Professional Documents
Culture Documents
نواقض الديمقراطية
نواقض الديمقراطية
تعريف الديمقراطية:
حين يجري تعريف الديمقراطية 1استنادا إلى مدلول اسمها على أنه ديموس كراتيس أي حكم الشعب
لنفسه( ،ديموس (الشعب ،الناس) كراتيس (الحكم ،نظام السلطة) ) فإن هذا يستند إلى ترجمة خاطئة
للمصطلح ،ففي دراسة 2ألصل كلمة ديمقراطية في اليونانية القديمة ،مقدمة لجامعة ستانفورد ،خلص
الباحث إلى أن معناها الحرفي "Capacity to do things " :أي القدرة على القيام باألشياء ،وال عالقة لهذا االسم
في اليونانية القديمة بحكم األكثرية ،وال عالقة له بالتصويت واالنتخاب ،وال بتداول السلطة ،وال بالتعددية،
وال بمنع القلة من االستئثار بالحكم ،وال بحرية التعبير ،وال باملحاسبة وال باملعارضة وال بالشفافية!.
أما عن الديمقراطية ,الحديثة ،فلها أربعة أنواع من التعاريف:,
التعاريف األربعة للديمقراطية الحديثة:
أوال :التعريف zالدستوري ،Constitutional3ثانيا :التعاريف املعيارية الكالسيكية ،الجوهرية ،Substantive
وثالثا :التعريف zاإلجرائي ،Proceduralورابعا :التعريف املبدئي األيديولوجي .Ideology
التعريف الدستوري:
أما التعريف الدستوري ،فهو أن تصرح دولة في دستورها بأنها ديمقراطية! وهو كما ترى معيار فاشل ،فما
أسهل أن تجد هذه الجملة في دستور أشد الدول دكتاتورية ،كما ويتم بدراسة القوانين التي يسنها نظام
الحكم في دستوره ،ومن الدراسة العملية يتبين الفرق الشاسع بين الواقع وبين التنظير الدستوري ،فدستور
كازاخستان ديمقراطي بامتياز ،بينما واقع املمارسات zفيها دكتاتورية غاشمة تأله الحاكم تقريبا!
التعريف املعياري:
أما التعاريف 4املعيارية الكالسيكية ،والجوهرية Substantiveويمثلها لوك ،روسو ،ميل ،جيفرسون ،ومن
خاللها يتم التركيز على مقاربات الحقوق األساسية وأثرها على الظروف الحياتية والسياسية التي يسعى نظام
1املذهب الديمقراطي( :هو الذي يرجع أصل السلطة أو مصدرها إلى اإلرادة العامة لألمة ،كما يقرر بأن السلطة ال تكون شرعية إال حين
تكون وليدة اإلرادة العامة لألمة) ،الوسيط في القانون الدستوري – للدكتور عبد الحميد متولي ،ص ،125ألنه ال يمكن أن تتمتع األمة
بحقها في السيادة املطلقة z،إال إذا كان (القانون هو التعبير عن إرادة األمة) مبادئ القانون الدستوري – الدكتور السيد صبري ،ص ،52ط
،1949 ،4وهذه اإلرادة العامة ال تتجسد في واقع سياسي إال (عن طريق انتخاب النواب) نظم الحكم الحديثة – ميشيل ستيوارت – ص
،298ألنه (متى تعلم سواد الشعب ،وبلغ سن النضوج والرشد آلت القوة القاهرة إلى الكثرة العددية) دراسات في النظم الدستورية
املعاصرة – الدكتور العربي ،ص 168نقال عن اإلسالم وأصول الحكم للدكتور محمود الخالدي.
http://www.stanford.edu/group/dispersed_author/docs/OriginalMeaningDemocracy_Ober.pdf 2
3راجع :الديمقراطية ،تشارلز تيللي ،ترجمة محمد فاضل طباخ ص .22
حكم ما إلى تعزيزها ،هل يعزز النظام رخاء الناس ،وحريتهم الفردية ،والعدالة واملساواة االجتماعية بينهم؟
فإن فعل ،وصف بالنظام الديمقراطي ،إذا كان كذلك فقد ال يحتاج إلى النظر في العبارات املصاغة في
دستوره ،فهذه املقاربة تعتمد على النظر في واقع الحال.
ويجري على نوعين من حيث النظرة z:فردية وجماعية،
ّ
ويركز الفرديون من ال ُـم َن ِظ رين للتعريف املعياري على الفرد ،ويجعلون الحرية أهم قيمة اجتماعية ،وأما
ص ُّب اهتمامهم على املساواة ،وعلى مفهوم اإلرادة العام الجماعيون فيركزون على رفاهية الجماعةَ ،وي ْن َ
َ َ
وعقالنيون بطبعهم ،وقادرون على اختيار نظام ُّ األفراد خ ِّي ُرون والخير العام ،ويفترض أصحاب االتجاهين أن
الحياة املناسب لهم ،وحين نقول :األفراد هنا فإننا نعني سواد املجتمع وليس النخبة املثقفة فيه فقط.
ُيبنى التعريف املعياري على قاعدة "الخير العام" و"اإلرادة العامة" ،التي تدفع األفراد نحو املشاركة الشعبية
في الحكم ،فاإلرادة العامة تجعل األمة صاحبة السيادة ومصدر السلطات ،والخير العام يقيم مجتمعا يحقق
الخير العام والسالم ،ويركز على املقاربات في الحقوق األساسية ,وأثرها على السياسة ,واملعيشة،
ولكن هذه التعاريف املعيارية الجوهرية تصطدم بخمس عقبات مهمة:
العقبة األولى :فضفاضية مقاييسها ،فكيف تفاضل بين نظام حكم فقير مدقع ،يتمتع مواطنوه باملساواة في
خطوطها العريضة ،فهل هو أكثر ديمقراطية من نظام أقرب إلى االزدهار ولكنه بعيد عن املساواة؟
والعقبة الثانية ،أن التركيز على النتائج املمكنة للسياسة يقطع الطريق على أي محاولة ملعرفة ما إذا كان
نظام آخر غير الديمقراطية أقدر على تحقيق النتائج املرغوب فيها ،فقد يجلب الرخاء واألمن والعدالة
واملساواة االجتماعية ،واملشاورات العامة ،وبالتالي نجد أنفسنا مرة أخرى أمام مقاييس فضافضة ال تضع
اآلليات التي تربط الفلسفة بالواقع ،والتي تبين كيف ترقى الفلسفة أو النظام بالواقع ليصل إلى الغاية أو
إلى افضل غاية ! ماذا لو قام حاكم متسلط متجبر لم يأت عبر صناديق االقتراع بتوزيع الثروة على الرعية،
وتوفير األمن لهم ،ومساواتهم أمام القانون الذي يضعه هو ،فهل هو أكثر ديمقراطية من نظام ديمقراطي لم
يستطع أن يحقق للناس رخاء وال أمنا ،ولكنه وصل عبر صناديق االقتراع؟ فأيهما أكثر ديمقراطية؟
والعقبة الثالثة :هي أن هذا املقياس ال يضع لنا تصورا لطبيعة النظام الديمقراطي نفسه وكيف سيوصل
َ ُّ ُ
ناظمة لحياتهم ،فإن هم ٍ املعياري البشرية دون أفكار املقياس للرخاء والرفاهية والحقوق ،إذ يترك هذا
توصلوا عبر فلسفات معينة ملا يجلب لهم الرخاء واملساواة قفز على منجزات ومكتسبات تلك األفكار
واألنظمة وادعى بها وصال ،ونسبها للديمقراطية ،فإن حققت االشتراكية مساواة نسبها للديمقراطية وإن حقق
اإلسالم عدالة ومساواة ورفاهية عيش وشورى نسب النظام لنفسه،
وإن لم يتوصل الناس ألنظمة تحقق سعادتهم ،وبقيت البشرية في حروب وعيش غاب ،فال تنبس
الديمقراطية ببنت شفة إليجاد نمط معين من العيش وفقا ملنظومة فكرية قادرة على إيجاده والحفاظ عليه،
ً
غايات وطرقا للوصول إليهاz
ٍ وهذه ثغرة هائلة! والبشرية من غير فلسفة للحياة ،ومن غير نظام يضع
ونظام من خاللهما يحقق "النظامٍ آلية
وتحقيقها ال يمكن أن تنهض أو ترقى! فهذا املقياس يخلو من ٍ
الديمقراطي" هذه املثل .فهو إذن ال يعدو أن يكون مجرد عبثية ،ينتهز فرص نجاح األنظمة األخرى لينسب
4يراجع الكتاب القيم :نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية لألستاذ الدكتور محمد أحمد علي مفتي ،فيه تفاصيل التعاريف
ونواقضها ،وهو مرجع فكري دقيق قيم شامل استقينا منه الكثير من مادة هذا الفصلz.
النجاح لنفسه ،ويخلو من أنظمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعقوبات وغيرها مما يلزم الناس في
معاشهم!
والعقبة الرابعة :وينقض هذا التعريف أن الواقع امللموس zيظهر zأن الشعب ال يمكن أن يحكم نفسه بحال
من األحوال ،وأن قاعدتي اإلرادة العام والخير العام قاعدتان غامضتان غير واقعيتين ،فليس من اتفاق
ولكل تفسيراته لهذه املفاهيم ،ومفهوم اإلرادة العامة يفقد معناه إذا لم يكن على هذه املفاهيم بين الناسّ ،
ٍ
خير متفق عليه ،ثم هناك تناقض بين الحرية واملساواة ،حيث إن زيادة الحرية تعني تقليص املساواة، هناك ٌ
والعكس صحيح ،فإذا كان الناس أحرارا فذلك ال يعني بالضرورة أنهم متساوون ،وأما إذا ما فرضت عليهم
5
املساواة فإن ذلك يعني أن الحرية قد سلبت منهم أي أنهم لم يعودوا أحرارا.
يقول آرنولد توينبى" :أصبح استخدام اصطالح zالديمقراطية مجرد شعار من الدخان ،إلخفاء الصراع
الحقيقي بين مبدأي الحرية واملساواة".
والعقبة الخامسة :تجاهل هذا التعريف zلواقع الحال في املجتمعات البشرية حيث يتحكم املال والنفوذ
ويغلب منطق القوة والقدرة على توجيه وصناعة الرأي العام وغسيل األدمغة وشراء الذمم ،إذ أن الواقع
يثبت أن "رؤساء الدولة وأعضاء البرملانات ،وصناع القرار الحقيقي في وزارات الدولة املهمة zكالخارجية في
أعرق البالد الديمقراطية كأميريكا وبريطانيا zيمثلون إرادة الرأسماليين ،من رجال األعمال وكبار املالك ،وال
ون إلى سدة الحكم ،وإلى يمثلون إرادة الشعب ،وال إرادة أكثريته ،فإن كبار الرأسماليين zهم الذين ُيوص ُل َ
ِ
املجالس النيابية من يحقق لهم مصالحهم ،فهم الذين يدفعون نفقات االنتخابات لرئاسة الدولة ،ولعضوية
البرملانات ،وهم بيدهم اإلعالم الذي يغسل أدمغة الشعب ،وبذلك تكون لهم السيطرة على رؤساء الدول،
وعلى أعضاء البرملانات z.وهذا واقع معروف في أميريكا ....ولذلك فالحكام وأعضاء البرملانات في أميريكا
وبريطانيا إنما يمثلون الرأسمالية ،وال يمثلون إرادة الشعب ،وال إرادة أكثريته .يقول البروفيسور مايكل
بارنتي في كتابه :ديمقراطية للقلةّ :يد عي االتجاه السائد في وسائل اإلعالم بأنها حرة ومستقلة ،وأنها موضوعية
محايدة ،كما ُي َّد َع ى بأنها الحارس األمين للديمقراطية ،غير أن النظرة zاألكثر تدقيقا وتمحيصا تبين أنها في
َّ
الواقع عبارة عن الكلب zاملدلل للطبقة الحاكمة الث َّرية 6.ويرى محمد مزالي أنه" :في الظاهر تتمتع أميريكا
والبالد األوربية بحريات وتعدد أحزاب zوانتخابات وجرائد متصارعة مما يبدو وكأن األمر على أحسن ما
ً ً
يرام ،ولكن إن تعمقنا بكل ذلك ،حينئذ فقد ندرك أن سلطان األغنياء ورؤوس األموال ال يزال قويا ومؤثرا
في مجريات األمور".
يقول البروفيسور بارنتي" :وتجدر اإلشارة إلى أن ثماني شركات مختلفة كانت تسيطر على معظم وسائل
اإلعالم القومية في الواليات املتحدة في عام ،2000بعد انخفاض عددها من ثالث وعشرين شركة في عام
،1989كما أن %80من الصحف zاليومية التي توزع في الواليات zاملتحدة تتبع سالسل عمالقة قليلة العدد
مثل جانيت ونايت رايدر ،علما بأن عمليات التركيز والدمج في هذا املجال تمضي قدما دون أن يكون هناك ما
5
Joseph A. Shumpeter، Capitalism، Socialism، and Democracy pp 251-252، and 24-25
6ديمقراطية للقلة ،مايكل zبارنتي ،ص .313
يكبح جماحها ،ولم يبق إال أقل من 2باملائة من املدن األمريكية لديها صحف منافسة تملكها جهات ال تتبع
7
هذه السالسل اإلعالمية الكبيرة".
ويقول البروفيسور مايكل بارنتي في كتابه :ديمقراطية للقلة :من الذي يملك أمريكا :على العكس من
األسطورة الشائعة التي يتم الترويج لها فإن ثروة هذا البلد ال تملكها طبقة وسطى عريضة ،بل إن نسبة 10
%من البيوت األمريكية والتي تتربع على قمة الهرم تملك %98من السندات zاملعفاة من الضرائب للواليات
واملناطق املحلية ،كما تملك %94من األصول املالية ملؤسسات األعمال ،و %95من قيمة جميع الودائع،
وتملك الطبقة األغنى والتي ال يتجاوز عددها %1فقط من األمريكيين ما يصل إلى %60من أسهم الشركات
يتكون من عددالكبرى جميعا ،وكذلك % 60من كل أصول مؤسسات األعمال ....،واالقتصاد األمريكي َّ
محدود من الشركات العمالقة التي تسيطر على معظم القطاع الخاص ،تبتلع zالشركات الكبيرة شركات أصغر
في صناعات مثل النفط والسيارات والبنوك ،وتدعم عمليات الدمج والحيازة تلك إجراءات نزع القيود
والضوابط ،وتدني معدالت الفائدة وازدهار أسواق األسهم ،وفي الصناعة املالية وحدها وفي النصف األول
من عام 1998تمت حوالي 1500عملية دمج كانت أكبرها قيام شركة بانك ون كورب ( )Bank One Corp
بحيازة شركة فيرست شيكاغو ،حيث اشترتها بمبلغ 30 zمليار دوالر ،وقيام شركة نيشنز بانك (Nations
)Bankبشراء بانك أوف أميريكا ،بمبلغ 62.4مليار دوالر ،وفي عام 2000تم اندماج شركتين بنكيتين
متنفذتين هما شيزمانهاتن ( )Chase Manhattanوجي بي مورجان ( )J. P. Morganفي شركة واحدة قيمتها35.2 z
مليار دوالر .ويتم تبرير عمليات zالدمج على أنها تعزز قدرة الشركة على املنافسة ،غير أن الشركات املندمجة
قلما تظهر تحسنا في األداء ،فاملليارات العديدة zالتي تصرف على عمليات دمج شركات أخرى تمتص أمواال
كان يمكن صرفها zبصورة أفضل ،وعمليات الدمج ال تفيد إال كبار املساهمين zوالدائنين zوكبار املسئولين
التنفيذيين الذين يحصلون على أرباح هائلة من عمليات zالبيع تلك ،بينما zيدفع املستهلكون zوالعمال تكاليفها،
ويتعامل الكثير من الشركات مع صناديق تقاعد العمال على أنها جزء من أصول الشركة ،ولذا فإنه حين
تندمج شركة مع أخرى أو يتم شراؤها فإن الشركة الجديدة تستوعب صندوق تقاعد العمال ،وال يرى
8
العمال في كثير من األحيان بنسا واحدا من املبالغ التي كانوا دفعوها للصندوق.
ً
ولذلك يقال في أميريكا أن "الرئيس" zهو ثاني أهم منصب في الدولة بعد "روكفلر" !9وليس مستغربا أن نعلم
أن وزراء الخارجية األميريكان في الغالب يخرجون من رحم الشركات الكبرى ،واملؤسسات املصرفية ،وهم
7ديمقراطية للقلة ،مايكل zبارنتي ،ص 313نقال عن كتاب :وسائل اإلعالم الضخمة ،كيف تسيطر الشركات العمالقة على أجهزة اإلعالم
وتشوه املنافسة وتعرض الديمقراطية للخطر ،وكتاب :الصحافة املدفوعة ،وكتاب :احتكار أجهزة اإلعالم.
8ديمقراطية للقلة ،مايكل zبارنتي ص .30ونيويورك تايمز عدد 13يناير 1999مقال zبعنوان :تصنيع الوحش البنكي الضخم ،وحول
البالونات الذهبية للمسئولين التنفيذيين يمكن الرجوع ملقال في صحيفة سان فرانسيسكو إجزامينر عدد 14أغسطس 1998بعنوان:
الهبوط لألسفل ،وكذلك مقال بعنوان :رواتب تقاعدية ،مجلة سوليدارتي عدد مايو ،1966عمال صناعة السيارات املتحدون.
9الحاكم الفعلي في أعرق الدول الديمقراطية في العالم هم بضعة عائالت :وهذه العائالت منها :عائلة روتشيلد ( ،Rothschildsفرنسا
وبريطانيا ،وأملانيا) وفي أميريكا :عائلة روكفلر ،Rockefellersوعائلة ليمانز ،Lehmansوعائلة مورغان ،Morganوعائلة دوبونت ،Du Pont
وعائلة جولدمان Goldmanأصحاب جولدمان ساش ،Goldman Sachsوعائلة كوهين Kuhnأصحاب مؤسسلة كوهين لويبز ،Kuhn Loebs
والواربورجز Warburgsفي هامبورغ أملانيا ،والزرادز Lazardsفي باريس ،وموزيس سيفس Moses Seifsفي روما ،وعائلة والتون Walton
familyفي أميريكا ،أصحاب الوول مارت ،وعائلة كوخ Koch familyأصحاب مؤسسات صناعية باسمهم ،ولهم تأثير كبير في الحزب
الجمهوري.
يصنعون قرارات السلم والحرب ،وعقود االستثمار واالستعمار ،والتدمير وإعادة اإلعمار! فجون فوستر
ً ً
داالس كان مستشارا قانونيا لشركة ستاندرد أويل Standard Oilومدير مؤسسة روكفلر .وكريستان هرتر (
ً
)1961-1959كان مرتبطا بروكفلر بواسطة مؤسسة السالم العالمي التي كان يديرها راسك (.)1969-1961
أما هنري كيسنجر ( )1977-1973فكان مقره في مجلس العالقات zالخارجية ملؤسسة روكفلر وأخوته .أما
سايروس فانس ( )1980-1977فكان إداريا ثم مديرا لروكفلر وعضوا في املؤسسة الثالثية،10
ولهذا فان القول إن البرملانات في البالد الديمقراطية تمثل رأي األكثرية هو كذب وتضليل ،وإن القول إن
الحكام ُيختارون من أكثرية الشعب ،وإنهم يستمدون سلطتهم zمن الشعب هو كذب وتضليل كذلك ...ثم إن
القول بأن الحاكم مسؤول أمام البرملان الذي يجسد اإلرادة العامة للشعب ،وأنه ال يتخذ القرارات الكبيرة
إال بعد موافقة أكثرية أعضاء البرملان هو قول ال ينطبق على الحقيقة والواقع ،ف"إيدن" zأعلن حرب
السويس على مصر دون أن ُيعلم البرملان ،ودون أن ُيعلم الوزراء شركاءه في الحكم غير وزيرين أو ثالثة،
وداليس أيام حرب السويس طلب منه الكونغرس zملف السد العالي ،واألسباب التي أدت إلى سحب عرض
ً ً
تمويله فرفض رفضا باتا أن يسلم امللف إلى الكونغرس ،وديغول كان يتخذ القرارات دون أن يدري بها
وزراؤه ،وحتى امللك حسين يتخذ القرارات الهامة والخطيرة دون أن يدري بها الوزراء ،أو أعضاء البرملان".11
يقول البروفيسور مايكل بارنتي في كتابه :ديمقراطية للقلة" :يحاول الكثيرون من علماء السياسة تجاهل
العالقة بين الحكومة والثروة ،وهم يعاملون الشركات العمالقة كما لو أنها مجرد مجموعة واحدة من
املجموعات ذات النفوذ ،ويلجأ هؤالء إلى إلصاق صفة املاركسية بأي موقف يربط بين الطبقة والثروة
والرأسمالية zوبين السياسة ،وعلى الرغم من أن كارل ماركس هو أول من رآى مثل هذه العالقة ،غير أن
منظرين آخرين مثل توماس هوبز ،وجون لوك ،وآدم سميث عالوة على ألكس هاملتون وجيمس ماديسون
في أميريكا ممن لهم نزعات محافظة رأوا أيضا وجود مثل هذه العالقة ،وفي الواقع zفإن جل املنظرين
وممارسي السياسة في القرنين السابع عشر والثامن عشر وبداية القرن التاسع zعشر اعتبروا العالقة بين
التنظيم االقتصادي واملصلحة االقتصادية وبين الدولة والطبقة أمرا ليس مهما فحسب ،بل ومرغوبا فيه
أما روتشيلد فتاريخها مليء بتمويل الدول والحروب ،والسيطرة على البنوك وأسواق البورصة والسمسرة ،وإنتاج املاس في مناجم جنوب
افريقیا ،وغير ذلك ،وأما روكفلر فقد بدأت بإنشاء شركة ستاندرد أويل ،وسيطرت في القرن التاسع عشر على حوالي 90باملائة من صناعة
النفط األمريكي ،مما جعل الرئيس األمريكي ثيودور روزفلت يحذر من تنامي نفوذها وتشكيلها حكومة ظل في الواليات املتحدة ،وتسيطر
على بنك مانهاتن ،وإكسون موبيل ،وشيفرون ،وبريتيش بتروليوم ،وغيرها من الشركات الكبرى العابرة للقارات ،وأما عائلة مورغانz
فتمتلك الشركات الكبرى مثل جينيرال إليكتريك ،وشركة الواليات املتحدة للصلب ،وقد عهدت إليهم عائلة روتشيلد بتمثيل مصالحهم في
أميريكا عام ،1899وهم مؤسسوا بنك تشايس مانهاتن أحد أكبر البنوك في العالم ،وقد طوروا إمبراطورية zسكك الحديد في جميع الواليات
املتحدة ،وكانوا يملكون صحيفة النيويورك تايمز ،أما عائلة دوبونت ،فبرزت في صناعة البارود واملتفجرات ،وخالل الحرب العاملية األولى
أنتجت % 40من القنابل واملتفجرات املستعملة في الحرب ،وتسيطر على تجارة القنب الهندي (املاريجوانا) ،والذي تخلصت من الحظر
املفروض عليه مقابل تصنيعها للبلوتونيوم املستعمل في القنابل الذرية ،والدعم املقدم منها في الحرب العاملية الثانية للحكومة األمريكية،
ولها أعمال في إنتاج البذور املعدلة وراثيا،
شاهد تقريرا وثائقيا :ملك الترجمه .ماذا جري للبنك الفبدرالي
وانظر :البترودوالر ..قصة أرامكو التي رسمت عالقة واشنطن والرياض
10أميريكا املستبدة :الواليات املتحدة وسياسة السيطرة على العالم «العوملة» مايكل بوغنون موردانت ص 140
11الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها zأو الدعوة إليها ،عبد القديم زلوم 1990بتصرف.
وضرورة أيضا لصالح الدولة ،ولقد أعلن القاضي األمريكي جون جي "على من يملكون هذا البلد أن
املح َت ِد سيطرة مستمرة
يحكموه" في حين أعلن ألكسندر هاملتون أن "من الواجب أن يمارس األغنياء ونبالء ْ
12
على الناس"
التعريف اإلجرائي:
واملعيار الثالث لتعريف الديمقراطية هو اإلجرائي ،Proceduralأما التعريف ,اإلجرائي ،13فيقوم على أن
الديمقراطية ال تعدو كونها طريقة معينة التخاذ القرارات ،فهي ليست فلسفة معينة للحياة ،ألنها ال تحوي
ُ
فلسفة سياسية محددة ُيبنى عليها نظام ،فالديمقراطية برأيهم يمكن أن تطلق على أي نسق سياسي أو
اجتماعي أو اقتصادي كالديمقراطية الرأسمالية ،واالشتراكية رغم التباين بين النظامين 14.على أساس أن
الديمقراطية توجد حيثما توفرت األسس العامة للديمقراطية الليبرالية ،والتي تتمثل في التعددية
السياسية ،واملنافسة ،واملشاركة السياسية ،وتداول السلطة بين األحزاب املتنافسة ،واحترام رأي األغلبية،
واملساواة السياسية ،وترسيخ مفهوم الدولة القانونية القائمة على الفصل بين السلطات ،وخضوع الحكام
15
للقانون.
من هنا فالتعريف zاإلجرائي يتم بدراسة مجموعة ضيقة من املمارسات zالسلطوية ليتحدد على ضوئها ما إذا
كان النظام ديمقراطيا أم ال،
ونظرا لفضفاضية املقاييس وكثرتها ،وتناقضاتها ،اختار أنصار التعاريف اإلجرائية مجموعة ضيقة من
املمارسات السلطوية ليحددوا في ضوئها ما إذا كان نظام حكم ما يمكن أن يوصف بالديمقراطي zأو ال،
ويحصر معظم دارسي هذه اإلجراءات اهتمامهم باالنتخابات ،فيتساءلون عما إذا كانت االنتخابات تقوم على
تنافس حقيقي وتضم عددا كبيرا من املواطنين تؤدي إلى تغيير في الرجال والسياسة؟ ويرفضونها إذا ما بقيت
مزيفة وتخلو من املنافسة ،وتستخدم كمناسبة لسحق املعارضة ،كما في كازاخستان ،ولكنها إذا أحدثت
تغييرات حقيقية فإنها تعتبر عندهم مؤشرا على الديمقراطية .من ذلك مثال أن مؤسسة دار الحرية املعنية
بهذه الدراسات تبحث بصورة رئيسية عن العناصر اإلجرائية التالية:
16
Piano and Puddington, 2004 p 716
17الديمقراطية لتشارلز تيللي ص 25-24
18
Samule P. Huntington، The Third Wave، Democratization in the Late Twentieth Century pp 6-7.
19
Joseph A. Shumpeter، Capitalism، Socialism، and Democracy pp 269، 284
20
Eva Etzioni، Fragile Democracy، The Use and Abuse of Power in Western Societies، P. X.
االقتراع فال تغير في الواقع zشيئا ،ولطاملا رأينا ذلك في التجربة الباكستانية على سبيل املثال! فالواقع zهو هو،
ال يتغير ،وإنما تتغير الوجوه الكالحة zالتي تبقي البالد في تبعيتها ألميريكا!
وتعليقا على تلك األحداث في مصر ورد على لسان املتحدثة باسم الخارجية األمريكية جين بساكي" :لم تكن
تشكل ُحكما ديمقراطيا ،وخرج حوالي 22مليون مصري ّ ّ
للتعبير عن آرائهم وإظهار أن حكومة مرسي ِ
مجرد الفوز في صناديق االقتراع".21 الديمقراطية ليست ّ
والعقبة الثالثة :واعترض على النظريات zاإلجرائية للديمقراطية بأنها تحصر الديمقراطية في انتخابات
دورية ،مما يؤكد الفرض الرئيس الذي تقوم عليه وهو اإلقرار بضرورة وجود نخب سياسية تتنافس فيما
بينها للوصول للسلطة ،حيث ينحصر دور املواطنين في اختيار النخبة ،وتمكينها من الحكم بطريقة سلمية،
وفي هذا إغفال لعدد من القيم الديمقراطية والتي منها تعميق املشاركة السياسية واالجتماعية ،كما تعمل
النظرية اإلجرائية على تسويغ الواقع السياسي في الدول املعاصرة ،وذلك بحصر دور املواطنين في اختيار
من يلي أمرهم فقط ،وترسيخ شرعية ,حكم النخبة ,أو حتمية الديمقراطية zالنخبوية في املجتمعاتz
املعاصرة .22zكما وأن النظرية zاإلجرائية تغفل البعد االجتماعي واالقتصادي للمجتمع ،فهي تبنى على عدة
افتراضات zمنها:
أوال :افتراض تساوي الفرص والقوة بين شرائح zاملجتمع املختلفة ،حيث أن الكل ،كما تفترض النظريةz
اإلجرائية ،يمتلكون القوة املمثلة في حق التصويت ،أما توزيع القوة االقتصادية ،وسيطرة الطبقة الحاكمة
على املوارد ،وعلى القوة السياسية في الدولة ،فإنها ال تبدو في نظر اإلجرائيين أمورا على قدر من األهمية عند
دراسة النظرية zالديمقراطية ،حيث يؤكد "موريس دوفرجيه" "أن الديمقراطية zالليبرالية تعمل ضمن إطار
الرأسمالية التي تعني أن السلطة ال ترتبط فقط باالنتخابات -كما يدعي اإلجرائيون -وإنما برجال املال
واألعمال املسيطرين على الواقع السياسي واالقتصادي في الدولة ،مما يؤكد كون الديمقراطيات zالليبرالية
هي "بلوتو ديمقراطيات" قائمة على سيطرة األغنياء ،وقدرتهم على توجيه دفة املحتمع والتحكم في
23
االنتخابات ونتائجها".
وثانيا :تعكس عملية التصويت في نظر اإلجرائيين إدراك املصلحة الذاتية العقالنية ،حيث يتم التصويت على
أغلبية ملا فيه مصلحتهم،
ٍ بشكل
ِ أساس تحقيق أكبر قيمة من املنفعة ،وكأن أفراد املجتمع يمكنهم التوصل
ويختارون باألغلبية النخب الحاكمة لهم ،ويفرقون بأغلبيتهم بين مستويات مصالحهم املختلفة وتتوافق آليات
االنتخاب مع تحقيق تلك املصالح ،وكل هذه املستويات zأثبتنا استحالة تحققها في الواقع zعلى مستويات أبسط
من مستويات تحقيق مصالح مجتمع من خالل انتخاب املجتمع لنخب تحقق له تلك املصالح ،بل على مستوى
اختيار رئيس للدولة يمثل األغلبية ،24لم تستطع الديمقراطية zذلك ،فإذا ما عجزت الديمقراطية عن تحقيق
[ 21وكالة رويترز11/7/2013 ،م] وأضافت“ :هناك zحكومة انتقالية وهذا األمر سيفتح طريق الديمقراطية ونحن واثقون بذلك .ونحن على
اتصال مع عدد كبير من الفاعلين على األرض”
22علي الدين هالل ،مفاهيم الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث ص .43-42
23موريس دوفرجيه ،املؤسسات السياسية والقانون الدستوري ،األنظمة السياسية الكبرى ،ص .163
24راجع مثال اإلحصائيات التي نقلناها عن نسبة املشاركين zومن يحق لهم االقتراع في االنتخابات القبرصية والفرنسية ،والتي اخترناها ألنها
تمثل نسبا عالية جدا من املقترعين zفي االنتخابات فاقت %83في حين أن النسب الطبيعية للمشاركة في االنتخابات بالكاد تصل للستين
باملائة ،وكمثال وجدنا أن ماكرو رئيس فرنسا حاز على ما يقارب 18باملائة من أصوات من يحق لهم االنتخاب ،ومعنى ذلك أن 82باملائة
فرد -رئيس دولة -لرأي أغلبية ،فكيف ستخوض غمار تحديد مصالح مجتمعية على ُ
تمثيل ٍ األبسط ،وهو
مستوى مجتمع ،حيال قضايا كثيرة يتواضع املجتمع بأغلبية على كل مصلحة منها ،ويختار النخب التي
ستحقق له كل مصلحة ،وهكذا ،فعالوة على أن املدرسة اإلجرائية قد فضحت عجز الديمقراطية أن
تحقق أحد أهم قيمها ،وهو تمثيل رأي األغلبية ،كذلك وجدنا أن املدرسة اإلجرائية وقعت في الخطأ ذاته
الذي عابته هي على املدرسة النظرية zالكالسيكية ،وهو التعلق ,بقيم فضفاضة ال يمكن تحقيقها في الواقع،
وال التواضع على مفاهيمها بين أفراد املجتمع ،فلم تستطع إذن أن تكون مجسدة إلرادة األمة ،وال للقيم التي
يراد لها أن تسود العالقات في املجتمع!
َْ
أفكار
ٍ وثالثا :فإذا ما أضفنا إلى ذلك اشتراط الديمقراطية لوجود التعددية ،فكيف سيخرج من بين فر ِث
َ ً
تناقضةَ ،و َد ِم َها ل َب َنا سائغا للشاربين؟ ما هي القيم التي سيتفق عليها املجتمع ,التعددي؟ وكيف سيتغلب
ٍ ُم
املجتمع على التناقضات zالفكرية بين أحزابه وأفراده ليؤلف منها قوانين وتشريعات وأفكارا ومقاييس تصلح
لنهضة ذلك املجتمع واستقراره؟ إن الواقع يبين لنا أن نظرة الديمقراطية للتعددية هي تعددية فردية تقف
عند حد معتقدات الفرد الذاتية ،وال تتعدى لنظام الدولة الذي يشترط أن يكون عندهم علمانيا فقط،
ويمنع أي فكر قائم على أي عقيدة أخرى من أن يسود عالقات املجتمع!
والعقبة الرابعة :ومن املساوئ البارزة في النظام الديمقراطي فيما يتعلق بالحكم والحكومات انه إذا لم يكن
في البلد الديمقراطي zأحزاب zكبيرة يمكنها أن تحصل على األغلبية املطلقة في البرملان ،وبالتالي يمكنها أن تشكل
الحكومة وحدها ،فإن الحكم في مثل هذا البلد يبقى غير مستقر ،وتبقى الحكومات zفيه واقعة تحت وطأة
أزمات سياسية متالحقة بشكل مستمر ،ألنه من الصعوبة على الحكومة فيه أن تحصل على ثقة األغلبية
البرملانية ،مما يضطرها إلى االستقالة ،وقد تمر شهور دون أن يتمكن رئيس الدولة من تشكيل حكومة
ً
جديدة ،مما سيبقي الحكم في البلد مشلوال ،وشبه معطل ،وقد يضطر رئيس الدولة لحل البرملان ،وإجراء
انتخابات جديدة ،بغية تغيير املوازين ،حتى يتمكن من تشكيل حكومة جديدة .وهكذا دواليك يبقى الحكم في
البلد غير مستقر ،وتبقى سياسته مهتزة وشبه معطلة .وذلك كإيطاليا واليونان ولبنان وأمثالهما من البلدان
الديمقراطية التي فيها أحزاب كثيرة ،وال يوجد فيها حزب كبير يستطيع أن يحصل على األغلبية املطلقة،
لذلك تبقى املساومة بين األحزاب قائمة ،وقد تتحكم األحزاب الصغيرة في األحزاب األخرى التي تعرض عليها
ً
أن تشاركها في تشكيل الحكومة ،فتفرض شروطا صعبة لتحقيق مصالحها الخاصة ،وبذلك تتحكم األحزاب
25
الصغيرة التي ال تمثل إال القلة باألحزاب األخرى ،كما تتحكم في سياسات البلد ،وقرارات الحكومة فيه.
كما أن األحزاب الحاكمة أو التي تخوض حمأة االنتخابات قد تضطر لتغيير سياساتها نتيجة النقد املوجه لها
خالل حقبة حكمها ،أو رغبة منها في كسب ود الناخبين في االنتخابات القادمة ،أو نتيجة وجود أفكار مضادة
َ
تأتي بها أحزاب املعارضة ،ف َت ِع ُد الناخبين بتغيير سياسات معينة مثل أنظمة الضريبة أو قوانين الهجرة مثال
يرفضونه ،ومع ذلك قيل بأنه رئيس ديمقراطي يمثل رأي األغلبية! فإذا كانت الديمقراطية قد فشلت في إيجاد آلية تجعل الفائز في
االنتخابات يمثل رأي األغلبية ،فمن أين لها أن توجد آليات لتمثيل املصالح الحقيقية للمجتمع وما يتفق عليه من قوانين لتكون حائزة على
صفة تمثيل أغلبية املجتمع؟ إن هي إال أضغاث أحالم!
25الديمقراطية نظام كفر يحرم أخذها أو تطبيقها zأو الدعوة إليها ،عبد القديم زلوم.
أو ما شابه ،مما يعرض الدولة ألخطار اقتصادية استثمارية أو يعرضها لتضعضع االستقرار السياسي
االقتصادي!
َ َّ فمثالُ :
"سيسأل املرش ح ملنصب رئيس الواليات املتحدة أسئلة صعبة عن االقتصاد األمريكي والعالمي بالغي
والقضية الفلسطينية ،وعليه أن يحسب ّ وسي سأل عن موقفه من الصين وروسيا وأوروبا والعراقz التعقيدُ ،
بشدة ،خصوصا ّ ّ
املحلية التي ينقسم حولها املجتمع األمريكي ّ
وأن نسبة تحركاته جيدا بخصوص القضايا
صوتون للمرشح "مصوتي القضية الواحدة" zأو " "Single Issue Votersأي ُي ّ
ّ معتبرة من األمريكيين ُي َ
عتبرون من َ
أهمية بالغة بالنسبة لهم ،مثل اإلجهاض أو تقنين قضية واحدة ذات ّبناء على مطابقة موقفه ملوقفهم من ّ
امتالك األسلحة".26
والعقبة الخامسة :وهي إمكانية أن تأتي صناديق االنتخاب بأشد األنظمة دكتاتورية ووحشية في العالم،
وأكثرها شرورا ودمارا ،فقد خرج هتلر وموسوليني وأضرابهما من رحم صناديق االنتخابات! فما هي
الضمانات zأن ال توصل صناديق االنتخابات عديمي الكفاءة ،ممن تقف وراءهم كثرة دعمتهم لصلة قربى أو
لنفوذ مالي أو لسبب آخر ،في حين أن صناديق االقتراع هذه قد تحرم ذا كفاءة من بلوغ املنصب لضعف
َ
قدراته؟ ثم إن التصويت يستوي فيه الجاهل واملثقف والواعي سواء الناخب أو املنتخب ،فأفالطون مثال
يريد حكومة تديرها الخبرات ،ال حكومة تأتي بها الغوغاء والدهماء من عامة الشعب ،ويرى أن تمكين
الغوغاء من القوة ليأتوا بمن يرونه حاكما هو طريق ألن يتولى الحكم طاغية يستأثر بالسلطة! وفي كالمه
وجهة نظر صحيحة!.
فالديمقراطية إذن هي النظام السياسي الذي يتجاهل الفروق العلمية واإلدراكية ألفراد املجتمع،
ويتجاهل القيمة النسبية لبعض أفراد املجتمع ،بل ويفرض نوعا من املساواة غير املشروطة بين أفراد
هذا املجتمع مما يفضي إلى كوارث على املجتمع!
إن الواقع zيضج بحقيقة أن املرشحين واألحزاب حين تخوض االنتخابات تعول على فرصة قلة معرفة
الناخبين بالتفاصيل الدقيقة للقضايا التي يطرحونها والتي تهم املجتمع ،فيركزون حمالتهم على ما يتعلق
بالعالقات zالعامة والشئون العامة اآلنية ،بدال من التركيز على النواحي األيديولوجية والحلول املبدئية ملشاكل
املجتمع! وهذا أيضا يفضي ملشكلة أن الحلول التي تتبناها الحكومات في بعض القضايا قد تتأثر بوجهة نظر
الناخبين القائمة على عدم االختصاص ،مما يضر بسياسات الدولة ،فتتضرر فاعلية الحكومة في حلولها
وسياساتها نتيجة خطبها لود الناخبين!
التعريفان اإلجرائي واملعياري يقران بخلو الديمقراطية من فلسفة للحياة وأنظمة
للمجتمع!
من الواضح zإذن أن التعريفين اإلجرائي واملعياري يقران بخلو الديمقراطية من أنظمة zلالجتماع واالقتصاد
والقضاء وغيرها ،وبخلوها من فلسفة للحياة ،وأنها إنما تقفز على منجزات األنظمة األخرى ،أو تتعلق فقط
بإجراء انتخابات دون النظر في طبيعة النظام الحاكم ،فباالنتخابات وصل هتلر لسدة الحكم ،فال شأن
للديمقراطية بنظامه الذي حكم به! وفي باكستان تجري االنتخابات بين األحزاب فتتغير الوجوه وتبقى
ّ
"ديمقراطي" همام يحيى ،مدونات الجزيرة. 26هل الواليات املتحدة بلد
السياسات هي هي ،وتبقى مشاكل املجتمع هي هي ،فالديمقراطية إنما اهتمت باالنتخابات وكأنها هي العصا
السحرية ملشاكل املجتمع ،وغضت بصرها بالكلية عن طبيعة األنظمة واملشاكل التي فيها!
فهل يمكن وصف الدولة اإلسالمية بالديمقراطية؟ من باب التعريف اإلجرائي
للديمقراطية؟
من الواضح zإذن أن النظرية اإلجرائية للديمقراطية قامت بإفراغها- zأي الديمقراطية z-من القيم ،وسعت
لتعميم ,النموذج الديمقراطي عامليا دون النظر zإلى طبيعة الديمقراطية وتعارضها مع النظم األخرى ،مع أن
هذه النظم لم تكن تتسمى بالديمقراطية وال تتشابه في املنطلقات الحضارية والبنية السياسية وال في
املقاصد والغايات مع النظام الديمقراطي ،فهم بذا ينقضون الديمقراطية نفسها ،ويحولونها لهيكل عظمي
ناخر! عالوة على أن حصر الديمقراطية باالنتخاب واختيار املرشحين املتنافسين على سدة الحكم يفضي
إلمكانية وصف أنظمة استبدادية قمعية بالديمقراطية ،من ذلك مثال أن النظام الفردي الذي يحقق استبداد
القلة املسمى باألوليغارخية يسمح أحيانا بتداول السلطة في نطاق قلة يمثلون الفئة الحاكمة ،أو يمثلون
أحزابا قليلة عريقة في املجتمع لها إمكانياتها في املجتمع بحيث ال يستطيع منافستها أحد من خارجها،
فيحصرون العملية االنتخابية بمرشحيها ،ليقترع املجتمع على أحدهم ،فهل هذه ديمقراطية؟ أال ترى التشابه
الشديد بين هذه الحالة وبين حالة تداول السلطة في نطاق األحزاب العلمانية فقط ،ومنع أي تمثيل ألحزاب
تقوم على منطلقات دينية أو ثقافية ال تؤمن بالعلمانية؟ zأال يذكرك هذا أيضا باالنتخابات األمريكية التي
27
تحصر خيارات الناخبين بين مرشح الحزب الجمهوري ومرشح الحزب الديمقراطي؟
في ظل فشل النموذج الديمقراطي في التجسد في أرض الواقع ،وفي ظل خلوه من آليات ونظم قادرة على
تسيير شئون الحياة ،وفي ظل أنه احتاج إلى النظام الرأسمالي ليعالج الشق االقتصادي في شئون الحياة في
الغرب ،واحتاج العلمانية ليحقق الشق املتعلق بفصل الدين عن الحياة حتى تتمكن الحضارة الغربيةz
بسندان الديمقراطية ومطرقة العلمانية ومطرقة الرأسمالية من اإلجهاز على باقي الحضارات واستعمار
شعوب األرض ثقافيا وسياسيا وعسكريا،
واحتاج النموذج الديمقراطي zلليبرالية zوهي نقيضه ليحقق ما يسمى بحقوق األقليات إذا ما أفرزت صناديق
ُ ُ ً
االنتخاب نظما تخص حقوق األغلبية دون األقلية ،وتجسد النظام الديمقراطي بالحضارة الغربية تلك
الحضارة التي تميزت بطبيعتها االستعمارية ،والتي فتكت باألمة بل وباإلنسانية فتك الذئب بالحمل.
27يقول البروفيسور مايكل zبارنتي في كتابه :ديمقراطية للقلة" :ويجادل املدافعون عن االتجاه السائد بأن استبعاد وجود أحزاب ثالثة (إلى
جانب الحزبين األمريكيين zالرئيسيين) هو في مصلحة البالد نظرا ألن وجود الكثير من األحزاب إنما يؤدي إلى تشتت نظامنا السياسي
وزعزعته" .ص .9فتأمل!
هذا ،وغني عن القول بأن نظام اإلسالم يحوي أحكاما محددة حول اختيار جهاز الحكم ،28والشورى،
واملحاسبة ،واألمر باملعروف والنهي عن املنكر ،وعن الخروج على الحاكم ،وأحكاما متعلقة بالحفاظ على
القيم السائدة في املجتمع ،وما إلى ذلك ،كلها في إطار نظام يبغي إليجاد نمط معين في العيش ،وقد تتشابه
بعض فروع هذا النظام مع بعض فروع النظام الديمقراطي ،ولكن ،ال بد أن نفهم أنه ال يبحث عن التشابه
في الفروع إال من لم يقف على بنية الحضارات الفكرية وقيامها على أيديولوجيات ذات منطلقات محددة
َ
ول َها إال أن ُيغ َّي َر في أساسها الذي قامت عليه أي في عقيدتها ُ ُ ُ َّ َ
مترابطة ،ال يمكن أن يوفق بينها في أص ِ
ً ٌ َ ُ
األصول وتعمل ,خادما لها من أجل
ِ الفروع منبثقة عن تلك روع َها؛ ألن هذه
وفكرتها األساسية ،وال في ف ِ
ضمان الوصول إلى هدف الحضارة من إيجاد نمط معين من العيش لتحقيق قيم معينة في ذلك املجتمع
الذي يحيا تلك الحضارة ،ومن أخذ الفروع منفصلة عن أصولها ،ووضعها في منظومة فروع حضارة
أخرى ،لم يزد على أن أوجد عناصر غريبة في تركيبة الحضارة الثانية ال توصل إلى غاياتها وال تحقق
للمتحضرين ,بها السعادة ،بل تضعهم في دوامة التناقضات ،لذا فإنه من السخف وضعف الفهم وصف
اإلسالم بالديمقراطي أو محاولة التوفيق بينهما!.
(وعلى هذا يمكننا القول :إنه من باب التضليل املؤذي إلى أبعد الحدود ،أن يحاول الناس تطبيق املصطلحات
التي ال صلة لها باإلسالم على األفكار واألنظمة zاإلسالمية).29
التعريف األيديولوجي:
رابعا :التعريف ,األيديولوجي للديمقراطية :مع إغفال النظرة zاإلجرائية للقيم اإلجتماعية املحددة
ً ً
للديمقراطية ،وكونها تحمل ُب ْعدا "عقائديا " ،وترتبط بمفاهيم محددة ومعتقدات مشتركة بين الجماعة ،ولها
منطلقاتها الحضارية 30وبنيتها السياسية ولها مقاصد وغايات ،والديمقراطية بهذا املعنى تمثل نسقا فلسفيا،
ُ
أو قاعدة تبنى عليها النظرة zإلى املجتمع ،تستمد هذه النظرة zجذورها من أفكار املدرسة الليبرالية zلتحقيق
الحريات ،وإن تناقضت مع الليبرالية في املنطلقات zالفلسفية كما سنبين بعد قليل إن شاء هللا ،تلك املدرسة
28في اإلسالم تقرر أن الخالفة تنعقد بالبيعة ،والبيعة عقد مراضاة واختيار بين األمة والخليفة ،ألنها بيعة بالطاعة zملن له حق الطاعة من
والية األمر .فال بد فيها من رضا من ُي َب َاي ُع ليتوالها ورضا ال ُـم َب ِاي ِع َين له ،ال يدخله إكراه وال إجبار كأي عقد من العقود ،والعقد هذا يتم
عبر طريقة :البيعة ،أي البيعة على الطاعة من جهة املحكومين z،والبيعة على الحكم بما أنزل هللا من قبل الحاكم ،وهي نوعان :بيعة انعقاد،
وبيعة انقياد ،األولى تتم بعقد من تنعقد بهم البيعة ابتداء ،حتى إذا كانت بيعة شرعية فإن باقي األمة تدخل فيها في بيعة االنقياد ،وأما
وسائل االختيار ،ووسائل التعبير عن الرضا ،مثل صناديق االقتراع ،وفرز األصوات ،أو رفع األيدي ،أو استعمال أجهزة الكترونية حديثة،
أو غيرها من أساليب التعبير عن املوافقة ،فتدخل في األشياء وهي مباحة فالفعل األصل هو نصب الخليفة بالرضا واالختيار ،وأما
األفعال املتفرعة عن ذلك كاالقتراع فإنها تدخل تحت حكم األصل وال تحتاج لدليل آخر على مشروعيتها ،فالهدف منها هو التعبير عن
الرضا ،وعليه فإن في اإلسالم أحكام متعلقة باالنتخاب واالختيار ،وعليه أيضا ،فإن فرز األصوات وصناديق االقتراع كلها ليست قضايا
فكرية يترتب عليها أن يوصف كل من يقوم بها بالديمقراطي ،بل هي أساليب للتعبير ,عن الرضا ،ال أكثر ،لذلك فإن من يعطيها أكثر من
وزنها ويجعلها عالمة على طبيعة النظام فإنه من السذاجة بمكان!
29منهاج اإلسالم في الحكم – محمد أسد – ص .52نقال عن اإلسالم وأصول الحكم للدكتور محمود الخالدي
30مثل :تحكيم رأي األغلبية ،والسيادة لألمة ،والتعددية ،ومنع استئثار القلة بالحكم ،والفصل بين السلطات ،والحريات وما شابه من
أفكار متعلقة بالحكم.
التي يعد جون لوك ،وجون ستيورات مل ،وآدم سميث وديفيد هوم من أبرز مفكريها ،رغم اختالف وجهات
النظر بينهم ،فإن عددا من األمور املشتركة بينهم مثل النظرة الفردية لإلنسان ،والتي تجعل الفرد وحدة
31
مستقلة قائمة بذاتها ،تتصل بغيرها لتحقيق مصالحها الذاتية ،ومن ثم فالفرد يمثل غاية البناء االجتماعي
كما أن اإلنسان وفقا لهذه النظرية zيمتلك حقوقا طبيعية ُم ِن َح ْت له لطبيعته اإلنسانية ،بمعزل عن الدولة أو
ُ
املجتمع ،أضف إلى ذلك أن النظرة الليبرالية لإلنسان تبنى على ما يسمى بانعدام القيم املشتركة ،فال
توجد وحدة اجتماعية تحدد القيم االجتماعية أو السلوك املقبول اجتماعيا من قبل األفراد،فالنظرة إلى
32 ٌ
املجتمع غائبة في الفكر الليبرالي. ,
وكما ترى فالتناقضات بين الديمقراطية التي تقوم منطلقاتها الفكرية على أساس وجود "الخير العام"
أغلبية تحدد هذه املفاهيم وتسعى لتكريسها في الدولة واملجتمعٍ اتفاق أو
و"اإلرادة العامة" ،وأنه ال بد من ٍ
من خالل اختيار النخب الحاكمة على أساس ما اتفق عليه الناس من هذه املفاهيم ،وبين الليبرالية التي تقوم
على النزعة الفردية ،وعلى منع التقيد بمرجعيات zمقدسة ،ألن أساسها فكرة التحرر ،ومنع التقيد بأفكار
محددة ،بل تنطلق الليبرالية zفي فضاء رحب تحرري من األفكار ،حتى ال تنغلق على نفسها ،وكي ال تصبح
مذهبا فلسفيا محددا ،فكل ليبرالي له فضاؤه الخاص به من األفكار والقيم التي يؤمن بها ،وكل ليبرالي هو
مرجع لليبراليته ،وبالتالي فال يمكن الجمع بين الديمقراطية zوالليبرالية ،ومع ذلك فقد جمع الغرب بينهما
ليستعير من الليبرالية zما فيها من حريات ،وليأخذ منها ضمانة حقوق األفراد واألقليات ،ضاربين عرض
الحائط بالرأي zالذي تقوم عليه الديمقراطية؛ رأي األغلبية التي قد تجحف بحقوق األقليات ،أي أن
َ َ َّ
الديمقراطية والليبرالية تخل َتا عن أهم مقومات كل منهما ليحصل التوالف العجيب بينهما في نظام
ديمقراطي ليبرالي غربي يراد لنا أن نتخذه مثاال!
والديمقراطية -وفقا للتعريف األيديولوجي -طراز معين للعيش zينبثق من إطار ذهني يبنى على عدة افتراضات
منها :اإلحساس الدائم zبالرغبة في التغيير التي تحرك األغلبية ،وتدفعهم نحو تعديل أوضاعهم االجتماعية
لتتناسب مع التغييرات zالحياتية املتعددة ،فالديمقراطي هو اإلنسان القادر على تغيير أوضاع حياته وأفكاره
ومبادئه وقيمه وفقا للمتغيرات zاالجتماعية املحيطة به ،وينبع التغيير من اإليمان بأن ُ
البنى االجتماعية ال
33 ُ
ت بنى على قواعد ثابتة ،بل هي نتاج لتفاعل األفراد وخبراتهم واتفاقهم
ولذلك فما يراه األفراد ممثال للحق والعدل فهو الحق والعدل ،فاإلطار الذهني الديمقراطي يبنى على الثقة
ّ
املتناهية في العقل الذي يمك ن اإلنسان من الحياة في إطار املجتمع التعددي بتقبله لنمط حياة اآلخرين ،مما
34
يعكس قدرا كبيرا من العقالنية.
أضف إلى ذلك أن املجتمع التعددي يمتاز بعدم وجود منظور جماعي واحد للخير والفضيلة ،ولذلك
فوجود منظور أخالقي واحد للقيم في املجتمع يتعارض ,مع الفكر التعددي ،ومن ثم فأولئك الذين يرغبون
في رؤية قيم عقائدية أو أخالقية واحدة تسود في املجتمع ال بد أن ينتهي بهم املطاف إلى معارضة التعددية،
31
David E. Ingersoll، Communism، Fascism and Democracy p 128.
32
David E. Ingersoll، Communism، Fascism and Democracy p 129.
33
Zevedi Barbu، Democracy and Dictatorship، Their Psychology and Patterns of Life pp 13 and 17
34
Zevedi Barbu، Democracy and Dictatorship، Their Psychology and Patterns of Life p 22
وبناء عليه ،فاملجتمع الديمقراطي zغير ملزم بتبني منظور أحادي للوحدة االجتماعية ،وحين يسود أو يسعى
أي منظور عقائدي أخالقي لفرض رؤيته على املجتمع ،فإنه يصبح من املتعذر بناء مجتمع ديمقراطي ،وذلك
ألن الديمقراطية zتبنى على املنظور العلماني التعددي للمجتمع 35z.كما أن املرء إذا لم يتمكن من قبول اآلراء
األخرى أو الوصول إلى حل وسط في املعتقدات العقيدية فإن عليه أن يحتفظ بها لنفسه فال يطرحهاz
للعامة ،ألن ذلك يناقضالروح الرياضية للديمقراطية ,التي تكفل حرية التدين للجميع ،وبناء عليه
فالتعدد وإمكانية االختالف العقيدي 36يعدان شرطين مسبقين لقيام مجتمع ديمقراطي ،فاملجتمع الذي ال
يقر بحق أو حرية العبادة للجميع zكيفما شاؤوا ال يصلح أن يكون ديمقراطيا 37وقد أكد "كرن شيلدز" أن
الديمقراطية نظام سياسي علماني ،فالدين ال عالقة له بالديمقراطية ،فهو يعد مسألة فردية خاصة
ال عالقة لها بالتنظيم السياسي واالقتصادي واالجتماعي" :فالديمقراطي zيمكن أن يكون بروتستانتيا أو
يهوديا ،ملحدا أو مؤمنا ،ففيما يتعلق بالدين يمكن القول بأن الديمقراطية مذهب محايد يتمثل في
مجموعة من املعتقدات zالعلمانية الصرفة ،فاملفهومات الديمقراطية ال ترتبط بالبواعث الدينية أو
املضادة للدين ،وأي نزاع بين الدين والسياسة الديمقراطية يمكن أن يحدث فقط عند إقحام التعاليم الدينية
38
في الشئون السياسية ...،والديمقراطي -نظرا zملعتقداته السياسية -ال يقبل وال يرفض أي تعاليم دينية"
يتضح من ذلك أن التعريف zالكالسيكي- zالرشيد -ال يصلح لتحليل أبعاد الديمقراطية ،وذلك الفتراضه
العقالنية والرشد في األفراد ،والخير العام في النظام ،وهي افتراضات zضحدها عديد من الدارسين للنظرية
الديمقراطية ،وبينوا عدم واقعيتها وعدم قدرتها على تقديم تفسير للتفاعل السياسي في املجتمعاتz
املعاصرة،
وتغفل النظرة اإلجرائية للديمقراطية zأن قيام الديمقراطية zيرتبط بتوفر شروط أساسية أهمها "العلمانية"z
فالديمقراطية نظام للحياة قائم على حيادية الدولة تجاه القيم الدينية واألخالقية انطالقا zمن قاعدة
أساسية للبناء الديمقراطي تتمثل في حرية العقيدة ،أي حق األفراد املطلق في تبني ما يشاؤون من عقائد
دون تدخل من أحد ،ودونما تأثير على مسار املجتمع والدولة ،وذلك الندراج العقيدة ضمن الخيارات
35
Michael Novak. The Spirit of Democratic Capitalism، pp 49، and 67-68.
36والتعددية لها أنواع ثالثة :أولها التعددية األيديولوجية ،بوجود أفكار ومعتقدات ومذاهب ،وثانيها :التعددية الحزبية ،بوجود أحزاب
حاكمة ومعارضة ،وثالثها :التعددية املؤسساتية ،وتفضي لتعدد مؤسسات املجتمع املدني ،ولكن التعددية األيديولوجية ال تعني أكثر من
وجود اختالف للرؤى حول املعتقدات الخاصة ،فمن حق األفراد أن يكون لهم رؤى ومعتقدات خاصة بهم ،ولكنهم ال يستطيعون تحكيمها
في املجتمع والدولة ألن هذا سيناقض فكرة التعددية! إذ أن اإلسالم مثال فيه نظام حياة متكامل z،فإذا ما طبق فإنه لن يستقي من العقائد
ّ ُ ََُْ َ
عقيدة ،إال عقيدتها العلمانية،
ٍ أي
للحياة ،وبالتالي فلحماية التعددية تمنع الديمقراطية قيام الحكم على أساس ِ
ِ وقوانين تصورات
ٍ األخرى
فتقع فيما تفر منه! تحارب التعددية وتحجمها في شئون الفرد الخاصة فقط ،وتمنع وجودها في الدولة والحياة ،وال ترضى إال بالنموذج
الفكري العلماني ،كذلك تعددية األحزاب ،فال بد لألحزاب الحاكمة واملعارضة أن تتبنى العلمانية نفسها ،وإال تهددت التعددية ،مع أن
اقتصار الحكم على العلمانية فيه قضاء على فكرة التعددية نفسها ،وهكذا ،فكما ترى ما التعددية إال سيف يشهر في وجه األنظمة
األخرى ويغض الطرف عنه حين يكون الحكم والرأي والحزب علمانيا ! وكأن العلمانية ال تتعلق بشئون الدولة واملجتمع والحياة ،وكأن
ٌ
حرام األنظمة األخرى كاإلسالم مثال خالية من أنظمة متعلقة بالدولة واملجتمع والحياة ،فحالل على العلمانية أن تغرد فتفرض نفسها،
ُ
الدوح! على غيرها من النظم
37
T.V. Smith and Edward C. Lindeman، The Democratic Way of Life pp 79، 83، 107 and 116
38
M. Rejai، Democracy، The Contemporary Theories، p 237
الفردية التي ال يجوز للدولة التدخل فيها بحال من األحوال ،وبناء عليه فالديمقراطية نظام ال ديني ،منبثق
39
عن تصور عن الحياة قائم على فصل الدين واألخالق والقيم عن الدنيا.
إن أهم املشاكل التي تعترض ,هذه الفكرة هي:
االعتراض األول :إن الديمقراطية العلمانية الليبرالية هي أيديولوجية بحد ذاتها ،أي عقيدة عقلية ،ووجهة
ُ
نظر في الحياة ،قائمة zعلى أساس الحل الوسط ،فحين نخضعها لعين القيم التي حاربتها هي ،أي قيم
التعددية ،فإننا نجدها ترفض التعددية الخارجة عن إطار العلمانية ،أي أن التعددية املسموحة فقط هي
تعدد األحزاب العلمانية ،فهي منغلقة على نفسها ،وإن ادعت الليبرالية ،ترفض اآلخرين بحجة حماية
اآلخرين من املعتقدات املتعددة املوجودة في املجتمع ،وإن كانت معتقداتهم هم! فتقيد حرياتهم وتدعي أنها
تضمن حرية املعتقد ،وتدخل فيما تفر منه فتمنع التعددية بحجة حماية التعددية! ،وال تسمح بوجود أو
فوز األحزاب القائمة على أيديولوجيات أخرى ،فهي متناقضة مع نفسها ،فال تسمح بتعددية األحزاب إال إذا
كانت تلك األحزاب علمانية فقط! أما األحزاب zالقائمة على أساس الدين ،فيسمح منها من يحصر الدين
باملسجد أو الكنيسة وال يخرجه للشارع! وتسمح للفرد أن يعتقد ما يشاء طاملا ال يخرج اعتقاده خارج
حدود بدنه! وتفرض عليه نظامها ووجهة نظرها zفي الحياة وطريقتها في العيش وتحرمه من تطبيق قيمه
وأفكاره املنبثقة من عقيدته! واألنكى أنها تفعل ذلك بحجة ضمانة وحماية التعددية!
االعتراض الثاني :وعلى صعيد آخر ،فإن املجتمعات zاملسلمة في العالم اإلسالمي تتميز بأغلبية ساحقة
مسلمة ،تصل في بعض املجتمعات إلى نسب تفوق التسعين باملائة منها ،فترفض الديمقراطية لهذه األغلبية
الساحقة أن تقوم دولتها على عقيدتها ،ونظام حياتها على تشريعاتها بحجة وجود أقلية في تلك املجتمعات،
فتسحق الديمقراطية العلمانية zرأي األغلبية الساحقة ،وتفرض نفسها عليهم بديال عن دينهم ،وال تراعي
ً ّ َْ َ
األقل َّي ِة أيضا ،وال تأخذ من عقائدهم شيئا ،وال
نفس ِه نفس َها على ِ
كونهم كثرة ساحقة ،وتفرض في الوقت ِ
تحقق من شرائعهم zشيئا ،فال هؤالء (األكثرية ) نعموا برؤية وجهة نظرهم في الحياة متحققة ،وال أولئك
(األقلية ) ،وفرضت على كليهما ،األغلبية واألقلية أن تتنافر قيمهم العقائدية والتشريعية مع نظام الحياة التي
ً
فرضته عليهم ،فهم يرون السعادة في أمور تحرمهم منها ،وتفرض عليهم أمورا هي عين ما يرونه شقاء لهم،
وهكذا فهي ديكتاتورية متجبرة متسلطة صلفة! خصوصا وأن عدد العلمانيين zفي تلك املجتمعات zقد ينوف
قليال عن عدد أصابع اليدين!
االعتراض الثالث :ثم إن قيامها على أساس الرغبة الدائمة zفي التغيير ،ومنعها قيام قيم ثابتة على أساس من
قواعد ثابتة تسود املجتمع ،فإنها ترمي املجتمع في درك الشقاء ،والدخول في ميمعة التجارب القانونية،
والفكرية ودوام تغييرها ،فال تتحقق أي قيم في املجتمع ،فما كان حالال اليوم يصبح حراما غدا ،ليعود
املجتمع فيكتشف أن الحرام كان يجب أن يكون حالال ،وهكذا ،فال استقرار وال سعادة ،واألنكى من ذلك
التغييب الكامل للفكر الذي يعطي للناس التصورات الصحيحة عن الكون zواإلنسان والحياة ،لصالح تجارب
إنسانية دائمة التقلب دائمة التغير ،عدمت مقاييسها وضوابطها zوأصولها الفكرية!
39نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية لألستاذ الدكتور محمد أحمد علي مفتي ،وهو مرجع فكري دقيق قيم شامل استقينا منه
الكثير من مادة هذا الفصلz.
االعتراض الرابع :إن حرمان املجتمعات من قيام أي منظور للقيم واألخالق وللخير والفضيلة وللعقائد
بحجة إفضاء مثل هذا املنظور للتعارض مع التعددية يدخل الديمقراطية zفي نفق الفوضى األخالقية،
والفوضى الفكرية ،والتعارض مع فطرة اإلنسان وميوله الغريزية ،بل وأفكاره ومعتقداته القطعية ،ألن أي
منظور قيمي حتى ولو كان علمانيا محضا ،فإنه حين يسود سيفضي ملنع التعددية القائمة على أفكار أخرى،
لذلك فهذا يجعل ,الديمقراطية ,مجرد عبثية فكرية تماما كما هي الليبرالية! فبمجرد أن تنغلق في إطار
منظومة فكرية قيمية عقائدية تفقد صفة الليبرالية ،وتفقد صفة التعددية! وهذه أحجية يستحيل حلها!
أسس النظام الديمقراطي:
من األسس األخرى التي تقوم عليها الديمقراطية األسس الرئيسة الثالثة التالية:
أولها :تحكيم رأي األغلبية ,في املجتمع ،والذي يعتبرونه املعيار الصادق املعبر عن الحقيقة الصادقة ،أي
إرجاع سلطة سن القوانين zإلى اإلرادة العامة للبشر ،أي إلى العقل ، 40تحكيم رأي األغلبية مقابل خضوع
األقلية 41لرأي األغلبية!
ً ً
40جعلت الثورة الفرنسية من الديمقراطية مبدأ قانونيا ،إذ نصت املادة السادسة من إعالن الحقوق سنة – 1789م – على أن (القانون
هو التعبير عن إرادة األمة) مبادئ القانون الدستوري – الدكتور السيد صبري ،ص ،52ط 4اإلسالم وأصول الحكم د .محمود الخالدي.
41لألقلية مفهوم zفي العرف السياسي ومن منظور القانون الدولي ،ولتحديد مفهومها zمعايير ثالثة :أولها معيار العدد ،أي أنها أقلية عددية في
قلب أكثرية سكانية ،وثانيها :أقلية من باب معيار األهمية واملكانة ،يركز هذا املعيار على الوضع السياسي واالجتماعي واالقتصادي للجماعة،
فاألغلبية العددية إذا كانت محرومة من أبسط مقومات الحياة الضرورية فإنها تغدو أقلية وفقا لهذا املعيار ،وثالث املعايير معيار املشاعر،
بأن تشعر طائفة من املجتمع بالتضامن zبعضها zمع بعض للحفاظ على هويتها وأصلها العرقي ،أنظر :اآلليات الدولية لحماية األقليات من
منظور القانون الدولي ،للطاهر بن أحمد ،هذا ويجدر ذكر أن مفهوم األقليات ,هو مفهوم غربي نشأ عن الحضارة الغربية ،ولم تعرف
الحضارة اإلسالمية مفهوم أقليات وال أكثريات ،فالكل متساو أمام القانون في اإلسالم ،وفق قاعدة :لهم ما لنا من اإلنصاف وعليهم ما
علينا من االنتصاف ،وقد حاول الغرب استغالل مفهوم األقليات للنفاذ للعالم اإلسالمي بحجة حماية أتباع األديان األخرى الذين يعيشون
وسط املسلمين من احتكام الجميع للشريعة ،وذلك لفرض العلمانية على الجميع ،ولكن الغرب اكتوى بنار األقليات التي ابتدعها وكانت
مقتال له في عقر داره! فأول مقتل هو محاولة الغرب تذويب املسلمين في حضارته وفرض إدماجهم بها وبمجتمعاتهم ،ومنعهم من االلتصاق
بثقافتهم ودينهم ،وثاني مقتل هو ضرب فكرة الديمقراطية بفكرة الليبرالية لضمان حقوق األقليات من الشواذ وغيرهم ،فهنا اهتموا
باألقليات ،وحين كانت األقليات تمثل ثقافة أخرى حاولوا إجبارها على االندماج! وثالث مقتل أنهم اصطدموا داخليا وخارجيا بواقع عجز
مبدئهم عن صهر الشعوب في بوتقة واحدة ،خصوصا في ظل تدفق موجات الهجرة ملجتمعاتهم من مجموعات بشرية تحمل معتقدات ال
توافق معتقداتهم ،واتفق أنهم كانوا في حاجة لتثبيت غاياتهم zاالستعمارية ،فكرسوا مفهوم zاألقليات ،ونقضوا مبدأهم العلماني ثانية
بجعلهم أساس الصراع بين ,األقليات واألكثريات ,في خارج مجتمعاتهم على أنه هو حق األقليات الديني والعرقي والتراثي ,في الوجود
والعيش على أساسه ،وهي تناقض األساس العلماني للنظام الغربي القائم على التجرد املطلق والتحرر التام من القيم الناشئة عن
الدين والتراث ,واألخالق ،,فكونهم لجأوا لهذه املنطلقات ركيزة لتثبيت مبدئهم من خالل استعمالها فجوات ,للتدخل االستعماري ،فإنهم
نقضوا أساس عقيدتهم للمرة الثانية بسبب فكرة األقليات ،وأما في مجتمعاتهم فكان العكس تماما ،فعلى األقليات أن تندمج أو تذوب في
املجتمعات الغربية وتنصهر فيه وإال فال يحق لها أن تمارس أيا من شعائر دينها حتى ولو كان غطاء رأس! أو شعارا له عالقة بالدين ،مما
نقض أسسا كثيرة ملبدئهم مثل حرية االعتقاد ،والحريات الشخصية ،فكانت مشكلة األقليات مقتال ملبدئهم،
وكانت الفاجعة الكبرى في فكرة األقليات كونها تركز على إيجاد التناقضات في مجتمعات لم تكن تلتفت لتلك التناقضات ،فتشحنها بالقالقل
والحروب والنزاعات ،ومثال ذلك إشعالهم فتنة الشيعة والسنة ،واألكراد والفرس والعرب ،ال سيما وهم يبحثون عن مداخل ومبررات
يلجون باستعمارهم منها ،ليفرضوا علمانيتهم الديمقراطية بديال عن اإلسالم ،فطرحوا مشكال لم يكن قائما أبدا ،وهو ما مصير األقليات
النصرانية ،وأقل األقليات ممن ال يبلغون أصابع اليد من العلمانيين والليبراليين وامللحدين في بالد املسلمين ،وأمدوا تلك املجموعات
البشرية التي سموها باألقليات أحيانا باملناصب وأخرى بالسالح والسلطان z،وكانوا يهيئونها ألن تسمى أقلية وأوجدوا لها األحزاب القومية
َّ
القل ِة ،أو استغاللها ،وهذا يفضي أيضا ملبدأ تداول السلطات" ،في وثيقة
وثانيها :منع تركز السلطات بيد ِ
ُ َّ َ َّ َ ُ َ ُ
الدستور الفيدرالي األمريكي ،وفي باب فصل السلطات ،عرف بناة أميريكا االستبداد بأنه "تراكم جميع
السلطات zالتنفيذية والتشريعية والقضائية في نفس األيدي ،سواء كانت لشخص واحد أو مجموعة صغيرة
42
أو كبيرة ،سواء كان األمر بالوراثة أو التعيين zأو االنتخاب ،فهذا هو بوضوح التعريف الدقيق لالستبداد".
وثالثها :تمثيل السلطات لرأي الشعب ،43حيث يعتبرون أن اإلرادة العامة للجماهير مقدسة ،أي أن رأي
األغلبية مقدس وهو معيار الصواب!
44
إذا صح القول بأن (النظام الديمقراطي إنما يقوم من الناحية القانونية على أساس مبدأ سيادة األمة)
فيصبح التفريق بين مفهوم سيادة األمة وبين الديمقراطية غير دقيق ،ألنهما مفهومان متالزمان ،فال
والوطنية ،وصنعوا لها القادة العظام امللهمين! zوأحيوا لها لغاتها التي ربما تكون ميتة وطوروها وخطوا خطوطها وأحرفها وقعدوا
ً ً ً ً ً
قواعدها ،واختلقوا لها تراثا ثقافيا وفلكلورا أو رقصا شعبيا كما يسمونه ،وأبرزوا عاداتها وتقاليدها كأنها أعمال مقدسة ،وأحيوا طقوسهاz
ً ً
الدينية ،وكتبوا لها تاريخا حافال باألمجاد القومية! ومن ثم يقولون إن هذا الشعب شعب آخر يجب أن يأخذ استقالله وهويته ،فلزم أن
تعطوه حق تقرير مصيره .لتبقى القالقل سيدة املوقف فيسهل عليهم التدخل واالستعمار ،والتسلط واالستحمار .فمن أقليات دينية،
كالنصارى واألزيديين ،والصابئة ،إلى أقليات قومية كاألمازيغ واألكراد ،إلى غير ذلك من التجزئة التي يجعلونها مدخال لغاياتهم الدنيئة
وأغراضهم االستعمارية الحقيرة ،مما يثبت أن الحضارة الغربية إنما تقوم في أساسها على غاية االستعمار وإثارة القالقل وبث الحروب
والنزاعات كي تجد لها موطئ قدم لنهب الخيرات وفرض السيطرة.
إن هذه النقائض للديمقراطية الغربية :الليبرالية داخليا ،واألقليات داخليا وخارجيا ،تكفي لبيان كيف أنهم نقضوا غزل مبدئهم بأنفسهم،
فالغرب إذن يبحث عن فوارق خاصة لدى مجموعات من الناس تكون مندمجة ومنسجمة مع غيرها في النظام zالعام في داخل مجتمع وفي
ً
ظل دولة واحدة ،ولكنها أقل عددا من غيرها ،وفي كثير من األحيان ال تكون لها أية مشاكل مع املجموعات البشرية األخرى كما كانت
الحال في ظل الدولة اإلسالمية ،وتاريخها شاهد بدفاع النصارى وغيرهم عن الدولة اإلسالمية في ظل الهجمات الصليبية مثال ،وتاريخها
ناطق بإحقاق حقوق أهل الذمة وحمايتهم ومنع إكراههم على تغيير معتقادتهم .وكل املجموعات البشرية كانت منصهرة في بوتقة اإلسالم،
ومندمجة في املجتمع اإلسالمي بدون تمييز .وحتى بعد زوال الدولة اإلسالمية وإيجاد هذه الدويالت الكرتونية الهزيلة بقيت هذه
ً
آثار ألفكار اإلسالم في قلوبهم وفي حياتهم .فمثال في تركيا حتى أعوام
املجموعات البشرية منسجمة مع بعضها zالبعض؛ بسبب وجود ٍ
الثمانينات من القرن املنصرم لم يكن هناك مشكلة أقلية كردية ولم يكن يحس األكراد بأنهم شعب آخر ،بل كانوا منسجمين مع إخوانهم
األتراك ويعانون نفس املشاكل التي يعاني منها األتراك؛ بسبب وجود نظام كفر فاسد يطبق عليهم يخالف دينهم .وكانوا يثورون ألجل نظام
اإلسالم كما حدث بثورة الشيخ سعيد الكردي من أجل إعادة الخالفة عام 1926م .ولكن في عام 1984م أسس االستعمار عن طريق
عمالئه حزب العمال الكردستاني الذي بدأ بإثارة النعرة القومية عند األكراد ،وحدث ما حدث ،وما زالت هذه املشكلة تتفاعل zودول
االستعمار الغربي تغذيها حتى تؤتي أكلها املر بفصل األكراد عن األتراك ،وإيجاد كيان علماني آخر كما هو موجود في تركيا ،فتزيد املشكلة
ً
تعقيدا،
من هنا فإن مفهوم األقليات مفهوم مدمر مضلل لألمة ،وهو مدخل استعماري خطير ينبغي محاربته zفكرا وممارسة والعودة للعملية
الصهرية التي صهر بها اإلسالم كل الشعوب واألعراق في بوتقة قامت على أساس :لهم ما لنا من اإلنصاف وعليهم ما علينا من االنتصاف.
ُ
42هل قلتم ديمقراطية؟ علي أنزوال ،صحفي مغربي ،مدونات الجزيرة.
ٌ
( 43فالحياة النيابية القائمة على االنتخاب ،وتمثيل األمةِ ،مرآة لسلطان الشعب ،وينظمها قبول حكم األغلبية ،واعتباره القانون zالذي ُي َس ّير
أداة الحكم) السياسة والحكم – الدكتور العمري ،ص 384وقد تساءل " ابراهام لنكولن " عن هذا املعنى املأخوذ من املفهوم zالديمقراطي
للحكم ،بقوله( :ملاذا ال نثق ثقة كاملة في العدالة القصوى zلحكم الشعوب ،هل هناك آمال أحسن وأبعد من هذه العدالة ،أو حتى مساوية
لها في حياتنا الدنيا؟) السياسة والحكم – الدكتور العمري ،ص 136فالعدالة القصوى ،واآلمال zالعريضة للشعوب وفق فهم النظام
الرأسمالي ،ال تتحقق إال بممارسة الديمقراطية التي هي (حكومة الشعب) الديمقراطية اإلسالمية – الدكتور عثمان خليل ص 4نقال عن
اإلسالم وأصول الحكم للدكتور محمود الخالدي.
44الوسيط في القانون الدستوري – متولي ،ص.355
ديمقراطية بدون أن تكون السيادة لألمة ،وفي املقابل ،هناك أحجية يستحيل حلها وهي أن تقوم
الديمقراطية فعال بتحقيق السيادة لألمة ،وهو ما رأينا استحالة تحققه في الواقع.
من هنا برز (القول بأن دولة من الدول ديمقراطية ،وأن نظام الحكم فيها يقوم على أساس مبدأ سيادة
األمة ،إنما هو تعبير عن فكرة واحدة ،ولكن من ناحيتين مختلفتين :فالديمقراطية z:هي تعبير عن الشكل
السياسي (أي عن نظام الحكم في الدولة) .أما مبدأ سيادة األمة :فهو عبارة عن التعبير القانوني).45
"فالديمقراطية كمذهب يراد به إرجاع أصل السلطة السياسية أو مصدرها إلى اإلرادة العامة ،أما
كنظام للحكم فيراد به النظام الذي ُيرجع أصل السلطة السياسية أو مصدرها إلى اإلرادة ٍ الديمقراطية
46
العامة لألمة"
ً ّ
وال تكون الدولة ديمقراطية إال إذا كان الحكم يمارس قانونيا من قبل الشعب مباشرة ،ذلك ألن (املثل
األعلى في الحكم الديمقراطي zهو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ،بمعنى أن الشعب عن بكرة أبيه يجتمع في
47
صعيد واحد ويسن القوانين التي تحكمه ،ويصرف شؤونه اإلدارية الكبرى ويقضي فيما يراد القضاء فيه)
وملا كان من املستحيل إيجاد الصورة املثلى للحكم الديمقراطي ،فإن الديمقراطية zأصبحت اليوم تتجسد
(من الناحية العملية ،بأن للشعب سلطة مناقشة السياسة ،وتحديد خطواتها الرئيسية عن طريق انتخاب
النواب) 48وهذا ما يميز النظام الديمقراطي عن حكم الفرد ،ألنه (متى تعلم سواد الشعب ،وبلغ سن
النضوج والرشد ،آلت القوة القاهرة إلى الكثرة العددية وسادت الديمقراطية) 49لذلك كانت الديمقراطية
هي حكم األغلبية 50وكانت السيادة لألمة ،فال سلطة تعلو على هذه السيادة ،وترى الديمقراطية أن كل الحق
ً
وكل العدل في الرأي zالذي تراه األمة ممثال في رأي األغلبية.
إذن فالنظام الديمقراطي zاكتسب شرعيته من كون األمة هي صاحبة السيادة ،فهو راجع إلى هذه السيادة في
51
قيامه ،ومستند إليها في استمراره ،ومنبثق عنها في سبب وجوده.
يتضح من االرتباط الحتمي بين الديمقراطية وبين سيادة األمة أن القول بأن األمة هي صاحبة السيادة
ومصدر السلطات في النظام الديمقراطي يؤكد كونه نظاما ال دينيا ،ونظرا النعدام القواعد العقيدية أو
الفكرية التي يعول عليها ملعرفة الحق من الباطل ،فإن الفكر الديمقراطي الغربي ال يحدد ثوابت منطقية
عقالنية للغايات ,االجتماعية ,خارج إطار االختيار الفردي ،فالعقالنية هي انعكاس لرغبات الفرد ومصالحه
الذاتية ،وليست محددات خارجية موضوعية للسلوك االجتماعي لألفراد 52ومن ثم فغايات zالفرد -وفقا
لهذا املنظور -تخضع لرغباته وتتغير وفقا لحاجاته األساسية ،ولذلك فإن القرار يصبح عقالنيا إذا
أخذنا في االعتبار قيم كل فرد مشارك ،ووضع اتخاذ القرار أو صنع القرار – إذا خدم مصلحة الفرد
45الوسيط في القانون الدستوري – متولي ،ص .139الدكتور محمود الخالدي :اإلسالم وأصول الحكم.
46إبراهيم عبد العزيز شيحا ،مبادئ األنظمة السياسية ،الدول والحكومات ،ص ،150
47دراسات في النظم الدستورية املعاصرة :محمد عبد هللا العربي ،ص.185
50انظر في ذلك :الدول والدساتير لفتحي عثمان ،ص ،160ط ،1965دار النهضة العربية .القانون الدستوري – الكتاب األول ،ج ،1ص 159الدكتور عثمان خليل .السياسة والحكم – للدكتور العمري ،ص.384
53
Andrew Levine، Liberal Democracy. A Critique of its Theory. P 107
54عبد الفتاح حسنين العدوي ،الديمقراطية وفكرة الدولة ،ص 32
55
Willmoore Kendall. John Locke and The Doctrine of Majority- Rule p 112
56
David E. Ingersoll، Communism، Fascism and Democracy p 129.
العملية zالسياسية األمريكية تعطي رئيس البالد حق رفض قرار األغلبية من خالل حق النقض "الفيتو"،
حيث يتوجب في حينها إعادة القرار إلى مجلسي النواب والشيوخ لدراسته مرة أخرى ومنحه تصويتا أعلى
من قبل (أكثر من ثلثي األصوات بدال من النصف) وإعادته للرئيس zمرة أخرى .وحتى في هذه الحالة ،يمكن
للرئيس االمتناع عن التصويت وقتل قرار األغلبية ،متى ما شعر الرئيس zأن قرار األغلبية ليس على حق من
وجهة نظره z.ففي جميع األنظمة الديموقراطية هناك محاذير من قوة األغلبية وضوابط معينة تمنع األغلبية
من التصرف بحرية كاملة ،حتى إن كانت معظم األصوات zفي صفها وقراراتها "على حق" ،وذلك منعا ملا
يعرف في علم الفلسفة السياسية ببطش األغلبية “.58" ”57Oppression by the majority
ّ
املحذرين األوائل مما صار ُي َّ
سمى " "The Mob Ruleأو "حكم الرئيس األمريكي جيمس ماديسون كان أحد
ّ
أكثرية عددية في املجتمع على تشريع قوانين أو إجراءات zتنتقص من الغوغاء" ،واملقصود به هو تواطؤ ّ
ّ
األكثرية ،بحجة كونها ّ
الديمقراطية لتفرض األقل عددا ،أي استخدامّ ّ
األساسية لألفراد أو الفئات الحقوق
ّ ّ
أكثرية ،قوانين وإجراءات تنتقص من حقوق األقليات ،ال األقليات العرقية zأو الدينية بالضرورة ،بل حتى
ّ ّ ّ
األكثرية( .وهذا ما نشاهده في عهد سياسيا يمكنهم من مواجهة تسلط األفراد الذين قد ال يملكون تمثيال
الرئيس دونالد ترمب بالضبط) ،قال ماديسون في "أوراق الفيدرالية" الورقة العاشرة ،ما ُّ
نصه:
ّ
الديمقراطية الخالصة ،والتي أعني بها " ..ومن النظر إلى املوضوع من هذه الزاوية يمكننا أن نستنتج أن
ّ
يتكو ن من عدد قليل من املواطنين الذين يجتمعون ويديرون الحكم مباشرة ،ال يمكن أن يقدم مجتمعا ّ
أكثرية من املجموع فيعامة ما ال ّبد أن توافق رغبة لدى ّ عاما ما أو مصلحة ّ التكتلّ .إن هوى ّعالجا ملساوئ ّ
وسيتكف ل شكل الحكم بنفسه في تبادل هذا الهوى والحشد له ،وليس ّثمة ما ّ ّ
الغالبية العظمى من الحاالت،
ّ ُ
للتصد ي إلغراءات التضحية بالفئة األضعف أو بالفرد املناوئ .بالتالي ،لهذا السبب كانت يمكن فعله
الديمقراطيات دائما مسرحا لالضطراب والنزاع ،وكانت دائما متناقضة مع األمن الشخصي وحقوق
امللكية ،وكانت بشكل عام قصيرة العمر وعنيفة الزوال".59
إن النظام الديمقراطي القائم على نظرية سيادة األمة (ينزع بأصحابه إلى اعتبار إرادة األمة إرادة مشروعة
ً
بذاتها .أي إلى اعتبار أنها تمثل دائما الحق والعدل ....وإن هذا املبدأ ينطوي على اإلدعاء بأن السلطة تكون
ً ً ً
مشروعة نظرا ملصدرها ،وبناء على ذلك فكل عمل صادر عن إرادة األمة يعد عمال مطابقا لقواعد الحق
والعدل ،وإنه يعد إذن فوق متناول الشك واملناقشة من هذه الناحية ،ال لسبب إال ألنه صادر عن إرادة
األمة ،فهذا املبدأ – سيادة األمة – ينسب إلى الشعب صفة العصمة من الخطأ ،ولذلك فهو يؤدي بالشعب
(أو بممثليه) إلى االستئثار بالسلطة املطلقة ،أي إلى االستبداد ،إذ أنه طاملا كانت إرادة الشعب تعد إرادة
مشروعة ،ال لشيء إال لكونها صادرة من الشعب ،فإن الشعب يستطيع إذن – من الناحية القانونية – أن
ً
يفعل كل شيء ،وهو إذا يغدو في غير حاجة إلى أن يأتي بمبررات ملا يعمل ويريد) 60بل إن وجود النظام
57فمثال في الحقبة ما بين فترة الثالثينات وفترة السبعينات من القرن العشرين قامت الحكومة الديمقراطية في السويد بتعقيم آالف
النسوة رغما عنهن ألنهن ينحدرن من أجناس مختلطة فأريد أن ال يلدن ذرية! "Why democracy is wrong". web.inter.nl.net. Retrieved
.October 28, 2015
58هل األغلبية دائما على حق؟ د .فهد بن عبد هللا الحويماني
59هل الواليات املتحدة بلد "ديمقراطي"؟ همام يحيى ،مدونات الجزيرة.
ً
60مبادئ نظام الحكم في اإلسالم ،ص 574نقال عن بارتلمي ،ص.63
الديمقراطي من خالل فرض واقع السيادة لألمة ،قد عاد بنتائج zعكس ما كان أتباع النظام الرأسماليz
يتوقعونه ،فهم يرون (أن نظرية سيادة األمة رغم أنها نظرية مصطنعة ،فإنها كانت تصبح جديرة بالتأييد لو
أنها كانت مفسرة للحقائق ،أو الوقائع zالسياسية في العصر الحديث ،ولو أن نتائجها العملية zكانت طيبة،
61
ولكن الواقع zكان عكس ما كنا نتوقع)
ثم إن التشريعات التي يراد أن يصار إليها zبرأي األغلبية منها ما هو اقتصادي ،ومنها مما يتعلق بالسياسة
الخارجية ،أو الخطط الحربية مثال ،فهل يستوي في هذه الشئون رأي الفالح البسيط برأي الخبير
االقتصادي؟ أو هل يستوي رأي الخبير العسكري برأي مبرمج الحاسوب في الخطط الحربية؟ لذلك فهنالك
قضايا فنية تخصصية يرجع معيار الصواب فيها ألهل االختصاص ،وهناك قضايا تشريعية ال تعرض أصال
للتصويت ،مثل عقوبة السارق مثال ،وهناك قضايا تتعلق بالعمل zالجماعي zمثل مشاركة الجموع في عمل
فيصار إلى رأي األغلبية للعمل zبه بغض النظر عن الصواب والخطأ ،وهكذا.
نواقض أخرى للديمقراطية
نالحظ أن فكرة أن النظام البرملاني zتمثل تجسيدا لرأي األغلبية ،أو أنها تمثل "حكم الشعب بالشعب" فكرة
ال واقع لها ،يستحيل وجودها في الواقع،
يرصد موقع http://www.electionresources.org :نتائج zاالنتخابات حول العالم ،ونسبة املصوتين ،والنسبة
التي فاز بها املرشح،
ً
61مبادئ نظام الحكم في اإلسالم – متولي ص 575نقال عن دوجي ،ص ،125طبع باريس.1926 ،
مايو 6 الرئاسية
2012 الفرنسية
25.7% 31.2% 11448663 Nicolas 83.8% 3725424 44472834 إبريل االنتخابا
Sarkozy 2 -22 ت
مايو 6 الرئاسية
2007 الفرنسية
انتخابات هي تلك التي في قبرص و 2008و 2013وفي فرنسا ،2007شارك ٍ وكانت من أكبر النسب مشاركة في
أكثر من 83باملائة من الذين يحق لهم التصويت في تلك االنتخابات ،والجدول أعاله يبين النسبة التي فاز
املرشحون بها باالنتخابات الرئاسية ،وهي نسبة الذين ُزعم بأنهم أغلبية ،لكنها في الواقع تمثل %29.2و
% 36.7من نسبة أصوات الناخبين في االنتخابات القبرصية ،والنسبة التي فاز الرئيس الفرنسي ماكرون بها
وهي نسبة 18.19باملائة من أصوات الناخبين ،فهي قطعا ليست بأغلبية كما يزعم النظام الديمقراطي ،وبناء
على هذه النسب فاز املرشحون! ،هذا ويجدر التنويه إلى أن نسب املشاركة الطبيعية في االنتخابات في الدول
الديمقراطية تتراوح عادة في املتوسط ما بين األربعين والستين باملائة في أحسن التقديرات ،مما يعني أن ما
يقارب نصف من يحق لهم التصويت يرفضون املشاركة في االنتخابات ألسباب كثيرة منها عدم إيمانهمz
بالخيارات املطروحة لهم أو عدم إيمانهم بقدرة األنظمة على التغيير ،أو غير ذلك ،مما يعني أن الفائز
باالنتخابات لن يمثل إال أقل القلة من املجتمع ،فإذا كان ماكرون قد فاز بنسبة %18في انتخابات شارك فيها
ما يزيد على الثمانين باملائة ،فكيف بمرشح يخوض انتخابات يشارك فيها خمسون باملائة ممن يحق لهم
االنتخاب؟ بأي نسبة سيفوز؟ وكيف سيمثل األغلبية؟ معضلة صعبة الحل أمام الديمقراطية!
فكما ترى ،وال مرة كرست االنتخابات رأي األغلبية ،وال كان الفائز بها نتاج رأي األغلبية! فحين ترى أن
الرئيس الفرنسي إيمانويل zماكرو يمثل رأي 18باملائة من الناخبين ،فإن هذا يعني أن حوالي %82من
الناخبين ال يرونه ممثال لهم ،فكيف أضحى ممثال لرأي األغلبية وكرس العملية الديمقراطية تكريسا في
فرنسا أم الديمقراطية؟
إذن :فالديمقراطية الحديثة ،أساسها zفكرة منع تحكم األقلية في األكثرية ،وفكرة تداول السلطة ،وفكرة أن
الشعب مصدر السلطات ،فعلى سبيل التشريع ينبغي للتشريع أن يكون نتاج رأي األكثرية ،وعلى سبيل
التنفيذ ينبغي للسلطة أن تكون ممثلة لرأي zاألغلبية ومنتخبة من قبل األغلبية ،وعلى سبيل القضاء
والقوانين ينبغي أن تكون ممثلة لرأي zاألغلبية ،وعلى سبيل تحديد املصالح العامة أيضا ،وإال فإن فشلت في
شيء من هذا فإنها تنقلب من ديمقراطية إلى أوليغارخية ،أي تصبح أداة لتكريس تحكم األقلية في األغلبية.
فالديمقراطية إذن نقيض ما يسمى باألوليغارخية أي تكريس حكم األقلية ،وقد ثبت فشلها في تحقيق أي
شيء من ذلك،
على أن معضلة أخرى تظهر zهنا ،وهي أن هذه الديمقراطية zوهي تحاول منع تكريس حكم القلة ،ال تنظر إلى
تكريس وحماية حقوق األفراد واألقليات ،وحرياتهم ،ألنها تخلو من الضمانات التي تمكنها من تحقيق ذلك،
بمعنى آخر ،فإن رأت األكثرية ضمان حقوق األقلية كان لهم ذلك ،وإال فال ،فاألكثرية هي التي تتحكم ،بغض
النظر عن الرأي zالذي تخرج به ،وعلى األقلية الخضوع لرأي األكثرية وإن أجحف بحقها ،وعلى األفراد
الخضوع لحكم األكثرية وإن منعهم بعض ما يرونه حقوقا لهم.
يشير "سميث وليندمان" إلى أنه إذا كان ال بد لفئة ما أن تحكم الدولة فلم ال تكون األغلبية هي تلك الفئة؟
ً
فاألغلبية لها حق الحكم ببساطة ألنها األكثر عددا ،62فرأي األكثرية في قضية اقتصادية مثال مقدم على رأي
أهل االختصاص من االقتصاديين حتى ولو كانت األغلبية ممن ال دراية لهم باالقتصاد!
ولنا أن نبحث واقعين يصبان في النتيجة ذاتها :هب أن لديك مجتمعا ديمقراطيا ،فيه أكثرية عرقية معينة
فيها العدد الكافي الختيار حاكم تراه ممثال لذلك العرق ،أو قانونا يحمي حقوق هذا العرق ،بغض النظر عن
األعراق األخرى التي تمثل أقلية في ذلك املجتمع ،فهذا واقع سيوصل حتما إلى قرارات zال تصب في مصلحة
األقلية وال تراعي هذه املصلحة zابتداء ،وسيوصف الحكم هذا والقانون هذا والحاكم هذا بالديمقراطي حتما
َّ
ألنه مث َل رأي األغلبية.
والواقع الثاني ،أن ترفض فئة من املجتمع املشاركة في التصويت واالنتخاب ،ملبررات كثيرة ،فمثال قد ترى
الحياة السياسية موبوءة بالفساد ،وأن أصواتها ال تحدث التغيير ،كالحال في االنتخابات التي تجري في بلد
كمصر مثال ،تتحكم فيه فئة تستغل االنتخابات لتعطي حكمها زخما جماهيريا ال تمتلكه في الحقيقة ،وقد
ترى هذه الفئة أن الخيارات املطروحة أمامها في التصويت تتراوح بين سيء وأسوأ!
يقول البروفيسور مايكل بارنتي" :لقد حاول أخصائيو العلوم السياسية الذين يمثلون االتجاه السائد في
أميريكا واملدافعون zعن النظام االجتماعي القائم لعدة عقود إعادة عرض كل النواقص zفي النظام السياسي
بحيث تبدو وكأنها نقاط قوة ،فهم يحاولون إقناعنا بأن املاليين ممن يحجمون عن اإلدالء بأصواتهم في
االنتخابات األمريكية قانعون بالظروف االجتماعية الراهنة ،وأنه ال داعي للقلق من وجود جماعات ضغط
(اللوبي) كبيرة النفوذ ألن هذه الجماعات zإنما zتمارس دور تزويد الحكومة باملعلومات الحيوية ،كما يجادلون
بأن التركيز املتزايد للسلطة التنفيذية هو أمر جيد نظرا ألن الرئيس إنما يستجيب وبصورة ديمقراطية
للمصالح الوطنية العريضة وليس للمصالح الخاصة ،ويجادل املدافعون عن االتجاه السائد بأن استبعاد
وجود أحزاب ثالثة (إلى جانب الحزبين zاألمريكيين الرئيسيين) هو في مصلحة البالد نظرا ألن وجود الكثير من
63
األحزاب إنما يؤدي إلى تشتت نظامنا السياسي وزعزعته"
وحين نرى نسب املشاركة في االنتخابات فإن الحاالت االستثنائية تمثل مشاركة ما يقارب الثمانين باملائة ممن
يحق لهم التصويت ،في حين أن أغلبية االنتخابات تحوم حول نسبة الخمسين إلى الستين باملائة ممن يحق لهم
التصويت ،وهذا يعني أن ما يقارب األربعين باملائة zمن املجتمع امتنع عن التصويت!
ُ ُ ْ
أمر رفضته األقلية تشريع ٍ
ِ إن واقع الحال أن امتناع األقلية عن التصويت في االنتخابات ،أو فوز األكثرية في
ُ
املعارضة لهذا التشريع ،يعني أن على األقلية أن تخضع لحكم األكثرية ،وأن على من امتنع عن التصويت أن
يخضع لنتائج االنتخابات حتى ولو كان امتناعه لكفره بالخيارات املقدمة له ،أو لعدم ثقته بالنظام السياسي
برمته!
73الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد ،آرنت ليبهارت ،ترجمة حسني زينة ص .13
وحين نقول بأن فكرتها الفلسفية ال تقوم على أساس ضمان مساواة األفراد أمام القانون مثال ،فإن هذا ألن
الفكرة األساس التي قامت عليها إنما هي لتحقيق أن تكون السلطات للشعب ،فإن رآى شعب أن يحكم
بقانون ال يكترث بحقوق العبيد والنساء واملحكومين والعسكريين ،فال حق لهم في التصويت ،وال حق لهم في
اختيار القوانين التي تسودهم ،وال يعدل القضاء بينهم ألنهم عبيد أو ألن املجتمع ينظر إلى أن إنسانيتهمz
ناقصة ،فإن هذا سيسري عليهم ،ومثاله أثينا في ديمقراطيتها املباشرة( zالتي كانت تسمى في أثينا
باإليزوبسيفيا (الحق في التصويت)) التي منعت العبيد والنساء واملحكومين من ممارسة أي من هذه الحقوق،
ومع هذا فهي دولة ديمقراطية بامتياز ،ومثاله أيضا أي دولة ديمقراطية اليوم تمنع أطيافا من املجتمع من
ممارسة ذلك الحق ،العتبارات سياسية أو ثقافية ،فالقانون املصري اليوم على سبيل املثال يمنع الجنود،
ومن هم دون سن الثامنة عشرة واملحكومين ،ومن لم يكن مصريا ألكثر من خمس سنوات من أن يصوت في
االنتخابات ،فما الفارق بين من بلغ الثامنة عشرة مثال ومن هو بالغ عاقل في السادسة عشرة من عمره؟
ولهذا فإنه من بين الخمسة والتسعين مليونا الذين يمثلهم zسكان مصر من املصريين ،تجد أن ما يقارب
الخمسة واألربعين مليونا محرومون من ممارسة حق االنتخاب!.
واملتأمل املدقق يجد أن الديمقراطية zوالليبرالية zتتناقضان zتماما وال يمكن الجمع بينهما! ووجه التناقض هو
أن األغلبية (أي الديمقراطية) لو رأت رأيا ،وأجحف هذا الرأي بحقوق أو حريات األقلية أو مجموعة من
األفراد ،فإن الليبرالية zترى أن يسود مبدأ الحريات zوضمان الحقوق فال ُيعمل بالرأي الذي نتج عن حكم
ُ
األكثرية ،كما وأن الليبرالية تقتضي أن تجعل الحريات zوضمانة تحقيق القوانين لها أساسا في العمليةz
التشريعية ،وبالتالي فال تترك مجاال لألغلبية بأن ترى من القوانين ما تريد! فاألغلبية محكومة بالزاوية
َ
فقيدتهم الليبرالية ،وهي التي ت َّدعي التحرر من كل قيد( ،وهذه طبيعة التي فرضتها عليهم الليبراليةَّ ،
األنظمة الوضعية تناقض نفسها بنفسها) ،وبالتالي فالديمقراطية zذهبت أدراج الرياح! والليبرالية غدت
متسلطة!،
فهب مثال أن األكثرية قررت منع ما يسمى زواج املثليين ،فإن الليبرالية ترى في هذا منعا لتحقيق الحريات
ُ ُ
ومنعا للمثليين zمن حقوقهم ،فتتجاوز حينها الدولة ما رأته األغلبية ،فتقوم بسن قوانين تراعي حقوق
األفراد واألقليات من املثليين ،فأين ذهب رأي األغلبية؟ لقد ذهب أدراج الرياح! وأين ذهبت الليبرالية zبعد
ُ
أن قيدت بقيد فرض الحريات؟ وحين فرضت الحريات zكيف بقيت ليبرالية؟ ذهبت أدراج الرياح!z
إن مفهوم إرادة األمة ،مفهوم غامض مبهم ،وهو في النظام الديمقراطي يعني :حق األمة في ممارسة أعمال
ً
السيادة ،ولكننا (حتى لو سلمنا نظريا بمبدأ سيادة األمة ،أي بوجود إرادة مستقلة عن إرادة األفراد ،فإنه
من الناحية الواقعية ال تبدو إرادة األمة إال في شكل إرادة أغلبية أفراد األمة ،إذن فالسيادة لألغلبية
وليست لكل األمة ،فما هو السبب القانوني في حق إخضاع األقلية لألغلبية) 74ثم تجريد األقلية من حقها في
ممارسة أعمال السيادة ،فصار الوضع إلى استبداد األكثرية باإلرادة العامة! وحرمان األقلية من حقوق
ثابتة لهم ،لذا فقد وقعت الفلسفة الديمقراطية في تناقض حين بنت وجهة نظرها على أساس أن السيادة
ً ً ً
للشعب كل الشعب مطلقا ،ثم سلبت جزءا كبيرا من هذا الشعب حقه في العمل zالسياسي .لذلك كانت
القانون الدستوري – الدكتور عبد الفتاح سايردار هامش ،صفحة .63 74
ً الديمقراطية خطرة ،ألنها تخلع ً
شعبيا على األغالل 75.يقول املنظر السياسي خوان ليننز Juan Linzإن
, طالء
مبدأ األغلبية واألقلية السياسي سيتحول إلى أغلبية وأقلية قومية ،وبالتالي ينشأ عن ذلك "استبداد
76
األكثرية".
ثالثة أنواع من التجاوزات ملفهوم الديمقراطية
وسنجد ثالثة أنواع من التجاوزات ملفهوم الديمقراطية،77
األول :حين يسن الحزب zالحاكم قوانين تمثل ما تعهد به في برنامجه االنتخابي ،فهذه القوانين قد يقال بأنها
تمثل بشكل ما األغلبية التي أوصلت الحزب للحكم ،وهي بالتالي تمثل رأي الشعب ،ولها قوة مستندة لهذا
التمثيل ،إال أن النظر املتفحص يجد أن الديمقراطية ال تحقق وصول أي من األحزاب أو الشخصيات للحكم
بناء على رأي األغلبية بل دائما يمثل رأي األقلية ،وبالتالي فالقوانين هذه التي توافقت مع البرنامج االنتخابي ال
78
تمثل رأي األغلبية،
والنوع الثاني من القوانين تلك التي يسنها الحزب الحاكم نتاج وجوده في السلطة مما لم يكن ضمن برنامجه
االنتخابي ،وهذا يمثل أغلبية القوانين ،والحزب بهذا يستغل ثقله البرملاني وقدرته على فرض القوانين ،وال
يرجع في أي من هذه القوانين لرأي الناس ،وال يشكل انتخابهم له معنى موافقتهم على تلك القوانين! وهذا هو
عين تجاوز الديمقراطية وسوء استغالل السلطة ،والتحكم في الناس ،وكمثال على هذا ،فإن الحزب الحاكم
في بعض الدول الغربية املتقدمة ديمقراطيا قام بفرض قانون يقضي بإنشاء نواد للمثليين في كل املدارس
(اإلعدادية والثانوية) في الوالية بحيث يدخله الطالب باختياره وال يحق للمدرسة أن تبلغ األهل عن توجهات
ابنهم أو ابنتهم الجنسية ،وال ممارساتهم فيها ،وفي والية أخرى قام بفرض إدخال التعليم zالجنسي بشكل قذر
للمدارس من املراحل االبتدائية الدنيا ،رغم املعارضة الشديدة من قطاعات واسعة من املجتمع ومن
املدارس الدينية ،وهذه القوانين لم تكن ضمن البرنامج االنتخابي ،ولم تخضع ألي استفتاء شعبي عليها ،فهذا
مثال على استغالل السلطة ،وعلى تداخل السلطة zالتنفيذية مع التشريعية بشكل فج.
والنوع الثالث :كذلك فإنك ترى أن األحزاب السياسية تضع برامجها وتصوراتها ،وتمنع أعضاءها ومن
يدخلون حمأة االنتخابات ممثلين لها ،تمنعهم من تبني أي رأي مخالف لتلك التصورات ،فمثال في الحزب
الليبرالي الكندي نجد أن بعض املرشحين في االنتخابات حين سألتهم الصحافة عن رأيهم في املثلية الجنسية،
وأبدوا آراء مخالفة لرأي الحزب قام الحزب zبطردهم ،وهكذا ،فالنواب zالذين يدخلون البرملان ،والذين
سيصوتون على مشاريع القوانين ال يملكون zأن يخرجوا عن تصورات األحزاب التي يمثلونها (إال فيما ندر
وفيما هو من الدرجة الثانية من األهمية من القوانين) ،فإن الناظر املتفحص يجد أن القوانين التي تسنها