You are on page 1of 3

‫حقيقة الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها‬

‫أ‪.‬د عبدالمؤمن شجاع الدين‬


‫االستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء‬
‫يكثر في الواقع استعمال الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا ً ‪ ،‬وقد اختلفت‬
‫وجهات النظر بشأن حقيقته واآلثار المترتبة عليه السيما عندما تقوم محكمة االستئناف‬
‫بإلغاء الحكم االبتدائي بشأنه ‪ ،‬ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة‬
‫التجارية بالمحكمة العليا بتاريخ ‪2016/2/27‬م في الطعن التجاري رقم ‪ 57575‬لسنة‬
‫‪1437‬هـ وخالصة أسباب هذا الحكم أن الدائرة قد قامت بدراسة ملف القضية حيث‬
‫تأكد لها ان المطعون ضده كان قد تقدم أمام محكمة أول درجة بدعوى طالب فيها‬
‫المدعى عليه حينها الطاعنة حاليا ً امام المحكمة العليا طالبها بسداد المديونيات القائمة‬
‫عليها في حسابات بنكية عدة فقامت المدعى عليها بتقديم دفع بعدم سماع الدعوى لتقدم‬
‫ما يكذبها محضا ً وأر فقت بدفعها إتفاقية جدولة سداد المديونية المبرمة فيما بين المدعي‬
‫والدافعة فرد المطعون ضده المدعي حينها بأن هناك مديونيات أخرى على الدافعة لم‬
‫تشملها اتفاقية الجدولة وان الدعوى قد تضمنت المديونيات القائمة على المدعى عليها‬
‫في تلك الحسابات االخرى باالضافة الى الفوائد والتعويضات جراء عدم قيام المدعى‬
‫عليها بسداد المديونيات في الحسابات التي تضمنتها االتفاقية في المواعيد المحددة‬
‫للسداد ‪ ،‬وحيث ان هذا الدفع من النظام العام يجب الفصل فيه ابتداء بحكم مستقل فقد‬
‫قامت محكمة اول درجة بالحكم بقبول الدفع مباشرة دون ان تقوم بتحقيق المسائل‬
‫الموضوعية التي اثارها المدفوع ضده في رده على الدفع ‪ ،‬وفي مواجهة ذلك قامت‬
‫المحكوم عليه باستئناف الحكم امام الشعبة االستئنافية التي الغت الحكم االبتدائي‬
‫واعادت ملف القضية الى محكمة اول درجة لمواالة السير في اجراءات الدعوى طبقا ً‬
‫للمالحظات الواردة في الحكم االستئنافي ‪ ،‬ومن خالل مطالعة الدائرة للحكم االستئنافي‬
‫فقد الحظت ان مقتضى الحكم االستئنافي ان الخصومة غير صالحة للحكم فيها من‬
‫حيث الموضوع مما اقتضى اعادة القضية الى محكمة اول درجة للسير في اجراءات‬
‫الدعوى والفصل فيها ‪ ،‬فحكم محكمة االستئناف الغى الحكم االبتدائي الذي كان قد قبل‬
‫الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا ً فيفهم منه ان دفع المدعى عليها لم‬
‫يتم بحثه والتحقق منه من قبل محكمة اول درجة ولذلك فان الدائرة تقر الحكم‬
‫االستئنافي لموافقته ألحكام الشرع والقانون ‪ ،‬فالدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها‬
‫محضا ً هو دفع موضوعي يتصل بطلبات المدعي وقد اقيم الدفع تأسيسا ً على ان اتفاقية‬
‫الصلح والجدولة المبرمة بين الطرفين في ‪2005/10/19‬م التي تعتبر سندا ً تنفيذيا ً‬
‫حسبما ذكر المدعى عليه مما يجعل دعوى المدعي غير مقبولة ‪ ،‬وهذه الدائرة تعتبر‬
‫أن ذلك التأسيس غير مقبول لسببين األول ‪ :‬ان اتفاقية الصلح والجدولة كان يمكن‬
‫اعتبارها سندا ً تنفيذيا ً لو تمت المصادقة عليها من المحكمة والسبب الثاني ان اتفاقية‬
‫الصلح والجدولة المبرمة بين الطرفين شملت ثالث شركات من شركات الطاعنة وهذه‬
‫الشركات ليست كل الشركات المحددة بدعوى البنك المطعون ضده الذي يدعي بان‬
‫في ذمتها ديون له كما ان دعوى البنك المطعون ضده قد تضمنت مبالغ اخرى لم يرد‬
‫ذكرها في اتفاقية الصلح المشار اليها والبنك المطعون ضده يطالب بها في دعواه‬
‫باالضافة الى ان تلك الدعوى قد تناولت الضمانات العقارية وهي كذلك لم يرد ذكرها‬
‫في االتفا قية ‪ ،‬وحيث ان الدفع الذي يقدمه المدعى عليه بمثابة دعوى صادرة من‬
‫المدعي عليه اعتراضا ً على موضوع الدعوى وفقا ً للمادة (‪ )179‬مرافعات وكان‬
‫الواجب على الدافع بذلك الدفع ان يبين وقائع دفعه واحواله وادلته والوجه القانوني‬
‫الذي يستند اليه ‪ ،‬وبما ان هذا الدفع المقدم من الطاعنة من الدفوع المتعلقة بالنظام‬
‫العام حسبما نصت عليه المادة (‪ )186‬مرافعات ويجب الفصل فيه بحكم مسبب وفقا ً‬
‫لما نصت عليه المادة (‪ )180‬مرافعات ‪ ،‬وبما ان الدفع الموضوعي يوجه الى الحق‬
‫ذاته المدعى به وتكون الغاية من قبوله إنهاء النزاع ويحوز حجية الشيء المقضي به‬
‫ولن يتأتى ذلك اال بقيام محكمة اول درجة بتحقيق الدفع وتكليف مقدمه بإثبات ذلك‬
‫باحدى طرق االثبات القانونية المنتجة في النزاع ولذلك فان اغفال محكمة اول درجة‬
‫التحقيق في هذا الدفع ضمن النطاق الموضوعي للدعوى كلها يعد قصورا ً من محكمة‬
‫اول درجة يجعل حكم محكمة االستئناف بالغاء الحكم االبتدائي صحيحا ً ألن الحكم‬
‫االبتدائي غير منه للخصومة ‪ ،‬وبنا ًء على ما سبق وعمالً باحكام المادتين ‪ 292‬و‬
‫‪ 300‬مرافعات فان الدائرة تحكم باآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬رفض الطعن موضوعا ً‪.‬‬
‫‪ -2‬مصادرة مبلغ الكفالة‪.‬‬
‫‪ -3‬ال حكم في المصاريف عن هذه المرحلة حتى صدور الحكم المنهي للخصومة‪.‬‬
‫‪ -4‬اعادة ملف القضية الى الشعبة االستئنافية الحالتها الى محكمة اول درجة‬
‫العالن كل طرف بنسخة من هذا الحكم ومواصلة نظر الخصومة باجراءات‬
‫متوالية والحكم فيها وفقا ً للقانون وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب االوجه‬
‫التالية‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ماهية الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا‬
‫هو وسيلة يتوسل بها المدعى عليه لمواجهة دعوى المدعي اذا ما صدر من المدعي‬
‫فعل او قول او تصرف يدل قطعا ً على كذب الدعوى محضا ً ‪ ،‬أي ان يكون القول او‬
‫الفعل او التصرف الصادر من المدعي قاطع في داللته على كذب الدعوى ‪ ،‬كأن‬
‫يدعي المدعي على المدعى عليه بأنه مدين له بمليون رياالً فيقوم المدعى عليه بدفع‬
‫هذه الدعوى بأن المدعي قد حرر سندا ً يدل يقينا ً على أنه قد استلم المبلغ في تاريخ‬
‫سابق للدعوى فذلك يدل محضا ً أي يقينا ً من غير شبهة على كذب الدعوى‪ ،‬او يدعي‬
‫المدعي بأن المستأجر لم يسلم غالل االرض لموسم ‪2017‬م ‪ ،‬فيدفع المستأجر هذه‬
‫الدعوى بتقديم استالم من المدعي للفلة بتاريخ سابق على تقديم الدعوى ‪ ،‬وهكذا ‪،‬‬
‫وهذا الدفع من الدفوع المتعلقة بالنظام العام بموجب المادة (‪ )186‬مرافعات ولذلك‬
‫يجب على المحكمة أن تفصل فيه بحكم مستقل وقبل الفصل في الموضوع حسبما ورد‬
‫في المادة (‪ )185‬مرافعات ‪ ،‬والدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا ً مصدره‬
‫الفقه اإلسالمي ال سيما الفقه الزيدي والحنفي حيث تناول فقهاء الزيدية والحنفية ذلك‬
‫حسبما هو مثبت في متن االزهار وشروحه والتاج المذهب ومجلة االحكام العدلية ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪:‬الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها دفع موضوعي وليس شكليا‪:‬‬
‫يقرر الحكم محل تعليقنا ان هذا الدفع من الدفوع الموضوعية وليس من الدفوع الشكلية‬
‫اذ انه يتعلق بأصل الحق المدعى به ‪ ،‬ولذلك فانه يحتاج الى تحقيق موضوعي متزامن‬
‫مع موضوع الدعوى ‪ ،‬فإذا ثبت الدفع بطلت الدعوى حسبما ورد في كتب الفقه‬
‫االسالمي وحسبما ورد في اسباب الحكم محل تعليقنا ‪ ،‬والريب ان صياغة هذا الدفع‬
‫في قانون المرافعات اليمني معيبة وهي السبب في قصور فهم هذا الدفع سواء من‬
‫الخصوم او من بعض االحكام القضائية كماهو الحال في الحكم االبتدائي الذي اشار‬
‫اليه حكم المحكمة العليا محل تعليقنا ‪ ،‬في حين ان الخطأ هو في صياغة المادتين ‪185‬‬
‫و ‪ 186‬مرافعات اللتين جعلتا الدفع بعدم سماع الدعوى لتقدم ما يكذبها محضا ً من‬
‫الدفوع المتعلقة بالنطام العام التي يجب على المحكمة ان تفصل فيها بحكم مستقل قبل‬
‫الفصل في الموضوع !!!‬
‫في حين ان هذا الدفع من الدفوع الموضوعية المتصلة تماما ً بأصل الحق المدعى به‬
‫حسبما تناوله فقهاء الزيدية والحنفية والمالكية وحسبما اشار اليه قانون االثبات اليمني‪،‬‬
‫ومن وجهة نظرنا ان تسمية هذا الدفع (بعدم سماع الدعوى) جعلت القانون اليمني‬
‫ينظر اليه وينظمه كما لو أنه دفع شكلي او شرط لقبول الدعوى يجب توفره والفصل‬
‫فيه بدايةً قبل النظر في الدعوى في حين أن هذا الدفع متالزم مع موضوع الدعوى‬
‫ومتصل بها ‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

You might also like