You are on page 1of 2

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.

org) 2018‬‬

‫االضطرابات الجسدية ذات المنشأ النفسي‬


‫‪Physical disorders of psychological origin‬‬

‫أ‪ .‬د سامر جميل رضوان* ‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan‬‬

‫عندما يصاب اإلنسان بالصداع أو يتألم من أوجاع في كل أو بعض أعضاء جسده أو يشعر بالقلق أو الضيق أو‬
‫التعب المزمن‪ ،‬فإنه يعتقد بأنه مريض وعليه مراجعة الطبيب‪ .‬وعندما تستمر األعراض ألشهر متواصلة أو تظهر‬
‫بصورة متكررة‪ ،‬مع عدم وجود أسباب واضحة جسدية أو عضوية وراء تلك األوجاع‪ ،‬يحتار الطبيب فيما يمكن‬
‫أن يقدمه للمريض الذي يبدأ باستشارة طبيب تلو اآلخر‪ ،‬ويقوم بما يمكن تسميته بـ (التسوق الطبي) ويبدل له هؤالء‬
‫األطباء الدواء تلو اآلخر‪ ،‬ويحتار المرضى في النهاية‪ ،‬ويقعون في هاوية اليأس‪ ،‬وينزلقون إلى اكتئاب عميق‬
‫وتنعدم ثقتهم باألطباء‪ .‬وقد يجربون كل شيء مما تقع عليه أيديهم أمالً في الشفاء‪ ،‬ولكن يبقى األلم وال يدركون أن‬
‫آلالمهم عالقة بأسلوب حياتهم أو مشكالتهم إال ّ أنهم يتجاهلون هذا األمر ألسباب كثيرة‪.‬‬

‫و منذ عدة سنوات أصبح لهذه األعراض المرضية‪ ،‬غير المترافقة مع أسباب عضوية‪ ،‬تسمية محددة وهي‬
‫"االضطرابات ذات الشكل الجسدي" أي المشكالت النفسية التي تعبر عن نفسها على شكل ألم جسدي‪ ،‬كما سمتها‬
‫منظمة الصحة العالمية و الجمعية النفسية األمريكية‪.‬‬

‫ومن المعروف اليوم أن الصراعات والمشكالت النفسية تعبر عن نفسها على شكل شكاوى جسدية‪ .‬ولكن قلما يعتمد‬
‫األطباء هذا التشخيص‪ ،‬بل إنهم غالبا ً ما يقومون بطرح ما يسمى بتشخيص االرتباك أو التشخيص الحائر‪ ،‬أي أنهم‬
‫يضطرون في النهاية لطرح تشخيص ما‪ ،‬ويعالجون المريض بدون أن يساعدوه بالفعل‪ .‬وتشير بعض اإلحصائيات‬
‫العالمية إلى أنه في المتوسط قد يستمر الوضع حوالى ‪ 12‬سنة في مثل هذه الحاالت‪ ،‬حيث يكون المريض قد مر‬
‫خاللها بطريق معقدة من العذاب النفسي والجسدي‪ ،‬و أحيانا ً عمليات جراحية ال لزوم لها‪ ،‬إلى أن يتم طرح هذا‬
‫التشخيص في النهاية (االضطرابات ذات الشكل الجسدي) إذا وقع المريض بين يدي معالج نفسي أو متخصص‬
‫حاذق لديه تأهيالً نفسيا ً في هذا المجال‪ .‬وإذا ما اختفت األعراض نتيجة المعالجة النفسية وبمضادات االكتئاب‬
‫والقلق‪ ،‬فهذا يعني أن صراعات ومشكالت نفسية قد تكون هي المسؤولة عن تلك اآلالم‪ ،‬ولذلك فالعالج النفسي أو‬
‫طرق المساعدة النفسية هي الحل‪.‬‬

‫*‬
‫‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan, Department of Education & Cultural Studies, College of Arts & Sciences, University of Nizwa,‬‬
‫‪Oman. Email: srudwan@hotmail.com‬‬
‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫وفي العصر الراهن‪ ،‬هناك أسباب وعلل كثيرة لإلصابة باآلالم ذات الشكل الجسدي عند غالبية الناس بسبب‬
‫ضغوط العمل وأساليب الحياة الحالية والعالقات االجتماعية الهشة والمتقلبة‪ .‬ويلعب السلوك الذي يبديه األهل تجاه‬
‫أطفالهم دوراً مركزيا ً في ذلك‪ .‬فعندما يبالغ األهل في االستجابة آلالم أو شكاوى أطفالهم‪ ،‬بمزيد من الرعاية‬
‫والعطف‪ ،‬فسوف يقود "سلوك الثواب" هذا الحقا ً إلى ارتفاع حدة عدم التسامح مع األحاسيس غير المالئمة أو‬
‫المزعجة‪ .‬ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة تسمية "المكاسب الثانوية من المرض"‪ ،‬أي المزايا والفوائد‬
‫االجتماعية التي يكتسبها اإلنسان نتيجة كونه مريضا ً‪ ،‬كعدم الذهاب إلى المدرسة مثالً‪ ،‬إن كان طفالً‪ ،‬أو الحصول‬
‫على مزيد من االهتمام إن كان كبيراً بالسن‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬يتم تقييم أقل ضرر في الجسد أو أقل شعور باأللم‬
‫بسرعة على أنه أمر معيق وخطير‪ .‬ويمكن لهذا األمر أن يقود أيضا ً إلى تضخم األعراض المرضية الحقيقية‬
‫واألحاسيس الذاتية وتنشأ حلقة مفرغة من المخاوف والتوقعات تصل ذروتها من خالل الظهور بأعراض وآالم‬
‫جسدية مرضية‪.‬‬

‫وتظهر نتائج دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن هذا النوع من االضطرابات منتشر في كل بلدان العالم‬
‫ويصيب كل الطبقات والفئات االجتماعية ويرتبط مع اإلرهاق والمشقة‪ .‬وقد أجريت تلك الدراسة في ‪ 5‬من الدول‬
‫النامية والصناعية‪ ،‬حيث وجد أن اآلالم تتدرج من الصداع بالدرجة األولى‪ ،‬يعقبها ألم في الظهر والمعدة واألمعاء‪،‬‬
‫من بين حوالي ‪ 23‬عرضا ً تقود إلى المعاناة‪ .‬واعتبرت األحداث الحياتية المرهقة من األسباب الرئيسية لهذه‬
‫االضطرابات لدى حوالي ‪ %60‬من اإليطاليين و‪ 44‬من األمريكيين و ‪ 34‬من األفريقيين و ‪ %28‬من الهنود و‬
‫‪ %8‬من البرازيليين‪ ،‬علما ً أن البرازيليين من سكان العاصمة اعتبروا اإلرهاق المزمن أمراً طبيعيا ً‪ .‬وفي الجزء‬
‫الثاني سيتم توسيع الدراسة لتشمل ‪ 6‬بلدان أخرى وتهدف إلى تطوير برامج لمساعدة هؤالء المرضى في التخلص‬
‫من أوجاعهم مع مراعاة بنية اإلمداد الصحي لكل بلد على حدة‪.‬‬

‫إن النظرة الكلية إلى اإلنسان كمخلوق حي يعيش في منظومة اجتماعية يؤثر فيها ويتأثر بها‪ ،‬وتراعي الوحدة‬
‫التالزمية بين الجسد والنفس هي الكفيلة بتخفيف تلك اآلالم وتقليل معاناة هؤالء المرضى‪ ،‬وتحسين حالتهم دون‬
‫دواء ووصفات طبية متنوعة‪.‬‬

You might also like