أن يُعيق املرء عن اخلْي‪ ،‬اَل أن يصل اَل أن يقف بملرء عن اخلْي‪ ،‬اَل أن يصل اَل ةمرحةل أخرى‪ -‬اخلْي‬
‫هنا فيتجه القلب اَل هنا ‪-‬ةمعطيا اخلْي لكه ظهره‪ ،‬فهذه لكها أآاثر للمعاِص‪ ،‬تأثْيها يف القلب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فال تدعه َيطو اَل هللا خطوة‪ ،‬هذا ان مل تردهه عن وهجته اَل ورائه فاذلنب َيجب الواصل ويقطع‬
‫السائر ويُنكس الطالب والقلب امنا يسْي اَل هللا بقوته‪ ،‬فاذا ةمرض بذلنوب ضعفت تْ القوة الِ تسْيه‪،‬‬
‫فان زالت أي القوة بلكي انقطع عن هللا انقطاعا يصعب أو يبعد تداركه‬
‫هنا أشار ابن القّي اَل لطيف ةمفيدة جدا ثبت عن نبينا ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬التعوذ ةمن مثاني أةمور َجعها يف‬
‫حديث واحد ‪ :‬اهلم واحلُزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬واجلْب والبخل‪ ،‬وضلع ادلين وقهر الرجل‪.‬‬
‫يقول ابن القّي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ : -‬اذلنوب َل تزال بلعبد تضعفه حَّت ينَتي ضعفه اَل الش ياء الامثني الِ‬
‫اس تعاذ ةمْنا النِب ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ : -‬مبعين أن يصاب هبا لكها هبذه الامثني وِه‪ :‬أةمور يس تعاذ بهلل ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاَل‪ -‬ةمْنا ‪.‬‬
‫اَلثنان الوَلن‪ :‬اهلم واحلُزن‪ ،‬اهلم واحلُزن وُك ةمْنام أمل وشدة وكرب َيدها املرء يف قلبه‪ ,‬وهذا يُتعوذ بهلل ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاَل‪ -‬ةمنه ‪,‬هذه الشدة الِ َيدها يف القلب ان َكنت تتعلق بأةمور ةمس تقبلي ‪ ،‬ففكهر فهيا جفلبت‬
‫لقلبه هام‪ ،‬جلبت لقلبه أملا‪ ،‬فهذا اهلم اذا َكن يتعلق بملس تقبل ‪,‬واذا َكن يتعلق بيشء ةمايض تفكر فيه فتأمل‬
‫هذا ي ُسمى احلزن ‪.‬واذا َكن بيشء يتعلق بيشء حارض هذا يسمى مغ‪ ،‬ولكها أَلم تصيب القلب ‪,‬فاذلنوب‬
‫جالب للك بالء‪ ،‬كام س يأيت ةمعنا عن عيل ‪ -‬ريض هللا عنه ‪-‬‬ ‫جالب للحزن‪ ،‬و ه‬ ‫جالب للغم‪ ،‬و ه‬ ‫جالب للهم‪ ،‬و ه‬‫ه‬
‫« ةما نزل بالء اَل بذنب »‬
‫واَلثنان بعدهام‪ :‬العجز والكسل‪ ،‬العجز والكسل الكهام َتلف عن فعل اخلْي‪ ،‬وهذا التخلف عن فعل اخلْي‬
‫ان َكن عائدا اَل عدم القدرة فهذا العجز‪ ،‬وان َكن عائدا اَل وجود القدرة ةمع عدم القيام هبا فهذا هو الكسل‪,‬‬
‫الكسول عنده قدرة ليس عاجزا لكن كسهل حال بينه وبني القيام بخلْي‬
‫وبعدهام‪ :‬اجلْب والبخل وهام قرينان والكهام يتعلق بعدم النفع نفع الآخرين فان َكن عدم النفع ةمتعلق بلبدن فهذا‬
‫جْب‪ ,‬جبان َل ينفع الناس ببدنه وان َكن ةمتعلق بملال والعطاء فهذا البخل خبيل َل ينفع الناس مباهل وُك ةمْنام‬
‫يتعوذ بهلل س بحانه وتعاَل ةمنه‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫مث بعدهام ضلع ادله ين وضلع ادله ين يعين ثقهل عَل املدين و ةما َيد يف قلبه ةمن الرهق والثقل والكرب بسببه ضلع‬
‫ادلين و قهر الرجال أي تسلط الرجال عليه وهذا أيضا عائد اَل اس تعالء الغْي عليه فان َكن اس تعالء الغْي‬
‫عليه ةمطالب ِبق هلم فهذا قهر ادلم ين مه يطالبون ِبق ءيء هلم رمبا يقاضونه رمبا يتسلطون عليه يش تد وقعهم‬
‫عليه الكهمم‪ ,‬يطالبون ِبقوقهم وان َكن بغْي حق فهذا تسلط الرجال اذلي هو قهر الرجال‪.‬‬
‫فهذه الامثني جاء التعوذ بهلل س بحانه وتعاَل ةمْنا والقلب بذلنوب قد يفيض بصاحبه اَل هذه الامثني واَل ةما‬
‫هو أشد ةمْنا ‪-‬ةمثل ةما نبه ابن القّي بَلشارة اَل دعاءين أآخرين يف بب التعوذ‪ :‬التعوذ ةمن هجد البالء ودرك‬
‫الشقاء وسوء القضاء وشامت العداء‪.‬‬
‫وَتول العافي واجللب مجليع السخط هذه لكها ةمن أآاثر اذلنوب‬
‫فاذلنوب جالب لهذا لكه وأيضا زوال النعم م‬
‫وعواقهبا والعبد ةمطلوب ةمنه أن يس تعيذ بهلل ةمن هذه الش ياء ويف الوقت نفسه أن يبتعد عن الس باب‬
‫اجلالب لها وأعظم ذكل اذلنوب واملعاِص ‪.‬‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُ يزي ُل ال ينم َع َم]‬


‫ُوب‪ :‬أََّنه َا تُ يزي ُل ال ينم َع َم‪َ ،‬و ُ يَت ُّل ال ينمقَ َم‪ ،‬فَ َما َزال َ ْت َع ين الْ َع ْب يد ين ْع َم ٌ ا هَل يب َذن ٍْب‪َ ،‬و ََل َحل ه ْت يب يه ين ْق َم ٌ ا هَل‬ ‫َو يةم ْن ُع ُق َوب يت ا ُّذلن ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع ْن ُه ‪َ :-‬ةما نَ َز ْل ب َ َال ٌء ا هَل يب َذن ٍْب‪َ ،‬و ََل ُريف َع‬ ‫يض ه ُ‬ ‫يب َذن ٍْب‪،‬وَل رفع بالء اَل بتوب ‪َ َ ,‬مَك قَا َل عَ ي ُّيل ْب ُن أَ يِب َطا يل ٍب ‪َ -‬ر ي َ‬
‫ِ‬
‫ْي} ُ[س َور ُة الشُّ َورى‪:‬‬ ‫يُك َوي َ ْع ُفو َع ْن كَ يث ٍ‬ ‫بالء ا هَل يبتَ ْوب َ ٍ َ‪.‬وقَدْ قَا َل تَ َع َاَل‪َ { :‬و َةما أَ َصابَ ُ ُْك يةم ْن ُةم يصي َب ٍ فَ يب َما كَ َسبَ ْت أَيْ يد ُ ْ‬
‫ِ‬
‫اَّلل ل َ ْم ي َ ُك ُةمغ ي م ًَْيا ين ْع َم ً أَنْ َع َمهَا عَ ََل قَ ْو ٍم َح هَّت يُغ ي م َُْيوا َةما يبأَنْ ُف يسهي ْم} ُ[س َور ُة ْ َالنْفَالي ‪. ]53 :‬فَأَخ َْربَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫‪.َ ]30‬وقال تَ َعاَل‪{ :‬ذكل يبأ هن ه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون ه َُو ه ياذلي يُغ ي م َُْي َةما يبنَ ْف يس يه‪ ،‬فَ ُيغ ي م َُْي َطاعَ َ ه ي‬
‫اَّلل‬ ‫اَّلل تَ َع َاَل أَن ه ُه ََل يُغ ي م َُْي ين َع َم ُه ال ه يِ أَنْ َع َم هبي َا عَ ََل أَ َح ٍد َح هَّت يَ ُك َ‬ ‫هُ‬
‫ُس يط يه‪ ،‬فَا َذا غَ ه َْي غَ ه َْي عَلَ ْي يه‪َ ،‬ج َز ًاء يوفَاقًا‪َ ،‬و َةما َرب ُّ َك ب َيظ هال ٍم‬ ‫اب يرضَ ا ُه يبأَ ْس َب ياب َ َ‬ ‫يب َم ْع يص َيتي يه‪َ ،‬و ُش ْك َر ُه يب ُك ْف ير يه‪َ ،‬وأَ ْس َب َ‬
‫ِ‬
‫يللْ َع يبي يد‪.‬فَا ْن غَ ه َْي الْ َم ْع يص َي َ يب هلطاعَ ي ‪ ،‬غَ ه َْي ه ُ‬
‫اَّلل عَلَ ْي يه الْ ُع ُقوب َ َ يبلْ َعا يفيَ ي ‪َ ،‬وا ُّذل هل يبلْ يع م يز‪.‬‬
‫ِ‬
‫اَّلل يبقَ ْو ٍم ُس ًوءا فَ َال َةم َر هد َ ُهل َو َةما لَهُ ْم يةم ْن‬ ‫اَّلل ََل يُغ ي م َُْي َةما يبقَ ْو ٍم َح هَّت يُغ ي م َُْيوا َةما يبأَنْ ُف يسهي ْم َوا َذا أَ َرا َد ه ُ‬ ‫َوقَا َل تَ َع َاَل‪{ :‬ا هن ه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُدوين يه يةم ْن َوالٍ } ُ[س َورة هالرعْد‪. ]11 :‬‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ون َع ْب ٌد يةم ْن َع يبي يدي عَ ََل َةما‬ ‫َو ييف ب َ ْع يض ْال آ َاث ير ْاَللَهييه ي ‪َ ،‬ع ين هالر ي مب تَ َب َاركَ َوتَ َع َاَل أَن ه ُه قَا َل‪َ « :‬و يع هز ييت َو َج َال ييل‪ََ ،‬ل يَ ُك ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ون َع ْب ٌد ةم ْن َع يبيدي عََل َةما‬‫ي‬ ‫أُ يح ُّب‪ ُ ،‬همث يَنْتَ يق ُل َع ْن ُه اَل َةما أك َر ُه‪ ،‬اَل انْتَقَل ُت ُهل ةم هما َي ُّب اَل َةما يَك َر ُه‪َ ،‬وَل يَك ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْك َر ُه‪ ،‬مث ي َنْتَ يق ُل َع ْن ُه ا ََل َةما أُ يح ُّب‪ ،‬ا هَل انْ َتقَلْ ُت َ ُهل يةم هما يَ ْك َر ُه ا ََل َةما ُ يَي ُّب» ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫َوقَدْ أَ ْح َس َن الْقَائي ُل‪:‬‬


‫ا َذا ُك ْن َت ييف ين ْع َم ٍ فَ ْار َعهَا ‪ ...‬فَا هن املعاِص تُ يزي ُل ال ينم َع ْم‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َسي ُع النمقَ ْمي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫َو ُح ْطهَا ب َيطاعَ َر ي مب الع َباد‪ ......‬فَ َر ُّب الع َباد َ ي‬‫ي‬
‫الظ ْ َْل َةمهْ َما ْاس تَ َط ْع َت ‪..‬فَ ُظ ْ ُْل الْ يع َبا يد َش يديدُ الْ َو َخ ْم‬ ‫َوا هايكَ َو ُّ‬
‫ِ‬
‫ُص أ آ َاث َر َةم ْن قَدْ َظ َ ْْل‬ ‫َو َسا يف ْر يبقَلْب َيك ب َ ْ َني الْ َو َرى ‪ ...‬يلتَ ْب ُ َ‬
‫دَمه ‪ُ ...‬شهُو ٌد عَلَهيْ ي ْم َو ََل تَُته َ ْم‬ ‫ْ َةم َسا يكْنُ ُ ْم ب َ ْع ُ ْ‬‫فَ يت ْ َ‬
‫الظ ْ يْل َوه َُو ه ياذلي قَدْ قَ َص ْم‬ ‫رض‪ ..‬يةم َن ُّ‬ ‫ءي ٌء عَلَهيْ ي ْم أَ َ ه‬ ‫َو َةما ََك َن َ ْ‬
‫فَ َ ُْك تَ َر ُكوا يةم ْن يجنَ ٍان َو يةم ْن ‪ ...‬قُ ُص ٍور َوأُخ َْرى عَلَهيْ ي ْم أَ َط ْم‬
‫ات النه يع ُّي‪َ ..‬و ََك َن ه ياذلي انَ لَهُ ْم ََكلْ ُح ُْل‬ ‫َصلَ ْوا يبلْ َج يح يّي َوفَ َ‬

‫َصلوا يعين احرتقوا‪,‬ذكر هنا ابن القّي ‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬عقوب أخرى ةمن عقوبت اذلنوب وِه أَّنا َتل بلعباد‬
‫النقم فهي جالب للنقم وأيضا تزيل النعم وَتل النقم ملها غْيوا طاع هللا بملعصي غُ ي مْي علهيم بلنقم عقوب هلم‪ ,‬وةما‬
‫نزل بالء اَل بذنب كام قال عيل ريض هللا عنه‪ :‬وهذا شاهده يف القرأآن ةمثل الآي الِ (أورد) رمحه هللا { َو َةما‬
‫ّلُك أَخ َْذانَ يب َذن ْ يب يه} (‪)٤٠‬سورة‬
‫يُك } (‪)٣٠‬سورة الشورى ‪ ،‬كذكل قوهل تعاَل‪ { :‬فَ ُ ا‬ ‫أَ َصابَ ُ ُْك يةم ْن ُةم يصي َب ٍ فَ يب َما َك َسبَ ْت أَيْ يد ُ ْ‬
‫العنكبوت ‪ ،‬كذكل قوهل تعاَل‪ { :‬مما خطيئاِتم } (‪)٢٥‬سورة نوح ‪ ،‬أي بسبب خطيئاِتم فاخلطيئ واملعصي جالب‬
‫للنقم وةمزيهل للنعم ولهذا ةمن أعظم ةما َتفظ نعم هللا عز وجل أن يتقى هللا يف نعمه وَل تس تخدم يف ةمساخطه ‪،‬‬
‫فاذا َكن العبد ةمس تعمال لها يف ةمراضيه جل وعال جمانبا ةما يسخط هللا عز وجل ‪َ ،‬كن هذا حافظا للنعم؛ ولهذا‬
‫قالوا عن الشكر احلافظ اجلالب؛ لنه َيفظ النعم املوجودة وَيلب النعم املفقودة ‪ ،‬واملعاِص عَل الضد ةمن ذكل‬
‫‪ ،‬املعاِص ةمزيةل للنعم سبب لزوال النعم ‪ ،‬وسبب حللول النقم وهذه ةمن العقوبت املعجةل ‪ ،‬وهو كام أشار ابن‬
‫القّي رمحه هللا {جزأ آ ًءوفاقا}(‪)٢٦‬سورة النبا ‪ ،‬ملا غْيوا غُ ي مْي علهيم‪.‬‬
‫يغْي طاع هللا بملعصي وشكره بلكفر‪ ،‬وأس باب رضاه بأس باب ُسطه غُ ي مْي عليه‬ ‫قال رمحه هللا تعاَل‪ :‬ةمن ي م‬
‫اَّلل ََل يُغ ي م َُْي َةما يبقَ ْو ٍم َح هَّت‬
‫{جزأ آ ًءوفاقا}‪{ ،‬وةما ربك بظالم للعبيد} (‪)٤٦‬سورة فصلت ‪ ،‬وهللا تعاَل يقول ‪ { :‬ا هن ه َ‬
‫ِ‬
‫يُغ ي م َُْيوا َةما يبأَنْ ُف يسهي ْم }(‪)١١‬سورة الرعد ‪ ,‬ولهذا يف القحط اذلي يصيب العباد ‪ ،‬وقةل الةمطار ‪ ،‬وجفاف الرض ‪،‬‬
‫وترضر املاش ي ‪ ،‬وترضر الزروع ‪ ،‬يُدعى العباد اَل التوب والاس تغفار ‪ ،‬واَلكثار ةمن الاس تغفار ةمن اذلنوب‬
‫‪ ،‬فهذا الاس تغفار جالب للنعم واخلْيات ‪ ،‬اذا اس تغفر العباد ةمن ذنوهبم واتبوا اَل رهبم ‪ ،‬هذا جالب للخْي‬
‫الس َم َاء عَلَ ْي ُ ُْك يةمدْ َر ًارا (‪َ )11‬وي ُ ْم يدد ُ ُْْك يبأَ ْةم َوالٍ َوبَني َني َو َ َْي َع ْل لَ ُ ُْك َجن ه ٍ‬
‫ات‬ ‫{ فَ ُقلْ ُت ْاس تَ ْغ يف ُروا َ بر ه ُ ُْك ِان ه ُه ََك َن غَفه ًارا يُ ْر يس يل ه‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫َو َ َْي َع ْل لَ ُ ُْك أََّنْ َ ًارا } (‪)١٢-١٠‬سورة نوح‪َ { ،‬ول َ ْو أَ هن أَ ْه َل الْ ُق َرى أ آ َةمنُوا َواتهقَ ْوا لَفَتَ ْحنَا عَلَهيْ ي ْم بَ َر ََك ٍت يةم َن ه‬
‫الس َما يء َو ْ َال ْر يض‬
‫ون } (‪)٩٦‬سورة العراف ‪ ،‬هذا أيضا شاهد ملا ذكره ابن القّي رمحه هللا‬ ‫َولَ يك ْن كَ هذبُوا فَأَخ َْذانَ ُ ْمه يب َما ََكنُوا يَ ْك يس ُب َ‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُلْ يق ُّالرع َْب َوالْخ َْو َف ييف الْ ُقلُ ي‬
‫وب]‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل يةم َن ُّالرع يْب َوالْخ َْو يف ييف قَلْ يب الْ َع ياِص‪ ،‬فَ َال تَ َرا ُه ا هَل خَائيفًا‬ ‫َو يةم ْن ُع ُق َوبِتي َا‪َ :‬ةما يُلْ يقي يه ه ُ‬
‫ِ‬
‫اَّلل ْ َالع َْظ ُم اذلي َةم ْن َدخ َ َُهل ََك َن يةم َن ْال آ يةم ين َني يةم ْن ُع ُقوب َ ادلُّ نْ َيا َو ْال آ يخ َر ية‪َ ،‬و َةم ْن‬ ‫الطاعَ َ يح ْص ُن ه ي‬ ‫َةم ْرع ًُوب‪ .‬فَا هن ه‬
‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫اَّلل انْقل َبت ال َمخَا يوف ييف َحقه أ َةماانً ‪َ ،‬و َةم ْن‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُك َجان ٍب‪ ،‬ف َم ْن أطا َع ه َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خ ََر َج َع ْن ُه أ َحاط ْت يبه ال َمخَا يوف ةم ْن يم‬ ‫َ‬
‫اب‬‫ايح َطائي ٍر‪ ،‬ا ْن َح هركَ يت م يالر ُحي الْ َب َ‬ ‫ْ‬ ‫اِص ا هَل َوقَلْ ُب ُه َ ََكن ه ُه ب َ ْ َني َجنَ َ‬ ‫َع َصا ُه انْقَلَ َب ْت َةمأ آ يةمنُ ُه َةم َخا يو َف‪ ،‬فَ َال َجتيدُ الْ َع ي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُكُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ُك َص ْي َح عَل ْيه‪َ ،‬و ه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ون نَذ ًيرا يبل َع َط يب‪َْ َ ،‬ي َس ُب أَ هن ه‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫الطلَ ُب‪َ ،‬وا ْن َ يَس َع َو ْق َع قَدَ ٍم خ ََاف أَ ْن يَك َ‬ ‫قَا َل‪َ :‬ج َاء ه‬
‫ِ‬
‫ءي ٍء‪:‬‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫ءي ٍء‪َ ،‬و َةم ْن ل َ ْم َ ََي يف ه َ‬
‫اَّلل أَخَافَ ُه يةم ْن ُ يم‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫َةم ْك ُرو ٍه قَ ياصد ًا ال َ ْي يه‪ ،‬فَ َم ْن خ ََاف ه َ‬
‫اَّلل أ آ َةمنَ ُه يةم ْن ُ يم‬
‫ِ‬
‫اَّلل ب َ ْ َني الناس ُةم ْذ ُخ يل ُقوا ‪ ...‬أَ هن الْ َمخَا يو َف َوالْال ْج َرا َم ييف قَ َر ين‬ ‫لقد قَ ََض ه ُ‬

‫هذا أيضا ةمن عقوبت املعاِص ةما يلقيه هللا ‪ -‬س بحانه وتعاَل‪ -‬يف قلب العاِص ةمن الرعب واخلوف ِبسب‬
‫ةمعاصيه‪ ،‬وكام أن طاع هللا واخلوف ةمن هللا واملراقب هلل ‪ -‬ةمثل ةما تقدم ‪ِ -‬ه قوة للقلب ودخول يف الةمن؛ يف‬
‫الطمأنين ‪ ،‬وهذه ةمن أآاثر اَلميان؛ الةمن والطمأنين ِه ةمن أآاثر اَلميان‪ ،‬قال هللا – س بحانه وتعاَل‪َ { :-‬وعَدَ ه ُ‬
‫اَّلل‬
‫ات لَيَ ْس تَ ْخ يل َفْنه ُ ْم ييف ْ َال ْر يض َ َمَك ْاس تَ ْخلَ َف ه ياذل َين يةمن قَ ْب يله ْيم َول َ ُي َم يكم َ هَن لَه ُْم يديْنَ ُ ُم ه ياذلي‬ ‫نُك َو َ يَعلُوا ه‬
‫الصا يل َح ي‬ ‫ه ياذل َين أ آ َةمنُوا يةم ُ ْ‬
‫ََض لَهُ ْم َول َ ُي َب ميدلَْنه ُم يمةمن ب َ ْع يد خ َْو يفهي ْم أَ ْةمنًا}[النور‪ ،]55:‬هذا يف العمل والطاع ‪ .‬وقال ‪-‬تعاَل‪ { :-‬ه ياذل َين أ آ َةمنُوا َول َ ْم يَلْب ُيسوا‬ ‫ْارت َ ٰ‬
‫ون}[النعام‪.]82:‬‬ ‫اميَاَّنَ ُم ب ُيظ ْ ٍْل أُول َ َٰ ئي َك لَهُ ُم ْ َال ْةم ُن َو ُمه ُّةمهْتَدُ َ‬
‫ِ‬
‫فاَلميان والطاع مثرِتا الةمن‪:‬الةمن ةمن عقوب هللا يف ادلنيا والآخرة‪.‬‬
‫واملعصي مثرِتا اخلوف‪ ،‬فيصبح يف قلبه خوف يلقيه هللا يف قلب العاِص ورعب‪ ،‬ولهذا يصبح العاِص َياف‬
‫ةمن أي ءيء‪ ،‬ةمن َكن عَل ةمعصي َياف ةمن أي ءيء‪ ،‬ةمن خاف هللا أخاف ةمنه ُك ءيء‪ ،‬وةمن مل َيف‬
‫هللا أخافه ةمن ُك ءيء‪ ،‬ةمثل ةما قال ابن القّي‪ :‬مفن خاف هللا أآةمنه ةمن ُك ءيء وةمن مل َيف هللا أخافه ةمن‬
‫ُك ءيء‪.‬‬
‫قال‪ :‬حَّت ان العاِص يصبح حال قلبه َكنه بني جنايح طائر‪ ،‬تأةمل يف الطائر خاص اذا َكن قريب ةمن‬
‫احلب جتده رأسه ةما يس تقر‪ ،‬ينظر هنا وينظر هنا وينظر هنا‪ ،‬مث يأخذ حب واحدة‪ ،‬مث‬ ‫الناس وهو يَل ُقط م‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫ينظر وينظر وينظر وينظر ‪ ،‬مث حب واحدة‪ ،‬يف خوف شديد‪ ،‬فالعاِص ةمثهل‪ ،‬العاِص قلبه يف رعب‪ .‬ولهذا‬
‫ةمثل ةما قال ابن القّي ‪ -‬رمحه هللا ‪ : -‬ان حركت الرحي الباب قال جاء الطلب‪َ ،‬يس بون ُك صيح علهيم‪ ،‬أي‬
‫حرك َياف‪ ،‬هذا اخلوف ةمن أثر املعاِص‪ ،‬والطمأنين والةمن ةمن أثر الطاع ‪ -‬طاع هللا س بحانه وتعاَل‪،-‬‬
‫فاَلميان أةمن واملعصي خوف‪،‬‬
‫َلحظ ُُشع لنا يف ةمطلع ُك شهر اذا ه مل الهالل و رأينا الهالل أن نقول ‪":‬اللمهم أههل علينا بلةمن و اَلميان "‬
‫قرينان الةمن و اَلميان ‪ ,‬اذا وجد هذا وجد الآخر ‪ ,‬واذا ارتفع هذا ارتفع الآخر فهام قرينان " اللمهم أههل علينا بلةمن‬
‫رِب و ربمك هللا "‬
‫و اَلميان ‪ ,‬والسالةم و اَلسالم ‪ ,‬م‬
‫قرن ‪:‬ةمَّت وجد اَلجرام وجدت ةماذا؟‬‫َلحظ قول البيت اذلي أورده قال ‪:‬أن اخملاوف و اَلجرام يف ي‬
‫‪ -‬اخملاوف؛ لَّنم ا ةمقرون هبا ‪,‬واذا َكنت اخملاوف و اَلجرام يف قرن فان الطاع و الةمن ةماذا؟‪ -‬يف قرن ‪ ,‬اذا وجدت‬
‫الطاع وجد الةمن –نعم‪-‬‬

‫َو يةم ْن ُع ُق َوبِتي َا‪ :‬أََّنه َا تُو يق ُع الْ َو ْحشَ َ الْ َع يظمي َ َ ييف الْقَلْ يب فَ َيجي دُ الْ ُم ْذ ين ُب ن َ ْف َس ُه ُةم ْس تَ ْو يحشً ا‪ ،‬قَدْ َوقَ َع يت الْ َو ْحشَ ُ‬
‫ُوب ْاش تَد يهت الْ َو ْحشَ ُ ‪َ ،‬وأَ َةم ُّر الْ َعيْ يش‬ ‫بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني َ يرب م يه‪َ ،‬وبَيْنَه وبني الْ َخلْ يق‪َ ,‬وبَيْنه و َ‬
‫بني ن َ ْف يس يه‪َ ،‬و ُلكه َما َك ُ َُث يت ا ُّذلن ُ‬
‫عَيْ ُش الْ ُم ْس تَ ْو يح يش َني الْخَائي يف َني‪َ ،‬وأَ ْط َي ُب الْ َعيْ يش عَيْ ُش الْ ُم ْس تَأْ ين يس َني‪ ،‬فَلَ ْو فكر الْ َعا يق ُل َو َو َاز َن بني َ هذل َة‬
‫الطاعَ ي َوأَ ْةمْنَ َا‬‫الْ َم ْع يص َي ي َو َةما تُو يق ُع ُه فيه يةم َن الْخ َْو يف َوالْ َو ْحشَ ي ‪ ،‬لَ َع ي َْل ُس َوء َح ي ياهل‪َ ،‬و َع يظ َّي غَ ْبني يه‪ ،‬ا ْذ َب َع أُن ْ َس ه‬
‫ِ‬
‫الرض ير ادله ا يع َهل َ َ‬
‫ُ‪.‬مَك يقيلَ‪:‬‬ ‫ُوج ُب ُه يةم َن الْخ َْو يف َو ه َ‬ ‫َو َح َال َوِتَ َا ب َيو ْحشَ ي الْ َم ْع يص َي ي َو َةما ت ي‬
‫ُوب ‪ ...‬فَدَ ْعهَا ا َذا يشئْ َت َو ْاس تَأْ ين يس‬ ‫فَا ْن ُك ْن َت قَدْ أَ ْو َح َش ْت َك ا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوج ُب الْ ُق ْر َب يةم َن هالر ي مب ُس ْب َحانَهُ‪ ،‬فَ ُكه َما ْاش تَ هد الْ ُق ْر ُب قَ يو َي ْ ُالن ْ ُس‪َ ،‬والْ َم ْع يص َي ُ‬ ‫الطاعَ َ ت ي‬‫وَس الْ َم ْسأَ َ يل‪ :‬أَ هن ه‬
‫ُوج ُب الْ ُب ْعدَ يةم َن هالر ي مب‪َ ،‬و ُلكه َما ازداد الْ ُب ْعدُ قَ يوي َ يت الْ َو ْحشَ ُ ‪.‬‬ ‫ت ي‬
‫َو يلهَ َذا ََييدُ الْ َع ْبدُ َو ْحشَ ً بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني عَدُ ميو يه يللْ ُب ْع يد ه ياذلي ب َ ْيْنَ ُ َما‪َ ،‬وا ْن ََك َن ُةم َالب ًيسا َهلُ‪ ،‬قَ يري ًبا يةمنْهُ‪َ ،‬و ََييدُ أُن ْ ًسا‬
‫ِ‬
‫وقر ًب بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني َةم ْن ُ يَي ُّب‪َ ،‬وا ْن ََك َن ب َ يعيدً ا َع ْنهُ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُوج ُب الْ َو ْحشَ َ ‪َ ،‬وأَ َش ُّد يةمْنْ َا‬ ‫اب َزاد يَت الْ َو ْحشَ ُ ‪ ،‬فَالْغَ ْف َ ُةل ت ي‬ ‫اب‪َ ،‬و ُلكه َما غَلُظَ الْ يح َج ُ‬ ‫َوالْ َو ْحشَ ُ َسبَهبُ َا الْ يح َج ُ‬
‫الّش يك َوالْ ُك ْف ير‪َ ،‬و ََل َجتيدُ أَ َحدًا ُةم َالب ًيسا َشيْئًا يةم ْن َذ ي َكل ا هَل َوي َ ْعلُو ُه يةم َن‬ ‫َو ْحشَ ُ الْ َم ْع يص َي ي ‪َ ،‬وأَ َش ُّد يةمْنْ َا َو ْحشَ ُ ي م ْ‬
‫ِ‬
‫الْ َو ْحشَ ي ي َِب ْس يب َةما ََلب َ َس ُه يةم ْنهُ‪ ،‬فَتَ ْعلُو الْ َو ْحشَ ُ َو ْ َهج ُه َوقَلْ َب ُه فَيَ ْس َت ْو يح ُش َوي ُْس تَ ْو َح ُش يةمنْهُ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫هذا الثر اذلي ذكره ابن القّي – رمحه هللا تعاَل – س بق أن ذكره‪ ,‬تقدم ةمعنا ذكره؛ ل من ةمن عواقب اذلنوب‪:‬‬
‫وحش َيدها العاِص بينه و بني هللا‪ ,‬مث ذكر بعد ذكل ةمباُشة أن ةمن أآاثر املعاِص وحش َيدها بينه و بني‬
‫النماس هذا س بق أن مةمر ةمعنا‪ ,‬لكن أعاده ابن القّي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬هنا مبزيد ةمن التوضيح و التقرير و اَل يعين‬
‫َس املسأل يعين ي م‬
‫َس‬ ‫الةمر قد تقدم ذكره عند اَلةمام ابن القّي ‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬و ذكر هنا فائدة يف املسأل‪ :‬أ من ي م‬
‫هذه الوحش الِ تكون يف قلب العاِص ‪ :‬أ من الطاع توجب القرب ةمن هللا و لكام ُوجد القرب ةمنه – س بحانه و‬
‫تعاَل‪ -‬عظم يف قلب العبد النس و الراح و الطمأنين و الةمن ُك ذكل ِبسب حظه ةمن القرب ةمن ربه ‪-‬‬
‫س بحانه و تعاَل‪-‬‬
‫الرب ‪ ,‬ولكمام قوي البعد ةمن م‬
‫الرب بعد العبد عن الراح والنس و الطمأنين اَل‬ ‫واملعصي توجب البعد ةمن م‬
‫أضدادها ‪ ,‬اَل اخلوف والقلق و مالرعب وحنو ذكل ‪ ,‬لكمام قرب ةمن ربه طاع وذَل وخضوعا أةمن ه‬
‫وحصل الةمن و‬
‫حصل ةمن اخلوف ِبسب بعده عن ربه س بحانه وتعاَل‪.‬‬ ‫لكام بعد عن ربه ه‬

‫وب]‬‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُ ْم ير ُض الْ ُقلُ َ‬


‫ِصتي يه َو ْاس يتقَا َةم يت يه ا ََل َةم َر يض يه َو ْ ياحن َرا يف يه‪ ،‬فَ َال يَ َزا ُل َةم يريضً ا َةم ْعلُ ًوَل ََل يَنْتَ يف ُع‬ ‫َُص ُف الْقَلْ َب َع ْن ي ه‬ ‫َو يةم ْن ُع ُق َوبِتي َا‪ :‬أََّنه َا ت ْ ي‬
‫ِ‬
‫ُوب أَ ْةم َر ُاض‬ ‫دَان‪ ،‬ب َ يل ا ُّذلن ُ‬ ‫وب َكتَأْ يث يْي ْ َال ْةم َر ياض ييف ْ َالبْ ي‬ ‫ُوب ييف الْ ُقلُ ي‬ ‫يب ْ َلغْ يذي َ ي ال ه يِ هبي َا َحيَاتُ ُه َو َص َال ُحهُ‪ ،‬فَا هن تَأْ يث َْي ا ُّذلن ي‬
‫ِ‬
‫وب َودَا ُؤهَا‪َ ،‬و ََل د ََو َاء لَهَا ا هَل تَ ْر ُكهَا‪.‬‬ ‫الْ ُقلُ ي‬
‫ِ‬
‫ون‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫َّت‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫َا‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫و‬ ‫ةم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ي‬
‫َص‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َا‪،‬‬‫ه‬ ‫َل‬‫َ‬ ‫و‬‫ْ‬ ‫ةم‬
‫َ‬ ‫َل‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬
‫َص‬ ‫ت‬ ‫َّت‬ ‫ه‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َا‬
‫ه‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ةم‬
‫ُ‬ ‫ى‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َل‬‫َ‬ ‫وب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ون ا ََل ه ي‬
‫اَّلل أَ ه‬ ‫السائي ُر َ‬ ‫َوقَدْ أَ ْ ََج َع ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِصي َح ً َس يلمي َ ً َح هَّت ي َ ْنقَ يل َب دَا ُؤهَا‪ ،‬فَ َي يص َْي ن َ ْف َس د ََواِئي َا‪َ ،‬و ََل ي َ يص ُّح لَهَا َذ ي َكل ا هَل يب ُمخَالَ َف ي‬ ‫ون َ ي‬ ‫ِصي َح ً َس يلمي َ ً ‪َ ،‬و ََل تَ ُك ُ‬ ‫َي‬
‫ِ‬
‫ه ََواهَا‪ ،‬فَه ََواهَا َةم َرضُ هَا‪َ ،‬و يش َفا ُؤهَا ُةمخَالَفَ ُتهُ‪ ،‬فَا ين ْاس َت ْح َ َُك الْ َم َر ُض قَتَ َل أَ ْو ََكدَ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ادلهار ييف َجن ه ٍ عَ ياج َ ٍةل‪ََ ،‬ل ي ُْش يب ُه ن َ يع ُّي‬ ‫ون قَلْ ُب ُه ييف َه يذ يه ي‬ ‫َو َ َمَك أَ هن َةم ْن َّنَ َيى ن َ ْف َس ُه َع ين الْه ََوى ََكن يَت الْ َجنه ُ َةمأْ َوا ُه‪ ،‬فَكَ َذا يَ ُك ُ‬
‫أَ ْه يلهَا ن َ يعميًا الْ َبته َ ‪ ،‬ب َ يل التهفَ ُاو ُت ه ياذلي ب َ ْ َني النه يعمي َ ْ يني‪ََ ،‬كلتهفَ ُاو يت ه ياذلي ب َ ْ َني ن َ يع يّي ادلُّ نْ َيا َو ْال آ يخ َر ية‪َ ،‬و َه َذا أَ ْةم ٌر ََل ي ُ َص ميد ُق يب يه‬
‫ُش قَلْ ُب ُه َه َذا َو َه َذا‪.‬‬ ‫ا هَل َةم ْن َب َ َ‬
‫ِ‬
‫َو ََل َ َْت َس ُب أَ هن قَ ْو َ ُهل تَ َع َاَل‪{ :‬ا هن ْ َال ْب َر َار لَ يف ن َ يع ٍّي ‪َ -‬وا هن الْ ُف هج َار لَ يف َج يح ٍّي} [ ُس َور ُة ياَلنْ يف َطا ير‪]14 - 13 :‬‬
‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫ْ‬
‫ُور ُمه الث هالثَ مه كذ َكل ‪ -‬أَع يْين د ََار ادلُّ نْ َيا‪َ ،‬ود ََار ال َ ْرب َزخي‪َ ،‬ود ََار‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َةم ْق ُص ٌور عَ ََل ن َ يع يّي ْال آ يخ َر ية َو َجحمييهَا فَقَطْ ب َ ْل ييف د ي‬
‫الْقَ َر يار ‪ -‬فَهَ ُؤ ََل يء ييف ن َ يع ٍّي‪َ ،‬و َه ُؤ ََل يء ييف َج يح ٍّي‪َ ،‬وه يَل النه يع ُّي ا هَل ن َ يع ُّي الْقَلْ يب؟ َوه يَل الْ َع َذ ُاب ا هَل عَ َذ ُاب الْقَلْ يب؟ َوأَ ُّي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َوادل يهار ْال آ يخ َر ية‪َ ،‬وتَ َعل ُّ يق يه يبغ ْ يَْي ه ي‬
‫اَّلل‪،‬‬ ‫الصدْ ير‪َ ،‬واع َْر ياض يه َع ين ه ي‬ ‫عَ َذ ٍاب أَ َش ُّد يةم َن الْخ َْو يف َوالْهَ م يم َوالْ ُح ْز ين‪َ ،‬و يض ييق ه‬
‫ِ‬
‫اَّلل فَان ه ُه ي َُسو ُةم ُه ُس َوء الْ َع َذ ياب‪.‬‬ ‫ُون ه ي‬‫ءي ٍء تَ َعل ه َق يب يه َوأَ َحبه ُه يةم ْن د ي‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫لك َوا ٍد يةمنْ ُه ُش ْع َب ٌ ؟ َو ُ ُّ‬ ‫َوانْ يق َطا يع يه َع ين ه ي‬
‫اَّلل‪ ،‬يب ُ يم‬
‫ِ‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫وهل َح هَّت َ َْي ُصلَ‪،‬‬ ‫اَّلل عُ ميذ َب يب يه ثَ َال َث َةم هر ٍات ييف َه يذ يه ادله ا ير‪ ،‬فَه َُو يُ َع هذ ُب يب يه قَ ْب َل ُح ُص ي ي‬ ‫لك َةم ْن أَ َح هب َشيْئًا غَ ْ َْي ه ي‬ ‫فَ ُ ُّ‬
‫وهل يبلْخ َْو يف يةم ْن َسلْ يب يه َوفَ َواتي يه‪َ ،‬والته ْن يغ ييص َوالته ْن يكي يد عَلَ ْي يه‪َ ،‬وأَن َْواعٍ يةم َن الْ َع َذ ياب ييف‬ ‫فَا َذا َح َص َل عُ ميذ َب يب يه َحا َل ُح ُص ي ي‬
‫ِ‬
‫ات‪ ،‬فَا َذا ُس يل َب ُه ْاش تَ هد عَلَ ْي يه عَ َذابُهُ‪ ،‬فَهَ يذ يه ثَ َالثَ ُ أَن َْواعٍ يةم َن الْ َع َذ ياب ييف َه يذ يه ي‬
‫ادلهار‪.‬‬ ‫َه يذ يه الْ ُم َع َارضَ ي‬
‫اب يُقَ ينار ُ ُه أَل َ ُم الْ يف َر ياق ه ياذلي ََل يَ ْر ُجو َع ْو َد ًة َوأَل َ ُم فَ َو يات َةما فَاتَ ُه يةم َن النه يع يّي الْ َع يظ يّي يب ْش يتغ يَاهلي‬ ‫ِ‬
‫َوأَ هةما ييف الْ َ ْرب َزخي‪ :‬فَ َع َذ ٌ‬
‫وسهي ْم‬‫ْس ية ال ه يِ تَ ْق َط ُع ْالَ ْك َبادَ‪ ،‬فَالْهَ ُّم َوالْغَ ُّم واحلْسة و َالْ ُح ْز ُن تَ ْع َم ُل ييف ن ُ ُف ي‬ ‫اَّلل‪َ ،‬وأَل َ ُم الْ َح ْ َ‬
‫ب ييض ميد يه‪َ ،‬وأَل َ ُم الْ يح َج ياب َع ين ه ي‬
‫اَّلل ا ََل أَ ْج َسا يدهَا‪،‬‬ ‫َاِئ ُةم ْس تَ يم ٌّر‪َ ،‬ح هَّت يَ ُر هدهَا ه ُ‬ ‫ن يَظ َْي َةما ت ْعم ُل الْه ََوا ُّم َو م يادليدَ ُان ييف أَبْدَ اَّني ي ْم‪ ،‬ب َ ْل َ ََعلُهَا ييف النُّ ُف يوس د ي ٌ‬
‫ِ‬
‫فَ يحينَئي ٍذ يَنْتَ يق ُل الْ َع َذ ُاب ا ََل ن َْوعٍ ه َُو أَد ََْه َوأَ َةم ُّر‪ ،‬فَأَ ْي َن َه َذا يةم ْن ن َ يع يّي َةم ْن يَ ْرقُ ُص قَلْ ُب ُه َط َر ًب َوفَ َر ًحا َوأُن ْ ًسا يب َ يرب م يه‪،‬‬
‫ِ‬
‫َو ْاش يت َياقًا الَ ْي يه‪َ ،‬و ْارتي َيا ًحا ُِب ي مبه‪َ ،‬و ُط َمأْنينَ يبذك يره؟ َح هَّت ي َ ُقول ب َ ْعضُ ه ُْم ييف َحالي نَ ْزعه‪َ :‬و َاط َر َب ُه‪.‬‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ِ‬
‫ويقول الآخر‪ :‬ان َكن أهل اجلن يف ةمثل هذا احلال اَّنم لف عيش طيب‬
‫َوي َ ُقو ُل ْالآخ َُر‪َ :‬ةم َسا يك ُني أَ ْه ُل ادلُّ نْ َيا‪ ،‬خ ََر ُجوا يةمْنْ َا َو َةما َذاقُوا َ يذلي َذ الْ َعيْ يش يفهيَا‪َ ،‬و َةما َذاقُوا أَ ْط َي َب َةما يفهيَا‪.‬‬
‫وف‪.‬‬ ‫وك َةما َ ْحن ُن يفي يه ل َ َج َ ُادلوانَ عَلَ ْي يه يب ُّلس ُي ي‬ ‫َوي َ ُقو ُل ْالآخ َُر‪ :‬لَ ْو عَ ي َْل الْ ُملُوكُ َوأَبْنَا ُء الْ ُملُ ي‬
‫َوي َ ُقو ُل ْالآخ َُر‪ :‬ا هن ييف ادلُّ نْ َيا َجن ه ً َةم ْن لَ ْم يَدْ ُخلْهَا لَ ْم يَدْ خ ُْل َجن ه َ ْال آ يخ َر ية‪.‬‬
‫ِ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ُك الغ ْ يَْب ييف َهذا ال َع ْقد َوه َُو يَ َرى أَن ه ُه قَدْ غَ َ َْب‪ ،‬اذا ل ْم يَك ْن َكل خ ْ َربةٌ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ه‬
‫فَيَا َةم ْن َب َع َحظ ُه الغ يَايل يبأَ ْ َخبس الث ه َم ين‪َ ،‬وغُ ي َْب ه‬
‫ِ‬
‫الس يف ُْي ه ياذلي َج َرى عَ ََل‬ ‫اَّلل ُةم ْش َ يرتهيَا َوثَ َمْنُ َا َجن ه ُ الْ َمأْ َوى‪َ ،‬و ه‬ ‫السلْ َع ي فَ َس يل الْ ُمقَ ميو يةم َني‪ ،‬فَيَا َ َجع ًبا يةم ْن بيضَ اعَ ٍ َةم َع َك ه ُ‬ ‫يب يقمي َ ي يم‬
‫َض َن الث ه َم َن َع ين الْ ُم ْش َ يرتي ه َُو هالر ُسو ُل ‪ -‬ﷺ ‪َ ،-‬وقَدْ يب ْعَتَ َا يبغَاي َ ي الْه ََو يان‪َ َ ،‬مَك قَا َل الْقَائي ُل‪ :‬ا َذا‬ ‫ي َ يد يه َع ْقدُ الته َبايُع ي َو َ ي‬
‫ِ‬
‫ََك َن َه َذا يف ْع ُل َع ْب ٍد يبنَ ْف يس يه ‪ ...‬فَ َم ْن َذا َ ُهل يةم ْن ب َ ْع يد َذ ي َكل يُ ْك ير ُم‬
‫اَّلل فَ َما َ ُهل يةم ْن ُةم ْك ير ٍم ا هن ه َ‬
‫اَّلل ي َ ْف َع ُل َةما يَشَ ا ُء} ُ[س َور ُة الْ َح م يج‪. ]18 :‬‬ ‫يقول هللا تعاَل ‪َ { :‬و َةم ْن هيُ ي ين ه ُ‬
‫ِ‬
‫هذا أيضا أةمر أآخر ةمن عقوبت اذلنوب وةما جتره عَل العاِص‪ :‬أَّنم ا تُصف القلب عن ِصته واس تقاةمته اَل ةمرضه‬
‫واحنرافه‪ ،‬ويعتل القلب وميرض بسبب هذه املعاِص؛ ممث اذا اعتل القلب وةم يرض فارقته مالذلة‪ ،‬وهنا ننتبه اَل ةمعَن‬
‫الذلة احلقيقيم امنا ِه يف طاع هللا كثْي ةمن الناس يغرت ب مذلة املعصي‬ ‫عظّي يقرره ابن القّي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ :-‬أن م م‬
‫الطاع ) وَل تقارن بأ مي ذلة أخرى‪ ،‬ولهذا‬ ‫فالذلة احلقيقي ( مذلة م‬ ‫الِ يسوقه الهيا بريقها وملعاَّنا وجنوح القلب الهيا‪ ،‬واَل م م‬
‫أهل طاع هللا س بحانه وتعاَل يف مذلة مل يذقها وَل قاربوها العصاة‪ ،‬وَل َيدون يف ةمعاصهيم ‪ -‬همام َكنت‪ -‬ةما يداين‬
‫ويقارب مالذلة الِ َيدها املطيع يف طاعته لربه‪.‬ولهذا فان املطيع هلل يف نعّي وسعادة و مذلة حَّت وان َكن يف مقةل ذات‬
‫يد يويف ضعف يف البدن‪ ..‬يف وهاء يف القوى‪َ ..‬يد سعادة‪َ ،‬يد ذلة َل َيدها أصال العاِص‪ ،‬العاِص َيد ذلة ةمؤقت‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫زائةل فاني أةما املطيع فذلته بقي ةمعه يف قوةمته ورقدته ينام قرير العني ويْنض سعيدا ةمتقلبا يف نعم هللا جل وعال‪.‬‬
‫ولهذا قال هللا س بحانه‪ :‬ا هن ْ َال ْب َر َار لَ يف ن َ يع ٍّي "‬
‫ِ‬
‫تظن أ من هذا النمعّي يف ادلم ار الآخرة فقط؛ َل؛ البرار يف نعّي يف دورمه الثالث ‪ :‬يف ادلنيا‪،‬‬ ‫قال ابن القّي‪َ :‬ل م‬
‫والربزخ‪ ،‬ويوم القياةم ‪.‬‬
‫" َوا هن الْ ُف هج َار ل َ يف َج يح ٍّي" ليسوا يف حجّي فقط يف ادلار الآخرة بل يف ادلنيا والربزخ وادلار الآخرة‪.‬وُشح هذا ابن‬
‫ِ‬
‫القّي ‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪ُ -‬شح اجلحّي اذلي ممير به هؤَلء يف دورمه الثمالث ‪ ،‬ولهذا النمعّي احلقيق امنا هو يف طاع هللا‬
‫رت أحد ال ُعبماد ُالصلحاء أحس به كذكل وهللا حسيبه ‪ -‬قد تُويف رمحه هللا‪-‬‬ ‫س بحانه وتعاَل‪.‬أتذكر أنين ةمرة ُز ُ‬
‫قدمي‪.‬زرته يف بيته وهو بني أربع جدران ةمن أربع س نوات ةما َيرج‪.‬و يُذكر عنه أنه يُعاين ةمن أةمراض‬ ‫وهذالّلُكم ُ‬
‫عديدة‪،‬فسألته عن حاهل‪ ،‬قلت‪ :‬كيف أنت اي أب فالن؟‬
‫قال يل بحلرف الواحد‪ :‬وهللا انين يف سعادة ةما أظن أحد يف اململك ةمثلها‪ ،‬وهو بني أربع جدران وعَل َسير‬
‫املرض‪.‬ويف ةمعاانة ةمن ةمرض‪ ،‬خذ شاهدا أقوى ةمن هذا وأجعب ‪ :‬اَلةمام بن سعدي رمحه هللا تعاَل‪ ،‬رسالته الِ‬
‫نفع هللا س بحانه وتعاَل هبا خلقا والِ أسامها "الوسائل املفيدة للحياة السعيدة " كيف تسعد ؟ كيف تظفر‬
‫بحلياة السعيدة ؟ هذه الرسال‪ ،‬ةمن أ مولها لآخرها كتهبا عَل َسير املرض وهو فيه أمل شديد يف رأسه‪ ،‬حَّت ان‬
‫الطبيب كام حدمثين ابنه بذكل‪َ ،‬كن ةمنعه ةمن القراءة والكتاب ؛ لن رأسه ةما يتح ممل ةمن شدمة المل وةمع هذا المل‬
‫يكتب "الوسائل املفيدة للحياة السعيدة" وأحد العلامء قد أحسن يصف هذا الكتاب بأنه ةمستشفى الةمراض‬
‫النفس ي ‪ ،‬فعال تقرأ هذا الكتاب هو ةمستشفى‪ ،‬وكثْي ممن وفقه هللا وقرأ الكتاب بطمأنين زالت عنه أوهام‬
‫وقرة العني امنا ِه يف طاع هللا س بحانه‬ ‫وأسقام ووساوس وظنون و تفتحت هل أبواب يف السعادة‪.‬فالسعادة م‬
‫وتعاَل كام قال هللا معز وج مل ‪َ ﴿ :‬ةم ْن َ يَع َل َصا يل ًحا يمةمن َذكَ ٍر أَ ْو أُ َ ٰنَث َوه َُو ُةم ْؤ يةم ٌن فَلَ ُن ْح يييَن ه ُه َحيَا ًة َط ي مي َب ً َولَنَ ْج يزيَْنه ُ ْم‬
‫اي ف َ َال ي َ يض ُّل َو ََل ي َْشقَ ٰى﴾ [ طه‪:‬‬ ‫ون ﴾[ النحل‪,] ٩٧ :‬قال ج مل وعال‪ ﴿:‬فَ َم ين ات ه َب َع هُدَ َ‬ ‫أَ ْج َر ُمه يبأَ ْح َس ين َةما ََكنُوا ي َ ْع َملُ َ‬
‫‪ ] ١٢٣‬أي يسعد ‪َ ،‬ضن هللا ملن اتبع هداه أن يسعد وأن تتحقق سعادته وأَل يصيبه الشقاء‬
‫﴿ َةما أَ َنزلْنَا عَلَ ْي َك الْ ُق ْرأ آ َن يلت َ ْشقَ ٰى ﴾ [طه‪,] ٢ :‬القرأآن كتاب السعادة‪ ،‬اذا أردت السعادة اطلهبا يف القرأآن‪ ،‬هو كتاب‬
‫السعادة ﴿ ِا هن َه ٰـ َذا الْ ُق ْرأ آ َن هيَ ْ يدي ليل ه يِ ي َ‬
‫ِه أَ ْق َو ُم ﴾ [اَلَساء‪ ]٩ :‬م‬
‫فالذلة احلقيقي والسعادة احلقيقي امنا ِه يف طاع‬
‫جالب للعقوبت‪،‬‬ ‫هللا س بحانه وتعاَل‪ ،‬أ مةما مذلة املعاِص فهي مذلة فاني حمفوف مبنغصات وةمن بعد ذكل م‬
‫تفَن الذلاذة ممن انل صفوت ها ‪ ..‬ةمن احلرام ويبقى اخلزي والعار‬
‫و تبقى عواقب سوء ةمن ةمغبت ها ‪َ ..‬ل خْي يف ذلة ةمن بعدها النار‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس العشرون‬

‫ِه مذلة فاني وَسيعا ةما تنقيض‪ ،‬وعواقهبا عَل صاحهبا يف ادلنيا و الآخرة شديدة ‪.‬‬

‫نسأل هللا عز وجل أن يصلحنا أَجعني وأن هيدينا اليه رصاطا ةمس تقامي وأن يغفر لنا ذنبنا لكه دقه وجهل أوهل‬
‫وأآخره‪ ،‬عالنيته م‬
‫وَسه وأن يغفر لنا ةما قدمةمنا وةما أخمران وةما أَسران وةما أعلنا‪ ،‬وأن يغفر لنا ولوادلينا‬
‫وللمسلمني واملسلامت‪ ،‬واملؤةمنني واملؤةمنات‪ ،‬الحياء ةمْنم والةموات‪ ،‬نسأهل ج مل يف عاله أن يتقبمل توبتنا وأن‬
‫يغسل حوبتنا وأن يثبمت مجحتنا وأن هيدي قلوبنا وأن يسلل ُسمي صدوران‪ .‬اللهم أآت نفوس نا تقواها زكمها أنت‬
‫خْي ةمن ز مَكها‪ ،‬أنت ولهيم ا وةموَلها س بحانك اللهم وِبمدك‪ ،‬أشهد أن َل اهل اَل أنت‪ ،‬أس تغفرك وأتوب اليك‪،‬‬
‫اللهم ص مل م‬
‫وسْل عَل عبدك ورسوكل نبيمنا محمد و أهل وِصبه أَجعني‪.‬‬
‫اضغط عَل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُ ْع يمي الْ َب يص َري َة]‬


‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا‪ :‬أََّنه َا تُ ْع يمي ب َ يص َري َة الْقَلْ يب‪َ ،‬وت َْط يم ُس ن َُور ُه‪َ ،‬وت َ ُس ُّد ُط ُر َق الْ يع ْ يْل‪َ ،‬و َ َْت ُج ُب َم َوا هد الْديدَ اة َ ي‪.‬‬
‫اَّلل تَ َع َاَل قَدْ أَلْقَى عَ ََل قَلْب َيك ن ًُورا‪ ،‬فَ ََل‬ ‫ْل الْ َمخَا يةلَ‪ :‬ا يّن َأ َرى ه َ‬ ‫اِل يل هلشا يف يع يي ل َ هما ْاجتَ َم َع يب يه َو َرأَى تي ْ َ‬
‫َوقَدْ قَا َل َم ي ٌ‬
‫ِ‬
‫ت ُْط يفئْ ُه ب ُيظلْ َم ي‪ .‬الْ َم ْع يص َي ي‪َ .‬و ََل يَ َزا ُل َه َذا النُّ ُور ةَضْ ُع ُف َوةَضْ َم يح ُّل‪َ ،‬و َظ ََل ُم الْ َم ْع يص َي ي‪ .‬ة َ ْق َوى َح هَّت ة َ يص َري الْقَلْ ُب يِف يمث يْل‬
‫اِل َو َم َعا يط َب‪ ،‬فَيَا‬ ‫ِص‪ََ َ ،‬ك ْ َْعى خ ََر َج يَبلل ه ْي يل يِف َط ير ٍةق َذ يات َمدَ ي َ‬ ‫ْْل ي َْس ُقطُ يفي يه َو ََل ة ُ ْب ي ُ‬‫الل ه ْي يل الَْبَ ي يمي‪ ،‬فَ َ َْك يم ْن ُمد َ ٍ‬
‫ات‪َ ،‬وتَ يف ُيض يم َن الْقَلْ يب ا ََل الْ َج َو يار يح‪ ،‬فَ َيغ ََْش الْ َو ْج َه يمْنْ َا‬ ‫الظلُ َم ُ‬
‫ْل ُّ‬ ‫ُسعَ َ‪ .‬الْ َع َط يب‪ ُ ،‬هُث تَ ْق َوى تي ْ َ‬ ‫الس ََل َم ي‪َ .‬و ََي ُ ْ‬‫ه‬ ‫يع هز َة‬
‫ِ‬
‫َس َوادٌ‪ ،‬ي َِب َس يب قُ هوِتي َا َوتَ َزاة ُ يدهَا‪ ،‬فَا َذا ََك َن يع ْندَ الْ َم ْو يت َظد ََر ْت يِف الْ َ َْب َزخي‪ ،‬فَا ْمتَ َ ََل الْقَ ْ َُب ُظلْ َم ً‪ ََ َ ،.‬قَا َل النه ي ُِّ ‪-‬‬
‫ِ‬
‫اَّلل ةُنَ يو ُرهَا ب َيص ََل يِت عَلَْيْ ي ْم»‬‫ﷺ ‪« :‬ا هن َه يذ يه الْ ُق ُب َور ُم ْم َت يلئَ ٌ‪ .‬عَ ََل أَ ْه يلدَا ُظلْ َم ً‪َ ،.‬وا هن َه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُك أَ َح ٍد‪َ ،‬ح هَّت ة َ يص َري الْ َو ْج ُه أَ ْس َو َد‬ ‫ِش الْ يع َبادُ‪ ،‬عَلَ يت ُّ‬
‫الظلْ َم ُ‪ .‬الْ ُو ُجو َه عُلُ ًّوا َظا يه ًرا يَ َرا ُه ُ ُّ‬ ‫فَا َذا ََك َن ة َ ْو ُم الْ َم َعا يد‪َ ،‬و ُح ي َ‬
‫ِ‬
‫يمثْ َل الْ ُح َم َم ي‪ ،.‬فَيَالَدَا يم ْن ُع ُقوب َ ٍ‪ََ .‬ل ت َُو َاز ُن َ هَل يات ادلُّ نْ َيا يبأَ ْ َْج يعدَا يم ْن أَ هو يلدَا ا ََل أ يخ يرهَا‪ ،‬فَ َك ْي َف يب يق ْسطي الْ َع ْب يد الْ ُمنَغ يهص‬
‫ِ‬
‫اَّلل الْ ُم ْس تَ َع ُان‬
‫الْ ُمنَكه يد الْ ُم ْت َع يب يِف َز َم ٍن ان ه َما ه َُو َساعَ ٌ‪ .‬يم ْن ُح ْ ٍْل؟ َو ه ُ‬
‫ِ‬
‫ﷺ‬ ‫‪،‬امحلد هلل رب العاملني وأشدد أن َل اهل اَل هللا وحده َل رشةك هل وأشدد أن محمدا عبده ورسوهل‬
‫وعَل أهل وأحصابه أْجعني‪ ،‬اللدم علمنا ما ةنفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علام وأصلح لنا شأننا لكه وَل تكنا اَل‬
‫أنفس نا طرف‪ .‬عني‪ ،‬أما بعد‪،‬‬
‫فَل يزال اَلمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل ةواصل بيان عقوَبت اَلنوب وعواقَبا الوخمي‪َ .‬تذيرا مْنا وبياان‬
‫خلطورِتا وسوء مغبهتا عَل العاِص ِف دنياه وأخراه‪،‬وهذه اَلنوب‪ ،‬أو هذه العقوَبت اليت ذكر رمحه هللا تعاَل‬
‫وقوف املسْل علْيا ومعرفته هبا انفع هل غاة‪ .‬النفع ِف حياته‪ ،‬لَّنا تعطيه حيط ً‪ .‬وحذرا وادراَك خلطورة اَلنوب‬
‫وعواقَبا ومضارها العظمي‪ .‬عَل العاِص ِف ادلنيا والخرة ولو وقف كثري من العصاة عَل هذه العواقب وأدركوا‬
‫خطورة اَلنوب لاكنت أعظم رادع هلم ولدذا ةؤىت من ةؤىت من عدم البصرية وادلراة‪َ .‬بلعواقب الوخمي‪ .‬اليت‬
‫ترتتب عَل اَلنوب ِف ادلنيا والخرة واَلمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل نصح ِف عده للعقوَبت نصحا عظامي‬
‫وهذا الفصل أو الفصول الواسع‪ .‬اليت ةذكرها رمحه هللا تعاَل ِف عقوَبت اَلنوب‪ ،‬واليت ْجعدا رمحه هللا تعاَل‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫َل تاكد جتدها مجموع‪ .‬هذا امجلع ِف كتاب أخر‪ ،‬وهذا من توفيق هللا تعاَل عز وجل لدذا اَلمام الناحص رمحه‬
‫هللا وغفر هل‬
‫ذكر هنا من عواقب اَلنوب أَّنا تعمي بصرية القلب كام قال هللا س بحانه{فَاَّنه َا ََل تَ ْع َمى ْ َالبْ َص ُار َولَ َٰ يكن تَ ْع َمى‬
‫ِ‬
‫الصدُ يور (‪[ })64‬احلج‪ ]64/‬فاملعصي‪ .‬لدا مرضة عظمي‪ .‬جدا عَل القلب من هج‪ .‬أَّنا تعمي البصرية اليت‬ ‫الْ ُقلُ ُ‬
‫وب ال ه ييت يِف ُّ‬
‫ِف القلب‪ ،‬واذا ْعيت بصرية القلب أظْل‪ ،‬وَكنت ظلم‪ .‬تكسوه وتغطيه‪ ،‬واذا َكن القلب عَل هذا الوصف‬
‫فانه َل هيتدي سبيَل‪ ،‬بل ةظل متخبطا ِف الظلامت‪ ،‬اليت يه ظلامت من فوقدا ظلامت‪ ،‬ولكام أكرث من اَلنوب‬
‫ترامكت هذه الظلم‪ .‬عَل قلبه‬
‫‪-‬قال رمحه هللا تعاَل ‪ِ:‬ف بيان أثر انطامس نور القلب وما ةرتتب عَل ذِل‪ ،‬قال‪ :‬وتسد طرق العْل؛ لن العْل‬
‫نور واملعاِص ظلم‪َ .‬تجب عن القلب هذا النور ولدذا ان أراد لنفسه العْل فليتب من اَلنوب‪ ،‬هذه بداة‪.‬‬
‫َتصيهل للعْل حَّت يكون قلبه مس تعدا هميأ لتلقي العْل؛ لنه ان بقي عَل ذنوبه ومعاصيه فان ظلم‪ .‬اليت تغَش‬
‫القلب َتول بينه وبني العْل وَتصيهل‪ ،‬تسد طرق العْل وَتجب مواد الدداة‪.‬‬
‫قال رمحه هللا تعاَل‪ :‬وَل يزال هذا النور ةضعف وةضمحل بسبب املعاِص واَلنوب‪ ،‬وظَلم املعاِص ةقوى‬
‫حَّت ةصري القلب ِف مثل الليل الَبمي‬
‫وقلب هذه صفته عيا ًذا َبهلل س بحانه وتعاَل من ذِل أظْل وغش ته الظلم‪ .‬وغطته من ُك هج‪ .‬شأنه يكون‬
‫ٌ‬
‫كام قال‪ :‬فَك من همْل يسقط فيه وَل ةبِصه ومثهل مكثل رجل أْعى خرج َبلليل ِف طرةق ذات هماِل‬
‫ومعاطب‪ ،‬كيف يكون حاهل؟‪ -‬طرةق فيه أشواك‪ ،‬وفيه حفر‪ ،‬وفيه هوام‪ ،‬وفيه اخل‬
‫هو َل يرى طرةقه فالظلم‪ .‬اليت تغطي قلب العاِص بسبب اس تغراق نفسه ِف اَلنوب واملعاِص جتعهل ةقع ِف‬
‫أنواع من املداِل واملعاطب وهو َل يشعر بسبب هذه الظلم‪ .‬اليت تكسو قلبه وتغطيه‬
‫ةقول‪-‬رمحه هللا‪ُ : -‬ث هذه الظلم‪ .‬اليت تكون ِف القلب بسبب املعاِص تفيض من القلب اَل اجلوارح فيغَش‬
‫مْنا الوجه سواد‪ ،‬فيَ ْس َود تكسوه ظلم‪ .‬يه انش ئ‪ .‬وانبع‪ .‬من ظلم‪ .‬قلبه‪ ،‬وَل ةنهتيي حد هذه الظلم‪ِ .‬ف حياته‬
‫ادلنيا‪ ،‬بل تنتقل معه اَل ق يَب يه‪ ،‬وتنتقل معه ةوم القيام‪ِ .‬ف حِشه‪ ،‬وتكون مَلزم‪ .‬هل‪،‬‬
‫وأورد ‪-‬رمحه هللا‪ -‬احلدةث‪ ،‬وهو ِف حصيح مسْل ‪ ،‬أن النِ‪ -‬ﷺ ‪-‬قال‪ ":‬ان هذه القبور ‪،‬ممتلئ‪ .‬عَل‬
‫أهلدا ظلم‪ ،.‬وان هللا منورها بصَلِت علْيم" وهذا احلدةث جاء ِف حصيح مسْل زَيدة‪ِ ،‬ف احلدةث‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫املعروف ‪-‬قص‪ .‬املرأة‪ -‬اليت َكنت تقم املسجد‪ ،‬وماتت ليَل ودفنت‪ُ ،‬صيل علْيا ودفنت‪ ،‬وما أخَبوا النِ‪-‬عليه‬
‫الصَلة والسَلم‪ُ-‬ث ملا سأل عْنا وافتقدها‪ ،‬قالوا اَّنم صلوا علْيا‪ ،‬ولَم ةؤذنوه بذِل لي ًَل‪ ،‬فذهب اَل قَبها‬
‫وصَل علْيا‪ - ،‬عليه الصَلة والسَلم‪ُ -‬ث قال ‪-:‬وهذه زَيدة انفرد هبا مسْل عن البخاري‪ُ ، -‬ث قال‪-‬عليه‬
‫الصَلة والسَلم‪"-‬ان هذه القبور ممتلئ‪ .‬عَل أهلدا ظلم‪ ،.‬وان هللا منورها بصَلِت علْيم" ةعين ما يكون منه ‪-‬‬
‫عليه الصَلة والسَلم‪ -‬من صَلة علْيم‪ ،‬ودعاء هلم‪ِ،‬ف صَلته علْيم‪ -‬صلوات هللا وسَلمه وبرَكته عليه‪-‬‬
‫ومن أهل العْل‪ ،‬من ذهب اَل أن هذه الزَيدة‪ِ ،‬ف هذا احلدةث واليت انفرد هبا مسْل عن البخاري‪َ ،‬ل تثبت‬
‫مرفوع ً‪ .‬اَل النِ‪-‬عليه الصَلة والسَلم‪ -‬وامنا يه مدرج‪ِ ،.‬ف احلدةث‪ ،‬ويه من مراس يل اثبت‪ ،‬ولدذا ذهب‬
‫احلافظ ابن جحر‪-‬رمحه هللا‪-‬وغريه من أهل العْل‪ ،‬ومْنم من أهل العْل من هقوى ثبوِتا‪ ،‬مرفوع‪ .‬اَل النِ‪-‬‬
‫ظاهرا‪ ،‬يراه‬
‫علوا ً‬ ‫صلوات هللا وسَلمه وبرَكته عليه‪-‬قال‪" :‬فاذا َكن ةوم املعاد‪ ،‬وحِش العباد‪ ،‬علت الوجوه ًّ‬
‫ظاهرا ‪ ،‬يراه ُك أحد" حَّت ةصري الوجه أسود مثل ا َمحل َم‪-.‬‬
‫علوا ً‬ ‫ُك أحد"‪" ،‬علت‪ -‬أي الظلم‪ -.‬عَل الوجوه‪ًّ ،‬‬
‫أي قطع‪ .‬الفحم السوداء‪ -‬من شدة الظلم‪ .‬والسواد اَلي يكسو وهجه‪،‬‬
‫وقد اس متعنا اليوم ِف صَلة الفجر‪ ،‬ايل قول هللا‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ﴿: -‬ة َ ْو َم تَبْيَ ُّض ُو ُجو ٌه َوت َ ْس َو ُّد ُو ُجو ٌه ﴾ [ أل‬
‫ْعران‪ ،]٦٠4 :‬فدذا السواد اَلي يكون ِف الوجه‪ ،‬مثل ما قال ابن القمي"ةعلو الوجه ويكسوه‪ ،‬ويكون ظاهرا يراه‬
‫ُك أحد" احلاصل أن هذا من أخطار اَلنوب وعواقَبا العظمي‪ .‬الوخمي‪ .‬عَل العاِص‪،‬أَّنا تعمي بصرية القلب‪،‬‬
‫وتطمس نوره‪،‬نعم‬

‫الْ َم َع ياِص ت َُص يغ ُر النه ْف َس]‬


‫َش ٍء َوأَ ْحقَ َر ُه‪ ََ َ ،‬أَ هن‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫ون َأ ْصغ ََر ُ ي‬ ‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا‪ :‬أََّنه َا ت َُص يغ ُر النه ْف َس‪َ ،‬وتَ ْق َم ُعدَا‪َ ،‬وتُدَ يس ْيَا‪َ ،‬و َ َْت يق ُرهَا‪َ ،‬ح هَّت تَ ُك َ‬
‫َاب َم ْن د هَساهَا} ُ[س َور ُة الشه ْم يس‪]٦٠ - 9 :‬‬ ‫الطاعَ َ‪ .‬تُنَ يمْيَا َوتُ َز يكْيَا َوتُكَ ي َُبهَا‪ ،‬قَا َل تَ َع َاَل‪{ :‬قَدْ أَفْلَ َح َم ْن َز هَكهَا ‪َ -‬وقَدْ خ َ‬ ‫ه‬
‫َِس َم ْن أَ ْخفَاهَا َو َحقه َرهَا َو َصغ َهرهَا يب َم ْع يص َي ي‪.‬‬ ‫اَّلل َوأَ ْظد ََرهَا‪َ ،‬وقَدْ خ ي َ‬ ‫‪َ ،‬والْ َم ْع ََن قَدْ أَفْلَ َح َم ْن كَ ه ََبهَا َوأَ ْع ََلهَا ب َيطاعَ ي‪ .‬ه ي‬
‫اب} ُ[س َور ُة النه ْحلي ‪]99 :‬‬ ‫اَّلل َوأَ ْص ُل التهدْ يس َي ي‪ْ :.‬اَل ْخفَا ُء‪َ ،‬و يمنْ ُه قَ ْو ُ ُهل تَ َع َاَل‪{ :‬أَ ْم ةَدُ ُّس ُه يِف ُّ َ‬
‫الرت ي‬ ‫هي‬
‫ِ‬
‫فَالْ َع ياِص ةَدُ ُّس ن َ ْف َس ُه يِف الْ َم ْع يص َي ي‪َ ،.‬و ُ ُْي يفي َم َاكَّنَ َا‪ ،‬ةَتَ َو َارى يم َن الْ َخلْ يق يم ْن ُسو يء َما ةَأْ يِت يب يه‪َ ،‬وقَ يد انْقَ َم َع يع ْندَ‬
‫َش ٍء‬
‫رش َف َ ْ‬ ‫الطاعَ ُ‪َ .‬والْ ي َُّب تُ َك ي َُب النه ْف َس َوتُ يع ُّزهَا َوتُ ْع يلْيَا‪َ ،‬ح هَّت ت يَص َري أَ ْ َ‬
‫اَّلل‪َ ،‬وانْقَ َم َع يع ْندَ الْ َخلْ يق‪ ،‬فَ ه‬‫ن َ ْف يس يه‪َ ،‬وانْقَ َم َع يع ْندَ ه ي‬
‫َش ٍء َوأَ ْحقَ ُر ُه َوأَ ْصغ َُر ُه ي ه يَّلل تَ َع َاَل‪َ ،‬وهبي َ َذا ُّاَل يل َح َص َل لَدَا َه َذا الْ يع ُّز‬ ‫َو َأ ْك َ ََب ُه‪َ ،‬وأَ ْز ََك ُه َوأَ ْع ََل ُه‪َ ،‬و َم َع َذ ي َِل فَدي َيي َأ َذ ُّل َ ْ‬
‫رشفَدَا َو َرفَ َعدَا يمثْ ُل َطاعَ ي‪ .‬ه ي‬
‫اَّلل‬ ‫الِش ُف َوالنُّ ُم ُّو‪ ،‬فَ َما َأ ْصغ ََر النُّ ُف َوس يمثْ ُل َم ْع يص َي ي‪ .‬ه ي‬
‫اَّلل‪َ ،‬و َما كَ ه ََبهَا َو َ ه‬ ‫َو ه َ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫وهذه أةضا من العقوَبت املرتتب‪ .‬عَل اَلنوب واملعاِص‪ :‬أَّنا تُص يغر النفس وتقمعدا و ي‬
‫تدس ْيا وختفْيا وتذلدا‬
‫وَت يقرها فدذه من عواقب املعاِص واَلنوب؛ لن النفس رشةف‪ .‬وعالي‪ .‬ورفيع‪ .‬فاذا أخذ املرء ‪-‬والعياذ َبهلل‪-‬‬
‫دّس نفسه ُوُيقرها‬ ‫ةتعاطى اَلنوب واملعاِص والاثم‪ ،‬فانه هبذه املعاِص ة ُ ي‬
‫وكام قال اَلمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ : -‬أصل التدس ي‪ :.‬اَلخفاء؛ فدو ُيفي نفسه بدل أن تكون رشةف‪.‬‬
‫رفيع‪ .‬عالي‪ُُ :.‬يفْيا وةغمرها ُوُي يقرها وهيُ يْنا هبذه املعاِص اليت يرتكَبا وعَل الضد من ذِل الطاع‪ .‬عز ورشف‬
‫نَك َو ه ياَل َين أُوتُوا الْ يع ْ َْل د ََر َج ٍ‬
‫ات‬ ‫ورفع‪ .‬وَل تزال هذه ال يرفع‪ .‬تزداد مع ازدَيد الطاعات ﴿ يَ ْرفَع ي اللهـ ُه ه ياَل َين أ َمنُوا يم ُ ْ‬
‫ون َخبيريٌ ﴾[ اجملادةل‪ ]٦٦ :‬فَل يزال ِف علو وَل يزال ِف رفع‪ .‬مادام مع طاع‪ .‬هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬ ‫َواللهـ ُه يب َما تَ ْع َملُ َ‬
‫و اذا َكن املرء والعياذ َبهلل مع املعاِص واَلنوب؛ فدو َل يزال ُيقر نفسه وهييْنا وةُذلدا؛ بدل أن يكون لدا‬
‫وُيول السامء لنفسه بدل أسامء الرفع‪.‬‬
‫السامء العالي‪ .‬الِشةف‪ .‬الرفيع‪ .‬الفاضةل ةتحول اَل أسامء الفسوق ي‬
‫والعلو‪ :‬املؤمن املطيع القانت اخملبت التائب املس تغفر اَلاكر اَل أخره هذه السامء الِشةف‪ .‬ةتحول اَل‬
‫س الْ ُف ُس ُوق ب َ ْعدَ ْاَلمي َ يان "‪،‬فدذا التحقري للنفس والتدس ي‪ .‬لدا يزداد مع زَيدة اَلنوب‬
‫السامء ادلنيئ‪ " .‬يبئْ َس ياَل ْ ُ‬
‫ِ‬
‫وهللا س بحانه وتعاَل ةقول‪ ﴿ :‬قَدْ أَفْلَ َح َمن َزَكهَا َوق خ َ‬
‫َاب َمن د هَساهَا ﴾[ الشمس‪ ]9 -٦ - :‬قد أفلح من زَكها‬ ‫دْ‬‫َ‬ ‫ه‬
‫أي من زّك نفسه أفلح‪ :‬أي َتقق فَلحه؛ و(الفَلح) أْجع لكم‪ .‬تعين حيازة اخلري ِف ادلنيا والخرة‬
‫الفَلح‪ :‬هذه الكم‪ .‬يه أْجع لكم‪ِ .‬ف حيازة اخلري ِف ادلنيا والخرة مفن زّك نفسه أفلح!‬
‫زَكها‪ :‬أي بطاع‪ .‬هللا والبعد عن معاصيه؛ لن تزكي‪ .‬النفس تكون هبذا وهذا‬
‫الزتكي‪: .‬ختلي‪ ،.‬وَتلي‪ :.‬ختلي‪ .‬للنفس من الرذائل وَتلي‪ .‬لدا َبلكامَلت والفضائل‬
‫دٌس نفسه وحقرها وأهاَّنا وطمرها ومغرها َبملعاِص؛‬ ‫َاب َمن د هَساهَا ﴾[ أي ٌ‬‫﴿ قَدْ أَفْلَ َح َمن َز هَكهَا َوقَدْ خ َ‬
‫فتصبح نفسا همين‪ .‬حقرية حقرها وأهاَّنا َبَلنوب واملعاِص اليت يرتكَبا‬
‫تكَب النفس وتعزها وتعلْيا حَّت تصري‬
‫ةقول ابن القمي هنا الكم حقيق‪ْ .‬جيل وعظمي جدً ا‪ ،‬ةقول‪ :‬فالطاع‪ .‬والَب ي‬
‫أرشف َشء وأكَبه وأزَكه وأعَله لكن مع هذا َ‬
‫الكَب والعلو والزَكء مع ذِل فديي أذل َشء وأحقره وأصغره‬
‫هلل؛ ِف خضوعدا هلل وانكسارها بني ةدةه ورؤيهتا للتقصري ِف جنب هللا وحقه س بحانه وتعاَل ‪ ،‬وأنه ما عبد‬
‫هللا حق عبادته‪،‬فدو َل يزال نفسه تكَب علوا ِف طاعته هلل وهو ِف نفسه يرى نفسه من أعظم النفوس تقصريا‬
‫ِف جنب هللا ‪ ،‬وتفرةطا وظلام لنفسه ‪َ،‬ل يزال ِف طاع‪،.‬ورفع‪ .‬وعلو‪ ،‬وهو َل يزال يرى نفسه ظاملا‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫الُكهل ‪ ،‬املؤمنون ُ‬
‫الُكهل ْجعوا بني‪:‬‬ ‫لنفسه‪،‬مقِصا ِف حق ربه س بحانه وتعاَل‪،‬وهذه يه صف‪ .‬املؤمنني ُ‬
‫اَلحسان ِف العمل‪،‬والشفق‪ .‬واخملاف‪ ،.‬ورؤة‪ .‬التقصري خبَلف غريمه عندمه تقصري ِف العمل وتفرةط ِف‬
‫حقرية‪،‬دساها َبَلنوب و‬
‫ه‬ ‫الطاع‪ ،.‬واجعاب و ُزهُو وغرور َبلنفس ‪ ،‬يكون مغرتا بنفسه معجبا هبا ويه نفس‬
‫مغرها َبلتفرةط ِف طاع‪ .‬الرب س بحانه وتعاَل‬

‫الش ْي َط يان]‬ ‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص يِف ي ْ‬


‫ِس ين ه‬
‫ون ُمقَيه ٌد‪َ ،‬و ََل‬ ‫ِس ين َشد ََواتي يه‪َ ،‬وقُ ُيو يد ه ََوا ُه‪ ،‬فَد َُو أَ يسريٌ َم ْس ُج ٌ‬ ‫ُس َش ْي َطا ين يه‪َ ،‬و ي ْ‬ ‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا‪ :‬أَ هن الْ َع ي َ‬
‫اِص دَائي ًما يِف أَ ْ ي‬
‫ِس َن أَضْ َي ُق يم ْن ي ْ‬
‫ِس ين الْد ََوى‪َ ،‬و ََل قَ ْيدَ أَ ْص َع ُب يم ْن قَ ْي يد‬ ‫ُس ُه أَ ْعدَى عَدُ ٍو َهلُ‪َ ،‬و ََل ي ْ‬ ‫َأ يس َري أَ ْس َوأُ َح ًاَل يم ْن أَ يس ٍري أَ َ َ‬
‫ون ُمقَيه ٌد؟ َو َك ْي َف َ ُْي ُطو خ ُْط َو ًة َوا يحدَ ةً؟‬‫اَّلل َوادله يار ْال يخ َر ية قَلْ ٌب َمأْ ُس ٌور َم ْس ُج ٌ‬ ‫الشد َْو ية‪ ،‬فَكَ ْي َف ي يَس ُري ا ََل ه ي‬ ‫ه‬
‫ِ‬
‫ُك َجا ين ٍب ي َِب َس يب قُ ُيو يد يه‪َ ،‬و َمث َ ُل الْقَلْ يب َمث َ ُل ه‬
‫الطائي ير‪ُ ،‬لكه َما عَ ََل ب َ ُعدَ َع ين‬ ‫ات يم ْن ُ ي‬ ‫َوا َذا قُييدَ الْقَلْ ُب َط َرقَ ْت ُه ْالفَ ُ‬
‫ات‬‫ات‪َ ،‬و ُلكه َما نَ َز َل ْاس تَ ْو َح َش ْت ُه ْالفَ ُ‬ ‫ْ ِالفَ ي‬
‫الش ْي َط ُان يذئْ ُب ْاَلن ْ َس يان»‬ ‫ةث‪ « :‬ه‬ ‫َو يِف الْ َح يد ي‬
‫ِ‬
‫ُسة َع ُ‪ .‬الْ َع َط يب‪ ،‬فَكَ َذا الْ َع ْبدُ ا َذا ل َ ْم يَ ُك ْن عَلَ ْي يه َحا يفظٌ يم َن ه ي‬
‫اَّلل‬ ‫يه ب َ ْ َني ياَلئ َ ياب َ ي‬ ‫َ‬ ‫الشا َة ال ه ييت ََل َحا يفظَ لَدَا َو ي‬ ‫َو َ ََ أَ هن ه‬
‫ِ‬
‫اَّلل يَبلته ْق َوى‪ ،‬فَد َييي يوقَاة َ ٌ‪َ .‬و ُجن ه ٌ‪َ ،.‬ح يصينَ ٌ‪ .‬ب َ ْينَ ُه َوب َ ْ َني يذئْ يب يه‪ََ َ ،‬‬
‫ون عَلَ ْي يه َحا يفظٌ يم َن ه ي‬ ‫فَ يذئْ ُب ُه ُم ْف َ يرت ُس ُه َو ََل بُده‪َ ،‬وان ه َما يَ ُك ُ‬
‫الشا ُة أَ ْق َر َب يم َن هالرا يعي ََكن َ ْت أَ ْس َ َْل يم َن ياَلئْ يب‪َ ،‬و ُلكه َما‬ ‫يه يوقَاة َ ٌ‪ .‬بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني ُع ُقوب َ ِ ي‪ .‬ادلُّ نْ َيا َو ْال يخ َر ية‪َ ،‬و ُلكه َما ََكن يَت ه‬
‫يَ‬
‫الشا ُة ا َذا قَ ُرب َ ْت يم َن هالرا يعي‪َ ،‬وان ه َما ةَأْخ ُُذ ياَلئْ ُب‬ ‫ون ه‬ ‫ب َ ُعدَ ْت َع ين هالرا يعي ََكن َْت أَ ْق َر َب ا ََل الْد َََل يك‪ ،‬فَأَ ْس َ ُْل َما تَ ُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه أَبْ َعدُ يم َن هالرا يعي‬ ‫الْقَ ياص َي َ‪ .‬يم َن الْغ َ يََن‪َ ،‬و ي َ‬
‫ُسعَ‪َ ،‬و ُلكه َما قَ ُر َب يم َن ه ي‬
‫اَّلل ب َ ُعدَ ْت َع ْن ُه‬ ‫ات ال َ ْي يه أَ ْ َ‬ ‫َوأَ ْص ُل َه َذا ُ يلك يه‪ :‬أَ هن الْقَلْ َب ُلكه َما ََك َن أَبْ َعدَ يم َن ه ي‬
‫اَّلل ََكن يَت ْالفَ ُ‬
‫ِ‬
‫ات‬ ‫ْالفَ ُ‬
‫اَّلل‪َ ،‬وبُ ْعدُ الْ َم ْع يص َي ي‪ .‬أَع َْظ ُم يم ْن بُ ْع يد‬ ‫َوالْ ُب ْعدُ يم َن ه ي‬
‫اَّلل َم َراتي ٌب‪ ،‬ب َ ْعضُ دَا أَ َش ُّد يم ْن ب َ ْع ٍض‪ ،‬فَالْغَ ْف َ ُةل تُ ْب يعدُ الْقَلْ َب َع ين ه ي‬
‫الْغَ ْف َ يةل‪َ ،‬وبُ ْعدُ الْبيدْ عَ ي‪ .‬أَع َْظ ُم يم ْن بُ ْع يد الْ َم ْع يص َي ي‪َ ،.‬وبُ ْعدُ يالنفَ ياق َو ي ْ‬
‫الِش يك َأع َْظ ُم يم ْن َذ ي َِل ُ يلك يه‬

‫وهذا أةضا فصل عظمي ِف بيان عقوَبت اَلنوب وعواقَبا الوخمي‪ .‬عَل العاِص‪ ،‬أن العاِص ةصبح دامئا ِف أُس‬
‫ش يطانه‪،‬وِسن شدوته‪،‬وقيود هواه‪،‬مكبل هبذه القيود اليت تاكثرت عليه‪ ،‬واش تد أمرها عليه‪ ،‬بسبب املعاِص‬
‫اليت مالت الْيا نفسه؛ لن ميل العبد اَل املعاِص هو بعد عن هللا س بحانه وتعاَل‪،‬وُك ما َكن هذا البعد عن‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫هللا َكن أبعد عن احلفظ‪،‬حفظ هللا هل‪،‬واذا َكن بعيدا عن هذا احلفظ ‪-‬حفظ هللا س بحانه وتعاَل‪ -‬هل تسلطت‬
‫عليه الش ياطني وتسلط عليه الهواء وتسلطت عليه الشدوات وأصبح مقيدا هبذه القيود‪ ،‬أسريا لدا قال ‪ :‬وَل‬
‫أسريا أسوأ حاَل من أس ٍري أُسه أعدى عد ٍو هل وهو الش يطان الرجمي وَل ِسن أضيق من ِسن الدوى وَل قيد‬
‫أصعب من قيد الشدوات‬
‫وصدق رمحه هللا‪ ،‬ليس هناك ِسن أضيق من ِسن الدوى‬
‫الشخص اَلي طغى عليه الدوى و َمَل نفسه‪ُْ َ ،‬ي ُج ُب ُه عن احلق و ُيول بينه وبني الددى ولكام جاء داعي‬
‫احلق‪ ،‬حال هواه بينه وبني هدى هللا ‪ ،‬هوى نفسه بينه وبني هدى هللا س بحانه وتعاَل‬
‫وَل قيد أصعب من قيد الشدوات‪ ،‬الشدوة هذه قيد خطري وبعض العصاة‪ ،‬قد ةدرك ِف فرتة من فرتات‬
‫عصيانه مرضة املعصي‪ .‬عليه وخاص‪ .‬املرضة ادلنيوة‪ .‬لش ياء يشاهدها ِف حصته‪ِ ،‬ف عافيته‪ِ ،‬ف أحواهل‪ِ ،‬ف‬
‫أموره‪ ،‬فيشاهد هو بنفسه مضارا للمعصي‪ ،.‬ومع ذِل قيد الشدوة جيعهل مع هذه املشاهدة اليت يراها‪ ،‬يس متر‬
‫ِف معاصيه؛ لن القيد لكام اش تد لكام يكون املرء‪ ،‬والعياذ َبهلل‪ ،‬مامتدَي ِف املعاِص واَلنوب‬
‫مسجون مقيد ؟‬
‫ٌ‬ ‫سور‬
‫قلب مأ ٌ‬
‫ةقول ابن القمي رمحه هللا‪ :‬فكيف يسري اَل هللا وادلار الخرة ٌ‬
‫كيف يكون ي‬
‫السري اذا َكن أَ يسري الش يطان وِف ِسن الشدوة و ِف قيد الدوى؟ كيف يسري اَل هللا ٌ‬
‫قلب هذه‬
‫حاهل ؟‬
‫هُث رضب مث ًَل ْجي ًَل والمثةل انفع‪ .‬ومفيدة ِف التوضيح وجتلي‪ِ .‬ف المور وبياَّنا‪ ،‬ةقول ‪ ":‬ومثل القلب مثل‬
‫الطائر‪ ،‬لكام عَ ََل‪ ،‬ب َ ُعدَ عن الفات ولكام نزل‪ ،‬احتوش ته الفات‬
‫لكهام عَ ََل‪ ،‬علوه بُعد يورفع‪ .‬وبُعد عن الفات‪ ،‬و لكام نزل احتوش ته الفات‬
‫ُث ذكر أةضً ا مثَل أخر للتوضيح‪ :‬قال‪ :‬وِف احلدةث ‪ ":‬الش يطان ذئب اَلنسان" وِف احلدةث الخر قال‬
‫عليه الصَلة والسَلم‪ ":‬امنا ةأُك اَلئب من الغَن القاصي‪ ،".‬وهذا ذكره عليه الصَلة والسَلم ِف حالي رجل‬
‫َكن بعيدا عن موطن وماكن تعلميه وبيانه عليه الصَلة والسَلم‪ ،‬فقال‪ :‬امنا ةأُك اَلئب من الغَن القاصي‪.‬‬
‫فاحلاصل أن العبد لكام َكن ِف كنف الطاع‪ .‬والعبادة والقرب من هللا س بحانه وتعاَل‪َ ،‬كن أسْل هل من هذا العدو‬
‫وأجنى هل من رشوره و كيده ومكره‪ ،‬ولكام غفل وابتعد تسلط عليه هذا العدو‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫اقرأ ِف هذا قول هللا س بحانه وتعاَل ‪َ ":‬و ْاس تَ ْف يز ْز َم ين ْاس تَ َط ْع َت يمْنْ ُم ب َيص ْوتي َك َوأَ ْج يل ْب عَلَْيْ يم ي َخب ْي ي َ‬
‫ْل َو َر يج ي َ‬
‫ْل‬
‫الش ْي َط ُان ا هَل غُ ُر ًورا (‪ )46‬ا هن يع َبا يدي لَيْ َس َ َِل عَلَْيْ ي ْم ُسلْ َط ٌان َو َكفَ ٰى‬ ‫َو َش يار ْكدُ ْم يِف ْ َال ْم َوالي َو ْ َال ْو ََل يد َو يعدْ ُ ْمه َو َما ة َ يعدُ ُ ُمه ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َرب َيك َو يك ًيَل"‬
‫وصده عن هدى اَّلل ولكام‬ ‫لكام َكن اَلنسان ِف كنف العبادة َكن ذِل أبعد هل وأسْل من كيد الش يطان ومكره ي‬
‫وحرز مكني ُيمي العبد من الش يطان الرجمي‬ ‫حصن حصني ٍ‬ ‫َكن أةضا حمافظا عَل ياَلكر هلل لكام َكن ِف ٍ‬
‫واَلمام ابن القمي رمحه هللا رضب مثَل أخر ِف أحد كتبه ‪َ ،‬ل أذكره الن َل أذكر الكتاب ‪ ،‬جعي ًبا للغاة‪ِ .‬ف تصوير‬
‫حال العبد مع الش يطان قال ‪:‬مكثل رجل معه قطع‪ .‬حلم ومن حوهل لكب جائع ةطوف به من هجاته لكدا ماذا‬
‫ةنتظر هذا الكب اجلائع؟‬
‫‪ -‬ةنتظر أدىن غفةل تكون من املرء فيخطف هذه اللحم‪ .‬واللحم‪ِ .‬ف هذا املثل اَلي رضبه يه مبثاب‪ .‬ادلين‪ ،‬والكب‬
‫مبثاب‪ .‬الش يطان﴿ ُ هُث َلتييَْنه ُم يمن ب َ ْ يني أَةْ يد يهي ْم َو يم ْن َخلْ يفدي ْم َو َع ْن أَةْ َماَّني ي ْم َو َعن َ َشائي يلدي ْم َو ََل َجتيدُ َأ ْك َ َرث ُ ْمه َشا يك ير َ‬
‫ين ﴾[ العراف‪:‬‬

‫‪ ]٦١‬ةأتيه من ُك هجاته خلطف هذا ادلين منه ولدذا ُيتاج العبد اَل أن ةعمق نفسه ِف ادلين حفاظا عليه ومتساك‬
‫به ورعاة‪ .‬هل ففي هذا السَلم‪ .‬من الش يطان وكيده أعاذان هللا س بحانه وتعاَل منه‬

‫ُسعَ‪َ ،‬و ُلكه َما قَ ُر َب يم َن ه ي‬


‫اَّلل ب َ ُعدَ ْت َع ْن ُه‬ ‫ات ال َ ْي يه أَ ْ َ‬
‫اَّلل ََكن يَت ْالفَ ُ‬ ‫َوأَ ْص ُل َه َذا ُ يلك يه‪ :‬أَ هن الْقَلْ َب ُلكه َما ََك َن أَبْ َعدَ يم َن ه ي‬
‫ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬وبُ ْعدُ الْ َم ْع يص َي ي‪ .‬أَع َْظ ُم م ْني‬ ‫ات َوالْ ُب ْعدُ يم َن ه ي‬
‫اَّلل َم َراتي ٌب‪ ،‬ب َ ْعضُ دَا أَ َش ُّد يم ْن ب َ ْع ٍض‪ ،‬فَالْغَ ْف َ ُةل تُ ْب يعدُ الْقَلْ َب َع ين ه ي‬ ‫ْالفَ ُ‬
‫بُ ْع يد الْغَ ْف َ يةل‪َ ،‬وبُ ْعدُ الْبيدْ عَ ي‪ .‬أَع َْظ ُم يم ْن بُ ْع يد الْ َم ْع يص َي ي‪َ ،.‬وبُ ْعدُ يالنفَ ياق َو ي ْ‬
‫الِش يك أَع َْظ ُم يم ْن َذ ي َِل ُ يلك يه‬

‫القلب لكام َكن أبعد من هللا ‪َ ،‬كنت الفات اليه أُسع والقلوب متفاوت‪ِ .‬ف بعدها عن هللا ‪ِ ،‬بسب العمل‬
‫اَلي ب َ ُعد به املرء عن هللا س بحانه وتعاَل فدناك بُعد سببه الغفةل ‪ ،‬وهناك بُعد سببه املعصي‪ ، .‬وهناك بُعد‬
‫سببه البدع‪ ، .‬وهناك بُعد سببه الِشك والكفر والنفاق وهذه ليست عَل درج‪ .‬واحدة لكدا تؤدي اَل بُعد‬
‫عن هللا لكن هذا البعد متفاوت ِبسب ما َكن من املرء وأشد ما يكون ال ُبعد عن هللا َبلكفر والِشك ُث ةليه‬
‫البدع‪ُ ، .‬ث املعصي‪ .‬ولدذا َكنت البدع أحب اَل الش يطان من املعصي‪ .‬والكفر أحب اليه مْنام؛ لن يه‬
‫مراتب بعضدا أشد من بعض‬
‫فكام َكن القلب أبعد عن هللا َكنت الفات اليه أُسع ولكام قرب من هللا بعدت عنه الفات؛ لنه يكون بقربه‬
‫من هللا ِف حصن حصني ﴿ ا هن يع َبا يدي لَيْ َس َ َِل عَلَْيْ ي ْم ُسلْ َط ٌ‬
‫ان ﴾[ احلجر‪]6٤ :‬‬
‫ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص ت ُ ْس يقطُ الْ َك َرا َم َ‪].‬‬


‫اَّلل أَتْقَ ُ ْ‬
‫امه‪َ ،‬وأَ ْق َرهبَ ُ ْم‬ ‫اَّلل َو يع ْندَ َخلْ يق يه‪ ،‬فَا هن َأ ْك َر َم الْ َخلْ يق يع ْندَ ه ي‬ ‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا‪ُ :‬س ُق ُوط الْ َجا يه َوالْ َم ْ يْن َ يةل َو ْال َك َرا َم ي‪ .‬يع ْندَ ه ي‬
‫ِ‬
‫ون َ ُهل َم ْ يْنل َ ُت ُه يع ْندَ ُه‪ ،‬فَا َذا َع َصا ُه َو َخال َ َف أَ ْم َر ُه َسقَطَ يم ْن َع ْيني يه‪،‬‬ ‫يمنْ ُه َم ْ يْن َ ًةل أَ ْط َو ُعدُ ْم َهلُ‪َ ،‬وعَ ََل قَدْ ير َطاعَ ي‪ .‬الْ َع ْب يد تَ ُك ُ‬
‫ِ‬
‫وب يع َبا يد يه‪َ ،‬وا َذا ل َ ْم ة َ ْب َق َ ُهل َجا ٌه يع ْندَ الْ َخلْ يق َوه ََان عَلَْيْ ي ْم عَا َملُو ُه عَ ََل َح ْس يب َذ ي َِل‪ ،‬فَ َع َاش بَيْْنَ ُ ْم‬ ‫فَأَ ْسقَ َط ُه يم ْن قُلُ ي‬
‫َ َ ٍ ي َ يْ ِ‬
‫ُس َور‪ ،‬فَا هن ُ ُُخو َل ياَل ْك ير‬ ‫‪،‬سا يقطَ الْقَدْ ير‪َ ،‬ز ير هي الْ َحالي ‪ََ ،‬ل ُح ْر َم َ‪ُ َ .‬هل َو ََل فَ َر َح َ ُهل َو ََل ُ ُ‬ ‫أ ْس َوأ عَيْش خَامل اَلك ير َ‬
‫ِ‬
‫ُس َور َم َع ُه َو ََل فَ َر َح‪َ ،‬وأَ ْي َن َه َذا ْ َالل َ ُم يم ْن َ هَل ية الْ َم ْع يص َي ي‪ .‬ل َ ْو ََل‬ ‫ُك َ ٍغ َو َ ٍمه َو َح َز ٍن‪َ ،‬و ََل ُ ُ‬ ‫وط الْقَدْ ير َوالْ َجا يه َم َع ُه ُ ُّ‬ ‫َو ُس ُق َ‬
‫ُس ْك ُر ه‬
‫الشد َْو ية؟‬
‫اَّلل عَ ََل الْ َع ْب يد‪ :‬أَ ْن يَ ْرفَ َع َ ُهل ب َ ْ َني الْ َعالَ يم َني يذ ْك َر ُه‪َ ،‬وةُ ْع ييل قَدْ َر ُه‪َ ،‬و يلدَ َذا خ هَص أَنْ يبيَ َاء ُه َو ُر ُس َ ُهل يم ْن َذ ي َِل‬ ‫َو يم ْن أَع َْظ يم ين َع يم ه ي‬
‫وب أُ يويل ْ َالةْ يدي َو ْ َالبْ َص يار ‪ -‬اانه أَ ْخلَ ْصنَ ُ ْ‬
‫امه‬ ‫يب َما لَيْ َس يلغ ْ يَري ي ْمه‪ ََ َ ،‬قَا َل تَ َع َاَل‪َ { :‬و ْاذ ُك ْر يع َبادَانَ ابْ َرا يه َمي َوا ْْس ََاق َوة َ ْع ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خبا يل َص ٍ‪ .‬يذ ْك َرى ادله يار} ُ[س َور ُة ص ‪]64 - :69‬‬ ‫يَ‬
‫ون يب يه يِف َه يذ يه ادله يار‪َ ،‬وه َُو يل َس ُان ال يصدْ يق ه ياَلي َسأَ َ ُهل‬ ‫امه ي يخب يص َيص ٍ‪َ ،.‬وه َُو ياَل ْك ُر الْ َج يمي ُل ه ياَلي ة ُ ْذكَ ُر َ‬ ‫َأ ْي‪ :‬خ ََص ْصنَ ُ ْ‬
‫ين} ُ[س َور ُة الشُّ َع َرا يء‪]46 :‬‬ ‫الس ََل ُم َح ْي ُث قَا َل‪َ { :‬و ْاج َع ْل ييل يل َس َان يصدْ ٍق يِف ْال يخ ير َ‬ ‫الص ََل ُة َو ه‬ ‫ا ْب َرا يه ُمي الْ َخ يلي ُل عَلَ ْي يه ه‬
‫ِ‬
‫ان يصدْ ٍق عَ يل ًّيا} ُ[س َور ُة َم ْر َ ََي‪]9٠ :‬‬ ‫َوقَا َل ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل َع ْن ُه َو َع ْن ب َ يني يه‪َ { :‬و َو َه ْبنَا لَدُ ْم يم ْن َر ْ َمحتينَا َو َج َعلْنَا لَدُ ْم يل َس َ‬
‫َوقَا َل يلنَب ييي يه ‪ -‬ﷺ ‪َ { :‬و َرفَ ْعنَا َ َ‬
‫ِل يذ ْك َركَ } ُ[س َور ُة ه ْ‬
‫الِشحي‪]6 :‬‬

‫ُك َم ْن خَال َ َفدُ ْم فَان ه ُه ب َ يعي ٌد يم ْن َذ ي َِل‬


‫يب يم ْن َذ ي َِل ي َِب َس يب يم َرياِثي ي ْم يم ْن َطا َعهتي ي ْم َو ُمتَاب َ َعهتي ي ْم‪َ ،‬و ُ ُّ‬ ‫فَأَتْ َبا ُع ُّالر ُس يل لَدُ ْم ن يَص ٌ‬
‫ِ‬
‫ي َِب َس يب ُمخَالَفَهتي ي ْم َو َم ْع يص َيهتي ي ْم‬

‫مثلام قال هللا تعاَل‪ ﴿ :‬ا هن َشا ينئَ َك ه َُو ْ َالبْ َ ُرت ﴾ [ الكوثر‪ ]٣ :‬ةعين أبرت اَلكر بل َل ةذكر اَل َبلقبيح خبَلف أهل‬
‫ِ‬
‫طاع‪ .‬هللا س بحانه وتعاَل هذا أةضا من العقوَبت عقوَبت املعاِص سقوط اجلاه واملْنةل والكرام‪ .‬عند هللا‬
‫س بحانه وتعاَل وعند خلقه؛ لن الطاع‪ .‬تزةد من كرام‪ .‬العبد عند هللا " ان أكرمَك عند هللا اتقامك "‬
‫فكرام‪ .‬العبد عند هللا تزةد ِبسب تقواه وطاعته لربه وموَله ُك ما ازداد طاع‪ .‬هلل زادت كرامته ومْنلته‬
‫وماكنته عند هللا س بحانه وتعاَل (وعَلقته بطاعته لربه)‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫دس نفسه وحقرها ودنسدا َبَلنوب سقط من هذا القدر وسقط من هذه املاكن‪.‬؛ لنه حقر نفسه‬ ‫واذا ه‬
‫َبملعاِص واذا سقط جاهه ومْنلته وكرامته عند هللا س بحانه وتعاَل سقطت أةضا عند اخللق كام هو الشاهد‬
‫ِف احلدةث اَلي مر معنا‪ (( :‬اذا ابغض هللا العبد اندى جَبةل اّن ابغض فَلان فيبغضه جَبةل ُث ةنادي‬
‫جَبةل ِف السامء ان هللا ةبغض فَلان فابغضوه ُث جيعل هل البغضاء ِف الرض )) فاذا سقط ماكنه ومْنلته عند‬
‫هللا س بحانه وتعايل أةضا تسقط ماكنته عند خلقه والكرم عند هللا التقى والقرب منه الطوع هل س بحانه‬
‫وتعاَل ولدذا قال عليه الصَلة والسَلم ‪ (( :‬اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ))‬
‫وِف احلدةث قال‪ ((:‬من ذكرّن ِف نفسه ذكرته ِف نفيس ومن ذكرّن ِف مَل ذكرته ِف مَل خري منه وما تقرب‬
‫شَبا اَل تقربت منه ذراعًا‪ ، ))،،‬لكام َكن أعظم تقرب اَل هللا س بحانه وتعاَل لكام َكن اقرب اَل‬
‫ايل عبدي ً‬
‫هللا فبالطاع‪ .‬يزداد القرب وَبملعصي‪ .‬ةبعد عن هللا ويسقط ماكنه‪ ،‬وقدره بسبب هذه املعاِص‬
‫وقول املصنف رمحه هللا‪ :‬فاذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه أي من عني هللا وهذه العبارة أةضا مرت‬
‫معنا عند املصنف ِف موطن مىض‬
‫وقد س ئل الش يخ ابن عثميني رمحه هللا عن حص‪ .‬اس تعامل مثل هذه العبارة فقال ما ملخصه‪ :‬هذه العبارة يرةد‬
‫العرب هبا أن اَلنسان ق هل شأنه وأمره عند هللا هذا مراد العرب هبا ةعين مس تعمةل لدذا الغرض‬
‫ولدذا هناك عند العرب لكامت وتس تعمل عندمه وظاهرها غري مراد َل ةقصدونه ةعين مثَل وةأِت أةضا ِف بعض‬
‫الحادةث‪ " :‬فاظفر بذات ادلين تربت ةداك " تربت ةداك ةعين من الفقر ‪َ-‬لمست الرتاب من شدة الفقر‪-‬‬
‫َل ةقصدون ادلعاء عليه بذِل ‪ ،‬وقول النِ ﷺ ملعاذ‪ " :‬ثكتك أمك "‬
‫ما ةقصدون ادلعاء بذِل فاس تعامل العرب لدذه الكم‪ .‬سقط من عني هللا‪ ،‬أي قل شأنه وماكنته هذا هو‬
‫املراد هبذه الكم‪.‬‬
‫ةقول الش يخ عقب ذِل ‪ :‬واذا عُرف املراد ومل يكن فيه التباس بأي حال من الحوال فَل بأس َبلتعبري به ‪،‬‬
‫واذا وقفنا عَل اس تعامل ملثل هذا اللفظ عند أمئ‪ .‬كبار فَل محمهل اَل عَل امحممل املعروف عند العرب ِف‬
‫اس تعامل هذه الكم‪ .‬فَل يكون ِف المر التباس حينئذ أو اشتباه‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم ْع يص َي ُ‪َ .‬م ْجلَ َب ٌ‪ .‬لي هذل يم]‬


‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫اس الْ ُم ْؤ يم ين‪،‬‬ ‫الِش يف‪َ ،‬وتَ ْك ُسو ُه أَ ْ َْس َاء ا هَل يم َو ه‬
‫الصغ يَار‪ ،‬فَت َ ْسلُ ُب ُه ْ َ‬ ‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا‪ :‬أََّنه َا ت َ ْسلُ ُب َصا يحَبَ َا أَ ْ َْس َاء الْ َمدْ حي َو ه َ‬
‫الصا يل يح‪َ ،‬والْ َعا يب يد‪َ ،‬والْخَائي يف‪َ ،‬و ْ َال هو ياب‪،‬‬‫يب‪َ ،‬والْ َو ي ييل‪َ ،‬والْ َو يرعي‪َ ،‬و ه‬ ‫َوالْ َ يَب‪َ ،‬والْ ُم ْح يس ين‪َ ،‬والْ ُمته يقي‪َ ،‬والْ ُم يطيعي‪َ ،‬والْ ُمني ي‬
‫الطي ييب‪َ ،‬والْ َم َر ي ي‬
‫ض َو َ ْمح يوهَا‬ ‫َو ه‬
‫الس يار يق‪،‬‬‫ُوط‪َ ،‬و هالز ياّن‪َ ،‬و ه‬ ‫ييث‪َ ،‬والْ َم ْسخ ي‬‫اس الْفَ ياج ير‪َ ،‬والْ َع ياِص‪َ ،‬والْ ُمخَا يل يف‪َ ،‬والْ ُم ييس يء‪َ ،‬والْ ُم ْف يس يد‪َ ،‬والْ َخب ي‬ ‫َوتَ ْك ُسو ُه ْ َ‬
‫َوالْقَاتي يل‪َ ،‬والْ َاك يذ يب‪َ ،‬والْخَائي ين‪َ ،‬واللُّو يط يي‪َ ،‬وقَا يطع ي هالر يح يم‪َ ،‬والْغَا يد ير َوأَ ْمث َا يلدَا‬
‫ادلهَي ين‪َ ،‬و ُدخُو َل‬ ‫س الْ ُف ُس ُوق ب َ ْعدَ ْاَلمي َ يان} ُ[س َور ُة الْ ُح ُج َر يات‪ ]٦٦ :‬ه ياَلي ة ُ ي‬
‫وج ُب غَضَ َب ه‬ ‫وق َو { يبئْ َس ياَل ْ ُ‬ ‫فَدَ يذ يه أَ ْ َْسا ُء الْ ُف ُس ي‬
‫ِ‬
‫يالن َري يان‪َ ،‬وعَيْ َش الْ يخ ْز يي َوالْد ََو يان‬
‫رش َف الْ ُم َس همى هبي َا عَ ََل َسائي ير َأن َْواعي ْاَلن ْ َس يان‪ ،‬فَلَ ْو‬ ‫ُوج ُب َ َ‬ ‫ُوج ُب يرضَ َاء هالر ْ َمح ين‪َ ،‬و ُد ُخو َل الْجي نَ يان‪َ ،‬وت ي‬ ‫ْل أَ ْ َْسا ٌء ت ي‬ ‫َوتي ْ َ‬
‫ِ‬
‫وجبَاِتي َا لَ َاك َن يِف الْ َع ْق يل انَ ٍه َعْنْ َا‪َ ،‬ول َ ْو ل َ ْم يَ ُك ْن يِف ثَ َو ياب‬ ‫ل َ ْم يَ ُك ْن يِف ُع ُقوب َ ي‪ .‬الْ َم ْع يص َي ي‪ .‬ا هَل ْاس يت ْحقَ ُاق تي ْ َ‬
‫ْل ْ َال ْ َْسا يء َو ُم ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ْل ْ َال ْ َْساء َو ُموجبَاِتي َا لاك َن ِف ال َعق يل أم ٌر هبي َا‪َ ،‬ولك ْن َل َمان َع ل َما أعْطى ه ُ‬
‫اَّلل‪َ ،‬و ََل ُم ْع يط َي ل َماي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الطاعَ ي‪ .‬ا هَل الْفَ ْو ُز يبتي ْ َ‬
‫ه‬
‫ِ‬
‫ل َما يَشَ ا ُء} ُ[س َور ُة‬ ‫َمنَ َع‪َ ،‬و ََل ُمقَ ير َب يل َما ََبعَدَ‪َ ،‬و ََل ُم ْب يعدَ يل َم ْن قَ هر َب‪َ { ،‬و َم ْن هيُ ي ين ا ه َُّلل فَ َما َ ُهل يم ْن ُم ْك ير ٍم ا هن َه‬
‫اَّلل ة َ ْف َع ُ‬
‫ِ‬ ‫الْحج‪]٦4 :‬‬
‫َ ي‬

‫وهذه كذِل من عقوَبت اَلنوب أَّنا تسلب صاحَبا أسامء الِشف‪ :‬املؤمن‪ ،‬املطيع ‪ ،‬الصاحل ‪ ،‬القانت ‪،‬‬
‫املنيب‪ ،‬التائب‪ ،‬اَل غري ذِل من أسامء الِشف العظمي‪ .‬وتكسوه أسامء الفسوق‪ :‬الفاجر‪ ،‬الزاّن ‪ ،‬العاِص‪،‬‬
‫السارق‪ ،‬اخلبيث‪ ،‬اَل غري ذِل من السامء اليت يه من جناَيت معصيته لَم تصبح هذه أسامء هل وصفات هل‬
‫اَل بسبب معاصيه “ةداك أوكتا وفوك نفخ”‬
‫يه مل تصبح أسامء هل وصفات هل اَل جبناةته هو اَلي جنا عَل نفسه جفر وَل ةقول أان َل أقبل هذه‬
‫الوصاف وَل أرضاها هو اَلي جعلدا صفات لنفسه وكسا نفسه هذه الصفات‪ ،‬وليس املعَن هنا أن من عُْل‬
‫عنه َش من هذه املعاِص ةنادى هبا وامنا أصبحت هذه صف‪ .‬هل بدل أن َكنت صفاته صفات الِشف‬
‫أصبحت هذه صفات هل ‪ ،‬بدل أن َكن هل أسامء الِشف‪ :‬املؤمن ‪،‬الَب‪ ،‬امحمسن‪ ،‬املتقي‪ ،‬املطيع‪ ،‬املنيب‪ ،‬الويل‬
‫‪ ،‬الورع ‪ ،‬الصاحل ‪،‬العابد ‪ ،‬اخلائف‪ ،‬القانت تكسوه أسامء‪ :‬الفاجر ‪ ،‬و العاِص ‪ ،‬واخملالف ‪ ،‬وامليسء ‪،‬‬
‫س الْ ُف ُس ُوق ب َ ْعدَ‬
‫واملفسد‪ ،‬واخلبيث ‪ ،‬واملسخوط‪ ،‬تتحول حاهل اَل هذه السامء وهللا تعاَل ةقول‪ ﴿ :‬يبئْ َس ياَل ْ ُ‬
‫ْاَلمي َ ي‬
‫ان ﴾ [احلجرات‪]٦٦ :‬‬
‫ِ‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والعشرون‬

‫أسامء الطاع‪ .‬اذا َكن من أهلدا أوجبت هل رضا هللا والفوز بثوابه‪ ،‬وأسامء الفسوق اذا َكن من أهلدا‪ ،‬أوجبت‬
‫هل خسط هللا س بحانه وتعاَل وهذا كام تقدم من التدس ئ‪ .‬للنفس والتحقري لدا واَلهان‪َ ﴿ .‬و َمن هيُ ي ين اللهـ ُه فَ َما َ ُهل‬
‫يمن ُّم ْك ير ٍم ﴾ [ احلج‪]٦4 :‬‬

‫نسال هللا الكرَي رب العرش العظمي أن ةصلح أحوالنا وأحوال املسلمني ‪ ،‬وأن يردان اليه ردا ْجيَل ‪ ،‬وأن‬
‫ةنفعنا أْجعني مبا علمنا ‪ ،‬وأن يزةدان علام وهدى وتوفيقا ‪ ،‬وأَل يكنا اَل أنفس نا طرف‪ .‬عني ‪ ،‬وأن ةغفر لنا‬
‫ولوادلةنا واملسلمني واملسلامت واملؤمنني واملؤمنات الحياء مْنم والموات اللدم أت نفوس نا تقواها ‪ ،‬وزكدا‬
‫أنت خري من زَكها ‪ ،‬أنت ولْيا وموَلها اللدم اان نسأِل الددى والتقى والعف‪ .‬والغَن اللدم اقسم لنا من‬
‫خشيتك ما ُيول بيننا وبني معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقني ما ِتون به علينا مصائب‬
‫ادلنيا اللدم متعنا بأسامعنا وأبصاران وقوتنا ما أحييتنا واجعهل الوارث منا واجعل ثأران عَل من ظلمنا وانِصان‬
‫عَل من عاداان وَل جتعل مصيبتنا ِف دةننا وَل جتعل ادلنيا اكَب مهنا وَل مبلغ علمنا وَل تسلط علينا من َل‬
‫يرمحنا س بحانك اللدم وِبمدك أشدد أن َل اهل اَل أنت أس تغفرك وأتوب اليك اللدم صل وسْل عَل عبدك‬
‫ورسوِل نبينا محمد وأهل وحصبه‬
‫اضغط عَل الرابط لَلشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم ْع ِص َي ُة تُ َؤ ِث ُر ِِف الْ َع ْق ِل]‬


‫َو ِم ْن ُع ُق َوَبِتِ َا‪ :‬أََّنه َا تُ َؤ ِث ُر َِبلْخ هَاص ِة ِِف ن ُ ْق َص ِان الْ َع ْق ِل‪ ،‬فَ ََل ََتِدُ عَا ِقلَ ْ ِْي أَ َحدُ ُ َُها ُم ِطي ٌع ِ ه ِّلِل َو ْالآخ َُر عَ ‪،‬اٍ‪ ،‬ا هَّ َو َع ْق ُل‬
‫ل‬
‫الص َو ُاب قَ ِري ُنهُ‪.‬‬
‫َص‪َ ،‬و َرأْي ُ ُه أَ َسدُّ‪َ ،‬و ه‬ ‫الْ ُم ِطيع ِ ِمْنْ ُ َما أَ ْوفَ ُر َو َأ ْْكَ ُل‪َ ،‬و ِف ْك ُر ُه أَ َ ُّ‬
‫ون َي أل ِو ي ْ َاللْ َا ِاب} ُ[س َور ُة الْ َاقَ َر ِة‪، ]197 :‬‬ ‫اب الْ ُق ْرأ آ ِن ان ه َما و َُو َم َع أل ِو ي الْ ُع ُقو ِ َو ْ َاللْ َا ِاب‪َ ،‬ققَ ْو ِ ِِه‪َ :‬وات ه ُق ِ‬ ‫َو ِلهَ َذا ِندُ ِخ َط َ‬
‫ل‬
‫اب} ُ[س َور ُة‬ ‫ون} ُ[س َور ُة الْ َمائِ َد ِة‪َ ، ]100 :‬وقَ ْو ِ ِِه‪َ :‬و َما ي َ هذقه ُر ا هَّ ألولُو ْ َاللْ َا ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫ُك‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫اب‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اّلِل َي أل ِو ي َ َ‬
‫ل‬‫ال‬ ‫ْ‬ ‫َوقَ ْو ِ ِِه‪ :‬فَات ه ُقوا ه َ‬
‫ل‬
‫الْ َاقَ َر ِة‪َ ، ]269 :‬ون ََظائِ ُر َذ ِ َِل َق ِث َريةٌ‪.‬‬
‫ون عَا ِق اَل َوا ِف َر الْ َع ْق ِل َم ْن ي َ ْع ِِص َم ْن و َُو ِِف قَ ْبضَ ِت ِه َو ِِف د َِار ِه‪َ ،‬وو َُو ي َ ْع َ َُل أَن ه ُه يَ َرا ُه َوي ُشَ ا ِودُ ُه فَ َي ْع ِصي ِه‬ ‫َوقَ ْي َف يَ ُك ُ‬
‫ُك َو ْق ‪،‬ت غَضَ َا ُه عَلَ ْي ِه‪َ ،‬ولَ ْعنَ ُه َِهُ‪،‬‬ ‫َوو َُو ِب َع ْينِ ِه غَ ْ ُري ُمتَ َو ‪،‬ار َع ْنهُ‪َ ،‬وي َْس تَ ِع ُْي ِب ِن َع ِم ِه عَ ََل َم َسا ِخ ِط ِه‪َ ،‬وي َْس تَدْ ِعي ُ ه‬
‫وط ُه ِم ْن‬ ‫َوابْ َعا َد ُه ِم ْن قُ ْ ِرب ِه‪َ ،‬و َط ْر َد ُه َع ْن ََب ِب ِه‪َ ،‬واع َْراضَ ُه َع ْنهُ‪َ ،‬و ِخ ْذ ََّن َ ُه َِهُ‪َ ،‬والته ْخ ِل َي َة بَيْنَ ُه َوب َ ْ َْي ن َ ْف ِس ِه َوعَدُ ِو ِه‪َ ،‬و ُس ُق َ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وح ِرضَ ا ُه َو ُحبههُ‪َ ،‬وقُ هر َة الْ َع ْ ِْي ِب ُق ْ ِرب ِه‪َ ،‬والْفَ ْو َز ِِب َِو ِار ِه‪َ ،‬والنه َظ َر ا ََل َو ْ ِْج ِه ِِف ُز ُم َر ِة أَ ْو ِل َيائِ ِه‪ ،‬ا ََل‬ ‫َع ْينِ ِه‪َ ،‬و ِح ْر َمان َ ُه ُر َ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫الطاعَ ِة‪َ ،‬وأَضْ َع ِاف أَضْ َع ِاف َذ ِ َِل ِم ْن ُع ُقوب َ ِة أَو ِْل الْ َم ْع ِص َي ِة‪.‬‬ ‫أَضْ َع ِاف أَضْ َع ِاف َذ ِ َِل ِم ْن قَ َرا َم ِت ِه َأ ْو َل ه‬
‫فَأَ ُّي َع ْق ‪،‬ل ِل َم ْن أآث ََر َ هل َة َساعَ ‪،‬ة َأ ْو ي َ ْو ‪،‬أ َأ ْو َد ْو ‪،‬ر‪ ُ ،‬ه َّ تَ ْنقَ ِ َ َََّنه َا ُح ْ ٌَل ل َ ْي يَ ُك ْن‪ ،‬عَ ََل َو َذا النه ِع ِ الْ ُم ِق ِ‪َ ،‬والْ َف ْو ِز‬
‫الْ َع ِظ ِ؟ ب َ ْل و َُو َس َعا َد ُة ادلُّ نْ َيا َو ْال آ ِخ َر ِة‪َ ،‬ول َ ْو ََّ الْ َع ْق ُل ه ِالي تَ ُقو ُأ ِب ِه عَلَ ْي ِه الْ ُح هج ُة لَ َك َن ِب َم ْ ِْ َ َِل الْ َم َجا ِنْيِ ‪ ،‬ب َ ْل قَدْ‬
‫ون الْ َم َجا ِن ُْي أَ ْح َس َن َح ااَّ ِمنْ ُه َوأَ ْس َ ََل عَا ِق َب اة‪ ،‬فَهَ َذا ِم ْن َو َذا الْ َو ْج ِه‪.‬‬
‫ت ُك ُ‬

‫بسي هللا الرمحن الرح ‪ ،‬امحلد هلل رب العاملْي ‪ ،‬وأشهد أن َّ اِه اَّ هللا ‪ ،‬وحده َّ رشيك ِه ‪ ،‬وأشهد أن محمداا‬
‫عاده ورسوِه ﷺ وعَل أِه وأحصابه أمجعْي‪ ...‬اللهي اّن نسأِل ي ربنا بأسامئك احلس ىن وصفاتك العليا ‪ ،‬أن‬
‫َتعل وذا الي نتعلمه من عواقب النوب معونة لنا عَل اخلَلٍ مْنا‪ ،‬واجعهل جحة لنا ي ربنا َّ علينا ‪ ،‬وأجعهل‬
‫لنا من ال ِعَل النافع الي نرتفع به ‪ ،‬وننتفع ي يح ي قيوأ ي ذا اجلَل واَّكراأ ي رب العاملْي‪ ,‬أما بعد‪...‬‬
‫فَل يزا اَّماأ ابن الق ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬يذكر من عواقب النوب وأرضاروا الوخمية عَل العايص‪ ،‬ما وو معونة‬
‫عَل العاد عَل احلذر من النوب وجمانبهتا‪ ،‬واحلذر من الوقوع فهيا ِل ِعظي مضاروا عَل العصاة ِف ادلنيا والآخرة وأن‬
‫خريا بل َتلب هلي أنواع املضار ‪ ،‬وأنواع العقوَبت‪ ،‬والعواقب الوخمية ِف ادلنيا‬ ‫وذه املعايص َّ َتلب للناس ا‬
‫والآخرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫وقام عرفنا اَّماأ ابن الق ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬هفصل ِف وذه العواقب والعقوَبت تفصي اَل واسع اا ‪ ،‬ن ُصح اا منه‪ -‬رمحه هللا‬
‫خطاروا وأرضاروا وعواقهبا الوخمية‪ ،‬وقد جعل هللا س احانه وتعاَل وذا الايان الي‬ ‫تعاَل‪ -‬وحتذير اا من النوب وأ ِ‬
‫يسه لهذا اَّماأ‪-‬رمحه هللا‪ِ -‬ف قتابه "ادلاء وادلواء" معونة لكثري من الناس عَل التوبة الصادقة النصوح اَل هللا‬
‫س احانه وتعاَل؛ لَّني قرءوا ِف وذا الكتاب ما حيرك القلوب حتريك عظامي للحذر من النوب واتقاهئا؛ لن النفس‬
‫عظي ادراكها بأخطار النوب وأرضاروا لكام اكن ذِل معونة عَل الفكك مْنا واخلَلٍ من الوقوع فهيا‪.‬‬ ‫لكام ُ‬
‫قا ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ِ -‬ف عده لعواقب النوب‪ ،‬ومن عقوَبِتا أَّنا تؤثر َبخلاصة ِف نقص العقل‪ ،‬تؤثر تأثري اا ِف العقل‬
‫بنقصه‪ ،‬ووذا التأثري عَل العقل َبلنقص والضعف يكون حبسب متادي العاد ِف النب واملعصية‪ ،‬وتنوع وقوعه فهيا‬
‫فانه لكام ازدادت املعايص لكام اكن ذاك من أس ااب ضعف عقهل‪ ،‬بل رمبا تلف العقل وضياعه؛ لن املعايص اذا وقع‬
‫فهيا املرء ملت فكره بسموأ هملكة‪ ،‬ومرضة‪ ،‬واكنت قام مر معنا ِف احلديث ُك معصية تتسبب ِف نكت ‪،‬ة سوداء‬
‫عَل قلاه اَل أن يصل َبزديده من النوب اَل درجة هالران‪ ،‬اليت يه تغطية عَل القلب‪,‬واذا اكن ِف ازيد من‬
‫النوب اكن ِف ازيد من نقص عقهل وضعف فكره‪ ،‬ورأيه‪ ،‬وفهمه‪،‬‬
‫وقد أشار ابن الق ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬أنك َّ َتد عاقلْي أحدوام مطيع هلل والآخر ‪،‬‬
‫عاٍ هلل س احانه وتعاَل‪ ،‬اَّ‬
‫والو أوفر عق اَل من الآخر‪ ،‬بل ونا أيض اا ملحظ همي جد اا أن الو الي وو املطيع هلل ‪ -‬س احانه وتعاَل‪ -‬رب‬
‫العاملْي جل وعَل ي ُسدده ِف عقهل وفهمه ونظره وتأمهل ِف المور مثل ما جاء ِف احلديث القديس العظ ‪ َّ ( :‬يزا‬
‫عادي يتقرب ا ي َبلنوافل حىت أحبه‪ ،‬فاذا أحباته قنت مسعه الي يسمع به‪ ،‬وبرصه الي يارص به‪ ،‬ويده اليت‬
‫ياطش هبا‪ ،‬ورجهل اليت مييش علهيا )‪.‬‬
‫فاَّزديد من الطاعة والتقرب اَل هللا س احانه وتعاَل وو وفور ِف العقل والفهي؛ لن العاد َّ يزا حيظى مع الطاعة‬
‫بتسديد هللا ِه‪ ،‬وتوفيقه‪ ،‬والعاد أيضا ِف طاعته هلل َّ يزا مس تعْي بربه‪ ،‬طالاا ودايته وتوفيقه‪ ،‬ملا قا عيل ‪-‬ريض‬
‫هللا عنه‪ -‬للنيب ﷺ علمين دعاء أدعو هللا به‪ ،‬قا ‪ :‬قل‪ :‬اللهي اودين وسددين‪.‬‬
‫فاحلاصل أن‪ :‬املطيع هلل مؤيد بتأييد هللا‪ ،‬ومسدد مبعونة وتوفيق من هللا س احانه وتعاَل فامي يأيت ويذر‪ ،‬أضف اَل‬
‫ذِل أن املطيع هلل س احانه وتعاَل اذا التبست عليه المور وضاق عليه الفهي لها وَّ يدري ول اخلري ِه ِف اَّقداأ أو‬
‫تخري هللا س احانه وتعاَل‪ ،‬بعلمه ويس تقدره بقدرته ويسأِه من فضهل ويفوض أمره اَل هللا –س احانه و‬
‫اَّجحاأ فانه يس ُ‬
‫تعاَل –مفا أعظي وفور العقل لطاعة هللا وما أحرى املطيع َبلتسديد والتوفيق والتأييد من هللا –س احانه وتعاَل‪ِ -‬ف‬
‫أموره لكها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫‪ -‬أما املعايص –والعياذ َبهلل‪ -‬فاَّنا َّ َتلب للعاد اَّ العواقب الوخمية‪ ,‬ومن ذلُك ضياع عقهل‪ ,‬ولهذا وو مع‬
‫املعايص أقرب منه اَل الطيش‪ ,‬والاندفاع والهتور‪ ,‬والعجةل‪ ,‬وعدأ املااَّة‪ ,‬وعدأ النظر ِف العواقب‪ ,‬وذه لكها‬
‫أمور حتتف َبملعصية بل َتلهبا املعصية خبَلف الطاعة اليت تودل عقَل و أّنة ورفقا و نظرا ِف العواقب و تأني اا‬
‫ففرق بْي املطيع هلل –س احانه‬‫ِف المور وسؤالا هلل واس تخارة ِه اَل غري ذِل الآاثر اليت َتلهبا الطاعات‪ٌ ,‬‬
‫وتعاَل –والعايص مثل ما قا ابن الق ‪ " :‬فان املطيع أوفر‪ ،‬و أْكل‪ ،‬وفكره أَص‪ ،‬ورأيه أسد‪ ،‬والصواب‬
‫قرينه‪ َّ ،‬حتدث –رمحه هللا‪ -‬عن العايص ‪،‬‬
‫فقا ‪ " :‬كيف يكون عاقَل وافر العقل من يعِص من وو ِف قبضته وِف داره ووو يعَل أنه يراه ويشاوده‬
‫فيعصيه ووو بعينه غري متو ‪،‬ار عنه "‬
‫ولهذا مما يؤثَر أن أحد الشخاٍ جاء اَل أحد أمئة السلف ونفسه متحرقة ِف معصية من املعايص يريد أن‬
‫يفعلها‪.‬‬
‫فقا ِه ذِل العا ِلي ‪ :‬افعل وذه املعصية افعلها َّ حرج عليك لكن َّ تس تعمل ِف وذه املعصية أي نعمة من‬
‫نعي هللا عليك ‪ َّ ,‬تس تعمل أي نعمة ما يليق بك أن تعِص هللا وأنت تس تعمل نعي هللا‪ ,‬فَل تس تعمل أي‬
‫نعمة من نعي هللا‪.‬‬
‫قا ِه‪ُ :‬ك ما يب من هللا‬
‫قا ِه‪ :‬اذن أمر أآخر‪ ,‬افعلها لكن اذوب ِف مكن َّ يراك هللا فيه‬
‫قا ‪ :‬كيف يكون وذا ؟ أين ما أكون يراين هللا !‬
‫وذا املعىن وو الي يذكره ابن الق –رمحه هللا –؛ لن وذا فعَل ملها يس تحرضه املرء يكون معه عَل معونة‬
‫عَل اخلَلٍ من املعايص‪ ،‬كيف يكون عاقل؟ و وو يعِص هللا –س احانه وتعاَل‪ -‬بنعي هللا عليه‪ ,‬مس تعم اَل‬
‫نعي هللا ِف مساخط هللا‪ ,‬وذا ليس من العقل وَّ من احلمكة فيقو ‪ ":‬كيف يكون عاقَل وافر العقل من‬
‫يعِص من وو ِف قبضته وِف داره ووو يعَل أنه يراه ويشاوده فيعصيه ووو بعينه غري متو ‪،‬ار عنه ويس تعْي‬
‫بنعمه عن مساخطه ويس تدعي ُك وقت غضاه عليه ولعنته ِه " أين العقل ممن اكنت وذه حاهلي؟‪ ,‬فالعاقل‬
‫يتفكر ِف وذه المور‪ ,‬و وذه النعي و وذه الَّء والعطاي‪ ,‬ويتفكر أيضا من ْجة أخرى ِف اطَلع هللا عليه‬
‫ورؤيته –س احانه وتعاَل‪ِ-‬ه‪ ,‬فلك ذِل يردعه عن املعايص‪ ,‬ووذا من العقل‪,‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫أما الآخر فقد دس نفسه ومن ذِل التدس ئة للعقل بد ما يكون عقَل وافرا يصاح عقَل مطمور اا مغموراا‬
‫َبلوواء وتتبع املَلذ والشهوات اليت يه مرضة عَل العايص ِف دنياه وأخراه ‪،‬‬
‫يقو –رمحه هللا‪ -‬أيضا ِف وذا الايان‪ " :‬فأي عقل ملن أآثر لة ساعة أو يوأ أو دور َّ تنق ََّنا حَل م‬
‫يكن عَل وذا النع املق والفوز العظ " أي النع املعجل ِف ادلنيا والنع املؤجل ِف ادلار الآخرة ‪،‬‬
‫﴿ َم ْن َ َِع َل َصا ِل احا ِمن َذقَ ‪،‬ر أَ ْو أل َ ٰنَث َوو َُو ُم ْؤ ِم ٌن فَلَ ُن ْح ِييَن ه ُه َح َيا اة َط ِي َا اة ﴾ *وذا ِف ادلنيا‬
‫َولَنَ ْج ِزيَْنه ُ ْي أَ ْج َر ُُه ِبأَ ْح َس ِن َما َاكنُوا ي َ ْع َملُ َ‬
‫ون ﴾[ النحل‪ *،]٩٧ :‬وذا ِف ادلار الآخرة‪ ،‬نعي‪.‬‬

‫قا رمحه هللا‪َ :‬وأَ هما تَأْ ِث ُريوَا ِِف ن ُ ْق َص ِان الْ َع ْق ِل الْ َم ِعييش‪ ،‬فَلَ ْو ََّ ِاَّ ْش ِ َِتاكُ ِِف َو َذا النُّ ْق َص ِان‪ ،‬ل َ َظه ََر ِل ُم ِطي ِعنَا ن ُ ْق َص ُان‬
‫ون‪.‬‬‫ون فُنُ ٌ‬ ‫اِئ َة عَا هم ٌة‪َ ،‬والْ ُجنُ َ‬‫َع ْق ِل عَا ِصينَا‪َ ،‬ولَ ِك هن الْ َج ِ َ‬
‫يب الْ َعيْ ِش‪ ،‬ان ه َما و َُو ِِف ِرضَ ا ِء‬ ‫الس ِور َو ِط ِ‬ ‫الَّل ِة َوالْفَ ْر َح ِة َو ُّ ُ‬
‫يل ه ه‬ ‫حص ِت الْ ُع ُقو ُ لَ َع ِل َم ْت أَ هن َط ِر َيق َ ْحت ِص ِ‬ ‫َو َي َ ََع ااا ل َ ْو َ ه‬
‫ل‬
‫ِ‬
‫ُس ُور النُّفوس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ون‪َ ،‬و ُ ُ‬ ‫ُس ِط ِه َوغَضَ ِا ِه‪ ،‬فَ ِفي ِرضَ ا ُه قُ هر ُة الْ ُع ُي ِ‬ ‫َم ِن النه ِع ُ ُلكُّ ُه ِِف ِرضَ ا ُه‪َ ،‬و ْ َاللَ ُي َوالْ َع َذ ُاب ُلكُّ ُه ِِف ُ ْ‬
‫يب الْ َح َيا ِة‪َ ،‬و َ هل ُة الْ َعيْ ِش‪َ ،‬وأَ ْط َي ُب النه ِع ِ‪ِ ،‬م هما لَ ْو ُو ِز َن ِمنْ ُه ِمثْقَا ُ َذ هر ‪،‬ة ِبنَ ِع ِ‬ ‫وب‪َ ،‬و َ هل ُة ْ َال ْر َواحِ‪َ ،‬و ِط ُ‬ ‫َو َح َيا ُة الْ ُقلُ ِ‬
‫يب ل َ ْي يَ ْر َض َِبدلُّ نْ َيا َو َما ِفهيَا ِع َوضا ا ِمنْهُ‪َ ،‬و َم َع َو َذا‬ ‫ْس ن َِص ‪،‬‬ ‫ادلُّ نْ َيا ل َ ْي ي َ ِف ِب ِه‪ ،‬ب َ ْل ا َذا َح َص َل ِللْقَلْ ِب ِم ْن َذ ِ َِل أَي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ل‬
‫وب‬ ‫ُ‬ ‫َش‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ري‬
‫َ َ ِ َ‬‫س‬‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ِل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫َ‬
‫ُ َ ُّ َ‬ ‫ت‬ ‫وب‬ ‫ُ‬
‫َش‬ ‫ي‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫فَه َُو يَتَنَ هع ُي ِبنَ ِصي ِا ِه ِم َن َ َ ْ َ ُّ ِ ُ َ َ َ َ‬
‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫هي‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ْي‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ْ‬
‫ِت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ع‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ْظ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ادلُّ‬
‫ات‪ ،‬ب َ ْل قَدْ َح َص َل َ ُِه عَ ََل النه ِعمي َ ْ ِْي َوو َُو يَنْتَ ِظ ُر ن َ ِعمي َ ْ ِْي‬ ‫تَنَ ُّع َي الْ ُم ْ َِتِف َْي ِم َن الْهُ ُمو ِأ َوالْ ُغ ُمو ِأ َو ْ َال ْح َز ِان الْ ُم َع ِارضَ ِ‬
‫ون فَاَّنه ُ ْي‬ ‫أآخ ََريْ ِن أَع َْظ َي ِمْنْ ُ َما‪َ ،‬و َما َ ْحي ُص ُل َ ُِه من ِخ ََل ِ َذ ِ َِل ِم َن ْال ََّ ِأ‪ ،‬فَ ْ َال ْم ُر َ َمَك قَا َ تَ َع َاَل‪ :‬ا ْن تَ ُكونُوا تَأْل َ ُم َ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ون} ُ[س َور ُة ِالن َسا ِء‪. ]104 :‬‬ ‫اّلِل َما ََّ يَ ْر ُج َ‬‫ون ِم َن ه ِ‬ ‫ون َ َمَك تَأْل َ ُم َ‬
‫ون َوتَ ْر ُج َ‬ ‫يَأْلَ ُم َ‬
‫اّلِل عَلَهيْ ِ ْي ِم َن النها ِِي َْي‬ ‫اّلِل َما أَنْقَ َص َع ْق َل َم ْن ََب َع ادلُّ هر َِبلْ َا ْع ِر‪َ ،‬والْ ِم ْس َك َِب هلر ِجيعِ‪َ ،‬و ُم َرافَقَ َة ه ِال َين أَنْ َع َي ه ُ‬ ‫فَ ََل ا َ َِه ا هَّ ه ُ‬
‫ل ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اّلِل عَلهيْ ِ ْي َول َعْنَ ُ ْي َو َأعَ هد لهُ ْي َ َْجَّنه َ َو َس َاء ْت َمص اريا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫الصالح َْي‪ِ ،‬ب ُم َرافَ َقة ال َين غَض َب ه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشهَدَ اء َو ه‬‫الص ِدي ِق َْي َو ُّ‬ ‫َو ِ‬

‫قوِه رمحه هللا تعاَل ‪ :‬وأما تأثريوا ِف نقصان العقل املعييش ‪...‬اَل أآخره ‪.‬‬
‫ونا ين ُبه ابن الق أو جييب عَل اشك رمبا يأيت ِف وذا الس ياق اَل الذوان قد يقو قائل‪ :‬اذا قنا نتحدث‬
‫عن العقل ‪َ ،‬والاكء‪َ ،‬والفطنة قد نرى عصاة َومفرطْي حىت ِف فرائض اَّسَلأ َوواجبات ادلين قد نرى من‬
‫ذِل ونرى عندُه علاما َودراية َوذاكء ِف أمور ادلنيا َومصاحلها َوطريقة الرَبح َوطريقة التحصيل اَل غري ذِل‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫فيقو ابن الق رمحه هللا تعاَل‪ :‬أن وذا المر ليس وو املقياس ِف وذا المر قد قا هللا س احانه وتعاَل عن‬
‫ون َظا ِو ارا ِم َن الْ َح َيا ِة ادلُّ ن ْ َيا ) الروأ ‪٧-٦:‬‬ ‫الكفار‪َ ( :‬ول َ َٰ ِك هن َأ ْق َ ََث النه ِاس ََّ ي َ ْعلَ ُم َ‬
‫ون (‪ )6‬ي َ ْعلَ ُم َ‬
‫ون َظا ِو ارا ِم َن الْ َح َيا ِة ادلُّ نْ َيا) وذا العَل‬
‫وصفهي أو اَّ بعدأ العَل ‪،‬وعدأ الفهي ‪ ،‬وعدأ ادلراية ‪ َّ ،‬قا ‪( :‬ي َ ْعلَ ُم َ‬
‫بظاور من احلياة ادلنيا ليس مقياس اا ؛وَّ مزيا اّن‪ ،‬وامنا املزيان للعقل وو فامي يتعلق حبياة املرء احلقيقية اليت هبا‬
‫رفعته وعلوه ِف دنياه وألخراه‪،‬‬
‫أما أن يكون الشخص ِف ذاكء ِف أمور ادلنيا َّ الغاية اليت خُلق لجلها َوألوجدت لتحقيقها َّ يعرف عْنا‬
‫يشء! َّ يعَل عْنا يشء! وادلار الآخرة والثواب والعقاب َّ يعَل عنه يشء !وَّ يتفكر ِف وذا المر! وذا َّ‬
‫عقل ِه ؛ لن العقل وو من ُو ِفق صاحبه لدلراية َبليشء الي خُلق ِه‪.‬‬
‫خُلق ِه وذا اَّنسان ؛وخُلق وذا العقل ؛وخُلق وذا القلب لجهل؛ ووو طاعة هللا س احانه وتعاَل‪ .‬فاحلياة‬
‫احلقيقية َّ تكون اَّ هبذا‪ ،‬وأما بدونه فان احلياة حيا اة هبميية﴿ أَ َو َمن َاك َن َم ْيتاا فَأَ ْح َي ْينَا ُه َو َج َعلْنَا َ ُِه ن اُورا ي َ ْم ِيش‬
‫ات لَيْ َس ِ َخب ِارج‪ِ ،‬مْنْ َا ﴾ [ النعاأ‪ .]١٢٢ :‬نعي‬ ‫ِب ِه ِِف النه ِاس َْكَن همث ُ َُهل ِِف ُّ‬
‫الظلُ َم ِ‬

‫ُوج ُب الْقَ ِطي َع َة ب َ ْ َْي الْ َع ْا ِد َوا هلر ِب]‬


‫قا رمحه هللا [فَ ْص ٌل الْ َم َع ِايص ت ِ‬
‫ُوج ُب الْقَ ِطي َع َة ب َ ْ َْي الْ َع ْا ِد َوب َ ْ َْي َ ِرب ِه تَ َا َاركَ َوتَ َع َاَل‪َ ،‬وا َذا َوقَ َع ِت الْقَ ِطي َع ُة انْقَ َط َع ْت َع ْن ُه‬ ‫َو ِم ْن أَع َْظ ِي ُع ُق َوَبِتِ َا‪ :‬أََّنه َا ت ِ‬
‫ل‬
‫اب‬ ‫الّش‪ ،‬فَأَ ُّي فَ ََلح‪َ ،،‬و َأ ُّي َر َجا ‪،‬ء‪َ ،‬وأَ ُّي عَيْ ‪،‬ش ِل َم ِن انْقَ َط َع ْت َع ْن ُه أَ ْس َا ُ‬ ‫اب ه ِ‬ ‫اب الْخ ْ َِري َوات َهصلَ ْت ِب ِه َأ ْس َا ُ‬ ‫َأ ْس َا ُ‬
‫الْخ ْ َِري‪َ ،‬وقَ َط َع َما بَيْنَ ُه َوب َ ْ َْي َو ِل ِي ِه َو َم ْو ََّ ُه ه ِالي ََّ ِغ َىن ِه َع ْن ُه َط ْرفَ َة عَ ْ ‪ْ،‬ي‪َ ،‬و ََّ بَدَ َ َ ُِه ِمنْهُ‪َ ،‬و ََّ ِع َو َض َ ُِه َع ْنهُ‪،‬‬
‫الّش‪َ ،‬و َو َص َل َما بَيْنَ ُه َوب َ ْ َْي أَعْدَى عَدُ ‪،‬و َِهُ‪ :‬فَتَ َو هَّ ُه عَدُ ُّو ُه َو َ ََت هَل َع ْن ُه َو ِليُّهُ؟ فَ ََل تَ ْع َ َُل ن َ ْف ٌس‬ ‫اب ه ِ‬ ‫َوات َهصلَ ْت ِب ِه أَ ْس َا ُ‬
‫َما ِِف َو َذا ِاَّنْ ِق َطاعِ َو ِاَّتِ َصا ِ ِم ْن أَن َْواعِ ْال ََّ ِأ َوأَن َْواعِ الْ َع َذ ِاب‪.‬‬

‫الانقطاع أي عن هللا ‪ ،‬واَّتصا أي َبلش يطان وما يكون ُمبعد اا ِه عن هللا؛ لن قبهل قا ‪ :‬انقطع عن هللا‬
‫عدو ِه ‪ .‬وناك انقطاع ووناك اتصا ‪.‬الانقطاع عن هللا واَّتصا بأعدى عدو ِه‬ ‫ووصل ما بينه وبْي أعدى ‪،‬‬
‫‪ ،‬الي وو الش يطان ‪ .‬نعي ‪.‬‬

‫اّلِل َع ْن ُه ت ََو هَّ ُه ه‬


‫الش ْي َط ُان‪،‬‬ ‫الش ْي َط ِان‪ ،‬فَا ْن أَع َْر َض ه ُ‬ ‫السلَ ِف‪َ :‬رأَيْ ُت الْ َع ْادَ ُملْقاى ب َ ْ َْي ه ِ‬
‫اّلِل ُس ْا َحان َ ُه َوب َ ْ َْي ه‬ ‫قَا َ ب َ ْع ُض ه‬
‫ل‬
‫اّلِل ل َ ْي ي َ ْق ِد ْر عَلَ ْي ِه ه‬
‫الش ْي َط ُان‪،‬‬ ‫َوا ْن ت ََو هَّ ُه ه ُ‬
‫ل‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫‪ -‬قا تعاَل ‪ :‬ا هن ِع َاا ِدي لَيْ َس َ َِل عَلَهيْ ِ ْي ُسلْ َط ٌان َوقَفَ ٰى ِب َ ِرب َك َو ِق ايَل"‬
‫ل‬
‫جِن فَ َف َس َق َع ْن أَ ْم ِر َ ِرب ِه‬
‫َوقَدْ قَا َ تَ َع َاَل‪َ :‬وا ْذ قُلْنَا لِلْ َم ََلئِ َك ِة ْاْسُدُ وا ِل آ َد َأ فَ َس َجدُ وا ا هَّ ابْ ِل َيس َاك َن ِم َن الْ ِ‬
‫ل ل‬
‫أَفَتَته ِخ ُذون َ ُه َو ُذ ِريهتَ ُه أَ ْو ِل ل َي َاء ِم ْن د ُِوين َو ُ ُْه لَ ُ ُْك عَدُ ٌّو ِبئْ َس لِ هلظا ِل ِم َْي ب َ ا‬
‫دََّ} ُ[س َور ُة الْ َكه ِْف‪. ]50 :‬‬

‫ي َ ُقو ُ ُس ْا َحان َ ُه ِل ِع َاا ِد ِه‪ :‬أَّنَ َأ ْق َر ْم ُت أَ ََب ُ ُْك‪َ ،‬و َرفَ ْع ُت قَدْ َر ُه‪َ ،‬وفَضه لْ ُت ُه عَ ََل غَ ْ ِري ِه‪ ،‬فَأَ َم ْر ُت َم ََلئِكَ ِيت ُلكههُ ْي أَ ْن ي َْس ُجدُ وا‬
‫ّشيفاا‪ ،‬فَأَ َطاع ُِوين‪َ ،‬وأَ ََب عَدُ ِوي َوعَدُ ُّو ُه‪ ،‬فَ َع ََص أَ ْم ِري‪َ ،‬وخ ََر َج َع ْن َطا َع ِيت‪ ،‬فَكَ ْي َف َ ْحي ُس ُن ِب ُ ُْك‬ ‫َِهُ‪ ،‬تَ ْك ِرمياا َ ُِه َوت َ ْ ِ‬
‫ب َ ْعدَ وا أَ ْن تَته ِخ ُذو ُه َو ُذ ِريهتَ ُه أَ ْو ِل َي َاء ِم ْن د ُِوين‪ ،‬فَتُ ِطي ُعون َ ُه ِِف َم ْع ِص َي ِيت‪َ ،‬وت َُوالُون َ ُه ِِف ِخ ََل ِف َم ْرضَ ِايت َو ُو ْو أَعْدَى‬
‫ِل‪َ ،‬اك َن و َُو َوأَعْدَا ُؤ ُه ِع ْندَ ُه َس َو ااء‪ ،‬فَا هن‬ ‫عَدُ ‪،‬و لَ ُ ُْك؟ فَ َوال َ ْي ُ ُْت عَدُ ِوي َوقَدْ أَ َم ْرتُ ُ ُْك ِب ُم َعادَاتِ ِه‪َ ،‬و َم ْن َوأ آ ََل أَ ْعدَ َاء الْ َم ِ ِ‬
‫ل‬
‫ِل ُ ه َّ تَ هد ِعي أَن َهك ُم َوا ‪،‬‬
‫الطاعَ َة ََّ ت ِ َُُّت ا هَّ ِب ُم َعادَا ِة أَعْدَ ا ِء الْ ُم َطاعِ َو ُم َو َاَّ ِة أَ ْو ِل َيائِ ِه‪َ ،‬وأَ هما أَ ْن ت َُو ِ َا ي أَعْد ََاء الْ َم ِ ِ‬‫الْ َم َح ها َة َو ه‬
‫ل‬
‫َِهُ‪ ،‬فَهَ َذا ُم َحا ٌ ‪.‬‬
‫ِل عَدُ ًّوا لَ ُ ُْك‪ ،‬فَ َك ْي َف لا َذا َاك َن عَدُ هو ُ ُْك عَ ََل الْ َح ِقيقَ ِة‪َ ،‬والْ َع َ‬
‫دَاو ُة ال ه ِيت بَيْنَ ُ ُْك َوبَيْنَ ُه أَع َْظ ُي ِم َن‬ ‫َو َذا ل َ ْو ل َ ْي يَ ُك ْن عَدُ ُّو الْ َم ِ ِ‬
‫الشا ِة َو ِالئْ ِب؟‬ ‫الْ َعدَ َاو ِة ال ه ِيت ب َ ْ َْي ه‬

‫الش ْي َط َان لَ ُ ُْك عَدُ ٌّو فَ ه ِاَت ُذو ُه عَدُ ًّوا )‬ ‫قا الش يخ ‪ ( :‬ا هن ه‬
‫ل‬
‫فَ َك ْي َف ي َ ِل ُيق َِبلْ َعا ِق ِل َأ ْن ي ُ َو ِ َا ي عَدُ هو ُه وعَدُ هو َو ِل ِي ِه َو َم ْو ََّ ُه ه ِالي ََّ َم ْو ََل َ ُِه ِس َوا ُه‪َ ،‬ونَاه َه ُس ْا َحان َ ُه عَ ََل قُ ْب ِح َو ِذ ِه‬
‫ُك عَدُ ٌّو} ُ[س َور ُة ْال َكه ِْف‪َ َ ، ]50 :‬مَك نَاه َه ع َ ََل قُ ْب ِحهَا ِبقَ ْو ِ ِِه‪ :‬ف َ َف َس َق َع ْن أَ ْم ِر َرِب ِه} ُ[س َور ُة ْال َكه ِْف‪]50 :‬‬ ‫الْ ُم َو َاَّ ِة ِبقَ ْو ِ ِِه‪َ :‬و ُ ُْه لَ ُ ْ‬
‫ُك ِمْنْ ُ َما َسبَ ٌب يَدْ عُو ا ََل ُم َعادَاتِ ِه‪ ،‬فَ َما َو ِذ ِه الْ ُم َو َاَّةُ؟ َو َما َو َذا‬ ‫دَاوتَ ُه ِل َ ِرب ِه َوعَدَ َاوتَ ُه لَنَا‪ٌّ ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬فَتَ َا ه َْي أَ هن عَ‬
‫ل‬
‫ِاَّ ْس ِت ْبدَ ا ُ ؟ ِبئْ َس لِ هلظا ِل ِم َْي ب َ ادََّ‪.‬‬
‫يب َوو َُو أَ ِين عَا َديْ ُت ابْ ِل َيس ا ْذ ل َ ْي ي َْس ُجدْ‬ ‫ون َ ْحت َت َو َذا الْ ِخ َط ِاب ن َْوعٌ ِم َن الْ ِعتَ ِاب لَ ِط ٌيف َ َِع ٌ‬ ‫َوي ُْش ِا ُه أَ ْن يَ ُك َ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ِيُك أ آ َد َأ َم َع َم ََلئِ َك ِيت فَ َكن َْت ُم َعادَاتُ ُه ِ َل ْج ِل ُ ُْك‪ ُ ،‬ه َّ َاك َن عَا ِقبَ ُة َو ِذ ِه الْ ُم َعادَا ِة أَ ْن َعقَدْ ُ ُْت بَيْنَ ُ ُْك َوبَيْنَ ُه َع ْقدَ الْ ُم َصال َ َحةِ‬ ‫ِ َلب ُ ْ‬

‫نعي‪ ،‬بئس للظاملْي بدَّ مثل ما قا ِف الوَل‪ -‬رمحه هللا‪.-‬‬


‫وذا أيضا من العواقب الوخمية لَّلنوب والرضار اليت تِتتب علهيا‪ ،‬أَّنا توجب القطيعة بْي العاد وبْي هللا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫الصةل اليت بْي العاد وبْي هللا واليت تكون َبلطاعة يه حفظ للعاد وفَلح وسعادة ورفعة ِف ادلنيا والآخرة‬
‫وفوز َبدلرجات ال ُعَل وأآاثروا ومثاروا عَل العاد َّ حرص لها وَّ عد ِف دنياه وأخراه‪.‬‬
‫فاذا دخل العاد ِف املعايص أوجبت قطيعة وبعدا بينه وبْي هللا س احانه وتعاَل؛ لن الطاعة قام أَّنا تُقرب اَل‬
‫هللا وتعلو هبا مَْل العاد عنده جل ِف عَله‪ ،‬فان املعصية تاعده عن هللا وتقطعه عن هللا‪ ،‬توجب بينه وبْي‬
‫ربه قطيعة تقطعه عن هللا س احانه وتعاَل‪ ،‬فاذا وجدت وذه القطيعة صار َّنا اة للش يطان‪ ،‬وأصاح جندا من‬
‫جنود الش يطان‪ ،‬يقذفه ِف أودية الهَلك والاوار ِف ادلنيا والآخرة‪،‬‬
‫وحرز متْي يقيه من الش يطان قام قا هللا س احانه‬ ‫حصن حصْي‪، ،‬‬ ‫أما ما داأ مطيعا هلل عز وجل فهو ِف ‪،‬‬
‫وتعاَل‪ " :‬ا هن ِع َاا ِدي لَيْ َس َ َِل عَلَهيْ ِ ْي ُسلْ َطا ٌن "‪َ " ،‬وقَفَى ِب َرب َِك َو ِقي اَل " وقا تعاَل‪َ " :‬ولَقَدْ َصد َهق عَلَهيْ ِ ْي ابْ ِل ُيس‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫َظنه ُه فَات ه َا ُعو ُه اَّ فَ ِريقاا م َن ال ُم ْؤمن َْي"‬
‫ل‬
‫املؤمن وو ِف حصن من الش يطان وحرز يقيه منه َبذن هللا س احانه وتعاَل‪ ،‬فاذا دخل ِف املعايص يكون‬
‫بذِل سلط الش يطان عَل نفسه‪ ،‬وفتح الااب لهذا العدو‪ ،‬فتحه عَل نفسه‪ ،‬وجعل للش يطان ّنفذة يدخل من‬
‫خَللها عَل العاد‪ ،‬أما ما داأ حمصنا بطاعة هللا وذكره فالش يطان َّ طريق ِه عليه‪ ،‬فاحلاصل أن املعصية توجب‬
‫انقطاع اا واتصا اَّ‪ ،‬انقطاع اا عن هللا س احانه وتعاَل واتصا اَّ َبلش يطان؛ لن مىت حصل أو ُو ِجد الانقطاع عن هللا‬
‫س احانه وتعاَل ُو ِجدَ الآخَر‪ ،‬الي وو اتصا الش يطان به وتسلطه عليه‪.‬‬
‫ َّ يقف ونا ابن الق وقفة عظمية موقظة ‪ ،‬يقو من وو وذا الش يطان الي ي ُسَل العايص نفسه ِه ويصاح‬
‫طوعه وطوع وساوسه وما يلقيه ِف فكر العايص من أمو ‪،‬ر وأعام ‪ .‬يقو من وو وذا الش يطان‪ ،‬فيورد قو هللا‬
‫جِن فَ َف َس َق َع ْن أَ ْم ِر َرِب ِه أَفَتَته ِخ ُذون َ ُه َو ُذ ِريهتَ ُه‬‫تعاَل ‪َ " :‬وا ْذ قُلْنَا لِلْ َم ََلئِكَ ِة ْاْسُدُ وا ِل آ َد َأ فَ َس َجدُ وا ا هَّ ابْ ِل َيس َاك َن ِم َن الْ ِ‬
‫ل ل‬ ‫ل‬
‫أَ ْو ِل َي َاء ِمن د ُِوين َو ُ ُْه لَ ُ ُْك عَدُ ٌّو ۚ ِبئْ َس ِل هلظا ِل ِم َْي ب َ ادََّ‪ ".‬كيف يليق َبنسان عاقل يِتك طاعة س يده وموَّه واملتفضل‬
‫عليه وامل ُن ِعي عليه س احانه وتعاَل‪ ،‬و يسَل نفسه للش يطان‪.‬فيكون مطيعا لش يطان منقادا لوامر الش يطان‬
‫والش يطان عد ‪،‬و لَلنسان وعداوته لَلنسان قدمية ويِتبص هبذا اَّنسان ادلوائر وحييك ِه اخلطط اليت هيلكه هبا‬
‫ين﴾ [ العراف ‪]17:‬‬ ‫قَث ُُه شا ِقر َ‬‫﴿ ُ ه َّ َلآتِيَْنه ُي ِمن بَْيِ أَيد ِهيي َو ِمن خَل ِفهِي َو َعن أَمياَّنِ ِي َو َعن َشامئِ ِلهِي َوَّ ََتِدُ َأ َ َ‬
‫يعمل َعهل بنشاط ودأب حىت َّ يصاح وذا اَّنسان شاكرا مطيعا هلل س احانه وتعاَل فكيف يقطع املرء َبملعايص‬
‫نفسه عن هللا وي ُسلمها للش يطان بئس لظاملْي بدَّ} خيتار طاعة عدوه وعدو أبيه أآدأ وعدو املؤمنْي ويِتك‬
‫طاعة رب العاملْي س احانه وتعاَل ‪,‬فهذه من العواقب الوخمية اليت جيروا العايص عَل نفسه وليتضح المر أقَث يؤىت‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫ونا بسؤا يقا ‪ :‬العايص بعصيانه ومعاصيه اليت يرتكهبا مطيع ملن ؟ ‪ -‬مطيع للش يطان ليست وذه من طاعة هللا‬
‫وذه امسها معصية هلل ‪ ,‬فهذا العايص عندما يعِص يقع ِف املعايص وو هبذا العصيان مطيع ملن؟‬
‫وذه طاعة الش يطان ‪,‬الش يطان وو الي يدعو للمعايص بل َّ يكتفي َبملعايص َّ يزا َبلعاد حىت يدخهل ِف الكفر‬
‫َبهلل ما تكفيه املعصية وَّ تكفيه ثنتْي من املعايص وَّ الثَلث وَّ‪ ...‬بل يريد منه أن يغرق نفسه ِف املعايص‬
‫وهيلكه هبا اَل أن يدخهل ِف الكفر َبهلل س احانه وتعاَل‪ .‬نعي‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ِايص تَ ْم َح ُق الْ َ ََبقَ َة]‬


‫َو ِم ْن ُع ُق َوَبِتِ َا‪ :‬أََّنه َا تَ ْم َح ُق بَ َرقَ َة الْ ُع ُم ِر‪َ ،‬وبَ َرقَ َة ِالر ْز ِق‪َ ،‬وبَ َرقَ َة الْ ِع ْ َِل‪َ ،‬وبَ َرقَ َة الْ َع َم ِل‪َ ،‬وبَ َرقَ َة ه‬
‫الطاعَ ِة‪.‬‬
‫اّلِل‪َ ،‬و َما ُم ِحقَ ِت‬ ‫َو َِبلْ ُج ْم َ ِةل تَ ْم َح ُق بَ َرقَ َة ِادل ِين َوادلُّ نْ َيا‪ ،‬فَ ََل َ َِتدُ أَقَ هل بَ َرقَ ‪،‬ة ِِف ُ َُع ِر ِه َو ِدينِ ِه َو ُدنْ َيا ُه ِم هم ْن َع ََص ه َ‬
‫اّلِل تاارك وتَ َع َاَل‪َ :‬ول َ ْو أَ هن أَ ْو َل الْ ُق َرى أ آ َمنُوا َواتهقَ ْوا لَ َفتَ ْحنَا عَلَهيْ ِ ْي‬ ‫الْ َ ََبقَ ُة ِم َن ْ َال ْر ِض ا هَّ ِب َم َع ِايص الْ َخلْ ِق‪ ،‬قَا َ ه ُ‬
‫ل‬
‫[الع َْر ِاف‪. ]96 :‬‬ ‫ال ْر ِض} ْ َ‬ ‫الس َما ِء َو ْ َ‬
‫بَ َر َاك ‪،‬ت ِم َن ه‬
‫اُه َم ااء غَدَ قاا ‪ِ -‬لنَ ْف ِتْنَ ُ ْي ِفي ِه} [الْج ِِن‪. ]17 - 16 :‬‬
‫الط ِريقَ ِة َ َل ْسقَ ْينَ ُ ْ‬
‫َوقَا َ تَ َع َاَل‪َ :‬وأَ ْن ل َ ِو ْاس َتقَا ُموا عَ ََل ه‬
‫َوا هن الْ َع ْادَ لَ ُي ْح َر ُأ ِالر ْز َق َِب هلن ِْب ي ُ ِصي ُاهُ‪.‬‬
‫ل‬
‫قا رمحه هللا‪ :‬فصل‪ :‬ومن عقوَبِتا‪ :‬أي املعايص والنوب أَّنا ‪ :‬متحق برقة العمر وبرقة الرزق وبرقة العَل‬
‫وبرقة العمل وبرقة الطاعة ‪ :‬اذن املعايص ممحقة للَباكت متحق أنواع الَباكت متحق برقة العمر وس يأيت َّبن‬
‫الق توضيح َعيب جد اا عظ وّنفع للغاية كيف تكون املعصية ممحقة لَبقة املرء حىت لو بلغ من العمر مئة‬
‫س نة كيف تكون ممحقة للَبقة ِف َعره وتكون ممحقة للَبقة ِف علمه ان اكن عنده عَل ‪ ,‬ومن أعظي احملق ‪-:‬‬

‫ِف الَبقة ِف العَل عدأ الانتفاع به لن مقصود العَل العمل فاذا اكن يعَل وَّ يعمل وذا حمق ِف‬
‫الَبقة؛ لن الي لجهل اكن العَل و ُدعي اَل العَل م يعمل به فهذا حمق للَبقة ِف العمر والعَل‪.‬‬
‫وِف الرزق أيضا يكون ما عنده من رزق ومن ما حىت ‪ ,‬وان قَث ما َّ برقة فيه‪ُ ،‬محقت برقته‬
‫وتس ابت وذه املعايص حمق الَبقة‪ ،‬و(أآخر) يكون قليل ذات اليد فامي عنده من قليل ي ُ َ‬
‫اارك ِه فيه‬
‫‪ِ-‬ف وذا القليل‪ -‬برقة َّ جيدوا ذاك الي بيده الكثري والكثري من املا ‪.‬‬
‫فاحلاصل أن املعايص مم َحقة للَبقة‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫من ذِل برقة الطاعة؛ لن اذا دخل العاد ِف املعايص قلت الطاعة‪ ،‬وضعفت عنده‪ ،‬وقل اوامتمه‬
‫هبا‪ ،‬ولهذا يتحدث بعض العصاة عن نفسه أنه ق هل مثَل اوامتمه َبلصَلة‪ ،‬وقل مثَل اوامتمه بقراءة‬
‫القرأآن‪ ،‬يتحدث عن أمور قثرية من وذا القبيل‪ ،‬وما عَل أَّنا من املعايص اليت يه ممحقة للَبقة ِف‬
‫أنواع من المور مْنا الطاعة اليت اكن علهيا‪.‬‬
‫قا ‪َ( :‬بمجلةل متحق برقة ادلين وادلنيا)‪ ،‬متحق برقة ادلين اليت يه الطاعة والعَل النافع‪ ،‬وادلنيا اليت يه الرزق‬
‫وحنو ذِل‪ ،‬فَل َتد أقل برقة ِف َعره ودينه ودنياه ممن عصا هللا‪،‬‬
‫وما ُمحقت الَبقة من الرض اَّ َبملعايص مثلام قا هللا تعاَل‪َ (( :‬ول َ ْو أَ هن أَ ْو َل الْ ُق َر ٰى أ آ َمنُوا َواتهقَ ْوا لَ َفتَ ْحنَا عَلَهيْ ِي‬
‫الس َما ِء َو ْ َال ْر ِض)) [العراف‪ ،]96 :‬مثلها قو هللا ‪-‬س احانه وتعاَل‪ِ -‬ف سورة املائدة‪َ (( :‬ول َ ْو أَ هن أَ ْو َل‬ ‫بَ َر َاك ‪،‬ت ِم َن ه‬
‫ات النه ِع ِ َول َ ْو أََّنه ُ ْي أَقَا ُموا الته ْو َرا َة َو ْاَّ ِني َل َو َما ألن ِز َ‬ ‫اُه َجن ه ِ‬ ‫ْال ِكتَ ِاب أ آ َمنُوا َواتهقَ ْوا لَ َكفه ْرّنَ َعْنْ ُ ْي َس ِيئَاِتِ ِ ْي َو َ َل ْد َخلْنَ ُ ْ‬
‫ل‬
‫ون)) [أ َعران‪-65 :‬‬ ‫الَهيْ ِي ِمن هر ِ ِهب ْي َلَ َ ُلكوا ِمن فَ ْو ِقهِ ْي َو ِمن َ ْحت ِت أَ ْر ُج ِلهِي ۚ ِمْنْ ُ ْي أل هم ٌة ُّم ْقتَ ِصدَ ةٌ ۖ َوقَ ِثريٌ ِمْنْ ُ ْي َس َاء َما ي َ ْع َملُ َ‬
‫ل‬
‫اء غدَ قا)) [اجلن‪]16 :‬‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ق‬‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اس‬
‫‪ ،]66‬فكذِل قوِه‪َ (( :‬وأن ل ِو ْ تَقا ُموا عََل الط ِريقة ل ْ ْنَاُه هم ا‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫جَلبة للنعي‪ ،‬واملعصية جَلهبة للنقي ماحقة للَبقة‪.‬‬ ‫فالطاعة هلل ‪-‬س احانه وتعاَل‪ -‬ه‬

‫اّلِل َوأَ ْ ِمجلُوا‬ ‫دُس نَفَ َث ِِف ُرو ِعي أَن ه ُه ل َ ْن تَ ُم َ‬


‫وت ن َ ْف ٌس َح هىت ت َ ْس َت ْ ِمك َل ِر ْزقَهَا‪ ،‬فَات ه ُقوا ه َ‬ ‫وح الْ ُق ِ‬
‫يث‪« :‬ا هن ُر َ‬ ‫َو ِِف الْ َح ِد ِ‬
‫ل‬
‫اّلِل َج َع َل هالر ْو َح َوالْ َف َر َح ِِف ِالر َض َوالْ َي ِقْيِ ‪َ ،‬و َج َع َل الْهَ هي‬
‫اّلِل ا هَّ ب َِطا َع ِت ِه‪َ ،‬وا هن ه َ‬
‫الطلَ ِب‪ ،‬فَان ه ُه ََّ يُنَا ُ َما ِع ْندَ ه ِ‬
‫ِِف ه‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫الس ْخطِ» ‪.‬‬ ‫الش ِك َو ُّ‬ ‫َوالْ ُح ْز َن ِِف ه‬

‫وذا احلديث ذكره ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬ونا لن فيه مسأَل هممة جدا ِف وذا الااب‪ ،‬خاصة مسأَل الرزق‪ ،‬أحياّن‬
‫َبب من أبواب املعايص‪،‬‬
‫طلب الرزق ٌ‬‫بل قثريا ما يكون عند قثري من الناس ن ْف ُس ِ‬
‫وحدث عن وذا الااب قَث ُة ما يقع الناس ِف املعايص واخملالفات الّشعية ِف وذا الااب‪َ ،‬بب طلب الرزق‬ ‫ِ‬
‫وكسب املا ‪ ،‬فيدخل مثَل ِف َتارة حمرمة أو بيع أش ياء حمرمة‪ ،‬أو يدخل ِف الرَب‪ ،‬وما أقَث وقوع الناس ِف‬
‫وذه الزمنة ِف الرَب‪ ،‬وخاصة أن املرابْي أصاحوا حيتالون عَل الناس حبيل‪ ،‬ويوقعوَّني من خَللها ِف الرَب‬
‫اس تغَلَّ حلاجة الضعفاء والفقراء واحملتاجْي‪ ،‬وأيضا قل مثل وذا ِف الغش ِف الايع‪ ،‬والكذب ِف الايع‪،‬‬
‫وأش ياء قثرية من وذا القبيل ميارسها قثري الناس من أجل طلب املا وحتصيل الرزق‪ ،‬فيكون نفس طلب‬
‫املا عصيان خمالفات لمر هللا س احانه وتعا فتُمحق الَبقة جيهد نفسه ِف حتصيل وذا املا َبلرَب َبلكذب‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫َبلغش اَل أآخره بعد وذا التعب ووذه املعاّنة ووذا الكذب ووذا الغش ياقى وذا املا ممحوق الَبقة؛ لن‬
‫املعصية متحق الَبقة وقليل يكفي املرء ويغنيه عَل طاعة من هللا خري ِه من قثري ممحوق الَبقة ياوء بعاقبته‬
‫وعواقبه الوخمية‪.‬‬
‫تأمل وذا احلديث العظ الي أورده رمحه هللا أن النيب ﷺ قا ‪ (( :‬ان روح القدس نفث ِف‬
‫روعي‪ )...‬هتْ عَل النيب ﷺ َبلويح َبلنفث ِف روعه‪ (( ,‬أنه لن متوت نفس حىت تس تمكل رزقها ))‬
‫وذه قاعدة هممة جدا جيب عَل ُك انسان وخاصة من يش تغل ِف الكسب والتجارة وحتصيل املا أن‬
‫يضعها نصب عينيه أنه لن ميوت حىت يس تمكل رزقه الي قتاه هللا ِه ليس وناك حاجة اَل غش وقذب‬
‫ورَب واَل أآخره رزقك لن متوت حىت تس تمكهل فَل تُدخل ِف ذمتك حراأ‪.‬‬
‫َّ تدخل ِف ذمتك معايص هلل اتقي هللا ولهذا يقو ‪ -‬انتبه‪(( :-‬لن متوت نفس حىت تس تمكل رزقها فاتقوا هللا‬
‫وأمجلوا الطلب ‪ )).‬أمجلوا ِف طلب الرزق ‪.‬اطلاوا الرزق امجليل الطيب احلسن الي َّ غش فيه َّ قذب‬
‫َّ رَب َّ حراأ أمجلوا ِف الطلب َتريوا من الرزق أطياه وأحس نه وأبرقه وانفعه أمجلوا ِف الطلب ‪.‬‬
‫فانه َّ ينا ما عند هللا اَّ بطاعته فَل يدخل اَّنسان ِف حراأ وِف معايص وأآاثأ هلل س احانه وتعاَل وان‬
‫السخط‪.‬‬
‫هللا جعل هالروح والفرح ِف الرضا واليقْي وجعل اهلي واحلُزن ِف الشك و ُ‬
‫فاحلاصل أن وذه مشلكة ِف قثري من الناس اذا دخل ِف حتصيل الرزق يُمتحن امتحاّن عظامي وتأتيه أيضا‬
‫فنت‪ ,‬قد يصادف مثَل َعليات تسمى َعليات مرحبة أرَبحا عالية َّ بد معها من قليل من الكذب فياقى ِف‬
‫رصاع مع نفسه ول ياقى حمافظا عَل الصدق ‪ ،‬عَل المانة عَل وذه املعاين العظمية أو يتخَل عْنا من اجل‬
‫املا ‪.‬قثري من الناس يسقط ِف وذا الامتحان ولهذا وناك حديث حصيح اثبت عن ناينا عليه الصَلة‬
‫والسَلأ ي ُنصح ُك اتجر وُك من يش تغل َبلتجارة أن جيعهل نصب عينيه ‪.‬‬
‫ووو قوِه عليه الصَلة والسَلأ‪ (( :‬أرب ٌع اذا كن فيك فَل عليك ما فاتك من ادلنيا ))‪.‬‬
‫أربع يعين قواعد‪ ،‬أصو ‪ ،‬ثوابت هممة اذا اكنت فيك َّ تاا ي حينئذ أي يش يفوتك من ادلنيا َّ حتزن وَّ‬
‫تأىس عليه‪ ((.‬أرب ٌع اذا كن فيك فَل عليك ما فاتك من ادلنيا صدق حديث‪ ،‬وحفظ أمانة ‪ ،‬وطيب ُطعمة‪،‬‬
‫و ُحسن خليقة‪ )) .‬وذه الربع اجعلها أساس يات وهللا وذا الكأ همي من الناَص المْي عليه الصَلة والسَلأ‬
‫أربع تكون أساس يات للتاجر املسَل ما يتعداوا أبدا همام اكنت المور ‪ ,‬يقو ِه عليه الصَلة والسَلأ َّ‬
‫عليك وذا ضامن َّ عليك ما فاتك من ادلنيا أنت راحب مادمت ممتسك هبذه المور الربع‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫(صدق احلديث وحفظ المانة وطيب ُطعمة وحسن خليقة ) لن وذه الربع حتديدا يه موضع امتحان‬
‫للتاجر دامئا ميتحن ِف وذه المور فعليه أن جيعل وذه المور الربعة أساس يات ما يفرط فهيا وَّ يتناز عْنا‬
‫لو قيل ِه ترحب املَليْي خري ِه وذه الربع من املَليْي وأي خري ِف مَليْي تضيع معه وذه الق العظمية‬
‫والخَلق امجليةل ؟ أي قمية للمَليْي أن خيرج املرء من الصدق ويدخل ِف حزي الكذابْي أي قمية للمَليْي‬
‫أن خيرج املرء من المانة ويدخل ِف حزي اخلونة واخلائنْي ؟ أي قمية للمَليْي اذا اكن اخللق يفسد ويضيع‬
‫ومييش بَل ُخلق ؟ أي قمية للمَليْي اذا اكن يدخل ِف جوفه الطعاأ احلراأ ؟‬
‫قا ‪ " :‬وطيب طعمة " أو يدخل ِف جوف أوَّده وأوهل احلراأ ؟ أي قمية لهذه املَليْي‬
‫وقام جاء ِف احلديث ‪ُ( :‬ك جسد قاأ عَل السحت فالنار أوَل به )‬
‫وذه اخلصا الربع ينبغي أن حيافظ علهيا ُك من يدخل ِف التجارة ويعتَبوا أساس يات وَّ يساوأ علهيا َّ‬
‫بد أن حتفظ وذه َّبد أن يعتين هبا‪,‬وُك ما يدخل ِف أي مّشوع أو َعل َتاري فعَل س يجد أنه يساوأ‬
‫عَل وذه المور الربعة‪ :‬صدق احلديث وحفظ المانة وطيب الطعمة وحسن اخلليقة ‪.‬‬

‫يت ََب َر ْق ُت‪َ ،‬ولَيْ َس ِل َ ََب َق ِيت‬


‫اّلِل‪ ،‬ا َذا َر ِض ُ‬ ‫قا رمحه هللا‪َ :‬وقَدْ تَقَ هد َأ ْ َالث َُر ه ِالي َذقَ َر ُه أَ ْمحَدُ ِِف ِقتَ ِاب ُّالز ْو ِد‪« :‬أَّنَ ه ُ‬
‫ل‬
‫السا ِب َع ِم َن الْ َو َ ِدل» ‪.‬‬
‫ُمنْهتَ اىى‪َ ،‬وا َذا غَ ِضبْ ُت لَ َع ْن ُت‪َ ،‬ولَ ْعنَ ِيت تُدْ ِركُ ه‬
‫ل‬
‫الشه ُِور َو ْ َالع َْوا ِأ‪َ ،‬ولَ ِك هن َس َع َة ِالر ْز ِق َو ُطو َ الْ ُع ُم ِر‬
‫َولَي َْس ْت َس َع ُة ِالر ْز ِق َوالْ َع َم ِل ِب َك ْ ََثتِ ِه‪َ ،‬و ََّ ُطو ُ الْ ُع ُم ِر ِب َك ْ ََث ِة ُّ‬
‫َِبلْ َ ََبقَ ِة ِفي ِه‪..‬‬

‫وذا تأصيل همي جدا يغيب عن قثري من الذوان‪ ,‬يقو ‪ " :‬ليست سعة الرزق والعمل بكَثته وَّ طو‬
‫العمر بكَثة الشهور والعواأ ولكن سعة الرزق والعمر َبلَبقة فيه " ‪:‬فهذه مسأَل هممة يُغفل عْنا يعين قد‬
‫يظن الظان أن الَبقة ِف الرزق قَثة الرزق وقَثة املا ‪.‬‬
‫(فَأَ هما ْاَّ َنس ُان ا َذا َما ابْتَ ََل ُه َرب ُّ ُه فَأَ ْق َر َم ُه َون َ هع َم ُه فَ َي ُقو ُ َر ِيب أَ ْق َر َم ِن (‪َ * )15‬وأَ هما ا َذا َما ابْتَ ََل ُه فَقَ َدَر عَلَ ْي ِه ِر ْزقَ ُه‬
‫ل‬ ‫ل ل‬
‫فَ َي ُقو ُ َر ِيب أَوَانَ ِن ) ‪,‬قا هللا ‪ (:‬الك ) ليس ُك من وسع هللا عليه ِف املا وقَث املا ِف يده وذا من اكراأ‬
‫هللا ِه بل قد يكون املا الكثري الوافر ِف يد خشص همان عند هللا ليس مبكرأ عند هللا س احانه وتعاَل‪,‬‬
‫وادلنيا يعطاوا الكفر واملؤمن والعايص واملطيع ( ُ ًّالك ن ُ ِمد َو ُؤ ََّ ِء َو َو ُؤ ََّ ِء) لكن من أعطي ادلنيا من الكفار‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫والعصاة ما أعطيه من ادلنيا ليس فيه برقة ‪-‬عَل املعىن الي يقرره ويوحضه ابن الق رمحه هللا تعاَل وينبغي‬
‫التفطن ِه وس يأيت تفصيل ِه َعيب وعظ وّنفع للغاية‪. -‬‬

‫اّلِل َو ْاش َت َغ َل ِبغ ْ َِري ِه‪ ،‬ب َ ْل َحيَا ُة الْهبَ َ ِ ِ‬


‫اِئ‬ ‫قا َوقَدْ تَقَ هد َأ أَ هن ُ َْع َر الْ َع ْا ِد و َُو ُم هد ُة َح َياتِ ِه‪َ ،‬و ََّ َح َيا َة ِل َم ْن أَع َْر َض َع ِن ه ِ‬
‫خ ْ ٌَري ِم ْن َح َياتِ ِه‪ ،‬فَا هن َح َيا َة ْاَّن ْ َس ِان ِ َحب َيا ِة قَلْ ِا ِه َو ُرو ِح ِه‪َ ،‬و ََّ َحيَا َة ِلقَلْ ِا ِه ا هَّ ِب َم ْع ِرفَ ِة فَا ِط ِر ِه‪َ ،‬و َم َح هاتِ ِه‪َ ،‬و ِع َاا َدتِ ِه‬
‫ل‬
‫الط َمأْ ِنينَ ل ِة ِب ِذ ْق ِر ِه‪َ ،‬و ْ لالن ْ ِس ِب ُق ْ ِربه‪ِ،‬‬ ‫ل‬
‫َو ْحدَ ُه‪َ ،‬و ْاَّّنَ ب َ ِة ال َ ْي ِه‪َ ،‬و ُّ‬
‫ل ل‬
‫َو َم ْن فَقَدَ َو ِذ ِه الْ َح َيا َة فَقَدَ الْخ ْ ََري ُلكههُ‪َ ،‬ول َ ْو تَ َعو َض َعْنْ َا ِب َما ت َ َع هو َض ِم هما ِِف ادلُّ نْ َيا‪ ،‬ب َ ْل لَي َْس ِت ادلُّ نْ َيا ِبأَ ْ َمج ِعهَا ِع َوضا ا‬
‫يش ٌء الْ َاته َة‪.‬‬
‫اّلِل ل َ ْي يُ َع ِو ْض َع ْن ُه َ ْ‬ ‫وت الْ َع ْادَ ِع َو ٌض‪َ ،‬وا َذا فَاتَ ُه ه ُ‬ ‫يش ‪،‬ء ي َ ُف ُ‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫َع ْن َو ِذ ِه الْ َح َيا ِة‪ ،‬فَ ِم ْن ُ ِ‬
‫ل‬
‫َوقَ ْي َف يُ َع هو ُض الْ َف ِق ُري َِب هل ِات َع ِن الْغ ِ َِين َِب هل ِات‪َ ،‬والْ َع ِاج ُز َِب هل ِات َع ِن الْقَا ِد ِر َِب هل ِات‪َ ،‬والْ َمي ُِت َع ِن الْ َح ِي ه ِالي‬
‫يش َء َ ُِه ِم ْن َذاتِ ِه الْ َاته َة َ هَع ْن ِغنَا ُه َو َح َياتُ ُه َو َ َمَك ُ ُِه َو ُجو ُد ُه‬ ‫وت‪َ ،‬والْ َم ْخلُ ُوق َع ِن الْخَا ِل ِق‪َ ،‬و َم ْن ََّ ُو ُجو َد َ ُِه َو ََّ َ ْ‬ ‫ََّ ي َ ُم ُ‬
‫الس َم َاو ِات َو ْ َال ْر ِض‪.‬‬ ‫ِل ه‬ ‫ِل ِمثْقَا َ َذ هر ‪،‬ة َ هَع ْن َ ُِه ُم ْ ُ‬ ‫َو َر ْ َمح ُت ُه ِم ْن ل َ َو ِاز ِأ َذاتِ ِه؟ َوقَ ْي َف يُ َع هو ُض َم ْن ََّ ي َ ْم ِ ُ‬
‫ُك هبِ َا َو ِبأَ ْحصَاهبِ َا‪ ،‬فَ ُسلْ َطان ُ ُه عَلَهيْ ِ ْي‪،‬‬ ‫الش ْي َط َان ُم َو ه ٌ‬‫اّلِل َسبَباا ِل َم ْح ِق بَ َر َق ِة ِالر ْز ِق َو ْ َال َج ِل‪َ ِ ،‬ل هن ه‬ ‫َوان ه َما َاكن َْت َم ْع ِص َي ُة ه ِ‬
‫الش ْي َط ُان َويُقَ ِنارُهُ‪ ،‬فَ َ ََبقَ ُت ُه َم ْم ُحوقَ ٌة‪َ ،‬و ِلهَ َذا‬ ‫يش ‪،‬ء يَته ِص ُل ِب ِه ه‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫حصا ِب ِه‪َ ،‬و ُ ُّ‬‫َو ل َح َوالَ ُت ُه عَ ََل َو َذا ِادل َيو ِان َوأَو ِ ِْهل َوأَ ْ َ‬
‫اّلِل ِم َن الْ َ ََب َق ِة‪،‬‬‫اْس ه ِ‬ ‫وب َوالْجِ َماعِ ِل َما ِِف ُمقَ َ نار َ ِة ْ ِ‬ ‫الّش ِب َواللُّبْ ِس َو ُّالر ُق ِ‬ ‫ُك َو ُّ ْ‬ ‫اّلِل تَ َع َاَل ِع ْندَ ْالَ ْ ِ‬ ‫اْس ه ِ‬ ‫رش َع ِذ ْق ُر ْ ِ‬ ‫ُِ‬
‫ون ِ ه ِّلِل‪...‬‬
‫يش ‪،‬ء ََّ يَ ُك ُ‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫الش ْي َط َان فَتَ ْح ُص ُل الْ َ ََبقَ ُة َو ََّ ُم َع ِار َض َِهُ‪َ ،‬و ُ ُّ‬ ‫امس ِه ي َ ْط ُر ُد ه‬ ‫َو ِذ ْق ُر ْ ِ‬

‫*لنه ان م يفعل وذا شارق ُه الش يطان وقا نر ُه فمتحق الَبقة‪ ،‬ولهذا الايت نفس ُه بيت اَّنسان وطعاأ اَّنسان‬
‫ورشابه وفراشه ُك وذه الش ياء اذا اكنت مصحوبة َبلطاعة والكر هلل س احانه وتعاَل اقتنفهتا الَبقة‪ ،‬واذا‬
‫رشع ذكر اْس هللا عند الُك والّشب‬ ‫فُ ِتح الااب للش يطان شارك مفحقت الَبقة ‪,‬ولهذا قا ابن الق ‪ :‬ولهذا ُ ِ‬
‫واللااس والركوب وامجلاع‪ -‬ملا فيه مقارنة اْس هللا من الَبقة‪ -‬لكن اذا تُ ِرك ذِل انفتح الااب للش يطان ‪,‬مثل‬
‫ِل َو َش ِار ْقه ُْي‬ ‫ما قا هللا س احانه وتعاَل‪َ :‬و ْاس تَ ْف ِز ْز َم ِن ْاس تَ َط ْع َت ِمْنْ ُي ب َِص ْوتِ َك َوأَ ْج ِل ْب عَلَهيْ ِي ِ َخب ْي ِ َ‬
‫ِل َو َر ِج ِ َ‬
‫الش ْي َط ُان ا هَّ غُ ُر اورا (‪ )64‬ا هن ِع َاا ِدي لَيْ َس َ َِل عَلَهيْ ِ ْي‬ ‫ِِف ْ َال ْم َوا ِ َو ْ َال ْو ََّ ِد َو ِعدْ ُ ُْه ۚ َو َما ي َ ِعدُ ُ ُُه ه‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ُسلْ َط ٌان ۚ } ‪,‬بعض املفسين قا ‪ :‬ان عاادي‪-‬أي الين يذكرون هللا‪ -‬ليس ِل علهيي سلطان ‪ ،‬لن ذكر هللا‬
‫حرز اذا وصل اَّنسان َبب بيته وفتح الااب قا ‪ :‬بسي هللا م جيد جماَّ الش يطان ليدخل ‪،‬واذا ترك‬
‫التسمية َنه قد أ ِذ َن للش يطان َبدلخو واذا ُو ِضع الطعاأ فس همى اكن ذِل حيلو اَل بْي الش يطان وبْي أن ميد‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫يده اَل الطعاأ ‪ ،‬فاذا تُركت التسمية َنه قد ألذن ِه أن يشارك ِف وذا الطعاأ َو َش ِار ْقهُ ْي ِِف ْ َال ْم َوا ِ‬
‫َو ْ َال ْو ََّ ِد } ‪ .‬نعي‬

‫ون ِ ه ِّلِل فَ َ ََب َق ُت ُه َم ْ ُْوعَ ٌة‪ ،‬فَا هن هالر هب و َُو ه ِالي ي ُ َا ِاركُ َو ْحدَ ُه‪َ ،‬والْ َ ََب َق ُة ُلكُّهَا ِمنْهُ‪َ ،‬و ُ ُّ‬
‫ُك َما ن ُ ِس َب‬ ‫يش ‪،‬ء ََّ يَ ُك ُ‬ ‫ُك َ ْ‬ ‫‪َ ،‬و ُ ُّ‬
‫ل‬
‫وِه ُم َب َاركٌ ‪َ ،‬و َع ْادُ ُه الْ ُم ْؤ ِم ُن النها ِف ُع ِل َخلْ ِق ِه ُم َب َاركٌ ‪،‬‬
‫الَ ْي ِه ُم َب َاركٌ ‪ ،‬ف َ َ َلَك ُم ُه ُمبَ َاركٌ ‪َ ،‬و َر ُس ُ ُ‬
‫ل‬
‫نعي "وعاد ُه املؤمن النافع خللقه مبارك" َو َج َعلَ ِين ُم َب َار ااك أَيْ َن َما ُق ُ‬
‫نت }‪ ،‬والَبقة َّ تكون ِف أي يشء اَّ‬
‫ِبعل هللا ‪،‬جعل هللا س احانه وتعاَل للَبقة فيه ‪،‬نعي‪.‬‬

‫الشا ُأ أَ ْر ُض الْ َ ََبقَ ِة‪َ ،‬و َص َفهَا َِبلْ َ ََب َق ِة ِِف ِس ِت أ آ َي ‪،‬ت ِم ْن ِقتَا ِب ِه‪ ،‬فَ ََل‬ ‫يه ه‬ ‫َوبَيْ ُت ُه الْ َح َرا ُأ ُمبَ َاركٌ ‪َ ،‬و ِقنَان َ ُت ُه ِم ْن أَ ْر ِض ِه‪َ ،‬و ِ َ‬
‫ُم َبارِكَ ا هَّ و َُو َو ْحدَ ُه‪َ ،‬و ََّ ُمبَ َاركَ ا هَّ َما ن ُ ِس َب ال َ ْي ِه‪ ،‬أَع ِْين ا ََل أللُو ِويه ِت ِه َو َم َحاه ِت ِه َو ِرضَ ا ُه‪َ ،‬وا هَّ فَ ْالكَ ْو ُن ُلكُّ ُه‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ُك َما ََبعَدَ ُه ِم ْن ن َ ْف ِس ِه ِم َن ْ َال ْع َي ِان َو ْ َال ْق َوا ِ َو ْ َال ْ ََعا ِ فَ ََل بَ َر َق َلة ِفي ِه‪َ ،‬و ََّ خ ََريْ‬ ‫وب ا ََل ُربُو ِبي ه ِت ِه َو َخلْ ِق ِه‪َ ،‬و ُ ُّ‬ ‫َمنْ ُس ٌ‬
‫ل‬
‫ُك َما َاك َن قَ ِري ااا ِم ْن َذ ِ َِل فَ ِفي ِه ِم َن الْ َ ََبقَ ِة عَ ََل َح َس ِب قُ ْ ِرب ِه ِمنْهُ‪.‬‬ ‫ِفي ِه‪َ ،‬و ُ ُّ‬

‫نعي قا ‪-‬رمحه هللا‪ : -‬فلَكمه مبارك‪ ،‬ورسوِه مبارك‪ ،‬وعاده املؤمن مبارك‪ ،‬وبيته احلراأ مبارك " أيضا‬
‫يُضاف للمناس اة اليت حنن الآن فهيا‪ ،‬ويه أن شهر رمضان مبارك‪ ،‬ولهذا جاء ِف احلديث عن ناينا ‪-‬عليه‬
‫الصَلة والسَلأ‪ -‬أنه قا ‪ « :‬قد أاتُك رمضان شهر مبارك‪ ،‬تُصفد فيه أو تغل فيه الش ياطْي وتفتهح فيه أبواب‬
‫اجلنة وتغلهق أبواب النار وفيه ليةل خري من ألف شهر من حرأ خريوا فقد حرأ »‬
‫فرمضان مبارك‪ ،‬والَبقة اليت ِف رمضان تادأ معه مبارشة من أو دخوِه اَل أآخر حلظة فيه لكه برقه وذا‬
‫الشهر ‪,‬ولهذا قا ‪-‬عليه الصَلة والسَلأ‪ِ -‬ف احلديث الآخر ‪« :‬اذا اكن أو ليةل» انتبه للكمة‪ :‬أو « اذا‬
‫اكن أو ليةل من رمضان فتحت أبواب اجلنة فَل يُغلق مْنا َبب وغُلقت أبواب النار فَل يفتح مْنا َبب‬
‫ُوصفدت الش ياطْي ومردة اجلن وينادي منا ‪،‬د ي َبغي اخلري أقبل وي َبغي الّش أقرص وهلل ُعتقاء من النار‬
‫وذِل ُك ليةل» وذه الَباكت ملا ذكروا بدأوا بقو اذا اكن أو ليةل من رمضان‪ ،‬فَبقة رمضان تادأ من أو‬
‫دخوِه ويه برقة ِف الوقت‪ ،‬وبرقة ِف العمل‪ ،‬وبرقة ِف الثواب‪ ،‬ومضاعفة الجور﴿ انهام ي ُ َو هَّف الصا ِب َ‬
‫رون‬
‫ل‬
‫جر ُُه ِب َغ ِري ِح ‪،‬‬
‫ساب﴾ [ الزمر ‪]39:10 -‬‬ ‫أَ َ‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫وشهر رمضان قام ِف احلديث الآخر شهر الصَب‪ ،‬والصابر يُوَّف أجره بغري حساب ‪,‬فرمضان فيه برقة َعياة‬
‫ولهذا من أكرمه هللا ‪-‬س احانه وتعاَل‪ -‬وأدرك رمضان ووو َبلصحة والعافية والمن واَّميان عليه أن يُ َ‬
‫ري ربه‬
‫من نفسه خريا ليغَّن من براكته رمضان وخرياته العظاأ‪ .‬نعي‬

‫يش ‪،‬ء ِم َن‬ ‫اّلِل أَ ْو َ ََع ٌل لَ َعنَ ُه ه ُ‬


‫اّلِل أَبْ َعدُ َ ْ‬ ‫اّلِل أَ ْو َ ْ‬
‫خش ٌص لَ َعنَ ُه ه ُ‬ ‫«قا ‪-‬رمحه هللا‪َ : -‬و ِض ُّد الْ َ ََبقَ ِة الل ه ْعنَ ُة؛ فَأَ ْر ٌض لَ َعْنَ َا ه ُ‬
‫الْخ ْ َِري َوالْ َ ََبقَ ِة‪،‬‬

‫ولهذا أيضا املعايص فهيا لعن َتد قثري من لعن من فعل قذا لعن من فعل قذا وس يأيت أو لعهل مر عندّن املعايص‬
‫توجب اللعن‪ ،‬أظن مر معنا ذكر أمثةل قثرية جدا ابن الق من القرأآن ومن الس نة‪ ،‬كيف أن املعايص جملاة للعلن‪ ،‬ووذا‬
‫اللعن ذواب للَبقة‪ .‬نعي‬

‫ِيل فَ ََل بَ َرقَ َة ِفي ِه الْ َاته َة‪.‬‬


‫قا َو ُلكه َما ات َهص َل ِب َذ ِ َِل َو ْارتَاَطَ ِب ِه َو َاك َن ِمنْ ُه ب َِسب ‪،‬‬
‫لك َما َاك َن ِ َْجتَ ُه فَ َ ُهل ِم ْن لَ ْعنَ ِة ه ِ‬
‫اّلِل ِبقَدْ ِر قُ ْ ِرب ِه َو ِات َص ِ ِاِه ِب ِه‪ ،‬فَ ِم ْن‬ ‫َوقَدْ لَ َع َن عَدُ هو ُه ابْ ِل َيس َو َج َع َ ُهل أَبْ َعدَ َخلْ ِق ِه ِمنْهُ‪ ،‬فَ ُ ُّ‬
‫ل‬
‫اّلِل ِفي ِه‪ ،‬أَ ْو‬ ‫ِص َه‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫و‬ ‫ُّ‬
‫ُك‬ ‫ُ‬ ‫و‬
‫َ ِ َ ََ َ َ‬‫‪،‬‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ْ‬
‫َل‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ز‬‫ْ‬ ‫الر‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ْ‬
‫َ ْ ِ ََ ُ ُ َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ر‬‫ب‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ِف‬‫ِ‬ ‫ري‬
‫‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْظ‬‫ع‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ايص‬ ‫ِ‬ ‫وَا ُونَا َاك َن ِللْ َم َع‬
‫دَن أَ ْو َجا ‪،‬ه أَ ْو ِع ْ ‪َ،‬ل أَ ْو َ ََع ‪،‬ل فَه َُو عَ ََل َصا ِح ِب ِه لَيْ َس َِهُ‪ ،‬فَلَيْ َس َ ُِه ِم ْن ُ َُع ِر ِه َو َم ِ ِاِه َوقُ هوتِ ِه‬ ‫اّلِل ِب ِه‪ ،‬أَ ْو ب َ ‪،‬‬
‫ُِص ه ُ‬ ‫َما ‪ ،‬ع ِ َ‬
‫ون‬‫اّلِل ِب ِه َ‪.‬و ِلهَ َذا ِم َن النه ِاس َم ْن ي َ ِع ُيش ِِف َو ِذ ِه ادله ِار ِمائ َ َة َس نَ ‪،‬ة أَ ْو َ ْحن َووَا‪َ ،‬ويَ ُك ُ‬ ‫َو َجا ِو ِه َو ِعلْ ِم ِه َو َ ََع ِ ِهل ا هَّ َما أَ َطا َع ه َ‬
‫ل‬
‫ون َم ُ ُاِه‬‫ِل الْقَنَا ِط َري الْ ُمقَنْ َط َر َة ِم َن ا هلو َِب َوالْ ِفضه ِة َويَ ُك ُ‬ ‫ّش َين َس نَ اة أَ ْو َ ْحن َووَا‪َ َ ،‬مَك أَ هن ِمْنْ ُ ْي َم ْن ي َ ْم ِ ُ‬ ‫ُ َُع ُر ُه ََّ ي َ ْالُ ُغ ِع ْ ِ‬
‫ِِف الْ َح ِقيقَ ِة ََّ ي َ ْالُ ُغ أَلْ َف ِد ْر َ ‪ُ،‬ه أَ ْو َ ْحن َووَا‪َ ،‬و َوكَ َذا الْ َجا ُه َوالْ ِع ْ َُل‪.‬‬
‫اّلِل َو َما َو َاَّ ُه‪ ،‬أَ ْو عَا ِل ٌي أَ ْو ُمتَ َع ِ ٌَل» ‪.‬‬ ‫الِت ِم ِذ ِي َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪« -‬ادلُّ نْ َيا َملْ ُعون َ ٌة‪َ ،‬ملْ ُع ٌ‬
‫ون َما ِفهيَا‪ ،‬ا هَّ ِذ ْق ُر ه ِ‬ ‫َو ِِف ِ ْ‬
‫ل‬
‫اّلِل الْ ُم ْس تَ َع ُان‬
‫ون َما ِفهيَا ا هَّ َما َاك َن ِ ه ِّلِل» فَهَ َذا و َُو ه ِالي ِفي ِه الْ َ ََبقَ ُة خ هَاص اة‪َ ،‬و ه ُ‬
‫َو ِِف أَثَ ‪،‬ر أآخ ََر‪« :‬ادلُّ نْ َيا َملْ ُعون َ ٌة َملْ ُع ٌ‬
‫ل‬
‫وعليه ال ُتلَكن‪.‬‬

‫ذكر ونا أن ضد الَبقة اللعنة واللعنة ِف الرض أو الشخص أو العمل ذواب للخري والَبقة وُك ما اتصل بذِل‬
‫وارتاط به اكن منه بسبيل فَل برقة فيه الاتة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫ووذا املقاأ الي يذكر رمحه هللا تعاَل حيذر فيه العااد من الش يطان أشد التحذير؛ لن الش يطان أعاذّن هللا ‪ -‬عز‬
‫وجل‪ -‬أمجعْي منه وأولينا وذريتنا واملسلمْي‪ -‬ملعون مطرود من رمحة هللا ‪,‬فلك من اتصل هبذا الش يطان طاعة ِه‬
‫ُون ِمن ُدوِن ِه ا هَّ اّنَ ااث َوان يَدْ ع َ‬
‫ُون ا هَّ َش ْي َطاّنا‬ ‫أصابه من وذه اللعنة نصيب مثل ما قا هللا س احانه وتعاَل‪ ﴿ :‬ان يَدْ ع َ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫هم ِريداا ﴿ ‪ ﴾١١٧‬ل ه َعنَ ُه اللهـ ُه َوقَا َ َ َل ه ِ‬
‫َت َذ هن ِم ْن ِع َاا ِدكَ ن َِصي ااا هم ْف ُروضا ا ﴾ [النساء‪]١١٨ -١١٧ :‬‬

‫سأآخذ نصيب من العااد ‪:‬وذا النصيب الي يأخذه من العااد يصيهبي من اللعنة ويكون هلي حظٌ من اللعنة حبسب طاعهتي‬
‫لهذا امللعون املطرود من رمحة هللا س احانه وتعاَل‪,‬اذن طاعة الش يطان َتر لَلنسان اللعنة‪ -‬لعنة هللا ‪-‬وتذوب عنه الَبقة‪,‬‬
‫فطاعة الش يطان َّ برقة فهيا بل يه موجبة لواب الَبقة وموجبة حللو اللعنة‪.‬‬
‫ َّ يؤقد رمحه هللا تعاَل ما بدأ به فيقو ‪ :‬مفن ونا اكن للمعايص أعظي تأثري ِف حمق برقة العمر‪ ،‬والرزق والعَل‪ ،‬والعمل‪.‬‬
‫عصيت هللا فيه أو ما عُِص هللا فيه أو بدن أو جاه أو‬
‫َ‬ ‫ووذا لكه عوداا فامي بدأ به ِف وذا الفصل قا ‪ :‬وُك وقت‬
‫عَل أو َعل فهو عَل صاحبه فليس ِه من َعره وماِه وقوتِه وجاوه وعلمه وَعهل اَّ ما أطاع هللا (فيه)‪.‬‬
‫ووذا توضيح ملعىن الَبقة ِف املا والعَل والعمل والرزق وغري ذِل ليس للمرء من ذِل اَّ ما أطاع هللا (فيه)‬
‫أما ما م ي ُطع هللا س احانه وتعاَل فيه فهو ليس ِه بل عليه‪ ,‬مثل ما جاء ِف احلديث‪ ( :‬ادلنيا ملعونة ملعون ما فهيا اَّ‬
‫ذكر هللا وما وَّه )‬
‫قا ‪ " :‬ولهذا مفن الناس " تأمل وذه الفائدة من يعيش ِف وذه ادلار مئة س نة يعين يكون ُمعمر أو حنووا‬
‫ويكون َعره أي احلقيقي عّش س نْي قد يكون َعره احلقيقي عّش س نْي‪ ,‬أحيا اّن يكون َعره مئة س نة وَّ‬
‫َعر ِه حقيقي أص اَل خيرج من ادلنيا ما ِه َعر حقيقي فهيا َعره مئة س نه مائة وعّشون س نة وليس ِه َعر‬
‫حقيقي‪ ,‬أذ ُقر من الش ياء اليت فعَل شدتين ِف القراءة ِف السرية ِف غزوة الحزاب ملا وضع اخلندق تقدأ‬
‫عدد من املّشقْي مخسة أو س تة معهي خيو وجاءوا اَل منطقة املسافة ليست بعيدة فقفزوا اَل ْجة‬
‫املسلمْي وطلاوا املاارزة أحد وؤَّء "َعر بن عاد َود" ‪ -‬ان قنت ما نسيت الاْس ‪ -‬قا ابن قثري ِف‬
‫الفصو اكن َعره (اذاك‪ )..‬مائة وعّشين س نة َعره مائة وعّشين س نة وعَل اخليل ويقفز ويطلب املاارزة‬
‫ووو ِف وذا العمر وذه قوة‪ ،‬لكن َبلكفر ُك وذا العمر وُك وذه القوة وُك وذه الصحة لكها ليست َعر‬
‫حقيقي‪ ،‬وقتهل عيل ابن أيب طالب ِف ذِل املوقف ‪,‬فهذا العمر الي هبذه القوة‪ ،‬ووذه الصحة ووذه أيضا‬
‫الشجاعة واَّقداأ ليس َعر اا حقيقيا ‪,‬فالعمر احلقيقي ما اكن طاعة هلل وذا العمر احلقيقي‪ ،‬أما ما ليس بطاعة‬
‫هلل فهذا ليس َعر حقيقي فالعمر احلقيقي ما اكن طاعة هلل حفظ اَّنسان من العمر حقيقة وو حبسب حظه‬
‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني والعشرون‬

‫من طاعة هلل ‪-‬س احانه وتعاَل‪ -‬فيه ‪,‬ولهذا بعض املوفقْي من عااد هللا‪ ،‬هللا يكتب لنا أمجعْي التوفيق‬
‫والفضل‪ َّ ،‬ينهتىي َعره مبوته بل ياقى ِه َعر اا اثني اا بعد املوت تُكتب ِه فيه أعام صاحلة قثرية َّ تزا ُك‬
‫يوأ تكتب ِه قام قا هللا ِف سورة يس‪﴿ :‬اّن َحن ُن ُحن ِِي املَوىت َونَك ُت ُب ما قَدهموا َوأ آ َاثر ُ ‪ُ،‬ه﴾‬
‫ل‬
‫أي ونكتب أاثرُه‪ ،‬من وذه الآاثر اليت تُكتب للعاد املؤمن بعد موته مثل ما يوحض ذِل احلديث «اذا مات‬
‫ابن أآدأ انقطع َعهل اَّ من ثَلث صدقة جارية أو عَل يُنتفع به أو ودل صاحل يدعو ِه»‬
‫نعي نكتفي هبذا‪ ,‬ونسأ هللا الكرمي رب العرش العظ أن ينفعنا أمجعْي مبا علمنا وأن يزيدّن علام وتوفيقا‪ ،‬وأن‬
‫ياارك لنا فامي علمنا وأن جيعهل جحة لنا َّ علينا مبنه وكرمه ‪,‬‬
‫س احانك اللهي وحبمدك أشهد أن َّ اِه أنت أس تغفرك وأتوب اليك ‪,‬اللهي صل وسَل عَل عادك ورسوِل‬
‫ناينا محمد وأِه وحصاه ‪,‬جزاُك هللا خريا‬
‫اضغط عَل الرابط لَلشِتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫السفَ ٌَِل] ٌ‬ ‫قال ا إلمام ابن القيم رحمه هللا في ك تابه الداء والدواء ‪[« :‬فَ ْصلٌٌالْ َم ْع ِص َيةٌٌ َ َْت َع ٌلٌ َصا ِحَبَ َاٌ ِم َنٌٌ َّ‬
‫اّللٌٌ َخلَ ٌَقٌ َخلْقَهٌٌ‬ ‫ونٌ ِم ٌَنٌالْ ِعلْ َي ِة‪ٌ،‬فَا ٌَّنٌ َّ َ‬
‫َو ِم ٌْنٌعق َوَبِتِ َا‪ٌ:‬أََّنَّ َاٌ َ َْت َع ٌلٌ َصا ِحَبَ َاٌ ِم َنٌٌاٌل ِسٌف َ ِلٌٌب َ ْعدٌٌَأَ ٌْنٌ ََك ٌَنٌمهَيَّئًاٌ ِ َِل ْنٌٌيَك ٌَ‬
‫ِ‬
‫السٌف َ ِل‪َ ٌ،‬و َج َع َلٌٌأَ ْه ٌَلٌ َطا َع ِت ٌِهٌ‬ ‫يٌم ْس تَقَ َّرٌٌ ِ‬ ‫ِيٌم ْس تَقَ َّرٌٌالْ ِعلْ َي ِة‪َ ٌ،‬وأَ ْسفَ ٌَلٌ َسا ِف ِل ٌَ‬ ‫ي‪ِ ٌ:‬علْ َي ًة‪َ ٌ،‬و ِسٌفَ َ ًل‪َ ٌ،‬و َج َع ٌَلٌ ِع ِلي ٌَ‬ ‫ِق ْس َم ْ ٌِ‬
‫يٌ ِفٌٌادلُّ نْ َياٌ َو ْاِل آ ِخ َر ِة‪َ ٌ،‬وأَ ْه ٌَلٌ َم ْع ِص َيتِ ٌِهٌ ْ َاِل ْس َف ِل َيٌٌ ِفٌٌادلُّ نْ َياٌ َو ْاِل آ ِخ َر ِة‪ٌََ َ ٌ،‬كٌ َج َع َلٌٌأَ ْه َلٌٌ َطا َعتِ ٌِهٌ َأ ْك َر َمٌٌ َخلْ ِق ٌِهٌعَلَ ْي ِه‪ٌ،‬‬ ‫ْ َاِل ْعلَ ْ ٌَ‬
‫يثٌ‬‫الصغ ٌََارٌ ِلهَؤ ََل ِء‪ََ َ ٌ،‬كٌٌ ِفٌٌم ْس نَ ِدٌٌأَ ْ َْحدٌٌَ ِم ٌْنٌ َح ِد ٌِ‬ ‫َوأَ ْه ٌَلٌ َم ْع ِص َيتِ ٌِهٌأَه َْو َنٌٌ َخلْ ِق ٌِهٌعَلَ ْي ِه‪َ ٌ،‬و َج َع َلٌٌالْ ِع َّزٌَةٌ ِلهَؤ ََل ِء‪َ ٌ،‬و ِال َّ َّلٌٌ َو َّ‬
‫تٌ ِظ ِلٌٌ‬ ‫الساعَ ِة‪َ ٌ،‬وج ِع ٌَلٌ ِر ْز ِ ٌقٌ َ َْت ٌَ‬ ‫دَيٌ َّ‬ ‫اّللٌٌ ْب ٌِنٌ َ َْع ٍروٌ َع ِنٌٌالنَّ ِ ِبٌٌ‪ٌ-‬ﷺ ‪ٌ-‬أَن َّهٌٌقَا ٌَل‪«ٌ:‬ب ِعثْتٌٌ َِب َّلس ْي ِفٌٌب َ ْ َيٌٌي َ ٌِ‬ ‫َع ْب ٌِدٌ َّ ِ‬
‫فٌأَ ْم ِري» ٌ‬ ‫لٌ َم ٌْنٌخَال َ َ ٌ‬ ‫الصغ ٌَارٌعَ َ ٌ‬ ‫ر ْم ِحي‪َ ٌ،‬وج ِع َلٌٌا ُّل ٌُّلٌ َو َّ‬
‫ونٌٌ ِم ٌَنٌ ْ َاِل ْس َف ِل َي‪َ ٌ،‬وُكَّ َماٌ َ َِع ٌَلٌ‬ ‫فَُكَّ َماٌ َ َِع َلٌٌالْ َع ْبدٌٌ َم ْع ِص َي ًٌةٌنَ َز َلٌٌا َ ٌلٌأَ ْسفَل‪ٌ،‬د ََر َج ٌٍة‪َ ٌ،‬و ََلٌٌيَ َز ٌالٌ ِ ٌفٌنزولٌٌٍ َح َّ ٌ‬
‫ّتٌيَك َ‬
‫ِ‬
‫ي‪ٌ .‬‬‫ونٌٌ ِم ٌَنٌ ْ َاِل ْعلَ ْ ٌَ‬‫ك‬‫ي‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ّت‬
‫ْ ٍ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ح‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ع‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ت‬
‫ار‬‫ٌ‬‫ف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬‫ال‬
‫ٌ‬ ‫َطاعَ ًٌةٌ ْارتَفَ َعٌٌِبِ َاٌد ََر َج ًة‪َ ٌ،‬و ََلٌٌيَ َز‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪.‬واشهد ان ل إاله إال هللا وحده ل شريك له واشهد ان ً‬
‫محمدا عبده‬
‫ورسوله ‪-‬صلى هللا وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين‪ -‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما‬
‫علمتنا وزدنا علما‪ ،‬واصلح لنا شاننا كله ول تكلنا إالى انفسنا طرفة عين‪ ،‬اما بعد ‪..‬‬
‫فهذا امر اخر وعقوبة اخرى من عقوبات الذنوب وعواقبها الوخيمة انها تجعل صاحبها من‬
‫السفلة‪ ،‬لن الخلق قسمان ‪ٌ :‬‬
‫علية وسفلة‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬والعلو ل ُينال إال بالطاعة‪،‬‬
‫‪ -‬وترك الطاعة ‪ ,‬والدخول في المعاصي ُسفول وانحطاط‬
‫والعبد كلما كان عظيم العناية بطاعة هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬كان ذلك ُع ًّلوا لدرجاته ورفعة‬
‫لمنازله‬
‫نكم َو هال َ ُ‬ ‫َّللا هال َ‬
‫ذين ا َمنوا م ُ‬ ‫﴿ َي َرفع ه ُ‬
‫الع َلم َد َر ٍ‬
‫جات ﴾ [ المجادلة ‪]11:‬‬ ‫ذين اوتوا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫إفاذا كان في طاعات وعبادات وتقربات إالى هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬فهو ل يزال في علو‬
‫وارتفاع ‪,‬و إاذا كان على العكس من ذلك مع المعاصي ُمنشغال بها‪ُ ،‬منهمكا في تعاطيها‪ ،‬إفانه ل‬
‫يزال في ُسفول‬
‫العلية‪ِّ ،‬علية الناس خيرهم‪ ،‬والمعصية تجعل المرء من السفلة اهل‬ ‫فالطاعة تجعل المرء من ِّ‬
‫النحطاط والسفول ‪,‬وهذا التقسيم ياتي ك ثير في النصوص‪ ،‬تقسيم الناس إالى هذين القسمين‬
‫إاما علية او ِّسفلة‪ ،‬او ِّخيار وشرار او نحو ذلك ‪,‬‬
‫وهذه الخيرية والعلو إانما تنال بطاعة هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬والشر والسفول إانما ُيحصل ُوينال‬
‫بالمعاصي‪ ،‬وهللا ‪-‬تعالى‪ -‬يقول﴿ َو ِّل ُكل َد َر ٌ‬
‫جات ِّمما َع ِّملوا﴾‬ ‫ٍ‬
‫اهل الطاعة درجات إالى علو وارتفاع‪ ،‬واهل المعاصي درجات إالى السفول والنحطاط ‪,‬وهذه‬
‫الدرجات بحسب العمال إان كانت طاعات وقربات علت بصاحبها وارتفعت‪ ،‬و إان كانت‬
‫معاصي‬
‫بصاحبها ونزلت إالى النحطاط والهالك‪.‬‬
‫سفلت ِّ‬

‫ودٌ ِم ْنٌٌ َو ْج ٍه‪َ ٌ،‬و ُّالُّنولٌٌ ِم ٌْنٌ َو ْج ٍه‪َ ٌ،‬وأَُّيُّ َماٌ ََك ٌَنٌأَ ْغلَ َبٌٌ‬
‫الصع ٌ‬ ‫قالٌرْحهٌهللاٌ‪َ :‬وقَدٌٌْ َ َْيتَ ِمعٌٌلِلْ َع ْب ِدٌٌ ِفٌٌأَ ََّّي ِمٌٌ َح َياتِ ٌِهٌ ُّ‬
‫سٌ َم ْنٌٌ َص ِعدٌٌَ ِمائ َ َةٌٌد ََر َج ٌٍةٌ َونَ َز َلٌٌد ََر َج ًةٌٌ َوا ِحدَ ةً‪ََ ٌ،‬كَ ٌْنٌ ََك َنٌٌ َِبلْ َع ْك ِسٌ‪ٌ .‬‬ ‫عَلَ ْي ٌِهٌ ََك َنٌٌ ِم ْنٌٌأَه ِ ِِْل‪ٌ،‬فَلَيْ َ ٌ‬

‫المرء في الحياة على هذه الحال التي اشار إاليها ا إلمام ابن القيم رحمه هللا تعالى قد يجتمع له المران‬
‫وسفول إفاذا مضى في‬ ‫ٌ‬
‫صعود ُ‬ ‫الصعود والسفول‪ ،‬اجتمع له في اليوم الواحد وفي الوقت الواحد‬
‫فهذ ِّه درجات وعلو منازل إفان كان في اثناء انشغا ِّل ِّه بالطاعة‬ ‫ً‬
‫الطاعة سا ِّلكا سبيلها ‪ ،‬منشغال بها ‪ِّ ،‬‬
‫زلت به القدم في معصية فهذا نزول‪ ،‬فقد يكون مثل ما اشار ابن القيم صعد مئة درجة او اك ثر ‪ ،‬ثم‬
‫ماض في خير وعبادة وصالة وحلقة علم‬ ‫تقع منه معصية في اثناء سيره في الطاعة ‪,‬يعني مثال شخص ٍ‬
‫شخص او غير ذ ِّلك‪(,‬فهو )الشيء الذي‬ ‫ٍ‬ ‫سخ َر من‬ ‫وهو في الطريق يتحدث مع زميله فاغتاب ً‬
‫شخصا او ِّ‬
‫سير ِّه ُنزول فقد يجتمع هذا وهذا‬ ‫ٌ‬
‫ماض فيه علو و ِّرفعه وهذا الذي بدر منه اثناء طريقه واثناء ِّ‬
‫هو ٍ‬
‫َ‬
‫ِّبحسب اعمال المرء‬
‫علو و ِّرفعه في مناز ِّله ودرجاته والناصح من‬ ‫مجاه ًدا نفسه عليها هذا ٌ‬
‫ماضيا في الطاعات ِّ‬ ‫فكلما كان ً‬
‫يكون دوما في صعود و إاذا بدر منه ما يكون به‬ ‫لنفس ِّه يحرص على سالمة العمل وان َ‬ ‫عباد هللا ِّ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫نزو ُله إفا ُنه يبادر إالى التوبة إالى هللا سبحانه والستغفار ويرجع إالى هللا سبحانه وتعالى ليبقى له‬
‫علو ُه ورفعته عند هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫صعود ُه وليبقى له ُ‬ ‫ُ‬

‫ْش ٌِقٌ‬ ‫يٌالْ َم ْ ِ‬‫طٌ َع ِظمي‪َ ٌ،‬وه َوٌٌأَ ٌَّنٌالْ َع ْبدٌٌَقَدٌٌْي َ ْ ُِّنلٌٌنز ًوَلٌٌب َ ِعيدً اٌأَبْ َعدٌٌَ ِم َّماٌب َ ْ ٌَ‬ ‫وسٌغَلَ ٌ‬ ‫ضٌ َهاهنَاٌ ِللنُّف ِ ٌ‬ ‫َولَ ِك ٌْنٌي َ ْع ِر ٌ‬
‫الصٌ ِحي ِحٌٌ َع ِنٌٌ‬ ‫الس َما ٌِءٌ َو ْ َاِل ْر ِض‪ٌ،‬فَ َلٌٌي َ ِفيٌصعودهٌٌأَلْ َفٌٌد ََر َج ٌٍةٌِبِ َ َذاٌ ُّالُّنولٌٌِالْ َوا ِح ِد‪ََ َ ٌ،‬كٌٌ ِفٌٌ َّ‬ ‫َوالْ َم ْغ ِر ِب‪َ ٌ،‬و ِم َّماٌب َ ْ َيٌٌ َّ‬
‫بٌ‪ٌ-‬ﷺ ‪ٌ-‬أَن َّهٌٌقَا ٌَل‪«ٌ:‬ا ٌَّنٌالْ َع ْبدٌٌَ ِل َيتَ َُكَّ ٌمٌ َِب ْل َ ُِك َم ِةٌٌالْ َوا ِح َد ِة‪ََ ٌ،‬لٌٌيلْ ِقيٌلَهَاٌ ََب ًَلٌٌُّيَ ْ ِويٌِبِ َاٌ ِ ٌفٌالنَّ ِارٌٌأَبْ َعدٌٌَ ِم َّماٌ‬ ‫النَّ ِ ٌِ‬
‫ِ‬
‫ب»ٌ‪ٌ .‬‬ ‫يٌالْ َم ْ ِ‬
‫ْش ٌِقٌ َوالْ َم ْغ ِر ٌِ‬ ‫ب َ ْ ٌَ‬

‫وهو ان العبد ينبغي ان يكون‬ ‫جدا ُينبه عليه ا إل ُ‬


‫مام ابن القيم رحمه هللا تعالى َ‬ ‫هنا امر مهم وعظيم ً‬
‫فقه في الصعود الذي هو ٌ‬
‫علو له و ِّرفعه والنزول‬ ‫فقه في الصعود والنزول‪ ،‬ان يكون عنده ٌ‬ ‫عنده ٌ‬
‫حذر شديد من‬ ‫على‬ ‫يكون‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫الباب‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫سفول وانحطاط‪ ،‬ينبغي ان يكون عنده ٌ‬
‫فقه‬ ‫هو ٌ‬ ‫الذي َ‬
‫ٍ‬
‫وانحطاطه لن النزول قد يكون درجة وقد يكون درجتين وقد‬‫ُ‬ ‫المور التي يكون بها نزو ُله وسف ُ‬
‫وله‬
‫يكون ثالث درجات وقد يكون النزول بكلمة واحده ُنزول إالى ابعد مابين المشرق والمغرب‪،‬‬
‫كلمة ل يلقي لها بال يهوي وهذا‬‫يقول ً‬ ‫جدا ‪ ،‬هذا في غاية الخطورة على المرء قد ُ‬ ‫وهذا خطير ً‬
‫الهوي نزول وانحطاط يهوي بها ابعد مابين المشرق والمغرب‪ ،‬ولهذا يجب على العبد ان يكون‬ ‫ْ‬
‫فقيها في هذا المر ‪ ،‬في الصعود والنزول ‪ ،‬العلو والسفول ‪ .‬وان يكون حريصا على ما به ُّ‬
‫علوه‬
‫حذرا اشد الحذر مما يكون به سفوله ‪ .‬وانحطاطه ُّ‬
‫وهويه ‪,‬فهذا في غاية الخطورة‬ ‫ورفعته عند هللا ً‬
‫ونبينا عليه الصالة والسالم نصح لمته في هذا عظيم النصح ‪ ،‬ومن هذا هذا الحديث العظيم‬
‫الذي في الصحيح ‪.‬يقول عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬إان العبد ليتكلم بالكلمة الواحدة ‪ -‬ما قال‬
‫الكلمة ؛ قال الكلمة الواحدة ‪ -‬ل ُي ِّلقي لها بال ‪ ،‬يهوى بها في النار ابعد ما بين المشرق‬
‫والمغرب ))‪.‬‬
‫فقضية الصعود والنزول العلو والسفول ‪ ،‬هذه قضية مهمة جدا ‪ ،‬يجب ان تفقه في هذا الباب ‪.‬‬
‫فالطاعات كلها علو ‪,‬والمعاصي كلها سفول والطاعات في العلو الذي ينال بها ‪ ،‬يتفاوت بحسب‬
‫الطاعة ويتفاوت بحسب حال المطيع واعظم ما يكون به علو المرء فرائض ا إلسالم وواجبات‬
‫الدين ‪.‬كما جاء في الحديث القدسي ‪ (( :‬ما تقرب إالي عبدي بشيء احب إالي مما افترضته عليه ‪،‬‬
‫ول يزال عبدي يتقرب إالي بالنوافل حتى احبه )) ‪ ،‬إالى تمام الحديث ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫ففرائض ا إلسالم وواجبات الدين ‪ ،‬هي اعظم ما يكون به العلو ‪ .‬ولهذا يجب ان نعلم في مسالة‬
‫العلو و الرتفاع ‪ ،‬ان اعظم ما يكون به علو المرء عند هللا سبحانه وتعالى بعد التوحيد الذي هو‬
‫اساس الدين‪ :‬الصالة المك توبة ‪ ،‬او الصلوات الخمس التي ك تبها هللا سبحانه وتعالى على‬
‫مقام في هذه الدنيا عظيم بين يدي هللا جل وعال هو من اعظم مقامات‬‫عباده إ‪.‬فان هذه الصالة ٌ‬
‫علو العبد عند هللا سبحانه واقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‪.‬‬
‫فالمحافظة على هذه الصلوات في اوقاتها ‪ ،‬في بيوت هللا ‪ ،‬كما امر هللا ‪ ،‬مع العناية باركانها‬
‫وواجباتها و شروطها ‪ ،‬هذا من اعظم ما ينال به العبد علو الدرجات ورفيع الرتب بل‪ ,‬إان في الصالة‬
‫امر عجب في هذا الباب‪ -‬باب العلو والنزول ‪ -‬اما في باب العلو فالصالة معونة للعبد على كل ما‬
‫الة " الصالة معونة على كل ما فيه علوه علو‬ ‫الص ْبر َو ه‬
‫الص ِّ‬ ‫ه‬ ‫َْ ُ‬
‫فيه علوه كما قال هللا تعالى‪ " :‬است ِّعينوا ِّب ِّ‬
‫للعبد و الصالة فتح لبواب الرحمة والتوفيق والسداد والمعونة على كل خير هذا من جهة‪.‬‬
‫الجهة الخرى‪ :‬جهة السفول الصالة من اعظم الروادع التي تردع العبد وتك فه عما فيه سفوله‬
‫تماما لركانها وواجباتها وشروطها كلما كان اعظم‬ ‫خشوعا و إا ً‬
‫ً‬ ‫كلما كان اعظم عناية بهذه الصالة‬
‫ك ًّفا له عما فيه سفوله كما قال هللا سبحانه وتعالى‪ " :‬إان الصالة تنهى عن الفحشاء والمنكر "‬
‫الفحشاء والمنكر سفول والصالة تنهى عنه ولهذا في باب العلو والسفول ينبغي ان ينتبه لهذا‬
‫المر وان يكون العبد على فقه عظيم في هذا الباب ما يكون به علو الدرجات ورفعة المنازل‬
‫وايضا من الفقه في هذا الباب ان يحرص العبد على التفقه فيما يترتب عليه مضاعفة الجر لن‬
‫مضاعفة الجر على العمل هذا من اسباب مزيد العلو والرتفاع ‪,‬وهناك اسباب إاذا حصلت من‬
‫العبد ضاعفت اجره في عمله حتى إان العمل ليتضاعف اضعاف ك ثيرة بحسب امور تقارن‬
‫العمل وهذه مسالة مهمة جدا في باب العلو ومن احسن من رايته جمع فيها وافاد وحرر واجاد‬
‫ا إلمام عبد الرحمن بن سعدي ‪-‬رحمه هللا تعالى ‪-‬في رسالة له لطيفة جاءت ضمن فتاويه‬
‫وطبعت صغيرة مفردة بعنوان السباب المعينة على مضاعفة الجور وهي رسالة عظيمة ً‬
‫جدا‬
‫حري بكل مسلم ان يقف عليها وفي هذا المكان من فضل هللا سبحانه وتعالى عقدنا مجالس‬
‫عديدة قرانا فيها هذه الرسالة العظيمة وجرى ا ً‬
‫يضا التعليق عليها بما يسره هللا تبارك وتعالى‬
‫لكنني اشير إالى اهمية هذه الرسالة وعظيم حاجة العبد إاليها في هذا الباب باب العلو في‬
‫الدرجات ورفعة المنازل وهو باب من البواب المهمة التي ينبغي على العبد ان يكون على عناية‬
‫جدا وهو من مضار‬‫عظيمة بها وفي مقابل ذلك النزول والنحطاط والسفول هذا باب خطير ً‬
‫وعواقب الذنوب فيجب على العبد ان يكون على فقه في هذا الباب واعظم ما يكون به النزول‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫والسفول كبائر الذنوب وعظائم الثام وهي اخطر ما يكون على المرء في حياته ولهذا ينبغي‬
‫على الناصح لنفسه ان يقرا في الكبائر حتى يحذر منها ومن احسن ما ك تب فيها ك تاب الكبائر‬
‫ل إالمام الذهبي ‪-‬رحمه هللا تعالى‪-‬يقرا في الكبائر ويكون على حذر وحيطة منها لن الكبائر هي‬
‫اعظم ما يكون في سفول المرء وانحطاطه اعاذنا هللا اجمعين‪.‬‬

‫ولٌا َ ٌلٌغَ ْف َ ٍل‪ٌ،‬‬


‫ونٌنز ٌ‬ ‫الُّن َ َّل؟ٌ َو ُّالُّنولٌٌأَ ْم ٌرٌ ََل ِزٌمٌ ِل ْلن ْ َس ِان‪َ ٌ،‬ولَ ِك ْنٌٌ ِم ٌَنٌالنَّ ِ ٌ‬
‫اسٌ َم ٌْنٌيَك ٌ‬ ‫فَأَ ٌُّيٌصعو ٍدٌٌي َو ٌِازيٌ َه ِذٌِهٌ َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بٌيَقَ َظتِ ِهٌ‪ٌ .‬‬
‫ظٌَ ِم ٌْنٌغَ ْفلَ ِت ٌِهٌعَا َدٌٌا َلٌٌد ََر َج ِت ِه‪ٌ،‬أَ ْوٌٌا َ ٌلٌأَ ْرفٌََعٌ ِمْنْ َاٌ ِ َِب ْس ٌَ‬
‫فَهَ َذاٌ َم َّتٌٌ ْاست َ ْيقَ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النزول مثل ما اشار رحمه هللا النزول يتفاوت لكن هذه النزلة التي اشير إاليها في الحديث هذه‬
‫جدا حيث قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق‬ ‫نزلة خطيرة ً‬
‫والمغرب" المسافة بين المشرق والمغرب ليست قليلة فهذه المسافة بعيدة ً‬
‫جدا في النزول‪.‬‬
‫النزول متفاوت قد يكون نزول المرء درجة قد يكون نزول المرء درجتين وقد يكون نزول المرء‬
‫يضا ُينتبه له ومما يوضح ذلك ان في الحاديث بل في‬ ‫ابعد ما بين المشرق والمغرب فهذا باب ا ً‬
‫غيرما حديث يذكر عليه الصالة والسالم التفاوت بين الكبائر " ال انبئكم باكبر الكبائر "‬
‫فالكبائر متفاوتة إاذا كانت الكبائر متفاوتة إفانها ايضا متفاوتة فيما يترتب عليها‪،‬من نزول‬
‫وسفول‪.‬‬

‫ودٌا َلٌٌ‬ ‫َو ِمْنْ ٌْمٌ َم ٌْنٌيَكونٌٌنزولٌٌا َ ٌلٌمبَا ٌحٌٍ ََلٌٌي َ ْن ِويٌ ِب ِهٌٌ ِاَل ْس ِت َعان ٌََةٌعَ َلٌٌ َّ‬
‫الطاعَ ِة‪ٌ،‬فَهَ َذاٌ َم َّتٌٌ َر َج ٌَعٌا َ ٌلٌا َّلطاعَ ٌِةٌفَقَدٌٌْيَع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فٌ ِِهَّ ًة‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْ‬ ‫د ََر َج ِت ِه‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْ ََلٌٌي َ ِصلٌٌالَْيْ َا‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْيَ ْرتَ ِف ٌعٌ َعْنْ َا‪ٌ،‬فَان َّهٌٌقَدٌٌْيَع ٌ‬
‫ودٌأَعْ َلٌٌ ِِهَّ ًٌةٌ ِم َّماٌ ََك َن‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْيَك ٌ‬
‫ونٌأَضْ َع َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودٌ ِِهَّتهٌٌ َ ََكٌٌ ََكن َتٌْ‪ٌ .‬‬
‫تَع ٌ‬
‫َو ِمْنْ ٌْمٌ َم ٌْنٌيَكونٌٌنزولٌٌا َ ٌلٌ َم ْع ِص َي ٍة‪ٌ،‬ا َّماٌ َص ِغ َريٌٍةٌأَ ْوٌٌكَب َِري ٍة‪ٌ،‬فَهَ َذاٌ َ َْيتَاجٌٌ ِفٌٌ َع ْو ِد ِهٌٌا َلٌٌد ََر َج ِت ٌِهٌا َلٌٌت َْوب ٌٍَةٌن َصوحٍ‪ٌ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواَنَ ب ٌٍَةٌ َصا ِدقَ ٌٍة‪ٌ .‬‬
‫ِ‬
‫هذه الن ثالثة انواع من النزول اشار إاليها ‪-‬رحمه هللا تعالى‪..‬‬
‫النوع الول ‪ :‬يكون نزول إالى غفلة‪ ،‬فهذا متى استيقظ من غفلته عاد إالى درجته‪ ،‬او إالى ارفع‬
‫منها بحسب اليقظة والنتباه‪ ،‬فهذا نوع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫مثال سنن و بمستحبات مع‬ ‫مشتغال برغائب و ً‬


‫ً‬ ‫النوع الثاني‪ :‬قد يكون نزوله إالى مباح‪ ،‬يعني كان‬
‫عنايته بالفرائض العظيمة والواجبات ثم يترك هذه الرغائب فينشغل بامور مباحة ‪-‬ليست‬
‫محرمة‪ ،-‬إاذا انشغل بالمور المباحة وترك تلك السنن والرغائب والمستحبات اي شيء‬
‫يحصل؟ ايبقى على الدرجة التي كان عليها او انه ينزل بحسب انصرافه وانشغاله إالى المباح‪،‬هو‬
‫لم ياثم! هو لم ياثم إبانشغاله بهذا المباح‪ ،‬لكن درجته هل بقيت؟ ‪-‬لن تبقى؛ نزلت بحسب ما‬
‫انشغل به من المباح‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬ومنهم من يكون نزوله إالى مباح ل ينوي به الستعانة على الطاعة) هذه ايضا مسالة مهمة‬
‫جدا‪ ،‬المباح الذي يشتغل به المرء‪ ،‬إان اشتغل به المرء اشتغا ًل يقصد به ان يكون معونة له على‬
‫ً‬
‫الطاعة والزدياد منها‪ ،‬إفان هذا المباح يتحول إالى عبادة‪ ،‬ولهذا حتى نوم المرء قد يكون عبادة بحسب‬
‫يضا انشغاله بامور مباحة‪ ،‬من طعام او شراب او غير ذلك‪ ،‬قد يكون عبادة بحسب نية‬ ‫نية المرء‪ ،‬وا ً‬
‫ً‬
‫انشغال به؛ فهو ‪-‬كما ذكر ابن‬ ‫ً‬
‫اشتغال ً‬
‫مجردا‪،‬‬ ‫العبد [ولكل امرئ ما نوى] لكن اذا كان اش ً‬
‫تغال بالمباح‬ ‫إ‬
‫القيم‪( -‬منهم من يكون نزوله إالى مباح ل ينوي به الستعانة على الطاعة) فهذا متى رجع إالى الطاعة‬
‫فقد يعود إالى درجته وقد ل يصل إاليها‪ ،‬وقد يرتفع عنها‪ ،‬إفانه قد يعود اعلى همة مما كان‪ ،‬وقد يكون‬
‫اضعف‪ ،‬ما يدري ما الذي يحصل به عندما ينشغل بالمباح‪ ،‬قد ينشغل بالمباح وينهمك فيبقى على‬
‫ً‬
‫هذا النزول [الذي] صار إاليه وقد ينتبه فيرجع إالى الصعود ولكن باقل مما كان عليه اول وقد يكون‬
‫بهمة اعلى يتاسف على حاله وعلى ‪ ..‬فيعود بهمة اعلى فقد يرتفع درجات اعلى مما كان عليه سابق ًا‪.‬‬
‫جدا ان يتفقه فيها العبد و ان يتبصر وان يزن نفسه واعماله و‬‫فالحاصل ان هذه المسالة حقيقة مهمة ً‬
‫حاله في ضوء هذا النزول و الرتفاع ‪.‬‬
‫والحالة الثالثة‪ :‬من يكون نزوله إالى معصية إاما صغيرة او كبيرة فالنحطاط الذي يحصل بسبب‬
‫المعصية هذا قد يحتاج في عوده إالى توبة نصوح و إانابة صادقة‪.‬‬
‫ثم ذكر ً‬
‫خالفا ً‬
‫مفيدا في هذه المسالة هل إاذا كان نزوله إالى معصية ثم تاب منها هل يصعد إالى درجته‬
‫الولى كما كان او ل يصعد اليها ويكون دونها فهذه مسالة ذكر فيها ً‬
‫خالفا بين اهل العلم وذكر فيها‬ ‫إ‬
‫ا ً‬
‫يضا فوائد مهمة ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫ودٌب َ ْعدٌٌَالتَّ ْوب ٌَِةٌا َ ٌلٌد ََر َج ِت ٌِهٌال َّ ِتٌٌ ََك َنٌٌ ِفْيَا‪ِ ٌ،‬بنَ ًاءٌٌعَ َلٌٌأَ ٌَّنٌالتَّ ْوب ٌََةٌتَ ْمحوٌأَث ََرٌٌا َّلن ِْب‪َ ٌ،‬و َ َْت َع ٌلٌ‬ ‫اسٌه ٌَْلٌيَع ٌ‬ ‫فٌالنَّ ٌ‬ ‫َوا ْختَلَ َ ٌ‬
‫ِ‬
‫ادلَّر َجةٌٌال َّ ِ ٌ‬
‫تٌ‬ ‫ٌ‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫ا‬‫م‬‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ٌ‬‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ب‬‫و‬ ‫ق‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫اط‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫س‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬‫َا‬‫ه‬ ‫ري‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬‫ٌ‬‫ة‬
‫ٌ‬‫َ‬ ‫َوجودَهٌٌ َك َعدَ ِم ِهٌٌفَ ََكَن ٌَّهٌل َ ْمٌٌيَك ْن‪ٌ،‬أَ ٌْوٌ ٌََلٌي َ َ ً َ َّ َّ ْ َ‬
‫ب‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ال‬‫ٌ‬ ‫ن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫اء‬ ‫ن‬‫ب‬‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫‪،‬‬ ‫ود‬ ‫ع‬
‫ِ‬
‫فَاتَ ْتهٌٌفَان َّهٌٌ ََلٌٌي َ ِصلٌٌالَْيْ َا‪ٌ .‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صٌ ِفي ِهٌٌ ِلصعو ٍدٌٌأآخ ََرٌٌ َو ْارتِقَا ٌٍءٌجبملٌ‬ ‫ل‪ٌ:‬أَن َّهٌٌ ََك ٌَنٌم ْس تَ ِعدًّاٌ َِب ْش ِتغ ِ َِالٌٌ َِب َّلطاعَ ِةٌٌ ِفٌٌ َّالز َم ِنٌٌ َّ ِاليٌ َع َ ٌ‬ ‫قَالوا‪َ ٌ:‬وتَ ْق ِريرٌٌ َذ ِ ٌَ‬
‫فٌ ِالربْح‪ٌ،‬‬ ‫فٌالْ َمالٌٌتَضَّ ا َع َ ٌ‬ ‫الٌ َّ ِاليٌي َ ْم ِلكه‪َ ٌ،‬وُكَّ َماٌتَضَّ ا َع َ ٌ‬ ‫كٌٌي َ ْو ٍمٌٌ ِجب ْم َ ِلٌٌ َم ِ ٌِ‬
‫بٌ َّالرج ِلٌٌ َّ‬ ‫السا ِل َفة‪ِ ٌ،‬ب َم ْ ُِّن ٌَِّلٌكَ ْس ٌِ‬
‫الٌ َّ‬ ‫أَ ْ ََع ِ ٌ‬
‫َفٌصعودًاٌ ِم ْنٌٌنزولٍ ‪ٌ،‬‬ ‫َفٌالْ َع َم ٌَلٌ ْاس تَأْن َ ٌ‬‫ال‪ٌ،‬فَا َذاٌ ْاس تَأْن َ ٌ‬ ‫اعٌ َو ِربْحٌٌجبملٌأَ ْ ََع ِ ٌ‬ ‫فَقَدٌٌْ َر َاحٌٌعَلَ ْي ٌِهٌ ِفٌٌ َز َم ِنٌٌالْ َم ْع ِص َي ٌِةٌ ْارتِ َف ٌ‬
‫ِ‬
‫َو ََك ٌَنٌقَ ْب ٌَلٌ َذ ِ َلٌٌ َصا ِعدً اٌ ِم ْنٌٌعلو‪َ ٌ،‬وبَيْْنَ َماٌب َ ْو ٌنٌ َع ِظميٌ‪ٌ .‬‬
‫لٌمثلٌ َرج َل ِنٌٌيَ ْرتَ ِق َي ِانٌٌ ِ ٌفٌسل َّ َم ْيٌٌِ ََلٌٌَّنِ َاي ٌََةٌلَه َما‪َ ٌ،‬و َِهاٌ َس َواء‪ٌ،‬فَ َ َُّن َلٌٌأَ َحد َِهاٌا َ ٌلٌأَ ْسفَلَ‪َ ٌ،‬ول َ ٌْوٌ‬ ‫قَالوا‪َ ٌ:‬و َمث َلٌٌ َذ ِ ٌَ‬
‫ِ‬
‫الصعودَ‪ٌ،‬فَا َّنٌٌ َّ ِاليٌل َ ٌْمٌي َ ْ ُِّن ٌْلٌي َ ْعلوٌعَلَ ْي ِهٌٌ َو ََلٌٌب ٌَّد‪ٌ .‬‬ ‫َفٌ ُّ‬‫د ََر َج ٌٍةٌ َوا ِحدَ ٍة‪ٌَّ ٌ،‬ثٌ ْاس تَأْن َ ٌ‬
‫ِ‬
‫هذا التقرير الذي اشار إاليه هو قول من قال‪ :‬انه إاذا نزل بسبب معصية او ارتكاب كبيرة ثم تاب منها‬
‫ً‬ ‫توبة ً‬
‫نصوحا إالى هللا سبحانه وتعالى ل يعلو إالى الدرجة نفسها التي كان عليها وضربوا على ذلك مثال‪:‬‬
‫ومتساويا ثم احدهما نزل درجات ولو واحدة والخر‬ ‫ً‬ ‫صعودا متوازًيا‬ ‫ً‬ ‫لو ان رجالن يصعدان في سلم‬
‫بقي على صعوده لم يفعل مثل صاحبه معصية ينزل بها بقي على الصعود وهذا فعل معصية ثم تاب‬
‫صاعدا ل يكون على درجة الذي استمر‬ ‫منها بتوبته يبدا الصعود لكن ل يكون على درجة الذي استمر ً‬
‫ً‬
‫في صعود بل يكون نازل عنه بدرجة او بدرجتين او نحو ذلك فهذا قول من يقول انه قد ل يعود إالى‬
‫درجته نعم ‪.‬‬

‫ودٌ‬ ‫يٌح ْْكًاٌ َم ْقب ًوَلٌٌفَقَا َلٌ‪:‬التَّ ْح ِقيقٌٌأَ ٌَّنٌ ِم ٌَنٌالتَّائِب ٌَ‬
‫ِيٌ َم ٌْنٌيَع ٌ‬ ‫الطائِ َفتَ ْ ٌِ‬
‫يٌ َّ‬ ‫َو َح ٌََكٌ َش ْي ٌخٌ ْاَل ْس َل ِمٌٌا ْبنٌٌتَ ْي ِم َي ٌَةٌ َر ِ َْحهٌٌ َّ ٌ‬
‫اّللٌب َ ْ ٌَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودٌالٌٌمث ٌِْلٌد ََر َجته‪َ ٌ،‬ومْنْ ْمٌٌ َم ٌْنٌ ٌَلٌيَصلٌٌالٌٌد ََر َجت ٌه‪ٌ .‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ا َ ٌلٌأَ ْرفٌََعٌ ِم ٌْنٌد ََر َجته‪َ ٌ،‬ومْنْ ْمٌٌم ٌْنٌيَع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شيخ ا إلسالم ابن تيمية في تحقيقه لهذه المسالة رحمه هللا تعالى قال ‪ :‬ان التحقيق في ذلك انه قد‬
‫حيانا بعض الذنوب التي يقع فيها العبد ثم يعظم بعد‬ ‫يعود إالى ارفع من درجته بل سبحان هللا ا ً‬
‫الذنب ندامته على وقوعه في الذنب والم قلبه الشديد على هذه المعصية التي فرطت منه فال يزال في‬
‫ً‬
‫ندم والم وهذا الذنب ماثال بين عينيه متالما من وقوعه فيه ُمك ًثرا من التوبة‪ ،‬والستغفار‪ ،‬وا إلنابة‬
‫إالى هللا‪ ،‬وا إل لحاح على هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬بالدعاء‪،‬والستك ثار من العمال الصالحة إالى غير ذلك‪.‬‬
‫فيكون ذنبه الذي فرط منه سبب لرفعته وعلو منازله؛ عندما يلحقه بعد الذنب الندم الشديد وال لم‬
‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫العظيم وصدق التوبة إالى هللا وك ثرة الدعاء وا إل لحاح على هللا سبحانه وتعالى؛ فقد يكون علو ًا من‬
‫علوا اعلى من درجته التي كان عليها‪.‬وقد يصل إالى درجته او مثلها وقد يكون‬ ‫هذه الجهة وقد يعلو ً‬
‫انزل منها‪ .‬هذا بحسب ماذا؟‬
‫‪ -‬بحسب المجاهدة للنفس؛ فمرد المر ‪-‬كما حقق شيخ ا إلسالم رحمه هللا تعالى‪ -‬مرد المر إالى‬
‫َّللا َل َم َع ْال ُم ْح ِّس ِّن َ‬
‫ين‬ ‫المجاهدة‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى يقول‪َ " :‬و هال ِّذ َين َج َاه ُدوا ِّف َينا َل َن ْه ِّد َي هن ُه ْم ُس ُب َل َنا َوا هن ه َ‬
‫ِ‬
‫" بحسب المجاهدة وقوتها يكون العلو او ضعفه او عدمه"‪.‬‬

‫بٌق َّو ِةٌٌالتَّ ْوب َ ِةٌٌ َو َ ََك ِلهَا‪َ ٌ،‬و َماٌأَ ْحدَ ثَ ْت ٌهٌالْ َم ْع ِص َي ٌةٌ ِللْ َع ْب ٌِدٌ ِم َنٌٌا ُّل ٌِلٌ َوالْخضو ٌعٌِ َو ْاَلَنَ ب َ ِة‪َ ٌ،‬والْ َح َذ ٌِرٌ‬‫قلْتٌ‪َ ٌ:‬و َه َذاٌ ِ َِب ْس ٌِ‬
‫ِ‬ ‫اّلل‪َ ٌ،‬والْب ََك ٌِءٌ ِم ْنٌٌخ َْش َي ٌِةٌ َّ ِ‬
‫اّلل‪ٌ،‬فَقَدٌٌْتَ ْق َوىٌ َه ِذ ِهٌٌ ْ ُاِلمور‪َ ٌ،‬ح َّّتٌٌيَعو َدٌٌالتَّائِبٌٌا َ ٌلٌأَ ْرفٌََعٌ ِم ٌْنٌد ََر َج ِت ِه‪ٌ،‬‬ ‫فٌ ِم ٌَنٌ َّ ِ‬ ‫َوالْخ َْو ِ ٌ‬
‫ِ‬
‫َوي َ ِص ٌَريٌب َ ْعدٌٌَالتَّ ْوب ٌَِةٌخ ْ ًَرياٌ ِمنْ ٌهٌقَ ْب َلٌٌالْخ َِطيئَ ِة‪ٌ،‬فَهَ َذاٌقَدٌٌْتَكونٌٌالْخ َِطيئَ ٌةٌ ِ ٌفٌ َح ِق ِهٌٌ َر ْ َْح ًة‪ٌ،‬فَاَّنَّ َاٌنَفَتٌٌْ َع ْنهٌٌد ََاءٌٌ‬
‫ِ‬
‫بٌ‬‫لٌ َعتَ َب ٌِةٌ ََب ٌِ‬ ‫َضا َع ِت ٌِهٌ َوذ َّلٌٌ َوا ْن ِك َس َارٌهٌعَ َ ٌ‬ ‫الْع ْج ِب‪َ ٌ،‬و َخل َّ َص ْتهٌٌ ِم ْنٌٌثِقَ ِت ٌِهٌ ِبنَ ْف ِس ِهٌٌ َواٌد ََْل ِ ٌِلٌ ِبأَ ْ ََع ِ ِال‪َ ٌ،‬و َوضَ َعتٌٌْ َخ َّدٌٌ َ َ‬
‫ِ‬
‫ظٌِ َم ْو ََلهٌٌ َل‪َ ٌ،‬وا َ ٌلٌ َع ْف ِوٌِهٌ َع ْنهٌٌ َو َم ْغ ِف َرتِ ِهٌٌ َل‪ٌ،‬‬ ‫َس ِي ِدٌِهٌ َو َم ْو ََله‪َ ٌ،‬و َع َّرفَ ْت ٌهٌقَدْ َره‪َ ٌ،‬وأَ ْشهَدَ تْهٌٌفَ ْق َرهٌٌ َو ََض َورتَهٌٌا َ ٌلٌ ِح ْف ٌ‬
‫َ ْ َ ِ َ ِ ي ْ ِبِ َ ي َ َّ ِبِ ِ‬ ‫َوأَخ َْر َجتٌٌْ ِم ْنٌٌقَلْ ِب ٌِهٌ َص ْو َ َّلٌٌ َّ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِبِ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫َستٌٌْأنف ٌهٌم ٌْنٌأ ٌْنٌ َش َمخٌٌَ َاٌأ ٌْوٌ َتَك ٌَّبٌ َا‪ٌ،‬أ ٌْوٌيَ َرىٌ َسهٌٌ َاٌخ ًَرياٌم ٌْنٌ‬ ‫الطاعَ ِة‪َ ٌ،‬و َك َ َ‬
‫َيٌ َرِب ِه‪ٌ،‬م ْس تَ ِحٌيي ًاٌٌ ِمنْهٌٌخَائِفًاٌ‬ ‫يٌيَد ٌْ‬ ‫يٌالْم ْذ ِنب َِي‪ٌَ،‬نَ ِك َسٌٌ َّالرأْ ِسٌٌب َ ْ ٌَ‬ ‫فٌالْخ ََّطائِ ٌَ‬ ‫دَيٌ َ ِرب ِهٌٌ َم ْو ِق َ ٌ‬
‫غَ ْ ِري ِه‪َ ٌ،‬وأَ ْوقَفَ ْت ٌهٌب َ ْ َيٌٌي َ ٌْ‬
‫َو ِج ًل‪ٌ،‬م ْحتَ ِق ًراٌ ِل َطا َعتِ ِهٌٌم ْس تَ ْع ِظ ًماٌ ِل َم ْع ِص َيتِ ِه‪َ ٌ،‬ع َر َفٌٌن َ ْف َسهٌٌ َِبلنَّ ْق ِصٌٌ َوا َّل ِمٌ‪َ ٌ.‬و َربُّهٌٌمتَفَ ِردٌٌ َِب ْل َْكَالٌٌِ َوالْ َح ْم ِدٌٌ َوالْ َوفَا ٌِءٌ َ ٌََكٌ‬
‫ِقي ٌَل‪ٌ :‬‬
‫اّللٌ َِبلْ َوفَا ٌِءٌ َو َِبلْ َح ْم ِدٌ‪َ ٌ..‬و َو َّلٌٌالْ َم َل َم ٌَةٌ َّالرج َلٌ ٌ‬
‫ْاس تَأْث ٌََرٌ َّ ٌ‬
‫ْلٌلها‪َ ٌ،‬وأَ ُّيٌٌ ِن ْق َم ٌٍةٌأَ ْوٌٌب َ ِليَّ ٌٍةٌ‬ ‫لٌن َ ْف ِس ٌِهٌ َو َرأَىٌن َ ْف َسهٌٌدوَّنَ َاٌ َول َ ْمٌٌيَ َرهَاٌأَه ً ٌ‬ ‫اّللٌال َ ْي ٌِهٌ ْاس تَ ْك َ ََثهَاٌعَ َ ٌ‬‫فَأَ ٌُّيٌ ِن ْع َم ٍةٌٌ َو َصلَتٌٌْ ِم ٌَنٌ َّ ٌِ‬
‫ِ‬
‫َو َصلَتٌٌْالَ ْي ٌِهٌ َرأَىٌن َ ْف َس ٌهٌأَه ًْلٌٌ ِل َماٌه َوٌٌ َأ ْك َ ٌّبٌ ِمْنْ َا‪َ ٌ،‬و َرأَىٌأنٌ َم ْو ََلٌهٌقَدٌٌْأَ ْح َس َنٌٌالَ ْي ِه‪ٌ،‬ا ٌْذٌلَ ٌْمٌي َعا ِق ْب ٌهٌعَ َلٌٌقَدْ ٌِرٌج ْر ِم ِهٌٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ْنٌج ْزٌءٌمنْهٌ‪ٌ .‬‬‫ٍ‬ ‫َو ٌََلٌ َش ْط ِره‪َ ٌ،‬وَلٌٌأد ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يفٌالْ َع ِاج ِز‪ٌ،‬فَا َّنٌٌا َّلن َْبٌٌ‬ ‫فَا َّنٌٌ َماٌي َْس تَ ِحقُّ ٌهٌ ِم َنٌٌالْعقوب ٌَِةٌ ََلٌٌ َ َْت ِمِلٌٌالْجِ َبالٌٌ َّالر ِاس َيات‪ٌ،‬فَضْ ً ٌلٌ َع ْنٌٌ َه َذاٌالْ َع ْب ٌِدٌالضَّ ِع ِ ٌ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫يلٌٌ َّ ِاليٌ ٌََلٌأَ َج ٌَّلٌ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬‫ٌ‬‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ّب‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫أ‬ ‫ٌ‬‫ء‬
‫ٌ‬‫َْ‬‫َش‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬‫َل‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ِري‬
‫ِ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ٌ‬ ‫‪،‬‬‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ْظ‬‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ٌ‬ ‫ء‬
‫ٌ‬
‫َْ‬‫َش‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬‫َل‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ال‬‫َّ‬ ‫ٌ‬‫مي‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َو ْ َ َ ِ َّ َ َ ِ‬
‫ظ‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ق‬‫م‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ن‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬‫ٌ‬‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫غ‬‫ص‬ ‫ٌ‬‫ٌ‬
‫ن‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫ورٌ َوأَفْ َظ ِعهَاٌ َوأَ ْش نَ ِعهَا‪ٌ،‬فَا ٌَّنٌمقَاب َ َ َلٌٌ‬ ‫ِمنْهٌٌ َو ََلٌٌأَ ْ َْجلَ‪ٌ،‬الْم ْن ِع ٌِمٌ ِ َجب ِمي ٌع ٌِأَ ْصنَ ِافٌٌ ِالن َع ٌِمٌ َد ِقي ِقهَاٌ ٌَوجليلهاٌ‪ِ ٌ-‬م ٌْنٌأَ ْقبَ ٌِحٌ ْ ُاِلم ٌِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اسٌ َوأَ ْسقطه ٌْمٌ‬ ‫كٌٌأَ َح ٍدٌٌم ْؤ ِم ٌنٌٌأوٌ ََك ِفرٌ‪َ ٌ.‬وأَ ْر َذلٌٌالنَّ ِ ٌ‬ ‫اسٌ ِب ِمث ٌِْلٌ َذ ِ َلٌٌي َْس تَ ْقبِحهٌٌ ُّ‬ ‫َاتٌٌالنَّ ِ ٌ‬ ‫الْع َظ َما ٌِءٌ َو ْ َاِل ِج َّل ِءٌٌ َو َساد ِ‬
‫اتٌ‬‫الس َم َاو ٌِ‬ ‫الس َم َاو ِاتٌٌ َو ْ َاِل ْر ِض‪َ ٌ،‬وا َ ِلٌٌ َّ‬ ‫لٌٌ َّ‬ ‫اتٌ َو ْ َاِل ْر ِض‪َ ٌ،‬و َم ِ ِ‬ ‫الس َم َاو ٌِ‬ ‫وءًٌةٌ َم ٌْنٌقَابَلَه ٌْمٌ َِب َّلر َذائِ ِل‪ٌ،‬فَكَ ْي َ ٌ‬
‫فٌ ِب َع ِظ ِميٌٌ َّ‬ ‫مر َ‬
‫ِ‬
‫تٌعقوبَتَه‪َ ٌ،‬وا ََّلٌٌلَتَدَ ْكدَ كَ ِتٌٌ ْ َاِل ْرضٌٌ ِب َم ْنٌٌقَاب َ َِلٌٌ ِب َماٌ ٌََلٌ‬ ‫َو ْ َاِل ْر ِض؟ٌ َول َ ْو ٌََلٌأَ ٌَّنٌ َر ْ َْحتَ ٌهٌغلبتٌٌْغَضَ َبه‪َ ٌ،‬و َم ْغ ِف َرتَهٌٌ َس َبقَ ٌْ‬
‫ِ‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫اصٌالْ ِع َبا ِد‪ٌ،‬قَا ٌَلٌتَ َع َالٌ‪{ٌ:‬ا ٌَّنٌ َّ ٌَ‬


‫اّللٌ‬ ‫ضٌ ِم ْنٌٌ َم َع ِ ٌ‬ ‫اتٌ َو ْ َاِل ْر ٌ‬
‫الس َم َاو ٌ‬ ‫َّ‬ ‫تٌ‬ ‫ي َ ِليقٌٌمقَابَلَتهٌٌ ِب ِه‪َ ٌ،‬ول َ ْو ٌََلٌ ِحلْمهٌٌ َو َم ْغ ِف َرتهٌٌلَزلْ ِزل َ ٌِ‬
‫ِ‬
‫ورا}ٌ[س َورةٌٌ‬ ‫وَلٌ َول َ ِ ْئٌٌ َزالَتَاٌ ِا ٌْنٌأَ ْم َس َكه َماٌ ِم ٌْنٌأَ َح ٌٍدٌ ِم ٌْنٌب َ ْع ِدٌِهٌ ِان ٌَّهٌ ََك ٌَنٌ َح ِلميًاٌغَف ً‬
‫ضٌأَ ٌْنٌتَز ٌَ‬ ‫الس َم َاو ِاتٌٌ َو ْ َاِل ْر َ ٌ‬‫ي ْم ِسكٌٌ َّ‬
‫فَا ِط ٌٍر‪ٌ .ٌ]41ٌ:‬‬
‫تٌ َذ ِ َلٌٌأَن ٌَّهٌل َ ْو ٌََلٌ ِحلْمهٌٌ َع ٌِنٌ‬
‫فٌ ََتِدٌٌ َ َْت ٌَ‬ ‫فَتَأَ َّم ٌْلٌخ ْ ََتٌٌ َه ِذ ِهٌٌ ْاِلآي ٌَِةٌ َِب ْ َْس ْيٌٌِ ِم ْنٌٌأَ ْ َْسائِ ِه‪َ ٌ،‬و َِها‪ٌ"ٌ:‬الْ َح ِلمي‪َ ٌ،‬والْغَفورٌٌ"ٌ َك ْي َ ٌ‬
‫اتٌ َو ْ َاِل ْرض؟ ٌ‬ ‫الس َم َاو ٌ‬ ‫الْجنَاٌِةٌ َو َم ْغ ِف َرت ٌهٌ ِللْع َصاٌِةٌلَ َماٌ ْاس تَقَ َّر ِتٌٌ َّ‬
‫اِل ْرضٌٌ َو َ َِت ُّرٌٌالْجِ َبالٌٌ َهدًّا}ٌ‬
‫الس َم َاواتٌٌيَتَ َف َّط ْر ٌَنٌ ِمنْهٌٌ َوتَنْشَ ُّقٌٌ ْ َ‬
‫ّْبٌس ْب َحان ٌَهٌ َع ْنٌٌب َ ْع ِضٌٌك ْف ٌِرٌ ِع َبا ِدٌِهٌأَن َّهٌ‪{ٌ:‬تَ ََك ٌدٌ َّ‬
‫َوقَدٌٌْأَخ َ ٌَ‬
‫ْبٌ َوا ِح ٌٍدٌ ْارتَكَ َب ٌاهٌ َوخَالَفَاٌ ِفي ِهٌٌَّنَ ْ َيه‪َ ٌ،‬ولَ َع َنٌٌابْ ِل َيسٌٌ‬ ‫اّللٌس ْب َحان َهٌٌ ْ َاِلب َ َويْ ِنٌٌ ِم َنٌٌالْ َجنَّ ٌِةٌ ِب َذن ٌٍ‬ ‫[س َورةٌٌ َم ْر َ َيٌ‪َ .ٌ]90ٌ:‬وقَدٌٌْأَخ َْر ٌَجٌ َّ ٌ‬
‫ِ‬
‫اشٌالْ َح ْمقَىٌ‬ ‫فٌ ِفي ٌِهٌأَ ْم َره‪َ ٌ،‬و َ َْن ٌنٌ َم َع ِ ٌ‬
‫ضٌ ِب َذن ْبٌٌٍ َوا ِح ٌٍدٌ ْارتَكَ َب ٌهٌ َوخَال َ َ ٌ‬ ‫اتٌ َو ْ َاِل ْر ِ ٌ‬‫الس َم َاو ٌِ‬‫وتٌ َّ‬ ‫َو َط َردَهٌٌ َوأَخ َْر َج ٌهٌ ِم ْنٌٌ َملَك ٌِ‬
‫َ ٌََكٌ ِقي َلٌ‪ٌ :‬‬
‫وبٌ َونَ ْر ََتِيٌ‪ٌ...‬د ََر ٌَجٌالْجِ نَ ِانٌٌ ِ ِليٌالنَّ ِع ِميٌٌالْخ ِ ٌِ‬
‫َادل ٌ‬ ‫وبٌٌا َلٌٌا ُّلن ٌِ‬ ‫ن َِصلٌٌا ُّلن َ‬
‫ِ‬
‫لٌ ِب َذنْبٌٌٍ َوا ِح ٌِد ٌ‬ ‫َولَقَدٌٌْعَ ِل ْمنَاٌأَخ َْر َجٌٌ ْ َاِلب َ َو ْي ٌِنٌ ِم ْنٌٌ‪َ ٌ...‬ملَكو ِت ٌِهٌ ْ َاِلعْ َ ٌ‬
‫فٌالْخ َِطيئَةٌٌ ِِهَّتَ ٌهٌ‬ ‫ودٌأَ ٌَّنٌالْ َع ْبدٌٌَقَدٌٌْيَكونٌٌب َ ْعدٌٌَالتَّ ْوب ٌَِةٌخ ْ ًَرياٌ ِم َّماٌ ََك ٌَنٌقَ ْب َلٌٌالْخ َِطيئَ ِةٌٌ َوأَ ْرفٌََعٌد ََر َج ًة‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْتضْ ِع ٌ‬ ‫َوالْ َم ْقص ٌ‬
‫ودٌا َلٌٌد ََر َج ِت ِه‪َ ٌ،‬وقَدٌٌْ‬
‫الص َّح ٌِةٌ ْ َاِل ْو َل‪ٌ،‬فَ َلٌٌيَع ٌ‬ ‫لٌاعَا َد ِت ٌِهٌا َ ٌلٌ ِ‬ ‫َوتو ِهنٌٌ َع ْز َمه‪َ ٌ،‬وت ْم ِرضٌٌقَلْ َبه‪ٌ،‬فَ َلٌٌي َ ْق َوىٌد ََواءٌٌالتَّ ْوب َ ِةٌٌعَ َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودٌالٌٌد ََر َجت ٌه‪ٌ .‬‬‫َ‬ ‫ودٌا َلٌٌ ِمث ٌِْلٌ َ ََع ِ ِِل‪ٌ،‬فَ َيع ٌ‬ ‫الص َّحةٌٌ َ ََكٌٌ ََكن َتٌٌْ َويَع ٌ‬ ‫ودٌ ِ‬ ‫ضٌ ِ َِب ْيثٌٌتَع ٌ‬ ‫يَزولٌٌالْ َم َر ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بٌ‬ ‫الشك ِ‬
‫وكٌٌ َو ِالري َ ٌِ‬ ‫دَحٌ ِفٌٌأَ ْص ِلٌٌاميَا ِن ِه‪ِ ٌ،‬مث ٌِْلٌ ُّ‬ ‫َه َذاٌُكُّ ٌهٌا َذاٌ ََك ٌَنٌنزولٌٌا َ ٌلٌ َم ْع ِص َي ٍة‪ٌ،‬فَا ْنٌٌ ََك َنٌٌنزولٌٌا َ ٌلٌأَ ْم ٌٍرٌي َ ْق ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ودٌاَلٌٌ ِبتَ ْجدي ٌدٌا ْسلمهٌٌمنٌرأسه‪ٌ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫جٌل َصاح ِب ٌهٌصع ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َو ِالن َف ِاق‪ٌ،‬فَ َذاكٌٌَنزولٌٌ ٌَلٌي ْر َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هنا لما ذكر الخالف في هذه المسالة‪ ،‬وذكر التحقيق الجميل لشيخ ا إلسالم ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‬
‫تعالى‪ -‬فيها وانه قد يعود بالتوبة إالى حال اعظم وقد يرجع إالى الرتبة نفسها‪ ،‬وقد ينزل إالى‪ ،‬او قد ل‬
‫يرجع إال إالى رتبة دون هذه الرتبة‪ ،‬فاخذ ابن القيم ‪-‬رحمه هللا‪ -‬يوضح ما يؤيد به كالم شيخ ا إلسالم‬
‫وتحقيقه لهذه المسالة من حيث ان بعض الذنوب والمعاصي قد تعلو بها درجة العبد إالى درجة اعلى‬
‫من الدرجة التي كان عليها قبل المعصية وذلك بما يعقب الذنب من ال لم والندم وصدق التوبة‬
‫وا إل لحاح على هللا سبحانه وتعالى‪ .‬بالدعاء ومثول هذا الذنب بين ناظريه ‪ ،‬فيرى نفسه على إاثر هذا‬
‫الذنب من الخاطئين المقصرين في جنب هللا ‪.‬ول يزال يتدارك نفسه بالطاعات والعبادات والجتهاد‬
‫إالى هللا بحسن التقرب والندم الشديد على ما بدر منه من تقصير ‪.‬فقد تكون هذه المعصية في حقه ‪-‬‬
‫كما عبر ابن القيم رحمة فقد تكون في حقه‪ -‬رحمة من جهة ما تبعها من اثار عظيمة علت بها درجاته‬
‫وارتفعت بها منازله ‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫ومن اثارها العظيمة عليه انها اشهدته قدر نفسه وهذا ا ً‬


‫يضا باب حقيقة مهم ً‬
‫جدا ‪ ،‬ينبه عليه ابن القيم‬
‫رحمه هللا ا ً‬
‫حيانا يكون المرء على غير استقامة ‪ ،‬ثم يفتح له ابواب في الستقامة وطاعة هللا ‪ ،‬والتعبد‬
‫والتقرب والمجاهدة للنفس ‪ .‬ربما يكون له شيء من قيام الليل ً‬
‫مثال ‪ ،‬ربما يكون له ايضا حظ من العلم‬
‫ومالزمة حلق العلم ‪ ،‬ويرى نفسه في اجتهاد عظيم ‪ ،‬فقد يصيبه في مثل هذه الحال ُعجب بنفسه ‪،‬‬
‫ورؤية لها واحتقار لالخرين وهذا يحصل والعجب افة خطيرة ً‬
‫جدا ‪,‬‬
‫قال الناظم ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫مجترف ‪ ..‬اعمال صاحبه في سيله العرم ‪.‬‬ ‫والعجب فاحذره إان العجب‬ ‫ُ‬
‫جدا العجب ‪ .‬عندما يرى نفسه ً‬
‫نفسا مطيعة ‪ ،‬نفسا مكملة خي ًرا من الخرين ‪ ،‬يزدري الخرين‬ ‫خطير ً‬
‫ويحتقرهم وينتقصهم فيصاب بعجب و زهو ورؤية للنفس ‪.‬وهذه مهلكة فقد تحصل له معصية فيتالم‬
‫قلبه منها ‪ ،‬لكن يكون من فوائدها عليه انها تذهب عن نفسه ذاك العجب الذي كان يراه في نفسه‬
‫والرؤية التي كان يراها لنفسه ‪.‬‬
‫إفاذا ُوفق لمثل هذا المعنى صار الذنب عليه رحمة ‪ ،‬وكانت حاله بعد المعصية خي ًرا من حاله قبلها ‪.‬‬
‫معجبا بها‪ ،‬فجاءت هذه المعصية وما تبعها من ندم صادق وتوبة‬ ‫ً‬ ‫لنه قبل المعصية كان يرى نفسه ‪،‬‬
‫صادقة إالى هللا سبحانه وتعالى فكسرت كما عبر ابن القيم رحمه هللا صولة الطاعة ‪.‬الطاعة التي اقبل‬
‫عليها ثم ترتب على إاقباله عليها عجب بنفسه ورؤية وصولة للطاعة في قلبه ‪.‬‬
‫فمثل هذه المعصية قد تكسر هذه الصولة التي يجدها في نفسه فيعود نظره إالى نفسه نظر ماذا؟‬
‫نظر المخطئ المقصر في حق هللا وكل ما كان العبد ينظر إالى نفسه هذه النظرة نظرة المخطئ‬
‫مكمال ً‬
‫متمما إايمانه ‪ ،‬فهذا والعياذ‬ ‫المقصر المفرط ‪ ،‬فان هذا باب رفعة له ‪ .‬وكل ما كان يرى نفسه ً‬
‫إ‬
‫باهلل خطر عليه ‪.‬ولهذا من اخطر المذاهب على المة ؛ مذاهب المرجئة ‪:‬الذين يقولون اهل ا إليمان‬
‫في ا إليمان سواء ‪ .‬هذا من اخطر ما يكون على الناس في اديانهم وعباداتهم وتقرباتهم وطاعاتهم هلل‬
‫سبحانه وتعالى؛ لنها تجعل العاصي والمطيع رتبتهم واحدة !‬
‫احاد الناس ‪ ،‬وافراد الناس ‪ ،‬حتى الفساق إايمانه و إايمان الصديق سواء ‪ ،‬و إايمان جبريل سواء والعياذ‬
‫جدا لصاحبها ومن يعتقدها ويدين بها‪.‬‬ ‫باهلل ‪ !.‬هذه مهلكة ‪ ،‬هذه عقيدة مهلكة ً‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫فالحاصل ان الذنب مضرته عظيمة بينما المرجئة الذين اشرنا إاليهم يقولون ‪ " :‬ل يضر مع ا إليمان‬
‫مطيعا فبدر منه ذنب فالمه‬ ‫ً‬ ‫جدا و خطيرة على العبد‪ ,‬لكن إان كان‬‫ذنب" ‪ ,‬فالذنب مضرته عظيمة ً‬
‫وقوعه في هذا الذنب و ك ثر ندمه و توبته و إاقباله على هللا –سبحانه و تعالى‪ -‬و اصبح ينظر إالى نفسه‬
‫جدا‪ ,‬و عظيمة‬ ‫نظر الخاطئ المقصر فهذا يكون عائدته عائدة هذا الذنب و ما تبعه عليه عائدة حميدة ً‬
‫لن هذا الذنب اوقفه بين يدي ربه موقف الخاطئين المذنبين‪ ,‬قبل ذلك كان موقفه بين يدي ربه‬
‫الم ًّكملين‪ ,‬لكنه بعد هذا الذنب الذي كسر فيه هذه الصولة اصبح‬ ‫ماذا؟ ‪ -‬يرى نفسه من المطيعين ُ‬
‫مستحييا منه‪ -‬من خالقه‪ ,-‬محتق ًرا‬ ‫ً‬ ‫ينظر إالى نفسه نظر الخاطئين المذنبين ناكس الراس بين يدي ربه‬
‫ً‬
‫مستعظما لمعصيته‪ ,‬وما دام العبد على هذه الحال فهذا الصعود والعلو مادام على هذه‬ ‫لطاعته‬
‫ً‬
‫ومعظما‬ ‫الحال يحتقر طاعته ل يراها شيء مهما قدم من طاعة ل يزال يرى نفسه مقص ًرا في طاعة هللا‬
‫علوا له و رفعة منازل عند هللا –تبارك‬‫المعصية و التفريط الذي كان منه فان كان كذلك ل يزال هذا ً‬
‫إ‬
‫و تعالى‪ -‬قد عرف نفسه بالنقص و الذنب و ربه متفرد بالكمال و الحمد و الوفاء ‪,‬‬
‫من الثار المترتبة على ذلك انتبه إالى كالمه فكالمه عظيم و ارى انه ل يك في هذا الكالم الذي ذكره‬
‫مجرد هذه القراءة العابرة بل يحتاج من طالب العلم ان يتامل في هذا الكالم مرات و مرات حتى‬
‫تستقر هذه المعاني العظيمة في قلبه ‪.‬‬
‫يقول –رحمه هللا‪ " :‬فاي نعمة " يعني بعد ذلك " اي نعمة وصلت من هللا إاليه استك ثرها على نفسه "‬
‫ً‬
‫معجبا بنفسه إاذا وصلت إاليه‬ ‫هذا من الشياء التي تترتب عليه قد يكون وقت الطاعة التي كان عليها و‬
‫نعمة بسبب العجب الذي كان عليه في نفسه ماذا يقع في نفسه ؟ نعم اي شيء يقع في نفسه ؟‪ -‬انه‬
‫مستحق وانه اهل لذلك ‪,‬نعم و انا العبد المطيع ‪,‬انا هذا من إاكرام هللا لي و انا استحق ذلك و انا اهل‬
‫لذلك فيمضي في هذا العجب الذي هو مبتلى به‪ ,‬لكن إاذا حصل المر الول الذي هو حصول ذنب‬
‫يضا الطيبة التي تترتب على ذلك انه ‪:‬‬‫يكسر هذه الصولة التي في نفسه فحينئذ من الثار ا ً‬

‫إاذا وصلت إاليه نعمة استك ثرها على نفسه و راى نفسه دونها و اي نقمة او بلية وصلت إاليه راى نفسه‬
‫ا ً‬
‫هال لما هو اكبر منها و يقول ولكن هذا من لطف هللا انا استحق اك ثر من هذا‪ ,‬لنه ل يزال يرى نفسه‬
‫مقصر‪ ,‬بينما الذي ينظر إالى نفسه نظر العجب فاي عقوبة او مصيبة تحل به يتسخط و يبدا يتحدث‬
‫عن نفسه انا الذي كذا و انا الذي كذا و كيف اصاب بكذا و يعترض على اقدار هللا سبحانه و تعالى‬
‫جدا فالحاصل ان المعصية التي يقع فيها مثل هذا و يترتب عليها من‬‫ويتسخط و هذا باب اثم عظيم ً‬
‫إ‬
‫صدق التوبة و صدق النابة و الندم تكسر هذه النفس التي هي مصابة بالعجب و يرى نفسه معجباً‬
‫إ‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث والعشرون‬

‫بها فتكسر فيه ذلك ‪,‬هل هذا الكالم ً‬


‫ترغيبا للمطيع ان يكسر نفسه بمعصية؟! ‪ -‬ل وهللا ليس‬
‫ٌ‬
‫تحقيق لهذه المسالة‪.‬‬ ‫هذا ‪,‬ومن فهم ذلك فقد اساء الفهم وابعد النجعة‪,‬بل هذا‬
‫حسان في التقرب إالى هللا‬
‫وثبات في عبادة هللا و إا ٍ‬ ‫اما المطيع فقد يكرمه هللا سبحانه وتعالى بطاعة ٍ‬
‫مع مجاهدة للنفس ويكون فيه من التواضع والذل والنكسار وعدم رؤية النفس اعظم من حال‬
‫هؤلء الذين كسرتهم هذه المعصية‪ ,‬فعاد المر إالى قوة المجاهدة وحسن التقرب و إال إفان النبي‬
‫بكر صديق المة ‪-‬وهو من هو‪ -‬لما طلب من النبي ﷺ ان يعلمه دعاء يدعو هللا‬ ‫ﷺ قال لبي ٍ‬
‫ظلما ك ثي ًرا ‪"..‬‬
‫به في صالته وبيته قال‪ :‬قل " اللهم إاني ظلمت نفسي ً‬

‫بكر تذكر من هو ابو بكر الذي قال له النبي ﷺ‬


‫ه‬
‫انت وانت تسمع تعليم النبي ﷺ لبي ٍ‬
‫قل‪ ":‬اللهم اني ظلمت نفسي ً‬
‫ظلما ك ثي ًرا " من هو هذا؟! ‪ -‬ابو بكر رضي هللا عنه هو افضل‬ ‫إ‬
‫الناس في كل المم بعد النبيين ‪ ،‬هذه منزلته رضي هللا عنه وارضاه‪,‬ولما طلب من النبي ﷺ‬
‫دعاء يدعو هللا به قال‪ :‬قل‪ " :‬اللهم اني ظلمت نفسي ً‬
‫ظلما ك ثي ًرا ول يغفر الذنوب إال‬ ‫ان يعلمه ً‬
‫إ‬
‫انت فاغفر لي ً‬
‫مغفرة من عندك وارحمني إانك انت الغفور الرحيم "‬
‫جدا موجود‬ ‫وبالمناسبة هذا الدعاء لشيخ السالم ابن تيمية ‪-‬رحمه هللا‪ -‬شرح نفيس عليه ومفيد ً‬
‫إ‬
‫ضمن مجموع فتاواه رحمه هللا تعالى‪,‬ثم نبه إالمام ابن القيم رحمه هللا تعالى في نهاية حديثه‬
‫حول هذه المسالة قال‪ :‬ان هذا النزول إاذا كان إالى معصية‪,‬هذا الحديث في هذه المسالة إاذا‬
‫كان النزول إالى معصية‪ ,‬إفان كان نزوله إالى ا ٍمر يقدح في اصل إايمانه فهذه مسالة مختلفة ‪ ,‬إاذا‬
‫كان نزوله إالى ا ٍمر يقدح في اصل إايمانه ‪:‬يعني اوقعه في الك فر في الشرك باهلل سبحانه‬
‫ٌ‬
‫صعود إال‬ ‫وتعالى ‪,‬في النفاق ال كبر‪ ,‬إاذا كان نزوله من هذا القبيل فذاك نزول ل ُيرجى لصاحبه‬
‫بتجديد إاسالمه يعني بالدخول في الدين من جديد‪ :‬لنه بذلك النزول خرج من الدين‬
‫اضغطٌعلٌالرابطٌللشرتاك *‬
‫‪ٌ https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني‪ ،‬وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ،‬آما بعد‪:‬‬
‫فيقول العالمة ابن القمي اجلوزية ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬وغفر هل ولش يخنا وللمسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‪ ،‬قال‪:‬‬

‫فصل‪[ :‬فَ ْصل الْ َم َع ِاص ج َُترِئج عَ َىل ْاْلن ْ َس ِان آَعْدَ َاء جه]‬
‫ِ‬
‫ات‪ ،‬فَتَ ْج ََتِئج عَلَ ْي ِه‬ ‫َو ِم ْن جع جق َوَبِتِ َا‪ :‬آََّنه َا ج َُترِئج عَ َىل الْ َع ْب ِد َما ل َ ْم يَ جك ْن َ َْي ََتِئج عَلَ ْي ِه ِم ْن آَ ْصنَ ِاف الْ َم ْخلجوقَ ِ‬
‫الش َيا ِط َني َِب ْ َْل َذى َو ْاْل ْغ َوا ِء َوالْ َو ْس َو َس ِة َوالته ْخ ِو ِيف َوالته ْح ِز ِين‪َ ،‬وان ْ َسائِ ِه َما ِب ِه َم ْصلَ َح جت جه ِيف ِذ ْك ِر ِه‪َ ،‬و َم َ ه‬
‫َضتج جه‬ ‫ه‬
‫مع ِص ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َيا ِط جني َح هّت تَ جؤ هز جه اىل َ ْ َية ه‬
‫اّلل آَ ًّزا‪.‬‬ ‫ِيف ِن ْس َيا ِن ِه‪ ،‬فَتَ ْج ََتِئج عَلَ ْي ِه ه‬
‫َو ج ُْت ََتِئج عَلَ ْي ِه َش َيا ِط َني ْاْلن ْ ِس ِب َما تَ ْق ِد جر عَلَ ْي ِه ِم َن آذاه ِيف غَ ْيبَ ِت ِه َو جحضج ِور ِه‪َ ،‬وي َتجرِئج عَلَ ْي ِه آَه ج جْل َوخَدَ جم جه‬
‫ِ‬
‫َوآَ ْو َْل جد جه َو ِج َريان ج جه َح هّت الْ َح َي َو جان الَْبَ ِ جمي‪.‬‬
‫اّلل فَأَ ْع ِر جف َذ ِ َل ِيف جخلج ِق ا ْم َرآَ ِت َودَاب ه ِت‪.‬‬ ‫السلَ ِف‪ :‬ا ِن َ َْلع ِْص ه َ‬ ‫قَا َل ب َ ْع جض‬
‫ه ِ‬
‫اّلل‪َ ،‬و َ ُْترِئج عَلَ ْي ِه ن َ ْفس جه‬
‫َوكَ َذ ِ َل ي َت َجرِئج عَلَ ْي ِه آَ ْو ِل َيا جء ْ َاْل ْم ِر َِبلْ جع جقوب َ ِة ال ه ِت ا ْن عَدَ لجوا ِفهيَا آَقَا جموا عَلَ ْي ِه جحدج و َد ه ِ‬
‫ِ‬
‫فَتَتَأَ هسدج عَلَ ْي ِه َوت َْص جع جب عَلَ ْي ِه‪ ،‬فَلَ ْو آَ َرا َدهَا ِلخ ْ رَري لَ ْم ت َجطا ِوعْ جه َول ْم تَ ْنقَدْ هلج‪َ ،‬وت جسوق جه اىل َما فيه هَالكهج‪َ ،‬ش َاء آَ ْم‬
‫ج‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫آَ ِب‪.‬‬
‫الطاعَ َة ِح ْص جن هالر ِب تَ َب َاركَ َوتَ َع َاىل ه ِاَّلي َم ْن َدخ َ جَل ََك َن ِم َن ْاْل ِم ِن َني‪ ،‬فَا َذا فَ َار َق الْ ِح ْص َن ا ْج َ ََتآَ‬ ‫َو َذ ِ َل ِ َْل هن ه‬
‫ِ‬
‫ات َوالنُّ جف ِوس‬ ‫ون ا ْج ِ ََتا جء َه ِذ ِه ْاْلفَ ِ‬ ‫الط ِر ِيق َوغَ ْ جري ج ُْه‪َ ،‬وعَ َىل َح َس ِب ا ْج ِ ََتائِ ِه عَ َىل َم َع ِاص ه ِ‬
‫اّلل يَ جك ج‬ ‫عَلَ ْي ِه قج هطا جع ه‬
‫وف‬ ‫الصدَ قَ َة َوا ْر َشا َد الْ َجا ِه ِل‪َ ،‬و ْ َاْل ْم َر َِبلْ َم ْع جر ِ‬ ‫َشء يَ جر ُّد َع ْن جه‪ .‬فَا هن ِذ ْك َر ه ِ‬
‫اّلل َو َطا َعتَ جه َو ه‬ ‫عَلَ ْي ِه‪َ ،‬ولَيْ َس َ جهل َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالَّنه ْيَ َع ِن الْ جم ْن َك ِر ‪ِ -‬وقَايَة تَ جر ُّد َع ِن الْ َع ْب ِد‪ِ ،‬ب َم ْ ِْن َ ِل الْ جق هو ِة ال ه ِت تَ جر ُّد الْ َم َر َض َوتجقَا ِو جمهج‪ ،‬فَا َذا َسقَ َط ِت الْ جق هو جة‬
‫ِ‬
‫ات‬ ‫ات َوالْ َح َس نَ ِ‬ ‫الس ِيئَ ِ‬ ‫وج َب ه‬ ‫غَلَ َب َو ِار جد الْ َم َر ِض فَ ََك َن الْه ََالكج ‪ ،‬فَ َال ب ج هد لِلْ َع ْب ِد ِم ْن َ ْ‬
‫َش رء يَ جر ُّد َع ْنهج‪ ،‬فَا هن جم ِ‬
‫ِ‬
‫اّلل‬
‫َ َ ه هَ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬‫د‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ت‬ ‫َ‬
‫َك‬ ‫َ‬ ‫ى‬‫و‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫د‬
‫ُّ‬ ‫الر‬
‫ه‬ ‫ات َ َ‬
‫ن‬ ‫َك‬ ‫ون الْ جح ْ جك ِللْغَا ِل ِب َ ََك تَقَ هد َم‪َ ،‬و جُكه َما قَ ِو َي َجا ِن جب الْ َح َس نَ ِ‬ ‫تَتَدَ افَ جع َويَ جك ج‬
‫ِ‬
‫اّلل الْ جم ْس َت َع جان‪.‬‬ ‫ون ادله فْ جع‪َ ،‬و ه ج‬ ‫يجدَ ا ِف جع َع ِن ه ِاَّل َين آ َمنجوا‪َ ،‬و ْاْلمي َ جان قَ ْول َو َ ََعل‪ ،‬فَ ِب َح َس ِب قج هو ِة ْاْلمي َ ِان يَ جك ج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‪ ،‬امحلد هلل رب العاملني‪ ،‬وآشهد آن ْل اهل وحده ْل رشيك هل‪ ،‬وآشهد آن محمدا عبده‬
‫ورسوهل صىل هللا وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪ .‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علم وآصلح‬
‫لنا شأننا ُكه وْل تلكنا اىل آنفس نا طرفة عني‪ ...‬آما بعد ‪,‬‬
‫ُترئ عليه ما مل يكن عليه‬ ‫فهذه من العواقب الت تَتتب عىل اَّلنوب واْلاثر الوخمية الت ُترها عىل فا ِعلها‪ ،‬آَّنا ِ‬
‫قدرة عىل العبد آثناء طاعته‪ ،‬فتجرئ عليه الش ياطني‪ ،‬وُترئ عليه اْلنس‪ ،‬وُترئ عليه ال جف هساق‪ ،‬بل ُترئ‬
‫عليه حّت آهل وودله وخدمه؛ ْلن الطاعة حصن للمؤمن‪ ،‬ولو مل يكن فهيا اْل قول هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪: -‬‬
‫اّلل يجدَا ِف جع َع ِن ه ِاَّل َ‬
‫ين آ َمنجوا )) [احلج‪.]38 :‬‬ ‫(( ا هن ه َ‬
‫ِ‬
‫فاملطيع هلل عز وجل يف آمان هللا وحفظ هللا ورعاية هللا وتأييد هللا س بحانه وتعاىل وهللا جال وعال هو اَّلي‬
‫يتوْله‪ ,‬وهو يتوىل الصاحلني وهو اَّلي يدافع عنه‪ .‬وهو اَّلي ينجيه ﴿ َوكَ َ َٰذ ِ َل ن جنجِ الْ جم ْؤ ِم ِن َ‬
‫ني﴾[ اْلنبياء‪]٨٨ :‬‬

‫فاملؤمن يف آمان هللا وحفظ هللا ورعاية هللا واذا ختىل املؤمن عن طاعة هللا س بحانه وتعاىل يكون هبذا التخيل‬
‫عن الطاعة والوقوع يف املعصية خرج من هذا احلصن ويكون خروجه من هذا احلصن حبسب حاهل مع املعاص‪,‬‬
‫فلكم َكن آكرث توغال يف املعاص واَّلنوب َكن ذل آبعد عن هذا ا ِحلصن احلصني اَّلي يكرم هللا س بحانه‬
‫وتعاىل به عباده ‪ ,‬فاملعصية ُترئ الش يطان عىل العبد ويفتح َبملعصية عىل نفسه للش يطان َبَب فيؤزه اىل‬
‫املعاص آ ًّزا‪,‬‬
‫ولهذا فان خطورة وضع املرء قدمه يف طريق املعصية آمر خطري جدا؛ ْلن هذا الوضع للقدم يف طريق املعصية‬
‫جَيرئ عليه الش يطان ‪,‬فيؤزه الش يطان للمعاص آزا‪ ,‬ويدفعه الهيا دفعا لكنه اذا َكن يف كنف الطاعة وآمان‬
‫العبادة فليس للش يطان عليه سبيل ‪ ,‬وليس هل عليه طريق ْلنه يف حصن الطاعة وحصن اَّلكر هلل س بحانه‬
‫وتعاىل‪ ,‬كم قال هللا جال وعال ‪ :‬ا هن ِع َبا ِدي لَيْ َس َ َل عَلَهيْ ِ ْم جسلْ َطان "؛ ْلن املطيع هلل س بحانه وتعاىل اَّلاكر هل‬
‫ِ‬
‫جل يف عاله يف حصن حصني وحرز متني يقيه من الش يطان وحيميه منه فال يتجرآ عليه كتجرئه عىل غريه‪.‬‬
‫ولهذا فان من العواقب الوخمية الت تَتتب عىل املعاص واَّلنوب آَّنا ُترئ هذه اخمللوقات عىل هذا العبد بل‬
‫ُترئ عليه نفسه ‪،‬‬
‫وهذا آمر آيضا عظمي نبه عليه املصنف؛ ْلن كم نعمل النفس لها ثالثة آحوال‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫‪ -‬اما آن تكون نفسا مطمئنة وْل تطمنئ وْل تنال هذه الطمأنينة اْل َبلطاعة والزتكية للنفس " ه ِاَّل َين آ َمنجوا‬
‫َوت َْط َم ِ ُّنئ قجلجوهبج جم ِب ِذ ْك ِر ه ِ‬
‫اّلل " هذا اَّلي تطمنئ به القلوب‪.‬‬
‫‪ -‬آو آن تكون نفسا لوامة لصاحَبا‬
‫‪ -‬آو آن تكون نفسا آمارة َبلسوء‬
‫هذا اَّلي يصفه ابن القمي هنا ُترئ نفسه عليه فتتجرآ نفسه عليه ويصعب عليه جحزها ومنعها وردها بل تنفلت‬
‫وبدْل آن تكون نفسه م جقودة تصبح قائدة تسوقه اىل املعاطب واملهال فتتجرآ عليه نفسه ويصعب عليه زهما؛‬
‫ْلن النفس ْل ميكن آن تجزم اْل َبلطاعة وْل ميكن آن تكون سلسة القياد للمرء اْل بطاعة هللا اذا آلزهما َبلطاعة‬
‫وآطرها علهيا آطرا‪ ،‬فاذا دخل يف طريق املعصية جرآ نفسه عليه وانفلتت منه فال تزال تأخذه من معصي رة اىل‬
‫آخرى ومن هوى اىل آخر ومن هملك رة اىل هملكة ‪ - .‬فهذه من العواقب الوخمية الت تَتتب عىل اَّلنوب ‪ -‬بل‬
‫ُترئ عليه آهل وودله حّت دابته ‪,‬لك هذا من العواقب واْلاثر الت تَتتب عىل املعاص واَّلنوب‪.‬‬
‫آَما طاعة هللا س بحانه وتعاىل فكم قال املصنف رمحه هللا‪ ":‬حصن الرب اَّلي من دخل َكن من اْلمنني"‬
‫ات‬ ‫الصا ِل َح ِ‬‫نك َو َ َِعلجوا ه‬ ‫اّلل ه ِاَّل َين آ َمنجوا ِم ج ْ‬ ‫فالطاعة آمان وحصن لل جمطيع اذا دخل يف الطاعة دخل يف اْلمان " َوعَدَ ه ج‬
‫لَيَ ْس تَ ْخ ِل َفَّنه ج ْم ِيف ْ َاْل ْر ِض َ ََك ْاس تَ ْخلَ َف ه ِاَّل َين ِمن قَ ْب ِلهِ ْم َولَ جي َم ِك َ هن لَهج ْم ِديَّنَ ج جم ه ِاَّلي ْارت َ ى‬
‫َض لَهج ْم َول َ جي َب ِدلََّنه جم ِمن ب َ ْع ِد خ َْو ِفهِ ْم‬
‫ون ِب َشيْئا ۚ " وقال تعاىل‪ " :‬ه ِاَّل َين آ َمنجوا َول َ ْم يَلْب جِسوا اميَاَّنَ جم ب جِظ ْ رمل آُولَ َٰ ئِ َك لَهج جم ْ َاْل ْم جن َو جُه‬ ‫آَ ْمنا ۚ ي َ ْع جبدج ون َِن َْل ي ْ ِ‬
‫جْش جك َ‬
‫ِ‬
‫ون " فادلخول يف الطاعة دخول يف اْلمن ودخول يف حصن حصني وعىل الضد من ذل ادلخول يف‬ ‫ُّمهْتَدج َ‬
‫املعصية دخول يف الهلكة وتوريط للنفس مبا فيه عطَبا وهالكها‪ .‬نعم‬
‫هنا آيضا ( آمر آو ملمح ) وان َكن س بق اْلشارة اليه لكنه غاية يف الفائدة يقول‪ -‬رمحه هللا‪" : -‬فان ذكر هللا‬
‫وطاعته‪ ،‬والصدقة‪ ،‬وارشاد اجلاهل‪ ،‬واْلمر َبملعروف ‪ ،‬والَّني عن املنكر‪ ،‬وقاية ترد عن العبد مبْنل القوة‬
‫الت ترد املرض وتقاومه‪ ،‬ويه الت تسمى يف زماننا املناعة ‪،‬‬
‫املناعة الت جعلها هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬يف جسم اْلنسان تقيه من اْلمراض َبذن هللا‪-‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬واذا‬
‫آصابه املرض فان هذه املناعة تدفعه‪ ،‬تدفع املرض وتقاومه ‪ ،‬تقاومه قبل آن يصيب املرء وآيضا تقاومه بعد آن‬
‫يصيب املرء‪.‬‬
‫جفعل هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬يف اْلنسان هذه املناعة الت تقاوم اْلمراض بعض الناس قد يصاب بنقص يف هذه‬
‫املناعة؛ ولهذا آدىن َشء يؤثر عليه يف حصته وآحياان يفقد املناعة ‪,‬‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫فالطاعة هبذه املثابة مبْنل القوة يعن املناعة الت ترد املرض وتقاومه فاذا سقطت القوة غلب وارد املرض يعن‬
‫اذا سقطت املناعة غلب وارد املرض فَكن الهالك ‪،‬‬
‫اذن فال بد للعبد من َشء يرد عنه فهذه اْلش ياء الت ذكرت‪ :‬اَّلكر‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واْلمر َبملعروف ‪ ،‬والَّني عن‬
‫املنكر هذه ُكها آش ياء ترد عن العبد ولو تالحظ يف نصيحة لقمن احلكمي ْلبنه يف مجةل نصاحئه ووصاايه هل‪،‬‬
‫قال ‪ ":‬اي بن آمق الصالة ‪ ،‬وآمر َبملعروف‪ ،‬وانه عن املنكر‪ ،‬واصرب عىل ما آصابك‪ ،‬ا هن ذل من عزم اْلمور"‪..‬‬
‫هذه اْلش ياء الت يَتب علهيا الابن وينشأ اضافة ملا فهيا من قوة اميان هل وزايدة يف اْلجور فاَّنا حتقق هذا‬
‫املعىن اَّلي يشري اليه ابن القمي ‪ -‬رمحه هللا تعاىل – ويه آَّنا ترد عنه‪.‬‬
‫قال هل ‪ " :‬وآ جمر َبملعروف وانه عن املنكر "‬
‫اذا آمر َبملعروف وَّنيى عن املنكر لو مل يكن يف هذا اْلمر َبملعروف والَّني عن املنكر اْل آنه يرد عن نفسه‬
‫دعاة الْش مثل ما قيل قدميا‪ " :‬اذا مل تد جع تجدعى " اذا مل تدع اىل اخلري آصبحت هدفا دلعاة الْش فاذا آصبح‬
‫اْلنسان يد جع اىل اخلري لو مل يكن يف ذل اْل آنه يرد عن نفسه هبذه ادلعوة‪،‬‬
‫فاحلاصل آن ‪ :‬الطاعات آمان للعبد وحصن هل فاذا دخل يف املعاص خرج من هذا اْلمان وآصبح َّنج بة ْلهل‬
‫الْش َيَتئون عليه ويتسلطون عليه وَيدون يف معصيته هلل انفذة يدخلون من خاللها عليه؛ لزيداد يف املعاص‬
‫واَّلنوب‪ .‬نعم‬

‫فصل ومن عقوَبِتا[آَّنا تجضْ ِع جف الْ َع ْبدَ آَ َما َم ن َ ْف ِس ِه]‬


‫لك آَ َح رد َ ْحيتَ جاج ا َىل َم ْع ِرفَ ِة َما ي َ ْن َف جع جه َو َما‬ ‫ون ا َىل ن َ ْف ِس ِه‪ ،‬فَا هن ج ه‬ ‫ون الْ َع ْبدَ آَ ْح َو َج َما يَ جك ج‬ ‫َو ِم ْن جع جق َوَبِتِ َا‪ :‬آََّنه َا َ جخت ج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‪َ ،‬وآَ ْق َوا ج ُْه َو َآ ْكيَ جسهج ْم َم ْن قَ ِو َي عَ َىل ن َ ْف ِس ِه‬ ‫َض جه ِيف َم َع ِاش ِه َو َم َعا ِد ِه‪َ ،‬وآَعْ َ جمل النه ِاس آَع َْرفجهج ْم ِب َذ ِ َل عَ َىل الته ْف ِص ِ‬ ‫ي َ ج ُّ‬
‫َض جه‪َ ،‬و ِيف َذ ِ َل تَ َف َاوت جت َم َع ِار جف النه ِاس َو ِ َِه جمهج ْم َو َمنَ ِازلجهج ْم‪،‬‬ ‫َوا َرا َدتِ ِه‪ ،‬ف َْاس تَ ْع َملَهَا ِفميَا ي َ ْن َف جع جه َو َكفههَا َ هَعا ي َ ج ُّ‬
‫ِ‬
‫الشقَ َاو ِة‪َ ،‬وآَ ْر َشدج ج ُْه َم ْن آث ََر َه ِذ ِه عَ َىل َه ِذ ِه‪ََ َ ،‬ك آَ هن آَ ْس َفهَهج ْم َم ْن‬ ‫الس َعا َد ِة َو ه‬
‫فَأَع َْرفجهج ْم َم ْن ََك َن عَ ِارفا ِبأَ ْس َب ِاب ه‬
‫َعكَ َس ْ َاْل ْم َر‪.‬‬
‫رش ِف الْ َع ِال ِ ِ‬
‫ادلهائ‬ ‫يل َه َذا الْ ِع ْ ِمل‪َ ،‬وايث َِار الْ َحظِ ْ َاْل ْ َ‬‫ون الْ َع ْبدَ آَ ْح َو َج َما ََك َن ا َىل ن َ ْف ِس ِه ِيف َ ْحت ِص ِ‬
‫ْ ِ‬
‫َوالْ َم َع ِاص َ جخت ج‬
‫جوب َع ْن َ ََكلِ َه َذا الْ ِِع ْ ِمل‪َ ،‬و َع ْن ِاْل ْش ِتغَالِ ِب َما ه َجو َآ ْوىلَ‬ ‫عَ َىل الْ َحظِ الْخ َِس ِيس ْ َاْلد َْىن ال جم ْنقَ ِطعِ‪ ،‬فتَ ْح جج جب جه اَّلن ج‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِب ِه‪َ ،‬وآَنْفَ جع َ جهل ِيف َ‬
‫ادلهاريْ ِن‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫فَا َذا َوقَ َع يف َم ْك جرو ره َوا ْحتَ َاج ا َىل الته َخل ُّ ِص ِمنْهج‪َ ،‬خان َ جه قَلْ جب جه َون َ ْف جس جه َو َج َو ِار جحهج‪َ ،‬و ََك َن ِب َم ْ ِْن َ ِل َر جج رل َم َع جه َس ْيف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصدَ آُ َول َ ِز َم ِق َرابَهج‪َ ِ ،‬حب ْي جث َْل ي َ ْن َج ِذ جب َم َع َصا ِح ِب ِه ا َذا َج َذبَهج‪ ،‬فَ َع َر َض َ جهل عَدج و يج ِريدج قَ ْت َلج‪ ،‬فَ َوضَ َع‬ ‫َ ه‬ ‫ه‬‫ج‬ ‫ي‬ ‫ش‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫دْ‬ ‫قَ‬
‫ِ‬
‫دَِه جه الْ َعدج ُّو َو َظ ِف َر ِب ِه‪.‬‬ ‫ي َ ِد ِه عَ َىل قَ ِ ِ‬
‫ائ َس ْي ِف ِه َوا ْجَتَ َدَ ِل جيخْ ِر َجهج‪ ،‬فَ َ ْمل َ َْي جر ْج َم َعهج‪ ،‬فَ َ َ‬
‫جوب َوي َ ِص جري جمثْخَنا َِبلْ َم َر ِض‪ ،‬فَا َذا ا ْحتَ َاج ا َىل جم َح َارب َ ِة الْ َعدج ِو ل َ ْم ََيِدْ َم َع جه ِمنْ جه َشيْئا‪،‬‬ ‫كَ َذ ِ َل الْقَلْ جب ي َ ْصدَ آُ َِب َُّّلن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َع ْبدج ان ه َما ج َحي ِار جب َوي ج َصا ِو جل َوي ج ْق ِد جم ِبقَلْ ِب ِه‪َ ،‬والْ َج َو ِار جح تَ َبع لِلْقَلْ ِب‪ ،‬فَا َذا ل َ ْم يَ جك ْن ِع ْندَ َم ِل ِكهَا قج هوة يَدْ فَ جع هبِ َا‪ ،‬ف َماَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظ ُّن هبِ َا عند عدم مل ِكها؟‬ ‫ه‬
‫َوكَ َذ ِ َل النه ْف جس فَاَّنه َا َ ْخت جب جث َِب هلشه ََو ِات َوالْ َم َع ِاص َوتَضْ جع جف‪ ،‬آَع ِْن النه ْف َس الْ جم ْط َم ِئنه َة‪َ ،‬وا ْن ََكن َِت ْ َاْل هم َار جة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص جف ِل ْ َْل هم َار ِة‪.‬‬
‫ْل‪ ،‬فَ َي ْبقَى الْ جح ْ جك َوالته َ ُّ‬
‫تَ ْق َوى َوتَتَأَ هسدج ‪َ ،‬و جُكه َما قَ ِوي َ ْت َه ِذ ِه ضَ جعفَ ْت تِ ْ َ‬
‫َو جرب ه َما َمات َْت ن َ ْف جس جه الْ جم ْط َمئِنه جة َم ْوت َْل يج ْر َ َُتى َم َع جه َح َياة فهذا ميت يف الربزخ غري يح يف اْلخرة حياة يَنْتَ ِف جع‬
‫هبِ َا‪ ،‬ب َ ْل َح َياتج جه َح َياة يجدْ ِركج هبِ َا ْاْل َْل َم فَقَطْ‪.‬‬
‫َش رء َهلج‪،‬‬ ‫َوالْ َم ْق جصو جد آَ هن الْ َع ْبدَ ِا َذا َوقَ َع ِيف ِش هد رة آَ ْو جك ْرب َ رة آَ ْو ب َ ِل هي رة َخان َ جه قَلْ جب جه َو ِل َسان ج جه َو َج َو ِار جح جه َ هَعا ه َجو آَنْفَ جع َ ْ‬
‫َضعِ َوالته َذل ُّ ِل َو ِاْل ْن ِك َس ِار ب َ ْ َني‬ ‫اّلل تَ َع َاىل َوْل ْاْلانَ ب َ ِة ال َ ْي ِه َوالْ َج ْم ِع هي ِة عَلَ ْي ِه َوالته َ ُّ‬ ‫لك عَ َىل ه ِ‬ ‫فَ َال ي َ ْن َج ِذ جب قَلْ جب جه ِللته َو ُّ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫يَدَ يْ ِه‪َ ،‬و َْل ي ج َطا ِوعج جه ِل َسان ج جه ِ َِّل ْك ِر ِه‪َ ،‬وا ْن َذكَ َر جه ِب ِل َسا ِن ِه لَ ْم َ َْي َم ْع ب َ ْ َني قَل ِبه َول َسانه‪ ،‬فَ َي ْن َح ِب جس القَل جب َعن الل َس ِان‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ِ َحب ْي جث ي ج َؤ ِث جر ِاَّل ْك جر‪َ ،‬و َْل ي َ ْن َح ِب جس الْقَلْ جب َوا ِلل َس جان عَ َىل امل ِذ ْكو ِر‪ ،‬ب َ ْل ا ْن َذكَ َر آَ ْو َدعَا َذكَ َر ِبقَلْ رب َْل ره َسا ره‬
‫ِ‬
‫غَا ِف رل‪َ ،‬ول َ ْو آَ َرا َد ِم ْن َج َو ِار ِح ِه آَ ْن تج ِعينَ جه ب َِطاعَ رة تَدْ فَ جع َع ْن جه لَ ْم تَ ْنقَدْ َ جهل َول َ ْم ت َجطا ِوعْ جه‪.‬‬
‫جوب َوالْ َم َع ِاص ََكَ ْن َ جهل ججنْد يَدْ فَ جعون َع ْن جه ْ َاْلعْدَ َاء‪ ،‬فَأَ ْ َِه َل ججنْدَ جه‪َ ،‬وضَ هي َعهج ْم‪َ ،‬وآَضْ َع َفهج ْم‪،‬‬ ‫َو َه َذا جُكُّ جه آَث جَر ا َُّّلن ِ‬
‫َوقَ َط َع َآ ْخبَ َار ج ُْه‪ ،‬ج هث َآ َرا َد ِمَّنْ ج ْم ِع ْندَ جُهجو ِم الْ َعدج ِو عَلَ ْي ِه َآ ْن ي َْس تَ ْف ِرغجوا جو ْس َعهج ْم ِيف ادله فْع ِ َع ْن جه ِبغ ْ َِري قج هو رة‪.‬‬

‫هذا آيضا آثر آخر وعاقبة آخرى من عواقب اَّلنوب وآرضارها عىل ال جعصاة‪ ،‬آَّنا كم ذكر ‪-‬رمحه هللا‪: -‬‬
‫ختون العبد آحوج ما يكون اىل نفسه‪ ,‬وهذا اْلثر عائد اىل حال النفس‪ ،‬فان النفس حبسب ما هعودها عليه‬
‫صاحَبا‪ ،‬فان هعودها عىل طاعة هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فانه اذا احتاج الهيا عند اش تداد اْلمور َكنت حارضة‪،‬‬
‫وقريبة ِلم جعل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فهيا من اْلميان واْلقبال عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬واَّلكر هل ‪-‬جل يف‬
‫عاله‪ ،-‬فال يكون فهيا اْل ذل ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫ولهذا يف الشدائد تفزع ملا َكن جمس ت ِق ًّرا فهيا من طاعة واقبال عىل هللا‪ ،‬وذكر هلل‪ ،‬وتولك عليه‪ ،‬و جحسن التجاء‬
‫اليه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬خبالف النفس العاصية الت آَُّنكت َبملعاص‪ ،‬فاَّنا يف الشدائد وال جكرب ختون العبد‪،‬‬
‫ويجالزهما ضعفها‪ ،‬وتعلقها مبا َكنت جمتعلقة به من معاص‪ ،‬وآهواء شغلت القلب وآرهقته ‪.‬‬
‫ولهذا كم س يأت عند املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬وهو آشد ما يكون يف هذا الباب عند الاحتضار‪ :‬الشخص‬
‫اَّلي شغل وقته َبللهو والباطل واملعازف وغري ذل ختونه نفسه عند الاحتضار‪ ،‬ولو آراد آن يفزع عند‬
‫الاحتضار اىل ُكمة التوحيد ْل اهل اْل هللا لتكون خامتة الكمه‪ ،‬خلانته يف هذه الشدة ‪،‬‬
‫ولهذا بعض هؤْلء يجلقن ْل اهل اْل هللا عند موته فال يتلقن وْل يقبل‪ ،‬بل بعضهم خترج روحه وهو يجردد بعض‬
‫اللهو اَّلي مْل قلبه به يف حياته‪ ،‬فتخونه نفسه يف مثل هذه الشدائد ‪ ,‬بعضهم ميوت وهو يجردد بيت من شعر‬
‫اللهو والباطل اَّلي فجنت به وكرث من ترداده خبالف املجطيع ‪,‬‬
‫املجطيع ‪ :‬قلبه آصال َكن جمنشغال بذكر هللا‪ ،‬ف جيخمت هل هبذا اَّلي َكن قلبه جمنشغال به ‪,‬ان َكن جمنشغال بصالة‪،‬‬
‫وذكر‪ ،‬وطاعة‪ ،‬وآذان‪ ،‬ودعاء فهذا اَّلي يكون معه يف مثل هذه الشدائد ‪،‬‬
‫آما اْلخر اَّلي وقع يف املعصية‪ :‬فان نفسه ختونه يف الشدائد ْلنه آصال مل يج َع ِود نفسه عىل اَّلكر‪ ،‬وعىل الطاعة‬
‫آما من عود نفسه عىل الطاعة وتعلق قلبه هبا فانه يف مثل هذه اْلحوال ليس يف قلبه آصال اْل هذا ومل ينشغل‬
‫قلبه اْل هبذا‪.‬‬
‫والقصص يف هذا وس يأت عند املصنف اشارة اىل بعض القصص الت فهيا عربة وعظة‪ ،‬القصص يف هذا كثري ‪،‬ومما‬
‫مسعته ومجيل ذكره‪ :‬آحد الصاحلني من كبار السن هل اش تغال يف الطاعة والعبادة واْلذان وتعلق قلبه بذل دخل يف‬
‫آخر َعره كم حيدثن بذل آحد آبنائه يف غيبوبة اس مترت شهورا‪ ،‬يقول ابنه دخلت يوما للمستشفى لزايرة وادلي‬
‫واجللوس معه فقال هل الطبيب‪ :‬وادلك عنده اليوم َشء من الصحو ان َكن آردت آن تلكمه‪ ،‬يقول فذهبت فرحا‬
‫وهو منقطع يف غيبوبة عن ادلنيا ثالثة شهور آو آكرث‪ ،‬فأخذت آانديه فكنه استيقظ من نوم‪ ،‬فقال ل ‪ :‬آذن؟ ث‬
‫دخل يقول يف الغيبوبة اىل آن مات‪.‬‬
‫ثالث شهور يف غيبوبة وملا استيقظ استيقاظ يسري‪ ،‬قال آذن‪ ،‬ما َكن يف قلبه اْل هذا‪ ،‬فالقلب حبسب ما‬
‫ي جشغَل به‪ ،‬ان جش ِغ َل َبللهو والباطل يف مثل هذه الشدائد ْل ج‬
‫حيَض اْل هذا اَّلي قلبه َكن منشغال به‪ ،‬وان َكن‬
‫منشغال بذكر هللا وطاعته ْل يكون يف الشدائد اْل هذا اَّلي َكن مش تغال به‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫ولهذا قال ابن القمي رمحه هللا تعاىل آن‪ :‬قلبه َيونه آشد ما يكون وخباصة عند الاحتضار‪ .‬نعم‬

‫قال رمحه هللا‪َ :‬ه َذا‪َ ،‬و َ هث آَ ْمر آَخ َْو جف ِم ْن َذ ِ َل َوآَد َْه ِمنْ جه َوآَ َم ُّر‪َ ،‬وه َجو َآ ْن َ جَيون َ جه قَلْ جب جه َو ِل َسان ج جه ِع ْندَ ِاْل ْح ِتضَ ا ِر‬
‫َض َين آَ َصاهبَ ج ْم َذ ِ َل‪َ ،‬ح هّت‬ ‫اّلل ‪ ،‬فَ جرب ه َما تَ َع هذ َر عَلَ ْي ِه النُّ ْط جق َِب هلشهَا َد ِة‪ََ َ ،‬ك َشاهَدَ النه جاس َك ِثريا ِم َن الْ جم ْحتَ َ ِ‬
‫َو ِاْلنْ ِتقَالِ ا َىل ه ِ‬
‫ِ‬
‫ِقي َل ِل َب ْع ِضهِ ْم‪ :‬قج ْل َْل ا َ َهل ا هْل ه ج‬
‫اّلل‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬آ ْه آ ْه‪َْ ،‬ل آ َْس تَ ِطي جع آَ ْن آَقجولَهَا‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫اّلل‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬شا ْه جرخْ ‪ ،‬غَلَ ْب جت َك‪ .‬ج هث قَ َض‪.‬‬ ‫َو ِقي َل ِْلخ ََر‪ :‬قج ْل‪َْ :‬ل ا َ َهل ا هْل ه ج‬
‫ِ ِ‬
‫هذا شاه ورخ‪ ،‬هذه آجحار الشطرجن‪َ ،‬كن منشغل َبلشطرجن ويلعب به ومس تغرقا آوقاته‪ ،‬فلم جد ِع َ للنطق‬
‫َبلشهادتني‪ ،‬ما نطق هبا عند الاحتضار‪ ،‬و امنا آخذ يردد هذه الت َكنت شاغةل قلبه ومالئة فؤاده وقلبه ْل ره هبا‪.‬‬

‫قال َو ِقي َل ِْلخ ََر‪ :‬قج ْل َْل ا َ َهل ا هْل ه ج‬


‫اّلل‪ ،‬فَقَا َل‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫َاي جر هب قَائِ َ رةل ي َ ْوما َوقَدْ تَ ِع َب ْت ‪ ...‬كيف ه‬
‫الط ِر جيق ا َىل َمحها ِم ِمنْ َج ِاب‬
‫ِ‬
‫ج هث قَ َض‪.‬‬
‫اّلل‪ ،‬فَ َج َع َل َيَ ْ ِذي َِبلْ ِغنَا ِء َوي َ جق ج‬
‫ول‪ :‬تَ ِتنَا تنتْنا‪َ .‬ح هّت مات‬ ‫َو ِقي َل ِْلخ ََر‪ :‬قج ْل َْل ا َ َهل ا هْل ه ج‬
‫ِ ِ‬
‫ولهذا يقول ابن القمي رمحه هللا‪ :‬مفتنا عىل حب اْلهل وماتوا عىل تنتنا تنتنا‪ ،‬تنتنا هذه آصوات املوس يقى واملعازف‪.‬‬

‫َو ِقي َل ِْلخ ََر َذ ِ َل‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬و َما ي َ ْن َف جع ِن َما تَ جقو جل َول َ ْم آَ َد ْع َم ْع ِص َية ا هْل َر ِك ْبَتج َا؟ ج هث مات َول َ ْم ي َ جقلْهَا‪.‬‬
‫ِ‬
‫َو ِقي َل ِْلخ ََر َذ ِ َل‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬و َما يجغ ِْن َع ِن‪َ ،‬و َما آَ ْع ِر جف آَ ِن َصل ه ْي جت ِ ه ِّلل َص َالة؟ َول َ ْم ي َ جقلْهَا‪.‬‬
‫َو ِقي َل ِْلخ ََر َذ ِ َل‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬آان ََك ِفر ِب َما تَ جقو جل ومل يقولها‪َ .‬وقَ َض‪.‬‬
‫َو ِقي َل ِْلخ ََر َذ ِ َل‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬جُكه َما آَ َرد جْت آَ ْن آَقجولَهَا و ِل َس ِان ي ج ْم ِس جك َعَّنْ َا‪.‬‬
‫الش هحا ِذ َين ِع ْندَ َم ْوتِ ِه‪ ،‬فَ َج َع َل ي َ جقو جل‪ ِ :‬ه ِّلل‪ِ ،‬فلْس ِ ه ِّلل‪َ .‬ح هّت قَ َض‪.‬‬ ‫َوآَخ َ َْرب ِن َم ْن َح َ َ‬
‫َض ب َ ْع َض ه‬

‫يعن قض وهو يتسول؛ ْلنه آ ِلف ذل‪ ،‬وآمض حياته يف التسول ‪ .‬نعم‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫َض َوه َجو ِع ْندَ جه‪َ ،‬و َج َعلجوا يجلَ ِقنجون َ جه‪َْ :‬ل ا َ َهل ا هْل ه ج‬
‫اّلل‪َ ،‬وه َجو ي َ جقو جل‪:‬‬ ‫َوآَخ َ َْرب ِن ب َ ْع جض التُّ هج ِار َع ْن قَ َراب َ رة َ جهل آَن ه جه ا ْحتج ِ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َه ِذ ِه الْ ِق ْط َع جة َر ِخ َيصة‪َ ،‬ه َذا جم ْش َ رَت َجيِد‪َ ،‬ه ِذ ِه كَ َذا‪َ .‬ح هّت قَ َض‪.‬‬

‫احلاصل آن ما ذكره ‪-‬رمحه هللا‪ -‬من آمثةل هذا ُكه توضيح لبيان آن النفس حبسب ما تألف وتجعود عليه؛ فاَّنا يف‬
‫الشدائد ْل حيَض فهيا اْل اليشء اَّلي آ ِلفته و جع ِودت عليه‪ .‬نعم‬

‫اّلل! َ ْك َشاهَدَ النه جاس ِم ْن َه َذا ِع َربا؟ َو ه ِاَّلي َ َْيفَى عَلَهيْ ِ ْم ِم ْن آَ ْح َوالِ الْ جم ْحتَ ِ ِ‬
‫َض َين آَع َْظ جم‬ ‫قال َو جس ْب َح َان ه ِ‬
‫َوآَع َْظ جم‪.‬‬

‫اْلن اخلرف اَّلي يصيب بعض الكبار قبل املوت‪ ،‬اذا َكن اخلرف لصاحب طاعة فان خرفه يف الطاعة نفسها‪ ،‬يتلكم‬
‫بأمور يه من طاعة هللا ويجرددها ويجكررها ويه من طاعة هللا س بحانه وتعاىل‪ .‬واذا َكن من العصاة فان خرفه يكون‬
‫مكن الزائرين من زايرة وادله آو‬ ‫يف العصيان اَّلي َكن عليه‪ ،‬ويذكر يف خرفه الكما ْل يليق‪ .‬ولهذا بعض الناس ْل ي ج ِ‬
‫قريبه؛ ْلَّنم يسمعون منه هذا الالكم يسمعون منه الكما فاحشا الكما بذيئا الكما سيئا؛ ْلنه َكن هذا آُل جفه واليشء‬
‫اَّلي اعتاد عليه‪ .‬فاحلاصل آن اْلمر حبسب ما اعتادت النفس عليه من طاعة آو معصية‪.‬نعم‬

‫الش ْي َط جان‪َ ،‬و ْاس َت ْع َم َ جل ِفميَا‬


‫قال فَا َذا ََك َن الْ َع ْبدج ِيف َحالِ جحضج ِور ِذ ْه ِن ِه َوقج هوتِ ِه َو َ ََكلِ اد َْرا ِك ِه قَدْ تَ َمكه َن ِمنْ جه ه‬
‫ِ‬
‫اّلل ‪َ ،‬و َع هط َل ِل َسان َ جه َع ْن ِذ ْك ِر ِه َو َج َو ِار َح جه َع ْن َطا َعتِه‪ِ،‬‬ ‫اّلل‪َ ،‬وقَدْ آَ ْغفَ َل قَلْ َب جه َع ْن ِذ ْك ِر ه ِ‬ ‫يج ِريدج جه ِ ِم ْن َم َع ِاص ه ِ‬
‫الْنعِ؟‬‫وط قج َوا جه َو ْاش ِتغَالِ قَلْ ِب ِه َون َ َف ِس ِه ِب َما ه َجو ِفي ِه ِم ْن آَل َ ِم ه ْ‬
‫الظ ُّن ِب ِه ِع ْندَ جس جق ِ‬
‫فَ َك ْي َف ه‬
‫لك قج هوتِ ِه َو ِِهه ِت ِه‪َ ،‬و َحشَ دَ عَلَ ْي ِه ِ َِب ِميع ِ َما ي َ ْق ِد جر عَلَ ْي ِه ِل َينَا َل ِمنْ جه فج ْر َصتَهج‪ ،‬فَا هن َذ ِ َل آ ِخ جر‬
‫الش ْي َط جان َ جهل ج ه‬
‫َوقد َ َمج َع ه‬
‫ِ‬
‫الْ َع َم ِل‬

‫هذه فائدة هممة يف هذا الباب‪ ،‬يقول‪ :‬اذا َكن الش يطان قد متكن منه يف حال قوته وش بابه ونشاطه‬
‫متكن منه وآصبح يقوده اىل املعاص ويَصفه عن الطاعات وآصبح مطيعا للش يطان والش يطان ممتكن‬
‫منه‪.‬‬
‫اذا َكن ذل الشأن يف حال قوته ونشاطه ‪-‬قد متكن منه الش يطان‪ -‬فْلن يكون الش يطان آعظم متكنا عندما‬
‫يكون يف حال ضعفه ومرضه واش تداد اْلمل عليه؛ ْلنه متكن منه يف حال القوة والنشاط فف حال الضعف اْلمر‬
‫يكون آشد وعىل الش يطان آيرس من حال قوة املرء واجامتع قواه وحواسه‪ .‬نعم‬
‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫ْل الْ َحالِ‬ ‫ون عَلَ ْي ِه َش ْي َطان ج جه َذ ِ َل الْ َو ْق ِت َوآَضْ َع جف َما يَ جك ج‬


‫ون ه َجو ِيف تِ ْ َ‬ ‫‪ ،‬فَأَ ْق َوى َما يَ جك ج‬

‫الش يطان آقوى ما يكون عليه يف ذل الوقت؛ ْلن الش يطان حلظات املوت تجعترب حلظات هممة َبلنس بة للش يطان‪،‬‬
‫تعترب حلظات هممة جدا وحامسة وحيرص عىل املرء آشد ما يكون عند املوت‪ ،‬يَصفه عن ْل اهل اْل هللا‪ ،‬يَصفه عن‬
‫التوحيد ي جشغل ‪-‬مثال‪َ -‬بلتسخط واجلزع والاعَتاض عىل قدر هللا س بحانه وتعاىل اذا َكن يف آْلم آو يف آمراض‪،‬‬
‫بدل آن يقول حس يب هللا آو اان هلل واان اليه راجعون آو ايرب ايرب‪ ..‬يشغل َبلتسخط والاعَتاض عىل قدر هللا‪،‬‬
‫وآمورا يجريد الش يطان بل حيرص آشد احلرص عىل آن تكون يه اخلامتة هل يف خروجه من هذه ادلنيا فلحظات املوت‬
‫تجعترب حلظات جمهمة للش يطان يكون يف آحرص ما يكون فهيا عىل العبد ‪,‬فاذا َكن العبد يف نشاطه مكهن الش يطان‬
‫من نفسه (ف ْلن ) يكون الش يطان يف ضعفه آشد متكنا منه من َبب آوىل‪ .‬نعم‬

‫اّلل ه ِاَّل َين آ َمنجوا َِبلْقَ ْولِ الث هاب ِِت ِيف الْ َح َيا ِة ادلُّ نْ َيا َو ِيف‬ ‫قال ‪ ،‬فَ َم ْن تج َرى ي َْس َ جمل عَ َىل َذ ِ َل؟ فَهجنَاكَ {يجث َِب جت ه ج‬
‫اّلل َما يَشَ ا جء} [ جس َور جة ِابْ َرا ِه َمي‪. ]27 :‬‬ ‫الظا ِل ِم َني َوي َ ْف َع جل ه ج‬
‫اّلل ه‬ ‫ْاْل ِخ َر ِة َويج ِض ُّل ه ج‬
‫اّلل جس ْب َحان َ جه قَلْ َب جه َع ْن ِذ ْك ِر ِه َوات ه َب َع ه ََوا جه َو ََك َن آَ ْم جر جه فج جرطا‪ .‬فَ َب ِعيد َم ْن‬
‫فَ َك ْي َف ي ج َوف ه جق ِ جحب ْس ِن الْخَا ِت َم ِة َم ْن آَ ْغفَ َل ه ج‬
‫اّلل تَ َع َاىل‪ ،‬غَا ِفل َع ْن جه جمتَ َعبِد ِله ََوا جه آَ ِسري ِلشَ ه ََواتِ ِه‪َ ،‬و ِل َسان ج جه َايبِس ِم ْن ِذ ْك ِر ِه‪َ ،‬و َج َو ِار جح جه‬ ‫قَلْ جب جه ب َ ِعيد ِم َن ه ِ‬
‫جم َع هط َةل ِم ْن َطا َعتِ ِه جم ْش تَ ِغ َةل ِب َم ْع ِص َي ِت ِه – بعيد عن هذا آَ ْن ي ج َوف ه َق ِللْخَاتِ َم ِة َِبلْ جح ْس َىن‪.‬‬
‫َولَقَدْ قَ َط َع خ َْو جف الْخَاتِ َم ِة جظه َجور الْ جمته ِق َني‪َ ،‬و َ ََك هن الْ جم ِس ي ِئ َني ا هلظا ِل ِم َني قَدْ آَخ جَذوا ت َْو ِقيعا َِب ْ َْل َم ِان {آَ ْم لَ ج ْك آَيْ َمان‬
‫ل َز ِعمي} [ جس َور جة الْقَ َ ِمل‪]40 - 39 :‬‬ ‫عَلَ ْينَا ََب ِلغَة ا َىل ي َ ْو ِم الْ ِقيَا َم ِة ا هن لَ ج ْك لَ َما َ ْحت جُكج َ‬
‫ون ‪َ -‬سلْهج ْم آََيُّ ج ْم ِب َذ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول ملا ذكر اخلامتة و ِعظم شأَّنا يقول‪ :‬آمر اخلامتة قطع اخلوف اَّلي يتعلق َبخلامتة قلوب وقطع ظهور املتقني‬
‫وآزجع قلوهبم ‪ ,‬وذل آن املجتق املجطيع هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬مجع هللا هل بني احسان يف العمل وخمافة‪ ,‬ولهذا‬
‫ي َش تد خوف الصاحلني يف آمر اخلامتة‪ ،‬ويكرث احلاهحم عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آن جحيسن هلم اخلامتة آسأل هللا‬
‫آن جحيسن ختامنا آمجعني ‪.‬‬
‫كون بَينَه وبَيَّنَ ا ا هْل ِذراع‪ ،‬فيَس ب جِق علي ِه‬ ‫هل اجلنه ِة ه‬
‫حّت ما يَ ج‬ ‫ولهذا جاء يف احلديث ‪ (( :‬ا هن آَحدَك ل َ َيع َم جل ِب َع ِ‬
‫مل آ ِ‬
‫هل النه ِار فيَد جخلجها ))‪.‬‬
‫مل آَ ِ‬ ‫ال ِك ج‬
‫تاب ف َيع َم جل ِب َع ِ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫فالسوابق واخلواتمي هذه مثل ما ذكر اْلمام ابن القمي قطعت ظهور املتقني‪ ،‬واش تد انزعاج قلَبم وخوفهم‪ ،‬ولهذا‬
‫يكرث جلوءُه اىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آن حيسن هلم اخلتام‪ ،‬وآن َيعل عاقبة آمرُه رشدا‪ ،‬وآن َيعل احلياة‬
‫زايدة هلم يف لك خري‪ ،‬واملوت راحة هلم من لك رش‪ ،‬ويكرث التجاءُه اىل هللا آن يثبَتم‪ ،‬وآن ْل يزيغ قلوهبم‪،‬‬
‫وآن َيدَيم‪ ،‬يكرث احلاهحم عىل هللا ملا قام يف قلَبم من اخلوف وانزعاج القلب ‪,‬‬
‫بيامن الظاملني العصاة ْل يفكر يف آمر اخلامتة وْل تشغل َبهل‪ ،‬وَكنه مثل ما قال ابن القمي‪ :‬آخذ توقيعا َبْلمان‬
‫َبخلامتة اجليدة احلس نة‪ ،‬آصال مل تشغل َبهل وْل يفكر هبا َكن عنده خمت آمان َبخلامتة احلس نة ‪.‬‬
‫آما املطيع فعنده خوف وهذا اخلوف يبعث نفسه عىل اجملاهدة عىل الثبات عىل الطاعة‪ ،‬جوحيرك قلبه اقباْل عىل‬
‫هللا وجلوء اليه ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬واحلاحا عليه َبدلعاء آن يثبته وآن ْل يزيغ قلبه‪ .‬نعم‬

‫قال رمحه هللا َ ََك ِقي َل‪:‬‬


‫َاي آ ِمنا ِم ْن قَبِي ِح الْ ِف ْع ِل ِمنْ جه َآه َْل ‪ ...‬آَتَ كَ ت َْو ِقي جع آَ ْم رن آَن َْت تَ ْم ِل جك جه‬
‫اِها ِيف الْ َم ْر ِء ِتج ْ ِل جك جه‬
‫َ َمج ْع َت َش ْيئ َ ْ ِني آَ ْمنا َواتِ َبا َع هَوى ‪َ ...‬ه َذا َوا ْحدَ ج َ‬
‫ِ‬
‫مجعت ش يئني آمنا واتباع هوى‪,..‬احلسن البَصي رمحه هللا يقول ‪ :‬ان احملسن مجع بني احسان وخمافة‪ ,‬واملنافق‬
‫آو الفاجر مجع بني اساءة وآمن مثل ما قال الناظم هنا‪:‬‬
‫مجعت ش يئني آمنا واتباع هوى ‪ -,‬اساءة وآمن ‪-‬‬

‫ون عَ َىل د َْر ِب الْ َمخَا ِو ِف قَدْ ‪َ ...‬س جاروا َو َذ ِ َل د َْرب لَ ْس َت ت َ ْسلج جك جه‬
‫قال ‪َ :‬والْ جم ْح ِس نج َ‬

‫احملس نون عىل درب اخملاوف ُه يف احسان يف العمل ويف خوف من آن يرد العمل‪َ { ".‬و ه ِاَّل َين ي ج ْؤت َ‬
‫جون َما آت َْوا‬
‫َوقجلجوهبج ج ْم َو ِج َةل} خوف من اْلمر اَّلي يتعلق َبخلواتمي خوف عىل قلوهبم آن تزيغ " ربنا ْل تج ِزغ قلوبنا"‬
‫فعىل درب اخلوف فهم حمس نون خائفون مثل ما عرب الناظم‪:‬‬
‫واحملس نون عىل درب اخملاوف‬
‫(فهم يف احسان يف العمل ويف الوقت نفسه خوف‪ -‬قلوهبم وجةل ‪ )-‬نعم‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع والعشرون‬

‫فَ هر ْط َت ِيف هالز ْرعِ َوقْ َت الْ َب ْذ ِر ِم ْن َسفَ ره ‪ ...‬فَ َك ْي َف ِع ْندَ َح َصا ِد النه ِاس تجدْ ِر جك جه‬
‫َه َذا َوآَ ْ َْع جب َ ْ‬
‫َش رء في َك جزهْدج كَ ِيف ‪ ...‬د َِار الْ َبقَا ِء ِب َعيْ رش َس ْو َف ت ْ جََت جك جه‬
‫ون ِيف الْ َب ْيع ِ غَ ْبنا َس ْو َف يجدْ ِر جك جه‬
‫الس ِفي جه اذا َِب ه ِّلل آَن َْت آَ ِم‪ .....‬الْ َم ْغ جب ج‬ ‫َم ِن‬
‫ه ِ‬
‫امل َغبون يف البيع يتأمل من هذا الغنب اَّلي حيصل هل يف البيع اَّلي هو ُتارة ادلنيا‪ ,‬لكن آشد منه اَّلي يكون‬
‫غبنه يف ضياع دينه ‪ ،‬وخرسان ما به جناته وفالحه وسعادته يوم يلقى هللا س بحانه وتعاىل‪.‬‬
‫نسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي ‪ ،‬آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدان علم وآن َيدينا اليه رصاطا‬
‫مس تقميا وآن يغفر لنا ولوادلينا وللمسلمني واملسلمت واملؤمنني واملؤمنات اْلحياء مَّنم واْلموات‪ .‬اللهم آ ِت‬
‫نفوس نا تقواها وزكها آنت خري من َز هَكهَا آنت ولهيا وموْلها ‪ ،‬اللهم آصلح لنا ديننا اَّلي هو عصمة آمران وآصلح‬
‫لنا دنياان الت فهيا معاش نا ‪ ،‬وآصلح لنا آخرتنا الت فهيا معادان واجعل احلياة زايدة لنا يف لك خري واملوت راحة‬
‫لنا من لك رش‪ .‬اللهم آ ِت نفوس نا تقواها وزكها وآنت خري من َز هَكهَا ‪.‬آنت ولهيا وموْلها ‪.‬اللهم اان نسأل الثبات‬
‫فاْلمر ‪،‬والعزمية عىل الرشد ‪ ،‬ونسأل موجبات رمحتك وعزائ مغفرتك ‪ ،‬ونسأل شكر نعمتك وحسن‬
‫عبادتك ونسأل قلبا سلميا ولساان صادقا ‪ ،‬ونسأل من خري ما تعمل ونعوذ بك من رش ما تعمل ونس تغفرك ملا‬
‫تعمل انك آنت عالم الغيوب‪ ,‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما حيول بيننا وبني معاصيك ‪ ،‬ومن طاعتك ما تبلغنا‬
‫به جنتك ‪ ،‬ومن اليقني ما ِتون به علينا مصائب ادلنيا اللهم متعنا بأسمعنا وآبصاران وقوتنا ما آحييتنا واجعل‬
‫الوارث منا واجعل ثأران عىل من ظلمنا وانَصان عىل من عاداان وْل ُتعل مصيبتنا يف ديننا وْل ُتعل ادلنيا آكرب‬
‫ِهنا وْل مبلغ علمنا وْل تسلط علينا من ْل يرمحنا‪.‬‬
‫صل وسمل عىل عبدك َو َر جس ِ َ‬
‫ول‬ ‫س بحانك اللهم وحبمدك‪ ،‬آشهد انه ْل اهل اْل آنت آس تغفرك وآتوب اليك ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫نبينا محمد وآهل وحصبه ‪.‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشَتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪ ،‬آما بعد ‪:‬‬
‫يقول العالمة ابن القمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا وغفر هل‪ -‬ولش يخنا واملسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َم َع ياِص تُ ْع يمي الْقَلْ َب]‬


‫َو يم ْن ُع ُق َوَبِتي َا َآَّنه َا تُ ْع يمي الْقَلْ َب‪ ،‬فَا ْن ل َ ْم تُ ْع يم يه آَضْ َعفَ ْت ب َ يص َريتَ ُه َو ََلبُده‪َ ،‬وقَدْ تَقَ هد َم ب َ َي ُان آََّنه َا تُضْ يع ُف ُه َو ََلبُده‪،‬‬
‫ِ‬
‫فَا َذا َ يَع َي الْقَلْ ُب َوضَ ُع َف‪ ،‬فَاتَ ُه يم ْن َم ْع يرفَ ية الْهُدَى َوقُ هوتي يه عَ َىل تَ ْن يفي يذ يه ييف ن َ ْف يس يه َو ييف ََ ْ يري يه‪ ،‬ي َِ َس يب ضَ ْعفي‬
‫ِ‬
‫ب َ يص َريتي يه َوقُ هو يت يه‪.‬‬
‫اِن َمدَ ُار ُه عَ َىل آَ ْصلَ ْ يني‪َ :‬م ْع يرفَ ية الْ َح يق يم َن الْ َبا يط يل‪َ ،‬وايث يَار يه عَلَ ْي يه‪.‬‬ ‫فَا هن ْال ََكَا َل ْاَلن ْ َس ي ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل ييف ادلُّ نْ َيا َو ْال يخ َر ية ا هَل يبقَدْ ير تَ َف ُاو يت َمنَ يازيلهي ْم ييف َه َذيْ ين ْ َال ْم َريْ ين‪،‬‬‫َو َما تَفَ َاوت َْت َمنَ ياز ُل الْ َخلْ يق يع ْندَ ه ي‬
‫ِ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه عَ َىل آَنْ يبيَائي يه ِبي ي َما ييف قَ ْو ي يهل تَ َع َاَل‪َ { :‬و ْاذ ُك ْر يع َبادََنَ ا ْب َرا يه َمي َوا ْْس ََاق َوي َ ْع ُق َ‬
‫وب‬ ‫َو ُ َُها ا ه َلَّل يان آَثْ ََن ه ُ‬
‫ِ‬
‫ُآ يوِل ْ َاليْ يدي َو ْ َالبْ َص يار} ُ[س َور ُة ص‪. ]54 :‬‬
‫فَ ْ َاليْ يدي‪ :‬الْ ُق هو ُة ييف تَ ْن يفي يذ الْ َح يق‪َ ،‬و ْ َالبْ َص ُار‪ :‬الْ َب َصائي ُر ييف يادل يين‪ ،‬فَ َو َص َفهُ ْم يب ََكَالي اد َْر ياك الْ َح يق َو َ َمَكلي تَ ْن يفي يذ يه‪،‬‬
‫ِ‬
‫َوانْقَ َس َم النه ُاس ييف َه َذا الْ َمقَا يم َآ ْرب َ َع َة َآ ْق َسام‪،‬‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن َل اهل اَل هللا وحده َل رشيك هل‪ ،‬وآشهد آن محمدً ا عبده ورسوهل‬
‫صىل هللا وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني‬
‫اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدَن علام‪ ،‬وآصلح لنا شأننا لكه وَل تلكنا اَل آنفس نا طرفة عني‪،‬‬
‫آما بعد ‪...‬‬
‫فهذا آمر آخر من عواقب اذلنوب ومضارها عىل العصاة‪ ،‬آَّنا تُعمي القلب ‪،‬فان الطاعة‪ ،‬طاعة هللا ‪-‬‬
‫عز وجل‪ -‬كام آَّنا نور للقلب وضياء هل‪ ،‬فان املعاِص عىل الضد من ذكل ظلمة للقلب وَعى هل‪ ،‬فهيي‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫بصار َول يكن تَع َمى‬


‫تُعمي القلب ‪،‬والقلب هل بصرية‪ ،‬والبصرية َبملعصية يُصيهبا العمى‪ِ ﴿:‬اَّنه ا َل تَع َمى ا َل ُ‬
‫دور﴾ [ احلج ‪]44:52 -‬‬ ‫لوب الهيت ييف ُّ‬
‫الص ي‬ ‫ال ُق ُ‬
‫فيعمي بصرية القلب املعاِص؛ لن املعصية َل تزال ُُتدث يف القلب نُكتًا حىت يصاب القلب َبلعمى‪ ،‬فان مل تع يم‬
‫املعصية بصرية القلب آضعفت هذه البصرية‬
‫فاحلاصل آن املعصية لها مرضة عىل البصرية اليت يف القلب عظمية جدا‪ ،‬فهيي آول ما تبدآ تضعف هذه البصرية‬
‫شيئا فشيئا اَل آن يصل المر َبملرء بأنه رمبا تعمى بصريته بسبب هذه املعاِص ‪.‬‬
‫قال ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ : -‬وقد تبني آَّنا تضعف القلب‬
‫فاملعصية جتمع للقلب بني هذين المرين‪-:‬‬
‫‪ -‬ضعف بصرية القلب آو العمى هذه واحدة‪ ،‬وهذه مرضِتا عىل اَلنسان من هجة عدم الاهتداء اَل احلق‪،‬‬
‫وعدم معرفته؛ لن العمى اذلي آصيب القلب يرتتب عليه عدم الاهتداء اَل الطريق‪،‬‬
‫وعدم المتيزي بني احلق والباطل‪ ،‬والهدى والضالل فال يعرف معروفا وَل ينكر منكرا وَل ميزي بني هدى‬
‫وضالل بسبب ما يف قلبه من َعى‬
‫‪ -‬وضعف القوة اليت تكون يف القلب يرتتب علهيا فتور اهلمة وانتقاض العزمية فال يس تطيع آن يهنض لفعل‬
‫خري؛ لن القوة اليت يف القلب واليت ِبا يهنض اَل فعل اخلريات آضعفهتا املعاِص ان مل تكن آتلفهتا‬
‫وتريقــــــــــي العبد يف دروب اخلري وآبواب الكامل حيتاج منه اَل آمرين ‪-‬ذكرهام رمحه هللا ‪-‬هنا وعرب عهنام يف‬
‫آحد كتبه بتعبري آخر مجيل جدا قال‪ :‬حيتاج اَل‬
‫‪ -‬وعمل َنفع هيديه‪.‬‬ ‫‪ُ -‬هة عالية تريقيه‪،‬‬
‫حيتاج اَل هذين الصلني واذلين علهيام مدار الكامل اَلنساِن معرفة احلق من الباطل هذا العمل اذلي‬
‫هيديه‪ ،‬وايثاره عليه آي اهلمة اليت تريقيه‪ -.‬ايثار احلق عىل الباطل بأن‪: -‬يفعل احلق ويرتك الباطل ويقبل عىل‬
‫احلق وينرصف عن الباطل‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫وذكر رمحه هللا تعاَل آن تفاوت العباد وتفاوت منازهلم يف الفضل ِسب هذين المرين املتعلقني َبلقلب‬
‫وهذا آيضا يوحض لنا معَن احلديث عندما قال النيب ﷺ ‪ (( :‬آَل ان يف اجلسد مضغة اذا صلحت صلح‬
‫اجلسد لكه واذا فسدت فسد اجلسد لكه آَل ويه القلب ))‬
‫فصالح القلب يكون بصالح العمل يف القلب وصالح اهلمة فاذا توافر يف القلب هذان المران‬
‫صلحت اجلوارح لكها لصالح القلب واس تقامته‬
‫والقلب‪َ -‬ل يصلح اَل ِبذا‪َ -‬ل يصلح اَل بعمل َنفع هيدي صاحبه اَل احلق وِبمة عالية تريقيه يف آبواب‬
‫الرب واخلري؛ لنه ان مل يكن عنده هذه اهلمة فقد يدرك احلق ويدرك الفضل؛ ولكنه َل يهنض لفعهل‬
‫ولهذا جاء يف ادلعاء العظمي املأثور عن نبينا عليه الصالة والسالم قال‪ :‬اللهم اِن آسأكل الثبات يف‬
‫المر والعزمية عىل الرشد؛ لن آحياَن يكون املرء يدرك الرشد ويعرف آن هذا هو الرشد لكن َل‬
‫يكون عنده عزمية وَل يكون عنده ُهة لن يفعل ذكل فضعف هذه اهلمة يه من آس باب املعاِص‬
‫فرتك املعاِص نور للقلب وضياء من هجة ومن هجة آخرى قوة ومتانة للقلب‬
‫قال رمحه هللا‪ :‬وهام الَّلان آثَن هللا س بحانه عىل آنبيائه ِبام يف قوهل‪َ ﴿ :‬و ْاذ ُك ْر يع َبادََنَ ا ْب َرا يه َمي َوا ْْس ََاق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ُآ يوِل ْ َاليْ يدي َو ْ َ‬
‫البْ َص يار ﴾[ص‪]54 :‬‬ ‫َوي َ ْع ُق َ‬
‫آثَن علهيم ِبذين المرين بأَّنم آحصاب اليدي واليد هنا القوة ومنه قوهل تعاَل‪:‬‬
‫" آيدتك بروح القدس" آي قويتك ‪،‬اليد‪ :‬القوة والتأييد التقوية فهم آولو اليد آي آولو القوة‬
‫وآولو اَلبصار‪ :‬آي املعرفة َبحلق والهدى ونور القلوب‪،‬‬
‫جفمع هللا س بحانه وتعاَل هلم يف هذين المرين‪ -‬وهام يتعلقان َبلقلب والبدن تبع‪ - ..‬آن اَلبصار ‪:‬اليت‬
‫يه نور القلب والبصرية وضياءه واليد ‪:‬القوة واهلمة العالية والعزمية الرفيعة اليت ُتمل املرء عىل فعل‬
‫اخلريات‬
‫مث ذكر رمحه هللا آن الناس ينقسمون يف هذا املقام يف( معرفة احلق من الباطل‪،‬وايثار احلق) آو بعبارة‬
‫آخرى (القوة والبصرية )آو بعبارة اثلثة(العمل اذلي هيدي واهلمة اليت ي‬
‫ترّق الناس يف هذا) عىل آربعة‬
‫آقسام‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫َوانْقَ َس َم النه ُاس ييف َه َذا الْ َمقَا يم آَ ْرب َ َع َة آَ ْق َسام‪،‬‬


‫رش ُف ْ َال ْق َسا يم يم َن الْ َخلْ يق َو َآ ْك َر ُمهُ ْم عَ َىل ه ي‬
‫اَّلل تَ َع َاَل‪.‬‬ ‫‪ -‬فَهَ ُؤ ََل يء آَ ْ َ‬

‫هذا القسم الول‪:‬اكتفى مبا س بق من بيان القسم الول مه من مجع هللا س بحانه تعاَل هلم بني هذين‬
‫الوصفني العظميني ومه القدوات ومه المئة؛ لن آمئة احلق والهدى واَلمامة يف ادلين َل تكون اَل‬
‫ِبذا ‪،‬وهذا بأن يكون عند الشخص عمل َنفع هيديه الطريق وآن تكون عنده قوة وُهة عالية ترقيه يف‬
‫فعل اخلريات‬

‫الْ يق ْس ُم الث يهاِن‪َ :‬ع ْك ُس َه ُؤ ََل يء‪َ ،‬م ْن ََل ب َ يص َري َة َ ُهل ييف يادل يين‪َ ،‬و ََل قُ هو َة عَ َىل تَ ْن يفي يذ الْ َح يق‪َ ،‬و ُ ْمه َآ ْك َ َُث َه َذا‬
‫ون ْ َال ْس َع َار‪،‬‬
‫ون يادل ََي َر َويُ ْغلُ َ‬ ‫وب‪ ،‬يُضَ يي ُق َ‬ ‫ون َو ُ همحى ْ َال ْر َواحي َو َسقَ ُم الْ ُقلُ ي‬‫الْ َخلْ يق‪َ ،‬و ُ ُمه ه ياذل َين ُر ْؤيَهتُ ُ ْم قَ َذى الْ ُع ُي ي‬
‫َو ََل ي ُْس تَفَا ُد يم ْن ُ ْ‬
‫حص َبهتي ي ْم ا هَل الْ َع ُار َو ه‬
‫الش نَ ُار‪.‬‬
‫ِ‬
‫هذا القسم الثاِن الفاقد للصفتني معا‪-:‬‬
‫‪ -‬فال عنده عمل اذلي هو البصرية هيديه للحق‪ -‬فهو جاهل َل بصرية عنده وَل تتشوف نفسه آصال لعمل‬
‫ِتتدي به‪ -‬فهيي َبقية عىل ظلمة القلب وعدم البصرية‬
‫‪ -‬وَل آيضا عنده قوة يف قلبه ِتديه آو تريقيه يف آبواب اخلري‬
‫(فليس عنده قوه وَل آيضا عنده بصرية)‪ ،‬قال‪ :‬ومه آكَث هذا اخللق لن هللا س بحانه وتعاَل قال‪َ ﴿ :‬و َما‬
‫َآ ْك َ َُث النه ياس َول َ ْو َح َر ْص َت يب ُم ْؤ يم ين َ‬
‫ني ﴾ [ يوسف‪]٣٠١ :‬‬

‫فأكَث اخللق منعدم يف قلبه المرين معا( منعدم البصرية ومنعدم القوة )‬
‫وملا ذكر رمحه هللا آن هذا القسم يرتتب عىل وجودمه آمور وآَّنم كذا وآَّنم كذا وآَّنم يغلون السعار قد‬
‫تس توقف هذه العبارة الشخص والمر كام ذكر رمحه هللا تعاَل َلن كام ان طاعة هللا س بحانه وتعاَل يه آعظم‬
‫آس باب الرباكت اليت يف الرض‬
‫﴾[ العراف‪]٦2 :‬‬ ‫الس َما يء َو ْ َال ْر يض‬
‫﴿ َول َ ْو آَ هن آَ ْه َل الْ ُق َر ٰى آ َمنُوا َواتهقَ ْوا لَفَتَ ْحنَا عَلَهيْ يم بَ َر َاكت يم َن ه‬
‫كام آن الطاعة هذا شأَّنا فان املعاِص شأَّنا عىل الضد من ذكل‪،‬املعاِص شؤم عىل الناس‪،‬و شؤم عىل الرض‬
‫وعىل البالد وعىل العباد ومضارها علهيم يف مجيع اجلوانب حىت يف معيش هتم مرضة عظمية‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫الْ يق ْس ُم الث ها يل ُث‪َ :‬م ْن َ ُهل ب َ يص َريةٌ يَبلْ َح يق َو َم ْع يرفَ ٌة يب يه‪ ،‬لَ يكن ه ُه ضَ يع ٌيف ََل قُ هو َة َ ُهل عَ َىل تَ ْن يفي يذ يه َو ََل ادله ع َْو ية ال َ ْي يه‪،‬‬
‫ِ‬
‫اَّلل يمنْه‬‫َو َه َذا َحا ُل الْ ُم ْؤ يم ين الضه يع ييف‪َ ،‬والْ ُم ْؤ يم ُن الْقَ يو ُّي خ ْ ٌَري َوآَ َح ُّب ا ََل ه ي‬
‫ِ‬
‫هذا القسم الثالث من هل بصرية َبحلق ومعرفة به لكنه ضعيف َل قوة هل عىل تنفيذه َل قوة هل يف قوته ضعف‬

‫آما اذا اكنت القوة منعدمة مفا يقال عن هذا القسم مؤمن ضعيف لنه ليست املسأةل ضعف‪ ،‬وامنا يه انعدام وهذه‬
‫مصيبة اذا اكن العبد عنده عمل لكنه معطل للعمل به مفثل هذا يكون علمه جحة عليه ووَبل عليه َلن مقصود العمل‬
‫العمل والتقرب اَل هللا س بحانه وتعاَل مبا يتعلمه املرء‬
‫وآما اذا اكن المر ضعف يف القوة فال يكون عنده نشاط لبعض العامل فهذا مؤمن ضعيف ما مل يؤد به هذا‬
‫الضعف اَل ترك ما يكون برتك الكفر َبهلل س بحانه وتعاَل فان املساةل حينئذ تتغري فهو اذا اكن عنده ضعف يف‬
‫قوته فهو مؤمن ضعيف واملؤمن القوي خري و آحب اَل هللا من املؤمن الضعيف‬
‫ويف تمتة احلديث قال عليه الصالة والسالم‪ " :‬يف ك خري " مادام ان اَلميان موجود فاخلري موجود‪.‬‬

‫الْ يق ْس ُم هالرا يب ُع‪َ :‬م ْن َ ُهل قُ هوةٌ َو يُهه ٌة َو َع يزمي َ ٌة‪ ،‬لَ يكن ه ُه ضَ يع ُيف الْ َب يص َري ية ييف يادل يين‪ََ ،‬ل يَ ََك ُد ي ُ َم ي ُزي ب َ ْ َني آَ ْو يل َيا يء هالر ْ َمح ين‬
‫َش ًما َوادله َو َاء النها يف َع‬ ‫َش َم ًة‪ْ َ ،‬حي َس ُب الْ َو َر َم َ ْ‬ ‫ك ب َ ْيضَ َاء َ ْ‬ ‫ك َس ْود ََاء تَ ْم َر ًة َو ُ ه‬
‫الش ْي َط يان‪ ،‬ب َ ْل َ ْحي َس ُب ُ ه‬ ‫َوآَ ْو يل َيا يء ه‬
‫ُ ًُّسا‪.‬‬

‫هذا القسم الرابع من القسام من هل قوة وُهة وعزمية لكن ضعيف البصرية يف ادلين وهذا حال كثري من آحصاب‬
‫البدع والهواء اليت ما انزل هللا س بحانه وتعاَل ِبا من سلطان‪.‬‬
‫ترى فيه جدلا وصربا وقوة يف اَلتيان ِبذه البدع واحملافظة علهيا والنيب ﷺ يقول‪ (( :‬من َعل َعال ليس عليه‬
‫آمرَن فهو رد )) فاملصيبة عظمية عندما تكون عنده ُهة عالية وقوية لكن عىل َري هدى وعىل َري بصرية فانه حينئذ‬
‫يتقرب اَل هللا بأعامل كثرية وِبمة عالية وبنشاط متواصل لكن يف َري رشع وبغري ما انزل هللا س بحانه وتعاَل‬
‫ويكون ذكل موجبا لرد َعهل َلن من رشط قبول العمل ان يكون موافقا للهدي كام يف احلديث اذلي مر‪ (( :‬من‬
‫َعل َعال ليس عليه آمرَن فهو رد ))‬
‫فاذا مل يكن عنده بصرية ويف الوقت نفسه عنده ُهة عالية للعمل تكون آعامهل اليت يه عن َري بصرية تكون‬
‫آعامهل عىل َري الهدى فال تكن مقبوةل ولهذا يقول َعر بن عبد العزيز رمحه هللا تعاَل‪ " :‬من عبد هللا بغري عمل‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫اكن ما يفسد آكَث مما يصلح " ؛ لن السالمة من الفساد واخللل والاحنراف يف العمل َل ميكن آن يتحقق اَل‬
‫َبلعمل النافع املتلقى عن الرسول الكرمي ﷺ ‪.‬‬

‫َولَيْ َس ييف َه ُؤ ََل يء َم ْن ي َ ْصلُ ُح يل ْال َما َم ية ييف يادل يين‪َ ،‬و ََل ه َُو َم ْو يض ٌع لَهَا يس َوى الْ يق ْس يم ْ َال هولي ‪ ،‬قَا َل ه ُ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل‪:‬‬
‫ِ‬
‫الس ْجدَ ية‪. ]45 :‬‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫ور‬‫[س‬
‫َ َ ُ َ ُ َ ه‬ ‫}‬ ‫ون‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ق‬ ‫و‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ت‬‫ي‬ ‫َي‬‫يأ‬
‫ب‬ ‫ا‬‫و‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫اك‬ ‫و‬ ‫وا‬‫رب‬
‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ا‬ ‫م‬‫َ‬
‫ون يبأَ ْم ير ه َ َ‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫َنَ‬ ‫{ َو َج َعلْنَا يمهنْ ُ ْم َآئي هم ًة هيَ ْدُ َ‬

‫وليس يف هؤَلء من يصلح لالمامة يف ادلين؛ لن اَلمامة يف ادلين تعين اس تقامة املرء هو يف نفسه‬
‫عىل احلق مبعرفته آوَل َبحلق والهدى وبقوته عىل العمل به ‪،‬فاذا اجمتع فيه( البصرية والقوة) ‪ -‬البصرية‬
‫َبحلق‪ -‬والقوة عىل العمل َبحلق ‪،‬صار حينئذ اماما يف ادلين‪ ،‬وقدوة للخرين وَل يصل هو يف نفسه‬
‫اَل هذه املرتبة اَلمامة يف ادلين حىت يأمت هو مبن قبهل من املتقني‪ ،‬فال يكون اماما للمتقني بعده حىت‬
‫يكون هو ُمؤمتا َبملتقني قبهل وائامتمه َبملتقني قبهل حيتاج منه اَل آمرين‪:‬‬
‫‪ -‬حيتاج منه اَل عمل وبصرية بسبيل املتقني‪،‬‬
‫‪ -‬وحيتاج منه اَل قوة ليفعل وفق هذا العمل اذلي هُدي اليه وعرفه‪ ،‬وآصبح عنده بصرية فيه‪.‬‬

‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه يم ْن‬ ‫«قال ‪ :‬فَأَخ َ َْرب ُس ْب َحان َ ُه آَ هن يَب هلص ْ يرب َوالْ َي يقنيي َنَ لُوا ْاَل َما َم َة ييف يادل يين‪َ ،‬و َه ُؤ ََل يء ُ ُمه ه ياذل َين ا ْس َتثْنَ ُ ُ‬
‫امه ه ُ‬
‫ِ‬
‫امه فَه َُو يم َن‬‫َاِس َين َو هالر ي ياِ َني ‪ -‬عَ َىل آَ هن َم ْن عَدَ ُ ْ‬ ‫رص ‪ -‬ه ياذلي ه َُو َز َم ُن َس ْع يي الْخ ي ي‬ ‫َاِس َين‪َ ،‬وآَ ْق َس َم يَبلْ َع ْ ي‬‫ُ ْمج َ يَل الْخ ي ي‬
‫ات َوت ََو َاص ْوا يَبلْ َح يق‬ ‫الصا يل َح ي‬ ‫رص ‪ -‬ا هن ْاَلن ْ َس َان ل َ يفي خ ُْْس ‪ -‬ا هَل ه ياذل َين آ َمنُوا َو َ يَعلُوا ه‬ ‫َاِس َين‪ ،‬فَقَا َل تَ َع َاَل { َوالْ َع ْ ي‬ ‫الْخ ي ي‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوت ََو َاص ْوا يَب هلص ْ يرب} [الْ َع ْ يرص‪. ]١ - ٣ :‬‬
‫وِص ب َ ْعضُ هُ ْم ب َ ْعضً ا يب يه َويُ ْر يشدَ ُه ال َ ْي يه َو َ ُحيضه ُه عَلَ ْي يه‪.‬‬
‫الص ْ يرب عَلَ ْي يه‪َ ،‬ح هىت ي ُ ي َ‬ ‫َول َ ْم يَ ْكتَ يف يمهنْ ُ ْم يب َم ْع يرفَ ية الْ َح يق َو ه‬
‫ِ‬
‫ُوب تُ ْع يمي ب َ يص َري َة الْقَلْ يب ف َ َال يُدْ يركُ الْ َح هق َ َمَك‬ ‫اِص َوا ُّذلن َ‬ ‫َاِس‪ ،‬فَ َم ْعلُو ٌم آَ هن الْ َم َع ي َ‬ ‫َوا َذا َاك َن َم ْن عَدَ ا َه ُؤ ََل يء فَه َُو خ ي ٌ‬
‫ِ‬
‫يَن ْ َب يغي‪َ ،‬وتَضْ ُع ُف قُ هوتُ ُه َو َع يزمي َ ُت ُه فَ َال ي َ ْص ي ُرب عَلَ ْي يه‬

‫يقول ‪ -‬رمحه هللا‪ : -‬املعاِص تُعمي بصرية القلب فال يُدرك احلق كام ينبغي‪ ،‬وهذا ذهاب لليقني؛ لن‬
‫اَلمامة يف ادلين تكون َبلصرب‪ ،‬واليقني‪ ،‬فاذا جاءت املعاِص وتوالت عىل العبد فاَّنا حينئذ تُعمي‬
‫بصرية القلب فال يدرك احلق كام ينبغي وهذا ذهاب لليقني وتُضعف قوته وعزميته فال يصرب عليه‬
‫فيرتتب عىل فعل املعاِص ذهاب اليقني‪ ،‬وذهاب الصرب الَّلين ِبام اَلمامة يف ادلين‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫‪ ،‬ب َ ْل قَدْ يَتَ َو َار ُد عَ َىل الْقَلْ يب َح هىت ي َ ْن َع يك َس اد َْرا ُك ُه َ َمَك ي َ ْن َع يك ُس َس ْ ُري ُه‪ ،‬فَ ُيدْ يركُ الْ َبا يط َل َحقًّا َوالْ َح هق ََب يط ًال‪،‬‬
‫ِ‬
‫وف ُم ْن َك ًرا َوالْ ُم ْن َك َر َم ْع ُروفًا‪ ،‬فَيَ ْن َت يك ُس ييف َس ْ يري يه َويَ ْر يج ُع َع ْن َس َف ير يه ا ََل ه ي‬
‫اَّلل َوادله يار ْال يخ َر ية‪ ،‬ا ََل‬ ‫َوالْ َم ْع ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َس َف ير يه ا ََل ُم ْس تَقَ ير النُّ ُف يوس الْ ُم ْب يط َ يَل ال ه ييت َر يضيَ ْت َبي لْ َح َيا ية ادلُّ نْ َيا‪َ ،‬و ْاط َمأَن ْهت ِبي َا‪َ ،‬وغَ َفلَ ْت َع ين ه ي‬
‫اَّلل َوآ ََي يته‪،‬ي‬
‫ِ‬
‫َوتَ َركَ ْت ياَل ْس يت ْعدَ ا َد لي يلقَائيه‪،‬ي‬

‫َل يقف المر يف مرضة اذلنوب عىل العاِص مع الامتدي يف فعلها اَل جمرد الضعف ‪-‬ضعف القوة‬
‫وضعف البصرية ‪-‬بل مع الامتدي يف اذلنوب واملعاِص قد تُغري اجتاهه من سلوك طريق احلق اَل‬
‫اعطاء طريق احلق ظهره والاجتاه يف الطريق املعاكس وهذه مصيبة عظمية آن يعرض عن احلق‬
‫متا ًما‪،‬وَل يرفع به رآسا؛ فهذه مصيبة عظمية جدً ا ويه من مضار اذلنوب؛ لن الش يطان َل يزال يتدرج‬
‫يف املرء عرب خطوات اَل آن يصل معه اَل الانتَكس والارتَكس ‪-‬عياذا َبهلل‪.-‬‬

‫ُوب ا هَل َه يذ يه َو ْحدَ هَا لَ ََكن َْت دَا يع َي ًة ا ََل تَ ْر يكهَا َوالْ ُب ْع يد يمهنْ َا‪َ ،‬و ه ُ‬
‫اَّلل الْ ُم ْس تَ َع ُان‪.‬‬ ‫َول َ ْو ل َ ْم يَ ُك ْن ييف ُع ُقوب َ ية ا ُّذلن ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عدد ‪-‬رمحه هللا‪ -‬فامي مر معنا وما س يأيت آيضً ا عقوَبت كثرية لَّلنوب ك واحدة مهنا اكفية يف الردع‬
‫والزجر عهنا‪،‬وهذه العقوبة اليت فصل هُنا يقول‪ :‬ولو مل يكن يف عقوَبت اذلنوب اَل هذه لكفى رادعًا‬
‫يف املرء آن يكف نفسه عن اذلنوب حىت َل تعمى بصريته‪ ،‬وحىت َل تضعف قوته؛ لن اذلنوب تُعطل‬
‫هذا وهذا‪.‬‬

‫الطاعَ َة تُنَ يو ُر الْقَلْ َب َو َ ْجتلُو ُه َوت َْص ُق ُهلُ‪َ ،‬وتُقَ يوي يه َوتُث يَبتُ ُه َح هىت ي َ يص َري َاكلْ يم ْرآ ية الْ َم ْجلُ هو ية ييف َج َالِي َا َو َص َفاِي َا‬
‫َو َه َذا َ َمَك آَ هن ه‬
‫الشه يُب الث َهوا يق يب‪،‬‬ ‫الس ْمع ي يم َن ُّ‬ ‫يب ُم ْس َ يرت َق ه‬ ‫الش ْي َط ُان يمنْ ُه آَ َصاب َ ُه يم ْن ن يُور يه َما ي ُ يص ُ‬ ‫فَيَ ْمتَ يل َئ ن ًُورا‪ ،‬فَا َذا دََنَ ه‬
‫ِ‬
‫الش ْي َط َان فَيَ يخ ُّر‬
‫رص ُع ه‬‫الش ْي َط ُان ي َ ْف َر ُق يم ْن َه َذا الْقَلْ يب آَ َش هد يم ْن فَ َر يق ياذلئْ يب يم َن ْ َال َس يد‪َ ،‬ح هىت ا هن َصا يحبَ ُه ل َ َي َْ‬ ‫فَ ه‬
‫ِ‬
‫ِس‪َ ،‬و يب يه ن َْظ َرةٌ يم َن ْاَلن ْ يس‪:‬‬ ‫الش َيا يط ُني‪ ،‬فَ َي ُقو ُل ب َ ْعضُ هُ ْم يل َب ْعض‪َ :‬ما َشأْنُهُ؟ فَ ُيقَا ُل‪َ :‬آ َصاب َ ُه ِان ْ ي ٌّ‬ ‫َصي ًعا‪ ،‬فَ َي ْجتَ يم ُع عَلَ ْي يه ه‬‫َي‬
‫ِ‬
‫الش ْي َط ُان يَبلنُّ يور ُ ْحي َر ُق‬ ‫فَيَا ن َْظ َر ًة يم ْن قَلْ يب ُحر ُمنَ هور ‪ ...‬يَ ََك ُد لَهَا ه‬
‫الش ْي َط ُان َو َطنَ ُه َوآَعَ هد ُه َم ْسكَنَهُ‪ ،‬ا َذا‬
‫اَّت َذ ُه ه‬‫آَفَيَ ْس َت يوي َه َذا الْقَلْ ُب َوقَلْ ٌب ُم ْظ يلم ٌة آَ ْر َجا ُؤ ُه‪ُ ،‬م ْخ َت يل َف ٌة آَه َْوا ُؤ ُه‪ ،‬قَ يد ه َ‬
‫ِ‬
‫ت ََصبه َح ب َيطلْ َعتي يه َحيها ُه‪َ ،‬وقَا َل‪ :‬فَدَ يْ ُت َم ْن قرين ََل ي ُ ْف يل ُح ييف ُدنْ َيا ُه َو ََل ييف آُخ َْرا ُه؟‬
‫ك َم ََك ين‬ ‫ْش ب َ ْعدَ هَا ‪ ...‬فَأَن َْت قَ يري ٌن يِل يب ُ ي‬ ‫قَ يرينُ َك ييف ادلُّ نْ َيا َو ييف الْ َح ْ ي‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫فَا ْن ُك ْن َت ييف د يَار ه‬


‫الشقَا يء فَان يهين ‪َ ...‬وآَن َْت َ يمجي ًعا ييف َشقَا َوه ََو يان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الن ملا ذكر المر يف مرضة اذلنوب‪ ،‬هذه املرضة العظمية عىل القلب من هجة آَّنا تُعمي البصرية وتُضعف القوة‬
‫قال‪ :‬ش تان بني قلب َعيت بصريته َبذلنوب وضعفت قوته بسبهبا‪ ،‬وقلب تنور بطاعة هللا واس تضاء ِسن‬
‫التقرب اَل هللا ‪-‬جل وعال‪ -‬فان الطاعة تنور القلب وجتلوه‪ ،‬وتصقهل وتقويه وتشده‪ ،‬اذا اكنت املعاِص تكل‬
‫مضارها عىل القلب فان الطاعات منافعها عىل القلب عظمية‪ ،‬قو ًة وضي ًاء و ً‬
‫نورا‪.‬‬
‫ولهذا تأمل ‪-‬عىل سبيل املثال‪ -‬قول النيب ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬عن الصالة ملا ُذكرت عنده يو ًما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نورا‪ ،‬وبرهاَن وجناة يوم القيامة‪ ،‬ومن مل ُحيافظ علهيا مل يكن هل نور وَل برهان وَل‬
‫(( من حافظ علهيا اكنت هل ً‬
‫جناة يوم القيامة ))‪.‬فالطاعة ‪َ-‬عو ًما‪ -‬نور للمطيع وضياء‪.‬‬
‫نورا ويف‬
‫واكن ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬اذا خرج للصالة قال‪ (( :‬اللهم اجعل يف قليب نورا ويف ُسعي ً‬
‫نورا ‪ ))...‬اَل آخره؛ لنه متجه اَل الصالة اليت يه النور؛ فناسب سؤال هللا هذا السؤال‬
‫برصي ً‬
‫املفصل عن النور‪ ،‬آن يرزقه النور يف قلبه ويف ك آجزائه لنه متجه للصالة اليت يه نور ‪،‬‬
‫فالطاعة تكسو القلب نورا‪ ،‬وتزيده قوة‪،‬واملعاِص ِتد القلب هدًّا وتضعفه اضعاف ًا شديدً ا وتطمس‬
‫البصرية اليت يف القلب فش تان بني قلب آضاء بنور اَلميان والطاعة واكن عاِل اهلمة قوي العزمية وبني‬
‫قلب ًا عىل الضد من ذكل ‪.‬‬
‫الول‪ :‬الش يطان َل طريقة هل عليه بل ان الش يطان يفرق منه ويفر؛ ملا جعل هللا س بحانه وتعاَل فيه‬
‫من قوة اَلميان‪ ،‬وقوة اذلكر‪ ،‬وقوة الالتجاء اَل هللا س بحانه وتعاَل‪.‬‬
‫والخر‪ :‬جيد الش يطان يف قلبه موطنا هل ومسكنا فيعشعش يف قلبه ويبيض و ي‬
‫يفرخ فيصبح قلبه مأوى‬
‫للش ياطني ومسكن لها‪.‬‬

‫اَّلل تَ َع َاَل‪َ { :‬و َم ْن ي َ ْع ُش َع ْن يذ ْك ير هالر ْ َمح ين نُقَي ْيض َ ُهل َش ْي َطاَنً فَه َُو َ ُهل قَ يري ٌن ‪َ -‬واَّنه ُ ْم ل َ َي ُص ُّدوَّنَ ُ ْم َع ين‬ ‫قَا َل ه ُ‬
‫ِ‬
‫ْشقَ ْ يني فَ يبئْ َس الْقَ ير ُين ‪-‬‬ ‫ون ‪َ -‬ح هىت ا َذا َج َاءَنَ قَا َل ََيل َ ْي َت بَيْ يين َوبَيْنَ َك بُ ْعدَ الْ َم ْ ي‬ ‫ون آََّنه ُ ْم ُمهْتَدُ َ‬ ‫ييل َو َ ْحي َس ُب َ‬ ‫السب ي‬ ‫ه‬
‫ِ‬
‫ون} ُ[س َور ُة ُّالزخ ُْر يف‪. ]١٦ - ١2 :‬‬ ‫َول َ ْن ي َ ْن َف َع ُ ُُك الْ َي ْو َم ا ْذ َظلَ ْم ُ ُْت آَن ه ُ ُْك ييف الْ َع َذ ياب ُم ْش َ يرت ُك َ‬
‫ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫وهل‪ ،‬فَأَع َْر َض َع ْنهُ‪َ ،‬و َ يَع َي َع ْنهُ‪،‬‬ ‫ِش َع ْن يذ ْك ير يه‪َ ،‬وه َُو يكتَاب ُ ُه ه ياذلي آَنْ َز َهل عَ َىل َر ُس ي ي‬ ‫فَأَخ َ َْرب ُس ْب َحان َ ُه آَ هن َم ْن َع ي َ‬
‫اَّلل َ ُهل َش ْي َطاَنً ُع ُقوب َ ًة َ ُهل يَبع َْر ياض يه َع ْن‬
‫اَّلل يمنْ ُه ‪ -‬قَيه َض ه ُ‬ ‫َو َعشَ ْت ب َ يص َريتُ ُه َع ْن فَهْ يم يه َوتَدَ ب ُّ ير يه َو َم ْع يرفَ ية ُم َرا يد ه ي‬
‫ِ‬
‫يكتَا يب يه‪ ،‬فَه َُو قَ يرينُ ُه ه ياذلي ََل يُفَ يارقُ ُه ييف ا َْلقَا َم ية َو ََل ييف الْ َم يس يري‪َ ،‬و َم ْو ََل ُه َوع يَش ُري ُه ه ياذلي ه َُو يبئْ َس الْ َم ْو ََل‬
‫ِ‬
‫َو يبئْ َس الْ َع يش ُري‪.‬‬
‫اُسا ‪ ...‬يبأَ ْْس ََم دَاج َع ْو ُض ََل نَتَ َف هر ُق‬ ‫َر يضي َعا يل َب يان ثَدْ يي آُم تَقَ َ َ‬

‫يقول ابن القمي رمحه هللا تعاَل وقد آورد هذه الية العظمية‪َ ﴿ :‬و َم ْن ي َ ْع ُش َع ْن يذ ْك ير هالر ْ َمح ين نُقَ يي ْض َ ُهل َش ْي َطا ًَن فَه َُو‬
‫َ ُهل قَ يري ٌن (‪ } )١2‬قال‪ :‬يذكر الرمحن‪ :‬القرآن ‪ ،‬والقرآن آمنة للمرء وسالمة من الضالل‪،‬‬
‫اهتداء ِبداَيته‪ِ ﴿ :‬ا هن َه ٰـ َذا الْ ُق ْرآ َن هيَ ْ يدي يلل ه ييت ي َ‬
‫يه آَ ْق َو ُم‬ ‫ك ما اكن العبد قريب من هذا القرآن العظمي تدبر ًا هل ‪ ،‬و ً‬
‫﴾ [ اَلِساء‪]٦ :‬‬

‫﴿ فَ َم ين ات ه َب َع هُدَ َاي فَ َال ي َ يض ُّل َو ََل ي َْشقَ ٰى ﴿‪َ ﴾٣4١‬و َم ْن آَع َْر َض َعن يذ ْك يري فَا هن َ ُهل َم يعيشَ ًة ضَ ً‬
‫نَك ﴾ [ طه‪]٣45 -٣4١ :‬‬
‫ِ‬
‫فالقرآن آمنة لصاحبه ولهذا حيتاج املسمل آن يكون قريب من القرآن ذا عناية بكتابه س بحانه وتعاَل يقرآ وجيعل هل‬
‫ورد ًا يومي ًا من كتاب هللا ‪ ،‬ويتأمل يف معانيه‪ ،‬وجياهد نفسه عىل العمل مبا فيه ‪ ،‬فأنه اذا اكن كذكل اكنت هذه‬
‫العناية َبلقرآن آمنة هل من الانتَكس‪ ،‬وجناة هل من الش يطان‬
‫ون ُم ْس َت ْك ي يرب َين يب يه َسا يم ًرا‬ ‫ولهذا يقول هللا س بحانه وتعاَل ‪ ﴿ :‬قَدْ َاكن َْت آ ََي ييت تُ ْت َ ٰىل عَلَ ْي ُ ُْك فَ ُك ُ ْ‬
‫نُت عَ َ ٰىل آَ ْعقَا يب ُ ُْك تَن يك ُص َ‬
‫ون ﴿‪ ﴾2٦‬آَف َ َ ْمل ي َ هدب ه ُروا الْقَ ْو َل ﴾[ املؤمنون‪]2٦ – 22 :‬‬
‫ِتَ ْ ُج ُر َ‬
‫آي لو تدبروا القول اذلي هو القرآن لسلموا من هذا النكوص عىل العقاب‬
‫فتدبُّر القول اذلي هو القرآن آمنة من الانتَكس وجناة للعبد وسالمة َبذن هللا س بحانه وتعاَل من‬
‫الش يطان‬
‫لكن ان آعرض وَعي مثل ما يف الية‪َ ﴿ :‬و َم ْن ي َ ْع ُش َع ْن يذ ْك ير هالر ْ َمح ين }} ان آعرض عن ذكر الرمحن‬
‫اهتداء ِبداَيته يكون حينئذ قلبه مرتعا‬
‫وَعي عنه وغشيت بصريته عن فهمه ومل يقبل عليه تدبرا و ً‬
‫ن ﴾ [ الزخرف‪]١2 :‬‬ ‫للش يطان‪ ﴿.‬نُقَ يي ْض َ ُهل َش ْي َطاَنً فَه َُو َ ُهل قَ يري ٌ‬
‫عقوبة هل بسبب اعراضه عن كتاب هللا ن ُقيض هل ش يطانه هذه عقوبة هل بسبب اعراضه عن كتاب هللا‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫مفن الفوائد العظمية من هذه الية الكرمية‪ :‬آن ذكر هللا َعوما وخباصة القرآن الكرمي حص ٌن حصني‬
‫وحر ٌز متني للعبد يقيه َبذن هللا س بحانه وتعاَل ويصونه وحيفظه من الش يطان الرجمي‬
‫قال‪ :‬قُيض هل ش يطاَن عقوبة هل َبعراضه عن كتابه فهو قرينه اذلي َل يفارقه ‪ ،‬نقيض هل ش يطانه فهو هل‬
‫قرين ‪-‬آي َل يفارقه الش يطان معه يف سفره يف َح يهل يف ترحاهل ‪،‬يف دخوهل يف خروجه يف ركوبه‪ ،‬ان‬
‫ركب دابته ركب معه وان دخل بيته دخل معه‪،‬وان آك طعامه آك معه ‪ ،‬ويشاركه يف ماهل وآههل‬
‫وودله‪ ،‬مثل ما قال هللا ‪َ ﴿ :‬و ْاس تَ ْف يز ْز َم ين ْاس تَ َط ْع َت يمهنْ ُم ب َيص ْوتي َك َوآَ ْج يل ْب عَلَهيْ يم ي َخب ْي ي َ‬
‫كل َو َر يج ي َ‬
‫كل‬
‫ورا ﴾ [ اَلِساء‪]25 :‬‬ ‫َو َش يار ْكهُ ْم ييف ْ َال ْم َوالي َو ْ َال ْو ََل يد َو يعدْ ُ ْمه َو َما ي َ يعدُ ُ ُمه ه‬
‫الش ْي َط ُان ِا هَل غُ ُر ً‬
‫قال آهل العمل ‪-‬ان عبادي‪ :-‬آي اذلاكرين هللا ‪،‬ومن آعظم اذلكر هلل العناية َبلقرآن ‪ ،‬ما يه آول آية‬
‫اس متعنا الهيا اليوم يف صالة الفجر بعد الفاُتة آول آية يف سورة النبياء‪:‬‬
‫﴿ لَقَدْ آَ َنزلْنَا ال َ ْي ُ ُْك يكتَ ًاَب يفي يه يذ ْك ُرُ ُْك آَفَ َال تَ ْع يقلُ َ‬
‫ون ﴾[ النبياء‪، ]٣٠ :‬‬
‫ِ‬
‫هذا البيت آورده رمحه هللا‪:‬‬
‫رضيعي لبان يعين‪ :‬لنب –رضيعي لبان ثدي آم تقاسام‬
‫يعين يصبح والش يطان كَّنام رضيعي لبان آي رضعا من ثدي واحد وتقاسام بسبب هذه الرضاعة اليت‬
‫اكنت هلام من هذا الثدي آن يكوَن عىل تواصل دامئ َل يتفرقان آبدا‬
‫بأ ْْسَم دَاج ‪:‬يعين اقسموا يف الليل املظمل‪-‬قيل هذا املعَن بأ ْْسَم دَاج‬
‫وقيل املراد بأ ْْسَم ادلاج‪ :‬آي حلمة الثدي السوداء وقيل َري ذكل‬
‫ُ‬
‫عوض ‪ :‬آي آبدا ‪ ،‬اقسموا آَّنم آبدا َل يتفرقون يف آي حال من الحوال يعين تصبح حاهل وحال‬
‫الش يطان ِبذه الصفة‪.‬‬

‫ييهل الْ ُم َو يص يل ال َ ْي يه َوا ََل َجنهتي يه‪َ ،‬و َ ْحي َس ُب َه َذا الضه ا ُّل‬ ‫الش ْي َط َان ي َ ُص ُّد قَ يرينَ ُه َو َو يليه ُه َع ْن َسب ي ي‬‫ُ همث آَخ َ َْرب ُس ْب َحان َ ُه آَ هن ه‬
‫ِ ِ‬
‫الْ َم ْصدُ و ُد آَن ه ُه عَ َىل َط ير ييق ُهدًى‪َ ،‬ح هىت ا َذا َج َاء الْقَ يرينَ يان ي َ ْو َم الْ يقيَا َم ية ي َ ُقو ُل آَ َحدُ ُ َُها يل ْل َخ ير‪ََ { :‬يل َ ْي َت بَيْ يين َوبَيْنَ َك‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْشقَ ْ يني فَ يبئْ َس الْقَ ير ُين} ُك ْن َت يِل ييف ادلُّ ن َيا‪ ،‬آ للتَ يين َع ين الهُدَى ب َ ْعدَ اذ َج َاء يِن‪َ ،‬و َصدَ ْدت يَين َع ين ال َح يق‬
‫َ‬ ‫َضْ‬ ‫ْ‬ ‫بُ ْعدَ الْ َم ْ ي‬
‫ِ‬
‫َوآَ ْغ َويْت َ يين َح هىت هَلَ ْك ُت‪َ ،‬و يبئْ َس الْقَ ير ُين آَن َْت يِل الْ َي ْو َم‪.‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫اب ا َذا َش َاركَ ُه ََ ْ ُري ُه ييف ُم يصي َبة‪َ ،‬ح َص َل َ ُهل يَبلتهأَ يّس ن َْو ُع َ َّْت يفيف َوت َ ْس يل َية‪ ،‬آَ ْخ َ َرب ه ُ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه آَ هن‬ ‫َولَ هما َاك َن الْ ُم َص ُ‬
‫ِ‬
‫َه َذا ََ ْ ُري َم ْو ُجود َوََ ْ ُري َح ياصل ييف َح يق الْ ُم ْش َ يرت يك َني ييف الْ َع َذ ياب‪َ ،‬وآَ هن الْقَ ير َين ََل َجييدُ َرا َح ًة َو ََل آَد ََْن فَ َرح يب َع َذ ياب‬
‫َصر‪:‬‬ ‫قَ يري ين يه َم َعهُ‪َ ،‬وا ْن َاكن يَت الْ َم َصائي ُب ييف ادلُّ نْ َيا ا َذا َ هَع ْت َص َار ْت َم ْس َالةً‪َ َ ،‬مَك قَال َ يت الْ َخن ْ َسا ُء ييف آَ يخهيَا َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َول َ ْو ََل َك ْ ََث ُة الْ َبا يك َني َح ْو يِل ‪ ...‬عَ َىل اخ َْواَّني ي ْم لَقَتَلْ ُت ن َ ْف يِس‬
‫ِ‬
‫ون يمثْ َل آَ يِخ َولَ يك ْن ‪ ...‬آُ َع يزي النه ْف َس َع ْن ُه يَبلتهأَ يّس‬ ‫َو َما ي َ ْب ُك َ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َه َذا الْقَدْ َر يم َن هالرا َح ية عَ َىل آَه يْل النه يار فَقَا َل‪َ { :‬ول َ ْن ي َ ْن َف َع ُ ُُك الْ َي ْو َم ا ْذ َظلَ ْم ُ ُْت آَن ه ُ ُْك ييف الْ َع َذ ياب‬
‫فَ َمنَ َع ه ُ‬
‫ِ‬
‫ون} ُ[س َور ُة ُّالزخ ُْر يف‪]١٦ :‬‬ ‫ُم ْش َ يرت ُك َ‬

‫هذا معَن يوحضه ابن القمي رمحه هللا مس تفاد من هذه الية قوهل‪َ ﴿ :‬ولَن يَن َف َع ُ ُُك الْ َي ْو َم اذ هظلَ ْم ُ ُْت آَن ه ُ ُْك‬
‫ِ‬
‫ييف الْ َع َذ ياب ُم ْش َ يرت ُك َ‬
‫ون ﴾ [الزخرف‪] ١٦ :‬‬

‫يشري رمحه هللا اَل آن ادلنيا اذا اشرتك الناس يف املصيبة فاملصيبة ِتون ملها خشص يكون مريض‬
‫مبرض معني مث تُذكر هل بعض المراض املوجودة الشد من مرضه جتد آن مرضه هيون عنده وَّتف‬
‫وطأته عىل نفسه ملها امرآة مثال ميوت لها طفل مث ترى جارِتا مات لها طفالن ِتون عندها املصيبة‪.‬‬
‫فاملصائب اليت تعم وتشرتك وطأِتا ِتون يف النفوس بسبب ذكل ولهذا اخلنساء ملا فقدت آخاها قالت‪:‬‬
‫ولــوَل كثـرة البــاكني حولـــي‪ ...‬علــى اخــوانــهــم لقتــلت نفسـي‪ -‬ما آُتمل ‪،‬لكن هذا يسليين‪-‬‬
‫تقصد هذا املعَن‪.‬‬
‫وهذا فعال هذا املعَن متقرر آن املصائب العامة َّتفف الوطأة‪ ،‬هنا املصيبة علهيم يف دخول النار عامة‬
‫يدخلون مجيعا ‪،‬فهل دخوهلم التباع واملتبوعني اَل آخره هل هذا حيدث هلم هذه التسلية اليت ُتصل يف ادلنيا‬
‫ون ﴾ [الزخرف‪] ١٦ :‬‬‫بسبب املصائب العامة ‪.‬قال ‪َ ﴿ :‬ولَن يَن َف َع ُ ُُك الْ َي ْو َم اذ هظلَ ْم ُ ُْت آَن ه ُ ُْك ييف الْ َع َذ ياب ُم ْش َ يرت ُك َ‬
‫ِ‬
‫حىت هذا املعَن لن حيصل يف تسلية هلم فال تسلو النفس َبن يكون التابع يرى املتبوع معه يف النار َل‬
‫حيدث هذا تسلية هل؛ لن النار و عذاِبا َل جيدون فيه آصال يشء من تسلية النفوس آو راحهتا بل‬
‫ليس فهيا اَل المل ادلامئ والعذاب املس متر‪.‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس والعشرون‬

‫اللهم اَن نسأكل اجلنة وما قرب الهيا من قول آو َعل ونعوذ بك من النار وما قرب الهيا من قول آو‬
‫َعل ‪ ،‬اللهم آيت نفوس نا تقواها وزاكها آنت خري من َز هاكهَا آنت ولهيا وموَلها ‪ ،‬اللهم اننا نسأل الهدى‬
‫‪،‬والتقى والعفة ‪،‬والغَن ‪ ،‬اللهم اغفر لنا ذنبنا لكه دقه وجهل آوهل ‪،‬وآخره وعالنيته‪ ،‬وِسه ‪ ،‬اللهم اقسم‬
‫لنا من خشيتك ما حيول بيننا وبني معاصيك ‪ ،‬ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ‪ ،‬ومن اليقني ما ِتون‬
‫به ‪ ،‬علينا مصائب ادلنيا اللهم متعنا بأسامعنا و آبصارَن وقوتنا ما آحييتنا وجعهل الوارث منا وجعل‬
‫ثأرَن عىل من ظلمنا ‪ ،‬وانرصَن عىل من عداَن وَل جتعل مصيبتنا يف ديننا ‪ ،‬وَل جتعل ادلنيا اكرب ُهنا ‪،‬‬
‫وَل مبلغ علمنا ‪،‬وَل تسلط علينا من َل يرمحنا ‪ ،‬س بحانك اللهم وِمدك‪ ،‬اشهد انه َل اهل اَل آنت‬
‫آس تغفرك وتب اليك ‪ ،‬اللهم صيل وسمل عىل عبدك َو َر ُس ي َ‬
‫وكل نبينا محمد وآهل وحصبه ‪.‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ..‬آما بعد ‪,‬‬
‫فيقول العالمة ابن القمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني ‪-‬قال يف كتابة ادلاء وادلواء‪.‬‬

‫فصل َو ِم ْن ُع ُق َوَبِتِ َا‪ :‬آََّنه َا َمدَ ٌد ِم َن ْالسْن ْ َسا ِ ي َ ُم بد ِب ِه عَدُ هو ُ عَلَ ْي ِهو َو َييْ ٌ يُقَ يِوي ِه ِب ِه عَ َىل َر ْ ِرب ِهو َو َل ِ ََك آَ ه ه َ‬
‫اَّ‬
‫إ‬
‫ِيل ِم ْن‬‫ُس ْب َحان َ ُه ابْتَ َىل َه َذا ْالسْن ْ َسا َ ِب َعدُ يٍّو َل يُفَ ِارقُ ُه َط ْرفَ َة عَ ْ ٍّنيو َو َل يَنَا ُم ِمنْ ُه َو َل ي َ ْغ ُف ُل َع ْن ُهو يَ َرا ُ ه َُو َوقَب ُ ُ‬
‫إ‬
‫ك َحالٍّ و َو َل يَدَ ُع آَ ْم ًرا يَ ِكيدُ ُ ِب ِه ي َ ْق ِد ُر عَ َىل ا َيص ِ ِاهل الَ ْي ِه اله‬ ‫َر ْي ُث َل يَ َرا ُ و ي َ ْب ُذ ُل َ َْجدَ ُ ِيف ُم َعادَا ِت ِه ِيف ُ ِي‬
‫إ إ إ‬
‫جِنو َوغَ ْ ِْي ِ ْه ِم ْن َش َيا ِطنيِ ْالسْن ْ ِ‪،‬و فَقَدْ ن ََص ََ َ ُهل‬ ‫آَ ْو َص َ ُل ال َ ْي ِهو َوي َْس َت ِع ُني عَلَ ْي ِه ِببَ ِِن ِينْ ِس ِه ِم ْن َش َيا ِطنيِ الْ ِي‬
‫إ‬ ‫ْ إ‬
‫الش َباكَ و َوقَا َل ِ َْل ْع َوا ِن ِه‪ُ :‬دوََ ُ ُْ عَدُ هو ُُْ‬ ‫ْشاكَ و َون ََص ََ َ ُهل الْ ِفخَاخَ َو ِ ي‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ال َح َبائِلَو َوبَغَى ُهل الغ ََوائلَو َو َم هد َر ْو ُهل اْل ْ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِيُ َل ي َ ُفوتُ ُ ُْ َو َل يَ ُكو ُ َر بظ ُه الْ َجنه َة َو َر بظ ُ ُُ النه َارو َون َِصي ُب ُه هالر ْ َمح َة َون َِصي ُب ُ ُُ الل ه ْعنَ َةو َوقَدْ عَ ِل ْم ُ ْت آَ ه‬ ‫َوعَدُ هو آَب ُ ْ‬
‫اَّ ب َِسبَ ِب ِه َو ِم ْن آَ ْي ِ ِلو فَابْ ُذلُوا َ َْج ُ ْ‬
‫دَُ آَ ْ يَ ُكونُوا‬ ‫َما َج َرى عَ َ هَل َوعَلَ ْي ُ ُْ ِم َن الْ ِخ ْز ِي َو ْالبْ َعا ِد ِم ْن َر ْ َمح ِة ه ِ‬
‫إ‬
‫اَّ ُس ْب َحان َ ُه ِب َذ ِ ََك ُ ُِي ِه ِم ْن‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ه َ ْ َ َ هُ‬‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫دْ‬‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫ْش ََك َءَنَ ِيف َه ِذ ِ الْ َب ِل هي ِةو إا ْل قَدْ فَاتَنَا ِ َ ِ ْ‬
‫م‬ ‫هي‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ْش‬ ‫َُ‬
‫عَدُ يِوَنَ َوآَ َم َرَنَ آَ ْ نَأْ ُخ َذ َ ُهل آُ ْه َبتَ ُه َون ُ ِع هد َ ُهل عُ هدتَهُ‪.‬‬

‫بسم هللا الرمحن الررمي‬


‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آ ل اهل ال هللا ل ْشيك هل وآشهد آ محمد عبد ورسوهل صىل هللا‬
‫وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪ ,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدَن علام وآصلح لنا شأننا‬
‫ُه ول تلكنا اىل آنفس نا طرفة عني ‪..‬آما بعد ‪,‬‬
‫فال يزال المام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يعدد العواقَ الوخمية واملضار العظمية َكليت ترتتَ عىل‬
‫اذلنوب واملعايص فذكر هنا يف هذا الفصل آ من عواقَ اذلنوب آ املذنَ جيعل من لنوبه مددا‬
‫لش يطا عليه ومدخال ومعونة ميد َبذلنوب عدو الش يطا ولهذا تعد املعايص وامليل لها من اْلبواب‬
‫اليت تنفذ مهنا الش ياطني رىت تؤز فاعل املعصية اىل فعلها آزاو‬
‫آما العبد الصادق مع هللا العظمي الالتجاء اىل هللا املتحصن بذكر هللا ودعائه ي يل يف عال فا‬
‫الش يطا لي‪ ،‬هل عليه سبيل ول جيد منفذا ﴿ا ه ِعبادي ل َ َي‪ََ َ ،‬ك عَلَ ِهيم ُسلطا ٌ َوكَفى ِب َرب ي َِك َو ًكيال﴾‬
‫إ‬
‫[ الرساء ‪]65:‬‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫ولهذا فا املسمل ُام َك آعظم عناية َبذلكر والعبادة والطاعة والاس تغفار واللجوء اىل هللا ُام َك‬
‫لَك رصانة لنفسه ووقاية من الش يطا الرجميو‬
‫والا دخل يف اذلنوب كنه بدخوهل يف اذلنوب قد آمد الش يطا َبملدد اذلي يعني به الش يطا عىل‬
‫نفسه ويسلط الش يطا به عىل نفسه وجيرئ الش يطا عىل نفسه فهذا من عواقَ اذلنوب العظمية‬
‫آَّنا مدد من العايص ميد به الش يطا وجيرئ الش يطا عىل نفسهو‬
‫مث س يفصل ابن القمي ‪ -‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف عداوة الش يطا لالسْنسا القدمية العظمية املس مترة‬
‫الس ِع ِْي "هذ العداوة عداوة‬ ‫الش ْي َطا َ لَ ُ ُْ عَدُ ٌّو فَ ه ِاَّت ُذو ُ عَدُ يو ًا ان ه َما يَدْ عُو ِر ْزب َ ُه ِل َي ُكونُوا ِم ْن آَ ْ َ‬
‫حص ِاب ه‬ ‫"ا ه ه‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫قدمية ومتجدرة و مترة ويه يف غاية اخلطورة عىل السْنسا ؛ ْل الش يطا ل يزال حييك اخلطط‬ ‫مس‬
‫والس بل واملصائد اليت حيرف هبا هذا السْنسا عن رصاط هللا املس تقمي ويضم هبا هذا السْنسا اىل رزبه‬
‫رزب النار وبئ‪ ،‬القرار‪.‬‬
‫والا فعل العبد املعايص يكو بذَك سلط هذا الش يطا عىل نفسه وآمد مبدد مبعونة منه عىل نفسه‪.‬‬

‫قال‪َ :‬ول َ هما عَ ِ َمل ُس ْب َحان َ ُه آَ ه آ َد َم َوب َ ِني ِه قَدْ بُلُوا هبِ َ َذا الْ َعدُ يِو َوآَن ه ُه قَدْ ُس ِل يطَ عَلَهيْ ِ ْم آَ َم ُ ْ‬
‫دَه ِب َع َسا ِك َر َو ُجنْ ٍّد يَلْقَ ْوَّنَ ُ ْم‬
‫اه هبِ َاو‬‫هبِ َاو َوآَ َم هد عَدُ هو ُ ْه آَيْضً ا ِ ُِب ْن ٍّد َوع ََسا ِك َر يَلْقَ ُ ْ‬
‫اْل يصور وسرتى اْل الكم عظمي يدا يصور احلال اليت بني ابن آدم وبني الش يطا كَّنا معركة ويه‬
‫معركة قامئة‪ ,‬وهللا س بحانه وتعاىل وصف الش يطا بأنه عدو ‪,‬وآمر العبد مبجاهدة هذا العدو ولهذا من‬
‫آعظم اجلهاد َجاد الش يطا َبلعمل عىل السالمة من مصائد وكيد وْشور والتحصن منه وسد‬
‫الثغور واملنافذ اليت يدخل مهنا الش يطا واغالقها و‬
‫فاذلي بني ابن آدم والش يطا ررب مس مترة والعدواة عداوة الش يطا لبن آدم عداوة قدمية ومتجدرة‬
‫ومس مترة ول يتوقف‪ ,‬ويأيت هذا السْنسا من ك َجاته ‪ ُ ".‬همث ْل ِتيَهنه ُ ْم ِم ْن ب َ ْ ِني آَيْ ِد ِهي ْم َو ِم ْن َخ ْل ِفهِ ْم َو َع ْن‬
‫آَيْ َماَّنِ ِ ْم َو َع ْن َ ََشائِ ِلهِ ْم َول ََتِدُ آَ ْك َ ََث ُ ْه َشا ِك ِر َين (‪ )17‬و‬
‫فاْل س يعرض ابن القمي رمحه هللا تعاىل هذ احلرب والعداوة بني ابن آدم والش يطا وما اذلي يعمل‬
‫الش يطا يف هذ احلرب وما يه اخلطط اليت حييكها وَبملقابل ما اذلي ينبغي عىل ابن آدم آ يفعل‬
‫لينجو ويسمل و‬
‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫يه َِب ْلضَ افَ ِة ا َىل ْاْل ِخ َر ِة كَنَفَ ٍّ‪َ ،‬وا ِح ٍّد ِم ْن آَنْفَ ِاسهَاو‬
‫َ‬ ‫قال ‪َ ":‬وآَقَا َم ُس َوق الْجِ هَا ِد ِيف َه ِذ ِ ادله ِار ِيف ُم هد ِة الْ ُع ُم ِر ال ه ِيت ِ‬
‫إ إ‬
‫يقول‪ :‬ا هذا اجلهاد واملعركة اليت مع الش يطا ليست معركة يف يوم من آايم السْنسا آو شهر من‬
‫شهور آو س نة من س نوات معر بل هو َجاد العمر مفطلوب من العبد هذ اجملاهدة جماهدة الش يطا‬
‫اىل آ َّترج روح هذا السْنسا سلامي معاىف من هذا الش يطا فهو َجاد مع هذا الش يطا مس متر؛ ْل‬
‫عداوة الش يطا مس مترة ول تتوقف مع ك اسْنسا ال الا مات وال يه غْي متوقفة ‪.‬‬

‫اَّ فَ َي ْق ُتلُو َ َوي ُ ْقتَلُو َ و‬ ‫قال ‪َ :‬و ْاش َ َرتى ِم َن الْ ُم ْؤ ِم ِن َني آَن ْ ُف َسهُ ْم َوآَ ْم َوالَهُ ْم ِبأَ ه لَهُ ُم الْ َجنه َةو يُقَا ِتلُو َ ِيف َسب ِ‬
‫ِيل ه ِ‬
‫يه الته ْو َرا ُة َو ْال ْ ِْني ُل َوالْ ُق ْرآ ُ و َوآَخ َ ََْب آَن ه ُه َل آَ ْو َىف ِب َعهْ ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ْش ِف ُك ُت ِب ِهو َو ِ‬
‫َوآَخ َ ََْب آَ ه َل ِ ََك َوعْ ٌد ُم َؤكه ٌد عَلَ ْي ِه ِيف آَ ْ َ‬
‫إ‬
‫الص ْفقَ ِة ال ه ِيت َم ْن آَ َرا َد آَ ْ ي َ ْع ِر َف قَدْ َرهَا فَلْ َي ْن ُظ ْر ا َىل الْ ُم ْش َ ِرتي‬
‫ِشوا هبِ َ ِذ ِ ه‬ ‫ِمنْ ُه ُس ْب َحانَهُو ُ همث آَ َم َر ُ ْه آَ ْ ي َْس َتبْ ِ ُ‬
‫إ‬
‫السلْ َع ِةو َوا َىل َم ْن َج َرى عَ َىل يَدَ يْ ِه َه َذا الْ َع ْقدُ و فَأَ بي فَ ْو ٍّز آَ ْع َظ ُم م ْنِ‬ ‫َم ْن ه َُو؟ َوا َىل الث ه َم ِن الْ َم ْب ُذولِ ِيف َه ِذ ِ ِي‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫َه َذا؟ َوآَ بي ِ ََت َار ٍّة آَ ْرب َ ُح ِمنْهُ؟‬

‫قال فلينظر اىل املشرتي من هو { ا ي هللا اشرتى } املشرتي هللا س بحانه وتعاىل و والمثن املبذول اجلنية‬
‫الساموات واْلرض ومن جرى عىل يد هذا العقد الرسول عليه الصالة والسالم املبليغ دلين هللا‬ ‫عرضها ي‬
‫و ْشعه صلوات هللا و سالمه عليه و فأ يي فوز آعظم من هذا ؟ وآي َتارة آرحب من هذ التجارة ؟‬

‫يُ ِم ْن عَ َذ ٍّاب‬ ‫قال ‪ ُ :‬همث َآكهدَ ُس ْب َحان َ ُه َم َعهُ ْم َه َذا ْ َاْل ْم َر ِبقَ ْو ِ ِهل‪َ { :‬ايآَهيب َا ه ِاذل َين آ َمنُوا ه َْل آَدُل ب ُ ُْ عَ َىل ِ ََت َار ٍّة تُ ْنجِ ُ ْ‬
‫اَّ ِبأَ ْم َوا ِل ُ ُْ َوآَنْ ُف ِس ُ ُْ َل ِل ُ ُْ خ ْ ٌَْي لَ ُ ُْ ا ْ ُك ْن ُ ْت تَ ْعلَ ُمو َ ‪-‬‬
‫ِيل ه ِ‬‫وهل َو ُ ََتا ِهدُ و َ ِيف َسب ِ‬ ‫آَ ِل ٍّمي ‪ -‬ت ُْؤ ِمنُو َ َِب ه َِّ َو َر ُس ِ ِ‬
‫إ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ات عَدْ ٍّ ل ِ ََك الفَ ْو ُز ال َعظ ُمي‬ ‫ات َ َْت ِري ِم ْن ََتِْتِ َا ْ َاْلَّنْ َ ُار َو َم َسا ِك َن َط ِ يي َب ًة ِيف َجن ه ِ‬ ‫ي َ ْغ ِف ْر لَ ُ ُْ ُلنُوبَ ُ ُْ َويُدْ ِخ ْل ُ ُْ َجن ه ٍّ‬
‫الص ِيف‪. ]13 - 10 :‬‬ ‫ِش الْ ُم ْؤ ِم ِن َني } ُ[س َور ُة ه‬ ‫يَ َوب َ ِ ي ِ‬
‫اَّ َوفَ ْت ٌح قَ ِر ٌ‬ ‫َص ِم َن ه ِ‬ ‫‪َ -‬وآُخ َْرى ُ َِتببوَّنَ َا ن ْ ٌ‬
‫قبل هذ التجارة والصفقة الراحبة وما لكر هللا س بحانه وتعاىل من الرحب والغنمية العظمية ملن دخل يف‬
‫هذا البيع ويف هذ التجارة الراحبة وَك من آهلها لكر هللا س بحانه وتعاىل يف اْلية اليت تَل هذ اْلية‬
‫اِئو َ هالرا ِك ُعو َ ه‬
‫الس ِايدُ و َ‬ ‫صفات هؤلء الراحبني قال ي يل و عال ‪{ :‬التهائِ ُبو َ الْ َعابِدُ و َ الْ َحا ِمدُ و َ ه‬
‫الس ِ ُ‬
‫ِش الْ ُم ْؤ ِم ِن َني } فهذ صفات هؤلء‬ ‫وف َوالنهاهُو َ َع ِن الْ ُمنكَ ِر َوالْ َحا ِف ُظو َ ِل ُحدُ و ِد ه ِ‬
‫اَّ ۗ َوب َ ِ ي ِ‬ ‫ْاْل ِم ُرو َ َِبلْ َم ْع ُر ِ‬
‫اذلين فازوا هبذ التجارة وغمنوا هذا الرحب العظمي وَكنوا آهال لهذ البشارة وهذا الفوز ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫يُ ِم ْن عَ َذ ٍّاب آَ ِل ٍّمي ‪-‬‬ ‫ُ همث َآكهدَ ُس ْب َحان َ ُه َم َعهُ ْم َه َذا ْ َاْل ْم َر ِبقَ ْو ِ ِهل‪َ { :‬ايآَهيب َا ه ِاذل َين آ َمنُوا ه َْل آَدُلب ُ ُْ عَ َىل ِ ََت َار ٍّة تُ ْنجِ ُ ْ‬
‫اَّ ِبأَ ْم َوا ِل ُ ُْ َوآَنْ ُف ِس ُ ُْ َل ِل ُ ُْ خ ْ ٌَْي لَ ُ ُْ ا ْ ُك ْن ُ ْت تَ ْعلَ ُمو َ ‪ -‬ي َ ْغ ِف ْر‬
‫ِيل ه ِ‬ ‫وهل َو ُ ََتا ِهدُ و َ ِيف َسب ِ‬ ‫ت ُْؤ ِمنُو َ َِب ه َِّ َو َر ُس ِ ِ‬
‫إ‬
‫ات عَدْ ٍّ َل ِ ََك الْفَ ْو ُز الْ َع ِظ ُمي ‪-‬‬ ‫ات َ َْت ِري ِم ْن ََتِْتِ َا ْ َاْلَّنْ َ ُار َو َم َسا ِك َن َط ِ يي َب ًة ِيف َجن ه ِ‬ ‫لَ ُ ُْ ُلنُوبَ ُ ُْ َويُدْ ِخلْ ُ ُْ َجن ه ٍّ‬
‫الص ِيف‪. ]13 - 10 :‬‬ ‫ِش الْ ُم ْؤ ِم ِن َني } ُ[س َور ُة ه‬ ‫يَ َوب َ ِ ي ِ‬ ‫َص ِم َن ه ِ‬
‫اَّ َوفَ ْت ٌح قَ ِر ٌ‬ ‫َوآُخ َْرى ُ َِتببوَّنَ َا ن ْ ٌ‬
‫ات الَ ْي ِهو ا هل ِ َْل ه الْجِ هَا َد آَ َر بَ‬ ‫َول َ ْم ي َُس ِل يطْ ُس ْب َحان َ ُه َه َذا الْ َعدُ هو عَ َىل َع ْب ِد ِ الْ ُم ْؤ ِم ِن ه ِاذلي ه َُو آَ َر بَ الْ َم ْخلُوقَ ِ‬
‫إ إ‬
‫اتو َوآَ ْق َرهبُ ُ ْم ال َ ْي ِه َو ِس َ ً‬
‫يل‪.‬‬ ‫َش ٍّء ال َ ْي ِهو َوآَه َ ُْل آَ ْرفَ ُع الْ َخلْ ِق ِع ْندَ ُ د ََر َي ٍّ‬
‫َ‬
‫إ‬ ‫ْ إ‬
‫هذا اجلهاد اذلي هو َجاد الش يطا َجاد ربيَ اىل هللا س بحانه وتعاىل وعظمي شأنه عند ي يل يف‬
‫عال ويرفع به العبد دريات؛ ْل ي هذا الش يطا تسليط عىل هذا السْنسا ؛ ليجعل بعيدا عن هللا‬
‫حمروما من ثواب هللا مس توجبا لسخط هللا وعقابه ودخول النيار هذا اذلي يريد هذا الش يطا‬
‫رض عداوة عىل السْنسا ولهذا َجاد الش يطا من آعظم اجلهاد‬ ‫فعداوته لالسْنسا آش يد عداوة وآش نع وآ ي‬
‫ول ميكن آ يس تقمي للمرء طاعة وعبادة وتقرب اىل هللا س بحانه وتعاىل ال هبذا اجلهاد ْلنه ا مل جياهد‬
‫العدو فسدت حاهلو‬
‫هذا ي‬
‫ك‬ ‫الا مل جياهد السْنسا هذا العدو اجلهاد املس متر تفسد حاهل؛ ْل ي ي‬
‫عدوا يراك ول ترا ويأتيك من ي‬
‫َجاتك ول يفرت ول ينفَل ول مي يل من الص يد والكيد واملكر هبذا السْنسا هذا ل ي‬
‫شك انه يتطلَ َجاد‬
‫عظمي يديا لهذا العدو وهذا اجلهاد شأنه عظمي عند هللا س بحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫فهو َجاد ربيَ اىل هللا ي يل وعالو وثواب آهل عند هللا عظمي‪.‬‬

‫قالو فَ َعقَدَ ُس ْب َحان َ ُه ِل َو َاء َه ِذ ِ الْ َح ْر ِب ِلخ َُال َص ِة َم ْخلُوقَا ِت ِهو َوه َُو الْقَلْ َُ ه ِاذلي َم َح بل َم ْع ِرفَ ِت ِه َو َم َح هبتِ ِهو‬
‫ك عَلَ ْي ِه َو ْالَنَ ب َ ِة ال َ ْي ِهو فَ َو هل ُ آَ ْم َر َه ِذ ِ الْ َح ْر ِبو‬
‫َو ُع ُبو ِديهتِ ِه َو ْالخ َْال ِص َهلُو َوالته َو ب ِ‬
‫إ إ‬ ‫إ‬
‫احلرب اليت بني الش يطا والسْنسا ُها مرتكزة عىل قلَ السْنسا و وتسلط الش يطا ُه مرتكز عىل‬
‫قلَ السْنسا ؛ ْل الش يطا يعمل آ هذا القلَ الا فسد فسد هذا السْنسا و والا احنرف هذا القلَ‬
‫احنرف السْنسا و والا مرض هذا القلَ مرض السْنسا ‪,‬‬
‫الش يطا يعرف لَكو ولهذا العداوة اليت بني السْنسا والش يطا مرتكزة عىل القلَو فالش يطا‬
‫يتسلط عىل قلَ السْنسا َبلوساوس والشكوك واهلمز والنفخ والنفثو سلط عىل قلَ السْنسا وآيض ًا‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫يعني السبيل اذلي حيرفه الهيا‬


‫يدرس قلَ السْنسا اىل آي َشء مييلو وما يه وَجة هذا القلَ رىت ِ ي‬
‫من خالل ما يكو يف السْنسا من ميلو فلك ما حييكه هذا الش يطا ُه متعلق هبذا القلَو والنجاة‬
‫يف هذ احلرب مع الش يطا آ حيرص املرء عىل صيانة قلبهو وسالمته من مهز الش يطا ونفخه ونفثه‪.‬‬

‫ات ِم ْن ب َ ْ ِني ي َ َديْ ِه َو ِم ْن َخلْ ِف ِه َ ْحي َف ُظون َ ُه ِم ْن آَ ْم ِر‬


‫‪ -‬قال‪َ :‬وآَيهدَ ُ ِ ُِب ْن ٍّد ِم َن الْ َم َالئِكَ ِة َل يُفَ ِارقُون َ ُه { َ ُهل ُم َع ِقيبَ ٌ‬
‫اَّ { ُ[س َور ُة هالرعْ ِد‪. ]11 :‬ي َ ْع ُق َُ ب َ ْعضُ هُ ْم ب َ ْعضً او ُُه َما َله َََ بَدَ ٌل َي َاء بَدَ ٌل آخ َُر يُثَ ِبيتُون َ ُه َويَأْ ُم ُرون َ ُه َِبلْخ ْ َِْي‪.‬‬ ‫هِ‬

‫( ُام لهَ بدل ياء بدل آخرو هذا معىن معقبات يعِن يتعاقبو )‪.‬‬
‫َو َ ُحيضب ون َ ُه عَلَ ْي ِهو َوي َ ِعدُ ون َ ُه ِب َك َرا َم ِة ه ِ‬
‫اَّ َويُ َص ِ ي َُبونَهُو َوي َ ُقولُو َ ‪ :‬ان ه َما ه َُو َص ْ َُب َساعَ ٍّة َوقَ ِد ْاس َ َرت ْر َت َرا َح َة ْ َاْلب َ ِد‬
‫إ‬
‫‪-‬ولهذا الش يطا هل ملية للقلَو ويه اىل ْشو ولل َم ِِل مليةو وملته اىل اخلْي‪.‬‬

‫ُ همث آَ َم هد ُ ُس ْب َحان َ ُه ِ ُِب ْن ٍّد آخ ََر ِم ْن َو ْر ِي ِه َو َ َالك ِم ِهو فَأَ ْر َس َل ال َ ْي ِه َر ُس َ ُ‬


‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وآََْ َز َل ال َ ْي ِه ِكتَابَهُو فَ ْازدَا َد قُ هو ًة‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫ا َىل قُوتِ ِهو َو َمدَ دًا ا َىل َمدَ ِد ِ و وآعوا اىل آعوانه ‪َ ,‬وعُ هد ًة ا َىل عُ هدتِ ِه‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫‪-‬هذا جند يؤيد هللا س بحانه وتعاىل به عبد املؤمن وينص بهو ولهذا ك ما َك عظمي المتسك هبذا‬
‫السالح والعناية به َك آْنى هل من هذا العدوو واملراد َبلسالح الويح املبنيو القرءا والس نة‬
‫والاهتداء هبدي هللا ولزوم ْشعه وطاعته ي يل يف عال و هذا ُه جند ينص هللا س بحانه وتعاىل به‬
‫عبد املؤمن عىل هذا العدو‪.‬‬
‫و َوآَ َم هد ُ َم َع َل ِ ََك َِبلْ َع ْق ِل َو ِز ًيرا َ ُهل َو ُمدَ ِبي ًراو َو َِبلْ َم ْع ِرفَ ِة ُم ِش َْي ًة عَلَ ْي ِه َنَ ِ َ‬
‫حص ًة َهلُو َو َِب ْلميَا ِ ُمث َ ِ يبتًا َ ُهل َو ُم َؤ ِي يدًا‬
‫إ‬
‫اَّ تَ َع َاىل آَ ْو ِل َي َاء ُ َو ِر ْزب َ ُه عَ َىل ِ ََجادِ‬ ‫رصاو َو َِبلْ َي ِقنيِ ََك ِشفًا َ ُهل َع ْن َر ِقيقَ ِة ْ َاْل ْم ِرو َر هىت َ َكن ه ُه يُ َعا ِي ُن َما َوعَدَ ه ُ‬ ‫َوَنَ ِ ً‬
‫آَ ْعدَ ائِ ِهو فَالْ َع ْق ُل يُدَ ِبي ُر آَ ْم َر َيي ِْش ِهو َوالْ َم ْع ِرفَ ُة ت َْصنَ ُع َ ُهل آُ ُم َور الْ َح ْر ِب َوآَ ْس َباهبَ َا َو َم َو ِاض َعهَا هالالئِقَ َة هبِ َاو َو ْالميَا ُ‬
‫إ‬
‫يُثَ ِب ي ُت ُه َوي ُقَ يِوي ِه َوي ُ َص ِ ي َُب ُ و َوالْ َي ِق ُني يُ ْق ِد ُم ِب ِه َو َ ْحي ِم ُل ِب ِه الْ َح َم َال ِت ه‬
‫الصا ِدقَ َة‪.‬‬
‫الظا ِه َر ِة َوالْ َبا ِطنَ ِةو فَ َج َع َل الْ َع ْ َني َط ِلي َعتَ ُهو َو ْ ُاْل ُل َ َصا ِر ََ‬ ‫اِئ هبِ َ ِذ ِ الْ َح ْر ِب َِبلْ ُق َوى ه‬ ‫ُ همث آَ َم هد ُس ْب َحان َ ُه الْقَ ِ َ‬
‫خ َ ََِب ِ و َوال ِلي َسا َ تُ ْر ُ َمجانَهُو َوالْ َيدَ يْ ِن َو ي ِالر ْيلَ ْ ِني آَع َْوانَهُو َوآَقَا َم َم َالئِ َكتَ ُه َو َ َمح َ َل َع ْر ِش ِه ي َْس تَ ْغ ِف ُرو َ َ ُهل َوي َْسأَلُو َ َ ُهل‬
‫اتو َوت ََو هىل ُس ْب َحان َ ُه ادله فْ َع َو ي ِادلفَا َع َع ْن ُه ِبنَ ْف ِس ِه َوقَا َل‪َ :‬ه ُؤ َل ِء ِر ْز ِِو‬ ‫ات َويُدْ ِخ َ ُل الْ َجنه ِ‬ ‫آَ ْ ي َ ِقيَ ُه ه‬
‫الس ِي يئَ ِ‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫اَّ ُ ُه الْ ُم ْف ِل ُحو َ }[الْ ُم َجاد َ ََِل‪:‬‬ ‫اَّ ُ ُه الْ ُم ْف ِل ُحو َ و قَا َل ه ُ‬
‫اَّ تَ َع َاىل‪{ :‬آُولَئِ َك ِر ْز ُب ه ِ‬
‫اَّ آَ َل ا ه ِر ْز َب ه ِ‬ ‫َو ِر ْز ُب ه ِ‬
‫إ‬
‫‪. ]22‬‬

‫*اللهم اجعلنا مهنم اي يح اي قيوم‪ ..‬اللهم اجعلنا مهنمو اللهم تفضي ل علينا واجعلنا مهنمو من رزبك‬
‫وآوليائك اي يح اي قيوم‪.‬‬

‫اَّ ُ ُه الْ ُم ْف ِل ُحو َ } [الْ ُم َجاد َ ََِل‪. ]22 :‬‬


‫اَّ آَ َل ا ه ِر ْز َب ه ِ‬ ‫اَّ تَ َع َاىل‪{ :‬آُولَئِ َك ِر ْز ُب ه ِ‬ ‫و قَا َل ه ُ‬
‫إ‬
‫ات‪]173 :‬‬ ‫َو َه ُؤ َل ِء ُجنْ ِدي َ{وا ه ُجنْدََنَ لَهُ ُم الْغَا ِل ُبو َ } ُ[س َور ُة ه‬
‫الصاف ه ِ‬
‫إ‬
‫تأمل هذا الالكم؛ هذا الكم عظمي يدً ا آ العبد ُام َك عىل الميا والطاعة واللزوم لويح هللا‬
‫والعناية بِشعه واحملافظة عىل طاعة هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فا هل من املدد والتأييد واملعونة ما يكو‬
‫َبل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬واقيا هل من الش يطا و وهللا عز ويل هيأ هل آنواع من املدد اليت يوىق هبا‬
‫ُوحيمىو آعظم لَك ما آشار اليه املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪-‬و آل وهو دفاع هللا س بحانه وتعاىل عن‬
‫اذلين آمنوا " ا ه اللهـ َه يُدَ ا ِف ُع َع ِن ه ِاذل َين آ َمنُوا ۗ ﴿احلج‪"﴾٣٨ :‬‬
‫إ‬
‫وآيضً ا املدد اذلي آشار اليه آ هللا آقام مالئكته ومحل عرشه يس تغفرو هل‪ ﴿ :‬ه ِاذل َين َ ْحي ِملُو َ الْ َع ْر َ َ‬
‫َش ٍّء هر ْ َمح ًة َو ِعلْ ًما‬
‫ك َْ‬‫َو َم ْن َر ْو َ ُهل ي َُس ِ يب ُحو َ ِ َحب ْم ِد َر ِ ي ِهب ْم َوي ُ ْؤ ِمنُو َ ِب ِه َوي َْس َت ْغ ِف ُرو َ ِل ه َِّل َين آ َمنُوا َربهنَا َو ِس ْع َت ُ ه‬
‫ِيِل َو ِقهِ ْم عَ َذ َاب الْ َج ِح ِمي ﴾ [ غافر‪] ٧ :‬‬ ‫فَا ْغ ِف ْر ِل ه َِّل َين َتَ بُوا َوات ه َب ُعوا َسب َ َ‬
‫فهذ دعوات قامئة مس مترة من مالئكة هللا محل عر َ الرمحن ويه دعوات مس تجاَبت لهذا السْنسا‬
‫بأ يقيه هللا السيئات وآ يغفر هل اذلنوبو هذا ُه مدد وعناية العبد َبلقرآ وما يرتتَ عىل هذ‬
‫العناية من وجود اليقني والميا والثقة َبهلل والتوك عىل هللا س بحانه وتعاىلو هذا ُه مدد‪.‬‬

‫ات فَقَا َل‪{َ :‬ايآَهيب َا ه ِاذل َين آ َمنُوا ْاص ِ َُبوا‬


‫َوعَ ه َمل ِع َبا َد ُ َك ْي ِفيه َة َه ِذ ِ الْ َح ْر ِب َوالْجِ هَا ِدو فَ َج َم َعهَا لَهُ ْم ِيف آَ ْربَع ِ َ ُِ َم ٍّ‬
‫اَّ ل َ َعل ه ُ ُْ تُ ْف ِل ُحو َ { ُ[س َور ُة آلِ ِ ْمع َرا َ ‪. ]200 :‬‬ ‫َو َصا ِب ُروا َو َراب ُِطوا َوات ه ُقوا ه َ‬
‫هذ ( اجلهاد ) قامئة عىل آربعة آمور رىت ينتص العبد عىل هذا العدوو قامئة عىل آربعة آمور‪ - :‬الصَبو‬
‫واملصابرةو واملرابطةو والتقوى‪ .‬ك هذا س يوحضه ابن القمي رمحه هللا تعاىل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫َو َل ي َ ِ بت آَ ْم ُر َه َذا الْجِ هَا ِد ا هل هبِ َ ِذ ِ ْ ُاْل ُم ِور ْ َاْل ْرب َ َع ِةو فَ َال ي َ ِ بت ه‬
‫الص ْ َُب ا هل ِب ُم َصابَ َر ِة الْ َعدُ يِوو َوه َُو ُمقَ َاو َمتُ ُه َو ُمنَ َازل َ ُتهُو‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫دْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يه ل ُزو ُم ث ْغ ِر القل َِ َور َر َاس ُت ُه لئَال ي َ ُخل منْ ُه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يه ال ُم َرابَطةو َو َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فَ إا َلا َصابَ َر عَدُ هو ُ ا ْرتَ َاج إاىل آ ْم ٍّر آخ ََر َو َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫الْ َعدُ بوو َولُ ُزو ُم ثَ ْغ ِر الْ َع ْ ِني َو ْ ُاْل ُل ِ َوال ِل ي َسا ِ َوالْ َب ْط ِن َوالْ َي ِد َو ي ِالر ْي ِلو فَهَ ِذ ِ الثبغ ُُور يَدْ ُخ ُل ِمهنْ َا الْ َعدُ بو فَ َي ُج ُوس‬
‫ِخ َال َل ي ِادل َاي ِر َوي ُ ْف ِسدُ َما قَ َدَر عَلَ ْي ِهو فَالْ ُم َراب َ َط ُة لُ ُزو ُم َه ِذ ِ الثبغ ُِورو َو َل ُ َُي ِ يَل َم ََكَّنَ َا فَ ُي َصا ِد َف الْ َعدُ بو الثهغ َْر‬
‫خَا ِل ًيا فَيَدْ ُخ َل ِمنْهُ‪.‬‬

‫هنا اْل هذ احلرب اليت مع الش يطا َتتاج اىل هذ اْلمور اْلربعة ‪ :‬الصَبو واملصابرةو واملرابطةو‬
‫والتقوى‪ -‬تقوى هللا ‪-‬عز ويل‪-‬و وآعظم ما يرتكز اْلمر عىل ثغر القلَ؛ ْلنه هو اْلساسو والش يطا‬
‫‪-‬كام تقدم معنا‪ -‬رربه مرتكزة عىل القلَو والقلَ عند هو املقصود اْلساس يف هذ احلرب؛ لكن‬
‫عند منافذو ويه ثغور آيضً ا ينبغي آ حيصهنا العبد وال دخل الش يطا من خاللهاو اليت يه‪ :‬ثغر‬
‫العنيو وثغر اْلل و واللسا و والبطنو واليدو والريلو وهذ املنافذ ك منفذ مهنا للش يطا عليه ‪-‬من‬
‫خالل هذ املنافذ‪ِ -‬خطط وس بلو وك هذا س يعرضه ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪.-‬‬
‫وللش يطا فيه وصااي متنوعة جلنود كيف يدخلو عىل هذا السْنسا ويصلو اىل قلبه من خالل‬
‫عينهو من خالل آلنهو من خالل فريهو كيف يصلو اليه ؟!‬
‫فيحتاج لصيانة القلَ ‪-‬اذلي هو اْلساس‪ -‬آ يصو هذ املنافذو وآ يكو هل عناية هباو ل جيعل‬
‫للش يطا عليه طريق من آي منفذ من هذ املنافذ‪.‬‬

‫اَّ ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬خ ْ ُْي الْ َخلْ ِق ب َ ْعدَ النه ِب ِي ي َني َوالْ ُم ْر َس ِل َنيو َوآَع َْظ ُمهُ ْم ِ َمحاي َ ًة َو ِر َر َاس ًة ِم َن‬
‫اب َر ُسولِ ه ِ‬ ‫حص ُ‬‫فَهَ ُؤ َل ِء آَ ْ َ‬
‫الش ْي َطا ِ و َوقَدْ آَ ْخلَ ُوا الْ َم ََك َ ه ِاذلي آُ ِم ُروا ِبلُ ُزو ِم ِه ي َ ْو َم آُ ُح ٍّدو فَدَ َخ َل ِمنْ ُه الْ َعدُ بوو فَ ََك َ َما ََك َ ‪.‬‬ ‫ه‬

‫هذا شاهد يذكر ابن القميو آ العبد همام َك آمر من ادلاينةو والصالحو والتقوىو لبد آ يرعى هذ‬
‫املنافذو ول ُيلهيا للعدوو ل جيعل للش يطا علهيا طريق‪.‬‬
‫ليتضح اْلمر آكَث‪ :‬الا َك السْنسا صاحل القلَو واطمأ هكذا لصالح قلبه واميانهو فمل يبالِ َبلنظر‬
‫احملرمو مل يبالِ َبلنظر احملرم فأَتح لنفسه النظر احملرمو خاصة اْل اْلَجزة احلديثة تعتَب معونة للش يطا‬
‫فعال اىل كثْي من القلوب من خالل السمعو والنظرو‬ ‫عظمية يدً ا يف الوصول اىل قلوب الناسو فوصل ً‬
‫فالا َك صاحل القلَو وآَتح لنفسه النظر احملرمو والسامع احملرم فانه يُعد هبذا الصنيع اَّنزم آمام هذا‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫العدوو وفتح هل املنفذ اذلي يصل اليه من خالهل اىل قلبه؛ ف ُيفسد قلبه ويُمرضهو فتحتاج هذ احلرب‬
‫مع الش يطا اىل صيانة هذ املنافذ ورعايِتاو والعناية العظمية هبا؛ لئال يدخل الش يطا عليه من آ ٍّي‬
‫من هذ املنافذ‪.‬‬
‫َو ِ َمجا ُع َه ِذ ِ الث َهالثَ ِة َو َ ُمعو ُدهَا ه ِاذلي تَ ُقو ُم ِب ِه ه َُو تَ ْق َوى ه ِ‬
‫اَّ تَ َع َاىلو‬

‫جامع هذ الثالثة يقصد الصَبو واملصابرةو واملرابطة ‪- .‬هذ الثالثة جامعها التقوى‪-‬‬

‫الص ْ َُب َو َل الْ ُم َصابَ َر ُة َو َل الْ ُم َراب َ َط ُة ا هل َِبلته ْق َوىو َو َل تَ ُقو ُم الته ْق َوى ا هل عَ َىل َس ِاق ه‬
‫الص ْ َِب‪.‬‬ ‫و فَ َال ي َ ْنفَ ُع ه‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫ل تقوم التقوى ال عىل ساق الصَب؛ ْل الصَب لبد منه رىت يكو العبد من املتقنيو مفن ل صَب هل ل‬
‫تقوى عند ؛ ْل التقوى َتتاج اىل صَب‪.‬‬

‫يك ا َىل الْ ِتقَا ِء الْ َجيْشَ ْ ِني و‬


‫الْ ِتقَا ُء الْ َجيْشَ ْ ِني فَان ُْظ ِر ْاْل َ ِف َ‬
‫إ‬
‫اْل يبدآ ‪-‬رمحه هللا‪ -‬الكمه عظمي وجعيَو اْل يبدآ يصور هذ احلرب ويصور مالا يقول الش يطا‬
‫واىل آي َشء يدعو جنود ومالا يوصهيم و ك منفذ من هذ املنافذ مالا يويص الش يطا جنود اَتا‬
‫لَك املنفذ وكيف يدخلو عىل هذا السْنسا ‪.‬‬

‫يك ا َىل الْ ِتقَا ِء الْ َجيْشَ ْ ِنيو َو ْاص ِطدَ ا ِم الْ َع ْسكَ َرْي ِن َوكَ ْي َف تُدَ ا ُل َم هرةًو َويُدَ ا ُل عَلَ ْي َك آُخ َْرى؟‬‫فَان ُْظ ِر ْاْل َ ِف َ‬
‫إ‬
‫ِل الْ َك َف َر ِة ِ ُِب ُنو ِد ِ َوع ََسا ِك ِر ِ و‬
‫آَ ْقبَ َل َم ِ ُ‬

‫اْل بدآت احلرب يصورها رمحه هللا تعاىل بني الش يطا وبني الاسْنسا ‪.‬‬

‫"فويد القلَ يف رصنه يالس ًا عىل كريس مملكته آمر َنف ٌذ يف آعوانه "‬

‫( آمر َنفذ يف آعوانه)‪ :‬قلَ الاسْنسا آمر َنفذ يف جوارحه ُها؛ ْل اجلوارح‪ :‬اليد‪ ,‬والسمع‪ ,‬والبص‪,‬‬
‫والقدم ُها تبع ملراد القلَ ل ميكن آ تتخلف عن مراد القلَو فالقلَ َبلنس بة للبد َكملِل مع‬
‫جند ؛ اجلوارح يه تبع للقلَ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫فالش يطا نظر اىل هذا القلَ ( قلَ السْنسا ) وويد آ آمر َنف ٌذ يف جوارح السْنسا و جفعل مهه‬
‫وموطن تركزي عىل هذا القلَ ( قلَ السْنسا )‪.‬‬

‫" وجند قد رفوا به يقاتلو عنه ويدافعو عن روزته و فمل ميكنه الهجوم ال مبخامرة بعض آمرائه‬
‫وجند عليه "‬

‫اْل اصبح القلَ واجلوارح متحصنة من هذا العدو و مفن آيل آ يصل اىل القلَ لبد من خمامرة‬
‫بعض اجلند اليت يه السمع آو البص آو اليد آو القدم آو الفرج‬
‫لبد من خمامرة يعِن‪ :‬خمادعة هذ اجلوارح وخماتلِتا رىت تضعف فال تصبح َج ًة رصين ًة و فالا‬
‫آصبحت ليست َجة رصينة اس تطاع الش يطا آ يصل اىل القلَ وهو البغية املرادة ‪.‬‬

‫" فسأل من آخص اجلند به وآقرهبم منه مزن ًَل ؟ فقيل هل ‪ :‬يه النف‪ . ،‬فقال ْلعوانه ‪ :‬ادخلوا علهيا من‬
‫مرادها "‬

‫انظروا اىل مالا متيل النف‪ ،‬و ولهذا الش يطا كام قال بعض السلف‪ :‬ي ُشام النفوس ينظر اىل مالا متيل‬
‫مالا ترغَ ‪..‬‬
‫ولهذا آريا ًَن عندما يشام النف‪ ،‬يعِن جيدها ميياَل اىل الطاعة فيأتهيا اىل هذا اجلانَ اذلي متيل اليه ؛‬
‫جيعلها تتشدد يف الطاعة رىت تقع يف الغلو اذلي ل يقبل هللا و يشغلها َبلغلو والتنطع اذلي ل يقبل هللا‬
‫ولي‪ ،‬من دين هللا ؛ فيأتيه من هذا اجلانَ و الا َك جيدها مييا ًَل اىل الكسل آضعف فهيا رَ الطاعة‬
‫وامليل اىل العبادة و والا ويدها مياَل اىل املالل والشهوات ربيَ الهيا الفوار وجعلها مياَل الهيا‬
‫وهكذا ي ُشام النف‪ ،‬مث من خالل ميولِتا جير الاسْنسا اىل اخلروج عن ْشع هللا ‪.‬‬

‫"وانظروا اىل مواقع حمبِتا وما هو حمبوهبا و ف ِعدوها به و و منيوها ا ياي و وانقشوا صورة احملبوب فهيا يف‬
‫يقظِتا ومناهما و فالا اطمأنت اليه وسكنت عند و فاطرروا علهيا الكليَ الشهوة و خطاطيفها و مث‬
‫جروها هبا اليُ و فالا خامرت عىل القلَ فصارت معُ عليه ملكت ثغور العني واْلل واللسا والفم‬ ‫ي‬
‫واليد والريل و فرابطوا عىل هذ الثغور ك املرابطة "‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫هذ اْل خطة احلرب لهذا العدو مع هذا السْنسا قامئة عىل دراسة هذا السْنسا ‪,‬ومعرفة ميولته مث البدء‬
‫َبلزنال معه رىت يصل الش يطا والعيال َبهلل اىل البغية ويه ابعاد هذا السْنسا عن دين هللا يل وعال‪.‬‬

‫"قال ‪ :‬مفىت دخلت مهنا اىل القلَ فهو قتيل آو آسْي "‬

‫الا وصلت اىل القلَ من خالل هذ املنافذ ‪-‬اَِتت احلرب ‪-‬آصبح هذا القلَ قتيل آو آسْي لُ وفزمت‬
‫هبذ احلرب وهذا السجال وآصبح النص لُ عىل هذا السْنسا ‪.‬‬

‫رسي ه ًة تَدْ ُخ ُل ِفهيَا ا َىل الْقَلْ َِ فَ ُت ْخ ِر َج ُ ُْ ِمهنْ َا‬ ‫و آَ ْو َج ِرحيٌ ُمثْ َخ ٌن َِبلْجِ َرا َح ِ‬
‫اتو َو َل ُ َّْتلُوا َه ِذ ِ الثبغ َُورو َو َل تُ َم ِكينُوا َ ِ‬
‫إ‬
‫اررصوا عىل آ تبعدوا هذا اذلي آخثن َبجلراحات واس توليت عىل قلبه آ ل يصل اليه هدى آو يصل‬
‫اليه رق ولهذا من اخلطط يف هذا احلرب آ الش يطا يبعد عن من َك كذَك عن جمال‪ ،‬الهدى‬
‫وعن سامع الهدى وعن مصاربة آهل احلق والهدى ويبغضهم اليه ويظهره عند َبلصورة الشنيعة‬
‫البشعة البغيضة اىل غْي لَك؛ ْلنه يغلق هبذا املنافذ اليت من خاللها يصل الهدى اىل قلبه‪.‬‬

‫"وا غلبت فاجِتدوا يف اضعاف الرسية ووههنا"‬

‫الا ما اس تطعت الصد للرسية اليت يصل من خاللها الهدى اىل هذا القلَ حفاولوا عىل آقل َشء آ‬
‫تضعفوها وتضعفوا النفع اذلي يصل مهنا اىل قلبه‪.‬‬

‫َر هىت َل ت َِص َل ا َىل الْقَلْ َِو فَا ْ َو َصلَ ْت الَ ْي ِه َو َصلَ ْت ضَ ِعيفَ ًة َل تُغ ِِْن َع ْن ُه َشيْئًا‪.‬‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫ا ما اس تطعت الرد حفاولوا عىل اْلقل آ تضعفوا هذ الرسية رىت تصل اىل القلَ ضعيفة فال تكو‬
‫حمققة البغية يف هذا‪.‬‬

‫نظرة الْ َع ْ ِني‪ :‬فَا َلا ْاس تَ ْولَ ْي ُ ْت عَ َىل َه ِذ ِ الثبغ ُِور فَا ْمنَ ُعوا ثَغ َْر الْ َع ْ ِني آَ ْ يَ ُكو َ ن ََظ ُر ُ ا ْع ِت َب ًاراو‬
‫إ‬
‫اْل بدآ يفصل يف ك ثغر من هذ الثغور ثغر العني ثغر اْلل ك ثغر يعِن مالا ُيطط الش يطا‬
‫اَتا ك ثغر من هذ الثغور‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫ب َ ِل ْاج َعلُوا ن ََظ َر ُ تَ َف بر ًيا َوا ْس ِت ْح َساَنً َوتَلَهيِ ًياو فَا ِ ْاس َ َرت َق ن ََظ ُر ُ ِع ْ ََب ًة فَأَفْ ِسدُ وهَا عَلَ ْي ِه ِبنَ َظ ِر الْغَ ْف َ ِل‬
‫إ‬
‫الشه َْو ِةو‬
‫َو ِال ْس ِت ْح َسا ِ َو ه‬

‫هو يتدرج من خالل ثغر العني يتدرج مع السْنسا آول َبلنظرة العابرة يقول آفسدوها عليه بنظرة الغفل‬
‫والس تحسا للشهوة قد تكو نظرة عابرة لي‪ ،‬فهيا ميل لشهوة آو ميل حلرام لكن يقفز الش يطا‬
‫رينئذ من خالل هذ النظرة فيحولها من نظرة عابرة اىل شهوة اىل ررام ويدخل رينئذ من هذا املنفذ‪.‬‬

‫و فَان ه ُه آَ ْق َر ُب الَ ْي ِه َوآَعْلَ ُق ِبنَ ْف ِس ِه َوآَخ بَف عَلَ ْي ِهو َو ُدوََ ُ ُْ ثَغ َْر الْ َع ْ ِنيو فَا ه ِمنْ ُه تَنَالُو َ بُ ْغ َيتَ ُ ُْو فَا ِ يّن َما‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫َِش ٍّء ِمث ِْل النهظ ِرَ‬
‫آَفْ َسدْ ُت ب َ ِِن آ َد َم ب َْ‬

‫يقول ما آفسدت بِن آدم بَشء مثل النظر يعِن النظر مدخل من آقوى املداخل اليت يدخل مهنا‬
‫الش يطا عىل قلَ السْنسا ‪.‬‬

‫الشه َْو ِةو ُ همث آَ ْس ِقي ِه ِب َما ِء ْ ُاْل ْم ِنيه ِةو ُ همث َل آَ َزا ُل آَ ِعدُ ُ َوآُ َم ِنيي ِه َر هىت آُقَ يِو َي َع ِزميَتَ ُه‬
‫و فَا ِ يّن آَبْ ُذ ُر ِب ِه ِيف الْقَلْ َِ ب َ ْذ َر ه‬
‫إ‬
‫الشه َْو ِة ا َىل ِال ْ ِْن َالعِ ِم َن الْ ِع ْص َم ِةو فَ َال ِتُ ْ ِملُوا آَ ْم َر َه َذا الث ه ْغ ِر‬
‫َوآَقُو َد ُ ِب ِز َما ِم ه‬
‫إ‬
‫ل ِتملوا آمر هذا الثغر اذلي هو العني وَتبعوا هذا السْنسا والا رصل النظرة العابرة ل توقفوها عند‬
‫هذا احلد رولوها اىل نظرة شهوة مث تقودونه من خاللها اىل اخلروج من العصمة اليت يه الطاعة طاعة‬
‫هللا يل وعال‬

‫قال وآفسدو حبسَ اس تطاعتُ و وهو عليه آمر و وقولوا هل ما مقدار نظرة تدعوك اىل تسبيح اخلالق ‪.‬‬
‫َوآَفْ ِسدُ و ُ ِ َحب َس َِ ْاس تِ َطا َع ِت ُ ُْو َوه يَِونُوا عَلَ ْي ِه آَ ْم َر ُ و‬

‫َبلبداية قولوا هل مثل هذا املعىن رىت هيو عليه آمر النظرة ولهذا دخل الش يطا فع ًال عىل بعض الناس‬
‫بأ جيعل ينظر اىل مثال حماسن املرآة آو حنو لَك ينظر الهيا وهو يف نفسه يقول رىت آس بح من خلقهاو‬
‫وآعظم من خلق هذا امجلال وهذا احلسن يأتيه من هذا املدخل ودخل عَل بعض الصاحلني من خالل لَك‬
‫مث حيول لَك اىل الفساد العظمي والِش الكبْي‪.‬‬

‫قال‪َ :‬وقُولُوا َهلُ‪ِ :‬م ْقدَ ُار ن َْظ َر ٍّة تَدْ عُوكَ ا َىل ت َ ْسبِي ِح الْخَا ِل ِق َوالتهأَ بم ِل ِل َب ِديع ِ َصنِي ِع ِهو َو ُر ْس ِن َه ِذ ِ ب‬
‫الص َور ِة ال ه ِيت‬
‫إ‬
‫ان ه َما ُخ ِلقَ ْت ِليَ ْس تَ ِد هل هبِ َا النه ِاظ ُر عَلَ ْي ِه‪.‬‬
‫إ‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫يقول هل الش يطا آنت انظر رىت تقول تبارك هللا آرسن اخلالقني و وتنظر اىل جامل اخللق وعظمة‬
‫خلق هللا س بحانه وتعاىل فتعظم هللا ويدخل يف هذا املعىن وهل من وراء لَك آمر آخر ‪.‬‬

‫قال ما خلق هللا َك العينني سدىو وما خلق هذ الصورة ليحجهبا عن النظر و‬

‫ما خلق هللا َك العني هذ سدى خلقها رىت تنظر يف خملوقات هللا العظمية ل لتحجَ عن نفسك‬
‫هذا النظرو هذا النظر يوصِل اىل تعظمي من خلق هذ اخمللوقات فيدخل عليه من هذا ‪.‬‬

‫و َوا ْ َظ ِف ْر ُ ْمت ِب ِه قَ ِلي َل الْ ِع ْ ِمل فَ ِاسدَ الْ َع ْق ِلو فَ ُقولُوا َهلُ‪َ :‬ه ِذ ِ ب‬
‫الص َور ُة َم ْظه ٌَر ِم ْن َم َظا ِه ِر الْ َح ي ِق َو َم ْج ًىل ِم ْن‬
‫إ‬
‫َم َجا ِلي ِهو‬

‫هذا دخل مدخل آخر هذا دخل من خالهل عىل الطرقية وآحصاب الباطل والتصوف‪ ,‬دخل علهيم رىت‬
‫آوقعهم من خالهل يف الحلاد والعيال َبهلل ‪.‬‬

‫فادعو اىل القول َبلَتادو‬

‫الاَتاد اذلي هو عقيدة من آفسد العقائد ويه آ اخلالق متحد يف اخمللوق تعاىل هللا عام يقولو‬
‫س بحا هللا عام يصفو ‪.‬‬

‫َاصو َو َل تَ ْقنَ ُعوا ِمنْ ُه بِدُ و ِ َل ِ ََكو فَان ه ُه ي َ ِص ُْي ِب ِه ِم ْن اخ َْوا ِ‬ ‫فَا ْ ل َ ْم ي َ ْقبَ ْل فَالْقَ ْو ُل َِبلْ ُحلُولِ الْ َعا يِم آَ ِو الْخ ي ِ‬
‫إ‬ ‫إ‬ ‫إ‬
‫الص َيان َ ِة َوالْ ِع َبا َد ِة َو بالز ْه ِد ِيف ادلب نْ َياو َو ْاص َطا ُدوا عَلَ ْي ِه َو ِب ِه الْ ُجهها َلو‬
‫النه َص َارىو فَ ُم ُرو ُ ِرينَئِ ٍّذ َِبلْ ِعفه ِة َو ي ِ‬

‫الا وصلت هذا الشخص الا وصلت اىل ايقاعه يف هذا الحلاد وآصبح عىل هذ العقيدة انتقلوا به اىل‬
‫الزهد ‪-‬الزهد يف ادلنيا والتقشف‪ -‬ملالا؛ ْلنه يصبح مصيدة للش يطا بعد ا يصل به الش يطا اىل‬
‫هذ املرحل من الحلاد والاحنراف يدعو اىل الزهد والتقشف والتبدل ايل غْي لَك رىت يؤثر يف‬
‫تقشفه وتزهد يف الناس من آيل يوصلهم من خالهل اىل الحلاد اذلي وصل اليه ‪.‬‬

‫قال‪ :‬فهذا من آقرب خلفايئ وآكَب جندي بل آَن من جند وآعوانه‬

‫يقول الش يطا الا آوصلت خشص اىل هذ املرحل اس تطعت آ توصلوا خشصا اىل هذ املرحل فهذا‬
‫يعتَب من آكَب خلفايئ وآكَب جندي بل آَن آصبح من جند وآعوانه‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫ولهذا والعيال َبهلل آساطني هؤلء املالحدة وكبار هؤلء ُ آفسدوا يف العوام واجلهال واىل خطورة هذا‬
‫اْلمر آشار النيب ﷺ بقوهل ‪ (( :‬ا آخوف ما آخاف عىل آميت اْلمئة املضلني ))؛ ْل الش يطا ل‬
‫يزال يس تخرج من هذا الاسْنسا جنودا يصبحو آمئة ضالل الا َّترج عىل يديه هؤلء اْلمئة آمئة‬
‫الضالل كفو املؤنة وآفسد من خالهلم خلقا ‪.‬ولهذا خطر هؤلء آمئة الضالل عىل السْنسا هو آشد‬
‫اخلطر والعيال َبهلل قال‪ ( :‬ا آخوف ما آخاف عىل آمىت اْلمئة املضلني )‪.‬‬

‫)فَ ْص ٌل ثَغ ُْر ْ ُاْل ُل ِ )‬


‫ُ همث ا ْمنَ ُعوا ثَغ َْر ْ ُاْل ُل ِ آَ ْ يُدْ ِخ َل عَلَ ْي ِه َما يُ ْف ِسدُ عَلَ ْي ُ ُُ ْ َاْل ْم َرو فَ ْاجِتَ ِدُ وا آَ ْ َل تُدْ ِخلُوا ِمنْ ُه ا هل الْ َبا ِطلَو فَان ه ُه‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫َخ ِف ٌيف عَ َىل النه ْف ِ‪ ،‬ت َ ْس تَ ْح ِلي ِه َوت َ ْس َت ْح ِس ُنهُو َ ََّت ه ُْيوا َ ُهل آَعْ َذ َب ْ َاْللْ َف ِاظ َوآَ ْْس ََرهَا ِل ْ َْللْ َب ِابو َوا ْم ِز ُجو ُ ِب َما‬
‫ِتَ ْ َوى النه ْف ُ‪َ ،‬م ْز ًيا‪.‬‬
‫َش ٍّء فَالْهَ ُجوا َ ُهل‬ ‫َوآَلْ ُقوا الْ َ ِلك َم َة فَا ْ َرآَيْ ُ ْت ِمنْ ُه إا ْصغ ًَاء إالَهيْ َا فَ ُز بجو ُ ِبأَخ ََواِتِ َاو َو ُُه َما َصا َدفْ ُ ْت ِمنْ ُه ا ْس ِت ْح َسا َ َ ْ‬
‫إ‬
‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَ ْو َ َالك ِم النب َص َحا ِءو‬ ‫اَّ آَ ْو َ َالك ِم َر ُس ِ ِ‬
‫َش ٌء ِم ْن َ َالك ِم ه ِ‬ ‫ِب ِذ ْك ِر ِ و َوا هاي ُ ُْ آَ ْ يَدْ ُخ َل ِم ْن َه َذا الث ه ْغ ِر َ ْ‬
‫إ‬
‫هذا تسلط اْل الش يطا والعيال َبهلل عىل ثغر اْلل ‪.‬كيف يفسد عىل السْنسا اْلل ؟‪ -‬بأ حيبَ هل‬
‫سامع احلرام ويزين سامع الباطل و واللكامت الباطل احملرمة و جيعل هذا السْنسا يس تعذهبا ويس تحلهيا‬
‫ويس متتع بسامعها ‪.‬والش يطا ل يزال يرغبه يف سامعها ‪.‬وُام زاد هذا السامع لهذا الباطل وهذا احلرام و‬
‫زاد البعد عن لكر هللا و سامع القرآ وسامع آحاديث الرسول الكرمي عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫ُام زادت عناية السْنسا هبذا السامع احملرم و آبعد عن سامع احلق والهدى ‪.‬‬
‫واقرآ يف آول سورة لقام ما يوحض َك لَك؛ ْل هللا س بحانه وتعاىل ملا لكر القرآ العظمي وويح هللا‬
‫ِل آ َاي ُت ْال ِكتَ ِاب الْ َح ِك ِمي هُدًى‬‫يل وعال الكرمي وما فيه من الهدى والسعادة والفالح بقوهل‪ :‬ﷻ ‪ ) :‬تِ ْ َ‬
‫َو َر ْ َمح ًة لِ يلْ ُم ْح ِس نِ َني ه ِاذل َين ي ُ ِقميُو َ ه‬
‫الص َال َة َوي ُ ْؤتُو َ هالز ََك َة َو ُه َِب ْْل ِخ َر ِة ُ ْه يُو ِقنُو َ آُول َ َٰ ئِ َك عَ َ ٰىل ُهدًى ِيمن‬
‫يث ‪ )..‬فهذا اللهو هو اذلي يبعد‬ ‫هر ِ ي ِهب ْم ۖ َوآُولَ َٰ ئِ َك ُ ُه الْ ُم ْف ِل ُحو َ )‪ ,‬قال‪َ ( :‬و ِم َن النه ِاس َمن ي َْش َ ِرتي لَه َْو الْ َح ِد ِ‬
‫عن القرآ ‪.‬‬
‫والش يطا يتسلط عىل السْنسا ؛ ليبعد عن القرآ من خالل هذا اللهو لهو احلديث فيتسلط عليه ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫وُام مكهن لهو احلديث من مسع السْنسا وربَ اىل السْنسا مسعه َبملقابل يب ِغيض الهيا سامع الهدى‬
‫والويح الكم هللا و والكم رسوهل‪.‬‬

‫َش ٌءو فَ ُحولُوا بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني فَهْ ِم ِه َوتَدَ ب ب ِر ِ َوالته َفكب ِر ِفي ِه َوالْ ِع َظ ِة ِب ِه‬
‫قال‪ :‬فَا ْ غُ ِل ْب ُ ْت عَ َىل َل ِ ََك َو َد َخ َل ِم ْن َل ِ ََك َ ْ‬
‫إ‬
‫اررصوا آشد احلرص آل يسمع َشء من الويح ل يسمع ل القرآ ول احلديث ول الكم النصحاء‪,‬‬
‫اررصوا عىل لَك‪ ,‬لكن لو غلبت ومسع شيئا من الالكم ودخل من آلنه َشء من هذا الالكم انتقلوا اىل‬
‫مرحل آخرى اررصوا آل يفهمه وآ تشغلو عن فهمه‪.‬‬

‫ا هما َِب ْد َخالِ ِض يِد ِ عَلَ ْي ِهو َوا هما بِِتَ ْ ِو ِيل َل ِ ََك َوتَ ْع ِظميِ ِه َو َآ ه َه َذا آَ ْم ٌر قَدْ ِري َل ب َ ْ َني النب ُف ِوس َوبَيْنَ ُه فَ َال َسبِي َل لَهَا‬
‫إ‬ ‫َإ ِ إ‬
‫ال ْيه ‪.‬‬
‫إ‬
‫يعِن بعض هؤلء قد يصل اىل آلنه احلق و ويسمع ورمبا آيضا يعجبه ‪.‬يأتيه الش يطا ويقول ‪ :‬آينك وهذا؟‬
‫هذا لي‪َ ،‬ك و هذا ْلَنس آخرين و آما آنت لست هميأ لهذا ‪.‬وهذا آمر كبْي وعظمي وآنت ل تصلح هل ل‬
‫تصلح لهذا ولست هميأ فيبقيه عىل ضالهل واعراضه‪.‬‬

‫َوه َُو ِ ْمح ٌل يَثْ ُق ُل عَلَهيْ َا َل ت َ ْس تَ ِق بل ِب ِهو َو َ ْحن ِو َل ِ ََكو َوا هما َِب ْرخ َِاص ِه عَ َىل النب ُف ِوسو َوآَ ه ِال ْش تِغَا َل يَنْ َب ِغي آَ ْ‬
‫إ‬
‫يَ ُكو َ ِب َما ه َُو آَعْ َىل ِع ْندَ النه ِاسو َوآَ َع بز عَلَهيْ ِ ْمو َوآَ ْغ َ إر ُب ِع ْن ُْ‬
‫دَهو َو ُزبُون ُ ُه الْقَا ِبلُو َ َ ُهل َآ ْك َ َُثو َوآَ هما الْ َح بق فَه َُو‬
‫َمهْ ُج ٌورو َوقَائِ ُ ُل ُم َع ي ِر ٌض ن َ ْف َس ُه لِلْ َعدَ َاو ِةو َو هالراب ُِح ب َ ْ َني النه ِاس آَ ْو َىل َِب ْليثَا ِر َو َ ْحن ِو َل ِ ََكو‬
‫إ‬
‫ملا يأيت السْنسا اىل جممتع تغلَ عليه املعايص مث يوفق آحد هؤلء اىل الطاعة والعبادة يتسلط عليه‬
‫الش يطا ويقول الا دخلت يف هذ آصبحت آنت همجورا وآصبحت منبولا وآصبح لي‪َ ،‬ك شأ‬
‫ويبغض اليه ادلخول يف ادلاينة والطاعة والتقرب اىل هللا س بحانه وتعاىل من هذ اجلهة ‪.‬‬

‫ك قَال َ ٍَّ يَ ْك َر ُه ُه َويَثْ ُق ُل عَلَ ْي ِه‪.‬‬ ‫فَ ُتدْ ِخلُو َ الْ َبا ِط َل عَلَ ْي ِه ِيف ُ ِي‬
‫ك قَال َ ٍَّ ي َ ْقبَ ُ ُل َو َ ُِي بف عَلَ ْي ِهو َو ُ َّْت ِر ُجو َ َ ُهل الْ َح هق ِيف ُ ِي‬

‫هذ قاعدة عامة وضعها الش يطا هلم جلنود يف طريقة التعامل مع السْنسا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فتدخلو الباطل عليه يف ك قالَ يقبل وُيف عليه وَّترجو هل احلق يف ك قالَ يكرهه‬
‫ويثقل عليه حفببوا اىل نفسه املعصية وثقلوا عىل قلبه الطاعة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫َوا َلا ِشئْ َت آَ ْ تَ ْع ِر َف َل ِ ََك فَان ُْظ ْر ا َىل اخ َْواَّنِ ِ ْم ِم ْن َش َيا ِطنيِ ْالسْن ْ ِ‪،‬و كَ ْي َف ُ ُْي ِر ُجو َ ْ َاْل ْم َر َِبلْ َم ْع ُر ِ‬
‫وف‬
‫إ‬ ‫إ إ‬
‫َو إالهنه ْ َيي َع ِن الْ ُم ْنكَ ِر ِيف قَال َ َِ كَ ْ ََث ِة الْ ُفضُ ولِ‬

‫خشصا يدعو اىل معروف آو يهنيى عن منكر قال هل ‪:‬قال ﷺ ‪ )) :‬من رسن اسالم‬ ‫رىت ا بعضهم الا مسع ً‬
‫املرء تركه ما ل يعنيه ))‪ ُ .‬يُذكر هذا احلديث يف مقام رد اْلمر َبملعروف والهنيي عن املنكر !!‬
‫ولهذا يقول ‪َ :‬وا َلا ِشئْ َت آَ ْ ت َ ْع ِر َف َل ِ ََك فَان ُْظ ْر ا َىل اخ َْواَّنِ ِ ْم ِم ْن َش َيا ِطنيِ ْالسْن ْ ِ‪،‬و كَ ْي َف ُ ُْي ِر ُجو َ ْ َاْل ْم َر‬
‫إ‬ ‫إ إ‬ ‫ِْ ِ إ‬
‫وف َوالهنه ْ َيي َع ِن الْ ُم ْنكَ ِر ِيف قَال َ َِ كَ ْ ََث ِة الْ ُفضُ ولِ ‪:‬يعِن هذا من الفضول ؛ مما ل يعنيك ‪.‬‬ ‫َبل َم ْع ُر‬

‫واملراد بقول النيب ﷺ ‪ :‬ما ل يعنيك آي بأصل الِشع ودلَل الِشع ل هبوى النف‪ ،‬وميولِتا ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬و َوتَتَببع ِ عَ َ ََث ِات النه ِاسو َوالته َع بر ِض ِم َن الْ َب َال ِء ِل َما َل ي ُ ِط ُيقو َوالْقَا ِء الْ ِف َ َِت ب َ ْ َني النه ِاسو َو َ ْحن ِو َل ِ ََكو‬
‫إ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يف قال َِ‬
‫ِ‬ ‫الس نه ِة َو َو ْص َف هالر ِ يب تَ َع َاىل ِب َما َو َص َف ِب ِه ن َ ْف َس ُه َو َو َصف ُه ِبه َر ُس ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َو ُ ُْي ِر ُجو َ ا ِت ي َبا َع ب‬
‫اَّ عَ َىل َخلْ ِق ِه َو ْاس تِ َو َاء ُ عَ َىل َع ْر ِش ِه َو ُمبَاي َنَتَ ُه ِل َم ْخلُوقَاتِ ِهو‬ ‫الته ْج ِس ِمي َوالت ه ْشبِي ِه َوالته ْكي ِِيفو َوي َُس بمو َ عُلُ هو ه ِ‬
‫وهل ا َىل َ َمسا ِء ادلب نْ َياو َوقَ ْو َهلُ‪َ :‬م ْن ي َْسأَلُ ِِن فَأُع ِْط َيهُو َ ََت بر ًَك َوانْ ِتقَ ًالو َوي َُس بمو َ َما َو َص َف ِب ِه‬ ‫َ ََت ب ًزياو َوي َُس بمو َ َُ ُز َ ُ‬
‫إ‬
‫ن َ ْف َس ُه ِم َن الْ َي ِد َوالْ َو ْي ِه آَعْضَ َاء َو َج َو ِار َحو َوي َُس بمو َ َما ي َ ُقو ُم ِب ِه ِم ْن آَفْ َع ِ ِاهل َر َوا ِد َثو َو َما ي َ ُقو ُم ِم ْن ِصفَاتِ ِه‬
‫آَع َْراضً او ُ همث يَتَ َو هصلُو َ ا َىل ن َ ْف ِي َما َو َص َف ِب ِه ن َ ْف َس ُه هبِ َ ِذ ِ ْ ُاْل ُم ِور‪.‬‬
‫إ‬
‫ال هذ اللكامت مثل التجس مي واحلركة والانتقال واْلعضاء واجلوارح واحلوادث واْلعراض ‪.‬‬
‫هذ ُها ُامت حمدثة آراد هبا من آحدهثا آ يصل َبلسْنسا اىل تعطيل صفات هللا وحجدها والتكذيَ هبا‪.‬‬
‫فهيي من مداخل الش يطا اليت يفسد هبا عىل الناس عقيدِتم ومعرفِتم برهبم س بحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫اَّ َو ُس نه ُة َر ُس ِ ِ‬
‫وهل ‪-‬‬ ‫اب ه ِ‬ ‫ات ال ه ِيت ن ََط َق هبِ َا ِكتَ ُ‬ ‫الص َف ِ‬ ‫ومهو َ ْ َاْل ْ َْغ َار َوضُ َع َف َاء الْ َب َصائِ ِرو َآ ه اثْ َب َ‬
‫ات ي ِ‬ ‫‪ -‬قال ‪َ :‬وي ُ ِ ُ‬
‫إ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ ‪ -‬ت َ ْس َتلْ ِز ُم َه ِذ ِ ْ ُاْل ُم َورو َو ُ ُْي ِر ُجو َ َه َذا الته ْع ِطي َل ِيف قَال َ َِ الته ْ ِزنيه َوالته ْع ِظ ِميو َوآك َ َُث النه ِاس ضُ َع َفا ُء‬
‫ْ‬
‫اَّ تَ َع َاىل‪َ ( :‬وكَ َذ ِ ََك َج َعلْنَا ِل ُ ِي‬
‫لك ن ِ ٍّيَيب عَدُ اوا‬ ‫الَش َء ِبلَ ْفظٍّ َويَ ُر بدون َ ُه ِب َع ْينِ ِه ِبلَ ْفظٍّ آخ ََرو قَا َل ه ُ‬
‫الْ ُع ُقولِ ي َ ْق َبلُو َ ه ْ‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس والعشرون‬

‫ويح ب َ ْعضُ هُ ْم ا َىل ب َ ْع ٍّض ُزخ ُْر َف الْقَ ْولِ غُ ُر ًورا ) ] ُس َور ُة ْ َاْلنْ َعا ِم‪ [112 :‬فَ َس هما ُ‬ ‫َش َيا ِط َني ْالسْن ْ ِ‪َ ،‬والْ ِي‬
‫جِن ي ُ ِ‬
‫إ‬
‫ُزخ ُْرفًاو َوه َ إُو ََب ِط ٌلو ِ َْل ه َصا ِر َب ُه يُ َز ْخ ِرفُ ُه َويُ َزِي ينُ ُه َما ْاس تَ َطاعَو َويُلْ ِقي ِه ا َىل َ ْمسع ِ الْ َمغ ُْر ِور فَيَغ َ بْرت ِبه‪ِ.‬‬
‫إ‬
‫ولهذا اْلغامر واجلهال كثْي ًا ما آُفسدت آرواهلم بزخرف القول‪ ,‬زخرف القول يعِن تزيني القول وَتسينه‬
‫وادخال الباطل من خالل هذا القول املزخرف املزين ‪.‬‬

‫ُض الْ َع ْبدَ َو َل ي َ ْن َف ُعهُو َوي َ ْمنَ َع آَ ْ يَدْ ُخ َل‬


‫الش ْي َطا َ قَدْ ل َ ِز َم ثَغ َْر ْ ُاْل ُل ِ و آَ ْ يُدْ ِخ َل ِفهيَا َما ي َ ُ ب‬ ‫َوالْ َم ْق ُصودُ‪ :‬آَ ه ه‬
‫الَهيْ َا َما ي َ ْن َف ُعهُو َوا ْ َد َخ َل ِبغ ْ َِْي ا ْخ ِت َي ِار ِ آَفْ َسدَ ُ عَلَ ْي ِه‪.‬‬
‫إ‬ ‫إ‬
‫هذا فامي يتعلق بثغر اْلل وقبل ما يتعلق بثغر العني‪ ,‬مث انتقل يف فصل يديد اىل ما يتعلق بثغر اللسا ‪.‬‬
‫َكتفي هبذا‪ .‬وسْنسأل هللا العظمي آ يعيذَن ولرايتنا وآهلينا واملسلمني من الش يطا الرجمي من مهز‬
‫ونفخه ونفثه‪ .‬وآ يصلح لنا آمجعني ديننا اذلي هو عصمة آمرَن‪ .‬وآ يصلح لنا دنياَن اليت فهيا‬
‫معاش نا ‪,‬ويصلح لنا آخرتنا اليت فهيا معادَن ‪,‬وجيعل احلياة زايدة لنا يف ك خْي واملوت راحة لنا من ك‬
‫ْش ‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وحبمدك آشهد آ ل اهل ال آنت آس تغفرك وآتوب اليك اللهم ص يل وسمل عىل عبدك‬
‫ورسوَك نبينا محمد وآهل وحصبه‪.‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك*‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني‪ ,‬وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبة آمجعني‪ ..‬آما بعد‪,‬‬
‫فيقول العالمة ابن القمي اجلوزية رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني قال يف كتابه ادلاء وادلواء ‪:‬‬

‫فص ٌل ‪[ :‬فَ ْص ٌل ثَغ ُْر ا ِّلل َس ِّان]‬


‫ِل‪ ,‬فَأَ ْج ُروا عَلَ ْي ِّه ِّم َن ْال َ ََك ِّم َما‬ ‫ُ َُّث ي َ ُقو ُل‪ :‬قُو ُموا عَ َىل ثَ ْغ ِّر ا ِّلل َس ِّان‪ ,‬فَان َّ ُه الثَّغ ُْر ْ َاْلع َْظ ُم‪َ ,‬وه َُو قُ َب َ ُاَل الْ َم ِّ ِّ‬
‫ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل َو ْاس تِّ ْغفَا ِّر ِّه‪َ ,‬وتِّ َال َو ِّة ِّك َتا ِّب ِّه‪,‬‬
‫َش ٌء ِّم َّما ي َ ْنفَ ُعهُ‪ِّ :‬م ْن ِّذ ْك ِّر َّ ِّ‬ ‫ُض ُه َو ََل ي َ ْن َف ُعهُ‪َ ,‬وا ْمنَ ُعو ُه آَ ْن َ َْي ِّر َي عَل َ ْي ِّه َْ‬ ‫ي َ ُ ُّ‬
‫ون لَ ُ ُْك ِّيف َه َذا الث َّ ْغ ِّر آَ ْم َر ِّان َع ِّظمي َ ِّان‪ََ ,‬ل تُ َبالُ َ‬
‫ون ِّبأَ ِّ ِّّي َما َظ ِّف ْر ُ ُْت‪:‬‬ ‫َون َِّصي َح ِّة ِّع َبا ِّد ِّه‪َ ,‬والتَّ ََكُّ ِّم ِِّبلْ ِّع ْ ِّمل النَّا ِّفعِّ‪َ ,‬ويَ ُك ُ‬
‫َآ َحدُ ُ َُها‪ :‬التَّ ََكُّ ُم ِِّبلْ َبا ِّط ِّل‪ ,‬فَان َّ َما الْ ُم َت َ َِّك ُم ِِّبلْ َبا ِّط ِّل َآ ٌخ ِّم ْن اخ َْوا ِّن ُ ُْك‪َ ,‬و ِّم ْن َآ ْك َ َِّب ُج ْن ِّد ِّ ِْك َوآَع َْوا ِّن ِّ ُْك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السا ِّك َت َع ِّن الْ َح ِّق َآ ٌخ لَ ُ ُْك آَخ َْر ُس‪َ َ ,‬مَك آَ َّن ْ َاْل َّو َل َآ ٌخ َنَ ِّطقٌ ‪َ ,‬و ُرب َّ َما‬ ‫وت َع ِّن الْ َح ِّق‪ ,‬فَ ِا َّن َّ‬ ‫الس ُك ُ‬ ‫الث َِّّان‪ُّ :‬‬
‫السا ِّك ُت‬ ‫اِص‪ :‬الْ ُم َت َ َِّك ُم ِِّبلْ َبا ِّط ِّل َش ْي َط ٌان َنَ ِّطقٌ ‪َ ,‬و َّ‬ ‫ََك َن ْ َاْلخُ الث َّ ِّان آَنْ َف َع آَخ ََو ْي ُ ُْك لَ ُ ُْك‪ ,‬آَ َما َ َِّس ْع ُ ُْت قَ ْو َل النَّ ِّ ِّ‬
‫َع ِّن الْ َح ِّق َش ْي َط ٌان آَخ َْر ُس؟‬
‫ُ‬ ‫الر َِب َط ِّالر َِب َط عَ َىل َه َذا الث َّ ْغ ِّر آَ ْن ي َ َت ََكَّ َم ِّ َِب ٍّق آَ ْو ي ُ ْم ِّس َك َع ْن َِب ِّط ٍّل‪َ ,‬و َز ِّي ُنوا َ ُهل التَّ ََكُّ َم ِِّبلْ َبا ِّط ِّل ِّب ُ ِّ‬ ‫فَ ِّ‬
‫ُ َط ِّر ٍّيق‪.‬‬ ‫َط ِّر ٍّيق‪َ ,‬وخ َِّوفُو ُه ِّم َن التَّ ََكُّ ِّم ِِّبلْ َح ِّق ِّب ُ ِّ‬
‫ِْل ِّمنْ ُه ب َ ِِّن آ َد َم‪َ ,‬و َآ ُكُّبُّ ُ ْم ِّمنْ ُه عَ َىل َمنَا ِّخ ِّر ِّ ْه ِّيف النَّا ِّر‪ ,‬فَ َ ُْك ِِّل‬
‫َوا ْعلَ ُموا ََي ب َ ِّ َِّن آَ َّن ثَغ َْر ا ِّلل َس ِّان ه َُو َّ ِّاَّلي ُآه ِّ ُ‬
‫يل َوآَ ِّس ٍّري َو َج ِّر ٍّحي آَخ َْذتُ ُه ِّم ْن َه َذا الث َّ ْغ ِّر؟‬‫ِّم ْن قَ ِّت ٍّ‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي‪ ,‬امحلد هلل رب العاملني‪ ,‬وآشهد آن َل اهل اَل هللا وحده َل رشيك هل وآشهد آن‬
‫محمدا عبده ورسوهل ﷺ وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪ ,‬اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا مبا علمتنا وزدَن‬
‫علام وآصلح لنا شأننا لكه وَل تَكنا اَل آنفس نا طرفة عني‪..‬آما بعد ‪,‬‬
‫فال نزال يف فصل من فصول هذا الكتاب ادلاء وادلواء يف بيان عقوبة من عقوِبت اَّلنوب آَل ويه‬
‫آن‪ :‬من عقوِبهتا آن العايص يفتح بعصيانه للش يطان طريقا عليه ويكون ِبملعصية قد آمد الش يطان‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫وفتح هل ِبِب يدخل منه وينفذ اَل اَلنسان؛ ْلن العبد مادام عىل الطاعة والقرب من هللا س بحانه‬
‫وتعاَل فهو من عباد هللا وعباد هللا ليس للش يطان علهيم سبيل‪ ,‬فاذا دخل يف املعصية فتح السبيل‬
‫للش يطان عىل نفسه‪ ,‬وجعل من املعصية مددا للش يطان عليه؛ ليدفعه من خالل ذكل اَل ما فيه‬
‫هالكه يف دنياه وآخراه ‪,‬‬
‫ُث من خالل ذكل آخذ يبني اَلمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل احلرب اليت َل تتوقف بني اَلنسان‬
‫والش يطان‪ ,‬والش يطان كام آخَب هللا س بحانه وتعاَل عدو لهذا اَلنسان وآمر جل وعال عباده بأن‬
‫يتخذوا هذا الش يطان عدوا وآن حيذروا من كيده وخطواته وآن يس تعيذوا ِبهلل تبارك وتعاَل منه ‪,‬‬
‫وآن َيانبوا اْلس باب والوسائل اليت يه من طرق الش يطان وس بهل اليت حيرف هبا اَلنسان عن‬
‫رصاط هللا تبارك وتعاَل املس تقمي‬
‫وآخذ يُبني ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬آن تركزي الش يطان يف هذه احلرب آصاَل عىل القلب؛ ْلن القلب هو‬
‫اْلساس وهو ِبلنس بة للعضاء َكملِل مع جنوده‬
‫مثلام يُروي عن آيب هريرة ‪-‬ريض هللا عنه‪ -‬آنه قال ‪ " :‬القلب مِل واْلعضاء جنوده‪ ,‬فان طاب‬
‫املِل طاب اجلند وان خاب املِل خاب اجلند "‬
‫وآقوى بياَن يف هذا اْلمر قول النيب ‪ -‬ﷺ ‪ « -‬آَل ان يف اجلسد مضغة اذا صلحت صلح اجلسد‬
‫لكه‪ ,‬واذا فسدت فسد اجلسد لكه آَل ويه القلب‪» .‬‬
‫فرتكزي الش يطان آعاذَن هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬وذرَيتنا وآهلينا واملسلمني من رشه وكيده‪ ,‬تركزيه عىل القلب‬
‫آصاَل‪ُ ,‬ث هل ثغور ينفذ مهنا اَل القلب‬
‫حيتاج العبد مع صيانته لقلبه آن حيفظ هذه الثغور وآن يصوهنا ويه‪ :‬السمع‪ ,‬والبرص‪ ,‬واللسان‪,‬‬
‫واليد‪ ,‬والقدم‪ ,‬والفرج هذه لكها ثُغور‪ ,‬ويه يف الوقت منافذ للش يطان رمبا نفذ مهنا اَل قلب اَلنسان‬
‫اذا مل ُيصهنا صاحُّبا بطاعة هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫ُث بني ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬كيف هذا ادلخول اَّلي يكون من الش يطان من خالل هذه الثغور‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫ووصلنا اَل هذا الفصل اَّلي فيه حثه ْلتباعه عىل القيام عىل ثغر اللسان‪ ,‬وآنه الثغر اْلعظم‪ ,‬وهو‬
‫ِّقباَل املِل‪ ,‬املِل القلب وهو املقصود آصاَل‬
‫لكن اللسان جارحة خطرية جدا تيل القلب يف اخلطورة‪ ,‬ولهذا قيل( املرء بأصغريه) واملراد ِبْلصغرين‬
‫آي القلب واللسان‪ ,‬فهااتن اجلارحتان هلام تأثري عظمي جدا عىل اجلوارح لكها‬
‫آما القلب فقد َسعنا قول النيب ‪ -‬ﷺ ‪ « : -‬آَل ان يف اجلسد ُمضغة اذا صلحت صلح اجلسد لكه‪,‬‬
‫واذا فسدت فسد اجلسد لكه آَل ويه القلب‪».‬‬
‫وآما اللسان فان النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يقول ‪« :‬اذا آصبح ابن آدم فان اجلوارح لكها تكفر اللسان‪ ,‬تقول‬
‫اتقي هللا فينا فامنا حنن بك فان اس تقمت اس تقمنا‪ ,‬وان اعوججت اعوججنا »‬
‫فاللسان غاية يف اخلطورة‪ ,‬ولهذا قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يف وصيته ملعاذ قال ‪« :‬ثَكتك آمك َي‬
‫معاذ وهل يكب الناس يف النار عىل وجوههم آو قال عىل مناخره اَل حصائد آلسنهتم »‬
‫فاللسان خطورته عظمية‪ ,‬ولهذا الش يطان يلزم هذا الثغر‪ ,‬ويُويص جنوده وآتباعه آن يُركزوا عىل هذا‬
‫اللسان اما ليجعلوا صاحب اللسان متَكم ِبلباطل فيكون حينئذ ش يطان َنطق‪ ,‬آو َيعلوه ساكتا‬
‫عن احلق فيكون ش يطاَن آخرس ‪-‬وهذه بغية الش يطان‪ -‬يف آن َل يكون هذا اللسان عىل خري َل يف‬
‫ذكر هللا‪ ,‬وَل يف قراءة القرآن‪ ,‬وَل يف تعمل العمل‪ ,‬وَل يف ادلعوة اَل هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ,-‬وَل يف غري‬
‫ذكل من آبواب اخلري‬
‫اَّلل َوقُولُوا قَ ْو ًَل َس ِّديدًا } فالش يطان َل يريد آن‬
‫اذا َكن هللا س بحانه وتعاَل يقول لعباده ‪ { :‬ات َّ ُقوا َّ َ‬
‫يكون اللسان عىل هذا القول السديد‪ ,‬بل يريد هذا اللسان آن ينشغل ِبلس ئي والقبيح من القول‬
‫ولهذا حيرك اَلنسان ليتَكم ِبلباطل فان مل يتَكم ِبلباطل نزل معه اَل الرتبة اليت دوهنا وهو آن‬
‫يسكت عن احلق ولك من هذين حمقق طلبة الش يطان فيه‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫ون ا ْْلخ َُر‬‫يُك ب َِّو ِّصيَّ ٍّة فَ ْاح َف ُظوهَا‪ِّ :‬ل َي ْن ِّط ْق َآ َحدُ ُ ِْك عَ َىل ِّل َس ِّان آَ ِّخي ِّه ِّم َن ْاَلن ْ ِّس ِِّب ْل َ َِّك َم ِّة‪َ ,‬ويَ ُك ُ‬
‫وص ُ ْ‬ ‫قال ‪َ { :‬وآُ ِّ‬
‫ِ‬
‫السا ِّمع ِّ فَ َي ْن ِّط ُق ِِّب ْس تِّ ْح َساهنِّ َا َوتَ ْع ِّظميِّهَا َوالتَّ َع ُّج ِّب ِّم ْهنَا َوي َ ْطلُ ُب ِّم ْن آَ ِّخي ِّه اعَادَهتَ َا‪َ ,‬و ُكونُوا َآع َْواَنً‬ ‫َّ‬ ‫عَ َىل ِّل َس ِّان‬
‫ِ‬
‫لك َِب ٍّب‪َ ,‬وا ْق ُعدُ وا لَهُ ْم ُ َّ‬
‫لك َم ْر َص ٍّد‬ ‫ُ َط ِّر ٍّيق‪َ ,‬وا ْد ُخلُوا عَلَ ْ ِّهي ْم ِّم ْن ُ ِّ‬ ‫عَ َىل ْاَلن ْ ِّس ِّب ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫يقول ‪ :‬هذه خطة اْلن يرَسها الش يطان ْلتباعه حىت تتحرك اْللسن يف اجملالس ِبلباطل واحلرام‬
‫والفاسد من القول ‪ ,‬يقول الش يطان موصيا آتباعه يقول ‪ :‬لينطق آحدِك عىل لسان آخيه من اَلنس‬
‫ِبلَكمة ويكون اْلخر يعِن الش يطان اْلخر عىل لسان السامع مفهمة اْلول حتريك لسان اْلول‬
‫ِبلباطل وهممة الثان تعظمي هذا الباطل ُث يدرج الباطل بني الناس واحد ينطق به بويح من‬
‫الش َيا ِّط َني ل َ ُيو ُح َ‬
‫ون ا ََل َآ ْو ِّل َياِئِّ ِّ ْم } فينطق ِبلباطل بويح من الش يطان واْلخر يؤيد‬ ‫الش يطان { َوا َّن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا القول الباطل يف اجمللس ُث تتلقفه الناس ويتلقفه احلارضون يف هذا اجمللس ُث يتناقل هذا‬
‫الباطل عىل آلس نة الناس‬
‫مثال ان َكن غيبة لشخص آو طعنا يف عرض خشص آول ما يبدآ الش يطان هذا اْلمر بأن يُنطق‬
‫خشصا به ينطقه مثال بطعن يف عرض خشص ُث حيرك آخر يعظم هذا الَكم ويتعجب منه ُث‬
‫يتناقلونه الناس ويتحدثون به ومطية امجليع قيل كذا وَسعنا كذا وحنو ذكل يتناقلون الباطل وهذا لكه‬
‫من مبتغى الش يطان ومراده يف هذا اَلنسان‬

‫رص َاط َك الْ ُم ْس َت ِّق َمي ‪-‬‬‫َآ َما َ َِّس ْع ُ ُْت قَ َس ِّمي َّ ِّاَّلي آَ ْق َس ْم ُت ِّب ِّه ِّل َر ِّ ِّهب ْم َح ْي ُث قُلْ ُت‪{ :‬فَ ِّب َما آَ ْغ َويْت َ ِِّن َ َْل ْق ُعدَ َّن لَهُ ْم ِّ َ‬
‫ُ َُّث َْلتِّيَهنَّ ُ ْم ِّم ْن ب َ ْ ِّني آَيْ ِّد ِّّي ْم َو ِّم ْن َخلْ ِّفهِّ ْم َو َع ْن َآيْ َماهنِّ ِّ ْم َو َع ْن َ ََشائِّ ِّلهِّ ْم َو ََل َ ِّتدُ َآ ْك َ ََث ُ ْه َشا ِّك ِّر َ‬
‫ين} ُ[س َور ُة ْ َاْلع َْر ِّاف‬
‫‪. ]61 - 61‬‬

‫َآ َو َما تَ َر ْو ِّن قَ ْد قَ َع ْد ُت َِّل ْب ِّن آ َد َم ب ُِّط ُرِّق ِّه ُ ِّلكهَا‪ ,‬فَ َال ي َ ُفوت ُِِّن ِّم ْن َط ِّر ٍّيق ا ََّل قَ َع ْد ُت َ ُهل ب َِّط ِّري ٍّق غَ ْ ِّري ِّه‪َ ,‬ح َّىت‬
‫ِ‬
‫الش ْي َط َان قَ ْد قَ َعدَ‬ ‫يب ِّمنْ ُه َحا َج ِّيت آَ ْو ب َ ْعضَ هَا؟ َوقَ ْد َح َّذ َر ُ ْه َذ ِّ َكل َر ُسولُهُ ْم ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وقَا َل لهُ ْم‪« :‬ا َّن َّ‬
‫َ‬ ‫ُآ ِّص َ‬
‫ِ‬
‫َِّل ْب ِّن آ َد َم ب ُِّط ُرِّق ِّه ُ ِّلكهَا‪َ ,‬وقَ َعدَ َ ُهل ب َِّط ِّر ِّيق ْاَل ْس َال ِّم‪ ,‬فَقَا َل َهلُ‪ :‬آَت ُ ْس ِّ ُمل َوت َ َذ ُر ِّدينَ َك َو ِّد َين آ َِبئِّ َك؟ فَخَالَف ُهَ‬
‫ِ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫َوآَ ْس َ َمل‪ ,‬فَ َق َعدَ َ ُهل ب َِّط ِّر ِّيق الْهِّ ْج َر ِّة‪ ,‬فَقَا َل‪ :‬آَهتُ َ ِّاج ُر َوت َ َذ ُر آَ ْرضَ َك َو َ ََس َاءكَ ؟ فَخَالَفَ ُه َوهَا َج َر‪ ,‬فَ َق َعدَ َ ُهل ب َِّط ِّر ِّيق‬
‫الْ ِّجهَا ِّد‪ ,‬فَقَا َل‪ :‬آَ ُ َتا ِّهدُ فَ ُت ْقتَ َل فَ ُي َق َّس َم الْ َما ُل َوتُ ْنكَ َح َّالز ْو َج ُة؟»‬

‫وهذا مما يذكره الش يطان‪ -‬اَّلي هو ابليس ‪-‬جلنوده وآتباعه آنه يذكره دامئا ِبلقسم القسم اَّلي آقسمه‬
‫يف آن يغوي بِن آدم آمجعني ويصده عن رصاط هللا املس تقمي‪ ,‬وآن يأتهيم من هجاهتم لكها وآن يقعد‬
‫رص َاط َك الْ ُم ْس َت ِّق َمي"‪ ,‬وجاء يف احلديث عن نبينا عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫هلم يف لك طريق " َْل ْق ُعدَ َّن لَهُ ْم ِّ َ‬
‫(( ان الش يطان قاعد َلبن آدم بأطرقه )) ‪:‬آي ما من طريق يسري اليه آو يتجه اليه آو يسري فيه‬
‫العبد اَل والش يطان قاعد فيه‪-‬قاعد هل يرصده‪ -‬فاذا َكن طريق طاعة وعبادة حرص عىل آن يثنيه عن‬
‫هذه العبادة وان َكن طريق معصية حرص عىل آن يدفعه الهيا وان يؤزه الهيا آزا‪.‬‬

‫ُ ُط ُر ِّق الْخ ْ َِّري‪ ,‬فَا َذا آَ َرا َد آَ َحدُ ُ ْه آَ ْن ي َ َت َصد ََّق فَا ْق ُعدُ وا َ ُهل عَ َىل َط ِّر ِّيق‬ ‫قال ‪:‬فَهَك َذا فَا ْق ُعدُ وا لَهُ ْم ِّب ُ ِّ‬
‫ْ ِ‬
‫السائِّ ِّل َوت َِّص َري ِّب َم ْ ِّْنلَتِّ ِّه آَنْ َت َوه َُو َس َوا ٌء؟‬
‫َّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬‫م‬‫ِّ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ب‬ ‫الصدَ قَ ِّة‪َ ,‬وقُولُوا َ ُهل ِّيف ن َ ْف ِّس ِّه‪ :‬آَ ُ ُْت ِّر ُج ال َما َل فَتَ ْ‬ ‫َّ‬
‫يه آَ ْم َوالُنَا ا َذا آَع َْط ْينَ ُاُكُوهَا‬ ‫َ‬ ‫َآ َو َما َ َِّس ْع ُ ُْت َما َآلْ َق ْي ُت عَ َىل ِّل َس ِّان َر ُج ٍّل َسأَ َ ُهل آخ َُر َآ ْن ي َ َت َصد ََّق عَلَ ْي ِّه‪ ,‬قَا َل‪ِّ :‬‬
‫ِ‬
‫رصَنَ ِّمثْلَ ُ ُْك‪.‬‬
‫ِّ ْ‬
‫َوا ْق ُعدُ وا َ ُهل ب َِّط ِّر ِّيق الْ َح ِّج‪ ,‬فَ ُقولُوا‪َ :‬ط ِّري ُق ُه َمخُوفَ ٌة ُم ِّشقَّ ٌة‪ ,‬ي َ َت َع َّر ُض َسا ِّل ُكهَا ِّل َتل َ ِّف النَّ ْف ِّس َوالْ َم ِّال‬

‫طريق احلج آو كذكل العمرة لثنيه عهنا وعدم قيامه هبا‪ ,‬لكن من عزموا عىل احلج آوَل حيرص عىل آن‬
‫ثنيه عن احلج كام آشار ابن القمي هنا لكن من عزموا عىل احلج فأيضً ا َل يرتكهم الش يطان يف طريق‬
‫احلج؛ َلن هذا داخل يف معوم قوهل تعاَل‪ْ :‬لقعدن هلم رصاطك املس تقمي‬
‫بعض املفرسين قال‪ :‬طريقهم اَل مكة ‪,‬فهذا من القعود قعود الش يطان لهذا اَلنسان يف طريقه املس تقمي‬
‫فاذا َكن ذاهبا اَل مكة مل يرتكه‪,‬ولهذا يروى عن جماهد من آمئة التابعني رمحه هللا قال ‪:‬ما خرجت‬
‫رفقة للحج اَل وآرسل معهم الش يطان مثل عدده لك محةل جحاج ِبمةل ش ياطني آرسل معهم مثل‬
‫عدده‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫هذه امحلةل من الش ياطني هممهتا افساد هذا احلج عىل هذا احلاج وشغهل بأمور وآعامل تفسد عليه جحه‬
‫فال حيصل من جحه اَل التعب فيوقعه يف آمور اما الرَيء آو السمعة آو البدع والضالَلت آو‬
‫اخملالفات واحملرمات آو غري ذكل اَل آن يصل اَل ابطال جحه آو ما هو دون ذكل آن ينقص ثواب هذا‬
‫احلاج ويضعف من قوته فالعبد يف لك طريق‬
‫ولهذا حىت املسجد ليس فقط احلج املسجد اَّلي فيه فريضة هللا اليت يه آعظم من احلج آُمرَن اذا‬
‫دخلنا مع ِبب املسجد آن نتعوذ ِبهلل من الش يطان "آعوذ ِبهلل العظمي وبوهجه الكرمي وبسلطانه القدمي‬
‫من الش يطان الرجمي"؛ ْلن الش يطان حيرص عىل آن يفسد عىل اَلنسان صالته وهناك ش ياطني‬
‫متخصصني يف آمر الصالة وهممهتم افسادها عىل العبد فهذا لكه َيعل العبد يف حيطة عظمية عىل‬
‫نفسه؛ ْلن هذا العدو يراك وَل تراه‪ .‬وقاع ٌد كل يف لك طريق‪ ,‬وحربه معك رشسة جداً‪ ,‬حر ٌيص عىل‬
‫اهالكك بُ طريق‪ ,‬وبُ سبيل‪ ,‬ومع هذا لكه تطمنئ متام الطمأنينة‪ ,‬آنك اذا اعتصمت ِبهلل‪,‬‬
‫وصدقت يف جلوئك اَل هللا‪ ,‬واس تعذت من هذا الش يطان‬
‫فان امرآ ً هذا شأنه كيد الش يطان معه يكون ضعيف‪ ,‬بل َل يكون هل تأثري ْلن عباد هللا حمفوظون‬
‫ِبفظ هللا‪ -‬س بحانه وتعاَل ‪{-‬ا َّن ِّع َبا ِّدي ل َيْ َس َ َكل عَل َ ْ ِّهي ْم ُسلْ َط ٌ‬
‫ان َو َكفَ ٰى ِّب َرب َِّك َو ِّك ًيال} [اَلرساء ‪]16 :‬‬
‫ِ‬
‫قال‪َ :‬و َه َك َذا فَا ْق ُعدُ وا َ ُهل عَ َىل َسائِّ ِّر ُط ُر ٍّق الْخ ْ َِّري ِِّبلتَّ ْن ِّف ِّري َع ْهنَا َو ِّذ ْك ِّر ُص ُعوبَهتِّ َا َوآفَاهتِّ َا‬

‫اذا آراد مث ًال آن يطلب العمل‪ ,‬جاءه الش يطان وقال َل هذه طريق شاقة‪ ,‬وممكن تلس عرشين س نة‬
‫وما تفهم َشء وَل حتفظ فيثنيه عن اجللوس‪,‬ومينعه من اجللوس‪ ,‬وحيرمه منه بأن يظهر هل آهنا طريق‬
‫شاقة‪,‬وطريق صعبة‪ ,‬وَل حتصل فهيا فائدة‪ ,‬مبثل هذا يثنيه عن هذا الطريق‪ ,‬وَل يزال مع العبد لكام‬
‫آراد طريقا من طرق اخلري‪ ,‬ثقلها عىل نفسه‪.‬‬

‫ُ َُّث ا ْق ُعدُ وا لَهُ ْم عَ َىل ُط ُر ِّق الْ َم َع ِّايص فَ َح ِّس نُوهَا ِّيف َآعْ ُ ِّني ب َ ِِّن آ َد َم‪َ ,‬و َز ِّينُوهَا ِّيف قُلُوهبِّ ِّ ْم‪َ ,‬وا ْج َعلُوا َآ ْك َ ََث‬
‫َآع َْوا ِّن ِّ ُْك عَ َىل َذ ِّ َكل ِّالن َس َاء‪ ,‬فَ ِّم ْن َآبْ َواهبِّ ِّ َّن فَا ْد ُخلُوا عَلَ ْ ِّهي ْم‪ ,‬فَ ِّن ْع َم الْ َع ْو ُن ه َُّن لَ ُ ُْك‪.‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫هل مع املعايص شأن آخر‪ ,‬اذا وضع املرء قدمه يف طريق املعايص‪ ,‬خفطة الش يطان آخرى ‪ ,‬خمتلفة عن‬
‫اْلوَل‪ ,‬ويه آنه يزين هل املعصية‪ ,‬وحيس هنا‪ ,‬وَيملها‪ ,‬ويفتح هل آبوا ًِب يف سلوكها‪ ,‬ويكون معين ًا هل عىل‬
‫فعلها بذكر الطرق‪ ,‬آو الس بل‪ ,‬آو احليل‪ ,‬آو غري ذكل‪.‬‬

‫قال‪[ :‬فَ َح ِّس ُنوهَا ِّيف َآ ْع ُ ِّني ب َ ِِّن آ َد َم‪َ ,‬و َز ِّي ُنوهَا ِّيف قُلُوهبِّ ِّ ْم‪َ ,‬وا ْج َعلُوا َآ ْك َ ََث آَع َْوا ِّن ِّ ُْك عَ َىل َذ ِّ َكل ِّالن َس َاء‪ ,‬فَ ِّم ْن‬
‫َآبْ َواهبِّ ِّ َّن فَا ْد ُخلُوا عَلَ ْ ِّهي ْم‪ ,‬فَ ِّن ْع َم الْ َع ْو ُن ه َُّن لَ ُ ُْك‪.‬‬

‫ولهذا قال‪-‬عليه الصالة والسالم‪{:-‬اذا خرجت املرآة‪ ,‬استرشفها الش يطان} ْلن كثري من املصائب‪,‬‬
‫والفساد‪ ,‬والاحنراف اَّلي يدخل من خالهل الش يطان عىل اَلنسان‪ ,‬من هجة النساء‪ ,‬وآعظم الفنت‬
‫فتنة النساء‪ ,‬ولهذا َل يزال الش يطان ِبملرآة آن ُترج متَبجة‪ ,‬متعطرة‪ ,‬متجمةل‪ ,‬مزتينة؛ ْلهنا اذا‬
‫خرجت هبذه الصفة‪ ,‬آصبحت سالح ًا لش يطان‪ ,‬يف حتقيق آهدافه‪ ,‬وهمامته يف افساد بِن آدم‪ ,‬وايقاع‬
‫الرش والفساد ‪ ,‬ولهذا كثري ًا ما يويص ابليس آتباعه‪ ,‬يف اَلغواء والصد عن سبيل هللا‪ ,‬آن يس تغلوا‬
‫املرآة‪ ,‬وآن تتج َّمل ‪ ,‬وآن تزتين‪ ,‬وآن تظهر مفاتهنا‪ ,‬وحماس هنا‪ ,‬وجاملها‪ ,‬وآن تتعطر‪ ,‬فاذا خرجت هبذه‬
‫الصفة‪ ,‬آصبحت سالح ًا لهذا الش يطان‪َ ,‬ليقاع الفساد العريض ‪ ,‬والرش املس تطري يف اجملمتعات‪.‬‬

‫ُض ُ ِْك َوت َ ْم ِِّش ِّفي ِّه‪.‬‬


‫قال‪َُّ ُ :‬ث الْ َز ُموا ثَغ َْر الْ َيدَ ْي ِّن َو ِّالر ْجل َ ْ ِّني‪ ,‬فَا ْمنَ ُعوهَا آَ ْن ت َ ْب ِّط َش ِّب َما ي َ ُ ُّ‬
‫َوا ْعلَ ُموا آَ َّن َآ ْك َ ََب آَع َْوا ِّن ُ ُْك عَ َىل لُ ُزو ِّم َه ِّذ ِّه الثُّغُو ِّر ُم َصال َ َح ُة النَّ ْف ِّس ْ َاْل َّم َار ِّة‪ ,‬فَأَ ْع ُيوهَا َوا ْس َت ِّعي ُنوا هبِّ َا‪,‬‬
‫َوآَ ِّمدُّوهَا َو ْاس َت ِّم ُّدوا ِّم ْهنَا‪َ ,‬و ُكونُوا َم َعهَا عَ َىل َح ْر ِّب النَّ ْف ِّس الْ ُم ْط َمئِّنَّ ِّة‬

‫يقول ‪ :‬بعد آن انهتىى من الَكم عن ثغر اللسان‪,‬انتقل اَل ثغر اليدين والرجلني قال‪ :‬فامنعوها آن‬
‫تبطش مبا يُضِك‪ ,‬و متِش فيه ‪:‬آي فامي يُضِك‪ ,‬بأن تكون هدف الش يطان آن تكون اليد ممتدة اَل‬
‫احلرام‪ ,‬وآن تكون القدم ماش ية اَل احلرام‪َ ,‬ل يريد آن متِش القدم اَل خري‪ ,‬وَل آن متتد اليد اَل‬
‫خري‪ .‬لكن يقول‪ :‬اذا آردُت ذكل فاعقدوا مصاحلة مع النفس اْلمارة ِبلسوء‪.‬‬
‫وهذه صفة من صفات النفس آو حال من آحوال النفس البرشية؛ ْلهنا اما‪:‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫‪ -6‬آن تكون آ َّمارة ِبلسوء‪.‬‬


‫‪ -2‬آو تكون َّلوامة‪.‬‬
‫‪ -3‬آو تكون مطمئنة‪.‬‬
‫اما آن تكون نفسا آ َّمارة ِبلسوء‪ ,‬واما آن تكون َّلوامة‪ ,‬واما آن تكون مطمئنة‪.‬‬
‫ونقف هنا يف سؤال عارض ُث نواصل‪ :‬اليوم يف صالة الفجر َسعنا آي صفة من هذه الصفات‬
‫الثالث؟ اليوم يف صالة الفجر آي صفة للنفس من هذه الصفات الثالث؟ ‪ -‬النفس ا َّللوامة‪.‬‬

‫رسهَا َوابْ َط ِّال قُ َواهَا‪َ ,‬و ََل َسبِّي َل ا ََل‬ ‫قال‪َ :‬و ُكونُوا َم َعهَا عَ َىل َح ْر ِّب النَّ ْف ِّس الْ ُم ْط َمئِّنَّ ِّة‪ ,‬فَا ْجهتَ ِّ دُ وا ِّيف َك ْ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َذ ِّ َكل ا ََّل ِّب َق ْطع ِّ َم َو ِّادهَا َع ْهنَا‪ ,‬فَا َذا انْ َق َط َع ْت َم َوا ُّدهَا َوقَ ِّوي َ ْت َم َوا ُّد النَّ ْف ِّس ْ َاْل َّم َار ِّة‪َ ,‬وانْ َطا َع ْت لَ ُ ُْك آَع َْواهنُ َا‪,‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ ْاس َت ْ ِّْنلُوا الْ َقلْ َب ِّم ْن ِّح ْصنِّ ِّه‪َ ,‬وا ْع ِّزلُو ُه َع ْن َم ْملَ َكتِّه‪ِّ,‬‬

‫اذا اس توَل وصارت بيده هذه النفس النفس اللوامة‪ ,‬حينئذ يس تْنل القلب من مملكته؛ ْلنه حينئذ‬
‫يفسد هذا القلب‪ ,‬ويصبح بيد الش يطان والعياذ ِبهلل‪.‬‬

‫َو َولُّوا َم ََكن َ ُه النَّ ْف َس ْ َاْل َّم َارةَ‪ ,‬فَاهنَّ َا ََل تَأْ ُم ُر ا ََّل ِّب َما هتَ ْ َو ْون َ ُه َو ُ ِّحتبُّونَهُ‪َ ,‬و ََل َ ِّتي ُئ ُ ُْك ِّب َما تَ ْك َرهُون َ ُه الْ َبتَّ َة‪,‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بدل آن َكن رجال هل قلب بصري‪ ,‬ومن خالهل يرتب آموره‪ ,‬ويسعى يف مصاحله‪ ,‬ويتدبر يف العواقب‪,‬‬
‫ويكون هو القائد للنفس‪ ,‬يتحول هذا القلب من قائد اَل اخلري اَل َم ُقو ٍّد اَل الرش والعياذ ِبهلل‪.‬‬

‫ِِّش ٍّء َِبد ََر ْت ا ََل ِّف ْع ِّ ِّهل‪ ,‬فَا ْن‬


‫ْ‬ ‫ون ِّب ِّه عَلَ ْهيَا‪ ,‬ب َ ْل ا َذا آَ َ ْ‬
‫رش ُ ُْت عَلَ ْهيَا ب َ‬ ‫َش ٍّء ت ُ ِّش ُري َ‬
‫ْ‬ ‫َم َع َآهنَّ َا ََل ُ َُتا ِّل ُف ُ ُْك ِّيف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َآ ْح َس ْس ُ ُْت ِّم َن الْ َقلْ ِّب ُمنَ َازعَ ًة ا ََل َم ْملَ َكتِّ ِّه‪َ ,‬وآَ َرد ُ ُُْت ْ َاْل ْم َن ِّم ْن َذ ِّ َكل‪ ,‬فَا ْع ِّقدُ وا بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني النَّ ْف ِّس َع ْقدَ‬
‫ِ‬
‫وس تُو َجدُ ‪َ ,‬وقُولُوا َ ُهل ُذ ْق َط ْع َم َهذاَ‬ ‫النِّ ََكحِّ‪ ,‬فَ َزِّي ُنوهَا َو َ ِّمجلُوهَا‪َ ,‬و َآ ُروهَا ا ََّي ُه ِّيف آَ ْح َس ِّن ُص َور ِّة َع ُر ٍّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫الُض ِّب‪َُّ ,‬ث َوا ِّز ْن ب َ ْ َني‬ ‫رش َت َم َر َار َة َّ‬
‫الط ْع ِّن َو َّ ْ‬ ‫وس َ َمَك ُذ ْق َت َط ْع َم ال َح ْر ِّب‪َ ,‬و َِب َ ْ‬
‫ْ‬ ‫الْ ِّو َص ِّال َوالتَّ َمتُّع ِّ هبِّ َ ِّذ ِّه الْ َع ُر ِّ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫َ ََّّل ِّة َه ِّذ ِّه الْ ُمساملة‪َ ,‬و َم َر َار ِّة تِّ ْ َ‬
‫ِل الْ ُم َح َارب َ ِّة‪ ,‬فَدَ عِّ الْ َح ْر َب تَضَ ُع آَ ْو َز َارهَا‪ ,‬فَلَي َْس ْت ِّب َي ْو ٍّم َوت َ ْن َق ِِّض‪َ ,‬وان َّ َما ه َُو‬
‫ِ‬
‫َح ْر ٌب ُمتَّ ِّص ٌل ِِّبلْ َم ْو ِّت‪َ ,‬وقُ َواكَ تَضْ ُع ُف َع ْن َح ْر ٍّب د ِّ ٍّ‬
‫َاِئ‪.‬‬

‫يعِن اذا عطب القلب آصبح تس يريه للنفس اْلمارة يه اليت تسوقه يف دورب الرش وس بل الهلكة‪.‬‬

‫قال‪َ :‬وا ْس َت ِّعي ُنوا ََي ب َ ِّ َِّن ِّ ُِب ْندَ ْي ِّن َع ِّظمي َ ْ ِّني ل َ ْن تُ ْغلَ ُبوا َم َعهُ َما‪:‬‬
‫ُ َط ِّر ٍّيق‪ ,‬فَلَيْ َس لَ ُ ُْك َ ْ‬
‫َش ٌء‬ ‫اَّلل تَ َع َاَل َوادلَّ ا ِّر ْاْل ِّخ َر ِّة ِّب ُ ِّ‬
‫وب ب َ ِِّن آ َد َم َع ِّن َّ ِّ‬ ‫َآ َحدُ ُ َُها‪ُ :‬جنْدُ الْ َغ ْف َ ِّةل‪ ,‬فَأَ ْغ ِّفلُوا قُلُ َ‬
‫يل غَ َر ِّض ِّ ُْك ِّم ْن َذ ِّ َكل‪ ,‬فَا َّن الْ َقلْ َب ا َذا غَ َف َل َع ِّن َّ ِّ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل تَ َمكَّنْ ُ ُْت ِّمنْ ُه َو ِّم ْن ا ْغ َوائِّ ِّه‪.‬‬ ‫َآبْلَ َغ ِّيف َ ْحت ِّص ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه الغفةل جند من جنود ابليس‪ ,‬ويشجع آعوانه من الش ياطني عىل آن ي ُشغلوا القلوب ِبلغفةل‪ ,‬وآن‬
‫تكون قلوِب غافةل‪ ,‬وهللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬يقول‪َ { :‬و ََل تَ ُكن ِّم َن الْغَا ِّف ِّل َني}‪ ,‬والغفةل ذهاهبا عن العبد‬
‫ِبَّلكر ذكر هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫فالقلوب اما قلب ذاكر آو قلب غافل‪ ,‬فيحرص الش يطان عىل جعل قلب املرء قلبا غافال ل ُتصبح هذه‬
‫الغفةل َمددا و ُجندا هل‪.‬‬

‫الشه ََو ِّات‪ ,‬فَ َزِّينُوهَا ِّيف قُلُوهبِّ ِّ ْم‪َ ,‬و َح ِّس ُنوهَا ِّيف آَ ْع ُيهنِّ ِّ ْم‪َ ,‬و ُصولُوا عَلَ ْ ِّهي ْم هبِّ َ َذ ْي ِّن‬
‫«قال ‪ :‬والث َِّّان‪ُ :‬جنْدُ َّ‬
‫الْ َع ْسكَ َرْي ِّن‪» ,‬‬

‫هبذين العسكرين‪ :‬عسكر الغفةل‪ ,‬وعسكر الشهوات ‪ ,‬والشهوات منفذ خطري جدا‪ ,‬اذا فتح اَلنسان‬
‫لنفسه ِبب الشهوات املُحرمة فانه فتح عىل نفسه للش يطان آوسع اْلبواب لدلخول عليه عىل نفسه‬
‫والتسلط عليه ‪,‬فاذا دخل يف ِبب الشهوة فتح للش يطان عىل نفسه ِبب من آوسع اْلبواب ليدخل‬
‫عليه ويُوقعه يف الفساد العظمي والرش املس تطري‪ ,‬نعم‬

‫« قال ‪ :‬فَلَيْ َس لَ ُ ُْك ِّيف (من) ب َ ِِّن آ َد َم آَبْلَ ُغ ِّم ْهنُ َما‪َ ,‬وا ْس تَ ِّعي ُنوا عَ َىل الْ َغ ْف َ ِّةل ِِّب َّلشه ََو ِّات‪َ ,‬وعَ َىل َّ‬
‫الشه ََو ِّات‬
‫ِِّبلْ َغ ْف َ ِّةل‪» ,‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫ْلن لك واحد مهنام ُحترك اْلخرى‪ ,‬الغفةل تلب الشهوة والشهوة تلب الغفةل‬

‫« َوا ْق ِّنرُوا ب َ ْ َني الْغَا ِّف ِّل َني‪,‬‬

‫اق نروا بني الغافلني‪ ,‬اذا وقع اَلنسان يف الغفةل َل يبقى وحده مضوه اَل جند الغافلني حىت يتعاونون‬
‫عىل الغفةل والبقاء عىل الغفةل‪.‬‬

‫« ُ َُّث ا ْس َت ِّعي ُنوا هبِّ ِّ َما عَ َىل ا ََّّلا ِّك ِّر‬

‫هذه خطوة آخرى‪ ,‬يعِن مضوا هذا الغافل اَل الغافلني‪ُ ,‬ث هؤَلء الغافلني اس تعينوا هبم عىل اَّلاكر‬
‫حىت يأخذوه معهم اَل طريق الغفةل‪.‬‬

‫« َو ََل ي َ ْغ ِّل ُب َوا ِّح ٌد َ َْخ َس ًة‪ ,‬فَا َّن َم َع الْغَا ِّفلَ ْ ِّني َش ْي َطان ْ َِّني َص ُاروا آَ ْرب َ َع ًة‪َ ,‬و َش ْي َط ُان ا ََّّلا ِّك ِّر َم َعهُ ْم‪».,‬‬
‫ِ‬
‫لكن هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬معه بلجوئه اَل هللا‪ ,‬واعتصامه ِبهلل‪َ { :‬و َمن ي َ ْع َت ِّصم ِبهلل فَقَ ْد ُه ِّد َى اَل‬
‫رصاط م ْس َت ِّق ٍّمي} ‪ ,‬لكن عليه آن يعرف آهنا حرب قامئة‪ ,‬فهل قرين وهذا اَّلي يشري اليه ابن القمي قرين‬
‫مالزم هل ‪ُ,‬ث هذا الغافل اَّلي يقابهل اذا قابهل خشصان من آهل الغفةل وآرادا هذان الشخصان رصفه‬
‫اَل سبيل الغفةل ِك عدد املتعاونني عىل ايقاعه يف الغفةل حينئذ ؟ نعم؟ ِك عدده اذا َكن قابهل خشصان‬
‫من آهل الغفةل وآرادا آخذه اَل طريق الغفةل حينئذ ِك يكون اَّلين آردوا منه غفةل؟‬
‫‪َ -‬خسة‪ :‬القرين اَّلي معه‪ ,‬وهذان الشخصان ولك واحد مهنم معه قرين فهؤَلء َخسة وهو واحد‪,‬‬
‫فلكن اذا اعتصم ِبهلل والتجأ اليه وآعرض عن سبيل اجلاهلني ُحفظ ِبفظ هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫حفظنا هللا آمجعني وآهلينا وذرَيتنا‪.‬‬
‫ُض ُ ِْك ‪ِّ -‬م ْن ِّذ ْك ِّر َّ ِّ‬
‫اَّلل‬ ‫« َوا َذا َرآَيْ ُ ُْت َ َمجاعَ ًة ُم ْج َت ِّم ِّع َني عَ َىل َما ي َ ُ ُّ‬
‫ِ‬
‫نعم هذه اجملالس جمالس اخلري آيضا الش يطان هل فهيا شأن‪ ,‬جمالس اخلري‪ ,‬جمالس العمل‪ ,‬جمالس التعلمي‪,‬‬
‫جمالس اليقظة يقظة القلوب والتذكري ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬آيضا للش ياطني فهيا آمر‪.‬‬
‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫ُض ُ ِْك ‪ِّ -‬م ْن ِّذ ْك ِّر َّ ِّ‬


‫اَّلل َو ُم َذاكَ َر ِّة آَ ْم ِّر ِّه َوهنَ ْ ِّي ِّه َو ِّدينِّ ِّه‪َ ,‬ول َ ْم تَ ْق ِّد ُروا‬ ‫«قال‪َ :‬وا َذا َرآَيْ ُ ُْت َ َمجاعَ ًة ُم ْج َت ِّم ِّع َني عَ َىل َما ي َ ُ ُّ‬
‫ِ‬
‫وه ِّم ْهنُ ْم‪َ ,‬و َش ِّو ُشوا عَلَ ْ ِّهي ْم هبِّ ِّ ْم‬ ‫عَ َىل تَ ْف ِّري ِّقه ِّْم ‪ -‬فَا ْس َت ِّعي ُنوا عَلَ ْ ِّهي ْم ِّببَ ِِّن ِّجن ْ ِّسهِّ ْم ِّم َن ْاَلن ْ ِّس الْ َب َّطا ِّل َني‪ ,‬فَقَ ِّرب ُ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫اذا ما اس تطاع ثنهيم عن العمل دس فهيم من بِن جنسهم من يشوش علهيم ويكدر علهيم صفو طلب‬
‫العمل والاس مترار يف التعمل فيندس معهم من اَلنس بدفع من الش يطان حىت يثنهيم عن هذا العمل‬
‫ويُفرق مجعهم يف طلب العمل‪,‬آو يفرق بعضهم عن الطلب وحتصيل العمل حىت يبقى اَلنسان حمرو ًما من‬
‫العمل والانتفاع والفقه يف دين هللا‪ -‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬

‫َو ِِّبلْ ُج ْم َ ِّةل فَأَ ِّع ُّدوا ِّل ْ ُل ُمو ِّر آَ ْق َراهنَ َا‪َ ,‬وا ْد ُخلُوا عَ َىل ُ ِّ‬
‫لك َوا ِّح ٍّد ِّم ْن ب َ ِِّن آ َد َم ِّم ْن َِب ِّب ا َرا َدتِّ ِّه َو َشه َْوتِّ ِّه‪,‬‬
‫ِ‬
‫نعم ولهذا قالوا السلف قدميًا‪ :‬ان الش يطان ي ُشام قلوب بِن آدم فينظر ما يه ميوَلت هذا القلب‬
‫وماذا يريد وما يه شهواته ‪ ,‬فيدخل عىل لك انسان من اجلهة اليت متيل نفسه الهيا‬
‫اَّلل قَ ْد آَ َم َر ُ ْه آَ ْن ي َ ْص ِّ َُبوا لَ ُ ُْك َوي ُ َصا ِّب ُر ُ ْ‬
‫وِك‬ ‫فَ َسا ِّعدُ و ُه عَلَ ْهيَا‪َ ,‬و ُكونُوا َ ُهل آَع َْواَنً عَ َىل َ ْحت ِّصي ِّلهَا‪َ ,‬وا َذا ََك َن َّ ُ‬
‫ِ‬
‫َويُ َراب ُِّطوا عَل َ ْي ُ ُُك الثُّغ َُور‪ ,‬فَ ْاص ِّ َُبوا آَن ُ ُْْت َو َصا ِّب ُروا َو َراب ُِّطوا عَلَ ْ ِّهي ْم ِِّبلثُّغُو ِّر‪,‬‬

‫اَّلل ل َ َعل َّ ُ ُْك تُ ْف ِّل ُح َ‬


‫ون) ‪222‬‬ ‫مثل ما قال هللا تعاَل‪ََ ( :‬ي َآّيُّ َا َّ ِّاَّل َين آ َمنُوا ْاص ِّ َُبوا َو َصا ِّب ُروا َو َراب ُِّطوا َوات َّ ُقوا َّ َ‬
‫اذا َكن هللا آمره بذكل يقول الش يطان ْلتباعه‪ :‬وآَن كذكل آمرِك ِبلصَب واملصابرة واملرابطة حىت‬
‫تصلوا اَل ما آريد من اغواء بِن آدم ‪.‬‬

‫الشه َْو ِّة َوالْغَضَ ِّب‪ ,‬فَ َال‬


‫‪ ,‬فَ ْاص ِّ َُبوا آَن ُ ُْْت َو َصا ِّب ُروا َو َراب ُِّطوا عَلَ ْ ِّهي ْم ِِّبلثُّغُو ِّر‪َ ,‬وا ْنهتَ ِّ ُزوا فُ َر َص ُ ُْك ِّف ِّهي ْم ِّع ْندَ َّ‬
‫ت َْص َطا ُدوا ب َ ِِّن آ َد َم ِّيف آَع َْظ َم ِّم ْن َه َذ ْي ِّن الْ َم ْو ِّطنَ ْ ِّني‪.‬‬

‫وهنا س يدخل ابن القمي يف بيان‪:‬آن من آعظم دخول الش يطان عىل اَلنسان حالتني يكون علهيام‬
‫اَلنسان‪-:‬‬
‫‪ -‬الشهوة وثوران الشهوة يف نفسه احملرمة‬
‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫‪ -‬آو الغضب فهذان من املداخل العظمية للش يطان عىل اَلنسان‬


‫يس تغل وجود شهوة حمرمة يف نفسه آو غضب فيدخل من هذا آو هذا ‪.‬‬

‫الشه َْو ِّة عَل َ ْي ِّه َآغْل َ َب َو ُسلْ َط ُان غَضَ ِّب ِّه ضَ ِّع ٌيف َم ْقه ٌُور‪ ,‬فَخ ُُذوا عَلَ ْي ِّه‬
‫ون ُسلْ َط ُان َّ‬ ‫َوا ْعلَ ُموا آَ َّن ِّم ْهنُ ْم َم ْن يَ ُك ُ‬
‫الشه َْو ِّة‪َ ,‬و َد ُعوا َط ِّر َيق الْغَضَ ِّب‪,‬‬ ‫َط ِّر َيق َّ‬

‫يعِن انظروا آي اْلمرين آغلب عنده الشهوة آو الغضب؟! ‪ ,‬فاذا تبني آحدهام آنه آمكن عنده فالزموا‬
‫هذا الطريق‪.‬‬

‫الشه َْو ِّة قَلْ َبهُ‪َ ,‬و ََل تُ َع ِّطلُوا ثَغ َْرهَا‪ ,‬فَا ْن‬
‫ون ُسلْ َط ُان الْغَضَ ِّب عَل َ ْي ِّه َآغْلَ َب‪ ,‬فَ َال ُ ُْتلُوا َط ِّر َيق َّ‬ ‫َو ِّم ْهنُ ْم َم ْن يَ ُك ُ‬
‫ِّ ِ‬
‫الشه َْو ِّة‪ ,‬فَ َز ِّو ُجوا ب َ ْ َني غَضَ ِّبه‬ ‫ِل ن َ ْف َس ُه ِّع ْندَ الْغَضَ ِّب‪ ,‬فَان َّ ُه ِبلْ َح ِّر ُّي آَ ْن ََل ي َ ْم ِّ َ‬
‫ِل ن َ ْف َس ُه ِّع ْندَ َّ‬ ‫من ل َ ْم ي َ ْم ِّ ْ‬
‫ِ‬
‫َو َشه َْوتِّ ِّه‬

‫امزجوا بيهنام ‪:‬امجعوا بني الشهوة والغضب‬

‫الشه َْو ِّة ِّم ْن َِب ِّب الْغَضَ ِّب‪َ ,‬وا ََل الْغَضَ ِّب ِّم ْن َط ِّر ِّيق َّ‬
‫الشه َْو ِّة‪.‬‬ ‫‪َ ,‬وا ْم ِّز ُجوا آَ َحدَ ُ َُها ِِّب ْْل َخ ِّر‪َ ,‬وا ْد ُعو ُه ا ََل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْعلَ ُموا آَن َّ ُه لَيْ َس لَ ُ ُْك ِّيف ب َ ِِّن آ َد َم ِّس َال ٌح َآبْل َ ُغ ِّم ْن َه َذ ْي ِّن ِّ‬
‫الس َال َح ْ ِّني‬

‫ليس لُك يف بِن آدم سالح آبلغ من هذين السالحني‪ :‬الغضب و الشهوة ‪,‬لهذا ِبب عىل اَلنسان آن‬
‫يكون يف حيطة عظمية ج ًدا‬
‫والرجل اَّلي غضب يف جملس النيب عليه الصالة والسالم وامحرت آوداجه قال النيب عليه الصالة‬
‫والسالم‪ :‬ان ْلعمل لكم ًة لو قالها َّلهب عنه ما َيد لو قال آعوذ ِبهلل من الش يطان الرجمي‬
‫ولهذا فان الش يطان يف حلظة الغضب دخوهل عىل اَلنسان دخول قوي جدً ا‪ ,‬دخول قوي شديد يف‬
‫حلظة الغضب ‪,‬وحلظة الغضب يه حلظة يسرية جدا َل تبلغ دقيقة َل تصل اَل دقيقة‪ ,‬لكن يف هذه‬
‫اللحظة اليت آقل من دقيقة ِك وِك حصل من الرشور العظمية يف العامل ! ويف البيوت ويف اجملمتعات ويف‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫اْلسواق ويف لقاءات الناس! ؛ ْلن الش يطان حلظة الغضب ّيجم جهوما قوَي‪ ,‬ويطلب من اَلنسان‬
‫آشد القرارات ‪ ,‬ولهذا ِك من حوادث القتل حصلت يف الفرتة اليت آقل من دقيقة ؟!‬
‫وِك من الاعتداءات رضِب آو ش امت آو س با حىت قول الكفر ‪-‬من سب ٍّ‬
‫دين والعياذ ِبهلل من هذا‬
‫القبيل‪ -‬يف هذه الفرتة اليت آقل من دقيقة؟!‬
‫وِك آيضا من تفكك يف البيوت وحاَلت طالق وتفرق بني اْلزواج وبني اْلبناء واْلِبء وبني‬
‫املتجاورين؟!‬
‫تنشب عداوة بني جارين يصل الهيا الش يطان يف هذه الفرتة اليت آقل من دقيقة ‪,‬يغضب آحدهام‬
‫فيدخل عليه الش يطان يف هذه اللحظة فيجعهل يقول لكمة قاس ية فيفرتق اجلاران افرتاقا دامئا ‪,‬‬
‫فاحلاصل آن الغضب مدخل قوي جدا من مداخل الش يطان ولهذا يُنصح اَلنسان يف حلظة الغضب‬
‫مبارشة آن يس تعيذ ِبهلل حىت َل يدخل الش يطان‪ ,‬يس تعيذ ِبهلل من الش يطان الرجمي‪,‬‬
‫وآيضا يُنصح بأمرين جاءت هبام الس نة‪ ,‬آن يسكت حلظة الغضب فقط يتعوذ ويسكت يتعوذ من‬
‫الش يطان ويسكت حىت تطفأ مجرة الغضب‬
‫واْلمر الثان ‪:‬آن َل يفعل َشء‪ ,‬ان َكن قامئا َيلس وان َكن جالسا يضطجع ؛ حىت هتدآ نفسه اذا‬
‫هدآت حينئذ حيسن آن يقول اخلري‪.‬‬

‫َوان َّ َما آَخ َْر ْج ُت آَب َ َوّيْ ِّ ْم ِّم َن الْ َجنَّ ِّة ِِّب َّلشه َْو ِّة‪َ ,‬وان َّ َما َآلْ َق ْي ُت الْ َعدَ َاو َة ب َ ْ َني َآ ْو ََل ِّد ِّ ْه ِِّبلْغَضَ ِّب‪ ,‬فَ ِّب ِّه قَ َّط ْع ُت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َآ ْر َحا َمهُ ْم‪َ ,‬و َس َف ْك ُت ِّد َم َاء ُ ْه‪َ ,‬و ِّب ِّه قَتَ َل آَ َحدُ ابْ َ ِْن آ َد َم آَخَا ُه‪.‬‬
‫الص َال ِّة‬‫الشه َْو َة تَث ُُور ِّم ْن قَلْ ِّب ِّه‪َ ,‬وان َّ َما ت ُْط َفأُ النَّ ُار ِِّبلْ َما ِّء َو َّ‬
‫َوا ْعلَ ُموا آَ َّن الْغَضَ َب َ ْمج َر ٌة ِّيف قَلْ ِّب ا ْب ِّن آ َد َم‪َ ,‬و َّ‬
‫ِ‬
‫الص َال ِّة‪ ,‬فَا َّن َذ ِّ َكل‬ ‫َو ِّاَّل ْك ِّر َوالتَّ ْك ِّب ِّري‪ ,‬فَا ََّي ُ ِْك آَ ْن تُ َم ِّكنُوا ا ْب َن آ َد َم ِّع ْندَ غَضَ ِّب ِّه َو َشه َْوتِّ ِّه ِّم ْن قُ ْر َِب ِّن الْ ُوضُ و ِّء َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشه َْو ِّة‪َ ,‬وقَ ْد آَ َم َر ُ ْه ن َ ِّبهيُّ ُ ْم ِّب َذ ِّ َكل فَقَا َل‪« :‬ا َّن الْغَضَ َب َ ْمج َر ٌة ِّيف قَلْ ِّب ا ْب ِّن آ َد َم‪,‬‬ ‫ي ُ ْط ِّف ُئ َع ْهنُ ْم َنَ َر الْغَضَ ِّب َو َّ‬
‫ِ‬
‫امح َرا ِّر َع ْين َ ْي ِّه َوانْتِّ َفاخِّ آَ ْود َِّاج ِّه‪ ,‬فَ َم ْن آَ َح َّس ِّب َذ ِّ َكل فَلْ َي َت َوضَّ أْ» َ‪.‬وقَا َل لَهُ ْم‪« :‬ان َّ َما ت ُْط َفأُ النَّ ُار‬ ‫َآ َما َر َآيْ ُ ُْت ِّم ِّن ْ ِّ‬
‫ِ‬
‫ِِّبلْ َما ِّء»‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫اَّلي ثبت هو التعوذ‪ ,‬وآما الوضوء عند الغضب فهذا جاء يف حديث لكن يف اس ناده الكم‬

‫اَّلل آَ ْن ي َْس تَ ِّعي ُنوا عَلَ ْي ُ ُْك ِِّب َّلص ْ َِّب َو َّ‬
‫الص َال ِّة‪,‬‬ ‫‪َ ,‬وقَ ْد آَ ْو َص ُ ُ‬
‫اه َّ ُ‬

‫هللا عز وجل آوىص عبادة آن يس تعينوا علهيم يعِن الش ياطني ِبلصَب والصالة‪ ,‬ويف الصَب والصالة‬
‫حرز ِبذن هللا ووقاية من الش يطان‬

‫الص َال ِّة‪ ,‬فَ ُحولُوا بَيْهنَ ُ ْم َوب َ ْ َني َذ ِّ َكل‪َ ,‬و َآن ْ ُس ُ ْ‬
‫وه ا ََّي ُه‪,‬‬ ‫اَّلل آَ ْن ي َْس َت ِّعي ُنوا عَلَ ْي ُ ُْك ِِّب َّلص ْ َِّب َو َّ‬
‫اه َّ ُ‬ ‫قال‪َ :‬وقَ ْد آَ ْو َص ُ ُ‬
‫ِ‬
‫َوا ْس َت ِّعي ُنوا عَلَ ْ ِّهي ْم ِِّب َّلشه َْو ِّة َوالْ َغضَ ِّب‪َ ,‬وآَبْلَ ُغ آَ ْس ِّل َحتِّ ِّ ُْك ِّف ِّهي ْم َوآَ ْن ََكهَا‪ :‬الْ َغ ْف َ ُةل َواتِّ َبا ُع الْه ََوى‪َ .‬وآَع َْظ ُم َآ ْس ِّل َحهتِّ ِّ ْم‬
‫اَّلل َو ُمخَالَفَ ُة الْه ََوى‪ ,‬فَا َذا َرآَيْ ُ ُُت َّالر ُج َل ُمخَا ِّلفًا ِّله ََوا ُه فَا ْه َربُوا ِّم ْن ِّظ ِّ ِّهل َو ََل ت َْدنُوا‬ ‫يُك َوآَ ْمنَ ُع ُح ُصوهنِّ ِّ ْم ِّذ ْك ُر َّ ِّ‬ ‫ِّف ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ِّمنْ ُه‬

‫ْلنه يف حصن حصني وحرز مكني فال سبيل للش يطان الرجمي عليه‪.‬‬
‫انهتىى اْلن من ذكر هذه احلرب ووصفها وآنبه اْلن ملا يذكر آن ابليس آوىص بكذا آو آوىص بكذا َل‬
‫يقصد ابن القمي ذات العبارات واْللفاظ وآنه حتدَّث هبذه اْللفاظ ولكن يقصد ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬املعىن‬
‫وهذا املعىن يعرف من خالل التأثريات تأثريات الش يطان عىل اَلنسان واملداخل وهذه تعرف بسَب‬
‫آحوال الناس من آهل البصرية آهل العمل‪ ,‬سَب آحوال الناس ومعرفهتا اضافة اَل الشواهد اليت يف‬
‫النصوص نصوص الكتاب والس نة‪.‬‬

‫ايص ِّس َال ٌح َو َمدَ ٌد ي َ ُم ُّد هبِّ َا الْ َع ْبدُ آَ ْعدَ َاء ُه َوي ُ ِّعيهنُ ُ ْم هبِّ َا عَ َىل ن َ ْف ِّس ِّه»‬
‫ُوب َوالْ َم َع ِّ َ‬
‫قال ‪َ «:‬والْ َم ْق ُصو ُد َآ َّن ا َُّّلن َ‬

‫هذا عود اَل بدء‪ ,‬عود اَل ما بدآ به هذا الفصل وآن املعايص من عقوِبهتا آهنا مدد ي ُ ِّمده املرء من‬
‫نفسه للش يطان ليكون سالحا لعدوه ّيُ لكه به‪.‬‬

‫ون َم َعهُ ْم عَ َىل ن َ ْف ِّس ِّه‪َ ,‬و َه َذا غَاي َ ُة الْ َجه ِّْل‪.‬‬
‫« ‪ ,‬فَ ُيقَاتِّلُو َن ب ِِّّس َال ِّح ِّه‪َ ,‬ويَ ُك ُ‬
‫َما ي َ ْبلُ ُغ ْ َاْل ْعدَ ا ُء ِّم ْن َجا ِّه ٍّل ‪َ ...‬ما ي َ ْبلُ ُغ الْ َجا ِّه ُل ِّم ْن ن َ ْف ِّس ِّه‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع والعشرون‬

‫َو ِّم َن الْ َع َجائِّ ِّب َآ َّن الْ َع ْبدَ ي َْس َعى ِّ ُِبهْ ِّد ِّه ِّيف ه ََو ِّان ن َ ْف ِّس ِّه‪َ ,‬وه َُو يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه لَهَا ُم ْك ِّر ٌم‬
‫رشفَهَا َوه َُو يَ ْز ُ ُُع َآن َّ ُه ي َْس َعى ِّيف َح ِّظهَا‪َ ,‬وي َ ْب ُذ ُل ُ ْهجدَ ُه ِّيف َ ْحت ِّق ِّريهَا‬ ‫وظهَا َو َآ ْ َ‬ ‫َو َ َْيهتَ ِّ دُ ِّيف ِّح ْر َماهنِّ َا َآ ْع َىل ُح ُظ ِّ‬
‫َوت َْص ِّغ ِّريهَا َوت َْد ِّن ِّيسهَا‪َ ,‬وه َُو يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه ي ُ ْع ِّلهيَا َويَ ْرفَ ُعهَا َويُ ْك ِّ َُبهَا‪.‬‬
‫السل َ ِّف ي َ ُقو ُل ِّيف خ ُْط َبتِّ ِّه‪َ :‬آ ََل ُر َّب ُمهِّنيٍّ ِّلنَ ْف ِّس ِّه َوه َُو يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه لَهَا ُم ْك ِّر ٌم‪َ ,‬و ُم ِّذ ٌّل ِّلنَ ْف ِّس ِّه َوه َُو‬ ‫َو ََك َن ب َ ْع ُض َّ‬
‫يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه لَهَا ُم ِّع ٌّز‪َ ,‬و ُم َص ِّغ ٌر ِّلنَ ْف ِّس ِّه َوه َُو يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه لَهَا ُمكَ ِّ ٌَب‪َ ,‬و ُم ِّضي ٌع ِّلنَ ْف ِّس ِّه َوه َُو يَ ْز ُ ُُع آَن َّ ُه ُم َراعٍّ‬
‫ِّل ِّح ْف ِّظهَا‪(,‬آو حلقها )‪».‬‬

‫حلقها ‪ ,‬هذه لكمة عظمية ولعل من يتيرس هل منُك يبحث عن القائل لهذه الَكمة من آمئة‬‫حلفظها آو ِّ‬
‫السلف ‪-‬رمحهم هللا تعاَل‪ ,-‬ويه لكمة عظمية جدا يف بيان حال كثري من الناس آنه ّيُ يـن نفسه من‬
‫حيث يظن آنه يُكرهما‪ ,‬ويُذلها من حيث يظن آنه يُعزها‪ ,‬ويُصغرها من حيث يظن آنه يُكَبها‪,‬‬
‫ويُضيعها من حيث يظن آنه َحيفظها ‪(,‬وهذا من آعظم الكيـد) كيـد الش يطان لهذا اَلنسان آن يُوقعه‬
‫يف الرش ويُوُهه آنه عىل هدى‪ ,‬وآنه عىل خيـر‪ ,‬وآن سبيهل يه سبيل اخليـر‪.‬‬

‫اَّلل الْ ُم ْس َت َع ُان »‬


‫ون َم َع عَدُ ِّو ِّه عَ َىل ن َ ْف ِّس ِّه‪ ,‬ي َ ْبلُ ُغ ِّم ْهنَا ِّب ِّف ْع ِّ ِّهل َما ََل ي َ ْبلُ ُغ ُه عَدُ ُّو ُه‪َ ,‬و َّ ُ‬
‫« َو َكفَى ِِّبلْ َم ْر ِّء َ ْهج ًال َآ ْن يَ ُك َ‬
‫ي ُسمل نفسه للش يطان هذا العدو ويكون هو اَّلي جنا عىل نفسه بأن آسمل نفسه للش يطان يبلغ مهنا بفعهل‬
‫ما مل يبلغ منه عدوه ِبذَلل نفسه‪ ,‬واهانة نفسه‪ ,‬وتصغيـر نفسه‪,‬فهذه مبتغيات الش يطان منه ‪ ,‬لكنه‬
‫ّيِل نفسه هو بنفسه يف ايقاعه يف هذه اْلمور ‪.‬‬
‫ونسأل هللا آن حيفظنا آمجعني يف آنفس نا وآهلينا وذرَيتنا‪ ,‬وآن يُعيذَن آمجعني من الش يطان الرجيــم‬
‫س بحانك اللهم وِبمدگ آشهد آن َل اهل اَل آنت آس تغفرك وآتوب اليگ ‪,‬اللهم صل وسمل عىل عبدگ‬
‫ورسولگ نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪.‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫�‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪..‬آما بعد ؛‬
‫فيقول العالمة ‪ /‬ابن القمي اجلوزية رمحه هللا ور ل هل ولخ نا ا واملمينني ك ابابه اءااو واءاواو لال‬

‫[فَ ْص ٌل الْ َن ْع ِص َن ُة تُن ْ ِِس الْ َع ْبدَ ن َ ْ َم ُه]‬


‫ِس ن َ ْ َم ُه آَ ْ َْهيَهَا َوآَفْ َمدَ هَا َوآَهْيَ َكهَا‪ ،‬فَا ْْ ِلي َل‬
‫َو ِم ْن ُع ُق َوَبِتِ َا آََّنه َا تُن ْ ِِس الْ َع ْبدَ ن َ ْ َمهُ‪َ ،‬وا َذا ن َ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫َ َِ ِ‬
‫َش ٍو ي َ ْذ ُا ُل؟ َو َما َم ْع ََن ِن ْم َنا ِن ِه ن َ ْ َمهُ؟‬
‫ِس ن َ ْ َم ُه فَأَ ُّي َ ْ‬‫َا ْن َف يَن ْ ََس الْ َع ْبدُ ن َ ْ َمهُ؟ َواذا ن َ‬
‫ِ‬
‫ِلي َل ن َ َع ْم يَن ْ ََس ن َ ْ َم ُه آَع َْظ َم ِن ْم َن ٍاْ‪ ،‬لَوهل تَ َع َاَل { َو ََل تَ ُكونُوا ََك ه َِّل َين ن َ ُموا ه َ‬
‫اَّلل فَأَن ْ َم ُ ْ‬
‫اُه آَنْ ُ َمهُ ْم‬
‫ْش ‪. ]19‬‬ ‫وْ} ُ[س َور ُة الْ َح ْ ِ‬ ‫آُولَئِ َك ُ ُُه الْ َ ِاس ُق َ‬
‫اُه آَنْ ُ َمهُ ْم‪َ َ ،‬مَك لَا َل تَ َع َاَل {ن َ ُموا ه َ‬
‫اَّلل فَن َ ِم َيَ ُ ْم} [ ُس َور ُة‬ ‫فَيَ هنا ن َ ُموا َرَّبه ُ ْم ُس ْب َحان َ ُه ن َ ِم َيَ ُ ْم َوآَن ْ َم ُ ْ‬
‫البه ْوب َ ِة ‪. ]67‬‬
‫فَ َعالَ َب ُس ْب َحان َ ُه َم ْن ن َ ِم َن ُه ُع ُقوب َ َب ْ ِني‬
‫اْها آَن ه ُه ُس ْب َحان َ ُه ن َ ِم َنهُ‪.‬‬ ‫ا ْحدَ ُ َ‬
‫ِ‬
‫َوالثها ِن َن ُة آَن ه ُه آَن ْ َما ُه ن َ ْ َمهُ‪.‬‬
‫َو ِن ْم َنان ُ ُه ُس ْب َحان َ ُه ِليْ َع ْب ِد ا ْ َْه ُاهلُ‪َ ،‬وتَ ْل ُاهُ‪َ ،‬و َ ََت ِين ِه َع ْهُ‪َ ،‬واضَ ا َع ُبهُ‪ ،‬فَالْه ََالكُ آَد ََْن ال َ ْن ِه ِم َن الْ َن ِد لِيْ َ ِم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َآ هما ان ْ َما ُؤ ُه ن َ ْ َم ُه‪ ،‬فَه َُو ان َما ُؤ ُه ل ُحظوظهَا ال َعال َنة‪َ ،‬وآ ْس َب ِاب َس َعا َدِتِ َا َوفال َِحا‪َ ،‬و ْصال َِحا‪َ ،‬و َما‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ْص ُف ال ْنه ْههبَ ُه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْْكُ ُل ِبه ِبن ْم ِنه ذ ِ َِل كه َمجنعه فَال َ َْي ُطل ُه ِب َب ِاهل‪َ ،‬وَل َ َْي َع ُُل عَىل ذا ِله‪َ ،‬وَل ي َ ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫فَ َ َْيرَ ُب ِفي ِه‪ ،‬فَان ه ُه ََل ي َ ُن ُّل ِب َب ِ ِاهل َح هَّت ي َ ْق ِصدَ ُه َوي ُ ْؤ ِث َل ُه‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آْ َل اهل اَل هللا وحده َل رشيك هل وآشهد آْ محمدا عبده ورسوهل‬
‫ﷺ وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪.‬اليهم عين ا ما ي ع ا وان ع ا مبا عينب ا وزدان عيام وآصيح ل ا شأن ا كه‬
‫وَل تلك ا اَل آن م ا طلفة عني ‪ ،‬آما بعد‪,‬‬
‫فهذا فصل يبني فيه اَلمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل عالبة آخلى من عوالب اَّلنوب وآرضارها الوخمية‬
‫عىل العصاة ويه آَّنا تُنِس العبد ن مه فال يقوم مبصاحلها وما تكوْ به جناِتا وسعادِتا و فالِحا ‪.‬‬
‫فتصبح ن مه حي ئذ ن ما ضائعة صار آملها فلطا وحياِتا ضناعا ‪َ (.‬و ََل ت ُِط ْع َم ْن آَ ْر َيْ َا لَيْ َب ُه َعن‬
‫ِذ ْا ِلانَ َوات ه َب َع ه ََوا ُه َو ََك َْ آَ ْم ُل ُه فُ ُلطا ) مفن نِس ن مه يرتتب عىل نم نانه ل مه آْ يصبح آمله فلطا ‪.‬‬
‫وآما اذا آطاع ربه واس بقام عىل آمله س بحانه وتعاَل فاْ هذا ينتظم صالح آمله ‪ ،‬والبئام شأنه ‪.‬‬
‫ولهذا جاو ك اءاعاو املأثور اليهم آصيح يل ديين اَّلي هو عصنة آملي ‪,‬فاءاين عصنة للمل ‪،‬‬
‫وضناع اءاين ان لاط للمل ‪.‬‬
‫احلاصل آْ من عوالب اَّلنوب آَّنا تُنِس العبد ن مه ‪.‬‬
‫لال واذا نِس ن مه آْهيها وآفمدها وآهيكها مبعَن آْ ن مه تصبح ن ما منبقةل من فماد اَل فماد‬
‫آخل ومن ضناع اَل ضناع آخل؛ لَّنا ن س همنةل مض هنعة غَي معبَن َّبا؛ وهذا من عوالب اَّلنوب‬
‫وآرضارها الوخمية‪.‬‬
‫وذكل ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬آْ العبد اذا نِس ربه َبهامل الطاعة والولوع ك املعصنة؛ يرتتب عىل ذِل عالببني‬
‫الوَل آْ هللا س بحانه وتعاَل ي ُ ِنم نه ن مه ﴿ َو ََل تَ ُكونُوا ََك ه َِّل َين ن َ ُموا اليهـ َه فَأَ َنم ُ ْ‬
‫اُه آَن ُ َمه ُْم ﴾﴿احلْش‬
‫‪﴾١٩‬‬

‫آْ هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬يعالبه بنم نانه للبه آْ ينماه هللا ﴿ ن َ ُموا اليهـ َه فَن َ ِم َيَ ُ ْم﴾﴿البوبة‬ ‫والعالبة الثاننة‬
‫‪﴾٦٧‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫ولوهل "فَن َ ِم َيَ ُ ْم" هذا النم ناْ املضاف اَل هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬ليس هو النم ناْ امل ي ك لوهل ‪-‬‬
‫ك ن َ ِم نًّا ﴾ ملمي ‪٦٤‬؛‬ ‫س بحانه وتعاَل‪َ ﴿ -‬و َما ََك َْ َرب ُّ َ‬
‫لْ النم ناْ املثبت ه ا ( ن َ ُموا اليهـ َه فَن َ ِم َيَ ُ ْم ) هذه عقوبة لهؤَلو بأْ هللا ينماُه‪ ،‬والنم ناْ من‬
‫معاننه (الرتك) وهو امللاد ه ا "ن َ ُموا اليهـ َه فَن َ ِم َيَ ُ ْم"‬
‫ولهذا لال ابن القمي ك بناْ املعَن ونم نانه ‪-‬س بحانه ليعبد‪ -‬اهامهل وتلاه وَتينبه ع ه واضاعبه؛ فال‬
‫يُصبح ك ح ظ هللا وَل ك ا ه وَل رعايبه س بحانه وتعاَل‪ ،‬بل يصبح َّنُ بة ليخ ناطني‪ ،‬ولهذا لال‬
‫فالهالك آدَن النه من الند لي م‪.‬‬
‫و آما انماؤه ن مه‪ ،‬فهو انماؤه حلظوظها العالنة‪َ ،‬ل يصبح امللو همامت حبظوظ ن مه العالنة الْشي ة اليت‬
‫فَيا سعادته وفالحه وفوزه ك اءاننا والخلة‪ ،‬وَل يصبح ع ده بُعد نظل‪ ،‬وَل تأمل ك العوالب ‪,‬بل ْهبه‬
‫دنيئة وآهواوه منحطة ومببغناته كها ك س ول وضعة‪.‬‬

‫وب ن َ ْ ِم ِه َون َ ْق َصهَا َوآفَاِتِ َا‪ ،‬فَ َال َ َْي ُط ُل ِب َب ِ ِاهل ا َزالَُتُ َا و اصالِحا‬
‫لال رمحه هللا ( َوآَيْضا فَ ُينْ ِم ن ِه ُع ُن َ‬
‫ِ‬
‫هذه مصنبة وهذه من العوالب ينم نه عنوب ن مه‪ ،‬ولهذا يقع ك عنوب تيو عنوب وَل يخعل وآصال َل‬
‫ي كل ك ال ظل ك عنوب ال س؛ لْ ال ظل ك عنوب ال س هذا َبب من آبواب احملاس بة اذا آخذ امللو‬
‫ي ظل ك عنوب ن مه وآخطائه وتقصَيه ي تح عىل ن مه َبب حملاس بة ن مه كنف آَّنا ولعت ك هذه‬
‫العنوب؟!‬
‫ومن عوالب اَّلنوب آنه يرتتب عيَيا نم ناْ امللو لعنوب ن مه؛ ولهذا بعض ال اس يبحدث عن عنوب‬
‫الخلين ويذم ‪-‬مثال‪ -‬الخلين وينتقص الخلين‪ ،‬وفيه عنوب عظمية‪.‬‬
‫مثال يكوْ مُتاوان ك الصالة اليت آعظم فلائض اَلسالم وآْهها بعد البوحيد جتده مثال ي ام عن‬
‫صالة ال جل مث اذا آصبح ك الضحى لال فالْ فيه‪ ،‬آو آخذ يذم وينتقد ويذكل عنوَب وهو ن مه‬
‫مضنع آو م لط لهذه ال ليضة من فلائض اَلسالم‪ ،‬آو يكوْ يغىش بعض الكبائل وبعض العظامئ‪،‬‬
‫عظامئ اَّلنوب فينَس اخليل اَّلي فيه‪ ،‬وال قص اَّلي فيه وينتقد الخلين‪,‬يلى القذاة ك عني آخيه‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫وَل يلى اجلذع ك ن مه‪ ،‬فيه عنوب كبار َل يلاها‪ ،‬ويلى آش ناو دليقة ويمَية ك الخلين‪ ،‬هذه من‬
‫العوالب من عوالب اَّلنوب وآرضارها العظمية‪.‬‬

‫الم ْع ُي ِك ا َز َ ِال ِعيَ ِيهَا‬


‫ه‬ ‫دَاواِتُ َا‪َ ،‬و ََل‬
‫َ‬ ‫«لال َوآَيْضا فَ ُين ْ ِم ن ِه آَ ْم َل َاض ن َ ْ ِم ِه َولَيْ ِب ِه َوآ ََل َمهَا‪ ،‬فَ َال َ َْي ُط ُل ِبقَيْ ِب ِه ُم‬
‫ِ‬
‫َوآَ ْم َل ِاضهَا ال ه ِيت تَئُو ُل بِه ا ََل الْ َ َما ِد َوالْه ََال ِك‪ ،‬فَه َُو َم ِل ٌيض ُمثْ َا ٌن َِبلْ َن َل ِض‪َ ،‬و َم َلضُ ُه ُم َ َرتا ٍم ِب ِه ا ََل البهيَ ِف‪َ ،‬وَلَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫دَاواتُهُ‪َ ،‬و َه َذا م ْن آَع َْظ ِم ال ُع ُقوبَة ال َعا همة َوالخ هَاصة‪».‬‬ ‫ي َْخ ُع ُل ِب َن َل ِض ِه‪َ ،‬و ََل َ َْي ُط ُل ِب َب ِاهل ُم َ‬
‫ِ‬

‫هذه من عقوَبت اَّلنوب آَّنا ت ُِنِس امللو آملاضه‪ ،‬وخاصة آملاض القيب وآدواو القيب‬
‫فقد يكوْ القيب ي طوي عىل آملاض اثَية‪ ،‬فال ي كل آْ ي ظل ويبأمل ك آحوال ليبه‪ ،‬والعنل‬
‫عىل تزكنبه وت قيبه من هذه الملاض لْ املعايص آوبقته‬
‫وَكْ من عوالب اهالك اَّلنوب هل آَّنا تُنم نه هذا اجلانب العظمي وتُغ ُل عن اصالح ليبه‪،‬‬

‫اب َس َعادَِتِ َا‬ ‫ِس َم َصا ِل َحهَا َود ََاوهَا َود ََو َاوهَا‪َ ،‬وآَ ْس َب َ‬ ‫« فَأَ ُّي ُع ُقوب َ ٍة آَع َْظ ُم ِم ْن ُع ُقوب َ ِة َم ْن آَ ْ َْه َل ن َ ْ َم ُه َوضَ هن َعهَا‪َ ،‬ون َ ِ َ‬
‫َوفَ َال ِ َِحا َو َص َال ِ َِحا َو َح َياِتِ َا ْ َالب َ ِدي ه ِة ِك ال ه ِع ِمي الْ ُن ِق ِمي؟‬
‫َو َم ْن تَأَ هم َل َه َذا الْ َن ْو ِض َع تَ َب ه َني َ ُهل آَ هْ َآ ْا َ َث َه َذا الْ َخيْ ِق لَدْ ن َ ُموا آَنْ ُ ِمهِ ْم َح ِقيقَ َة َوضَ هن ُعوهَا َوآَضَ ا ُعوا َح هظهَا ِم َن ه ِ‬
‫اَّلل‪،‬‬
‫الظه ُِور ي َ ْو َم البهغَابُ ِن‪،‬‬‫ك ُّ‬ ‫َو ََبعُوهَا َر ِخ َيصة ِبثَ َن ٍن َ َْب ٍس ب َ ْن َع الْغ ْ ِْب‪َ ،‬وان ه َنا ي َ ْظه َُل لَهُ ْم َه َذا ِع ْدَ الْ َن ْو ِت‪َ ،‬وي َ ْظه َُل َه َذا ُ ه‬
‫ك آَ َح ٍد‬ ‫ي َ ْو َم ي َ ْظه َُل ِليْ َع ْب ِد آَن ه ُه غُ ِ َْب ِك الْ َع ْق ِد ه ِاَّلي َع ِقَدَ ُه ِل َ ْ ِم ِه ِك َه ِذ ِه اءاه ا ِر‪َ ،‬و ِالب َج َار ِة ال ه ِيت ه َاجت َل ِفَيَا ِل َن َعا ِد ِه‪ ،‬فَا هْ ُ ه‬
‫ِ‬
‫يَبهجِ ُل ِك َه ِذ ِه اءاُّ نْ َنا ِل ِخ َلتِ ِه‪».‬‬

‫وهذا ال وع من البجارة اَّلي يبحدث ع ه هو البجارة اللاحبة والغ مية الواحضة﴿ هَل آَدُل ُّ ُُك عَىل ِجت َار ٍة‬
‫ذاب آَ ٍ‬
‫لمي﴾ [ الصف ‪]61 10 -‬‬ ‫تُ ُ‬
‫جنُك ِمن عَ ٍ‬
‫فهذه البجارة العظمية اللاحبة الغامنة اثَي من ال اس يُغيب عيَيا‪ ،‬ويُغْب فَيا‪ ،‬ويكوْ فَيا خارسا‪ ,‬بل‬
‫اثَي من ال اس يُضحي َّبذه البجارة اللاحبة العظمية اليت تُ جي صاحهبا من العذاب اللمي‪ ،‬يُضحي َّبا‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫ك سبيل ننل َشو من جتارة اءاننا ‪,‬ولهذا مك آمور اءاين العظمية تُضنع من آجل آْ ُُيصل اَلنماْ‬
‫َشو من ُمتع ِ اءاننا‪ ،‬آو من املال ك هذه احلناة اءاننا ‪,‬‬
‫ولهذا ينبغي آْ يُعلف ك هذا الباب لاعدة همنة جدا‪ ،‬ويه آْ اءاين هو رآس املال‪ ،‬اذا دخل اَلنماْ‬
‫ك آي جتارة من البجارات ‪َ-‬يب عينه آْ يعبرب آْ اءاين هو رآس املال ‪-‬فاذا َكنت ه اك آرَبحا عىل‬
‫حماب رآس املال احلقيقي وهو اءاين فال خَي فَيا‪ ،‬ويه ممحولة الرباة حَّت لو َكنت آمواَل اثَية‬
‫طائةل‪ ،‬فاَّنا آموال َل بلاة فَيا آي بلاة ك مال ُُيصُل امللو عىل حماب رآس ماهل احلقيقي اَّلي هو‬
‫دي ه وطاعبه للبه ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫وَبملقابل فاْ من ُيافظ عىل رآس املال ولو فاته َشو من آمور اءاننا هو اللاحب حقيقة‪ ،‬وهل نصيب‬
‫وافل من لول ال يب ‪-‬ﷺ ‪ (( -‬من تلك شيئا هلل عوضه هللا خَيا منه ))‪.‬‬

‫وْ آََّنه ُ ْم آَ ْه ُل ِاللبْ ِح َو ْال َك ْم ِب ْاش َ َرت ُوا الْ َح َنا َة اءاُّ نْ َنا َو َح هظهُ ْم ِفَيَا َو َ هَّلاِتِ ِ ْم‪َِ ،‬ب ْل ِخ َل ِة‬ ‫وْ ه ِاَّل َين ي َ ْعبَ ِقدُ َ‬ ‫«فَالْخ ِ ُ‬
‫َارس َ‬
‫َو َح ِظهِ ْم ِفَيَا‪ ،‬فَأَ ْذ َه ُبوا َط ِن َباِتِ ِ ْم ِك َح َياِتِ ِ ُم اءاُّ نْ َنا‪َ ،‬وا ْس بَ ْنبَ ُعوا َّبِ َا‪َ ،‬و َرضُ وا َّبِ َا‪َ ،‬و ْاط َنأَنُّوا الََيْ َا‪َ ،‬و ََك َْ َس ْعَيُ ُ ْم‬
‫ِ‬
‫ِل َب ْح ِصن ِيهَا‪ ،‬فَبَا ُعوا َو ْاش َ َرت ْوا َو ه َاجت ُلوا َو ََب ُعوا آ ِجال ِب َع ِاج ٍل‪َ ،‬ون َ ِميئَة ِب َ ْق ٍد‪َ ،‬وغَائِبا ِب َ ِاج ٍز‪َ ،‬ولَالُوا َه َذا ه َُو الْ َح ْز ُم‪،‬‬
‫َوي َ ُقو ُل آَ َحدُ ُ ُْه خ ُْذ َما تَ َلا ُه َو َد ْع َشيْئا َ َِس ْع َت ِب ِه‪..‬‬
‫فَ َك ْي َف آَبِن ُع َح ِارضا ن َ ْقدا ُمخَ اهَدا ِك َه ِذ ِه اءا ِهار ِبغَائِ ٍب ن َ ِميئَة ِك د ٍَار آُخ َْلى غَ ْ َِي َه ِذ ِه؟ َوي َ ْضَ ُّم ا ََل َذ ِ َِل ضَ ْع ُف‬
‫ِ‬
‫الخه َْو ِة‪َ ،‬و َم َح هب ُة الْ َع ِاج َ ِةل َوالت ه َخ بُّ ُه ِببَ ِين الْجِ ن ْ ِس»‬
‫ْاَلمي َ ِاْ َولُ هو ُة دَا ِعي ه‬
‫ِ‬
‫هذه مصنبة اثَي من ال اس؛ لْ البجارة اءاننوية اذا مل تُضبط بضوابط الْشع‪ ،‬وتكوْ خطوات‬
‫الباجل فَيا مضبوطة بضوابط الْشع تكوْ فت ة‪ ،‬وَبب هيكة عىل امللو؛ لَّنا س بدخُل ك آعامل‬
‫حملمة‪ ،‬وص ات ذممية‪ ،‬وآخالق مخينة‪ ،‬وتدخُل ك ِتاوْ ك فلائض وواجبات‪ ،‬وتع ٍد حلدود رشع‬
‫هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬اذا مل تكن مضبوطة بضوابط الْشع هذه حالها ‪,‬مث يُصبح امللو اَل هذه‬
‫احلال اليت آشار الَيا ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬يَعبرب آْ فعُل هذا هو احلزم‪ُ ،‬يصل شيئا حارضا‪،‬‬
‫وَل ي كل ك املوعود به ك اءاار الخلة‪ ،‬والثواب العظمي اَّلي آعده هللا حَّت‪ ،‬واْ خرسه يقول هذا‬
‫َشو حارض وهذا رحب حارض يقع ك يدي الْ َل آفوته ك َشو آوعد به ك دار آخلى غَي هذه‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫اءاار ‪,‬وهذا من الضناع ‪-‬والعناذ َبهلل‪ -‬واحللماْ العظمي واخلرساْ املبني‪ ،‬وهذا اخلرساْ يببني تبينا‬
‫واحضا ظاهلا ك يوم البغابن‪.‬‬

‫اَّلل ِك آَ ْه ِيهَا {آُولَئِ َك ه ِاَّل َين ْاش َ َرت ُوا الْ َح َنا َة اءاُّ نْ َنا‬ ‫« فَأَ ْا َ ُث الْ َخيْ ِق ِك َه ِذ ِه البِ َج َار ِة الْخ ِ َ‬
‫َارس ِة ال ه ِيت لَا َل ه ُ‬
‫ْص َوْ} [ ُس َور ُة الْ َبقَ َل ِة ‪» ]86‬‬ ‫َِب ْل ِخ َل ِة فَ َال ُ ََي ه ُف َعْنْ ُ ُم الْ َع َذ ُاب َو ََل ُ ُْه ي ُ ْ َ ُ‬

‫ولهذا َيب عىل امللو آْ ُيذر آشد احلذر من هذه الص ة اَّلممية‪ ،‬وَل آْ يكن هل مْنا وَل‬
‫نصيب لينل اَّلي هو اشرتوا احلناة اءاننا َبلخلة‪ ،‬حَّت ال صيب القينل ُيذر آْ يخرتي‬
‫شيئا من اءاننا آو ُُيصل شيئا من اءاننا عىل حماب الخلة‪ ،‬وضناع حظه فَيا‬

‫«‪َ ،‬ولَا َل ِف َِي ْم {فَ َنا َرِ َحب ْت ِ َجت َارِتُ ُ ْم َو َما ََكنُوا ُمهْبَ ِد َين} [ ُس َور ُة الْ َبقَ َل ِة ‪» ]16‬‬

‫هذا ال وع من البجارة جتارة خارسة ليمت بلاحبة‪ ،‬خارسة اخلرساْ املبني ‪,‬وَل يكوْ امللو راحبا‬
‫ك جتارته اَل بطاعبه للبه ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬

‫« لال ‪ ،‬فَا َذا ََك َْ ي َ ْو ُم البهغَابُ ِن َظه ََل لَهُ ُم الْغ ْ َُْب ِك َه ِذ ِه البِ َج َار ِة‪ ،‬فَتَ َبقَ هط ُع عَيََيْ ِا ال ُّ ُ ُوس َح َ َ‬
‫رس ٍات‪».‬‬
‫ِ‬
‫يوم البغابن هذا امس من آسامو النوم الخل والنوم الخل هل آسامو اثَية‪ ،‬واثة آسامو النوم‬
‫الخل من اثة ص اته وآحواهل ‪,‬ولهذا ك امس من آسامو النوم الخل الواردة ك الكتاب والم ة‬
‫ويه اثَية يدل عىل ص ة َّلِل النوم‪ ،‬آو حال من آحوال ذِل النوم ‪,‬فيام َكْ ك النوم الخل ُيصل‬
‫الغُْب لهؤَلو حيث يدركوْ اخلرساْ العظمي اَّلي انلوه وحصيوه بمبب تضننعهم ءايْنم‪َ ،‬كْ من‬
‫آسامو ذِل النوم "يوم البغابن" ملا ُيصل فيه من هذا الغْب العظمي لهؤَلو ‪.‬‬

‫وْ فَاَّنه ُ ْم ََب ُعوا فَا ِننا ِب َب ٍاق‪َ ،‬وخ َِميما ِب َ ِ ٍيس‪َ ،‬و َح ِقَيا ِب َع ِظ ٍمي‪َ ،‬ولَالُوا َما ِم ْق ُ‬
‫دَار َه ِذ ِه اءاُّ نْ َنا‬ ‫لال َوآَ هما هالل ِ ُاحب َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل َواءا ِهار ْال ِخ َل ِة َّبِ َا؟‪.‬‬
‫ِم ْن آَ هو ِلهَا ا ََل آ ِخ ِلهَا‪َ ،‬ح هَّت نَبِي َع َح هظ َا ِم َن ه ِ‬
‫ِ‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫هؤَلو ُه الكناس وخيار ال اس ‪,‬وآفضيهم اَّلين علفوا ووا نزوا بني المور ‪ْ ،‬‬
‫وسعوا فامي فيه‬
‫رفعُتم وصالِحم وفالِحم ك اءاننا والخلة ‪ ،‬فاكنوا ُه اللاحبني حقا ‪.‬‬

‫فَ َك ْي َف مبا ي َ َا ُل الْ َع ْبدُ ِمْنْ َا ِك َه َذا هالز َم ِن الْقَ ِص َِي ه ِاَّلي ه َُو ِك الْ َح ِقيقَ ِة َاغَ ْ َو ِة ُح ْ ٍمل‪ََ ،‬ل ِن ْم َب َة َ ُهل ا ََل د ِهار الْقَ َل ِار آَلْ َببه َة‬
‫ِ‬
‫ارضب مثاَل يوحض ال ِقْص هذا اَّلي يخَي هل ابن القمي رمحه هللا ‪-‬‬
‫لو لُدر آْ رجال سافل ك جتارة حملمة‪ ،‬وفَيا رحب دننوي كبَي جدا ونم بة اللحب عالنة ‪-‬لكْنا حملمة‪ -‬اما‬
‫حصل تكل الموال الطائةل وآودعها ك حمابه ورجع اَل بدله‬ ‫رَب آو رش آو خداع آو غَي ذِل‪ ,..‬مث ه‬
‫حصُل الطائل رمبا َل يم متبع به!‬
‫مث لُدر عينه ومات ك الطليق‪ ,‬آي خرساْ هذا؟حَّت املال هذا اَّلي ه‬
‫فيصبح لورثبه رُمن هذا املال وعينه الغلم ‪ُ,‬ياسب عينه ويعالبه هللا عينه‪ ،‬وهو آصال ما اس متبع به‪ ،‬وَل‬
‫انب ع به‪,..‬ولهذا من ال افع جدا ك مثل هذه البجارات آْ َيعل اَلنماْ املوت ولقاو هللا بني عننيه‪،‬‬
‫حَّت ُيمب حماَب لعامهل وبنعه وجتاراته ك ص اهئا ونقاهئا وسالمُتا ‪.‬‬

‫وْ بَيْْنَ ُ ْم} [ ُس َور ُة يُون ُ َس ‪. ]45‬‬ ‫ْش ُ ُْه َ ََك ْْ لَ ْم يَيْ َبثُوا ا هَل َساعَة ِم َن الْنه َ ِار ي َ َب َع َارفُ َ‬ ‫لَا َل تَ َع َاَل { َوي َ ْو َم َ ُْي ُ ُ‬
‫ِ‬
‫الماعَ ِة آَ هَّي َْ ُم ْل َساهَا ‪ -‬ف َمي آنْتَ م ْن ذا َلاهَا ‪ -‬اَل َربِك ُمنُْتَ َاهَا ‪ -‬ان ه َنا آن َْت ُمنْذ ُر َم ْن‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫َولَا َل تَ َع َاَل {ي َْمأَلُون ََك َع ِن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حضاهَا} [ ُس َور ُة ال ها ِزعَ ِات ‪. ]46 - 42‬‬ ‫َ َْيخَ اهَا ‪ََ َ -‬كَّنه ُ ْم ي َ ْو َم يَ َل ْوَّنَ َا لَ ْم يَيْ َبثُوا ا هَل ع َِخ نهة آَ ْو ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وْ ل ْم يَي َبثُوا اَل َساعَة م ْن َّنَ َ ٍار بَالغ} [ ُس َور ُة َال ْحقَاف ‪. ]35‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َولَا َل تَ َع َاَل { َ ََكَّنه ُ ْم ي َ ْو َم يَ َل ْو َْ َما يُوعَدُ َ‬
‫ِ‬
‫َولَا َل تَ َع َاَل { َ ْمك ل َ ِبث ْ ُ ْت ِك ْ َال ْر ِض عَدَ َد ِس ِ َني ‪ -‬لَالُوا ثنَا ي َ ْوما آ ْو ب َ ْع َض ي َ ْو ٍم ف ْاسأ ال َعاد َين ‪ -‬لال ا ْْ بث ُ ْت اَل نال‬
‫ِ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫لِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْش الْ ُن ْج ِل ِم َني ي َ ْو َمئِ ٍذ ُز ْرلا ‪-‬‬
‫الص ِور َو َ َْن ُ ُ‬ ‫وْ} [ ُس َور ُة الْ ُن ْؤ ِمنِ َني ‪َ . ]114 - 112‬ولَا َل تَ َع َاَل {ي َ ْو َم ي ُ ْ َخُ ِك ُّ‬ ‫لَ ْو آَن ه ُ ُْك ُا ْ ُ ْت تَ ْعيَ ُن َ‬
‫وْ ا ْذ ي َ ُقو ُل آَ ْمثَيُهُ ْم َط ِليقَة ا ْْ ل َ ِبث ْ ُ ْت ا هَل ي َ ْوما} [ ُس َور ُة طه ‪- 102‬‬ ‫وْ بَيْْنَ ُ ْم ا ْْ ل َ ِبث ْ ُ ْت ا هَل ع َْْشا ‪َْ َ -‬ن ُن آَعْ َ ُمل ِب َنا ي َ ُقولُ َ‬ ‫يَبَخَافَتُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ . ]104‬فَهَ ِذ ِه َح ِقيقَ ُة اءاُّ نْ َنا ِع ْ َد ُم َوافَا ِة ي َ ْو ِم الْ ِقيَا َم ِة‬

‫يقول ابن القمي رمحه هللا هذه حقيقة اءاننا ع د موافاة يوم القيامة ‪,‬يعين تظهل هذه احلقيقة ك اءاار‬
‫الخلة لكن ك اءاننا ما اَّلي يظهل ك الغالب لكثَي من ال اس؟يعيش ك ماذا؟ ‪-‬ك طول المل ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫لد تكوْ مننبه غدا وم ارلته لهذه احلناة غدا‪ ،‬وع ده من طول المل آربعني س ة مخمني س ة س بني‬
‫س ة‪ ،‬ومننبه غدا ‪,‬ولهذا طول المل يورث احللص عىل اءاننا والباكلب عيَيا واذا صار مع طول‬
‫المل خيل ك الميوك مك يه اجل اية اليت َي َيا امللو عىل ن مه حي ئذ ؟!‬
‫ولول ال يب عينه الصالة والمالم َلبن معل ريض هللا ع ه " ُا ْن ِك اءاُّ نْ َنا َ ََكن َهك رَ ِل ٌ‬
‫يب آَ ْو عَا ِب ُل‬
‫الص َب َاح َوا َذا آَ ْص َب ْح َت فَ َال تَنْتَ ِظ ِل‬ ‫اَّلل َع ْْنُ َنا ي َ ُقو ُل ا َذا آَ ْم َميْ َت فَ َال تَنْتَ ِظ ِل ه‬ ‫ِيل" َو ََك َْ ا ْب ُن ُ َمع َل َر ِ َ‬
‫يض ه ُ‬ ‫َسب ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْ َن َم َاو‪,‬‬
‫هذا معاجلة لهذه املمأل اليت يه طول المل فيصيح دي ه وليس معَن ذِل آنه يُغ ل ما يكوْ به لوام‬
‫عيخه وصالح آمله ك دنناه‪.‬‬

‫يه د َُار الْ َح َن َو ِاْ َود َُار الْ َبقَا ِو ‪َ -‬رآَ ْوا ِم ْن آَع َْظ ِم‬ ‫اءاهار‪َ ِ ،‬‬‫لال فَيَ هنا عَ ِي ُنوا ِل ه َةل لُ ْبِثِ ِ ْم ِفَيَا‪َ ،‬وآَ هْ لَهُ ْم دَارا غَ ْ ََي َه ِذ ِه ِ‬
‫اجت ُلوا ِ َجت َار َة ْالَ ْا َن ِاس‪َ ،‬ول َ ْم يَغ َ ُّْرتوا ِببِ َج َار ِة ال ُّم َهَا ِو ِم َن ال ه ِاس‪ ،‬فَ َظه ََل لَهُ ْم ي َ ْو َم‬ ‫الْغ ْ َِْب ب َ ْن َع د َِار الْ َبقَا ِو بِدَ ِار الْ َنَا ِو‪ ،‬فَ ه َ‬
‫ك ال ه ِاس يَغْدُ و فَبَائِ ٌع‬ ‫ك آَ َح ٍد ِك َه ِذ ِه اءاار ََبئِ ٌع ُم ْخ َ ٍرت ُمتهجِ ٌل‪َ ،‬و ُ ُّ‬ ‫البهغَابُ ِن ِربْ ُح ِ َجت َارِتِ ِ ْم َو ِم ْقدَ ُار َما ْاش َ َرت ْو ُه‪َ ،‬و ُ ُّ‬
‫ن َ ْ َم ُه فَ ُن ْع ِب ُقهَا آَ ْو َم ْو ِب ُقهَا‪.‬‬
‫وْ َوعْدا‬ ‫وْ َوي ُ ْقتَيُ َ‬ ‫ِيل ه ِ‬
‫اَّلل فَ َي ْق ُتيُ َ‬ ‫وْ ِك َسب ِ‬ ‫اَّلل ْاش َ َرتى ِم َن الْ ُن ْؤ ِم ِن َني آَنْ ُ َمهُ ْم َوآَ ْم َوالَهُ ْم ِبأَ هْ لَهُ ُم الْ َج ه َة يُقَا ِتيُ َ‬ ‫{ا هْ ه َ‬
‫ِ‬
‫ْشوا ِببَ ْي ِع ُ ُُك ه ِاَّلي ََبي َ ْع ُ ْت ِب ِه َو َذ ِ َِل ه َُو‬ ‫نل َوالْ ُق ْلآ ِْ َو َم ْن آَ ْو َف ِب َعهْ ِد ِه ِم َن ه ِ‬
‫اَّلل فَا ْس َب ْب ُِ‬ ‫ِ‬
‫جن‬ ‫ْ‬
‫هْ َ َ ِ‬ ‫اَل‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ك ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ًّ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬
‫عَ ْ َ‬ ‫ي‬
‫ِ‬
‫الْ َ ْو ُز الْ َع ِظ ُمي} [ ُس َور ُة البه ْوب َ ِة ‪. ]111‬‬
‫وْ‪َ ،‬و ََّي َم ْن ََل ي َ ْق ِد ُر عَ َىل َه َذا الث ه َن ِن‪،‬ها ُه َا ثَ َن ٌن‬ ‫فَهَ َذا آَ هو ُل ن َ ْق ٍد ِم ْن ثَ َن ِن َه ِذ ِه البِ َج َار ِة‪ ،‬فَتَ ِاج ُلوا آَُّيُّ َا الْ ُن ْ ِي ُم َ‬
‫آخ َُل‪ ،‬فَا ْْ ُا ْ َت ِم ْن آَه ِْل َه ِذ ِه البِ َج َار ِة فَأَ ْعطِ َه َذا الث ه َن َن‬
‫ِ‬
‫ُوْ َع ِن الْ ُن ْ َك ِل‬
‫وف َوال هاه َ‬ ‫وْ َِبلْ َن ْع ُل ِ‬
‫وْ ْال ِم ُل َ‬ ‫الم ِاجدُ َ‬ ‫وْ ه‬ ‫وْ هاللا ِا ُع َ‬ ‫اِئ َ‬‫الم ِ ُ‬ ‫وْ ه‬ ‫وْ الْ َحا ِمدُ َ‬ ‫وْ الْ َعابِدُ َ‬ ‫{البهائِ ُب َ‬
‫ني} [ ُس َور ُة البه ْوب َ ِة ‪. ]112‬‬ ‫ْش الْ ُن ْؤ ِم ِن َ‬
‫اَّلل َوب َ ِ ِ‬‫وْ ِل ُحدُ و ِد ه ِ‬ ‫َوالْ َحا ِف ُظ َ‬

‫اشرتى ِم َن‬
‫اَّلل َ‬
‫هذه الية جاوت ك سورة البوبة تيل الية املبقدمة اليت فَيا هذا العقد العظمي‪﴿,‬ا هْ ه َ‬
‫ِ‬
‫نني آَن ُ َمهُم َو َآموالَهُم ِبأَ هْ لَهُ ُم اجل َ ه َة ﴾ [ البوبة ‪]111‬‬
‫املُؤ ِم َ‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫مفن المثن لهذه اجل ة وحتصنل هذه البجارة اللاحبة هذه العامل اليت ذكلت ك هذه الية‬
‫وْ ﴾‬ ‫ِدوْ احلا ِم َ‬
‫دوْ الم ِاِئ َ‬ ‫الكلمية﴿البائِ َ‬
‫بوْ العاب َ‬
‫وك معَن الماِئني آلوال آظهلها آي الصامئني‬
‫اَّلل َوب َ ِ ِ‬
‫ْش‬ ‫علوف َوال اهو َْ َع ِن امل ُ كَ ِل َواحلا ِف َ‬
‫ظوْ ِل ُحدو ِد ه ِ‬ ‫لوْ َِبمل َ ِ‬
‫دوْ ال ِم َ‬
‫عوْ الم ِاج َ‬ ‫﴿ اللا ِا َ‬
‫املُؤ ِم َ‬
‫نني﴾[ البوبة ‪]112‬‬

‫ْش املُؤ ِمنني } ك خامتة( هذه ) الم ناق فيه آْ اَلمياْ تدخل فيه هذه العامل وتدخل‬
‫لوهل { َوب َ ِ ِ‬
‫ك ممامه فهيي من مجةل آعامل اَلمياْ فاَلمياْ ليس جملد عقيدة ك القيب بل اَلمياْ توبة ومحد‬
‫وعبادة وركوع وجسود وآمل َبملعلوف وَّنيي عن امل كل ‪..‬ك هذا من آعامل اَلمياْ‪.‬‬

‫ذاب آَ ٍ‬
‫لمي ‪-‬‬ ‫جنُك ِمن عَ ٍ‬ ‫"لال ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬لال هللا ﴿َّي َآُّيُّ َا هاَّل َين آ َمنوا هَل آَدُل ُّ ُُك عَىل ِجت َار ٍة تُ ُ‬
‫وْ} [ ُس َور ُة ه‬
‫الص ِف‬ ‫اَّلل ِبأَ ْم َوا ِل ُ ُْك َوآَنْ ُ ِم ُ ُْك َذ ِل ُ ُْك خ ْ ٌََي لَ ُ ُْك ا ْْ ُا ْ ُ ْت تَ ْعيَ ُن َ‬
‫ِيل ه ِ‬
‫وْ ِك َسب ِ‬ ‫وْ َِب ه َِّلل َو َر ُس ِ ِ‬
‫وهل َو ُ َجتا ِهدُ َ‬ ‫ت ُْؤ ِمنُ َ‬
‫ِ‬
‫ُوب تُن ْ ِِس الْ َع ْبدَ َح هظ ُه ِم ْن َه ِذ ِه البِ َج َار ِة هالل ِ َاحب ِة‪َ ،‬وت َ ْخغ ُ َُُل ِبأس باب البِ َج َار ِة الْخ َِ‬
‫َارس ِة‪،‬‬ ‫‪َ . ]11 - 10‬والْ َن ْق ُصو ُد آَ هْ ا َُّّلن َ‬
‫اَّلل الْ ُن ْم بَ َع ُاْ‪.‬‬
‫َواَ َى ِب َذ ِ َِل ُع ُقوبَة‪َ ،‬و ه ُ‬
‫[فَ ْص ٌل الْ َن َع ِايص تُ ِزي ُل ال ِ َع َم]‬
‫ارضةَ‪َ ،‬وتَ ْق َط ُع ال ِ َع َم الْ َو ِاص َ َةل‪ ،‬فَ ُ ُِتي ُل الْ َح ِاصلَ‪َ ،‬وتَقط ُع الْ َو ِاصلَ‪ ،‬فَا هْ ِن َع َم ه ِ‬
‫اَّلل َما‬ ‫َو ِم ْن ُع ُق َوَبِتِ َا آََّنه َا تُ ِزي ُل ال ِ َع َم الْ َح ِ َ‬
‫ِ‬
‫ُح ِظَ َم ْو ُجو ُدهَا ِب ِنث ِْل َطا َعبِ ِه‪َ ،‬و ََل ْاس ُب ْج ِي َب َم ْ ُقو ُدهَا ِب ِنث ِْل َطا َعبِ ِه‪ ،‬فَا هْ َما ِع ْدَ ُه ََل ي ُ َا ُل ا هَل ب َِطا َع ِب ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول ‪ -‬رمحه هللا تعاَل ‪ -‬من عقوَبت اَّلنوب آَّنا تزيل ال عم احلارضة وتقطع ال عم الواصةل ‪,‬فال عم‬
‫احلارضة آي املوجودة ع د اَلنماْ تزييها اَّلنوب وتذههبا وال عم الواصةل اليت يه ك طليقها اَل‬
‫العبد واصةل النه فاَّلنوب حتول بينه وبني وصول هذا اخلَي هل‪ .‬وعىل الضد من ذِل الطاعة‬
‫والخكل هلل س بحانه وتعاَل يمنى احلافظ‪ ،‬اجلالب؛ لنه ُي ظ املوجود وَييب امل قود‬
‫واملعايص عىل العكس من ذِل‪ ..‬مثل ما ذكل ابن القمي رمحه هللا تزيل ال عم احلارضة وتقطع ال عم‬
‫الواصةل فُتيل احلاصل يعين املوجود ع د العبد ومت ع الواصل اَّلي هو ك طليقه اَل العبد فاْ نعم هللا‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫ما ُح ِظ موجودها مبثل طاعبه وَل اس ُبج ِيب م قودها مبثل طاعبه فاْ ما ع ده َل ي ال اَل بطاعبه ﴿‬
‫َول َ ْو آَ هْ آَ ْه َل الْ ُق َل ٰى آ َمنُوا َواتهقَ ْوا ل َ َتَ ْح َا عَيَ ْ َِيم بَ َل ََك ٍت ِم َن ه‬
‫الم َنا ِو َو ْ َ‬
‫ال ْر ِض ﴾[ العلاف ‪]٩٦‬‬

‫اب ِن َع ِن ِه الْ َجا ِل َب ِة لَهَا‬


‫َش ٍو َسبَبا َوآفَة‪َ ،‬سبَبا َ َْي ِي ُبهُ‪َ ،‬وآفَة تُ ْب ِط ُُلُ‪ ،‬فَ َج َع َل آَ ْس َب َ‬ ‫ك َْ‬ ‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ِل ُ ِ‬
‫َولَدْ َج َع َل ه ُ‬
‫َطا َعبَهُ‪َ ،‬وآفَاِتِ َا الْ َنا ِن َع َة ِمْنْ َا َم ْع ِص َن َبهُ‪ ،‬فَا َذا آَ َرا َد هللا ِح ْظَ ِن ْع َن ِب ِه عَ َىل َع ْب ِد ِه آَلْهَ َن ُه ِرعَايَُتَ َا ب َِطا َعبِ ِه ِفَيَا‪َ ،‬وا َذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آَ َرا َد َز َوالَهَا َع ْ ُه َخ َذ َ ُهل َح هَّت َع َصا ُه َّبِ َا‪.‬‬

‫هذه لاعدة ك الباب آْ هللا عز وجل جعل لك َشو سببا وآفة سببا آي لبحصنُل وآفة‬
‫احللماْ منه وخرسانه وسبب اخلَيات طاعة هللا س بحانه وتعاَل‪ ,‬وسبب احللماْ وزوال‬
‫اخلَيات وذهاب الرباة املعايص واَّلنوب‬

‫َو ِم َن الْ َع َج ِب ِع ْ ُمل الْ َع ْب ِد ِب َذ ِ َِل ُمخَ اهَدَة ِك ن َ ْ ِم ِه َوغَ ْ َِي ِه‪َ ،‬و َ ََساعا ِل َنا غَ َ‬
‫اب َع ْ ُه ِم ْن آَ ْخبَ ِار َم ْن آُ ِزييَ ْت ِن َع ُم‬
‫اَّلل َع ْ ُه ِب َن َع ِاصن ِه‪.،‬‬
‫هِ‬

‫نعم ‪,‬حَّت مع وجود العمل َّبذا والولوف عينه ك الدل وسامع املواعظ والبذاَي وآيضا آخبار‬
‫املهيَكني بمبب املعايص واَّلنوب يكوْ عىل عمل َّبا والوعند املرتتب عيَيا مث مع ذِل كه‬
‫تغيبه ن مه ‪-‬والعناذ َبهلل‪ -‬فيقع ك ما ولع فيه هؤَلو‪.‬‬

‫وص ِم ْن َه َذا الْ ُع ُنو ِم‪،‬‬ ‫اَّلل‪ََ َ ،‬كن ه ُه ُم ْم بَثَْن ِم ْن َه ِذ ِه الْ ُج ْن َ ِةل‪ ،‬آَ ْو َم ُ‬
‫اْص ٌ‬ ‫لال َوه َُو ُم ِق ٌمي عَ َىل َم ْع ِص َن ِة ه ِ‬

‫َكنه مم بثَن من هذه امجلةل يعين العقوَبت اليت آصابت آولئك بمبب هذه اَّلنوب َكْ ع ده‬
‫يه ِم َن‬
‫آماْ َبلمالمة مْنا وآنه لن يصنبه ما آصاَّبم وهللا س بحانه وتعاَل لال ﴿ َو َما ِ َ‬
‫ني ِب َب ِعن ٍد ﴾[هود ‪]٨٣‬‬
‫الظا ِل ِن َ‬
‫ه‬

‫لال وَكْ هذا آمل جار عىل ال اس َل عينه‬


‫س بحاْ هللا بعض ال اس يمنع بعض املواعظ الزاجلة فال يظن آَّنا تع نه ويظن آَّنا لغَيه آما‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن والعشرون‬

‫هو َل تع نه ولهذا يقلآ مثال الَّيت ك القلآْ آو يمنع الحاديث وفَيا آمور تع نه هو ك ‬
‫خمال ات هو والع فَيا فيقلآها وَكَّنا َل تع نه وَكْ المل َل َيصه آو يقصده‪.‬‬

‫وواصل اَل اخليق َل النه‬

‫واصل اَل اخليق َل النه آما هو معاف من ذِل وَل يع نه ذِل‬


‫فَأَ ُّي َ َْج ٍل آَبْيَ ُغ ِم ْن َه َذا؟ َوآَ ُّي ُظ ْ ٍمل ِلي ه ْ ِس فَ ْو َق َه َذا؟ فَالْ ُح ْ ُُك ِ ه َِّلل الْ َع ِ ِيل ْال َك ِب َِي‪.‬‬

‫نمأل هللا الكلمي آْ ي ع ا آمجعني مبا عين ا وآْ يزيدان عيام وتوفيقا وآْ يصيح ل ا شأن ا كه‬
‫وآْ َل يلك ا اَل آن م ا طلفة عني اليهم ار ل ل ا ولواءاي ا وملخاَي ا ولوَلة آملان ولينمينني‬
‫واملميامت واملؤمنني واملؤمنات الحياو مْنم والموات اليهم آت ن وس ا تقواها وزكها آنت خَي‬
‫من زَكها آنت ولَيا وموَلها اليهم المم ل ا من خخيتك ما ُيول بنننا وبني معاصنك ومن‬
‫طاعبك ما تبيغ ا به جنبك ومن النقني ما ِتوْ به عين ا مصائب اءاننا اليهم متع ا يأسامع ا‬
‫وآبصاران ولوت ا ما آحينتنا واجعُل الوارث منا واجعل ثأران عىل من ظين ا وانْصان عىل من‬
‫عاداان وَل جتعل مصنبتنا ك ديننا وَل جتعل اءاننا آارب ْه ا وَل مبيغ عين ا وَل تميط عين ا من‬
‫َل يلمح ا س بحانك اليهم وحبندك آشهد آْ َل اهل اَل آنت آس بغ لك وآتوب النك‪ .‬اليهم صل‬
‫وسمل عىل عبدك ورسوِل نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني ‪.‬‬
‫اضغط عىل اللابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ،‬آما بعد ‪:‬‬
‫يقول العالمة ابن القمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬وغفر هل ولش يخنا واملسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫« َو ِمن ُع ُق َوَبِتِ َا‪َ :‬آَّنه َا تُ َبا ِعدُ َع ِن ال َعب ِد َو ِليه ُه َوآَنفَ َع الخَل ِق َ ُهل َوآَن َص َحهُم َهلُ‪َ ،‬و َمن َس َعا َدتُ ُه ِيف قُ ِرب ِه ِمنهُ‪َ ،‬وه َُو‬
‫ّك ِب ِه‪َ ،‬وتُد ِن ِمن ُه عَدُ هو ُه َوآَغَ هش الخَل ِق َهلُ‪َ ،‬وآَع َظ َمهُم‬ ‫ال َم َ ُ‬
‫ل ال ُم َو ه ُ‬
‫ل ال َمع ِص َي ِة‪َ ،‬ح هّت ان ه ُه‬ ‫اّلل تَ َباعَدَ ِمن ُه ال َم َ ُ‬
‫ل ِبقَد ِر تِ َ‬ ‫الش ي َط ُان‪ ،‬فَا هن ال َعبدَ ا َذا َع َص ه َ‬ ‫َض ًرا َهلُ‪َ ،‬وه َُو ه‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَتَبَاعَدُ ِمن ُه َِبل ِكذب َ ِة ال َوا ِحدَ ِة َم َسافَ ًة ب َ ِعيدَ ًة‪.‬‬
‫ل ِمن ُه‬ ‫ل ِم ًيال ِمن ن َ َِت ِر ِحي ِه‪ ،‬فَا َذا ََك َن َه َذا تَ َباعُدَ ال َم َ ِ‬‫َو ِيف بَع ِض ال آ ََث ِر‪ :‬ا َذا كَ َذ َب ال َعبدُ تَ َباعَدَ ِمن ُه ال َم َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دَار بُع ِد ِه ِمن ُه ِم هما ه َُو َآك َ ُب ِمن َذ ِ َِل‪َ ،‬وآَف َح ُش ِمن ُه؟‬ ‫ق‬‫م‬ ‫ون‬ ‫ُ‬
‫ِمن ِكذبَة َوا ِحدَة‪ُ ُ َ َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ا‬‫م‬‫َ‬ ‫ف‬
‫اّلل َوه ََرب َ ِت ال َم َالئِ َك ُة ا َل َر ِّبَا‪َ ،‬و َشكَت الَي ِه َع ِظ َمي‬ ‫السلَ ِف‪ :‬ا َذا ُر ِك َب هاذلكَ ُر َ هَع ِت َالر ُض ا َل ه ِ‬ ‫َوقَا َل بَع ُض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه ِ‬
‫َما َرآَت‪.‬‬
‫الش ي َط ُان‪ ،‬فَان َذ َك َر ه َ‬
‫اّلل َوكَ ه َب ُه َو َ ِمحدَ ُه َو َهل ه ََلُ‪،‬‬ ‫ل َو ه‬ ‫السلَ ِف‪ :‬ا َذا آَص َب َح اب ُن آ آ َد َم ابتَ َدَر ُه ال َم َ ُ‬ ‫ه‬ ‫َوقَا َل بَع ُض‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ي َط ُان‪.‬‬ ‫ل عَن ُه َوت ََو هَّل ُه ه‬
‫ل‪َ ،‬وا ِن افتَتَ َح ِبغ َِي َذ ِ َِل َذه ََب ال َم َ ُ‬ ‫الش ي َط ُان َوت ََو هَّل ُه ال َم َ ُ‬
‫ُط ِر َد ه‬
‫ِ‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن َّل اهل اَّل هللا وحده َّل رشيك هل وآشهد آن محمدً ا عبده ورسوهل صىل‬
‫هللا وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علام‪ ،‬وآصلح لنا‬
‫شأننا لكه‪ ،‬وَّل تلكنا ال آنفس نا طرفة عني‪ ،‬آما بعد ‪:‬‬
‫فيذكر هنا اَّلمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬عُقوبة آخرى من عواقب اذلنوب وعقوَبِتا‪ ،‬آَّل ويه آَّنا‬
‫تُبعد املالئكة وتُقرب الش ياطني ‪,‬فاملعايص جالبة للش ياطني و ُمبعدة للمالئكة‪ ،‬وقُرب الش ياطني من‬
‫املرء رش عليه‪ ،‬ورش عىل املاكن اذلي هو فيه‪ ،‬ورش عىل بيته‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫ولهذا فان النيب ‪-‬ﷺ ‪ -‬آخب يف آحاديث عن آعامل وآمور آَّنا اذا وجدت آتت َبلش ياطني‬
‫واس تدعت حضور الش ياطني يف املاكن ‪ « :‬ان املالئكة َّل تدخل بيتا فيه لكب وَّل صورة » هذا معل‬
‫يبعد املالئكة وابعاد املالئكة يعين تقريب الش ياطني‪« ،‬ان الش ياطني َّل تدخل بيتا تُقرآ فيه سورة‬
‫البقرة)( آو تفر من بيت تقرآ فيه سورة البقرة» فهذا يبعد الش ياطني ويقرب املالئكة‬
‫وهذه مسأةل ُمهمة يف حياة املرء جيب عليه‪:‬‬
‫‪ -‬آن يكون عىل العامل اليت تُبعده عن آهل الرش وآعظمهم الش ياطني‪ ،‬وتُدنيه من آهل اخلي‬
‫وآعظمهم املالئكة ‪,‬وهذا َبب يف الفقه عظمي ينبه عليه ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬يف هذا‬
‫الفصل ‪,‬وّك من املالئكة والش ياطني َّل يرامه املرء لكن الس نة عن نبينا عليه الصالة والسالم‬
‫دلت عىل مراعاة هذا المر‪,‬‬
‫‪ -‬وآن حيرص عىل آَّل يأيت بعمل يبعد املالئكة آو يؤذي املالئكة آو جيعل املالئكة تبتعد من‬
‫ماكنه؛ لن بعد املالئكة عن ماكنه هذا من آس باب حلول الرش والبالء وآيضً ا آن حيذر من‬
‫الس باب والعامل اليت تُدن الش ياطني منه فان دنو الش ياطني منه يعين حلول الرش والبالء‬
‫واملعايص لها خطورة عظمية جدا يف هذا الباب فهي تبعد املالئكة وتقرب الش ياطني‪ ,‬وقرب الش ياطني‬
‫من املرء التوغل يف الرش؛ لن هذه الصحبة للش ياطني بسبب املعايص تعين زايدة الرش؛ لن‬
‫الش ياطني َّل تعني من يصحهبا اَّل ال رش وفساد ولهذا َّل خي يف آعامل تُدن الش ياطني من العبد‬
‫وتبعد عنه مالئكة الرمحن‪.‬‬

‫الطاعَ ُة َوالغَلَ َب ُة َهلُ‪ ،‬فَتَتَ َو هَّل ُه ال َم َالئِكَ ُة ِيف َح َياتِ ِه َو ِعندَ‬


‫ل يَق ُر ُب ِم َن ال َعب ِد َح هّت ي َ ِص َي ال ُح ُك َو ه‬ ‫َو ََّل يَ َزا ُل ال َم َ ُ‬
‫َموتِ ِه َو ِعندَ بَعثِ ِه‬

‫هذه من بركة قرب املالئكة َبلطاعة ‪-‬طاعة هللا س بحانه وتعال‪ -‬فهذه لها بركة ويه ‪:‬ان املالئكة تتوَّله‬
‫يف حياته وعند موته وقريبة منه َبلبشارة َبخلي والرفعة عند هللا س بحانه وتعال تتوَّله املالئكة وتكون‬
‫قريبة منه ‪,‬وهذا من مثار طاعة الرمحن س بحانه وتعال؛ لن الطاعة جتعل للمطيع مود ًة يف قلوب‬
‫الصاحلني وآهل اخلي ومن آعظم ذِل املودة اليت جيعلها هللا هل يف قلوب املالئكة فتحبه‬
‫ات َس َيج َع ُل لَهُ ُم هالر َ‬
‫مح َُٰن ُودًّا} [مرمي ‪]96 :‬‬ ‫{ا هن ه ِاذل َين آ آ َمنُوا َو َ ِمعلُوا ه‬
‫الصا ِل َح ِ‬
‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫هذه املودة اليت جيعلها هللا هل تتناول حّت املالئكة كام يبني ذِل احلديث قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫(( اذا آحب هللا العبد اندى جبيل ان آحب فال ًان فأحبه فيحبه جبيل مث ينادي يف آهل السامء ان‬
‫هللا حيب فال ًان فأحبوه فتحبه املالئكة مث جيعل هل القبول يف الرض)) ‪ ,‬فالطاعة من مثارها حمبة املالئكة‬
‫للمطيع واملعصية عىل العكس من ذِل من مثارها حمبة الش ياطني للعايص ودنوها منه‪.‬‬

‫اّلل ُ همث اس َتقَا ُموا تَ َت َ هَن ُل عَلَ ِْي ُم ال َم َالئِ َك ُة آَ هَّل َ ََتافُوا َو ََّل َت َ نزُوا‬ ‫َ ََك قَا َل ه ُ‬
‫اّلل تَ َع َال‪{:‬ا هن ه ِاذل َين قَالُوا َربُّنَا ه ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آ‬ ‫ِ‬
‫ون (‪َ )30‬ن ُن آول َيا ُؤُك ِيف ال َح َياة ادلُّ ن َيا َو ِيف الخ َرة َولك فْيَا َما‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رشوا َِبل َجنه ِة ال ه ِيت ك ُنُت تُوعَدُ َ‬
‫ُ‬ ‫َوآَب ِ ُ‬
‫ُون (‪[ })31‬فصلت ‪.]31-30 :‬‬ ‫تَش َتَ ِ ي آَن ُف ُس ُك َولَ ُك ِفْيَا َما تَ هدع َ‬
‫ل ت ََو هَّل ُه آَن َص ُح الخَل ِق َوآَن َف ُعهُم َوآَبَ ُّر ُمه‪ ،‬فَث َ هبتَ ُه َوعَل ه َمهُ‪َ ،‬وقَ هوى َجنَانَهُ‪َ ،‬وآَيهدَ ُه ه ُ‬
‫اّلل‬ ‫َوا َذا ت ََو هَّل ُه ال َم َ ُ‬
‫ل ِعندَ‬ ‫وِح َرب ُّ َك ا َل ال َم َالئِكَ ِة آَ ِن َم َع ُك فَث َ ِب ُتوا ه ِاذل َين آ آ َمنُوا} [النفال ‪ ]12 :‬فَ َي ُقو ُل ال َم َ ُ‬ ‫تَ َِع َال‪{::‬اذ ي ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال َمو ِت‪َّ :‬ل ََتف َوَّل ت َزن َوآبرش َِبذلي ي ُ ُّ‬
‫َُسكَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫َّل َتف وَّل تزن وآبرش َبذلي يُسك‪ :‬هذا دل ِت عليه الآية املتقدمة اليت ذكر املصنف { ا هن ه ِاذل َين قَالُوا‬
‫ِ‬
‫اّلل ُ همث اس تَقَا ُموا تَتَ َ هَن ُل عَلَ ِْي ُم ال َم َالئِكَ ُة } فصلت ‪,٣٠:‬آي آن هذا التَنل للمالئكة من مثار اس تقامَتم‬ ‫َربُّنَا ه ُ‬
‫ون "‪.:‬تتَنل‬ ‫رشوا َِبل َجنه ِة ال ه ِيت ُك ُنُت تُوعَدُ َ‬
‫عىل طاعة هللا " تَتَ َ هَن ُل عَلَ ِْي ُم ال َم َالئِكَ ُة آَ هَّل َ ََتافُوا َو ََّل َت َ نزُوا َوآَب ِ ُ‬
‫علْيم ّبذه اخليات‪ّ ،‬بذه البَكت‪ّ ،‬بذه البشائر العظاميت ‪.‬‬

‫ون الَي ِه ِيف ال َح َيا ِة ادلُّ ن َيا‪َ ،‬و ِعندَ ال َمو ِت‪َ ،‬و ِيف القَ ِب ِعندَ ال َمسأَ َ ِةل‪.‬‬ ‫َويُثَبِتُ ُه َِبل َقولِ الث هاب ِِت آَح َو َج َما يَ ُك ُ‬
‫ِ‬
‫ل َهلُ‪َ ،‬وه َُو َو ِليُّ ُه ِيف يَقَ َظ ِت ِه َو َمنَا ِم ِه‪َ ،‬و َحيَاتِ ِه َو ِعندَ َموتِ ِه َو ِيف قَ ِبه‪ِ،‬‬ ‫فَلَي َس آَ َحد آَنفَ َع ِلل َعب ِد ِمن ُحص َب ِة ال َم َ ِ‬
‫س ِه‪َ ،‬و ُ َحي ِار ُب عَن ُه عَدُ هو ُه‪َ ،‬ويُدَا ِف ُع عَن ُه َويُ ِعي ُن ُه عَلَي ِه‬
‫َو ُمؤ ِن ُس ُه ِيف َوح َش تِ ِه‪َ ،‬و َصا ِح ُب ُه ِيف خَل َوتِ ِه‪َ ،‬و ُم َح ِدثُ ُه ِيف ِ ِ‬
‫َ ُهل ُم َعقِبَات ِمن ب َ ِني يَدَ ي ِه َو ِمن خَل ِف ِه َحي َف ُظون َ ُه ِمن آَم ِر ه ِ‬
‫اّلل‬

‫رش ُه ِب ِه‪َ ،‬و ُ ِحيث ُّ ُه عَ َىل التهص ِد ِيق َِبل َح ِق‪ََ َ ،‬ك َج َاء ِيف َالثَ ِر ه ِاذلي يُر َوى َمرفُوعًا َو َموقُوفًا‪:‬‬ ‫‪َ ،‬وي َ ِعدُ ُه َِبلخ َِي َويُبَ ِ ُ‬
‫ل ِبقَل ِب اب ِن آ آ َد َم لَ هم ًة‪َ ،‬ولِ هلش ي َط ِان ل َ هم ًة‪ ،‬فَلَ هم ُة ال َم َ ِ‬
‫ل‪ :‬اي َعاد َِبلخ َِي َوتَص ِديق َِبل َوع ِد‪َ ،‬ول َ هم ُة‬ ‫«ا هن لِل َم َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لرش َوتَك ِذيب َِبل َح ِق» ‪.‬‬ ‫الش ي َط ِان‪ :‬اي َعاد َِب ِه‬ ‫ه‬
‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫يقول رمحه هللا تعال‪ " :‬فليس آحد آنفع للعبد من حصبة املالئكة هل هذه الصحبة َّل يفرط فْيا العاقل‬
‫بل حيرص عىل حفظها واحملافظة علْيا والعمل عىل آس باب تنيَتا وبقاهئا هذا عني العقل‪ :‬حصبة َّل يفرط‬
‫فْيا َّل يفرط يف حصبة املالئكة عاقل بل حصبَتم غنمية والطاعات معوما تُفيض ال تقق هذه الصحبة‬
‫ملالئكة الرمحن ‪َّ-,‬ل يفرط يف حصبَتم‪ -‬بل حيافظ وحيرص علْيا والعمل عىل آس باب تنيَتا وبقاهئا‪ ،‬لن‬
‫حصبَتم غنمية والطاعات معوم ًا تفيض ال حصبة املالئكة‪،‬‬
‫واذا ابتعد املرء عن الطاعة ودخل يف املعصية خرج من هذه الصحبة ودخل يف حصبة الش يطان‪،‬‬
‫وآصبح آحصابه الش ياطني مه اذلين يتولونه و مه اذلين حيركونه ويؤزونه ال املعايص آزاً‬
‫ويف الثر اذلي ذكر رمحه هللا‪ :‬آن لل َم َل ملةـة وللش يطان ملةـة‬
‫آي ملةـة للقلب‪ :‬ويه اخلطرة اليت تكون يف القلب‪ ،‬فلمةـة امللةـگ ايعاد َبخليـــر وتصديق َبلوعد‪ ،‬وملـــة‬
‫الش يطان ايعاد َبلشـــر وتكذيب َبحلق‪،‬‬
‫وهذا يوحض آن حصبة املالئكة خي لكها وحصبة الش ياطني رش لكها وموجبات حصبة املالئكة طاعة هللا‬
‫وموجبات حصبة الش ياطني معصية هللا س بحانه وتعال‪.‬‬

‫الس ِديدَ‪َ ،‬وا َذا ب َ ُعدَ ِمن ُه َوقَ ُر َب‬ ‫ل ِم َن ال َعب ِد تَ َلكه َم عَ َىل ِل َسا ِن ِه‪َ ،‬وآَلقَى عَ َىل ِل َسا ِن ِه القَو َل ه‬ ‫َوا َذا اش تَ هد قُر ُب ال َم َ ِ‬
‫ل‬‫الش ي َط ُان‪ ،‬تَ َلكه َم عَ َىل ِل َسا ِن ِه‪َ ،‬وآَلقَى عَلَي ِه قَو َل ُّالز ِور َوال ُفح ِش‪َ ،‬ح هّت يُ َرى هالر ُج ُل يَتَ َلكه ُم ِعَ َىل ِل َسا ِن ِه ال َم َ ُ‬ ‫ِه‬
‫اّلل‬
‫ض هُ‬ ‫الس ِكينَ َة تَن ِط ُق عَ َىل ِل َس ِان ُ َمع َر» ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫يث‪ِ « :‬ا هن ه‬ ‫الش ي َط ُان َو ِيف ال َح ِد ِ‬ ‫َو هالر ُج ُل يَتَ َلكه ُم عَ َىل ِل َسا ِن ِه ه‬
‫ل‪،‬‬ ‫الصا ِل ِح فَ َي ُقو ُل‪َ :‬ما آَلقَا ُه عَ َىل ِل َسا ِن َك ا هَّل ال َم َ ُ‬
‫الصا ِل َح َة ِم َن هالر ُج ِل ه‬‫عَن ُه ‪َ -‬و ََك َن آَ َحدُ ُمه ي َس َم ُع ال َ ِلك َم َة ه‬
‫ِ‬
‫ل يُل ِق َِبلقَل ِب ال َح هق َويُل ِقي ِه عَ َىل‬ ‫الش ي َط ُان‪ ،‬فَال َم َ ُ‬‫َوي َس َم ُع ِض هدهَا فَ َي ُقو ُل‪َ :‬ما آَلقَاهَا عَ َىل ِل َسا ِن َك ا هَّل ه‬
‫ِ‬
‫الش ي َط ُان يُل ِق ال َبا ِط َل ِيف القَل ِب َو ُجي ِري ِه عَ َىل الل ِ َس ِان‪.‬‬ ‫الل ِ َس ِان‪َ ،‬و ه‬

‫ولهذا آُمر العبةـد عند اش تداد غضبه وحصول الغضب آن يتعوذ َبهلل من الش يطان ملاذا؟ ‪ -‬لن‬
‫الش يطان حيرض ساعة الغضب‪ ،‬وينَتزها فرصة‪ ،‬ليلقـــ عىل لسانه من الالكم ما يرتتب عليه الفساد‬
‫العظمي والرش الكبي ‪ ،‬من الالكم القبيح واللفاظ البذيئة واجلرآة اخلطية يف القوال السيئة القبيحة؛‬
‫لن الش يطان حيرض فاذا اس تعاذ َبهلل ‪.‬من الش يطان ذهب ومل يكن هل آي فرصة ليلق عىل لسان‬
‫املس تعيذ َبهلل من الش يطان الرجمي آي الكم من مثل هذا‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫فالش يطان حيرض يف مثل هذا ويلق عىل لسان املتحدث ولهذا قد يتحدث اَّلنسان يف بعض حلظاته‬
‫عىل لسان الش يطان مبا ميليه عليه الش يطان وخيطره يف قلبه من السوء والقبح والفساد وهذا لكه من‬
‫عواقب املعايص الوخمية وآَضارها عىل العبد‬

‫قال‪ :‬مفن عقوبة املعايص آَّنا تبعد من العبد وليه اذلي سعادته يف قربه واجاورته ومواَّلته ‪-‬يعين املالئكة‪-‬‬
‫وتدن منه عدوه اذلي شقاؤه وهالكه وفساده يف قربه ومواَّلته ‪ -‬ومه الش ياطني‪-‬‬
‫دَي النه ِ ِيب ‪-‬‬ ‫ل ل َ ُينَا ِف ُح َع ِن ال َعب ِد‪َ ،‬ويَ ُر ُّد عَن ُه ِا َذا َس ِف َه عَلَي ِه ه‬
‫الس ِفي ُه َو َس هبهُ‪ََ َ ،‬ك اختَ َص َم ب َ َني ي َ ِ‬ ‫َح هّت ا هن ال َم َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ﷺ ‪َ -‬ر ُجال ِن‪ ،‬فَ َج َع َل آَ َحدُ ُ َُها ي َُس ُّب الآخ ََر َوه َُو َساكت‪ ،‬فَتَ َلك َم ِب َلك َمة يَ ُر ُّد ّبِ َا عَىل َصاح ِبه‪ ،‬فَقَا َم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل يُنَا ِف ُح‬ ‫اّلل ل َ هما َردَد ُت عَلَي ِه بَع َض قَو ِ ِهل قُم َت‪ ،‬فَقَا َل‪ََ « :‬ك َن ال َم َ ُ‬ ‫النه ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فَقَا َل‪َ :‬اي َر ُسو َل ه ِ‬
‫الش ي َط ُان فَ َمل َآ ُكن ِ َلج ِل َس» ‪.‬‬ ‫عَن َك‪ ،‬فَلَ هما َردَد َت عَلَي ِه َج َاء ه‬
‫ل عَ َىل ُدعَائِ ِه‪َ ،‬وقَا َل‪َ « :‬و َ َِل ِب ِمثل» ‪.‬‬ ‫َوا َذا َدعَا ال َعبدُ ال ُمس ِ ُمل ِ َل ِخي ِه ب َِظه ِر الغَي ِب آَ هم َن ال َم َ ُ‬
‫ِ‬
‫ات ِة آَ همنَ ِت ال َم َالئِكَ ُة عَ َىل ُدعَائِ ِه‪.‬‬ ‫َوا َذا فَ َر َغ ِمن ِق َر َاء ِة ال َف ِ َ‬
‫ِ‬
‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬اس تَغ َف َر َ ُهل َ َمح َ ُل ال َعر ِش َو َمن َحو َ ُهل‪.‬‬ ‫ِيَل َو ُس نه ِة َر ُس ِ ِ‬
‫َوا َذا آَذن ََب ال َعبدُ ال ُم َو ِِحدُ ال ُمته ِب ُع ِل َسب ِ ِ‬
‫ِ‬
‫َوا َذا انَ َم ال َعبدُ عَ َىل ُوضُ وء ََب َت ِيف ِش َع ِار َم َل‪.‬ولكام استيقظ من الليل اس تغفر هل‬
‫ِ‬
‫ل ال ُمؤ ِم ِن يَ ُر ُّد عَن ُه َو ُ َحي ِار ُب َويُدَ ا ِف ُع عَنهُ‪َ ،‬وي ُ َعلِ ُم ُه َويُثَب ِ ُت ُه َوي ُشَ ِج ُعهُ‪ ،‬فَ َال ي َ ِل ُيق ِب ِه آَن ي ُِِس َء ِج َو َار ُه َوي ُ َبا ِل َغ‬ ‫فَ َم َ ُ‬
‫ِيف آَ َذا ُه َو َطر ِد ِه عَن ُه َواب َعا ِد ِه‬
‫ِ‬
‫اذا دخل يف املعايص وحصبة العصاة واجالس املعصية وآولع ّبذا المر حصل منه هذا اذلي حيذر منه‬
‫ابن القمي رمحه هللا بقوهل ‪:‬فال يليق به آن يِسء جواره وآن يبالغ يف آذاه وطرده عنه وابعاده َّل يليق به؛‬
‫لن حصبة هؤَّلء غنمية فاذا دخل يف طريق املعصية وحصبة العصاة والفساق وآهل الفجور مفعىن ذِل‬
‫آنه‪ :‬جىن عىل نفسه َببعاد هؤَّلء املالئكة عنه‪.‬‬

‫وجبَا ِت ِه‬
‫‪ ،‬فَان ه ُه ضَ ي ُف ُه َو َج ُار ُه‪َ .‬وا َذا ََك َن اك َرا ُم الضه ي ِف ِم َن ال آ َد ِميِ َِني َواَّلح َس ُان ا َل ال َج ِار ِمن ل َ َو ِاز ِم اَّلمي َ ِان َو ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫كام قال عليه الصالة والسالم‪َّ (( :‬ل يؤمن آحدُك حّت يكرم ضيفه – حّت يكرم جاره )) هذا اجلار من‬
‫الآدميني فكيف ّبؤَّلء املالئكة الكرام الطهار البرة‬

‫الظ ُّن َِبك َرا ِم َآك َر ِم َالض َي ِاف‪َ ،‬وخ َِي الجِ َي ِان َوآَبَ ِر ِمه؟ ‪ -‬يقصد املالئكة‪-‬‬ ‫‪ ،‬فَ َما ه‬
‫ِ‬
‫الظ ِمل َوال َف َوا ِح ِش َدعَا عَلَي ِه َربههُ‪َ ،‬وقَا َل‪ََّ :‬ل َج َزاكَ ه ُ‬
‫اّلل خ ًَيا‪ََ َ ،‬ك‬ ‫َوا َذا آ آ َذى ال َعبدُ ال َم َ َ‬
‫ل ِبأَن َواعِ ال َم َع ِايص َو ُّ‬
‫ِ‬
‫يَدعُو َ ُهل ا َذا َآك َر َم ُه َِب هلطاعَ ِة َواَّلح َس ِان‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اّلل َعْنُم ‪ :-‬ا هن َم َع ُك َمن ََّل ي ُ َف ِارقُ ُك‪ ،‬فَاس َتح ُيوا ِمْنُم َو َآك ِر ُم ُ‬
‫ومه‪.‬‬ ‫ض هُ‬ ‫الص َحاب َ ِة ‪َ -‬ر ِ َ‬ ‫قَا َل بَع ُض ه‬
‫ِ‬
‫من َّل يُفارقك يقصد املالئكة‪ .‬وهؤَّلء ينبغ آن يُك ِرم املرء ه ِذ ِه الصحبة من املالئك ِة هل واملرافقة من‬
‫املالئك ِة هل‪،‬‬

‫َو ََّل آَ َل َم ِم همن ََّل ي َس تَ ِح ِم َن الكَ ِر ِمي ال َع ِظ ِمي القَد ِر‪َ ،‬و ََّل ُجي ُّ َُِل َو ََّل ي ُ َوقِ ُر ُه‪َ ،‬وقَد نَبه َه ُس ب َحان َ ُه عَ َىل َه َذا ال َمع َىن‬
‫ون} [ ُس َور ُة ِاَّلن ِف َطا ِر‪ ]12 - 10 :‬آَ ِي اس تَح ُيوا‬ ‫ون َما تَف َعلُ َ‬ ‫ِبقَو ِ ِهل‪َ { :‬وا هن عَلَي ُك ل َ َحا ِف ِظ َني ‪ِ -‬ك َرا ًما ََكتِب َِني ‪ -‬يَعلَ ُم َ‬
‫ون آَن يَ َر ُاُك عَلَي ِه َمن ه َُو ِمثلُ ُك‪،‬‬ ‫ومه آَن يَ َروا ِمن ُك َما تَس تَح ُي َ‬ ‫ومه‪َ ،‬وآَ ِجل ُّ ُ‬‫ِمن َه ُؤ ََّل ِ ِء ال َحا ِف ِظ َني ال ِك َرا ِم َوآَك ِر ُم ُ‬
‫َوال َم َالئِكَ ُة تَتَأَ هذى ِم هما يَتَأَ هذى ِمن ُه ب َ ُنو آ آ َد َم‪َ ،‬وا َذا ََك َن اب ُن آ آ َد َم يَتَأَ هذى ِم همن يَف ُج ُر َويَع ِص ب َ َني يَدَ ي ِه‪َ ،‬وان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظ ُّن ِبأَ َذى ال َم َالئِ َك ِة ال ِك َرا ِم ال َاكتِب َِني؟ َو ه ُ‬
‫اّلل ال ُمس تَ َع ُان‪.‬‬ ‫ََك َن يَع َم ُل ِمث َل َ َمع ِ َِل‪ ،‬فَ َما ه‬

‫قوهل عليه الصالة والسالم ‪ :‬واملالئكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آآدم هذا نعرف قصة اخبار النيب‬
‫ﷺ ّبذا اخلب وآنه يتعلق مبن آّك ثو ًما آو ًبصال؛ لن هذا يؤذي املصلني واذلي يؤذي املصلني‬
‫يؤذي املالئكة‪ ،‬فلام قال عليه الصالة والسالم "ان املالئكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آآدم" هذا يقتيض‬
‫آن يتجنب المر اذلي يؤذي املالئكة ‪ ،‬بل آن حيرص عىل المور اليت تقرّبم‬
‫فهذه قاعدة بل فائدة عظمية تس تفاد من هذا احلديث‪ :‬آن العبد ينبغ آن حيرص عىل المور اليت تقرب‬
‫املالئكة وتدنْيم منه فان قرّبم منه ودنومه منه وهذه غنمية عظمية للعبد وآن حيرص يف الوقت نفسه‬
‫عىل البعد عن العامل اليت تؤذي املالئكة ‪،‬‬
‫فايذاء هؤَّلء الكرام البرة معل َّل يليق َبلرجل الشهم الكرمي الفاضل اخل َِي ‪َّ-‬ل يليق به آن يأيت بعمل‬
‫يؤذي املالئكة ‪-‬واملالئكة كام آخب نبينا عليه الصالة والسالم تتأذى مما يتأذى منه بنو آ آدم ‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫وآجدها مناس بة ذكر هذا احلديث‪( -‬آن بعض الصامئني عىس هللا عز وجل للجميع التوفيق والقبول‬
‫والبكة بعضهم جيعل مما ميسك عليه آو من آآخر ما ميسك عليه يف السحور ُرشب ادلُ خان مث يدخل‬
‫املصىل آو املسجد وهو رشب هذا ادلخان قبل قليل ورمبا آن بعضهم عىل مقربة من َبب املسجد اذلي‬
‫يصليه يطفئ هذا ادلخان مث يدخل ّبذه الراحئة الكرهية فيؤذي املصلني ويؤذي املالئكة‬
‫وادلخان هل راحئة كرهية مؤذية آشد الذى واملدخن لكونه يتعاطاه َّل يشعر ّبذا ويظن آَّنا راحئة يعين‬
‫عادية جدا لكن الواقع آَّنا تؤذي اَّلنسان آشد الذى وتتعبه حّت يف صالته فال يس تطيع آن خيشع وَّل‬
‫يس تطيع آن يطمنئ واذا اش تدت الراحئة حّت بعض املصلني يفكر آن يرتك الصالة وينتقل ال ماكن‬
‫آآخر حّت يسمل من هذا الذى فكيف يرىض هذا املبتىل َبدلخان آن يصل ال هذه املرحل الشديدة‬
‫يف ايذاء املصلني وايذاء املالئكة ‪-‬مالئكة الرمحن‪ -‬فان املالئكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آآدم واذلي‬
‫ينبغ عىل املدخن هو آن يس تغل شهر الصيام لرتك ادلخان لكية وآن يس تفيد من شهر الصيام العظمي‬
‫املبارك ليرتك هذا ادلخان اذلي َّل خي فيه وَّل منفعة بل هو مرضة حبتة ورش حبت وَّل نفع فيه آبدا‬
‫فشهر الصيام فرصة هل آن يرتك هذا ادلخان فان مل يس تطع تركه فليتجنب هذا الذى العظمي َّلخوانه‬
‫املصلني حبيث َّل يقرب هذا ادلخان الوقت اذلي يقبل فيه آو يدنو فيه وقت الصالة‪.‬‬

‫قال رمحه هللا [فَصل ال َم َع ِايص َمجلَ َب ُة اله ََالكَ ]‬


‫يه آَم َراض‪َ ،‬م َّت‬ ‫َو ِمن ُع ُق َوَبِتِ َا‪ :‬آََّنه َا تَس َتج ِل ُب َم َوا هد ه ََال ِك ال َعب ِد ِمن دُن َيا ُه َوآ آ ِخ َرتِ ِه‪ ،‬فَا هن ا ُّذلن َ‬
‫ُوب ِ َ‬ ‫ِ‬
‫حصي ًحا ا هَّل ِب ِغ َذاء َحيفَظُ قُ هوتَهُ‪َ ،‬واس ِتف َراغ ي َس تَف ِرغُ‬ ‫ون َ ِ‬ ‫اس تَح ََكَت قَتَلَت َو ََّلبُده‪َ ،‬و َ ََك آَ هن ال َب َ‬
‫دَن ََّل يَ ُك ُ‬
‫ِ‬
‫َض َر ُه‪،‬‬‫ال َم َوا هد ال َف ِاسدَ َة َو َالخ َال َط هالر ِدي ه َة‪ ،‬ال ه ِيت َم َّت غَلَ َبت آَف َسدَ تهُ‪َ ،‬و ِمح َية يَم َتنِ ُع ّبِ َا ِم هما يُؤ ِذي ِه َو َخي َش ََ‬
‫الصا ِل َح ِة‪َ ،‬تفَظُ قُ هوتَهُ‪َ ،‬واس ِتف َراغ َِبلتهوب َ ِة‬ ‫فَكَ َذ ِ َِل القَل ُب ََّل ت ِ َُُّت َحيَاتُ ُه ا هَّل ِب ِغ َذاء ِم َن اَّلمي َ ِان َو َال َمعالِ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص هح ِة َو َ َجتنُّ َب َما‬
‫ُوج ُب َ ُهل ِحفظَ ِ‬ ‫النه ُصوحِ‪ ،‬تَس َتف ِر ُغ ال َم َوا هد ال َف ِاسدَ َة َو َالخ َال َط هالر ِدي ه َة ِمنهُ‪َ ،‬و ِمح َية ت ِ‬
‫يه ِع َب َارة َع ِن اس تِع َمالِ َما يُضَ ا ُّد ِ‬
‫الص هح َة‪.‬‬ ‫يُضَ ا ُّدهَا‪َ ،‬و ِ َ‬
‫دَر ِه‪.‬‬
‫ات ِم َن التهق َوى ِبقَ ِ‬ ‫َوالتهق َوى‪ :‬اس ُمتَنَا ِول ِلهَ ِذ ِه ُال ُم ِور الث َهالثَ ِة‪ ،‬فَ َما فَ َ‬
‫ات ِمْنَا فَ َ‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫يقول‪ :‬ومن عقوَبت اذلنوب آَّنا تس تجلب مواد هالك العبد يف دنياه وآآخرته فان اذلنوب يه آمراض مّت‬
‫اس تحَكت قتلت وَّلبد ‪,‬وكام آن البدن َّل يكون حصيحا اَّل بغذاء حيفظ قوته واس تفراغ يس تفرغ املواد الفاسدة‬
‫والخالق الرديئة ومحية ميتنع ّبا عام يؤذيه‬
‫هذا يقول آمر نعهده بل كثي من الناس يعتين به عناية دقيقة‪ :‬مسأةل الطعام والغذاء يعتين به عناية دقيقة‪:‬‬
‫‪ -‬من هجة الغذاء الصحيح اذلي يكون به حصة البدن وسالمته وقوته‪,‬‬
‫‪ -‬ومن هجة اس تفراغ املواد الفاسدة ‪,‬والخالط اذا وجدت فيأخذ من الدوية آو الرشبة آو َنو ذِل اذلي‬
‫خيرج عنه الخالط الفاسدة اليت بقاءها بقاء مرضة عىل البدن‪,‬‬
‫والمر الثالث‪ :‬امحلية اليت يه منع النفس من املؤذي آو اليشء اذلي خيش َضره وجتد يف كثي من الناس من‬
‫يعتين ّبذا المر عناية كبية جدا ويتفقه فيه ويسأل عن تفاصيَل ويف كثي من اجالس الناس يتحدثون عن امحلية‬
‫وما اذلي يُنصح بأن يُتقى من الطعام واذا حدث آحدمه آن الطعام الفالن آو الرشاب الفالن فيه فوائد كذا‬
‫وكذا وكذا للبدن آقبلوا عليه وتنافسوا عىل رشبه آو آلكه ‪,‬واذا حدثوا عن نوع من الطعام آن فيه من املرضة كذا‬
‫وكذا اتقوه و جتنبوه فهو حديث هيم الناس هذا التعامل مع الطعام ّبذه الصفة وَّل حرج يف ذِل آن يوجد من‬
‫املرء مثَل آو آعظم منه فامي يتعلق بأمر ادلين آول وآجدر فتجد اَّلنسان يأخذ حبمية آحياان تكون شديدة عليه‬
‫اتقاء لبعض المراض‬
‫فيحمت من بعض الطعمة خوف مرضِتا وَّل حيمت من املعايص واذلنوب خوف معرِتا مع ان الاحامتء من‬
‫املعايص واذلنوب آعظم املعايص تفيض َبملرء ال النار وهذه مرضة عظمية شديدة عىل بدن املرء َّل حيمتلها وآما‬
‫الطعمة فان مرضِتا عىل البدن وهذا مطلوب امحلية منه وهذا مطلوب لكن آمر ادلين آعظم وشأنه آجل‪.‬‬

‫ُوب ُمضَ ادهة ِلهَ ِذ ِه ُال ُم ِور الث َهالثَ ِة‪ ،‬فَاَّنه َا تَس تَج ِل ُب ال َم َوا هد ال ُمؤ ِذي َ َة َوت ِ‬
‫ُوج ُب‬ ‫قال ‪َ :‬وا َذا تَ َب ه َني َه َذا فَا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التهخليطِ ال ُمضَ ا هد ِلل ِحم َي ِة‪َ ،‬وتَمنَ ُع ِاَّلس ِتف َرا َغ َِبلتهوب َ ِة النه ُصوحِ‪.‬‬

‫هو رمحه هللا قال قبل ذِل ‪ :‬فكذِل القلب َّل تُت حياته اَّل بغذاء من اَّلميان والعمل الصاحل‪:‬‬
‫تفظ قوته هذا المر الول‪,‬‬
‫والثان‪ :‬اس تفراغ َبلتوبة النصوح تُس تفرغ ّبا املواد الفاسدة والخالق الرديئة منه‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫والمر الثالث‪ :‬محية توجب هل حفظ الصحة وجتنب ما يضادها ويه عبارة عن ترك اس تعامل ما يضاد‬
‫الصحة والتقوى اس يتناول ذِل لكه ‪,‬يقول رمحه هللا ‪ :‬املعايص واذلنوب مضادة لهذه المور الثالثة ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬فَان ُظر ا َل بَدَن عَ ِليل قَد تَ َر َاَكَت عَلَي ِه َالخ َال ُط َو َم َوا ُّد ال َم َر ِض‪َ ،‬وه َُو ََّل ي َس َتف ِرغُهَا‪َ ،‬و ََّل َحي َت ِم لَهَا‪،‬‬
‫ِ‬
‫ون ِ ه‬
‫حص ُت ُه َوبَقَا ُؤ ُه‪َ ،‬ولَقَد آَح َس َن القَائِ ُل‪:‬‬ ‫َكي َف تَ ُك ُ‬
‫ِجس ُم َك َِبل ِحم َي ِة َح هصن َت ُه ‪َ ...‬مخَافَ ًة ِمن آَلَم َط ِاري‬
‫َو ََك َن آَو َل ب َِك آَن تمت ‪ِ ...‬م َن ال َم َع ِايص خَش َي َة ال َب ِاري‬

‫هذان البيتان عظامين يف هذا املعىن اجلليل اذلي دل عليه وهو يصور واقع كثي من الناس‬
‫يقول ‪ :‬جسمك َبمحل ِية حصنته‪ :‬حصنت جسمك َبمحل ِية عن بعض الطعمة‪ ,‬بعض الرشبة‪ ,‬بعض‬
‫حفاظا عىل الصحة‪ ,‬وبقاء اجلسم سلميًا ‪,‬جسمك َبمحل ِية حصنته خمافة من آمل طارئ َتش من‬
‫المور ً‬
‫مرض يطرآ عليك بسبب عدم العناية ّبذه امحلية وهذا النوع من امحلية حيافظ عليه كثي من الناس‬
‫ً‬
‫حفظا لصحته‪.‬‬
‫قال‪ :‬وَكن آول بك آن تمت من املعايص خش ية الباري‪ :‬جتنب املعايص محية واتقاء لسخط الباري‬
‫س بحانه وتعال آول من امحلية من بعض الطعمة ‪,‬ومحية اَّلنسان لنفسه من بعض الطعمة اذلي خيش‬
‫مرضِتا عليه َّل يشء يف ذِل‪ ,‬لكن امحلية من املعايص آول فاذا َكن يريد جلسمه اخلي مفن اخلي هل آَّل‬
‫يعص هللا؛ لن هذا مرضة عىل اجلسم وموجب للعقوبة ‪.‬‬

‫قال‪ :‬فَ َمن َح ِفظَ ال ُق هو َة َِبم ِتثَالِ َال َوا ِم ِر‪َ ،‬واس تَع َم َل ال ِحم َي َة َِبج ِتنَ ِاب النه َو ِايه‪َ ،‬واس تَف َر َغ التهخليطِ َِبلتهوب َ ِة‬
‫اّلل ال ُمس َت َع ُان‪.‬‬ ‫النه ُصوحِ‪ ،‬لَم يَدَع لِلخ َِي َمطلَ ًبا‪َ ،‬و ََّل ِم َن ه ِ‬
‫الرش َمه َر ًَب‪َ ،‬و ه ُ‬

‫هذه خالصة عظمية جدً ا قال ‪ :‬مفن حفظ القوة َبمتثال الوامر امتثال الوامر حفظ للقوة ‪,‬ولهذا يف‬
‫احلديث) ‪ :‬املؤمن القوي خي من املؤمن الضعيف) وهذه القوة يه َبلطاعة ‪-‬طاعة هلل ‪-‬وامتثال آمره‬
‫س بحانه وتعال ‪.‬‬
‫واس تعامل امحلية َبجتناب النوايه‪ :‬آي البعد عن ّك ما َّنيى هللا س بحانه وتعال عنه‬
‫واس تفراغ التخليط َبلتوبة النصوح؛ لن التوبة جتب ومتحو َبذن هللا س بحانه وتعال‬
‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع والعشرون‬

‫فهذا فيه اس تفراغ التخليط اذلي قد يكون وقع فيه اَّلنسان قد قال ‪ :‬عليه الصالة والسالم ‪ّ " :‬ك بين‬
‫آآدم خطاء وخي اخلطائني التوابون "‬
‫همرَب وهللا املس تعان‬
‫قال ‪ :‬مفن َكن كذِل مل يدع للخي مطل ًبا وَّل من الرش ً‬
‫وّبذا يكون آَّنيى رمحه هللا عد النواع اليت آخذ يعدها رمحه هللا والعواقب اليت ترتتب عىل اذلنوب‬
‫لكنه انتقل ال فصل آآخر من جنس هذا يف التحذير من اذلنوب وبيان مضارها عىل العبد من هجة ذكر‬
‫العقوَبت اليت جاءت يف الرشيعة والعقوَبت زواجر وروادع عن املعايص واذلنوب ‪.‬‬
‫نسأل هللا الكرمي آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدان عل ًما وتوفيقًا وآن يصلح لنا شأننا لكه وآن َّل يلكنا‬
‫ال آنفس نا طرفة عني وآن هيدينا اليه رص ًاطا مس تقميًا انه تبارك وتعال مسيع ادلعاء وهو آهل الرجاء‬
‫وهو حسبنا ونعم الوكيل ‪.‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما حيول بيننا وبني معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا‬
‫به جنتك ومن اليقني ما ِتون به علينا مصائب ادلنيا اللهم متعنا بأسامعنا وآبصاران وقواتنا ما آحييتنا‬
‫وآجعَل الوارث منا وآجعل ثأران عىل من ظلمنا وانرصان عىل من عاداان وَّل جتعل مصيبتنا يف ديننا وَّل‬
‫جتعل ادلنيا آكب ُهنا وَّل مبلغ علمنا وَّل تسلط علينا من َّل يرمحنا ‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وحبمدك آشهد آن َّل اهل اَّل آنت آس تغفرك وآتوب اليك ‪ .‬اللهم صل وسمل عىل عبدك‬
‫َو َر ُس ِ َ‬
‫وِل نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪.‬‬
‫خيا‬
‫جزاُك هللا ً‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني آما بعد ‪ :‬فيقول بن القمي‬
‫اجلوزية رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫الَّش ِعير ُة عَ َىل الْ َم َع ِاص]‬


‫قال‪[ :‬فَ ْص ٌل الْ ُع ُق َوَب ُت ر ْ‬
‫َش َعهَا ر ُ‬
‫اَّلل‬ ‫ِض ُه الْ ُع ُق َوَب ِت ر ْ‬
‫الَّش ِعير َة ال ر ِِت َ َ‬ ‫فَا ْن ل َ ْم تَ ْر َدعْ َك َه ِذ ِه الْ ُع ُق َوَب ُت‪َ ،‬ول َ ْم ََتِدْ لَهَا تَأْ ِث ًريا ِيف قَلْب َِك‪ ،‬فَأَ ْح ِ ْ‬
‫ِ‬
‫الط ِر ِيق عَ َىل‬ ‫اِه‪َ ،‬وقَ َط َع الْ َيدَ َو ِالر ْج َل ِيف قَ ْطع ِ ر‬ ‫َسقَ ِة ثَ ََلثَ ِة د ََر َِ‬ ‫َ َ َِ‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫دَ‬‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬‫ط‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫َ‬
‫مَك‬‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اِئ‬ ‫ْ‬
‫َو َ ُ َ َ َ ِ‬
‫ر‬‫ج‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وهل‬ ‫س‬‫ر‬
‫َم ْع ُصو ِم الْ َمالِ َوالنر ْف ِس‪َ ،‬و َش رق الْجِ ْ َْل َِب رلس ْو ِط عَ َىل َ َِك َم ٍة قَ َذ َف ِبِ َا الْ ُم ْح َص ُن‪ ،‬آَ ْو قَ ْط َر ِة َ َْخ ٍر يُدْ ِخلُهَا َج ْوفَهُ‪،‬‬
‫َوقَتَ َل َِبلْ ِح َج َار ِة آَ ْش نَ َع ِق ْت َ ٍَل ِيف ا َيَل ِج الْ َحشَ َف ِة ِيف فَ ْرجٍ َح َرا ٍم‪َ ،‬و َخفر َف َه ِذ ِه الْ ُع ُقوب َ َة َ رَع ْن لَ ْم ت ِ رَِت عَلَ ْي ِه ِن ْع َم ُة‬
‫ِ‬
‫ْاْل ْح َص ِان ِب ِمائ َ ِة َج ْ َْل ٍة‪َ ،‬وي ُ ْنفَى َس نَ ًة َع ْن َو َطنِ ِه َوب َ َ ِْل ِه ا ََل ب َ َ ِْل الْغ ُْرب َ ِة‪َ ،‬وفَ رر َق ب َ ْ َني َرآْ ِس الْ َع ْب ِد َوبَدَ ِن ِه ا َذا َوقَ َع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ََل َة الْ َم ْف ُروضَ َة‪ ،‬آَ ْو تَ ََكر َم ِب َ َِك َم ِة ُك ْف ٍر‪َ ،‬وآَ َم َر ِبقَ ْت ِل َم ْن َو ِط َئ َذكَ ًرا ِمث َُْلَ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عَىل ذات َرح ٍم منْهُ‪ ،‬آ ْو تَ َركَ ر‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وت الْ ُمتَخ َِل ِف َني َع ِن‬ ‫َوقَ ْت ِل الْ َم ْف ُعو َل ِب ِه‪َ ،‬وآَ َم َر ِبقَ ْت ِل َم ْن آَ ََت ِبَ ِ مي َ ًة َوقَ ْت ِل الَْبَ ِمي َ َة َم َعهُ‪َ ،‬و َع َز َم عَ َىل َ َْت ِر ِيق ب ُ ُي ِ‬
‫اَّلل عَ َىل الْ َج َر ِ ِاِئ‪َ ،‬و َج َعلَهَا ِ ِب َْمْكَ ِت ِه عَ َىل َح َس ِ‬ ‫الص ََل ِة ِيف الْ َج َماعَ ِة‪َ ،‬وغَ ْ ِري َذ ِ َِل ِم َن الْ ُع ُق َوَب ِت ال ر ِِت َرترَبَ َا ر ُ‬ ‫ر‬
‫ْل الْ َج َر ِ ِاِئ‪َ ،‬و َح َس ِ الْ َو ِازعِ َعْنْ َا‪.‬‬ ‫ادلروا ِعي ا ََل تِ ْ َ‬
‫َ ِ‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ْل اهل اْل هللا وحده ْل َشيك هل ‪,‬وآشهد آن محمدًا عبده ورسوهل اللهم‬
‫صل وسمل عىل عبدك َو َر ُس ِ َ‬
‫وِل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني ‪,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بِام‬ ‫ِ‬
‫علمتنا وزدان عل ًما وآصلح لنا شأننا َكه وْل تَكنا اَل آنفس نا طرفة عني‪ ..‬آما بعد ‪,‬‬
‫فلام آهنىى املصنف رمحه هللا تعاَل عده لعقوَبت اذلنوب ‪,‬وآطال يف عدها يف فصول كثرية وقد بلغت‬
‫العقوَبت الِت ذكر رمحه هللا تعاَل ما يقرب من امخلسني عقوبة وعاقبة من عواق اذلنوب‪ ,‬ومضارها‬
‫الوخمية‪ ,‬ولك واحد من تْل العقوَبت بد ذاته اكيف يف ردع املرء عن اقرتاف اذلنوب‬
‫وغش ياهنا ‪,‬فكيف ِبا ويه ِبذه الكرثة؟! وِبذا العدد ؟! ولهذا فان قراءة هذه العقوَبت والتأمل فهيا‬
‫يعد من آعظم الروادع ‪,‬وآكرب الزواجر الِت توقف اْلنسان وَتجزه َبذن هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬عن فعل‬
‫اذلنوب واقرتافها ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫فصَل جديدً ا لبيان نوع آخر من الزواجر عن اذلنوب ‪:‬ويه‬ ‫ملا آهنىى ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬عد ذِل عقد ً‬
‫احلدود ‪-‬احلدود الَّشعية املرتتبة عىل عدد من املعاص واجلراِئ واذلنوب ‪-‬وهذه احلدود الَّشعية كام آهنا‬
‫جوابر يف حق من اقرتفها فاهنا زواجر وروادع تردع الخرين اذا تَذكروا آن هذا العمل يوج يف‬
‫الَّشيعة تْل العقوبة ‪ ,‬و حده يف الَّشيعة يبلغ هذا المر من قطع ليد سارق آو جْل لشارب َخر آو‬
‫رمج لز ٍان حمصن آو جْل هل مع التغري اذا مل يكن حمصنا ‪..‬اَل غري ذِل من احلدود و العقوَبت‬
‫الَّشعية الِت فهيا آعظم ردع عن اقرتاف هذه اذلنوب‪ ,‬ولهذا ملا ذكر هللا ‪-‬س بحانه و تعاَل‪ -‬قتل القاتل‬
‫قال ‪َ { :‬ولَ ُ ْك ِيف الْ ِق َص ِاص َحيَاةٌ َي آُ ِول ْ َاللْ َب ِاب } لن هذا يردع و حيفظ لَلنسان نفسه من آن ي ُعتدى‬
‫عليه يف دمه ‪,‬و قل مثل ذِل يف بقية احلدود الَّشعية فان فهيا آعظم زاجر ‪ ،‬و لهذا قال ابن القمي رمحه‬
‫هللا تعاَل هنا ‪ :‬فان مل تردعك هذه العقوَبت ‪:‬آي ختوفك وهذا يقوهل ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬من َبب التنويع‬
‫يف البيان و اْل مامن شك آن العقوَبت الِت تقدمت لك واحد مْنا خيوف املرء آشد التخويف و حيذره‬
‫مْنا آشد التحذير‪ ,‬فكيف ِبا جممتعة تقرب من امخلسني عقوبة ؟‪ ،‬فأراد آن ينتقل اَل نوع آخر فقال ‪:‬‬
‫فان مل تردعك هذه العقوَبت‪ :‬آي ختوفك هذه العقوَبت ومل َتد لها تأثريا يف قلبك هذا اذلي ْل جيد‬
‫يف هذه العقوَبت َكها تأثريا يف قلبه ‪ ،‬قلبه يف مرض شديد ويف بصريته يف َعى و اْل هذه العقوَبت ْل‬
‫ري آهنا موقظات و تؤثر يف القل تأثريا َبلغا عظامي مفن مل يصل اَل قلبه تأثري لها وهو يقف علهيا‬
‫عقوبة تلوى الخرى فهذا يف قلبه مرض شديد ويف بصريته َعى وهو عىل خطر ومثل هذا النوع قد ْل‬
‫يردعه اْل سطوة احلدود فتكفه عن بعض اجلراِئ ْل يردعه مْنا خوف العقوَبت عىل تْل اذلنوب و‬
‫امنا يردعه عْنا احلدود ولهذا جاء يف الثر { ان هللا يزع َبلسلطان ماْل يزع َبلقرآن } يعين يوجد صنف‬
‫من الناس امنا يؤثر فيه و يردعه مثل هذه احلدود ‪ ،‬فَل يكف مثَل عن الرسقة خوفا من هللا س بحانه‬
‫تعاَل والعقوبة الِت يه يوم القيامة و القصاص اذلي يوم القيامة ‪ ،‬و امنا يكف عن الرسقة خوفا آن‬
‫يُضبط و تُقطع يده ‪..‬وهكذا يف املعاص الخرى ‪ ،‬فهذه احلدود الَّشعية فهيا زجر هذا من هجة ‪ ،‬من‬
‫هجة آخرى آن املرء اذا تأمل يف هذه العقوَبت و قوهتا يف حق من ارتك تْل العامل يدرك آن‬
‫الَّشيعة امنا جعلت هذه احلدود ِبذه القوة لن هذه العامل حقيقة مبثل هذه العقوَبت و هللا س بحانه‬
‫و تعاَل حكمي علمي خبري جل وعَل مما يدل عىل آن هذه املعاص آو اجلراِئ الِت آوجبت هذه العقوَبت‬
‫عظاِئ وآمور كبار وآمرها خطري ورضرها عىل اجملمتعات عظمي جدا مما جعلها تس توج مثل هذه‬
‫العقوَبت الِت ُحدت عقوب ًة لهذه العامل يف الَّشيعة ‪-‬نعم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫ْل الْ َج َر ِ ِاِئ‪َ ،‬و َح َس ِ الْ َو ِازعِ َعْنْ َا‪.‬‬ ‫قال رمحه هللا‪َ :‬و َج َعلَهَا ِ ِب َْمْكَ ِت ِه عَ َىل َح َس ِ ادل َروا ِعي ا ََل تِ ْ َ‬
‫ِ‬
‫فَ َما َاك َن الْ َو ِاز ُع َع ْن ُه َطب ِعيًّا َو َما لَيْ َس ِيف ِالط َباعِ دَاعٍ ال َ ْي ِه ا ْك ُت ِف َي َِبلتر ْح ِر ِمي َم َع التر ْع ِزي ِر‪َ ،‬ول َ ْم يُ َرتِ ْ عَلَ ْي ِه َح ًّدا‪،‬‬
‫ِ‬
‫لك الْ َم ْيتَ ِة‪.‬‬
‫َش ِب ا ردل ِم‪َ ،‬و َآ ْ ِ‬ ‫لك رالر ِجيعِ‪َ ،‬و ُ ْ‬ ‫َ ََك ْ ِ‬
‫الط ْبع ِ الَ ْي ِه‪.‬‬
‫َو َما َاك َن ِيف ِالط َباعِ دَاعٍ الَ ْي ِه َرت ر َ عَلَ ْي ِه ِم َن الْ ُع ُقوب َ ِة ِبقَدْ ِر َم ْف َسدَ تِ ِه‪َ ،‬و ِبقَدْ ِر دَا ِعي ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ِلهَ َذا ل َ رما َاك َن دَا ِعي ِالط َباعِ ا ََل ِالزانَ ِم ْن آَ ْق َوى ادل َروا ِعي َاكن َْت ُع ُقوب َ ُت ُه الْ ُع ْظ َمى ِم ْن آَ ْش نَع ِ الْ ِق ْت ََل ِت‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫السه َ َُْل آَعْىل آن َْواعِ ال َجْل َم َع ِز َي َدة التر ْغ ِري ِ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوآَع َْظ ِمهَا‪َ ،‬و ُع ُقوب َ ُت ُه ر‬
‫الرسقَ ِة قَ ِو ًّي َو َم ْف َسدَهتُ َا‬
‫ك َحالٍ ‪َ ،‬ول َ رما َاك َن َدا ِعي ر ِ‬ ‫َول َ رما َاكن َْت َج ِرمي َ ُة ا ِلل َو ِاط ِفهيَا ْ َال ْم َر ِان‪َ ،‬اك َن َح رد ُه الْقَ ْت ُل ِب ُ ِ‬
‫كَ َذ ِ َِل‪ ،‬قَ َط َع ِفهيَا الْ َيدَ‪.‬‬
‫َش ِب ِه الْجِ نَاي َ َة‪َ َ ،‬مَك آَفْ َسدَ عَ َىل قَا ِطع ِ ر‬
‫الط ِر ِيق يَدَ ُه َو ِر ْج َ َُل اللرتَ ْ ِني ُ َما‬ ‫َوتَأَ رم ْل ِح َْمْكَتَ ُه ِيف افْ َسا ِد الْ ُعضْ ِو ر ِاذلي ََب َ َ‬
‫ِ‬
‫آ َ َُل قَ ْط ِع ِه‪َ ،‬ول َ ْم يُ ْف ِسدْ عَ َىل الْقَا ِذ ِف ِل َسان َ ُه ر ِاذلي َج ََن ِب ِه‪ ،‬ا ْذ َم ْف َسدَ تُ ُه تَ ِزيدُ عَ َىل َم ْف َسدَ ِة الْجِ نَاي َ ِة َو َْل‬
‫ِ‬
‫ي َ ْبلُ ُغهَا‪ ،‬فَا ْكتَفَى ِم ْن َذ ِ َِل َِب َيَل ِم َ ِمجيع ِ بَدَ ِن ِه َِبلْ َج ْ ِْل‪.‬‬
‫ِ‬
‫مراده‪ -‬ابن القمي رمحه هللا تعاَل‪ِ -‬بذا البيان آن يوحض آن‪ :‬هذه احلدود الَّشعية لهذه اجلراِئ لك حد‬
‫مْنا فيه حَمْكة عظمية وامنا ُحد من علمي خبري ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪ -‬فك حد من هذه احلدود عىل جرمية‬
‫من هذه اجلراِئ هو بس جحم هذا المر من حيث الوازع وآيضا من حيث الطبع هل يف الطبع داعٍ‬
‫اليه آو ْل ! ‪,‬ولهذا تنوعت العقوَبت ومل تأ ِت عىل مقدار واحد وامنا تنوعت بس اذلنوب وجحمها‬
‫وادلاعي الهيا فتنوعت تنوعا واحضا فهيا فك ذن مْنا هل عقوبة ختصه تتناس مع جحمه‪ -‬نعم‪.‬‬

‫َش ِب ِه الْ َم ْع ِص َي َة‪ِ .‬قي َل‪ِ :‬ل ُو ُجو ٍه‪:‬‬


‫قال ‪ :‬قال رمحه هللا‪ :‬فَا ْن ِقيلَ‪ :‬فَه رََل آَفْ َسدَ عَ َىل رالز ِاِن فَ ْر َج ُه ر ِاذلي ََب َ َ‬
‫ِ‬
‫آَ َحدُ هَا‪ :‬آَ رن َم ْف َسدَ َة َذ ِ َِل تَ ِزيدُ عَ َىل َم ْف َسدَ ِة الْجِ نَاي َ ِة‪ ،‬ا ْذ ِفي ِه قَ ْط ُع الن ر ْس ِل َوتَ ْع ِريضُ ُه ِللْه َََل ِك‪.‬‬
‫ِ‬
‫الث ِراِن‪ :‬آَ رن الْ َف ْر َج ُعضْ ٌو َم ْس ُت ٌور‪َْ ،‬ل َ ْحي ُص ُل ِبقَ ْط ِع ِه َم ْق ُصو ُد الْ َح ِد ِم َن رالر ْدعِ َو رالز ْج ِر ِ َل ْمث ِ َِاهل ِم َن الْ ُجنَا ِة‪،‬‬
‫ِ ِِب ََل ِف قَ ْطع ِ الْ َي ِد‪.‬‬
‫الث را ِل ُث‪ :‬آَن ر ُه ا َذا قَ َط َع يَدَ ُه آَبْقَى َ ُهل يَدً ا آُخ َْرى تُ َع ِو ُض َعْنْ َا‪ِِ ِ ،‬ب ََل ِف الْفَ ْر ِج‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫دَن‪ ،‬فَ ََك َن ْ َال ْح َس ُن آَ ْن تَ ُع رم الْ ُع ُقوب َ ُة َ ِمجي َع الْ َب ِ‬


‫دَن‪َ ،‬و َذ ِ َِل آَ ْو ََل ِم ْن‬ ‫رالرا ِب ُع‪ :‬آَ رن َ رذل َة ِالزانَ َ رَع ْت َ ِمجي َع الْ َب ِ‬
‫َ ْخت ِص ِيصهَا ِب ُبضْ َع ٍة ِم ْنهُ‪. .‬‬

‫يعين هذا فقط ذكره رمحه هللا تعاَل مكثال‪ ،‬لن هذه العقوَبت فهيا حَمْكة َبلغة عظمية‪ ،‬وآن لك حد من‬
‫هذه احلدود مناس ملا ُح رد هل وملا ُج ِعل عقوبة هل‪ ،‬فأَت ِبذا املثال للتوضيح‪ ،‬يقول مثَل ان قال قائل‪:‬‬
‫اليد عندما َسقت قُ ِط َعت‪ ،‬فلامذا مل يكن الفرج مثلها اذا زان يُقطع‪ ،‬ملاذا ْل يوحد هذا المر؟ فبَ ر َني آن‬
‫الَّشيعة يف مثل هذه احلدود لها ِح َك عظمية و َبلتأمل قد يظهر بعضها وقد ْل يظهر‪ ،‬لكن المر قطعا‬
‫هلل س بحانه وتعاَل فيه حَمْكة‪ ،‬فهنا آشار اَل بعض الوجوه ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬يف اجلواب عىل ذِل‪ ،‬ذكر‪:‬‬
‫ال رول‪ :‬مْنا آن مفسدة ذِل تزيد عىل مفسدة اجلناية‪ ،‬اذ آن يف القطع تعطيل للنسل من هجة‪ ،‬و‬
‫تعريض للمرء للهَلك ‪ِ-‬بَلف قطع اليد‪ْ -‬ل حيصل فهيا هذا المر‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬آن الفرج عضو مس تور‪ْ ،‬ل حيصل بقطعه حمصول احلد من الردع والزجر ‪,‬وهذا يوحض لنا ما‬
‫س بق اْلشارة اليه‪ ،‬آن هذه احلدود زواجر وروادع‪ ,‬وفهيا آعظم ردع للناس عن مثل هذه العامل‪،‬‬
‫فالفرج عضو مس تور ِبَلف قطع اليد‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬آنه اذا قطع يده‪ ،‬آبقى هل يد ًا آخرى حيصل ِبا َتقيق منافعه آو مصاحله‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬آن ذلة الزان َعت مجيع البدن‪ ،‬فَكن الحسن آن تعم العقوبة مجيع البدن وْل َتعل يف جزء معني‬
‫منه‪.‬‬

‫الش ِارعِ َج َاء ْت عَ َىل آَ َ ِت الْ ُو ُجو ِه َوآَ ْوفَ ِقهَا ِللْ َع ْق ِل‪َ ،‬وآَقْ َو ِمهَا َِبلْ َم ْصلَ َح ِة‪.‬‬
‫فَ ُع ُق َوَب ُت ر‬

‫هذه خَلصة هذا املوضوع آن هذه العقوَبت جاءت عىل آت وجه وآوفقها للعقل وآقوهما َبملصلحة ويه‬
‫َكها حدود حدها احلكمي اخلبري ‪-‬س بحانه وتعاَل‪.-‬‬

‫اَّلل لِلْ َع ْب ِد‪َ ،‬وقَدْ يَ ْرفَ ُعهَا‬


‫الَّش ِعير ُة آَ ِو الْقَدَ ِري ر ُة آَ ْو َ ْجي َم ُعهَا ر ُ‬
‫ُوب ان ر َما ت َ ََرتت ر ُ عَلَهيْ َا الْ ُع ُق َوَب ُت ر ْ‬
‫َوالْ َم ْق ُصو ُد آَ رن ا ُّذلن َ‬
‫ِ‬
‫َ رَع ْن َتَ َب َوآَ ْح َس َن‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫اذلنوب انام ترتت علهيا" العقوَبت الَّشعية" الِت ذكرها الن قبل قليل‪ ،‬ويه احلدود الِت ُحدت يف‬
‫الَّشيعة مجلَل من اجلراِئ واذلنوب‪.‬‬
‫"والعقوَبت القدرية" آي ما ُ ِحيَل هللا س بحانه وتعاَل عىل العصاة من عقوبة‪ ،‬فانه ما نزل بَلء اْل‬
‫ّلُك آَخ َْذانَ ِب َذن ِب ِ ِۖه"* ‪ِ "* ،‬م رما خ َِطيئَاهتِ ِ ْم آُ ْغ ِرقُوا فَأُ ْد ِخلُوا انَ ًرا "* ‪:.‬‬
‫بذن ‪ "*،‬ف َ ُ ًّ‬

‫َش ِعير ٌة َوقَد َِري ر ٌة]‬


‫ُوب َ ْ‬‫قال رمحه هللا‪[:‬فَ ْص ٌل ُع ُق َوَب ُت ا ُّذلن ِ‬
‫َش ِع ري ٌة‪َ ،‬وقَ َد ِري ر ٌة‪ ،‬فَا َذا آُ ِقمي َ ِت ر ْ‬
‫الَّش ِعير ٌة ُرِف َع ِت الْ ُع ُقوب َ ُة الْقَدَ ِري ر ُة َو َخفرفَْتْ َا‪َ ،‬و َْل يَ ََك ُد‬ ‫َو ُع ُق َوَب ُت ا ُّذلن ِ‬
‫ُوب ن َْوعَ ِان‪ْ َ :‬‬
‫ِ‬
‫رالر ُّب تَ َع َاَل َ ْجي َم ُع عَ َىل الْ َع ْب ِد ب َ ْ َني الْ ُع ُقوبَتَ ْ ِني ا رْل ا َذا ل َ ْم ي َ ِف آَ َحدُ ُ َما ِب َرفْع ِ ُمو َج ِ ا رذلن ْ ِ ‪َ ،‬ول َ ْم يَ ْك ِف ِيف َز َوالِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّشعيرة‪َ ،‬و ُرب ر َما َاكن َْت‬ ‫َ‬
‫الَّش ِع ري ُة ْاس تَ َحال ْت قَد َِريرة‪َ ،‬و ُرب ر َما َاكن َْت آَ َش رد م َن ر ْ‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫دَائِ ِه‪َ ،‬وا َذا ع ُِطلَ ِت الْ ُع ُق َوَب ُت ر ْ‬
‫ِ‬
‫َش الْجِ نَاي َ َة آَ ْو‬
‫َشعًا ا رْل َم ْن ََب َ َ‬ ‫الَّش ِعير ُة َ ُخت ُّص‪ ،‬فَا رن رالر رب تَ َب َاركَ َوتَ َع َاَل َْل ي ُ َعا ِق ُ َ ْ‬‫دُوهنَ َا‪َ ،‬ولَ ِكْنر َا تَ ُع ُّم‪َ ،‬و ر ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َ َسب ر َ الَهيْ َا‪.‬‬
‫ِ‬
‫يقول رمحه هللا ‪:‬العقوَبت الَّشعية اذا عُطلت اس تحالت عقوَبت قدرية‪ ،‬وهذا يُوحض لنا آن اقامة‬
‫احلدود فيه ِحفظ للمجمتع من العقوبة‪ ،‬لن هذه اذلنوب لها عُقوَبت فاذا آُقميت احلدود اكنت يه العقوبة‬
‫عىل هذا اذلن ‪,‬لكن ان عُطلت احلدود فهذا يعين خُطورة المر عىل اجملمتع اذلي عُطلت فيه احلدود‬
‫من حلول عُقوبة هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬يف القدرية وْل َتمتع العقوبتان اْل اذا مل تفي آحدهام برفع اجلناية‪،‬‬
‫آو املعصية‪ ،‬آو اجلُرم املُرتك‬

‫َِض ا رْل َصا ِحَبَ َا‪َ ،‬وا َذا آُعْ ِلنَ ْت‬‫دَري ر ُة فَاهنر َا تَقَ ُع عَا رم ًة َوخ رَاص ًة‪ ،‬فَا رن الْ َم ْع ِص َي َة ا َذا َخ ِفيَ ْت ل َ ْم ت ُ ر‬
‫َوآَ رما الْ ُع ُقوب َ ُة الْقَ ِ‬
‫َِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رض ِت الْخ رَاص َة َوالْ َعا رم َة‪َ ،‬وا َذا َرآَى النر ُاس الْ ُم ْنكَ َر فَ َ َرت ُكوا انَْك َر ُه آَ ْو َش َك آَ ْن ي َ ُع رمهُ ُم ر ُ‬
‫اَّلل ِبعقا ِبه‪».‬‬ ‫َ‬ ‫َر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ :‬نعم يعين العقوَبت القدرية ختتلف عن العقوبة الَّشعية‪ ،‬الَّشعية امنا تُوقع فقط يف من ارتك‬
‫املعصية‪ -‬يف من ارتك اذلن ‪-‬‬
‫لكن العقوبة القدرية اذا نزلت تكون عامة‪ ،‬مث من بعد ذِل يُبعث الناس عىل حس نياهتم‪ ،‬لكن‬
‫العقوبة تكون عامة‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫آما العقوبة الَّشعية فامنا تُوقع فقط يف من ارتك اذلن ‪,‬وهذا آيضا يُوحض آن هذا مسؤولية اجملمتع َكه‪،‬‬
‫ِح ًفظا للمجمتع من العقوَبت العامة آن يبقى اجملمتع متناحصا فيه المر َبملعروف‪ ،‬وفيه الْنىي عن املنكر‪،‬‬
‫وفيه ادلعوة اَل اخلري‪ ،‬وآيضا فيه ادلعاء الصادق واللجوء الصادق اَل هللا آن يُصلح آحوال الناس‪ ،‬وآن‬
‫يرد ضاهلم اَل احلق ردا مجيَل‪ ،‬نعم‬

‫الط ْبع ِ لَهَا‪،‬‬


‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه عَ َىل قَدْ ِر َم ْف َسدَ ِة ا رذلنْ ِ َوتَقَ ِاِض ر‬ ‫َش َعهَا ر ُ‬ ‫قال‪َ :‬وقَدْ تَقَ رد َم آَ رن الْ ُع ُقوب َ َة ر ْ‬
‫الَّش ِعير َة‪َ َ :‬‬
‫َو َج َعلَهَا ُس ْب َحان َ ُه ثَ ََلثَ َة آَن َْواعٍ‪ :‬الْقَ ْت َل َوالْقَ ْط َع َوالْ َج ْ َْل‪َ ،‬و َج َع َل الْقَ ْت َل َِب َزا ِء ْال ُك ْف ِر َو َما ي َ ِلي ِه َوي َ ْق ُر ُب ِمنْهُ‪َ ،‬وه َُو‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اب َون َْو َع اْلن َس ِان‪.‬‬ ‫ِالزانَ َوا ِلل َو ُاط‪ ،‬فَا رن َه َذا يُ ْف ِسدُ ْ َالد َْي َن‪َ ،‬و َه َذا يُ ْف ِسدُ ْ َالن ْ َس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ْب ِن َم ْس ُعو ٍد آَن ر ُه قَا َل‪َ « :‬ي‬ ‫يث َع ْب ِد ر ِ‬ ‫قَا َل ْاْل َما ُم آَ ْمحَدُ ‪َْ :‬ل آَعْ َ ُمل ب َ ْعدَ الْقَ ْت ِل َذنْ ًبا آَع َْظ َم ِم َن ِالزانَ ‪َ ،‬وا ْحتَ رج ِ َب ِد ِ‬
‫ِ‬
‫اَّلل‪ :‬آَ ُّي ا رذلنْ ِ آَع َْظ ُم؟ قَا َل‪ :‬آَ ْن َ َْت َع َل ِ ر َِّلل ِندًّا َوه َُو َخلَقَ َك‪ ،‬قَا َل‪ :‬قُلْ ُت‪ ُ :‬رمث آَ ُّي؟ قَا َل‪ :‬آَ ْن تَ ْقتُلَ‬ ‫َر ُسو َل ر ِ‬
‫اَّلل ت َْص ِديقَهَا»‬
‫يَل َجارِكَ فَأَنْ َز َل ر ُ‬ ‫َو َ َدلكَ َمخَافَ َة آَ ْن ي َ ْط َع َم َم َع َك‪ ،‬قَا َل‪ :‬قُلْ ُت‪ ُ :‬رمث آَ ُّي؟ قَا َل آَ ْن تُ َز ِ َ‬
‫اِن ِ َب ِل َ ِ‬
‫اَّلل ا رْل َِبلْ َح ِق َو َْل يَ ْ نز َ‬
‫ُون} ُ[س َور ُة الْ ُف ْرقَ ِان‬ ‫ون النر ْف َس ال ر ِِت َح رر َم ر ُ‬ ‫اَّلل الَهًا آخ ََر َو َْل ي َ ْق ُتلُ َ‬
‫ُون َم َع ر ِ‬ ‫{ َو ر ِاذل َين َْل يَدْ ع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪». ]68‬‬

‫نعم آعظم اذلنوب عىل اْلطَلق وآشدها هذه اذلنوب الثَلثة الِت اجمتعت يف هذه اليت الكرمية من‬
‫لون النر َفس الرِت َح رر َم ر ُ‬
‫اَّلل اْل َِبحل َِق َوْل‬ ‫سورة الفرقان‪َ ﴿ ،‬و راذل َين ْل ي َ َ‬
‫دعون َم َع ر ِ‬
‫اَّلل الهًا آخ ََر َوْل يَق ُت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نون ﴾[ الفرقان ‪ ،]68:-‬فهذه اذلنوب الثَلثة يه آعظم اذلنوب‬ ‫يَز َ‬
‫وآعظم اذلنوب عىل اْلطَلق الَّشك َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬فانه آعظم ذن عُيص هللا به ‪-‬جل وعَل‪،-‬‬
‫اَّلل ْل يَغ ِف ُر آَن ي َ‬
‫َُّشكَ‬ ‫وهو اذلن اذلي ْل يُغفر لصاحبه ان مات عليه‪ ،‬كام قال هللا ‪-‬جل وعَل‪﴿ : -‬ا رن ر َ‬
‫ِ‬
‫ذِل ِل َمن ي َشا ُء ﴾ ‪,‬ولهذا من مات عىل الَّشك والكفر َبهلل ‪-‬عز وجل‪ْ -‬ل مطمع هل‬ ‫ِب ِه َويَغ ِف ُر ما َ‬
‫دون ِ َ‬
‫يوم القيامة اطَلقا يف مغفرة هللا‪ ،‬وعفوه‪ ،‬ورمحته بل ليس هل اْل النار‬
‫َض عَلَهيْ ِ ْم فَ َي ُموتُوا َو َْل ُ َخيفر ُف َعْنْ ُم ِم ْن عَ َذاِبِ َا كَ َ َٰذ ِ َِل َ َْن ِزي ُ ر‬
‫لك َك ُف ٍور‬ ‫﴿ َو ر ِاذل َين كَ َف ُروا لَهُ ْم انَ ُر َ َهجَّنر َ َْل يُ ْق َ ٰ‬
‫ُون ِفهيَا َربرنَا آَ ْخ ِر ْجنَا ن َ ْع َم ْل َصا ِل ًحا غَ ْ َري ر ِاذلي ُكنرا ن َ ْع َم ُل آَ َول َ ْم ن ُ َع ِم ْرُُك رما يَتَ َذكر ُر ِفي ِه َمن‬ ‫﴿ ‪َ ﴾٣٦‬و ُ ِْه ي َ ْص َط ِرخ َ‬
‫ت ََذكر َر َو َج َاء ُُكُ النر ِذ ُير فَ ُذوقُوا فَ َما ِل رلظا ِل ِم َني ِمن ن ِرص ٍري ﴾ [ فاطر‪] ٣٧ – ٣٦ :‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫‪ ‬ثــم ييل هذا اذلن يف الغلظ وال ِعظم القتل ( قتل النفس) املعصومة احملرمة‪ ،‬فهذا آعظم‬
‫اذلنوب بعد الشــرك ‪ ,‬والقتل سواء اكن قتَل من املرء لنفسه وهو ما يسمى َبْلنتحار آو اكن‬
‫قتَل لغريه هذا آو هذا هو آعظم اذلنوب بعد الَّشك والكفر َبهلل‪ -‬القتل‪ ، -‬سواء آن يقتل املرء‬
‫نفسه آو آن يقتل غريه فنفسه معصومة ْل حيل هل آن يباَش قتلها ِبذا اذلي يسمى الانتحار‬
‫عىل آي صفة اكنت ‪،‬ونفوس الخرين حمرمة معصومة ْل حيل هل قتلها فان فعل ذِل فقد‬
‫ارتك آعظم ذن عىص هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬به بعد الكفر والَّشك َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاَل‪، -‬‬
‫وبعده يأيت الزان‪ ,‬والزان جرم خطري وموبقة عظمية وفساده عريض واذا اكن يف الَّشك فساد‬
‫الدين فالزان فيه فساد النساب وضياعها وهذا من آعظم ما يكون رضرا عىل الناس‪ ,‬ولهذا‬
‫جرمية الزان من آعظم اجلراِئ وآش نعها ويه تيل يف غلظها الَّشك والقتل‪ ,‬ولهذا جاءت هذه‬
‫املعاص واجلراِئ عىل حس غلظها وعظمها ‪،‬الَّشك مث القتل مث الزان مث الرسقة الِت يه‬
‫اعتداء عىل الموال آموال الناس فهذه الربع يه آعظم اذلنوب وقد مجع نبينا عليه الصَلة‬
‫والسَلم هذه الربع يف خطبة الوداع يف خطابته الِت يه خطابة مودع فقد حص عنه آنه قال ‪-‬‬
‫هن آربع‪ْ :‬ل تَّشكوا َبهلل شيئ ًا‪ ،‬وْل تقتلوا النفس الِت حرم‬
‫يف خطبه‪ -‬يف جحة الوداع ‪((:‬آْل امنا ر‬
‫هللا اْل َبحلق وْل ت نزوا وْل ترسقوا )) فذكر هذه الربع‪،‬‬
‫وقوهل (آْل امنا هُن آربع)‪ :‬آي اذلنوب العظام الكبار الِت يه آعظم اذلنوب وآخطرها آربعة‬
‫ذنوب‪ ,‬وخصها وحدها َبذلكر لعظم خطرها وشدة رضرها‪ ,‬وآهنا من آعظم املوبقات وآرضها‬
‫عىل الناس ‪,‬وآن املسمل جي آن يكون عىل حذر شديد مْنا وحذر آيضا مْنا يف خطبة الوداع‬
‫بصيغة آخرى يف خطبة آخرى قال عليه الصَلة والسَلم «ان دماءُك وآعراضك وآموالك حرام‬
‫عليك»‬
‫اَّلل ا رْل َِبلْ َح ِق )‬
‫قوهل ( ان دماءُك ) هذا يقابَل يف احلديث‪ْ ( .‬ل تَ ْق ُتلُوا النر ْف َس ال ر ِِت َح رر َم ر ُ‬
‫ِ‬
‫وقوهل ‪ -:‬آعراضك – يقابَل يف احلديث ‪ْ:‬ل تزنوا ‪.‬‬
‫وقوهل‪ -:‬آموالك ‪-‬يقابلها يف احلديث ‪ْ :‬ل ترسقوا ‪.‬‬
‫فتنوع َتذيره عليه الصَلة والسَلم من هذه اذلنوب ‪.‬وهذه العظاِئ ‪ ،‬لعظم خطرها وشدة مِضهتا ‪.‬‬
‫واذلنوب متفاوتة ‪ ،‬وليست عىل قدر واحد يف غلظها وعظمها ‪.‬مفْنا كبائر ومْنا صغائر ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫والكبائر آيضا ليست عىل مس توى واحد ‪.‬فهناك ما يوصف بأنه آكرب الكبائر ‪.‬‬

‫‪ ‬والصحابة رِض هللا عْنم اكنوا حريصني آشد احلرص عىل التفقه يف هذا الباب ‪ ،‬واكنوا‬
‫يسألون عن الكبائر وعن آكرب الكبائر ‪ .‬وجاء عْنم يف هذا الباب آحاديث يف سؤال النيب عليه‬
‫الصَلة والسَلم ‪.‬وهذا يؤكد لنا آن هذا َبب عظمي من الفقه ينبغي آن يعتين به املسمل * آن‬
‫يتفقه يف الكبائر معرف ًة ِبا ‪:‬‬
‫‪ -‬من آجل احلذر ‪-‬هو يف نفسه آن حيذر مْنا‪-‬‬
‫‪ -‬ومن آجل آيضا آن حيذر الخرين من آهل وودل وقري وجار و زميل ‪ ،‬وغري ذِل ‪...‬‬
‫كنِت خ ْ ََري آُ رم ٍة آُ ْخ ِر َج ْت‬
‫وهذا من التناحص اذلي تتحقق به مصلحة المة ‪ ،‬وتتحقق به خريية المة ‪ْ ُ (.‬‬
‫وف َوتَْنْ َ ْو َن َع ِن الْ ُمنكَ ِر ) ‪.‬وْل ميكن آن يكون هذا المر وهذا الْنىي اْل َبلفقه يف‬
‫ون َِبلْ َم ْع ُر ِ‬
‫ِللنر ِاس تَأْ ُم ُر َ‬
‫دين هللا س بحانه وتعاَل والبصرية ؛ نعم ‪.‬‬

‫قال رمحه هللا ‪َ :‬والنر ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ذ َك َر ِم ْن ُ ِ‬


‫لك ن َْوعٍ آَعْ ََل ُه ِل ُي َطاب َِق َج َواب ُ ُه ُس َؤا َل ر‬
‫السائِ ِل‪ ،‬فَان ر ُه َسأَ َ ُهل َع ْن‬
‫ِ‬
‫لك ن َْوعٍ‪.‬‬ ‫آَع َْظ ِم ا رذلنْ ِ ‪ ،‬فَأَ َجاب َ ُه ِب َما تَضَ رم َن ِذ ْك َر َآع َْظ ِم آَن َْوا ِعهَا‪َ ،‬و َما ه َُو آَع َْظ ُم ُ ِ‬
‫الَّش ِك آَ ْن َ ْجي َع َل الْ َع ْبدُ ِ ر َِّلل ِندًّا‪.‬‬
‫فَأَع َْظ ُم آَن َْواعِ ِ ْ‬
‫َشا ِب ِه‪.‬‬
‫َوآَع َْظ ُم آَن َْواعِ الْقَ ْت ِل‪ :‬آَ ْن ي َ ْقتُ َل َو َ َدل ُه خ َْش َي َة آَ ْن ي ُشَ ِاركَ ُه ِيف َط َعا ِم ِه َو َ َ‬
‫يَل َج ِار ِه‪ ،‬فَا رن َم ْف َسدَ َة ِالزانَ تَتَضَ ا َع ُف ِبتَضَ اع ُِف َما انْْتَ َ َك ُه ِم َن الْ َح ِق‪.‬‬ ‫َوآَع َْظ ُم آَن َْواعِ ِالزانَ ‪ :‬آَ ْن يَ ْز ِ َِن ِ َب ِل َ ِ‬
‫ِ‬
‫الزانَ َِبلْ َم ْرآَ ِة ال ر ِِت لَهَا َز ْو ٌج آَع َْظ ُم اثْ ًما َو ُع ُقوب َ ًة ِم َن ال ر ِِت َْل َز ْو َج لَهَا‪ ،‬ا ْذ ِفي ِه ا ْنْتِ َاكُ ُح ْر َم ِة رالز ْوجِ‪َ ،‬وافْ َسا ُد‬ ‫فَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِف َر ِاش ِه َوتَ ْع ِل ُيق ن َ َس ٍ عَلَ ْي ِه ل َ ْم يَ ُك ْن ِمنْهُ‪َ ،‬وغَ ْ ُري َذ ِ َِل ِم ْن آَن َْواعِ آَ َذا ُه‪ ،‬فَه َُو آَع َْظ ُم اثْ ًما َو ُج ْر ًما ِم َن ِالزانَ ِبغ ْ َِري‬
‫ِ‬
‫اَّلل ِم َن ِالزانَ َِب ْم َرآَ ِة الْ َج ِار‪ ،‬فَا ْن َاك َن َز ْو ُ َهجا َج ًارا َ ُهل‬
‫ْرس ِع ْندَ ر ِ‬ ‫َذ ِات الْ َب ْع ِل‪.‬فَ ِ‬
‫الزانَ ِب ِمائ َ ِة ا ْم َرآَ ٍة َْل َز ْو َج لَهَا آَي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫انْضَ َاف ا ََل َذ ِ َِل ُسو ُء الْجِ َوا ِر‪َ ،‬وآَ َذى َج ِار ِه ِبأَعْ َىل آَن َْواعِ ْ َال َذى َو َذ ِ َِل ِم ْن آَع َْظ ِم ال َب َوائ ِق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫‪ :‬نعم ‪ ،‬ملا آورد ابن القمي رمحه هللا تعاَل هذا احلديث العظمي ‪ -‬حديث عبد هللا بن مسعود ‪ -‬آن‬
‫الرسول ﷺ ُس ئل ‪:‬آي اذلن آعظم ؟ * هذا السؤال كام قدمت يدل عىل آن الصحابة رِض هللا‬
‫عْنم اكنوا حريصني عىل التفقه يف هذا الباب ‪ ،‬ومعرفة اذلنوب وتفاوهتا ‪ ،‬وآهيا آعظم جرما و آكربها‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫خطورة ‪.‬لن هذه املعرفة لها مثرة عظمية عىل العبد من هجة اتقاء هذه اذلنوب والبعد عْنا ‪ ،‬ومن هجة‬
‫آيضا َتذير الخرين ‪.‬ونصحهم يف البعد عْنا ‪ ،‬فَكن الصحابة رِض هللا عْنم‬
‫" اكن الصحابة رِض هللا عْنم حريصني آشد احلرص عىل هذا الفقه ولهذا ينصح املسمل خاصة يف‬
‫زماننا هذا اذلي كرثت فيه ادلواعي ‪ ،‬دواعي املعاص و املغريت للوقوع فهيا من خَلل وسائل كثرية‬
‫وبرامج كثرية وجماْلت متعددة فتحت عىل الناس ‪ ،‬هتُ يج يف النفوس املعاص ‪ .‬فأصبح الناس مع هذه‬
‫الفنت باجة ماسة اَل هذا الفقه ‪ ،‬ولهذا آنصح كثريا َبقتناء وقراءة" كتاب الكبائر" لذلهيب رمحه هللا ‪،‬‬
‫وآنصح بأن هيديه رب الَسة لهَل و آوْلده وآن يس تحهثم عىل قراءته ‪.‬‬
‫لن قراءة الشاب لهذا الكتاب يف مقتبل َعره يعطيه َبذن هللا حصانة من املعاص ‪ ،‬لن البصرية والعمل‬
‫نور املرء حواجز هل َبذن هللا س بحانه وتعاَل ‪ .‬لنه من خَلل هذا الكتاب س يعرف هذه الكبائر‬
‫ويعرف عقوبْتا يف الَّشع ويعرف غلظها ويعرف بعض ما ورد فهيا من الحاديث ‪ ،‬مما س يكون َبذن‬
‫هللا س بحانه وتعاَل معونة هل عن الكف عْنا واحلذر من الوقوع فهيا ‪.‬‬
‫آقول ملا آورد بن القمي رمحه هللا تعاَل هذا احلديث وآن النيب ﷺ ُس ِئل آي اذلن آعظم قال ‪":‬‬
‫آن َتعل هلل ندا وهو خلقك ‪ ،‬قال مث آي قال‪ :‬آن تقتل ودلك خمافة آن يطعم معك ‪ ،‬قال مث آي‬
‫قال ‪ :‬آن تزِن بليَل جارك " آي زوجة جارك ‪.‬‬
‫يقول بن القمي ملا س ئل النيب ﷺ هذا السؤال ‪،‬آي اذلن آعظم؟ آجاب صلوات هللا وسَلمه عليه‬
‫مبا تضمن ذكر آعظمها نوعا ‪ ،‬لن هذه املعاص يه يف نفسها آيضا متفاوتة ‪.‬‬
‫فالقتل َكه جرمية‪ ,‬لكن من آش نع القتل آن يقتل املرء ودله فذلة كبده خش ية آن يطعم معه‪ ،‬خش ية‬
‫اْلمَلق فيقتل ودله خش ية ذِل ‪ .‬واخلش ية الِت اكنت عندِه من هجتني ‪:‬‬
‫‪ -‬من هجة ترجع اَل نفس الشخص اذلي يقتل ودله آن ْل يكفيه الطعام وآن يزامحه هذا الودل يف‬
‫طعامه ‪،‬‬
‫‪ -‬ومن هجة الودل آنه قد ْل يمتكن من آن ِيف مبا حيتاج اليه من طعام ويكون سببا ملزيد الفقر‬
‫عليه ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫وهللا عز وجل تكفل َبلرزاق س بحانه وتعاَل وقال عز وجل يف هذا المر اذلي اكن عليه آهل‬
‫اجلاهلية ‪ ":‬وْل تَ ْق ُتلُوا آَو َْلد َُُك خ َْش َي َة ا ْم ََلق َ َْن ُن نَ ْر ُزقُهُ ْم َوا ري ُ ُْك " ‪.‬‬
‫ِ‬
‫يفعلون ذِل خش ية اْلمَلق اذلي هو الفقر وهذا من هجلهم لن هللا س بحانه وتعاَل تكفل َبلرزاق‬
‫ما من دابة اْل عىل هللا رزقها فهذا يدل عىل التفاوت‪.‬‬
‫آيضا فامي يتعلق َبلزىن الزىن َكه عظمي لكن بعضه آشد من بعض ‪ ،‬لهذا قال ﷺ يف جوابه لهذا‬
‫السؤال آن يزِن بليَل جاره واجلار الصل آن يكون آمنة جلاره وآن يأمن جاره بوائقه وآن ‪.‬‬

‫الَّش ِعير ُة عَ َىل الْ َم َع ِاص]‬ ‫فصل ‪[ :‬فَ ْص ٌل الْ ُع ُق َوَب ُت ر ْ‬


‫فَا ْن ل َ ْم تَ ْر َدعْ َك َه ِذ ِه الْ ُع ُق َوَب ُت‪َ ،‬ول َ ْم ََتِدْ لَهَا تَأْ ِث ًريا ِيف قَلْب َِك‬
‫ِ‬
‫يكون هجة صيانة ْل هجة آذى ومِضة عليه‪ ،‬هذا الصل يف اجلرية واجل ِوار قد قال عليه الصَلة‬
‫والسَلم ‪ْ( :‬ل يؤمن من ْل يأمن جاره بوائقه)‪ ،‬وآعظم البوائق هذا العدوان والعياذ َبهلل فالزان بقريبة‬
‫ادلار آشد من الزان ببعيدة ادلار‪ ،‬ه َُو َكه زان لكن لهذا السب ملا للجار من حق عظمي وآنه هج ٌة آمنه‬
‫وفيه صيانه جلاره و آن يأمن جاره بوائقه‪ ،‬فاذا اس تغل هذه اجلريه والعياذ َبهلل ْلفساد فراش جاره فهذا‬
‫من آعظم اذلنوب وآغلظها‪ ،‬قال رمحه هللا ‪ :‬فان مفسدة الزان تتضاعف بتضاعف ما انْتكه من احلق‪،‬‬
‫فالزان َبملرآة الِت لها زوج آعظم لن هذا فيه افساد لفراشه وقد يلحق بنس به ماليس منه‪ ،‬فهذا من‬
‫الذى العظمي فهو آعظم امثا وجرما من الزان بغري ذات البعل ‪ ،‬كذِل الزان َبمراة اجلار‪.‬‬
‫اذا اكن كام تقدم الزان بذات البعل ِبذا الغلظ‪ ،‬فاذا اكن بعلها جاره فالمر آشد آيضا‪ ,‬ولهذا الزان‬
‫يتفاوت غلظه بس الحوال الِت تقارفه‪ ،‬فاذا اكن زان بغري ذات بعل فهذا فيه غلظ من هجة افساده‬
‫فراش الزوج واذا اكن البعل جار ًا هل فهذا تضييع حلقوق اجلار‪ ،‬اذا اكن الزان وقع من رجل مسن فأمره‬
‫آيضا آشد واذا اكن وقع يف شهر فاضل فأمره آشد‪ ،‬اذا وقع يف مَكن فاضل فأمره آشد ‪،‬وهكذا يتفاوت‬
‫جحمه بس الحوال احملتفة به آو املتعلقه به‪ ،‬نعم‬

‫قال رمحه هللا ‪َ :‬وقَدْ ثَبَ َت َع ِن النر ِ ِيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن ر ُه قَا َل‪َْ « :‬ل يَدْ ُخ ُل الْ َجنر َة َم ْن َْل يَأْ َم ُن َج ُار ُه ب َ َوائِقَ ُه» َو َْل‬
‫ََبئِقَ َة آَع َْظ ُم ِم َن ِالزانَ َِب ْم َرآَ ِة الْ َج ِار‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫فَا ْن َاك َن الْ َج ُار آَخًا َ ُهل آَ ْو قَ ِري ًبا ِم ْن آَقَ ِ ِارب ِه انْضَ رم ا ََل َذ ِ َِل قَ ِطي َع ُة رالر ِح ِم‪ ،‬فَيَتَضَ ا َع ُف ْاْل ْ ُمث َهلُ‪ ،‬فَا ْن َاك َن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِْ‬
‫اِن َِب ْم َرآَ ِة الْغ َِازي‬ ‫الز‬
‫ُ َ ر ر َِ‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ر‬
‫َّت‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬‫مث‬ ‫اْل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫هل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َضَ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫د‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫جِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫َ‬ ‫مل‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ط‬ ‫َ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫َل‬ ‫َ‬ ‫لص‬
‫َ ر ر‬ ‫اك‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫ط‬‫َ‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫ب‬‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ار‬
‫ال َ ُ‬
‫ج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل يُوقَ ُف َ ُهل ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة‪َ ،‬ويُقَا ُل خ ُْذ ِم ْن َح َس نَاتِ ِه َما ِشئْ َت‪.‬‬ ‫ِيل ر ِ‬ ‫ِيف َسب ِ‬
‫ات‪ ،‬قَدْ ُح ِ َك ِيف آَ ْن يَأْ ُخ َذ ِمْنْ َا َما‬ ‫قَا َل النر ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪ :-‬فَ َما َظنُّ ُ ْك؟ آَ ْي َما َظنُّ ُ ْك آَن ر ُه ي َ ْ ُرتكُ َ ُهل َح َس نَ ٍ‬
‫الص ِد ُيق ِل َص ِدي ِق ِه َحقًّا َ ِجي ُ‬ ‫َش َاء؟ عَ َىل ِش رد ِة الْ َحا َج ِة ا ََل َح َس نَ ٍة َوا ِحدَ ٍة‪َ ،‬ح ْي ُث َْل ي َ ْ ُرتكُ ْ َال ُب ِْلبْ ِن ِه َو َْل ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون رالز ِاِن‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ رَ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫مح‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ة‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ِل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫َل‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫اف‬ ‫َ‬ ‫عَلَ ْي ِه‪ ،‬فَا ِن اترفَ َق آَ ْن تَ ُك َ َ ْ َ ْ ُ ْضَ‬
‫ن‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ًا‬ ‫مح‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫آ‬
‫ر‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ون‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْح َصنًا َاك َن ْاْل ْ ُمث آَع َْظ َم‪ ،‬فَا ْن َاك َن َش ْيخًا َاك َن آَع َْظ َم اثْ ًما‪َ ،‬وه َُو آَ َحدُ الث َرَلثَ ِة ر ِاذل َين َْل يُ َ َِك ُمهُ ُم ر ُ‬
‫اَّلل ي َ ْو َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِيف َشهْ ٍر َح َرا ٍم آَ ْو ب َ َ ٍْل َح َرا ٍم آَ ْو َوقْتٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اب آل ٌمي‪ ،‬فا ِن اق َرت َن ِبذِل آ ْن يَك َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الْ ِقيَا َم ِة َو َْل يُ َز ِك ِهي ْم َولهُ ْم عَذ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ُوب‬‫ات ْاْل َجاب َ ِة‪ ،‬تَضَ ا َع َف ْاْل ْ ُمث‪َ .‬وعَ َىل َه َذا فَا ْع َت ِ ْرب َمفَ ِاسدَ ا ُّذلن ِ‬ ‫الص ََل ِة َوآَ ْوقَ ِ‬ ‫ات ر‬ ‫ُم َع رظ ٍم ِع ْندَ ر ِ‬
‫اَّلل‪ََ َ ،‬ك ْوقَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل الْ ُم ْس تَ َع ُان‪.‬‬ ‫َوتَضَ اع َُف د ََر َجاهتِ َا ِيف ْاْل ْ ِمث َوالْ ُع ُقوب َ ِة‪َ ،‬و ر ُ‬
‫ِ‬
‫نعم يعين قصد ابن القمي بقوهل" اعترب! " آنه هذا َبب جدير آن يتفقه املرء فيه والصل يف‬
‫ذِل ما اكن عليه الصحابة‪ -‬آي اذلن آعظم؟‪ -‬فاملعرفه يف اذلنوب وعظمها وتفاوهتا حِت اذلن الواحد‪-‬‬
‫التفاوت اذلي يتعلق ِبذا اذلن الفقه فيه‪ -‬همم للغاية ْلن هذا من النصح بدين هللا وبيان احلق‬
‫والهدى هلم ‪,‬وحَّت يدرك غلظ اذلنوب وعظمها وتفاوهتا يف الغلظ بس مايتعلق ِبا آو حيتف ِبا من‬
‫آمور فهذا َبب همم ينبغي آن يعترب واملتفقه فيه ‪.‬‬

‫قال رمحه هللا [فَ ْص ٌل الْقَ ْط ُع ِْلفْ َسا ِد ْ َال ْم َوالِ َ]و َج َع َل ُس ْب َحان َ ُه الْقَ ْط َع َِب َزا ِء افَ َسا ِد ْ َال ْم َوالِ فان السارق َْل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ُ ْم ِك ُن ِاْل ْح ِ َرت ُاز ِمنْهُ‪َ ِ ،‬لن ر ُه يَأْخ ُُذ ْ َال ْم َوا َل ِيف ِاْل ْخ ِت َفا ِء‪َ ،‬ويُنَ ِق ُ ادلُّ َور‪َ ،‬ويَت َ َس رو ُر ِم ْن غَ ْ ِري ْ َالبْ َو ِاب‪ ،‬فه َُوَ‬
‫َاك ِلس نر ْو ِر َوالْ َحير ِة ال ر ِِت تَدْ ُخ ُل عَلَ ْي َك ِم ْن َح ْي ُث َْل تَ ْع َ ُمل‪ ،‬فَ َ ْمل تَ ْرتَ ِف ْع َم ْف َسدَ ُة َ ِ‬
‫َسقَ ِت ِه ا ََل الْقَ ْت ِل‪َ ،‬و َْل تَ ْندَ ِف ُع‬
‫ِ‬
‫َِبلْ َج ْ ِْل‪ ،‬فَأَ ْح َس ُن َما ُد ِف َع ْت ِب ِه َم ْف َسدَ تُ ُه ا ََبن َ ُة الْ ُعضْ ِو ر ِاذلي يَت َ َسلرطُ ِب ِه عَ َىل الْجِ نَايَةِ‬
‫ِ‬
‫نعم اَبنة العضو اذلي يتسلط به عىل اجلناية اذلي هو "قطع اليد" فالسارق مل تكن عقوبته القتل لنه ْل‬
‫يبلغ ذِل وْل آيضا اجلْل فاجلْل ْل ِيف بذِل ‪,‬وامنا اكن عقوبته قطع العضو اذلي تسلط ِبذه اجلناية‬
‫وهو قطع يده ‪.‬‬

‫قال‪َ :‬و ُج ِع َل الْ َج ْ ُْل َِب َزا ِء افْ َسا ِد الْ ُع ُقولِ َوتَ ْم ِز ِيق ْ َالع َْر ِاض َِبلْقَ ْذ ِف‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫الَّش ِعير ُة عَ َىل َه ِذ ِه ْ َالن َْواعِ الث َرَلثَ ِة‪َ َ ،‬مَك د ََار ِت الْ َكفر َار ُات عَ َىل ثَ ََلثَ ِة آَن َْوا ٍع‪ :‬الْ ِع ْت ِق‪،‬‬ ‫فَدَ َار ْت ُع ُق َوَبتُ ُه ُس ْب َحان َ ُه ر ْ‬
‫الص َيا ِم‪.‬‬‫َوه َُو آَ ْع ََلهَا‪َ ،‬و ْاْل ْط َعا ِم‪َ ،‬و ِ‬
‫ِ‬
‫ُوب ث َ ََلثَ َة آَ ْق َسا ٍم‪:‬‬‫ُ رمث ان ر ُه ُس ْب َحان َ ُه َج َع َل ا ُّذلن َ‬
‫ِ‬
‫ََّش ْع ِفي ِه َكفر َار ًة ا ْك ِت َف ًاء َِبلْ َح ِد‪.‬‬‫ِق ْس ًما ِفي ِه الْ َحدُّ‪ ،‬فَهَ َذا ل َ ْم ي ْ َ‬

‫ََّش ْع ِفي ِه َكفر َار ًة ا ْك ِت َف ًاء َِبلْ َح ِد ‪ :‬يعين كفارة من صيام آو اطعام آو َنو ذِل‪..‬‬
‫نعم‪ -‬ل َ ْم ي ْ َ‬

‫َّش َع ِفي ِه ْال َكفر َارةَ‪َ ،‬اكلْ َو ْط ِء ِيف هنَ َ ِار َر َمضَ َان‪َ ،‬والْ َو ْط ِء ِيف ْاْل ْح َرا ِم‪َ ،‬و ِالظه َِار‪،‬‬
‫َو ِق ْس ًما ل َ ْم يُ َرتِ ْ عَلَ ْي ِه َحدًّا‪ ،‬ف َ َ َ‬
‫ِ‬
‫َوقَ ْت ِل الْخ ََط ِأ‪َ ،‬والْ ِح ْن ِث ِيف الْ َي ِمنيِ َوغَ ْ ِري َذ ِ َِل‪.‬‬
‫َو ِق ْس ًما ل َ ْم يُ َرتِ ْ عَلَ ْي ِه َحدًّا َو َْل َكفر َارةً‪َ ،‬وه َُو ن َْوعَ ِان‪:‬‬
‫َش ِب الْ َب ْولِ َوا ردل ِم‬ ‫آَ َحدُ ُ َما‪َ :‬ما َاك َن الْ َو ِاز ُع َع ْن ُه َط ِبي ِع ًّيا‪ََ َ ،‬ك ْ ِ‬
‫لك الْ َع ِذ َر ِة‪َ ،‬و ُ ْ‬

‫نعم يعين هذا الوازع عنه طبيعي يعين قاِئ يف نفوس الناس فالنفره من ذاِل والكراهيه وْلتقبل فهذا‬
‫الوازع والرادع عن هذه المور وازع طبيعي‬

‫قال‪َ :‬والث ِراِن‪َ :‬ما َاكن َْت َم ْف َسدَ تُ ُه آَد َْىن ِم ْن َم ْف َسدَ ِة َما ُرتِ َ عَلَ ْي ِه الْ َحدُّ‪َ ،‬اكلنر َظ ِر َوالْ ُق ْب َ َِل َوالل ر ْم ِس‬
‫َسقَ ِة ِفلْ ٍس‪َ ،‬و َ َْن ِو َذ ِ َِل‪.‬‬ ‫َوالْ ُم َحا َدثَ ِة‪َ ،‬و َ ِ‬
‫َش َع الْ َكفر َار ِات ِيف ثَ ََلثَ ِة آَن َْوا ٍع‪:‬‬
‫َو َ َ‬
‫اَش ُه ِيف الْ َح َ ِاَل ال ر ِِت َع َر َض ِفهيَا التر ْح ِر ُمي‪َ ،‬اكلْ َو ْط ِء ِيف‬ ‫آَ َحدُ هَا‪َ :‬ما َاك َن ُمبَ َاح ْ َال ْص ِل‪ ُ ،‬رمث َع َر َض َ َْت ِرمي ُ ُه فَبَ َ َ‬
‫الص َيا ِم‪َ ،‬و َط ْر ُد ُه‪ :‬الْ َو ْط ُء ِيف الْ َح ْي ِض َو ِالنفَ ِاس‪ِِ ِ ،‬ب ََل ِف الْ َو ْط ِء ِيف ادلُّ بُ ِر‪َ ،‬و ِلهَ َذا َاك َن الْ َح ُاق ب َ ْع ِض‬ ‫ْاْل ْح َرا ِم َو ِ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِْ‬
‫َش ِب‬ ‫ُون َوقْ ٍت‪ ،‬فَه َُو ِب َم ْ ِْن َ َِل الترلَ ُّو ِط‪َ ،‬و ُْ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ت‬‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫اح‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫َ ُّ ِ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ْل‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ن‬‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫ح‬ ‫ِ‬
‫ص‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ْل‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ي‬‫ح‬
‫َْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يف‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ء‬ ‫ط‬‫ْ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬
‫َب‬ ‫ُ‬
‫هل‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫ء‬ ‫َا‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ال ُف‬
‫الْ ُم ْس ِك ِر‪.‬‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ِح ر َُل‬ ‫اَّلل ُ رمث آَ َرا َد ِح رَلُ‪ ،‬فَ َ َ‬
‫َّش َع ر ُ‬ ‫النر ْو ُع الث ِراِن‪َ :‬ما ُع ِقدَ ِ ر َِّلل ِم ْن ن َْذ ٍر آَ ْو َِب ر َِّلل ِم ْن ي َ ِمنيٍ ‪ ،‬آَ ْو َح رر َم ُه ر ُ‬
‫ْس َِبلْ ِح ْن ِث‪َ َ ،‬مَك َظنر ُه ب َ ْع ُض الْ ُفقَهَا ِء‪" ،‬‬ ‫َِب ْل َكفر َار ِة َو َ رَساهَا ِ َْن َ ًَل‪َ ،‬ولَي َْس ْت َه ِذ ِه ْال َكفر َار ُة َما ِحيَ ًة ِلهَ ْت ِك ُح ْر َم ِة ِاْل ْ ِ‬
‫ون ُم َبا ًحا‪َ ،‬وان ر َما ْال َكفر َار ُة ِح ٌّل ِل َما َعقَدَ ُه‪.‬‬ ‫ون ُم ْس َت َحبًّا‪َ ،‬وقَدْ يَ ُك ُ‬ ‫ون َو ِاجبًا‪َ ،‬وقَدْ يَ ُك ُ‬ ‫فَا رن الْ ِح ْن َث قَدْ يَ ُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالثون‬

‫ات‪َ ،‬ك َكفر َار ِة قَ ْت ِل الْخ ََط ِأ‪َ ،‬وا ْن ل َ ْم يَ ُك ْن ُهنَاكَ ا ْمثٌ‪َ ،‬و َكفر َار ِة قَ ْت ِل‬ ‫ون ِفي ِه َجا ِب َر ًة ِل َما فَ َ‬ ‫النر ْو ُع الث را ِل ُث‪َ :‬ما تَ ُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْي ِد خ ََطأً‪ ،‬فَا رن َذ ِ َِل ِم ْن ََب ِب الْ َج َوا ِب ِر‪َ ،‬والنر ْو ُع ْ َال رو ُل ِم ْن ََب ِب رالز َو ِاج ِر‪َ ،‬والنر ْو ُع الْ َو َسطُ م ْن ََب ِب‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ِ‬
‫التر ِح ر َِل ِل َما ِمنْ ُه الْ َع ْقدُ ‪َْ .‬ل َ ْجي َت ِم ُع الْ َح ُّد َوالتر ْع ِز ُير‬
‫َْل َ ْجيتَ ِم ُع الْ َح ُّد َوالتر ْع ِز ُير ِيف َم ْع ِص َي ٍة‪ ،‬ب َ ْل ا ْن َاك َن ِفهيَا َح ٌّد ا ْك ُت ِف َي ِب ِه َوا رْل ا ْك ُت ِف َي َِبلتر ْع ِزي ِر‪َ ،‬و َْل َ ْجيتَ ِم ُع الْ َح ُّد‬
‫ِ‬
‫لك َم ْع ِص َي ٍة ِفهيَا َح ٌّد فَ ََل َكفر َار َة ِفهيَا‪َ ،‬و َما ِفيِ ِه َكفر َارةٌ فَ ََل َح رد ِفي ِه‪َ ،‬وه َْل َ ْجيتَم ُعِ‬ ‫َو ْال َكفر َار ُة ِيف َم ْع ِص َي ٍة‪ ،‬ب َ ْل ُ ُّ‬
‫التر ْع ِز ُير َو ْال َكفر َار ُة ِيف الْ َم ْع ِص َي ِة ال ر ِِت َْل َح رد ِفهيَا؟‬
‫الص َيا ِم‪َ ،‬و َو ْط ِء الْ َحائِ ِض‪َ ،‬وا َذا آَ ْو َج ْبنَا ِفي ِه ْال َكفر َارةَ‪ ،‬فَ ِقيلَ‪ِ َ :‬جي ُ‬ ‫ِفي ِه َو ْ َهج ِان‪َ :‬و َه َذا َاكلْ َو ْط ِء ِيف ْاْل ْح َرا ِم َو ِ‬
‫ِ‬
‫وب الْجِ نَاي َ ِة‪َ ،‬و ِقيلَ‪َْ :‬ل تَ ْع ِز َير ِ ِيف َذ ِ َِل‪ ،‬ا ْك ِت َف ًاء َِب ْل َكفر َار ِة ِ َلهنر َا َجا ِب َرةٌ‬
‫ِفي ِه التر ْع ِز ُير ِل َما ا ْنْتَ َ َك ِم َن الْ ُح ْر َم ِة ِب ُر ُك ِ‬
‫َو َما ِحيَ ٌة‪.‬‬

‫نسأل هللا الكرمي آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدان علام وآن يصلح لنا شأننا َكه وآْل يَكنا اَل‬
‫آنفس نا طرفة عني‪.‬اللهم اغفر لنا ولوادلينا وللمسلمني واملسلامت واملؤمنني واملؤمنات الحياء مْنم‬
‫والموات اللهم آت نفوس نا تقواها وزكها آنت خري من زاكها آنت ولهيا وموْلها‪ ,‬اللهم اان نسأِل الهدى‬
‫والتقى والعفة والغَن‪ .‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما حيول بيننا وبني معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به‬
‫جنتك ومن اليقني ما هتون به علينا مصائ ادلنيا‪ ,‬اللهم متعنا بأسامعنا وآبصاران وقواتنا ما آحييتنا‬
‫واجعَل الوارث منا واجعل ثأران عىل من ظلمنا وانرصان عىل من عاداان وْل َتعل مصيبتنا يف ديننا وْل‬
‫َتعل ادلنيا آكرب منا وْل مبلغ علمنا وْل تسلط علينا من ْل يرمحنا‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وبمدك آشهد آن ْل اهل اْل آنت آس تغفرك وآتوب اليك اللهم صل وسمل عىل نبينا محمد‬
‫وآهل وحصبه‪.‬‬

‫اضغط عىل الرابط لَلشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫[فَ ْص ٌل الْ ُع ُق َوَب ُت الْقَدَ ِري َّ ُة]‬


‫دَري َّ ُة عَ ََل الْ ُقلُ ِ‬
‫وب]‬ ‫[الْ ُع ُق َوَب ُت الْقَ ِ‬
‫وب َوالنُّ ُف ِوس‪َ ،‬ون َْوعٌ عَ ََل ْ َاْلبْد َِان َو ْ َاْل ْم َوالِ ‪.‬‬ ‫َوأَ َّما الْ ُع ُق َوَب ُت الْقَ ِ‬
‫دَري َّ ُة فَهِيَ ن َْوعَ ِان‪ :‬ن َْوعٌ عَ ََل الْ ُقلُ ِ‬
‫وب ن َْوعَ ِان‪:‬‬ ‫َوال َّ ِت عَ ََل الْ ُقلُ ِ‬
‫ْض ُب ِبِ َا الْقَلْ ُب‪.‬‬
‫أَ َحدُ ُ َُها‪ :‬أ ََل ٌم ُو ُجو ِدي َّ ٌة ي ُ ْ َ‬
‫َوالث َِّان‪ :‬قَ ْط ُع الْ َم َوا ِد ال َّ ِت ِبِ َا َح َياتُ ُه َو َص ََل ُح ُه َع ْنهُ‪.‬‬
‫ِه أَ ْص ُل ُع ُقوب َ ِة ْ َاْلبْدَ ِان‪.‬‬ ‫وب أَ َش ُّد الْ ُع ُقوبَتَ ْ ِْي‪َ ،‬و ِ َ‬‫َوا َذا قُ ِط َع ْت َع ْن ُه َح َص َل َ َُل أَضْ دَ ا ُدهَا‪َ ،‬و ُع ُقوب َ ُة الْ ُقلُ ِ‬
‫ِ‬
‫دَن ا ََل الْقَلْ ِب‪ ،‬فَا َذا‬ ‫َْسي أَلَ ُم الْ َب ِ‬‫دَن‪َ َ ،‬مَك ي ْ ِ‬ ‫ْس َي ِم َن الْقَلْ ِب ا ََل الْ َب ِ‬ ‫َو َه ِذ ِه الْ ُع ُقوب َ ُة تَ ْق َوى َوت َ َََتايَدُ ‪َ ،‬ح ََّّت ت َ ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دَن َص َار الْ ُح ْ ُْك ُمتَ َع ِلقًا ِبِ َا‪ ,‬فَ َظه ََر ْت ُع ُقوب َ ُة الْقَلْ ِب ِحينَئِ ٍذ‪َ ،‬و َص َار ْت عَ ََل ِن َي ًة َظا ِه َرةً‪َ ،‬و َِ‬
‫ِه‬ ‫فَ َارقَ ِت النَّ ْف ُس الْ َب َ‬
‫الْ ُم َس َّما ُة ِب َع َذ ِاب الْقَ ْ ِْب‪َ ،‬و ِن ْسبَتُ ُه ا ََل الْ َ ْْب َزخِ كَ ِن ْس َب ِة عَ َذ ِاب ْ َاْلبْدَ ِان ا ََل َه ِذ ِه ِ‬
‫ادلَّار‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسم هللا الرمحن الرحمي ‪,‬امحلد هلل رب العاملْي وأشهد أن َل اَل اَل هللا وحده َل رشيك َل‪ ,‬وأشهد أن‬
‫محمد عبده ورسوَل‪ -‬صَل هللا وسمل عليه وعَل أَل وأحصابه أمجعْي‪،-‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا‬
‫علمتنا وزدان علام ‪,‬وأصلح لنا شأننا لكه ‪,‬وَل تلكنا اَل أنفس نا طرفة عْي‪,‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فان املصنف‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬ذكر يف الفصل اذلي قبل الفصل السابق أن العقوَبت نوعان‪ :‬رشعية‬
‫وقدرية‪ ،‬وفصل الرشعية يف الفصل ما قبل السابق ويف الفصل السابق ورشع يف هذا الفصل واذلي‬
‫بعده يف بيان العقوبة القدرية‪..‬‬
‫واملراد َبلعقوبة القدرية‪ :‬ما يقدره هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬من عقوبة حيلها َبلعايص ويلزلها عليه عقوبة َل‬
‫عَل عصيانه‪ ,‬ومراد املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاَل ‪ -‬بذكل أن يتنبه العايص مثلام س بق أن أشار فامي يتعلق‬
‫َبلعقوَبت الرشعية أن ُُي ِطرها يف نفسه وأن يس تحْضها لتكون رادعا‪ ،‬ومثل ذكل أيضا العقوَبت‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫القدرية يقدرها وُيوف نفسه ِبا أن حتل عليه عقوبة هللا أن يلزل به خسط هللا‪ ،‬أن حتل به نقمة هللا‪-‬‬
‫س بحانه وتعاَل‪ ،-‬أن ي ُبتَل بقدَ ر عقوبة َل عَل هذه املعصية ف ُيخطر هذا اْلمر عَل َبَل ليكون رادعا َل‬
‫عن ارتاكب املعصية‬
‫قال رمحه هللا تعاَل‪ :‬وأما العقوبة القدرية فهي نوعان‪ - :‬نوع عَل القلوب والنفوس‬
‫‪ -‬ونوع عَل اْلبدان واْلموال‬
‫ما يتعلق َبْلبدان واْلموال يأيت يف الفصل القادم لكن اذلي يتعلق َبلقلوب‬
‫ذكر أيضا أنه نوعان‪-:‬‬
‫‪ -‬أحدهام‪ :‬أَلم ُوجودية يُْضب ِبا القلب‪- ،‬وهذه عقوبة‪ -‬يُْضب ِبا القلب‪ :‬أي حتل َبلقلب‪,‬‬
‫أَلم ُوجودية‪ :‬أي أَلم جيدها يف قلبه من ُهوم متوالية‪ ،‬ومغوم متتالية‪ ،‬وخماوف جيد خوفا‬
‫بدون ُموجد يف أوهام‪ ،‬أو اضطراَبت يف قلبه أو حنو ذكل ‪-..‬تكون عقوبة َل عَل معاصيه ‪ -‬و‬
‫يكون اذلي جر هذه اْلَلم واْلوجاع اَل قلبه املعايص الت اكن يرتكهبا ويقرتفها‪ ،‬ويكون هذا‬
‫عقوبة َل عَل ما اكن من عصيان هلل ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫‪ -‬والنوع الثان‪ -:‬وهو أشد من اْلول‪ -‬قطع املواد الت به حياته وصَلحه عنه‪ْ ،‬لن هذا اذلي‬
‫ي ُشري اليه ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬يُفيض اليه تراكامت اذلنوب‪ ،‬وس بق أن مر معنا حديث نبينا ‪-‬عليه‬
‫الصَلة والسَلم‪ -‬أن العبد اذا أذنب اذلنب نُكت يف قلبه نكتة سوداء‪ ،‬واذا زاد زادت النكت‬
‫عَل قلبه حَّت تغط قلبه قال «وذكل الران» مث تَل ‪َ ﴿ :‬لَك بَل ر َان عََل قُلوِبِ ِ م ما اكنوا‬
‫كس َ‬
‫بون﴾ [ املطففْي ‪ . ]83:14 -‬ومعىن ران‪ :‬أي غطى عَل قلوِبم‪،‬‬ ‫يَ ِ‬
‫ف ُيصبح القلب ُمغلف بغشاوة سوداء مظلمة ‪,‬وتكون هذه الغشاوة جحاَب َل عن اخلري والهدى ْلن‬
‫عَل قلبه غَلف‪ ،‬وقل ُبه أغلف بسبب تراكامت اذلنوب واملعايص‪ ،‬فتكون َل هذه العقوبة الت ذكر ‪-‬‬
‫رمحه هللا‪ -‬وِه قطع املواد الت ِبا حياته وصَلحه عنه‪ ،‬تُقطع عنه هذه املواد" فَلَما زاغوا أَزا َغ َّ ُ‬
‫اَّلل‬
‫قُلوِبَ ُم َ﴾ ‪,‬واذا قطعت عنه حصل َل أضدادها‪- ،‬اذا قطعت عنه مواد الهداية ومواد اخلري‪-‬‬
‫وسوء‪ ،‬وتزايدً ا يف‬
‫حصلت َل أضدادها‪ ،‬فيصبح‪ -‬والعياذ َبهلل‪َ -‬ل يزداد مع مر اْلايم اَل رشا ً‬
‫مساخط هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬وموجبات غضبه ‪-‬جل يف عَله‪-‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫وعقوبة القلوب أشد العقوبتْي‪ :‬يعين أشد من عقوبة اْلبدان وِه أصل عقوبة اْلبدان‪ْ ،‬لن القلب‪ :‬هو‬
‫اْلساس َبلنس بة اَل البدن يف اخلري والرش‪ ،‬كام قال ‪-‬عليه الصَلة والسَلم‪« -‬أَل ان يف اجلسد مضغة‬
‫اذا صلحت صلح اجلسد لكه واذا فسدت فسد اجلسد لكه أَل وِه القلب»‬
‫فالقلب أساس للبدن يف صَلحه أو فساده‪ ،‬وقل أيضا‪ -‬وهذا ما نبه عليه ابن القمي هنا ‪ : -‬أساس أيضا‬
‫للبدن يف تنعمه أو يف عقوبته‪ ،‬أساس للبدن يف التنعم أو اَلنعام أو يف العقوبة للبدن ‪ ،‬فالقلب أساس ‪،‬‬
‫وأيضا يتبع ذكل ما أشار اليه ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬من العقوبة الت يف القْب وِه تكون علهيام معا ‪-‬عَل‬
‫الروح وعَل البدن ‪.-‬‬

‫[فَ ْص ٌل الْ ُع ُق َوَب ُت الْقَدَ ِري َّ ُة عَ ََل ْ َاْلبْدَ ِان]‬


‫َوال َّ ِت عَ ََل ْ َاْلبْ ِ‬
‫دَان أَيْضً ا ن َْوعَ ِان‪:‬‬
‫‪َ -‬ون َْوعٌ ِيف ْاْل آ ِخ َر ِة‪.‬‬ ‫‪-‬ن َْوعٌ ِيف ادلُّ نْ َيا‪.‬‬
‫رش أَ ْص ًَل ا ََّل‬ ‫َو ِشدَُّتُ َا َود ََوا ُمهَا ِ َِب َس ِب َم َف ِاس ِد َما ُرتِبَ ْت عَلَ ْي ِه ِيف ِالش َّد ِة َوالْ ِخلْقَ ِة‪ ،‬فَلَيْ َس ِيف ادلُّ نْ َيا َو ْاْل آ ِخ َر ِة َ ر‬
‫ِ‬
‫ات ْ َاْل ْ َْعالِ ‪َ ،‬و ُ َُها ْ َاْل ْص ََل ِن َّ َ‬
‫الَّل ِان‬ ‫رش النَّ ْف ِس َو َس ِيئَ ِ‬ ‫اس ِ َذل ِ َكل ُ ِلك ِه‪َ ،‬وأَ ْص ُ ُل ِم ْن َ ِ‬ ‫الرش ْ ٌ‬ ‫ُوب َو ُع ُق َوَبُتِ َا‪ ،‬فَ َّ ُّ‬ ‫ا ُّذلن َ‬
‫رش ِور أَنْ ُف ِس نَا َو ِم ْن َس ِيئَ ِ‬
‫ات‬ ‫َاك َن النَّ ِ ُّب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ي َْس تَ ِع ُيذ ِمْنْ ُ َما ِيف خ ُْط َبتِ ِه ِبقَ ْو ِ َِل‪َ « :‬ون َ ُعو ُذ َِب َّ َِّلل ِم ْن ُ ُ‬
‫ات ْ َاْل ْ َْعالِ ِم ْن‬ ‫رش النَّ ْف ِس‪ ،‬فَا َّن َس ِيئَ ِ‬ ‫الرش ُلكُّ ُه ا ََل َ ِ‬ ‫رش ِور النَّ ْف ِس‪ ،‬فَ َعا َد َّ ُّ‬ ‫أَ ْ َْعا ِلنَا» ‪َ .‬و َس ِيئَ ُات ْ َاْل ْ َْعالِ ِم ْن ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فُ ُرو ِع ِه َوثَ َم َراتِ ِه‪.‬‬

‫‪ :‬قال رمحه هللا تعاَل ‪ :‬و الت عَل البدن يعين العقوبة الت عَل البدن ‪ ،‬أيضا نوعان ‪:‬‬
‫‪ -‬و نوع يف اْلآخرة‬ ‫‪ -‬نوع يف ادلنيا ‪,‬‬
‫و شدُتا‪ :‬أي هذه العقوبة و دواهما ِبسب مفاسد ما رتبت عليه يف الشدة و اخلفة ‪ ،‬فليس يف ادلنيا و‬
‫لُك أَخ َْذانَ ِب َذن ِب ِه } و قال‬
‫اْلآخرة رش أصَل اَل اذلنوب و عقوَبُتا كام قال هللا ‪-‬س بحانه و تعاَل‪ { : -‬فَ ُ ّ‬
‫جل و عَل ‪ِ { :‬م َّما خ َِطيئَاُتِ ِ ْم أُ ْغ ِرقُوا فَأُ ْد ِخلُوا انَ ًرا }‬
‫مما خطيئاُتم ‪ :‬أي بسبب خطيئاُتم ‪ ،‬و لهذا يقول عيل بن أيب طالب ريض هللا عنه ‪ { :‬ما نزل بَلء‬
‫اَل بذنب وَل رفع اَلبتوبة } ‪ ،‬فليس يف ادلنيا و اْلآخرة رش أصَل اَل اذلنوب و عقوَبُتا ‪ ،‬فاذلنوب رش‬
‫و عقوَبت اذلنوب رش و اذلي جيلب عقوَبت اذلنوب ِه اذلنوب ‪،‬فليس يف ادلنيا و اْلآخرة رش أصَل‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫اَل اذلنوب و عقوَبت اذلنوب ‪ ،‬فاذلنوب رش و عقوَبت اذلنوب رش و اذلي جيلب عقوَبت اذلنوب‬
‫ِه اذلنوب نفسها فالرش اس ذلكل لكه أي ‪ :‬اس لَّلنوب و اس لعقوَبت اذلنوب فاذا اذلنوب رش‬
‫ِه يف نفسها و رش فامي تس ت لبه عَل فاعلها من عقوَبت يف دنياه و أخراه ‪ ،‬قال‪ :‬و أصل من رش‬
‫النفس و سيئات اْلعامل ‪ ،‬و أصل ‪ :‬يعين اذلي يودل هذه املعايص و اذلنوب رش النفس وسيئات‬
‫اْلعامل وهام اْلصَلن الَّلان اكن النب صَل هللا عليه و سمل يس تعيذ مْنام يف خطبته بقوَل ‪ :‬ونعوذ بك‬
‫من رشور أنفس نا و من سيئات أعاملنا ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬و سيئات اْلعامل من رشور النفس‪ْ :‬لن النفس اذا اكنت ذات رش ودلت سيئات اْلعامل كام‬
‫أن النفس اذا اكنت ذات خري ودلت صاحل اْلعامل ‪ ،‬وهذا نظري ما جاء يف احلديث اذلي قال فيه‬
‫عليه الصَلة و السَلم {أَ ََل وا َّن يف اجلس ِد ُمضغ ًة اذا صل َح ْت صلُ َح اجلسدُ لكُّه‪ ،‬واذا فسدَت فسد‬
‫القلب}‪ ،‬و لهذا جاء يف ادلعاء اذلي علمه النب ﷺ أَب بكر الصديق أن يقوَل‬ ‫اجلسدُ لكُّه‪ ،‬أَل وِه ُ‬
‫اذا أصبح واذا أمىس واذا أوى اَل فراشه‪ ،‬علمه أن يقول‪ < :‬اللهم فاطر الساموات واْلرض عامل الغيب‬
‫والشهادة رب لك يشء ومليكه أعوذ بك من رش نفيس ورش الش يطان ورشكه وأن أقرتف عَل نفيس‬
‫سوء أو أجره اَل مسمل > يف هذا احلديث ‪-‬كام ذكر ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف بعض كتبه‪ : -‬ذكر النب‬ ‫ً‬
‫عليه الصَلة والسَلم أصل الرش ونتي ة الرش‪.‬‬
‫أما أصل الرش فأمران‪ :‬رش النفس‪ ،‬ورش الش يطان‬
‫هذان هام مصدر تودل الرشور يف اَلنسان من هاتْي اجلهتْي‪:‬‬
‫‪ -‬من النفس اْلمارة َبلرش والسوء‪،‬‬
‫‪ -‬ومن الش يطان ادلاع اَل الرش والسوء‪،‬‬
‫* نعوذ َبهلل من رش الش يطان ورشكه‪.‬‬
‫فالتعوذ من النفس تعوذ من منبع الرش‪ ،‬والتعوذ من الش يطان تعوذ من منبع أيضا للرش‪.‬‬
‫واذا ْعل هذا املنبع ْعل ‪-‬أعين النفس والش يطان‪ -‬تودل من ذكل نتيجتان‪:‬‬
‫سوء عَل نفسه‪ ،‬وهذا يتناول تركه للطاعات والفرائض وفعل للمعايص‬
‫‪ -‬اْلوَل‪ ،‬أن يقرتف ً‬
‫واْلآاثم‪،‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫‪ -‬أو جيره اَل مسمل يعين َبْلذى اذلي يوصل للآخرين‪ ،‬أو بدعوُتم اَل الرش‪ْ ،‬لن من اكن يف‬
‫رش هو يف نفسه َليفتأ من أن تدعو غريه اَل هذا الرش اذلي هو فيه فلك ذكل يتودل من‬
‫هذين املنبعْي‪ :‬رش الش يطان ورش النفس؛‬
‫ولهذا حيتاج املسمل اَل اس تعاذة مس مترة‪ ،‬لك يوم يس تعيذ َبهلل من رش نفسه؛ ْلن النفس اذا محلت‬
‫الرش أودت بصاحهبا يف املهاكل واملعاطب‪ .‬فيحتاج اَل أن يتعوذ َبهلل لك يوم من رش نفسه‪ ،‬وأن يتق‬
‫رش نفسه وأن حيذر من رشها‪ ،‬واذا دعته نفسه اَل أمر فيه خسط هللا وغضبه َليطيعها‪ ،‬بل يزجرها‬
‫اَّلل َولْ َت ُنظ ْر ن َ ْف ٌس َّما قَ َّد َم ْت ِلغَ ٍد َوات َّ ُقوا َّ َ‬
‫اَّلل [احلرش ‪])18( :‬‬ ‫بتقوى هللا " َاي أَُّيُّ َا َّ ِاذل َين أ آ َمنُوا ات َّ ُقوا َّ َ‬
‫فزيجرها بذكل وُيوفها بعقوبة هللا س بحانه وتعاَل فيكون هو القائد لنفسه َل أن جيعل نفسه اْلمارة‬
‫َبلسوء ِه الت تقوده اَل املهاكل‪.‬‬
‫فاذن الرشور تنبع من النفس والش يطان أيضا مصدر (يذيك) يف النفس الرش حَّت تكون نفسا حتمل‬
‫اخلبث‪ ،‬نفسا حتمل الرش ‪-‬والعياذ َبهلل‪. -‬فاذا اكنت ِبذه الصفة تودل عن ذكل سيئات اْلعامل‪ْ ،‬لن‬
‫النفس الت هذه صفهتا َلتودل اَل سيئات اْلعامل‪َ ،‬ل تودل أعامَل صاحلة وامنا تودل أعامَل سيئة‪.‬‬
‫ولهذا مك حيتاج فعَل العبد اَل أن يس تعيذ َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬من رش نفسه ورش الش يطان ورشكه‪.‬‬

‫ون ِم ْن ََب ِب‬ ‫الس ِ ُي ِم ْن أَ ْ َْعا ِلنَا‪ ،‬فَ َي ُك ُ‬


‫ات أَ ْ َْعا ِلنَا» ه َْل َم ْعنَا ُه‪َّ :‬‬ ‫َوقَ ِد ا ْخ ُت ِل َف ِيف َم ْع َىن قَ ْو ِ َِل‪َ « :‬و ِم ْن َس ِيئَ ِ‬
‫ون " ِم ْن " ب َ َيا ِنيَّ ًة؟ َو ِقي َل‪َ :‬م ْعنَا ُه‪ِ :‬م ْن ُع ُق َوَبُتِ َا ال َّ ِت ت َ ُسو ُء‪ ،‬فَ َي ُك ُ‬
‫ون‬ ‫اضَ افَ ِة النَّ ْوعِ ا ََل ِجنْ ِس ِه‪ ،‬أَ ْو تَ ُك ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون قَدْ تَضَ َّمنَ ْت َ ِمجي َع‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫ذ‬ ‫ا‬‫ع‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫اَل‬ ‫ن‬
‫َ ِ ُ ُ َ ُ َ ُ َ ْ َّ ْ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ا‬‫ذ‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫انَ‬‫ء‬‫و‬‫س‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ا‬‫ن‬‫ل‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ْع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫وَب‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ع‬
‫َّ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪:‬‬‫ير‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫ت‬ ‫ال‬
‫ِرش ِور ْ َاْلنْ ُف ِس‬ ‫ِه ت َ ْس َتلْ ِز ُم الْ ُع ُق َوَب ِت َّ‬
‫الس ِيئَ َة‪ ،‬فَنَبَّ َه ب ُ ُ‬ ‫رش َور ْ َاْلنْ ُف ِس ت َ ْس َتلْ ِز ُم ْ َاْل ْ َْعا َل َّ‬
‫الس ِيئَ َة‪َ ،‬و ِ َ‬ ‫الرش‪ ،‬فَا َّن ُ ُ‬‫َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ِه أَ ْص ُ ُل ُ َّمث َذكَ َر غَاي َ َة َّ ِ‬
‫الرش َو ُمنْهتَ َا ُه‪ ،‬فَه َُو‬ ‫عَ ََل َما تَ ْقتَ ِضي ِه ِم ْن قُ ْب ِح ْ َاْل ْ َْعالِ ‪َ ،‬وا ْكتَفَى ِب ِذ ْك ِرهَا ِمنْهُ‪ ،‬أَ ْو ِ َ‬
‫الس ِيئَ ُات ال َّ ِت ت َ ُسو ُء الْ َع ْبدَ ِم ْن َ َْع ِ ِل‪ِ ،‬م َن الْ ُع ُق َوَب ِت َو ْاْل ََل ِم‪ ،‬فَتَضَ َّمنَ ْت َه ِذ ِه ِاَل ْس ِت َعا َذ ُة أَ ْص َل َّ ِ‬
‫الرش‬ ‫َّ‬
‫َوفُ ُروعَ ُه َوغَايَتَ ُه َو ُم ْقتَضَ ا ُه‪.‬‬

‫هذا التعوذ اذلي ثبت عن نبينا –عليه الصَلة والسَلم‪ -‬يف خطبته "نعوذ َبهلل من رشور أنفس نا و من‬
‫سيئات أعاملنا " يتناول كام بْي ابن القمي –رمحه هللا تعاَل‪ -‬أمورا ثَلثة لكها يشملها هذا التعوذ‪ ,‬عندما‬
‫يقول املتعوذ ‪":‬نعوذ َبهلل من رشور " ‪ -‬فان هذا يتناول أمورا ثَلثة لك واحد مْنا ينبين عَل اذلي قبل ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫اْلمر اْلول‪ :‬من هذه اْلمور الثَلثة ‪ :‬رش النفس‪ ,‬فيتعوذ َبهلل –س بحانه و تعاَل‪ -‬منه ْلن النفس اذا‬
‫اكنت ِبذه الصفة ودلت رشورا ‪ ,‬وأنتجت فسادا عظامي ‪ ,‬وأهلكت صاحهبا ‪ ,‬هذا اْلمر اْلول‬
‫اْلمر الثان ‪ :‬التعوذ من اْلعامل السيئة ‪,‬‬
‫واْلعامل السيئة يف امجلةل ‪:‬‬
‫اما ترك واجب‬
‫أو فعل حمرم‬
‫فهذه اْلعامل السيئة ِه متفرعة عن ماذا؟ متفرعة عن رش النفس ‪ ,‬النفس عندما تكون ِبذه الصفة‬
‫حتمل الرش فاهنا تودل العمل الس ي‬
‫اْلمر الثالث‪ :‬العقوبة الت ترتتب عَل العمل الس ي‪ ,‬فهذا أيضا التعوذ يشمل ذكل‬
‫"وسيئات أعاملنا " أي ما يسوؤان بسبب أعاملنا السيئة من عقوَبت ‪ ,‬فأصبح كام بْي ابن القمي –رمحه‬
‫هللا تعاَل‪ -‬يتضمن هذا ادلعاء ‪:‬‬
‫‪- .1‬أصل الرش اذلي هو ‪ :‬النفس اْلمارة َبلسوء‬
‫‪- .2‬و فرعه اذلي هو‪:‬اْلعامل السيئة‬
‫‪- .3‬و غايته و مقتضاه الت ِه ‪ :‬العقوبة الت ِه من أس باب الرش و موجباته‬
‫فهذا تعوذ عظمي جدا و نظريه ما أرشت اليه‪ ,‬وي ُنصح لك مسمل َبملواظبة عليه‪ ,‬لك صباح و لك مساء‬
‫و عندما يأوي اَل فراشه‪ ,‬ادلعاء اذلي علمه النب‪ -‬ﷺ ‪ -‬صديق اْلمة "اللهم فاطر الساموات و‬
‫اْلرض عامل الغيب و الشهادة رب لك يشء و مليكه‪ ,‬أشهد أن َل اَل اَل أنت‪ ,‬أعوذ بك من رش نفيس‬
‫و رش الش يطان و رشكه "‬
‫رشكه " أي مصائب الت يضعها الش يطان‬ ‫و تروى أيضا "من رش الش يطان و َ‬
‫رشكه" ‪َ " ,‬‬
‫"و رش ِكه" أي ما يدعو اليه من الرشك‬
‫سوء أو أجره اَل مسمل"‬
‫"وأن أقرتف عَل نفيس ً‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫فتعوذ من أربعة أمور من مصدري الرش ونتيجتيه من مصدري الرش النفس اْلمارة والش يطان ونتيجتيه‬
‫سوء أو جيره عَل اْلآخرين ‪,‬فهذا ادلعاء جدير بلك مسمل أن يواظب عليه يف‬
‫أن يقرتف عَل نفسه ً‬
‫الصباح ويف املساء وعند النوم كام عمل النب ﷺ أَب بكر أن يدعو به –نعم‪.‬‬

‫َر ِ ْ‬
‫محتَ ُه} [ ُس َور ُة غَا ِف ٍر‪. ]9 :‬‬ ‫ات ي َ ْو َمئِ ٍذ فَقَدْ‬
‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات َو َم ْن ت َِق َّ‬ ‫الس ِيئَ ِ‬‫َو ِم ْن ُدعَا ِء الْ َم ََلئِكَ ِة ِللْ ُم ْؤ ِم ِن َْي قَ ْولُهُ ْم‪َ { :‬و ِقهِ ُم َّ‬
‫ات ْ َاْل ْ َْعالِ ‪َ - .‬و ُع ُق َوَبُتِ َا ال َّ ِت ت َ ُسو ُء َصا ِحهبَ َا‪ ،‬فَان َّ ُه ُس ْب َحان َ ُه َم ََّت َوقَ ُ ْ‬
‫اه‬ ‫فَهَ َذا يَتَضَ َّم ُن َطلَ َب ِوقَايَهتِ ِ ْم ِم ْن‪َ :‬س ِيئَ ِ‬
‫ِ‬
‫ات ي َ ْو َمئِ ٍذ فَقَدْ َر ِ ْمحتَ ُه}‬ ‫الس ِ ِي‪َ ،‬وا ْن َاك َن قَ ْو ُ َُل‪َ { :‬و َم ْن ت َِق َّ‬
‫الس ِيئَ ِ‬ ‫اه َج َز َاء َّ‬ ‫الس ِ ِي َوقَ ُ ْ‬ ‫َ َْع َل َّ‬
‫َ ْ ِ ُ ِ ْ َ ْ َالِ ْ ْ ُ ِ‬
‫وب ِوقَايَهتُ َا ي َ ْو َمئِ ٍذ‪.‬‬‫أظه ََر يف ُعق َوَبت اْلْع ال َمطل ِ‬

‫ِحون ِ َِبم ِد َر ِ ِِبم َويُؤ ِم َ‬


‫نون‬ ‫لون ال َع َرش َو َمن َح َ ُ‬
‫وَل ي َُس ب َ‬ ‫نعم‪ -‬ذكر هنا دعاء املَلئكة للمؤمنْي ‪َّ ﴿:‬اذل َين َحي ِم َ‬
‫لك َيش ٍء َر َمح ًة َو ِعل ًما فَاغ ِفر ِل ََّّل َين اتبوا َوات َّ َبعوا َس َ َ‬
‫بيَل َو ِقهِم‬ ‫عت ُ َّ‬ ‫ِب ِه َوي َس َتغ ِف َ‬
‫رون ِل ََّّل َين أ آ َمنوا َربَّنا َو ِس َ‬
‫َحمي﴾ [ غافر‪..]7: .‬اَل أآخر هذه ادلعوات‬ ‫ذاب اجل ِ‬ ‫عَ َ‬
‫وز ال َعظ ُمي﴾ [ غافر ‪]9:‬‬ ‫ذكل ه َُو الفَ ُ‬ ‫ات يَو َم ِئ ٍذ فَقَد َر ِمحتَ ُه َو ِ َ‬‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات َو َمن ت َِق َّ‬ ‫الس ِيئَ ِ‬ ‫مْنا ‪َ ﴿:‬و ِقهِ ُم َّ‬
‫هذه دعوات من املَلئكة ‪,‬واملَلئكة جنس أآخر غري جنس البرش املَلئكة خلقوا من نور والبرش خلقوا‬
‫من طْي فهم جنس أآخر وهذا يوحض كل أن رابطة اَلميان ِه أوثق الروابط عَل اَلطَلق وَليوجد‬
‫أصَل يف الروابط همام قويت أقوى من رابطة اَلميان ولهذا مع اختَلف اجلنس ه خلقوا من نور وابن‬
‫أآدم خلق من جنس أآخر ليست القضية اْلآن قبيةل وقبيةل وبدل وبدل ولون ولون الت ينبين علهيا عند‬
‫الناس تعصبات كثرية وأش ياء ما أنزل هللا ِبا سلطان َل ه جنس أآخر خمتلف خلقوا من نور وابن أآدم‬
‫خلق من طْي لكن رابطة اَلميان ودلت هذه احملبة العظمية وادلعاء ادلامئ املس متر للمؤمنْي ِبذه‬
‫نون ِب ِه َوي َس تَغ ِف َ‬
‫رون‬ ‫ِحون ِ َِبم ِد َر ِ ِِبم َويُؤ ِم َ‬
‫وَل ي َُس ب َ‬ ‫ادلعوات العظمية اذلين ﴿ َّاذل َين َحي ِم َ‬
‫لون ال َع َرش َو َمن َح َ ُ‬
‫ِل ََّّل َ‬
‫ين أ آ َمنوا﴾ [ غافر ‪]7:‬‬

‫اذا الرابطة ِه ماذا اَلميان الت ِه أوثق الروابط هذا اَلميان اذلي عند املَلئكة وعند صاحل البرش ودل‬
‫دعاء مس مترا وحمبة عظمية للمؤمنْي ِبذه ادلعوات العظمية والت يبْي هنا ابن القمي ‪ -‬رمحه‬ ‫يف املَلئكة ً‬
‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات‬ ‫هللا‪ -‬طرفا من هذه ادلعوات وهو قول املَلئكة يف دعاهئم للمؤمنْي ﴿ َو ِقهِ ُم َّ‬
‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات َو َمن ت َِق َّ‬
‫يَو َمئِ ٍذ فَقَد َر ِمحتَ ُه َو ِ َ‬
‫ذكل ه َُو الفَ ُ‬
‫وز ال َعظ ُمي﴾ [ غافر ‪]9:‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫يقول ابن القمي قول املَلئكة { َو ِقهِ ُم َّ‬


‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات } يتناول أمرين ‪:‬‬
‫يتناول ابعاده ‪ ,‬ووقايهتم من اذلنوب‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬ويتناول أيضا وقايهتم من عقوَبت اذلنوب‬
‫والوقاية من عقوَبت اذلنوب مرتتب عَل الوقاية من اذلنوب‪ ،‬قال فهذا يتضمن طلب وقايته من سيئات‬
‫اْلعامل وعقوَبُتا الت تسوء صاحهبا‪ْ ،‬لن العقوَبت الت عَل اْلعامل السيئة ِه من سيئات اْلعامل ْلهنا‬
‫تودلت عْنا‪ُ ،‬وو ِجدت بسبهبا‪.‬قال فانه س بحانه مَّت وقاه ْعل الس ي‪ ،‬وقاه جزاء الس ي‪.‬‬

‫قال‪ :‬فَا ْن ِقي َل‪ :‬فَقَدْ َسأَلُو ُه ُس ْب َحان َ ُه أَ ْن ي َ ِقهيَ ُ ْم عَ َذ َاب الْ َج ِح ِمي‪َ ،‬و َه َذا ه َُو ِوقَاي َ ُة الْ ُع ُق َوَب ِت َّ‬
‫الس ِيئَ ِة‪ ،‬فَدَ َّل عَ ََل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫اس‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ون اذلي َسأَل ال َمَلئكة ن َظ َري َما ْ تَ َعاذ نْ ُه‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫الس‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هتَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أَ َّن ال ُم َرا َد َب َّ ِئَة ال ِت َسألوا ِوقايَ َا‪ ،‬اْلْعال َّ ِئَة‪ ،‬يَك ُ‬ ‫ي‬‫لس‬ ‫ِ‬
‫النَّ ِ ُّب ‪ -‬ﷺ ‪.-‬‬
‫ات ْ َاْل ْ َْعالِ َذ ِ َكل الْ َي ْو َم‪َ ،‬و ِ َ‬
‫ِه َس ِيئَ ٌ‬
‫ات‬ ‫وب ِوقَاي َ ُة ُ ُ‬
‫رش ِور َس ِيئَ ِ‬ ‫َو ََل يَ ِر ُد عَ ََل َه َذا قَ ْو ُ َُل‪ " :‬ي َ ْو َمئِ ٍذ " فَا َّن الْ َم ْطلُ َ‬
‫ِ‬
‫ِيف أَنْ ُف ِسهَا‪.‬‬

‫هذا اْلآن ايراد‪ ،‬أورده عَل ما س بق‪ .‬هو رمحه هللا يقرر أن املراد بقول املَلئكة "وقهم السيئات " يتناول‬
‫أمرين‪ ،‬يقرر أن هذا يتناول أمرين‪:‬‬
‫‪ -‬يتناول الوقاية من اذلنوب‪.‬‬
‫‪ -‬ويتناول الوقاية من عقوَبت اذلنوب‪.‬‬
‫هذا اذلي يقرره‪ ،‬كام س بق ايضاحه ذلكل‪ .‬فقال‪ :‬ان قيل قد ذكرت عقوَبت اذلنوب بعده "وقهم عذاب‬
‫اجلحمي"‪ ،‬هذه عقوَبت اذلنوب‪ ،‬فيكون قول املَلئكة" وقهم السيئات" أي اذلنوب وَل يتناول العقوبة ْلن‬
‫العقوبة ُذ ِكرت‪ ،‬فاجلواب عَل ذكل‪.‬‬

‫ِقي َل‪ِ :‬وقَاي َ ُة َّ‬


‫الس ِيئَ ِ‬
‫ات ن َْوعَ ِان‪.‬‬
‫أَ َحدُ ُ َُها‪ِ :‬وقَاي َ ُة ِف ْع ِلهَا َِبلتَّ ْو ِف ِيق ف َ ََل ت َْصدُ ُر ِمنْ ُه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫َوالث َِّان‪ِ :‬وقَاي َ ُة َج َزاهئِ َا َِبلْ َم ْغ ِف َر ِة‪ ،‬فَ ََل يُ َعاقَ ُب عَلَهيْ َا‪ ،‬فَتَضَ َّمنَ ِت ْاْلآي َ ُة ُس َؤا َل ْ َاْل ْم َرْي ِن‪َ ،‬و َّ‬
‫الظ ْر ُف تَ ْقيِي ٌد ِللْ ُج ْم َ ِةل‬
‫الرش ِط َّي ِة ََل لِلْ ُج ْم َ ِةل ا َّلطلَ ِبيَّ ِة‪.‬‬
‫َّ ْ‬

‫يقول رمحه هللا‪ :‬قيل وقاية السيئات نوعان‪:‬‬


‫أحدهام وقاية فعلها َبلتوفيق‪ ،‬فَل تصدر منه ‪ " -‬قهم السيئات" ‪-‬أي قهم من فعل السيئات‪ ،‬جنهبم السيئات‪،‬‬
‫أعذه من فعل السيئات‪.‬‬
‫واملعىن الثان‪ :‬وقاية جزاهئا َبملغفرة‪ ،‬يعين من وقع يف السيئة وفقه للتوبة مْنا واغفر َل هذا اذلنب اذلي وقع فيه‬
‫فَل يعاقب علهيا‪.‬‬
‫فتضمنت اْلآية سؤال اْلمرين‪.‬‬

‫الصا ِل ِح َو ْاَل ْح َس ِان ا ََل الْ ُم ْؤ ِم ِن َْي‬ ‫َوتَأَ َّم ْل َما تَضَ َّمنَ ُه َه َذا الْخ َ َُْب َع ِن الْ َم ََلئِ َك ِة ِم ْن َمدْ ِ ِِح ْم َِب َْلمي َ ِان َوالْ َع َم ِل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دَي ْاس ِت ْغ َف ِار ِ ْه ت ََو ُّسلَهُ ْم ا َ َِل َّ ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل ب َِس َع ِة ِعلْ ِم ِه َو َس َع ِة َر ْ َمح ِت ِه‪ ،‬فَ َس َع ُة ِعلْ ِم ِه‬ ‫َِب َِل ْس ِت ْغ َف ِار لَهُ ْم‪َ ،‬وقَ َّد ُموا ب َ ْ َْي ي َ ِ‬
‫ِ‬
‫اه َو ِط َبا ِعهِ ْم َو َما ُزِي َن لهُ ْمَ‬ ‫تتَضَ َّم ُن ِعلْ َم ُه ب ُِذن ُوِبِ ِ ْم َوأَ ْس َباِبِ َا َوضَ ْع ِفهِ ْم َع ِن الْ ِع ْص َم ِة‪َ ،‬و ْاس ِت َيَل ِء عَدُ ِو ِ ْه َوأَنْ ُف ِسهِ ْم َوه ََو ُْ‬
‫الساب َِق ِبأَهنَّ ُ ْم ََل ب ُ َّد‬ ‫ِم َن ادلُّ نْ َيا َو ِزينَهتِ َا‪َ ،‬و ِعلْ َم ُه ِبِ ِ ْم ا ْذ أَنْشَ أَ ُ ْه ِم َن ْ َاْل ْر ِض‪َ ،‬وا ْذ ُ ْه أَ ِجن َّ ٌة ِيف ب ُ ُط ِ‬
‫ون أُ َّمهَاُتِ ِ ْم‪َ ،‬و ِعلْ َم ُه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫أَ ْن ي َ ْع ُصو ُه‪َ ،‬وأَن َّ ُه ُ ِحي ُّب الْ َع ْف َو َوال َم ْغف َرةَ‪َ ،‬وغَ ْ َري ذ ِ َكل م ْن َس َعة علمه اذلي َل ُ ِحييطُ ِبه أَ َح ٌد س َوا ُه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫َل عَلَ ْي ِه أَ َح ٌد ِم َن الْ ُم ْؤ ِم ِن َْي ِب ِه أَه ِْل ت َْو ِحي ِد ِه َو َم َحبَّ ِت ِه‪ ،‬فَان َّ ُه َو ِاس ُع َّالر ْ َمح ِة ََل ُ ُْي ِر ُج‬ ‫َو َس َع ُة َر ْ َمحتِ ِه تَتَضَ َّم ُن أَن َّ ُه ََل ُّيَ ْ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يش ٍء‪َّ ،‬مث َسألو ُه أ ْن ي َ ْغف َر للتَّائب َِْي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لك َ ْ‬ ‫َع ْن دَائِ َر ِة َر ِ َمحتِ ِه ا ََّل ْ َاْل ْش ِقيَ َاء‪َ ،‬و ََل أَ ْشقَى ِم َّم ْن ل َ ْم ت َ َس ْع ُه َر ْ َمح ُت ُه ال َّ ِت َو ِس َع ْت ُ َّ‬
‫ِ‬
‫ِص ُاط ُه الْ ُم َو ِص ُل الَ ْي ِه َّ ِاذلي ه َُو َم ْع ِرفَ ُت ُه َو َم َح َّب ُت ُه َو َطا َع ُتهُ‪ ،‬فَتَابُوا ِم َّما يَ ْك َر ُه‪َ ،‬وات َّ َب ُعوا‬ ‫َّ ِاذل َين ات َّ َب ُعوا َسب َِيلُ‪َ ،‬وه َُو َِ‬
‫ِ‬
‫السبِي َل ال َّ ِت ُ ِحيهبُّ َا‪َّ ُ ،‬مث َسأَلُو ُه أَ ْن ي َ ِقهيَ ُ ْم عَ َذ َاب الْ َج ِح ِمي‪َ ،‬وأَ ْن يُدْ ِخلَه ُْم َوالْ ُم ْؤ ِم ِن َْي ِم ْن أُ ُصو ِلهِ ْم َوفُ ُرو ِعهِ ْم َوأَ ْز َو ِاِج ْمِ‬ ‫َّ‬
‫دَه ِبِ َا ِبأَ ْس َب ٍاب‪َ ،‬و ِم ْن ُ ْمجلَهتِ َا‪:‬‬ ‫دَه ِبِ َا‪َ ،‬وه َُو ُس ْب َحانَهُ‪َ ،‬وا ْن َاك َن ََل ُ ُْي ِل ُف الْ ِمي َعادَ‪ ،‬فَان َّ ُه َوعَ ُ ْ‬ ‫ات عَدْ ٍن ال َّ ِت َوعَ ُ ْ‬ ‫َجن َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ْ َ ِ ِ َّ ِ‬
‫ُون لَهُ ْم ِبِ َا‪.‬‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫دْ‬‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬
‫َل‬ ‫م‬‫َ‬ ‫م‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫أ‬‫و‬ ‫م‬‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ْع‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْل‬‫ِ‬ ‫ُدعَا ُء َم ََلئِكَ ِت ِه لَهُ ْم أَ ْن يُدْ ِخلَهُ ْم ِا َّايهَا ب َرمحته ال ِ َ َ ْ‬
‫م‬‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ق‬‫َّ‬ ‫ف‬‫و‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ْنْ‬‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬

‫واقامة املَلئكة يدعون ِبا للمؤمنْي‪ ،‬هذه من نعمة هللا العظمية عَل املؤمنْي‪ ،‬أن قيض هؤَلء املَلئكة‬
‫أن يدعو هذه ادلعوات املس ت اَبت‪َ،‬بحلاح ومداومة واس مترار يدعون هللا ‪-‬س بحان وتعاَل‪ -‬للمؤمنْي‪،‬‬
‫فدخول اجلنة‪ ،‬والن اة من النار‪ ،‬هو بأس باب هيأها هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪-‬من مجةل هذه اْلس باب ما‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫هيأه هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬ويْسه من هذه ادلعوات العظمية‪ ،‬الت تدعو ِبا املَلئكة للمؤمنْي‪،‬وأمر هذه‬
‫ادلعوات ليس َبلهْي‪ ،‬أمر هذه ادلعوات الت يْسها هللا‪،‬و قيض املَلئكة للمداومة علهيا‪ ،‬هذه أمر‬
‫ليس َبلهْي‪ ،‬وِه دعوات عظمية‪ ،‬أشار ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل ‪-‬اَل مضاميْنا العظمية‪ ،‬وتوسَلت‬
‫املَلئكة العظمية‪،‬ومنشأ هذه ادلعوة‪ ،‬وهو اَلميان اذلي يف املَلئكة‪ ،‬وِه دعوات ْلهل اَلميان‪ ،‬من‬
‫صاحل البرش مبا فيه فَلِحم ‪،‬سعادُتم‪ ،‬ورفعهتم‪ ،‬وجناُتم من خسط هللا‪ -‬س بحانه وتعاَل ‪-‬وفوزه جبنات‬
‫النعمي‬

‫يب َه ِذ ِه ادلَّ ع َْو ِة‪{ :‬ان ََّك أَن َْت الْ َع ِز ُيز الْ َح ِك ُمي} [ ُس َور ُة غَا ِف ٍر‪َ . ]8 :‬أ ْي‬ ‫ُ َّمث أَخ َ َْْب ُس ْب َحان َ ُه َع ْن َم ََلئِ َك ِت ِه أَهنَّ ُ ْم قَالُوا َع ِق َ‬
‫ِ‬
‫َم ْص ُدَر َذ ِ َكل َو َسبَ ُب ُه َوغَاي َ ُت ُه َصا ِد ٌر َع ْن َ َمَكلِ قُدْ َرتِ َك َو َ َمَكلِ ِعلْ ِم َك‪ ،‬فَا َّن الْ ِع َّز َة َ َمَك ُل الْ ُقدْ َر ِة‪َ ،‬والْ ِح ْْكَ َة َ َمَك ُل الْ ِع ْ ِمل‪،‬‬
‫ِ‬
‫الص َفتَ ِان َم ْص ُدَر‬ ‫يب َويُ َعا ِق ُب‪ ،‬فَهَااتَ ِن ِ‬ ‫الص َفتَ ْ ِْي ي َ ْق ِيض ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل َما َش َاء‪َ ،‬ويَأْ ُم ُر َويَْنْ َيى َويُثِ ُ‬ ‫َوِبِ َات ْ َِْي ِ‬
‫الْ َخلْ ِق َو ْ َاْل ْم ِر‪.‬‬

‫ويف هذا الباب قاعدة عند أهل العمل أن اْلآايت الت ختمت بأسامء حس ىن هلل‪ ،‬ملا خمت ِبا من أسامء هللا تعلق‬
‫َبملعىن اذلي ُذكر يف اْلآية‪ ،‬وابن القمي‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬نبه عَل ذكل ‪،‬وأن هذا اَلنعام‪،‬واَلكرام‪،‬والفوز برضوان‬
‫هللا‪،‬والن اة من خسطه‪،‬مصدر ذكل هو سببه‪،‬وغايته‪،‬صادر عن كامل قدرةهللا‪،‬وكامل علمه ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪-‬ولهذا‬
‫ُخمتت اْلآية " انك أنت العزيز احلكمي "فان العزةكامل القدرة‪،‬واحلْكة كامل العمل‪ ،‬بوضع اْلمور مواضعها‪،‬‬

‫ِه ا َّما ِيف الْقَلْ ِب‪َ ،‬وا َّما ِيف‬ ‫رش ِع َّي ٍة‪َ ،‬و ُع ُق َوَب ٍت قَدَ ِري َّ ٍة‪َ ،‬و ِ َِ‬ ‫ات تَتَنَ َّو ُع ا ََل ُع ُق َوَب ٍت َ ْ‬ ‫الس ِيئَ ِ‬ ‫َّ‬ ‫َوالْ َم ْق ُصو ُد أَ َّن ُع ُق َوَب ِت‬
‫ِ‬
‫دَن‪َ ،‬وا َّما ِف ِهي َما‪َ ،‬و ُع ُق َوَب ٍت ِيف د َِار الْ َ ْْب َزخِ ب َ ْعدَ الْ َم ْو ِت‪َ ،‬و ُع ُق َوَب ٍت ي َ ْو َم َع ْو ِد ْ َاْل ْج َسا ِد‪ ،‬فَا َّذلن ُْب ََل َ ُْيِلُو م ْنِ‬ ‫الْ َب ِ‬
‫ِ‬
‫امئ َّ ِاذلي ََل‬ ‫ُع ُقوب َ ٍة أَلْ َبتَّ َة‪َ ،‬ولَ ِك ْن ِل َجه ِْل الْ َع ْب ِد ََل ي َْش ُع ُر ِب َما ِفي ِه ِم َن الْ ُع ُقوب َ ِة‪َْ ِ ،‬لن َّ ُه ِب َم ْ ِلز َ ِل َّ‬
‫الس ْك َر ِان َوالْ ُم َخد َِّر َوالنَّ ِ ِ‬
‫ْس عَ ََل ِاَلنْ ِك َس ِار‪َ ،‬والْغ ََر ِق‬ ‫ُوب كَ َ َرتت ُِّب ْاَل ْح َر ِاق عَ ََل النَّ ِار‪َ ،‬و ْال َك ْ ِ‬ ‫ي َْش ُع ُر َِب ْ َْللَ ِم‪ ،‬فَ َ َرتت ُُّب الْ ُع ُق َوَب ِت عَ ََل ا ُّذلن ِ‬
‫ِ‬
‫الس ُمو ِم‪َ ،‬و ْ َاْل ْم َر ِاض عَ ََل اْل ْ َب ِاب ال َ ا َبة لهَا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫دَن عَ ََل ُّ‬ ‫عَ ََل الْ َما ِء‪َ ،‬وفَ َسا ِد الْ َب ِ‬

‫أن اذلنوب جالبة للعقوبة‪ ،‬والعقوبة مرتتبة عَل اذلنوب وَلبد ولكن جلهل العبد َل يشعر مبا هو فيه من‬
‫العقوبة مثل مكثل اذلي يألك أطعمة فهيا مْضة لصحته واهَلك َل ‪ ،‬لكْنا تعجبه وتس هتوُّيا نفسه فيألك‬
‫مْنا برشه مرة تلو اْلخرى واملرض َل يزال يْسي ببدنه اَل أن يفتك به املرض فهيلكه متاما‬
‫فاملعايص هكذا لكن َل يشعر العايص لعظمي ِجل فمييض يف اذلنوب ويامتدى فهيا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫َوقَدْ تُقَ ِار ُن الْ َم َ َّ‬


‫ْض ُة ا َّذلن َْب َوقَدْ تَتَأَخ َُّر َع ْنهُ‪،‬‬

‫املْضة الت ترتتب عَل اذلنب قد تقارن اذلنب تقع معه أو قريبا منه وأحياان تتأخر رمبا تتأخر وقتا طويَل‬

‫ا َّما ي َِس ًريا َوا َّما ُم َّدةً‪َ َ ،‬مَك يَتَأَخ َُّر الْ َم َر ُض َع ْن َسبَ ِب ِه أَ ْن يُقَ ِنار َ ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا اذلي هو املرض َبْلس باب الت يتودل مْنا املرض قد يتودل املرض رسيعا وقد يتأخر‪ ،‬قد يألك‬
‫اَلنسان بعض اْلطعمة الضارة فَل تْضه يف احلال‪ ،‬لكن تظهر مْضُتا بعد حْي‪ ،‬قد تكون بعد س نوات‬
‫طويةل‪ ،‬واذلنوب كذكل قد تظهر مْضُتا يف احلْي وقد تتأخر‪ ،‬فَل تظهر اَل بعد حْي بعد ٍ‬
‫وقت طويل‬

‫قال ‪َ ،‬وكَثِ ًريا َما يَقَ ُع الْغَلَطُ ِللْ َع ْب ِد ِيف َه َذا الْ َمقَا ِم َوي ُ ْذ ِن ُب ا َّذلن َْب فَ ََل يَ َرى أَث ََر ُه َع ِقبَ ُه‬

‫َل يرى العقوبة حتل به مبارشة يرى أنه فعل اذلنب مث فعل اثنية مث فعل رابعة‪,‬وما رأى ذنبا فريى من خَلل‬
‫ذكل أنه ليس هناك عقوبة‪ ،‬لو اكنت هناك عقوبة للزلت‪ ،‬فيكون ذكل سببه والعياذ َبهلل لامتديه يف اذلنب‪،‬‬

‫‪َ ،‬و ََل يَدْ ِري أَن َّ ُه ي َ ْع َم ُل َ َْع َ ُل عَ ََل التَّدْ ِر ِي َشيْئًا فَشَ يْئًا‬

‫وَل يدري أنه يعمل ْعل اذلنب يعمل ْعل يف حلول العقوبة عَل التدري شيئا فشيئا‪,‬واَل العقوبة أآتية‬
‫َّ‬
‫وحال َبلعبد‬

‫الس ُمو ُم َو ْ َاْل ْش َيا ُء‬ ‫‪َ َ ،‬مَك تَ ْع َم ُل ُّ‬


‫الضَّ َّار ُة َح ْذ َو الْقَ َّذ ِة َِبلْقَ َّذ ِة‪،‬‬

‫السموم واْلش ياء الضارة عندما يتناولها اَلنسان يف بدنه قد ُتلكه فورا وقد يكــون اهَلكها َل بعــد مدة‬
‫تبقى تْسي يف البدن وتتضاعف اَل أن ُتَل املرء‪.‬‬

‫فَا ْن تَدَ َاركَ الْ َع ْبدُ ن َ ْف َس ُه َِب ْ َْل ْد ِوي َ ِة َو ِاَل ْس ِت ْف َراغِ َوالْ ِح ْم َي ِة‪َ ،‬وا ََّل فَه َُو َصائِ ٌر ا ََل الْه َََل ِك‪َ ،‬ه َذا ا َذا َاك َن َذنْ ًبا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫اَّلل ال ُم ْس تَ َع ُان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لك َساعَة؟ َو َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫دَار ْك ُه ِب َما يُ ِزي ُل أَث ََر ُه‪ ،‬فَ َك ْي َف َِب َّذلن ِْب عَ ََل ا َّذلن ِ ِْب ُ َّ‬
‫لك ي َ ْو ٍم َو َّ‬ ‫َو ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫دً‬‫ح‬‫ِ‬ ‫ا‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫كيف اذا اكن اْلمر ذنوب ترتامك عَل العبد ويدخل من ذنب اَل أآخر مث َل يرى عقوبة حلت به مبارشة‬
‫فيامتدى يف اذلنوب حَّت تكون هذه اذلنوب موجبة لعطبه وهلكته يف دنياه وأخراه‪.‬‬
‫لك ذكل وَل يزال أيضا اللُكم موصوَل فامي س يأيت لك ذكل تنبيه وايقاظ من اَلمام ابن القمي هذا اَلمام‬
‫الناحص ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬للعبد أن حيذر من اذلنوب ْلهنا خطر عظمي عليه وس بحان هللا وهذا مر معنا‬
‫قريبا كثري من الناس َل عناية ِبفظ بدنه يعتين ِبذا اجلانب عناية دقيقة ولهذا يكون هناك أطعمة شهية‬
‫وذليذة وطيبة ونفسه حتهبا فَل يألكها ويراها أمامه َل يألكها يريد محية لبدنه يريد سَلمة لصحته فيكون‬
‫أمامه الطعام الشهي فَل ميد يده اليه وهو يعمل أنه لو ألكه ما رضه وَل ظهرت عليه مْضة لكنه يعمل أنه‬
‫لو داوم عليه وأكرث منه يظهر يف بدنه بعد حْي اما ترهَل يف البدن أو أمراض جيلهبا للبدن أو غري ذكل‬
‫فت ده يتق الطيبات من اْلطعمة خوف مْضُتا لكنه يف الوقت نفسه َل يتق اذلنوب خوف‬
‫معرُتا ‪,‬ومر معنا يف هذا بيتْي نقلهام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬قال فهيام ‪:‬‬
‫جسمك َبمحلية حصنته خمافة من أمل طاري‬
‫واكن أوَل بك أن حتمت من املعايص خش ية النار‬
‫أان يف نسخت (الباري )ويف النسخ الت عندمك أو أكرث النسخ (النار ) وهو صواب وهو اذلي يوافق ما‬
‫جاء من ايراد لهذين البيتْي من املصادر اْلخرى الت نقلت هذين البيتْي واملعىن أيضا مس تقمي (خش ية‬
‫الباري )ولكن البيت أصل هكذا من خش ية النار يعين عقوبة البدن اذا اكن هو جينب بدنه مضار‬
‫اْلطعمة فليجنب أيضا بدنه مْضة دخول النار يوم القيامة ْلن اذلنوب جتر البدن اَل النار فاحلْكة‬
‫ومقتىض العقل السلمي كام أنه حيمت من اْلطعمة خوف مْضُتا أن حيمت من ماذا ؟‬
‫من اذلنوب خوف عقوبهتا‪.‬‬
‫نسأل هللا العظمي رب العرش العظمي أن حيفظنا ِبفظه وأن يتغمدان أمجعْي برمحته وأن يصلح لنا شأننا‬
‫لكه وأن َل يلكنا اَل أنفس نا طرفة عْي وأن يغفر لنا ولوادلينا وللمسلمْي واملسلامت واملؤمنْي واملؤمنات‬
‫اْلحياء مْنم واْلموات ونسأَل جل وعَل أن يعيذان أمجعْي من رشور أنفس نا وسيئات أعاملنا وأن يعيذان‬
‫أمجعْي من رش أنفس نا ورش الش يطان ورشكه وأن نقرتف عَل أنفس نا سوء أو أن جنره اَل‬
‫مسمل‪,‬ونسأَل جل وعَل أن يصلح لنا أمجعْي ديننا اذلي هو عصمة أمران وأن يصلح لنا دنياان الت فهيا‬
‫معاش نا وأن يصلح لنا أآخرتنا الت فهيا معادان وأن جيعل احلياة زايدة لنا يف لك خري واملوت راحة لنا من‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الحادي والثالثون‬

‫لك رش‪ ,‬ربنا أآتنا يف ادلنيا حس نة ويف اْل آخرة حس نة وقنا عذاب النار‪ ,‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ما‬
‫حيول بيننا وبْي معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقْي ما ُتون به علينا مصائب ادلنيا‪,‬‬
‫اللهم متعنا بأسامعنا وأبصاران وقوتنا ما أحييتنا واجعل الوارث منا واجعل ثأران عَل من ظلمنا وانرصان‬
‫عَل من عاداان وَل جتعل مصيبتنا يف ديننا وَل جتعل ادلنيا أكْب ُهنا و َل مبلغ علمنا وَل اَل النار مصريان‬
‫وَل تسلط علينا من َل يرمحنا ‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وِبمدك أشهد أن َل اَل اَل أنت أس تغفرك وأتوب اليك‪ ,‬اللهم صل وسمل عَل عبدك‬
‫ورسوكل نبينا محمد و أَل وحصبه ‪.‬‬
‫اضغط عَل الرابط لَلشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ،‬آما بعد ‪ :‬فيقول العالمة ابن‬
‫القمي اجلوزية رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫]فَ ْص ٌل ب َ ْع ُض ُعقُ َوَب ِت الْ َم َع ِاص[‬


‫ُوب َو َج ِوز َو ُصو َل ب َ ْع ِضهَا ال َ ْي َك‬ ‫ِض ب َ ْع َض الْ ُعقُ َوَب ِت ال ِِت َرتَبَ َا ُ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل عَ َىل ا ُّذلن ِ‬ ‫فَ ْاس تَ ْح ِ ْ‬
‫ِ‬
‫َوا ْج َع ْل َذ ِ َِل دَا ِعيًا ِللن ْف ِس اَل ِِه َْراِنِ َا‪َ ،‬وآََنَ آَ ُس ُوق َ َِل ِمْنْ َا َط َرفًا يَ ْك ِفي الْ َعا ِق َل َم َع الت ْص ِد ِيق ِب َب ْع ِض ِه‪.‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحمي ‪ ,‬امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ال اهل اال هللا وحده ال رشيك هل‪ ,‬وآشهد آن محمداً‬
‫عبده ورسوهل‪ -‬ﷺ وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪،-‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدَن علامً ‪,‬وآصلح‬
‫لنا شأننا لكه ‪ ,‬وال تلكنا اَل آنفس نا طرفة عني‪,‬آما بعد ‪:‬‬
‫فال يزال هذا االمام الناحص العالمة ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬يُواصل بيان عواقب اذلنوب‪ ،‬وآرضارها‬
‫العظمية املتنوعة ‪،‬ويف آثناء قراءاتنا لهذه العقوَبت ُ‬
‫نظن آن المر مت بياَنً ‪ ،‬مث ُُيدد ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬ال ُنصح‬
‫بيان واسع ن ُصحاً منه ‪-‬رمحه هللا‬
‫بنفس طويل‪ ،‬و ٍ‬ ‫والبيان بعقد فصل َتلو الآخر ُمنوعاً يف بيان عقوَبت اذلنوب ٍ‬
‫تعاَل‪ -‬لل ِعباد‪ ،‬وحتذيراً من عواقب اذلنوب ومغباهتا ‪،‬‬
‫والعاقل الناحص لنفسه ينبغي عليه آن ينظر طوي ًال‪ ،‬وآن يتأمل يف عواقب اذلنوب‪ ،‬لتكون هذه املعرفة منه‬
‫الكف عْنا‪ ،‬وال ُبع ِد عْنا‪ ،‬واحلذر من الوقوعِ فهيا ‪،‬‬
‫بعواقب اذلنوب معون ًة هل عىل ِ‬
‫ولهذا تأمل الكم االمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬هنا يف هذا الفصل اجلديد واذلي س يذ ُكر فيه آنواعاً آخرى من‬
‫عواقب اذلنوب يقول ‪:‬‬
‫فاس تحِض آي آهيا الناحص لنفسه بعض العقوَبت الِت رتَبا هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬عىل اذلنوب‪ِ ،‬‬
‫وجوز‬
‫وصول بعضها اليك ‪:‬‬
‫جوز وصول بعضها اليك‪ ،‬واجعل ذِل داعياً للنفس اَل‬‫آي ان وقعت يف هذه اذلنوب ومتاديت فهيا ِ‬
‫ِهراِنا‪،‬وهذا من نصحه ‪-‬رمحه هللا‪ ،-‬وهو آيضاً ٌ‬
‫بيان للغرض اذلي من آجهل آخذ يُعدد هذه العواقب لذلنوب‪،‬‬
‫آن يتأمل الناحص يف هذه العواقب وآن ُُيوز وصول بعضها اليه ان اكن وقع يف هذه اذلنوب ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫قال ‪ :‬وآَن آسوق ِل مْنا طرفاً يكفي العاقل مع التصديق ببعضه ‪ :‬يعين يكفي العاقل رادعاً وزاجراً واكفًّا هل‬
‫عن فعل اذلنوب والوقوع فهيا ‪،‬ونسأل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬آن ُيعل قراءتنا لهذا الالكم لالمام ابن القمي من العمل‬
‫النافع‪ ،‬وآن ينفعنا بذِل‪ ،‬وآن ُيعهل جحة لنا ال علينا‪ ،‬وآن يُعيننا عىل ُرشد آنفس نا وصالهحا‪ .‬نعم‬

‫] الْخ ْ َُْت عَ َىل الْقَلْ ِب[‬


‫وب‪َ ،‬و َج ْع ُل ْالَ ِكن ِة عَلَهيْ َا‬ ‫وب َو ْ َال ْ َْساعِ‪َ ،‬والْ ِغشَ َاو ُة عَ َىل ْ َالب ْ َص ِار‪َ ،‬و ْاالقْ َف ُال عَ َىل الْقُلُ ِ‬ ‫قال ‪ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬الْخ ْ َُْت عَ َىل الْقُلُ ِ‬
‫وَل ب َ ْ َني ال ْ َم ْر ِء َوقَلْ ِب ِه‪َ ،‬واغْفَ ُال الْقَلْ ِب َع ْن ِذ ْك ِر الر ِب‪،‬‬ ‫يب ْالَفْئِدَ ِة َو ْالَبْ َص ِار‪َ ،‬والْ َح ْيلُ َ ُ‬
‫َوالريْ ُن عَلَهيْ َا َوالط ْب ُع َوتَقْ ِل ُ‬
‫اَّلل ت َْطه َِري الْقَلْ ِب‪َ ،‬و َج ْع ُل الصدْ ِر ضَ ِيقًا ِ َح َر ًجا َ ََكن َما يَصعدُ ِيف الس َما ِء‪،‬‬ ‫َوان ْ َسا ُء ْاالن ْ َس ِان ن َ ْف َسهُ‪َ ،‬وتَ ْركُ ا َرا َد ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ًة‪َ َ ،‬مَك َذك َرَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وب َع ِن ال َح ِق‪َ ،‬و ِز ََيدَهتُ َا َم َرضً ا عَىل َم َرضهَا‪َ ،‬وا ْراك ُسهَا َونْك ُسهَا ِب ْيث ت َ ْبقى َمنْك َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َص ُف القل ِ‬
‫ُ‬ ‫َو َ ْ‬
‫ِ‬
‫ِس ٌاج يُ ْز ِه ُر‪:‬‬‫وب آَ ْرب َ َع ٌة‪ -:‬قَلْ ٌب آَ ْج َر ُد ِفي ِه ِ َ‬ ‫اَّلل َع ْن ُه ‪ -‬آَن ُه قَا َل‪ :‬الْ ُقلُ ُ‬ ‫ْاال َما ُم آَ ْمحَدُ َع ْن ُح َذيْفَ َة بْ ِن الْ َي َم ِان ‪َ -‬ر ِ َ‬
‫ِض ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وس‪ :‬فَذ َِل قل ُب ال ُمنَاف ِق‪َ - ،‬وقل ٌب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فَ َذ َِل قل ُب ال ُم ْؤم ِن‪َ - ،‬وقل ٌب آَغل ُف‪ :‬فَذ َِل قل ُب الَكف ِر‪َ - ،‬وقل ٌب َمنْك ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫تَ ُم ُّد ُه َمادَتَ ِن‪َ :‬ماد ُة االمي َ ٍان َو َماد ُة ِنفَ ٍاق‪َ ،‬وه َُو ِل َما غَل َ َب عَل َ ْي ِه ِمْنْ ُ َما‪.‬‬
‫ِ‬
‫نعم‪،‬قال مفْنا آي من عواقب اذلنوب وعقوَبهتا هذه المور العديدة الِت ذكر‪ ,‬ويه ليست عقوبة واحدة الِت‬
‫عد هنا‪ ,‬امنا عقوَبت متنوعة ولكها جاء ذكرها يف كتاب هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫* مثل اخلْت عىل القلب والسامع والغشاوة عىل البصار واالقفال عىل القلوب وجعل ال ِكنة علهيا والرين علهيا‬
‫والطبع اَل آآخر ما ذكر ‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪.. -‬‬
‫هذه لكها من عواقب اذلنوب وآرضارها عىل القلوب وحاصل هذه العقوَبت آِنا حتجب صاحَبا عن اخلري‬
‫رش وفسا ٍد واحنالل وليس هناك منافذ لن القلب ُطبع عليه‬ ‫وتغلق عليه منافذ اخلري فيبقى مغلقاً عليه يف ٍ‬
‫وغطى عليه الران فمل يكن فيه منفذ وعليه الغشاوة واخلْت عىل قلبه واحليلوَل بينه وبني االميان والمر العظمي‬
‫آيضاً اذلي آشار اليه رمحه هللا بقوهل‪:‬‬
‫وترك ارادة هللا تطهري قلبه } آُولَ ٰـئِ َك ِاذل َين ل َ ْم يُ ِر ِد اللـ ُه آَن يُ َطهِ َر قُلُوَبَ ُم { اَل غري ذِل من النواع الِت‬
‫ترتتب عىل متادي االنسان يف عصيان هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬والوصول اَل هذه النتيجة يبيْنا جلياً احلديث‬
‫اذلي مر معنا ذكره االمام ابن القمي يف موطن سابق وهو قول النيب ﷺ‪ " :‬اذا آذنب العبد ذنباً ُنكت يف‬
‫قلبه نكتة سوداء فاذا َتب ونزع واس تغفر ُصقل ولكام زاد زادت النكت حىت يكون الران " مث تال قول هللا‬
‫ون} [املطففني ‪]14 :‬‬ ‫تعاَل‪{َ :‬الك ۖ ب َ ْ ْۜل َر َان عَ َ ٰىل قُلُوَبِ ِ م ما َاكنُوا يَ ْك ِس ُب َ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫آي غطى عىل قلوَبم ما اكنوا يرتكبون من املعاص والآاثم‪ .‬نعم‬

‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬التثْبِيطُ َع ِن الطاعَ ِة‪َ ،‬و ْاالقْ َعا ُد َعْنْ َا‪.‬‬
‫ِ‬
‫نعم ‪ ،‬وهذه من املضار العظمية لذلنوب‪ :‬آِنا مثبط عن طاعة هللا وتثين صاحَبا عن اخلري ؛لن املعصية ال‬
‫تودل طاعة وامنا تودل مثلها؛ فكام آن احلس نة تنادي آخهتا وتدعو الهيا فان السيئة كذِل تنادي آخهتا وتدعو‬ ‫ِ‬
‫الهيا؛ فالسيئة ال تودل حس ن ًة وامنا تودل سيئات‪ ,‬فاذا وضع املرء قدمه يف طريق املعاص والسيئات اكن من‬
‫العواقب الوخمية املرتتبة عىل ذِل آِنا تثبطه عن طاعة هللا وهذه نتيجة طبيعية يف ترتَبا عىل اذلنب نتيجة‬
‫تلقائية لذلنب آنه يُبعد عن الطاعة ويُدين من املعاص الخرى‪ .‬نعم‬

‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪َ :‬ج ْع ُل الْقَلْ ِب آَ ََص َال ي َْس َم ُع الْ َحق‪ ،‬آَبْ ََكَ َال ي َ ْن ِط ُق ِب ِه‪ ،‬آَ ْ َْعى َال يَ َرا ُه‪ ،‬فَتَ ِص ُري ِالن ْس َب ُة ب َ ْ َني الْقَلْ ِب َوب َ ْ َني‬
‫َص َو ْ َال ْص َو ِات‪َ ،‬وعَ ْ ِني ْ َال ْ َْعى َو ْ َاللْ َو ِان‪َ ،‬و ِل َس ِان ْ َالخ َْر ِس‬ ‫الْ َح ِق ِاذلي َال ي َ ْن َف ُع ُه غَ ْ ُري ُه‪َ ،‬اك ِلن ْس َب ِة ب َ ْ َني آُ ُذ ِن ْالَ َ ِ‬
‫َوالْ َ َالك ِم‪َ ،‬وَبِ َ َذا ي ُ ْع َ ُمل آَن الْ َع َمى َوالص َم َم َوالْ َب ََكَ لِلْقَلْ ِب َبِ ذل ِات‪ :‬والْ َح ِقيقَ ُة‪َ ،‬و ِللْ َج َو ِارحِ َبِ لْ َع َر ِض َوالت َب ِعي ِة {فَاِنَا َال‬
‫ِ‬
‫ور} ُ[س َور ُة ال ْ َح ِج‪.]46 :‬‬ ‫الصدُ ِ‬ ‫وب ال ِِت ِيف ُّ‬ ‫تَ ْع َمى ْ َالب ْ َص ُار َولَ ِك ْن تَ ْع َمى الْ ُقلُ ُ‬
‫قَا َل تَ َع َاَل‪{ :‬لَي َْس عَ َىل ْ َال ْ َ‬
‫ْعى َح َر ٌج} ُ[س َور ُة النُّو ِر‪.]61 :‬‬ ‫َص‪ ،‬كَ ْي َف َوقَدْ‬ ‫س َع ِن الْ َب َ ِ‬ ‫َولَي َْس الْ ُم َرا ُد ن َ ْف َي الْ َع َمى الْ ِح ِ ِ‬
‫َوقَا َل‪{ :‬عَبَ َس َوت ََوَل ‪ -‬آَ ْن َج َاء ُه ْ َال ْ َْعى} ُ[س َور ُة عَبَ َس‪.]2 - 1 :‬‬
‫َص َبِ ِلن ْس َب ِة ال َ ْي ِه اكل َ ًْعى‪َ ،‬حىت ان ُه ي َ ِص ُّح‬
‫َوان َما الْ ُم َرا ُد آن الْ َع َمى التا ُّم ِيف الْ َح ِقيقَ ِة‪َْ َ :‬عى الْقَلْ ِب‪َ ،‬حىت ان َ َْعى الْ َب َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَصعَ ِة‪َ ،‬ولَ ِكن ُه ِاذلي ي َ ْم ُِ‬
‫ِل ن َ ْف َس ُه عنْدَِ‬ ‫ن َ ْف ُي ُه َبِ لنِ ْس َب ِة اَل َ َمَك ِ ِهل َوقُوتِ ِه‪َ َ ،‬مَك قَا َل الن ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬لَي َْس الشديدُ َبِ ُّ ْ‬
‫ِ‬
‫الْغَضَ ِب» َوقَ ْو ِ ِهل ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬لَي َْس الْ ِم ْس ِك ُني َبِ لطو ِاف ِاذلي تَ ُر ُّد ُه الل ُّ ْق َم ُة َوالل ُّ ْق َمتَ ِان‪َ ،‬ولَ ِكن الْ ِم ْس ِك َني ِاذلي َال‬
‫ي َْسأَ ُل الن َاس‪َ ،‬و َال ي ُ ْف َط ُن َ ُهل فَ ُيتَ َصد ُق عَلَ ْي ِه» َون ََظائِ ُر ُه كَ ِث َريةٌ‪.‬‬
‫َوالْ َم ْق ُصو ُد آَن ِم ْن ُعقُ َوَب ِت الْ َم َع ِاص َج ْع َل الْقَلْ ِب آَ ْ َْعى آَ ََص آَبْ َ ََك‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬هذه آيضاً من العقوَبت الِت ترتتب عىل اذلنوب فامي يتعلق َبلقلب واملِضة العظمية الِت ُيرها اذلنب آو‬
‫اذلنوب عىل القلب آِنا قد توصل القلب اَل هذه املرحةل آن يكون القلب آْعى آَص آبَك وتكون حال القلب‬
‫يف عدم انتفاعه من احلق والهُدى واخليـر اذلي ال صالح للقلب اال به كحال الَص مع الصوات والْعى مع‬
‫املرئيات فكام آن الْعى ال يراها والَص ال يسمع الصوات فهذا ال ينتفع َبخلري وال هيتدي اَل احلق ملا يف‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫قلبه من العمى والصمم والبعد عن احلق والهدى وقد قال هللا س بحانه وتعاَل‪ ﴿ :‬فَاِنَا َال تَ ْع َمى ْالَب ْ َص ُار‬
‫ِ‬
‫الصدُ ِ‬
‫ور﴾ ]سورة احلج ‪[٤٦‬‬ ‫َولَ ٰـ ِكن تَ ْع َمى الْ ُقلُ ُ‬
‫وب ال ِِت ِيف ُّ‬
‫وبني ابن القمي رمحه هللا تعاَل آن العمى احلقيقي والصمم احلقيقي والبَك احلقيـقي هو ما يكون يف القلب‬
‫حض ادلليل عليه يف الآية الكريـمة‪ ﴿ :‬فَاِنَا َال تَ ْع َمى ْالَب ْ َص ُار‬
‫واذلي يف اجلوارح تبع وهذا اذلي ذكر رمحه هللا وا ٌ‬
‫ِ‬
‫الصدُ ِور﴾ ]سورة احلج ‪، [٤٦‬آي العمى احلقيقي امنا يكون يف القلب اذلي هو‬ ‫َولَ ٰـ ِكن تَ ْع َمى الْ ُقلُ ُ‬
‫وب ال ِِت ِيف ُّ‬
‫ْعى البصرية وانطامس البصرية قال رمحه هللا ‪ :‬وامنا املراد آن العمى التام يف احلقيقة ْعى القلب حىت ان ْعى‬
‫البَص َبلنس بة اليه اكلْعى حىت انه ِيصح نف ُي ُه َبلنس بة اَل كامهل وقوته ومثل َبحلديث‪ (( :‬ليس الشديد‬
‫َبلَصعة ))‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫َبلَصعة )) يعين‬
‫الَصعة اذلي يَصع الرجال هذا شديـد‪ ,‬لكن يقول عليه الصالة والسالم‪ (( :‬ليس الشديد ُّ‬ ‫ُّ‬
‫كامل ِ‬
‫الشدة يف هذا املقام ليس بأن يكون املرء َُصعة يَصع الرجال وامنا كامل الشدة آن ميِل املرء نفسه عند‬
‫الغضب ‪.‬‬

‫]خ َْس ُف الْقَلْ ِب[‬


‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬الْخ َْس ُف َبِ لْقَلْ ِب َ َمَك ُ ُْي َس ُف َبِ لْ َم ََك ِن َو َما ِفي ِه‪ ،‬فَ ُيخ َْس ُف ِب ِه اَل آَ ْسفَلِ السا ِف ِل َني َو َص ِاح ُب ُه َال‬
‫ات َوالْقَا ُذ َور ِات َوالر َذائِلِ ‪َ َ ،‬مَك آَن الْقَلْ َب ِاذلي َرفَ َع ُه‬ ‫ي َْش ُع ُر‪َ ،‬وعَ َال َم ُة الْخ َْس ِف ِب ِه آَن ُه َال يَ َزا ُل َجو ًاال َح ْو َل ُّ‬
‫الس ْف ِلي ِ‬
‫اخلري ومعايل العامل والقوال والخالق ِ‪)1( ).‬‬ ‫اَّلل َوقَرب َ ُه ال َ ْي ِه َال يَ َز ُال َجو ًاال َح ْو َل ال ِرب و ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬الْ ُب ْعدُ َع ِن الْ ِ ِرب َوالْخ ْ َِري َو َم َع ِايل ْالَ ْ َْعالِ َو ْالَقْ َوالِ َو ْالَخ َْال ِق‪.‬‬
‫ول َح ْو َل الْ ُح ِش‪.‬‬ ‫ول َح ْو َل الْ َع ْر ِش‪َ ،‬و ِمْنْ َا َما َ ُُي ُ‬
‫وب َجو َاَلٌ‪ ،‬فَ ِمْنْ َا َما َ ُُي ُ‬ ‫قَا َل ب َ ْع ُض السل َ ِف‪ :‬ان َه ِذ ِه الْقُلُ َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬مت التعديل عىل املنت كام قال الش يخ حفظه هللا ‪.‬‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬ومْنا‪ :‬آي عواقب اذلنوب ‪-‬اخلسف َبلقلب آن ُُيسف بقلب العاص املذنب وذكر ‪-‬رمحه‬
‫هللا تعاَل‪ -‬عالمة يُعرف من خاللها َبذا اخلسف اذلي حصل للقلب وآن القلب قد خ ُِس َف به عالمة ذِل‬
‫آن يصبح القلب ال ِِهة لــه اال يف ادلنيئات واخلسيسات واحلقريات من المور والسيئات من العامل ف ُيصبِح‬
‫القلب جواالً حول هذه الش ياء يه ِهته و ِطلبته وبُغيت ُه ال يُفكر اال فهيا وال ينشغل اذا اكن القلب َبذه‬
‫ِ‬
‫الصفة فهيي عالمة عىل آنه قلب قد خُسف به‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫واذا اكن هناك قلوب قد خُسف َبا فان عىل الضد من ذِل هناك قلوب علية رفيعة رشيفة عالية ‪،‬‬
‫وعالمة القلب العيل الرفيع آن يكون جواالً حول الرب واخلري والعامل الصاحلة ال ِِهة هل اال ذِل ُيرج من بِر‬
‫اَل ِبر آآخر ومن طاعة اَل آخرى حىت انه من علوه تزتامح عليه العامل حىت قيل يف بعض السلف آنه لو‬
‫اكن مِل املوت عند َببه ما اكن عنده زَيدة ْعل المتالء وقته َبلعامل الصاحلة والرب واخلري ‪،‬‬
‫فهذه قلوب علية وعالمهتا آِنا جواَل حول الرب واخلري والعامل الصاحلة هذه ِههتا وهناك قلوب والعياذ َبهلل‬
‫خمسوف َبا هذا القلب اذلي خمسوف به عالمته آنه جوال حول اخلسائس وال يُفكر اال َبا ونفسه ال‬
‫تتحدث اال َبا وال ُيرج من بيته اال من آجلها لن قلبه خمسوف به وهذه عالمته‪،‬عالمته آنه جوال حول‬
‫اخلسائس والمور احلقريات المور ادلنيئات‪.‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬ان هذه القلوب جواَل مفْنا ما ُيول حول العرش ومْنا ما ُيول حول احلُش‪ :‬يعين‬
‫الش ياء السافةل والش ياء ادلنيئة والش ياء احلقرية ‪.‬‬
‫فقلوب جواَل آي عالية رفيعة تدور حول العرش طلبًا ملرضاة رب العرش ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬لرفعهتا وعلوها‬
‫وقلوب دنيئة وقلوب خسيسة ومرتدية وهالكة ‪،‬‬
‫ومبناس بة جميء لفظة جواَل يقول آحد السلف ‪ :‬جواَل حول العرش والخرى جواَل حول احلُش قل مثل‬
‫هذا يف اس تعامالت الناس الآن للجوال مْنم من ُُيرج جواهل من جيبه وِهته للش ياء اخلسيسة احلقرية‬
‫يبحث عْنا ويتتبعها يف مواقعها وُيرج من موقع اَل آآخر ال ِهة هل يف هذا اجلوال اال اخلسيس احلقري ادلينء‬
‫العامل السيئة القبيحة الِت ال جتلب لقلبه اال املرض وزَيدة الذى لقلبه والِضر هل ف ُيخرج جواهل وال ِهة هل‬
‫وينقب عْنا ويدخل من مَكن اَل آآخر نظراً يف اخلسائس‪،‬واجلوالات‬ ‫آص ًال اال آن يبحث عن هذه الش ياء ِ‬
‫يف املواقع الِت يوصل الهيا من خالل اجلوالات مليئة َبخلسائس والمور احلقرية الِت ُيب عىل املسمل آن‬
‫يربأ بنفسه عْنا‪.‬‬
‫قد هيؤوك لمر لو ِفطنت هل ***‪.‬فاربأ بنفسك آن ترعى مع اهلملِ‬
‫هذه آمور لهل اخلساسة وادلَنءة والضياع فاملؤمن يربأ بنفسه آن يكون جواالً يف جواهل مع هذه اخلسائس‬
‫والمور احلقرية ادلنيئة‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫وآما آحصاب القلوب العلية الرفيعة فانه ال يُفكر آص ًال آن يصل اَل يشء من خالل هذه اجلوالات اَل يشء‬
‫من هذه املضار ‪.‬حىت ان بعض الصاحلني يف زماننا آص ًال مل يقبل اجلوال حفظاً لقلبه وبعضهم مل يقبل‬
‫اجلوالات الِت تُسمى اذلكية خوفاً مما فهيا من عدم الزاكء واخلري وما فهيا من املضار املتنوعة مع اخلري اذلي‬
‫فهيا‪ ،‬لكنه حفظاً لقلبه وصيانة هل تركها مع عدم البأس يف اس تعاملها فامي ينفع لكنه ترك ما ال بأس به حذراً مما‬
‫به بأس ورعاية لقلبه وصيانة هل‪ .‬نعم‬

‫] َم ْسخُ الْقَلْ ِب[‬


‫الص َورةُ‪ ،‬فَ َي ِص ُري الْقَلْ ُب عَ َىل قَلْ ِب الْ َح َي َو ِان ِاذلي َشاَبَ َ ُه ِيف‬ ‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪َ :‬م ْسخُ الْقَلْ ِب‪ ،‬فَ ُي ْم َسخُ َ َمَك تُ ْم َسخُ ُّ‬
‫ُلق ِخ ْ ِْني ٍر ِل ِشد ِة َش َب ِه َصا ِح ِب ِه ِب ِه‪َ ،‬و ِمْنْ َا َما يُ ْم َسخُ‬ ‫وب َما ي ُ ْم َسخُ عَ َىل خ ِ‬ ‫آَخ َْال ِق ِه َوآَ ْ َْع ِ ِاهل َو َطبِي َعتِ ِه‪ ،‬فَ ِم َن الْ ُقلُ ِ‬
‫ُلق قَلْ ِب َلكْ ٍب آَ ْو ِمح ٍَار آَ ْو َحي ٍة آَ ْو َعقْ َر ٍب آ َو غَ ْ ِري َذ ِ َِل‪َ ،‬و َه َذا تَأْ ِوي ُل ُس ْفيَ َان بْ ِن ُع َييْنَ َة ِيف قَ ْو ِ ِهل ت َ َع َاَل‪:‬‬ ‫عَ َىل خ ِ‬
‫َك} ُ[س َور ُة ْالَن ْ َعا ِم‪. ]38 :‬‬ ‫َ{و َما ِم ْن دَاب ٍة ِيف ْالَ ْر ِض َو َال َطائِ ٍر ي َ ِط ُري ِ َِبنَا َحيْ ِه اال آُ َم ٌم آَ ْمث َالُ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ون عَ َىل آَخ َْال ِق الْ ِ َالك ِب َوآَخ َْال ِق الْ َخنَ ِازي ِر‬ ‫الس َباعِ الْ َعا ِدي َ ِة‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ْم َم ْن يَ ُك ُ‬ ‫ون عَ َىل آَخ َْال ِق ِ‬ ‫قَا َل‪ِ :‬مْنْ ُ ْم َم ْن يَ ُك ُ‬
‫ون ب َ ِليدًا َاكلْ ِح َم ِار‪،‬‬ ‫َوآَخ َْال ِق الْ َح ِم ِري‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ْم َم ْن ي َ َت َطو ُس ِيف ثِ َيا ِب ِه َ َمَك ي َ َت َطو ُس الط ُاو ُوس ِيف ِر ِيش ِه‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ْم َم ْن يَ ُك ُ‬
‫يك‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ْم ِم ْن يَأْل َ ُف َوي ُ ْؤل َ ُف َاكل ْ َح َما ِم‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ُم الْ َحقُو ُد َاكلْ َج َملِ ‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ُم ِاذلي ه َُو‬ ‫َو ِمْنْ ُ ْم َم ْن ي ُ ْؤثِ ُر عَ َىل ن َ ْف ِس ِه َاك ِدل ِ‬
‫اَّلل ت َ َع َاَل آَ ْه َل‬ ‫خ ْ ٌَري ُلكُّ ُه َاكلْغََنَ ِ‪َ ،‬و ِمْنْ ُ ْم آَ ْش َبا ُه ا ِذلئاب َ‪،‬و ِمْنْ ُ ْم آَ ْش َبا ُه الث َعا ِل ِب ال ِِت تَ ُرو ُغ كَ َر َوغَاِنِ َا‪َ ،‬وقَدْ َش ب َه ُ‬
‫الص َور ِة‬ ‫الْ َجهلِ َوالْغ َِي َبِ لْ ُح ُم ِر َتَ َرةً‪َ ،‬وَبِ لْ َلكْ ِب َتَ َرةً‪َ ،‬وَبِ ْ َلن ْ َعا ِم َتَ َرةً‪َ ،‬وتَقْ َوى َه ِذ ِه الْ ُمشَ اَبَ َ ُة ََب ِطنًا َحىت ت َْظه ََر ِيف ُّ‬
‫ُك آَ َح ٍد‪َ ،‬و َال ي َ َز ُال يَقْ َوى َحىت‬ ‫ون‪َ ،‬وت َْظه َُر ِيف ْالَ ْ َْعالِ ُظه ًُورا يَ َرا ُه ُ ُّ‬ ‫الظا ِه َر ِة ُظه ًُورا َخ ِفيًّا‪ ،‬يَ َرا ُه الْ ُمتَفَ ِر ُس َ‬
‫الص َور َة‬ ‫اَّلل ‪ُ -‬س ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل ‪ُّ -‬‬‫اَّلل‪َ ،‬وه َُو الْ َم ْسخُ التا ُّم‪ ،‬فَ َي ْق ِل ُب ُ‬ ‫الص َور ُة َبِ ْذ ِن ِ‬ ‫الص َورةُ‪ ،‬وت َ ْنقَ ِل ُب َ ُهل ُّ‬ ‫تُ ْست َ ْش نَ َع ُّ‬
‫ِ‬
‫الظا ِه َر َة عَ َىل ُص َور ِة َذ ِ َِل الْ َح َي َو ِان‪َ َ ،‬مَك فَ َع َل َبِ لْهيَ ُو ِد َوآَ ْش َبا ِههِ ْم‪َ ،‬ويُ ْف َع ُل ِبقَ ْو ٍم ِم ْن َه ِذ ِه ْالُم ِة ي َ ْم َس ُخهُ ْم ِق َر َد ًة‬
‫َو َخنَ ِاز َير‪.‬‬
‫ون‬ ‫وف ِب ِه؟ َو ََكْ ِم ْن َم ْف ُت ٍ‬ ‫اَّلل! ََكْ ِم ْن قَلْ ٍب َمنْ ُك ٍوس َو َصا ِح ُب ُه َال ي َْش ُع ُر؟ َوقَلْ ٍب َم ْم ُسوخٍ َوقَلْ ٍب َمخ ُْس ٍ‬ ‫فَ ُس ْب َح َان ِ‬
‫ُك َه ِذ ِه ُعقُ َوَب ٌت َواهَاَنَ ٌت ي َ ُظ ُّن‬ ‫اَّلل عَلَ ْي ِه؟ َو ُ ُّ‬ ‫اَّلل عَل َ ْي ِه؟ َو ُم ْس تَدْ َرجٍ ِب ِن َع ِم ِ‬ ‫ِبثَنَا ِء الن ِاس عَلَ ْي ِه َو َمغ ُْر ٍور ب ِِس ْ ِرت ِ‬
‫ِ‬ ‫الْ َجا ِه ُل آَِنَا كَ َرا َم ٌة‪.‬‬

‫نسأل هللا آن حيفظ قلوبنا آمجعني اللهم آ آ ِت نفوس نا تقواها وزكها آنت خري من زاكها آنت ولهيا وموالها ‪،‬قال‬
‫رمحه هللا تعاَل‪ :‬ومْنا مسخ القلب هذه آيضاً من العقوَبت الِت تتودل عن اذلنوب‪ :‬آِنا قد تصل بصاحب‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫اذلنب اَل آن يُمسخ قلبه واملسخ‪ -‬كام آوحض االمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل‪ -‬يكون عىل آنواع وهذا التنوع‬
‫يف املسخ اذلي يصل اليه القلب‪:‬‬
‫‪ -‬قال َترة يُمسخ عىل خْنير آو ميسخ عىل لكب آو عىل س باع آو عىل غريها‪ ..‬هذا التنوع يف املسخ اذلي‬
‫يكون للقلب هو راجع اَل نوع اذلنب‪ ,‬فلك ذنب آو ُك جنس من اذلنوب يودل نوعاً من املسخ‬
‫فالفواحش والزىن وهذه اذلنوب والامتدي فهيا يورث مسخاً للقلب كحال اخلْنير‪ -‬والعياذ َبهلل‪ -‬وقل مثل‬
‫ذِل يف اذلنوب الخرى فالرسقة مث ًال آو اجلشع والغل واحلسد وغري ذِل ‪..‬فهذه تودل يف القلب مسخاً‬
‫حىت ان االنسان يُصبح يف وقت ما فيه ش به بواحد من هذه احليواَنت‪.‬‬
‫ولهذا قال املصنِف‪:‬ان هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬ش به يف القرآآن بعض الناس َترة َبللكب وَبمحلار وبَبمية‬
‫النعام قال بل مه آشد‪ ,‬فاحلاصل آن اذلنوب تودل يف االنسان مسخاً بأن ميسخ قلبه عىل قلب خْنير‬
‫لشدة ش به صاحبه ومْنم من ميسخ عىل خُلق لكب آو حامر آو حية آو عقرب وهكذا‪ ,‬وكذا ِبسب‬
‫اذلنوب الِت يفعلها‪ ,‬ولهذا يأيت عىل آ ِلس نة بعض الناس تشبيه بعض العصاة مبا يرونه من صفات ظاهرة‬
‫عليه بنوع من احليواَنت الِت هو ي ُش َبها بأفعاهل هذه‪.‬‬
‫﴿و َما ِمن دَاب ٍة ِيف ْالَ ْر ِض َو َال َطائِ ٍر‬
‫قال ابن القمي‪ :‬وهذا تأويل سفيان بن عيينة لقول هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪َ : -‬‬
‫ِبنَا َح ْي ِه اال آُ َم ٌم آَ ْمث َالُ َُك ۚ﴾ [النعام‪]38 :‬‬
‫ي َ ِط ُري ِ َ‬
‫ِ‬
‫آي هذه الخالق والعامل والصفات املوجودة يف احليواَنت ويف الس باع والَبامئ والطري اَل آآخر ذِل؛ يف‬
‫البرش مثلهم‪ ،‬من هو شبيه َبم يف تِل الصفات‪ ،‬وُك ذِل متودل من املعاص واذلنوب‪.‬‬
‫وس بحان هللا؛ جاءت العامل الصاحلة تريب املرء عىل آن يرفع نفسه‪ ،‬وآن ينأى َبا عن التش به َبحليوان‪،‬‬
‫واالتصاف بصفاته‪.‬‬
‫ولهذا انظر َك يف الصالة؛ هذه العبادة العظمية الرشيفة املتكررة فرضاً و ًنفال؛ َك فهيا من الرتبية عىل الرفعة‬
‫َبلنفس والعلو َبا‪ ،‬ولهذا جتد يف الحاديث الْنيي عن نَقْر كنقر الغراب‪ ،‬وبروك كربوك البعري‪ ،‬واقعاء اكقعاء‬
‫اللكب‪ ،‬وافرتاش اكفرتاش الس بع‪ ،‬اَل غري ذِل؛ لن هذه الصالة تريب املرء تربية عظمية عىل ال ِرفعة بنفسه‬
‫والبعد َبا عن الصفات اذلممية‪ ،‬ومن ذِل التش به َبذه احليواَنت‪.‬‬

‫اَّلل َبِ لْ َما ِك ِر‪َ ،‬و ُمخَا َد َع ُت ُه لِلْ ُمخَا ِدعِ‪َ ،‬و ْاس هتِ ْ َزا ُؤ ُه َبِ لْ ُم ْس هتَ ْ ِزئِ ‪َ ،‬وا َزاغَ ُت ُه ِلقَلْ ِب الزائِغ ِ َع ِن الْ َح ِق‪.‬‬
‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪َ :‬م ْك ُر ِ‬
‫ِ‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫نعم وهذا اجلزاء من جنس العمل ﴿ َج َز ًاء ِوفَاقًا﴾ [النبأ‪.]26 :‬‬

‫]نَ ْك ُس الْقَلْ ِب[‬


‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬نَ ْك ُس الْقَلْ ِب َحىت ي َ َرى الْ َبا ِط َل َحقًّا َوالْ َحق ََب ِط ًال‪َ ،‬والْ َم ْع ُر َوف ُمنْكَ ًرا َوالْ ُم ْنكَ َر َم ْع ُروفًا‪َ ،‬وي ُ ْف ِسدُ‬
‫اَّلل َوه َُو يَ َرى آَن ُه يَدْ عُو ال َ ْيه‪َ ،‬وي َْش َ ِرتي الض َال َ ََل َبِ لْهُدَى‪ ،‬وه َُو ي َ َرى آَن ُه عَ َىل‬ ‫َويَ َرى آَن ُه ي ُ ْص ِل ُح‪َ ،‬وي َ ُص ُّد َع ْن َسبِيلِ ِ‬
‫ِ‬
‫وب‪.‬‬‫ُوب الْ َج ِاري َ ِة عَ َىل الْقَلْ ِ‬‫ُك َه َذا ِم ْن ُع ُق َوَب ِت ا ُّذلن ِ‬‫الْهُدَى‪َ ،‬ويَت ِب ُع ه ََوا ُه َوه َُو ي َ ْز ُ ُُع آَن ُه ُم ِطي ٌع ِل َم ْو َال ُه‪َ .‬و ُ ُّ‬

‫نعم ‪ ،‬هذه من عقوَبت اذلنوب اجلارية عىل القلوب‪ :‬آِنا تؤدي َبلقلب اَل آن يكون منكوساً وعالمة كون‬
‫القلب منكوساً ما ذكره ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬آن يرى المور عىل غري حقيقهتا؛ يرى املعروف‬
‫منكراً‪،‬واملنكر معروفاً‪ ،‬واحلق َبط ًال‪ ،‬والباطل حقاً‪ ،‬و ُّ‬
‫الس نة بدعة‪ ،‬والبدعة س نة‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫هذا قلب منكوس‪ ،‬لنه آصبح بسبب انتَكس قلبه يرى المور عىل غري حقيقهتا‪ ،‬ورؤيته للمور عىل غري‬
‫حقيقهتا من هذا التنكس اذلي عليه قلبه‪ .‬نعم‬

‫] َح ْج ُب الْقَلْ ِب َع ِن الر ِب[‬


‫اب ْالَكْ َ ُرب ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة‪َ َ ،‬مَك قَا َل هللا ت َ َع َاَل‪{َ :‬الك ب َ ْل َر َان‬ ‫اب الْقَلْ ِب َع ِن الر ِب ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪َ ،‬والْ ِح َج ُ‬ ‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ِ :‬ح َج ُ‬
‫ون} [ ُس َور ُة الْ ُم َط ِففِ َني‪. ]15 - 14 :‬‬ ‫ون َالك اِنُ ْم َع ْن َر ِ َِب ْم ي َ ْو َمئِ ٍذ ل َ َم ْح ُجوب ُ َ‬ ‫عَ َىل قُلُوَبِ ِ ْم َما َاكنُوا يَ ْك ِس ُب َ‬
‫ِ‬
‫ُوب آَ ْن ي َ ْق َط ُعوا الْ َم َسافَ َة بَيْْنَ ُ ْم َوب َ ْ َني قُلُوَبِ ِ ْم‪ ،‬فَيَ ِصلُوا الَهيْ َا فَ َ َري ْوا َما ي ُ ْص ِل ُحهَا َويُ َز ِكهيَا‪َ ،‬و َما ي ُ ْف ِسدُ هَا‬ ‫فَ َمنَ َعهتْ ُ ُم ا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬
‫وب الَ ْي ِه فَتَ ُف َوز ِبقُ ْ ِرب ِه َوكَ َرا َمتِ ِه‪َ ،‬وتَقَر ِب ِه َع ْينًا‬ ‫َوي ُْشفهيَا‪َ ،‬وآَ ْن ي َ ْق َط ُعوا الْ َم َسافَ َة ب َ ْ َني قُلُوَبِ ِ ْم َوب َ ْ َني َر ِ َِب ْم‪ ،‬فَتَ ِص َل الْقُلُ ُ‬
‫ِ‬
‫ُوب ِح َج ًاَب بَيْْنَ ُ ْم َوب َ ْ َني قلوَبم و ِح َج ًاَب بَيْْنَ ُ ْم َوب َ ْ َني َر ِ َِب ْم َوخَا ِل ِقهِ ْم‪.‬‬ ‫يب ِب ِه ن َ ْف ًسا‪ ،‬ب َ ْل َاكن َِت ا ُّذلن ُ‬ ‫َوت َِط َ‬

‫نعم ‪ ،‬هذه آيضً ا من العقوَبت آو عواقب اذلنوب؛ آِنا حتجب القلب عن الرب يف ادلنيا؛ فتحول بينه وبني ما‬
‫يقربه من هللا ويدنيه منه جل يف عاله؛ هذا يف ادلنيا‪.‬‬
‫وحتجبه عن الرب يف ادلار الآخرة‪ ،‬دار الكرامة والرضوان والفوز برؤية الرب العظمي س بحانه وتعاَل‪ ،‬ولهذا‬
‫"الك اِنُ ْم َعن ر ِ َِب ْم ي َ ْو َمئِ ٍذ ل َم ْح ُجوب ُ َ‬
‫ون" [املطففني‪])15( :‬‬ ‫قال هللا ‪-‬س بحانه‪َ -‬‬
‫ِ‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫وهذا احلجاب اذلي يف ادلار الآخرة ‪-‬عن رَبم‪ -‬هو آثر حلجاب ‪-‬آيضً ا‪ -‬يف ادلنيا؛ فقلبه يف ادلنيا ُحجِب عن‬
‫هللا َبلرتاكامت الِت علهيا القلب من املعاص والبعد عن هللا س بحانه وتعاَل‪ ،‬واالعراض عنه‪ ،‬اَل آن وصل‬
‫اَل هذا احلد اذلي هو جحب القلب عن هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬وْعا يق ِرب منه ‪-‬عز وجل‪ -‬فيُمثر هذا احلجاب‬
‫"الك اِنُ ْم َعن ر ِ َِب ْم ي َ ْو َمئِ ٍذ ل َم ْح ُجوب ُ َ‬
‫ون" [املطففني‪.])15( :‬‬ ‫جحاَب يف الآخرة َ‬
‫ادلنيوي ً‬
‫ِ‬
‫وهذا احلجب اذلي يف الآخرة سببه‪ :‬خسط هللا علهيم‪ ،‬ولهذا قال الشافعي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف هذه الآية‪( :‬اذا اكن‬
‫هؤالء ُحجبوا يف السخط [بسبب خسط هللا علهيم]؛ فان املؤمنني يرونه يف ِالرضا[آي رضا هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاَل‪ -‬عْنم]) وال يُمكن يُسوى بني املؤمن وغريه َبحلجاب‪.‬‬
‫ولهذا جاء يف احلديث يف حصيح مسمل قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪< :-‬اذا دخل آهل اجلنة اجلنة؛ قال هللا‪:‬‬
‫هل تُريدون شيئًا آزيدَك؟ فيقولون‪ :‬آمل تدخلنا اجلنة وتُنجنا من النار وتُبيض وجوهنا؟! قال‪ :‬ف ُي ُ‬
‫كشف‬
‫احلجاب‪ ،‬مفا آُعطوا شيئًا آحب الهيم من النظر اَل هللا ‪-‬عز وجل‪>-‬‬

‫قال ‪َ :‬و ِمْنْ َا‪ :‬الْ َم ِعيشَ ُة الضنْ ُك ِيف ادلُّ ن ْ َيا َو ِيف الْ َ ْرب َزخِ‪َ ،‬والْ َع َذ ُاب ِيف ْال آ ِخ َر ِة‪ ،‬قَا َل ت َ َع َاَل‪َ { :‬و َم ْن آَع َْر َض َع ْن ِذ ْك ِري‬
‫رش ُه ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة آَ ْ َْعى} ُ[س َور ُة طه‪. ]124 :‬‬‫فَان َ ُهل َم ِعيشَ ًة ضَ ْن ًَك َو َ ْحن ُ ُ‬
‫ِ‬
‫رس ِت الْ َم ِعيشَ ُة الضنْ ُك ِب َع َذ ِاب الْقَ ْ ِرب‪َ ،‬و َال َري ْ َب آَن ُه ِم َن الْ َم ِعيشَ ِة الضنْ ِك‪َ ،‬و ْالآي َ ُة تَتَنَ َاو ُل َما ه َُو آَ َ ُُّع ِمنْهُ‪َ ،‬وا ْن‬ ‫َوفُ َِ‬
‫ات‪ ،‬فَان ُ ُْعومهَا ِمن حي ُث الْمع ََن‪ ،‬فَانه س بحانه رتب الْم ِعيشَ َة الضن َك ع َىل ِ‬ ‫َاكن َْت نَ ِك َر ًة ِيف ِس َي ِاق ْاالثْ َب ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ ُ ْ َ َُ َ َ َ‬ ‫َ ْ َْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْاالع َْر ِاض َع ْن ِذ ْك ِر ِه‪ ،‬فَالْ ُم ْع ِر ُض َعنْ ُه َ ُهل ِم ْن ضَ نْ ِك الْ َم ِعيشَ ِة ِ َِب َس ِب اع َْر ِاض ِه‪َ ،‬وا ْن ت َ َنع َم ِيف ادلُّ ن ْ َيا ِبأَ ْصنَ ِاف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارض َما ِفيه‪ِ،‬‬‫وب‪َ ،‬و ْالَ َم ِاين الِْبَا ِط َ ِةل َوالْ َع َذ ِاب الْ َح ِِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫رسات ال ِِت تَقط ُع القل َ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ِالن َع ِم‪ ،‬ففي قل ِبه م َن ال َو ْحشَ ة َواذلل َوا َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ئاس ِة‪َ ،‬وا ْن ل َ ْم ي َ ْنضَ م اَل َذ ِ َِل ُس ْك ُر الْ َخ ْم ِر‪،‬‬ ‫َوان َما ي ُ َو ِاري ِه َع ْن ُه ُس ْك ُر الشه ََو ِات َوالْ ِع ْش ِق َو ُح ِب ادلُّ ن ْ َيا َو ِالر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعم ‪ ،‬يعين حىت وان اكن ال يرشب امخلر لكن فيه نوع من السكر آآخر اذلي هو ُسكر الشهوات‪.‬‬

‫فَ ُس ْك ُر َه ِذ ِه ْالُ ُم ِور آَع َْظ ُم ِم ْن ُس ْك ِر الْ َخ ْم ِر‪ ،‬فَان ُه ي ُ ِف ُيق َصا ِح ُب ُه َوي َ ْص ُحو‪،‬‬
‫ِ‬
‫نعم‪ ،‬صاحب امخلر يُفيق ويصحو‪ ،‬آما ُسكر الشهوات فال افاقة فهيا وال حصو‪ .‬نعم‬

‫َو ُس ْك ُر الْه ََوى َو ُح ِب ادلُّ ن ْ َيا َال ي َ ْص ُحو َصا ِح ُب ُه اال ا َذا َاك َن َص ِاح ُب ُه ِيف ع َْسكَ ِر ْ َال ْم َو ِات‪ ،‬فَالْ َم ِعيشَ ُة الض ْن ُك َال ِز َم ٌة‬
‫ِ ِ‬
‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ِ -‬يف ُدنْ َيا ُه َو ِيف الْ َ ْرب َزخِ َوي َ ْو َم َم َعا ِد ِه‪َ ،‬و َال تَقَ ُّر‬
‫اَّلل ِاذلي آَنْ َز َ ُهل عَ َىل َر ُس ِ ِ‬
‫ِل َم ْن آَع َْر َض َع ْن ِذ ْك ِر ِ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫ُك َم ْع ُبو ٍد ِس َوا ُه ََب ِط ٌل‪ ،‬فَ َم ْن‬ ‫الْ َع ْ ُني‪َ ،‬و َال هيَ ْدَ آُ الْقَلْ ُب‪َ ،‬و َال ت َْط َم ِ ُِّئ الن ْف ُس اال َبِ لَهِهَا َو َم ْع ُبو ِدهَا ِاذلي ه َُو َحقٌّ ‪َ ،‬و ُ ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫اَّلل ت َ َعاَل ان َما‬
‫رسات‪َ ،‬و ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُك عَ ْ ٍني‪َ ،‬و َم ْن ل َ ْم تَقَر َ ْينُ ُه َّلل تَقط َعت نَف ُس ُه عَىل ادلُّ ن َيا َ َ‬
‫َبِ‬ ‫ع‬ ‫قَر ْت َع ْينُ ُه َبِ َِّلل قَر ْت ِب ِه ُ ُّ‬
‫ِ‬
‫َج َع َل الْ َح َيا َة الط ِي َب َة ِل َم ْن آ آ َم َن ِب ِه َو َ ِْع َل َصا ِل ًحا‪َ َ ،‬مَك قَا َل ت َ َع َاَل‪َ { :‬م ْن َ ِْع َل َصا ِل ًحا ِم ْن َذكَ ٍر آَ ْو آُن ََْث َوه َُو ُم ْؤ ِم ٌن‬
‫ون} ُ[س َور ُة الن ْحلِ ‪. ]97 :‬‬ ‫فَل َ ُن ْح ِييَن ُه َحيَا ًة َط ِي َب ًة َولَنَ ْج ِزيَْنُ ْم آَ ْج َر ُ ْمه ِبأ َ ْح َس ِن َما َاكنُوا ي َ ْع َملُ َ‬
‫فَضَ ِم َن ِلَ ْهلِ ْاالمي َ ِان َوالْ َع َملِ الصا ِل ِح الْ َج َز َاء ِيف ادلُّ ن ْ َيا َبِ لْ َح َيا ِة الط ِي َب ِة‪َ ،‬وَبلْ ُح ْس ََن ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة‪ ،‬فَلَهُ ْم آَ ْط َي ُب‬
‫ِ‬
‫الْ َح َيات ْ َِني‪ ،‬فَهُ ْم آَ ْحيَا ٌء ِيف ادل َاريْ ِن‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬قال ومْنا ‪-‬عقوَبت اذلنوب‪ -‬املعيشة الضنك يف ادلنيا ويف الربزخ والعذاب يف الآخرة مثل ما قال هللا‬
‫عز وجل ‪َ " :‬وان الْ ُفج َار لَ ِفي َج ِح ٍمي "‬
‫ِ‬
‫ومه كام ذكر ابن القمي رمحه هللا تعاَل‪ :‬يف حجمي يف دورمه الثالثة يف ادلنيا والربزخ وادلار الآخرة‪..‬‬
‫ومما يدل عىل هذا املعَن قول هللا س بحانه وتعاَل‪َ " :‬و َم ْن آَع َْر َض َعن ِذ ْك ِري فَان َ ُهل َم ِعيشَ ًة ضَ ًنَك "‬
‫ِ‬
‫هذه املعيشة املوصوفة َبذه الصفة بعض السلف قال‪ :‬آي يف القرب معيشة ضنَك آي يف قربه‬
‫قال ابن القمي‪ :‬معَن الآية آُع من ذِل فاِنا كام تتناول القرب فاِنا تتناول آيضاً احلياة ادلنيا فهو يف عيش ضنك‬
‫حىت وان اكن مرتفاً حىت وان اكن منعامً‪،‬‬
‫الضنك اذلي يف قلبه ‪:‬جحبه عنه ُسكر الشهوات والافتتان َبملذلات حفجبه عن ذِل ‪,‬واال فان هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاَل‪ -‬آىب آن تكون احلياة الطيبة اال يف طاعته كام يف الآية الِت ساق آآخراً ويه قول هللا س بحانه وتعاَل‪":‬‬
‫َم ْن َ ِْع َل َصا ِل ًحا ِمن َذكَ ٍر آَ ْو آُ َ ٰنَث َوه َُو ُم ْؤ ِم ٌن فَل َ ُن ْح ِييَن ُه َحيَا ًة َط ِيبَ ًة" هذا يف ادلنيا‬
‫" َولَنَ ْج ِزيَْنُ ْم آَ ْج َر ُمه ِبأ َ ْح َس ِن َما َاكنُوا ي َ ْع َملُ َ‬
‫ون" هذا يف ادلار الآخرة‪ ،‬نعم‬

‫قال ‪َ :‬ون َِظ ُري َه َذا قَ ْو ُ ُهل ت َ َع َاَل‪{ :‬لِ ِذل َين آَ ْح َس ُنوا ِيف َه ِذ ِه ادلُّ ن ْ َيا َح َس نَ ٌة َو َ َدل ُار ْال آ ِخ َر ِة خ ْ ٌَري َولَنِ ْع َم د َُار الْ ُمت ِق َني}‬
‫ُ[س َور ُة الن ْحلِ ‪. ]30 :‬‬

‫نعم ‪ ،‬اجلزاء من جنس العمل {لِ ِذل َين آَ ْح َس نُوا ِيف َه ِذ ِه ادلُّ ن ْ َيا َح َس نَ ٌة َو َ َدل ُار ْال آ ِخ َر ِة خ ْ ٌَري َولَنِ ْع َم د َُار الْ ُمت ِق َني} ‪،‬‬
‫تودل آيضاً من جنسها " ُمث َاك َن عَا ِقبَ َة‬ ‫تودل احلس َن " لِ ِذل َين آَ ْح َس ُنوا الْ ُح ْس َ َٰن َو ِز ََي َدةٌ "والسيئة ِ‬ ‫فاحلس نة ِ‬
‫ِاذل َين آَ َسا ُءوا ُّ‬
‫السوآَ ٰى"‪..‬‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫قال ‪َ :‬ون َِظ ُريهَا قَ ْو ُ ُهل ت َ َع َاَل‪{َ :‬وآَ ِن ْاس تَ ْغ ِف ُروا َ بر ُ َْك ُمث تُوبُوا ال َ ْي ِه ي ُ َمتِ ْع ُ َْك َمتَاعًا َح َس نًا اَل آَ َج ٍل ُم َس ًّمى َوي ُ ْؤ ِت ُُك‬
‫ِ‬
‫ِذي فَضْ ٍل فَضْ َهلُ} ُ[س َور ُة هُو ٍد‪. ]3 :‬‬

‫يب الن ْف ِس‪،‬‬ ‫ون ِب َن ِع ِمي ادلُّ ن ْ َيا َو ْال آ ِخ َر ِة َو َح َصلُوا عَ َىل الْ َح َيا ِة الط ِي َب ِة ِيف ادل َاريْ ِن‪ ،‬فَان ِط َ‬ ‫ون الْ ُم ْح ِس ُن َ‬
‫فَفَ َاز الْ ُمتقُ َ‬
‫ِ‬
‫رشا َح ُه َون َُور ُه َو َس َعتَ ُه َوعَا ِفيَتَ ُه ِم ْن الشه ََو ِات الْ ُم َحر َم ِة‪،‬‬‫ِس َور الْقَلْ ِب‪َ ،‬وفَ َر َح ُه َو َذلت َ ُه َوابْهتِ َا َج ُه َو ُط َمأْ ِنينَتَ ُه َوان ْ ِ َ‬‫َو ُ ُ‬
‫دَن الَ ْي ِه‪.‬‬
‫ات الْ َبا ِط َ ِةل ‪ -‬ه َُو الن ِع ُمي عَ َىل الْ َح ِقيقَ ِة‪َ ،‬و َال نِ ْس َب َة ِل َن ِع ِمي الْ َب ِ‬ ‫الش َبُ َ ِ‬
‫َو ُّ‬
‫ِ‬
‫نعم ‪ ،‬هذا الكم همم جداً ينبغي آن يُفطن هل ويتنبه!‪..‬‬
‫مدار السعادة وحقيقة السعادة يه هذه مدارها عىل راحة القلب وطمأنينته وذلته بطاعة ربه ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاَل‪ -‬هذا هو مدار السعادة احلقيقية ‪ ..‬السعادة احلقيقية تدور عىل راحة القلب ‪,‬والقلب ال راحة هل وال‬
‫قرار اال بطاعة َمن ُخ ِلق هذا القلب لجهل وهو هللا‪-‬س بحانه و تعاَل‪ -‬ليكون قلباً مطيعاً خاضعاً هلل –‬
‫س بحانه و تعاَل‪-‬‬

‫وك َما َ ْحن ُن ِفي ِه لَ َج َ ُادلوَنَ‬


‫ول ب َ ْع ُض َم ْن َذ َاق َه ِذ ِه الذلةَ‪ :‬ل َ ْو ع َ ِ َمل الْ ُملُوكُ َوآَب ْ َنا ُء الْ ُملُ ِ‬
‫قال رمحه هللا ‪ :‬فَقَدْ َاك َن يَقُ ُ‬
‫وف‪.‬‬‫عَل َ ْي ِه َبِ ُّلس ُي ِ‬

‫نعم ‪ ،‬الذلة املراد َبا ذلة الطاعة وقُرة العني َبلتقرب اَل هللا –س بحانه و تعاَل‪-‬‬

‫ول‪ :‬ا ْن َاك َن َآ ْه ُل الْ َجن ِة ِيف ِمثْلِ َه َذا‪ ،‬ا ُِن ْم لَ ِفي عَي ٍْش َطي ٍِب‪.‬‬ ‫ات آَقُ ُ‬ ‫َوقَا َل آآخ َُر‪ :‬ان ُه ل َ َي ُم ُّر َبِ لْقَلْ ِب آَ ْوقَ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِل الْ َجن َة‪َ ،‬و َم ْن ل َ ْم يَدْ ُخلْهَا ل َ ْم‬
‫يه ِيف ادلُّ نْيَا َاكلْ َجن ِة ِيف ْال آ ِخ َر ِة‪ ،‬ف َ َم ْن َد َخلَهَا َد َخ َل تِ ْ َ‬
‫َوقَا َل آآخ َُر‪ِ :‬ان ِيف ادلُّ نْيَا َجن ًة ِ َ‬
‫يَدْ ُخ ْل َجن َة ْال آ ِخ َر ِة‪َ ،‬وقَدْ آَ َش َار الن ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬اَل َه ِذ ِه الْ َجن ِة ِبقَ ْو ِ ِهل‪« :‬ا َذا َم َر ْر ُ ْمت بِ ِر ََي ِض الْ َجن ِة فَ ْارتَ ُعوا‪،‬‬
‫ِ‬
‫قَالُوا‪َ :‬و َما ِر ََي ُض الْ َجن ِة؟ قَا َل‪ِ :‬حل َ ُق ِاذل ْك ِر» َوقَا َل‪َ « :‬ما ب َ ْ َني بَي ِِْت َو ِم ْن َ ِربي َر ْوضَ ٌة ِم ْن ِر ََي ِض الْ َجن ِة» ‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬وقوهل ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ " : -‬اذا مررمت برَيض اجلنة فارتعوا قالوا ‪.‬وما رَيض اجلنة قال حلق‬
‫اذلكر " آي جمالس العمل الِت يبني فهيا دين هللا ويُعرف العباد فهيا َبهلل وعظمته وجالهل ويوعظ العباد فهيا‬
‫ويُذكرون ويقربون من هللا‪ -‬س بحانه و تعاَل‪ ,-‬هذه رَيض للجنة واقتباساً من هذا املعَن اذلي يف احلديث‬
‫جعل عدد من آهل العمل آسامء مصنفاهتم حتمل هذا العنوان يعين جتد يف تصانيف آهل العمل رَيض‬
‫الصاحلني ‪ ,‬الرَيض الناظرة ‪ ,‬الروض املربع ‪ ,‬بس تان العارفني اَل غري ذِل ‪ ,‬هذا لكه آخذ من املعَن اذلي‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫دل عليه هذا احلديث وآيضاً دل عليه قول النيب – ﷺ ‪ ": -‬من سِل طريقاً يلمتس فيه علامً سهل هللا‬
‫هل به طريقاً اَل اجلنة"‬

‫قال ‪َ :‬و َال ت َُظن آَن قَ ْو َ ُهل ت َ َع َاَل‪{ :‬ان ْ َالبْ َر َار ل َ ِفي ن َ ِع ٍمي ‪َ -‬وان الْ ُفج َار لَ ِفي َج ِح ٍمي} ُ[س َور ُة ِاالن ْ ِف َطا ِر‪ُ ]14 - 13 :‬م ْختَ ٌّص‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُور ِ ُمه الث َالث‪َ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِب َي ْو ِم الْ َم َعا ِد فَقَطْ‪ ،‬ب َ ْل َه ُؤ َال ِء ِيف نَع ٍمي ِيف د ُِور ُمه الثالث‪َ ،‬و َه ُؤالء ِيف َجح ٍمي ِيف د ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬

‫نعم ‪ ،‬النعمي يف قوهل "ان البرار لفي نعمي " آي يف ادلور الثالث‪ :‬ادلنيا والربزخ ويوم القيامة "والفجار لفي‬
‫حجمي " آي يف دورمه الثالثة ‪ :‬يف ادلنيا والربزخ ويوم القيامة‪ .‬نعم‬

‫قال ‪َ :‬وآَ ُّي َذل ٍة َون َ ِع ٍمي ِيف ادلُّ ن ْ َيا آَ ْط َي ُب ِم ْن ِب ِر الْقَلْ ِب‪َ ،‬و َس َال َم ِة الصدْ ِر‪َ ،‬و َم ْع ِرفَ ِة الر ِب ت َ َب َاركَ َوتَ َع َاَل َو َم َحبتِ ِه‪،‬‬
‫َوالْ َع َملِ عَ َىل ُم َوافَقَتِ ِه؟ َوهَلِ الْ َعي ُْش ِيف الْ َح ِقيقَ ِة اال عَي ُْش الْقَلْ ِب الس ِل ِمي؟‬
‫ِ‬
‫يهل عَلَ ْي ِه الس َال ُم ب َِس َال َم ِة قَلْ ِب ِه‪ ،‬فَقَا َل‪{َ :‬وان ِم ْن ِش ي َعتِ ِه َالبْ َرا ِه َمي ‪ -‬ا ْذ َج َاء‬ ‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاَل عَ َىل َخ ِل ِ ِ‬
‫َوقَدْ آَثْ ََن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪. ]84 - 83 :‬‬ ‫ب َس ِل ٍمي} ُ[س َور ُة الصاف ِ‬ ‫َرب ُه ِبقَلْ ٍ‬
‫ب َس ِل ٍمي} ُ[س َور ُة الشُّ َع َرا ِء‪. ]89 - 88 :‬‬ ‫اَّلل ِبقَلْ ٍ‬
‫ون ‪ -‬اال َم ْن آَ ََت َ‬ ‫َوقَا َل َحا ِك ًيا َعنْ ُه آَن ُه قَا َل‪{ :‬ي َ ْو َم َال ي َ ْنفَ ُع َما ٌل َو َال بَنُ َ‬
‫ِ‬
‫ئاس ِة‪ ،‬فَ َس ِ َمل‬‫الرش ِك َوالْ ِغ ِل َوالْ ِحقْ ِد َوالْ َح َس ِد َوالشُّ ِح َوالْ ِك ْ ِرب َو ُح ِب ادلُّ ن ْ َيا َو ِالر َ‬ ‫َوالْقَلْ ُب الس ِل ُمي ه َُو ‪ِ :‬اذلي َس ِ َمل ِم َن ِ ْ‬
‫ُك َشه َْو ٍة تُ َع ِار ُض آَ ْم َر ُه‪َ ،‬و َس ِ َمل ِم ْن ُ ِ‬
‫ُك‬ ‫ُك ُش َبْ َ ٍة تُ َع ِار ُض خ َ ََرب ُه‪َ ،‬و ِم ْن ُ ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬و َس ِ َمل ِم ْن ُ ِ‬‫ُك آآفَ ٍة تُ ْب ِعدُ ُه َع ِن ِ‬ ‫ِم ْن ُ ِ‬
‫اَّلل‪ ،‬فَهَ َذا الْقَلْ ُب الس ِل ُمي ِيف َجن ٍة ُم َعج َ ٍةل ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪َ ،‬و ِيف َجن ٍة‬ ‫ُك قَا ِطع ٍ ي َ ْق َط ُع َع ِن ِ‬ ‫ا َرا َد ٍة تُ َزا ِح ُم ُم َرا َد ُه‪َ ،‬و َس ِ َمل ِم ْن ُ ِ‬
‫ِ‬
‫ِيف الْ َ ْرب َزخِ‪َ ،‬و ِيف َجن ِة ي َ ْو ِم الْ َم َعا ِد‪.‬‬

‫اَّلل ِبقَلْ ٍب َس ِل ٍمي}‬ ‫نعم ‪ ،‬هذا الكم عظمي جداً يف بيان القلب السلمي‪{ :‬ي َ ْو َم َال يَنْفَ ُع َما ٌل َو َال ب َ ُن َ‬
‫ون ‪ -‬اال َم ْن آَ ََت َ‬
‫ِ‬
‫" مبا تكون سالمة القلب؟‬
‫بني –رمحه هللا‪ -‬آن القلب ال يكون سلاميً اال اذا سمل من الرشك والغل واحلقد واحلسد والشح والكرب هذه‬
‫آدواء متفاوتة تذهب عن القلب سالمته ِبسب حظه من هذه الدواء ‪,‬حفىت يكون سلاميً البد آن يكون‬
‫بعيداً عن هذه الدواء متْنهاً عْنا متطهراً من االتصاف َبا ‪.‬‬
‫يقول رمحه هللا ‪ :‬سلمي القلب اذلي سمل من ُك آآفة تُبعده من هللا مث وحض ذِل ‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫من ُك ُش َبة تعارض خربه؛ لن قد يقع يف قلوب بعض الناس ُش َبات جتعهل يتوقف آو يرتدد يف قبول بعض‬
‫الخبار الِت جاءت عن هللا آو عن رسوهل ﷺ ‪ ،‬فهذا يتناىف مع سالمة القلب لن القلب السلمي يتلقى‬
‫ُك ما جاء عن هللا َبلقبول ‪.‬‬
‫فاذا اكن يف قلبه ش َبة يعارض َبا خرب هللا ويتوقف بسبَبا عن قبول ما جاء عن هللا آو عن رسوهل عليه‬
‫الصالة والسالم ‪ ،‬فهذا راجع اَل خلل يف قلبه وعدم سالمة فيه ‪.‬‬
‫كذِل يقول‪ :‬ومن ُك شهوة تُعارض آمره ‪ :‬لن الشهوات تعارض المر‪ ,‬ولهذا َك من انسان يُعطل آوامر هللا‬
‫س بحانه وتعاَل بسبب الشهوات وتت ُب ِعها‪ ،‬فال يكون سلاميً اال َبلسالمة من هذا آيضاً ‪.‬‬
‫وسمل من ُك ارادة تزامح مراده ‪ :‬وهذا فيه توحيد املُراد بأن تكون آعامهل لكها هلل وال يبغي َبا اال وجه هللا‬
‫س بحانه وتعاَل خملصاً هل ‪.‬‬
‫وسمل من ُك قاطع يقطع عن هللا ‪:‬والقواطع الِت تعوق القلب يف سريه عن هللا كثرية ‪.‬فالسالمة آيضاً تقتيض‬
‫ِ‬
‫احلذر من هذه القواطع ‪،‬‬

‫قال ‪َ :‬و َال ت ِ َُّْت َ ُهل َس َال َمتُ ُه ُم ْطلَقًا َحىت ي َْس َ َمل ِم ْن َ َْخ َس ِة آَ ْش َي َاء‪ِ :‬م ْن ِ ْ‬
‫رش ٍك يُنَا ِق ُض الت ْو ِحيدَ ‪َ ،‬وبِدْ عَ ٍة ُُتَا ِل ُف‬
‫الس ن َة‪َ ،‬و َشه َْو ٍة ُُتَا ِل ُف ْالَ ْم َر‪َ ،‬وغَ ْف َ ٍةل تُنَا ِق ُض ِاذل ْك َر‪َ ،‬وه ًَوى يُنَا ِق ُض الت ْج ِريدَ َو ْاالخ َْال َص‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫َو َه ِذ ِه الْ َخ ْم َس ُة ُح ُج ٌب َع ِن ِ‬
‫اَّلل‪،‬‬

‫نعم ‪ ،‬هذه امخلسة جحب عن هللا ‪ ،‬امخلسة يه‪ :‬الرشك والبدعة والشهوة والغفةل والهوى‪.‬‬
‫هذه امخلسة جحب عن هللا وال يكون القلب سلميًا حىت يسمل من هذه امخلسة‪.‬‬

‫َص َ‪.‬و ِ َذل ِ َِل ْاش تَد ْت َحا َج ُة الْ َع ْب ِد ب َ ْل َ ُ‬


‫رض َورتُهُ‪،‬‬ ‫ُك َوا ِح ٍد ِمْنْ َا آَن َْواعٌ كَ ِث َريةٌ‪ ،‬ت َ َتضَ م ُن آَفْ َرادًا َال ت َ ْن َح ِ ُ‬
‫قال ‪َ :‬و َ ْحتتَ ُ ِ‬
‫الَص َاط الْ ُم ْس تَ ِق َمي‬
‫اَّلل آَ ْن هيَ ْ ِدي َ ُه ِ َ‬
‫اَل آَ ْن ي َْسأَ َل َ‬

‫نعم ‪ ،‬الآن ابن القمي رمحه هللا بعد آن حذر وشدد يف التحذير وهذه المور خطرية عىل القلب ومن يقرؤها‬
‫ُياف آن يكون قلبه مصا ًَب َبا آو آن يبتىل َبا ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫والمر خطري ليس َبلهني فلام وحض هذا المر نصح‪ -‬رمحه هللا‪ -‬وهذا من مجيل نصحه ومتام بيانه آن نفزع اَل‬
‫هللا س بحانه وتعاَل وآن نلجأ اليه َبدلعاء فأكد ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عىل احلاجة العظمية بل الِضورة امل ُلحة عىل العناية‬
‫َبذا ادلعاء‪ ( :‬اهدَن الَصاط املس تقمي )‬
‫متكررا‬
‫وجوَب ً‬‫هذا ادلعاء يمتزي عن غريه من ادلعوات آن هللا س بحانه وتعاَل افرتضه عىل العباد وآوجبه علهيم ً‬
‫ُك يوم وليةل بتكرر الركعات املفروضة س بع عرشة ركعة يف اليوم والليةل‪،‬فهذه ادلعوة ينبغي آن حيرص علهيا‬
‫املسمل والعلامء رمحهم هللا يقولون ينبغي آن ينبه العوام عىل آن هذا دعاء؛ لن كثرياً يقرآ الفاحتة وال يتنبه آن‬
‫قوهل‪ :‬اهدَن الَصاط املس تقمي‪ -‬دعاء بل هو آعظم ادلعاء وآجهل وآرفعه شأ ًَن‪.‬‬
‫وابن القمي رمحه هللا س يوحض الآن ايضاحاً ُمهامً ينفعك هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬به اذا فهمته يف ُك مرة تقول‪:‬‬
‫اهدَن الَصاط املس تقمي؛ لنك من خالل ما س يأيت من الكم وبيان البن القمي س يوحض ِل مدى حاجتك اَل‬
‫هذا ادلعاء وشدة رضورتك اَل هذا ادلعاء العظمي‪.‬‬

‫الَص َاط الْ ُم ْس تَ ِق َمي يَتَضَ م ُن‪ :‬عُلُو ًما‪َ ،‬وا َرا َدةً‪َ ،‬وآَ ْ َْع ًاال‪َ ،‬وتُ ُر ًواك َظا ِه َر ًة َو ََب ِطنَ ًة َ ْجت ِري عَلَ ْي ِه ُُك َوقْ ٍت‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬فَان ِ َ‬
‫فَتف َِاصي ِ ُل ِالَص ِاط الْمس ت ِقمي قَدْ يعلَمهَا الْعبدُ وقَ ِ‬
‫ون َما َال ي َ ْعلَ ُم ُه آَ ْك َ ََث ِمما ي َ ْعلَ ُمهُ‪َ ،‬و َما ي َ ْعلَ ُم ُه‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ي‬
‫َْ ُ َ َ ُ‬ ‫دْ‬‫َ‬ ‫ق‬‫و‬ ‫َا‪،‬‬ ‫ه‬‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫دْ‬ ‫َ ُ ْ َ ِ َْ ُ َْ َ‬ ‫َ‬
‫الَص ُاط الْ ُم ْس تَ ِق ُمي َوا ْن َ ََع َز َعنْهُ‪َ ،‬و َما يَقْ ِد ُر عَلَ ْي ِه قَدْ تُ ِريدُ ُه ن َ ْف ُس ُه َوقَدْ‬ ‫قَدْ يَقْ ِد ُر عَلَ ْي ِه‪َ ،‬وقَدْ َال يَقْ ِد ُر عَلَ ْي ِه‪َ ،‬وه َُو ِ َ‬
‫َال تُ ِريدُ ُه كَ َس ًال َوهتَ َ ُاوَنً ‪ ،‬و ِل ِق َيا ِم َما ِنع ٍ َوغَ ْ ِري َذ ِ َِل‪َ ،‬و َما تُ ِريدُ ُه قَدْ ِ يَفْ َع ُ ُهل َوقَدْ َال ي َ ْف َع ُهلُ‪َ ،‬و َما ي َ ْف َع ُ ُهل قَدْ يَقُو ُم ِفي ِه‬
‫وط ْاالخ َْال ِص قَدْ يَقُو ُم ِفي ِه ِب ََكَالِ الْ ُمتَاب َ َع ِة َوقَدْ َال يَقُو ُم‪،‬‬ ‫ِرش ِ‬‫وط ْاالخ َْال ِص َوقَدْ َال يَقُو ُم‪َ ،‬و َما يَقُو ُم ِفي ِه ب ُ ُ‬ ‫ِرش ِ‬ ‫بُُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص ُف قَلْ ُب ُه َعنْهُ‪َ ،‬و َه َذا ُلكُّ ُه َوا ِق ٌع َس ٍار ِيف الْقلب‪ ،‬فَ ُم ْس تَ ِق ٌّل‬ ‫َو َما يَقُو ُم ِفي ِه َبِ لْ ُمتَاب َ َع ِة قَدْ يَثْبُ ُت عَل َ ْي ِه َوقَدْ ي ُ ْ َ‬
‫َو ُم ْس َت ْك ِ ٌَث‪.‬‬

‫نعم ‪ ،‬هذا لكه يقول واقع فلك هذا يفيد حاجة املرء الشديدة امللحة اَل آن يعتين َبذا ادلعاء (اهدَن الَصاط‬
‫املس تقمي) ؛لن الَصاط املس تقمي علوم وارادات وآعامل وتروك؛ لن الَصاط املس تقمي آعامل يعملها الساِل‬
‫عىل الَصاط وآيضاً تروك آش ياء يرتكها ويتجنَبا فاذا قَص يف فعل الواجبات هذا من اخالهل َبلسري يف هذا‬
‫الَصاط وان ارتكب بعض املْنيات هذا آيضاً من اخالهل َبذا الَصاط‪،‬‬
‫فاذاً الَصاط املس تقمي هو علوم وارادات وآعامل وتروك حيتاج آن يعتين َبا العبد عناية عظمية جداً مث العمل‬
‫َبحلق اذا وجد هل وجوده يعين وجود العمل به؟ وجود العمل َبحلق هل يعين وجود العمل به؟ ‪-‬قد يوجد‬
‫العمل وال يوجد العمل‪ ،‬فاذاً من سؤال هللا الهداية يف الَصاط آن هيديك للعمل َبلعمل اذلي تعمل به‪،‬آيضاً‬
‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫هذا العمل اذلي يتعلمه املرء مث نفسه تريده قد تريد وال تقدر عليه وتكون عاجزة فهو ِباجة اَل معونة هللا‬
‫(اهدَن الَصاط املس تقمي) تتناول معونة هللا ِل عىل فعل ما آمر هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬به‪،‬‬
‫آيضاً لو آن االنسان عمل وْعل هل ْعهل يقع عىل االخالص آو يصيب النية ما يصيَبا؟‬
‫يف علمه نفسه ويف ْعهل آيضاً والنية يطرآ علهيا ما يطرآ مفن سؤاِل هللا س بحانه وتعاَل الهداية للَصاط‬
‫املس تقمي آن يُصلح نيتك وآن تكون آعامِل هلل خالصة مث اذا ْعل وصلحت النية هل يكون العمل عىل‬
‫االتباع آو يكون فيه خلل آيضاً من هذا اجلانب‪،‬‬
‫فاذاً الهداية اَل الَصاط املس تقمي تتناول هذا لكه مفا آحوج العبد اَل هذه ادلعوة والعناية َبا ‪.‬‬

‫ُك اَل ِط َبا ِع ِه ِحي َل بَيْنَ ُه َوب َ ْ َني َذ ِ َِل ُ ِلك ِه‪،‬‬
‫قال ‪َ :‬ولَي َْس ِيف ِط َباعِ الْ َع ْب ِد الْهِدَاي َ ُة اَل َذ ِ َِل‪ ،‬ب َ ْل َم َىت ُو ِ َ‬

‫نعم ‪ ،‬ليس هل اال آن هيديه هللا فالهداية بيده ولكن هللا هيدي من يشاء هداَن هللا آمجعني اليه َصاطاً‬
‫مس تقاميً‪.‬‬

‫اَّلل ِب ِه الْ ُمنَا ِف ِق َني ب ُِذن ُوَبِ ِ ْم‪ ،‬فَأَعَاد ُ َْمه اَل ِط َبا ِعهِ ْم َو َما ُخ ِلقَ ْت عَلَ ْي ِه نُ ُف ُوسهُ ْم ِم َن‬
‫َو َه َذا ه َُو ْاال ْر َاك ُس ِاذلي آَ ْركَ َس ُ‬
‫ِ‬
‫دَر ِه‪َ ،‬وِنَ ْ ِي ِه َوآَ ْم ِر ِه‪ ،‬فَهيَ ْ ِدي َم ْن يَشَ ا ُء اَل‬ ‫َص ٍاط ُم ْس َت ِق ٍمي ِيف قَضَ ائِ ِه َوق َِ‬ ‫الظ ْ ِمل‪َ ،‬والر ُّب ت َ َب َاركَ َوتَ َع َاَل عَ َىل َِ‬ ‫الْ َجهْلِ َو ُّ‬
‫َصا ِط ِه الْ ُم ْس تَ ِق ِمي ِب َعدْ ِ ِهل‬
‫َص ُف َم ْن يَشَ ا ُء َع ْن ِ َ‬ ‫َص ٍاط ُم ْس تَ ِق ٍمي ِبفَضْ ِ ِهل َو َر ْ َمحتِ ِه‪َ ،‬و َج ْع ِ ِهل الْهِدَاي َ َة َح ْي ُث ت َْصلُ ُح‪َ ،‬وي َ ْ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫َصا ِط ِه الْ ُم ْس تَ ِق ِمي ِاذلي ه َُو عَلَ ْي ِه‪ ،‬فَا َذا َاك َن ي َ ْو ُم الْ ِق َيا َم ِة ن ََص َب‬ ‫وج ُب ِ َ‬ ‫َو ِح َْكَتِ ِه‪ِ ،‬ل َعدَ ِم َص َال ِحيَ ِة الْ َم َح ِل‪َ ،‬و َذ ِ َِل ُم ِ‬
‫ِ‬
‫َص ٍاط ُم ْس تَ ِق ٍمي‪.‬‬‫وصلُهُ ْم الَ ْي ِه‪ ،‬فَه َُو عَ َىل ِ َ‬ ‫َص ًاطا ُم ْس َت ِقميًا ي ُ ِ‬ ‫ِل َخلْ ِق ِه ِ َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل قُلُوَبَ ُ ْم"‬
‫نعم ‪ ،‬لعدم صالحية احملل مثل ما قال هللا ‪":‬فَلَما َزاغُوا َآ َزاغَ ُ‬

‫َص ًاطا ُم ْس تَ ِقميًا َدعَ ُ ْ‬


‫امه مجَ ِ ي ًعا الَ ْي ِه ُحج ًة ِمنْ ُه َوعَدْ ًال‪َ ،‬وهَدَى َم ْن يَشَ ا ُء ِمْنْ ُ ْم اَل ُسلُو ِك ِه‬ ‫َون ََص َب ِل ِع َبا ِد ِه ِم ْن آَ ْم ِر ِه ِ َ‬
‫ِ‬
‫َصا ِط ِه الْ ُم ْس َت ِق ِمي ِاذلي ه َُو عَلَ ْي ِه‪ ،‬فَا َذا َاك َن ي َ ْو ُم ِلقَائِ ِه‬
‫ِن ْع َم ًة ِمنْ ُه َوفَضْ ًال‪َ ،‬ول َ ْم َ ُْي ُر ْج َبِ َ َذا الْ َعدْ لِ َو َه َذا الْفَضْ لِ َع ْن َِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫َص َف َعنْ ُه ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪َ ،‬وآَقَا َم عَل ْيه َم ْن آقا َم ُه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َص َف َعنْ ُه َم ْن َ َ‬‫َص ًاطا ُم ْس تَ ِقميًا ي ُ َو ِصلُهُ ْم اَل َجنتِ ِه‪ُ ،‬مث َ َ‬ ‫ن ََص َب ِل َخلْ ِق ِه ِ َ‬
‫عَل َ ْي ِه ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫نعم يعين هذا آيضاً فائدة عظمية تتعلق بـ «اهدَن الَصاط املس تقمي » ‪،‬الَصاط املس تقمي هو اذلي قال هللا‬
‫الس ُب َل " ‪ .‬فاذا اكن نصب للعباد هذا الَصاط املس تقمي‬ ‫َصا ِطي ُم ْس تَ ِقميًا فَات ِب ُعو ُه ۖ َو َال ت َت ِب ُعوا ُّ‬
‫عنه " َوآَن َه َٰـ َذا ِ َ‬
‫وآمروا َبتباعه وسلوكه وآال ُيرجوا عن هذا الَصاط فانه كذِل ينصب يوم القيامة عىل منت هجَن َصاط ال‬
‫نَك اال َو ِار ُد َهاۚ َاك َن عَ َ ٰىل َبر َِك‬
‫سبيل اَل اجلنة اال َبملرور عليه وامليش من فوقه كام قال هللا تعاَل ‪َ ":‬وان ِم ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َح ْت ًما مقْ ِضيًّا مث ن ُ َنجِ ي ِاذل َين اتقَ ْوا َون َ َذ ُر الظا ِل ِم َني ِفهيَا ِج ِث ًّيا "‬
‫فبحسب حظ العباد من السري عىل الَصاط املس تقمي يف هذه احلياة ادلنيا يكون حظهم من السري عىل‬
‫الَصاط اذلي ينصب عىل منت هجَن يوم القيامة ولهذا آخرب النيب ﷺ آِنم يتفاوتون يف املرور عىل‬
‫الَصاط ِبسب سريمه يف العامل َبذه احلياة ادلنيا مفْنم من مير اكلربق ومْنم من مير َكجاويد اخليل ومْنم‬
‫من مير كراكب االبل ومْنم من مير جر ًَي ومْنم من مير مش ياً ومْنم من مير زحفاً ‪،‬هذا التفاوت يف املرور‬
‫راجع اَل ماذا اَل تفاوهتم يف السري عىل الَصاط املس تقمي يف هذه احلياة ادلنيا‪.‬‬

‫قال وجعل نور املؤمنني به وبرسوهل وما جاء به اذلي اكن يف قلوَبم يف ادلنيا ن ًُورا َظا ِه ًرا ي َْس َعى ب َ ْ َني آَي ْ ِد ِهي ْم‬
‫رش‪َ ،‬و َح ِفظَ عَلَهيْ ِ ْم ن َُور ُ ْمه َحىت قَ َط ُعو ُه َ َمَك َح ِفظَ عَلَهيْ ِ ُم ْاالمي َ َان َحىت لَقَ ْو ُه‪َ ،‬وآَ ْطفَأَ ن َُور‬ ‫َو ِبأَيْ َماِنِ ِ ْم ِيف ُظلْ َم ِة الْ َح ْ ِ‬
‫ِ‬
‫الْ ُمنَا ِف ِق َني آَ ْح َو َج َما َاكنُوا ال َ ْي ِه‪َ َ ،‬مَك آَ ْطفَأَ ُه ِم ْن قُلُوَبِ ِ ْم ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪.‬‬
‫ِ‬
‫نعم ‪ ،‬لن كام جاء يف احلديث هناك ظلمة قبل الَصاط ويف تِل الظلمة يكون قسم النوار والنوار تقسم‬
‫عىل العباد يف تِل الظلمة عىل قدر آعامهلم ‪ ،‬مفْنم من يُعطى نوره مثل اجلبل ومْنم من يُعطى نوره كام جاء‬
‫يف احلديث عىل قدر اَبامه ييضء َترة ويطفأ آخرى فاذا آضاء مىش تقدم واذا طفأ قام وهذا ْعهل ضعيف‬
‫جدًا وطاعاته ضعيفة جدًا ‪ ،‬والآخر اذلي مثل اجلبل هذا طاعاته يف هذه احلياة ادلنيا عظمية وآعامهل مثل‬
‫اجلبال قوة وآيضاً حاهل مع االميان ‪ .‬مثل ما قال االمام آمحد رمحه هللا ملا ُس ئل آيزيد االميان وينقص قال نعم‬
‫يزيد حىت يكون آمثال اجلبال وينقص حىت ال يبقى منه يشء مفن الناس من اميانه مثل اجلبل فيعطى نوره‬
‫يوم القيامة مثل اجلبل ومْنم من اميانه ضعيف وقليل فيعطى من النور عىل قدر اميانه ‪.‬‬

‫يب َو َح َس ًَك َ ُْت ِط ُفهُ ْم َ َمَك خ ََطفَهتْ ُ ْم ِيف ادلُّ ن ْ َيا َع ِن ِاال ْس ِتقَا َم ِة عَلَ ْي ِه‪،‬‬ ‫قال ‪َ :‬وآَقَا َم آَ ْ َْعا َل الْ ُع َصا ِة ِ َِب ْنبَ َ ِِت ِ َ‬
‫الَص ِاط َ َالك ِل َ‬
‫ِس َعهتِ ِ ْم اليه ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪َ ،‬ون ََص َب لِلْ ُم ْؤ ِمنِ َني َح ْوضً ا‬ ‫ِس َعهتَ ُ ْم عَلَيه عىل قَدْ ِر قُو ِة َس ْ ِري ِ ْمه َو ُ ْ‬ ‫َو َج َع َل قُو َة َس ْ ِري ِ ْمه َو ُ ْ‬
‫رش ِع ِه َو ِدينِ ِه‬‫الرش َب ِم ْن َ ْ‬ ‫الرش ِب ِمنْ ُه ُهنَاكَ َم ْن ُح ِر َم ُّ ْ‬ ‫رش ِع ِه ِيف ادلُّ ن ْ َيا‪َ ،‬و َح َر َم ِم َن ُّ ْ‬
‫رشَبِ ِ ْم ِم ْن َ ْ‬ ‫َرشبُو َن ِمنْ ُه َبِ َزا ِء ُ ْ‬ ‫يَْ‬
‫ِ‬
‫هَا ُهنَا‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫نعم ‪ ،‬س بحان هللا لكها مرتتبة عىل الطاعة فالسري عىل الَصاط اذلي ينصب عىل منت هجَن هو ِبسب‬
‫السري عىل الَصاط املس تقمي يف هذه احلياة ادلنيا مث احلوض املورود نسأل هللا آن يكرمنا آمجعني َبلرشب منه‬
‫رشبة هنيئة ال نظمأ بعدها آبدًا راجع اَل رشب املرء وارتوائه من الس نة والهدي هدي النيب الكرمي عليه‬
‫الصالة والسالم وادلليل عىل ذِل آن النيب ﷺ يقال هل يف من يذادون عن احلوض انك ال تدري ما‬
‫آحدثوا بعدك فَا ًذا حظ االنسان من الْنل والرشب ِبسب حظه وارتوائه من الهدي هدي النيب الكرمي عليه‬
‫ِ‬
‫الصالة والسالم ‪.‬‬

‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ِيف ادل َاريْ ِن‪ ،‬ت َ ْع َ ْمل ِحي َنئِ ٍذ ِعلْ ًما ي َ ِقينًا َال َشك ِفي ِه‪َ :‬آن‬‫فَان َُظ ْر اَل ْال آ ِخ َر ِة َ ََكِنَا َرآْ ُي عَ ْ ٍني‪َ ،‬وتَأَم ْل ِح َْكَ َة ِ‬
‫ادلُّ ن ْ َيا َم ْز َرعَ ُة ْال آ ِخ َر ِة َو ُعنْ َواِنُ َا َوآُنْ ُمو َذ ُهجَا‪َ ،‬وآَن َمنَ ِاز َل الن ِاس ِفهيَا ِم َن الس َعا َد ِة َوالشقَ َاو ِة عَ َىل َح َس ِب َمنَ ِ ِازلهِ ْم ِيف‬
‫َه ِذ ِه ادل ِار ِيف ْاالمي َ ِان َوالْ َع َملِ الصا ِل ِح َو ِض ِد ِ َِها‪َ ،‬وَبِ َِّلل الت ْو ِف ُيق‪.‬‬
‫ِ‬
‫الَص ِاط الْ ُم ْس تَ ِق ِمي ِيف ادلُّ نْيَا َو ْال آ ِخ َر ِة‪.‬‬
‫وج َع ِن ِ َ‬ ‫ُوب ‪ -‬الْخ ُُر ُ‬
‫فَ ِم ْن آَع َْظ ِم ُعقُ َوَب ِت ا ُّذلن ِ‬

‫قال ‪ :‬فَان َُظ ْر اَل ْال آ ِخ َر ِة َ ََكِنَا َرآْ ُي عَ ْ ٍني‪ ،‬وتأمل ‪...‬‬
‫نعم قال فانظر اَل الآخرة َكِنا رآي عني لن المور الِت يف الآخرة يه ِبسب هذه الش ياء املوجودة يف‬
‫ادلنيا ‪.‬‬

‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ِيف ادل َاريْ ِن‪ ،‬ت َ ْع َ ْمل ِحينَئِ ٍذ ِعلْ ًما ي َ ِقينًا َال َشك ِفي ِه‪ :‬آَن ادلُّ ن ْ َيا َم ْز َرعَ ُة ْال آ ِخ َر ِة َو ُعنْ َواِنُ َا‬
‫َوتَأَم ْل ِح َْكَ َة ِ‬
‫َو ُآنْ ُمو َذ ُهجَا‪َ ،‬وآَن َمنَ ِاز َل الن ِاس ِفهيَا ِم َن الس َعا َد ِة َوالشقَ َاو ِة عَ َىل َح َس ِب َمنَ ِ ِازلهِ ْم ِيف َه ِذ ِه ادل ِار ِيف ْاالمي َ ِان َوالْ َع َملِ‬
‫ِ‬
‫الصا ِل ِح َو ِض ِد ِ َِها‪َ ،‬وَبِ َِّلل الت ْو ِف ُيق‪.‬‬
‫الَص ِاط الْ ُم ْس تَ ِق ِمي ِيف ادلُّ ن ْ َيا َو ْال آ ِخ َر ِة‪.‬‬ ‫ُوب ‪ -‬الْخ ُُر ُ‬
‫وج َع ِن ِ َ‬ ‫فَ ِم ْن آَع َْظ ِم ُعقُ َوَب ِت ا ُّذلن ِ‬

‫نسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي آن هيدينا اليه مجي ًعا َص ًاطا مس تقميًا اللهم اهدَن َصاطك املس تقمي اللهم‬
‫اهدَن َصاطك املس تقمي اللهم اهدَن َصاطك املس تقمي ربنا ال تُ ِزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من ُدلنك‬
‫رمحة انك آنت الوهاب اللهم اَن نعوذ بك آن ن َضل آو ن ُضل آو نَزل آو نُزل آو ن َظمل آو نُظمل آو ََنهل آو ُُيهل‬
‫علينا َي مقلب القلوب ثبت قلوبنا عىل دينك اللهم آ آ ِت نفوس نا تقواها وزكها آنت خري من َزاكهَا آنت ولهيا‬

‫‪17‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثاني و الثالثون‬

‫وموالها اللهم اَن نسأِل الهدى والتقى والعفة والغَن اللهم اهدَن يف من هديت اللهم آصلح لنا شأننا لكه وال‬
‫تلكنا اَل آنفس نا طرفة عني‪،‬‬
‫س بحانك اللهم وِبمدك آشهد آن ال اهل اال آنت آس تغفرك وآتوب اليك اللهم صلِ وسمل عىل عبدك َو َر ُس ِ َ‬
‫وِل‬
‫نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني ‪.‬‬

‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪18‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ ,‬آما بعد‪:‬‬
‫فيقول العالمة ابن القمي اجلوزية رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا واملسلمني يف كتابه ادلاء وادلواء‬

‫قال‪[:‬فَ ْص ٌل آَ ْص ُل ا ُّذلن ُوب]‬


‫ُوب ُمتَ َفاوتَ ًة يف د ََر َجاِتَا َو َم َفاسدهَا تَ َف َاوت َْت ُع ُق َوَبِتُ َا يف ادلُّ نْ َيا َو ْالآخ َرة َِب َسب تَفَ ُاوِتَا‪.‬‬
‫َول َ َّما ََكن َت ا ُّذلن ُ‬
‫َو َ َْن ُن ن َْذ ُك ُر فهيَا ب َع ْون َّاَّلل َو ُح ْسن ت َْوفيقه فَ ْص ًال َوج ًزيا َجام ًعا‪ ،‬فَنَ ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ِب َما آَب َ َوي الْجن َو ْاْلنْس‪.‬‬ ‫آَ ْصلُهَا ن َْوعَان‪ :‬تَ ْركُ َمأ ُمو ٍر‪َ ،‬وف ْع ُل َم ْح ُظ ٍور‪َ ،‬و ُ َُها ا َّذلنْ َبان َّ َ‬
‫الَّلان ابْتَ َىل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫َو َلِك ُ َُها ي َ ْنقَس ُم َبعْت َبار َمحّل ا ََل َظاه ٍر عَ َىل الْ َج َوارح‪َ ،‬و ََبط ٍن يف الْ ُقلُوب‪.‬‬
‫ِ‬
‫َوَبعْت َبار ُمتَ َعل َّقه ا ََل َحق َّاَّلل َو َحق َخلْقه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُك َح ٍق ل َخلْقه فَه َُو ُمتَضَ م ٌن ل َحقه‪ ،‬لَك ْن ُسي َحقًّا للْ َخلْق َلن َّ ُه ََي ُب ب ُم َطالَ َبهِت ْم َوَ َْس ُقُُ َب ْسقَاطه ْم‪.‬‬ ‫َوا ْن ََك َن ُ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫وامحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ْل اهل اْل هللا وحده ْل رشيك هل وآشهد آن محمدا عبده ورسوهل صىل‬
‫هللا وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪ ,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علام وآصلح لنا‬
‫شأننا لكه وْلتلكنا اَل آنفس نا طرفة عني آما بعد‪:‬‬
‫هذا فص ٌل يذكر فيه اْلمام ابن القمي رمحه هللا تعاَل تقس اميت لَّلنوب َبعتبارات آشار الهيا‪ -‬رمحه هللا‬
‫تعاَل ‪-‬ومعرفة املرء ِبذه التقس اميت لَّلنوب تزيده بصرية ِبا وحيطة من الوقوع فهيا فذكر‬
‫آوْل ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬آن اذلنوب من حيث امجلةل متفاوتة تفاوات عظامي ومتباينة تباينا كبريا ‪,‬فهناك كبائر‬
‫وهناك آكرب الكبائر وهناك ذنوب صغائر فهيي ليست عىل حد سواء وهذا تقس مي معروف لكن هناك‬
‫تقس اميت لَّلنوب َبعتبارات ذكر مهنا ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آن اذلنوب تنقسم اَل قسمني ‪:‬‬
‫(‪ -‬ترك مأمور ‪ - .‬آو فعل حمظور) هذا قسم وهذا قسم لن طاعة هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬آفعال‬
‫وتروك ‪ ,‬هللا عز وجل آمران بأوامر وآوجب علينا فعلها وهناان عن نوايه وآوجب علينا تركها والبعد‬
‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫عهنا فاذلنوب ِبذا الاعتبار تنقسم اَل قسمني‪:‬‬


‫‪ -‬ترك املأمور آي اذلي آوجبه هللا س بحانه وتعاَل ‪،‬‬
‫‪ -‬وفعل احملظور آي اذلي هني هللا س بحانه عنه وحرمه عىل عباده س بحانه وتعاَل آن يقرتفوه‬
‫وهام اذلنبان الَّلان ابتىل هللا س بحانه ِبام آبوي اجلن واْلنس‪:‬‬
‫آما آبو اْلنس ‪:‬وهو آآدم عليه صلوات هللا وسالمه فان هللا‪ -‬س بحانه وتعاَل‪ -‬ابتاله برتك احملظور اذلي‬
‫هو الُك من الشجرة حظر عليه ومنعه وهناه آن يأُك الشجرة عني جشر ًة وهناه عن قرَبهنا والُك مهنا‬
‫فوسوس اليه الش يطان وقال‪ :‬هل آدكل عىل جشرة اخلدل ومكل ْل يبىل ودْلهام بغرور حىت ذاقا الشجرة‬
‫الىت هناهام هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬عن قُرَبهنا والُك مهنا ‪,‬فاكنت املعصية واذلنب اذلي وقع فيه آآدم ‪-‬‬
‫عليه السالم‪ -‬هو ارتاكب حملظور‪ ،‬فعل لمر حظر هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬عليه آن يفعّل‪ ،‬هناه عنه ‪,‬‬
‫وآما آبو اجلن‪ :‬وهو ابليس فان اذلنب اذلي وقع فيه هو الامتناع من فعل املأمور‪ ،‬فأمره هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاَل‪َ -‬بلسجود لآدم فأيب وامتنع واس تكرب وقال آان خري منه‪ ،‬فمل َس تجب لمر هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫فامي آمره ‪-‬جل وعال‪ -‬به ‪,‬‬
‫وقد ذكر آهل العمل آن هذا اذلنب اذلي هو ترك املأمور آشد من اذلنب الول اذلي هو فعل املهنيي‪،‬‬
‫وذكروا يف ذكل ُوجوها يف آن ترك املأمور به آعظم من فعل ما هنَ ي هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬عنه‬
‫فهناك فرائض افرتضها هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪-‬عىل عباده‪ ،‬فرض علهيم اقامة الصالة‪ ،‬وافرتض علهيم ايتاء‬
‫الزَكة‪ ،‬وفرائض آخرى افرتضها ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬علهيم فرتك ما آمر هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬به آشد من‬
‫ارتاكب ما هني ‪-‬جل وعال‪ -‬عنه‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬وتنقسم آيضا اذلنوب اَل ظاهرة وَبطنة‪ ،‬وهذا التقس مي لَّلنوب ظاهرة وَبطنة‬
‫يقع عىل النوعني املتقدمني اذلين هام فعل املهني وترك املأمور به ‪,‬فلك من هذين اذلنبني مهنام ما هو‬
‫ظاهر‪ ،‬ومهنام ما هو َبطن ‪,‬‬
‫فاذن اذلنوب مهنا ‪:‬‬
‫‪ -‬ذنوب ظاهرة فتفعلها اجلوارح وتظهر وتُرى‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫‪ -‬وهناك ذنوب َبطنة ْل تُرى وامنا يه يف القلب ْل يراها وْل يطلع علهيا اْل عالم الغيوب ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫وتنقسم تقس ميًا آآخر َبعتبار املُتعلق اَل قسمني ‪ :‬ذنوب ُمتعلقة ِبقوق الرب ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬وذنوب‬
‫ُمتعلقة ِبقوق العباد فهيي ِبذا الاعتبار آيضا تنقسم اَل قسمني‪.‬‬

‫ُوب تَ ْنقَس ُم ا ََل آَ ْرب َ َعة آَ ْق َسا ٍم‪َ :‬ملَكيَّ ٍة‪َ ،‬و َش ْي َطان َّي ٍة‪َ ،‬و َس ُبعيَّ ٍة‪َ ،‬وِبَ مي َّي ٍة‪َ ،‬و َْل َ َْت ُر ُج َع ْن َذ َكل‪.‬‬
‫ُ َّث هَذه ا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬
‫ُوب الْ َملَكيَّ ُة ‪ :‬آَ ْن ي َ َت َع َاط َما َْل يَصل ُّح َ ُهل م ْن ص َفات ُّالربُوبيَّة‪ََ ،‬كلْ َع َظ َمة‪َ ،‬و ْالك ْرب ََيء‪َ ،‬والْ َج َ ُربوت‪،‬‬ ‫فَا ُّذلن ُ‬
‫َوالْقَهْر‪َ ،‬والْ ُعلُو‪َ ،‬وا ْس ت ْع َباد الْ َخلْق‪َ ،‬و َ َْنو َذ َكل‪.‬‬
‫رشكٌ َب ََّّلل تَ َع َاَل‪َ ،‬وه َُو ن َْوعَان‪:‬‬
‫َويَدْ ُخ ُل يف َه َذا ْ‬
‫رشكٌ به يف آَ ْ َسائه َوصفَاته َو َج ْع ُل آلهَ ٍة آُخ َْرى َم َعهُ‪،‬‬ ‫‪ْ -‬‬
‫رشكٌ به يف ُم َعا َملَته‪َ ،‬و َه َذا الث َّان قَدْ َْل يُوج ُب ُدخُو َل النَّار‪َ ،‬وا ْن آَ ْحبََُ الْ َع َم َل َّاذلي آَ ْ َ‬
‫رشكَ فيه َم َع‬ ‫‪َ -‬و ْ‬
‫ِ‬
‫َّاَّلل غَ ْ َري ُه‪.‬‬
‫َو َه َذا الْق ْس ُم َآع َْظ ُم آَن َْواع ا ُّذلن ُوب‪َ ،‬ويَدْ ُخ ُل فيه الْقَ ْو ُل عَ َىل َّاَّلل ب َال ع ْ ٍمل يف َخلْقه َوآَ ْمره‪ ،‬فَ َم ْن ََك َن م ْن آَهْل‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه يف ُربُوبيَّته َو ُم ْلكه‪َ ،‬و َج َع َل َ ُهل ندًّا‪َ ،‬و َه َذا آَع َْظ ُم ا ُّذلن ُوب ع ْندَ َّاَّلل‪َ ،‬و َْل‬
‫هَذه ا ُّذلن ُوب‪ ،‬فَقَدْ انَ َز َع َّ َ‬
‫ي َ ْنفَ ُع َم َع ُه َ ََع ٌل‪.‬‬
‫الش ْي َطانيَّ ُة‪ :‬فَالت َّ َش بُّ ُه َب َّلش ْي َطان يف الْ َح َسد‪َ ،‬والْ َبغْي َوالْغش َوالْغل‬
‫الش ْي َطانيَّ ُة ‪َ :‬وآَ َّما َّ‬ ‫فَ ْص ٌل ا ُّذلن ُ‬
‫ُوب َّ‬
‫َوالْخدَ اع َوالْ َم ْكر‪َ ،‬و ْ َال ْمر ب َم َعاص َّاَّلل َو َ َْتسيهنَا‪َ ،‬والهنَّ ْيي َع ْن َطاعَته َوِتَ ْجيهنَا‪َ ،‬واْلبْتدَ اع يف دينه‪،‬‬
‫َوادلَّ ع َْوة ا ََل الْبدَع َوالضَّ َالل‪.‬‬
‫ِ‬
‫َو َه َذا النَّ ْو ُع يَل النَّ ْو َع ْ َال َّو َل يف الْ َم ْف َسدَة‪َ ،‬وا ْن ََكن َْت َم ْف َسدَ تُ ُه ُدون َ ُه‪.‬‬
‫ِ‬

‫ُوب الْ ُعدْ َوان َوالْغَضَ ب َو َس ْفك ادل َماء‪َ ،‬والتَّ َوثُّب عَ َىل الضُّ َع َفاء َوالْ َعاجز َين‪َ ،‬ويَتَ َو َّ ُدل مهنْ َا‬ ‫َوآَ َّما ا َّلس ُبعيَّ ُة‪ :‬فَ ُذن ُ‬
‫الظ ْمل َوالْ ُعدْ َوان‪.‬‬
‫آَن َْوا ُع آَ َذى النَّ ْوع اْلنسان َوالْ َج ْرآَة عَ َىل ُّ‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫الَّشه َوالْح ْرص عَ َىل قَضَ اء َشه َْوة الْ َب ْطن َوالْ َف ْرج‪َ ،‬ومهنْ َا يَتَ َو َّ ُدل الزانَ َو َّ‬
‫الَّسقَ ُة‬ ‫ُوب الَْبَ مييَّ ُة‪ :‬فَمثْ ُل َّ َ‬ ‫َوآَ َّما ا ُّذلن ُ‬
‫ُك آَ ْم َوال الْ َيتَا َم ‪َ ،‬والْ ُب ْخ ُل‪َ ،‬و ُّ‬
‫الش ُّح‪َ ،‬والْ ُج ْ ُْب‪َ ،‬والْهَلَ ُع‪ ،‬واجلزع َوغَ ْ ُري َذ َكل‪.‬‬ ‫َو َآ ْ ُ‬
‫ون ا ََل َسائر‬ ‫َو َه َذا الْق ْس ُم َآ ْك َ ُث ُذن ُوب الْ َخلْق ل َع ْجز ْه َعن ا ُّذلن ُوب ا َّلس ُبع َّية َوالْ َملَكيَّة‪َ ،‬ومنْ ُه يَدْ ُخلُ َ‬
‫ِ‬
‫ون منْ ُه ا ََل ا ُّذلن ُوب ا َّلس ُبعيَّة‪َّ ُ ،‬ث ا ََل َّ‬
‫الش ْي َطان َّية‪َّ ُ ،‬ث ُمنَ َازعَة‬ ‫ْ َال ْق َسام‪ ،‬فَه َُو َ َُي ُّر ُ ْه الَهيْ َا َبلز َمام‪ ،‬فَيَدْ ُخلُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَّشك َو ْال ُكفرْ‬‫ُوب دهْل ُزي ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الَّشك يف ال َو ْحدَ انيَّة‪َ ،‬و َم ْن تَأ َّم َل َهذا َح َّق التَّأ ُّمل‪ ،‬تَ َب َني ُهل آ َّن اذلن َ‬ ‫ُّالربُوبيَّة‪َ ،‬و ْ‬
‫َو ُمنَ َازعَة َّاَّلل ُربُوبيَّتَ ُه‪.‬‬

‫ذكر هنا ‪-‬رمحه هللا ‪-‬تقس امي جعيبا لَّلنوب‪ ،‬وآشار ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬آن ذنوب العباد ْل َترج عن نوع من‬
‫هذه النواع الربعة والقسام الربعة اليت ذكرها رمحه تعاَل‪.‬‬
‫والقسم الول‪ :‬من هذه اذلنوب‪ ،‬تعلقها جبانب التش به َبلرب‪ -‬س بحانه وتعاَل‪َ -‬بْلتصاف َبلصفات اليت‬
‫ْل تليق اْل جبالل الرب وعظمي شأنه ‪ -‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬فهذا نوع من اذلنوب كام قال ‪-‬رمحه هللا ‪-‬يف‬
‫بيانه آن يتعاط ما ْل يصلح هل من صفات الربوبية َكلعظمة والكربَيء واجلربوت والقهر والعلو واس تعباد‬
‫اخللق وَنو ذكل‪ ،‬فهذه اذلنوب فهيا منازعة للرب ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ -‬ما هو خاص به‪ ,‬وهذه من آعظم‬
‫املوبقات وآشد املهلاكت لصاحَبا ولهذا جاء يف احلديث القديس آن هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪-‬قال‪" :‬العظمة‬
‫ازاري والكربَيء ردايئ مفن انزعين واحدا مهنام عذبته" فهذا نوع من اذلنوب العظمة والكربَيء و العلو‬
‫واس تعباد اخللق والقهر وَنو ذكل هذا نوع من اذلنوب‪.‬‬
‫قال ويدخل يف هذا الَّشك َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪-‬والَّشك هو من الباب نفسه لن الَّشك فيه اعطاء‬
‫للمخلوق من الصفات آو اخلصائص ما ْل يليق اْل َبهلل وما ْل َس تحقه اْل هللا‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬ولهذا‬
‫قال رمحه هللا‪ :‬وهو نوعان‪ :‬رشك به يف آسامئه وصفاته وجعل آلهة آخرى معه ‪ - ,‬ورشك به يف معاملته‬
‫آي آن هذا الشـــرك نوعان‪ :‬رشك علمي و رشك َعل‬
‫رشك يتعلق َبجلانب العلمي ‪:‬وهو الَّشك يف السامء والصفات والَّشك يف الربوبية‬
‫ورشك َعل‪ :‬وهو الَّشك اذلي يتعلق بتوحيد العبادة واخالص ادلين هلل‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫مفن آعط غري هللا من اخلصائص والصفات ماْل يليق اْل َبهلل فهذا من الَّشك ومن رصف لغري هللا‬
‫من احلقوق والعبادات ما هو حق هللا س بحانه وتعاَل فهذا شـــرك واَتاذ للنداد مع هللا س بحانه‬
‫وتعاَل‬
‫قال‪ :‬وهذا الثان قد ْل يوجب دخول النار وان آحبُ العمل اذلي آرشك فيه مع هللا غريه ‪:‬‬
‫الثان‪ ( :‬اذلي يتعلق يف املعامةل) اذا آدى العبادة وفهيا رَيء آو سعة فهذه العبادة اليت فهيا الرَيء وفهيا‬
‫السمعة تبطل يه يف نفسها لكن ْل يبطل ِبا ادلين لكه وامنا يبطل ادلين لكه َبلرَيء اخلالص اذلي هو‬
‫رَيء املنافقني (( َوا َذا لَ ُقوا َّاذل َين آ آ َمنُوا قَالُوا آ آ َمنَّا َوا َذا َخلَ ْوا ا َ ىَل َش َياطيهن ْم قَالُوا اانَّ َم َع ُ ْك)) هذا رَيء خالص‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رَيء يف آصل ادلين يظهر اْلميان ويبطن الكفر‪ ،‬فهذا النوع من الرَيء اذلي هو النفاق الكرب هذا‬
‫مبطل للعمل لكه‬
‫آما َسري الرَيء اذلي هو ما عرب عنه ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف املعامةل اذا َكن يف العمل رَيء آو سعة آو َنو‬
‫ذكل فان الرَيء يكون مبطال للعمل اذلي قارفه؛ لن هللا س بحانه وتعاَل ْل يقبل من العمل اْل ما َكن‬
‫خالصا لوهجه جل يف عاله‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا القسم آعظم آنواع اذلنوب؛ لنه يتعلق َبلصل آصل ادلين وآساسه توحيد الرب واخالص‬
‫ادلين هل وافراده ‪-‬س بحانه وتعاَل ‪ِ-‬بقوقه وخصائصه جل يف عاله وآْل يتخذ معه الَّشَكء والنداد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويدخل فيه القول عىل هللا بال عمل يف خلقه وآمره وهذا من آعظم املوبقات كام قال هللا س بحانه‬
‫ون " مفن َكن من آهل هذه اذلنوب فقد انزع هللا ‪-‬س بحانه‬ ‫وتعاَل ‪َ " :‬وآَ ْن تَ ُقولُوا عَ َىل َّاَّلل َما ْل تَ ْعلَ ُم َ‬
‫وتعاَل‪ -‬يف ربوبيته وملكه وجعل هل ندا وهذا آعظم اذلنوب عند هللا وْل ينفع معه َعل؛ لن الَّشك‬
‫رش ْك َت ل َ َي ْح َب َط َّن َ ََع ُ َ‬
‫كل َولَتَ ُكونَ َّن م َن‬ ‫وح ال َ ْي َك َوا ََل َّاذل َين من قَ ْب َ‬
‫كل ل َ ْئ آَ ْ َ‬ ‫مبط ٌل للعمل لكه‪َ " ،‬ولَقَدْ آُ َِ‬
‫الشاكر َين "‬ ‫اَّلل فَا ْع ُبدْ َو ُكن م َن ِ َّ‬ ‫الْخَاِس َين (‪ )65‬بَل َّ َ‬
‫فاذا ُوجد الَّشك مل ينفع معه َعل وان كث العمل؛ لن الَّشك يفسد العامل ويبطلها‪.‬‬
‫النوع الثان من اذلنوب‪:‬‬
‫اذلنوب اليت فهيا تش به َبلش يطان يف صفاته وآعامهل ومن ذلك احلسد والبغي والغش والغل واخلداع‬
‫واملكر والمر َبملعاص وَتسيهنا والهنيي عن الطاعات وِتجيهنا آي تبغيضها للناس والابتداع يف ادلين‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫وادلعوة اَل البدع والضالْلت‪.‬هذا النوع من اذلنوب فيه تش به َبلش يطان؛ لن مجيع ما ذكر هنا لكه‬
‫من َعل الش يطان ‪,‬‬
‫ومن صفات الش يطان فالش يطان من صفاته‪ :‬احلسد والبغي والغش وادلعوة اَل الضالل والتثييُ‬
‫عن طاعة هللا س بحانه وتعاَل والتحريض عىل املعاص واذلنوب مفن وقع يف يشء من هذه اذلنوب فقد‬
‫وقع يف مشاِبة للش يطان يف صفاته‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا النوع يل النوع الول يف املفسدة وان َكنت مفسدته دونه‬
‫ث ذكر النوع الثالث وهو اذلنوب اليت فهيا تش به املرء َبلوحوش والس باع اليت من صفاِتا العدوان ومن‬
‫صفاِتا الغضب من صفاِتا سفك ادلماء والتوثب عىل الضعفاء والعاجزين هذه ذنوب فهيا تش به‬
‫َبلس باع‪ ,‬ولهذا بعض الناس عندما يكون رشس يف تعامّل وشديد الذى يصفه بعض الناس بأنه وحش‬
‫ملا يرون فيه من صفات الوحوش؛ لن هذا نوع من التش به َبلوحوش‬
‫فاذا َكنت صفات اْلنسان العدوان والغضب و سفك ادلماء والتوثب عىل الضعفاء والعاجزين هذا لكه‬
‫تش به َبلس باع ولهذا املاكن اذلي تثور فيه الفتنة وتسود فيه الفوىض ويصبح السائد فيه السلب‬
‫والهنب والقتل والعدوان وتصبح حال الناس يف ذكل املاكن ِبذه الصفة توص تكل احلال شَّشيعة ماذا‬
‫التعبري السائد الآن؟ ‪-‬الغاب يقصدون رشيعة الغاب آي الطريقة اليت توجد يف الغاَبت مع الوحوش‬
‫والس باع هذه طريقهِتا العدوان والغضب والبطش وسفك ادلماء مفن َتولت صفاِتم اَل هذه الصفة‬
‫صاروا متش َبني َبلوحوش والس باع الضارية املعتدية‬
‫قال‪ :‬ويتودل منه آنواع آذى النوع اْلنسان واجلرآة عىل الظمل والعدوان ُك ذكل من اذلنوب الس ُبعية‬
‫اذلي ِبا تش به َبلس باع‬
‫ث النوع الرابع من هذه القسام ‪:‬‬
‫التش به َبلَبامئ وذكل عندما يكون اْلنسان ليس ه اْل شهوته وبطنه رشه يف الُك والَّشب وتتبع‬
‫للشهوات واملَّلات واحلرص عىل قضاء الشهوة شهوة البطن وشهوة الفرج ومن هذا يتودل الزان والَّسقة‬
‫وآُك آموال اليتاىم والبخل والشح واجلْب والهلع واجلزع وغري ذكل ‪,‬هذا النوع من اذلنوب ذنوب ِبميية‬
‫حال اْلنسان فهيا آن فيه ش به من ِبمية النعام ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫قال الش يخ ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬وهذا القسم آكث ذنوب اخللق هو من هذا القسم (اذلي هو اذلنوب الَبميية )‬
‫آكثه –ذنوبه‪ -‬من هذا القبيل تش به بَبميية النعام ْل ه هل اْل شهوة الفرج وشهوة البطن وقضاء‬
‫الوطر‪,‬وَتصيل الشهوة واملَّلة اليت يريدها هذه حياته وهذه بغيته‪ ،‬فهذه آكث ذنوب اخللق لعجزه عن‬
‫اذلنوب اليت يه آعظم اليت تتعلق َبلتش به َبلس باع آو التش به بصفات الرب ‪-‬س بحانه وتعاَل‪-‬‬
‫قال‪ :‬ومنه يدخلون اَل سائر القسام؛ لن اذلنوب يودل بعضها بعضا فهو َيره الهيا َبلزمام فيدخلون‬
‫منه ‪-‬آي هذا النوع‪ -‬اَل اذلنوب الس بعية ث اَل الش يطانية ث اَل منازعة الربوبية والَّشك يف الوحدانية‬
‫ث خلص ‪-‬رمحه هللا‪ -‬اَل فائدة وس بق آن آشار الهيا قال‪ :‬ومن تأمل هذا حق التأمل تبني هل آن‬
‫اذلنوب دهلزي الَّشك والكفر ومنازعة الربوبية ‪:‬يعين بريد‪ ،‬دهلزي الكفر‪ :‬آي بريد و طريق موصل اَل‬
‫الكفر ‪.‬‬

‫دَه َو ْ َالئ َّمة‪ ،‬عَ َىل آَ َّن م َن‬‫الص َحابَة َوالتَّابع َني ب َ ْع ُ ْ‬ ‫الس نَّ ُة َوا ْ َمجا ُع َّ‬‫ُوب َك َبائ ُر َو َصغَائ ُر] َوقَدْ َد َّل الْ ُق ْرآ آ ُن َو ُّ‬
‫[فَ ْص ٌل ا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاَل‪{ :‬ا ْن َ َْتتَن ُبوا َك َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه نُ َكف ْر َع ْن ُ ْك َسيئَات ُ ْك َون ُدْ خلْ ُ ْك ُمدْ خ ًَال‬
‫ا ُّذلن ُوب كَ َبائ َر َو َصغَائ َر‪ ،‬قَا َل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫كَرميًا} [ ُس َور ُة الن َساء‪. ]31 :‬‬
‫ون كَ َبائ َر ْاْل ْث َوالْفَ َواح َش ا َّْل الل َّ َم َم} [ ُس َور ُة النَّ ْجم‪. ]32 :‬‬
‫َوقَا َل تَ َع َاَل‪َّ { :‬اذل َين َ َْيتَن ُب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصلَ َو ُات الْ َخ ْم ُس‪َ ،‬والْ ُج ُم َع ُة ا ََل الْ ُج ُم َعة‪َ ،‬و َر َمضَ ُان ا ََل َر َمضَ َان‬ ‫الصحيح َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َّ ُه قَا َل‪َّ « :‬‬ ‫َويف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ل َما ب َ ْيهنَ ُ َّن اذا ا ْج ُتنيَت ْالكَ َبائ ُر» ‪.‬‬
‫ُم َكف َر ٌ‬

‫يف هذا الفصل ي ُبني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تقس مي آآخر لَّلنوب ‪ :‬وهو آن اذلنوب تنقسم اَل كبائر ‪ ,‬وصغائر‬
‫والقرآآن دل عىل ذكل مثل قول هللا س بحانه وتعاَل ‪{ :‬ا ْن َ َْتتَن ُبوا كَ َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه } فقول هللا عز وجل "‬
‫ِ‬
‫َك َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه " يدل عىل آن هناك قسم آآخر وهو ‪:‬صغائر هنُ يي عهنا ‪ -‬لكهنا صغائر دون هذه الكبائر‪{ { -‬ا ْن‬
‫ِ‬
‫َ َْتتَن ُبوا كَ َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه نُكَف ْر َع ْن ُ ْك َسيئَات ُ ْك } } آي اذلنوب الصغرية‪ -‬صغائر اذلنوب‪َ { ، -‬ون ُدْ خلْ ُ ْك ُمدْ خ ًَال‬
‫كَرميًا} } واملُدخل الكرمي هو اجلنة والفوز برضوان هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ، -‬وقال هللا ‪-‬عز وجل‪َّ { :-‬اذل َين َ َْيتَن ُب َ‬
‫ون‬
‫َك َبائ َر ْاْل ْث َوالْفَ َواح َش ا َّْل الل َّ َم َم ا َّن َرب َّ َك َواس ُع الْ َمغْف َرة } فذكر كبائر اْلث فاْلث منه كبائر ومنه ما دون ذكل ‪ ،‬كذكل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث اذلي آشار اليه و الشاهد منه قول النيب ﷺ { اذا اجتنيت الكبائر } فهذا دليل عىل آن اذلنوب مهنا‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫ُك َصغ ٍري َوكَب ٍري‬


‫يش ٍء فَ َعلُو ُه يف ُّالزبُر (‪َ )52‬و ُ ُّ‬ ‫صغائر وكبائر و قد َس تفاد هذا من قول هللا س بحانه وتعاَل ‪َ { :‬و ُ ُّ‬
‫ُك َ ْ‬
‫ُّم ْس تَ َط ٌر ( }‬

‫َوهَذه ْ َال ْ ََعا ُل الْ ُم َكف َر ُة لَهَا ثَ َال ُث د ََر َج ٍ‬


‫ات‪:‬‬
‫الصغَائر لضَ ْعفهَا َوضَ ْع ْ ِاْلخ َْالص فهيَا َوالْقيَام ُِب ُقوقهَا‪ ،‬ب َم ْْن َل َ‬
‫ادلَّواء‬ ‫ص َع ْن تَ ْكفري َّ‬ ‫ا ْحدَ اهَا‪ :‬آَ ْن تَ ْق ُ َ‬
‫ِ‬
‫الضَّ عي َّاذلي ي َ ْن ُق ُص َع ْن ُمقَ َاو َمة ادلَّاء َكيَّ ًة َوكَ ْيفيَّ ًة‪.‬‬
‫يش ٍء م َن ْالكَبَائر‪.‬‬ ‫الصغَائ َر َو َْل تَ ْرتَق َي ِا ََل تَ ْكفري َ ْ‬
‫الثَّان َي ُة‪ :‬آَ ْن تُقَاو َم َّ‬
‫الصغَائر َوتَ ْبقَ فهيَا قُ َّوةٌ تُ َكفَّ ُر ِبَا ب َ ْع ُض ْالكَ َبائر‪.‬‬ ‫الث َّالثَ ُة‪ :‬آَ ْن تَ ْق َوى عَ َىل تَ ْكفري َّ‬
‫فَتَأَ َّم ْل َه َذا فَان َّ ُه يُزي ُل َع ْن َك ا ْش َاك َْل ٍت كَث َري ًة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هنا ذكر ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬فائدة مثينة يف الفقه يف قول النيب ﷺ "‪ ..‬مكفرات ملا بيهنن ما اجتنيت‬
‫الكبائر" آي آن الكبائر ْلبد فهيا من توبة مهنا اَل هللا ‪ -‬س بحانه وتعاَل‪ -‬فاذا اجتنيت الكبائر و ُحوفظَ‬
‫عىل الفرائض حصل من المرين تكفري السيئات‪,‬فالصلوات امخلس وامجلعة اَل امجلعة ورمضان اَل‬
‫رمضان هذه طاعات كبار يه من آعظم الطاعات ادلينية والواجبات ادلينية ‪,‬ويه آيضا من آعظم‬
‫املكفرات لَّلنوب لكن َتتاج اَل معونة يف تكفريها لصغائر اذلنوب َبجتناب الكبائر‬
‫هذا القيد قال‪ ( :‬اذا اجتنيت الكبائر)‬ ‫ولهذا ذكر النيب ﷺ‬

‫ذكر اْلمام ابن القمي‪ -‬رمحه هللا‪ :-‬آن هذه العامل اليت يه الصلوات امخلس وامجلعة اَل امجلعة ورمضان‬
‫اَل رمضان هذه العامل لها ثالث درجات آي يف التكفري اذلي ذكر يف احلديث "مكفرات"‬
‫ادلرجة الوَل ‪ :‬آن تقص عن تكفري الصغائر لضعفها وضع اْلخالص فهيا والقيام ِبقوقها مبْنل‬
‫ادلواء الضعي اذلي ينقص عن مقاومة ادلاء كية وكيفية فقد تقع هذه الصلوات ضعيفة وقد يقع آيضا‬
‫الصيام ضعيف ًا‪ ,‬فيكون ح ُّد ُه آنه آسقَُ به الفرض عن نفسه‪ ,‬لكن المور العظمية اليت ترتتب عىل هذه‬
‫العامل ْل تتحقق هل لضع العمل ‪ ,‬فيكون هذا العمل مبْنل ادلواء الضعي اذلي ََّشب منه املريض‬
‫فال يفيد املريض لضعفه وْل ينتفع به املريض لضع هذا ادلواء‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫وهذا َس تفاد منه فائدة ‪ :‬آن قوة العمل اخالص ًا واتباعا "اخالصا للمعبود واتباعا للرسول عليه الصالة‬
‫والسالم" آقوى يف َتقق آثر العمل واملنافع العظمية املرتتبة عليه ‪ ,‬ومن ذلك جاء يف هذا احلديث اذلي‬
‫هو التكفري للسيئات ‪،‬‬
‫ادلرجة الثانية‪ :‬آن تقاوم الصغائر يعين آن تكون فهيا قوه آقوى من درجة اليت قبلها ‪- ،‬الول ضعي ‪-‬‬
‫لكن هنا فهيا يشء من القوة ‪ ،‬يف هذه العامل يشء من القوة فتهنض لتكفري الصغائر وْل ترتقي اَل‬
‫يشء من الكبائر ‪،‬‬
‫ث ادلرجة الثالثة‪ :‬آن تقوى عىل تكفري الصغائر وتبق فهيا قوة تكفر ِبا بعض الكبائر من قوة اخالص‬
‫العبد فهيا وقوة متابعته للرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬قد تهنض لتكفري بعض الكبائر ‪.‬‬
‫والصل يف الكبرية آهنا ْلبد فهيا من توبة اَل هللا ‪-‬س بحانه وتعاَل‪ ،-‬لكن كام آشار ابن القمي قد تهنض‬
‫بعض هذه العامل لقوة اْلخالص‪ ،‬وقوة اْلتباع فيكون فهيا تكفري لبعض كبائر اذلنوب‬

‫الصحي َح ْني َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َّ ُه قَا َل‪( :‬آَْل آُن َيئُ ُ ْك بأَ ْك َرب ْالكَبائر ‪ ،‬قَلنا ‪ :‬بَىل َي َر ُسو َل‬ ‫«قال رمحه هللا ‪َ :‬ويف َّ‬
‫ُقوق الْو َادل ْين وشهادة الزور )‬ ‫هللا‪ ،‬قَا َل‪ :‬اْل ْرشاكُ َبهلل َوع ُ‬
‫ِ‬
‫الس ْب َع الْ ُموبقَات‪ ،‬قي َل‪َ :‬و َما ه َُّن ََي َر ُسو َل َّاَّلل؟ قَال‪َ:‬‬ ‫َ‬
‫الصحي َح ْني َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َّ ُه قَال‪« :‬ا ْجتَن ُبوا َّ‬ ‫َويف َّ‬
‫ُك َمال الْ َيتمي‪َ ،‬و َآ ْ ُ‬
‫ُك الر ََب‪َ ،‬والتَّ َول‬ ‫اَّلل ا َّْل َبلْ َحق‪َ ،‬و َآ ْ ُ‬ ‫ْاْل ْ َ‬
‫رشاكُ َب ََّّلل‪َ ،‬والس ْح ُر‪َ ،‬وقَ ْت ُل النَّ ْفس الَّيت َح َّر َم َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َ ْو َم َّالز ْح ‪َ ،‬وقَ ْذ ُف الْ ُم ْح َصنَات الْغَاف َالت الْ ُم ْؤمنَات» ‪.‬‬
‫الصحي َح ْني َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َّ ُه ُس ئ َل‪« :‬آَ ُّي ا َّذلن ْب َآ ْك َ ُرب ع ْندَ َّاَّلل؟ قَا َل‪ :‬آَ ْن تد ُع ََّّلل ندًّا َوه َُو‬ ‫َويف َّ‬
‫َخلَقَ َك‪ ،‬قي َل‪َّ ُ :‬ث آَ ُّي؟ قَا َل‪ :‬آَ ْن تَ ْق ُت َل َو َ َدلكَ َمخَافَ َة آَ ْن ي َ ْط َع َم َم َع َك‪ ،‬قي َل‪َّ ُ :‬ث آَ ُّي؟ قَا َل‪ :‬آَ ْن تَ ْز َن َِبل َيةل‬
‫ون النَّ ْف َس الَّيت َح َّر َم َّ ُ‬
‫اَّلل‬ ‫اَّلل تَ َع َاَل ت َْصديقَهَا‪َ { :‬و َّاذل َين َْل يَدْ ع َ‬
‫ُون َم َع َّاَّلل الَهًا آآخ ََر َو َْل ي َ ْق ُتلُ َ‬ ‫َجاركَ » فَأَنْ َز َل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ا َّْل َبلْ َحق َو َْل يَ ْ نز َ‬
‫ُون} [ ُس َور ُة الْ ُف ْرقَان‪». ]68 :‬‬
‫ِ‬
‫هذه الحاديث الثالثة ذكرها ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬دليال عىل التقس مي اذلي ذكره‪ ،‬وهو آن اذلنوب صغائر‬
‫وكبائر ‪,‬فهذه الحاديث لكها ُُيرب فهيا ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬بذنوب كبرية كبائر‪ ،‬وهناك آيضا آكرب‬
‫الكبائر‪ ،‬فهذه الحاديث تدل عىل ما ذكره ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬من آن اذلنوب منقسمة اَل‪ :‬كبائر وصغائر‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫بدليل آن النيب ‪-‬ﷺ ‪ -‬جاءت عنه آحاديث عديدة يص فهيا بعض اذلنوب بأهنا كبائر ‪,‬فاذن هناك‬
‫ذنوب ْل تصل اَل هذا الوص فهيي صغائر‪ ،‬فاذلنوب منقسمة اَل كبائر وصغائر‬

‫صهَا؟ عَ َىل قَ ْول َ ْني‪.‬‬ ‫«قال ‪َ :‬وا ْختَلَ َ النَّ ُاس يف ْالكَ َبائر‪ :‬ه َْل لَهَا عَدَ ٌد َ َْي ُ ُ‬
‫ُ َّث َّاذل َين قَالُوا َِب ْصهَا ا ْختَلَ ُفوا يف عَدَدهَا‪ ،‬فَقَا َل َع ْبدُ َّاَّلل ْب ُن َم ْس ُعو ٍد‪َ :‬‬
‫يه آَ ْرب َ ٌع‪َ ،‬وقَا َل َع ْبدُ َّاَّلل ْب ُن ُ ََع َر‪:‬‬
‫ََّش َة‪َ ،‬وقَا َل آآخ َُر‪َ :‬‬
‫يه‬ ‫يه ا ْحدَى ع ْ َ‬ ‫يه ت ْس َع ٌة‪َ ،‬وقَا َل غَ ْ ُري ُه‪َِ :‬‬ ‫يه َس ْب ٌع‪َ ،‬وقَا َل َع ْبدُ َّاَّلل ْب ُن َ َْعرو ْبن الْ َعاص‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫ون‪».‬‬ ‫َس ْب ُع َ‬

‫هنا ذكر ‪-‬رمحه هللا تعاَل‪ -‬خالفا بني آهل العمل هل لها عدد َيصها؟ فذكر آن لهل العمل يف ذكل قولني ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬آنه ليس هناك لها عدد َيصها‪.‬‬
‫والثان ‪ :‬آن لها عددا َيصها‪.‬‬
‫ومن قال بذكل اختل يف هذا العدد‪ ،‬مفهنم من قال آربع ومهنم من قال س بع‪ ،‬ومهنم من قال تسع‪ ،‬ومن‬
‫قال احدى عَّشة‪ ،‬ومهنم من قال س بعون ‪،‬‬
‫قد جاء عن ابن عباس ريض هللا عهنام قال ‪ :‬يه اَل الس بعني آقرب‪.‬‬
‫ولهذا عدد من آهل العمل اذلين مجعوا يف الكبائر آوصلوها اَل هذا العدد مجعوا س بعني كبرية‪ ,‬ومل يأت‬
‫يف النصوص حص لها بعدد‪ ,‬لكن يأيت يف بعض النصوص ذكر لكبائر عظمية َتمع يف حديث واحد‬
‫وهذا ْل يعين حص الكبائر يف ذكل العدد مثال (( اجتنبو الس بع املوبقات‪ )) ..‬هذا ْل يعين آن‬
‫املوبقات امنا يه هذه الس بع فقُ لكنه مجع هذه الس بع عليه الصالة والسالم يف هذا احلديث الواحد‬
‫وادلليل عىل آن املوبقات ليست منحصة يف هذا العدد آن هناك كبائر ذكرت آيضا يف آحاديث آخرى‬
‫وذكر آهنا موبقات وآهنا كبائر هملاكت بل جاء يف بعض الحاديث آمور مل تذكر يف هذا احلديث وصفها‬
‫النيب ﷺ آهنا آكرب الكبائر مثل عقوق الوادلين ومثل شهادة الزور‪.‬‬
‫فاحلاصل آن الكبائر مل يأت حصها يف عدد معني لكن اذلي َيتاج اليه املسمل يف هذا الباب آن يعرف‬
‫الضابُ اذلي ميزي فيه بني الكبرية والصغرية والعدد مل يأت ما يدل عىل حص الكبائر يف عدد‬
‫معني ‪,‬لكن َيتاج املسمل اَل الضابُ اذلي ميزي فيه بني الكبرية والصغرية مبا تعرف الكبرية‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫واذا جاء يف النص وص العمل بأنه كبرية فهذا واحض يف تعيني هذه العامل آهنا من الكبائر‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬واذا جاء يف النص اللعن للفاعل آو ذكر غضب هللا س بحانه وتعاَل آو دخول النار آو عدم دخول اجلنة‬
‫مفثل هذا الوعيد آمارة عىل آن هذا العمل من كبائر اذلنوب‬
‫‪ -‬واذا جاء آيضا نفي اْلميان ما يقال فيه‪ْ " :‬ل يؤمن من فعل كذا " ْل ينف اْلميان اْل فامي هو كبري‬
‫فهذا مفيد وهمم يف هذا الباب آن يعرف املرء عالمة الكبرية آو مبا يعرف العمل آنه من كبائر اذلنوب آو‬
‫ليس مهنا‪.‬‬

‫الص َحابَة‪ ،‬فَ َو َجدْ ِتُ َا‪ :‬آَ ْرب َ َع ًة يف الْقَلْب‪َ ،‬و َه‪ْ :‬‬
‫الَّشكُ َب ََّّلل‪،‬‬ ‫" َوقَا َل آَبُو َطال ٍب الْ َم ُّ‬
‫ك‪َ َ :‬مج ْعهِتُ َا م ْن آَ ْق َوال َّ‬
‫رص ُار عَ َىل الْ َم ْعص َية‪َ ،‬والْ ُقنُ ُوط م ْن َر ْ َمحة َّاَّلل‪َ ،‬و ْ َال ْم ُن م ْن َم ْكر َّاَّلل‪.‬‬
‫َو ْاْل ْ َ‬
‫ِ‬
‫َوآَ ْرب َ َع ٌة يف الل َسان‪َ ،‬و َه‪َ :‬شهَا َد ُة ُّالزور‪َ ،‬وقَ ْذ ُف الْ ُم ْح َصنَات‪َ ،‬والْ َيم ُني الْغَ ُم ُوس‪َ ،‬والس ْح ُر‪.‬‬
‫ُك َمال الْ َيتمي‪َ ،‬و َآ ْ ُ‬
‫ُك الر ََب‪.‬‬ ‫َوثَ َال ٌث يف الْ َب ْطن‪ْ ُ :‬‬
‫رش ُب الْ َخ ْمر‪َ ،‬و َآ ْ ُ‬
‫َواثْنَتَان يف الْ َف ْرج‪َ ،‬و ُ َُها‪ :‬الزانَ ‪َ ،‬والل َو ُاط‪.‬‬
‫َواثْنَتَان يف الْ َيدَ ْين‪َ ،‬و ُ َُها‪ :‬الْقَ ْت ُل‪َ ،‬و َّ‬
‫الَّسقَ ُة‪.‬‬
‫َو َواحدَ ةٌ يف الر ْجلَ ْني‪َ ،‬و َه‪ :‬الْف َر ُار م َن َّالز ْح ‪.‬‬
‫َو َواح ٌد يَتَ َعل َّ ُق َجبميع الْ َج َسد‪َ ،‬وه َُو‪ُ :‬ع ُق ُوق الْ َو َادليْن‪".‬‬

‫هذا الالكم ليب طالب املك فيه مجع لطي للكبائر لكنه ليس حارصا للكبائر‪ ,‬فهناك كبائر تتعلق‬
‫َبلقلب مل تذكر ‪ ,‬كبائر تتعلق َبللسان مثل الغيبة والمنمية وَنو ذكل‪ ..‬مل تذكر ‪ ,‬هناك كبائر تتعلق‬
‫َبجلوارح ‪ ,‬فهذا ليس حارص ًا لكنه مجع لطي وتقس مي مجيل للكبائر يزيد يف بياهنا وايضاهحا وآن مهنا ما‬
‫يتعلق َبلقلب ومهنا ما يتعلق َبللسان ومهنا ما يتعلق َبجلوارح مهنا ما يتعلق َبلفرج‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫اَّلل َع ْن ُه يف الْ ُق ْرآآن فَه َُو َكب َريةٌ‪َ ،‬و َما هنَ َي َع ْن ُه‬ ‫صوهَا ب َعدَ ٍد‪ ،‬مهنْ ُ ْم َم ْن قَا َل‪ُّ ُ :‬‬
‫ُك َما هنَ َي َّ ُ‬ ‫قال‪َ :‬و َّاذل َين ل َ ْم َ َْي ُ ُ‬
‫َّالر ُسو ُل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فَه َُو َصغ َريةٌ‪.‬‬
‫َوقَال َ ْت َطائفَ ٌة‪َ :‬ما ا ْق َ َرت َن َبلهنَّ ْيي َع ْن ُه َوعي ٌد م ْن لَ ْع ٍن آَ ْو غَضَ ٍب آَ ْو ُع ُقوب َ ٍة فَه َُو َكب َريةٌ‪َ ،‬و َما ل َ ْم ي َ ْق َرت ْن به َ ْ‬
‫يش ٌء م ْن‬
‫َذ َكل فَه َُو َصغ َري ٌة‪.‬‬
‫ُك َما تَ َرت ََّب عَلَ ْيه َحد يف ادلُّ نْ َيا آَ ْو َوعي ٌد يف ْالآخ َرة‪ ،‬فَه َُو َكب َريةٌ‪َ ،‬و َما ل َ ْم يُ َرت َّْب عَلَ ْيه َْل َه َذا َو َْل َه َذا‪،‬‬ ‫َوقي َل‪ُّ ُ :‬‬
‫فَه َُو َصغ َريةٌ‪.‬‬
‫الَّشائ ُع عَ َىل َ َْترميه فَه َُو م َن ْال َكبَائر‪َ ،‬و َما ََك َن َ َْترمي ُ ُه يف َرشي َع ٍة د َ‬
‫ُون َرشي َع ٍة فَه َُو َصغ َري ٌة‪.‬‬ ‫َوقي َل‪ُّ ُ :‬‬
‫ُك َما ات َّ َفقَت َّ َ‬
‫اَّلل آَ ْو َر ُس ُ ُ‬
‫وهل فَاع َ ُّل فَه َُو كَب َريةٌ‪.‬‬ ‫ُك َما لَ َع َن َّ ُ‬
‫َوقي َل‪ُّ ُ :‬‬
‫ُك َما ُذك َر م ْن آَ َّول ُس َورة الن َساء ا ََل قَ ْوهل‪{ :‬ا ْن َ َْتتَن ُبوا كَ َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه نُ َكف ْر َع ْن ُ ْك َسيئَات ُ ْك}‬
‫َوقي َل‪ُّ ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[ ُس َور ُة الن َساء‪. ]31 :‬‬

‫ذكر هنا آقوال لهل العمل مبا تُعرف الكبرية‪..‬‬


‫قال‪ :‬واذلين مل َيصوها بعدد مهنم من اَته اَل ذكر الصفات اليت تعرف ِبا الكبرية وهذا حقيقة هو‬
‫املهم يف هذا الباب‪ ,‬املهم يف هذا الباب ‪:‬آن يعرف املرء العالمة اذا َكن جاء يف القرآآن قول هللا‪{ { :‬ا ْن‬
‫ِ‬
‫َ َْتتَن ُبوا كَ َبائ َر َما تُهنْ َ ْو َن َع ْن ُه نُكَف ْر َع ْن ُ ْك َسيئَات ُ ْك } } مر معنا َبحلديث (ما اجتنيت الكبائر) ‪.‬‬
‫آذن ْلبد آن يعرف املرء الكبائر ومطلوب منه آن َيتنب الكبائر والصغائر لكن مقام الكبائر آشد‬
‫وآمرها آعظم وآكرب وحىت يتقهيا ْلبد آن يعرفها‪ْ ,‬لبد آن يعرف عالماِتا ومبا تُعرف الكبرية‬
‫وذكر ابن القمي ‪ -‬رمحه هللا تعاَل‪-‬آقوالا لكن الحص والصواب من ذكل آن‪ :‬الكبرية يه ما جاء فيه لعن‬
‫آو غضب آو دخول النار ‪ ،‬آو عدم دخول اجلنة ‪ ،‬آو نفي اْلميان ‪ ،‬آو ن َُّص عىل آنه كبرية‬
‫فهذه عالمات اذا وجدت يف معصية من املعاص ‪ ،‬فهيي آمارة عىل اهنا من كبائر اذلنوب ‪ ،‬فاللعن ْل‬
‫يكون اْل عىل كبرية ‪ ،‬ونفي دخول اجلنة ْل يكون اْل عىل كبرية ‪ ،‬واَياد دخول النار وترتيب دخول النار‬
‫عىل ذنب هذا دليل عىل آنه من كبائر اذلنوب ‪ ،‬نفي اْلميان عن فاعل آمر ما يدل عىل آن هذا المر‬
‫من كبائر اذلنوب ‪ ،‬فهذه عالمات اذا وجدت فهيي آمارة عىل آن المر من كبائر اذلنوب ‪..‬‬
‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثالث و الثالثون‬

‫َّاذل َين ل َ ْم يُقَس ُموهَا ا ََل كَ َبائ َر‬


‫ِ‬
‫ُوب ُلكُّهَا َبلن ْس َبة ا ََل الْ َج َر َاءة عَ َىل َّاَّلل ُس ْب َحان َ ُه‬ ‫َو َّاذل َين ل َ ْم يُقَس ُموهَا ا ََل كَ َبائ َر َو َصغَائ َر‪ ،‬قَالُوا‪ :‬ا ُّذلن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوب‬
‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ُّ‬
‫ذل‬ ‫ا‬ ‫ون‬ ‫ك‬‫ُ‬
‫َو َم ْعص َيته َو ُمخَالَ َفة آَ ْ َ ُ َّ ُ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ َ‬
‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ب‬ ‫وج‬ ‫ي‬ ‫ُ‪،‬‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ار‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫هِتَ‬‫ن‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ه‬‫ر‬‫م‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َل‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ظ‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ائ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬‫ه‬‫ر‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫يه ُم ْس تَوي َ ٌة يف هَذه الْ َم ْف َسدَة‪.‬‬ ‫ُلكُّهَا كَ َبائ َر‪َ ،‬و َ‬
‫ون ب َ ْعضُ هَا َبلن ْس َبة الَ ْيه َآ ْك َ َرب م ْن‬ ‫ُوب َو َْل يَتَأَث َُّر ِبَا‪ ،‬فَ َال يَ ُك ُ‬‫َُض ُه ا ُّذلن ُ‬‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َْل ت ُ ُّ‬ ‫قَالُوا‪َ :‬وي ُ َو ُ‬
‫حض َه َذا آَ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫ب َ ْع ٍض‪ ،‬فَ َ ْمل ي َ ْب َق ا َّْل ُم َج َّر ُد َم ْعص َيته َو ُمخَالَ َفته‪َ ،‬و َْل فَ ْر َق يف َذ َكل ب َ ْ َني َذن ٍْب َو َذن ٍْب‪.‬‬
‫ِ‬
‫يه اتَ ب َع ٌة للْ َج َر َاءة َوالتَّ َوثُّب عَ َىل َحق َّالرب ‪-‬تَ َب َاركَ َوتَ َع َاَل‪،-‬‬ ‫قَالُوا‪َ :‬ويَدُ ُّل عَلَ ْيه آَ َّن َم ْف َسدَ َة ا ُّذلن ُوب ِان َّ َما َ‬
‫َولهَ َذا ل َ ْو َرش َب َر ُج ٌل َ َْخ ًرا‪ ،‬آَ ْو َوط َئ فَ ْر ًجا َح َرا ًما‪َ ،‬وه َُو َْل ي َ ْع َتقدُ َ َْترميَهُ‪ ،‬لَ َاك َن قَدْ َ َمج َع ب َ ْ َني الْ َجهْل َوب َ ْ َني‬
‫َم ْف َسدَة ْارت َاكب الْ َح َرام‪َ ،‬ول َ ْو فَ َع َل َذ َكل َم ْن ي َ ْعتَقدُ َ َْترميَهُ‪ ،‬لَ َاك َن آآت ًيا َب ْحدَى الْ َم ْف َسدَ ت َْني‪َ ،‬وه َُو َّاذلي‬
‫ِ‬
‫ُون ْ َال َّول‪ ،‬فَدَ َّل عَ َىل آَ َّن َم ْف َسدَ َة ا َّذلنْب اتَ ب َع ٌة للْ َج َر َاءة َوالتَّ َوثب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َ َْس تَح ُّق الْ ُع ُقوب َ َة د َ‬

‫قَالُوا‪َ :‬ويَدُ ُّل عَ َىل َه َذا آَ َّن الْ َم ْعص َي َة تَ َتضَ َّم ُن اْل ْس هِتَان َ َة‬
‫نعم ‪ -‬هذا يؤجل اَل لقاء الغد َبذن هللا س بحانه وتعاَل؛ لن ابن القمي يورد هذا ث يعقد فصل مطو ًْل‬
‫يف اجلواب عىل ذكل‪..‬‬
‫نسال هللا الكرمي رب العرش العظمي آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدان علامً ‪ ،‬وآن يصلح لنا شأننا‬
‫لكه وآْل يلكنا اَل آنفس نا طرفة عني ‪،‬‬
‫س بحانك اللهم وِبمدك آشهد آن ْل اهل اْل آنت اس تغفرك وآتوب اليك ‪ ،‬اللهم صل وسمل عىل عبدك‬
‫ورسوكل نبينا محمد ًا وآهل وحصبه‬

‫اضغُ عىل الرابُ لالشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني ‪،‬وصىل هللا‪ -‬وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‪ -‬آما بعد‬
‫فيقول العالمة ابن القمي اجلوزية‪ -‬رمحه هللا وغفر هل ‪-‬ولش يخنا واملسلمني يف كتابه[ ادلاء وادلواء ]‬

‫قال رمحه هللا‪ :‬ذ ِاَّلين لم يُق ِس ُموها ال كبائِر‬


‫ِ‬
‫ُوب ُُكُّها ِِب ِلنس ب ِة ال الجراء ِة عىل ذ ِ‬
‫اّلل ُس بحان ُه ومع ِصيتِ ِه‬ ‫و ذ ِاَّلين لم يُق ِس ُموها ال كبائِر وصغائِر‪ ،‬قالُوا‪ :‬ا َُّّلن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوب ُُكُّها كبائِر‪ ،‬وهِ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وج ُب آن تكون اَّلن ُ‬‫و ُمخالف ِة آَم ِر ِه‪ ،‬كبائِ ُر‪ ،‬فالنذظ ُر ال من عص آمر ُه وانَتك مح ِارمهُ‪ ،‬ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ُمس ت ِوية ِيف ه ِذ ِه المفسد ِة‪.‬‬
‫ون بعضُ ها ِِب ِلنس ب ِة الي ِه َآكب ِمن‬ ‫ُوب ول يتأَث ُذر ِبِ ا‪ ،‬فال ي ُك ُ‬‫ُض ُه ا َُّّلن ُ‬
‫ض هذا آَ ذن ذاّلل ُس بحان ُه ل ت ُ ُّ‬‫قالُوا‪ :‬ويُو ِ ُ‬
‫ِ‬
‫بع ٍض‪ ،‬فمل يبق ا ذل ُمج ذر ُد مع ِصي ِت ِه و ُمخالف ِت ِه‪ ،‬ول فرق ِيف ذ ِل بني ذن ٍب وذن ٍب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُوب ان ذما ِه َتبِعة لِلجراء ِة والتذوث ُّ ِب عىل ح ِق ذالر ِب تبارك وتعال‪ ،‬و ِلهذا لو‬ ‫قالُوا‪ :‬ويدُ ُّل علي ِه آَ ذن مفسدة ا َُّّلن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشب ر ُجل َخ ًرا‪ ،‬آَو و ِطئ فر ًجا حرا ًما‪ ،‬وهُو ل يعتقدُ َت ِرميهُ‪ ،‬لَكن قد مجع بني الجه ِل وبني مفسدة ارتَك ِب‬ ‫ِ‬
‫الحرا ِم‪ ،‬ولو فعل ذ ِل من يعت ِقدُ َت ِرميهُ‪ ،‬لَكن آتِ ًيا ِِبحدى المفسدت ِني‪ ،‬وهُو ذ ِاَّلي يس ت ِح ُّق ال ُع ُقوبة دُون‬
‫ِ‬
‫َاْل ذولِ ‪ ،‬فد ذل عىل آَ ذن مفسدة ا ذَّلن ِب َتبِعة ِللجراء ِة والتذوث ُّ ِب‪.‬‬
‫قالُوا‪ :‬ويدُ ُّل عىل هذا آَ ذن المع ِصية تتض ذم ُن ِالس َتِ انة ِبأَم ِر ال ُمطاعِ وَن ِي ِه وانَتِ ِاك ُحرم ِت ِه‪ ،‬وهذا ل فرق ِفي ِه بني‬
‫ذن ٍب وذن ٍب‪.‬‬
‫قالُوا‪ :‬فال ين ُظ ُر العبدُ ال ِك ِب ا ذَّلن ِب و ِصغ ِر ِه ِيف نف ِس ِه‪ ،‬ول ِكن ين ُظ ُر ال قد ِر من عصا ُه وعظمتِ ِه‪ ،‬وانَتِ ِاك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحرم ِت ِه ِِبلمع ِصي ِة‪ ،‬وهذا ل يف َِت ُق ِفي ِه الحا ُل بني مع ِصي ٍة ومع ِصي ٍة‪ ،‬فا ذن م ِل ًَك ُمطاعًا ع ِظميًا لو آَمر آَحد مملُوكي ِه‬
‫ِ‬
‫ادلذار‪ ،‬فعصيا ُه وخالفا آَمر ُه‪،‬‬ ‫آَن يذهب ِيف ُمه ٍِم ُهل ال ب ٍل ب ِعي ٍد‪ ،‬وآَمر آخر آَن يذهب ِيف ُشغ ٍُل ُهل ال جا ِن ِب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫وط من نه سو ًاء‪.‬‬‫ع‬ ‫ِ‬ ‫لَكن ِيف مق ِت ِه و ُّ‬
‫الس ُق ِ‬
‫اّلل ِمن مع ِصي ِة‬ ‫قالُوا‪ :‬و ِلهذا َكنت مع ِصي ُة من ترك الح ذج ِمن مكذة وترك ال ُج ُمعة وهُو ج ُار المسجِ ِد‪ ،‬آَقبح ِعند ذ ِ‬
‫من ترك ِمن المَك ِن الب ِعي ِد‪ ،‬والو ِاج ُب عىل هذا َآك ُث ِمن الو ِاج ِب عىل هذا‪ ،‬ولو َكن مع ر ُج ٍل ِمائتا ِدر ٍه‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫ك وا ِح ٍد ِمْنُما‪ ،‬ول‬ ‫ومنع زَكَتا‪ ،‬ومع آخر ِمائتا َآل ِف ِدر ٍه فمنع ِمن زَكَتِ ا؛ لس توي ِيف منع ِ ما وجب عىل ُ ِ‬
‫ِصا عىل منع ِ زَك ِة م ِ ِاهل‪ ،‬ق ِل ًيال َكن الما ُل آَو ك ِث ًريا‪.‬‬ ‫يب ُعدُ اس تِوا ُؤ ُُها ِيف ال ُع ُقوب ِة‪ ،‬اذا َكن ُ ل‬
‫ك ِمْنُما ُم ِ ًّ‬
‫ِ‬

‫امحلد هلل رب العاملني ‪،‬وآشهد آن ل اهل ال هللا وحده ل َشيك هل‪ ,‬وآشهد آن محمد ًا عبده ورسوهل ‪-‬صىل هللا‬
‫وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪ -‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدن علامً وآصلح لنا شأننا ُكه ول‬
‫تلكنا ال آنفس نا طرفة عني‪ ..‬آما بعد ‪,‬‬
‫فهذا ايراد آورده ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬لذلين ل يقسمون اَّلنوب ال كبائر وصغائر وامنا جيعلوَنا ُكها كبائر‬
‫ِبعتبار آَنا ُكها معايص يف حق هللا س بحانه وتعال ف ِعظمها من هجة عظم شأن من عصوه وخالفوا آمره وارتكبوا‬
‫َنيه ‪-‬جل يف عاله‪ , -‬وذكر تقرير هؤلء ِلام ذهبوا اليه من عدم تقس مي اَّلنوب ال كبائر وصغائر وآَنا ُكها كبائر ‪,‬‬
‫لكن ما ُذكر ُمخالف لِصحي اْلدةل الواحضة يف انقسام اَّلنوب ال كبائر وصغائر ؛ وه آدةل واحضة يف كتاب هللا‬
‫وس نة نبيه ‪ -‬صلوات هللا وسالمه وبرَكته عليه‪-‬‬
‫‪-‬‬ ‫وتقدم عند املصنف‪ -‬رمحه هللا تعال‪ -‬عدد ًا من هذه اْلدةل آدةل كتاب هللا وس نة نبيه ‪-‬ﷺ‬

‫ملا آورد املصنف رمحه هللا تعال هذا اليراد آتبعه مبا يكون به كشف الغطاء وَتقيق اْلمر يف هذه املسأةل وهو‬
‫آن اَّلنوب كبائر وصغائر ‪..‬ورتب هذا التقرير عىل آصول عظمية هممة يف هذا الباب يأيت بياَنا عند املصنف‬
‫رمحه هللا تعال‪-‬‬

‫«قال ‪-‬رمحه هللا‪[ : -‬فصل الح ُّق ِيف المسأَ ِةل الح ُّق ِيف المسأَ ِةل]‬
‫وكش ُف ال ِغطا ِء عن ه ِذ ِه المسأَ ِةل آَن يُقال‪ :‬ا ذن ذاّلل ع ذز وج ذل آَرسل ُر ُسَلُ‪ ،‬وآَنزل ُك ُتبهُ‪ ،‬وخلق‬
‫ِ‬
‫الطاع ُة ُُكُّها هلُ‪ ،‬وادلذعو ُة هلُ‪َ ،‬ك قال‬ ‫السماو ِات و َاْلرض ِل ُيعرف ويُعبد ‪,‬ويُو ذحد وي ُكون ِادل ُين ُُكُّ ُه ِ ذ ِّلل‪ ،‬و ذ‬ ‫ذ‬
‫ون} [ ُسور ُة ا ذَّلا ِري ِت‪. ]56 :‬‬‫جِن والنس ا ذل ِليع ُبدُ ِ‬ ‫تعال‪{ :‬وما خلق ُت ال ذ‬
‫ِ ِ‬
‫اْلرض وما بيْنُما ا ذل ِِبلح ِق} [ ُسور ُة ال ِحج ِر‪. ]85 :‬‬ ‫السماو ِات و َ‬ ‫وقال تعال‪{ :‬وما خلقنا ذ‬
‫ِ‬
‫اّلل ذ ِاَّلي خلق س بع َساو ٍات و ِمن َاْلر ِض ِمثله ذُن يت ذَن ُل َاْلم ُر بيْنُ ذن ِلتعل ُموا آَ ذن ذاّلل عىل ُ ِ‬
‫ك‬ ‫وقال تعال‪ { :‬ذ ُ‬
‫ك َش ٍء ِعل ًما} [ ذالطال ِق‪. ]12 :‬‬ ‫َش ٍء ق ِدير وآَ ذن ذاّلل قد آَحاط ِب ُ ِ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫اّلل الكعبة البيت الحرام ِقيا ًما ِللنذ ِاس وا ذلشهر الحرام والهدي والقالئِد ذ ِل ِلتعل ُموا‬ ‫وقال تعال‪{ :‬جعل ذ ُ‬
‫ك َش ٍء ع ِلمي} [ ُسور ُة المائِد ِة‪. ]97 :‬‬
‫السماو ِات وما ِيف َاْلر ِض وآَ ذن ذاّلل ِب ُ ِ‬‫آَ ذن ذاّلل يع ُمل ما ِيف ذ‬
‫فأَخب ُس بحان ُه آَ ذن القصد ِِبلخل ِق و َاْلم ِر‪ :‬آَن يُعرف ِبأََسائِ ِه و ِصفاتِ ِه‪ ،‬ويُعبد وحد ُه ل ي ُْشك ِب ِه‪ ،‬وآَن ي ُقوم‬
‫السماو ُات و َاْلر ُض‪َ ،‬ك قال تعال‪{ :‬لقد آَرسلنا ُر ُسلنا‬ ‫النذ ُاس ِِبل ِقسطِ‪ ،‬وهُو العد ُل ذ ِاَّلي قامت ِب ِه ذ‬
‫ات وآَنزلنا معهُ ُم ال ِكتاب وال ِمزيان ِلي ُقوم النذ ُاس ِِبل ِقسطِ} [الح ِدي ِد‪. ]25 :‬‬
‫ِِبلب ِين ِ‬
‫فأَخب ُس بحان ُه آَن ذ ُه آَرسل ُر ُس َُل وآَنزل ُك ُتب ُه ِلي ُقوم النذ ُاس ِِبل ِقسطِ وهُو العد ُل‪ ،‬و ِمن آعظم ال ِقسطِ‬
‫الظ ِمل‪ ،‬والتذو ِحيدُ َآعد ُل‬
‫الْشكُ َآظ ُمل ُّ‬‫الْشك ل ُظمل ع ِظمي‪ ،‬ف ِ‬ ‫التذو ِحيدُ ‪ ,‬بل هُو ر ْآ ُس العدلِ و ِقوا ُمهُ‪ ،‬وا ذن ِ‬
‫ِ‬
‫العدلِ ‪ ،‬فما َكن آَش ذد ُمنافا ًة ِلهذا المق ُصو ِد فهُو َآك ُب الكبائِ ِر‪ ،‬وتف ُاوَتُ ا ِيف درجاَتِ ا ِِبس ِب ُمنافاَتِ ا هلُ‪ ،‬وما‬
‫الطاع ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫ات وآَفر ُض ذ‬ ‫َكن آَش ذد ُموافق ًة ِلهذا المق ُصو ِد فهُو آَوج ُب الو ِاجب ِ‬
‫اِكني‪ ،‬وآَع ِمل العا ِل ِمني ِفميا‬
‫يَل تع ِرف ِب ِه ِحْكة آَح ِك الح ِ ِ‬
‫فتأَ ذمل هذا َاْلصل ح ذق التذأَ ُّم ِل‪ ،‬واعت ِب به تف ِاص ُ‬
‫ات والمع ِايص‪».‬‬ ‫فرض ُه عىل ِعبا ِد ِه‪ ،‬وح ذرم ُه عل ِْيم‪ ،‬وتف ُاوت مراتِ ِب ذ‬
‫الطاع ِ‬

‫هنا ذكر ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعال ‪-‬آص ًال عظميً نفع ًا جد ًا يف هذه املسأةل وه تفاوت اَّلنوب وآَنا كبائر‬
‫وصغائر وآن آيض ًا يف الكبائر ما هو آكب الكبائر وآعظمها‬
‫قال رمحه هللا تعال‪ :‬آن هذا لبد فيه من فهم ومعرفة مقصود اخللق اَّلي من آجَل آنزل هللا‪ -‬س بحانه‬
‫ك آُ ذم ٍة ذر ُس ًول آَ ِن اع ُبدُ وا ذاّلل‬
‫وتعال‪ -‬الكتب و آرسل الرسل كام قال جل وعال ‪ {:‬ولقد بعثنا ِيف ُ ِ‬
‫ون } هذا‬‫ُوح الي ِه آَن ذ ُه ل اهلٰ ا ذل آَن فاع ُبدُ ِ‬ ‫الطاغُوت } { وما آَرسلنا ِمن قب ِل ِمن ذر ُسولٍ ا ذل ن ِ‬
‫واجت ِن ُبوا ذ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعظ‬
‫املقصود للخلق هو عبادة هللا وتوحيده ومعرفته س بحانه وتعال و ميه جل يف عاله‬
‫فاهلل خلق اخللق ليعبدوه وليعرفوه آمران هام مقصود اخللق خلقهم ليعبدوه كام قال وما خلق ُت ال ذ‬
‫جِن‬
‫اّلل ذ ِاَّلي خلق س بع َساو ٍات و ِمن َاْلر ِض ِمثله ذُن‬‫ون } وليعرفوه كام قال س بحانه ‪ ( :‬ذ ُ‬ ‫والنس ا ذل ِليع ُبدُ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك َشء عل ًما ) ‪} .‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك َشء قدير وآَ ذن ذاّلل قد آَحاط ِب ِ‬ ‫ِ‬
‫يت ذَن ُل َاْلم ُر بيْنُ ذن لتعل ُموا آَ ذن ذاّلل عىل ِ‬
‫ُ‬
‫خلق لتعلموا واْلول خلق لتعبدوا فالك اْلمرين مقصود للخلق العمل والعمل ‪ ،‬العمل ِبهلل وبعظمته‬
‫وجالهل وآسامئه وصفاته س بحانه وتعال والعمل ِبفراده ِبلعبادة واخالص ادلين هل جل وعال هكذا قول‬
‫اّلل الكعبة البيت الحرام ِقيام ًا ِللنذ ِاس و ذ‬
‫الشهر الحرام والهدي والقالئِد }‪ ,‬مث‬ ‫هللا جل وعال { (جعل ذ ُ‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫قال‪ { :‬ذل لتعلموا } يعين هذا اخللق واجلعل والجياد { ذ ِل ِلتعل ُموا آَ ذن ذاّلل يع ُمل ما ِيف ذ‬
‫السمو ِات وما‬
‫ك َش علمي } { اعل ُموا آَ ذن ذاّلل ش ِديدُ ال ِعق ِاب وآَ ذن ذاّلل غ ُفور ذر ِحمي } فهذا اخللق‬‫ِيف ا َْلر ِض وآَ ذن ذاّلل ِب ُ ِ‬
‫وهذا الجياد مقصوده العمل والعمل‪:‬‬
‫‪ -‬العمل ِبهلل وبعظمته اخلالق الرب العظمي وبأسامئه و صفاته جل يف عاله‬
‫‪ -‬والعمل ِبلتقرب اليه وافراده ‪-‬س بحانه وتعال ‪-‬‬
‫واذا عمل ذل يتبني من خالل ذل آن آعظم اْلمور وآجلها عىل الطالق توحيد هللا وافراده ِبلعبادة‬
‫آعظم اْلمور القيام ِبلغاية اليت خلق املرء ْلجلها ‪,‬وآوجد لتحقيقها هذا آعظم اْلمور وآش نع اْلمور وآظمل‬
‫الظمل املناقضة لهذا املقصود ‪-‬مقصود اخللق ِبلكفر والْشك‪ -‬ولهذا َكن آكب الكبائر‪ :‬الْشك ِبهلل وآظمل‬
‫الظا ِل ُمون‬
‫الظمل الْشك ِبهلل‪ ,‬فالظمل درَكت متفاوتة آشدها الْشك ِبهلل س بحانه وتعال { والَك ِف ُرون ُ ُه ذ‬
‫الْشك ل ُظمل ع ِظمي }‬
‫} { ا ذن ِ‬
‫ِ‬
‫فأظمل الظمل اَّلي هو مناقضة مقصود اخللق اَّلي هو العمل ِبهلل س بحانه و تعال وبعظمته جل وعال وافراده‬
‫وحده ِبلعبادة ولهذا يقول ‪ :‬مفا َكن آشد منافاة لهذا املقصود فهو آكب الكبائر ‪ ،‬ك ما َكن منافي ًا لهذا املقصود‬
‫اَّلي هو توحيد هللا بنوعيه التوحيد العلمي والتوحيد العميل مفا َكن آشد منافاة لهذا املقصود اَّلي هو مقصود‬
‫اخللق فهو آكب الكبائر ومعىن ذل آن اْلمر واض آن اَّلنوب متفاوتة ليست يف درجة واحدة ‪,‬‬
‫‪ -‬هناك كبائر اذا فعلها املرء خرج من املةل‪ :‬الْشك اْلكب والكفر اْلكب والنفاق اْلكب‪..‬‬
‫هذه اذا فعلها خرج من املةل خرج من مةل السالم ملاذا؟ ْلَنا منافية متام ًا ملقصود اخللق‬
‫‪ -‬وهناك كبائر اذا فعلها آثر فعلها عىل اميانه الواجب تأثري ًا عظميً وه آيض ًا متفاوتة وفْيا قال النيب‬
‫ﷺ ‪ ( :‬ل يزين الزاين حني يزين وهو مؤمن‪،‬ول يرسق السارق حني يرسق وهو مؤمن‪،‬ول‬
‫يْشب امخلر حني يْشِبا وهو مؤمن) ْلَنا تتناىف مع كامل الميان الواجب‪,‬‬
‫‪ -‬وهناك ذنوب ه صغائر دون هذه قد قال هللا س بحانه وتعال‪ *:‬ان َتت ِن ُبوا كبائِر ما تُْنون عن ُه‬
‫ِ‬
‫نُك ِفر ع ُنك س ِيئا ِت ُك ون ُد ِخل ُك ُّمدخ ًال كرميا *‬
‫فاحلاصل آن اْلمر يف شأن اَّلنوب آَنا متفاوتة قال‪" :‬وتفاوَتا يف درجاَتا ِبسب منافاَتا هل" آي لهذا‬
‫املقصود اَّلي هو مقصود اخللق ‪ ،‬وما َكن آشد موافقة لهذا املقصود فهو آوجب الواجبات وآفرض‬
‫الفرائض مث حث رمحه هللا عىل اعتبار هذا اْلصل وفهمه وبناء هذه املسأةل عليه‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫الْشكُ ِِب ذ ِّلل ُمنا ِف ًيا ِِب ذَّل ِات ِلهذا المق ُصو ِد َكن َآكب الكبائِ ِر عىل الطال ِق‪ ،‬وح ذرم ذ ُ‬
‫اّلل‬ ‫قال‪ :‬فل ذما َكن ِ‬
‫ِ‬
‫وه ع ِبيدً ا لهُم ل ذما تر ُكوا ال ِقيام‬
‫ْش ٍك‪ ،‬وآَِبح دم ُه وم ُاهل وآَه َُل ِ َْله ِل التذو ِحي ِد‪ ،‬وآَن يتذ ِخ ُذ ُ‬ ‫ك ُم ِ‬ ‫الجنذة عىل ُ ِ‬
‫ْش ٍك َع ًال آَو يقبل ِفي ِه شفاع ًة آَو يس تجِ يب ُهل ِيف اْل ِخر ِة‬ ‫اّلل ُس بحان ُه آَن يقبل ِمن ُم ِ‬ ‫ِب ُع ُبو ِديذتِ ِه‪ ،‬وآَب ذ ُ‬
‫ْشك آَهج ُل الجا ِه ِلني ِِب ذ ِّلل‪ ،‬حي ُث جعل ُهل ِمن خل ِق ِه ِندًّا‪ ،‬وذ ِل غاي ُة‬ ‫دعوةً‪ ،‬آَو ي ُ ِقيل ُهل عثةً‪ ،‬فا ذن ال ُم ِ‬
‫ِ‬
‫الظ ِمل ِمنهُ‪ ،‬وان َكن ال ُم ِ‬
‫ْشكُ لم يظ ِمل رب ذ ُه وان ذما ظمل نفس ُه‪.‬‬ ‫الجه ِل ِب ِه‪َ ،‬ك آَن ذ ُه غاي ُة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعم ‪ ,‬مفا ظلمون وامنا ظمل نفسه‬

‫قال رمحه هللا ‪[ :‬فصل َِشكُ الوساط ِة]‬


‫ْشك ان ذما قصدُ ُه تع ِظ ُمي جن ِاب ذالر ِب تبارك وتعال‪ ،‬وآَن ذ ُه ِلعظم ِت ِه ل ينب ِغي‬ ‫ووقعت مسأَةل و ِه‪ :‬آَ ذن ال ُم ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِب‬ ‫َتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْشكُ لم يقصد الس انة ن ِاب ُّالربُو يذة‪ ،‬وان ذما‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الشفعاء كح ال ُملوك‪ ،‬ف ُ ِ‬‫الِ‬ ‫ِ‬ ‫ادلُّ خُو ُل علي ِه ا ذل ِِبلوسائِطِ و ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصد تع ِظميهُ‪ ،‬وقال‪ :‬ان ذما َآع ُبدُ ه ِذ ِه الوسائِط ِل ُتق ِرب ِين الي ِه وتدُ ل ذ ِين وتُد ِخل ِين علي ِه‪ ،‬فهُو المق ُصو ُد وه ِذ ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجبًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجبًا ل ُسخطه وغض ِبه تبارك وتعال‪ ،‬و ُمخ ًلا ِيف النذ ِار‪ ،‬و ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسائِ ُل و ُشفعا ُء‪ ،‬ف ِمل َكن هذا القد ُر ُم ِ‬
‫ِلسف ِك ِدما ِء آَحصا ِب ِه‪ ،‬واس ِتباح ِة ح ِرميِهِم وآَموا ِلهِم؟‬

‫هذا اليراد اَّلي ذكره هو من آعظم آس باب الوقوع يف الْشك والكفر ِبهلل س بحانه وتعال يف قدمي الزمان‬
‫وحديثه؛ ْلن الش يطان دخل عىل الناس من هذا املدخل وآَنم دعاه ال اختاذ الوسطاء والشفعاء اَّلين هلم‬
‫مَكنة عند هللا س بحانه وتعال ليقربوه من هللا لعظمي مَكنَتم عند هللا فِصفوا هلم من احلقوق والواجبات ما‬
‫ليس ال هلل زعامً مْنم آَنم يفعلون ذل من آجل آن يقرِبم هؤلء ال هللا‪..‬قال هللا س بحانه وتعال‪:‬‬
‫ُض ُه ول ينف ُعهُم وي ُقولُون ه ٰ ُؤل ِء ُشفعا ُؤن ِعند ذ ِۚ ِ‬
‫اّلل قُل آَتُن ِبئُون ذاّلل بِما ل‬ ‫ُون ذ ِ‬
‫اّلل ما ل ي ُ ُّ‬ ‫*"ويع ُبدُ ون ِمن د ِ‬
‫ُْش ُكون"*‬
‫السماو ِات ول ِيف َاْلر ِِۚض ُس بحان ُه وتع ٰال ذَعا ي ِ‬
‫يع ُمل ِيف ذ‬
‫وقال تعال عن املْشكني ‪":‬ما نع ُبدُ ُه ا ذل ِل ُيق ِربُون ال ذ ِ‬
‫اّلل ُزلف ٰى"‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َش ٍء ق ِدير " فهذا الاختاذ‬ ‫" آَ ِم ذاخت ُذوا ِمن ُدوِن ِه آَو ِلياء ف ذ ُ‬
‫اّلل هُو الو ِ ُِّل وهُو ُُي ِِي المو َٰت وهُو ع ٰىل ُ ِ‬
‫للولياء واْلنداد ُّاختذ بزمع هؤلء واُياء من الش يطان الرجمي آن ذل من آجل آن ِ‬
‫تقرب هذه اْلنداد‬
‫املتذخذة متذخذهيا من هللا س بحانه وتعال زلفى آي درجة ومَكنة فهذا مدخل من مداخل ذ‬
‫الش يطان وقال هلم‬
‫آنذك ِبذا العمل تعظمون هللا وآوقعهم يف هذا اْلمر من هجة القياس الفاسد اَّلي هو من آفسد القياس قياس‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫هللا تبارك وتعال تَنه مبلوك اْلرض‪ ,‬قالوا كام آن ملوك اْلرض ل يدخل علْيم ال من خالل الشفعاء وآهل‬
‫اجلاه واملَكنة عنده فكذل هللا ‪ ،‬تعال هللا عام يقولون ل ميكن آن تدخلوا عليه ال من خالل هؤلء فِصفوا‬
‫لهؤلء حقوق هللا من اَّلل واخلشوع وادلعاء والرجاء والحلاح والاس تغاثة فعبدوه مع هللا واختذوه آنداد‬
‫من دون هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪ -‬مفن هذه اجلهة آوقعهم الش يطان يف الْشك ِبجة ماذا؟ ‪ -‬آَنم يعظمون هللا‬
‫وْلجل هذا قال بعض السلف ولعَل عبد هللا بن املبارك قال ‪ ":‬وهل هل من هل ال من هجة التعظمي "‬
‫‪ -‬يعين التعظمي الباطل‪ ,‬التعظمي اَّلي ل يكون عىل بصرية حىت قال عبد هللا بن املبارك يف ُكمته هذه‪ :‬قال‬
‫بعضهم‪ ،‬هللا آعظم من آن نعبده" يعين مقامه آعظم من ذل انظروا كيف يتالعب الش يطان ِبم ويدخلهم‬
‫يف الباطل من خالل اْلمور اليت ه آعظم ما يكون يف اَّلل هلل‬
‫اذا َكن هللا‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬هو العظمي اَّلي ل آعظم منه‪ ،‬الكبري اَّلي ل آكب منه‪ ،‬فالعبودية هل‪،‬‬
‫اَّلل هل‪ ،‬اخلضوع هل‪ -‬س بحانه وتعال‪ .-‬آ ذما آن يقلب اْلمر فيقال العظمي ل تكون العبودية هل هو آعظم‬
‫من ذل هذا غاية السفه والضالل‪ -‬والعياذ ِبهلل‪-‬‬
‫احلاصل آن هذا من آعظم مداخل الش يطان عىل هؤلء وهذه املسأةل جيد فْيا طالب العمل تفصي ًال‬
‫نفع ًا مفيد ًا للغاية يف كتاب املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ -‬اْلخر "اغاثة اللهفان من مصائد الش يطان" فانه فصل‬
‫فيه تفصي ًال واسع ًا جدا كيف دخل عىل آقوام وخلق من الناس بأن آوقعهم يف الْشك من خالل هذه‬
‫املداخل‪.‬‬

‫اّلل ُس بحان ُه ِل ِعبا ِد ِه التذق ُّرب‬


‫قال رمحه هللا ‪ :‬وترت ذب عىل هذا ُسؤال آخ ُر‪ ،‬وهُو آَن ذ ُه هل ُجي ُوز آَن يْشع ذ ُ‬
‫الي ِه ِِب ُّلشفعا ِء والوسائِطِ‬
‫ِ‬
‫هذا السؤال الفاسد مبين عىل اْلول مبين عىل الفهم الس ئي املتقدم اَّلي هو من آعظم آس باب وقوع‬
‫الْشك‪.‬‬

‫الْشعِ‪ ،‬آَم ذ ِل قبِيح ِيف ال ِفط ِر وال ُع ُقولِ ‪ ،‬يمتنِ ُع آَن تأْ ِيت ِب ِه ِ‬
‫َشيعة؟‬ ‫‪ ،‬في ُكون َت ِر ُمي هذا ان ذما اس ُت ِفيد ِمن ذ‬
‫ِ‬
‫ِيح؟ وما الرس ِيف‬ ‫ٍ‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ُو‬
‫ه‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬
‫اَّل‬ ‫ِ‬
‫ه‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ولِ‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ال‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ي‬
‫ر‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫الْشائِ ُع بِت‬
‫بل جاء ِت ذ‬
‫ُوب؟ َك قال تعال‪{ :‬ا ذن ذاّلل ل يغ ِف ُر آَن ي ُْشك ِب ِه ويغ ِف ُر ما دُون ذ ِل‬ ‫ُون سائِ ِر ا َُّّلن ِ‬ ‫كوِن ِه ل يغ ِف ُر ُه ِمن د ِ‬
‫ِ‬
‫ِلمن يشا ُء} [ ُسور ُة ِالنسا ِء‪]48 :‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫السؤال‪ ،‬وامجع قلبك و ِذهنك عىل جوا ِب ِه ول تس َت ِونهُ‪ ،‬فا ذن ِب ِه ُي ُص ُل الفر ُق بني ال ُم ِ‬
‫ْش ِكني‬ ‫فتأَ ذمل هذا ُّ‬
‫ِ‬
‫وال ُمو ِح ِدين‪ ،‬والعا ِل ِمني ِِب ذ ِّلل والجا ِه ِلني ِب ِه‪ ،‬وآَه ِل الجنذ ِة وآَه ِل النذ ِار‪.‬‬
‫فن ُقو ُل‪ ،‬و ِِب ذ ِّلل التذو ِف ُيق والتذأْيِيدُ ‪ ،‬و ِمن ُه نس ت ِم ُّد الم ُعونة والتذس ِديد‪ ،‬فان ذ ُه من هي ِد ِه ذ ُ‬
‫اّلل فال ُم ِض ذل هلُ‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬
‫يُض ِلل فال ها ِدي هلُ‪ ،‬ول ما ِنع ِلما آَعطى ول ُمع ِطي ِلما منع‪.‬‬
‫الْشكُ َِشَك ِن‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪َِ -‬شك يتعل ذ ُق بِذ ِات المع ُبو ِد وآََسائِ ِه و ِصفا ِت ِه وآَفع ِ ِاهل‪.‬‬
‫‪-‬و َِشك ِيف ِعباد ِت ِه و ُمعامل ِت ِه‪ ،‬وان َكن صا ِح ُب ُه يعت ِقدُ آَن ذ ُه ُس بحان ُه ل ِ‬
‫َشيك ُهل ِيف ذاتِ ِه‪ ،‬ول ِيف ِصفاتِ ِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫ول ِيف آَفع ِ ِاهل‪.‬‬
‫الْشكُ َاْل ذو ُل نوع ِان‪:‬‬
‫و ِ‬
‫الْش ِك‪ ،‬ك ِْش ِك ِفرعون اذ قال‪{ :‬وما ر ُّب العال ِمني} [ ُسور ُة‬ ‫التذع ِط ِ‬
‫يل‪ :‬وهُو آَقب ُح آَنواعِ ِ‬ ‫آَحدُ ُُها‪َِ :‬شكُ‬
‫ِ‬
‫الشُّ عرا ِء‪. ]23 :‬‬

‫وقال تعال ُمخ ِ ًبا عن ُه آَن ذ ُه قال ِلهامان‪{ :‬وقال ِفرعو ُن يهام ُان اب ِن ِِل َص ًحا لع ِيل آَبلُ ُغ َاْلس باب ‪ -‬آَس باب‬
‫السماو ِات فأَ ذط ِلع ال ا ِهل ُموس وا ِين َْل ُظنُّ ُه َك ِذ ًِب} [ ُسور ُة غا ِف ٍر‪ ]37 - 36 :‬ف ِ‬
‫الْشكُ والتذع ِطي ُل ُمتال ِزم ِان‪:‬‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْشكُ ُم ِق ًّرا‬ ‫ون ال ُم ِ‬‫يل‪ ،‬بل ي ُك ُ‬ ‫الْشك ل يس تل ِز ُم آَصل التذع ِط ِ‬ ‫ْشك‪ ،‬ل ِك ذن ِ‬ ‫ْش ٍك ُمع ِطل و ُ ُّ‬
‫ك ُمع ِط ٍل ُم ِ‬ ‫ك ُم ِ‬ ‫ف ُ ُّ‬
‫ِِبلخا ِل ِق ُس بحان ُه و ِصفا ِت ِه‪ ،‬ول ِكن ذ ُه ُمع ِطل ح ذق التذو ِحي ِد‪.‬‬
‫الْش ِك وقا ِعدتُ ُه ال ذ ِيت ير ِج ُع الْيا‪ ،‬هُو التذع ِطي ُل‪ ،‬وهُو ثالث ُة آَقسا ٍم‪:‬‬
‫وآَص ُل ِ‬
‫ِ‬
‫‪-‬تع ِطي ُل المصنُوعِ عن صا ِن ِع ِه وخا ِل ِق ِه‪.‬‬
‫يل آََسائِ ِه و ِصفاتِ ِه وآَفع ِ ِاهل‪.‬‬
‫الصا ِنع ِ ُس بحان ُه عن َك ِ ِهل ال ُمقد ِذس‪ ،‬بِتع ِط ِ‬
‫‪-‬وتع ِطي ُل ذ‬
‫‪-‬وتع ِطي ُل ُمعامل ِت ِه ذَعا جي ُِب عىل العب ِد ِمن ح ِقيق ِة التذو ِحي ِد‪.‬‬
‫و ِمن هذا َِشكُ طائِف ِة آَه ِل وحد ِة ال ُو ُجو ِد ذ ِاَّلين ي ُقولُون‪ :‬ما ذمث خا ِلق ومخلُوق ول هاهُنا شيئ ِان‪ ،‬ب ِل‬
‫الح ُّق ال ُم ذَن ُه هُو ع ُني الخل ِق ال ُمش ذب ِه‪ .‬و ِمن ُه َِشكُ المال ِحد ِة القائِ ِلني ِب ِقد ِم العال ِم وآَب ِديذتِ ِه‪ ،‬وآَن ذ ُه لم ي ُكن‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫ْسها ُمست ِندة ِعند ُه ال آَس ب ٍاب ووسائِط اقتضت‬ ‫معدُ و ًما آَص ًال‪ ،‬بل لم يزل ول يزا ُل‪ ،‬والحوا ِد ُث ِبأَ ِ‬
‫ِ‬
‫اجيادها‪ ،‬وي ُس ُّموَنا ِِبل ُع ُقولِ والنُّ ُف ِوس‪ .‬و ِمن هذا َِشكُ من ع ذطل آََساء ذالر ِب تعال وآَوصاف ُه وآَفع ُاهل منِ‬
‫ِ‬
‫اَسا ول ِصف ًة‪ ،‬بل جعلُوا المخلُوق َآِكل ِمنهُ‪ ،‬اذ َك ُل ا ذَّل ِات‬‫ً‬ ‫ُ‬
‫هل‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ت‬‫ب‬‫ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫مل‬‫ف‬ ‫‪،‬‬‫ة‬‫ِ‬ ‫ط‬‫م‬‫ِ‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫ق‬‫ال‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ذ‬ ‫ي‬‫م‬‫ِ‬ ‫ه‬‫ج‬ ‫ال‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ال‬‫ُ‬ ‫غ‬
‫ِ‬
‫ِبأََساِئِ ا و ِصفاَتِ ا‪.‬‬

‫هنا َشع املصنف ‪-‬رمحه هللا تعال‪ -‬يف تفصيل نفع جد ًا يف بيان الْشك اَّلي هو آظمل الظمل وآكب‬
‫خطرا ‪,‬وما من شك آن معرفة املسمل للْشك وآنواعه من آجل آن يتقيه وآن ُيذر من‬ ‫الكبائر وآعظمها ً‬
‫الوقوع فيه يف آي نوع من آنواعه من آه املطالب فان اتقاء الش يء واجتنابه فرع عن العمل به اذ كيف‬
‫يتقي من ل يدري ما يتقي؟ ‪ -‬كيف يتقي الْشك من ل يعرفه؟‪-‬‬
‫ولهــذا ينبغي عىل النسان آن يكون عىل معرفة ِبلْشك من آجل آن يتقي الْشك وآن ُيذر من الوقوع‬
‫فيه ‪,‬وخباصة آن مثة آمئة مضلني ‪ -‬دعاة للباطل والضالل‪ -‬يزينون الباطل ‪,‬ودخلوا عىل كثري من العوام‬
‫واجلهال فلبسوا علْيم ديْنم‪ ,‬وآوقعوه يف صور من الْشك ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعال ‪-‬وآوقعوه آيض ًا يف‬
‫صور من التعطيل هلل ‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬مس تغلني هجل العوام ‪,‬وعدم معرفَتم ِبلْشك وعدم معرفَتم‬
‫ِبلتعطيل ‪,‬ولهذا َكن من آوجب الواجبات وآُهها آن يكون املرء عىل معرفة ِبذه اْلمور من آجل آن‬
‫يتقْيا وآن ُيذر من الوقوع فْيا ول يعين ذل آن تكون املعرفة تفصيلية واسعة كام هو الشأن يف مقام‬
‫آهل العمل وامنا آن يكون عنده من املعرفة ما يتحقق ِبا اتقاء هذه اْلمور واجتناِبا حىت تس تبني هل‬
‫سبيل الباطل فيكون عىل حذر مْنا‪( :‬وكذ ِل ن ُف ِص ُل اْلي ِت و ِلتس ت ِبني سبِي ُل ال ُمج ِر ِمني )‬
‫آي من آجل آن تتقى وآن ُيذر من الوقوع فْيا اذ ان من مل تس تنب هل سبيلهم رمبا وقع يف ما وقعوا فيه‬
‫آو يف بعض ما وقعوا فيه ‪.‬‬
‫قد َكن حذيفة بن المين ‪-‬ريض هللا عنه‪ -‬يقول‪َ :‬كن آحصاب رسول هللا صىل هللا وسمل عليه يسألونه‬
‫عن اخلي ر وكنت آسأهل عن الْش خمافة آن يدركين ‪.‬‬
‫احلاصل آن املصنف‪ -‬رمحه هللا تعال ‪َ-‬شع من هذا املوطن يف بيان الْشك وآنواعه فذكر آو ًل ‪-‬رمحه‬
‫هللا‪ -‬آن الْشك َشَكن اذا َكن التوحـيـد توحيدان ‪ - :‬علمي وَعيل‬
‫فضده اَّلي هو الْشك ‪َ :‬شَكن علمي وَعيل‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫آشار ‪-‬رمحه هللا‪ -‬ال الْشك العلمي اَّلي يتعلق ِبانب العمل بقوهل‪َ :‬شك يتعلق بذات املعبود وآسامئه‬
‫وصفاته وآفعاهل ‪,‬هذا النوع يقال هل‪ :‬الْشك العلمي املتعلق ِبانب العمل وعرفنا آن هذا اجلانب اَّلي هو‬
‫جانب العمل (مقصود للخلق) ‪ -‬غاية ُخ ِلق اخللق ْلجلها آن يعرفوا هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪ -‬بأسامئه وصفاته‬
‫وعظمته وجالهل‪ ,‬وآنه الفعال ملا يريد وآنه العلمي بك َشء وآنه القدير عىل ك َشء‬
‫﴿ ِلتعل ُموا آَ ذن اللذـه ع ٰىل ُ ِ‬
‫ك َش ٍء ق ِدير وآَ ذن اللذـه قد آَحاط ِب ُ ِ‬
‫ك َش ٍء ِعل ًما ﴾[ الطالق‪]١٢ :‬‬

‫هذا مقصود للخلق فهذا املقصود للخلق نوع من التوحيد يقال هل التوحيد العلمي ضده َشك يف هذا اجلانب‬
‫جانب العمل مفث ًال يف ِبب ربوبية هللا ‪-‬س بحانه وتعال ‪-‬من حجد شيئ ًا من خصائص الرب يف ربوبيته آو من‬
‫آضاف َشء من خصائص الرب يف ربوبيته ال غريه ‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬آو من حجد شيئًا من آسامئه وصفاته‬
‫آو من ش بذه هللا ‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬بيشء من خملوقاته هذا ُكه مناقض لهذا التوحيد ِ‬
‫مناف هل قادح فيه‪.‬‬
‫فالتوحيد العلمي يضاده الْشك العلمي والْشك العلمي‪ :‬هو اَّلي قال عنه املصنفون َشك (يتعلق بذات‬
‫املعبود وآسامئه وصفاته وآفعاهل) ‪ ,‬اذ من توحيدن لربنا س بحانه وتعال آن نؤمن بأسامئه وآن نؤمن بصفاته وآن‬
‫نؤمن بأفعاهل وآن نثبت ذل هل‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬عىل الوجه الالئق ِبالهل وكامهل وعظمته ‪ -‬س بحانه وتعال‪-‬‬
‫مفا َكن عىل خالف ذل فهو مناقض لهذا التوحيد قادح فيه ُمبطل هل‬
‫والنوع الثاين من الْشك يتعلق (ِبجلانب العميل) اَّلي دل عليه قول هللا س بحانه وتعال وما خلق ُت ال ذ‬
‫جِن‬
‫والنس ا ذل ِليع ُبدُ ِ‬
‫ون " فاهلل خلق اخللق ليعرفوه‪ ,‬وخلقهم ليعبدوه‬
‫ِ ِ‬
‫اْلول علمي والثاين َعيل‬
‫فالنوع الثاين من آنواع الْشك (الْشك اَّلي يتعلق ِبجلانب العميل )وهو اَّلي عب عنه املصنف هنا‬
‫بقوهل ‪ (:‬وَشك يف عبادته ومعاملته )‬
‫من يْشك يف عبادة هللا هل يلزم من وجود هذا الْشك فيه آن يكون جاحدً ا للنوع اْلول من الْشك ؟ ‪ -‬ل‬
‫يلزم‪ ..‬قد يكون يعرف آن اخلالق هللا الرازق هللا املدبر هللا يعرف ذل لكنه دخلت عليه ش هبة الضالل‬
‫اليت مر معنا مثال علْيا فوقع يف الْشك ِبهلل س بحانه وتعال مع علمه بتفرد هللا ِبخللق والرزق " ول ِئ‬
‫سأَلَتُم ذمن خلقهُم لي ُقولُ ذن ذ ُ‬
‫اّلل "‬
‫السماو ِات و َاْلرض لي ُقولُ ذن خلقه ذُن الع ِز ُيز الع ِل ُمي "‬
‫" ول ِئ سأَلَتُم من خلق ذ‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫يقرون بذل " قُل ِلم ِن َاْلر ُض ومن ِفْيا ان ُكن ُت تعل ُمون ‪ -‬س ي ُقولُون ِ ذ ِّلل *‬
‫ِ‬
‫السماو ِات ذ‬
‫الس بع ِ ور ُّب العر ِش الع ِظ ِمي س يقولون هلل"**‬ ‫" قُل من ذر ُّب ذ‬
‫ك َش ٍء وهُو ُجي ُِري ول ُجي ُار علي ِه ان ُك ُنت تعل ُمون س ي ُقولُون ِ ذ ِّلل " يقرون ِبذا النوع‬ ‫وت ُ ِ‬‫قُل من بِي ِد ِه مل ُك ُ‬
‫ِ‬
‫اَّلي هو العلمي يقرون به؛ لكْنم اختذوا مع هللا اْلنداد والْشَكء من آجل آن تقرِبم ال هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعال‪-‬‬
‫ولهذا ينبغي آن نعمل آن التوحيد العلمي يس تلزم العميل ‪:‬مبعىن آن من عرف تفرد هللا ِبخللق والرزق والجياد‬
‫والنعام والتدبري ل َشيك هل يف َشء من ذل جيب آن يفرده ِبلعبادة وآن نعمل آيضً ا آن التوحيد العميل‬
‫متضمن للتوحيد العلمي مبعىن آن من وحد هللا وآفرده ِبلعبادة وآخلص ادلين هل فهذا فرع عن معرفته ِبهلل ‪-‬‬
‫س بحانه وتعال‪،-‬فرع عن معرفته ِبهلل وعظمته وآسامئه وآنه املس تحق ْلن يُعبد فأفرده جل وعال ِبلعبادة ‪.‬‬
‫يقول املصنف عن النوع الثاين قال‪ :‬وان َكن صاحبه يعتقد آنه س بحانه ل َشيك هل يف ذاته ول يف صفاته‬
‫ول يف آفعاهل‬
‫النوع الثاين اَّلي هو العميل‪ :‬قد يكون من يقع فيه يعرف بأن هللا ‪ -‬س بحانه وتعال ‪-‬ل َشيك هل ولهذا‬
‫املْشك اَّلي يعبد غري هللا يعبد صمنً آو غري ذل ‪ ...‬اذا س ئل هل يقر ِبهلل خالق ًا ر ًِب ُمتِصف ًا يف هذا‬
‫الكون يُقر بذل لكنه اختذ هذه اْلنداد من آجل بزَعه آن تُقربه ال هذا الرب العظمي امل ُتفرد ِبخللق والرزق‬
‫ال آخره ‪,‬ولهذا ماذا َكن يقول املْشكون عبدة اْلصنام يف تلبيَتم َكنوا ُيجون البيت مفاذا َكنوا يقولون يف‬
‫تلبيَتم ؟‬
‫يقولون‪ " :‬لبيك ل َشيك ل ال َشيَكً هو ل متلكه وما مل"‬
‫آنت املل وهذا ل ميل يُقرون ِبذا‪ ،‬ولهذا هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪ -‬قال﴿وما يُؤ ِم ُن َآ ُ‬
‫كث ُه ِِب ذ ِّلل ال و ُه‬
‫ِ‬
‫ُم ِ‬
‫ْشكون﴾ [ يوسف ‪]106 -‬‬

‫ومعىن ﴿ وما يُؤ ِم ُن َآ ُ‬


‫كث ُه ِِب ذ ِّلل ﴾‪ ،‬آي ماذا؟ ر ًِب خالق ًا رازق ًا ُمدبر ًا‬
‫ْشكون﴾‪ ،‬آي معه غريه يف العبادة‪ ﴿ ،‬ال و ُه ُم ِ‬
‫ْشكون﴾‪ ،‬آي معه غريه يف العبادة ِبختاذ اْلنداد‬ ‫﴿ ال و ُه ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والْشَكء مع هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪-‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ : -‬والْشك اْلول اَّلي هو الْشك العلمي املتعلق ِبانب العمل نوعان ‪:‬‬
‫آحدهام ‪َ :‬شك التعطيل‪ ،‬التعطيل ما هو ؟‬
‫التعطيل‪ :‬هو اجلحد النفي‪ ،‬رب العاملني يُثبت لنفسه مث ًال آسامء وصفات وخصائص فاملعطل جيحدها فيه‪،‬‬
‫ينفْيا‪ ،‬ل يثبَتا هلل ‪-‬س بحانه وتعال‪-‬‬
‫فالتعطيل‪ :‬النفي الَتك‪{ ،‬و ِب ٍرئ ُمع ذط ٍةل} آي مَتوكة‪ ،‬ويقولون ِجيد معطل من احلُيل آي ل ُحيل فيه‪،‬‬
‫فاحلاصل آن التعطيل هو اجلحد النفي‬
‫فالْشك اْلول اَّلي هو املتعلق مبعرفة هللا بأسامئه وصفاته‪ ،‬واثباَتا هلل ‪-‬عز وجل‪ -‬نوعان ‪:‬‬
‫آحدهام ‪َ :‬شك التعطيل ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬وهو آقبح آنواع الْشك‪ ،‬وهو آيض ًا درجات كْشك فرعون اذ قال ‪﴿ :‬وما ر ُّب العالمني﴾‪ ،‬هذا‬
‫حجد هذا تعطيل‪{ ،‬وما ر ُّب العالمني﴾‪ ،‬جاحد ﴿وجحدوا ِبِ ا واستيقنَتا آَن ُف ُسهُم ُظل ًما وعُلُ ًّوا﴾ [ المنل ‪-‬‬
‫رض بصائِر ﴾ [ الْساء ‪-‬‬ ‫السامو ِات وا َْل ِ‬ ‫‪, ]27:14‬قال موس لفرعون ﴿قال لقد ع ِلمت ما آَنزل ه ُؤل ِء ِال ر ُّب ذ‬
‫‪ ،]102‬يعين يف قرارة نفسك تعمل‪ ،‬لكنه يف ظاهر القول اَّلي يُظهره للناس جاحد ُمعطل﴿وجحدوا ِبِ ا‬
‫واستيقنَتا آَن ُف ُسهُم ُظل ًما وعُلُ ًّوا}‪ ،‬فهذا النوع من التعطيل تعطيل اجلحد ‪,‬ولهذا ملا آخب موس فرعون ومن‬
‫معه آن رب العاملني يف السامء مس ت ٍو عىل عرشه اس تواء يليق ِبالهل طلب فرعون من وزيره هامان بزَعه‬
‫آن يبين هل َصح ًا عالي ًا رفيع ًا قال ‪ { :‬لع ِيل آَ ذط ِلع ال ا ِهل موس واين َْل ُظنُّ ُه َك ِذ ًِب} فمي يدعي بوجود الرب‪,‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وهذا ي ُسمى َشك التعطيل ‪:‬اَّلي هو اجلحد والنفي ‪.‬‬
‫والْشك والتعطيل ُمتالزمان‪ ،‬فك مْشك ُمعطل وك ُمعطل مْشك‪ ،‬آي ك من التعطيل والْشك‬
‫مس تلزم للخر مبعىن آن‪ :‬اذا ُو ِجد التعطيل ُو ِجد الْشك واذا ُوجد الْشك ُو ِجد التعطيل‬
‫قال‪ :‬لكن الْشك ل يس تلزم آصل التعطيل‪ ،‬بل قد يكون مْشك مقر ِبخلالق س بحانه؛ فالْشك ل‬
‫يس تلزم آصل التعطيل‪ْ :‬لن من املْشكني من يقر بأن اخلالق هو هللا الرازق هو هللا الرب هو هللا ل‬
‫يعطل هذا مثل ما َكن فرعون يعطل ل يعطل ذل بل يقر ِبذا لكنه يعبد مع هللا غريه‪.‬‬
‫لكن هل هذا املْشك عنده تعطيل آو ليس عنده تعطيل؟ هو ل جيحد مثل ما قال ابن القمي ‪-‬رمحه‬
‫هللا‪ -‬ل يس تلزم آصل التعطيل لكن هل عنده نوع تعطيل آو ليس عنده؟‬
‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫‪ -‬بىل‪ ،‬عنده نوع تعطيل‪ ،‬قال‪( :‬ولكنه عطل حق التوحيد)‬


‫فاذن املْشك معطل؛ ْلن حق هللا ‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬آن يفرد وحده ِبلعبادة‪ ،‬آن ُُيلص ادلين هل ‪-‬‬
‫س بحانه وتعال‪ -‬فاذا ُاختذ معه الْشيك فباختاذ الْشيك ُوجد تعطيل هذا احلق هلل ‪-‬س بحانه وتعال‪-‬‬
‫عندما ُ ِاختذ مع هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪ -‬الْشَكء‪.‬‬
‫فاذن ك مْشك معطل؛ اذا ُو ِجد الْشك لبد آن يكون هناك تعطيل وك معطل آيض ًا مْشك ‪-‬كام‬
‫س بق البيان‪.‬‬
‫قال‪( :‬وآصل الْشك وقاعدته اليت يرجع الْيا هو التعطيل) ‪ :‬وهذا دخل منه املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ -‬لبيان‬
‫آن التعطيل ثالثة آنواع‪:‬‬
‫اْلول‪ :‬تعطيل املصنوع عن خالقه وصانعه؛ وهذا اَّلي هو عدم اثبات تفرد هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪ ,‬جل‬
‫وعال‪ِ -‬بخللق والرزق والتدبري واضافة َشء من ذل لغري هللا ‪ -‬س بحانه وتعال ‪.-‬‬
‫والثاين‪ :‬تعطيل الصانع ‪-‬س بحانه‪ -‬عن كامهل املقدس بتعطيل آسامئه وصفاته وآوصافه وآفعاهل مفن نفى شيئ ًا‬
‫من خصائص الرب يف ربوبيته‪ ،‬من نفى شيئ ًا من آسامئه‪ ،‬من نفى شيئ ًا من صفاته‪ ،‬من حجد شيئ ًا من‬
‫آفعال الرب ‪ -‬س بحانه وتعال‪ -‬فهو معطل جاحد؛ فهذا النوع تعطيل للرب عن كامهل املقدس ِبحد َشء‬
‫من آسامئه آو َشء من صفاته‪ ،‬آو َشء من آفعاهل ‪ -‬س بحانه وتعال‪.-‬‬
‫الثالث‪ :‬تعطيل معاملته عام جيب عىل العبد من حقيقة التوحيد اَّلي هو افراد هللا ‪-‬س بحانه وتعال‪-‬‬
‫ِبلعبادة واخالص ادلين هل‪ ،‬وقد تقدم معنا آن اَّلي يعبد مع هللا غريه من يتخذ اْلنداد والْشَكء مع هللا‬
‫هو معطل ْلنه عطل حق هللا جل وعال اَّلي هو وجوب افراده ِبلعبادة حىت وان َكن يقر بربوبيته‬
‫ويقر بأسامئه وصفاته هو معطل من هذه اجلهة‪.‬‬
‫مث ذكر َشك آهل وحدة الوجود‪ ،‬وهو من آقبح الْشك وآش نعه وآهل وحدة الوجود ‪-‬تعال هللا س بحانه‬
‫وتعال َعا يقولون‪ ,‬س بحان هللا َعا يصفون‪ ،‬يقولون‪ :‬ما مث خالق وخملوق ول هنا شيئان رب وعبد بل‬
‫يقولون مثل ما عب وهذا منقول عْنم ‪-‬هذا اللفظ اَّلي ذكر هو منقول عْنم ‪-‬يف كتهبم بل احلق املَنه‬
‫هو عني اخللق املش به اخللق املَنه اَّلي هو الرب هو عني املش به‪ :‬آي اَّلي هو العبد فعنده ‪-‬تعال‬
‫عام يقولون‪ -‬الرب عبد والعبد رب‪ ,‬ما مث شيئان فهذا من آعظم الحلاد وآش نع الكفر ويَتتب عىل هذا‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫من الفساد العريض واخللل يف العبودية ويف السلوك ويف التقرب ال هللا‪ -‬س بحانه وتعال‪-‬وآيضً ا يف‬
‫حقوق هللا ِِبعلها لغريه‪ -‬س بحانه وتعال‪-‬‬
‫ولهذا فان آحصاب هذا القول من آضل اخللق وآفسده وآبعده عن هللا وعن َشعه احلكمي وعن احلق‬
‫اَّلي آرسل هللا به رسَل وآنزل به هللا تعال كتبه ‪,‬‬
‫‪ -‬ومنه َشك املالحدة القائلني ب ِقدم العامل وآبديته وآنه مل يكن معدوم ًا آص ًال {هل آَ َٰت عىل النس ِان‬
‫ِ‬
‫ِحني ِمن ادلذه ِر لم ي ُكن شيئًا ذمذ ُك ً‬
‫ورا} [الانسان ‪]1 :‬‬

‫هذا عنده ليس كذل فمل يكن هذا العامل معدوم ًا آص ًال بل مل يزل ول يزال واحلوادث بأْسها مستندة‬
‫عنده ال آس باب ووسائط اقتضت اجيادها يسموَنا ِبلعقول والنفوس وهؤلء الفالسفة الضالل هذه‬
‫عقيدَتم يف هذا العامل وهذا يتضمن ما س بق تعطيل املصنوع عن صانعه واخمللوق عن خالقه ‪-‬س بحانه‬
‫وتعال –‬
‫ومن هذا َشك من عطل آسامء الرب تعال وآوصافه وآفعاهل من غُالة اجلهمية والقرامطة فمل‬ ‫‪-‬‬
‫يثبتوا هل اسامً ول صفة ‪ -‬تعال هللا س بحانه وتعال عام يقولون‪ -‬بل جعلوا اخمللوق آِكل منه ْلن عقيدة‬
‫اجلهمية يف هللا ‪,‬اجلحد ْلسامئه وصفاته ‪.‬‬
‫وحاصل قول اجلهمية آن ما يذكرونه صفة هلل هو صفة العدم ْلَنم جيحدون ل َسيع ول بصري ول علمي‬
‫ال آخره جيحدون ‪ ,‬آحد السلف آراد آن يُضب مث ًال يوض فيه قبح عقيدة اجلهمية قال‪:‬‬
‫مثلهم مثل رجل قال يف دارن خنةل قيل لها جذع؟ قال‪ :‬ل‪،‬قيل لها عروق يف اْلرض؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قال لها جريد وغصون؟ قال‪ :‬ل‪،‬ذكرت هل صفات النخةل فك ذل ينفْيا فقيل هل ما يف دارمك خنةل هؤلء‬
‫اجلهمية يقولون لنا رب مث جيحدون ك صفاته ولهذا قال السلف رمحهم هللا قدميًا‪:‬‬

‫ولو قيل لقائل صف العدم بصفة بليغة؟ مل جيد آبلغ مما يصف به اجلهمية رِبم ‪-‬تعال هللا س بحانه‬
‫وتعال ‪ -‬ل يثبتون هل اسامً ول يثبتون هل صفة وهذا من آعظم اجلحد والتعطيل لصفات الرب ‪ -‬س بحانه‬
‫وتعال‪ -‬بل جعلوا اخمللوق آِكل منه اذ كامل اَّلات بأسامِئا وصفاَتا فاذا جحدت اْلسامء و ُجحدت‬
‫الصفات فهذا حجد لذلات وتعطيل لها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الرابع و الثالثون‬

‫قال رمحه هللا‪ :‬فصل النوع الثاين‪َ :‬شك من جعل معه الهًا آخر‬

‫هذا الفصل يؤجل وآنبه ال آن ادلرس اَّلي هو بعد الفجر اعتبار ًا من يوم غ ٍد اْلربعاء يتوقف من بعد‬
‫الفجر وينتقل ِبذن هللا س بحانه وتعال ال ما قبل صالة العشاء يف الساعة الثامنة وعْشين دقيقة متام ًا‬
‫وِبذه املناس بة آسأل هللا الكرمي بأسامئه وصفاته وبأنه هللا اَّلي ل اهل ال هو آن يغمننا آمجعني العْش‬
‫املبارَكت وآن يغمننا ليةل القدر خريها وبركَتا‪,‬وآن يعيننا يف هذه العْش املباركة ويف ك وقت عىل ذكره‬
‫وشكره وحسن عبادته نسأل هللا جل وعال آن يصلح لنا آمجعني ديننا اَّلي هو عصمة آمرن وآن‬
‫يصلح لنا دنيان اليت فْيا معاش نا وآن يصلح لنا آخرتنا اليت فْيا معادن وآن جيعل احلياة لنا زيدة يف ك‬
‫خري واملوت راحة لنا من ك َش‪,‬اللهم اغفر لنا ولوادلينا وملشاُينا وولة آمرن وللمسلمني واملسلامت‬
‫واملؤمنني واملؤمنات اْلحياء مْنم واْلموات ‪,‬اللهم اقسم لنا من خشيتك ماُيول بيننا وبني معاصيك ومن‬
‫طاعتك ماتبلغنا به جنتك ومن اليقني ماَتون به علينا مصائب ادلنيا ‪,‬اللهم متعنا بأسامعنا وآبصارن‬
‫وقوتنا ما آحييتنا واجعَل الوارث منا واجعل ثأرن عىل من ظلمنا وانِصن عىل من عادان ول َتعل‬
‫مصيبتنا يف ديننا ولَتعل ادلنيا آكب ُهنا ول مبلغ علمنا‪...‬‬

‫اضغط عىل الرابط لالشَتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني‬
‫قال العالمة ابن القمي اجلوزية رمحه هللا وغفر هل ولش يخنا ووادليه وللمسلمني‬

‫اَّلل الَهًا آخ ََر]‬ ‫ِشكُ َم ْن َج َع َل َم َع ه ر‬ ‫قال رمحه هللا تعاىل [فَ ْص ٌل ر ْ‬


‫ِ‬
‫ِش رك النه َص َارى ه راّل َين‬ ‫ِشكُ َم ْن َج َع َل َم َع ُه الَهًا آخ ََر‪َ ،‬ول َ ْم يُ َع رط ْل آَ ْ َْس َاء ُه َو رصفَاتر ره َو ُربُو ربيهتَهُ‪َ ،‬ك ر ْ‬ ‫النه ْو ُع الث رهان‪ :‬ر ْ‬
‫ْ ِ‬
‫َج َعلُو ُه اثلث ثَ َالثَ ًة‪ ،‬فَ َج َعلُوا ال َم رس َيح الَهًا‪َ ،‬وآُ هم ُه الَهًا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الِش ا َىل ا ُّلظلْ َم رة‪.‬‬ ‫ِشكُ الْ َم ُج روس الْقَائر رل َني رِب ْس نَا رد َح َوا رد رث الْخ ْ رَْي ا َىل النُّ رور‪َ ،‬و َح َوا رد رث ه ر‬ ‫َو رم ْن َه َذا ر ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َم رشيئَ رة ه ر‬
‫اَّلل‬ ‫ِشكُ الْقَدَ رري ه رة الْقَائر رل َني ربأَ هن الْ َح َي َو َان ه َُو ه راّلي َ َْيلُ ُق آَفْ َعا َل ن َ ْف رس ره‪َ ،‬وآََّنه َا َ َْتدُ ُث بردُ ر‬ ‫َو رم ْن َه َذا ر ْ‬
‫َوقُدْ َرتر ره َوا َرا َدتر ره‪َ ،‬و رلهَ َذا ََكنُوا آَ ْش َبا ره الْ َم ُج روس‪.‬‬
‫ِ‬
‫يت }‬ ‫يت قَا َل آََنَ آُ ْح رِي َوآُ رم ُ‬ ‫ِشكُ ‪ -‬ه راّلي َح هاج ا ْب َرا ره َمي رِف َ ررب ره {ا ْذ قَا َل ا ْب َرا ره ُمي َر ر َّب ه راّلي ُ ُْي رِي َوي ُ رم ُ‬ ‫َو رم ْن َه َذا ر ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫[ ُس َور ُة الْ َبقَ َر رة‪. ]258 :‬‬
‫يت‪ ،‬فَأَلْ َز َم ُه ا ْب َرا ره ُمي آَ هن َط ْر َد قَ ْو ر َِل آَ ْن تَ ْق رد َر‬
‫اَّلل َوي ُ رم ُ‬ ‫يت رب َز ْ رْع ره‪َ َ ،‬مَك ُ ُْي رِي ه ُ‬‫فَهَ َذا َج َع َل ن َ ْف َس ُه رندًّا ر ه رَّلل‪ُْ ُ ،‬ي رِي َوي ُ رم ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل رمنْه‪َ ،‬ولَيْ َس َه َذا انْ رتقَ ًاْل مَك َزَع ب َ ْع ُض َآه رْل ال َجدَلر ب َ ْل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عَ َىل ْاْلتْ َي ران رِب هلش ْم رس رم ْن غَ ْ رْي الْجر هَ رة ال ه رت يَأت رِ ِر َا ه ُ‬
‫ْ ِ‬
‫يل ا ْن ََك َن َحقا‪ًّ.‬‬ ‫ر‬
‫ل‬ ‫ادله‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ال َزا ًما عَىل ط ْرد ر‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُِشكُ رِب ْلكَ َوا رك رب الْ ُعلْ رو هَّي رت‪َ ،‬و َ َْي َعلُهَا آَ ْر َِب ًِب ُم ردَب َر ًة ر َِل ْم رر َه َذا الْ َعال َ رم‪َ َ ،‬مَك ه َُو َم ْذه َُب‬‫ِشكُ كَثر ٍْي رم هم ْن ي ْ ر‬ ‫َو رم ْن َه َذا ر ْ‬
‫الصا ربئَ رة َوغَ ْ رْي ر ِْه‪.‬‬ ‫ِش رِك ه‬‫ُم ْ ر‬
‫الش ْم رس َو ُع هبا رد النه رار َوغَ ْ رْي ر ِْه‪.‬‬
‫ِشكُ ُعبها رد ه‬
‫َو رم ْن َه َذا ر ْ‬
‫َو رم ْن َه ُؤ َْل رء َم ْن يَ ْز ُ َُع آَ هن َم ْع ُبو َد ُه ه َُو ْاْل َ ُهل عَ َىل الْ َح رقيقَ رة‪َ ،‬و رمْنْ ُ ْم َم ْن يَ ْز ُ َُع آَن ه ُه َآ ْك َ َُب ْاِل رلهَ رة‪َ ،‬و رمْنْ ُ ْم َم ْن يَ ْز ُ َُع آَن ه ُه‬
‫ِ‬
‫ا َ ٌهل رم ْن ُ ْمج َ رَل ْاِل رلهَ رة‪َ ،‬وآَن ه ُه ا َذا خ هَص ُه رب رع َبا َد رت ره َوالتهبَتُّ رل الَ ْي ره َو راْلنْ رق َطاعر الَ ْي ره آَ ْقبَ َل عَلَ ْي ره َوا ْعتَ ََ رب ره‪َ ،‬و رمْنْ ُ ْم َم ْن يَ ْز ُ َُع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْل ْاِل رلهَةُ‬ ‫ان يُقَ ررب ُ ُه ا َىل َم ْن ه َُو فَ ْوقَهُ‪َ ،‬ح هَّت تُقَ ررب َ ُه تر ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آ هن َم ْع ُبو َد ُه اِلدَْن يُق رربُ ُه اىل ال َم ْع ُبود اّلي ه َُو ف ْوقهُ‪َ ،‬والف ْوق ر ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه َوتَ َع َاىل‪ ،‬فَتَ َار ًة تَ ْك ُ ُُث الْ َو َسائرطُ َوَتَ َر ًة تَ رق ُّل‪.‬‬
‫ا َىل ه ر‬
‫ِ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ْل اهل اْل هللا وحده ْل ِشيك هل وآشهد آن محمد ًا عبده ورسوهل صىل هللا‬
‫وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدَن علام وآصلح لنا شأننا لكه‬
‫وْل تلكنا اىل آنفس نا طرفة عني‪..‬آما بعد‪:‬‬
‫فهذا بيان من اْلمام ابن القمي رمحه هللا تعاىل للنوع الثان من آنواع الِشك وذكر رمحه هللا هذا النوع من‬
‫الِشك ِبختاذ اِللهة مع هللا س بحانه وتعاىل وان مل يعطل آسامء هللا وصفاته وربوبيته قد يقع منه هذا الِشك‬
‫مع عدم التعطيل ِلسامء هللا وصفاته وربوبيته قد يكون مثبتًا آن هللا رب العاملني وخالقهم‬
‫قد يكون مثبتًا ِلسامئه وصفاته س بحانه وتعاىل لكنه يقع ِف هذا الِشك ِبختاذ اِلنداد آو الوسائط الت‬
‫بزْعه تقربه اىل هللا س بحانه وتعاىل آو ِبختاذ الِشَكء اّلين يضيف هلم من اخلصائص آو الصفات آو احلقوق‬
‫ما ليس اْل هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫وذكر آمثَل عىل ذِل‪ :‬كِشك النصارى اّلين اختذوا عيىس عليه السالم نيب هللا ولكميه وآحد آويل العزم من‬
‫خاص ِبهلل جل وعال‪.‬‬‫رسهل الكرام اختذوه ِش ًيًك مع هللا وجعلوه الها يرصفون هل من احلقوق ما هو ٌ‬
‫من دعاء وعبادة وذحب واس تغاثة وغْي ذِل من العبادات الت يه حقوق هللا س بحانه وتعاىل الت ْل َيوز‬
‫رصفها ِلحد َكئن ًا من َكن‪,‬كام قال هللا س بحانه وتعاىل‪:‬‬
‫يك َ ُهله ﴾ [ اِلنعام]‬‫﴿قُ ْل ا هن َص َال رِ َون ُ ُس رِك َو َم ْح َي َاي َو َم َم راِ لرلهـ ره َر رب الْ َعالَ رم َني ﴿ ‪َْ ﴾١٦٢‬ل َ ر‬
‫ِش َ‬
‫ِ‬
‫ُون اللهـ ره َوالْ َم رس َيح ا ْب َن َم ْر َ ََي َو َما‬
‫قال عز وجل ِف شأن النصارى ‪ ﴿ :‬ه َاخت ُذوا آَ ْحبَ َار ُ ِْه َو ُر ْه َباَّنَ ُ ْم آَ ْر َِب ًِب رمن د ر‬
‫آُ رم ُروا ا هْل رل َي ْع ُبدُ وا ال َ ٰـهًا َوا رحدًا ﴾ [ التوبة‪] ٣١ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالنصارى اختذوا عيىس عليه السالم الها اختذوه معبود ًا فوقعوا ِف هذا الِشك وهو من الِشك اِلكَب‬
‫الناقل من املَل‪.‬‬
‫كذِل ِشك اجملوس القائلني ِبس ناد حوادث اخلْي اىل النور ‪,‬وحوادث الِش اىل ُالظلمة ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫يقسمون احلوادث اىل قسمني ‪ :‬حوادث خْي وحوادث ِش فينس بون حوادث اخلْي اىل النور‬
‫وحوادث الِش اىل الظلمة وهذه النس بة للحوادث اىل هذا اخمللوق هو من اختاذ اِلنداد واختاذ الِشَكء‬
‫مع هللا س بحانه وتعاىل‬
‫كذِل القدرية( النفاة) اّلين يقولون ْل قدر وَيعلون اْلنسان هو اخلالق لفعل نفسه جعلوا اْلنسان‬
‫ِشيًكً مع هللا ولهذا ُ ُّْسوا جموس هذه اِلمة؛ ِلَّنم فهيم ش به ِبجملوس اّلين جعلوا اخلْي خالقه النور‬
‫والِش خالقه الظلمة فهؤْلء آش بهم من هذه اجلهة؛ ِلَّنم يقولون هللا هو اخلالق لالنسان واْلنسان هو‬
‫اخلالق لفعل نفسه جفعلوا اْلنسان ِشيًكً مع هللا س بحانه وتعاىل ِف اخللق‪.‬‬
‫كذِل ِشك المنرود اّلي حاجه ابراهمي عليه السالم ‪:‬‬
‫يت ﴾[ البقرة‪]٢٥٨ :‬‬ ‫﴿ا ْذ قَا َل ا ْب َرا ره ُمي َر ر َّب ه راّلي ُ ُْي رِي َوي ُ رم ُ‬
‫آُ ْح رِي َوآُ رم ُ‬
‫يت قَا َل آََنَ‬
‫ِ ِ‬
‫آضاف لنفسه من اخلصائص ما ليس اْل هلل ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬فألزمه ابراهمي عليه السالم طرد ًا‬
‫لقوهل( لقول هذا المنرود) يعين آنه يفعل ما يفعهل اْلهل ملا قال هل ابراهمي ‪ :‬ان هللا هو اّلي ُيِي ومييت‬
‫قال‪ :‬آَن آحِي وآميت‪ ,‬فطرد ًا ّلِل والزام ًا هل مبا يفحمه قال هل‪:‬‬
‫﴿ فَا هن اللهـ َه يَأت رِ رِب هلش ْم رس رم َن الْ َم ْ ر‬
‫ِش رق فَأت رت ِر َا رم َن الْ َم ْغ رر رب فَبُ ر َت ه راّلي كَفَ َر ﴾[ البقرة‪] ٢٥٨ :‬‬
‫ِ‬
‫مثل ما قال ابن القمي‪ :‬ليس هذا انتقا ًْل وامنا هذا طرد ًا للزَع اّلي يزْعه هو يزَع آن لك ما يفعهل اْلهل‬
‫هو يفعهل فقال هل ابراهمي ‪ :‬ان هللا هو اّلي ُيِي ومييت قال‪ :‬آَن آحِي وآميت ‪ -‬ميوه بأفعال يزَع من‬
‫خاللها آنه كذِل‪ -‬فطرد ًا لزْعه هذا قال هل ابراهمي‪:‬‬
‫﴿ فَا هن اللهـ َه يَأت رِ رِب هلش ْم رس رم َن الْ َم ْ ر‬
‫ِش رق فَأت رت ِر َا رم َن الْ َم ْغ رر رب فَبُ ر َت ه ر‬
‫اّلي كَفَ َر ﴾[ البقرة‪] ٢٥٨ :‬‬
‫ِ‬
‫ومن هذا ِشك كثْي ممن يِشك ِبلكواكب العلوية وَيعلها آرِب ًِب مدبرة ِلمر هذا العامل كام هو مذهب‬
‫مِشِك الصابئة فهم من هجة يعتقدون ومن هجة آيض ًا يعلقون عباداهتم وآماهلم ِا فيرصفون لها من‬
‫العبادات واحلقوق ما ليس اْل هلل‪ -‬تبارك وتعاىل‪-‬‬
‫قال ‪:‬ومن هذا ِشك عباد الشمس وعباد النار وغْيِه‪:‬‬
‫احلاصل آن هذه لكها من هذا النوع من الِشك اّلي هو اختاذ اِللهة مع هللا وهذا الاختاذ لللهة مع‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬اما ِبعطاهئا من احلقوق ما ليس اْل هلل آو اعطاهئا من اخلصائص والصفات ما‬
‫ليس اْل هلل‪ ,‬وذكر آمثَل عىل هذا وعىل هذا‪.‬‬

‫الِشكُ رِف الْ رع َبا َد رة]‬


‫[فَ ْص ٌل ر ْ‬
‫الِش رك‪َ ،‬وآَخ َُّف آَ ْم ًرا‪ ،‬فَان ه ُه ي َ ْصدُ ُر رم هم ْن ي َ ْعتَ رقدُ آَن ه ُه َْل ا َ َهل ا هْل‬ ‫الِشكُ رِف الْ رع َبا َد رة فَه َُو آَ ْسهَ ُل رم ْن َه َذا ر ْ‬ ‫َوآَ هما ر ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل رِف‬ ‫اَّلل‪َ ،‬وآَن ه ُه َْل ا َ َهل غَ ْ ُْي ُه‪َ ،‬و َْل َر هب رس َوا ُه‪َ ،‬ولَ رك ْن َْل َ َُيلصه ه َ‬ ‫ض َوي َ ْنفَ ُع َويُ ْع رطي َوي َ ْمنَ ُع ا هْل ه ُ‬‫اَّلل‪َ ،‬وآَن ه ُه َْل ي َ ُ ُّ‬
‫هُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َعا َملَتر ره َو ُع ُبو رديهتر ره‪ ،‬ب َ ْل ي َ ْع َم ُل رل َحظر ن َ ْف رس ره َتَ َرةً‪َ ،‬و رل َطلَ رب ادلُّ نْ َيا َتَ َرةً‪َ ،‬و رل َطلَ رب رالرفْ َع رة َوالْ َم ْ رْن َ رل َوالْ َجا ره رع ْندَ‬
‫يب‪َ ،‬ولرلْ َخلْ رق‬ ‫يب‪َ ،‬ولر هلش ْي َط ران ن رَص ٌ‬ ‫يب‪َ ،‬و رلنَ ْف رس ره َو َح رظ ره َوه ََوا ُه ن رَص ٌ‬ ‫الْ َخلْ رق َتَ َرةً‪ ،‬فَ رل ه رهل رم ْن َ َْع ر رهل َو َس ْع ري ره ن رَص ٌ‬
‫الِشكُ ه راّلي قَا َل رفي ره النه ر ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬رفميَا َر َوا ُه ا ْب ُن رحبه َان رِف‬ ‫يب‪َ ،‬و َه َذا َحا ُل َآ ْك َ رُث النه راس‪َ ،‬وه َُو ر ْ‬ ‫ن رَص ٌ‬
‫اَّلل؟ قَا َل‪ :‬قُ ْل‪:‬‬ ‫ريب النه ْم رل‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬ك ْي َف ن َ ْن ُجو رمنْ ُه ََّي َر ُسو َل ه ر‬ ‫الِشكُ رِف َه رذ ره ْ ُاِل هم رة آَ ْخفَى رم ْن َدب ر‬ ‫حصي رح ره‪ « :‬ر ْ‬ ‫َر‬
‫ِشكَ ب َرك َوآََنَ آَعْ َ ُمل‪َ ،‬وآَ ْس تَ ْغ رف ُركَ رل َما َْل آَعْ َ ُمل» ‪.‬‬‫اللههُ هم ا رن آَعُو ُذ ب َرك آَ ْن آُ ْ ر‬
‫ِ‬
‫ِشكٌ ‪،‬‬ ‫الر ََّي ُء ُلكُّ ُه ر ْ‬
‫فَ ر‬

‫قال رمحه هللا تعاىل‪ :‬وآما الِشك ِف العبادة‬


‫العبادة‪ :‬يه التوجه اىل هللا س بحانه وتعاىل ِبلعمل والتقرب واّلل واخلضوع ويه حق هلل جل ِف عاله‬
‫" َو َما آُ رم ُروا ا هْل رل َي ْع ُبدُ وا ه َ‬
‫اَّلل ُم ْخ رل رص َني َ ُهل ر‬
‫ادل َين" [البينة ‪]6 :‬‬
‫ِ‬
‫جرن َو ْاْل َنس ا هْل رل َي ْع ُبدُ ر‬
‫ون} [اّلارَّيت ‪]56 :‬‬ ‫{ َو َما َخلَ ْق ُت الْ ه‬
‫ِ ِ‬
‫ِش ُكوا رب ره َشيْئًا ه} [النساء ‪]36 :‬‬‫اَّلل َو َْل ت ُ ْ ر‬
‫{ َوا ْع ُبدُ وا ه َ‬
‫العبادة حق هلل تعاىل‪ ،‬والِشك ِف العبادة ‪-‬وهو اّلي يتحدث عنه ابن القمي رمحه هللا تعاىل‪ -‬عىل‬
‫نوعني‪ِ :‬شك ِف آصل العبادة برصفها لغْي هللا وجعل اِلنداد فهيا مع هللا س بحانه وتعاىل‪ ،‬وهذا هو‬
‫الِشك اِلكَب‪,‬ولهذا س يأِ معنا آن هذا الِشك ينقسم اىل مغفور هل وغْي مغفور‪ ،‬وينقسم اىل كبْي‬
‫وصغْي فالِشك ِف العبادة اذا َكن ِف آصل العبادة برصفها لغْي هللا بأن يدعو غْي هللا آو يذحب لغْي هللا‬
‫آو ينذر لغْي هللا آو يس تغيث بغْي هللا آو حنو ذِل من العبادات يرصفها لغْي هللا؛ فهذا الِشك اِلكَب‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫يك َ ُهله َو رب َ َٰذ ر َِل آُ رم ْر ُت‬‫الناقل من املَل‪" ,‬قُ ْل ا هن َص َال رِ َون ُ ُس رِك َو َم ْح َي َاي َو َم َم راِ ر ه رَّلل َر رب الْ َعالَ رم َني * َْل َ ر‬
‫ِش َ‬
‫ِ‬
‫ني" [اِلنعام‪]163 :‬‬ ‫َوآََنَ آَ هو ُل الْ ُم ْس رل رم َ‬
‫َّيء آو ْسعة‪،‬‬ ‫مثال زيْنا ر ً‬ ‫آما ان مل يكن ِف آصلها‪ ،‬وامنا طرآ علهيا ِف النية‪ ،‬فالعبادة ِف آصلها هلل‪ ،‬لكنه ً‬
‫آو لدلنيا‪ ،‬آو حنو ذِل؛ فهذا من الِشك اِلصغر اّلي ْل يقدح ِف آصل ادلين لكنه يقدح ِف كامهل‬
‫الواجب اّلي يكون فاعهل آمثًا به معرض للعقوبة الشديدة‪.‬فهذا النوع من الِشك ينطبق عىل يسْي‬
‫ون النه َاس" [النساء ‪]142 :‬‬ ‫ال ررَّيء‪ ،‬آما ال ررَّيء اخلالص فهذا آكَب‪ ،‬اّلي هو رَّيء املنافقني "يُ َرا ُء َ‬
‫رَّيء املنافقني ِف آصل ادلين " َوا َذا ل َ ُقوا ه راّل َين آ َمنُوا قَالُوا آ َمنها َوا َذا َخلَ ْوا ا َ ٰىل َش َيا رطيْنر ر ْم قَالُوا اَنه َم َع ُ ُْك ان ه َما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون" [البقرة ‪ ]14:‬فهذا ِف آصل ادلين‪ ،‬فهذا رَّيء آكَب َنقل من املَل‪.‬‬ ‫َ ْحن ُن ُم ْس َتَ ْ رزئ ُ َ‬
‫آما يسْي رالرَّيء فان اِلمر فيه آيرس من ذِل وآخف‪ ،‬وهذا حال آكُث الناس كام قال اْلمام ابن القمي ‪-‬‬
‫رمحه هللا تعاىل‪ -‬وقال‪ :‬وهذا آسهل من الِشك اّلي قبهل وآخف آمر ًا منه‪ ،‬وان َكن ليس بيسْي وليس‬
‫خبفيف ‪.‬لكن مقارنة للِشك اِلكَب آو الِشك اّلي هو ِف آصل ادلين‪ْ ،‬ل شك آنه آخف منه وآيرس ‪.‬‬
‫فامي رواه ابن حبان ِف حصيحه ‪< :‬الِشك ِف‬ ‫قال رمحه هللا ‪( :‬وهو الِشك اّلي قال فيه النيب ﷺ‬
‫هذه اِلمة آخفى من دبيب المنل>‪.‬‬
‫ترسِب كثْي ًا ‪ ،‬يأتيه من هجات‪ُ .‬يتاج اىل‬
‫ولهذا؛ معاجلة هذا الِشك اخلفي اّلي يترسب اىل القلب ً‬
‫معاجلة شديدة مس مترة ‪،‬حَّت قال بعض السلف ‪( :‬ما عاجلت شيئ ًا آشد عيل من نيت) ؛ِلن النية ْل‬
‫يزال يأتهيا آش ياء جتعلها تتفلت‪,‬فيكون ِف آصل ْعهل متقر ًِب اىل هللا ‪ ،‬لكن هيجم عليه آش ياء طارئة‬
‫تفسد عليه النية وجتعل نفسه تذهب اىل املراءاة آو اىل السمعة آو ارادة ادلنيا ِبلعمل آو حنو ذِل ‪.‬‬
‫وصف النيب عليه الصالة والسالم هذا النوع من الِشك ِف شدة خفائه بأنه آخفى من دبيب المنل ‪.‬‬
‫وحَّت نس تحض هذا اخلفاء الواحد منا وهو جالس لو مرت من جنبه منَل آيشعر ِا؟ آيسمع لها دبي ًبا‬
‫؟ آُيس ِا ؟ ‪ْ -‬ل ُيس ِا اْل ان دقق برصه وان َكن ذا برص جيد !‬
‫حفينئذ يراها ‪ ،‬واْل متر الواحدة والثنتان والثالث ورمبا الفريق من المنل ما يشعر به ‪.‬مل يقل عليه الصالة‬
‫والسالم مثل خفاء المنل ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫قال ‪ ( :‬آخفى من دبيب المنل )‪.‬‬


‫فهو ِف خفاء شديد وهذا الوصف من نبينا عليه الصالة والسالم يس توجب من الناحص لنفسه آن‬
‫يش تد خوفه من هذا الِشك؛ ِلن يشء ِذا اخلفاء وهو ِف خطورة عظمية عىل ْعل املرء ْلبد آن‬
‫َياف منه الناحص ‪ ،‬ولهذا يقول عبد هللا بن آّب مليكة ‪:‬‬
‫( آدركت آكُث من ثالثني حصابي ًا لكهم َياف النفاق عىل نفسه )؛ ِلن هذه آمور دامئ ًا هتجم عىل اْلنسان‬
‫ان جاء يطلب العمل بدآت هتجم عليه ‪ ،‬وان جاء يصيل بدآت هتجم عليه ‪ ،‬وان آراد آن يتصدق بدآت‬
‫هتجم عليه ‪ ،‬وان آراد آن يتحدث ويعمل بدآت هتجم عليه !‬
‫ِف لك مقام هتجم عليه من آجل آن يُد رخل الناس ِف النية ان َكنت صالة زيْنا ِلجلهم ‪ ،‬رمبا مث ًال‬
‫بعض السنن يكون مفرط ًا فهيا فان َكن حوهل آحد ممن هل شأن عنده آو مًكنة آدى هذه السنن وحافظ‬
‫علهيا ‪ ،‬وآىت ِا بشلك جيد وَتم ‪ ،‬وهو ملها آىت ِذه السنن َكن ينظر ِف ذهنه اىل هؤْلء ‪.‬‬
‫ان َكن ِف طلب للعمل قل مث ًال ذِل ‪ِ ،‬ف تعلمي للعمل ِف دعوة للخْي ‪ِ ،‬ف صدقة اىل غْي ذِل دامئ ًا‬
‫هتجم هذه اِلمور حَّت ُ رختل بنية اْلنسان ف ُتبطل ْعهل ‪ ,‬فاذن هو آمر خفي ليس ِبلهني ‪ ،‬آخفى من‬
‫دبيب المنل !‪,‬اذن َيب عىل لك واحد منا آن يش تد خوفه من هذا الِشك ‪.‬‬
‫النيب عليه الصالة والسالم سألوه ‪ ( :‬كيف ننجوا منه ؟ )هذا السؤال يدلُك عىل ماذا؟ملا قالوا كيف‬
‫ننجوا منه‪,‬ملا قال آخفى من دبيب المنل يدلُك عىل ماذا فامي يتعلق ِبلصحابة؟ وِه من ِه ريض هللا‬
‫عْنم؟؟‬
‫‪ -‬آنه وقع ِف نفوسهم خوف شديد منه (كيف ننجوا ؟ ) هذا اّلي هو آخفى من دبيب المنل!‬
‫فوقع ِف نفوسهم خوف شديد من هذا الِشك وآخذوا يسألون كيف النجاة ؟ اذا َكن ِذا اخلفاء كيف‬
‫ننجوا منه؟ فقال عليه الصالة والسالم ‪-‬آرشد اىل آن يقولوا هذا ادلعاء‪ [ -‬اللهم ان آعوذ بك آن آِشك‬
‫بك وآَن آعمل و آس تغفرك ملا ْل آعمل ] وهذا ادلعاء اثبت وعظمي جد ًا وينبغي عىل املسمل آن ُيافظ عليه‬
‫وآن يعتين ِذا ادلعاء عناية مس مترة ‪ ،‬يتعوذ ِبهلل س بحانه وتعاىل من الِشك (آن آِشك بك وآَن آعمل) ‪:‬‬
‫يعين آِشك وآَن عىل عمل ‪ ،‬آو آِشك بال عمل (آن آِشك بك وآَن ْل آعمل) هذا اّلي يقول عنه (ْل آعمل)‬
‫هذا اّلي يتسلل وهيجم عىل القلب ‪ ،‬وجفأة َيد اْلنسان دخل ِف الرَّيء دخل ِف السمعة دخل ِف‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫آمور ‪ ..‬آمىض وقتًا ِف العبادة وهو ملتفت تْل الالتفاتة ‪ ،‬فيكُث من التعوذ ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ِ -‬ذا‬
‫التعوذ العظمي‪.‬‬
‫قال املصنف ‪ ( :‬فالرَّيء لكه ِشك ) ‪ ،‬لكن الرَّيء اخلالص هذا ِشك آكَب ‪ ،‬ويسْي الرَّيء ِشك آصغر ‪.‬‬
‫الرَّيء لكه ِشك ‪ ،‬ملاذا ؟ ِلن النية مل تصبح خالصة هلل ‪ُ ،‬وجد مزامح آُدخل ِف النية ‪ ،‬وهو اخمللوق‬
‫اّلي ُزرين هل العمل ‪ ،‬و ُحسن هل العمل ‪ ،‬فهذا من عظمي نصح النيب عليه الصالة والسالم ِلمته ِف‬
‫احلذر من الرَّيء‪ ،‬احلذر من السمعة وآن َُتفظ اِلعامل والعبادات بأن تبقى خالصة هلل ‪ْ،‬ل يقصد ِا اْل‬
‫وجه هللا؛ ِلن هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ْ -‬ل يقبل من العمل اْل اخلالص لوهجه ‪ ،‬كام قال ِف احلديث‬
‫القديس‪ (( :‬آَن آغَ الِشَكء عن الِشك ‪ ،‬من ْعل ْع ًال آِشك معي فيه غْيي تركته وِشكه )) ْل‬
‫يقبل من العمل اْل اخلالص الصاِف النقي اّلي مل يرد به اْل وجه هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪.-‬‬

‫ِش رمثْلُ ُ ُْك ي ُ َ‬


‫وح ا َ هيل آَن ه َما الَه ُ ُُْك ا َ ٌهل َوا رح ٌد فَ َم ْن ََك َن يَ ْر ُجوا رلقَ َاء َ ررب ره فَلْ َي ْع َم ْل َ َْع ًال‬ ‫‪ ،‬قَا َل تَ َع َاىل‪{ :‬قُ ْل ان ه َما آََنَ ب َ َ ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُِشكْ رب رع َبا َد رة َ ررب ره آَ َحدً ا} [ ُس َور ُة الْ َكه رْف‪. ]110 :‬‬ ‫َصا رل ًحا َو َْل ي ْ ر‬
‫ون الْ رع َبا َد ُة َ ُهل َو ْحدَ ُه‪ ،‬فَ ََكَا تَ َف هر َد رِب ْْللَهريه رة ََي ُرب‬
‫آَ ْي‪َ َ :‬مَك آَن ه ُه ا َ ٌهل َوا رح ٌد‪َ ،‬و َْل ا َ َهل رس َوا ُه‪ ،‬فَ َك َذ ر َِل يَنْ َب رغي آَ ْن تَ ُك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصا رل ُح ه َُو الْخ رَايل رم َن رالر ََّي رء الْ ُمقَيهدُ رِب ُّلس نهة‪.‬ر‬ ‫آَ ْن ي ُ ْف َر َد رِبلْ ُع ُبوديهة‪ ،‬فَال َع َم ُل ه‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اَّلل َع ْن ُه ‪ :-‬اللههُ هم ْاج َع ْل َ َْع ريل ُلكه ُه َصا رل ًحا َو ْاج َع ْ ُهل رل َو ْ رهج َك‬ ‫َو ََك َن رم ْن ُدعَا رء ُ َْع َر ْب رن الْخ هَط راب ‪َ -‬ر ر َ‬
‫يض ه ُ‬
‫خَا رل ًصا‪َ ،‬و َْل َ ْجت َع ْل ر َِل َح ٍد رفي ره َشيْئًا‪.‬‬

‫وح ا َ هيل آَن ه َما الَ َٰـه ُ ُُْك‬


‫ٰ‬ ‫ِش رمثْلُ ُ ُْك ي ُ َ‬‫آورد رمحه هللا هذه اِلية العظمية من آخر سورة الكهف ‪{ ،‬قُ ْل ان ه َما آََنَ ب َ َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُِشكْ رب رع َبا َد رة َررب ره آَ َحدً ا}‪ُ .‬ذ ركر ِف هذه اِلية‬ ‫ا َ ٌهلَٰ َوا رح ٌد فَ َمن ََك َن يَ ْر ُجو رلقَ َاء َ ررب ره فَلْ َي ْع َم ْل َ َْع ًال َصا رل ًحا َو َْل ي ْ ر‬
‫ِ‬
‫ا مية ِشطا قبول العمل ‪ ،‬و هام اْلخالص للمعبود‪ ,‬واملتابعة للرسول ؛‬ ‫لعظ‬
‫ُِشكْ رب رع َبا َد رة َررب ره آَ َحدًا } ‪.‬‬ ‫املتابعة ِف قوهل ‪ { :‬فَلْ َي ْع َم ْل َ َْع ًال َصا رل ًحا } ‪ ،‬واْلخالص ِف قوهل ‪َ { :‬و َْل ي ْ ر‬
‫فالعبادة ْل تكون مقبول اْل ِ ٰـذين ‪ِ :‬بْلخالص فهيا هلل بأن ْل يبتغى ِا اْل وجه هللا ‪ ،‬وِبْلتباع‬
‫للرسول الكرَي عليه الصالة والسالم ‪ ،‬فان مل تكن موافقة لهديه ُردت عىل العامل ‪ ،‬كام قال عليه‬
‫الصالة والسالم ((من ْعل ْع ًال ليس عليه آمرَن فهو رد)) آي مردود عىل صاحبه غْي مقبول منه ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫قال املصنف رمحه هللا ‪ :‬آي كام آنه اهل واحد ‪ِ ،‬ف آولها قال ‪ { :‬آَن ه َما الَ َٰـه ُ ُُْك ا َ ٌهلَٰ َوا رح ٌد } ‪ ،‬فكام آنه اهل واحد ؛‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فكذِل ينبغي آن تكون العبادة هل وحده ‪ ،‬ولهذا قال ِف آخرها { َو َْل ي ْ ر‬
‫ُِشكْ ربع َبا َدة َرربه آ َحدً ا } ‪ ،‬كام آنه اهل‬
‫واحد اّلي هل اِللوهية ويه صفات الكامل واجلالل والعظمة الت اس تحق ِا آن يؤهل وآن يعبد وآن َيضع هل‬
‫ويذل ْل ِشيك هل ِف ذِل ‪,‬فكذِل َيب آن يفرد ِبلعبادة فال َُيعل معه الِشَكء واِلنداد وْل يتخذ معه‬
‫ِشيك فهو اهل واحد‪.‬‬
‫اْلهل الواحد ْل َُيعل معه ِشيك يرصف هل من احلقوق ما ليست اْل هلل س بحانه وتعاىل فكذِل ينبغي آن‬
‫تكون العبادة هل وحده فكام تفرد ِبْللهية َيب آن يفرد ِبلعبودية‬
‫هذا الالكم من ابن القمي رمحه هللا يذكرَن بلكمة مرت معنا قري ًبا ْلبن عباس ريض هللا عْنام قال ريض هللا‬
‫عنه ‪ ":‬هللا ذو اِللوهية والعبودية عىل خلقه آمجعني" ومر معنا آيضً ا قري ًبا ً‬
‫تفسْيا لهذا الالكم الكم ابن‬
‫تفسْيا عظميًا‬
‫عباس ريض هللا عْنام للعالمة ابن سعدي ِف كتابه " فتح املْل العالم " فرس هذا الالكم ً‬
‫َنف ًعا جدً ا؛ ِلن ابن عباس ريض هللا عْنام قال ‪ " :‬هللا هذا الامس يدل عىل اِللوهية والعبودية "قال‪ :‬ذو‬
‫اِللوهية والعبودية‬
‫آما اِللوهية ‪ :‬الت يدل علهيا هذا الامس فهيي صفات الكامل صفات اِللوهية من العظمة واجلالل والكامل‬
‫والكَبَّيء الت اس تحق ِا آن يؤهل وحده وآن َيضع هل وحده وآن يذل هل وحده‬
‫وآما العبودية‪ :‬فهيي آفعال العبد الت تقتضهيا هذه اِللوهية ويه آن يرصف العبادة لكها هلل ولهذا ابن القمي هنا‬
‫يقول فكام تفرد ِبْللهية ما يه اْللهية هنا؟ فكام تفرد ِبْللهية آي صفات الكامل والعظمة واجلالل الت‬
‫اس تحق ِا آن يؤهل فيجب آن يفرد ِبلعبادة الت يه آفعال العباد اّلل اخلضوع الانكسار وادلعاء والرجاء‬
‫وغْي ذِل من العبادات ‪.‬‬
‫قال رمحه هللا ‪ :‬فالعمل الصاحل هو اخلايل من الرَّيء املقيد ِبلس نة اِلية قال ‪ ":‬فليعمل َ َْع ًال َصا رل ًحا "‬
‫مفرسا اِلية ‪ :‬فالعمل الصاحل اخلايل من الرَّيء املوافق للس نة ان مل يكن خايل من الرَّيء مل‬
‫قال ابن القمي ً‬
‫يكن َصا رل ًحا ملا شابه من الِشك وان مل يكن موافقًا للس نة مل يكن َصا رل ًحا ملا شابه من ماذا ؟ من البدعة‬
‫فهو ْل يكون َصا رل ًحا اْل اذا سمل من الِشك والبدعة بأن يكون ً‬
‫خالصا صو ًاِب ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وَكن من دعاء ْعر ريض هللا عنه " اللهم اجعل ْعيل لكه َصا رل ًحا واجعهل لوهجك ً‬
‫خالصا "‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫جفمع ِف هذا ادلعاء بني املتابعة واْلخالص " املتابعة" ِف اجعل ْعيل لكه َصا رل ًحا "واْلخالص" ِف‬
‫خالصا وْل جتعل ِلح ٍد فيه شيئًا‪.‬‬
‫اجعهل لوهجك ً‬

‫الِشكُ رِف الْ رع َبا َد رة ي ُ ْب رط ُل ثَ َو َاب الْ َع َم رل‪َ ،‬وقَدْ ي ُ َعاقَ ُب عَلَ ْي ره ا َذا ََك َن الْ َع َم ُل‬ ‫قال رمحه هللا تعاىل ‪َ ":‬و َه َذا ر ْ‬
‫ِ‬
‫اَّلل ُس ْب َحان َ ُه ان ه َما آَ َم َر رب رع َبا َدتر ره رع َبا َد ًة‬
‫َو راجبًا‪ ،‬فَان ه ُه يُ ْ رْن ُ ُهل َم ْ رْن َ َل َم ْن ل َ ْم ي َ ْع َم ْهلُ‪ ،‬فَ ُي َعاقَ ُب عَ َىل تَ ْر رك ْ َاِل ْم رر‪ ،‬فَا هن ه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ين ُحنَف َاء} [ال َب رينَة‪. ]5 :‬‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اَّلل ُم ْخلص َني ُهل ادل َ‬ ‫ر‬
‫ل‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خَا رل َص ًة‪ ،‬قال تَ َعاىل‪َ { :‬و َما آم ُروا اْل َي ْع ُبدُ وا ه َ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يش ٌء غَ ْ ُْي الْ َمأت ُم رور رب ره‪ ،‬ف َ َال ي َ رص ُّح َو َْل‬ ‫فَ َم ْن ل َ ْم ُ َْي رل ْص ر ه رَّلل رِف رع َبا َدتر ره ل َ ْم ي َ ْف َع ْل َما آُ رم َر رب ره‪ ،‬ب َ رل ه راّلي آَ َىت رب ره َْ‬
‫ِشكَ َم رعي رفي ره غَ ْ رْيي فَه َُو رل ه رَّلي‬ ‫الِش رك‪ ،‬فَ َم ْن َ رْع َل َ َْع ًال آَ ْ َ‬
‫الِش ََك رء َع رن ر ْ‬ ‫اَّلل‪« " :‬آََنَ آَ ْغ ََ ُّ َ‬ ‫يُ ْقبَ ُل رمنْهُ‪َ ،‬وي َ ُقو ُل ه ُ‬
‫ِشكَ رب ره‪َ ،‬وآََنَ رمنْ ُه بَ رري ٌء» "‪.‬‬ ‫آَ ْ َ‬

‫يقول رمحه هللا وهذا الِشك اّلي هو مثل الرَّيء والسمعة وحنو ذِل مما َتدث عنه قري ًبا يقول هذا‬
‫الِشك يبطل ثواب العمل‪ .‬مث ًال‪ :‬ان َكن صالة ودخلها الرَّيء آبطل ثواِا ان َكن صدقة ودخهل الرَّيء‬
‫آبطل ثوابه ان َكن طلب عمل ودخهل الرَّيء آبطل ثوابه وقل مثل ذِل ِف سائر اِلعامل ‪.‬‬
‫لكن هنا آمر ‪:‬‬
‫اذا آبطل ثوابه هل يكون فقط يبطل ثواب العمل وْل يعاقب ؟‬
‫ِلنه مر معنا ِف احلديث "آَن آغَ الِشَكء عن الِشك من ْعل ْع ًال آِشك معي فيه غْيي تركته‬
‫وِشكه "‪.‬آبطل ثوابه ‪-‬تركته وِشكه ‪ -‬يعين ْل يثيبه عليه ‪ ،‬فال يقبهل منه ‪ ،‬فال يثيبه عليه ‪ِ ،‬لنه آِشك‬
‫مع هللا فيه غْيه ‪.‬فهذه الرَّيء و السمعة وحنو ذِل هذه تبطل ثواب العمل ‪ ،‬يصبح ْعهل ْل ثواب‬
‫عليه ‪.‬صالة ‪ ،‬صدقة ‪ ،‬طلب عمل ‪ ،‬اىل غْي ذِل ْل يثاب عليه ِلن هللا مل يقبهل منه مثلام ِف‬
‫احلديث ‪:‬تركته وِشكه ‪.‬‬
‫لكن هل يعاقب عىل ذِل آو ْل يعاقب ؟‬
‫انتبه للفائدة الت س ينبه علهيا ‪:‬قال ‪:‬وقد يعاقب عليه اذا َكن العمل واجب ًا ‪ .‬ملاذا يعاقب عليه ؟‬
‫السؤال هنا ‪:‬هل آدى الواجب ؟‪ ,‬الواجب اّلي آوجبه هللا عليه هل آداه ؟‪ ,‬هللا عزوجل آمره ِذه‬
‫العبادة خالصة ‪ ،‬فهل آداها هلل خالصة ؟‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫يؤد الواجب فاس تحق العقاب ِلنه مل ر‬


‫يؤد ما آوجب هللا عليه ‪.‬‬ ‫اذا مل ر‬
‫ان َكن صىل رَّيء ‪ْ ،‬ل يثاب ويعاقب ِلنه مل ر‬
‫يؤد هذه الصالة ‪ِ ،‬لن هللا آوجبا عليه ماذا؟‬
‫‪-‬خالصة ‪.‬‬
‫فان َكن آداها رَّيء مل َيلص فهيا هلل ‪.‬فهو ْل يثاب من هجة ؛ ومن هجة يعاقب ‪ِ ،‬لنه مل ر‬
‫يؤد الواجب ‪.‬‬
‫ِبملناس بة مصيبة الناس ِف الزمان هذا ‪ِ ،‬ف هذا الباب ‪ِ-‬بب الرَّيء ‪ -‬مصيبة عظمية جد ًا ‪.‬‬
‫ِف اجلوالات اِلن والصور الت ِف اجلوالات ‪.‬وهللا مصيبَتم عظمية جد ًا ‪.‬‬
‫وْل يزال الناس يرون مناظر تؤمل الغيورين الناحصني ِف واقع بعض الناس ‪.‬‬
‫ُيدثين آحد اِلشخاص رآى ِف هذا املسجد خشص ًا مييش مع صاحبه ‪ ،‬وجلس صاحبه عىل هيئة‬
‫التشهد والتقط هل صاحبه صورة مث قام ومىش ‪.‬وهذه الصورة سيبعهثا اىل عدد من الناس وهو ِف‬
‫املسجد النبوي يصيل ‪،‬هذا آص ًال مل يص رل ‪.‬‬
‫وآَن رآيت خشص ًا ِف هذا املسجد قام من مًكنه بعد الصالة ‪ ،‬وآخذ مصحف ًا كبْي ًا وفتحه مث صوره‬
‫صاحبه مث ذهب من هجة وصوره من هجة آخرى مث طبق املصحف وقام ‪ ،‬ما قرآ ‪.‬‬
‫فتح املصحف ليؤخذ هل صورة آنه ِف املسجد النبوي يقرآ القرآن ‪.‬هذه وهللا مصيبة ‪ ،‬مصيبة عظمية‬
‫جد ًا ‪.‬‬
‫آما ادلعاء فهذا حدث وْل حرج من كُثته ‪ .‬جتد بعضهم ُيسن نفسه وهيئي من صورته مث يرفع يديه ‪،‬‬
‫واذا صوروه آنزل يديه ‪.‬يداه ملا رفعتا مل ترفعا دلعاء هللا ‪ ،‬وامنا رفعت ليؤخذ هل صورة ‪.‬‬
‫فهذه من املصائب املؤملة العظمية الت جرهتا هذه اجلوالات لكثْي من الناس ‪.‬‬
‫‪ -‬اذا َكن من صىل ودعا واعمتر ووقع ِف الرَّيء ‪ ،‬آفسد هذا الرَّيء ْعهل ‪.‬فكيف ِبّلي آصال مل‬
‫ابتداء آص ًال ليس هلل ‪ ،‬وامنا ليؤخذ‬
‫ابتداء فعل هذا اليشء ً‬ ‫يصل ومل يقرآ القرآن ومل يد ُع وامنا ً‬
‫ر‬
‫منه آوهل مثل هذه الصور ؟ فهذه مصيبة وهللا عظمية جد ًا ‪ ،‬واقع مؤمل ِف كثْي من اجلهال ‪.‬‬
‫نسأل هللا عزوجل آن يعافينا ومجيع من هو مبتىل مبثل هذا ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫قال ‪ :‬فان هللا س بحانه يقول قد يعاقب عليه اذا َكن العمل واجب فانه يْنهل مْنل من مل يعمهل ‪.‬‬
‫ملاذا يْنل مْنل من مل يعمل ؟‬
‫خالصا هلل‪ ،‬فمل يؤده خالصا هلل ‪.‬واْلخالص هو ِشط ِف القبول اذا َكن من صىل‬ ‫‪ِ -‬لنه آمر ِذا العمل ً‬
‫صل؛ ِلنه هيْنل مْنل‬ ‫صل ِبْلخالص‪ ،‬اْلخالص آِه من الطهارة كنه مل ي ُ ر‬ ‫صل مفن مل يُ ر‬ ‫بدون طهارة كنه مل ي ُ ر‬
‫من مل يعمل ف ُيعاقب عىل ترك اِلمر فان هللا ‪-‬س بحانه‪ -‬امنا آمر بعبادته خالصة قال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ : -‬و َما آُ رم ُروا ا هْل‬
‫ِ‬
‫رل َي ْع ُبدُ وا اللهـ َه ُم ْخ رل رص َني َ ُهل ا ردل َ‬
‫ين ُحنَفَ َاء ﴾ [البينة‪]٥ :‬‬

‫مفن مل َُيلص هلل ِف عبادته مل يفعل ما آمر به‪ ،‬بل اّلي آىت به يشء غْي املأمور به فال يصح‪ ،‬وْل يقبل‬
‫منه ويقول هللا ‪ « :‬آَن آغَ الِشَكء عن الِشك من ْعل ْع ًال آِشك معي فيه غْيي فهو لَّلي آِشك به‬
‫وآَن منه بريء »‪ ،‬آي آن هللا ْل يقبل منه ْعهل بل يرده عليه‬

‫الِشكُ ي َ ْنقَ رس ُم ا َىل َم ْغ ُف ٍور َوغَ ْ رْي َم ْغ ُف ٍور‪َ ،‬و َآ ْك َ ََب َوآَ ْصغ ََر‪َ ،‬والنه ْو ُع ْ َاِل هو ُل ي َ ْنقَ رس ُم‬
‫«قال ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪َ -‬و َه َذا ر ْ‬
‫ِ‬
‫ِا َىل كَ رب ٍْي َو َآ ْك َ ََب‪َ ،‬ولَيْ َس َ ْ‬
‫يش ٌء رمنْ ُه َم ْغ ُف ٌور »‬

‫يقول هذا الِشك اّلي يتعلق ِف العبادة ينقسم اىل مغفور‪ ،‬وغْي مغفور‬
‫ينقسم اىل غْي مغفور ‪:‬وهو الِشك اِلكَب‪،‬‬
‫ومغفور آي ما دون ذِل‪،‬‬
‫ُِشكَ رب ره َوي َ ْغ رف ُر َما د َ‬
‫ُون َذَٰ ر َِل‬ ‫يقصد ‪-‬رمحه هللا‪ -‬ما دل عليه قول هللا ‪-‬تعاىل‪ ﴿ :‬ا هن اللهـ َه َْل ي َ ْغ رف ُر آَن ي ْ َ‬
‫ِ‬
‫رل َمن يَشَ ا ُء ﴾ [ النساء‪]١١٦ :‬مفن رصف العبادة نفسها لغْي هللا من دعاء‪ ،‬آو ذحب‪ ،‬آو نذر‪ ،‬آو غْي ذِل‬
‫فهذا الِشك اِلكَب اّلي ْل يغفر لكن ان َكنت العبادة هلل‪ ،‬ودخلها يسْي رَّيء‪ ،‬آو يسْي ْسعة‪ ،‬آو حنو‬
‫ذِل فان هذا يُفسد العمل لكن ْل يكون صاحبه ُمنتق ًال به من املَل كام هو الشأن ِف الِشك اِلكَب‬
‫اّلي ْل مطمع لصاحبه ِف مغفرة هللا ان مات عىل ذِل ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وآكَب وآصغر ينقسم اىل آكَب وآصغر‪،‬‬
‫قال‪ :‬والنوع اِلول اّلي هو اِلكَب ينقسم اىل كبْي وآكَب‬
‫فالِشك آيض ًا ُمتفاوت ِف كَبه‪ ،‬اِلكَب الناقل من املَل آيض ًا هو ُمتفاوت ِف كَبه‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫ُِشكَ رب ره‬
‫والكهام الكبْي واِلكَب غْي مغفور‪ ،‬كام قال هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ﴿ : -‬ا هن اللهـ َه َْل ي َ ْغ رف ُر آَن ي ْ َ‬
‫ِ‬
‫ِل رل َمن يَشَ ا ُء ﴾ [ النساء‪]١١٦ :‬‬ ‫َوي َ ْغ رف ُر َما د َ‬
‫ُون َذَٰ ر َ‬

‫الِش رك ه راّلي َْل‬ ‫اَّلل‪ ،‬فَهَ َذا رم َن ر ْ‬‫الِشكُ رِب ه رَّلل رِف الْ َم َح هب رة َوالته ْع رظ رمي‪ :‬آَ ْن ُ رُي هب َم ْخلُوقًا َ َمَك ُ رُي ُّب ه َ‬
‫«قال ‪ :‬فَ رم ْن ُه ر ْ‬
‫ُون ه ر‬
‫اَّلل آَنْدَ ادًا ُ رُيبُّوَّنَ ُ ْم‬ ‫الِشكُ ه راّلي قَا َل ُس ْب َحان َ ُه رفي ره‪َ { :‬و رم َن النه راس َم ْن يَته رخ ُذ رم ْن د ر‬ ‫اَّلل‪َ ،‬وه َُو ر ْ‬ ‫ي َ ْغ رف ُر ُه ه ُ‬
‫الِش رك رِل رلهََتر ر ْم َوقَدْ مجعَتم‬ ‫اب َه َذا ر ْ‬ ‫اَّلل َو ه راّل َين آ َمنُوا آَ َش ُّد ُحبًّا ر ه رَّلل} [ ُس َور ُة الْ َبقَ َر رة‪َ ]165 :‬وقَا َل آَ ْ َ‬
‫حص ُ‬ ‫َك ُح رب ه ر‬
‫َّلل ا ْن ُكنها ل َ رفي ضَ َاللٍ ُمبرنيٍ ‪ -‬اذ نسويُك برب العاملني﴾} [ ُس َور ُة الشُّ َع َرا رء‪. ]98 - 97 :‬‬ ‫الْ َج رح ُمي‪َ{ :‬تَ ه ر‬
‫ِ‬
‫ذكر ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬آن من هذا الِشك اّلي ْل يُغفر‪ ،‬وس يذكر آمثَل ْلحقة عديدة عىل هذا النوع‪،‬‬
‫من هذا الِشك اّلي ْل يُغفر ِشك احملبة واحملبة يه روح العبادة ولُبُ ا‪,‬فهذه احملبة حمبة هللا الت يه‬
‫روح العبادة من اختذ رند ًا مع هللا ُُيبه حمبة ُمساوية حملبة هللا‪ ،‬آو ُمامثَل حملبة هللا‪ ،‬آو آعظم من حمبة هللا‬
‫فهذا من الِشك اِلكَب الناقل من املَل وقد قال هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عن املِشكني ‪َ ﴿ :‬و رم َن النه راس‬
‫ُون اللهـ ره آَندَ ادًا ُ رُيبُّوَّنَ ُ ْم كَ ُح ر‬
‫ب اللهـ ره ﴾ [ البقرة‪]١٦٥ :‬‬ ‫َمن يَته رخ ُذ رمن د ر‬
‫ُيبوَّنم آي اِلنداد كحب هللا آي مكحبَتم هلل ‪,‬وهذا فيه آن املِشكني اّلين حارِم النيب ‪-‬عليه الصالة‬
‫سووا غْي هللا ِبهلل ِف احملبة‪ ،‬جفعلوا غْي هللا مساو ًَّي هلل‬
‫والسالم‪,‬وبُعث فهيم‪َ ،‬كنوا ُيبون هللا‪ ،‬ولكْنم ه‬
‫ِف احملبة الت يه حمبة العبودية‪ ،‬الت تقتيض اّلل واخلضوع‪ ،‬ليست احملبة هنا الطبيعية‬
‫وامنا احملبة هنا حمبة العبودية الت يه حق هلل وحده‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ،-‬وآمارة هذه احملبة آَّنا تقتيض‬
‫اّلل‪ ،‬واخلضوع‪ ،‬والانكسار للمحبوب هذه خاصة ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫فذكر عن املِشكني آَّنم اختذوا آنداد ًا سووِه ِبهلل ِف احملبة‬
‫اَّلل آَنْدَادًا ُ رُيبُّوَّنَ ُ ْم َك ُح رب ه ر‬
‫اَّلل }) آي حمبة تساوي حمبَتم هلل‬ ‫ُون ه ر‬
‫(‪َ { :‬و رم َن النه راس َم ْن يَته رخ ُذ رم ْن د ر‬
‫( َو ه راّل َين آ َمنُوا آَ َش ُّد ُحبًّا ر ه رَّلل) آي من حب املِشكني هلل؛ ِلن حب املؤمنني هلل حب خالص ٍ‬
‫صاف مل‬
‫َيعلوا مع هللا فيه ِشيك‪.‬‬
‫وآما حب املِشكني هلل حَّت وان َكن مث ًال قو ًَّي فهو غْي معتَب؛ ِلنه آُِشك مع هللا فيه غْيه قال‪َ {( :‬و رم َن‬
‫اَّلل َو ه راّل َين آ َمنُوا آَ َش ُّد ُحبًّا ر ه رَّلل} [‬
‫اَّلل آَنْدَ ادًا ُ رُيبُّوَّنَ ُ ْم َك ُح رب ه ر‬
‫ُون ه ر‬
‫النه راس َم ْن يَته رخ ُذ رم ْن د ر‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫سوى ِا املِشكون غْي هللا ِبهلل يندمون علهيا آشد الندامة يوم القيامة كام ِف اِلية‬ ‫وهذه احملبة الت ه‬
‫ون (‪َ )96‬تَ ه رَّلل ان ُكنها لَ رفي ضَ َاللٍ ُّمبرنيٍ‬
‫الت آورد املصنف يقولون وِه ِف النار (قَالُوا َو ُ ِْه رفهيَا َ َْيتَ رص ُم َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )97‬ا ْذ ن ُ َس رو ُيُك رب َر رب الْ َعالَ رم َني )‬
‫ِ‬
‫هل سووا اِللهة برب العاملني ِف اخللق الرزق اْلحياء التدبْي هذه اِلش ياء اذا س ئلوا عْنا قالوا‪ :‬هللا‬
‫وحده لكْنم سووا هذه اِلصنام مع هللا ِف احملبة ُيبوَّنم كحب هللا ‪,‬فيوم القيامة يندمون آشد الندامة‬
‫وْل ينفعهم يومئ ٍذ هذا الندم يقولون‪َ( :‬تَ ه رَّلل ان ُكنها لَ رفي ضَ َاللٍ ُّمبرنيٍ (‪ )97‬ا ْذ ن ُ َس رو ُيُك رب َر رب الْ َعالَ رم َني) آي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِف احملبة وما تقتضيه احملبة من ُذل وخضوع وانكسار وغْي ذِل من آنواع العبودية‬

‫قال رمحه هللا تعاىل‪َ :‬و َم ْعلُو ٌم آََّنه ُ ْم َما َس هو ْو ُ ِْه رب ره ُس ْب َحان َ ُه رِف الْ َخلْ رق‪َ ،‬و هالر ْز رق‪َ ،‬و ْاْل َماتَ رة‪َ ،‬و ْاْل ْحيَا رء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْل‪َ ،‬والْ ُقدْ َر رة‪،‬‬
‫َوالْ ُم ْ ر‬

‫هالرزق هذا فعل هللا‪ ,‬و رالرزق هو النعمة الت مين ِا عىل عبده ‪,‬وهنا يتحدث عن اِلفعال اخللق اْلماتة‬
‫اْلحياء املْل القدرة ‪,‬اذن َالرزق اّلي هو فعل هللا س بحانه وتعاىل‪.‬‬

‫الظ ْ رمل َوالْ َجه رْل ‪ ،‬فَ َك ْي َف ي َُس َوى‬ ‫َوان ه َما َس هو ْو ُ ِْه رب ره رِف الْ ُح رب‪َ ،‬والتهأَ ُّ رهل‪َ ،‬والْخُضُ وعر لَهُ ْم َوالته َذل ُّ رل‪َ ،‬و َه َذا غَاي َ ُة ُّ‬
‫الُّت ُاب رب َر رب ْ َاِل ْر َِب رب‪َ ،‬وكَ ْي َف ي َُس َوى الْ َعبريدُ رب َم ر ر‬ ‫ِ‬
‫اِل رالرقَ راب‪َ ،‬وكَ ْي َف ي َُس َوى الْ َف رق ُْي رِب هّل رات الضه رع ُيف‬ ‫ُّ َ‬
‫رِب هّل رات الْ َع راج ُز رِب هّل رات الْ ُم ْح َت ُاج رِب هّل رات‪ ،‬ه راّلي لَيْ َس َ ُهل رم ْن َذاتر ره ا هْل الْ َعدَ ُم‪ ،‬رِبلْغ ر رَين رِب هّل رات‪ ،‬الْقَا رد رر‬
‫ِ‬
‫رِب هّل رات‪ ،‬ه راّلي رغنَا ُه‪َ ،‬وقُدْ َرتُ ُه َو ُم ْل ُك ُه َو ُجو ُد ُه‪َ ،‬وا ْح َسانُهُ‪َ ،‬و رعلْ ُمهُ‪َ ،‬و َرمح ُتهُ‪َ ،‬ومَك ُهل ال ُمطل ُق التها ُّم م ْن ل َو راز رم‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫َذاتر ره؟‬

‫املِشكون مل يسووا هذه اِلصنام واّلي يندمون عىل هذه التسوية يوم القيامة مل يسووِه ِبهلل ِف‬
‫اخللق‪ ،‬و هالرزق‪ ،‬واْلماتة‪ ،‬والتدبْي‪ ،‬وغْي ذِل‪..‬لك هذه اِلش ياء يقولون ان س ئلوا عْنا آَّنا هلل‬
‫ويفردون هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ِ -‬ا لكْنم سووا غْي هللا ِبهلل ِف احملبة وما يتبعها من اخلضوع واّلل‬
‫والتذلل وحنو ذِل‪.‬يقول‪-‬رمحه هللا ‪[:-‬كيف يسوى الُّتاب برب اِلرِبب‪ ,‬كيف يسوى العبيد مباِل‬
‫الرقاب] ‪ -‬كيف يسوى الفقْي ِبّلات ‪ ،‬الضعيف ِبّلات ‪ ،‬العاجز ِبّلات‪ ،‬احملتاج ِبّلات ‪ ،‬اّلي ليس‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫هل من ذاته اْل العدم ِبلغين ِبّلات القادر ‪ِ ,‬بّلات اّلي غناه وقدرته وملكه وجوده واحسانه وعلمه‬
‫ورمحته وكامهل املطلق التام من لوازم ذاته ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬

‫قال ‪ :‬فَأَ ُّي ُظ ْ ٍمل آَ ْقبَ ُح رم ْن َه َذا؟ َوآَ ُّي ُح ْ ٍُك آَ َش ُّد َج ْو ًرا رمنْهُ؟ َح ْي ُث عَدَ َل َم ْن َْل رعدْ َل َ ُهل ر َخبلْ رق ره‪َ َ ،‬مَك قَا َل‬
‫ات َوالنُّ َور ‪ ُ -‬همث ه راّل َين كَفَ ُروا رب َر ر رِ ْم‬ ‫تَ َع َاىل‪{ :‬الْ َح ْمدُ ر ه رَّلل ه راّلي َخلَ َق ه‬
‫الس َم َاو رات َو ْ َاِل ْر َض َو َج َع َل ُّ‬
‫الظلُ َم ر‬
‫ي َ ْع ردلُ َ‬
‫ون} [ ُس َور ُة ْ َاِلنْ َعا رم‪. ]1 :‬‬
‫ْل رلنَ ْف رس ره َو َْل رلغ ْ رَْي ره‬ ‫ات َوالنُّ َور‪ ،‬رب َم ْن َْل ي َ ْم ر ُ‬ ‫الس َم َاو رات َو ْ َاِل ْر َض َو َج َع َل ُّ‬
‫الظلُ َم ر‬ ‫فَ َعدَ َل الْ ُم ْ ر‬
‫ِشكُ َم ْن َخلَ َق ه‬
‫الس َم َاو رات َو َْل رِف ْ َاِل ْر رض‪ ،‬فَيَا َ َِل رم ْن عَدْ لٍ ت َضَ هم َن َآ ْك َ ََب ُّ‬
‫الظ ْ رمل َوآَ ْقبَ َح ُه‪.‬‬ ‫رمثْقَا َل َذ هر ٍة رِف ه‬

‫يقول رمحه هللا‪ " :‬فأي ظمل آقبح من هذا " اّلي هو التسوية لغْي هللا ِبهلل ‪ ،‬هذه التسوية يه آشد‬
‫الظمل وآقبح الظمل كام ِف اِلية الكرمية ‪ " :‬ان الِشك لظمل عظمي "‪ ",‬والًكفرون ِه الظاملون" فالِشك‬
‫هو آقبح الظمل وآشد الظمل وآش نعه‪.‬‬
‫يقول رمحه هللا ‪" :‬حيث عَدَل من ْل رعدْ ل هل خبلقه "‬
‫عَدَل من ْل رعدْ ل هل آي الرب اّلي ْل ند هل وْل مثال هل وْل نظْي هل س بحانه وتعاىل خبلقه‪ ،‬كام قال‬
‫الظلُ َم ر‬
‫ات َوالنُّ َور "مث مع هذه اخمللوقات العظمية‬ ‫تعاىل‪ " :‬الْ َح ْمدُ ر ه رَّلل ه راّلي َخلَ َق ه‬
‫الس َم َاو رات َو ْ َاِل ْر َض َو َج َع َل ُّ‬
‫اجلليَل الت تفرد ِا مث مع ذِل لكه (اّلين كفروا برِم يعدلون )‬
‫مع هذه العظمة وهذا اخللق وهذا الكامل وهذا اجلالل مع ذِل لكه(اّلين كفروا برِم يعدلون)‬
‫سوى املِشك‬ ‫وهذا غاية السفه وآش نع الظمل يعدلون ِبهلل‪ :‬آي يسوون غْي هللا ِبهلل فعدَل املِشك آي ه‬
‫من خلق السموات واِلرض وجعل الظلامت والنور مبن ْل ميْل لنفسه وْل لغْيه مثقال ذرة ‪ِ ،‬ف‬
‫اَّلل ْل ي َ ْم رل ُك َ‬
‫ون رمثْقَا َل َذ هر ٍة رِف ه‬
‫الس َم َاو رات َوْل‬ ‫السموات وْل ِف اِلرض ‪ ".‬قُ رل ا ْد ُعوا ه راّل َين َز َ ْْع ُ ْت رم ْن د ر‬
‫ُون ه ر‬
‫ِش ٍك َو َما َ ُهل رمْنْ ُ ْم رم ْن َظهر ٍْي "‬
‫رِف ا َِل ْر رض َو َما لَهُ ْم رف رهي َما رم ْن ر ْ‬
‫فياِل من عدل تضمن آكَب الظمل وآقبحه ‪ ،‬العدل هنا التسوية املراد ِبلعدل هنا التسوية‬
‫" اّلين كفروا برِم يعدلون" آي يسوون غْي هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ِ -‬بهلل ِف حقوقه الت ليست اْل هل‬
‫جل ِف عاله‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الخامس و الثالثون‬

‫نسأل هللا الكرَي آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدَن علامً وتوفيق ًا وآن يصلح لنا شأننا لكه انه تبارك‬
‫وتعاىل ْسيع ادلعاء وهو آهل الرجاء ‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وحبمدك آشهد آن ْل اهل اْل آنت آس تغفرك وآتوب اليك‬
‫صل وسمل عىل عبدك ورسوِل نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪.‬‬
‫اللهم ر‬
‫اضغط عىل الرابط لالشُّتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪15‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وأشهد أن ال اهل اال هللا وحده ال رشيك هل وأشهد أن محمدا عبده ورسوهل صىل هللا‬
‫وسمل عليه وعىل أهل وأحصابه أمجعني ‪,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علم‪ ،‬وأصلح لنا شأننا لكه وال‬
‫تلكنا اىل أنفس نا طرفة عني‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫أشري يف مقدمة درس نا هذا اىل فائدة لعل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬أن ينفعنا هبا‪ ،‬أال ويه ‪ :‬أن بعض أهل العمل‬
‫فامي نقهل احلافظ ابن رجب ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف كتابه لطائف املعارف‪ ،‬يرون أن ليةل امجلعة اذا وافقت ليةل من‬
‫ليايل الوتر العرش الواخر من رمضان فهو أحرى أن تكون ليةل القدر‪ ،‬لهذه الفضيةل العظمية أال ويه أن ليةل‬
‫امجلعة يه خري ليايل الس بوع ومثل هذا اذا مسعه املؤمن يبعث فيه نشاطا ملزيد عناية هبذه الليةل ال أن يقترص‬
‫علهيا ‪,‬ولهذا من الخطاء أن ما يُذكر أحياان من تواتر الرؤى عىل تعيني ليةل فينشط لها الناس ويكسلون عن‬
‫غريها هذا من اخلطأ ‪..‬‬
‫ولهذا النيب ‪-‬ﷺ‪ -‬حث عىل حتري ليةل القدر يف العرش الواخر لكها‪ ،‬لكن مثل هذه الفائدة تزيد من نشاط‬
‫املرء هو أصل عىل نشاط فزتيد من نشاطه ‪..‬نسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي أن يُغّمننا أمجعني براكت ليةل‬
‫القدر‪ ،‬وأن يعيننا فهيا ويف لك ليةل ويوم عىل ذكره وشكره وحسن عبادته‬
‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل أهل وحصبه أمجعني ‪,‬اللهم اغفر لش يخنا ووادليه‬
‫وللمسلمني أمجعني ‪,‬قال الش يخ العلمة ابن القمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف كتابه ادلاء وادلواء‪،‬‬
‫ات‪ ،‬فَ ر ّ ْ‬
‫الرشكُ‬ ‫الرشكُ رب ره ُس ْب َحان َ ُه ريف ْ َالفْ َعالر ‪َ ،‬و ْ َال ْق َوالر ‪َ ،‬و ْاال َراد ر‬
‫َات‪َ ،‬وال رنّ َّي ر‬ ‫الرشكَ ر ّ ْ‬ ‫«قال ‪-‬رمحه هللا‪َ : -‬ويَتْبَ ُع َه َذا ر ّ ْ‬
‫ِ‬
‫ريل ْ َال ْح َج رار غَ ْ رري‬ ‫الط َو راف ربغ ْ رَري بَيْ رت ره‪َ ،‬و َحلْ رق َّالرأْ رس ُع ُبو رديَّة َوخُضُ وعا رلغ ْ رَري ره‪َ ،‬وت َ ْقب ر‬ ‫ريف ْ َالفْ َعالر َاك ُّلس ُجو رد رلغ ْ رَري ره‪َ ،‬و َّ‬
‫الس ُجو رد لَهَا‪َ ،‬وقَدْ لَ َع َن النَّ ر ُّيب ‪-‬‬ ‫ريل الْ ُق ُب رور َو ْاس تر َل رمهَا‪َ ،‬و ُّ‬ ‫اَّلل ريف ْ َال ْر رض‪َ ،‬وتَ ْقب ر‬‫الْ َح َج رر ْ َال ْس َو رد َّ راَّلي ه َُو ي َ رم ُني َّ ر‬
‫الصا رل رح َني َم َس راجدَ يُ َص ّّل ر َّ رَّلل رفهيَا‪ ،‬فَ َك ْي َف رب َم رن َّ َاَّت َذ الْ ُق ُب َور أَ ْو ََثان ي َ ْع ُبدُ هَا رم ْن‬
‫ﷺ‪َ -‬م رن َّ َاَّت َذ قُ ُب َور ْ َالنْ ربيَا رء َو َّ‬
‫ُون َّ ر‬
‫اَّلل؟»‬ ‫د ر‬
‫هذا الفصل يذكر فيه ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬أن من أنواع الرشك اليت يه من الرشك الكرب الناقل من مةل‬
‫االسلم‪:‬‬
‫‪ -‬مهنا ما يتعلق ابلفعال‪،‬‬
‫‪ -‬ومهنا ما يتعلق ابلقوال‪،‬‬
‫‪ -‬ومهنا ما يتعلق ابالرادات والنيات‬
‫وأيضا الرشك الصغر كم س يأيت المثةل عىل ذكل عند املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪-‬‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫قال ‪ :‬ويتبع هذا الرشك الرشك به ‪-‬س بحانه‪ -‬يف الفعال والقوال واالرادات والنيات‬
‫لك من هذه قد يقع من هجهتا رشك‪ ،‬فقد يقع الرشك من هجة الفعال وس يذكر عىل ذكل أمثةل ‪,‬وقد يقع‬
‫من هجة القوال وس يذكر عىل ذكل أمثةل ‪,‬وقد يقع من هجة االرادات والنيات وأيضا س يذكر عىل ذكل‬
‫أمثةل ‪..‬‬
‫ذكر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬من أمثةل الرشك يف الفعال ‪ :‬السجود لغري هللا ‪ ،‬قد قال هللا تعاىل ‪َ ﴿ :‬وأَ َّن الْ َم َس راجدَ‬
‫اَّلل أَ َحدا ﴾ [ اجلن ‪]١٨ :‬‬‫ر َّ رَّلل فَ َل تَدْ ُعوا َم َع َّ ر‬
‫فالسجود عبادة ال تكون اال هلل‪ََ ﴿ :‬ي أَُّيُّ َا َّ راَّل َين أ َمنُوا ْار َك ُعوا َو ْاْسُدُ وا َوا ْع ُبدُ وا َ بر َّ ُ ُْك َوافْ َعلُوا الْخ ْ ََري لَ َعل َّ ُ ُْك‬
‫ون ﴾ [ احلج‪ .]٧٧ :‬فهو عبادة ال تكون اال هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ويه هيئة ذل وخضوع وانكسار‬ ‫تُ ْف رل ُح َ‬
‫ويه حاةل يكون فهيا العبد أقرب ما يكون من ربه‪ ,‬فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ ملا يف‬
‫هذه الهيئة من كمل اَّلل والانكسار بني يدي هللا س بحانه وتعاىل‪.‬‬
‫ومن الرشك‪ :‬الطواف بغري بيته‪..‬‬
‫هللا ج ّل وعل رشع هذه العبادة حول بيته قال‪َ ﴿ :‬ولْ َي َّط َّوفُوا رابلْ َبيْ رت الْ َع رت ريق﴾ فهذه عبادة رشعها هللا ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاىل ‪ -‬حول بيته العتيق ‪,‬‬
‫فلك طواف يكون يف أي ماكن حول أي يشء اكن جشر أو قرب أو غري ذكل فهو من الرشك؛‬
‫لن الطواف عبادة ال تكون اال ابلبيت العتيق‪َ ﴿:‬ولْ َي َّط َّوفُوا رابلْ َبيْ رت الْ َع رت ريق﴾ ال تكون اال يف هذا‬
‫املوطن‪,‬مفن جعلها يف موطن أخر أ اَي اكن شأنه ذكل املوطن جحر أو جشر أو قرب أو غري ذكل فان هذا‬
‫من الرشك ابهلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪.-‬‬
‫وكذكل حلق الرأس عبودية وخضوعا لغريه وهللا س بحانه وتعاىل قال‪ُ ﴿ :‬م َح رلّ رق َني ُر ُء َوس ُ ُْك َو ُمقَ ر ّ ر‬
‫رص َين﴾‬
‫وقد أثىن علهيم هبذا الوصف اما يدل عىل أنه من شعائر احلج ومن شعائر العمرة ‪,‬وقد عدّه أهل العمل‬
‫من واجبات احلج وواجبات العمرة ‪-‬حلق الرأس أو تقصريه‪ -‬واحللق أمكل !‬
‫بل دعا النيب ﷺ للمحلقني ثلث مرات وللمقرصين مرة واحدة‪ ,‬فاحللق أمكل من التقصري ولك مهنم‬
‫عبادة هلل‪,‬عندما يزيل الشعر اَّلي عىل رأسه حلقا هل أو تقصريا متقراب هبذا هلل س بحانه وتعاىل هذه‬
‫عبودية ‪ .‬مفن جعل انصيته أمام خملوق من اخمللوقات وحلق بني يديه رأسه أو َّقرص رأسه ُذ اال َّلكل‬
‫اخمللوق أو توبة بني يديه فهذا من الرشك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫ومقصا لهذا‬ ‫ومثل هذا العمل يقع عند أحصاب الطرق الضاةل حىت ان ش يخ بعض الطرق َّ‬
‫يعني ْسادة ا‬
‫العمل من أراد أن يدخل الطريق أو يسكل مسلكهم حيلق رأسه بني يدي الش يخ !‬
‫مفثل هذا العمل هللا عز وجل جعهل من أعمل احلج وأعمل العمرة ومن واجبات احلج وواجبات العمرة‬
‫ُصف لغري هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬اكن ذكل من الرشك ابهلل جل وعل واالمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪-‬‬ ‫فاذا ُ ر‬
‫هل حول هذه املسأةل الكم يف كتابه "زاد املعاد" قال فيه ‪:‬‬
‫حلق الرأس لغري هللا س بحانه كم حيلقها املريدون لش يوخهم فيقول أحدمه‪ :‬أان ُ‬
‫حلقت رأيس لفلن وأنت‬
‫حلقته لفلن‪ ,‬وهذا مبزنةل أن يقول ‪ْ :‬سدت لفلن‪ ،‬فان حلق الرأس خضوع وعبودية وذل‬
‫ولهذا اكن من متام احلج حىت انه عند الشافعي ركن من أراكنه ال يمت اال به‪ ,‬فانه وضع النوايص بني يدي‬
‫رهبا خضوعا لعظمته وتذلل لعزته وهو من أبلغ أنواع العبودية‪.‬‬
‫ولهذا اكنت العرب اذا أرادت اذالل السري مهنم وعتقه حلقوا رأسه وأطلقوه‪ ,‬جفاء ش يوخ الضلل‬
‫واملزامحون للربوبية اَّلين أساس مش يخهتم عىل الرشك والبدعة فأرادوا من مريدُّيم أن يتعبدوا هلم فزينوا‬
‫هلم حلق رؤوسهم هلم كم زينوا هلم السجود هلم ومسوه بغري امسه وقالوا‪ :‬هو وضع الرأس بني يدي‬
‫الش يخ‪ ,‬ول َعمر هللا ان السجود هلل هو وضع الرأس بني يديه س بحانه ‪,‬وزيّنوا هلم أن ينذروا هلم ويتوبوا‬
‫هلم وحيلفوا بأسمهئم وهذا هو اَّتاذمه أراباب وألهة من دون هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫قال رمحه هللا تعاىل‪ ( :‬وتقبيل الجحار غري احلجر السود اَّلي هو ميني هللا يف الرض )‬
‫احلجر السود ‪:‬هو املاكن الوحيد يف ادلنيا لكها اَّلي ي ُرشع تقبيهل تعبدا وتقراب هلل ‪,‬حىت ان هجات‬
‫الكعبة املرشفة لكها ليس فهيا ما يرشع أن يُقبَّل حىت الركن الاميين ال يرشع أن يُقبّل‪,‬وهجات الكعبة لكها‬
‫ليس فهيا أي هجة ي ُرشع أن تُقبل‪ ,‬فل يرشع أن يُقبل اال احلجر السود فقط‬
‫وتقبيل احلجر السود هو تأ ٍّّس واقتداء ابلنيب الكرمي عليه الصلة والسلم ولهذا ملا قبَّل رمر ر ي هللا‬
‫عنه احلجر السود قال ‪ :‬أما اين لعمل أنك جحر ال ترض وال تنفع ولوال أين رأيت رسول هللا ﷺ‬
‫يقبكل ما قبلتك‪.‬‬
‫فهو تأ ٍّّس ابلنيب الكرمي صلوات هللا وسلمه عليه قبّل احلجر السود ﷺ واس تمل الركن الاميين‬
‫وليس يف ادلنيا ماكن اطلقا يرشع أن يقبل اال هذا املوطن اَّلي هو احلجر السود‪,‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫ولهذا يقول ش يخ االسلم ابن تميية رمحه هللا تعاىل‪ :‬وأما المتسح ابلقرب أي قرب اكن وتقبيهل ومتريغ اخلد‬
‫عليه مفهنيي عنه ابتفاق املسلمني ولو اكن ذكل من قبور النبياء ومل يفعل هذا أحد من سلف المة‬
‫وأمئهتا بل هذا من الرشك!‬
‫ولهذا ابن القمي رمحه هللا يف عَ ّرده هنا لنواع الرشك عَ َّد مهنا ‪ :‬تقبيل الجحار غري احلجر السود ‪ ،‬واحلجر‬
‫يُقبّل عبادة وطاعة هلل واتر ّباعا لرسوهل الكرمي عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫قال‪ (( :‬وتقبيل القبور واس تلهما والسجود لها هذا لكه من الرشك ))‬
‫أن يقبل قربا أو يس تمل القرب ومعىن يس تمل القرب‪ :‬يضع يده عىل القرب وميسح ‪ ،‬ميسح يده عىل القرب أو‬
‫ميسح سارية أو ميسح ابب مسجد أ اَي اكن ‪ ,‬فهذا املسح أو التقبيل ال يرشع اال يف احلجر السود وان مل‬
‫يمتكن من تقبيهل ف ُيمسح ( ي ُس تمل ) و كذكل الركن الاميين ي ُس تمل وما سوى ذكل ال يرشع يف أي ماكن‬
‫يف ادلنيا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتقبيل القبور واس تلهما والسجود لها أي أن لك ذكل من الرشك‬
‫يقول رمحه هللا‪ :‬وقد لعن النيب ﷺ من اَّتذ قبور النبياء والصاحلني مساجد يُ َّ‬
‫صىل هلل فهيا فكيف‬
‫مبن اَّتذ القبور أوَثان يعبدها من دون هللا‬
‫اذا اكن النيب عليه الصلة والسلم لعن من اَّتذ قبور النبياء مساجد‪ :‬يعين اَّتذ قبور النبياء موطنا‬
‫يتحرى فيه العبادة يصّل فهيا هلل ليس للقرب لعن من فعل ذكل ملاذا لعن من فعل ذكل؟!‬
‫من صىل هلل عند قبور النبياء أو عند قبور الصاحلني هلل خالصا يبتغي بصلته وجه هللا مل يكن يف‬
‫قلبه ارادة رشك وامنا يريد وجه هللا بذكل لعن النيب ﷺ من فعل ذكل؛ لن هذا ذريعة للرشك‪.‬‬
‫قد يقع الرشك من هذا الشخص نفسه وقد يقع الرشك يف أههل وذريته فامي بعد‪ ,‬وهذا من أعظم مداخل‬
‫الش يطان اليت دخل عىل الناس فهيا فأوقعهم يف عبادة غري هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫قال‪ :‬قد لعن النيب ﷺ من اَّتذ قبور النبياء والصاحلني مساجد يصىل هلل فهيا فكيف مبن اَّتذ‬
‫القبور أوَثان يعبدها من دون هللا مث ساق أحاديث عديدة يف هذا الباب‪..‬‬

‫اَّلل الْهيَ ُو َد َوالنَّ َص َارى‪َ َّ ،‬اَّت ُذوا قُ ُب َور‬


‫الص رحي َح ْ رني َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أَن َّ ُه قَا َل‪« :‬لَ َع َن َّ ُ‬
‫قال رمحه هللا تعاىل ‪:‬فَ رفي َّ‬
‫أَنْ ربيَاهئر ر ْم َم َس راج َد» ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫ون الْ ُق ُب َور‬


‫الساعَ ُة َو ُ ْمه أَ ْحيَا ُء‪َ ،‬و َّ راَّل َين يَتَّ رخ ُذ َ‬
‫رش َار النَّ راس َم ْن تُدْ رر ُكهُ ُم َّ‬ ‫الص رحي رح أيضا َع ْنهُ‪« :‬ا َّن ر َ‬ ‫َو ريف َّ‬
‫ِ‬
‫َم َس راجدَ » ‪.‬‬
‫ون الْ ُق ُب َور َم َس راجدَ‪ ،‬أَ َال فَ َل تَتَّ رخ ُذوا الْ ُق ُب َور‬ ‫الص رحي رح أَيْضا َع ْنهُ‪« :‬ا َّن َم ْن َاك َن قَ ْبلَ ُ ُْك َاكنُوا يَتَّ رخ ُذ َ‬ ‫و ريف َّ‬
‫َ ر َ ّ َ ُ ْ َ ر َِ‬
‫َم َساجدَ‪ ،‬فا رين أْنْ َاُك َع ْن ذكل» ‪.‬‬
‫ِ‬
‫حصي رح ا ْب رن رحبَّ َان َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬لَ َع َن َّ ُ‬
‫اَّلل َز َّو َار رات‬ ‫اَّلل َع ْن ُه ‪َ -‬و َ ر‬ ‫ ي َّ ُ‬ ‫َو ريف ُم ْس نَ رد ْاال َما رم أَ ْ َمحدَ ‪َ -‬ر ر َ‬
‫ِ‬
‫الْ ُق ُب رور‪َ ،‬والْ ُمتَّ رخ رذ َين عَلَهيْ َا الْ َم َس راجدَ َو ُّ ُ‬
‫الُّس َج» ‪.‬‬
‫َوقَا َل‪ْ « :‬اش تَ َّد غَضَ ُب َّ ر‬
‫اَّلل عَ َىل قَ ْو ٍّم َّ َاَّت ُذوا قُ ُب َور أَنْ ربيَاهئر ر ْم َم َس راجدَ » ‪.‬‬
‫الصا رل ُح‪ ،‬بَنَ ْوا عَ َىل قَ ْ ررب ره َم ْسجر دا‪َ ،‬و َص َّو ُروا رفي ره تر ْ َ‬
‫كل‬ ‫ات رف رهي ُم َّالر ُج ُل َّ‬ ‫َوقَا َل‪« :‬ا َّن َم ْن َاك َن قَ ْبلَ ُ ُْك‪َ ،‬اك َن ا َذا َم َ‬
‫رش ُار الْ َخلْ رق رع ْن ِدَ َّ ر‬
‫اَّلل ي َ ْو َم الْ رقيَا َم رة» ‪.‬‬
‫ِ‬
‫الص َو َر‪ ،‬أُولَئر َك ر َ‬ ‫ُّ‬
‫هذه مجةل من الحاديث أوردها ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف هذا الباب ابب الهنيي عن اَّتاذ قبور النبياء‬
‫والصاحلني مساجد‪ ,‬لو تأملت هذه الحاديث جتد أن فهيا اللعن لفاعل ذكل‪ ,‬واللعن‪ :‬طرد وابعاد من رمحة‬
‫هللا ‪,‬وال يكون اللعـن اال يف أمر عظيـم ففهيا لعن ‪ ,‬وفهيا اخبار النيب ﷺ أن أهل هذا الفعل وهذا‬
‫الصنيع من رشار اخللق‪ ,‬وفيه اخباره عليه الصلة والسلم أن أهل هذا الفعل قد اش تد غضب هللا علهيم‬
‫كم يف احلديث اَّلي ذكره‪ (( :‬اش تد غضب هللا عىل قوم اَّتذوا قبور أنبياهئم مساجد ))‬
‫ففهيا لعن وفهيا أْنم من رشار اخللق وفهيا اش تداد غضب هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪-‬عىل أهل هذا العمل‬
‫وفيه الهنيي املؤكد يف احلديث اَّلي أورده رمحه هللا‪ (( :‬ان من اكن قبلُك اكنوا يتخذون القبور مساجد‬
‫أال فل تتخذوا القبور مساجد فاين أْناُك عن ذكل))‬
‫انظر التأكيد قال‪ :‬فل تتخذوا مث قال‪ :‬فاين أْناُك ‪..‬هذا لكه تأكيد ابلــغ يف الهنّ يي ففي هذه الحاديث ْنيي‬
‫‪ ،‬وفهيا تأكي ٌد للهنيي ‪ ،‬وفهيا لعن ‪ ،‬وفهيا أْنم من رشار اخللق ‪ ،‬وفهيا اش تداد غضب هللا س بحانه وتعاىل‬
‫عىل من يفعل ذكل فهذا يدل عىل أن المر خطري للغاية‪,‬‬
‫وهذا لكه من متام نصح النيب ‪ -‬ﷺ بل ان بعض هذه الحاديث ُمسعت منه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قبل وفاته‬
‫خبمس وقبل وفاته بلحظات وهو يلعن قبل وفاته بلحظات يلعن من يفعل ذكل حي ّذر اما صنعوا‬
‫وهذا المر فيه خطورة عظمية جدا عىل أدَين النّاس؛ ولهذا اكن نبينا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬حي ّذر منه أش ّد‬
‫التحذير؛ لنه من أعظم ذرائع الرشك وأش ّد أبوابه خطرا عىل النّاس‪,‬‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫والنيب ﷺ ملا دعا اىل التوحيد وْنيى عن الرشك َمحى رحم التّوحيد وس ّد لك ذريعة تفيض اىل الرشك‬
‫وهذا من كمل نصحه صلوات هللا وسلمه وبراكته عليه‪.‬‬

‫قال ‪ -‬رمحه هللا تعاىل ‪ : -‬فَهَ َذا َحا ُل َم ْن َْسَدَ ر َّ رَّلل ريف َم ْسجر ٍّد عَ َىل قَ ْ ٍّرب‬
‫يف مسجد عىل قرب ‪ :‬أي مسجد بين عىل قرب‪ ,‬فاذا بين املسجد عىل القرب مل تصح الصلة فيه ‪ ,‬اذا بين‬
‫الصلة ال تصح فيه‪ ,‬والمر ليس ّهبني المر فيه ماذا؟ ‪ -‬فيه لعن وفيه اش تداد‬‫املسجد عىل القرب فا ّن ّ‬
‫غضب وفيه أن ّه من رشار اخللق وفيه ْنيي وفيه تأكيد للهنيي‪ .‬فالمر ليس ّ‬
‫ابلهني فهذا حال من ْسد هلل‬
‫يف مسجد عىل قرب أي مسجد بين عىل قرب ‪.‬‬

‫‪ ،‬فَكَ ْي َف َحا ُل َم ْن َْسَدَ لرلْقَ ْ ررب ن َ ْف رس ره؟‬


‫العجيب هنا يف هذا املقام‪ :‬أ ّن بعض النّاس يرتك هذه الحاديث لكها الواحضة البينة الرصحية يف هذا‬
‫الباب ّمث يذهب حيتج ابملتشابه يرتك ّ‬
‫البني الواحض ويذهب حيتج ابملتشابه ‪ ،‬يرتك أحاديث النيب و‬
‫نصحه اَّلي قبيل وفاته بلحظات ‪ّ ،‬مث يأيت حيتج بأمر ال جحّة هل فيه أصل‬
‫الرصحية‬
‫فيقول هذا قرب النيب ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬بُين عليه مسجده ! ‪ ,‬فيرتك هذه الحاديث ّ‬
‫السلم ‪ -‬مل‬‫الصلة و ّ‬ ‫ويس تدل هبذا المر وهو اس تدالل يف غري ّ‬
‫حمهل؛ ل ّن اذا تأ ّمل املتأمل ‪ -‬النيب عليه ّ‬
‫يُدفن يف املسجد ‪,‬وان ّم دُفن يف جحرة عائشة وسبب دفنه يف جحرة عائشة ٌ‬
‫حديث رواه أبو بك ٍّر ‪ -‬ر ي‬
‫هللا عنه ‪ -‬يف تكل احلادثة‪ ,‬قال هلم ‪ :‬أن ّه مسع النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أخرب أ ّن " النبياء يدفنوا حيث ماتوا‬
‫"مفات يف جحرة عائشة فدفن يف احلجرة ابلنص فدفن يف جحرة عائشة ليس ابجهتاد وامنا بنص عن رسول‬
‫هللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬نقهل صدّيق ال ّمة ‪ -‬ر ي هللا عنه ‪ -‬فدفن يف جحرة عائشة ‪ ،‬وجحرة عائشة ‪ -‬ر ي‬
‫السلم –‬ ‫هللا عهنا ‪ -‬اىل جنهبا احلجرات بيواتت النيب ‪ -‬عليه الصلة و ّ‬
‫بقي عىل هذه احلال املسجد واىل جنبه البيت والنيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬دفن يف البيت بنص عنه ورد ‪ ،‬مل‬‫و َ‬
‫السلم ‪ -‬أههل حتيض الواحدة فيه‬
‫الصلة و ّ‬
‫يدفن يف املسجد والبيت خارج املسجد ‪ ،‬البيت اكن ‪ -‬عليه ّ‬
‫ويأيت أههل فيه ليس من املسجد ‪,‬املسجد ال تدخهل احلائض وهذا بيت لزواجه خارج املسجد ودفن فيه‬
‫ابلنّص و َ‬
‫بقي مدفوان ( بقي ) يف هذا املاكن يف احلجرات ‪,‬ملا حصلت التوسعة وأنكر ذكل بعض السلف‬
‫يف زمن بين أمية ‪-‬حصلت التوسعة من هجة الرشق‪ -‬أحيطت احلجرات بسور فبقيت احلجرات مبا فهيا‬
‫قرب النيب ﷺ تعترب هجة منفصةل وهذا موضعها وهذا ماكن النيب ﷺ اَّلي دفن فيه بنص عنه‬
‫صلوات هللا وسلمه عليه‪ ,‬لكهنا هجة منفصةل حماطة جبدر حىت ان النيب عليه الصلة والسلم قال ‪< :‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫اللهم ال جتعل قربي وثنا يعبد > واس تجاب هللا دعاءه ‪ ،‬فل أحد يصل اىل القرب ‪ ،‬حماط جبدر ‪ -‬ويه‬
‫تعترب هجة منفصةل ‪. -‬‬
‫مفن حيتج به ال جحة هل أصل يف ذكل‪ ،‬مث يقال هل ‪ :‬كيف ترتك هذه الحاديث الواحضة هذا اَّلي يتعلق‬
‫بقرب النيب ﷺ هذه حادثة عني لها وضع خاص واحض وهو معروف عند أهل العمل‬
‫وأما أن يؤىت اىل مسجد قامئ مث يدفن فيه أحد املعظمني أو يؤىت اىل قرب لحد املعظمني ويبىن فوقه‬
‫مسجد‪ ,‬فهذا لكه يتناوهل تناوال واحضا هذه الحاديث الرصحية عن نبينا الكرمي صلوات هللا وسلمه‬
‫وبراكته عليه ‪.‬‬
‫فَهَ َذا َحا ُل َم ْن َْسَدَ ر َّ رَّلل ريف َم ْسجر ٍّد عَ َىل قَ ْ ٍّرب‪ ،‬فَكَ ْي َف َحا ُل َم ْن َْسَدَ رللْقَ ْ ررب ن َ ْف رس ره؟‬
‫َوقَدْ قَا َل النَّ ر ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬اللَّهُ َّم َال َ ْجت َع ْل قَ ْ رربي َوثَنا يُ ْع َبدُ » ‪َ ،‬وقَدْ َ َمحى النَّ ر ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬جا رن َب التَّ ْو رحي رد‬
‫الش ْم رس َو رع ْندَ غُ ُروهبر َا؛ رلئَ َّل يَ ُك َ‬
‫ون‬ ‫أَع َْظ َم ر َمحاي َ ٍّة‪َ ،‬ح َّىت ْنَ َيى َع ْن َص َل رة التَّ َط ُّوعر ر َّ رَّلل ُس ْب َحان َ ُه رع ْندَ ُطلُوعر َّ‬
‫ون لَهَا ريف هَات ْ رَني الْ َحالَتَ ْ رني‪.‬‬ ‫الش ْم رس َّ راَّل َين ي َْس ُجدُ َ‬ ‫َذ رري َعة ا َىل الت َّ َش ُّب ره رب ُعبَّا رد َّ‬
‫الص ْب رح؛ رال رتّ َصالر َه َذ ْي رن الْ َو ْقتَ ْ رني رابلْ َو ْقتَ ْ رني َّ َ‬ ‫ِ‬
‫الَّيْ رن ي َْس ُجدُ‬ ‫الص َل َة ب َ ْعدَ الْ َع ْ ر‬
‫رص َو ُّ‬ ‫َو َس َّد ا ََّّل رري َع َة ربأَ ْن َمنَ َع َّ‬
‫ون رف رهي َما رل َّلش ْم رس‪.‬‬ ‫رش ُك َ‬ ‫الْ ُم ْ ر‬
‫اَّلل فَقَا َل‪َ « :‬ال يَن ْ َب رغي ر َل َح ٍّد أَ ْن ي َْس ُجدَ ر َل َح ٍّد ا َّال ر َّ رَّلل» ‪.‬‬‫الس ُجو ُد رلغ ْ رَري َّ ر‬ ‫َوأَ َّما ُّ‬
‫ِ‬
‫رشعا‪ ،‬كَقَ ْو ر رهل تَ َع َاىل‪َ :‬و َما‬ ‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬رل َّ رَّي ه َُو ريف غَاي َ رة راال ْم رتنَاعر َ ْ‬ ‫اَّلل َو َر ُس ر ر‬ ‫َو " َال يَن ْ َب رغي " ريف َ َالك رم َّ ر‬
‫مح رن أَ ْن يَتَّ رخ َذ َو َدلا} ُ[س َور ُة َم ْر َ َمي‪َ . ]92 :‬وقَ ْو ر رهل‪َ :‬و َما يَن ْ َب رغي َ ُهل} ُ[س َور ُة يس‪. ]69 :‬‬ ‫يَنْ َب رغي رل َّلر ْ َ‬
‫ني ‪َ -‬و َما يَن ْ َب رغي لَهُ ْم} ُ[س َور ُة الشُّ َع َرا رء‪. ]211 - 210 :‬‬ ‫الش َيا رط ُ‬ ‫َوقَ ْو ر رهل‪َ :‬و َما ت َ ََّزنل َ ْت رب ره َّ‬
‫َوقَ ْو ر رهل‪َ :‬ما َاك َن يَن ْ َب رغي لَنَا أَ ْن نَتَّ رخ َذ رم ْن ُدو رن َك رم ْن أَ ْو رل َي َاء} ُ[س َور ُة الْ ُف ْرقَ ران‪]18 :‬‬

‫الرشكُ ريف الل َّ ْفظر]‬ ‫[فَ ْص ٌل ر ّ ْ‬


‫الرشكُ رب ره ريف الل َّ ْفظر‪َ ،‬اكلْ َح رل رف ربغ ْ رَري ره‪َ َ ،‬مَك َر َوا ُه أَ ْمحَدُ َوأَبُو د َُاو َد َع ْن ُه ‪ -‬ﷺ ‪-‬‬ ‫الرش رك رب ره ُس ْب َحان َ ُه ر ّ ْ‬ ‫َو رم َن ر ّ ْ‬
‫حص َح ُه الْ َح راُكُ َوابْ ُن رحبَّ َان‪.‬‬
‫رشكَ » َ َّ‬ ‫أَن َّ ُه قَا َل‪َ « :‬م ْن َحلَ َف ربغ ْ رَري َّ ر‬
‫اَّلل فَقَدْ أَ ْ َ‬
‫اَّلل َو رشئْ َت‪َ َ ،‬مَك «ثَبَ َت َع رن النَّ ر ر ّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أَن َّ ُه قَا َل َ ُهل َر ُج ٌل‪:‬‬ ‫وق‪َ :‬ما َش َاء َّ ُ‬ ‫َو رم ْن َذ ر َكل قَ ْو ُل الْقَائر رل لرلْ َم ْخلُ ر‬
‫اَّلل َو رشئْ َت‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬أَ َج َعلْتَ رين ر َّ رَّلل رنداا؟ قُ ْل َما َش َاء َّ ُ‬
‫اَّلل َو ْحدَ ُه‪».‬‬ ‫َما َش َاء َّ ُ‬
‫ُك أَ ْن ي َْس َت رق َمي} ُ[س َور ُة التَّ ْك روي رر‪. ]28 :‬‬‫اَّلل قَدْ أَثْبَ َت لرلْ َع ْب رد َم رشيئَة‪َ ،‬كقَ ْو ر رهل‪ :‬رل َم ْن َش َاء رمنْ ُ ْ‬ ‫َه َذا َم َع أَ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َو َح ْس ب َرك‪َ ،‬و َما ريل ا َّال َّ ُ‬
‫اَّلل َوأَنْتَ ‪،‬‬ ‫اَّلل َوعَلَ ْي َك‪َ ،‬وأَانَ ريف َح ْس رب َّ ر‬ ‫لك عَ َىل َّ ر‬ ‫فَ َك ْي َف رب َم ْن ي َ ُقو ُل‪ :‬أَانَ ُمتَ َو ر ّ ٌ‬
‫ِ‬
‫الس َما رء َوأَن َْت ريف ْ َال ْر رض‪.‬‬ ‫اَّلل ريل ريف َّ‬ ‫اَّلل َو رمنْ َك‪َ ،‬و َه َذا رم ْن بَ َر َاك رت َّ ر‬
‫اَّلل َوبَ َر َاكتر َك‪َ ،‬و َّ ُ‬ ‫َو َه َذا رم َن َّ ر‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫اَّلل َوفُ َلان‪،‬‬


‫اَّلل‪َ ،‬و َحيَا رة فُ َل ٍّن‪ ،‬أَ ْو ي َ ُقو ُل ن َْذرا ر َّ رَّلل َو رل ُف َل ٍّن‪َ ،‬وأَانَ اتَ ئر ٌب ر َّ رَّلل َو رل ُف َل ٍّن‪ ،‬أَ ْو أَ ْر ُجو َّ َ‬
‫ول‪َ :‬و َّ ر‬ ‫أَ ْو ي َ ُق ُ‬
‫اَّلل َو رشئْ َت‪َّ ُ .‬مث ان ُْظ ْر أَُّيُّ ُ َما أَفْ َح ُش‪ ،‬يَتَبَ َّ ْني‬ ‫َو َ َْن ُو َذ ر َكل‪.‬فَ َو راز ْن ب َ ْ َني َه رذ ره ْ َاللْ َف راظ َوب َ ْ َني قَ ْولر الْقَائر رل‪َ :‬ما َش َاء َّ ُ‬
‫كل الْ َ رلك َم رة‪َ ،‬وأَن َّ ُه ا َذا َاك َن قَدْ َج َع َ ُهل رنداا ر َّ رَّلل هبر َا‪ ،‬فَهَ َذا‬
‫َ َكل أَ َّن قَائرلَهَا أَ ْو َىل ر َجب َو راب النَّ ر ر ّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬رلقَائر رل تر ْ َ‬
‫ِ‬
‫ون رم ْن أَعْدَ ائر ره ‪ -‬نداار‬ ‫يش ٍّء رم َن ْ َال ْش َيا رء ‪ -‬بَل ل َع ُهل أ ْن يَك َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫اَّلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ريف َ ْ‬ ‫قَدْ َج َع َل َم ْن َال يُد رَاين َر ُسو َل َّ ر‬
‫رل َر ر ّب الْ َعالَ رم َني‪.‬‬
‫هذا الفصل يذكر فيه ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬ما يتعلق ابلرشك يف اللفاظ؛ لنه مر معنا أن الرشك‪ :‬منه ما‬
‫يكون يف الفعال‪ ,‬ومنه ما يكون يف القوال‬
‫فهذا الفصل عقده لبيان ما يتعلق ابلرشك يف اللفاظ‪,‬واللفاظ كثريا ما يقع فهيا أنواع من الرشك‪َ ,‬و رم َّما‬
‫ينبه عليه يف هذا املقام أن بعض العوام اذا قال لفظا فيه رشك ونبه عليه ُووحض هل ما فيه من الرشك‬
‫قال‪ :‬قصدي مل يكن هذا‪ -‬قصدي سلمي وهذا مل أقصده‪-‬‬
‫يقال هل‪ :‬ان الرشيعة كم أْنا جاءت ابصلح القصد جاءت أيضا ابصلح اللسان‪ ,‬وال يكفي فقط صلح‬
‫اَّلل َوقُولُوا قَ ْوال َس رديدا }‪..‬‬
‫القصد بل البد أيضا من صلح اللسان وأن تكون ألفاظ املرء سلمية ات َّ ُقوا َّ َ‬
‫أما أن يقول قوال سيئا ‪,‬أو قوال فيه الرشك‪ ,‬مث يقول أان قصدي سلمي ونييت سلمية ومل أقصد هذا املعىن!‬
‫الرشيعة جاءت ابصلح املقاصد واصلح العمل أيضا واصلح القوال ‪.‬‬
‫فهذا ابب من أبواب الرشك اَّلي هو اللفاظ ويؤاخذ املرء عليه حىت وان اكن مل يقصد‪ ,‬لكن لو قصد‬
‫حىت ولو مل يقل ‪-‬المر يكون غاية يف اخلطورة ‪-‬اذا قصد هذا املعىن التسوية تسوية غري هللا ابهلل حىت‬
‫وان مل يتلفظ ‪-‬جمرد ما يكون هذا القصد قامئ يف قلبه ‪-‬هذا من الرشك العظمي ‪-‬والعياذ ابهلل‪-‬‬
‫قال‪ :‬ومن الرشك به س بحانه الرشك به يف اللفاظ اكحللف بغري هللا‪،‬اكحللف مثل ابلكعبة أو ابلنبياء‬
‫أو ابلصاحلني أو غري ذكل فهذا لكه من الرشك‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪ (( :‬ال حتلفوا بأابئُك وال بأهماتُك من اكن حالفا فليحلف ابهلل )) قال‪ ( :‬من‬
‫حلف بغري هللا فقد كفر أو أرشك)‬
‫فاحللف بغري هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬من الرشك وهو من الرشك الصغر لكن ان حصب ذكل تعظمي‬
‫للمحلوف به كتعظمي هللا أو أشد فهذا من الرشك الكرب‬
‫وهذا قد يقع عند بعض أهل الضلل املُعظ رمني لبعض الولياء املزعومني‪ ,‬قد يقع يف قلبه تعظمي َّلكل‬
‫الويل مثل تعظمي هللا أو أشد‪,‬وهذا ال يكون من الرشك الصغر بل من الرشك الكرب‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫ولهذا اما يذكر يف هذا املقام قرأت بأحد الكتب أن خشصا ُح رلف ابهلل حفلف مث ُح رلف بأحد الولياء‬
‫املعظمني عندمه حفلف أيضا فغضب أحد احلارضين‪-‬أان ملا وصلت اىل هذه امجلةل ( فغضب أحد‬
‫احلارضين) ظننت غضب من أجل الرشك حلف بغري هللا مث أمكلت الالكم فذهلت‪-‬‬
‫قال‪ :‬فغضب أحد احلارضين وقال حتلف ابلويل الفلين وأنت تعمل أنه يعمل أنك اكذب !‬
‫ملا حلف ابهلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ما حصل هل هذا الغضب وملا حلف ابلويل غضب وأورد هذا الالكم‬
‫هذا رشك أكرب ال ريب هذا رشك أكرب ‪-‬من الرشك الناقل من املةل –‬
‫لكن جمرد احللف وجميؤه عىل اللسان حلف بغري هللا وجميؤه عىل اللسان هذا من الرشك الصغر اَّلي‬
‫يسمى رشك اللفاظ‪:‬‬
‫مثاهل‪ :‬احللف بغري هللا ابلكعبة أو ابلنيب عليه الصلة والسلم أو ابلويل أو ابلابء أو ابلهمات أو غري‬
‫ذكل‪..‬قال عليه الصلة والسلم ‪":‬من حلف بغري هللا فقد أرشك"‬
‫‪ ‬ومن ذكل قول اخمللوق للمخلوق‪" :‬ما شاء هللا وشئت" هنا الواو تشلك خطورة يف هذا‬
‫سوى بني مشيئة‬‫املوطن؛ لن الواو تفيد مطلق التسوية‪ ,‬فلم يقول‪ ":‬ما شاء هللا وشئت" َّ‬
‫اخمللوق ومشيئة اخلالق جعل مشيئة اخمللوق مساوية ملشيئة اخلالق ‪.‬‬
‫اذا قال‪ :‬مل أقصد هذا يقال هل‪ :‬لو قصدت هذا حىت لو مل تتلفظ به لو قصدت هذا يعين اعتقدت أن‬
‫مشيئة اخمللوق مساوية ملشيئة هللا فهذا رشك أكرب‬
‫لكنه جمرد جميء هذا اللفظ عىل اللسان دون أن يقصد احلقيقة هذا من الرشك الصغر اَّلي هو رشك‬
‫اللفاظ‪ -‬الرشك اَّلي يتعلق بلسان االنسان ونطقه ‪-‬‬
‫قال‪ :‬أن يقول‪" :‬ما شاء هللا وشئت" كم ثبت أن النيب ﷺ_قال هل رجل "ما شاء هللا وشئت"‬
‫فقال‪ ":‬أجعلتين هلل رندا قل‪ :‬ما شاء هللا وحده"‬
‫وجاء يف بعض الحاديث أنه ْنيى أن يقال‪ ":‬ما شاء هللا وشئت" قال‪ :‬قولوا‪ ":‬ما شاء هللا مث شئت"‬
‫فان قال القائل‪ ":‬ما شاء هللا مث شئت" ال حرج والمكل أن يقول ‪ ":‬ما شاء هللا وحده"‬
‫وان قال ‪ ":‬ما شاء هللا مث شئت" ال حرج؛ لن " مث " العطف هبا يفيد املهةل والرتايخ ال يفيد‬
‫التسوية مثل ما تفيده الواو‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫يقول ‪ :‬هذا مع أن هللا قد أثبت للعبد مشيئة‪ :‬العبد هل مشيئة ( رل َم ْن َش َاء رمنْ ُ ُْك أَ ْن ي َْس تَ رق َمي ) }‬
‫اَّلل َر ُّب الْ َعالَ رم َني ) }‬ ‫( َو َما تَشَ ا ُء َ‬
‫ون اال أَ ْن يَشَ َاء َّ ُ‬
‫ِ‬
‫العبد هل مشيئة‪ -‬مع أنه مثبتة هل املشيئة لكن ما جيوز أن نأيت هبذا اللفظ ‪":‬ما شاء هللا وشئت" ‪-‬‬
‫فكيف اذا يجء بلفظ ُس ّروي فيه بني اخمللوق وهللا يف يشء أصل ال حظَّ للعبد منه !‬
‫قال‪ :‬هذا مع أن هللا قد أثبت للعبد مشيئة كقوهل ( رل َم ْن َش َاء رمنْ ُ ُْك أَ ْن ي َْس َت رق َمي ) } فكيف مبن يقول‪":‬‬
‫أان متولك عىل هللا وعليك " والتولك ال يكون اال عىل هللا‬
‫اَّلل فَتَ َو َّ ُلكوا ا ْن ُك ْن ُ ْمت ُم ْؤ رم رن َني} } فالتولك ال يكون اال عىل هللا‬
‫َوعَ َىل َّ ر‬
‫ِ‬
‫حسب هللا وحس بك" احلسب‪ :‬الكفاية ََي أَُّيُّ َا النَّ ر ُّيب َح ْس ُب َك َّ ُ‬
‫اَّلل } احلسب هو‪:‬‬ ‫أو قال ‪ ":‬أان يف ر‬
‫الكفاية فالاكيف هو هللا‬
‫أو قال ‪" :‬مايل اال هللا وأنت" "وهذا من هللا ومنك" "وهذا من براكت هللا وبراكتك" أو قال‪ ":‬هللا‬
‫يل يف السمء وأنت يل يف الرض" أو قال‪ ":‬وهللا وحياة فلن" أو يقول نذران هلل ولفلن" أو‬
‫"أين اتئب هلل وفلن" أو أرجو هللا وفلن" وَنو ذكل‪..‬فهذه من اللفاظ لكها أش نع من اللفظ اَّلي‬
‫قال النيب ﷺ لصاحبه ‪ ":‬ما شاء هللا وشئت"‬
‫ولو نظر االنسان يف واقع الناس ألفاظهم جيد أن هذه اللفاظ وقريبا مهنا ومثلها أو أشد مهنا موجودة يف‬
‫اللفاظ ولكها من الرشك اليت جيب أن يصان اللسان عهنا‬
‫قال‪ :‬فوازن بني هذه اللفاظ وبني قول القائل‪ " :‬ما شاء هللا وشئت" مث انظر أُّيم أحفش‬
‫بتبني كل أن قائلها أوىل جبواب النيب ﷺ لقائل تكل اللكمة حيث قال هل‪ ":‬أجعلتين هلل ندا‪ ،‬بل ما‬
‫ّ‬
‫شاء هللا وحده"‪.‬‬
‫لك‪َ ،‬و ْاالانَ ب َ ُة‪َ ،‬والتَّ ْق َوى‪َ ،‬والْخ َْش َي ُة‪َ ،‬والْ َح ْس ُب‪َ ،‬والتَّ ْوب َ ُة‪،‬‬‫الس ُجودُ‪َ ،‬والْ رع َبا َدةُ‪َ ،‬والتَّ َو ُّ ُ‬
‫قال رمحه هللا تعاىل‪ :‬فَ ُّ‬
‫ِ‬
‫َوالنَّ ْذ ُر‪َ ،‬والْ َح رل ُف‪َ ،‬والت َّ ْسب ُريح‪َ ،‬والتَّ ْكب ُرري‪َ ،‬والهتَّ ْ رلي ُل‪َ ،‬والتَّ ْح رميدُ ‪َ ،‬و راال ْس رت ْغ َف ُار‪َ ،‬و َحلْ ُق َّالرأْ رس خُضُ وعا‬
‫كل‬‫اَّلل‪َ ،‬ال ي َ ْصلُ ُح َو َال يَن ْ َب رغي رل رس َوا ُه‪ :‬رم ْن َم َ ٍّ‬
‫لك َذ ر َكل َم ْح ُض َح ّ رق َّ ر‬ ‫الط َو ُاف رابلْ َبيْ رت‪َ ،‬وادلُّ عَا ُء‪ُّ ُ ،‬‬ ‫َوتَ َعبُّدا‪َ ،‬و َّ‬
‫ُمقَ َّر ٍّب َو َال ن ر ٍَّّيب ُم ْر َس ٍّل‪.‬‬
‫َوالْ َح ْس ُب‪ :‬مبعىن الكفاية‪..‬كم تقدم‪..‬‬
‫لك‪َ ،‬و ْاالانَ ب َ ُة‪َ ،‬والتَّ ْق َوى‪َ ،‬والْخ َْش َي ُة‪َ ،‬والْ َح ْس ُب‬
‫الس ُجودُ‪َ ،‬والْ رع َبا َدةُ‪َ ،‬والتَّ َو ُّ ُ‬
‫قال رمحه هللا تعاىل‪ :‬فَ ُّ‬
‫ِ‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫والصواب‪ :‬والتَ َح ُّسب‬ ‫‪1‬‬

‫لن التَ َّح ُّسب‪ :‬هو التولك‪ ،‬التَ َّح ُّسب اَّلي هو فعل العبد هو التولك‪ ،‬فالتَ َّح ُّسب هو حسبنا هللا ونعم‬
‫الوكيل‪ ،‬أي اللجوء اىل هللا احلسيب الاكيف ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬أن يكفي عبده ولهذا من يقول ‪:‬حسبنا‬
‫هللا ونعم الوكيل يقال عنه ماذا؟! َ َّحت َّسب‪ ،‬فلن َ َّحت َّسب يعين يقول حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪،‬‬
‫فالتَ َّح ُّسب تولك‪ ،‬والتولك ال يكون اال عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ، -‬التولك ال يكون اال عىل هللا‪)2(.‬‬
‫نعم ‪..‬هذه لكها عبادات والعبادات لكها هلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ال يُرصف مهنا شيئا لغريه وقد قال هللا‬
‫اَّلل ُم ْخ رل رص َني َ ُهل ّ رادل َين }‪,‬قال‪ :‬أَ َال ر َّ رَّلل ّ رادل ُين الْخَا رل ُص} [الزمر ‪, ]3 :‬قال‪َ :‬و َما‬
‫تعاىل‪َ :‬و َما أُ رم ُروا ا َّال رل َي ْع ُبدُ وا َّ َ‬
‫ِ‬
‫ون} [اَّلارَيت ‪ .]56 :‬فالعبادة لكها هلل ال يرصف مهنا ال قليل وال كثري‬ ‫جرن َو ْاال َنس ا َّال رل َي ْع ُبدُ ر‬ ‫َخلَ ْق ُت الْ َّ‬
‫ِ ِ‬
‫لغريه ‪.‬‬

‫َو ريف ُم ْس نَ رد ْاال َما رم أَ ْ َمحدَ «أَ َّن َر ُجل أُ ر َيت رب ره ا َىل النَّ ر ر ّيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قَدْ أَ ْذن ََب َذنْبا‪ ،‬فَلَ َّما َوقَ َف ب َ ْ َني ي َ َديْ ره‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوب ا َىل ُم َح َّم ٍّد‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬ع َر َف الْ َح َّق ر َله ر رْهل» ‪.‬‬
‫ُوب ال َ ْي َك َو َال أَت ُ‬
‫قَا َل‪ :‬اللَّهُ َّم ا ر ّين أَت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاهد من احلديث عرف احلق لههل؛ لن حق هللا هلل مثل ما قدم ذكل حمض حق هللا ال يصلح وال‬
‫ينبغي لسواه ولهذا قال النيب ﷺ" عرف احلق لههل "حفق هللا هلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪-‬ال يُرصف منه‬
‫يشء ال ملكل مقرب وال لنيب مرسل فضل رمن هو دوْنم‪ ,‬نعم‪.‬‬
‫ات]‬ ‫َات َوال رنّيَّ ر‬ ‫الرشكُ ريف ْاال َراد ر‬ ‫قال رمحه هللا تعاىل‪[ :‬فَ ْص ٌل ر ّ ْ‬
‫ِ‬
‫ات‪ ،‬فَ َذ ر َكل الْ َب ْح ُر َّ راَّلي َال َسا رح َل َهلُ‪َ ،‬وقَ َّل َم ْن ي َ ْن ُجو رمنْهُ‪َ ،‬م ْن أَ َرا َد رب َع َم ر رهل‬ ‫َات َوال رنّيَّ ر‬ ‫الرشكُ ريف ْاال َراد ر‬‫َوأَ َّما َّ َ‬
‫رشكَ ريف رني َّ رت ره َوا َرا َدتر ره‪.‬‬ ‫غَ ْري وج ره ر ِ‬
‫اَّلل‪َ ،‬ون ََوى َشيْئا غَ ْ َري التَّقَ ُّر رب الَ ْي ره‪َ ،‬و َطلَ رب الْ َج َز َاء رمنْهُ‪ ،‬فَقَدْ أَ ْ َ‬ ‫َ َ ْ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه الْ َح رني رفيَّ ُة رم َّ ُةل ا ْب َرا ره َمي ال ريت أَ َم َر َّ ُ‬
‫اَّلل‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َو ْاالخ َْل ُص‪ :‬أَ ْن ُ ُْي رل َص ر َّ رَّلل ريف أَفْ َع ر راهل َوأَ ْق َو ر راهل َوا َرا َدتر ره َورني َّ رت ره‪َ ،‬و َه رذ ره ر‬
‫ِ‬ ‫هبر َا ِ رعبا َد ُه ُلكَّهُم‪َ ،‬و َال ي َ ْقب ُل رم ْن أَ َح ٍّد غَ ْ َريهَا‪َ ،‬و ر ِ‬
‫يه َح رقيقَ ُة ْاال ْس َل رم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َاِس َين} ُ[س َور ُة ألر ر ْرم َر َان‪. ]85 :‬‬ ‫َو َم ْن يَبْتَغ ر غَ ْ َري ْاال ْس َل رم ردينا فَلَ ْن يُ ْق َب َل رمنْ ُه َوه َُو ريف ْال رخ َر رة رم َن الْخ ر ر‬
‫ِ‬
‫يه رم َّ ُةل ِابْ َرا ره َمي ال َّ ريت َم ْن َر رغ َب َعهنْ َا فَه َُو رم ْن أَ َس َف ره ُّ‬
‫الس َفهَا رء‪.‬‬ ‫َو ر َ‬
‫قال‪ :‬وأما الرشك يف االرادات والنيات فذكل البحر اَّلي ال ساحل هل ‪:‬يعين هذا ابب واسع وكبري وال‬
‫ُيتص بيشء معني أو بنوع من العبادة بل يكون يف العبادات لكها‪,‬ان جئت للصلة أو احلج أو العمرة‬

‫�‬
‫��‬ ‫����� � ‪�37‬‬
‫���‬
‫����‬
‫��‬‫���‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫أو قراءة القرأن أو طلب العمل أو اَّلكر أو الصدقة أو اىل أخره فان ما يتعلق ابالرادات يدخل يف هذا‬
‫لكه ‪,‬ولهذا بعض العلمء فامي يتعلق حبديث "امنا العمل ابلنيات" قال هذا احلديث يدخل يف لك ابب‬
‫من أبواب العمل؛ لن لك أبواب العمل مثل أبواب الصلة أبواب الطهارة أبواب العمرة احلج الزاكة اىل‬
‫غري ذكل لك ابب من هذه البواب حيتاج اىل نية صاحلة؛ لن يدخل عىل االنسان ماذا؟‬
‫‪-‬يف لك من هذه الش ياء يدخل عليه ارادات ونيات غري حصيحة فيحتاج العبد اىل معاجلة يف لك عبادة‬
‫يف لك رمل يف لك قربة هلل س بحانه وتعاىل حيتاج اىل أن يعاجل هذه النية معاجلة دامئة مس مترة وقَ َّل من‬
‫ينجو منه ‪ ,‬وقد مر معنا قريبا أن النيب ﷺ وهو يتحدث عن هذا الرشك اَّلي يتعلق ابالرادات‬
‫والنيات قال‪ :‬للرشك فيُك أخفى من دبيب المنل قالوا كيف ننجوا من ذكل؟‬
‫الصحابة ر ي هللا عهنم قالوا كيف ننجوا من ذكل؟‬
‫مث أرشدمه اىل ذكل ادلعاء العظمي " اللهم اين أعوذ بك أن أرشك بك وأان أعمل وأس تغفرك ملا ال أعمل "‬
‫قال‪ :‬ق ّل من ينجو منه مفن أراد بعمهل غري وجه هللا ونوى شيئا غري التقرب اليه وطلب اجلزاء منه فقد‬
‫أرشك يف نيته وارادته فالعمل ال يُراد به اال هللا وادلار الخرة أي الثواب اَّلي يف الخرة كم قال هللا‬
‫تعاىل‪َ :‬و َم ْن أَ َرا َد ْال رخ َر َة َو َس َع ٰى لَهَا َس ْعهيَ َا َوه َُو ُم ْؤ رم ٌن فَأُول َ َٰـئر َك َاك َن َس ْعهيُ ُم َّم ْش ُكورا} [االِساء ‪]19 :‬‬

‫ال يكون السعي مشكورا اال اذا اكن هلل وأُريد به ثواب الخرة وهو االخلص‬
‫قال‪ :‬واالخلص أن ُيلص هلل يف أقواهل وأفعاهل وارادته ونيته وهذه يه احلنيفية مةل ابراهمي‬
‫اَّلل ُم ْخ رل رص َني َ ُهل ّ رادل َين ُحنَفَ َاء َوي ُ رقميُوا َّ‬
‫الص َل َة َوي ُ ْؤتُوا َّالز َاك ََۚة َو َذَٰ ر َكل‬ ‫كم قال هللا تعاىل‪َ :‬و َما أُ رم ُروا ا َّال رل َي ْع ُبدُ وا َّ َ‬
‫ادل ُين الْخَا رل ُ َۚص } [الزمر ‪]3 :‬‬ ‫رد ُين الْقَ ريّ َم رة} [البينة ‪, ]5 :‬وقال ِجل وعل‪ :‬أَ َال ر َّ رَّلل ّ ر‬
‫واخلالص‪ :‬هو الصايف النقي‪.‬‬
‫هللا ال يقبل صلة وال صياما وال ذكرا وال قراءة قرأن وال غري ذكل من العمل اال اذا اكنت صافية نقية‬
‫مل يرد هبا اال هللا س بحانه وتعاىل فاذا أدخل معه غريه فهيا مل يقبل ال يقبل اال الصايف‬
‫اخلالص‪ :‬هو الصايف النقي‪ ,‬وتأمل يف املعىن اللغوي للخالص قول هللا تعاىل‪َ :‬وا َّن لَ ُ ُْك ريف ْ َالنْ َعا رم لَ رع ْ َربةًۖ‬
‫نُّس رق ُيُك رّمما ريف ب ُ ُطورن ره رمن ب َ ْ رني فَر ٍّث و َدم لَّبنا خَا رلصا سائرغا لر ّ َّلش رارب َرني} [النحل ‪ِ ]66 :‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ ٍّ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫اللنب اَّلي ُيرج من رضع هبمية النعام ُيرج كم ذكر هللا من بني فرث و دم لكن يف غاية الصفاء ال‬
‫صاف وصفه هللا بقوهل خالصا يعين صافيا نقيا فهكذا العبادة جيب أن‬ ‫ترى فيه نقطة دم وال قطعة فرث ٍّ‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السادس و الثالثون‬

‫تكون صافية نقية ال يُراد هبا اال هللا س بحانه وتعاىل وهذه يه احلنيفية مةل ابراهمي اليت أمر هللا هبا عبادة‬
‫وال يقبل من أحد غريها ويه حقيقة االسلم‪.‬‬
‫ين} [أل رمران ‪]85 :‬‬ ‫قال‪َ :‬و َمن يَبْتَغ ر غَ ْ َري ْاال ْس َل رم ردينا فَلَن يُ ْقبَ َل رمنْ ُه َوه َُو ريف ْال رخ َر رة رم َن الْخ ر ر‬
‫َاِس َ‬
‫ِ‬
‫ويه مةل ابراهمي اليت من رغب عهنا فهو من أسفه السفهاء؛ لن ابراهمي عليه السلم امام احلنفاء وقدوة‬
‫ُك أُ ْس َوةٌ َح َس نَ ٌة ريف ا ْب َرا ره َمي } [املمتحنة ‪]4 :‬‬‫املوحدين قَدْ َاكن َْت لَ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫ابراهمي امام احلنفاء وامام املوحدين عليه السلم مفن يرغب عن ملته فقد سفه نفسه يعين حُك عىل‬
‫نفسه بغاية السفه ومتامه‪.‬‬
‫ونسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي بأسمئه احلس ىن وصفاته العليا أن ينفعنا أمجعني مبا علمنا وأن‬
‫يزيدان علم وتوفيقا وأن يصلح لنا شأننا لكه وأن ال يلكنا اىل أنفس نا طرفة عني وأن يغفر لنا ولوادلينا‬
‫وملشاُينا و لوالة أمران وللمسلمني واملسلمت واملؤمنني واملؤمنات الحياء مهنم والموات‬
‫اللهم أت نفوس نا تقواها زكها أنت خري من زاكها أنت ولهيا وموالها اللهم أعنا أمجعني عىل ذكرك وشكرك‬
‫وحسن عبادتك س بحانك اللهم وحبمدك أشهد أن ال اهل اال أنت أس تغفرك وأتوب اليك اللهم ر‬
‫صل وسمل‬
‫عىل عبدك ورسوكل نبينا محمد وأهل وحصبه أمجعني‪.‬‬

‫اضغط عىل الرابط للشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪13‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني ‪,‬اللهم اغفر لش يخنا ولوادليه‬
‫واملسلمني آمجعني ‪,‬قال الش يخ العالمة ابن قمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف كتابه ادلاء وادلواء ‪,‬‬

‫قال رمحه هللا ‪:‬‬


‫[فَ ْصل َح ِقيقَة ِ ْ‬
‫الّش ِك]‬
‫الس َؤالِ الْ َم ْذك ِور‪ ،‬فَنَقول‪َ ،‬و ِم َن َ ِ‬
‫اّلل َو ْحدَه ن َ ْس َت ِم ُّد َ‬
‫الص َو َاب‪:‬‬ ‫ِا َذا َع َرفْتَ َه ِذ ِه الْمقَ ِد َم َة ان ْ َفتَ َح َ َل ََبب الْ َج َو ِاب َع ِن ُّ‬
‫ات الْ ََكَالِ‬‫وق ِب ِه‪َ ،‬ه َذا ه َو الت َ ْشبِيه ِيف الْ َح ِقيقَ ِة‪َ ،‬ل اثْ َبات ِصفَ ِ‬ ‫الّش ِك‪ :‬ه َو الت َ َش بُّه َبِ لْخَا ِل ِق َوت َ ْشبِيه الْ َمخْل ِ‬
‫َح ِقيقَة ِ ْ‬
‫ِ‬
‫ال َ ِت َو َص َف َاّلل ِبِ َا ن َ ْف َسه‪َ ،‬و َو َصفَه ِبِ َا َرسوهل‪ ،‬ﷺ ‪ .‬فَ َعكَ َس ْ َاْل ْم َر َم ْن نَكَ َس َاّلل قَل َ َبه َوآَ ْ َْعى عني ب َ ِص َريت َه‬
‫َو َآ ْر َك َسه بلبس اْلم ِر ‪َ ،‬و َج َع َل التَ ْو ِحيدَ ت َ ْش ِبهيًا َوالت َ ْشبِي َه تَ ْع ِظميًا َو َطاعَ ًة‪.‬‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ل اهل ال هللا وحده ل رشيك هل وآشهد آن محمداً عبده ورسوهل ‪-‬صىل هللا‬
‫وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪, -‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علمً‪ ،‬وآصلح لنا شأننا لكه ول‬
‫تلكنا اىل آنفس نا طرفة عني‪ ،‬آما بعد ‪:‬‬
‫فان المام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬ملا طرح اليراد السابق يف قول من ل يفرق بني اذلنوب فال جيعل فهيا‬
‫كبرية وصغرية لعظم من عيص وجالةل شأنه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ذكر مقدمات ليصل من خاللها آن ‪:‬‬
‫اذلنوب بال ريب فهيا كبائر‪ ،‬والكبائر فهيا كبري وآكرب وليست متساوية ‪,‬‬
‫وآخذ ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يقرر املسأةل من آصولها ويبني اْلمر من آساسه انطالقاً من الغاية الت خلق النسان‬
‫ْلجلها وآوجد لتحقيقها‪ ،‬آل ويه توحيد هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬مفا من ريب آن الخالل ِبذا املقصد اذلي خلق‬
‫العبد ْلجهل وآوجد لتحقيقه ليس اكلخالل َبْلمور اْلخرى‪ ،‬وان اكنت عظمية كبرية لكهنا ل تقارن ‪,‬ولهذا عرفنا‬
‫آن الّشك لكربه واختالفه عن لك الكبائر ذنب ل يَغفره هللا يف حق من مات عليه‪ ،‬كم قال هللا ‪-‬س بحانه‬
‫ّشكَ ِب ِه َوي َ ْغ ِفر َما د َ‬
‫ون َذ َٰ ِ َل ِل َمن يَشَ اء }‬ ‫اّلل َل ي َ ْغ ِفر آَن ي ْ َ‬
‫وتعاىل‪ {: -‬ا َن َ َ‬
‫ِ‬
‫ملا ذكر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬املقدمات الت مضت قال ِبا ينفتح ل َبب اجلواب عن السؤال املذكور ‪,‬مث بني ‪-‬رمحه هللا‪-‬‬
‫آن حقيقة الّشك ‪:‬هو التشبيه (تشبيه اخلالق َبخمللوق‪ ،‬وتشبيه اخمللوق َبخلالق )‬
‫حقيقة الّشك التشبيه قياس اخمللوق َبخلالق‪ ،‬آو العكس قياس اخلالق َبخمللوق‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫ولهذا التشبيه نوعان ‪ :‬تشبيه للخالق َبخمللوق‪ ،‬وتشبيه للمخلوق َبخلالق‬


‫قال ‪ :‬هذا هو حقيقة التشبيه‪ ،‬آي آنه نوعان تشبيه للخالق َبخمللوق‪ ،‬وتشبيه اخمللوق َبخلالق‬
‫آما تشبيه اخمللوق َبخلالق‪ :‬فبأن يعطى اخمللوق من الصفات ما ليس ال هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ،-‬فهذا تشبيه‬
‫للمخلوق َبخلالق ‪.‬‬
‫وهذا من الّشك كم قال املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ْ -‬لن الّشك تشبيه والتشبيه نوعان‪ ،‬وس يذكر املصنف ‪-‬رمحه هللا‬
‫تعاىل‪ -‬آمثةل عىل ذل ‪,‬مث يبني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آن معطةل الصفات اذلين جيحدون صفات هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫عكسوا اْلمر وجعلوا التوحيد تشبهياً‪ ،‬والتشبيه تعظميً وطاعة‪ ،‬وهذا من قلب احلقائق واملفاهمي ‪,‬وهذا العكس‬
‫لهذه احلقيقة راجع لرتاكس وانتاكس قلوِبم‪ ،‬ولهذا اختلت املفاهمي عندمه جفعلوا الثبات اذلي هو التوحيد‬
‫لصفات هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬تشبهياً‪ ،‬جعلوه تشبهياً ويصفون املثبت للصفات بأنه مش به‪,‬وجعلوا التشبيه تعظميً‬
‫وطاعة‪ْ ،‬لهنم ملا عكسوا اْلمر وعطلوا صفات هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬وقعوا يف التشبيه‪ ،‬فيعدون هذا التشبيه‬
‫اذلي وقعوا فيه هو عني الطاعة‪ ،‬ومه ملا حجدوا صفات هللا وقعوا يف آنواع من التشبهيات حبسب نوع تعطيلهم‪،‬‬
‫اما التشبيه َبمجلادات‪ ،‬آو التشبيه َبملعدومات‪ ،‬آو التشبيه َبملمتنعات‪ -‬حسب نوع تشبيه املعطل ‪-‬‬
‫هذا التشبيه اذلي وقع فيه هؤلء يسمونه طاعة‪ ،‬والثبات اذلي هو التوحيد يسمونه تشبهياً فعكسوا اْلمور ‪.‬‬
‫وق َبِ لْخَا ِل ِق ِيف‬ ‫ّشك م َش بِِه لِلْ َمخْل ِ‬ ‫«قال ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪َ : -‬و َج َع َل التَ ْو ِحيدَ ت َ ْش ِبهيًا َوالت َ ْشبِي َه تَ ْع ِظميًا َو َطاعَ ًة فَالْم ْ ِ‬
‫خ ََصائِ ِص ْاللَهِيَ ِة‪.‬‬
‫ِ‬
‫وجب ت َ ْعل ُّ َق ادلُّ عَا ِء َوالْخ َْو ِف َو َالر َجا ِء‬ ‫الض َوالنَ ْفع ِ َوالْ َع َطا ِء َوالْ َمنْعِ‪َ ،‬و َذ ِ َل ي ِ‬
‫ل ُّ ِ‬ ‫فَا َن ِم ْن خ ََصائِ ِص ْاللَهِيَ ِة‪ :‬التَفَ ُّر َد َبِ ِمل ْ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َضا َو َل ن َ ْف ًعا‪َ ،‬و َل َم ْوتً‬ ‫لك ِب ِه َو ْحدَه‪ ،‬فَ َم ْن عَل َ َق َذ ِ َل ِب َمخْلوق فَقَدْ َش َّبَ َه َبِ لْخَا ِل ِق َو َج َع َل َما َل ي َ ْم ِل ِل َن ْف ِس ِه َ ًّ‬ ‫َوالتَ َو ُّ ِ‬
‫َو َل َحيَا ًة َو َل نش ًورا‪ ،‬فَضْ ًال َع ْن غَ ْ ِري ِه – َش ِبهيًا ِلم ْن َهل ْ َاْل ْمر لكُّه‪ ،‬فَأَ ِز َمة ْ ُاْلم ِور لكِهَا ِب َيدَ ي ْ ِه‪َ ،‬و َم ْر ِجعهَا ال َ ْي ِه‪ ،‬فَ َما‬
‫ِ‬
‫َش َاء َاك َن َو َما ل َ ْم يَشَ أ ل َ ْم يَك ْن‪َ ،‬ل َما ِن َع ِل َما آَع َْطى‪َ ،‬و َل م ْع ِط َي ِل َما َمنَ َع‪ ،‬ب َ ْل ا َذا فَتَ َح ِل َع ْب ِد ِه ََب َب َر ْ َمحتِ ِه ل َ ْم ي ْم ِس ْكهَا‬
‫ِ‬
‫آَ َحد‪َ ،‬وا ْن آَ ْم َس َكهَا َعنْه ل َ ْم ي ْر ِسلْهَا ال َ ْي ِه آَ َحد‪».‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول ‪-‬رمحه هللا‪: -‬املّشك آي اذلي اختذ مع هللا الند والّشيك‪ ،‬فعبد غري هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فهو ِبذا العمل‬
‫قد وقع يف التشبيه؛ ْلنه ش به اخمللوق َبخلالق عندما رصف شيئاً من حقوق هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬للمخلوق‬
‫جعل هذا اخمللوق ِعدلً ومماث ًال للخالق فأعطاه من احلقوق ما ل يليق ال َبخلالق ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فاملّشك‬
‫مش بِِه للمخلوق َبخلالق يف خصائص اللهية‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فان من خصائص اللهية التفرد مبل الض والنفع والعطاء واملنع وذل يوجب تعليق ادلعاء واخلوف‬
‫والرجاء والتولك به وحده‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫وهذا اذلي يذكر‪-‬رمحه هللا‪-‬هو اذلي س بق مر معنا يف الكم ابن عباس‪-‬ريض هللا عهنم‪ -‬يف معىن هللا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((هللا ذو اْللوهية والعبودية عل خلقه آمجعني))‬
‫فاْللوهية‪ :‬تفرد هللا‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬خبصائصه‪ ،‬خصائص الكمل‪ ،‬والعظمة واجلالل‪ ،‬تفرده َبملل‪ ،‬والعطاء‪،‬‬
‫واملنع‪،‬واخلفض‪ ،‬والرفع‪ ،‬وهذه اخلصائص ِبا اس تحق آن يؤهل‪ ،‬وآن يفرد َبلعبادة‪.‬‬
‫ولهذا يقول‪-‬رمحه هللا‪(( :-‬وذل يوجب تعلق ادلعاء‪ ،‬واخلوف‪،‬والرجاء‪ ،‬والتولك به وحده دومنا سواه))؛ ْلنه كم‬
‫آنه تفرد َبلكمل‪ ،‬فيجب آن يفرد َبذلل‪،‬كم آنه تفرد َبلكمل ل رشيك هل‪ ،‬فيجب آن يفرد َبذلل واخلضوع‪ ،‬فال‬
‫جيعل معه الند والّشيك‬
‫قال‪(( :‬مفن علق ذل مبخلوق‪ ،‬فقد ش َّبه َبخلالق))‪،‬ش به من مبن؟‬
‫َضاً ول نفعاً‪ ،‬ول مو ًت ول حياةً‪ ،‬ول نشوراً‪ ،‬فض ًال عن غريه‪،‬‬
‫يقول‪-‬رمحه هللا‪(( :‬جعل من ل ميل‪ ،‬لنفسه ِ‬
‫شبهياً ملن هل اْلمر لكه)) وهذا آقبح التشبيه‪.‬‬
‫آقبح التشبيه آن يش به اخمللوق النِاقص الضعيف اذلي ل ميل لنفسه النفع وادلِفع‪ ،‬ل ميل لنفسه فض ًال عن آن‬
‫ميل لغريه‪ ،‬فيش َّبه َبلرب العظمي‪ ،‬اذلي بيده اْلمر لكه ل رشيك هل‪.‬‬
‫قال‪-‬رمحه هللا‪ :-‬فَ ِم ْن آَقْبَ ِح الت َ ْشبِي ِه‪ :‬ت َ ْشبِيه َه َذا الْ َع ِاج ِز الْ َف ِق ِري َبِ َذل ِات َبِ لْقَا ِد ِر الْغ ِ َِن َبِ َذل ِات‪.‬‬
‫نعم يعن هذا من آقبح التشبيه‪ ،‬آن يش به العاجز الفقري َبذلات‪َ ،‬بلقادر الغن َبذلات‪ ،‬فقر اخمللوق فقر ذايت‬
‫اىل خالقه وموله من لك وجه‪ ،‬فال غىن هل عن ربه طرفة عني‪ ،‬وغىن اخلالق ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬غىن ذايت من لك‬
‫اّلل َو َاّلل ه َو الْغ ِ َُّن الْ َح ِميد (‪ )15‬ان يَشَ أ ي ْذ ِه ْب ُْك‬
‫وجه‪،‬كم قال هللا‪-‬س بحانه وتعاىل‪ََ ": -‬ي آَُّيُّ َا النَاس آَنُت الْفقَ َراء ا َىل َ ِِۖ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َويَأ ِت ِ َخبلْق َج ِديد (‪)16‬‬

‫ولهذا العباد ل يبلغوا نفعه‪-‬س بحانه‪-‬فينفعوه‪ ،‬ول يبلغوا َضه فيضوه‪ ،‬كم قال ‪-‬ج ِل وعال‪-‬يف احلديث القديس‪:‬‬
‫ض ِوِن ))‬ ‫(( ََي ِع َبا ِدي ان َ ُْك ل َ ْن تَ ْبلغوا ن َ ْف ِعي فَتَ ْن َفع ِوِن ‪ ،‬ولن ت َ ْبلغوا َ ِ‬
‫َضي فَتَ ُّ‬
‫ِ‬
‫فغناه ذايت‪-‬س بحانه ‪،-‬واخمللوق فقره فقر ذايت‪ ،‬مفن آقبح التشبيه‪ ،‬آن يش به هذا الفقري َبذلات‪َ ،‬بلغن َبذلات‬
‫تعاىل وتقدِس‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬

‫قال‪-‬رمحه هللا‪َ ":-‬و ِم ْن خ ََصائِ ِص ْاللَهِيَ ِة‪ :‬الْ ََكَال الْم ْطلَق ِم ْن مجَ ِ يع ِ الْوجو ِه َ ِاذلي َل نَقْ َص ِفي ِه ب َِو ْجه ِم َن الْوجو ِه‪،‬‬
‫ون الْ ِع َبادَة لكُّه َِا َهل َو ْحدَه‪َ ،‬والتَ ْع ِظمي َو ْال ْج َالل َوالْخ َْش َية َوادلُّ عَاء َو َالر َجاء َو ْالانَ بَة َوالتَ َو ُّلك‬ ‫وجب آَ ْن تَك َ‬ ‫َو َذ ِ َل ي ِ‬
‫ون َهل َو ْحدَه ِ‪َ ،‬ويمنع َعقْ ًال‬ ‫ِ‬
‫لك َذ ِ َل َجيِب َع ْق ًال َو َ ْ‬
‫رشعًا َو ِف ْط َر ًة آَ ْن يَك َ‬ ‫َو ِال ْس ِت َعان َة‪َ ،‬وغَايَة ا ُّذل ِل َم َع غَاي َ ِة الْح ِب ‪ُّ -‬‬
‫ون ِلغ ْ َِري ِه‪ ،‬فَ َم ْن َج َع َل َشيْئًا ِم ْن َذ ِ َل ِلغ ْ َِري ِه فَقَدْ َش بَ َه َذ ِ َل الْغ ْ ََري ِب َم ْن َل َشبِي َه َهل َو َل َمثِي َل هل‬
‫رشعًا َو ِف ْط َر ًة آَ ْن يَك َ‬
‫َو َ ْ‬
‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫َو َل ِن َد َهل‪َ ،‬و َذ ِ َل آَقْبَح الت َ ْشبِي ِه َوآَبْ َطهل‪َ ،‬و ِل ِش َد ِة ق ْب ِح ِه َوتَضَ ُّمنِ ِه غَاي َ َة ُّ‬
‫الظ ْ ِمل آَخ َ َْرب س ْب َحان َه ِع َبادَه آَن َه َل ي َ ْغ ِفره‪َ ،‬م َع آَن َه‬
‫َكتَ َب عَ َىل ن َ ْف ِس ِه َالر ْ َمح َة‪.‬‬
‫من خصائص اْللوهية‪ ،‬الكمل املطلق من مجيع الوجوه‪ ،‬من خصائص اْللوهية‪ ،‬الكمل املطلق‪ ،‬والتفرد بصفات‬
‫الكمل‪ ،‬واجلالل‪ ،‬والعظمة‪ ،‬ل رشيك هل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬يف يشء مهنا‪ ،‬وهذا التفرد َبلكمل‪ ،‬يوجب كم قال‬
‫املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آن ي َفرد َبلعبادة‪ ،‬آن يفرد َبذلل‪ ،‬فالعبادة ل تكون ال ملن هل الكمل املطلق‪,‬‬
‫ولهذا لحظ آعظم آية يف القرآن آية الكريس‪ -‬آية التوحيد ‪ -‬آخلصت لبيان التوحيد‪ ،‬آولها ‪ :‬ذكر التوحيد‪" :‬‬
‫هللا ل اهل ال هو "‪ :‬هذا هو التوحيد ‪.‬‬
‫مث آتبع يف السورة ذكر براهني التوحيد‪,‬ما يه الرباهني الت ذكرت؟‬
‫‪ -‬تفرد هللا َبلكمل واجلالل والعظمة هذا التفرد هو برهان عىل وجوب توحيد هللا‪،‬‬
‫الس َم َاو ِات َو َما ِيف ْ َاْل ْر ِض َمن َذا َ ِاذلي ي َْشفَع‬ ‫﴿اللَـه َل ِالَ ٰـ َه ِا َل ه َو الْ َح ُّي الْقَيُّوم َل ت َأخذه ِس نَة َو َل ن َْوم َهل َما ِيف َ‬
‫َِشء ِ ِم ْن ِعلْ ِم ِه ِا َل ِب َما َش َاء َو ِس َع ك ْر ِس يُّه َ‬
‫الس َم َاو ِات‬ ‫ِعندَه ا َل َبِ ْذ ِن ِه ي َ ْع َمل َما ب َ ْ َني آَي ْ ِد ُِّي ْم َو َما َخلْ َفه ْم َو َل ُِييط َ‬
‫ون ب َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ِل الْ َع ِظمي ﴾[البقرة‪]٢٥٥ :‬‬ ‫َو ْ َاْل ْر َض َوِ َل يَئوده ِح ْفظه َما َوه َو الْ َع ُِّ‬
‫ذكر يف هذا الس ياق مخسة آسمء حس ىن هلل وآكرث من عّشين صفة هل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫هذا التفرد َبلكمل واجلالل والعظمة هو برهان آنه ل اهل ال هو ول معبود حبق سواه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫فاذن من خصائص اللهية‪ ،‬الكمل املطلق من مجيع الوجوه اذلي ل نقص فيه بوجه من الوجوه‪ ،‬وذل يوجب‬
‫آن تكون العبادة لكها هل ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ومثلها آيضاً آخر احلّش‪ ﴿ :‬ه َو اللَـه َ ِاذلي َل ال َ ٰـ َه ا َل ه َو ﴾ هذا هو التوحيد مث الرباهني ﴿ ه َو اللَـه َ ِاذلي َل الَ ٰـ َه‬
‫َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِا َل ه َو عَا ِلم الْغَ ْي ِب َوالشَ هَا َد ِة ه َو َالر ْ َمح ٰـن َالر ِحمي ﴿‪ ﴾٢٢‬ه َو اللَـه َ ِاذلي َل ِالَ ٰـ َه ِا َل ه َو الْ َم ِل الْقدُّوس َ‬
‫السالم‬
‫ون ﴾ [احلّش‪]٢٣ – ٢٢ :‬‬ ‫ّشك َ‬‫الْم ْؤ ِمن الْمهَ ْي ِمن الْ َع ِزيز الْ َجبَار الْم َت َك ِرب س ْب َح َان اللَـ ِه َ َْعا ي ْ ِ‬
‫هذه لكها براهني عىل توحيد هللا واخالص ادلين هل وابطال الّشك‪ ،‬كيف يتخذ رشياكً مع من هذه صفاته وهذه‬
‫عظمته وهذا جالهل وهذا كمهل جل يف عاله‪.‬‬
‫يقول رمحه هللا " ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظمل آخرب س بحانه عباده آنه ل يغفره مع آنه كتب عىل نفسه الرمحة‬
‫" ‪ :‬الكم عظمي مع آنه كتب عىل نفسه الرمحة لكن هذا ملا بلغ مبلغاً شنيعاً يف الظمل اذلي هو آش نع الظمل آخرب‬
‫تعاىل آنه ل يغفره ‪,‬ولهذا من ميوت عىل الّشك َبهلل ‪-‬والعياذ َبهلل ‪ -‬ل مطمع هل اطالقاً يف رمحة هللا مع آن هللا‬
‫كتب عىل نفسه الرمحة وآخرب آن رمحته س بقت غضبه لكن املّشك هذا ل حظ هل من هذه الرمحة آص ًال مع آن‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫الرب كتب عىل نفسه الرمحة املّشك ل حظ هل؛ ْلن جرمه وظلمه آشد اجلرم وآعظم اجلرم كيف يقيس اخمللوق‬
‫الناقص َبلرب العظمي ؟كيف يرصف حقوق الرب س بحانه وتعاىل حلقوق خملوق انقص ؟!‬
‫قال رمحه هللا تعاىل ‪َ :‬و ِم ْن خ ََصائِ ِص ْاللَهِيَ ِة‪ :‬الْعبو ِديَة ال َ ِت قَا َم ْت عَ َىل َساقَ ْ ِني َل ِق َوا َم لَهَا بِدوهنِ ِ َما‪ :‬غَاي َ ِة الْح ِب‪َ ،‬م َع‬
‫غَاي َ ِة ا ُّذل ِل‪َ .‬ه َذا ت َ َمام الْعبو ِدي َ ِة‪َ ،‬وتَفَاوت ِ َمنَ ِازلِ الْ َخلْ ِق ِفهيَا ِ َحب َس ِب تَفَاوِتِ ِ ْم ِيف َه َذيْ ِن ْاْلَ ْصل َ ْ ِني‪.‬‬
‫رشي َعة ِم َن‬ ‫ِيء ِب ِه َ ِ‬
‫فَ َم ْن آَع َْطى حبَه َوذ َهل َوخضوعَه ِلغ ْ َِريه فَقَدْ َش َّبَ َه ِب ِه ِيف خَا ِل ِص َح ِق ِه‪َ ،‬و َه َذا ِم َن الْم َحالِ آَ ْن ََت َ‬
‫الش َيا ِطني ِف َط َر آكرث الْ َخلْ ِق َوعقولَه ْم َوآَفْ َسدَِتْ َا عَلَهيْ ِ ْم‪،‬‬ ‫لك ِف ْط َرة َو َعقْل‪َ ،‬ولَ ِك ْن غَ َ َري ِت َ‬ ‫الّشائِعِ‪َ ،‬وق ْبحه م ْس تَ ِقر ِيف ِ‬ ‫ََ‬
‫اّلل الْح ْس َىن‪ ،‬فَأَ ْر َس َل ال َهيْ ِ ْم رس َهل‪َ ،‬وآَنْ َز َل عَلَهيْ ِ ْم كت َبه‬ ‫وىل َم ْن َس َبقَ ْت َهل ِم َن َ ِ‬ ‫َوا ْج َتالَْتْ ْم َعهنْ َا‪َ ،‬و َم َض عَ َىل الْ ِف ْط َر ِة ْ ُاْل َ‬
‫ِ‬
‫ور ِه َم ْن يَشَ اء} [النُّو ِر‪. ]35 :‬‬ ‫ِب َما ي َوا ِفق ِف َط َر ْمه َوعقولَه ْم‪ ،‬فَ ْازدَادوا ِب َذ ِ َل ن ًورا عَ َىل نور‪ُّ{ ،‬يَ ْ ِدي َاّلل ِلن ِ‬
‫قال رمحه هللا ‪ :‬من خصائص اْللوهية‪ :‬العبودية ‪ ،‬كون هللا عز وجل تفرد َبللهية َبلكمل َبلعظمة ‪:‬العبودية ‪:‬‬
‫آي آن يفرد َبلعبادة‪ ،‬واخلضوع ‪،‬‬
‫فاْللوهية صفات الرب‪ ،‬والعبودية آفعال العبد الت تقتضهيا هذه الصفات صفات الكمل هلل‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫مفن خصائص اللهية العبودية ‪ ،‬الت قامت عىل ساقني ل قوام لها بدوهنم ‪ ،‬غاية احلب مع غاية اذلل ‪ ،‬غاية‬
‫احلب هلل‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬مع غاية اذلل هل‪.‬‬
‫وهذه حقيقة العبادة‪ :‬غاية احلب هلل عز وجل مع غاية اذلل هل‪ ،‬وهذا متام العبودية وتفاوت منازل اخللق فهيا‬
‫حبسب تفاوِتم يف هذين اْلصلني‪.‬‬
‫اذا اكنت العبودية تقوم عىل هذين الساقني فاحلب بدون ذل ليس عبودية ‪ ،‬واذلل بدون احلب ليس عبودية ‪،‬‬
‫ل تقوم العبودية ال عىل هذين الساقني غاية احلب مع غاية اذلل هلل عز وجل‬
‫مفن آعطى حبه وذهل وخضوعه لغري هللا فقد ش َّبه يف خالص حقه‪ ،‬فقد ش َّبه ‪ :‬آي من توجه اليه ِبذا احلب‬
‫وهذا اذلل فقد ش َّبه َبهلل يف خالص حقه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫الش َيا ِط َني لَيوح َ‬
‫ون‬ ‫وهذا من احملال آن تأيت به رشيعة من الّشائع‪ ،‬بل هذا من رشيعة الش يطان ووحيه‪َ { ،‬وا َن َ‬
‫ِ‬ ‫ا َىل آَ ْو ِل َيأِئِ ِ ْم } هذا من ويح الش يطان و من دين ابليس والعياذ َبهلل‪,‬‬
‫ِ‬
‫ولهذا جاء يف احلديث واليه آشار املصنف رمحه هللا قال هللا س بحانه تعاىل‪{:‬خلقت عبادي حنفاء فأتْتم‬
‫الش ياطني فاجتالْتم عن ديهنم }‬
‫من سلمت هل الفطرة وسمل من اجتيال الش ياطني هذه نعمة عظمية ‪ ،‬من هو هذا اذلي يسمل ؟‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪-‬من س بقت هل من هللا احلس ىن‪ { ،‬ا َن َ ِاذل َين َس َبقَ ْت لَهم ِ ِمنَا الْح ْس َىن آُ ْولَئِ َك َعهنْ َا _آي‪ :‬النار_‬
‫ِ‬
‫م ْب َعدون } فس بقت احلس ىن آي ما كتبه هللا‪ ،‬وقدَره وقضاه‪،‬‬
‫ان هللا كتب مقادير اخلالئق قبل آن خيلق السموات واْلرض ‪ ،‬مفن س بقت هل احلس ىن من هللا ‪ ،‬فانه يسمل‬
‫وُّيئي هللا هل من آس باب النجاة‪ ،‬كم قال املصنف (فأرسل الهيم الرسل وآنزل علهيم الكتب مبا يوافق فطرمه‬
‫وعقوهلم ‪،‬فازدادوا بذل نوراً عىل نور )‪.‬‬
‫َس َد ِلغ ْ َِري ِه فَقَدْ َش بَ َه الْ َمخْل َوق ِب ِه‪.‬‬ ‫قال‪ِ :‬ا َذا ع ِر َف َه َذا فَ ِم ْن خ ََصائِ ِص ْ ِاللَهِيَ ِة ُّ‬
‫السجود‪ ،‬فَ َم ْن َ َ‬
‫يقول ‪ :‬اذا عرف هذا مفن خصائص اْللوهية ‪ :‬السجود‪ ..‬قبل قليل قال من خصائص اللهية العبودية‬
‫وهنا آعاده لكن بتفصيل ذكر اْلفراد قبل قليل ذكره بقوهل‪ :‬من خصائص اللهية‪ :‬العبودية مث آعاد هنا بذكر آفراد‬
‫العبادة حىت يوحض اْلمر قال‪ :‬مفن خصائص اللهية ‪:‬السجود ‪.‬هذا من خصائص اللهية ‪:‬السجود ‪,‬مفن َسد لغري‬
‫هللا فقد ش به اخمللوق به ‪َ { ،‬وآَ َن الْ َم َس ِاجدَ ِ َ ِّلل فَ َال تَدْ عوا َم َع َ ِ‬
‫اّلل آَ َحدًا } مفن خصائص اللهية السجود مفن َسد‬
‫لغري هللا فقد ش به هذا اذلي َسد هل َبهلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪.-‬‬
‫لك عَ َىل غَ ْ ِري ِه فَقَدْ َش َّبَ َه ِب ِه‪.‬‬
‫قال ‪َ :‬و ِمهنْ َا‪ :‬التَ َو ُّلك‪ ،‬فَ َم ْن ت ََو َ َ‬

‫من تولك عىل غريه فقد ش َّبه به؛ ْلن التولك عبودية هلل وحده‪.‬‬
‫لك عَ َىل َ ِ‬
‫اّلل فَه َو َح ْس به }‬ ‫اّلل فَتَ َو َلكوا ا ْن كنْ ُْت م ْؤ ِمنِ َني} } ‪ {,‬آَلَي َْس َاّلل ِب َاكف َع ْبدَه }‪َ {,‬و َمن يَتَ َو َ ْ‬
‫{ { َوعَ َىل َ ِ‬
‫ِ‬
‫فالتولك عبودية ل تكون ال عىل هللا‪ -‬ل يتولك ال عىل هللا‪-‬؛ ْلنه هو وحده اذلي بيده اْلمر‪ ،‬مثل ما قال‬
‫لك عَ َىل الْ َح ِي َ ِاذلي َل يَموت }‪ ،‬غري هللا ل يتولك عليه‪ْ ،‬لنه ل خيرج عن آقسام ثالثة‪ :‬اما يح‬ ‫هللا ‪َ { :‬وت ََو َ ْ‬
‫س ميوت‪ ،‬آو يح قد مات‪ ،‬آو جمد ل حياة هل ‪,‬هذه اْلصناف الثالثة لكها ما يتولك علهيا‪.‬‬
‫التولك عىل احلي اذلي ل ميوت وهو هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫اذن من خصائص اللهية‪ :‬احلي اذلي ل ميوت هذه الهية‪ ،‬من خصائص اللهية آن التولك عليه وحده‪ -‬هذه من‬
‫خصائص اللهية‪ ،-‬ولهذا قال‪ :‬تولك مث ذكر من خصائص اللهية قال‪ :‬احلي اذلي ل ميوت‬
‫فاذن من اكن هذا شأنه هو اذلي يتولك عليه‪ ،‬هو هللا وحده ومن سوى هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬اما يح س ميوت‪ ،‬آو‬
‫يح قد مات‪ ،‬آو جمد ل حياة هل‪ ،‬ولك هؤلء ل يتولك عىل آحد مهنم ‪.‬‬
‫« َو ِمهنْ َا‪ :‬التَ ْوبَة‪ ،‬فَ َم ْن تَ َب ِلغ ْ َِري ِه فَقَدْ َش َّبَ َه ِب ِه‪».‬‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫ومن تب لغريه فقد ش َّبه به‪ ،‬وقد مر معنا احلديث اذلي ساقه املصنف الرجل اذلي قال ‪ :‬اللهم اِن آتوب اليك‬
‫ول آتوب اىل محمد‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪« : -‬عرف احلق ْلههل» ؛ْلن هذا حق هللا املتفرد َبللهية ‪-‬‬
‫ون ل َ َعل َ ُْك ت ْف ِلح َ‬
‫ون}‬ ‫اّلل مجَ ِ ي ًعا آَُّيُّ َا الْم ْؤ ِمن َ‬
‫س بحانه وتعاىل‪ -‬آن التوبة اليه { َوتوبوا} ماذا؟ {ا َىل َ ِ‬
‫ِ‬
‫« قال ‪َ :‬و ِمهنْ َا‪ :‬الْ َح ِلف َبِ ْ ِْس ِه ت َ ْع ِظميًا َوا ْج َال ًل َهل‪ ،‬فَ َم ْن َحل َ َف ِبغ ْ َِري ِه فَقَدْ َش َّبَ َه ِب ِه‪َ ،‬ه َذا ِيف َجا ِن ِب الت َ ْشبِي ِه‪».‬‬
‫ِ‬
‫من حلف بغري هللا فقد ش بِه هذا احمللوف َبهلل ‪ -‬ش بِه من حلف بغري هللا تعظميً واجاللً للمحلوف به‪ -‬فقد‬
‫ش َّبِ ه َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ولهذا جاء يف احلديث آن النيب ‪-‬ﷺ ‪ -‬قال ‪« :‬من حلف بغري هللا فقد كفر آو‬
‫آرشك » (هذا يف جانب التشبيه )‬
‫هذا يف جانب التشبيه اذلي مض جانب التشبيه‪ ،‬آي تشبيه اخمللوق َبخلالق هذه آمثةل عليه‬
‫وآما يف جانب ماذا ؟‬
‫« َوآَ َما ِيف َجا ِن ِب الت َ َش بُّ ِه ِب ِه‬
‫وآما يف جانب التش به به يعن تش به اخمللوق بصفات اخلالق‪ ،‬آما اْلول تشبيه اخمللوق َبخلالق َبعطاؤه من‬
‫خصائص آو من حقوق اخلالق ‪-‬س بحانه‪-‬‬
‫« َوآَ َما ِيف َجا ِن ِب الت َ َش بُّ ِه ِب ِه فَ َم ْن تَ َع َاظ َم َوتَ َك َ َرب َو َدعَا النَ َاس ا َىل ا ْط َرائِ ِه ِيف الْ َمدْ حِ َوالتَ ْع ِظ ِمي َوالْخضوعِ َو َالر َجا ِء‪،‬‬
‫ِ ِ‬
‫َوتَ ْع ِل ِيق الْقَلْ ِب ِب ِه خ َْوفًا َو َر َج ًاء َوالْ ِت َج ًاء َو ْاس ِت َعان َ ًة‪ ،‬فَقَدْ ت َ َش بَ َه َبِ َ ِّلل َوانَ َزعَه ِيف ربو ِبيَتِ ِه َوالَهِ َيتِ ِه‪َ ،‬وه َو َح ِقيق ِبأَ ْن‬
‫ِ‬ ‫ُّيِينَه غَاي َ َة الْه ََو ِان‪َ ،‬وي ِذ َهل غَاي َ َة ا ُّذل ِل‪َ ،‬و َ ْجي َع َهل َ َْتتَ آَقْدَا ِم َخلْ ِق ِه‪.‬‬
‫يح َعنْه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قَا َل‪« :‬يَقول َاّلل َع َز َو َج َل‪ " :‬الْ َع َظ َمة ا َز ِاري‪َ ،‬والْ ِك ْ ِرب ََيء ِرد َِاِئ‪ ،‬فَ َم ْن انَ َز َع ِن َوا ِحدًا‬ ‫ِ‬ ‫الص ِح‬ ‫َو ِيف َ‬
‫ِ‬
‫ِمهنْ َما عَ َذبْته "‪»».‬‬
‫يقول آما يف جانب التش به به ‪:‬يعن تش به اخمللوق َبخلالق (بأن يضيف لنفسه من الصفات ما ليس ال هلل)‪،‬‬
‫كن يتعاظم‪ ،‬ويتكرب‪ ،‬ويدعو الناس اىل اطرائه واملغالة فيه مدحاً‪ ،‬وتعظميً‪ ،‬وخضوعاً‪ ،‬وتعليق القلب به خوفاً‪،‬‬
‫ورجاء‪ ،‬واس تعانة‪ ،‬فقد تش به َبهلل وانزعه يف ربوبيته والهيته ‪.‬‬
‫ً‬
‫يف ربوبيته‪ :‬من هجة ما يضيفه اىل نفسه من صفات الربوبية ‪.‬‬
‫والهيته ‪:‬ما يطلبه لنفسه من حقوق هللا س بحانه وتعاىل‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو حقيق بأن ُّيينه هللا غاية الهوان؛ ْلن اجلزاء من جنس العمل ( جز ًاء وفاقاً )‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫الص َور َة ِب َي ِد ِه ِم ْن آَ َش ِد النَ ِاس عَ َذ ًاَب ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة ِلت َ َش َّبُّ ِ ِه َبِ َ ِّلل ِيف‬
‫قال رمحه هللا‪َ :‬وا َذا َاك َن الْم َص ِور َ ِاذلي ي َ ْصنَع ُّ‬
‫م َج َر ِد الصنعة‪ ،‬فَِ َما َ‬
‫الظ ُّن َبِ لت َ َش بُّ ِه َبِ َ ِّلل ِيف ُّالربو ِبيَ ِة َو ْاللَهِيَ ِة؟‬
‫ِ‬
‫الص ِحيح‬ ‫ون‪ ،‬يقَال لَه ْم آَ ْحيوا َما َخلَقْ ُْت» ‪َ .‬و ِيف َ‬ ‫َ ََك قَا َل النَ ِ ُّيب ‪ -‬ﷺ ‪« :-‬آَ َش ُّد النَ ِاس عَ َذ ًاَب ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة الْم َص ِور َ‬
‫َعنْه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َه قَا َل‪« :‬قَا َل َاّلل َع َز َو َج َل‪َ [ :‬و َم ْن آَ ْظ َمل ِم َم ْن َذه ََب َ ْخيلق َخلْقًا َك َخلْ ِقي‪ ،‬فَلْ َيخْلقوا َذ َرةً‪ ،‬فَلْ َيخْلقوا‬
‫َش ِع َري ًة] » ‪ ،‬فَنَبَ َه َبِ َذل َر ِة َوالشَ ِع َري ِة عَ َىل َما ه َو آَع َْظم ِمهنْ َا َوآَ ْك َرب‪.‬‬
‫هنا ذكر مثالً يوحض ذل يقول‪ :‬اذا اكنت النصوص جاءت بلعن املصور وآيضاً جاءت بأنه من الظمل " ومن آظمل‬
‫" يعن‪ :‬ل آشد ظلمً وجاء يف النصوص آنه آشـد الناس عذا ًَب املصورون‪ ,‬واملصور يضايه خلق هللا يف جمرد‬
‫الصنعة يرمس صورة آو يصنع صورة ذلوات اْلرواح فلم ضاىه هللا عز وجل يف جمرد الرسـم وصنع الصورة‬
‫فاس تحق اللعن واش تداد غضب هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عليه والخبار آنه ل آظمل منه لهذا الصنيع يضايه خلق‬
‫هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬فكيف مبن آضاف لنفسه من خصائص الربوبية و اللهية هذا آشـنع وآعظـم ‪ .‬فاذن اذا‬
‫اكن الوعيد جاء يف حق املصور للمضاهاة مبجرد الصنعة فكيف مبن يدعي آص ًال لنفسه من اخلصائص ما ليس‬
‫ال للرب من احلقوق ما ليس ال هلل ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬

‫قال رمحه هللا‪َ :‬والْ َمقْصود‪ :‬آَ َن َه َذا َحال َم ْن ت َ َش بَ َه ِب ِه ِيف َصنْ َع ِة ص َورة‪ ،‬فَ َكيْ َف َحال َم ْن ت َ َش بَ َه ِب ِه ِيف خ ََو ِاص‬
‫ل اْلمالك‪َ ،‬و َح ِ ِاك الْح َاك ِم‪،‬‬ ‫مس َ ِاذلي َل يَن ْ َب ِغي ا َل ِ َ ِّلل َو ْحدَه‪ََ ،‬ك َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ربو ِبيَتِ ِه َوالَهِ َيتِ ِه؟ كَ َذ ِ َل َم ْن ت َ َش بَ َه ِب ِه ِيف ِال ْ‬
‫اّلل َرجل ي َس َمى بِشَ اه َشا ْه ‪-‬‬ ‫يح َع ِن النَ ِ ِيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬آَن َه قَا َل‪« :‬ا ِ َن آَ ْخنَ َع ْ َاْل ْ َْسا ِء ِع ْندَ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َ َْن ِو ِه‪َ .‬وقَ ِدْ ثَبَتَ ِيف َ‬
‫الص ِح‬
‫ل ْ َاْل ْم َال ِك» ‪.‬‬‫اّلل َرجل ي َس َمى ِب َم ِ ِ‬ ‫ل ا َل َاّلل» َو ِيف لَ ْفظ‪« :‬آَ ِغيظ َرجل ِعَ َىل َ ِ‬ ‫وك ‪َ -‬ل َم ِ َ‬‫ل الْمل ِ‬ ‫آَ ْي َم ِ ِ‬
‫مس َ ِاذلي َل يَنْبَ ِغي ا َل َهل‪ ،‬فَه َو س ْب َحان َه َم ِل الْمل ِ‬ ‫ِ‬
‫اّلل َوغَضَ به عَ َىل َم ْن ت َ َش بَ َه ِب ِه ِيف ِال ْ‬
‫فَهَ َذا َمقْت َ ِ‬
‫وك َو ْحدَه‪َ ،‬وه َو‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َح ِاك الْح َاك ِم َو ْحدَه‪ ،‬فَه َو َ ِاذلي َ ُْيُك عَ َىل الْح َاك ِم لكِهِ ْم‪َ ،‬ويَقْ ِض عَلَهيْ ِ ْم لكِهِ ْم‪َ ،‬ل غَ ْريه‪.‬‬
‫هذا مثال اثِن يبيـن فيه ش ناعة من يضيف لنفسه من خصائص الربوبية وحقوق هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬كيف آن‬
‫هذا العمل من آش نع اْلمور‪,‬يقول‪ :‬اذا اكنت النصوص جاءت يف تقبيح من تش به َبهلل عز وجل يف الامس اذلي‬
‫ل ينبغي ال هلل وحده ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪َ : -‬كل اْلمالك وحاك احلاكم وهذا جاء فيه وعيـد شديـد كقوهل‬
‫ﷺ يف الصحيح ‪ " :‬ان آخنع اْلسمء عند هللا عز وجل رجل يسمى بـشاه شاه " شاه شاه ‪ :‬آي مل‬
‫امللوك "‪,‬ولعل النيب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬ذكره ِبذا اللفظ لكرثته عند اْلعامج‪ ،‬من الفرس و (آَضاِبم؟‪ ،)....‬يسمون‬
‫ملوكهم ِبذا شاه شاه‪ ،‬فسمه وذكره َبللفظ اذلي ذكره عندمه بلهجْتم آو لغْتم‪،‬‬
‫وقال‪( :‬بشاه شاه) آي مل امللوك‪ ،‬هذا التفسري‪ ،‬ل مل ال هللا‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫ويف احلديث اْلخر قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ ( :-‬آغ َيظ رجل عىل هللا يسمى مبل اْلمالك) يعن اش تد‬
‫غضب هللا وغيظه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عىل رجل تسمى مبل اْلمالك‪.‬‬
‫اذا اكن من يتسمى َبمس ل يليق ال َبهلل هذا شأنه يف النصوص فكيف مبن يدعي لنفسه صفات ليست ال‬
‫هلل‪ ،‬وحقوق ليست ال هلل‪ ،‬فيضيف لنفسه من خصائص الربوبية‪ ،‬آو حقوق هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يضيفها اىل‬
‫نفسه‪ ،‬اذا اكن من تسمى مبل اْلمالك اس تحق ذل الوعيد والغضب‪ ،‬وآنه ل آخنع منه ول آش نع منه‪ ،‬من‬
‫اكن كذل فكيف مبن يضيف لنفسه آ ً‬
‫صال حقوق هللا‪ ،‬آو صفات ليست ال هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪.-‬‬
‫قال‪ :‬فهذا مقت هللا وغضبه عىل من تش به به يف الامس اذلي ل ينبغي ال هل وحده‪ ،‬فهو س بحانه مل امللوك‬
‫وحده وهو حاك احلاكم وحده‪ ،‬فهو اذلي ُيُك عىل احلاكم لكهم ويقض علهيم لكهم ل غريه هذا املقصد‪ ،‬فكيف‬
‫مبن يضيف لنفسه من اخلصائص آو الصفات ما ليس ال هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ل شك آنه آش نع وآعظم‪.‬‬
‫فصال جديدًا ً‬
‫مطول يبنيه آيضً ا عىل ما س بق ِ‬
‫يبني فيه آن هذه اْلش ياء الت تقدمت‬ ‫مث عقد ‪ -‬رمحه هللا تعاىل‪ً -‬‬
‫راجعة لسوء ظن َبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فان امليسء به الظن قد ظن به خالف كمهل املقدس‪ ،‬فلك هذه اْلمور‬
‫من سوء الظن برب العاملني؛ ولهذا الاكفر واملنافق واملّشك لكهم يظنون َبهلل ظن السوء‪.‬‬
‫وس يأيت تفصيل عظمي وانفع يتعلق ِبذا الباب يف الفصل القادم يتعلق َبلظانني َبهلل ظن السوء ‪.‬‬
‫وقبل آن خنُت آنبه عىل آمرين قد س بقا‪:‬‬
‫اْلول‪ :‬مرت معنا لكمة يف ادلرس املايض يف آثناء الكم ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬فهيا ذكر عدة آمور مهنا‬
‫احل َْسب‪.‬‬
‫السجود‪َ ،‬والْ ِع َبادَة‪َ ،‬والتَ َو ُّلك‪َ ،‬و ْالانَ بَة‪َ ،‬والتَقْ َوى‪َ ،‬والْخ َْش َية‪َ ،‬وال ْت َح ْسب‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فَ‬
‫ِ‬
‫والصواب ال َت َح ُّسب؛ ْلن ال َت َح ُّسب‪ :‬هو التولك‪ ،‬ال َت َح ُّسب اذلي هو فعل العبد هو التولك‪ ،‬فال َت َح ُّسب هو‬
‫حسبنا هللا ونعم الوكيل‪ ،‬آي اللجوء اىل هللا احلسيب الاكيف ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آن يكفي عبده ولهذا من‬
‫يقول ‪:‬حسبنا هللا ونعم الوكيل يقال عنه ماذا؟! َ ََت َسب‪ ،‬فالن َ ََت َسب يعن يقول حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪،‬‬
‫فال َت َح ُّسب تولك‪ ،‬والتولك ل يكون ال عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ، -‬التولك ل يكون ال عىل هللا‪.‬‬
‫اْلمر اْلخر‪ :‬آرشت يف درس س بق اىل آثر يتعلق َبجابة املضطر‪ ،‬آحد السلف عاد مريضً ا فقال ادع هللا يل‪،‬‬
‫فقال ادع لنفسك (آَ َمن جيِيب الْمضْ َط َر ِا َذا َدعَاه َويَ ْك ِشف ُّ‬
‫الس َوء) وذكرت لُك آن هذا اْلثر ملطرف بن عبد‬
‫هللا‪ ،‬والصواب آنه لطاووس بن كيسان‪ ،‬مفن كتب مطرف يعدل فالصواب طاووس بن كيسان‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس السابع و الثالثون‬

‫نسأل هللا‪-‬عز وجل‪ -‬آن ينفعنا مبا علمنا‪ ،‬وآن يزيدان علمً وآن يصلح لنا شأننا لكه‪ ،‬وآن ل يلكنا اىل آنفس نا طرفة‬
‫عني‪ ،‬انه تبارك وتعاىل ْسيع ادلعاء‪ ،‬وهو آهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫اللهم اقسم لنا من خشيتك ما ُيول بيننا وبني معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك‪ ،‬ومن اليقني ما ِتون‬
‫به علينا مصائب ادلنيا‪ ،‬اللهم متعنا بأسمعنا وآبصاران وقوتنا ما آحييتنا واجعهل الوارث منا‪ ،‬واجعل ثأران عىل من‬
‫ظلمنا‪ ،‬وانرصان عىل من عاداان ‪ ،‬ول َتعل مصيبتنا يف ديننا‪ ،‬ول َتعل ادلنيا آكرب مهنا ول مبلغ علمنا ‪،‬ول‬
‫تسلط علينا من ل يرمحنا‪ ،‬س بحانك اللهم وحبمدك نشهد آن ل اهل ال آنت آس تغفرك وآتوب اليك‪ ،‬اللهم ص ِل‬
‫وسمل عىل عبدك ورسول نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪.‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشرتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني ‪,‬اللهم اغفر لش يخنا‬
‫ووادليه وللمسلمني آمجعني ‪ ,‬قال الش يخ العالمة ابن قمي اجلوزية ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل ‪ - :‬يف كتابه ادلاء‬
‫وادلواء ‪-‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل ‪ :‬فصل‬
‫اذا تبني هذا فها هنا آصل عظمي يكشف رس املسأةل وهو آن آعظم اذلنوب عند هللا اساءة الظن به‬
‫فان امليسء به الظن قد ظن به خالف كامهل املقدس وظن به ما يناقض آسامئه وصفاته ولهذا توعد هللا‬
‫الس هو ِءِۖ َوغَ ِض َب َّ ُ‬
‫اَّلل‬ ‫س بحانه الظانني به ظن السوء مبا مل يتوعد به غريمه كام قال تعاىل‪ ﴿ :‬عَلَْيه ِ هم دَائِ َر ُة َّ‬
‫اء هت َم ِص ًريا﴾ [الفتح ‪]6 :‬‬ ‫عَلَْيه ِ هم َولَ َعَنَ ُ هم َوآَعَ َّد لَه هُم َ ََجّنَّ َ ِۖ َو َس َ‬
‫وقال تعاىل ملن آنكر صفة من صفاته‪َ ﴿ :‬و َذَٰ ِل ُ هُك َظنُّ ُ ُُك َّ ِاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُ هُك آَ هرد ُ هَاُك فَأَ هص َب هح ُُت ِم َن الهخ ِ ِ‬
‫َارس َين﴾‬
‫[فصلت ‪]23 :‬‬

‫امحلد هلل رب العاملني وآشهد آن ال اهل اال هللا وحده ال رشيك هل وآشهد آن محمد ًا عبده ورسوهل صىل‬
‫هللا وسمل عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني ‪ ,‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علامً وآصلح لنا‬
‫شأننا لكه وال تلكنا اىل آنفس نا طرفة عني ‪ ,‬آما بعد ‪:‬‬
‫فقد ذكر املصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬ما يتعلق ابلرشك وخطورته وآنه آكرب الكبائر ‪ ,‬وآشار اىل آن الرشك‪:‬‬
‫‪ -‬منه ما يكون يف القوال‬
‫‪ -‬ومنه ما يكون يف الفعال‬
‫‪ -‬ومنه ما يكون يف االرادات والنيات‬
‫ملا ذكر ذكل وبني خطورته وآنه آكرب الكبائر دخل منه اىل بيان آن آعظم اذلنوب عند هللا‪ - :‬اساءة‬
‫الظن به ‪ - ,‬ومن ي ُرشك ابهلل آو كذكل جيحد آسامئه وصفاته جل يف عاله آو غري ذكل من آنواع الكفر‬
‫املتعلق جبناب الرب ‪ -‬س بحانه وتعاىل ‪ -‬لك ذكل راجع اىل سوء الظن ابهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ولهذا فان من جيحد شيئًا من آسامء هللا فهذا من ظن السوء اذلي ظنه برب العاملني كام قال املصنف ‪-‬‬
‫رمحه هللا ‪ -‬فان امليسء به الظن قد ظن به خالف كامهل املقدس وظن به ما يناقض آسامئه وصفاته ‪-‬‬
‫الرشك ودحد الصفات وآنواع الكفر الخر رجعت اىل سوء الظن ابهلل‬ ‫س بحانه وتعاىل‪ -‬فرجع ِ‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫وهذا يس تفاد منه‪ :‬آنه ال ميكن آن يكون حمس ن ًا للظن ابهلل اال ابلتوحيد فان خرج عن التوحيد خرج‬
‫اىل سوء الظن ابهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫قال ‪ :‬ولهذا توعد هللا س بحانه الظانني به ظن السوء مبا مل يتوعد به غريمه كام قال تبارك وتعاىل‪:‬‬
‫اَّلل عَلَْيه ِ هم َولَ َعَنَ ُ هم َوآَعَ َّد لَهُ هم َ َ‬
‫َجّنَّ َ ِۖ َو َس َاء هت َم ِص ًريا﴾ [الفتح ‪]6 :‬‬ ‫الس هو ِءِۖ َوغَ ِض َب َّ ُ‬
‫﴿ عَلَْيه ِ هم دَائِ َر ُة َّ‬
‫مثل هذا قول املصنف ‪-‬رمحه هللا‪ (-‬يف اغاثة اللهفان) فمل جيمع عىل آحد من الوعيد والعقوبة ما مجع عىل‬
‫آهل الرشك فاهنم ظنوا به ظن السوء حىت آرشكوا به ولو آحس نوا به الظن لوحدوه حق توحيده وهذا‬
‫الكم عظمي جداً‬
‫فاملرشك آساء الظن بربه فاختذ معه النداد ولو آحس نوا الظن به لوحدوه ولهذا ال يكون ُحسن الظن اال‬
‫مع التوحيد‪ ،‬فاذا وجد الرشك وجد سوء الظن وهللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬مل يتوعد عىل ذنب مثل ما توعد‬
‫اَّلل عَلَْيه ِ هم َولَ َعَنَ ُ هم َوآَعَ َّد‬
‫الس هو ِءِۖ َوغَ ِض َب َّ ُ‬ ‫عىل سوء الظن ابهلل جل وعال كام يف هذه الآية ‪ ﴿:‬عَلَْيه ِ هم دَائِ َر ُة َّ‬
‫اء هت َم ِص ًريا﴾ [الفتح ‪]6 :‬‬ ‫لَهُ هم َ ََجّنَّ َ ِۖ َو َس َ‬
‫قال ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬وقال تعاىل ملن آنكر صف ًة من صفاته ‪َ ﴿:‬و َذَٰ ِل ُ هُك َظنُّ ُ ُُك َّ ِاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُ هُك آَ هرد ُ هَاُك فَأَ هص َب هح ُُت‬
‫ين﴾ [فصلت ‪] 23 :‬‬ ‫َارس َ‬‫ِم َن الهخ ِ ِ‬
‫ون آَن ي هَشهَدَ عَلَ هي ُ هُك َ هَس ُع ُ هُك َو َال آَبه َص ُارُ هُك َو َال ُجلُود ُ هُُك َولَ ٰـ ِكن َظنَ ُ هنُت‬ ‫قبلها قال جل وعال ‪َ ﴿ :‬و َما ُك ُ ه‬
‫نُت ت َ هس تَ ِ ُِت َ‬
‫َاُك ﴾ [ فصلت‪]23 - 22 :‬‬ ‫ون ﴿‪َ ﴾22‬و َذَٰ ِل ُ هُك َظنُّ ُ ُُك َّ ِاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُ هُك آَ هرد ُ ه‬ ‫آَ َّن اللَّـ َه َال ي َ هع َ ُمل كَ ِث ًريا ِم َّما تَ هع َملُ َ‬
‫هنا تأمل معي هؤالء اذلين قال هللا عَنم‪َ ﴿ :‬و َذَٰ ِل ُ هُك َظنُّ ُ ُُك َّ ِاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُ هُك آرداُك﴾ هل دحدوا صفة‬
‫العمل هلل لكها‪ ،‬هل دحدوها هل مه ال يثبتون العمل لكه؟‬
‫‪ -‬قال‪َ ﴿ :‬ول َ ٰـ ِكن َظنَ ُ هنُت آَ َّن اللَّـ َه َال ي َ هع َ ُمل كَ ِث ًريا ﴾‬
‫فهذا يفيد آهنم يثبتون العمل وآن هللا يعمل لكَنم يعتقدون آن بعض المور اخلفية والش ياء اليت تقع ُخفي ًة‬
‫آو حنو ذكل آن هللا ال يعلمها ‪ -‬تعاىل هللا عام يقولون علو ًا كبري ًا‪-‬‬
‫فهذا ظَنم ابهلل يف صفة واحدة فقط يف صفة واحدة قالوا ان هللا ال يعمل كثري ًا مما يعملون يف صفة‬
‫واحدة قالوا هذه املقوةل مفاذا ترتب علْيا‪:‬‬
‫قال ‪َ ﴿ :‬و َذَٰ ِل ُ هُك َظنُّ ُ ُُك َّ ِاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُ هُك آَ هرد ُ هَاُك فَأَ هص َب هح ُُت ِم َن الهخ ِ ِ‬
‫َارس َين﴿‪ ﴾23‬فَان ي َ هص ِ ُربوا فَالنَّ ُار َمث ًهو لَّهُ هم‬
‫ِ‬ ‫ِني ﴾ [فصلت ‪]24 - 23 :‬‬ ‫َوان ي هَس تَ هعتِ ُبوا فَ َما ُمه ِم َن اله ُم هعتَب َ‬
‫ِ‬

‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫هذا يس تفاد منه‪ :‬خطورة الغلط يف آسامء هللا تبارك وتعاىل وصفاته ولو يف صفة واحدة والغلط اذلي‬
‫يكون يف الصفات يكون من َجتني اما من َجة نفي ما آثبته هللا مثل هذه الصورة اليت بني آيدينا‬
‫" نفي ما آثبته هللا " ‪ :‬هللا عز وجل آثبت لنفسه العمل الاكمل فهؤالء نفوا آن يكون هللا يعمل كثري ًا مما‬
‫يعملون نفوا ذكل!‬
‫فاخلطأ يف السامء والصفات ‪:‬‬
‫‪ -‬اما بنفي ما آثبته هللا لنفسه كام يف هذه الصورة‬
‫‪-‬آو ابثبات ما نفاه هللا عن نفسه ‪،‬‬
‫ولك مَنام غاية يف اخلطورة‬
‫ومثال الثاين‪ :‬قول هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يف آواخر سورة مرمي ‪:‬‬
‫الس َم َاو ُات يَتَفَ َّط هر َن ِمنه ُه َوتَنشَ ُّق ه َال هر ُض‬
‫﴿ َوقَالُوا َّ َاخت َذ َّالر ه َمح ٰـ ُن َو َ ًدلا ﴿‪ ﴾88‬لَّقَده ِجئ ُ ههُت َشيهئًا ِادًّا ﴿‪ ﴾89‬تَ َاك ُد َّ‬
‫مح ٰـ ِن آَن يَتَّ ِخ َذ َو َ ًدلا ﴾ [ مرمي‪]92 - 88 :‬‬ ‫َو َ ِخت ُّر الهجِ َبا ُل َهدًّا ﴿‪ ﴾90‬آَن َد َع هوا لِ َّلر ه َمح ٰـ ِن َو َ ًدلا ﴿‪َ ﴾91‬و َما يَن َب ِغي ِل َّلر ه َ‬
‫فانظر هذه المور اليت تِتتب عىل هذه املقوةل‪َ َّ ﴿ ،‬اخت َذ َّالر ه َمح ٰـ ُن َو َ ًدلا﴾ هذا فيه ماذا؟ ما نوع الغلط ؟‬
‫‪ -‬اثبات ما نفاه هللا‪ -‬واذلي عندان يف هذه الآية نفي ما آثبته هللا‪ -‬فلك من هذين الغلطني هام من آش نع ما‬
‫يكون آن ي ُثبت ما نفاه هللا آو ينفي ما آثبت ُه هللا‪ ،‬وهو من آخطر ما يكون ‪ ،‬والكهام من سوء الظن برب‬
‫العاملني وما هتدد هللا آحد ًا عىل ذنب مثل ما هتدد اذلي ي ُيسء الظن ابهلل‪.‬‬
‫‪ ‬والقاعدة يف آسامء هللا وصفاته ‪ ( :‬اثبات بال متثيل وتزنيه بال تعطيل) عىل حد قول هللا ‪-‬‬
‫الس ِمي ُع اله َب ِص ُري﴾[ الشور ‪]١١ :‬‬ ‫س بحانه وتعاىل‪ ﴿ : -‬لَيه َس َ َِكثه ِ ِِل َ ه‬
‫َشء َوه َُو َّ‬
‫ون ‪-‬‬‫يِل ا هب َرا ِه َمي صىل هللا عليه وسمل آَن َّ ُه قَا َل ِلقَ هو ِم ِه‪{ :‬اذ قال لبيه وقومه َما َذا تَ هع ُبدُ َ‬ ‫وقَا َل تَ َع َاىل َع هن َخ ِل ِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫ون ‪ -‬فَ َما َظنُّ ُ هُك ِب َر ِب اله َعالَ ِم َني} [ َّالصافَّ ِات‪. ]87 - 85 :‬آَ هي فَ َما َظنُّ ُ هُك آَ هن ُ َجي ِازيَ ُ هُك ِب ِه ا َذا‬ ‫اَّلل تُ ِريدُ َ‬ ‫ُون َّ‬‫آَئِ هف ًاك آ ِلهَ ًة د َ‬
‫ِ‬
‫لَ ِقي ُت ُمو ُه َوقَده َع َبده ُ هت غَ ه َري ُه؟ َو َماذا َظنَن ه ُ هُت ِب ِه حىت َع َبده ُ هت َم َع ُه غَ ه َري ُه؟‬
‫َو َما َظنَن ه ُ هُت ِبأَ ه ََسائِ ِه َو ِصفَا ِت ِه َو ُربُو ِبي َّ ِت ِه ِم َن النَّ هق ِص َح َّىت آَ هح َو َج ُ هُك َذ ِ َكل ا َىل ُع ُبو ِدي َّ ِة غَ ه ِري ِه؟ فَلَ هو َظنَن ه ُ هُت ِب ِه َما ه َُو‬
‫ِ‬
‫لك َما ِس َوا ُه‪َ ،‬و ُلك َما ِس َوا ُه فَ ِقري ال َ هي ِه‪،‬‬ ‫َشء قَ ِدير‪َ ،‬وآَن َّ ُه غَ ِ ين َع هن ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫لك َ‬ ‫َشء عَ ِلمي‪َ ،‬وعَ َىل ُ ِ‬ ‫ه‬ ‫لك َ‬ ‫آَه ُ ُهِل ِم هن آَن َّ ُه ِب ُ ِ‬
‫ِ‬
‫يل ه ُال ُمو ِر‪ ،‬فَ َال‬ ‫َوآَن َّ ُه قَ ِائ ِابله ِق هسطِ عَ َىل َخله ِق ِه‪َ ،‬وآَن َّ ُه اله ُمت َف ِر ُد ِبتَده ِب ِري َخله ِق ِه َال ي ه ِ‬
‫ُرش ُك ُه ِفي ِه غَ ه ُري ُه‪َ ،‬واله َعا ِل ُم ِبتَف َِاص ِ‬
‫َ هَيفَى عَلَ هي ِه خَا ِفيَة ِم هن َخله ِق ِه‪َ ،‬واله َاك ِيف لَهُ هم َو هحدَ ُه فَ َال َ هَيتَ ُاج ا َىل ُم ِعني‪َ ،‬و َّالر ه َمح ُن ِب َذاتِ ِه‪ ،‬فَ َال َ هَيتَ ُاج ِيف َر ه َمحتِ ِه‬
‫ِ‬
‫ون ا َىل َم هن يُ َع ِرفُهُ هم آَ هح َوا َل‬ ‫وك َوغَ ه ِري ِ همه ِم َن ُّالر َؤ َسا ِء‪ ،‬فَاهنَّ ُ هم ُم هح َتا ُج َ‬ ‫ا َىل َم هن ي هَس َت هع ِط ُفهُم‪َ ،‬و َه َذا ِ ِِب َال ِف اله ُملُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫َّالر ِعيَّ ِة َو َح َو ِ َاِئهُ هم‪َ ،‬واىل من يُ ِعيَنُ ُ هم ا َىل قَضَ ا ِء َح َو ِ ِاِئهِ هم‪َ ،‬وا َىل َم هن ي هَس َ هِت ِ ُمحهُ هم َوي هَس تَ هع ِط ُفهُ هم ِاب َّلش َفاعَ ِة‪،‬‬
‫ِ‬
‫َض َورةً‪ِ ،‬ل َحا َجِتِ ِ هم َوضَ هع ِفهِ هم َو َ هَع ِز ِ همه َوقُ ُص ِور ِعله ِمهِ هم‪.‬‬ ‫فَا هحتَا ُجوا ا َىل اله َو َسائِطِ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َشء‪ ،‬العامل بلك َشء‪َّ ،‬الر ه َمح ُن َّالر ِح ُمي َّ ِاذلي َو ِس َع هت‬ ‫لك َ ه‬ ‫َشء‪ ،‬الهغ ِ َُّن بذاته َع هن ُ ِ‬ ‫لك َ ه‬ ‫فَأَ َّما الهقَا ِد ُر عَ َىل ُ ِ‬
‫َشء‪ ،‬فَا هدخَا ُل اله َو َسائِطِ بَيهنَ ُه َوب َ ه َني َخله ِق ِه ن َ هقص ِ َِب ِق ُربُو ِبي َّ ِت ِه َوالَهِ َّيتِ ِه َوت هَو ِحي ِد ِه‪َ ،‬و َظ ين ِب ِه َظ َّن‬ ‫لك َ ه‬ ‫َر ه َمح ُت ُه ُ َّ‬
‫َرشعَ ُه ِل ِع َبا ِد ِه‪َ ،‬وي َ هم َتنِ ُع ِيف اله ُع ُقولِ َواله ِف َط ِر‪َِ ،‬وقُ هب ُح ُه ُم هس َت ِق ير ِيف اله ُع ُقولِ ا َّلس ِلمي َ ِة‬ ‫ِ‬
‫الس هو ِء‪َ ،‬و َه َذا ي هَس َت ِحي ُل آَ هن ي ه َ‬‫َّ‬
‫لك قَبِيح‪.‬‬ ‫فَ هو َق ُ ِ‬
‫هنا آورد ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬قول ابراهمي فامي ذكره هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬لبيه وقومه ‪:‬‬
‫ني﴾ [الصافات‪]87 - 85 :‬‬ ‫ُون اللَّـ ِه تُ ِريدُ َ‬
‫ون﴿‪ ﴾86‬فَ َما َظنُّ ُُك ِب َر ِب اله َعالَ ِم َ‬ ‫ون ﴿‪ ﴾85‬آَئِ هف ًاك آ ِلهَ ًة د َ‬
‫﴿ َما َذا تَ هع ُبدُ َ‬
‫ذكر معاين لكها حتمتلها هذه املقوةل البراهمي‪َ ﴿ :‬ما َظنُّ ُُك ِب َر ِب اله َعالَ ِم َني﴾‬
‫فذكر من ذكل ‪ :‬ما ظنُك آن جيازيُك به اذا لقيمتوه وقد عبدت غريه؟‬
‫﴿ َما َظنُّ ُُك ِب َر ِب اله َعالَ ِم َني﴾ آي‪ :‬ما ظنُك آن جيازيُك به رب العاملني اذا لقيمتوه يوم القيامة وقد جعلُت معه‬
‫الرشاكء والنداد ؟‬
‫وقد توعد هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬لك مرشك ان لقيه عىل الرشك آال يغفر هل‪ ،‬وآن يعذبه ابلنار خادل ًا فْيا‬
‫آبد الآابد ‪ .‬هذا معىن‪. 1‬‬
‫الآخر‪: 2‬وما ظننُت به حىت عبدت معه غريه ؟‬
‫ما هذا الظن اذلي ظننمتوه الس ئي بربُك حىت آجلأُك هذا الظن اىل آن جتعلوا معه غريه آله ًة تعبدوهنا مع‬
‫هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪. -‬‬
‫املعىن الثالث‪: 3‬وما ظننُت بأسامئه وصفاته وربوبيته من النقص حىت آحوجُك ذكل اىل عبودية غريه؟‬
‫وهذا آيض ًا فيه تبيني منه ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬آن من يرشك ابهلل فهذا من َجِل بأسامء هللا وصفاته وظنه‬
‫الس ئي بأسامء هللا تبارك وتعاىل وصفاته؛ لن آسامء هللا تُث ِبت آلوهية هللا وآنه اال ٰهل احلق املبني ‪.‬‬
‫واذا ثبتت هذه اللوهية بأسامء هللا‪ -‬تبارك وتعاىل‪ -‬وصفاته فان الواجب آن يفرد هذا االهل املتصف‬
‫ابلكامل والعظمة واجلالل آن يفرد وحده ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ،-‬دون آن ي ُتخذ معه النداد والرشاكء ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫ولهذا فصل ابن القمي ‪--‬رمحه هللا‪ --‬آن هؤالء لو ظنوا ابهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ما هو آهِل من املعرفة‬
‫بعظمته‪ ،‬وجالهل‪ ،‬وكامهل‪ ،‬وكامل آسامئه وصفاته‪ ،‬وعظمة ن ُ ُعوته ‪-‬جل وعال‪ ،-‬لو عرفوا ذكل حق املعرفة‬
‫ملا اختذوا مع هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬النداد و ُ‬
‫الرشاكء‬
‫لكن لك ذكل راجع اىل سوء ظَنم ابهلل‪ ،‬وسوء ظَنم بأسامئه وصفاته ‪-‬جل يف عاله‪،-‬‬
‫ض َه َذا‪ :‬آَ َّن اله َعابِدَ ُم َع ِظم ِل َم هع ُبو ِد ِه‪ُ ،‬متَأَ ِهل خ َِاضع َذ ِليل َهلُ‪َ ،‬و َّالر ُّب تَ َع َاىل‬ ‫« قال ‪--‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪ : -‬وي ُ َو ِ ُ‬
‫َو هحدَ ُه ه َُو َّ ِاذلي ي هَس َت ِح ُّق َ َمَك َل التَّ هع ِظ ِمي َواله َج َاللِ َوالتَّأَ ُّ ِهل َوالهخُضُ وعِ َوا ُّذل ِل‪َ ،‬و َه َذا خَا ِل ُص َح ِق ِه‪ ،‬فَ ِم هن آَ هقبَ ِح‬
‫رشيكَ ُه ِيف َح ِق ِه ه َُو‬ ‫الظ ه ِمل آَ هن ي ُ هع ِطى َحقَّ ُه ِلغ ه َِري ِه‪ ،‬آَ هو ي هُرشك بَيهنَ ُه َوبَيهنَ ُه ِفي ِه‪َ ،‬و َال ِس َّي َما ا َذا َاك َن َّ ِاذلي جع َل َ ِ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫رش َاك َء ِيف‬ ‫َض َب لَ ُ هُك َمث ًَال ِم هن آَنه ُف ِس ُ هُك ه هَل لَ ُ هُك ِم هن َما َملَكَ هت آَيه َمانُ ُ هُك ِم هن ُ َ‬ ‫َع هبدُ ُه َو َم هملُو ُكهُ‪َ َ ،‬مَك قَا َل تَ َع َاىل‪َ َ { :‬‬
‫َما َر َز هقنَ ُ هاُك فَأَن ُ ههُت ِفي ِه َس َواء َ َختافُوهنَ ُ هم كَ ِخي َف ِت ُ هُك آَنه ُف َس ُ هُك } [ ُس َور ُة ُّالرو ِم‪ . ]28 :‬آَ هي‪ :‬ا َذا َاك َن آَ َحدُ ُ هُك يَأْن َُف آَ هن يَ ُك َ‬
‫ون‬
‫ِ‬
‫رش َاك َء ِفميَا آَانَ ُم هنفَ ِرد ِب ِه ؟ َوه َُو هااللَهِ َّي ُة ال َّ ِيت َال‬
‫ون ِل ِم هن َع ِبا ِدي ُ َ‬ ‫رشيكَ ُه ِيف ِر هز ِق ِه‪ ،‬فَكَ هي َف َ هجت َعلُ َ‬ ‫َم هملُو ُك ُه َ ِ‬
‫ِ‬
‫تَن ه َب ِغي ِلغ ه َِريي‪َ ،‬و َال تَصلُ ُّح ِل ِس َو َاي‪».‬‬
‫يعن مثل ما قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬العابد ُمعظم ملعبوده‪ ،‬العابد من اختذ معبود ًا من دون هللا هو ُمعظم‬
‫ملعبوده ذليل هل‪ ،‬خاضع‪,‬وهذا اخلضوع واذلل والانكسار ال ينبغي اال هلل‪ ،‬وهو حق هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬ال ينبغي اال هل‪ ،‬فرصفه لغريه ظمل هو آشد الظمل وآش نعه‪ ،‬لنه ال يس تحق كامل التعظمي‪،‬‬
‫واالجالل‪ ،‬والتأهل‪ ،‬واخلضوع‪ ،‬واذلل اال هللا‪ ،‬وهذا خالص حقه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فرصف ذكل لغريه هو‬
‫من آقبح الظمل وآش نعه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬مفن آقبح الظمل آن يُعطى حقه لغريه‪ ،‬آو آن ي ُرشك معه غريه فيه‪ ،‬هذا آو هذا‪ ،‬آن يُعطى لغريه آو‬
‫آن ي ُرشك بينه وبني غريه فيه‪،‬‬
‫قال ‪ :‬والس امي اذا اكن اذلي ُجعل رشيكه يف حقه هو عبده ومملوكه‪ ،‬اذا اكن اذلي ُجعل رشياكً هل هو‬
‫العبد واململوك وهللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪َ -‬ضب مث ًال وهل املثل العىل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪َ ،-‬ضب مث ًال قال ‪:‬‬
‫َض َب لَ ُُك َمث ًَال ِمن آَن ُف ِس ُُك}‪ ،‬تعتربون به وتتعظون به يف هذا الباب ‪،‬‬ ‫﴿ََ‬
‫اكء يف ما َر َز ُ‬
‫قناُك فَأَ ُنُت في ِه َسواء َختافوهنَ ُم كَخي َف ِت ُُك آَن ُف َس ُُك كَذ ِ َكل‬ ‫رش َ‬‫﴿ هَل لَ ُُك ِمن ما َملَكَت آَميانُ ُُك ِمن ُ َ‬
‫لون﴾ [ الروم‪]28 :‬‬ ‫ايت ِلقَوم يَع ِق َ‬
‫ن ُ َف ِص ُل ال آ ِ‬
‫آي اذا اكن آحدُك يأنف آن يكون مملوكه الرقيق اذلي عنده رشياكً هل يف ماهل‪ ،‬هو واايه سواء يف املال‪،‬‬
‫يدمه عىل املال واحدة‪ ،‬وترصفهم يف املال واحد هل يرىض املاكل آن يكون مملوكه الرقيق اذلي عنده‬
‫رشيكه يف ماهل‪ ،‬ي ُسويه معه يف املال يترصف يف املال ؟‬

‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫لو ترصف جبزء يسري من املال بدون اذنه لغضب عليه آشد الغضب‪ ،‬فض ًال عن آن جيعِل رشياكً يف‬
‫املال ويكون هو واايه فيه سواء اذا كنُت تأنفون من ذكل فكيف جتعلون مع هللا رشياكً هل من عباده‬
‫يرىض آحدُك آن يكون مملوكه رشياكً هل يف ماهل‪ ،‬يأنف من‬
‫‪،‬مماليكه ‪ ،‬خملوقاته جتعلوهنا رشاكء مع هللا وال ٰ‬
‫ذكل‪ ﴿:‬تِ ه َ‬
‫ْل ا ًذا ِق هس َمة ِض َزي ٰ ﴾ [ النجم‪ ]22 :‬فهذا مما يبني قبح الرشك وشدة فساده ‪.‬‬
‫ِ‬
‫مث قَا َل ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪ :‬فَ َم هن َز َ َع َذ ِ َكل فَ َما قَ َدَر ِين َح َّق قَده ِري‪َ ،‬و َال َع َّظ َم ِن َح َّق تَ هع ِظميِي‪َ ،‬و َال آَفه َرد َِين‬
‫اَّلل َح َّق قَده ِر ِه َم هن َع َبدَ َم َع ُه غَ ه َري ُه‪َ َ ،‬مَك قَا َل تَ َع َاىل‪َ { :‬ايآَُّيُّ َا‬ ‫ُون َخله ِقي‪ ،‬فَ َما قَ َدَر َّ َ‬ ‫ِب َما آَانَ ُم هف َرد ِب ِه َو هح ِدي د َ‬
‫اَّلل ل َ هن َ هَيلُ ُقوا ُذ َاب ًاب َول َ ِو ا هجتَ َم ُعوا َ ُهل َوا هن‬
‫ُون َّ ِ‬ ‫ُون ِم هن د ِ‬ ‫َض َب َمث َل فَ هاس تَ ِم ُعوا َ ُهل ا َّن َّ ِاذل َين تَده ع َ‬ ‫النَّ ُاس ُ ِ‬
‫ِ‬
‫اَّلل لَقَ ِو يي‬ ‫اَّلل َح َّق قَده ِر ِه ا َّن ِ َّ َ‬ ‫وب ‪َ -‬ما قَ ُدَروا َّ َ‬ ‫الطا ِل ُب َواله َم هطلُ ُ‬ ‫ي هَسلُْبه ُ ُم ا ُّذل َاب ُب َشيهئًا َال ي هَست َ هن ِق ُذو ُه ِمنه ُه ضَ ُع َف َّ‬
‫ِ‬
‫َع ِزيز} [ ُس َور ُة اله َح ِج‪. ]74 - 73 :‬‬

‫اَّلل َح َّق قَده ِر ِه َم هن َع َبدَ َم َع ُه غَ ه َري ُه‪ِ ،‬م َّم هن َال ي َ هق ِد ُر عَ َىل َخله ِق آَضه َع ِف حيوان َوآَ هصغَ ِر ِه‪َ ،‬وا هن َسلَْبَ ُ ُم‬ ‫فَ َما قَ َدَر َّ َ‬
‫اَّلل َح َّق قَده ِر ِه َو ه َال ه ِر ُض َ ِمجي ًعا‬ ‫ا ُّذل َاب ُب َشيهئًا ِم َّما عَلَ هي ِه لَ هم ي َ هق ِد هر عَ َىل هاس ِتنهقَا ِذ ِه ِمنههُ‪َ ،‬وقَا َل تَ َع َاىل‪َ { :‬و َما قَ ُدَروا َّ َ‬
‫ون} [ ُس َور ُة ا ُّلز َم ِر‪ ]67 :‬فَ َما قَ َدَر َم هن‬ ‫الس َامو ُات َم هط ِو َّايت ِب َي ِمينِ ِه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ََّ َ -‬عا ي ه ِ‬
‫ُرش ُك َ‬ ‫قَ هبضَ ُت ُه ي َ هو َم اله ِق َيا َم ِة َو َّ‬
‫َشء ِم هن َذ ِ َكل آَله َبتَّ َة‪ ،‬ب َ هل ه َُو آَ ه ََع ُز‬ ‫رشكَ َم َع ُه ِيف ِع َبا َدتِ ِه َم هن لَيه َس َ ُهل َ ه‬ ‫َه َذا َشأْن ُ ُه َو َع َظ َم ُت ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن آَ ه َ‬
‫رشكَ َم َع ُه الضَّ ِع َيف ا َّذل ِلي َل‪.‬‬ ‫َشء َوآَضه َع ُفهُ‪ ،‬فَ َما قَ َدَر الهقَ ِو َّي اله َع ِز َيز َح َّق قَده ِر ِه َم هن آَ ه َ‬ ‫َه‬
‫َوكَ َذ ِ َكل َما قَ َدَر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن قَا َل‪ :‬ان َّ ُه ل َ هم يُ هر ِس هل ا َىل َخله ِق ِه َر ُس ًوال‪َ ،‬و َال آَنه َز َل ِكتَ ًااب‪ ،‬ب َ هل ن َ َس َب ُه ا َىل َما َال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َ ِل ُيق ِب ِه َو َال َ هَي ُس ُن ِمنههُ‪ِ ،‬م هن ا ه َْهالِ َخله ِق ِه َوتَضه يِي ِعهِ هم َوتَ هر ِكهِ هم ُسدً ‪َ ،‬و َخلَقهُم َاب ِط ًال َع َبثًا‪َ ،‬و َال قَ َدَر ُه َح َّق‬
‫ِ‬
‫قَده ِر ِه َم هن ن َ َفى َحقَائِ َق آَ ه ََسائِ ِه اله ُح هس َىن َو ِصفَاتِ ِه اله ُع َال‪ ،‬فَنَفَى َ هَس َع ُه َوب َ ََ‬
‫رص ُه َوا َرا َدتَ ُه َوا هخ ِت َي َار ُه َوعُلُ َّو ُه فَ هو َق‬
‫َخله ِق ِه‪َ ،‬و َ َالك َم ُه َوتَ ه ِلكمي َ ُه ِل َم هن َش َاء ِم هن َخله ِق ِه ِب َما يُ ِريد‪ ،‬آَ هو نَفَى ُ َُعو َم قُده َرتِ ِه َِوتَ َعلُّقَهَا ِبأَفه َعالِ ِع َبا ِد ِه ِم هن َطا َعِتِ ِ هم‬
‫ون َم ِشيئَ ِة‬ ‫ون بِدُ ِ‬ ‫ون ِ َلنه ُف ِسهِ هم َما يَشَ ا ُء َ‬ ‫َو َم َع ِاص ِْي هم‪ ،‬فَأَخ َهر َ ََجا َع هن قُده َرتِ ِه َو َم ِش يئ َ ِت ِه َو َخله ِق ِه‪َ ،‬و َج َعلَهُ هم َ هَي ِل ُق َ‬
‫ون‪ .‬تَ َع َاىل هللا َع هن قَ هولِ آَ هش َبا ِه اله َم ُج ِوس عُلُ ًّوا كَب ًِريا‪.‬‬ ‫ون ِيف ُم هل ِك ِه َما َال يَشَ ا ُء‪َ ،‬ويَشَ ا ُء َما َال يَ ُك ُ‬ ‫َّالر ِب‪ ،‬فَ َي ُك ُ‬
‫هذا تفصيل توسع فيه ابن القمي فامي قرر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬لنواع لكها داخةل حتت هذا المر‪ -‬اذلي هو سوء‬
‫تعاىل‪ -‬حق تعظميه كام قال‬
‫عظمه ‪-‬س بحانه و ٰ‬ ‫الظن ابهلل‪ -‬وآن فاعلها ما قدر الرب العظمي حق قدره‪ ,‬وال َّ‬
‫هللا عز وجل‪َّ ﴿ :‬ما لَ ُ هُك َال تَ هر ُج َ‬
‫ون ِللَّـ ِه َوقَ ًارا﴿‪َ ﴾14‬وقَده َخلَقَ ُ هُك آَ هط َو ًارا﴾[ نوح‪ ]14 - 13 :‬الآايت‪..‬‬
‫ال ترجون هلل َوقَارا‪ :‬آي ال تعظمونه التعظمي الالئق جبالهل وكامهل مع تفرده س بحانه ابخللق واالنعام‬
‫واالمداد واالعداد وآنواع النعم جل يف عاله‪.‬‬
‫فذكر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آمور ًا كثرية من وقع فْيا آو َشء مَنا ‪,‬فانه مل يقدر ربه حق قدره ومعىن مل يقدر ربه‬
‫حق قدره‪ :‬آي مل يعظمه التعظمي الالئق جبالهل؛ بل خرج عن التعظمي ا ٰىل سوء الظن ابلرب العظمي جل‬
‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫دعون وي ُس تغاث هبم ويُرصف هلم من احلقوق ما ليس اال هلل‬ ‫يف عاله‪ ,‬مفن ذكل اختاذ النداد والرشاكء ي ُ ه‬
‫دون َّ ِ‬
‫اَّلل لَن ََيلُقوا ُذ ًاباب‬ ‫َدعون ِمن ِ‬‫َض َب َمث َل فَ هاس تَ ِم ُعوا َ ُهل ا َّن َّاذل َين ت َ‬
‫قال هللا تعاىل‪َ ﴿:‬اي آَُّيُّ َا النَّ ُاس ُ ِ‬
‫ِ‬
‫طلوب﴿‪ ﴾73‬ما قَ ُدَروا َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ابب َشيئًا ال ي َستَن ِقذو ُه ِمن ُه ضَ ُع َف الطا ِل ُب َوامل َ ُ‬ ‫َول َ ِو اجتَ َمعوا َ ُهل َوان ي َسلُْبُ ُم ا ُّذل ُ‬
‫احلج‪]74 - 73:‬‬ ‫در ِه ﴾ [ ِ‬
‫َح َّق قَ ِ‬
‫يعن من اكنوا كذكل ما عظموا رهبم حق تعظميه‪ ،‬آين التعظمي هلل ومه جيعلون معه رشياكً ال ميْل لنفسه‬
‫نفع ًا وال دفع ًا فض ًال من آن ميْل شيئ ًا من ذكل لغريه‪،‬‬
‫ويكفي يف هوان حال هؤالء آن هذا اذلي يدعونه لن هَيلُق ذاب ًاب ولو اجمتعوا عىل خلق ذابب‬
‫ابب َشيئًا ال ي َستَن ِقذو ُه ِمن ُه ضَ ُع َف الطا ِل ُب َواملَطلوب﴾‬
‫﴿ َوان ي َسلُْبُ ُم ا ُّذل ُ‬
‫ِ‬
‫ض ُعف الطالب آي‪ :‬ادلاعي واملطلوب املدعو من دون هللا ‪،‬‬
‫فهذا يف غاية الضعف وهذا يف غاية الضعف‪ ،‬هذا ال ميْل لنفسه وهذا ال ميْل لنفسه ال دفع ًا وال منع ًا‪،‬‬
‫واملْل لكه هلل‪ ،‬واخللق لكهم طوع ترصيفه‪ ،‬وتدبريه‪ ،‬وتسخريه ‪-‬جل يف عاله‪-‬‬
‫در ِه﴾‪ ،‬من يتخذ مع هللا املعبودات ُمعرض ًا عن عظمة هللا وجالهل‪،‬‬ ‫﴿ َوما قَ ُدَروا َّ َ‬
‫اَّلل َح َّق قَ ِ‬
‫در ِه َوا َل ُرض َمجي ًعا قَبضَ ُت ُه يَو َم ال ِقيا َم ِة َو َّ‬
‫السامو ُات‬ ‫تأمل هذا املعىن يف قوهل ‪َ ﴿ :‬وما قَ ُدَروا َّ َ‬
‫اَّلل َح َّق قَ ِ‬
‫كون﴾ ﴿الزمر‪﴾67 :‬‬ ‫رش َ‬ ‫َمط ِوايت ِب َيمينِ ِه ُس هب َحان َ ُه َوتَ َع َاىل ََعا ي ُ ِ‬
‫اذلي يلجأ اىل تراب‪ ،‬آو قرب‪ ،‬آو جشر‪ ،‬آو جحر هل قدر هذا الرب العظمي اذلي‪:‬‬
‫السامو ُات َمط ِوايت ِب َيمي ِنه﴾‪ ،‬هل قدره حق قدره عندما جعل معه‬ ‫﴿ ا َل ُرض َمجي ًعا قَبضَ ُت ُه يَو َم ال ِقيا َم ِة َو َّ‬
‫ند ًا من خلقه !؟‬
‫الند ما هو؟ حفنة من تراب‪ ،‬آو جحر ًا من الجحار‪ ،‬آو جشرة من الجشار‪ ،‬آو َضَي ًا من الَضحة آو‬
‫قل ما شئت من هذه الش ياء جيعلها رشياكً للرب العظمي اذلي‪ ﴿:‬ا َل ُرض َمجي ًعا قَبضَ ُت ُه يَو َم ال ِقيا َم ِة‬
‫السامو ُات َمط ِوايت ِب َيمينِه﴾‬
‫َو َّ‬
‫‪ ‬كذكل ما قدر الرب العظمي حق قدره من دحد آن هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آنزل الويح‪ ،‬وهذا‬
‫يِتتب عليه آن هللا قد ترك اخللق ْه ًال ُوسدً وآوجدمه عبث ًا‪ ،‬وهذا يُزنه عنه الرب العظمي‪ ،‬مفن‬
‫در ِه اذ قالوا ما آَ َنز َل‬
‫اَّلل َح َّق قَ ِ‬
‫قال ذكل ما قدر هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره‪َ ﴿ :‬وما قَ ُدَروا َّ َ‬
‫ِ‬
‫اَّلل عَىل ب َ َرش ِمن ََشء﴾ [ النعام‪ ] 91 :‬مفن قال ذكل ما عظم هللا حق تعظميه بل الالئق ِبمكة‬ ‫َّ ُ‬
‫العظمي‪ ،‬وجالل اخلالق وكامهل آن ال يِتك هؤالء اخللق ُسدً بل يأمرمه‪ ،‬ويَنامه‪ ،‬ويبعث الْيم‬
‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫رسِل‪ ،‬ويُزنل علْيم وحيه هذا اذلي يليق بكامهل مفن نفى ذكل فانه ما عظم الرب العظمي ‪--‬‬
‫س بحانه وتعاىل‪ --‬حق تعظميه !‬
‫‪ ‬كذكل من نفى حقائق السامء احلس ىن والصفات ال ُعىل كام يه طريقة املعطةل بأنواعهم ممن ينفون‬
‫آسامء هللا وصفاته وجيحدوهنا وال يثبتوهنا هلل‪ ،‬ينفون السمع‪ ،‬ينفون البرص‪ ،‬ينفون اليد اىل غري‬
‫ذكل‪ ..‬من صفات هللا الثابتة هل يف كتابه ويف س نة نبيه ‪ -‬ﷺ ‪ -‬فان من نفى الصفات مل يقدر‬
‫ربه حق قدره‪،‬‬
‫ومر معنا يف من نفى شيئ ًا مما يتعلق بصفة العمل ﴿ َوذ ِل ُُك َظنُّ ُ ُُك َّاذلي َظنَ ُنُت ِب َ ِبر ُُك آَ ُ‬
‫رداُك} هذا ما‬
‫قدر هللا ‪--‬س بحانه وتعاىل‪ --‬حق قدره ‪.‬‬
‫‪ ‬كذكل ن ُفاة املشيئة‪ ،‬وَعوم قدرة هللا‪ ،‬وتعلقها بأفعال العباد كام هو قول القدرية النفاة‪ ،‬فان هؤالء‬
‫آيض ًا ما قدروا هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره‪.‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪َ :‬وكَ َذ ِ َكل َما قَ َدَر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن قَا َل‪ :‬ان َّ ُه يُ َعا ِق ُب َع هبدَ ُه عَ َىل َما َال ي َ هف َع ُ ُِل اله َع هبدُ ‪َ ،‬و َال‬
‫ِ‬
‫َ ُهل عَلَ هي ِه قُده َرة‪َ ،‬و َال تَأْثِري َ ُهل ِفي ِه آَله َبتَّ َة‪ ،‬ب َ هل ه َُو ن َ هف ُس ِف هع ِل َّالر ِب َج َّل َج َال ُهلُ‪ ،‬فَ ُي َعا ِق ُب َع هبدَ ُه عَ َىل ِف هع ِ ِِل ه َُو‬
‫وق‪َ ،‬وا َذا َاك َن ِم َن‬ ‫وق ِلله َم هخلُ ِ‬ ‫ُس هب َحان َ ُه َّ ِاذلي َج َ َرب اله َع هبدَ عَلَ هي ِه‪َ .‬و َج ه ُرب ُه عَ َىل اله ِف هع ِل آَع َهظ ُم ِم هن ا هك َرا ِه اله َم هخلُ ِ‬
‫ِ‬
‫الس يِدَ ل َ هو َآ هك َر َه َع َبدَ ُه عَ َىل ِف هعل‪ ،‬آَ هو آَله َجأَ ُه الَ هي ِه ُ َّمث عَاقَبَ ُه ِعَلَ هي ِه لَ َاك َن قَبِي ًحا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اله ُم هس تَ ِق ِر ِيف اله ِف َط ِر َواله ُع ُقولِ آَ َّن‬
‫ِ‬
‫ون لِله َع هب ِد ِفي ِه ُص هنع َو َال‬ ‫امح َني كَ هي َف َ هجي ُ ُرب اله َع هبدَ عَ َىل ِف هعل َال يَ ُك ُ‬ ‫اَك َني َوآَ هر َح ُم َّالر ِ ِ‬ ‫فَأَعهدَ ُل اله َعا ِد ِل َني َوآَ هح َ ُُك اله َح ِ ِ‬
‫اَّلل َع هن َذ ِ َكل عُلُ ًّوا‬ ‫تَأْ ِثري‪َ ،‬و َال ه َُو َوا ِقع ابِ َرا َدتِ ِه‪َ ،‬و َال ه َُو ِف هع ُ ُِل آَله َبتَّ َة‪َّ ُ ،‬مث ي ُ َعا ِق ُب عَلَ هي ِه ُع ُقوب َ َة ه َالب َ ِد؟ تَ َع َاىل َّ ُ‬
‫رش ِم هن آَقه َوالِ آش باه اله َم ُج ِوس‪َ .‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َح َّق قَده ِر ِه‪.‬‬ ‫الطائِ َفتَ ِان َما قَ ُدَروا َّ َ‬ ‫َكب ًِريا‪َ ،‬وقَ هو ُل َه ُؤ َال ِء َ ي‬
‫هنا يشري اىل قول القدرية امل ُجربة اذلين يقولون‪ :‬ان العبد ال مشيئة هل ‪ ،‬وآنه جمرب عىل فعل نفسه ‪ ،‬وآنه‬
‫اكلورقة يف همب الرحي‪ ,‬فأهل هذا القول اذلين مه القدرية اجملربة‪ ،‬ما قدروا هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق‬
‫قدره ‪ ،‬فقالوا عىل زَعهم ان هللا جرب العبد عىل فعل نفسه مث يعاقبه عليه ‪...‬‬
‫يقول ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ : -‬آن الس يد لو آكره عبده عىل فعل آو آجلأه اليه مث عاقبه لاكن هذا نقص ًا‬
‫وقدح ًا فيه‪ ،‬فكيف جيعلون مثل ذكل آو آشد من ذكل صفة هلل‪،‬‬
‫وهؤالء قوهلم رش من القدرية النفاة اذلين قال عَنم السلف‪ :‬اهنم جموس هذه المة ‪،‬‬
‫> والك القولني رش‪ ،‬والك آهل هذين القولني ما قدروا هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬الرب العظمي حق قدره‬
‫جل يف عاله <‬
‫واحلق وسط بني هاتني الضاللتني كام قال هللا س بحانه‪ِ ﴿:‬ل َمن َش َاء ِم ُ ه‬
‫نُك آَن ي هَس تَ ِق َمي ﴾ [ التكوير‪] 28 :‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫رد عىل القدرية ال ُنفاة‪..‬‬ ‫ون ا َّال آَن يَشَ َاء اللَّـ ُه َر ُّب اله َعالَ ِم َ‬
‫ني ﴾ [ التكوير‪]29 :‬‬ ‫هذا رد عىل اجملربة ﴿ َو َما تَشَ ا ُء َ‬
‫ِ‬
‫*قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪َ :‬وكَ َذ ِ َكل َما قَ َدَر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن ل َ هم ي َ ُصنه َع هن برئ َو َال ُحش‪َ ،‬و َال َم َاكن يُ هرغَ ُب َع هن‬
‫الطي ُِب‬ ‫ون ُم هس تَ ِو ًاي عَلَ هي ِه‪{ :‬الَ هي ِه ي َ هص َعدُ هال َ ِلك ُم َّ‬ ‫لك َم َاكن‪ ،‬و َصان َ ُه َع هن َع هر ِش ِه آَ هن يَ ُك َ‬ ‫ِذ هك ِر ِه ب َ هل َج َع َ ُِل ِيف ُ ِ‬
‫ِ‬
‫َواله َع َم ُل َّ‬
‫الصا ِل ُح ي َ هرف َ ُع ُه} [ ُس َور ُة فَا ِطر‪. ]10 :‬‬

‫الس َما ِء ا َىل ه َال هر ِض ُ َّ‬


‫مث ي َ هع ُر ُج ال َ هي ِه} [ ُس َور ُة‬ ‫َّ‬ ‫وح ال َ هي ِه‪َ ،‬وت ه َِزن ُل ِم هن ِع هن ِد ِه‪{ :‬ي ُ ِدَب ُر ه َال هم َر ِم َن‬
‫َوتَ هع ُر ُج اله َم َالئِ َك ُة َو ُّالر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس هجدَ ِة‪. ]5 :‬‬
‫َّ‬

‫ْل‪َّ ُ ،‬مث َج َع َ ُِل ِيف ُ ِ‬


‫لك َم َاكن يَأْن َُف هاالن ه َس ُان‪ ،‬ب َ هل غَ ه ُري ُه ِم َن اله َح َي َو ِان َآ هن‬ ‫فَ َصان َ ُه َع ِن هاس ِت َوائِ ِه عَ َىل َ ِ‬
‫رسي ِر اله ُم ه ِ‬
‫ِ‬ ‫ون ِفي ِه‪.‬‬
‫يَ ُك َ‬
‫هنا يبني آن القائلني ‪ -‬تعاىل هللا عام يقولون علو ًا كبري ًا ‪ : -‬ان هللا يف لك ماكن ‪ ،‬آن هؤالء آيض ًا ما‬
‫قدروا هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره جل يف عاله ‪،‬‬
‫جعلوه يف لك ماكن مل يصونوه عن الماكن النتنة والماكن القذرة والماكن القبيحة ‪ ،‬ما صانوه عن ذكل ‪،‬‬
‫صانوه عن اس توائه عىل العرش اذلي آثبته لنفسه ودحدوا ذكل ‪ ،‬ومل يصونوه عن الماكن القبيحة الماكن‬
‫السيئة؛ لهنم اذا قالوا هللا يف لك ماكن يشمل الس ئي وغري الس ئي ‪ ،‬مفا صانوه وال نزهوا رهبم وما‬
‫قدروا رهبم ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره جل يف عاله ولهذا من ال يثبت علو هللا العلو الالئق جبالل هللا‬
‫وكامهل وعظمته ما قدر الرب العظمي حق قدره ‪.‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪َ " -‬و َما قَ َدَره َح َّق قَده ِر ِه َم هن نَفَى َح ِقيقَ َة َم َحبَّتِ ِه َو َر ه َمحتِ ِه َو َرآْفَ ِت ِه َو ِرضَ ا ُه َوغَضَ ِب ِه‬
‫يه الهغ ََااي ُت اله َم هح ُمو َد ُة اله َم هق ُصو َد ُة ِب ِف هع ِ ِِل‪َ ،‬و َال َم هن نَفَى َح ِقيقَ َة ِف هع ِ ِِل‪،‬‬ ‫َو َم هق ِت ِه‪َ ،‬و َال َم هن نَفَى َح ِقيقَ َة ِح همكَ ِت ِه ال َّ ِيت ِ َ‬
‫َول َ هم َ هجي َع هل َ ُهل ِف هع ًال ا هخ ِت َي ِار ًّاي ي َ ُقو ُم ِب ِه‪ ،‬ب َ هل آَفه َع ُ ُاهل َم هف ُع َوالت ُمنهفَ ِص َةل َع هنهُ‪ ،‬فَنَفَى َح ِقيقَ َة َمجِ ي ِئ ِه َواته َيا ِن ِه‬
‫الط ِور‪َ ،‬و َمجِ يئِ ِه ي َ هو َم اله ِقيَا َم ِة ِل َف هص ِل الهقَضَ ا ِء ِب َ ه َني ِع َبا ِد ِه‬
‫وس ِم هن َجا ِن ِب ُّ‬ ‫َو هاس تِ َوائِ ِه عَ َىل َع هر ِش ِه‪َ ،‬وتَ ه ِلكميِ ِه ُم َ‬
‫ِبنَ هف ِس ِه‪ ،‬ا َىل غَ ه ِري َذ ِ َكل ِم هن آَفه َع ِ ِاهل َوآَ هو َص ِاف َ َمَك ِ ِهل‪ ،‬ال َّ ِيت نَفَ هوهَا َو َز َ َُعوا آَهنَّ ُ هم ِبنَ هفْيِ َا قد قَ ُدَرو ُه َح َّق قَده ِر ِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫آيض ًا هؤالء اذلين نفوا صفات هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬الفعلية مثل الاس تواء واجمليء والرضا والغضب‬
‫والرآفة والرمحة وغري ذكل من صفاته الفعلية الاختيارية من دحدها آو دحد شيئ ًا مَنا ونفاها فانه ما قدر‬
‫هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬العظمي حق قدره‪.‬‬

‫‪ ‬قال َوكَ َذ ِ َكل ل َ هم ي َ هق ِد هر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن َج َع َل َ ُهل َصا ِح َب ًة َو َو َ ًدلا‪ ،‬آَ هو َج َع َ َِل ُس هب َحان َ ُه َ َِي ُّل ِيف َ ِمجيع ِ‬
‫َم هخلُوقَا ِت ِه‪ ،‬آَ هو َج َع َ ُِل عَ ه َني َه َذا اله ُو ُجو ِد‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫‪َ ‬وكَ َذ ِ َكل ل َ هم ي َ هق ِد هر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن قَا َل‪ :‬ان َّ ُه َرفَ َع آَعهد ََاء َر ُس ِوهل ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وآَه ِهل بَيه ِت ِه َوآَعه َىل ِذ هك َر ُ همه‪،‬‬
‫ِ‬
‫َض َب‬ ‫ْل َواله ِخ َالفَ َة َواله ِع َّز‪َ ،‬و َوضَ َع آَ هو ِل َي َاء َر ُس ِوهل ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬وآَ هه َل بَيه ِت ِه َوآَهَاهنَ ُ هم َوآَ َذلَّهُ هم َو َ َ‬ ‫َو َج َع َل ِف ِْي ُم اله ُم ه َ‬
‫عَلَْيه ِ ُم ا ُّذل َّل آَيهنَ َما ثُ ِق ُفوا‪َ ،‬و َه َذا ي َ َتضَ َّم ُن غَاي َ َة الهقَده حِ ِيف َّالر ِب‪ .‬تَ َع َاىل َع هن قَ هولِ َّالرا ِفضَ ِة عُلُ ًّوا كَب ًِريا‪.‬‬
‫َو َه َذا الهقَ هو ُل ُم هش تَ يق ِم هن قَ هولِ الهْيَ ُو ِد َوالنَّ َص َار ِيف َر ِب اله َعالَ ِم َني ان َ ُه آَ هر َس َل َم ِل ًاك َظا ِل ًما‪ ،‬فَا َّد َعى النُّ ُب َّو َة ِلنَ هف ِس ِه‪،‬‬
‫ول‪ :‬قَا َل كَ َذا‪َ ،‬وآَ َم َر ِب َك َذا‪َ ،‬وهنَ َىى َع هن‬ ‫لك َوقهت‪َ ،‬وي َ ُق ُ‬ ‫اَّلل‪َ ،‬و َمكَ َث َز َماانً َط ِو ًيال يَ هك ِذ ُب عَلَيه ُ َّ‬ ‫َوكَ َذ َب عَ َىل َّ ِ‬
‫اَّلل آَ َاب َح ِل َذ ِ َكل‪،‬‬ ‫ول‪ُ َّ :‬‬ ‫رشائِ َع آَنه ِبيَائِ ِه َو ُر ُس ِ ِِل‪َ ،‬وي هَس تَب ُِيح ِد َم َاء آَته َبا ِعهِ هم َوآَ هم َوالَهُ هم َو َح ِرميَهُ هم‪َ ،‬وي َ ُق ُ‬ ‫كَ َذا‪ ،‬ويَن ه َسخُ َ َ‬
‫يب َد َع َواتِ ِه‪َ ،‬وي ُ َم ِكنُ ُه ِم َّم هن خَالَفَهُ‪َ ،‬وي ُ ِق ُمي ه َال ِد َّ َةل عَ َىل ِصده ِق ِه‪،‬‬ ‫َو َّالر ُّب تَ َع َاىل ي ُ هظه ُِر ُه َوي ُ َؤ ِيدُ ُه‪َ ،‬ويُ هع ِلي ِه‪َ ،‬وي ُ ِع ُّز ُه‪َ ،‬و ُ ِجي ُ‬
‫َشء‪.‬‬ ‫َو َال ي ُ َعا ِدي ِه آَ َحد ِا َّال َظ ِف َر ِب ِه‪ ،‬فَ ُيص ِدقه ِبقَ هو ِ ِهل َو ِف هع ِ ِِل َوتَ هق ِري ِر ِه‪َ ،‬و ُ هَي ِد ُث آَ ِد َّ َةل ت هَص ِدي ِق ِه َشيهئًا ب َ هعدَ َ ه‬
‫الط هع ِن ِيف َّالر ِب ‪-‬س بحانه وتعاىل‪َ ،-‬و ِعله ِم ِه‪َ ،‬و ِح همكَتِ ِه‪َ ،‬و َر ه َمحتِ ِه‪،‬‬ ‫َو َم هعلُوم آَ َّن َه َذا ي َ َتضَ َّم ُن آَع َهظ َم الهقَده حِ َو َّ‬
‫َو ُربُو ِبي َّ ِت ِه‪ .‬تَ َع َاىل هللا َع هن قَ هولِ اله َجا ِح ِد َين عُلُ ًّوا َكب ًِريا‪.‬‬
‫هنا يذكر ‪ -‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل قولني متشاهبني مامتثلني الكهام صادر ممن مل يقدر هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫حق قدره‪،‬‬
‫القول الول ‪ :‬يتعلق ابلروافض حيث يقول ‪-‬رمحه هللا‪ :-‬وكذكل مل يقدره حق قدره من قال انه رفع‬
‫آعداء رسول هللا صىل هللا عليه وسمل وآهل بيته آي وآعداء آهل بيته وآعىل ذكرمه من مه هؤالء‬
‫العداء؟ من مه؟الصحابة وعىل رآس هؤالء آبو بكر وَعر بزع آولئك ‪,‬فمل يقدر هللا حق قدره من قال‬
‫انه رفع آعداء رسول هللا وآهل بيته وآعىل ذكرمه وجعل فْيم املْل ‪ ،‬واخلالفة ‪ ،‬والعز ‪ ،‬ووضع آولياء‬
‫رسول هللا ﷺ ‪،‬وآهل بيته وآهاهنم وآذهلم ‪ ،‬وَضب علْيم اذلةل آيامن ثقفوا‪.‬‬
‫وهذا يتضمن غاية القدح يف جناب الربوبية‪ ،‬تعاىل هللا عن قول الرافضة علو ًا كبري ًا‪.‬‬
‫يقول قول هؤالء مش تق من قول الْيود والنصار يف رب العاملني ‪ ،‬آنه آرسل م ِلاكً ظامل ًا فادعى النبوة‬
‫لنفسه هذا قوهلم يف نبوة محمد عليه الصالة والسالم وكذب عىل هللا ومكث زمن ًا طوي ًال يكذب عىل‬
‫هللا بزَعهم‪ .‬قال هللا ‪ ،‬وآمر هللا ‪ ،‬وهنىى هللا ‪ ،‬وهو مل يويح اليه بيشء بزع هؤالء ‪،‬وينسخ رشائع‬
‫النبياء قبِل ويس تبيح دماء آتباعهم‪ ،‬ويقول هللا آابح ل ذكل ‪ ،‬وهو مع هذا الرب يظهره‪ ،‬ويؤيده ويعليه‬
‫‪ ،‬ويعزه ‪ ،‬وال يعاديه آحد اال آذهل هللا ‪ ،‬ودينه ال يزال يف ظهور هل يقول هذا من قدر هللا حقه‬
‫قدره؟‬
‫ون افه َ َِت ٰ عَ َىل اللَّـ ِه كَ ِذ ًاب فَان يَشَ ا اللَّـ ُه َ هَي ِ هُت عَ َ ٰىل قَ هلب َِك َوي َ هم ُح اللَّـ ُه‬
‫وقد قال هللا عز وجل‪﴿ :‬آَ هم ي َ ُقولُ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ور﴾ [ الشور ‪،]24 :‬‬ ‫الصدُ ِ‬ ‫اله َبا ِط َل َو ُ َِي ُّق اله َح َّق ِب َ ِلك َما ِت ِه ان َّ ُه عَ ِلمي ِب َذ ِات ُّ‬
‫ِ‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫﴿‪َّ ُ ﴾45‬مث لَقَ َط هعنَا ِمنه ُه اله َوتِ َ‬


‫ني ﴿‪﴾47‬‬ ‫وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬ول َ هو تَقَ َّو َل عَلَ هينَا ب َ هع َض ه َالقَا ِو ِيل ﴿‪َ َ ﴾44‬لخ هَذانَ ِمنه ُه ِابله َي ِمنيِ‬
‫ين ﴾[ احلاقة‪]47-44 :‬‬ ‫فَ َما ِم ُنُك ِم هن آَ َحد َع هن ُه َح ِاج ِز َ‬
‫فيقول هذا القول الول مش تق من الثاين بيَنام ش به واض ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوازن بني قول هؤالء وبني قول اخواهنم من الرافضة جتد القولني‪:‬‬
‫َر ِضي َع هي ِل َبان ثَده ي آُم تَقَ َ َ‬
‫اَسا *** ِبأَ هْس ََم دَاج َع هو ُض َال ن َ َتفَر ُق‬
‫وض ‪ :‬آي آبد ًا مبعىن آبد ًا ‪َ ,‬عوض ال نتفرق‪ :‬آي آبد ًا ال نتفرق‪،‬‬ ‫َع ُ‬
‫يعن ‪ :‬قول الفريقني الشأن فيه كام قال الشاعر‪:‬‬
‫َر ِضي َع هي ِل َبان آُم تَقَ َ َ‬
‫اَسا‬
‫يعن حلفا وهام رضيعا لبان واحد آال يتفرقا آبد ًا فهؤالء هذا شأهنم وهام رضيعي لبان واحد وهو لبان‬
‫الهو والضالل والباطل‪.‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪: -‬‬
‫‪َ ‬وكَ َذ ِ َكل ل َ هم ي َ هق ِد هر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن قَا َل آَن َّ ُه َ ُجي ُوز آَ هن ي ُ َع ِذ َب آَ هو ِل َي َاء ُه‪َ ،‬و َم هن ل َ هم ي َ هع ِص ِه َط هرفَ َة عَ هني‪،‬‬
‫َويُده ِخلَهُ هم د ََار اله َج ِح ِمي‪َ ،‬ويُنَ ِع َم آَعهدَ َاء ُه َو َم هن ل َ هم ي ُ هؤ ِم هن ِب ِه َط هرفَ َة عَ هني‪َ ،‬ويُده ِخلَه هُم د ََار النَّ ِع ِمي‪َ ،‬وآَ َّن ِ َالك ه َال هم َرهي ِن‬
‫ِاب ِلن هس َب ِة الَ هي ِه َس َواء‪َ ،‬وان َّ َما الهخ َ َُرب اله َم هح ُض َج َاء َع هن ُه ِ ِِب َال ِف َذ ِ َكل‪ ،‬فَ َم هعنَا ُه لِلهخ َ َِرب َال ِل ُمخَالَ َف ِة ِح همكَ ِت ِه َوعَده ِ ِهل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوقَده آَ هنكَ َر ُس هب َحان َ ُه ِيف ِكتَا ِب ِه عَ َىل َم هن َج َّو َز عَلَ هي ِه َذ ِ َكل غَاي َ َة هاالنه َاك ِر‪َ ،‬و َج َع َل اله ُح ه َُك ِب ِه ِم هن آَ هس َو ِآ ه َال هح َاك ِم‪.‬‬
‫ِ‬
‫الس َم َاء َو ه َال هر َض َو َما بَيهَنَ ُ َما َاب ِط ًال َذ ِ َكل َظ ُّن َّ ِاذل َين كَفَ ُروا فَ َويهل ِل َّ َِّل َين َكفَ ُروا ِم َن‬ ‫قَا َل تَ َع َاىل‪َ { :‬و َما َخلَ هقنَا َّ‬
‫ني َاكله ُف َّج ِار} [ ُس َور ُة‬ ‫ات َاكله ُم هف ِس ِد َين ِيف ه َال هر ِض آَ هم َ هَن َع ُل اله ُمتَّ ِق َ‬ ‫النَّ ِار ‪ -‬آَ هم َ هَن َع ُل َّ ِاذل َين آ آ َمنُوا َو َ َِعلُوا َّ‬
‫الصا ِل َح ِ‬
‫ص‪. ]28 - 27 :‬‬

‫ات َس َو ًاء َم هح َي ُ ه‬
‫امه‬ ‫ات آَ هن َ هَن َعلَهُ هم َاك َّ ِذل َين آ آ َمنُوا َو َ َِعلُوا َّ‬
‫الصا ِل َح ِ‬ ‫َوقَا َل‪{ :‬آَ هم َح ِس َب َّ ِاذل َين ا هج َ َِت ُحوا َّ‬
‫الس ِيئَ ِ‬
‫لك ن َ هفس ِب َما كَ َسبَ هت َو ُ همه َال‬‫الس َم َاو ِات َو ه َال هر َض ابِ له َح ِق َو ِل ُت هج َز ُ ُّ‬ ‫اَّلل َّ‬‫ون ‪َ -‬و َخلَ َق َّ ُ‬
‫َو َم َماهتُ ُ هم َس َاء َما َ هَي ُمكُ َ‬
‫ي ُ هظلَ ُم َ‬
‫ون} [ ُس َور ُة اله َجا ِث َي ِة‪. ]22 - 21 :‬‬

‫َوقَا َل‪{ :‬آَفَنَ هج َع ُل اله ُم هس ِل ِم َني َاكله ُم هج ِر ِم َني ‪َ -‬ما لَ ُ هُك َك هي َف َ هحت ُمكُ َ‬
‫ون} [ ُس َور ُة الهقَ َ ِمل‪]36 - 35 :‬‬

‫‪11‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الثامن و الثالثون‬

‫َوكَ َذ ِ َكل ل َ هم ي َ هق ِد هر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن َز َ َع آَن َّ ُه َال ُ هَي ِي اله َم هو ََت‪َ ،‬و َال ي َ هب َع ُث َم هن ِيف اله ُق ُب ِور‪َ ،‬و َال َ هجي َم ُع‬ ‫‪‬‬
‫َخلهقَ ُه ِل َي هوم ُ َجي ِازي ِفي ِه اله ُم هح ِس َن ِاب هح َسا ِن ِه َواله ُم ِيس َء ِاب َس َاء ِت ِه‪َ ،‬ويَأْخ ُُذ ِلله َم هظلُو ِم َحقَّ ُه ِم هن َظا ِل ِم ِه‪َ ،‬ويُ هك ِر ُم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ِفي ِه‪،‬‬ ‫اله ُم َت َح ِم ِل َني لله َمشَ َّاق ِيف َه ِذ ِه ادلَّ ِار ِم هن آَ هج ِ ِِل َو ِيف َم هرضَ اتِ ِه ِبأَفهضَ ِل َك َرا َم ِت ِه‪َ ،‬وي ُ َب ِ ُني ِل َخله ِق ِه َّ ِاذلي َ هَي َت ِل ُف َ‬
‫َوي َ هع َ ُمل َّ ِاذل َين َكفَ ُروا آَهنَّ ُ هم َاكنُوا َاك ِذب َِني‪.‬‬
‫َوكَ َذ ِ َكل ل َ هم ي َ هق ِد هر ُه َح َّق قَده ِر ِه َم هن ه ََان عَلَ هي ِه آَ هم ُر ُه فَ َع َصا ُه‪َ ،‬وهنَ ه ُي ُه فَ هارتَ َكبَهُ‪َ ،‬و َحقُّ ُه فَضَ يَّ َعهُ‪َ ،‬و ِذ هك ُر ُه‬ ‫‪‬‬
‫وق آَ َ َّمه ِم هن َطا َعتِ ِه‪ ،‬فَ ِل َّ ِِل‬ ‫فَأَ ه َْه َِلُ‪َ ،‬وغَفَ َل قَله ُب ُه َع هنهُ‪َ ،‬و َاك َن ه ََوا ُه آآث ََر ِع هندَ ُه ِم هن َطلَ ِب ِرضَ ا ُه‪َ ،‬و َطاعَ ُة اله َم هخلُ ِ‬
‫اَّلل الَ هي ِه‪َ ،‬و ِاط َال ِع ِه‬ ‫الهفَضه َ ُةل ِم هن قَله ِب ِه َوقَ هو ِ ِهل َو َ ََع ِ ِِل‪ ،‬ه ََوا ُه اله ُمقَ َّد ُم ِيف َذ ِ َكل ِ َلن َّ ُه اله ُمهِ ُّم ِع هندَ ُه‪ ،‬ي هَس َت ِخ ُّف ِبنَ َظ ِر َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫لك قَله ِب ِه َو َج َو ِار ِح ِه‪َ ،‬وي هَس تَ ِحي ِم َن النَّ ِاس َو َال ي هَس تَ ِحي ِم َن َّ ِ‬
‫اَّلل‪،‬‬ ‫اَّلل‪َ ،‬و َ هَي َش النَّ َاس َو َال َ هَي َش َّ َ‬ ‫عَلَ هي ِه ِب ُ ِ‬
‫َوي ُ َعا ِم ُل اله َخله َق ِبأَفهضَ ِل َما ي َ هق ِد ُر عَلَ هي ِه‪.‬‬
‫بدء من قوهل‪ :‬وكذكل مل يقدره حق قدره من هان عليه آمره اىل آآخره ‪,.‬هذا يؤجل اىل لقاء الغد‬ ‫هذا ً‬
‫ابذن هللا ‪-‬س بحانه و ٰ‬
‫تعاىل ‪...‬‬
‫نسأل هللا الكرمي آن ينفعنا آمجعني مبا علمنا وآن يزيدان علامً وتوفيق ًا ‪ ،‬وآن يصلح لنا شأننا لكه وآال يلكنا‬
‫اىل آنفس نا طرفة عني ‪ .‬اللهم اغفر لنا ولوادلينا وملشاَينا ولوالة آمران وللمسلمني واملسلامت واملؤمنني‬
‫واملؤمنات الحياء مَنم والموات انك غفور رحمي ‪،‬‬
‫س بحانك اللهم وِبمدك آشهد آن ال ا ٰهل اال آنت آس تغفرك وآتوب اليك ‪ ،‬اللهم َص ِل عىل عبدك‬
‫َو َر ُس ِ َ‬
‫وكل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه ‪..‬‬
‫اضغط عىل الرابط لالشِتاك *‬
‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪12‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫امحلد هلل رب العاملني وصىل هللا وسمل عىل نبينا محمد وعىل آهل وحصبه آمجعني ‪ ،‬اللهم اغفر لش يخنا ووادليه‬
‫وللمسلمني آمجعني ‪..‬قال املصنف رمحه هللا تعاىل يف كتابه ادلاء وادلواء ‪:‬‬
‫َوكَ َذ ِ َل لَم يَق ِدره َحق قَد ِر ِه َمن ه ََان عَلَي ِه آَمره فَ َع َصاه‪َ ،‬وَنَ يه فَارتَ َكبَه‪َ ،‬و َحقُّه فَضَ ي َعه‪َ ،‬و ِذكره فَأَ َْه ََل‪َ ،‬وغَفَ َل قَلبه‬
‫عَنه‪َ ،‬و ََك َن ه ََواه آث ََر ِعندَه ِمن َطلَ ِب ِرضَ اه‪َ ،‬و َطاعَة ذل آَ َه عنده ِمن َطا َع ِت ِه‪ ،‬فَ ِل َِل ال َفض َل ِمن قَل ِب ِه َوقَو ِ ِهل‬
‫اّلل الَي ِه‪َ ،‬و ِاط ََل ِع ِه عَلَي ِه وهو يف قبضته وانصيته‬ ‫َو َ ََع ِ َِل‪ ،‬وه ََواه المقَدم ِيف َذ ِ َل ِ َِلنه المهِ ُّم ِعندَه‪ ،‬ي َس َت ِخ ُّف ِبنَ َظ ِر ِ‬
‫ك قَل ِب ِه َو َج َو ِار ِح ِه‪َ ،‬وي َِس َت ِحي ِم َن الن ِاس َو َل ي َس َت ِحي ِم َن ِ‬
‫اّلل‪،‬‬ ‫بيده وي ِعظم نظر اخمللوق اليه واطَلعه عليه ِب ِ‬
‫اّلل‪َ ،‬وي َعا ِمل الخَل َق ِبأَفضَ ِل َما يَق ِدر عَلَي ِه‪َ ،‬وان عَا َم َل َ‬
‫اّلل عَا َم ََل ِبأَه َو ِن َما ِعندَه‬ ‫َو ََي َش الن َاس َو َل ََي َش َ‬
‫ش قَا َم ِِبلجِ ِد َو ِالجِتِ َا ِد َوب َ ِذلِ الن ِصي َح ِة‪َ ،‬وقَد فرغ َهل قَل َبه َو َج َو ِار َحه‪،‬‬ ‫َوآَحقَ ِر ِه‪َ ،‬وان قَا َم ِيف ِخد َم ِة َمن ُِيبُّه ِم َن البَ َ ِ‬
‫َوقَد َمه عَ َ ِىل كَثِ ِي ِمن َم َصا ِل ِح ِه‪َ ،‬حّت ا َذا قَا َم ِيف َح ِق َ ِرب ِه ‪ -‬ان َساعَدَ ه القَدَر ‪ -‬قَا َم ِق َيا ًما َل يَرضَ اه َمخلوق ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اّلل َحق قَد ِر ِه َمن َه َذا َوصفه؟‬ ‫اجه ِب ِه َمخلوقًا ِملث ََل‪ ،‬فَهَل قَ َدَر َ‬ ‫َمخلوق ِمث َِل‪َ ،‬وب َ َذ َل َهل ِمن َم ِ ِاهل َما ي َس َت ِحي آَن ي َو ِ َ‬

‫امحلد هلل رب العاملني‪ ،‬وآشهد آن ل اهل ال هللا وحده ل رشيك هل وآشهد آن محمد ًا عبده ورسوهل صىل هللا وسمل‬
‫عليه وعىل آهل وآحصابه آمجعني‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علمً وآصلح لنا شأننا لكه ولتنلنا اىل‬
‫آنفس نا طرفة عني‪ ،‬آما بعد‪:‬‬
‫فَل يزال املصنف المام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يذكر صور ًا من آمور وآعمل اذا فعلت فان فاعلها ما قدر‬
‫الرب العظمي ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره ‪ ،‬ول عظم هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق تعظميه‪,‬‬
‫والرب ‪-‬عز وجل ‪ -‬معظم ‪ ،‬حقه عىل عباده آن يعظموه ‪-‬عز وجل ‪ ،-‬وآن يوقروه وآن يقدروه جل وعَل حق‬
‫قدره ‪ " ،‬مالمك ل ترجون هلل وقار ًا " آي عظم ًة‪..‬‬
‫ما قدروا هللا حق قدره‪ :‬آي ما عظموه حق تعظميه‪.‬‬
‫حفق الرب ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عىل العباد آن يعظموه جل وعَل‪ ,‬واملصنف ‪-‬رمحه هللا تعاىل ‪ -‬يذكر صور ًا وآعم ًل‬
‫متنوعات فاعلها ما قدر الرب الكرمي ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره‬
‫ذكر من ذل‪ :‬آن من هان عليه آمر هللا ‪-‬عز وجل ‪ -‬اليت يه فرائض ادلين وواجباته العظمية ‪,‬فعىص هللا فمل‬
‫يفعل ما آمره هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬به ‪,‬وهان عليه آيض ًا َنيه ما َنى هللا عنه وحرمه عىل عباده من كبائر اذلنوب‬
‫واِلاثم فارتكهبا‪ ,‬وهان عليه حقه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آن يطاع فَل يعىص‪ ,‬وآن يذكر فَل ينىس وآن يشكر فَل‬

‫‪1‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫يكفر فضيعه‪ ,‬وهان عليه ذكره ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فأْهَل ‪:‬آي صار من الغافلني‬
‫فهذه احلال آيض ًا يه من نقص التعظمي هلل ِلنه لو عظم هللا ‪-‬عز وجل ‪ِ -‬لطاع آمره وجتنب ما َنى عنه ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاىل‪ -‬وآدى حقه س بحانه واعتىن بذكره‪ -‬مل يكن من الغافلني‪ -‬فاذا َكن عىل الضد من ذل فهذا من‬
‫نقص وضعف تعظمي هللا والوقار هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يف قلبه‪.‬‬
‫قال‪:‬فأْهَل وغفل قلبه عنه وَكن هواه آثر عنده من طلب رضاه وطاعة اخمللوق آه من طاعته‬
‫وهذا لكه من ضعف التعظمي هلل ومن ضعف الميان ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬آن يكون املرء هبذه احلال هواه آثر‬
‫عنده من طاعة ربه وطاعة اخمللوق آه عنده من طاعة الرب العظمي ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ولهذا يذكر ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آن من عَلمة َمن هذه حاهل‪:‬آنه يس تخف بنظر هللا اليه بل جيعل نظر هللا ‪-‬عز‬
‫وجل ‪ -‬اليه هو آهون نظر الناظرين اليه ‪,‬فيس تخفي من الناس ول يس تخفي من هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ويس تحيي من الناس ول يس تحيي من هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫قال‪:‬يس تخف بنظر هللا اليه واطَلعه عليه وهو يف قبضته وانصيته بيده ويعظم نظر اخمللوق اليه واطَلعه عليه‬
‫بك قلبه وجوارحه ‪.‬هل من َكنت هذه حاهل عظم ربه حق تعظميه؟!‪ -‬آن يكون نظر اخمللوق عنده آعظم من‬
‫نظر هللا اليه ‪ -‬ويكون نظر هللا ‪-‬عز وجل ‪ -‬اليه هو آهون نظر الناظرين اليه ؟!‬
‫‪ -‬هذا ما عظم ربه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق تعظميه ‪.‬‬
‫مث اذا جاء اىل جانب املعامل يعامل اخمللوق ومن ُيب بأفضل ما تكون من معامل؛ وان عامل هللا عامَل بأهون‬
‫ما عنده ‪,‬ولهذا اِلعمل اليت للمخلوقني يتقهنا متام ًا ويؤدهيا بوفاء واذا جاء مث ًَل اىل الصَلة نقرها رسي ًعا وآخل‬
‫بشوطها آخل بأوقاهتا‪ ... ،‬وآعمل للمخلوقني ما َيل هبا مثل اخَلهل هبذه الصَلة اليت يه فريضة هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬عىل عباده ‪.‬هل من َكن كذل عظم ربه‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬جل يف عَله حق تعظميه؟!‬
‫قال‪ :‬وان قام يف خدمة من ُيبه من البش قام ِبجلد والاجِتاد وبذل النصح وقد آفرغ هل قلبه وجوارحه‪.‬‬
‫وقدمه عىل كثي من مصاحله‪ ،‬حّت اذا قام يف حق ربه ان ساعده القدر قام قيام ًا ل يرضاه هللا عنه‪.. ،‬يعين‬
‫ضعفه وتقصيه يِتاون يف الوقت‪ ،‬يِتاون يف الشوط‪ ،‬يِتاون يف اِلرَكن‪ ،‬يِتاون يف الواجبات‪ ،‬مفن َكن كذل‬
‫ما عظم هللا ‪--‬س بحانه وتعاىل‪ --‬حق تعظميه ‪.‬‬
‫‪ ‬ولهذا ينبغي آن نعمل آن تعظمي الطاعات ادلينية والفرائض اليت افرتضها هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عىل عباده هو‬
‫من تعظمي هللا اذلي فرض هذه الفرائض وآوجب هذه الواجبات‪,‬‬
‫ذل َو َمن ي َع ِظم َشعائِ َر ِ‬
‫اّلل فَاَنا ِمن ت ََقوى‬ ‫وآيض ًا تعظمي احلرمات ِبجتناهبا واتقاهئا لك ذل من تعظمي هللا ﴿ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫لوب﴾ [ احلج ‪ ،]22:32 -‬آي من حتقيق التقوى هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫الق ِ‬
‫‪2‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫« قال ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪َ : -‬وهَل قَ َدَره َحق قَد ِر ِه َمن َش َاركَ بَينَه َوب َ َني عَد ِو ِه ِيف َمح ِض َح ِق ِه ِم َن الج ََللِ َوالتع ِظ ِمي‬
‫رش ًيك ِيف َذ ِ َل لَ َ ِك َن َذ ِ َل َج َر َاء ًة‬‫َوالطاعَ ِة َوا ُّذل ِل َوالخضوعِ َوالخَو ِف َوالر َجا ِء؟ فَلَو َج َع َل َهل ِمن آَق َر ِب الخَل ِق الَي ِه َ ِ‬
‫ِ‬
‫ش ًيك بَينَه َوب َ َني غَ ِي ِه‪ ،‬فامي َل يَن َب ِغي َو َل يَصلح ال َهل س ب َحان َه‪ ،‬فَ َكي َف َوان َما‬ ‫َوت ََوث ُّ ًبا عَ َىل َمح ِض َح ِق ِه َواس ِتِ َان َ ًة ِب ِه َوت َ ِ‬
‫ِ‬
‫ون‬ ‫َرشكَ بَينَه َوب َ َني آَبغ ََض الخَل ِق الَي ِه‪َ ،‬وآَه َوَنَ م عَلَي ِه‪َ ،‬وآَمقَِتَ م ِعندَه‪َ ،‬وه َو عَد ُّوه عَ َىل ال َح ِقيقَ ِة؟ فَانه َما عبِدَ ِمن د ِ ِ‬
‫ِ‬
‫اّلل ال الش ي َطان‪ََ َ ،‬ك قَا َل تَ َع َاىل‪{ :‬آَلَم آَعهَد الَيمك ََيب َ ِين آ َد َم آَن َل تَعبدوا الش ي َط َان انه لَمك عَد ِو مبِني ‪َ -‬وآَ ِن‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِصاط مس َت ِقمي} [س َورة يس‪» . ]61 - 60 :‬‬ ‫اعبد ِون َه َذا ِ َ‬
‫هنا يذكر آيض ًا صورة آخرى من صور عدم قدر هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬حق قدره‪ ،‬آل ويه طاعة الش يطان فامي‬
‫يدعو اليه من الهوى‪ ،‬والضَلل‪ ،‬والباطل‪ ،‬والعصيان هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫فلو آن انسا ًان َرشك يف اذلل‪ ،‬واخلضوع‪ ،‬والطاعة بني هللا وبني آحب عباده اليه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬لكن مرت ِكب ًا‬
‫آمر ًا عظاميً ِلنه ل يسوى بني هللا وبني خلقه‪ ،‬فكيف مبن يشك يف الطاعة واذلل واخلضوع بني هللا وبني آعدى‬
‫آعداء هللا‪ ،‬وآعدى آعداء دينه وهو الش يطان‪ -‬بطاعة الش يطان واتِباعه ملا يدعو اليه من عصيان هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ ،-‬و ِلم يدعو اليه آيض ًا من الشك ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬؟!‬
‫ولهذا انطلق ابن القمي هنا ليبني آن لك صور الشك سواء ع ِبدت النجوم‪ ،‬آو ع ِبدت اِلجحار‪ ،‬آو ع ِبدت‬
‫القباب‪ ،‬آو ع ِبد‪ ،...‬يه يف احلقيقة عبادة للش يطان‪ِ ،‬لن ادلاعي اىل ذل هو الش يطان‪ ،‬والطاعة يف عبادة هذه‬
‫يطان انه لَمك عَدو مبني (‪َ )٦٠‬وآَ ِن‬
‫اِلش ياء امنا يه طاعة للش يطان ﴿آَلَم آَعهَد الَيمك َي بَين آ َد َم آَن ل تَعبدوا الش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعبدون هذا ِِصاط مس تَقمي﴾ [ يس‪]٦١ - ٦٠ :‬‬

‫{آَن ل تَعبدوا الش يطان} من آطاعه فامي يدعوا اليه من الشك بعبادة النجوم‪ ،‬آو الكواكب‪ ،‬آو القمر‪ ،‬آو‬
‫الشمس‪ ،‬آو الشجر‪ ،‬آو اِلولياء‪ ،‬آو غي ذل فهو يف احلقيقة ع َبد الش يطان ‪ -‬بأن آطاعه فامي يدعو اليه من‬
‫الشك ِبهلل‪. -‬‬
‫« قال ‪ :‬وملا َع َبد املشكون املَلئكة بزَعهم وقعت عبادهتم للش يطان»‬
‫يقول ابن القمي ‪:‬وقعت عبادهتم ‪-‬يف نفس اِلمر‪ -‬للش يطان‪،‬يعين اذلين عبدوا املَلئكة‪ ،‬املَلئكة ل ترىض بذل‪،‬‬
‫بل املَلئكة جند هلل‪-‬عز وجل ‪ -‬خاضعون‪ ،‬ذليلون هلل‪ ،‬ل يفرتون عن ذكر هللا‪ ،‬ول يعصون هللا‪ -‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬ما آمره‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون ‪,‬فاملَلئكة ل ترىض بذل‪ ،‬مفن ع َبد املَلئكة‪ ،‬فقد وقعت‪ -‬يقول ابن‬
‫القمي‪ : -‬عبادته يف نفس اِلمر للش يطان؛ ِلن هذه العبادة يه مبتغ الش يطان‪ ،‬ومطلوبه مهنم‪ ،‬فعندما يعبد‬
‫املَلئكة‪ ،‬هو يف نفس اِلمر امنا ع َبد الش يطان؛ ِلن الش يطان هو اذلي دعاه اىل عبادة املَلئكة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫قال‪ :‬وه يظنون آَنم يعبدون املَلئكة‪ ،‬كم قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ويَو َم َُيشه َ ِمجي ًعا مث يَقول ِلل َم ََلئِكَ ِة آَ َه ٰـؤ َل ِء اَيُك ََكنوا‬
‫ِ‬
‫ون ﴾ [ س با‪] 41 – 40 :‬‬ ‫جِن َآك ََثه هبِ ِ م ُّمؤ ِمن َ‬
‫ون ال ۖ‬
‫ون (‪ )40‬قَالوا س ب َحان ََك آَ َنت َو ِليُّنَا ِمن دوَنِ ِ ۖم بَل ََكنوا يَعبد َ‬
‫يَعبد َ‬
‫ه َكنوا يف ادلنيا يعبدون املَلئكة‪ ،‬وملا يقول هللا للمَلئكة يوم احلش‪ ﴿ :‬آَ َه َٰـؤ َل ِء اَيُك ََكنوا يَعبد َ‬
‫ون (‪ )40‬قَالوا‬
‫ِ‬ ‫ون ال ۖ‬
‫جِن﴾[ س با‪] 41- 40 :‬‬ ‫س ب َحان ََك آَ َنت َو ِليُّنَا ِمن دوَنِ ِ ۖم بَل ََكنوا يَعبد َ‬
‫تربؤوا مهنم ومن عبادهتم؛ ِلَنم مل يأمروه‪ ،‬ولَم يرضوا بعبادهتم‪ ،‬ول رغبوا فهيا‪ ،‬ول آحبوها‪ ،‬ول قبلوها‪،‬‬
‫ولدعوا الهيا‪ ،‬وامنا يشء دعاه اليه الش يطان فأطاعوه‪ ،‬فهم عبيد للش يطان‪ ،‬آما املَلئكة براء مهنم‪ ،‬املَلئكة‬
‫يتربؤون مهنم؛ ِلَنم وان َكنوا ه توجوا اىل املَلئكة ِبلعبادة‪ ،‬لكن املَلئكة مل ترىض بذل‪ ،‬ول تقبل ذل‪،‬‬
‫ولدعت اىل ذل‪ ،‬فرجعت حقيقة اِلمر اىل آن هؤلء عبدة للش يطان ‪ ،‬ووقعت عبادهتم ‪-‬كم عرب ابن القمي‪-‬‬
‫يف نفس اِلمر للش يطان؛ ِلنه هو اذلي دعاه اىل ذل فأطاعوه‪.‬‬
‫قال‪-‬رمحه هللا‪ : -‬فالش يطان يدعو املشك اىل عبادته‪ ،‬ويوْهه آنه مكل‪ ،‬وكذل عباد الشمس‪.‬‬
‫هذه آيض ًا من طرائق الش يطان يف ادلعوة اىل عبادة هللا‪ ،‬قد يوه بعض الناس آنه َم َكل من املَلئكة‪ ،‬ما يَقول‬
‫هلم آان الش يطان‪ ،‬وآان عدو النسان‪ ،‬ل‪ ,‬يأيت بصورة آنه َم َكل من املَلئكة‪ ،‬ويدعوه اىل عبادة نفسه عىل آنه‬
‫َم َكل‪ ،‬مث يفنت بعبادته من يفنت‪ ،‬ويظن آنه امنا يعبد ملكً من املَلئكة‪ ،‬وهو يف حقيقة اِلمر يعبد ش يطا ًان من‬
‫الش ياطني‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكذل عباد الشمس‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والكواكب‪ ،‬يزَعون آَنم يعبدون روحانيات هذه الكواكب‪ ،‬ويه اليت‬
‫ختاطهبم وتقيض هلم احلواجئ‪.‬‬
‫احلقيقة آن اذلي َياطهبم الش يطان‪ ،‬وه يتوْهون آَنم َياطبون روحانيات هذه الكواكب‪ ،‬الشمس‪ ،‬والقمر‪،‬‬
‫والنجوم‪ ،‬ويسمعون خطا ًِب‪ ،‬حّت اَنم قد يسمعون خطا ًِب عند بعض اِلصنام‪ ،‬ختاطهبم الش ياطني من جة‬
‫الصمن اذلي يتجهون اليه ويعبدونه‪ ،‬ويظنون آن الصمن خاطهبم‪ ،‬وهنا يظنون آيض ًا آن روحانيات الشمس‪ ،‬آو‬
‫القمر‪ ،‬آو النجوم خاطبِتم‪ ،‬واذلي ختاطهبم امنا يه الش ياطني‪ ،‬اضَل ًل هلم واغو ًاء‪ ،‬ودعوة اىل عبادة غي هللا‪-‬‬
‫س بحانه وتعاىل‪. -‬‬

‫قال‪ (:‬ولهذا اذا طلعت الشمس قارَنا الش يطان‪ ،‬فيسجد لها الكفار)‪.‬‬
‫حّت يقع جسود الكفار للشمس اليت هو دعاه الهيا‪ -‬اىل عبادهتا‪،-‬جسود ًا هل؛ ِلنه يقارَنا الش يطان يف طلوعها‪،‬فاذا‬
‫جسدوا للشمس‪ -‬ومن اذلي دعاه للسجود للشمس؟‪ -‬هو نفسه الش يطان‪ ، -‬مث آيض ًا يقارن الشمس يف‬

‫‪4‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫طلوعها‪ ،‬فيجمتع للش يطان‪ ،‬فامي يريد هنا يف هذا الباب آن جعلهم يعبدونه من جة طاعته‪ ،‬ويعبدونه من جة‬
‫ماذا؟ ‪ -‬السجود هل‪- ،‬من جتني‪، -‬‬
‫‪-‬يعبدونه من جة طاعته‪ ,‬دعاه اىل عبادة الشمس فعبدوها‪،‬‬
‫‪-‬مث يقارن الشمس يف طلوعها فاذا جسدوا يقع آيض ًا جسوده للشمس جسود ًا للش يطان‪،‬‬
‫فيكون وقع مهنم الشك من جتني ‪ ،‬من جة طاعته فامي دعاه اليه من عبادة الشمس‪ ،‬وجسوده للش يطان‬
‫اذلي قارن الشمس يف طلوعها‪.‬‬

‫فيقع جسوده هل‪ ،‬وكذل عند غروهبا‪ ،‬وكذل من عبد املس يح وآمه مل يعبدهم وامنا عبد الش يطان‬
‫من عبد املس يح وآمه مل يعبدهم وامنا عبد الش يطان‪ِ ،‬لن هذه العبادة وهذا التوجه امنا هو من الش يطان و‬
‫بتحريضه و بدعوته‪ ,‬ولهذا ابراهمي اخلليل ملا َكن يهنى آِبه عن عبادة النجوم و الكواكب‪ ,‬قال‪ََ ﴿ :‬ي آَب َ ِت َل تَعب ِد‬
‫الش ي َط َان﴾؛ ِلن هذه لكها من عبادة الش يطان‪ ،‬الش يطان هو اذلي يدعو اىل هذا الشك وهذا الكفر ِبهلل ‪.‬‬
‫فانه يزمع آنه يعبد من آمره بعبادته وعبادة آمه‪ ،‬ورضهيا هلم ‪ ،‬وآمره هبا ‪ ،‬وهذا هو الش يطان الرجمي ‪-‬لعنة هللا‬
‫عليه‪ -‬ل عبد هللا و رسوهل‪ .‬فزنل هذا لكه عىل قوهل تعاىل‪﴿:‬آَلَم آَعهَد الَيمك ََي ب َ ِين آ َد َم آَن ل تَعبدوا الش ي َط َان‬
‫ِ‬ ‫﴾[ يس‪]٦٠ :‬‬

‫يقصد‪- :‬رمحه هللا‪ -‬و اِلية تقدمت قريب ًا آن مجيع صور الشك يه يف احلقيقة عبادة للش يطان؛ ِلن الش يطان‬
‫هو ادلاعي اىل ذل‪ ،‬وهو اذلي آمر بذل‪.‬‬
‫قال‪ :‬مفا َع َبد آحد من بين آدم غي هللا َكئن ًا من َكن ال وقعت عبادته للش يطان‪.‬‬
‫يعين‪ :‬ما عبد آحد من بين آدم غي هللا َكئن ًا من َكن ال وقعت عبادته للش يطان‪ ،‬ملاذا؟‬
‫‪ِ -‬لن هذا الشك وهذا الكفر ِبهلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬امنا هو من دعوة الش يطان‪ ,‬فهو عبادة هل من جة طاعته‪,‬‬
‫وقد يكون عبادة هل من جة مبارشة العبادة هل كم يف الصورة اليت آرشت الهيا‬
‫ولهذا هو يقارن الشمس يف طلوعها وآيض ًا اِلصنام املتخذة الش يطان تقارَنا‪ ،‬فيأيت املرء يبيك عندها ويذل‬
‫وَيضع ويسجد ويطلب وختاطبه الش يطان املقارنة لهذه اِلصنام‪ ،‬ويظن آن اذلي خاطبه الصمن وهو يف احلقيقة‬
‫امنا خاطبه الش يطان‪ ،‬وهو هبذه العبادة امنا عبد الش يطان وجلأ اىل الش يطان‪.‬‬

‫‪ ،‬فَيَس َتمتِع ال َعابِد ِِبل َمعبو ِد ِيف حصولِ غَ َر ِض ِه‪َ ،‬وي َس َتمتِع ال َمعبود ِِبل َعا ِب ِد ِيف تَع ِظميِ ِه َهل‪َ ،‬وا َ‬
‫رشا ِك ِه َم َع ِ‬
‫اّلل ِاذلي ه َو‬
‫جِن قَ ِد اس تَك ََثتِ ِم َن الن ِس} آَي‪ِ :‬من‬ ‫ش ال ِ‬ ‫غَايَة ِرضَ ا الش ي َط ِان‪َ ،‬و ِلهَ َذا قَا َل تَ َع َاىل‪َ { :‬ويَو َم َُيشه َ ِمجي ًعا ََي َمع َ َ‬
‫ِ‬
‫‪5‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫اغ َواهئِ ِم َواض ََل ِلهِم { َوقَا َل آَو ِل َياؤه ِم َن الن ِس َربنَا اس تَمتَ َع بَعضنَا ِب َبعض َوبَلَغنَا آَ َجلَنَا ِاذلي آَجل َت لَنَا قَا َل النار‬
‫ِ‬
‫ين ِفهيَا ال َما َش َاء اّلل ان َرب َك َح ِكمي عَ ِلمي} [س َورة َاِلن َعا ِم‪. ]128 :‬‬ ‫ِ َمث َواُك خ ِ ِ ِ‬
‫َادل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعين لك من العابد واملعبود‪ ،‬العابد ‪ :‬من عبد غي هللا‪ ،‬واملعبود ‪ :‬هو الش يطان يف احلقيقة؛ ِلنه هو من دعا اىل‬
‫عبادة غي هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬لك اس متتع ِبِلخر " اس متتع بعضهم ببعض "‬
‫املعبود‪ :‬اس متتع مبا حصل هل من ذل العابد وخضوعه و انكساره بني يديه‬
‫والعابد ‪:‬حصل هل اس متتاع بقضاء بعض مصاحله آو مبتغياته ادلنيوية ‪-‬وهذا يقع اس تدراج ًا وفتنة‪-‬عىل بعض العباد‪-‬‬
‫‪ ,‬يعين آحيا ًان مث ًَل قد يدعو قرب ًا يف حاجة مث احلاجة اليت طلهبا قد تقع بتقدير من هللا ‪-‬عز وجل ‪ -‬وهذا فتنة‬
‫واس تدراج ‪,‬فيظن آن اذلي قضاها هو هذا الصمن اذلي دعاه آو القرب اذلي التجأ اليه‪,‬‬
‫وُك يفنت الناس مبثل هذا ‪,‬وقد تعينه الش ياطني ببعض اِلمور دلةل عىل يشء آو من هذا القبيل‪ ,‬فأيض ًا تقع‬
‫الفتنة بذل‬
‫اّلل‪َ ،‬وآَنه َل يَغ ِفر ِبغ َِي التوب َ ِة ِمنه‪،‬‬ ‫الشك آَك َ َرب ال َكبَائِ ِر ِعندَ ِ‬ ‫قال ‪ :‬فَهَ ِذ ِه ا َش َارة ل َ ِطيفَة ا َىل ِ ِ‬
‫الس ِاذلي ِ َِلج ِ َِل ََك َن ِ‬
‫اّلل س ب َحان َه آَن‬ ‫وجب ِ الخلو َد ِيف ال َِع َذ ِاب‪َ ،‬وآَنه لَي َس َحت ِرميه َوقبحه بِم َجر ِد الهن ِىي عَنه‪ ،‬بَل ي َس تَ ِحيل عَ َىل ِ‬ ‫َوآَنه ي ِ‬
‫وت َج ََل ِ ِهل‪َ ،‬وكَي َف ي َظ ُّن ِِبلمن َف ِر ِد‬ ‫َش َع ِل ِع َبا ِد ِه ِع َبا َد َة ا َهل غَ ِي ِه‪ََ َ ،‬ك ي َس تَ ِحيل عَلَي ِه َما ينَا ِقض آَو َص َاف َ ََك ِ ِهل‪َ ،‬ونع َ‬
‫ي َ‬
‫ِ‬
‫ِِب ُّلربوبِي ِة َواللَهِي ِة َوال َعظ َم ِة َوالج ََللِ آَن يَأْ َذ َن ِيف مشَ َاركَتِ ِه ِيف َذ ِ َل‪ ،‬آَو يَر َىض ِب ِه؟‬
‫‪ -‬تَ َع َاىل اّلل ِ َعن َذ ِ َل عل ًّوا َكب ًِيا‪.-‬‬
‫هذا خَلصة ما س بق يعين آن ما س بق من البيان لكه دليل عىل آن الشك هو آكرب اذلنوب وآعظمها وآنه‬
‫اذلنب اذلي ل يغفره هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ال ِبلتوبة منه‪ ,‬فان من اتب من الشك وصدق مع هللا يف توبته اتب‬
‫هللا عليه لعموم قوهل تعاىل‪:‬‬
‫رسفوا عَ َ ٰىل آَنف ِسهِم َل تَقنَطوا ِمن ر َمح ِة اللـ ِه ان اللـ َه يَغ ِفر ا ُّذلن َ‬
‫وب َ ِمجي ًعا انه ه َو الغَفور‬ ‫﴿قل ََي ِع َبا ِد َي ِاذل َين آَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ِحمي ﴾[ الزمر‪]٥٣ :‬‬

‫آي حّت الشك ‪,‬مفن اتب من آي ذنب َكن اتب هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬عليه لكن من مات عىل الشك فَل‬
‫شكَ ِب ِه َويَغ ِفر َما د َ‬
‫ون‬ ‫مطمع هل اطَلق ًا يف مغفرة هللا‪ ,‬كم قال هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ﴿ :-‬ان اللـ َه َل يَغ ِفر آَن ي َ‬
‫ِ‬
‫ل ِل َمن يَشَ اء ﴾ [ النساء‪]٤٨ :‬‬
‫َذَٰ ِ َ‬

‫الشك َوال ِكرب]‬


‫قال ‪-‬رمحه هللا‪[ -‬فَصل ِ‬

‫‪6‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫الشك َآك َ َرب َيشء منَافَا ًة ِل َْلم ِر ِاذلي َخلَ َق اّلل َهل الخَل َق‪َ ،‬وآَ َم َر ِ َِلج ِ َِل ِِب َِلم ِر‪ََ ،‬ك َن َآك َ ِرب الكَ َبائِ ِر ِعندَ‬ ‫فَلَما ََك َن ِ‬
‫الشك‬‫ون الطاعَة َهل َوحدَه‪َ ،‬و ِ‬ ‫اب ِلتَك َ‬ ‫اّلل‪َ .‬وكَ َذ ِ َل ال ِكرب َوت ََوابِعه َ ََك تَقَد َم‪ ،‬فَان َ‬
‫اّلل س ب َحان َه َخلَ َق الخَل َق َوآَن َز َل ال ِكتَ َ‬ ‫ِ‬
‫الش ِك َوال ِك ِرب‪ ،‬فَ ََل يَدخلهَا َمن ََك َن ِيف قَل ِب ِه ِمثقَال َذرة ِمن‬ ‫َوال ِكرب ينَا ِفيَ ِان َذ ِ َل‪َ .‬و ِ َذل ِ َل َحر َم اّلل ِال َجن َة عَ َىل َآه ِل ِ‬
‫ِكرب‪.‬‬
‫يف هذا الفصل يذكر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬آن يف معرفة الكبية والكبائر وآكرب الكبائر آن اِلمر لك ما َكن مصادم ًا ملقصود‬
‫اخللق؛ مقصود اخللق‪ :‬العبادة والتعظمي هلل‬
‫فك ما َكن مصادم ًا للمقصود من خلق اخللق َكن آعظم من غيه ‪,‬ولهذا تعترب هذه املساةل ‪-‬مسأةل الكبائر‪ -‬من‬
‫ون﴾‬ ‫مقصود اخللق ‪ ,‬مفقصود اخللق آن يوحد هللا وآن يفرد ِبلعبادة ﴿ َو َما َخلَقت الجِن َوال َنس ال ِل َيعبد ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫[ اذلارَيت‪] ٥٦ :‬‬
‫فلم َكن هذا هو املقصود من خلق اخلليقة مفن ِصف هذا املقصود لغي هللا آو جعل مع هللا رشيكً فقد ارتكب‬
‫آكرب اذلنوب؛ ِلنه فعل آمر ًا يناقض مقصود اخللق ‪.‬‬
‫مقصود اخللق‪ :‬السَلم‪ :‬الاستسَلم هلل ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬هذا هو املقصود‪ :‬آن يسمل املرء هلل وآن يستسمل ‪.‬‬
‫والشك والكرب ينافيان هذا املقصود لك املنافاة؛ ِلن السَلم اذلي خلق هللا اخللق ِلجَل وآوجده لتحقيقه هو‪:‬‬
‫الاستسَلم هلل ِبلتوحيد‪،‬‬
‫الاستسَلم هلل‪ :‬آي وحده‪-‬هذا هو السَلم‪-‬‬
‫الاستسَلم آي هلل وحده‪ ,‬مفن استسمل هلل ولغيه‪،‬جعل مع هللا غيه يف استسَلمه وذهل وخضوعه يكون‬
‫ماذا؟ مشَكً؛ ِلنه ما حقق املقصود‪ ,‬ومن مل يستسمل هلل ِلم قام يف قلبه من الكرب َكن هذا مناقض ًا ملقصود اخللق‬
‫ولهذا الكرب والشك‪.‬‬
‫الشك‪ :‬آن يسو َي غي هللا مع هللا يف مقصود اخللق‪,‬‬
‫والكرب‪ :‬اِبء املرء وامتناعه عن اخلضوع هلل فامي خلقه ِلجَل‪َ ﴿:‬و َج َحدوا هبِ َا َواستَيقَنَِتَا آَنفسهم ظل ًما َوعل ًّوا ﴾ [ المنل‪:‬‬
‫‪]١٤‬‬
‫ولهذا الكرب والشك ينافيان هذا املقصود‪ ,‬ولهذا َكان آكرب الكبائر‪ ,‬وقد حرم هللا اجلنة عىل آهل الشك والكرب‬
‫فَل يدخلها مشك ول يدخلها من َكن يف قلبه مثقال ذرة من كرب ‪.‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل ‪[ :‬فَصل القَول عَ َىل ِ‬
‫اّلل ِبغ َِي ِعمل]‬

‫‪7‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫اّلل ب ََِل ِعمل ِيف آَ َْسائِ ِه َو ِصفَا ِت ِه َوآَف َع ِ ِاهل‪َ ،‬و َوصفه ب ِِض ِد َما َو َص َف ِب ِه ن َف َسه‬ ‫َوي َ ِل َذ ِ َل ِيف ِك َ ِرب ال َمف َسدَ ِة‪ :‬القَول عَ َىل ِ‬
‫َو َو َصفَه ِب ِه َرسوهل‪ ،‬ﷺ‪ .‬فَهَ َذا آَ َش ُّد َيشء منَاقَضَ ًة َومنَافَا ًة ِل ََكَالِ َمن َهل الخَلق َو َاِلمر‪َ ،‬وقَدح ِيف ن َف ِس ُّالربوبِي ِة‬
‫الش ِك‪َ ،‬وآَع َظم اث ًما ِعندَ ِ‬
‫اّلل‪.‬‬ ‫َوخ ََصائِ ِص الر ِب‪ ،‬فَان َص َدَر َذ ِ َل َعن ِعمل فَه َو ِعنَاد آَقبَح ِم َن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل‪َ ،‬ولَم َجي َحد‬ ‫ات َ ََك ِ ِهل‪ََ َ ،‬ك آَن َمن آَقَر ِل َم ِكل ِِبلم ِ‬‫ات الر ِب خَي ِم َن الم َع ِط ِل ال َجا ِح ِد ِل ِص َف ِ‬ ‫شكَ الم ِقر ب ِِص َف ِ‬ ‫فَان الم ِ‬
‫رش ًيك ِيف بَع ِض ُاِلمو ِر‪ ،‬يقَ ِربه الَي ِه‪ ،‬خَي ِممن َج َحدَ‬ ‫كل‪ ،‬لَ ِكن َج َع َل َم َعه َ ِ‬ ‫ات ال ِيت اس تَ َحق هبِ َا الم َ‬ ‫م ِلكَه َو َل ِ‬
‫الصفَ ِ‬
‫ِ‬
‫كل َو َما يَكون ِب ِه َم ِل ًك‪َ ،‬و َه َذا آَمر مس تَ ِقر ِيف َسائِ ِر ال ِف َط ِر َوالعقولِ ‪.‬‬ ‫ِصفَ ِ‬
‫ات ال َم ِ ِ‬
‫ات ال ََكَالِ َوال َجح ِد لَهَا‪ِ ،‬من ِع َبا َد ِة َو ِاس َطة ب َ َني ال َمعبو ِد ال َح ِق َوب َ َني ال َعا ِب ِد‪ ،‬يَتَقَرب الَي ِه ِب ِع َبا َد ِة‬
‫فَأَي َن القَدح ِيف ِص َف ِ‬
‫ِ‬
‫كل ال َو ِاس َط ِة اع َظا ًما َهل َواج ََل ًل؟‬ ‫تِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِمن آيض ًا آعظم اذلنوب وآكرب الكبائر‪ :‬القول عىل هللا بَل عمل‪ .‬ولهذا ملا ذكر هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬احملرمات اليت‬
‫اتفقت عىل حترميها مجيع الشائع ِويف نبوة مجيع اِلنبياء ذكر مهنا‪ :‬القول عىل هللا بَل عمل كم يف قول هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬يف اِلية الكرمية‪ ﴿:‬قل ان َما َحر َم َر ِ َِب الفَ َوا ِح َش َما َظه ََر ِمهنَا َو َما ب َ َط َن َوال َمث َوال َبغ َي ِبغَ ِي ال َح ِق َوآَن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون ﴾[ اِلعراف‪] ٣٣ :‬‬ ‫شكوا ِِبللـ ِه َما لَم ي َ ِزنل ِب ِه سل َطاانً َوآَن تَقولوا عَ َىل اللـ ِه َما َل تَعلَم َ‬ ‫ت ِ‬
‫فالقول عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬بَل عمل هذا من آعظم اذلنوب ﴿ َو َل تَقف َما لَي َس َ َل ِب ِه ِعمل ان السم َع‬
‫ِ‬ ‫لك آُولَ َٰـئِ َك ََك َن عَنه َمس ئ ً‬‫َص َوالف َؤا َد ُّ‬
‫ول ﴾[ الرساء‪] ٣٦ :‬‬ ‫َوال َب َ َ‬
‫وِبلقول عىل هللا بَل عمل وقع الشك ووقعت احملرمات وتركت الفرائض وانِتكت احلرمات وحصل آمور كثية‬
‫لكها من اجلرآة عىل هللا ويف دين هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ِ -‬بلقول عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬بَل عمل ‪.‬‬
‫واذا َكن هذا القول عىل هللا بَل عمل يف ِبب اِلسمء والصفات فاِلمر آخطر وآخطر؛ ِلن اخلطأ يف آسمء الرب‬
‫وصفاته ليس َكخلطأ يف آي امس من اِلسمء ول يف آي صفة من الصفات؛ ِلن اثبات آسمء هللا توحيد هلل‪،‬‬
‫وهو من آرَكن التوحيد اليت ل يقوم التوحيد ال هبا ‪.‬‬
‫فاذا جحدت آو عطلت آو حرفت‪ ،‬فان هذا من آعظم القول عىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬بَل عمل؛ ِلن هذا‬
‫القول عىل هللا بَل عمل خمل بأصل يقوم عليه دين هللا‬
‫فش تان بني قول عىل هللا بَل عمل يف آصل يقوم عليه دين هللا وقول عىل هللا بَل عمل يف فرع من الفروع ‪.‬‬
‫فالقول عىل هللا بَل عمل يف آسمئه وصفاته وآفعاهل هذا قول عليه يف آصل‪ ،‬ركن من آرَكن الميان ِبهلل ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪. -‬‬

‫‪8‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫مفن قال عىل هللا بَل عمل يف آسمئه وصفاته بأن وصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوهل عليه الصَلة‬
‫والسَلم وصفه بضد ذل آو كذل حجد ما وصف هللا به نفسه ومبا وصفه به رسوهل؛ ِلن اخلطأ يف هذا الباب‬
‫كم آرشت سابق ًا يكون اما ِبثبات ما نف هللا آو بنفي ما آثبت هللا ‪.‬‬
‫ولك من هذين قول عىل هللا بَل عمل يف آعظم اِلمور وآخطرها وهو همكل لصاحبه غاية الهَلك كم مر معنا‬
‫ين﴾[ فصلت‪:‬‬‫عند املصنف يف ايراده لْلية الكرمية ‪َ ﴿:‬و َذَٰ ِلمك َظنُّمك ِاذلي َظنَنُت ِب َ ِبرمك آَردَاُك فَأَص َبحُت ِم َن الخ ِ ِ‬
‫َارس َ‬
‫‪ ] ٢٣‬يف حق من حجد شيئ ًا مما يتعلق بعمل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪. -‬‬
‫قال ‪ :‬فهذا آشد يشء مناقض ًة ومنافا ًة لكمل من هل اخللق واِلمر ‪ ،‬وقدح يف نفس الربوبية وخصائص الربوبية ‪.‬‬
‫فاذا صدر ذل عن عمل فهو عناد آقبح من الشك ‪ ،‬وآعظم امثًا عند هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪. -‬‬
‫مث رضب ‪-‬رمحه هللا‪ -‬مثا ًل يوحض ذل؛ قال ‪:‬فان املشك – يعين اذلي عبد مع هللا غيه ‪ -‬مقر بصفات الرب ‪-‬‬
‫املقر بصفات الرب خي من املعطل اجلاحد لصفات كمهل ‪.‬‬
‫ورضب عىل ذل مثال قال ‪:‬كم آن من آقر ِملكل من امللوك ِبملكل ومل جيحد ملكه ول الصفات اليت اس تحق هبا‬
‫هذا املكل لكن جعل معه رشيكً وغرضه من هذا الشيك آن يقربه من املكل آهيم آعظم ‪ -‬اذلي حجد آص ًَل‬
‫املكل وصفات املكل وآنكرها مجل‪ -‬؛ آو اذلي آثبِتا ولكن اختذ معه رشيك وغرضه من هذا الشيك آن يقربه‬
‫من املكل؟‬
‫قال ‪:‬لكن جعل معه رش ًيك يف بعض اِلمور يقربه اليه خي ممن حجد صفات املكل وما يكون به ملكً هذا آمر‬
‫مس تقر يف سائر ال ِف َطر يف العقول ‪.‬‬
‫فهذه الصورة توحض آن القدح يف صفات الكمل واجلحد لها آعظم من عبادة واسطة بني املعبود احلق وبني العابد‬
‫تقربه من املعبود ولك مهنم رشك لك مهنم انقل من املل‪ -‬لكن هذا آعظم‪. -‬‬
‫يل هو ادلاء العضَ ال ِاذلي َل د ََو َاء َهل‪َ ،‬و ِلهَ َذا َح َك اّلل تعاىل َعن ا َما ِم الم َع ِط َ ِل‬ ‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل ‪ :‬فَدَ اء التع ِط ِ‬
‫ِ‬
‫وس َما آَخ َ َرب ِب ِه ِمن آَن َربه فَو َق الس َم َاو ِات‪ ،‬فَقَا َل‪ََ { :‬يهَا َمان اب ِن ِل َِص ًحا لَ َع ِل آَبلغ‬ ‫ِفر َعو َن‪ ،‬آَنه آَنكَ َر عَ َىل م َ‬
‫وس َوا ِن َ َِلظنُّه ََك ِذ ًِب} [س َورة غَا ِفر‪. ]37 - 36 :‬‬ ‫اب الس َم َاو ِات فَأَط ِل َع ا َىل ا َ ِهل م َ‬
‫اب ‪ -‬آَس َب َ‬ ‫َاِلس َب َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َواحتَج الش يخ َآبو ال َح َس ِن َاِلش َع ِر ُّي ِيف كت ِب ِه عَ َىل الم َع ِط َ ِل هبِ َ ِذ ِه اِلي َ ِة‪َ .‬ولَقَد َذ َكرانَ لَف َظه ِيف غَ ِي َه َذا ال ِكتَ ِاب‪.‬‬
‫ذكر لفظه يف كتابه (اجامتع اجليوش السَلمية) وكتاب اجامتع اجليوش السَلمية لَلمام ابن قمي ملء ِبلنقول‬
‫العظمية عن آمئة السلف‪ -‬رمحهم هللا تعاىل ‪ -‬يف اثبات صفات هللا واثبات علوه واثبات صفاته جل وعَل ‪,‬و من‬

‫‪9‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫مجل من نقل عهنم نقل نقول عن آِب احلسن اِلشعري اذلي تنتسب اليه اِلشاعرة لكن اِلشاعرة يف احلقيقة‬
‫ينتس بون اىل اِلشعري فامي اتب منه ‪-‬ينتس بون اليه فامي اتب منه‪ -‬يف آخر حياته رجع ‪-‬رمحه هللا‪ -‬اىل عقيدة‬
‫آهل الس نة حّت انه قال يف بعض كتبه‪ " :‬وبك ما قال به المام املبجل آمحد بن َحن َبل نقول" وآصبح يقرر‬
‫تقريرات يه يف احلقيقة رد من اِلشعري عىل اِلشاعرة‪ ،‬واِلشاعرة ه منتس بون اىل اِلشعري يف مرحل اتب‬
‫مهنا‪,‬ولهذا آلف بعض الكتب مثل الِبنة‪ ،‬ورسائل اىل آهل الثغر‪ ،‬ومقالت السَلميني‪ ،‬آلف رسائل وذكر فهيا‬
‫وقرر عقيدة آهل الس نة وامجلاعة‪.‬‬
‫ات ِ‬
‫اّلل‬ ‫الشك متَ ََل ِز َم ِان‪َ .‬ولَما ََكن َت البِدَع الم ِضل َج ًَل ب ِِص َف ِ‬ ‫اّلل ب ََِل ِعمل َو ِ‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل ‪َ :‬والقَول عَ َىل ِ‬
‫اّلل ﷺ ِعنَادًا َو َج ًَل ‪ََ -‬كن َت ِمن َآك َ ِرب ال َكبَائِ ِر‪َ ،‬وان‬ ‫َوتَك ِذي ًبا ِب َما آَخ َ َرب ِب ِه َعن ن َف ِس ِه َوآَخ َ َرب ِب ِه عَنه َرسول ِ‬
‫ِ‬ ‫وب‪.‬‬‫َصت َع ِن الكف ِر َو ََكن َت آَ َحب ا َىل اب ِل َيس ِمن ِك َب ِار ا ُّذلن ِ‬ ‫قَ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ ََك قَا َل بَعض السلَ ِف‪ :‬البِدعَة آَ َح ُّب ا َىل اب ِل َيس ِم َن ال َمع ِص َي ِة‪َِ ِ :‬لن ال َمع ِص َي َة يتَاب ِمهنَا َوالبِدعَ َة َل يتَاب ِمهنَا‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫وب َوآَهلَك ِون ِِب ِلس ِتغ َف ِار َوب ََِل ا َ َهل ال اّلل‪ ،‬فَلَما َرآَيت َذ ِ َل بَثَثت ِف ِهيم‬ ‫َوقَا َل اب ِليس‪ :‬آَهلَكت ب َ ِين آ َد َم ِِب ُّذلن ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬
‫ون صن ًعا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َن‬ ‫آ‬ ‫ون‬‫ب‬
‫َ َ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫َن‬ ‫ِل‬ ‫‪،‬‬ ‫ون‬ ‫ب‬
‫َ َ َ َ‬‫و‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ون‬‫ب‬‫ن‬ ‫ذ‬‫ي‬ ‫م‬‫ه‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬‫اء‬‫اِله َو َ‬
‫يقول بعض السلف‪ :‬املعصية يتاب مهنا والبدعة ل يتاب مهنا‬
‫املعصية يتاب مهنا؛ ِلن العايص غلبته نفسه ويشعر آنه عايص‬
‫ولهذا يف الغالب العصاة عندما يناحص آحده عىل معصية يرتكهبا يقول ملن يناحصه ادع هللا آن َيلصين مهنا آان‬
‫مبتىل‪ -‬كثي مهنم هذه حاهل يعرف آنه مبتىل وآنه يف معصية ويود اخلَلص مهنا لكن نفسه غلبته حّت ان بعضهم‬
‫يف ِصاع من نفسه يريد الفكك مهنا والنجاة لكن تغلبه نفسه آو يغلبه آيض ًا قرانء السوء اذلين يصاحهبم‬
‫وَيالطهم عىل املعصية‪-‬‬
‫خبَلف صاحب البدعة‪ ،‬لو جاءه خشص يناحصه يف بدعته يقبل آو ل يقبل؟ ما يقبل ِلنه يرى آن هذا هو احلق‬
‫خبَلف العايص‪ ،‬العايص يرى آن اذلي يفعَل ليس حبق فنفسه تتقبل وهو آقرب للتوبة لكن املبتدع ل يقبل؛‬
‫ِلنه يرى آن اذلي عليه هو احلق حّت لو َكن اذلي عليه هو الشك آو الضَلل جتده يتعصب والعياذ ِبهلل‬
‫للضَلل‪ ،‬يتعصب للشك‪ ،‬يتعصب لْلهواء‪ ،‬يتعصب للبدع ملاذا؛ ِلن املبتدع يرى آن هذا هو احلق وآن هذا‬
‫هو دين هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪.-‬‬
‫ولهذا قال بعض السلف‪ :‬املعصية يتاب مهنا والبدع ل يتاب مهنا ‪,‬هل معىن ذل آن املبتدع ما يتوب ؟‬
‫ل‪ ،‬لكن هذا ذكر لغالب آحوال الناس آن املبتدع يتعصب لبدعته ويرى آَنا حق لكن من آراد هللا ‪-‬س بحانه‬
‫وتعاىل‪ -‬توبته اتب‪ ,‬ومر معنا حال آِب احلسن اِلشعري قريب ًا َكن آمىض َعر ًا طوي ًَل من َعره يف الاعزتال وآنواع‬
‫‪10‬‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس التاسع و الثالثون‬

‫من البدع واتب هللا عليه ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬لكن الغالب آن صاحب البدعة يتعصب لبدعته؛ ِلنه يرى آَنا يه‬
‫احلق‪.‬‬
‫َضره عَ َىل النوعِ‪َ ،‬و ِفتنَة‬ ‫رضره عَ َىل ن َف ِس ِه‪َ ،‬وآَما المبتَ ِدع فَ َ َ‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪َ :-‬و َمعلوم آَن المذ ِن َب ان َما َ َ‬
‫ِ‬
‫ِص ِاط ِ‬
‫اّلل المس َت ِق ِمي يَصدُّه‬ ‫المبتَ ِدعِ ِيف آَص ِل ِادل ِين‪َ ،‬و ِفتنَة المذ ِن ِب ِيف الشه َو ِة‪َ ،‬والمبتَ ِدع قَد قَ َعدَ ِللن ِاس عَ َىل ِ َ‬
‫عَنه‪َ ،‬والمذ ِنب لَي َس كَ َذ ِ َل‪َ ،‬والمبتَ ِدع قَا ِدح ِيف آَو َص ِاف الر ِب َو َ ََك ِ ِهل‪َ ،‬والمذ ِنب لَي َس كَ َذ ِ َل‪.‬‬
‫َوالمبتَ ِدع مناقض ملا جاء به الرسول صىل هللا عليه وسمل والعايص ليس كذل واملبتدع يَق َطع عَ َىل الن ِاس َط ِر َيق‬
‫اِل ِخ َر ِة‪َ ،‬وال َع ِايص ب َ ِطيء الس ِي ب َِسبَ ِب ذنو ِب ِه‪.‬‬
‫هذه مجل فروقات ذكرها ‪- -‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬بني املبتدع والعايص حّت يظهر الفرق بني هذا وهذا فذكر ‪-‬رمحه‬
‫هللا ‪ -‬مجل فروقات وهذا امجلع رمبا ما تكد جتده يف موضع آخر هبذه اخلَلصة امجليل يف الفرق بني املبتدع‬
‫والعايص‬
‫ونسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي آن يصلح آحوالنا آمجعني وآن هيدينا اليه ِصاط ًا مس تقاميً وآن يغفر لنا‬
‫ولوادلينا وملشاَينا ولولة آمران وللمسلمني واملسلمت واملؤمنني واملؤمنات اِلحياء مهنم واِلموات‪ ،‬اللهم آ ِت‬
‫نفوس نا تقواها وزكها آنت خي من زَكها آنت ولهيا ومولها‪ ،‬اللهم اان نسأل الهدى والتق والعفة والغىن‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وحبمدك آشهد آن ل اهل ال آنت آس تغفرك وآتوب اليك اللهم صل وسمل عىل عبدك ورسول‬
‫نبينا محمد وآهل وحصبه آمجعني‪.‬‬

‫اضغط عىل الرابط لَلشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪11‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫الظ ْ مل َوالْ معدْ َو مان]‬


‫قال الإمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل يف كتابه ادلاء وادلواء[فَ ْصل ُّ‬
‫الس َم َاو مات َو ْ َاْل ْر مض‪َ ،‬وأَ ْر َس َل َ مل مس ْب َحان َ مه مر مس َ مل عَلَْيْ ِ مم‬ ‫الظ ْ مل َوالْ معدْ َو مان ممنَا ِفيَ ْ ِي ِللْ َعدْ لِ م ِاَّلي قَا َم ْت ِب ِه م‬ ‫م مث لَ مما ََك َن ُّ‬
‫اَّلل‪َ ،‬و ََكن َْت د ََر َجتم مه ِيف ال ِع َظم ِ َِب َس ِب‬ ‫الس ََل مم‪َ ،‬وأَنْ َز َل مك مت َب مه ِل َي مقو َم النم ماس ِب ِه ‪ََ -‬ك َن ِم ْن َأ ْك َ ِب ْال َكبَائِ ِر ِع ْندَ م ِ‬ ‫الص ََل مة َو م‬ ‫م‬
‫وب عَ َل‬ ‫الص ِغ َي م ِاَّلي َل َذن َْب َ مل َوقَدْ َجبَ َل م م‬
‫اَّلل مس ْب َحان َ مه الْ مقلم َ‬ ‫َم ْف َسدَ تِ ِه ِيف ن َ ْف ِس ِه‪َ ،‬و ََك َن قَ ْت مل ْالن ْ َس ِان َو َ َدل مه ِالط ْف َل م‬
‫َم َح مبتِ ِه َو َر ْ َمحتِ ِه َو َع ْط ِفهَا عَلَْيْ ِ ْم‪َ ،‬وِخ مَص الْ َو ِ َادل ْي ِن ِم ْن َذ ِ َل ِب َم ِزيمة َظا ِه َرة‪ ،‬فَقَ ْت م مل خ َْش َي َة أَ ْن ي مشَ ِاركَ مه ِيف َم ْط َع ِم ِه‬
‫الَّل ْي ِن ََكنَ َسبَ َب مو مجو ِد ِه‪َ ،‬وكَ َذ ِ َل قَ ْت م مل َذا َر ِ ِمح ِه‪.‬‬ ‫الظ ْ ِل َوأَ َش ِد ِه‪َ ،‬وكَ َذ ِ َل قَ ْت م مل أَب َ َويْ ِه م َ‬ ‫ْشِب ِه َو َم ِ ِال‪ِ ،‬م ْن أَ ْقبَ ِح ُّ‬
‫َو َم ْ َ‬
‫َوتَ َت َف َاو مت د ََر َج مات الْقَ ْت ِل ِ َِب َس ِب قم ْب ِح ِه َو ْاس ِت ْحقَ ِاق َم ْن قَتَ َ مل ِللْ َس ْع ِي ِيف ابْقَائِ ِه َون َِصي َحتِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫َو ِلهَ َذا ََك َن أَ َش مد النم ِاس عَ َذ ًاب ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة َم ْن قَتَ َل ن َ ِبيًّا أَ ْو قَتَ َ مل ن ِ يَب‪.‬‬
‫اَّلل مس ْب َحانَهم‪َ ،‬وي َ ْن َص محهم ْم ِيف ِديِنِ ِ ْم‪َ ،‬وقَدْ َج َع َل م م‬
‫اَّلل‬ ‫موه ا َىل م ِ‬ ‫َوي َ ِلي ِه َم ْن قَتَ َل ا َما ًما أو عامل ًا يَأْ مم مر النم َاس ِبلْ ِق ْسطِ‪َ ،‬ويَدْ ع م ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مس ْب َحان َ مه َج َز َاء قَ ْت ِل النم ْف ِس الْ مم ْؤ ِمنَ ِة َ َْعدً ا الْ مخلمو َد ِيف النم ِار‪َ ،‬وغَضَ َب الْ َجبم ِار َولَ ْعنَتَهم‪َ ،‬واعْدَ ا َد الْ َع َذ ِاب الْ َع ِظ ِمي َلم‪َ ،‬ه َذا‬
‫ِ‬ ‫وج مب قَ ْت ِل الْ مم ْؤ ِم ِن َ َْعدً ا َما ل َ ْم ي َ ْمنَ ْع ِمنْ مه َما ِنع‪.‬‬
‫مم ِ‬
‫َو َل ِخ ََل َف أَ من ْال ْس ََل َم الْ َوا ِق َع ب َ ْعدَ الْقَ ْت ِل َط ْوعًا َوا ْخ ِت َي ًارا َما ِنع ِم ْن ن م مفو ِذ َذ ِ َل الْ َج َزا ِء‪َ ،‬وه َْل ت َ ْمنَ مع ت َْوب َ مة الْ مم ْس ِ ِل ِمنْ مه‬
‫ب َ ْعدَ موقمو ِع ِه؟ ِفي ِه ِقَ ْو َل ِن لِ ملسلَ ِف َوالْ َخلَ ِف‪،‬‬
‫‪...‬‬
‫امحلد هلل رب العامليـن وأشهد أن ل اإل اإل هللا وحده ل رشيـك ل وأشهد أن محمد ًا عبده ورسول صل هللا‬
‫وسل عليه وعل أل وأحصابه أمجعيـن ‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدن علامً وأصلح لنا شأننا لكه‬
‫ولتلكنا اإىل أنفس نا طرفـة عيـن ‪ ..‬أما بعــد ‪،‬‬
‫فَل يزال الإمام ابن القيـم ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف تأصيل ملا يكون به معرفة الكبائر‪ ،‬وأهيا أكبـر إامث ًا وأعظـم‬
‫خطـور ًة‪ ،‬وع ِرفنا أن ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف هذه املسأةل اجلليةل الكبيـرة أ مصلها من حيث النظر يف معرفة‬
‫الكبائر وأكبها اإىل اْلصل اَّلي هو مقصود اخللق‪ ،‬فلك ما َكن أعظم منافا ًة لهذا اْلصل العظمي اَّلي خلق‬
‫اخللق ْلجل وأوجد اخللق لتحقيقه‪َ ،‬كن أكب من غيـره‪ ،‬فبي من خَلل ذل أن أكب الكبائر الْشك بهلل ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاىل‪ ،-‬ث ذكر خطورة القول عل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬بَل عل؛ وأن القول عل هللا بَل عل هو اَّلي‬
‫جير اإىل الْشك وإاىل غيـره من اَّلنوب‪ ،‬ولس امي اإذا َكن القول عل هللا بَل عل يف توحيده وأسامئه وصفاته‪،‬‬
‫وهل ع ِمطلت صفات هللا وحجدت وكفر هبا اإل من هجة القول عل هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ويف دينه بَل عل!‬

‫‪1‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫وهل َكن ادلعاة اإىل الْشك واَّلين يروجون ل هذا شأهنم اإل من قوهلم وجرأهتم القول عل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫ويف دينه بَل عل؟! فأقول ل يزال ابن القيـم ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬يف تأصيل هذه املسأةل وتقريرها فوصل يف هذا‬
‫الفصل لبيان خطورة الظل والعدوان‪.‬‬
‫فيقول ‪-‬رمحه هللا‪ : -‬اإن العدل قامت به الساموات واْلرض وأرسل رسل وأنزل كتبه لقيام العدل‬
‫ولهذا فاإن دين هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ورشعه لكه عدل وحمكة‪ ،‬والساموات واْلرض اإمنا قامت بلعدل وهللا ‪-‬‬
‫س بحانه وتعاىل‪ -‬اإمنا يأمر بلعدل‪ ،‬و مكتب هللا املزنةل لكها كتب حق وعدل‪ ،‬ورسل هللا عز وجل الكرام لكهم‬
‫دعاة اإىل العدل‪ ،‬فلام َكن الظل والعدوان منافي ًا لهذا املطلب العظمي اَّلي فيه قامت الساموات واْلرض‪ ،‬وبه‬
‫نزلت الكتب‪ ،‬وإاليه دعا الرسل‪ ،‬وشأنه هبذه املاكنة العظةمة فاكن الظل وهو مناف للعدل متام املنافاة من أعظم‬
‫اَّلنوب وأكبها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ملا َكن الظل والعدوان منافي ًا للعدل اَّلي به قامت الساموات واْلرض وأرسل هللا رسل علْيم السَلم‬
‫وأنزل كتبه ليقوم الناس به ‪:‬أي( بلعدل) َكن من أكب الكبائر عند هللا أي (الظل والعدوان) َو ََكن َْت د ََر َجتم مه ِيف‬
‫ال ِع َظم ِ َِب َس ِب َم ْف َسدَ تِ ِه ِيف ن َ ْف ِس ِه‬
‫ولهذا لو نظر الإنسان اإىل الظل والعدوان‪ ،‬وعظم أثره جيد أنه متفاوت والظل ظلامت وليس الظل عل رتبة‬
‫واحدة ول درجة واحدة ولهذا يتفاوت غلظه وشدة كبه ِبسب مفسدته يف نفسه‬
‫ث ذكر ‪-‬رمحه هللا‪ -‬أمثل عل ذل ‪-:‬‬
‫‪ ‬مفن الظل العظمي‪ :‬قتل الإنسان ودله الصغي اَّلي ل ذنب ل خش ية أن يطعم معه‬
‫مع أن القلوب جبلها هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬وفطرها عل الرمحة بلصغي؛ اَّلي ليس من ودل الإنسان اإذا رأه رمحه‬
‫وتلطف به ورفق به وأحسن اإليه وإاذا رأه عل خطر سارع عل اإنقاذه‪.‬‬
‫فكيف يبلغ اْلمر بملرء اإىل درجة أن يقتل ودله خش ية أن يطعم معه‪ ،‬وعل هذا َكن أهل اجلاهلية اجلهَلء‬
‫والضَلةل العمياء َكن الواحد مِنم يقتل ودله خش ية اإمَلق يعين خش ية أن يسبب ل وجود الودل (الفقر )‬
‫﴿ َو َل ت َ ْق متلموا أَ ْو َلد مَُكْ خ َْش َي َة ا ْم ََلق م َّْن من ن َ ْر مزقمهم ْم َوا مَّي مُكْ ا من قَ ْتلَهم ْم ََك َن ِخ ْطئًا كَب ًِيا ﴾[ ا إلرساء‪] 31 :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فاكنوا يف اجلاهلية يصنعون ذل وهذا يعد من اجلرامئ العظةمة والكبائر العظةمة؛ ْلن اإضافة اإىل كونه قتل لنفس‬
‫حمرمة هو قتل‪ -‬كام قال ابن القمي‪ :-‬لنفس جبلت قلوب العباد‪ ،‬وفطرت عل الرمحة لهذا الصغي‪ ،‬واللطف به‬
‫والعطف عليه‪ ،‬وخص الوادلين من ذل مبزية ظاهرة‪ ،‬فقتل خش ية أن يشاركه يف مطعمه ومْشبه ومال من‬
‫أقبح الظل وأشده؛ ْلن هذا اْلب مطلوب منه أن يسعى ملا فيه حياة هذا الابن وصَلحه‪ ،‬وفَلحه وجناحه أن‬
‫يسعى يف ذل‪ ،‬فأن يأيت بنقيض ما هو مطلوب منه أن يسعى ل؛ وهو قتل هذا الودل‪ ،‬هذا من أظل الظل‬

‫‪2‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫وأشده‪ ،‬ومثل ذل قتل املرء أبويه أو أحد أبويه الَّلين َكن سب ًبا يف وجوده‪ ،‬واملطلوب منه أن يسعى يف لك ما‬
‫فيه عافية الوادلين وحصة الوادلين وسَلمة الوادلين‪ ،‬أقل ما يف ذل ردًا للجميل والإحسان العظمي كام قال هللا ‪-‬‬
‫ل َوهْن ﴾ [لقامن ‪]14 :‬‬ ‫س بحانه وتعاىل‪َ ﴿ :-‬و َو مص ْينَا ْ ِال َنس َان ب َِو ِ َادليْ ِه َ َمحلَ ْت مه أُ ُّم مه َو ْهنًا عَ َ ٰ‬
‫محل َ ْت مه أُ ُّم مه مك ْرهًا َو َوضَ َع ْت مه مك ْرهًا ۖ } [اْلحقاف ‪]15 :‬‬ ‫وقال‪َ ﴿:‬و َو مص ْينَا ْال َنس َان ب َِو ِ َادليْ ِه ا ْح َسانً ۖ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا امجليل السابغ والإحسان العظمي ل يمنىس ول يقابل بلعقوق والقطيعة والإساءة فض ًَل أن يقابل بلقتل‪-‬‬
‫والعياذ بهلل‪ ،-‬ولهذا عمد من أعظم الكبائر وأشدها قتل املرء لوادليه أو أحدهام‪ ،‬كذل قتل ذا رمحه من مع أو‬
‫خال أو َّنو ذل ‪..‬‬
‫هو مطلوب منه أن يصل الرمح وأن يبلها ببَللها وأن حيسن اإىل ذا رمحه فأن يصل به اْلمر اإىل أن يقتل ذا رمح‬
‫هذا أيضً ا من أعظم اَّلنوب وأبشعها وأش نعها!‬
‫قال‪ :‬وتتفاوت درجات القتل ِبسب قبحه واس تحقاق من قتل السعي يف اإبقائه ونصيحته‬
‫يعين اْلن فامي يتعلق بلطفل قتل الإنسان ودله املطلوب من الوادل أن يسعى يف اإبقاء هذا الودل ويف مصاحل‬
‫هذا الودل‪،‬أيض ًا فامي يتعلق بلودل مع وادله مطلوب معه أن يسعى فامي فيه اإبقاء الوادل من خدمة ورعاية وإاحسان‬
‫اإىل أخره‪ ،‬ولهذا ينبه عل هذا املعىن ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪-‬‬
‫يقول‪ ":‬وتتفاوت درجة القتل ِبسب قبحه واس تحقاق من قتل السعي يف اإبقائه ونصيحته "‬
‫الوادل من أعظم من يس تحق هذا السعي يف اإبقائه ونصيحته وأيض ًا الودل من وادله يس تحق من وادله أن يسعى‬
‫فامي فيه اإبقاء هذا الودل ونصيحته فالقتل هنا يمعد من أش نع اَّلنوب وأعظمها وأكبها‬
‫قال‪ ":‬ولهذا َكن أشد الناس عذا ًب يوم القيامة من قتل نبي ًا أو قتل نب "‬
‫وهذا نص حديث اثبت يف مس ند الإمام أمحد بس ند اثبت عن نبينا عليه الصَلة والسَلم هذا لفظ احلديث‬
‫قال‪ :‬ﷺ‪ ":‬أشد الناس عذا ًب يوم القيامة من قتل نبيًا أو قتل نب" هذا لفظ حديث النب عليه الصَلة‬
‫والسَلم ‪،‬فأشد الناس عذا ًب يوم القيامة من قتل نبي ًا‪ ،‬ملاذا؟ ْلن اْلنبياء ه صفوة البْش وهداة اخللق ودعاة‬
‫احلق والنصحاء للبْشية‪ ،‬واخلي اإمنا يصل اإىل البْش من هجهتم فهم الواسطة بي هللا وخلقه يف اإبَلغ دينه ونصح‬
‫عباده وتعلةمهم وهدايهتم ودللهتم اإىل احلق والهدى‪ ،‬مفن قتل نبي ًا مفرمه أعظم جرم وجرميته جرمية القتل أعظم‬
‫جرمية قتل؛ ْلن قتل النفس املعصومة يتفاوت اجلرم ِبسب املفسدة ولكها جرمية ولكه قتل ولكه فيه الوعيد‪،‬‬
‫لكن هل من قَتَل واحد ًا من أفراد املسلمي مكن قتل نبيًا من النبيي؟‬
‫‪ -‬ال َبون شاسع‪ ،‬هذا النب نور للرض وضياء وإامام هدى وقدوة للعاملي‪ ،‬قدوة للناس داعية للهدى فقتل أعظم‬
‫القتل ‪،‬ولهذا أشد الناس عذا ًب يوم القيامة من قتل نبي ًا ومن قتل نب‪ ،‬يعين من برش قتل نب وكون قتل يكون‬
‫عل يد نب هذا دليل عل عظم هوانه؛ ْلن هذا اَّلي قمتل عل يده هو املنقذ بإذن هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬للناس‬
‫‪3‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫من الظلامت اإىل النور‪ ،‬فأن يمقتل عل يد نب هذا دليل عل تأصل الْش فيه‪ ،‬وجتذره يف نفسه‪ ،‬حىت بء هبذه‬
‫املزنةل أن يمقتل عل يد من هو رمحة للناس‪ ،‬وداعية للهدى‪ ،‬ومعل للخي‬
‫‪ ‬هل من قمتل وأزهقت روحه‪ ،‬فيه مث ًَل خصومة بينه وبي أحد اْلشخاص‪ ،‬مكن قتل نب من اْلنبياء ؟‬
‫‪ -‬ش تان بي هذا وهذا ‪،‬هذا قمتل عل يد اإمام الهدى ومن هو رمحة أرسل هللا رمحة للعباد‪ ،‬وداعية للحق‪،‬‬
‫ومنقذ هلم من النار فأن يقتل عل يده‪ ،‬هذا دليل عل جتذر الْش‪ ،‬والفساد يف قلبه ‪،‬ولهذا قال نبينا ‪-‬عليه‬
‫الصَلة والسَلم‪ « -‬أشد الناس عذا ًب يوم القيامة من قتل نبي ًا أو قتل نب» ويليه من قتل اإما ًما‪ ،‬أو عامل ًا يأمر‬
‫الناس بلقسط‬
‫‪ِ ‬من الس بعة اَّلين يظلهم هللا يف ظل اإمام حيمك بلعدل‪ ،‬اإمام عادل‪ِ ،‬من الس بعة اَّلين يظلهم هللا يف ظل‪ ،‬ملاذا؟‬
‫ْلن الإمام العادل أثره ليس عل نفسه فقط‪،‬ولهذا صَلح الراعي صَلح للرعية‪ ،‬وأثر صَلحه عل الرعية ليس‬
‫بليسي‪ ،‬فاإذا قتل اإمام عدل اإمام هدى‪ ،‬عادت املرضة عل لك من ه حتت رعايته‪ ،‬وعادت املرضة عل لك من‬
‫ه حتت رعايته‪ ،‬فاكنت اجلرمية أعظم‬
‫‪ ‬وكذل من قتل عامل ًا نحص ًا داعية للحق والهدى‪ ،‬يمعل الناس اخلي‪ ،‬ويدعوه اإىل الهدى‪ ،‬وس نة النب الكرمي ‪-‬‬
‫عليه الصَلة والسَلم‪ -‬فقتل ليس كقتل أحاد الناس‪ ،‬بل موت العامل ليس مكوت أي خشص‬
‫ولهذا جتد العامل اَّلي ل ماكنة يف قلوب اْلمة لعلمه‪ ،‬ون مصحه‪ ،‬ودعوته‪ ،‬اإذا مات تفقده اْلمة لكها‪ ،‬وبعض‬
‫املسلمي قد ميوت وجيانه ما علموا به‪ ،‬ول فقدوه‪ ،‬والعامل يف ساعة فقده اْلمة لكها يف أطراف اْلرض تفقده‬
‫ملاذا ؟‬
‫‪ْ-‬لن خيه ممتد‪ ،‬مفن قتل عامل ًا جرميته ليست كجرمية من قتل فرد ًا من أحاد الناس‬
‫قال‪ :‬أو قتل عامل ًا يأمر الناس بلقسط‪ ،‬ويدعوه اإليه‪ ،‬وينصحهم يف ديِنم‬
‫وقد جعل هللا ‪-‬س بحانه‪ -‬جزاء قتل النفس املؤمنة َعد ًا‪ ،‬هذا َعوم اْلنفس وقبلها ذكر التفاوت‬
‫قتل النفس املؤمنة َعد ًا موجب ًا للخلود يف النار‪ ،‬وغضب اجلبار‪ ،‬وموجب ًا للعنته‪ ،‬وإاعداد العذاب العظمي ل‪ ،‬كام‬
‫اَّلل عَلَ ْي ِه َولَ َعنَ مه َوأَعَ مد َ مل عَ َذ ًاب َع ِظةمًا‬
‫يف اْلية الكرمية‪َ ﴿ :‬و َمن ي َ ْقتم ْل مم ْؤ ِمنًا ُّمتَ َع ِمدً ا فَ َج َزا مؤ مه َ َهجَّنم م خ ِ ًَادلا ِفْيَا َوغَ ِض َب م م‬
‫﴿‪ ﴾﴾93‬يف سورة النساء‪ .‬فمع ل لك هذا الوعيد‬
‫قال ‪ :‬هذا موجب قتل املؤمن َعد ًا ما مل مينع منه مانع‪ ،‬مينع من ماذا ؟‬
‫‪ -‬من اإحلاق الوعيد ‪ -‬هذا وعيد ‪،-‬‬
‫قال‪ :‬ما مل مينع منه مانع‪ ،‬هذه اْلية‪َ ﴿ :‬و َمن ي َ ْقتم ْل مم ْؤ ِمنًا ُّمتَ َع ِمدً ا ﴾ يه يف سورة النساء‬

‫‪4‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫وجاء يف السورة نفسها قبل هذه اْلية وبعدها قبلها بأَّيت وبعدها بأَّيت قول هللا تعاىل‪:‬‬
‫ل ِل َمن يَشَ ا مء ﴾[ النساء‪] 48 :‬‬ ‫مْشكَ ِب ِه َوي َ ْغ ِف مر َما د َ‬
‫مون َذَٰ ِ َ‬ ‫﴿ ا من اللمـ َه َل ي َ ْغ ِف مر أَن ي ْ َ‬
‫ِ‬
‫ل ِل َمن يَشَ ا مء ﴾[ النساء‪] 116 :‬‬ ‫ِب ِه َوي َ ْغ ِف مر َما د َ‬
‫مون َذَٰ ِ َ‬ ‫﴿ ا من اللمـ َه َل ي َ ْغ ِف مر أَن ي ْ َ‬
‫مْشكَ‬
‫ِ‬
‫مفن يقتل مؤمن ًا متعمد ًا جزاؤه هجَّن خادل ًا فْيا‪..‬‬
‫يقول ابن القمي‪ :‬ما مل مينع مانع؛ من أين أخذ ما مل مينع مانع؟ ‪ْ -‬لن هللا عز وجل خص الْشك فقط بأنه ل يغفر‬
‫وما دونه حتت املشيئة‪ ،‬قال‪ :‬ويغفر ما دون ذل ملن يشاء قال‪ :‬ما مل مينع مانع ومعلوم أن التوحيد مانع من اخللود‬
‫يف النار فاإذا وجد التوحيد فالتوحيد مانع من اخللود يف النار‬
‫ولهذا قال يف احلديث القديس‪ (( :‬أخرجوا من النار من قال ل اإل اإل هللا ويف قلبه أدىن مثقال ذرة من اإميان ))‬
‫قال‪ :‬ول خَلف أن الإسَلم الواقع بعد القتل طوع ًا واختيار ًا مانع من نفوذ ذل اجلزاء خشص يف اجلاهلية قبل‬
‫الإسَلم‬
‫جيب ما قبل كام قال النب عليه الصَلة والسَلم‪ ،‬ل خَلف أن الإسَلم‬ ‫قتل ث دخل يف الإسَلم‪ ،‬الإسَلم ُّ‬
‫الواقع بعد القتل طوع ًا واختيار ًا مانع من نفوذ ذل اجلزاء وهذا مثال ملا مل مينع مانع هذا مثال ل‬
‫قال‪ :‬وهل متنع توبة املسل منه بعد وقوعه‪ -‬يعين خشص قتل أخر َعد ًا ث اتب اإىل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬توبة‬
‫نصوح ًا فهل التوبة متنع منه بعد وقوعه؟‬
‫يقول‪ :‬فيه قولن للسلف واخللف وهام روايتان عن الإمام أمحد‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪َ :-‬و م َُها ِر َوايَتَ ِان َع ِن ْال َما ِم أَ ْ َمحدَ ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت َْوب َ مة الْقَاتِ ِل‬
‫َو م ِاَّل َين قَالموا‪َ :‬ل تَ ْمنَ مع التم ْوب َ مة ِم ْن ن م مفو ِذ ِه‪َ .‬رأَ ْوا أَن م مه َح يق ِْل َد ِمي ل َ ْم ي َْس تَ ْو ِف ِه ِيف د َِار ادلُّ نْ َيا َوخ ََر َج ِمنْ مه ب مِظ ََل َم ِت ِه‪ ،‬فَ ََل ب م مد‬
‫أَ ْن ي ْمس تَ ْو َف ِيف د َِار الْ َعدْ لِ ‪.‬‬
‫خرج مِنا ِبظَلمته ‪،‬اَّلين قالوا‪ :‬ل متنع التوبة من نفوذه ‪:‬يعين نفوذ هذا الوعيد‪ -‬رأوا أنه حق ْلديم مل يس توفه يف‬
‫مال ل بغي حق أو غشه يف‬ ‫دار ادلنيا‪ ،‬اْلن لحظ مجيع املعايص يعين مث ًَل خشص اغتاب أخر أو مث ًَل أخذ ً‬
‫بيع أو ظلمه أو رضبه اعتدى عليه برضب‪ ،‬هذه اْلش ياء لكها يس تطيع أن يتداركها؛ ْلنه يس تطيع أن يذهب ملن‬
‫أذاه يطلب منه السامح ويعطيه املال اإذا َكن هناك مال و يرتجاه أن يساحمه‪ ،‬اإىل أخره أمر ممكن أن يتداركه‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫وظلَمه ظلامً بأن أزهق روحه وروحه معصومة وحمرمة‪ ،‬فاإذا يريد أن يعتذر‬
‫لكن اإذا قتل خشص ًا ذهبت نفسه َ‬
‫مثل احلالت اْلوىل من رسقة أو غيها اْلمر ليس فيه َكملعايص اْلخرى أو اَّلنوب اْلخرى‬
‫ولهذا قال عبد هللا بن َعر‪ :‬اإن من أعظم الورطات أن يقتل املرء نفس ًا حمرمة‪ ،‬هذه ورطة عظةمة جد ًا‪،‬‬
‫الورطات اْلخرى متداركة بَّلهاب اإىل من أخطأ يف حقك وطلب املساحمة والعفو‪ ..‬اإىل أخره ‪،‬لكن اإذا أزهق‬
‫روحه ويأيت املقتول يوم القيامة ورأسه بي يديه يمطالب ِبقه‪ ،‬كام جاء يف احلديث عن نبينا ‪-‬صلوات هللا‬
‫وسَلمه وبرَكته عليه‪-‬‬
‫‪ ‬فاَّلين قالوا ل متنع التوبة من نفوذه رأوا أنه حق ْلديم مل يس توفه يف دار ادلنيا وخرج مِنا ِبظَلمته‪،‬خرج مظلوم‬
‫من ادلنيا بأن قمتل‪ ،‬وذاك اَّلي قتل لو يريد أن يعتذر من س يعتذر منه أزهق روحه‪ ،‬فَلبد أن ي مس توف ل يف‬
‫دار العدل‪ ،‬لبد أن ي مس توف ل حقه يف دار العدل‬
‫اَّلل ب َ ْ َي ْاس ِتي َفائِ ِه َوالْ َع ْف ِو َع ْنهم‪َ ،‬و َما ي َ ْنفَ مع الْ َم ْقتمو َل‬ ‫قَالموا‪َ :‬و َما ْاس تَ ْوفَا مه الْ َو ِار مث ان م َما ْاس تَ ْو َف َم ْح َض َح ِق ِه م ِاَّلي خ م ََي مه م م‬
‫ِ‬
‫ِم ِن ْاس ِتي َفا ِء َو ِارثِ ِه؟ َوأَ ُّي ْاس تِدْ َراك ِل مظ ََل َم ِت ِه َح َص َل ِب ْس ِتيفَا ِء َو ِارثِ ِه؟‬
‫الشا ِف ِع ِي َوأَ ْ َمحدَ‬ ‫حص ِاب م‬ ‫ص الْقَ ْول َ ْ ِي ِيف الْ َم ْسأَ َ ِةل‪ :‬أَ من َح مق الْ َم ْقتمولِ َل ي َْس مقطم ِب ْس ِتي َفا ِء الْ َو ِار ِث َو م َُها َو ْ َهج ِان ِ َْل ْ َ‬ ‫َو َه َذا أَ َ ُّ‬
‫َوغَ ْ ِي ِ َُها‪.‬‬
‫َو َرأَ ْت َطائِفَة أَن م مه ي َْس مقطم ِبلتم ْوب َ ِة َو ْاس ِتيفَا ِء الْ َو ِار ِث‪ ،‬فَا من التم ْوب َ َة هتَ ْ ِد مم َما قَ ْبلَهَا‪َ ،‬وا مَّلن مْب م ِاَّلي َجنَا مه قَدْ أُ ِق َمي عَلَ ْي ِه‬
‫ِ‬ ‫َح ُّد مه‪.‬‬
‫ص َع ْن َم ْح ِو َأثَ ِر الْ َق ْت ِل؟‬ ‫الس ْح ِر‪َ ،‬و م َُها َأع َْظ مم ا ْث ًما ِم َن الْ َق ْت ِل‪ ،‬فَكَ ْي َف تَ ْق م م‬ ‫قَالموا‪َ :‬وا َذا ََكن َِت التم ْوب َ مة تَ ْم محو َأث ََر ْال مك ْف ِر َو ِ‬
‫ِ‬
‫وه َع ْن‬ ‫َوقَدْ قَ ِب ِ َل م م‬
‫اَّلل ت َْوب َ َة ْال مكفم ِار م ِاَّل َين قَتَلموا أَ ْو ِل َي َاء مه‪َ ،‬و َج َعلَهم ْم ِم ْن ِخ َي ِار ِع َبا ِد ِه‪َ ،‬و َدعَا م ِاَّل َين أَ ْح َرقموا أَ ْو ِل َي َاء مه َوفَتَ من م ْ‬
‫اَّلل ي َ ْغ ِف مر‬
‫اَّلل ا من م َ‬ ‫رسفموا عَ َل أَنْ مف ِسهِ ْم َل تَ ْقنَ مطوا ِم ْن َر ْ َمح ِة م ِ‬ ‫ِديِنِ ِ ْم ا َىل التم ْوب َ ِة‪َ ،‬وقَا َل تَ َع َاىل‪{ :‬قم ْل ََّي ِع َبا ِد َي م ِاَّل َين أَ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫يه تَتَنَ َاو مل الْ مك ْف َر َو َما مدون َ مه‪.‬‬
‫موب َ ِمجي ًعا} [ مس َور مة ُّالز َم ِر‪ ]53 :‬فَهَ َذا ِيف َح ِق التمائِ ِب‪َ ،‬و ِ َ‬ ‫اَّلن َ‬
‫اَّلل َو َج َزائِ ِه‪.‬‬
‫رشعِ م ِ‬ ‫وب الْ َع ْبدم ِم َن ا مَّلن ِْب َوي م َعاقَ مب عَلَ ْي ِه ب َ ْعدَ التم ْوب َ ِة؟ َه َذا َم ْعلموم انْ ِتفَا مؤ مه ِيف َ ْ‬ ‫قَالموا‪َ :‬وكَ ْي َف ي َ مت م‬
‫قَالموا‪َ :‬وت َْوب َ مة َه َذا الْ مم ْذ ِن ِب ت َ ْس ِل ممي ن َ ْف ِس ِه‪َ ،‬و َل ي م ْم ِك من ت َ ْس ِلةممهَا ا َىل الْ َم ْقتمولِ ‪ ،‬فَأَقَا َم م‬
‫الش ِار مع َو ِل مي مه َمقَا َم مه َو َج َع َل ت َ ْس ِل َمي‬
‫ِ‬
‫النم ْف ِس ال َ ْي ِه َكت َ ْس ِلةمِهَا ا َىل الْ َم ْقتمولِ ‪ِ ،‬ب َم ْ ِزن َ ِةل ت َ ْس ِل ِمي الْ َمالِ م ِاَّلي عَلَ ْي ِه ِل َو ِارثِ ِه‪ ،‬فَان م مه ي َ مقو مم َمقَا َم ت َ ْس ِلةمِ ِه لِلْ مم َو ِر ِث‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعم ‪-‬يعين هذا اَّلكر ْلدةل القول الثاين يف املسأةل‪ ،‬وهو قول من رأى أنه يسقط بلتوبة‪ ،‬يسقط هذا احلق بلتوبة‬
‫واستيفاء الوارث ‪،‬الوارث ي َس تويف من القاتل‪:‬‬
‫‪ -‬اإما بدلية‪ ،‬أو بلعفو عنه فهذا يعين حق الورثة فيسقط بتسلمي القاتل نفسه‪ ،‬واستيفاء الورثة احلق منه ‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫‪ -‬وإاما أن يمقتل أو يعفو عنه بلقتل ويدفع يعين شيئ ًا ممقابل ذل‪ ،‬أو يعفون عنه لوجه هللا ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فهذا حق‬
‫للورثة ‪.‬‬
‫فاإذا سل نفسه اتئب ًا اإىل هللا ‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬قَ ِبل هللا ‪-‬عز وجل‪ -‬توبته‪ ،‬وَكن قتل يف ادلنيا قصاص ًا‪ ،‬أو أن‬
‫يمعفى من قبل الورثة عنه اإما لوجه هللا أو مبقابل يمدفع هلم‪ ،‬فاإنه يكون هبذا حقق التوبة فيسقط عنه ذل‬
‫العقاب‪ ،‬هذا قول ‪،‬‬
‫والقول اْلول قبل أيض ًا عرفناه ننظر للتحقيق اَّلي يمقرره ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف املسأةل‬
‫«قال ‪-‬رمحه هللا‪َ : -‬والتم ْح ِق ميق ِيف الْ َم ْسأَ َ ِةل أَ من الْقَ ْت َل يَتَ َعل م مق ِب ِه ثَ ََلثَ مة مح مقوق‪َ :‬ح يق ِ م َِّلل َو َح يق ِللْ َم ْقتمولِ ‪َ ،‬و َح يق لِلْ َو ِ ِل‪،‬‬
‫اَّلل‪َ ،‬وت َْوب َ ًة ن مَصو ًحا‪َ ،‬سقَطَ َح ُّق م ِ‬
‫اَّلل‬ ‫فَا َذا َس م َل الْقَاتِ مل ن َ ْف َس مه َط ْوعًا َوا ْخ ِت َي ًارا ا َىل الْ َو ِ ِل ن َ َد ًما عَ َل َما فَ َعلَ‪َ ،‬وخ َْوفًا ِم َن م ِ‬
‫ْ ِ َِِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َع ْن مه ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة َع ْن َع ْب ِد ِه‬
‫الصلْ ِح أَ ِو الْ َع ْف ِو‪َ ،‬وب َ ِق َي َح ُّق الْ َم ْق متولِ يم َع ِوضم مه م م‬
‫ِبلتم ْوب َ ِة‪َ ،‬و َح ُّق ال َو ِ ِل ِبل ْستيفاء أ ِو ُّ‬
‫التمائِ ِب الْ مم ْح ِس ِن‪َ ،‬وي م ْص ِل مح بَيْنَ مه َوبَيْنَهم‪ ،‬فَ ََل ي َ ْب مط مل َح ُّق َه َذا‪َ ،‬و َل تَ ْب مط مل ت َْوب َ مة َه َذا‪.».‬‬
‫هذا الكم عظمي جد ًا يف حتقيق هذه املسأةل وأن من قتل يرتتب عل هذه اجلرمية ثَلثة حقوق ‪:‬‬
‫حق هلل رب العاملي ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ ، -‬ومن صدق مع هللا يف التوبة النصوح قبل هللا توبته أ ًَّّي َكن ذنبه حىت‬ ‫ي‬
‫ون النم ْف َس‬ ‫اَّلل الَ َٰـهًا أخ ََر َو َل ي َ ْق متلم َ‬ ‫القتل؛ ْلن القتل جاء يف سورة الفرقان قول هللا تعاىل ‪َ ﴿:‬و م ِاَّل َين َل يَدْ ع َ‬
‫مون َم َع م ِ‬
‫ِ‬
‫مون َو َمن ي َ ْف َع ْل َذَٰ ِ َل يَلْ َق أَ َاث ًما ﴿‪ ﴾68‬يمضَ ا َع ْف َ مل الْ َع َذ ماب ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة َو َ َْي م ُْل ِفي ِه‬ ‫اَّلل ا مل ِبلْ َح ِق َو َل يَ ْ نز َ‬
‫ال م ِِت َح مر َم م م‬
‫ِ‬
‫اَّلل غَ مف ًورا مر ِحةمًا ﴾‬ ‫ات َو ََك َن م م‬ ‫ممهَانً ﴿‪ ﴾69‬ا مل َمن اتَ َب َوأ َم َن َو َ َِع َل َ ََع ًَل َصا ِل ًحا فَأُولَ َٰـ ِئ َك ي م َب ِد مل م م‬
‫اَّلل َس ِيئَاهتِ ِ ْم َح َس نَ ٍۗ‬
‫[ الفرقان‪] 70 –ِ 68 :‬‬

‫مفن صدق مع هللا يف التوبة أ ًَّّي َكن جرمه إان َكنت التوبة صادقة‪ ،‬توبة نصوحة فاإن هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يقبل‬
‫توبته ‪.‬‬
‫اختيارا اإىل الول ندم ًا‬
‫ولهذا يقول املصنف فامي يتعلق ِبق هللا أول احلقوق ‪:‬اإذا جاء القاتل وسل نفسه طوعا و ً‬
‫عل ما فعل وخوف ًا من هللا وتوبة نصوح سقط حق هللا بلتوبة‬
‫يبقى احلق الثاين ْلولياء املقتول ‪:‬‬
‫حفق اْلولياء ه فيه بي ‪ -‬الاستيفاء؛ وهو القصاص‪،‬‬
‫‪ -‬أو الصلح؛ يصطلحون عل يشء يكون هلم‪،‬‬
‫‪ -‬أو يعفون عنه لوجه هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫فيسقط حقهم بأحد هذه اْلمور الثَلثة‬
‫يبقى حق املقتول ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫يقول ابن القمي ‪:‬اإذا اجمتعت هذه اْلش ياء وصدق املرء مع هللا‪ ،‬وَكن فع ًَل توبته صادقة‪ ،‬وأصلح من نفسه‪ ،‬مثلام‬
‫يف اْلية الكرمية اإميان وصَلح وتقوى وندم وإاقبال عل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪. -‬‬
‫اإذا َكن هبذه احلال يعوض هللا املقتول يوم القيامة عن عبده التائب احملسن ‪.‬‬
‫وهذا فضل هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬ويصلح بينه وبينه فَل يضيع حق املقتول ول يبطل أيض ًا حق القاتل‪ ،‬ونصحه‬
‫وصدقه مع هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يف التوبة‪.‬‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا‪َ : -‬وأَ مما َم ْسأَ َ مةل الْ َمالِ ‪ :‬فَقَ ِد ا ْخ مت ِل َف ِفْيَا‪ ،‬فَقَال َ ْت َطائِفَة‪ :‬ا َذا أَدمى َما عَلَ ْي ِه ِم َن الْ َمالِ ا َىل الْ َو ِار ِث بَ ِر َئ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِم ْن معهْدَ تِ ِه ِيف ْاْل ِخ َر ِة‪ََ َ ،‬ك بَ ِر َئ ِمِنْ َا ِيف ادلُّ نْ َيا‪.‬‬
‫َوقَال َ ْت َطائِفَة‪ :‬ب َ ِل الْ مم َطال َ َب مة ِل َم ْن َظلَ َم مه ِبأَ ْخ ِذ ِه َب ِقيَة عَلَ ْي ِه ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة‪َ ،‬وه َمو ل َ ْم ي َْس تَدْ ِركْ ِظ ََل َمتَ مه ِبأَ ْخ ِذ َو ِارثِ ِه َلم‪ ،‬فَان م مه‬
‫ات َول َ ْم يَنْتَ ِف ْع ِب ِه‪َ ،‬و َه َذا مظ ْل ل َ ْم ي َْس تَدْ ِر ْكهم‪َ ،‬وان م َما يَنْتَ ِف مع ِب ِه غَ ْ مي مه ِب ْس تِدْ َرا ِك ِه ِ‪،‬‬ ‫َمنَ َع مه ِم ِن انْ ِتفَا ِع ِه ِب ِه ِيف مطولِ َحيَا ِت ِه‪َ ،‬و َم َ‬
‫َوبَنَ ْوا عَ َل َه َذا أَن م مه ل َ ِو انْ َتقَ َل ِم ْن َوا ِحد ا َىل َوا ِحد‪َ ،‬وتَ َع مد َد الْ َو َرثَ مة‪ََ ،‬كن َِت الْ مم َطا ِل َب مة ِللْ َج ِِميعِ؛ ِ َْلن م مه َح يق ََك َن َجي مِب عَلَ ْي ِه‬
‫حص ِاب َم ِال َوأَ ْ َمحدَ ‪.‬‬ ‫لك َوا ِحد ِمِنْ م ْم ِع ْندَ كَ ْوِن ِه ه َمو ِ الْ َو ِار َث‪َ ،‬و َه َذا قَ ْو مل َطائِفَة ِم ْن أَ ْ َ‬ ‫َدفْ مع مه ا َىل م ِ‬
‫ِ‬
‫وث ِم ْن َأ ْخ ِذ َم ِ ِال َوالْ مم َطالَ َب ِة ِب ِه فَ َ ْل يَأْخ ْمذ مه َح مىت‬ ‫الطا ِئفَتَ ْ ِي‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬ا ْن تَ َمكم َن الْ َم ْو مر م‬ ‫َوفَ َص َل َش ْي مخنَا ‪ -‬رمحه هللا ‪ -‬ب َ ْ َي م‬
‫ِ‬
‫يه كَ َذ ِ َل ِيف ادلُّ نْ َيا‪َ ،‬وا ْن ل َ ْم ي َ َت َمكم ْن ِم ْن َطلَ ِب ِه َوأَ ْخ ِذ ِه‪ ،‬ب َ ْل َحا َل‬ ‫ات‪َ ،‬ص َار ِت الْ مم َطالَ َب مة ِب ِه ِللْ َو ِار ِث ِيف ْاْل ِخ َر ِة‪ََ َ ،‬ك ِ َ‬ ‫َم َ‬
‫ِ‬ ‫الطلَ مب َ مل ِيف ْاْل ِخ َر ِة‪.‬‬ ‫بَيْنَ مه َوبَيْنَ مه مظلْ ًما َوعمدْ َوانً ‪ ،‬فَ م‬
‫وث‪َ ،‬وتَ َع مذ َر أَخ مْذ مه ِمنْهم‪َ ،‬ص َار ِب َم ْ ِزن َ ِةل‬ ‫الظا ِل مم عَ َل الْ َم ْو مر ِ‬ ‫َو َه َذا التم ْف ِصي مل ِم ْن أَ ْح َس ِن َما يمقَا مل‪ ،‬فَا من الْ َما َل ا َذا ْاس هتَ ْلَكَ مه م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رشب َ مه غَ ْ مي مه‪َ ،‬و ِمثْ مل َه َذا ان م َما تَلَ َف عَ َل‬ ‫رشا ِب ِه م ِاَّلي َأ َلكَ مه َو َ ِ‬‫َع ْب ِد ِه م ِاَّلي قَتَ َ مل قَا ِتل‪َ ،‬ود َِار ِه ال م ِِت أَ ْح َرقَهَا غَ ْ مي مه‪َ ،‬و َط َعا ِم ِه َو َ َ‬
‫ِ‬
‫وث َل عَ َل الْ َو ِار ِث‪ ،‬فَ َح ُّق الْ مم َطال َ َب ِة ِل َم ْن تَلَ َف عَ َل ملْ ِك ِه‪َ .‬وي َ ْبقَى أَ ْن يمقَا َل‪ :‬فَا َذا ََك َن الْ َما مل َعقَ ًارا أَ ْو أَ ْرضً ا أَ ْو‬ ‫الْ َم ْو مر ِ‬
‫لك َو ْقت‬ ‫ل الْ َو ِار ِث َجي مِب عَ َل الْغ َِاص ِب َدفْ معهَا الَ ْي ِه م ِم‬ ‫أَ ْع َيانً قَائِ َم ًة َب ِقيَ ًة ب َ ْعدَ الْ َم ْو ِت فَه َِيي ِم ْ م‬
‫ِ‬
‫هذه ختتلف عن الصورة اْلوىل ‪،‬يعين الصورة اْلوىل يشء اس هتلكه‪ ،‬يعين اإن َكن شيئا يمؤلك‪ ،‬أو أش ياء من‬
‫يبق لها عي‪ ،‬لكن اإذا َكنت هناك أعيا ًن قامئة‪ ،‬وبقية فالصورة أخرى كام يفصل ‪-‬رمحه‬
‫هذا القبيل اس هتلكها ومل َ‬
‫هللا تعاىل‪-‬‬
‫«‪ ،‬فَا َذا ل َ ْم يَدْ فَ ْع ال َ ْي ِه أَ ْع َي َان َم ِ ِال ْاس تَ َح مق الْ مم َطال َ َب َة هبِ َا ِع ْندَ م ِ‬
‫اَّلل تَ َع َاىل‪ََ َ ،‬ك ي َْس تَ ِح ُّق الْ مم َطالَ َب َة هبِ َا ِيف ادلُّ نْ َيا‪َ .‬و َه َذا‬
‫مس َؤ ِال قَ ِو يي َل َم ِْخلَ َص ِمنْ مه ا مل ِبأَ ْن يمقَا َل‪ :‬الْ مم َطا ِل َب مة لَهم َما َ ِمجي ًعا‪ََ َ ،‬ك ل َ ْو غَ َص َب َم ًال مم ْش َ َرت ًَك ب َ ْ َي َ َمجاعَة؛ ْاس َت َح مق م ي‬
‫لك‬
‫ِ‬
‫ون م ِلكهِ ْم ِمنْهم‪ََ ،‬كن َِت‬ ‫ِمِنْ م مم الْ مم َطالَ َب َة ِل َح ِق ِه ِمنْهم‪ََ َ ،‬ك ل َ ِو ْاس تَ ْو َىل عَ َل َو ْقف مم َرت مب عَ َل ب م مطون‪ ،‬فَأَبْ َط َل َح مق الْ مب مط ِ‬
‫الْ مم َطالَ َب مة ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ِل َج ِمي ِعهِ ْم‪َ ،‬ول َ ْم يَ مك ْن ب َ ْعضم هم ْم أَ ْو َىل هبِ َا ِم ْن ب َ ْعض‪َ ،‬و م م‬
‫اَّلل أَعْ َ مل‪».‬‬

‫‪8‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫هذا عندما يكون الظل اَّلي حصل بلعتداء عل املال ت َرضر منه املو ِرث يف حياته‪ ،‬وتَرضر منه الورثة أيض ًا‬
‫بعد وفاته‪ ،‬بعد وفاة مورهثم‪ ،‬فاملطالبة من امجليع( الوارث‪ ،‬املو ِرث يطالب ِبقه يوم القيامة‪ ،‬والورثة أيض ًا‬
‫يطالبون ِبقهم يوم القيامة)‪.‬‬
‫«قال ‪--‬رمحه هللا‪ -‬تعاىل‪[ -‬فَ ْصل َج ِرمي َ مة الْقَ ْت ِل]‬
‫رسائِي َل أَن م مه َم ْن قَتَ َل ن َ ْف ًسا‬‫اَّلل تَ َع َاىل‪ِ { :‬م ْن أَ ْج ِل َذ ِ َل كَتَبْنَا عَ َل ب َ ِين ا ْ َ‬ ‫َول َ مما ََكن َْت َم ْف َسدَ مة الْقَ ْت ِل َه ِذ ِه الْ َم ْف َسدَ ةَ‪ ،‬قَا َل م م‬
‫مجي ًعا} [ مس َور مة الْ َمائِ َد ِة‪. ]32 :‬‬ ‫ِبغ ْ َِي ن َ ْفس أَ ْو فَ َساد ِيف ْ َاْل ْر ِض فَ ََكَن م َما قَتَ َل النم َاس َ ِمجي ًعا َو َم ْن أَ ْحيَاهَا فَ ََكَن م َما َأ ْح َيا النم َاس ِ َ ِ‬
‫لك فَهْ مم َه َذا عَ َل كَ ِثي ِم َن النم ِاس‪َ ،‬وقَا َل‪َ :‬م ْعلموم أَ من ا ْ َث قَاتِ ِل ِمائَة أَع َْظ مم ِع ْندَ م ِ‬
‫اَّلل ِم ْن ا ْ ِث قَاتِ ِل ن َ ْفس‬ ‫َوقَدْ أَ ْش َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ِحدَة‪َ ،‬وان م َما أَت َْو مه ِم ْن َظ ِ ِِن ْم أَ من الت م ْشبِي َه ِيف ِم ْقدَ ِار ْال ْ ِث َوالْ مع مقوب َ ِة‪َ ،‬والل م ْفظم لَ ْم يَدم مل عَ َل َه َذا‪َ ،‬و َل يَلْ َز مم ِم ْن ت َ ْشبِي ِه‬
‫ِ‬
‫الَّش ِء ِب ِ م ْ‬
‫لَّش ِء أَخ مْذ مه ِ َِب ِميع ِ أَ ْح َاك ِم ِه‪.‬‬ ‫مْ‬
‫ُضاهَا} [ مس َور مة النما ِزعَ ِات‪. ]46 :‬‬ ‫َوقَدْ قَا َل تَ َع َاىل‪ََ َ { :‬كهنم م ْم ي َ ْو َم يَ َر ْوهنَ َا ل َ ْم يَلْ َبثموا ا مل ع َِش يم ًة َأ ْو م َ‬
‫ِ‬
‫ون ل َ ْم يَلْ َبثموا ا مل َساعَ ًة ِم ْن هنَ َار} [ مس َور مة ْ َاْل ْحقَ ِاف‪. ]35 :‬‬ ‫َوقَا َل تَ َع َاىل‪ََ َ { :‬كهنم م ْم ي َ ْو َم يَ َر ْو َن َما يموعَدم َ‬
‫ِ‬
‫وج مب أَ من لم ْبَثَ م ْم ِيف ادلُّ نْ َيا ان م َما ََك َن َه َذا الْ ِم ْقدَ َار‪.‬‬ ‫َو َذ ِ َل َل ي م ِ‬
‫ِ‬
‫َوقَدْ قَا َل النم ِ ُّب ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬م ْن َص مل الْ ِعشَ َاء ِيف َ َمجاعَة فَ ََكَن م َما قَا َم ِن ْص َف الل م ْي ِل‪َ ،‬و َم ْن َص مل الْ َف ْج َر ِيف َ َمجاعَة‬
‫ْص مح ِم ْن َه َذا قَ ْو م مل‪َ « :‬م ْن َصا َم َر َمضَ َان َوأَتْ َب َع مه‬ ‫فَ ََكَن م َما قَا َم الل م ْي َل ملكم مه» ‪ ،‬أَ ْي‪َ :‬م َع الْ ِعشَ ا ِء َ ََك َج َاء ِيف لَ ْفظ أخ ََر‪َ ،‬وأَ ْ َ‬
‫ب ِِست ِم ْن َش موال فَ ََكَن م َما َصا َم ادلم ه َْر» ‪َ ،‬وقَ ْو م مل ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬م ْن قَ َرأَ " {قم ْل ه َمو م م‬
‫اَّلل أَ َحد} " فَ ََكَن م َما قَ َرأَ ثملم َث‬
‫الْ مق ْرأ ِن» »‬
‫هذا الفصل يمؤجل اإىل لقاء الغد بإذن هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫نسأل هللا الكرمي أن ينفعنا أمجعي‪ ،‬وأن يوفقنا للك خي اإنه ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬مسيع قريب جميب‬
‫وقبل أن خنمت هذه الليةل السابعة والعْشين من ليال رمضان املباركة‪ ،‬يه من الليال الِت حتري فْيا ليةل القدر‬
‫أحرى من غيها من الليال‪ ،‬وبعض أهل العل جيزم بذل لكن اجلزم حمل نظر‪ ،‬لكِنا من الليال الِت يعظم فيه‬
‫التحري لهذه الليةل العظةمة الِت يه خي من ألف شهر‬
‫وعل لك ينبغي أن يكون التحري يف الليال لكها‪ ،‬لكننا عندما نسمع الكم ْلهل العل يف مثل ليةل ثَلث‬
‫وعْشين‪ ،‬أو يف ليةل مخس وعْشين‪ ،‬أو يف ليةل س بع وعْشين‪ ،‬وَّنن يف الليةل نفسها يزيد يف نشاطنا فْيا‪ ،‬ول‬

‫‪9‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الربعون‬

‫يعطلنا عن غيها من الليال‪ْ ،‬لن النب ‪ -‬ﷺ أرشدن اإىل حترهيا يف العْش اْلواخر‪ ،‬ويه يف اْلواتر مِنا‬
‫أحرى‪ ،‬لكن التحري يكون يف العْش لكها‬
‫فنسأل هللا الكرمي رب العرش العظمي بأسامئه احلس ىن‪ ،‬وصفاته العليا أن يغمننا برَكت ليةل القدر‪ ،‬وأن يوفقنا‬
‫حلسن قياهما‪ ،‬وذكر هللا فْيا‪ ،‬وأن يمعيننا فْيا ويف لك ليةل ويوم عل ذكره وشكره وحسن عبادته‪.‬‬
‫س بحانك اللهم وِبمدك أشهد أن ل اإل اإل أنت أس تغفرك وأتوب اإليك‬
‫صل وسل عل عبدك ورسول نبينا محمد وأل وحصبه أمجعي‬
‫اللهم ِ‬

‫اضغط عل الرابط لَلشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪10‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫قال الإمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬تعاىل يف كتابه ادلاء وادلواء‪[ ,‬فَ ْصل َج ِرميَة الْقَ ْت ِل]‬
‫َول َ َّما ََكن َْت َم ْف َسدَة الْقَ ْت ِل َه ِذ ِه الْ َم ْف َسدَ ةَ‪ ،‬قَا َل َّاّلل تَ َع َاىل‪ِ { :‬م ْن أَ ْج ِل َذ ِ َل كَ َتبْنَا عَ َل ب َ ِن ا ْ َ‬
‫ْسائِي َل أَن َّه َم ْن قَتَ َل‬
‫َجي ًعا} [س َورة الْ َمائِ َد ِة‪:‬‬ ‫ن َ ْف ًسا ِبغ ْ َِي ن َ ْفس أَ ْو فَ َساد ِيف ْ َاْل ْر ِض فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا َو َم ْن أَ ْحيَاهَا فَ ََكَن َّ َما أَ ْح َيا ال ِنَّ َاس َ ِ‬
‫‪. ]32‬‬
‫ك فَهْم َه َذا عَ َل كَ ِثي ِم َن النَّ ِاس‪َ ،‬وقَالوا‪َ :‬م ْعلوم أَ َّن ا ْ َث قَاتِ ِل ِمائَة أَع َْظم ِع ْندَ َّ ِ‬
‫اّلل ِم ْن ا ْ ِث قَاتِ ِل ن َ ْفس‬ ‫َوقَدْ أَ ْش َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ِحدَة‪َ ،‬وان َّ َما أَت َْوه ِم ْن َظ ِ ِّن ْم أَ َّن الت َّ ْشبِي َه ِيف ِم ْقدَ ِار ْال ْ ِث َوالْعقوب َ ِة‪َ ،‬والل َّ ْفظ لَ ْم يَد َّل عَ َل َه َذا‪َ ،‬و َل يَلْ َزم ِم ْن ت َ ْشبِي ِه‬
‫ِ‬ ‫لَّش ِء أَخْذه ِ َِب ِميع ِ أَ ْح ََك ِم ِه‪.‬‬‫الَّش ِء ِِب ِ َّ ْ‬
‫َّ ْ‬
‫ات‪. ]46 :‬‬ ‫ُضاهَا} [س َورة النَّا ِزع َ ِ‬ ‫َوقَدْ قَا َل تَ َع َاىل‪ََ َ { :‬كَّنَّ ْم ي َ ْو َم يَ َر ْوَّنَ َا ل َ ْم يَلْ َبثوا ا َّل ع َِش يَّ ًة أَ ْو َ‬
‫ِ‬
‫َوقَا َل تَ َع َاىل‪ََ َ { :‬كَّنَّ ْم ي َ ْو َم يَ َر ْو َن َما يوعَدو َن ل َ ْم يَلْ َبثوا ا َّل َساعَ ًة ِم ْن َّنَ َار} [س َورة ْ َاْل ْحقَ ِاف‪. ]35 :‬‬
‫ِ‬
‫وجب أَ َّن ل ْبَثَ ْم ِيف ادلُّ نْ َيا ان َّ َما ََك َن َه َذا الْ ِم ْقدَ َار‪.‬‬ ‫َو َذ ِ َل َل ي ِ‬
‫ِ‬

‫امحلد هلل رب العاملني وأشهد أن ل إاهل إالِ هللا وحده ل رشيك هل وأشهد أن محمد ًا عبده ورسوهل صل هللا‬
‫وسمل وِبرك عليه وعل أهل وحصبه أَجعني‪...‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا مبا علمتنا وزدان علمً وأصلح لنا شأننا‬
‫لكه ول تلكنا اإىل أنفس نا طرفة عني‪ ،‬أما بعد‪,‬‬
‫أورد ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬يف هذا الفصل اإشَك ًل يف فهم معىن أية من كتاب هللا عز وجل يف الباب اذلي س بق يف‬
‫الفصل اذلي قبهل أن حتدث عنه وهو ِبب القتل وأنه من أكرب الكبائر وأعظم اذلنوب فأورد قول هللا عز‬
‫وجل فمين قتل نفس ًا واحدة قال‪ ﴿ :‬فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا ﴾ [ املائدة‪ ]٣٢ :‬وقال ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬تعاىل‪ " :‬اإن فهم‬
‫هذا أشك عل كثي من الناس "‪.‬‬
‫قال‪ ﴿ :‬فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا ﴾ ومن املعلوم أن من قتل نفس ًا واحدة ليس مكن قتل مائة نفس‪ ,‬فكيف‬
‫يكون من قتل نفس ًا واحدة َكمنا قتل الناس َجيع ًا؟‬
‫قال هذا أشك عل كثي من الناس‪ ,‬ث قال‪ :‬وأتوا من فهمهم اخلاطئ من هذه اْلية؛ ْلن التشبيه " فَكمنا "‬
‫قتل الناس َجيع ًا ل يلزم منه املشاهبة من لك وجه وإامنا يف أصل العقوبة ولهذا س يأيت عند ابن القمي ‪-‬رمحه هللا‬
‫‪ -‬ذكر وجه ش به بني من قتل نفس ًا أو قتل أنفس ًا كثية هناك وجه ش به وقامس مشرتك بيّنم‪ ,‬لكن ل يلزم من‬
‫قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا ﴾ فاملشاهبة يف أصل العقوبة ل يف صفهتا‬
‫‪1‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫معلوم أن صفة عقوبة من قتل مائة نفس أعظم من صفة عقوبة من قتل نفس ًا واحدة لكن هللا عز وجل ملا‬
‫قال‪ ﴿ :‬فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا ﴾ وهو قاتل لنفس واحدة قال ‪:‬من قتل نفس ًا ‪:‬يعن واحدة بغي نفس فَكمنا‬
‫قتل الناس َجيع ًا ‪:‬هذا اذلي قتل نفس ًا واحدة هو بقتهل لنفس واحدة استباح جنس قتل املعصوم ومل يكن‬
‫عنده مانع مينعه من قتل نفس معصومة‪ ,‬فصار رشيَكً يف قتل لك نفس مثهل قول هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪﴿ :-‬‬
‫كَ َّذب َ ْت قَ ْوم نوح الْم ْر َس ِل َني﴾ [الشعراء ‪ ]105 :‬قوم نوح من كذبوا؟‪ -‬نوح وحده ‪ ,‬لكن ملا كذبوا رسو ًل وبلغوا هذا‬
‫املبلغ تكذيب الرسول فَكمنا كذبوا َجيع الرسل ومه اإمنا كذبوا رسوهلم نوح ‪ -‬عليه السالم‪ -‬لكن وصفهم هللا‬
‫بقوهل‪ ﴿ :‬كَ َّذب َ ْت قَ ْوم نوح الْم ْر َس ِل َني﴾ ومه اإمنا كذبوا نوح ًا وحده لكن ملا َكنت دعوة اْلنبياء واحدة وتكذيب‬
‫واحد مّنم كتكذبهيم لكهم؛ ْلَّنم لكهم رسل هللا ولكهم مبلغون عن هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪-‬‬
‫فاحلاصل أن املصنف ملا أورد الإشَكل قال‪ :‬وإامنا أتوا من ظّنم أن التشبيه يف مقدار الإث والعقوبة‪ ،‬التشبيه‬
‫ليس يف مقدار الإث والعقوبة وإامنا يف أصل العقوبة يف أصلها وليس يف وصفها (يف أصلها وليس يف مقدارها)‬
‫قال‪ :‬واللفظ مل يدل عل هذا وذكر ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬ذلل نظائر يأيت فهيا مثل هذا التشبيه فيقول ‪-‬رمحه هللا ‪ :-‬ول‬
‫يلزم من تشبيه الَّشء ِبلَّشء أخذه ِبميع أحَكمه فال يلزم من قوهل‪﴿:‬فَ ََكَن َّ َما قَتَ َل النَّ َاس َ َِجي ًعا﴾ أخذه ِبميع‬
‫أحَكم من قتل الناس َجيع ًا لكن مثة وجه ش به وس يفصل فيه ابن القمي ‪-‬رمحه هللا تعاىل‪ -‬ذكر نظائر مّنا‪﴿:‬‬
‫ُضاهَا﴾ َكَّنم مل يلبثوا اإل عش ية ‪,‬ويف‬ ‫َ ََكَّنَّ ْم ي َ ْو َم يَ َر ْوَّنَ َا ل َ ْم يَلْ َبثوا﴾ [النازعات ‪ ]46 :‬أي يف ادلنيا ﴿ ا َّل ع َِش يَّ ًة أَ ْو َ‬
‫ِ‬
‫اْلية اْلخرى قال‪ََ َ ﴿ :‬كَّنَّ ْم ي َ ْو َم ي َ َر ْو َن َما يوعَدو َن ل َ ْم يَلْ َبثوا ا َّل َساعَ ًة ِمن َّنَّ َار﴾ [ اْلحقاف ‪]35 :‬‬
‫ِ‬
‫فهل يوجب ذل أَّنم مل يلبثوا يف ادلنيا اإل هذا املقدار ساعة من الّنار مّنم من عاش مائة س نة ومّنم من‬
‫عاش س بعني س نة لكن ل ِقرص هذه املدة ومرورها املرور الرسيع أيض ًا مقارنة بزمن اْلخرة املمتد وأن اْلخرة يه‬
‫احليوان ‪,‬فهذا املكث اذلي يف ادلنيا َكمنا هو ساعة من َّنار فهل يلزم من تشبهيه ِبلساعة من الّنار أن يكون‬
‫هبذا املقدار! فالتشبيه ل يلزم منه املشاهبة من لك وجه‪.‬‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪َ :-‬وقَدْ قَا َل النَّ ِ ُّب ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬م ْن َص َّل الْ ِعشَ َاء ِيف َ ََجاعَة فَ ََكَن َّ َما قَا َم ِن ْص َف الل َّ ْي ِل‪َ ،‬و َم ْن َص َّل‬
‫ْصح ِم ْن َه َذا قَ ْوهل‪َ « :‬م ْن َصا َم‬ ‫الْ َف ْج َر ِيف َ ََجاعَة فَ ََكَن َّ َما قَا َم الل َّ ْي َل لكَّه» ‪ ،‬أَ ْي‪َ :‬م َع الْ ِعشَ ا ِء َ ََك َج َاء ِيف لَ ْفظ أخ ََر‪َ ،‬وأَ ْ َ‬
‫َر َمضَ َان َوأَتْ َب َعه ب ِِستِ ِم ْن َش َّوال فَ َ ََكن َّ َما َصا َم ادلَّ ه َْر» ‪َ ،‬وقَ ْوهل ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬م ْن قَ َرأَ " {ق ْل ه َو َّاّلل أَ َحد} "‬
‫فَ ََكَن َّ َما قَ َرأَ ثل َث الْق ْرأ ِن» »‬
‫َو َم ْعلوم أَ َّن ثَ َو َاب فَا ِع ِل َه ِذ ِه ْ َاْل ْش َي َاء ل َ ْم ي َ ْبل ْغ ثَ َو َاب الْم َش َّب ِه ِب ِه‪ ،‬فَ َيكون قَدْ ر َُها َس َو ًاء‪َ ،‬ول َ ْو ََك َن قَدْ ر الث ََّو ِاب‬
‫َس َو ًاء لَ ْم يَك ْن ِلم َص ِّل الْ ِعشَ ا ِء َوالْفَ ْج ِر َ ََجاعَ ًة ِيف ِقيَا ِم الل َّ ْي ِل َمنْ َف َعة غَ ْي التَّ َع ِب َوالنَّ َص ِب‪َ ،‬و َما أُ ِ َ‬
‫ويت أَ َحد ‪ -‬ب َ ْعدَ‬
‫اّلل ي ْؤتِي ِه َم ْن يَشَ اء‪.‬‬ ‫وهل‪ ،‬ﷺ‪َ .‬و َذ ِ َل فَضْ ل َّ ِ‬ ‫اّلل َو َرس ِ ِ‬ ‫ْالمي َ ِان ‪ -‬أَفْضَ َل ِم َن الْ َفهْ ِم َع ِن َّ ِ‬
‫ِ‬

‫‪2‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫ذكر ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬مثا ًل أخر قول النب ﷺ من صل العشاء يف جمعة فَكمنا قام نصف الليل ومن صل‬
‫الفجر يف جمعة‪.‬فَكمنا قام الليل لكه»‪ ،‬أي مع العشاء كم جاء يف لفظ أخر‬
‫واللفظ اْلخر يف مس ند الإمام أمحد لفظه ‪ « :‬من صل صالة العشاء والصبح يف جمعة فَكمنا قيام ليةل»‪،‬‬
‫وهذا يفرس هذه الرواية؛ ْلن بعض الناس يفهم أن من صل العشاء بنصف ليةل‪ ،‬ومن صل الفجر فَكمنا أحيا‬
‫الليل لكه هذه ليةل ونصف‪ -‬هكذا يفهم البعض والصواب‪ -‬أن الفجر مع العشاء من أدى الفجر والعشاء الكهم‬
‫يف جمعة فَكمنا قام الليل لكه‪ ,‬لكن هل يلزم من قوهل فَكمنا قام الليل لكه أن يكون اذلي صل الفجر يف‬
‫جمعة‪ ،‬والعشاء يف جمعة مثل اذلي قام وأحيا ثلث الليل صال ًة وقيام ًا وذكر ًا‪ -‬أيكونون يف اْلجر سو ًاء‪-‬؟‪-‬‬
‫هذا ل يقال‪ ،‬لكن هذا فيه فضل صالة العشاء وصالة الفجر يف جمعة‪ ،‬وأن من أدى ذل فَكمنا أحيا الليل‬
‫لكه ‪.‬‬
‫جزء من الليل أثواهبم واحد؟‬ ‫لكن من صل الفجر يف جمعة‪ ،‬والعشاء يف جمعة‪ ،‬وأحيا ً‬
‫اإن قيل ثواهبم واحد مل يبق حاجة أص ًال؛ ْلن يقوم املرء شيئ ًا من الليل‪،‬‬
‫وإاذا قال قائل هذا هو املراد ِبحلديث فيكون َكنه فهم من النب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬أنه ل حاجة اإىل قيام الليل‪ ،‬وهذا‬
‫ل يقوهل أحد‬
‫‪ ‬لكن مقصد هذا احلديث احلث عل احملافظة عل العشاء والفجر يف جمعة‪ ،‬وأن من فعل ذل فَكمنا أحيا‬
‫الليل لكه ‪,‬لكن من صل الفجر يف جمعة‪ ،‬والعشاء يف جمعة‪ ،‬وأحيا قدر ًا من الليل ل يدل هذا احلديث أن‬
‫قدر ثواهبم سو ًاء‬
‫ول يقول قائل النب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قال ‪ « :‬فَكمنا أحيا الليل لكه» فقدرهم يف الثواب سو ًاء ل يقال ذل‪ ،‬فاإن‬
‫احلديث ل يلزم منه ذل ‪،‬‬
‫وأْصح من هذا قوهل ‪« :‬من صام رمضان وأتبعه بست من شوال»‪ ،‬هذه س تة وثالثون يوم ًا «فَكمنا صام‬
‫ادلهر»‪ ،‬فهل من صام رمضان وأتبعه س ت ًا من شوال صام ادلهر لكه أداء ؟‬
‫فَكمنا صام ادلهر يعن هل هذا الثواب‪ ،‬لكن من صام رمضان وس ت ًا من شوال‪ ،‬وصام البيض‪ ،‬وصام‬
‫عاشوراء‪ ،‬وصام النوافل اْلخرى ل يكون أجره ومن اقترص عل رمضان وست من شوال سو ًاء‪ ،‬بل ِبب‬
‫الثواب راجع اإىل العمل وصالح النية يف العمل‬
‫قال ‪ :‬ومثهل قوهل ‪ -‬ﷺ ‪ « : -‬من قرأ قل هو هللا أحد فَكمنا قرأ ثلث القرأن»‪ ،‬ومعلوم أن ثواب فاعل هذه‬
‫اْلش ياء مل يبلغ ثواب املش به به ‪-‬يعن مل يبلغ ثواب املش به مبن أحيا الليل‪ ،‬أو مبن صام ادلهر‪ ،‬أو مبن قرأ‬
‫القرأن لكه‪ ،‬مل يبلغ ثواب املش به به فيكون قدرهم سو ًاء ‪ -‬هذا ل يقال!!‬

‫‪3‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫ولو َكن قدر الثواب سو ًاء مل يكن ملصّل العشاء والفجر جمعة يف قيام الليل منفعة غي التعب والنصب‪،‬‬
‫وهذا ل يقوهل أحد‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪ : -‬وما أويت أحد بعد الإميان أفضل من الفهم عن هللا ورسوهل ‪ -‬ﷺ ‪ ،-‬وذل فضل هللا‬
‫يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظمي‪.‬‬

‫َشء َوقَ َع الت َّ ْشبِيه ب َ ْ َني قَاتِ ِل ن َ ْفس َوا ِحدَة َوقَاتِ ِل النَّ ِاس َ َِجي ًعا؟‬
‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪ : -‬فَا ْن ِقيلَ‪ :‬فَ ِفي أَ ِي َ ْ‬
‫ِ‬
‫ملا دفع ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬الإشَكل ِبْلمثةل أخذ يوحض ما هو التشابه اذلي بني من قتل نفس ًا واحدة‪ ،‬وقاتل الناس َجيع ًا ‪.‬‬
‫ِقيلَ‪ِ :‬يف وجوه متَ َع ِددَة‪:‬‬
‫لك ِمّنْ َما قَدْ َِب َء ِبغَضَ ب‬ ‫وهل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬مخَا ِلف ِ َْل ْم ِر ِه متَ َع ِرض ِلعقوبَتِ ِه‪َ ،‬و ٌّ‬ ‫أَ َحدهَا‪ :‬أَ َّن االك ِمّنْ َما عَاص ِ َّ ِّلل َو َرس ِ ِ‬
‫ات الْ َع َذ ِاب‪،‬‬‫اّلل َولَ ْعنَتِ ِه‪َ ،‬و ْاس ِت ْحقَ ِاق الْخلو ِد ِيف انَ ِر َ ََجَّنَّ َ‪َ ،‬واعْدَ ا ِد ِه عَ َذ ًاِب َع ِظميًا‪َ ،‬وان َّ َما التَّ َفاوت ِيف د ََر َج ِ‬ ‫ِم َن َّ ِ‬
‫فَلَيْ َس ا ْث َم ْن قَتَ َل ن َ ِبياا أَ ْو ا َما ًما عَا ِد ًل أَ ْو عَا ِل ًما يَأْمر ِالنَّ َاس ِِبلْ ِق ْسطِ‪ََ ،‬ك ْ ِث َِم ْن قَتَ َل َم ْن َل َم ِزي َّ َة َهل ِم ْن أ َحا ِد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫النَّاس‪.‬‬
‫هذا الوجه اْلول ‪ :‬أَّنم اشرتَك يف معصية اليت يه معصية القتل ‪.‬فالكهم عاص هلل ورسوهل‪ ،‬مس تحق للعقوبة‪,‬‬
‫فالشرتاك اذلي بيّنم يف أصل العقوبة لكن صفة العقوبة‪ ،‬هل يه واحدة ؟‬
‫نفسا من أحاد الناس ومن قتل عامل ًا من العلمء‪ ،‬من قتل نفس ًا من أحاد‬
‫من قتل نفس ًا ومن قتل مائة‪ ،‬من قتل ً‬
‫الناس أو قتل نبي ًا من اْلنبياء ؟‬
‫العقوبة ليست يف صفهتا واحدة؛ ْلن العقوبة يوم القيامة درَكت حىت ْلهل الكبائر‪ ،‬العقوبة يوم القيامة درَكت‬
‫ليست عل صفة واحدة لكن الاشرتاك بيّنم يف أصل العقوبة‪ ،‬أي اليت دل علهيا قول هللا ‪َ ﴿ :‬و َمن ي َ ْقت ْل‬
‫َادلا ِفهيَا َوضَ ِض َب َّاّلل عَل َ ْي ِه َول َ َعنَه َوأَعَ َّد َهل عَ َذ ًاِب َع ِظميًا ﴾[ النساء‪]٩٣ :‬‬
‫م ْؤ ِمنًا ُّمتَ َع ِِمدً ا فَ َج َزاؤه َ ََجَّنَّ خ ِ ً‬
‫هذا اْلصل يف العقوبة للجميع‪ :‬مائة‪ ،‬واحد‪ ،‬قتل عامل ًا ‪ ،‬قتل عددًا‪ ،‬قتل فرد ًا ‪،‬العقوبة لهؤلء َجيع ًا ‪.‬‬
‫لكن صفة العقوبة خمتلفة‪ ،‬ولهذا الاشرتاك يف أصل العقوبة ل يف صفهتا أو قدر العقوبة‪.‬‬
‫الث َِّان‪ :‬أََّنَّ َما َس َواء ِيف ْاس ِت ْحقَ ِاق ا ْزه َِاق النَّ ْف ِس‪.‬‬
‫ِ‬
‫حرمة بغي حق ‪.‬‬ ‫أَّنم سو ًاء يف اس تحقاق اإزهاق النفس؛ ْلن لك مّنم أزهق ً‬
‫نفسا معصومة م ِ‬

‫‪4‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫الث َّا ِلث‪ :‬أََّنَّ َما َس َواء ِيف الْ َج َر َاء ِة عَ َل َس ْف ِك ادلَّ ِم الْ َح َرا ِم‪ ،‬فَا َّن َم ْن قَتَ َل ن َ ْف ًسا ِبغ ْ َِي ْاس ِت ْحقَاق‪ ،‬ب َ ْل ِلم َج َّر ِد الْ َف َسا ِد‬
‫ِيف ْ َاْلر ِض‪ ،‬أَو ِ َْل ْخ ِذ م ِ ِاهل‪ :‬فَان َّه َ َْي َرتئ ع َل قَتل ِ ِ‬
‫لك َم ْن َظفَ َر ِب ِه َوأَ ْم َكنَه قَ ْتهل‪ ،‬فَه َو م َعاد ِللنَّ ْوعِ ْالن ْ َس ِ ِ‬
‫ان‪.‬‬ ‫ِ َ ِْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذا أيض ًا اشرتاك يف اجلرأة عل ادلم املعصومة‪ ,‬ادلم كم يعمل أمر هل هيبته ول يتجاْس عليه ‪ -‬هل هيبة‪ -‬هللا عز‬
‫وجل فطر النفوس عل ذل‪ .‬لكن من جترأ وسفك ادلم مرة واحدة ومن سفكها مرات‪ ،‬فهيم الكهم أصل‬
‫اجلرأة عل سفك ادلم‪.‬‬

‫َو ِمّنْ َا‪ :‬أَن َّه ي َس َّمى قَاتِ ًال أَ ْو فَ ِاسقًا أَ ْو َظا ِل ًما أَ ْو عَ ِاص ًيا ِبقَ ْت ِ ِهل َوا ِحدً ا‪ََ َ ،‬ك ي َس َّمى كَ َذ ِ َل ِبقَ ْت ِ ِهل النَّ َاس َ َِجي ًعا‪.‬‬
‫هذا من وجوه الاشرتاك أن من قتل نفس ًا أو قتل مائة نفس‪ ،‬الكهم مشرتك يف أنه قاتل‪ ،‬وأنه عاص‪ ،‬و أنه‬
‫أث‪ ،‬وأنه فاسق‪ ،‬وأنه ظامل ‪ِ ﴿.‬بئْ َس ِال ْمس الْفسوق ب َ ْعدَ ْالمي َ ِان﴾[ احلجرات‪]١١ :‬‬
‫ِ‬
‫فهذه اْلسمء تنطبق عل هذا وتنطبق عل هذا لكن حظهم من مسمياهتا خمتلفة ‪.‬‬
‫هذا ظامل وهذا ظامل‪ ،‬لكن ظلمهم واحد ؟‪,‬من قتل واحدً ا أو قتل مائة فسقهم واحد ؟‬
‫‪ -‬اشرتَك يف أصل الفسق‪ ،‬اشرتَك يف أصل الظمل‪ ،‬لكن يتفاوتون حبسب اجلرم اذلي ارتكبه لك مّنم‪.‬‬
‫امحهِ ْم َوت ََواص ِلهِ ْم ََكلْ َج َس ِد الْ َوا ِح ِد‪ ،‬ا َذا ْاش تَ ََك ِمنْه عضْ و‬ ‫اّلل س ْب َحان َه َج َع َل الْم ْؤ ِم ِن َني ِيف ت ََوا ِد ِ ْمه َوتَ َر ِ‬
‫َو ِمّنْ َا‪ :‬أَ َّن َّ َ‬
‫ِ‬
‫السهَ ِر‪ ،‬فَا َذا أَتْلَ َف الْقَاتِل ِم ْن َه َذا الْ َج َس ِد عضْ ًوا‪ ،‬فَ ََكَن َّ َما أَتْلَ َف َسائِ َر الْ َج َس ِد‪،‬‬ ‫تَدَ ا َعى َهل َسائِر الْ َج َس ِد ِِبلْح َّمى َو َّ‬
‫َوأل َ َم َ َِجي َع أَعْضَ ائِ ِه‪ ،‬فَ َم ْن أ َذى م ْؤ ِمنًا َوا ِحدً ا ِفَ ََكَن َّ َما أ َذى َ َِجي َع الْم ْؤ ِم ِن َني‪َ ،‬و ِيف أَ َذى َ َِجيع ِ الْم ْؤ ِم ِن َني أَ َذى َ َِجي ِع‬
‫اّلل ان َّ َما يدَ ا ِفع َع ِن النَّ ِاس ِِبلْم ْؤ ِم ِن َني َّ ِاذل َين بَيّْنَ ْم‪ ،‬فَاي َذاء الْ َخ ِف ِي اي َذاء الْ َمخْف ِور‪َ ،‬وقَدْ قَا َل النَّ ِ ُّب ‪-‬‬ ‫النَّ ِاس‪ ،‬فَا َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ ‪َ « :-‬ل ت ْقتَل ن َ ْفس ظلْ ًما ِبغ ْ َِي َح ِق‪ ،‬ا َّل ََك َن عَ َل ا ْب ِن أ َد َم ْ َاْل َّولِ ِك ْفل ِمّنْ َا؛ ِ َْلن َّه أَ َّول َم ْن َس َّن الْقَ ْت َل» ‪.‬‬
‫ِ‬
‫هذا أيض ًا وجه ش به أخذه الإمام ابن القمي ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬تعاىل من احلديث‪ ( :‬مثل املؤمنني يف توادمه مكثل‬
‫اجلسد الواحد‪ ،‬اإذا اش تَك منه عضو تداعى هل سائر اجلسد ِبمحلى والسهر)‪(،‬املؤمن للمؤمن َكلبنيان يشد‬
‫بعضه بعض ًا) ‪ ,‬مفن قتل واحداً جترأ عل كيان واحد‪ ،‬عل بنيان واحد‪ ،‬فهذا صدع يف بناء َكمل يتأثر البناء‬
‫لكه‪,‬ولهذا بقتهل نفس ًا واحدة َكنه جعل الناس لكهم خصمء هل؛ ْلن هذا جزء مّنم‪ ،‬مثل البدن اإذا مرض منه‬
‫جزء تداعى هل سائر اجلسد ِبمحلى والسهر‪ ،‬مفن قتل نفس ًا واحدة ضضبة الناس عليه‪ ،‬واس تبشاعهم جلرميته و‬
‫تأثرمه من فعلته النكراء ‪َ ،‬كمنا قتل الناس َجيع ًا‪ ،‬وبعض املفرسين محل اْلية هذا املعىن‪ ,‬وهذا من التأويالت‬
‫اليت قيلت يف معىن اْلية‪ ،‬وهو ينقل عن ابن ‪-‬اْلنباري‪ -‬يف محل اْلية عل هذا املعىن‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫َوقَدْ قَا َل النَّ ِ ُّب ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬ل ت ْقتَل ن َ ْفس ظلْ ًما ِبغ ْ َِي َح ِق‪ ،‬ا َّل ََك َن عَ َل ابْ ِن أ َد َم ْ َاْل َّولِ ِك ْفل ِمّنْ َا؛ ِ َْلن َّه أَ َّول َم ْن‬
‫ِ‬
‫َس َّن الْقَ ْت َل» ‪َ .‬ول َ ْم ََي ِْئ َه َذا الْ َو ِعيد ِيف أَ َّولِ َزان َو َل أَ َّولِ َسا ِرق َو َل أَ َّولِ َش ِار ِب م ْس ِكر‪،‬‬

‫هنا أيض ًا يوحض هذا أيض ًا جرمية القتل‪ ،‬وأَّنا يف خطورة عظمية‪ ،‬قول النب ﷺ‪َ « :‬ل ت ْقتَل ن َ ْفس ظلْ ًما ِبغ ْ َِي‬
‫َح ِق‪ ،‬ا َّل ََك َن عَ َل ا ْب ِن أ َد َم ْ َاْل َّولِ ِك ْفل ِمّنْ َا؛ ِ َْلن َّه أَ َّول َم ْن َس َّن الْقَ ْت َل» يقول ابن القمي ‪:‬هذا مل َيئ يف الزان‬
‫ِ‬
‫ورشب امخلر‪،‬مل يأ ِت أن أول من زان عليه كفل من لك من زان بعده‪ ،‬ومن رشب امخلر أول من رشب امخلر‬
‫كفل من نصيب لك من رشب امخلر بعده ‪ ,‬وإامنا هذا جاء يف القتل‪ ،‬وهذا يوحض أن القتل ‪ -‬يوحض املعىن‬
‫السابق‪ -‬أن القتل صدع يف ماذا؟ ‪ -‬صدع يف بناء اْلمة؛ ْلن هذا جزء من اْلمة ‪,‬اْلمة كجسد واحد‪ ,‬فالقاتل‬
‫اْلول سن يف اْلمة هذه الس نة اليت يه س نة القتل ‪ ،‬فَكن هل من لك جرمية قتل بعده كفل من دمه ‪ ,‬قال‬
‫ابن القمي‪ :‬ومل َيئ هذا الوعيد يف أول زان ول أول سارق ول أول شارب مسكر‪.‬‬

‫ْش ِك َني قَدْ يَكون َأ ْو َىل ِب َذ ِ َل ِم ْن أَ َّولِ قَاتِل؛ ِ َْلن َّه أَ َّول َم ْن َس َّن ِ ْ‬
‫الْشكَ ؛‬ ‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪َ _-‬وا ْن ََك َن أَ َّول الْم ْ ِ‬
‫ﷺ ‪َْ َ -‬ع َرو ْب َن لَ ْحي الْخ َزا ِع َّي ي َع َّذب أَع َْظ َم الْ َع َذ ِاب ِيف النَّ ِار‪َْ ِ ،‬لن َّه أَ َّول َم ْن غَ َّ َي ِد َين‬ ‫و ِلهَ َذا رأَى النب ‪ِ -‬‬
‫َ َ َّ ِ ُّ‬
‫الس َالم‪َ .‬وقَدْ قَا َل ت َ َع َاىل‪َ { :‬و َل تَكونوا أَ َّو َل ََك ِفر ِب ِه} [س َورة الْ َبقَ َر ِة‪. ]41 :‬‬
‫ِا ْب َرا ِه َمي عَلَ ْي ِه َّ‬
‫دَُك‪ ،‬فَيَكون ا ْث َك ْف ِر ِه عَلَ ْي ُْك‪َ ،‬وكَ َذ ِ َل ح ُْك َم ْن َس َّن س نَّ ًة َسيِئَ ًة فَات ُّ ِب َع عَلَهيْ َا‪.‬‬ ‫أَ ْي فَ َي ْقتَ ِدي ِب ُْك َم ْن ب َ ْع ْ‬
‫ِ‬
‫فامي يتعلق ِبلْشك وأول املْشكني من َكن قدوة لغيه يف سن الباطل سو ًاء الْشك أو البدعة أو الضالل‪ ،‬هل‬
‫نصيب من وزر وإاث من اتبعه حبسب من تأثروا به؛ ْلنه سن فهيم س نة سيئة‪ -‬سو ًاء َكنت الس نة السيئة‬
‫الْشك أو الكفر أو النفاق أو حىت املعايص‪ -‬اإذا َكن س ّنا وحرض علهيا ورضب فهيا فصار قدوة للخرين فهذا‬
‫يدل عليه قول النب ﷺ‪ { :‬من سن يف الإسالم س نة سيئة َكن عليه اإمثها وإاث من َعل هبا }‪.‬‬

‫ِض َّاّلل َعّنْ َما َع ِن النَّ ِ ِب ‪ -‬ﷺ ‪ -‬قَا َل‪ََ « :‬يِيء‬ ‫الرت ِم ِذ ِي َع ِن ا ْب ِن َعبَّاس َر ِ َ‬ ‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪َ : -‬و ِيف َجا ِمع ِ ِ ْ‬
‫الْ َم ْقتول ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة‪ ،‬انَ ِص َيته َو َرأْسه ِب َي ِد ِه‪َ ،‬وأَ ْودَاجه ت َ ْشخَب َد ًما‪ ،‬يَقول‪ََ :‬ي َر ِب َس ْل َه َذا ِف َمي قَتَلَ ِن؟» فَ َذكَروا‬
‫ِل ْب ِن َع َّباس التَّ ْوب َ َة‪ ،‬فَتَ َال َه ِذ ِه ْاْلي َ َة‪َ { :‬و َم ْن ي َ ْقت ْل م ْؤ ِمنًا متَ َع ِِمدً ا فَ َج َزاؤه َ ََجَّنَّ خ ِ ًَادلا ِفهيَا} [س َورة ال ِن َسا ِء‪َّ . ]93 :‬ث قَا َل‪:‬‬
‫الرت ِم ِذ ُّي‪َ :‬ه َذا َح ِديث َح َسن‪.‬‬ ‫َما ن ِسخ َْت َه ِذ ِه ْاْليَة َو َل ب ِدل َ ْت‪َ ،‬وأَ ََّّن َهل التَّ ْوبَة؟ قَا َل ِ ْ‬

‫ث أورد ‪-‬رمحه هللا ‪ -‬تعاىل أحاديث يف عظم جرمية القتل و ِكرب هذا اذلنب جفاء عن النب ﷺ أحاديث‬
‫عظمية يف هذا الباب مّنا هذا احلديث اذلي يف جامع الرتمذي ‪ :‬أنه َييء املقتول ِبلقاتل يوم القيامة (يعن‬
‫مبن قتهل) انصيته ورأسه بيده ( انصية القاتل ورأس القاتل بيده َيره) ‪ ،‬وأوداجه تشخب دم ًا‪ ( ،‬أوداجه ما‬

‫‪6‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫أحاط ِبلعنق من العروق) تشخب دم ًا أي ‪ :‬تصب دم ًا يقول‪َ :‬ي رب‪ ،‬سل هذا فمي قتلن؟ ( يعن يطلب‬
‫حقه واحلقوق مؤداة يوم القيامة { لتؤدن احلقوق يوم القيامة} ‪ ،‬سل هذا فمي قتلن‬
‫فذكروا لبن عباس التوبة " اإن اتب القاتل وصدق مع هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬أهل توبة مقبوةل؟ فذكروا هل التوبة‬
‫‪ ،‬فتال هذه اْلية‪َ ﴿ :‬و َمن ي َ ْقت ْل م ْؤ ِمنًا ُّمتَ َع ِِمدً ا فَ َج َزاؤه َ ََجَّنَّ خ ِ ًَادلا ِفهيَا ﴾ [ النساء‪ ]٩٣ :‬قال هذه ما نسخت ول‬
‫بدلت وأ ََّّن هل التوبة‪ ،‬هذا قول ابن عباس رِض هللا عّنم وَجهور أهل العمل عل خالف ذل وأن اذلنوب‬
‫لكها فهيا توبة وقصة القاتل للتسعة والتسعني نفس شاهد عل ذل‬
‫قال ‪:‬ومن حيول بينه وبيّنا أي ‪ :‬التوبة‪ ،‬وأية الفرقان ‪:‬‬
‫ون َم َع اللَّـ ِه الَـهًا أخ ََر َو َل ي َ ْقتل َ‬
‫ون النَّ ْف َس ال َّ ِيت َح َّر َم اللَّـه ا َّل ِِبلْ َح ِق َو َل يَ ْ نز َ‬
‫ون َو َمن ي َ ْف َع ْل َذَٰ ِ َل‬ ‫﴿ َو َّ ِاذل َين َل يَدْ ع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَلْ َق أَ ََث ًما ﴿‪ ﴾68‬يضَ ا َع ْف َهل الْ َع َذاب ي َ ْو َم الْ ِقيَا َم ِة َو َ َْي ُْل ِفي ِه مهَاانً ﴿‪ ﴾69‬ا َّل َمن اتَ َب [ الفرقان‪ ،] 69 - 68 :‬قوهل ‪:‬‬
‫ِ‬
‫(اإل من اتب ) يتناول الْشك والقتل والزان وهذه أكرب اجلرامئ وأعظم اذلنوب فهذا قول ابن عباس رِض هللا‬
‫عّنم‪,‬وهناك بعض اْلَثر عنه أخذ مّنا بعض أهل العمل رجوعه عن ذل مثل اذلي جاء يف اْلدب املفرد بس ند‬
‫حصيح ‪ :‬أن رج ًال جاء يس تفيت ابن عباس َكن حيب امرأة ويرضب يف زواَجا فامتنعت وقبلت غيه فغار وقتلها‬
‫فَكن يسأل ابن عباس رِض هللا عنه هل هل توبة ‪.‬‬
‫قال‪ :‬أل أم‪ ،‬قال‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬اس تغفر وتب‪ ،‬اس تغفر هللا‪ ،‬وتب اإليه‪ ،‬أو كم جاء عنه‪-‬رِض هللا عّنم‪،-‬جفاء‬
‫عنه بعض اْلَثر يف هذا املعىن‪ ،‬أخذ مّنا بعض أهل العمل‪ ،‬رجوع ابن عباس عن ذل‪ ،‬لكن قول أهل العمل‬
‫أن القتل كسائر اذلنوب‪ ،‬فمين صدق مع هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬يف توبته‪ ،‬واتب التوبة النصوح‪ ،‬مس توفي ًا‬
‫ْسفوا عَ َل أَنف ِسهِ ْم َل تَ ْقنَطوا‬ ‫رشوط التوبة‪ ،‬مفن اتب اتب هللا عليه‪ ،‬لعموم قوهل تعاىل‪ ﴿ :‬ق ْل ََي ِع َبا ِد َي َّ ِاذل َين أَ ْ َ‬
‫وب َ َِجي ًعا ۚ ان َّه ه َو الْغَفور َّالر ِحمي﴾ [ الزمر‪] 53 :‬‬
‫اّلل ي َ ْغ ِفر ا ُّذلن َ‬ ‫ِمن َّر ْ َمح ِة َّ ِ‬
‫اّلل ۚ ا َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َّث ل َ ْم‬ ‫يف سورة الربوج‪ ،‬اذلين خ ِدوا اْلخاديد‪ ،‬وقتلوا أولياء هللا قال‪ ﴿ :‬ا َّن َّ ِاذل َين فَتَنوا الْم ْؤ ِم ِن َني َوالْم ْؤ ِمنَ ِ‬
‫ِ‬
‫يَتوبوا﴾ [الربوج ‪]10 :‬‬

‫اّلل بْن ََع َر ي َ ْو ًما ا َىل ْال َك ْع َب ِة‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬ما أَع َْظ َم ِك َوأَع َْظ َم‬
‫قال‪--‬رمحه هللا ‪َ --‬و ِفي ِه أَيْضً ا َع ْن انَ ِفع قَا َل‪ :‬ن ََظ َر َع ْبد َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ح ْر َمتَ ِك‪َ ،‬والْم ْؤ ِمن ِع ْندَ َّ ِ‬
‫الرت ِم ِذ ُّي‪َ :‬ه َذا َح ِديث َح َسن‪.‬‬ ‫اّلل أَع َْظم ح ْر َم ًة ِمنْ ِك‪ ،‬قَا َل ِ ْ‬
‫هذا يف حرمة املؤمن‪ ،‬الكعبة لها حرمة‪ ،‬ولك يدرك حرمة الكعبة‪ ،‬وعظم حرمة الكعبة‪ ،‬وكيف لو أن خشص ًا‬
‫جترأ عل هدهما‪ ،‬كيف أن هذا من أعظم اْلمور اليت يستش نعها لك مسمل‪ ،‬لها حرمة‪ ،‬لها مَكنة‪ ،‬لها هيبة يف‬
‫النفوس‪ ،‬فنظر عبد هللا بن َعر يوم ًا اإىل الكعبة‪ ،‬وقال‪ ( :‬ما أعظمك‪ ،‬وأعظم حرمتك‪ ،‬واملؤمنون عند هللا‬

‫‪7‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫أعظم حرمة منك )‪ ،‬حفرمة املؤمن أعظم‪ ،‬وهذا يبني فيه‪ -‬رِض هللا عنه ‪ -‬عظم ش ناعة قتل النفس املؤمنة‪،‬‬
‫املعصومة‪ ،‬احملرمة‪.‬‬
‫حصي ِح الْبخ َِار ِي َع ْن ََس َر َة ْب ِن جنْدب قَا َل‪ :‬أَ َّول َما ي ْن ِِت ِم َن ْالن ْ َس ِان ب َ ْطنه‪ ،‬فَ َم ِن‬ ‫قال‪--‬رمحه هللا ‪َ --‬و ِيف َ ِ‬
‫لك ا َّل َط ِي ًبا فَلْ َي ْف َع ْل‪َ ،‬و َم ِن ْاس تَ َطا َع أَ ْن َل َحيو َل بَيْنَه َوب َ ْ َني الْ َجنَِّ ِة ِم ْلء كَ ِف ِم ْن دَم أَه َْراقَه‬‫ْاس تَ َطا َع ِمنْ ُْك أَ ْن َل يَأْ َ‬
‫ِ‬
‫فَلْ َي ْف َع ْل‪.‬‬
‫هذا الكم عظمي‪ ،‬للصحايب اجلليل َسرة بن جندب‪ ،‬يتعلق بألك احلرام والقتل‪ ،‬أ ِما ألك احلرام‪ ،‬فينصح‬
‫ويويص‪ -‬رِض هللا عنه‪ ،-‬بأل يدخل املرء يف جوفه اإل احلالل الطيب‪ ،‬يقول‪ ( :‬أول ما ينِت من الإنسان‬
‫بطنه‪ ،‬مفن اس تطاع منُك أ ًل يألك إالِ طيب ًا فليفعل ) وليتذكر هذا املعىن‪ ،‬أن أول ما ينِت منه بطنه‪ ،‬فال يغذي‬
‫هذا البطن‪ ،‬اذلي هو أول ما ينِت من الإنسان اإذا أدرج يف القرب‪ ،‬ل يدخل فيه خبيث ًا‪ ،‬بل حيرص عل أ ًل‬
‫يدخل فيه اإل الطيبات‪ ،‬وهذا فيه وعظ عظمي جد ًا‪ ،‬هذا فيه وعظ وإايقاظ للنفوس يف ِبب ألك الطيبات‪،‬‬
‫وجتنب اخلبائث‪,‬كثي من الناس ل يبايل‪ ،‬يدخل يف بطنه ول يبايل‪ ،‬ول يتأمل يف حالل و حرام‪ ،‬ول‬
‫يتورع‪ ،‬ول يتقي هللا‪ -‬س بحانه وتعاىل‪ -‬فاإذا تذكر الإنسان‪ ،‬أن هذا البطن اذلي يتعامل معه بعض الناس هذه‬
‫املعامةل‪ ،‬هو أول ما ينِت من الإنسان‪.‬‬
‫أ ِما فامي يتعلق ِبلقتل‪ ،‬قال‪ ( :‬ومن اس تطاع ألِ حيول بينه وبني اجلنة ملء ِكف من دم أهراقه فليفعل )‪ ،‬يعن‬
‫بقتهل لنفس معصومة حمرمة‪ ،‬وأن قتل النفس احملرمة املعصومة من أس باب عدم دخول اجلنة‪ ،‬هذه عقوبته عند‬
‫هللا ومن أس باب اخللود يف النار لكن هذا جزاؤه واجلزاء يف اإحلاقه ِبملعني يرتتب عل وجود رشوط وانتفاء‬
‫موانع‪.‬‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪َ : -‬و ِيف َ ِ‬


‫حصي ِح ِه أَيْضً ا َع ِن ابْ ِن ََع َر قَا َل‪ :‬قَا َل َرسول َّ ِ‬
‫اّلل ‪ -‬ﷺ ‪َ « :-‬ل يَ َزال الْم ْؤ ِمن ِيف ف ْس َحة‬
‫ِم ْن ِدينِ ِه َما ل َ ْم ي ِص ْب َد ًما َح َرا ًما» ‪.‬‬
‫أن ادلم احلرام ورطة عظمية جد ًا مثل ما س يأيت يف اْلثر بعده ورطة عظمية جد ًا ْلن اإن َكن الإنسان جرميته‬
‫ْسقة أو ضش هذه أش ياء ميكن يتداركها مع من اعتدى علهيم يف ْسقة أو يف ضش أو يف سوء تعامل أو غي‬
‫ذل‪,‬هذه أمور ميكن أن يتداركها لكن اإذا قتل نفس ًا وأزهقت النفس ذهبت وانهتىى ادلنيا َمن قتهل كيف يتدارك‬
‫هذا ؟! فال يزال املرء يف فسحة من دينه ما مل يصب دم ًا حرام ًا ادلم احلرام هذا أمر ليس ِبلهني‪.‬‬
‫وذكر البخاري أيض ًا عن ابن َعر رِض هللا عّنم قال‪ :‬من ورطات اْلمور اليت ل خمرج ملن أوقع نفسه فهيا‬
‫سفك ادلم احلرام بغي حهل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫ْلن هذه أعظم ورطة هذه من ورطات اْلمور العظمية اليت ل خمرج مّنا من سفك دم ًا؛ ْلن اإذا سفك ادلم‬
‫ليس هناك جمال أن يطلب منه عفو ًا أو يطلب منه مساحمة اإن َكن ْسق منه اإن َكن اضتابه اإن َكن ظلمه اإىل‬
‫أخره ميكن أن يعاجلها معه لكن اإن قتهل كيف يعاجلها معه وس يأيت يوم القيامة ويأخذ بناصيته ويطلب أن يقتص‬
‫هل حقه منه‪.‬‬
‫يف الصحيحني عن أيب هريرة رِض هللا عنه يرفعه‪" :‬س باب املسمل فسوق وقتاهل كفر"‬
‫وفهيم أيض ًا عنه ﷺ‪ " :‬ل ترجعوا بعدي كفار ًا يرضب بعضُك رقاب بعض "‬

‫هذان احلديثان فهيم عظم جرمية القتل من َجة أن النب ﷺ وصف هذا العمل بأنه كفر قال‪ " :‬قتاهل كفر‬
‫"‪ ،‬وقال‪ " :‬ل ترجعوا بعدي كفار ًا يرضب بعضُك رقاب بعض " فوصف هذا العمل بأنه كفر لكنه ليس ِبلكفر‬
‫اْلكرب وإامنا هو كفر دون كفر لكن يكفي ش ناع ًة لهذا العمل أن النب ﷺ وصفه هبذا الوصف‪.‬‬

‫يف حصيح البخاري عنه ﷺ"من قتل معاهد ًا مل يرح راحئة اجلنة وإان رحيها ليوجد من مسية أربعني عام ًا "‬
‫هذا من قتل معاهد ًا واملعاهد غي مسمل َكفر عدو هلل عز وجل ومن قتهل مل يرح راحئة اجلنة واملعاهد غي‬
‫مسمل فكيف مبن قتل مسلمً !"‬

‫قال ‪-‬رمحه هللا ‪ :-‬هذه عقوبة قاتل عدو هللا اإذا َكن يف عهده وأمانه فكيف عقوبة قاتل عبده املؤمن؟!‬
‫كيف عقوبة قاتل عبده املؤمن اإذا َكن اذلي قتل معاهد ًا مل يرح راحئة اجلنة ومر معنا يف الكم َسرة قال‪ " :‬من‬
‫اس تطاع أن ل حيول بينه وبني اجلنة ملء كف من دم أهراقه فليفعل" ْلن القتل حيول بني املرء‬
‫هذه عقوبته أنه حيول بينه وبني اجلنة اإذا َكن حيول بني من قتل معاهد ًا واجلنة ومل يرح راحئة اجلنة كم جاء يف‬
‫احلديث فكيف ِبذلي يقتل نفس ًا مسلمة حمرمة معصومة؟!!‬

‫قال‪ :‬وإاذا َكنت امرأة قد دخلت النار يف هرة حبس هتا حىت ماتت جوع ًا وعطش ًا فرأها النب ﷺ يف النار‬
‫والهرة ختدشها يف وَجها وصدرها فكيف عقوبة من حبس مؤمن ًا حىت مات بغي جرم‬

‫هذا يف قتل هرة والنب ﷺ رأى هذه املرأة تعذب رأى ذل صلوات هللا وسالمه عليه وهو يصّل ِبلناس‬
‫صالة الكسوف يف تكل الصالة رأى اجلنة ث رأى النار وقد تقدم معنا قريب ًا شيئ ًا مما رأه أيض ًا النب ﷺ يف‬

‫‪9‬‬
‫أ‬
‫الداء والدواء بشرح الشيخ عبد الرزاق البدر‪-‬الدرس الواحد والربعون‬

‫النار يف صالة الكسوف قال‪ :‬رأيت َعرو بن حلي َير قصبه أي أمعاءه يف النار‪ -‬هذا َكن يف صالة الكسوف‬
‫واملرأة هذه أيض ًا رأها يف صالة الكسوف‪-‬‬
‫اْلول ‪ :‬يتعلق مباذا؟ ‪ -‬الْشك أول ما غي دين اإبراهمي‬
‫وهذا‪ :‬يتعلق ِبلنفس ِبلقتل‪ -‬قتل النفس‪ -‬اإذا َكنت هذه قتلت هرة حبس هتا‪ ,‬فكيف مبن يقتل نفس ًا حمرمة؟!‬
‫وذكر أيض ًا‪ :‬فامي يتعلق ِبلرسقة أنه رأى صاحب احملجن اذلي َكن يرسق احلجاج مبحجنه‬
‫وفامي يتعلق ‪ِ:‬بلزان أيض ًا ذكر عليه الصالة والسالم اإن غية هللا ‪-‬س بحانه وتعاىل‪ -‬من أن يزن عبده أو تزن‬
‫أمته‪.‬‬
‫ذكر ذل يف خطبته بعد صالة الكسوف ملا سأهل الناس حفذر من هذه اذلنوب اْلربعة ‪-‬يف تكل اخلطبة حذر‬
‫من هذه اذلنوب اْلربعة‪ -‬اليت أكرب اذلنوب الْشك والقتل والزان والرسقة وَجع عليه الصالة والسالم هذه اْلربع‬
‫يف خطبة الوداع عندما قال‪ :‬أل اإمنا هن أربع (يعن أكرب الكبائر وأعظم اذلنوب) أل اإمنا هن أربع‪ :‬ل تْشكوا‬
‫ِبهلل شيئ ًا ول تقتلوا النفس اليت حرم هللا اإل ِبحلق ولت نزوا ول ترسقوا‪.‬‬

‫ويف بعض السنن عنه ﷺ لزوال ادلنيا أهون عل هللا من قتل مؤمن بغي حق"‪.‬‬
‫وهذا أيض ًا فيه أن قتل املؤمن بغي حق مفسدته عظمية وجرمه كبي للغاية‬
‫ونسأل هللا عز وجل أن ينفعنا أَجعني مبا علمنا وأن يزيدان علمً وتوفيق ًا ً‬
‫وهدى وصالح ًا مبنه وكرمه وأن يصلح‬
‫لنا شأننا لكه اإنه َسيع قريب جميب ‪ .‬س بحانك اللهم وحبمدك أشهد أن ل اإهل اإل أنت أس تغفرك وأتوب اإليك ‪.‬‬
‫صل وسمل عل عبدك ورسول نبينا محمد وعل أهل وحصبه ‪.‬‬ ‫اللهم ِ‬

‫اضغط عل الرابط لالشرتاك *‬


‫‪https://t.me/alzaadd‬‬

‫‪10‬‬

You might also like