You are on page 1of 7

1

2
‫[النبي والرسول]‬
‫=======‬
‫اعلم أيدك هللا أن النبي هو الذي يأتيه امللك بالوحي من عند هللا يتضمن‬
‫ذلك الوحي شريعة يتعبده بها في نفسه فإن بعث بها إلى غيره كان رسوال‬
‫ويأتيه امللك على حالتين‪:‬‬
‫إما ينزل بها على قلبه على اختالف أحوال في ذلك التنزل‬
‫وإما على صورة جسدية من خارج يلقى ما جاء به إليه على أذنه فيسمع أو‬
‫يلقيها على بصره فيبصره فيحصل له من النظر مثل ما يحصل له من‬
‫السمع سواء وكذلك سائر القوي الحساسة‬
‫وهذا باب قد أغلق برسول هللا صلى هللا عليه وسلم فال سبيل أن يتعبد‬
‫هللا أحدا بشريعة ناسخة لهذه الشريعة املحمدية وإن عيس ى عليه السالم‬
‫إذا نزل ما يحكم إال بشريعة محمد صلى هللا عليه وسلم وهو خاتم‬
‫األولياء‬
‫فإنه من شرف محمد صلى هللا عليه وسلم إن ختم هللا والية أمته والوالية‬
‫مطلقة بنبي رسول مكرم ختم به مقام الوالية فله يوم القيامة‪:‬‬
‫حشر أن يحشر مع الرسل رسوال‬
‫ويحشر معنا وليا تابعا محمدا صلى هللا عليه وسلم كرمه هللا تعالى‬
‫والياس بهذا املقام على سائر األنبياء‬

‫‪3‬‬
‫[أنبياء األولياء]‬
‫==========‬
‫وأما حالة أنبياء األولياء في هذه األمة‪:‬‬
‫فهو كل شخص أقامه الحق في تجل من تجلياته وأقام له مظهر محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم ومظهر جبريل عليه السالم فأسمعه ذلك املظهر‬
‫الروحاني خطاب األحكام املشروعة ملظهر سيدنا محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم حتى إذا فرغ من خطابه وفزع عن قلب هذا الولي عقل صاحب هذا‬
‫املشهد جميع ما تضمنه ذلك الخطاب من األحكام املشروعة الظاهرة في‬
‫هذه األمة املحمدية فيأخذها هذا الولي كما أخذها املظهر املحمدي‬
‫للحضور الذي حصل له في هذه الحضرة مما أمر به ذلك املظهر املحمدي‬
‫من التبليغ لهذه األمة‪.‬‬
‫فيرد إلى نفسه وقد وعى ما خاطب الروح به مظهر محمد صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وعلم صحته علم يقين بل عين يقين فأخذ حكم هذا النبي وعمل‬
‫به على بينة من ربه‬
‫فرب حديث ضعيف قد ترك العمل به لضعف طريقه من أجل وضاع‬
‫كان في رواته يكون صحيحا في نفس األمر ويكون هذا الواضع مما صدق‬

‫‪4‬‬
‫في هذا الحديث ولم يضعه‪ ،‬وإنما رده املحدث لعدم الثقة بقوله في نقله‬
‫وذلك إذا انفرد به ذلك الواضع أو كان مدار الحديث عليه‬
‫وأما إذا شاركه فيه ثقة سمعه معه قبل ذلك الحديث من طريق ذلك‬
‫الثقة وهذا ولي قد سمعه من الروح يلقيه على حقيقة محمد صلى هللا‬
‫عليه وسلم كما سمع الصحابة في حديث جبريل عليه السالم مع محمد‬
‫صلى هللا عليه وسلم في اإلسالم وااليمان واإلحسان في تصديقه إياه وإذا‬
‫سمعه من الروح امللقي‪ ،‬فهو فيه مثل الصاحب الذي سمعه من فم‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬علما ال يشك فيه بخالف التابع فإنه‬
‫يقبله على طريق غلبة الظن الرتفاع التهمة املؤثرة في الصدق‬
‫ورب حديث يكون صحيحا من طريق رواته يحصل لهذا املكاشف الذي‬
‫قد عاين هذا املظهر فسأل النبي صلى هللا عليه وسلم عن هذا الحديث‬
‫الصحيح فأنكره‪ ،‬وقال له لم أقله وال حكمت به فيعلم ضعفه فيترك‬
‫العمل به عن بينة من ربه‪ ،‬وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة طريقه‬
‫وهو في نفس األمر ليس كذلك‪ ،‬وقد ذكر مثل هذا مسلم في صدر كتابه‬
‫الصحيح وقد يعرف هذا املكاشف من وضع ذلك الحديث الصحيح‬
‫طريقه في زعمهم إما أن يسمى له أو تقام له صورة الشخص‬
‫فهؤالء هم أنبياء األولياء وال يتفردون قط بشريعة وال يكون لهم خطاب‬
‫بها إال بتعريف إن هذا هو شرع محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أو يشاهد‬
‫املنزل عليه بذلك الحكم في حضرة التمثل الخارج عن ذاته والداخل املعبر‬
‫عنه باملبشرات في حق النائم‪ ،‬غير إن الولي يشترك مع النبي في إدراك ما‬

‫‪5‬‬
‫تدركه العامة في النوم في حال اليقظة سواء وقد أثبت هذا املقام لألولياء‬
‫أهل طريقنا وإتيان هذا وهو الفعل بالهمة والعلم من غير معلم من‬
‫املخلوقين غير هللا وهو علم الخضر‪ ،‬فإن آتاه هللا العلم بهذه الشريعة‬
‫التي تعبده بها على لسان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بارتفاع الوسائط‬
‫أعني الفقهاء وعلماء الرسوم كان من العلم اللدني ولم يكن من أنبياء هذه‬
‫األمة فال يكون من يكون من األولياء وارث نبي إال على هذه الحالة الخاصة‬
‫من مشاهدة امللك عند اإللقاء على حقيقة الرسول فافهم‬
‫فهؤالء هم أنبياء األولياء‪ ،‬وتستوي الجماعة كلها في الدعاء إلى هللا على‬
‫َْ ُ َ‬
‫بصيرة كما أمر هللا تعالى نبيه صلى هللا عليه وسلم أن يقول أدعوا ِإلى هللا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫على ب ِصير ٍة أنا ومن اتبع ِني وهم أهل هذا املقام فهم في هذه األمة‪ ،‬مثل‬
‫األنبياء في بنى إسرائيل على مرتبة تعبد هارون بشريعة موس ى عليهما‬
‫السالم مع كونه نبيا‪ ،‬فإن هللا قد شهد بنبوته وصرح بها في القرآن فمثل‬
‫هؤالء يحفظون الشريعة الصحيحة التي ال شك فيها على أنفسهم وعلى‬
‫هذه األمة ممن اتبعهم‪ ،‬فهم أعلم الناس بالشرع غير أن الفقهاء ال‬
‫يسلمون لهم‪ ،‬ذلك وهؤالء ال يلزمهم إقامة الدليل على صدقهم بل يجب‬
‫عليهم الكتم ملقامهم وال يردون على علماء الرسوم فيما ثبت عندهم مع‬
‫علمهم بأن ذلك خطأ في نفس األمر فحكمهم حكم املجتهد الذي ليس له‬
‫أن يحكم في املسألة بغير ما أداه إليه اجتهاده‪ ،‬وأعطاه دليله وليس له أن‬
‫يخطئ املخالف له في حكمه فإن الشارع قد قرر ذلك الحكم في حقه‬

‫‪6‬‬
‫فاألدب يقتض ي له أن ال يخطئ ما قرره الشارع حكما ودليله وكشفه‬
‫يحكم عليه باتباع حكم ما ظهر له وشاهده‪.‬‬
‫======================‬
‫** الفتوحات املكية (الباب الرابع عشر) – الشيخ األكبر محيي الدين بن‬
‫عربي‪.‬‬
‫******‬

‫إعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداد وتنسيق‬


‫الفقيرالي هللا تعالي‬

‫حامــــد جـــوده‬

‫‪7‬‬

You might also like