You are on page 1of 11

‫•الطالبة جويدر سارة فوج‪2‬‬

‫•ماستر‪ ١‬تخصص انجليزي عربي‬


‫•المادة‪ :‬تحليل الخطاب‬
‫•األستاذ المشرف‪:‬األستاذة بوعزيز‬
‫•الموضوع المتناول‪:‬بحث شامل حول النظريةالتلفظية‬

‫الفهرس‪:‬‬
‫‪-‬التقديم‬
‫‪-١‬أ‪-‬فعل التلفظ او اللغة في اإلستعمال‬
‫ب‪-‬تعلق الملفوظ بالتلفظ‬
‫ج‪-‬فعل التلفظ‪acte d’énonciation‬‬
‫‪-٢‬اإلنشاء او انجازية التلفظ‬
‫‪-٣‬في الفعل الغوي‬
‫أ‪-‬مفهوم الفعل اللغوي‬
‫ب‪-‬خصائص الفعل اللغوي‬
‫ج‪-‬مستويات الفعل اللغوي‬
‫‪-‬فعل الكالمي‬
‫‪-‬فعل اإلنجازي‬
‫‪-‬فعل التأثيري‬
‫*مفهوم الخطاب عند بنفنيست‬
‫*نظرية التلفظية عند بنفنيست‬
‫‪-‬المراجع العتمد عليها في عملية البحث‬
‫‪٠‬تقديــم‪:‬‬
‫لقد ساد في مجال البحث اللساني‪ ،‬إلى حدود أواسط القرن المنصرم‪ ،‬االهتمام بالنحو كنظرية للقدرة‪ .‬وترتب عن ذلك أن ال يتجاوز األمر حدود ما‬
‫يؤكد مصداقية هذه الفكرة‪ ،‬فلم تقم الحاجة حينئذ إلى أكثر من دراسة صورية تقوم على تجريد اللغة وتحاول تقديم مستعمليها باعتبارهم نماذج‬
‫فارغة ومجردة‪ .‬إال أن هذا التوجه ما فتئ يفقد سيطرته على األبحاث اللسانية‪ ،‬بعدما ظهرت إلى الفضاء اللساني دراسات تتجاوز القدرة إلى‬
‫اإلنجاز‪ ،‬وال تفصل اللغة عن استعمالها أو تفصل استعمالها عما يالبسه ويتعلق بما هو نفسي أو اجتماعي أو ثقافي أو غيره داخل الفضاء العام‬
‫للتواصل‪ .‬وفي إطار ما سارت إليه هذه الدراسات –ماتعلق منها باإلشكال العام للتواصل‪ -‬سنقف في هذه البحث على بعض معالم اإلجابة اللسانية‬
‫لسؤال الفعل واإلنجاز‪( :‬ماذا نحن فاعلون حينما نستعمل اللغة؟(‬

‫‪ -1‬أ‪-‬فعل التلفظ أو اللغة في االستعمال‪:‬‬


‫لقد كانت الدراسات اللغوية قبل لسانيات التلفظ تجعل من اللغة موضوعها الخالص‪ .‬لقد كانت تهتم بها لذاتها وألجل ذاتها‪ .‬إال أنه‪ ،‬ومع تطور‬
‫البحث‪ ،‬سرعان ما قامت الحاجة إلى النظر في اللغة ال باعتبارها كيانا قارا وثابتا بل باعتبارها واقعة تواصلية تحكمها حيوية االستعمال‪ .‬وبه‪ ،‬تم‬
‫النظر باهتمام إلى الجانب الذي يجعل من هذا الكيان األداة الفعلية لتحقيق التواصل‪ ،‬أي لقد ُأعيد االعتبار إلى النظر في الكالم –‪.-parole‬‬
‫باعتباره التجسيد الفعلي لِما كان في حيز اإلمكان‪ ،‬أي للسان –‪ -Langue‬وإذا كان التجسيد عموما يمثل حدثا فعليا‪ ،‬فإن األمر في تجسيد اللسان‬
‫بالكالم يتعلق بحدث فعلي هو حدث التلفظ –‪ .-énonciation‬وعليه‪" ،‬إن العملية التلفظية هي حيث يوظَّف اللسان بواسطة فعل االستعمال…‪،‬‬
‫وإن اللسان قبل االستعمال ال يمثل إالّ إمكانية ِللسان"‪.‬‬

‫إن التلفظ إذن هو المجال الحيوي للقائمين على استعمال اللسان‪ ،‬إنه المجال الذي من خالله يتحدد النشاط االستعمالي‪ ،‬ومن خالله يحدد مستعمل‬
‫اللسان وضعه ويجسد صورته وخصائصه الفردية بالكالم‪ .‬وبهذا يكون التلفظ مجاال لمتابعة حركية السلوك اللغوي في الكالم‪ ،‬على أنقاض الثبات‬
‫الذي يعرفه اللسان‪ .‬وإن شئت نوعا من التجريد‪ :‬إن التلفظ –على غرار اإلخراج المسرحي‪ -‬إخراج لساني‪ ،‬إال أنك ال تجد في نموذج اإلخراج هذا‬
‫وخرج هذا اإلخراج‪ ،‬أو‬‫ْ‬ ‫وظيفة للمخرج وأخرى للممثل‪ ،‬بل تجد وظيفة واحدة توحد هاتين وهي وظيفة المتلفظ‪ .‬ويبقى أن نتساءل عن طبيعة‬
‫بالتعبير األصل‪ ،‬أن نتساءل عن طبيعة التلفظ ونتيجته بين الجملة والملفوظ‪..‬‬
‫يمكن أن نقف في التمييز اللساني أوالً‪ ،‬على الفرق بين مفهومي الجملة –‪ -phrase‬والملفوظ ‪ ,- énoncé-‬إذ أن الفصل المنهجي الذي ُأقيم بين‬
‫اللسان والكالم قد أفضى بالتحليل إلى التمييز بين ما هو للسان وخالص له‪ ،‬وبين ما هو للكالم وناتج عنه‪ .‬وترتب عن ذلك إذن التميي ُز بين الجملة‬
‫والملفوظ كوحدتين تحليليتين تتعلق األولى باللسان‪ ،‬وتتعلق الثانية بالكالم‪.‬‬
‫ولعل "‪ "O.Ducrot‬كان من الذين وقفوا على هذا التمييز الحاصل بين الجملة والملفوظ‪ ،‬إذ اعتبر الجملة كيانا لسانيا مطلقا ومطابقا لذاته عبر‬
‫مختلف تحققاته‪ ،‬وتكون قيمته خالصة للداللة اللسانية‪ .‬أما الملفوظ فقد اعتبره عرضا كالميا خاصا‪ ،‬أي اعتبره الناتج الذي يأتي عليه التحقيق‬
‫الفعلي للجملة داخل العملية التلفظية‪ .‬فالملفوظ "هو كل متوالية لغوية تامة صادرة عن متكلم ما"‪]4[.‬‬

‫السماء سوداء‪ .‬فهذه المتوالية خارج االستعمال تظل خالصة للداللة على نسبة السواد للسماء وفقط‪ .‬وأما مع مراعاة االستعمال‪ ،‬فإن ما كان‬
‫منها جملة يصير ملفوظا‪ ،‬و ُي ْعدَ ل عما كان فيهاـ من داللة لسانية إلى ما للملفوظـ من معنى كأن تدل بحسب االستعمال على‪:‬ـ‬

‫‪  ‬أ‪-‬السماء غائمة‪.‬‬ ‫‪ ‬‬


‫‪            ‬ب‌‪ -‬السماء ملوثة‪.‬‬
‫‪             ‬ج‌‪ -‬الوقت ليل‪.‬‬

‫وهذه كلها معان لجملة واحدة وملفوظات مختلفة‪ .‬وهكذا فإن الجملة (‪ )1‬تظل حاملة لداللتها اللسانية (نسبة السواد للسماء)‪ .‬أما المعاني (أ‪ ،‬ب‪،‬‬
‫ج) فإنها ال تتعلق بذات الجملة‪ ،‬وإنما هي متعلقة بالملفوظات الناتجة عن تحقيق هذه الجملة‪.‬‬
‫وإذا كانت الجملة الواحدة يمكن أن تستعمل استعماالت متعددة بحسب األزمنة واألمكنة واألشخاص‪ ،‬وكان لكل استعمال خرج ‪ -output-‬يتمثل‬
‫في الملفوظ فإن هذا يثبت تعدد الملفوظات للجملة الواحدة‪ ،‬ويترتب عن هذا ثبوت تعدد المعاني للداللة اللسانية الواحدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يمكن أن نخلص إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬إن كل رسالة شفهية تحدد باعتبارهاملفوظاـ انبثق عن الجملة بواسطة التلفظ‪.‬‬
‫‪-‬إن الجملة الواحدة يمكن أن يتكرر استعمالها باستمرار‪ .‬‬
‫‪-‬إننا نحقق ملفوظا جديدا في كل مرة نعيد فيها استعمال نفس الجملة‪-.‬‬
‫‪-‬إن الملفوظ الواحد ال يتحققـ إال مرة واحدة‪.‬‬

‫‪-١‬ب‪.‬تعلُّق الملفوظـ بالتلفظـ‪.‬‬


‫لقد الحظنا كيف يختلف مفهوم الجملة عن مفهوم الملفوظ‪ ،‬تبعا الختالف النظر في الظاهرة اللغوية‪ .‬والحظنا أن النظر في هذه الظاهرة من حيث‬
‫االستعمال هو الذي أفرض االهتمام بالملفوظ على ضوء اختالفه عن الجملة‪ .‬ثم الحظنا أن استعمال اللغة يتمثل في تحقيق اللسان بالكالم‪ ،‬وأن‬
‫التحقيق الكالمي هو ما يمثل التلفظ‪ .‬فكيف نثبت بهذا االعتبار تعلق الملفوظ بالتلفظ إذن ؟‬
‫هذه مناسبة لرفع بعض اللبس الذي يخلقه ما يشبه الترادف المصطلحي بين "القول" و"التلفظ"‪ .‬فقد نالحظ في بعض الكتابات العربية توارد‬
‫المصطلحين معا لمقابلة المصطلح األجنبي "‪ ،"l’énonciation‬حيث يقابَل هذا األخير عند بعض الباحثين ب "القول" ويقابله بعضهم اآلخر ب‬
‫"التلفظ"‪ .‬أضف إلى أن المصطلح "قول" قد استعمل عند كثيرين كمقابل للمصطلح "‪ ،"énoncé‬ولعل هذا يفضي إلى بعض الخلط‪ ،‬إذ ال ندري‪،‬‬
‫إذا استعمل مصطلح "القول‪ ،‬ما إن كان يراد به "‪ "l’énonciation‬أو "‪ ."l’énoncé‬وبهذا كان أولى لمن استعمل "القول" مقابال ل "‬
‫‪ "l’énonciation‬أن يستعمل "المقول" مقابال ل "‪ ،"l’énoncé‬على نهج من قابله ب "الملفوظ"‪ .‬وهنا نتساءل‪ :‬بماذا نقابل المصطلحين "‬
‫‪ "le dire‬و"‪ ،"le dit‬إذا كنا نقابل "‪ "l’énonciation‬و"‪ "l’énoncé‬ب "القول" و"المقول"؟ إننا ال نبحث عن إجابة‪ ،‬وإنما نود أن‬
‫نشير هنا إلى أنه يجب تخليص "التلفظ" و"الملفوظ" لمقابلة "‪ "l’énonciation‬و"‪ ،"l’énoncé‬حتى تتسنى لنا مقابلة "‪ "le dire‬و"‪le‬‬
‫‪ "dit‬ب "القول" و"المقول"‪.‬‬
‫هذا بخصوص االصطالح‪ ،‬أما بخصوص المفاهيم‪ ،‬فإن معرفتي ال تجد فرقا جوهريا واضحا بين القول والتلفظ‪ ،‬كما ال تجده بين الملفوظ والمقول‪،‬‬
‫فكال الزوجين من هذين ينسحبان على نفس الماهية‪ ،‬فالقول هو العملية التي يقوم بها القائل‪ ،‬والتلفظ هو العملية التي يقوم بها المتلفظ‪ ،‬وكل من‬
‫القائل والمتلفظ متكلم يجسد تحقيق اللسان بالكالم‪ .‬فأن تتكلم يعني أنك تقول أو تتلفظ‪ ،‬فيكون المقول هو عين الملفوظ‪ .‬ويترتب عن هذا إن شئت‬
‫الترادف التالي‪:‬‬
‫القول = التلفظ‪.‬‬
‫(فعل القول = فعل التلفظ)* = (قال = تلفظ)‪.‬‬
‫(فاعل القول = فاعل التلفظ) = (قائل = متلفظ)‪.‬‬
‫(مفعول القول = مفعول التلفظ) = (مقول = ملفوظ)‪.‬‬
‫وبهذا يكون القول أو التلفظ حدثا أو عملية تقوم –فضال عن الزمكان‪ -‬على فعل وفاعل ومفعول‪ .‬ويمكن صياغة هذا في البنية التالية‪:‬‬
‫‪ )3(  ‬فعل‪ ،‬فاعل‪ ،‬مفعول‪.‬‬
‫ويمكن أن نستبدل عناصر هذه البنية ب‪:‬‬
‫‪   )4(  ‬قال قائل مقوال‪.‬‬
‫ويمكن أن نتابع هذه البنية باستبدال بعض عناصرها كالتالي‪:‬ـ‬
‫‪    )5(  ‬قال زيد مقوال‪.‬‬
‫وحين يتعلق األمر باستبدال العنصر (مقول) بما قيل فعال فستظهرـ المزدوجتين في البنية لتعيين المقول كالتالي‪:‬‬
‫‪     )6(     ‬قال زيد‪" :‬السماء سوداء"‪.‬‬

‫فقد يتجسد الفرق بين القول والمقول أو بين التلفظ والملفوظ بواسطة المزدوجتين في الكتابة‪ ،‬كما يتجسد بواسطة فقاعات القراءات المصورة‪،‬‬
‫فالمقول أو الملفوظ هو ما يكتب داخل المزدوجتين أو في قلب الفقاعة‪ ،‬أما القول أو التلفظ فإنه يتجسد بوضوح في القراءات المصورة في كون‬
‫الفقاعة تخرج من فم شخصية ما‪                              ]6[.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد انتبه علماء العربية إلى هذا التفريق في نظرتهم إلى ما عرف عندهم ب "جملة القول" أو "مقول القول"‪ .‬وذلك واضح في اإلعراب‬
‫الذي يعربون به جملة مثل (‪ ،)6‬إذ تعرب هذه الجملة كالتالي‪:‬‬
‫قال‪ :‬فعل ماض…‬
‫زيد‪ :‬فاعل…‬
‫السماء‪ :‬مبتدأ…‬
‫سوداء‪ :‬خبر…‪ ،‬وجملة المبتدإ والخبر في محل نصب مفعول به لفعل القول‪ .‬وهكذا يتميز عندهم القول عن المقول‪.‬‬
‫وقد يظهر هذا التمايز أيضا في الالمعقولية التي نجدها في تحقيق بعض الجمل مثل‪:‬‬
‫(‪     )7‬إني نائم‪.‬‬
‫(‪       )8‬لقد مت‪.‬‬
‫إذ يستحيل قبول هذه كملفوظات‪ ،‬اللهم إذا أخذناها على المجازية‪ ،‬ذلك أن ضمير المتكلم في المقول (‪ )7‬أو (‪ )8‬ال يمكن أن يكون هو فاعل على‬
‫القول‪]7[.‬‬
‫ثم إن العملية التلفظية تكون وراء كل ملفوظ‪ ،‬إذ ال ملفوظ بدون تلفظ‪ .‬ويمكن أن نجد مؤشرا لهذه العملية في تقدير قضية يكون الحكم فيها إثباتا‬
‫للتلفظ‪ ،‬وقد تكون هذه القضية المقدرة من نوع‪( :‬أقول) أو (أتلفظ)‪ ،‬وكلما ظهرت هذه القضية كلما تعين تقدير أخرى فوقها‪ ،‬وهذه قد تمثل بداية‬
‫لتقديرات ال تنتهي‪.‬‬
‫وهكذا تظهر معالم القول والمقول أو التلف والملفوظ واضحة‪ ،‬فقد ظهر إلى هنا تمايز التلفظ عن الملفوظ‪ ،‬إذ يكون األول هو العملية أو الحدث‬
‫الذي بموجبه يتم تحقيق اللسان تحقيقا فعليا‪ ،‬في حين يكون الملفوظ أو المقول هو حاصل هذه العملية أو خرجها‪.‬‬

‫‪-١‬ج ‪-‬فعل التلـفظ ; ‪acte d’énonciation‬‬


‫وهنا أيضا يمكن أن نقف على اشتباه آخر بين مصطلح "فعل التلفظ" ومصطلح "فعل القول"‪ ،‬فكالهما استعمل لمقابلة المصطلح "‪acte‬‬
‫‪ ،"d’énonciation‬في حين نجد أن "فعل القول" قد استعمل كذلك لمقابلة "‪ "l’acte de dire‬وأيضا لمقابلة "‪ ."l’acte locutoire‬وبهذا‬
‫فإن األمر يشتبه على مصطلح "فعل القول"‪ ،‬إذ يُستعمل وال ندري أي مصطلح من الثالثة يراد به‪ .‬وإذا كان مصطلح "فعل التلفظ" قد استعمل‬
‫خالصا لمقابلة "‪ "l’acte d'énonciation‬فسنجعله خالصا له‪ ،‬وسنعدل عن مقابلته ب "فعل القول" حتى يتسنى لنا تخصيص "فعل القول"‬
‫لمقابلة "‪ ."l’acte de dire‬أما مصطلح "‪ "l’acte locutoire‬فسنجعل له مقابال في "الفعل الكالمي" كما سنرى‪.‬‬
‫ولإلشارة‪ ،‬فإن ما قد يحصل من خلط في االصطالح يمكن أن يعزى إلى تماهي المفاهيم التي تختلف عليها هذه المصطلحات‪ ،‬إذ قد ال تجد فرقا‬
‫واضحا بين مفهوم "فعل القول" ومفهوم "فعل التلفظ"‪ ،‬حيث لم تجده بين "القول" و"التلفظ"‪ .‬وتبقى فقط بعض الحساسية أو ما يشبه التمايز‬
‫حين يتعلق األمر ب "الفعل الكالمي – ‪ "-acte locutoire‬كما حددته نظرية الفعل وسنرى هذا في حينه‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن ما قد يظهر من فرق بين هذه المفاهيم‪ ،‬ال يرجع إلى ما بين يدي المفاهيم ذاتها بقدر ما هو راجع إلى نوع من التجريد النظري‪،‬‬
‫حيث إن كل نظرية –إن لم نقل كل منظر‪ -‬تحتاج فضال عن تحديد موضوعها ومنهجها إلى تحديد مفاهيمها وتجريد مصطلحاتها الخاصة‪ .‬وعليه‬
‫إن اإلطار الذي من خالله تشتغل هو الذي يحدد نوعية المصطلح الذي تستعمل‪ ،‬ثم إن استخدامك الصطالح ال يحدده هذا اإلطار ال يلزمك بنفس‬
‫اإلطار‪ .‬وهكذا فما استعمالنا للمصطلح "فعل التلفظ" إال التزام بنظرية الفعل‪.‬‬
‫لقد قامت نظرية الفعل على فرضية أساس مفادها أن كنه الكالم ال يكمن في تبادل المعلومات وفقط‪ ،‬بل هو أيضا تحقيق فعلي للحدث‪ ،‬تحقيق‬
‫تحكمه القواعد وتوجهه األهداف‪ ]11[.‬فأن تتلفظ يعني أنك تفعل‪ ،‬وكما أننا ال نفعل ألجل ال شيء‪ ،‬فإنناكذلك ال نتلفظ ألجل ال شيء‪ ،‬إننا نتلفظ‬
‫ألجل غايات وأهداف محددة كأن نخبر أو نسأل أو نعد‪ .‬وكما أن فعل التلفظ كباقي األفعال ليس فعال مجانا‪ ،‬فإنه كذلك ليس حرا‪ ،‬إن له قانونا ينظمه‬
‫كما لباقي األفعال قوانينها المنظمة‪ .‬وبهذا يفترض الموقف التداولي أن التلفظ هو الفعل‪ ،‬أو هو نوع من الفعل‪ ،‬وبذلك سوف لن يُستخدم اللسان‬
‫ليحيل على نفسه‪ .‬بقدر ما يستعمل ليعكس فعل التلفظ‪ .‬وهكذا فإن معنى كالمي سوف لن يتوقف إالَّ على قيامي بفعل التلفظ وعلى ما يستتبع هذا‬
‫السلوك‪.‬‬

‫‪/٢-‬اإلنشاء أو إنجازية التلفظ‬


‫وهم فلسفي في تصنيف القضاياـ‬ ‫لقد أفرد "‪ "J.L.Austin‬الفصل األول من كتابه"‪ **" How to Do Things with Words‬لتفنيدـ ما كان من ٍ‬
‫باعتبارـ الصدق والكذب‪ .‬هذا الوهم الذي قام على افتراض مفاده أن أحكام القضايا ال تخلوا إما أن تكون وصفا لحالة واقعية أو تكون إثباتا‬
‫لواقعة عينية‪ .‬وبهذا كان الفالسفة والمناطقة ال يعتبرون من القضايا إال ما كان يحتمل أن يكون الحكم فيه صادقاـ أو كاذبا‪ .‬ثم إنهم ورغم تشبثهم‬
‫بالنظر في "أحكام القضايا"‪ ،‬لم ينكروا االصطالح النحوي‪" :‬الجمل"‪ .‬وهم بذلك لم ينكروا ما ذهب إليه النحاة من أن هناك من الجمل ما يفيد‬
‫استفهاما وما يفيد تعجبا‪ ،‬وما يفيد غيره إضافة إلى ما يفيد اإلثبات أو الوصف‪ .‬وقد كان كل من الفالسفة والنحاةـ ُمدركا صعوبة الفصل في‬
‫الجمل بين ما كان للوصف أو اإلثبات وما كان لغير ذلك‪ .‬أضف إلى أن ما كان من الجمل أو القضايا محسوما في أمر كونه خالصاـ للوصف أو‬
‫اإلثبات‪ ،‬وقابال للتصنيف باعتبارـ الصدق والكذب‪ ،‬هذه القضاياـ أو الجمل –يقول "‪ -"Austin‬أصبحت محل نقاش‪ ،‬فإذا كان الحكم على الوقائع‬
‫بالوصف أو اإلثبات يعد حكما وجودياـ وواقعيا‪ ،‬فإنه وبموجب كونه كذلك‪ ،‬أمكنت مقاربته واقعيا وإخضاعه للتحقيق ما أمكن‪ .‬وقد أثبتت تجربة‬
‫التحقيقـ هذه أن عددا من القضايا كانت تعتبر ذات أحكام قابلة الحتمال التصديق أو التكذيب‪ ،‬وما هي في الحقيقة كذلك‪ ،‬إذ إن ما كان يظهر فيها‬
‫على أنه حكم ما هو في الحقيقة إال شبه حكم‪ .‬وعليه إن عددا كبيرا مما كان من الملفوظاتـ أو التعابير يعد وصفيا –‪ ،-descriptif‬أو‬
‫باالصطالح المأثور لدى "‪ "Austin‬يعد خبريا –‪ ،*-constatif‬قد انكشف من أمره أنه ليس خالصاـ للوصف أو اإلثبات ولم يعد الحسم في‬
‫كونه كذلك ممكنا‪ ،‬وهذا واضح مع بعض القضاياـ التي تظهر على أنها وصفية أو إثباتية‪ ،‬وما هي في الحقيقة كذلك‪ ،‬إذ نجد أنها ال تصف حالة‪،‬‬
‫وال تثبت واقعة مطلقا‪ ،‬وهي رغم ما تظهر عليه من ذلك ال تقبل تصديقا وال تكذيبا[‪ ]12‬ومن أمثلتها ما يلي‪:‬‬
‫‪ )11(   ‬أقبل بهند زوجة لي‪.‬‬
‫‪ )12(  ‬أراهنك على أن السماء ستمطر غدا‪.‬‬

‫فحينما أتلفظ بعبارات مثل هذه‪ ،‬فإن األمر ال يتعلق بكوني أصف حالي لحظة قيامي بفعل التلفظ‪ ،‬وال بكوني أريد إثبات قيامي بأي فعل‪ ،‬بل إن‬
‫تلفظي بمثل هذه العبارات هو في الواقع إنجاز لها‪ .‬إنني حين أتلفظ بالعبارة (‪ )13‬مثال ال أصف حالة‪ ،‬وال أثبت واقعة‪ ،‬وال يحتمل ما تلفظت به‬
‫شيئا من التصديق أو التكذيب‪ .‬فماذا نسمي عبارة أو جملة من هذا النوع إذن؟ لقد اقترح "‪ "Austin‬ألجل ذلك مصطلح "عبارة إنجازية" أو‬
‫"إنشائية" –]‪ performative-.[13‬وهكذا فإن الفعل الذي يمكن أن أكون قد قمت به لحظة تلفظي بعبارة من قبيل (‪ )13‬أو (‪ )14‬ليس فعال‬
‫للوصف أو اإلثبات‪ ،‬وإنما هو إنجاز أو إنشاء لذات التلفظ‪ ،‬وإن التلفظ هو عين ما فعلت‪.‬‬
‫لقد أدى اعتبار الصدق والكذب إذن‪  ‬إلى التمييز بين القضايا وأشباه القضايا إذ تكون القضية قضية إذا كان الحكم فيها حكما‪ ،‬وتكون مجرد شبه‬
‫قضية إذا كانت ال تشتمل على أي حكم‪ ،‬أو تشتمل على ما يشبه الحكم وليس بحكم‪ .‬والحكم هو ما نستطيع الحسم في تصديقه أو تكذيبه باعتبار‬
‫الواقع‪ ،‬وشبه الحكم هو ما ال نستطيع تكذيبه وال تصديقه‪ .‬ويمكن أن نمثل للقضية ذات الحكم‪ ،‬وشبه القضية ذات شبه الحكم‪ ،‬ولشبه القضية غير‬
‫ذات حكم‪ ،‬على التوالي كالتالي‪:‬‬
‫‪       )13(     ‬ضرب زيد عمرا‪.‬‬
‫‪  )14(    ‬أصابت اللعنة زيدا‪.‬‬
‫كم الساعة؟‬ ‫‪)15( ‬‬
‫والحكم في القضية (‪ )15‬هو إثبات ضرب زيد لعمر‪ ،‬وهو حكم يصدق إذا أثبت الواقع أن زيدا ضرب عمرا فعال‪ ،‬ويصنف كاذبا إذا لم يثبت الواقع‬
‫ذلك‪ .‬أما شبه الحكم في شبه القضية (‪ )16‬فهو إصابة اللعنة لزيد‪ ،‬وال يثبت الواقع له تصديقا وال تكذيبا‪ ،‬أي إن الواقعة التي يثبتها هذا الحكم‬
‫ليست واقعة عينية حتى نستطيع مالمسة ما إن كانت حادثة بالفعل أم ال‪ .‬وأما شبه القضية (‪ )17‬فإنها ال تنطوي على أي حكم أصال‪.‬‬
‫وخالصة األمر أن التمييز قائم بين القضايا وأشباه القضايا‪ .‬وعلى هذا االعتبار أقام "‪ "Austin‬تقسيمه الثنائي للتعابير اللغوية‪ ]14[.‬فما‬
‫انسحب عليه مفهوم القضية كان تعبيرا إخباريا‪ ،‬وما انسحب عليه مفهوم شبه القضية كان تعبيرا إنشائيا‪ .‬وهذان صنفان متمايزان‪:‬‬
‫‪ -‬التعابير اإلخبارية‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬وصفية وإثباتية‪ ،‬فالوصفية هي ما كان الحكم فيها وصفيا‪ .‬واإلثباتية هي ما كان الحكم فيها إثباتيا‪ .‬وأمثلة هذه‬
‫على التوالي‪:‬‬
‫(‪ )16‬السماء صافية‪.‬‬
‫‪ )17(  ‬مات زيد‪.‬‬
‫حيث (‪ )18‬تمثل وصفا لحالة واقعية‪ ،‬أي وصفا لحالة السماء‪ .‬و(‪ )19‬تثبت واقعة عينية‪ ،‬أي تثبت وقوع موت زيد‪ .‬والمثاالن معا يحتمالن‬
‫تصديق الحكم فيهما أو تكذيبه‪.‬‬
‫‪ -‬التعابير اإلنشائية‪ ،‬وهي كذلك نوعان‪ ،‬وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك‪ .‬فمنها ما كان يعد إخباريا وثبت أنه ليس كذلك‪ ،‬وهو ما أشرنا إليه بأشباه‬
‫القضايا ذات أشباه األحكام‪ .‬ومنها ما هو خالص لإلنشاء كأن يكون التعبير استفهاما أو تعجبا أو وعدا أو غيره‪ ،‬وهذا ما أشرنا إليه بأشباه‬
‫القضايا غير ذات أحكام‪ .‬وقد مثلنا لصنفي اإلنشاء هذين على التوالي بالمثالين (‪ )16‬و(‪ ،)17‬وكالهما كما الحظنا ال يحتمل تصديقا وال تكذيبا‪.‬‬
‫وإذا كانت التعابير الخبرية تراز باحتمالها الصدق أو الكذب‪ ،‬فإن المعيار الذي يراعى في اإلنشائية هو مدى مطابقتها لمقتضى الحال‪ .‬فالتعابير‬
‫اإلنشائية من حيث كونها إنجازات فإنه يمكن الحكم عليها شأنها شأن باقي اإلنجازات باالستحسان أو عدمه‪ ،‬وهذا ما مكن من متابعتها تحت‬
‫مقولة مطابقة مقتضى الحال‪]15[.‬‬
‫ثم إن التعابير اإلنشائية تنقسم إلى أولية وصريحة‪:‬‬
‫‪ -‬تعابير إنشائية أولية‪ ،‬وهي تعابير تأتي لإلنشاء وال يتم التصريح فيها بذلك‪ ،‬كأن تكون العبارة (‪ )20‬للوعد وتأتي على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪      )18(    ‬سأزورك غدا‪.‬‬
‫‪ -‬تعابيرـ إنشائية صريحة‪ ،‬وهي ما يصرح فيها بفعل دال على إنشائيتها‪ ،‬كأن يصرح بفعل الوعد في (‪ )20‬على نحو (‪ )21‬كالتالي‪:‬ـ‬
‫‪ )19(  ‬أعدك بأني سأزورك غدا‪.‬‬
‫ويشترط في هذا الفعل أن يكون على صيغة المضارع ومبنيا للفاعلـ المتكلم‪ ]16[،‬كما في (أعدك)‪ .‬وال يصح أن يكون على أية صيغة أخرى‪.‬‬
‫وإن حدث أن كان‪ ،‬فإن التعبير سيكون لإلخبارـ وليس لإلنشاء كما في (‪ )22‬أو (‪(23‬‬
‫‪ )20(  ‬وعدتك بأني سأزورك غدا‪.‬‬
‫(‪ )21‬يعدك بأنه سيزورك غدا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وبعد تمحيص طويل استغرق ثالثة فصول من كتاب "‪ ،"Quand dire c’est faire‬يخلص "‪ "J.L.Austin‬إلى صعوبة الحسم في‬
‫المعيار الذي بواسطته نستطيع تمييز اإلنشاء عن الخبر‪ ،‬يقول‪" :‬لقدـ فشلنا في إيجاد الضابطـ أو المعيار الذي يمكننا من تمييز العبارات اإلنشائية‬
‫عن الخبرية"‪ ]17[.‬فقد اتضح له أن معيار مطابقة مقتضى الحال يصدق على الخبر كما يصدق على اإلنشاء‪ .‬وأنه ال المعايير النحوية وال‬
‫المعجمية تحسم فيما إذا كان التعبير إخبارا أم إنشاء‪ ،‬إذ ليس من السهل في معظم الحاالت أن نتأكد من أن التعبير المتلفظ به خالصا لإلنشاء‪،‬‬
‫ليبقىـ السياق المقامي للتفظ هو الكفيل بهذه المهمة‪ ،‬ذلك أنه حتى التعابيرـ اإلنشائية الصريحة في ظاهرها وصورتها يشتبه األمر معها فيما إذا‬
‫كانت لإلنشاء هي أم لإلخبار‪،‬ـ هذا فضال عن كونها تختلط مع غيرها من التعابير اإلخبارية التي تأتي على صورتها وتستوفي شروطها‪ ،‬أي‬
‫يتصدرهاـ هي كذلك فعل مضارع ومبني للفاعل المتكلم‪ ،‬نحو ‪ )24(  :‬أو(‪(25‬‬
‫‪ )22(  ‬أثبت بأني سأزورك غدا‪.‬‬
‫(‪ )23‬أخبرك بأني سأزورك غدا‪.‬‬
‫فهذه تعابير إخبارية وإن جاءت على الصيغة اإلنشائية الصريحة كما رأينا في (‪ ،)21‬أضف إلى أنه حتى التعابير اإلنشائية الصريحة التي بدت‬
‫خالصة لإلنشاء يمكن أن تؤخذ باعتبار السياق المقامي على أنها أخبارا كأن يؤخذ التعبير (‪ )21‬على أنه إثبات للوعد بالزيارة‪ .‬هذا وأمثلة اختالط‬
‫اإلنشاء بالخبر ال تنحصر إذ يمكن في كل لحظة أن يؤخذ اإلنشاء على أنه إخبار‪ ،‬واإلخبار على أنه إنشاء‪ ،‬فقط باعتبار السياق المقامي‪.‬‬
‫هكذا تتجلى صعوبة الحسم في فصل قاطع بين اإلنشاء واإلخبار‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬إننا عندما نصدر تعبيرا ما أيا كان إنشائيا أو إخباريا‪ ،‬فإننا نفعل‬
‫شيئا ما‪ ،‬إن مجرد إصدار التعبير هو إنجاز له‪ ،‬فكانت هذه مناسبة لتناول التعابير بهذا االعتبار‪ ،‬أي لتناولها كإنجازات ألفعال‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫كونها لإلنشاء أو لإلخبار‪ .‬يقول "‪" :"Austin‬لقد واجهتنا بعض الصعوبات تتعلق بتحديد ما إذا كانت الجملة أو العبارة خالصة لإلنشاء أو‬
‫مترددة بينه وبين غيره‪ ،‬وقد تبين أنه من المناسب أن نرجع إلى احتكام آخر‪ ،‬وأن ننظر كم هي الجهات التي يمكن معها أن ندعي بأن قول شيء‬
‫ما هو إنجازه"‪]18[.‬‬

‫‪- ٣‬في الفعل اللغوي‬


‫‪-٣‬أ‪-‬مفهوم الفعل اللغوي‬
‫لإلشارة أوال‪ ،‬لقد أثار مصطلح "‪ "speech acts‬الذي جاء به "‪ *"J.Searle‬مصدر قلق وحيرة بالنسبة للترجمات التي تناولته‪ ،‬إذ اختلفت‬
‫على هذا المصطلح المقابالت الفرنسية التالية‪ "actes de langage"، "actes de parole" :‬و"‪ ،"actes de discours‬وعلى هدي هذا‬
‫القلق سارت الترجمات العربية‪ ،‬إذ قوبل المصطلح ب "أفعال اللغة"‪" ،‬أفعال الكالم" و"أفعال الخطاب"‪ .‬فإذن على أي من هذه المقابالت يمكن‬
‫حمل المصطلح؟ لقد انتبه "‪ "O.Ducrot‬إلى هذا القلق‪ ،‬وفي هذا السياق يذهب إلى أن حمل هذا المصطلح على مقابلته ب"أفعال الكالم –‪les‬‬
‫‪  "actes de parole‬سيضطرنا إلى نوع من التناقض‪ ،‬على اعتبار أن "‪ "Searle‬نفسه يجعل هذا الفعل جزءا من اللسان‪ .‬وإذا حملناه على‬
‫مقابلته ب "أفعال اللسان –‪ ،"Les actes de langue‬فإن مقابلته بهذا ستكون تافهة وغير مرضية‪ .‬وال يبقى إال أن نحمله على مقابلته ب‬
‫"أفعال اللغة – ‪ ،"-actes de langage‬وهذا يجنب المصطلح من الوقوع في النسقية السوسورية‪ ]19[.‬هذا ما ذهب إليه "‪ "Ducrot‬بشأن‬
‫االصطالح‪ ،‬ومالنا نحن إال أن نأخذ بهذا‪ ،‬وليس لهذا التبرير فقط‪ ،‬بل أيضا ألن "أفعال اللغة" هو المقابل الذي راج بشكل كبير في أوساطنا‬
‫اللسانية‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن االصطالح هذا يأتي على مفهوم تداولي ينسحب على ما يحققه مستعملو اللغات الطبيعية في مقاماتهم التواصلية من فعل‪ ،‬إنه‬
‫يتمثل في ما يصدر عن االستعمال‪ ،‬وال تكمن طبيعته "الفعلية" أو الحدثية هذه في كونه إنجازا أو ممارسة فيزيولوجية وفقط‪ ،‬بل ألنه‪ ،‬فضال عن‬
‫ذلك‪ ،‬سلوك لغوي أو ممارسة يستطيع المتكلم تجسيدها عبر العملية التواصلية‪ ،‬فال يختلف الفعل اللغوي عن باقي األفعال اإلنسانية غير اللغوية‪.‬‬
‫ووفق هذا التصور الذي أرسى دعائمه "‪ "J.L.Austin‬وأجلى معالمه "‪ ،"J.Searle‬أصبحت اللغة تمثل فضاء لإلنجاز والممارسة والفعل‪،‬‬
‫حيث األمر والنهي واإلخبار واالستفهام وغيرها تمثل إنجازات لغوية‪ ،‬وحيث الملفوظات اللغوية ال تنفك تجسد هذه اإلنجازات‪ .‬وبهذا أمكن‬
‫للنظرية اللغوية أن تشكل جزءا من النظرية العامة للفعل‪ ،‬والسبب في ذلك يقوم على افتراض مفاده" أن التكلم في حد ذاته يمثل شكال من أشكال‬
‫السلوك اإلنساني المنظم"‪]20[.‬‬

‫‪-٣‬ب‪ -‬خصائص الفعل اللغوي‬


‫يمثل الوحدة األولية لكل تفكير ‪ -l'acte-‬لقد أصبحت الوحدة األساسية للتواصل تتمثل –على غير ما كان يعتقد‪ -‬في الفعل اللغوي‪ .‬ذلك أن الفعل‬
‫تصوري‪ .‬وحيث اللغة تستعمل لتمثيل الفكر‪ ،‬فإنه ال وجود لملفوظ إال وهو تجسيد إلنجاز الفعل‪ .‬أضف إلى أن الفعل اللغوي يمثل كباقي األفعال‬
‫شكال من أشكال السلوك االجتماعي‪ ،‬إنه يمثل الممارسة اللغوية والتفاعل التواصلي‪ .‬وعليه إن دراسة تهتم بالعبارات اللغوية هي في الحقيقة‬
‫ولنفس األسباب دراسة لألفعال اللغوية‪ ،‬وإن شئت قلت دراسة للوحدات الشاملة لعناصر التواصل اللغوي‪ ]21[.‬ولعل بهذا االعتبار اكتسب الفعل‬
‫‪.‬خاصيته الجوهرية التي جعلت منه وحدة التواصل األساسية‬
‫ثم إن الفعل اللغوي من حيث اإلنتاج يعتبر مساهمة في مشروع شامل للتواصل يدشنه المتكلم‪ ،‬هذا الذي ينظم ما هو جاهز داخل قدرته التواصلية‪،‬‬
‫انسجاما مع نظام العالقات االجتماعية‪ ،‬بما يخوله هذا النظام من حريات ويفرضه من قيود وإرغامات‪ ]22[.‬وعليه إن أي إنتاج أو تحقيق ناجح‬
‫للفعل يجب أن يعتمد على مجموع التعاقدات االجتماعية‪ .‬ولعل فكرة التعاقد هذه تقتضي أن يكون لألفراد المنتمين لنفس جماعة الفعل االجتماعي‪،‬‬
‫قابلية للتفاهم حول العروض اللغوية الممكنة لهذا الفعل‪ .‬فإذا كان هناك تعاقد مادي‪ ،‬وإذا تترب عن التعاقد اشتراك في المعارف‪ ،‬فإن شرط نجاح‬
‫الفعل اللغوي يكون بذلك مضمونا‪ .‬وإذا الحظنا كيف ال يتحقق نجاح الفعل إال باستيفاء شرط التعاقد‪ .‬فإن هذا يثبت للفعل اللغوي الخاصية التي‬
‫تجعل منه فعال مؤسساتيا أي فعال خاضعا للتعاقد االجتماعي‬
‫فإن الفعل اللغوي اذن يمثل فعال مقيدا‪ .‬هذا ويمكن أيضا أن نخلص باعتبارات أخرى إلى أنه فعل قصدي‪ .‬فبناء على أننا ال نتكلم ألجل ال شيء‪،‬‬
‫وأننا نتكلم بالضبط ألجل غايات وأهداف محددة‪ ]24[،‬فإن الفعل اللغوي بهذا االعتبار يمثل سلوكا مقصودا ينتج عن رغبة ألجل غايات منشودة‪.‬‬
‫وإذن هذه خاصية أخرى تنضاف إلى ما سبق وتتمثل في كون الفعل اللغوي فعال قصديا‪.‬‬
‫إلى هنا يتحدد الفعل اللغوي من خالل خصائصه كحدث يتوقف تحقيقه على مراعاة نظام التعاقد االجتماعي من جهة‪ ،‬وعلى استراتيجيات محددة‬
‫تخول للمتكلم إخراج مقاصده بالطريقة التي تمكن المخاطب من إدراك تلك المقاصد من جهة أخرى‪ .‬وعليه‪ ،‬أن تتكلم يعني أنك تراهن رهانا‬
‫مزدوجا‪ :‬تراهن من جهة على مدى استيعابك للتعقاد أو المواضعة‪ ،‬وتراهن من جهة ثانية على نجاح تأثير ما تعتمده من استراتيجيات‪]25[.‬‬
‫وإذن ما هي العوامل الحقيقية التي تضمن نجاح هذا الرهان؟ أي إذا كان نظام التعاقد واعتماد االستراتيجيات لتمرير القصد‪ ،‬تمثل عوامل لتحقيق‬
‫الفعل اللغوي‪ ،‬فما هي العوامل التي تضمن نجاح هذا التحقيق؟‬
‫إذا كان إدراك المقاصد عموما يتوقف على مدى انسجام المتكلم مع السياق والسياق المقامي بشكل عام‪ ،‬وعلى مدى انتباه المخاطب لهذا‬
‫االنسجام‪ ،‬فإن هذا نفسه هو ما يتوقف عليه نجاح تمرير القصد اإلنجازي‪ ،‬وهو بالتالي ما يتوقف عليه نجاح تحقيق الفعل اللغوي‪ .‬فإذا كانت‬
‫"الجملة الواحدة يمكن أن تستعمل إلنجاز اإلخبار أو اإلنكار أو التوبيخ… فإنه يجب أن نعرف ليس الجملة فحسب‪ ،‬بل المقام المستعملة فيه‬
‫لمعرفة ما ينجره متلفظها بها من فعل"‪ ]26[.‬ولعل بهذا يتضح مدى توقف الفعل اللغوي على السياق المقالي والسياق المقامي معا‪ ،‬وبهذا يتضح‬
‫أن للفعل اللغوي خاصية تجعل منه فعال سياقيا مقاميا‪.‬‬
‫وهكذا يمكن أن نعرض بعض خالصات ما سبق في األفكار التالية‪.‬‬
‫‪ -‬إن الفعل اللغوي فعل ينتج عن تحقيق الحدث ‪.-L'action-‬‬
‫‪ -‬إنه فعل قصدي –‪.-Intentionnel‬‬
‫‪ -‬إنه فعل خاضع للمواضعة والتعاقد –‪.-conventionnel‬‬
‫‪ -‬إنه من طبيعة سياقية مقامية ‪cotextuelle et contextuelle.[27]–-‬‬
‫‪-٣‬ج‪-‬مستويات الفعل اللغوي‪:‬‬
‫لقد سار "‪ *"J.L.Austin‬إلى أن الفعل اللغوي يمثل وحدة مركبة من ثالث عناصر فعلية مرتبطة فيما بينها وال يمكن فصل بعضها عن بعض‬
‫إال إجرائيا‪ ،‬وهذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪ -‬الفعل الكالمي ‪L’acte Locutoire–  -‬‬
‫‪ -‬الفعل اإلنجازي ‪L’acte Illocutoire– -‬‬
‫‪ -‬الفعل التأثيري ‪L’acte perlocutoire– -‬‬
‫وهذه تبرز معالمها في متابعة ما تثيره التساؤالت التالية‪:‬‬

‫‪-‬بأي وجه يكون مجرد القول فعال؟‬


‫‪-‬بأي وجه نكون منجزين لفعل ما بقولنا لشيء ما؟‬
‫‪-‬بأي وجه يمكن أن نفعل شيئا ما بتأثيرـ ما ننجز بما نقول؟[‪]28‬‬

‫‪   ‬أ‌‪ -‬الفعل الكالمي‪:‬‬


‫ألسنا فاعلين لشيء ما عندما نصدر عبارة ما؟ أليس إصدار العبارة هذا في حد ذاته يمثل تصرفا عمليا؟ أليس إصدار العبارة هو قولها أو النطق‬
‫بها؟ وإذن أال يعني النطق بشيء ما حصول تعلق المفعولية‪ ،‬إذ التصرف هنا يحتاج في حدوثه إلى النطق؟‬
‫الشك في أن األمر في النطق يتعلق بنوع من الفعل طبعا‪ .‬ويمكن توضيح ذلك في التفريق بين من فعل ومن لم يفعل‪ :‬فمن فعل هو من تكلم‪ ،‬ومن‬
‫لم يفعل هو من لم يتكلم‪ .‬فقد تكتفي بالتفكير في الشيء دون أن تعبر عما فكرت فيه‪ ،‬وهذا يعني أنك لم تحقق الفعل الكالمي‪ .‬ولما تتجاوز التفكير‬
‫إلى التعبير‪ ،‬فإنك حينها تقوم بالفعل‪ ،‬والفعل الذي قمت به طبعا هو الفعل الكالمي‪ .‬والخالصة في هذا أن الفعل الكالمي يتمثل في حصول الكالم‬
‫عن المتكلم[‪.]29‬‬
‫هذا‪ ،‬إال أن الفعل الكالمي ليس على البساطة التي قد يظهرها هذا التحديد‪ .‬إنه فعل معقد وينسحب على تركيبة ثالثية العناصر‪ ،‬وعناصر هذه‬
‫التركيبة هي‪:‬‬
‫‪ -‬الفعل التصويتي – ‪.-L’acte phonétique‬‬
‫‪ -‬الفعل التأليفي – ‪.-L’acte phatique‬‬
‫‪ -‬الفعل اإلحالي ‪.L’acte rhétique– -‬‬
‫فالفعل التصويتي يتمثل في إصدار أصوات معينة من مخارج صوتية معلومة‪ ،‬ويمثل هذا الفعل عنصرا من الفعل الكالمي‪ ،‬ألن الكالم يقتضي‬
‫إحداث األصوات‪ .‬وللتدقيق إذا كان الفعل الكالمي يتمثل في قول شيء ما‪ ،‬فإن قول شيء ما معناه إحداث هذا الشيء على الوجه الذي يضمن‬
‫ثبوته في الواقع‪ ،‬ولعل التصويت هو الذي يضمن ثبوت قول الشيء‪ .‬وبهذا ينسحب الفعل الكالمي في جانب منه على الفعل التصويتي‪ .‬وإذا كان‬
‫الفعل التصويتي هذا يتمثل في إصدار األصوات‪ ،‬فإن الفعل التأليفي يتمثل في إصدار متواليات األصوات طبقا لنظام تأليف هذه المتواليات‪ ،‬إنه‬
‫يتمثل في إحداث هذه المتواليات على الطريقة التي يسمح بها النظام الفونولوجي والتركيبي والمعجمي‪ ،‬ليشكل بذلك العنصر الثاني داخل الفعل‬
‫الكالمي‪ ،‬وأما الفعل اإلحالي فإنه يتمثل في مراعاة ارتباط الوحدات التأليفية بالمراجع الخارجية للداللة على معاني مخصوصة[‪.]30‬‬
‫كان هذا مجرد فصل إجرائي للعناصر الفعلية التي يقوم عليها الفعل الكالمي‪ ،‬والثابت أن هذه العناصر ترتبط مع بعضها ارتباطا وثيقا لدرجة‬
‫يصعب معها فصل عنصر عن آخر فصال تطبيقيا‪ ،‬إذ نالحظ أن تحقيق الفعل اإلحالي يتوقف على تحقيق الفعل التأليفي‪ ،‬وال يتحقق الفعل التأليفي‬
‫إال بتحقيق الفعل التصويتي[‪ . ]31‬فهذه أفعال متالزمة يؤدي تحقيق واحد منها إلى تحقيقها كلها‪ ،‬وهذا التحقيق الكلي هو ما يمثل تحقيق الفعل‬
‫الكالمي‪ .‬وعليه‪ ،‬إن الفعل الكالمي يتمثل في قول شيء ما عن طريق التصويت وطبقا لنظام التركيب والداللة‪.‬‬

‫‪   ‬ب‪-‬الفعل اإلنجازي‪:‬‬
‫إن تحقيق الفعل الكالمي بوجه عام هو في ذات الوقت إنجاز لفعل ما‪ ،‬إنجاز تؤديه الصيغة التعبيرية الناتجة عن تحقيق الفعل الكالمي‪ ،‬أي الناتجة‬
‫عن قول شيء ما‪ .‬ويتعلق األمر هنا بالوظائف التي تؤديها التعابير اللغوية في سياقات استعمالها‪ ،‬كأن تكون لالستفهام أو اإلخبار أو الوعد أو‬
‫غيرها‪ .‬ثم إن الفعل الذي يحققه مستعمل اللغة بهذا المعنى هو ما يسميه "‪ "Austin‬بالفعل اإلنجازي‪ .‬وإذن إننا بقولنا لشيء ما نكون منجزين‬
‫لفعل ما‪ ،‬إننا كلما حققنا فعال كالميا في سياق استعمالي معين‪ ،‬نكون منجزين للفعل‪ ،‬كأن نخبر أو نعد أو نتساءل[‪.]32‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإذا كان الفعل الكالمي يتمثل‪ ،‬كما الحظنا‪ ،‬في تحقيق تعابير لغوية في حدود الدالالت المرجعية‪ ،‬ودون مراعاة للسياقات االستعمالية‪ ،‬فإن‬
‫الفعل اإلنجازي يتمثل في تحقيق تعابير لغوية تنطوي –فضال عما يخوله مستوى الفعل الكالمي من داللة –على قوى إنجازية‪forces -‬‬
‫‪ -illocutoires‬قد يمثلها اإلخبار أو االستفهام أو غير هذا‪ ،‬هذه القوى اإلنجازية هي التي تمثل القصد التداولي من تحقيق الفعل اللغوي‪ .‬وبهذا‬
‫يكون الفعل اإلنجازي هو الفعل الذي من خالله تبرز معالم اعتبارات االستعمال[‪]33‬‬
‫ج‪ -‬الفعل التأثيري‪:‬‬
‫يتعلق األمر هنا بالفعل الذي نحققه بواسطة قولنا لشيء ما وتحقيقنا للفعل اإلنجازي‪ .‬والشاهد على تحقيقنا لهذا الفعل يظهر في وقع القول أو في‬
‫اآلثار التي يحدثها القول على المخاطب‪ .‬فأن نقول شيئا ما يترتب عنه عادة إحداث بعض اآلثار على اآلخرين بتعديل أنظمتهم المعرفية وعاداتهم‬
‫السلوكية‪ ]34[.‬وإذن إن إحداث التأثير بالقول هو مناط الفعل التأثيري الذي يمثل العنصر الثالث في التركيبة الثالثية للفعل اللغوي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويمكن أن نميز بين الفعل اإلنجازي والفعل التأثيري في متابعة الفرق بين الصياغتين التاليتين‪.‬‬
‫‪-‬في حال قولي كذا فقد حققت إخبارا أو وعدا أو تحذيرا…‬
‫‪-‬بواسطة قولي كذا فقد أزعجت مخاطبي أو أفرحته أو أقنعته…‪]35[.‬‬
‫إذ تنسحب الصياغة األولى على األفعال اإلنجازية‪ ،‬وتنسحب الثانية على األفعال التأثيرية‪.‬‬
‫كانت هذه مستويات الفعل اللغوي عند "‪ "Austin‬ولعل الوقوف عليها يوضح كيف أن هذا الفعل اللغوي يمثل جنسا أو مقولة كلية[‪ ]36‬تندرج‬
‫تحتها عناصر فرعية‪ .‬ويمكن أن نمثل لهذه العناصر في متابعة تحقيق الجملة التالية‪:‬‬
‫(‪    )24‬لقد نجح أخوك‪.‬‬
‫إن المتكلم لما يحقق جملة كهذه فإنه يكون محققا للفعل اللغوي بمستوياته الثالثة ويمكن أن نجرد صياغة إجرائية لهذا التحقيق كالتالي‪:‬ـ‬
‫‪  ‬أ‌‪ -‬إنه قال لي‪" :‬لقدـ نجح أخوك"‪.‬‬
‫ب‌‪-‬إنه أخبرني بنجاح أخي‪.‬‬
‫ج‪-‬إنه أفرحني بقوله اإلخباري هذا‪.‬‬
‫إن المتكلم في المستوى األول يحقق فعال كالميا كما يتضح من خالل (أ) وبتحقيقه للفعل الكالمي هذا يكون محققا للفعل اإلنجازي متمثال في‬
‫اإلخبار كما هو واضح في (ب)‪ ،‬ويترتب عن هذا أن المتكلم قد أحدث في نفسي أثرا طيبا‪ ،‬ألن في قوله اإلخباري هذا مسرة لي‪ .‬وهو بالتالي قد‬
‫حقق الفعل التأثيري كما توضحه الصياغة اإلجرائية (ج)‪.‬‬
‫د‪ -‬الفعل القضوي ‪ L’acte propositionnel–-‬عند "‪."J.Searle‬‬
‫لقد الحظنا مع "‪ "Austin‬أن تركيبة الفعل اللغوي تقوم على ثالثة عناصر هي‪ :‬الفعل الكالمي والفعل اإلنجازي والفعل التأثيري‪ .‬والحظنا معه‬
‫أيضا أن للفعل الكالمي تركيبة ثالثية تنسحب على فعل تصويتي وفعل تأليفي وآخر إحالي‪ .‬فما موقع الفعل القضوي من هذا إذن؟‬
‫إن إدراج الفعل القضوي في الصيغة التركيبية للفعل اللغوي كان محاولة من "‪ "Searle‬لتدارك االلتباس الحاصل بين الفعل اإلحالي والفعل‬
‫اإلنجازي‪ .‬إننا ال نجد أي صعوبة في تصور الفعل التصويتي والفعل التأليفي ألن نظام التصويت والتأليف يظل في الواقع هو هو‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫بإنجاز الطلب أو الوعد أو االستفهام أو غيره‪ ]37[.‬أي إن القواعد الفونولوجية والنحوية تظل هي هي في تحقيق جميع األفعال اإلنجازية‪ ،‬وإن‬
‫التصويت يظل تصويتا والتأليف يظل تأليفا‪ .‬وهكذا فإلى حدود الفعل التصويتي والفعل التأليفي ليس هناك أي إشكال‪ ،‬إال أن الصعوبة تظهر مع‬
‫الفعل اإلحالي ما دام يقوم على إدراج المعنى وإدراجه قبل القوة اإلنجازية‪ .‬وقد أشار "‪ "O.Ducrot‬إلى هذا في تساؤله حول ما يقدمه الفعل‬
‫اإلحالي من داللة‪ ،‬يقول‪" :‬ما هي هذه الداللة؟ وكيف ستكون عالقتها مع القوة اإلنجازية؟"‪]38[.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولتجاوز هذا االلتباس ذهب "‪ "Searle‬إلى إعادة صياغة تركيبة الفعل اللغوي كالتالي‪:‬‬
‫‪              ‬أ‪-‬أن تتكلم‪ ،‬يعني أنك تحقق الفعل التلفظي‪.‬‬
‫‪            ‬ب‌‪-‬أن تسند الكلمات إلى بعضها وتحيل بها على مراجعها‪ ،‬يعني أنك تحقق الفعل القضوي‪.‬‬
‫‪            ‬ج‪-‬أن تخبر أو تعد أو تستفهم‪ :‬معناه أنك تحقق الفعل اإلنجازي‪]39[.‬‬
‫وإلى هذه العناصر الثالثة ينضاف الفعل التأثيري بنفس صيغته األوستينية‪.‬‬
‫هكذا أمكن لهذه الصايغة أن تستوعب نوعا ً ما ما جاء عند "‪ ،"Austin‬مع مراعاة أن الفعل اإلحالي والفعل الكالمي يندرجان معا تحت ما عرف‬
‫عند "‪ "Searle‬بالفعل القضوي‪]40[.‬‬
‫لقد ساعد التعديل الذي جاء به "‪ "Searle‬هذا‪ ،‬في مالحظة الفرق بين المحتوى القضوي والقوة اإلنجازية‪ .‬إذ يمكن للمحتوى القضوي الواحد‬
‫أن يظهر مع تحقيق أفعال إنجازية مختلفة‪ .‬ويمكن أن نمثل لهذا بما يلي‪.‬‬
‫(‪       )25‬خرج زيد‪.‬‬
‫‪    )26(  ‬هل خرج زيد؟‬
‫‪       )27(    ‬ليخرج زيد‪.‬‬
‫فهذه ملفوظات ذات محتوى قضوي واحد ناتج عن تحقيق الفعل القضوي بإسناد الخروج لزيد‪ .‬إال أن هذه الملفوظات رغم قيامها على نفس‬
‫المحتوى القضوي تختلف من حيث قواها اإلنجازية‪ ،‬حيث القوة اإلنجازية في (‪ )27‬هي اإلخبار‪ ،‬وهي في (‪ )28‬االستفهام‪ ،‬وفي (‪ )29‬األمر‪.‬‬
‫وهذا يعني أن تحقيق هذه الملفوظات معناه تحقيق ثالثة أفعال إنجازية مختلفة حيث يتكرر مع تحقيق كل واحد منها تحقيق نفس الفعل القضوي‪،‬‬
‫هذا األخير الذي يمكن أن يتحقق مع العديد من األفعال اإلنجازية األخرى‪.‬‬
‫وبهذا استطاع "‪ "Searle‬أن يجرد للفعل اإلنجازي الصيغة المنطقية التالية‪:‬‬
‫‪  -‬ق (م ق)‪.‬‬
‫حيث (ق) يمثل رمزا للقوة اإلنجازية ويمثل (م ق) رمزا للمحتوى القضوي‪]41[.‬‬
‫وبناء عليه فإنه حينما تؤخذ هذه العناصر بعين االعتبار في البناء التركيبي الجملي‪ .‬نجد أن من العناصر التركيبية داخل الجملة ما يشير للقوة‬
‫اإلنجازية‪ ،‬ومنها ما يشير أو يمثل المحتوى القضوي‪ .‬ويمكن أن نالحظ هذا في بنية الملفوظ (‪ )28‬حيث تمثل أداة االستفهام (هل) مؤشرا للقوة‬
‫اإلنجازية كما مثله الم األمر في (‪ ،)29‬في حين يمثل المركب اإلسنادي (خرج زيد) المحتوى القضوي في المثالين معا‪ .‬إال أن ظهور هذه‬
‫المؤشرات التركيبية ال يطرد مع كل استعمال لغوي‪ ،‬إذ يمكن أن يضمر مؤشر القوة اإلنجازية كما نالحظ في (‪ ،)27‬ويمكن تقديره بفعل مضارع‬
‫مبني للفاعل المتكلم‪ ،‬كأن نقدر (أخبر أو أثبت) بالنسبة للمثال (‪ .)27‬وكما يمكن أن تضمر مؤشرات القوى اإلنجازية‪ ،‬فكذلك يمكن أن يتحقق‬
‫الفعل اإلنجازي دون أن يظهر في بنية الملفوظ أي محتوى قضوي‪ .‬كتحقيق التعجب في المثال (‪(30‬‬
‫‪                           ‬‬
‫‪ )28(    ‬آه‪ ! ‬‬

‫هذا‪ ،‬ولما يتميز الفرق بين الفعل القضوي والفعل اإلنجزي‪ ،‬ويترتب عنه تمييز الفرق بين المحتوى القضوي والقوة اإلنجازية‪ ،‬ولما يكون الصدق‬
‫هو المعيار الذي تقاس به المحتويات القضوية‪ ،‬فإن لألفعال اإلنجازية معيارا تقاس به يتمثل في مدى استيفائها لشروط وقواعد التحقيق‪.‬‬
‫‪ -3-4‬الشروط والقواعد المنظمة لإلنجاز‪.‬‬
‫إن أي تحقيق ناجح للفعل يقتضي –فضال عن إصدار الكالم‪ -‬االحتراز من الوقوع في الخطأ الذي قد ينتج عن عدم مراعاة مقتضى الحال‪ .‬ثم إن‬
‫االحتراز من الوقوع في هذا يقتضي مراعاة مجموعة من القواعد والشروط الالزمة والضرورية‪ .‬وفي هذا اإلطار حاول "‪ "Austin‬أن يضع‬
‫قائمة من الشروط التمهيدية‪ ،‬يرى أنه بموجب استيفائها يمكن لإلنجاز أن يكون مناسبا لما يقتضيه الحال‪ ،‬ويكون بالتالي إنجازا ناجحا‪ .‬وقائمة‬
‫الشروط هذه هي‪:‬‬
‫أ‪ -1-1-‬يجب أن يكون هناك توافق أو تواضع مسبق حول نظام متعارف عليه ينظم التواصل باعتبار المناسبات‪.‬‬
‫أ‪ -2-1-‬يجب في كل مناسبة أن يراعي األشخاص المعنيون ما يناسب مالبساتهم الخاصة حتى يتسنى التمسك بالنظام المقرر لالحتكام‪.‬‬
‫أ‪ -1-2-‬يجب أن تنفذ تعليمات النظام بشكل مضبوط‪.‬‬
‫أ‪ -2-2-‬يجب أن يكون هذا التنفيذ تاما وكامال‪.‬‬
‫ب‪ -1-‬يجب أن يكون سلوك الفرد ناتجا عن تنفيذ مقصود لتعليمات النظام المعهود‪.‬‬
‫ب‪ -2-‬يجب أن يتحمل الفرد تحمال عمليا مسؤولية ما قد يلزم عن سلوكه من التزامات‪]42[.‬‬
‫هذه قائمة الشروط التي صاغها "‪ "Austin‬وهي تنقسم كما هو واضح إلى فئتين‪:‬‬
‫الفئة (أ) وتمثل الشروط الضرورية التي يجب استيفاؤها أوال كي يثبت وجود اإلنجاز فعال‪ .‬وكلما تم اإلخالل بواحد من شروط هذه الفئة‪ .‬أدى ذلك‬
‫إلى استحالة وجود اإلنجاز على اإلطالق‪ .‬وهناك طرق كثيرة لإلخالل بهذه الشروط‪ ،‬منها مثال‪:‬‬
‫‪                 -                ‬إصدار الكالم بصياغات غير صحيحة أو غير تامة‪.‬‬
‫‪                 -                ‬محاولة إنجاز أفعال في سياقات ال تسمح بذلك‪.‬‬
‫الفئة (ب) وتمثل الشروط المفروضة لضمان صالحية اإلنجاز‪ .‬فالفعل لما يستوفي الشروط (أ) فإنه يكون قد تحقق بالفعل‪ ،‬إال أن تحقيقه هذا ال‬
‫يكون تاما وناجحا إال باستيفائه للشروط (ب)‪ .‬إن اإلنجاز مع غياب القصد إليه أو مع عدم تحمل مسؤوليات تبعاته يعتبر غير مستوف لشروط‬
‫إنجاحه‪ .‬ومن أمثلة عدم االستيفاء هذه‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون اإلنجاز حاصال عن سوء قصد‪ ،‬كأن يصدر الفرد كالما يحتمل إنجازا غير مقصود‪.‬‬
‫‪-‬أن يعد الفرد وهو ينوي عدم الوفاء بوعده‪.‬‬
‫وهكذا فإن اإلخالل بالشروط (أ) يطعن في إمكانية وجود اإلنجاز‪ ،‬ويطعن اإلخالل بالشروط (ب) في صالحية اإلنجاز‪ ،‬وعليه كي يكون اإلنجاز‬
‫محققا فعال وناجحا يجب أن يكون مستوفيا لشروط الفئتين معا‪]43[.‬‬
‫هذا ويمكن أن نخلص مع "‪ "Austin‬إلى أنه ال إنجاز إال بشروط‪ ،‬والخالصة هذه نفسها تثبت عند "‪ ."Searle‬فقد أفرض هذا األخير مجموعة‬
‫من الشروط يجب استيفاؤها كي يتسنى تحقيق األفعال اإلنجازية بنجاح‪ ،‬وقد ميز في هذه الشروط بين نوعين‪ ،‬بنفس االعتبار الذي أخذ به "‬
‫‪ "Austin‬تقريبا‪ .‬لقد ميز بين شروط تأسيسية – ‪ -Conditions constitutives‬وشروط معيارية ‪ conditions normatives –-‬ورتب‬
‫على كل من هذه و تلك مجموعة من القواعد‪ .‬فالقواعد التأسيسية هي التي تحكم وتوجه إخراج اإلنجاز إلى الوجود‪ ،‬والمعيارية هي التي تحكم‬
‫وتوجه اإلنجاز في الوجود‪ .‬أي إن القواعد التأسيسية توجه الفرد قبل الشروع في اإلنجاز‪ ،‬والمعيارية توجهه لحظة الشروع في اإلنجاز‪]44[.‬‬
‫وفي ما يلي ما صاغه "‪ "Searle‬من شروط وما رتبه من قواعد باعتماد نموذج "الوعد" كفعل إنجازي‪:‬‬
‫في البداية‪ :‬يتوقف تحقيق ما سيلي من شروط على ضرورة تحقيق الشرط الذي ينص على ضرورة توفر العناصر الضرورية والظروف المواتية‬
‫إلتمام التواصل‪ ،‬ومن هذه‪:‬‬
‫‪ -‬ضرورة وجود متكلم ومخاطب‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة وجود قناة تواصلية‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون المشاركون على علم باللغة المستعملة للتواصل‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون المشارك مدركا لسلوكه وقادرا على إدراك سلوك غيره في التواصل‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون التواصل قائما على أدوار واقعية وجادة على عكس ما هو في المسرح وما يشابهه‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن ال يكون هناك أي عائق مادي يحول دون إتمام التواصل‪]45[.‬‬
‫ولما يتعين تحقيق هذه العناصر الشرطية فإن ارتياد التواصل يصبح ممكنا‪ ،‬إال أن إنجاح اإلنجاز حسب "‪ "Searle‬ال يتسنى إال باستيفاء شروطه‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ – الشرط التمهيدي – ‪:-préliminaire‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون المتكلم في الوضع الذي يسمح له بتحقيق اإلنجاز‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يراعي ظروف مخاطبه واستعداداته‪.‬‬
‫ب‪ -‬شرط المحتوى القضوي‪:‬‬
‫‪ -‬يجب مراعاة العالقات اإلسنادية التي تضبط المحتوى القضوي‪.‬‬
‫ج‪ -‬شرط الجدية –‪:-sincérité‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون المتكلم جادا في كالمه‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون قاصدا إلى تحقيق إنجازه‪.‬‬
‫د‪ -‬الشرط األساسي‪:-essentielle -‬‬
‫‪ -‬يجب أن يكون المتكلم عازما على تحمل تبعات إنجازه‪]46[.‬‬
‫إلى هنا نكون قد وصلنا إلى إبراز المعالم األساسية التي قامت عليها نظريتا التلفظ واإلنجاز‪ .‬لقد ثبت لدينا إلى هنا‪ ،‬أن التلفظ نشاط لغوي‬
‫استعمالي‪ ،‬وأن اإلنجاز شكل من أشكال السلوك اإلنساني‪ .‬وقد الحظنا أن األمر في كل ذلك يتعلق بالحدث أوالفعل‪ .‬وقد تسنى لنا تحديد هذا المفهوم‬
‫وتمييزخصائصه ومستوياته‪ ,‬كما تسنى لنا تحديد الشروط والقواعد المنظمة لتحقيقه وإنجاحه‪.‬‬

‫*مفهوم الخطاب عند بنفنيست‪BENVENISTE :‬‬


‫إن تعدد معنى كلمة " خطاب " ال يقف عند هذا الحد فهذا اللساني الفرنسي إ‪ .‬بنفنيست يقابل ليس بين " الخطاب " و" النص " إنما بين الخطاب وما‬
‫يسميه قصة "‪." Récit  "، " Histoire‬‬
‫لقد جاء تصور بنفنيست مناقضا لتصور دوسوسير‪  » De Saussure ‬بالنسبة للغة أو " اللسان " إن شئنا ترجمة أكثر حرفية لمصطلح ‪Langue‬‬
‫فدوسوسير يفصل بين " اللسان " و " الكالم " فهذا األخير بالنسبة له ظاهرة عرضية وفردية ال تخضع للتعميم النظري‪ .‬إن " اللسان " كمفهوم‬
‫نظري ينأى عن كل ما هو نص أو خطاب بل حتى عن كل ما هو جملة‪.‬‬
‫إن هذا التصور " للسان " لم يلق قبوال لدى الكثير من الدارسين (باختين ‪ ،BAKHTINE‬بنفنيست‪  ،‬ديكرو ‪ ) Ducrot‬ولعلنا نركز بعض الشيء‬
‫على بنفنيست في هذا البحث‪.‬‬
‫يعتبر بنفنيست اللغة ( أو اللسان ) تلفظا ( ‪ ) Enonciation‬ولقد انطلق بنفنيست من مدونة دوسوسير ( اللسان ) ليثبت أنه حتى في هذا المجال ال‬
‫يمكن الفصل بين اللسان واستعماالته حتى في مجال األدلة المنفصلة‪ .  » Signes« ‬إن كثيرا من األدلة ‪ Signes‬ال يمكن أن يكون لها‬
‫مدلول‪ » Signifiés ‬إال إذا أخذنا بعين االعتبار ظرف التلفظ ‪.Situation d’énonciation‬‬
‫إن التلفظ ( أو اإلعراب ) هو امتالك للسان وتفعيل له من قبل ذات متحدثة‪ .‬إن امتالك اللغة وتفعيلها ينتج ملفوظات ‪ .Enoncés‬كل تلفظ له ظرف‬
‫معين‪ ،‬مؤلف من متلفظ ‪  Enonciateur‬وشريك للمتلفظ‪ » Co-énonciateur«    ‬يمكن له في نفس السياق أن يصبح متلفظا‪ ،‬وزمان ومكان‪.‬‬
‫ويعبر على ظرف التلفظ هذا بالصيغة التالية " أنا – أنت – هنا – اآلن "‪.‬‬
‫لقد كان اهتمام بنفنيست بتلك األدلة التي ال يمكن إعطاؤها مدلوال إال من خالل ظرف التلفظ أي زمان ومكان وذوات المتحدثين أثناء التلفظ‪ .‬فصيغ‬
‫المضارعة للمتحدث والمخاطب المتمثلة في أحرف المضارعة ( الهمزة والتاء والنون ) ال يمكن إعطاؤها مدلوال دون األخذ بعين االعتبار‬
‫المتحدثين من متكلم ومخاطب‪.‬‬
‫إن أحرف المضارعة ليست أدلة منفصلة في اللغة العربية كما هو الحال في اللغة الفرنسية‪ .‬إن استعمال كلمة حرف دليل على عدم امتالئها بالمعنى‬
‫إال حين استعمالها ومدلولها ال يمكن أن يعرف إال من خالل ذوات المتحدثين‪ .‬إضافة إلى أحرف المضارعة المتعلقة بالمخاطب والمتكلم يمكن أن‬
‫نضيف ظروف المكان والزمان وأسماء اإلشارة فهي وإن كانت أدلة منفصلة عكس أحرف المضارعة إال أنها ال يكون لها مدلول إال من خالل‬
‫ظرف التلفظ فـ اآلن ‪ /‬غدا ‪ ،‬هنا ‪ /‬هناك‪ ،/‬هذا‪ ، /‬هاتان‪ ،/‬هذان‪ /‬ال يمكن إعطاؤها مدلوال إال من خالل وضع المتحدث والمتحدث إليه فهي أدلة لها‬
‫مدلول بحسب أوضاع المتخاطبين مكانيا وزمانيا فهي مشيرات «‪ Indicateurs‬في سياق محدد‪ . ‬إضافة إلى ذلك أداة النداء وصيغة التعجب فهما‬
‫أيضا من صميم المشيرات التي تستمد مدلوالتها من راهن التلفظ‪ .‬فهذه األدلة ال تحمل مدلوال ثابتا كدليل " طاولة " أو " مقعد " إنما يكون لها مدلول‬
‫حينما يفعلها شخص لغة فتشير إليه في راهن حديثه أو إلى وضعه في زمان و مكان التلفظ‪.‬‬
‫إن التلفظ‪ ،‬حسب بنفنيست‪  ،‬يتخذ‪  ‬كيفيتين مختلفتين‪ ،‬كيفية الخطاب وكيفية القصة‪.‬فهذه األخيرة‪ " :‬عرض لوقائع حدثت في لحظة من الزمان دون أي‬
‫تدخل للمتحدث في القصة " فالتلفظ القصصي أو التاريخي يفترض غياب المشيرات التي تدل على راهن المتحدث وغياب أسماء اإلشارة وظروف‬
‫الزمان والمكان التي تفهم من سياق المتحدث والمتحدث إليه‪.‬‬
‫إن المضارع كدال على الحاضر أو المستقبل والمضارع المجزوم في صيغتي المتكلم والمخاطب ال تعد من صميم " القصة " وحده الماضي التام‬
‫المنفصل عن الحاضر الذي يعبر عن القصة وأحداثها وإن وجد المضارع في سياق القص فهو حاضر لماض ال صلة له بحاضر المتحدث السارد‪.‬‬
‫إن ضمير الغائب يميز القصة باعتباره داال على شيء يتحدث عنه ال عالقة بحاضر المتحدث فهو غائب فعال على مجال المحادثة‪.‬‬
‫أما " الخطاب " حسب بنفنيست‪ ،‬فهو على النقيض من ذلك إنه يجذر " الملفوظ "‪ " Enoncé " ،‬في الحاضر باستعمال صيغة المضارعة مع‬
‫أحرفها من متكلم ومخاطب‪ ،‬إن المضارع يدل على الزمن الحاضر أو المستقبل‪ .‬إن ظروف المكان والزمان وأسماء اإلشارة والنداء وصيغة التعجب‬
‫هي مشيرات فعلية لها عالقة بظرف الخطاب ومنه تستقي مدلوالتها‪.‬‬
‫إن " الخطاب " يهيمن في بعض األجناس كالمراسالت والمذكرات والمسرح والتعليم وكل ما يفترض حوارا أو حديثا موجها إلى شخص ‪ ...‬إن "‬
‫الخطاب " موجود أيضا حينما يترك السارد الشخوص يتحدثون مستعملين النداء والتعجب إلى جانب األسلوب الخبري الذي ال ينأى على الحاضر‬
‫والراهن وعلى صلة مباشرة بالمخاطب والمتكلم‪ .‬والسارد من الممكن أن يلجأ إلى " الخطاب " حينما يعبر عن رأيه ويستعمل المضارع وصيغة‬
‫المتكلم بدل الماضي التام‪.‬‬
‫إن تطبيق مفاهيم بنفتيست يقتضي منا فهما دقيقا لمنظومة األفعال العربية والفرنسية وما سبق الحديث عنه ال يعد إال تمثيال فقط والتعمق في تطبيق‬
‫هذه النظرية يفرض الفهم الدقيق للتصنيف العربي لألفعال الذي ال يطابق دوما التصنيف الفرنسي‪.‬‬

‫‪* ‬نظريّة التلفّظ عند بنفنيست؛‬


‫التلفّظ هو ترجمة للمصطلح الفرنسي ‪ Enonciation‬الذي أشار إليه األلسني السويسري شارل بالي (‪ Charles Bally )1947-1865‬في كتابه‬
‫الفرنسي إميل بنفنيست (‪ 1902‬ـ ‪. Emile Benveniste )1976‬‬
‫ّ‬ ‫(اللسانيات العامة واللسانيات الفرنسية)‪ .‬وقد بلور هذه النظريّة اللّ ّ‬
‫ساني‬

‫ومصطلح التلفّظ يقابل التلفّظ بالمعنى األكثر شيوعا ً لهذه العبارة مثلما تقابل صناعة الشيء‪ ،‬الشيء المصنوع وهي فعل االستخدام الفردي للسان‪،‬‬
‫بينما الملفوظ يعني نتيجة هذا الفعل‪.‬‬
‫فرومان ياكوبسون يرى‪ ،‬كما يرى سوسير‪ ،‬أن وظيفة اللغة تكمن في تقديم المعلومات بواسطة مدونة‪ ،‬بينما يرى المعترضون أن اللّغة أكثر من ذلك‬
‫بكثير‪ .‬اللغة ليست مدونة تَنهضُ بوظيفة تواصل فحسب‪ ،‬إنما هي تطرح قواعد لعب تختلط اختالطا ً كبيراً بالحياة اليومية‪ .‬وتأتي في صدارة تلك‬
‫القواعد ‪ ،‬وقد اتّخذت مريم فرنسيس من تسميات ” عملية القول “‪ ” ،‬آلية الكالم “‪ ” ،‬وآلية التخاطب “ ترجمات مترادفة ومتقاطعة بعض الشيء لما‬
‫يدعى في الفرنسية ﺒ ” ‪ “ Enonciation‬وفي اإلنكليزية ﺒ ” ‪ ،“ Enunciation‬ومن منظور اللساني الفرنسي إميل بينفينيست ‪.E. Benveniste‬‬

‫والواقع أن دراسة آلية التخاطب مرتبطة في اللسانيات الفرنسية باسم إميل بينفينيست الذي استطاع أن يجمع بين معطيات لسانية متفرقة وبين مفاهيم‬
‫لغوية متفرِّ قة ليبلور نظريته في هذا المضمار‪ .‬فهو يرى أن اللغة‪ ،‬بوصفها نظا ًما مجردًا أو طاقة مخزونة في ذهن اإلنسان‪ ،‬ال تتحول إلى كالم‬
‫حقيقي أو إلى نص أو خطاب إال بواسطة عملية القول‪ .‬وهذه العملية هي فريدة وفردية في كل الظروف والحاالت‪ .‬وهي ليست فقط جوهرية في‬
‫صيغة النص وداللته‪ ،‬بل إنها أيضً ا وراء بنية وحدات لغوية تعبر عن مفاهيم إنسانية أساسية كمفهوم الشخص والزمان والمكان‪.‬‬

‫وكانت نقطة انطالق إميل بينفينيست لهذه النظرية المنظور العربي لبنية الضمائر وتمييز النحويين العرب بين المتكلم والمخاطب والغائب بينفينيست‬
‫‪ ،1949‬ص‪ 225.‬ـ ‪ .)236‬فمن خالل هذه التسميات العلمية التي نقلها بينفينيست إلى اللسانيات المعاصرة‪ ،‬أدرك أن عملية القول والتصاقها الحميم‬
‫بصاحبها يحددان كل إحالة كالمية‪ ،‬وإن لم يستعمل حرفيًا العبارة أو يبسط منظوره هذا تحت عنوان ” اإلحالة “ ما نفعل نحن هنا‪ .‬فلقد أظهر أن بنية‬
‫الضمائر أو وحدات الشخوص‪ ،‬وكما تعكسها التسميات العربية‪ ،‬مبنية على التقابل بين الحاضر والغائب‪ ،‬حضور المرجع أو غيابه‪ :‬فالضمير ” أنا “‬
‫يحيل وجوبا إلى من يقول ” أنا “‪ .‬وقوله ” أنا “ يفرض حت ًما حضور آخر يوجّ ه إليه خطابه ويشار إليه ﺒ ” أنت “‪ .‬وهذه العالقة الوثيقة التي تربط‬
‫المتكلم بالمخاطب وتفرض حضورهما الضروري والمشترك في عملية القول أو التخاطب تبرز جليًّا من إطالق تسمية ” الغائب “ على كل من ليس‬
‫حضوره ضروريا‪.‬‬
‫مما قيل سابقا ً‪ ،‬نستخلص الشكل األولي لهذه اإلشكالية‪ .‬وقد أوضحنا‪ ،‬بالفعل أن على الدراسة المعمقة لمعنى منتوجات الفعالية اللغوية إيضاح شروط‬
‫إنتاجها‪ .‬وسنقوم اآلن بشرح هذه الصيغة مستعينين بمثال‪:‬‬

‫(قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة)‪ -‬بالشكل الذي يستخدمها فيه النحوي‪ .‬بهدف إيضاح إحدى البناءات الممكنة للرابطة ‪( Est‬كائنة)‪ .‬في كتاب‬
‫القواعد تكون هذه الجملة معزولة عن أيّ سياق أيّ‪ :‬السياق الكالمي ‪ Verbal‬والسياق المقامي ‪ .Situationnel‬فهل يسعنا القول ّ‬
‫إن الجملة تحمل‬
‫معنى‪ ،‬ضمن هذه الشروط ؟ قد يكون في هذا السؤال ما يوحي بالدهشة لكن إذا قمنا بمقارنة جملة‪:‬‬

‫(قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة) بجملة شومسكي الشهيرة‪( :‬أفكار خضراء ال لون لها تنام بشكل مخيف) لتبيّن أن الجملة األولى واضحة‪ ،‬أما‬
‫الثانية فعلى العكس‪ ،‬على الرغم من توفر قواعد التركيب فيها‪ :‬إنها غير واضحة ألنها تربط االسم (فكرة) بالصفة (أخضر)‪ ،‬وتربط االسم نفسه‬
‫بالفعل (نام‪ ،‬الخ)‪ .‬كل كلمة من تلك الكلمات تنتمي إلى اللغة العربية ولها داللة في المعجم ومع ذلك فإن مجموعها ال يشكل جملة عربيّة مبنية بشكل‬
‫جيد‪.‬‬

‫وحتى تكون الجملة مبنية بشكل جيد ال يكفي أن تضم كلمات تنتمي إلى اللغة وتشكل وفقا ً لقواعد علم التراكيب‪ ،‬لكن ينبغي أيضا ً أن تكون بينها درجة‬
‫معينة من الداللية‪ .‬وهكذا فإن الجملة التي نبحث فيها هي جملة واضحة ألنها مشكلة بشكل جيد‪ ،‬على عكس جملة شومسكي‪.‬‬
:‫المراجع المعتمد عليها في عملية البحث‬
.E. Benveniste : Problèmes de linguistique générale. T II, éd  Gallimard, Paris. P  80-81 ]1[-
P. Charaudeau : Langage et discours, éléments de sémiolinguistique. éd Hachette, Paris - ]2[
.P  59
.O. Ducrot : « Les lois de discours ». in langue française n°42, éd Larousse. P  21 -]3[
.J. Dubois et al : Dictionnaire de linguistique. éd Larousse, P  191 - ]4[
.O. Soutet : Linguistique. (P.U.F), 2ème éd 1997, P : 158 - ]5[
."l’acte" ‫" وليس ب‬le verbe" ‫ يتعلق األمر في "الفعل" هنا ب‬- *
‫ ترجمه "مبارك‬.88-81 ‫ ص ص‬،"Langage et idéologie" ‫ "من الذي يتكلم؟" من كتابه‬:‫ أوليفي روبول‬،‫ أنظر‬- ]6[
.37،43 ‫ ص ص‬،1999 ‫ س‬،12‫حنون" في مقال لمجلة عالمات ع‬
،‫ "لقد كنا توأمين متشابهين تمام الشبه‬:‫ وقد أورد لتزكية ذلك الطريفة التالية‬."‫ "من الذي يتكلم‬:‫ أنظر أوليفي روبول‬- ]7[
.‫ من نفس المرجع‬39 :‫ ص‬."‫ ولم نعرف أبدا من مات منا أنا أم أخي‬،‫مات أحدنا في الطفولة في المغطس‬
.J. Courtés : Analyse sémiotique du discours. Ed Hachette, 1991, P  148 - ]8[
 G. Spielmann (2001)  « L'énonciation Sur ]9[

C.K. Orecchioni : l’énonciation de la subjectivité dans le langage. éd Armand Colin, - ]10[


.Paris. P 30
.Ibid. P 185 - ]11[
.How to do things with words. Oxford University Presse, 1962 - **
:‫وقد اعتمدنا ترجمته الفرنسية‬
.Quand dire c’est faire. Tr G. Lane. éd Seuil, 1970-
‫ وآثر‬،‫" عن المصطلح "وصفي" ألنه ينسحب على التعابير الوصفية وال ينسحب على اإلثباتية‬Austin" ‫ لقد تغاضى‬- *
.‫المصطلح "خبري" ألنه ينسحب على الوصف واإلثبات معا‬
.J.L.Austin :  Quand dire c’est faire. P 38 - ]12[
.Ibid, P 41- ]13[
…Ibid,  P 38 - ]14[
.Ibid. P  48-54 - ]15[
.Ibid, P  86 - ]16[
.Ibid. P  107 - ]17[
.Ibid. P 109 - ]18[
J.Searle : Speech acts. Ed Cambridge, University Presse, 1969. Tr, F : Les actes de - *
.langage. Par H. Pauchard ; préface O.Ducrot ; éd Hermann, 1972
…O.Ducrot : Les actes de langage. « Préface », P 7 - ]19[
.J.Searle : les actes de langage. P  59 - ]20[
.Quand dire c’est faire. P  109 - ]21[
.P. Charaudeau : langage et discours. P  50 - ]22[
.O. Ducrot : dire et ne pas dire. éd Hermann, Paris, 2ème éd 1980. P  8 - ]23[
.Ibid, P  10 - ]24[
.P. Charaudeau : Langage et discours. P  50 - ]25[
.O. Ducrot : « Les lois de discours ». P 22 - ]26[
.J. Moeschler : Argumentation et conversation. Ed Hatier, Paris, 1985, P : 24-25 - ]27[
."Quand dire c’est faire" ‫ اعتمدنا هنا بشكل مباشر الفصل الثامن من‬- *
.Quand dire c’est faire. P 109 - ]28[
.Ibid, P 108 - ]29[
.Ibid, P  109-110 - ]30[
.Ibid, P  110 - ]31[
.Ibid, P  112-113 - ]32[
Ibid, P 112-113 - ]33[
.Ibid, P114 - ]34[
.Ibid, P 119-120 - ]35[
.Ibid, P 151 - ]36[
.J. Searle: Les actes de langage. La « Préface » de O.Ducrot, P 26 - ]37[
.Ibid, P 26 - ]38[
.J. Searle : Les actes de langage. P61 - ]39[
Voir : - F.Récanati :« Qu'est-ce qu'un acte locutionnaire ? » in Communications - ]40[
.N°32,1980,  P203
.R. Eluerd : La pragmatique linguistique. Ed Nathan P 156 -              
.J.Searle : Les actes de langage. P69-70 - ]41[
.Quand dire c’est faire. P48-49 - ]42[
.Ibid. P 16- 18 - ]43[
.J. Searle : Les actes de langage. P 72,73 - ]44[
.Ibid.  P  98 - ]45[
.Voir : J. Searle : - Les actes de langage. P99-105 - ]46[
Sens et expression. Traduction et Préface par J. Proust, éd Minuit, 1982. -                                
.P86
.E. BENVENISTE, Problèmes de linguistique générale, Paris:Gallimard, 1966, p.239

You might also like