You are on page 1of 371

‫كلية اإلمام مالك للشريعة والقانون‬

‫المؤتمر الدولي الثاني‬

‫تمكين التطبيقات الذكية بين الفقه والقانون‬


‫رؤية مستقبلية في دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫(الجزء الثاني – التطبيقات الذكية في القانون)‬

‫‪ / 16-15‬إبريل ‪2021 /‬‬

‫دبي – دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫‪1‬‬
2
3
4
5
6
7
8
‫كلمة رئيس المؤتمر‬
‫الرئيس التنفيذي للكلية‬
‫أد‪ .‬عيسى بن عبدهللا بن مانع الحميري‬

‫الحمد هلل الوهاب‪ ،‬واهب الناس عقوال ليكونوا من األذكياء‬


‫الفطناء‪ ،‬وفضلهم بها على كثير ممن خلق تفضيال‪ ،‬والصالة والسالم األتمين األكملين على‬
‫سيد الثقلين‪ ،‬سيدنا محمد بن عبد هللا وعلى آله‪ ،‬من آتاه هللا جوامع الكلم‪ ،‬ووهبه من مفاتح‬
‫العلم ما جمع له بها علم األولين واآلخرين‪ ،‬فكان بذلك المعلم األول واألكمل‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فيسر كلية اإلمام مالك للشريعة والقانون أن تطلق مؤتمرها الدولي الثاني‪ ،‬الذي يأتي في‬
‫دورته الحالية تحت عنوان‪( :‬تمكين التطبيقات الذكية بين الفقه والقانون)‪ ،‬وقد استشرفت الكلية‬
‫فيه الواقع المستقبلي لتطبيقات األحكام الفقهية والقانونية الذكية‪ ،‬في ظل التقدم الرقمي الذي‬
‫يشهده العالم عامة‪ ،‬ودولة اإلمارات العربية خاصة‪ ،‬وذلك قبل اإلجراءات اإلحترازية المتخذة‬
‫من قبل الدول‪ ،‬للوقاية من فيروس (كورنا)‪ ،‬الذي سرع انتشاره العالمي من خطوات التحول‬
‫الرقمي في ممارسة األعمال وتطبيقاتها والتعليم وبرامجه وآلياته‪ ،‬حيث جاءت مبادرة عقد‬
‫المؤتمر ضمن خطة الكلية االستراتيجية للبحث العلمي (‪.)23-19‬‬

‫وقد جاءت محاور المؤتمر تعالج واقع التطبيقات الذكية والتقنيات الحديثة المطلوب‬
‫استخدامها وتطويرها بصورة مستدامة‪ ،‬في مجالي األحكام الفقهية واألحكام والتصرفات‬
‫القانونية‪ ،‬وذلك مناصفة‪ ،‬حيث خصص المحور األول لمناقشة واقع التطبيقات الذكية‬
‫المستخدمة في مجال اإلفتاء خاصة ما يحكى عن اإلفتاء االفتراضي‪ ،‬وفي مجال العبادات‬
‫والتطبيقات المستخدمة في تحديد القبلة ومواقيت الصالة وأعمال الحج والعمرة‪ ،‬وخالفها‪،‬‬
‫وعرض سبل تطويرها‪.‬‬

‫أما المحور الثاني فقد خصص لمناقشة واقع التقنيات الحديثة المطبقة في مجال المعامالت‬
‫المالية المعاصرة‪ ،‬وما تتضمنه من معامالت مالية ونقود رقمية‪ ،‬وأحكام استخدام تقنية (البلوك‬

‫‪9‬‬
‫تشين) في ذلك‪ ،‬وأحكام البيع عبر اآلالت الذكية في سياق تطبيقات الذكاء االصطناعي‪،‬‬
‫وأحكام الرؤية والحيازة اإللكترونية وخالفها‪ ،‬كما خصص هذا المحور لمناقشة التطبيقات‬
‫والتقنيات الذكية المستخدمة في مجال األحوال الشخصية خاصة إبرام عقود الزواج وإيقاع‬
‫الطالق عبر الوسائل والتطبيقات اإللكترونية المختلف‪ ،‬وأحكام ذلك في الشريعة والقانون‪،‬‬
‫ودراسة سبل تطويرها وتصويب عملها‪.‬‬

‫وأما المحور الثالث فقد غطى واقع التقنيات الحديثة المستخدمة في مجال القانون العام‪،‬‬
‫وما تتطلبه من تشريعات قانونية تضمن مواكبتها واستدامة تطويرها‪ ،‬خاصة التشريعات‬
‫المالية والتجارية‪ ،‬في ضوء انتشار العمالت الرقمية واالفتراضية‪ ،‬وزيادة حجم التجارة‬
‫اإللكترونية على المستويات المحلية واإلقليمية والعالمية‪ ،‬ودور سلسلة كتل (البلوك تشين)‪،‬‬
‫في الحد من جرائم االحتيال واالختالس وغسيل األموال‪ ،‬كما يغطي هذا المحور جانب‬
‫التقنيات الحديثة المستخدمة في األنظمة اإلدارية‪ ،‬ودورها في تحقيق اإلدارة الذكية‪ ،‬خاصة‬
‫تنظيم العمل عن بعد‪ ،‬وضمان فاعلية الرقابة عليه‪.‬‬

‫أما المحور الرابع واألخير فقد أتى ليعالج التقنيات الحديثة المستخدمة في مجال القانون‬
‫الخاص‪ ،‬خاصة تطبيقات العقود الذكية في ضوء تقنية (البلوك تشين)‪ ،‬وحجية هذه التقنية في‬
‫إثبات العقود الذكية‪ ،‬ومدى مالءمتها لطبيعة هذه العقود‪ ،‬باإلضافة إلى دور تقنية (البلوك‬
‫تشين) في تطوير القوانين الدولية الخاصة‪.‬‬

‫وقد حفلت جميع هذه المحاور بمداخالت ثلة من العلماء الباحثين المتخصصين من داخل‬
‫الدولة ومن جميع أرجاء الوطن العربي‪ ،‬والمشهود لهم في أعمال البحث واالجتهاد الفقهي‬
‫والقانوني‪ ،‬وهي معروضة في ثنايا هذا الكتاب‪.‬‬

‫سائلين المولى سبحانه حسن القبول‪ ،‬ومزيد التوفيق لخدمة العلم‪ ،‬وأن يبارك إسهامات‬
‫الكلية العلمية والبحثية‪ ،‬في سبيل تقدم العلوم‪ ،‬ال سيما علمي الشريعة والقانون‪ ،‬اللذين يعدان‬
‫من أشرف العلوم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫كلمة عميد الكلية‬
‫رئيس المجلس العلمي‬
‫أد‪ .‬عبدهللا عبدالكريم حسن‬
‫الحمدددد هلل رب العدددالمين والصدددالة والسدددالم علدددى سددديدنا محمدددد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫تقددددم كليدددة اإلمدددام مالدددك للشدددريعة والقدددانون بددددبي للمهتمدددين فدددي دراسدددات الشدددريعة‬
‫والقددددانون المعاصددددرة‪ ،‬وللبدددداحثين المجتهدددددين فددددي هددددذين المجددددالين‪ ،‬مؤتمرهددددا الدددددولي‬
‫الثددداني‪ ،‬بعندددوان‪( :‬تمكدددين التطبيقدددات الذكيدددة بدددين الفقددده والقدددانون ‪ -‬رؤيدددة مسدددتقبلية فدددي‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة)‪.‬‬

‫إن هدددذا المدددؤتمر يمثدددل تحدددديا تفرضددده ضدددرورات مواكبدددة الظدددروف االسدددتثنائية التدددي‬
‫تمددر بهددا المنطقدددة والعددالم علددى حدددد سددواء‪ ،‬بسددبب اإلجدددراءات االحترازيددة الناجمددة عدددن‬
‫تفشدددي الوبددداء الفيروسدددي (كوفيدددد ‪ ،)19-‬وهدددذا التحددددي ندددابع مدددن إدراك المجلدددس العلمدددي‬
‫بالكليددددة‪ ،‬ومددددن ورائدددده إدارة الكليددددة العليددددا ممثلددددة بشددددخص سددددعادة الددددرئيس التنفيددددذي‬
‫األسددتاذ الدددكتور عيسددى بددن عبددد هللا بددن مددانع الحميددري‪ ،‬وشددخص نائبدده سددعادة األسددتاذ‬
‫يوسددف الحميددري‪ ،‬لحجددم المسددؤولية الملقدداة علددى عاتقنددا نحددن المتخصصددين فددي بحددوث‬
‫الشدددريعة والقدددانون‪ ،‬لتنشددديط االجتهددداد الفقهدددي والقدددانوني‪ ،‬بمدددا يلبدددي المتطلبدددات المحليدددة‬
‫والدوليدددة للتحدددول الرقمدددي‪ ،‬وذلددددك فدددي سدددياق إجددددراءات التقاضدددي والفتدددوى والعبددددادات‬
‫والمعددددامالت الماليددددة واألحددددوال الشخصددددية‪ ،‬والتشددددريعات القانونيددددة فددددي قسددددميها العددددام‬
‫والخددداص‪ ،‬كمدددا هدددو ال حدددال فدددي اإلدارة الذكيدددة وتنظيمدددات العمدددل عدددن بعدددد واالقتصددداد‬
‫والتعلدددديم وخالفهددددا‪ ،‬والكليددددة تتطلددددع مددددن خددددالل اإلسددددهام فددددي وضددددع القواعددددد الناظمددددة‬
‫للتطبيقدددات الذكيدددة فدددي إطدددار أعمدددال الشدددريعة والقدددانون‪ ،‬لضدددمان تدددأمين مسدددتقبل آمدددن‬
‫للدددذكاء االصدددطناعي‪ ،‬وللواقدددع االفتراضدددي‪ ،‬تسدددود فيددده الحقدددوق وتنضدددبط المسدددؤوليات‬
‫القانونيدددة والشدددرعية‪ ،‬ومدددن هدددذا المنطلدددق يدددأتي حدددرص الكليدددة علدددى إقامدددة مثدددل هدددذه‬

‫‪11‬‬
‫المحافددددل العلميددددة والمددددؤتمرات الدوليددددة‪ ،‬فهددددي تسددددعى بكددددل جهددددد ومثددددابرة إلددددى تمكددددين‬
‫البدددداحثين المجتهدددددين مددددن تحقيددددق إسددددهاماتهم فددددي تطددددوير بحددددوث الشددددريعة والقددددانون‪،‬‬
‫لتوائم الوقائع المستجدة‪.‬‬

‫وكدددم هدددو مفيدددد أن ينطلدددق هدددذا المدددؤتمر مدددن إمدددارة دبدددي‪ ،‬مركدددز اإلبدددداع واالبتكدددار‪،‬‬
‫واإلشدددعاع العلمدددي‪ ،‬والتواصدددل اإلنسددداني‪ ،‬وهدددذا اإلبدددداع ال شدددك أنددده مسدددتلهم مدددن رؤيدددة‬
‫ب السددددمو الشدددديش محمددددد بددددن راشددددد آل مكتددددوم حدددداكم دبددددي‪ ،‬فأصددددبحت األسدددداس‬
‫صدددداح س‬
‫والركن الثابت والعمود الفقري لهذه الكلية والمنهج المتبع للتميز والنجاح‪.‬‬

‫ونسدددددددأل هللا تعالى التوفيق‪ ،‬وأن يبارك خطانا ل ما يعود بالنفع على الصدددددددالح العام ل مة‬
‫العربية واإلسالمية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫اليوم الثاني‪2021 / 4 / 16 :‬‬

‫جلسة المؤتمر الثالثة (‪)3:30 – 2:00‬‬

‫محور الجلسة‪ :‬التقنيات الحديثة في مجاالت القانون العام‬

‫رئيس الجلسة‪:‬‬

‫أد‪ .‬ندى سالم حمدون (رئيس قسم القانون بكلية اإلمام مالك للشريعة والقانون)‬

‫المتحدثون‪:‬‬

‫‪ -1‬أد‪ .‬إبراهيم بن داوود (كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الجفلة ‪ -‬الجزائر)‬

‫سبل استشراف مجاالت صناعة النص التشريعي وفق التطورات التقنية الحديثة‬

‫‪ -2‬د‪ .‬قبس حسن عواد (كلية الحقوق بجامعة الموصل – جمهورية العراق)‬

‫الثوابت والمتغيرات في التشريعات المالية في ضوء التقنيات الحديثة – دراسة مقارنة‬

‫‪ -3‬د‪ .‬محمد سعيد عبد العاطي محمد (جامعة نايف العربية للعلوم األمنية – المملكة العربية‬
‫السعودية – وكلية الحقوق بجامعة حلوان – جمهورية مصر)‬

‫سلسلة الكتل (البلوك تشين) ودورها في الحد من جريمة غسل األموال‬

‫‪ -4‬د‪ .‬محمد عوض فرج عبد العزيز (كلية الحقوق بجامعة الزقازيق – مستشار ورئيس نيابة‬
‫إدارية ‪ -‬جمهورية مصر)‬

‫انعكاسات التقنيات الحديثة على فعالية المعامالت اإلدارية – دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة‬
‫بين القانون المصري والتجارب الرائدة في دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫‪13‬‬
14
‫سبل استشراف مجاالت صناعة النص التشريعي‬
‫وفق التطورات التقنية الحديثة‬

‫األستاذ الدكتور براهيم بن داود‬

‫أستاذ القانون الدولي العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية ‪ -‬جامعة الجلفة الجزائر‬

‫‪15‬‬
16
‫مقدمة‪:‬‬

‫تطورت حياة اإلنسان في المجتمعات الحديثة وتطورت معها كل آليات وسبل التعامل‪،‬‬
‫ولم تعد التشريعات والنصوص القانونية على النحو التقليدي البسيط بل أضحت تحتكم آلليات‬
‫وطرائق علمية وتقنية حديثة‪ ،‬كما هو الشأن بخصوص تقننة العقود المختلفة بأن أصبحت‬
‫عقودا إلكترونية وتقننة قانون الشركات بظهور الشركات اإللكترونية‪ ،‬وحتى مجال القانونين‬
‫الدستوري واإلداري لم يسلما من هذا التأثير بظهور الحكومة االلكترونية واالنتخاب‬
‫االلكتروني والقرار والعقد اإلداري اإللكترونيين‪ ،‬وأيضا قانون العقوبات تدخل لتجريم‬
‫ومعاقبة أفعال مرتبطة اساسا باستعمال التكنولوجيات أو ما يعرف بالجرائم المعلوماتية‪.‬‬

‫ليشمل الموضوع مجاالت أكثر تعقيدا خاصة في ظل مظاهر الذكاء االصطناعي‪ ،‬فلم‬
‫يعد القانون الدولي اإلنساني تقليديا فظهرت الطائرات الحربية بدون طيار وظهرت الحروب‬
‫السيبرانية الموجهة لضرب أهداف ومواقع جد حساسة‪.‬‬

‫كل هذا دفع للقول بأن رجل القانون البد أن يكون قيمة مضافة للمجتمع وليس عقبة‬
‫لتنظيم النشاط فيه‪ ،‬فعلمه بالقانون وحده ال يكفي بل صفته تستوجب عليه رؤية األشياء من‬
‫خالل تأثيرات المحيط والقيام بتحليلها وتسهيل التعبير عنها بكل وضوح للوصول إلى وضع‬
‫الحلول فيقوم بالربط بين الواقع والقانون‪ ،‬وينظر بعين المتمعن والبصير لبناء تصور متكامل‬
‫يجمع بين المعنى والمبنى وبين الجوهر والمظهر‪.‬‬

‫وفي ظل هذا الترابط بين التقنية الحديثة والمجاالت القانونية بات لزاما البحث عن آليات‬
‫أكثر فعالية لتحقيق األمن القانوني الذي يجعل من النص مشبعا بحلول تتوافق مع المتطلبات‬
‫المستحدثة‪ ،‬ويجعل من رجل القانون مستوعبا ومدركا لكل ما يدور في فلك التعامل‬
‫اإللكتروني‪ ،‬بل ال بد من إعادة النظر في فلسفة التشريع وهندسة النصوص القانونية وفق‬
‫منظور استشرافي يجعل من النص مواكبا بل وداعما للتطورات التقنية المختلفة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫إشكالية البحث‪ :‬تعالج الورقة البحثية إشكالية تنبثق من واقع عملي يتمثل فيما تفرضه‬
‫التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬خاصة ما ارتبط منها بالذكاء االصطناعي من ضرورة استشراف‬
‫صناعة النص التشريعي بما يحقق التوافق والمسايرة لهذا التطور من جهة وبما يحقق‬
‫متطلبات األمن القانوني من جهة أخرى‪.‬‬

‫محاور الورقة البحثية‪ :‬تتمثل محاور الورقة البحثية فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬األمن القانوني مدلوله وأهميته في ظل صناعة التشريع‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬التقنية الحديثة وتطوير صناعة النص القانوني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬سبل استشراف مجاالت صناعة النص التشريعي في دولة اإلمارات وفق تطورات‬
‫التقنية الحديثة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬األمن القانوني مدلوله وأهميته في ظل صناعة التشريع‪.‬‬
‫خرج األمن القانوني من مدلوله التقليدي إلى مدلول حداثي يجعل من مسألة النص أو‬
‫التشريع مسألة تكاملية تجمع بين العديد من األبعاد األنثروبولوجيا التي تتعلق باإلنسان وبكل‬
‫ما يحيط به من جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية‪.‬‬
‫إلى أن أضحى األمن القانوني مطلبا أساسيا تتطلبه أي عملية تشريعية بغية الوصول إلى‬
‫نصوص قانونية متكاملة بعيدة عن التضخم القانوني من جهة وعن عدم مسايرتها للواقع من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫ثم إن مسألة األمن القانوني تجعلنا بمنأى عن التعديالت والتناقضات المتكررة التي‬
‫تعصف بالنص وتُربك القاضي والمتقاضي على حد سواء‪.‬‬
‫كما أن مسألة سمو المعاهدات الدولية على النص الداخلي مسألة في غاية األهمية خاصة‬
‫إذا أقر الدستور ذلك صراحة‪ ،‬وما من شك في أن جل الدساتير بما فيها الدستور اإلماراتي‬
‫قد أكد ذلك‪ ،‬بما يعني أن مسألة صناعة النص تتطلب دراية تامة باالتفاقيات والمعاهدات‬
‫المصادق عليها حتى ال يحصل التضارب والتناقض ونضطر في كل مرة إلى تعديل‬
‫النصوص الداخلية أو إلغائها‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ /01‬األمن القانوني ومتطلباته‪:‬‬
‫عرف األستاذ بيازون األمن القانوني بأنه "الفاعلية المثلى لقانون يمكن الوصول إليه‬
‫وفهمه والذي يُتيح ألشخاص القانون بأن يتوقعوا بدرجة معقولة اآلثار القانونية لتصرفاتهم‬
‫‪1‬‬
‫ويحترم التوقعات المشروعة المبنية مسبقا من قبلهم وبذلك يعزز تحقيقها"‪.‬‬
‫ووفق متطلبات األمن القانوني يستوجب أن يكون األفراد قادرين على معرفة القانون‬
‫الساري إزائهم حتى يتمكنوا من التصرف على علم ودراية‪ ،‬ثم يُفترض على القانون أن‬
‫‪2‬‬
‫يحترم التوقعات القانونية ألشخاص القانون والتي ال يجب الخروج عن نطاقها‪.‬‬
‫وبالتالي فإن غموض وعدم ثبات القاعدة القانونية وكثرة التعديالت التي تمس القانون‬
‫تؤدي إلى عدم الثقة في النص‪ ،‬خاصة إذا تعددت المراكز والحقوق المنبثقة عن النصوص‬
‫القانونية‪ ،‬وهذا ما يزيح ثوب العدالة عن التشريع‪.‬‬
‫ألن القاعدة التي تم تقريرها أنه "ال يُعذر أحد بجهله للقانون" فتطلب الوضع علم األفراد‬
‫بالنص وهذا ما حذا بجوستنيان أن يخرج كل النصوص المطبقة على شعبه في اثنا عشر‬
‫‪3‬‬
‫لوحا وينشرها في ساحة المدينة ليعلم الجميع بما يخضعون له من نصوص‪.‬‬
‫أ‪ .‬مدلول إمكانية الوصول للقانون‪ :‬معنى ذلك أن يتأتى للفرد المعرفة الحقيقية بما يخضع له‬
‫من نصوص معرفة مادية بأن تكون النصوص منشورة ومتاحة لالطالع‪ ،‬وأن تكون مبسطة‬
‫‪4‬‬
‫حتى يتحقق االدراك المعرفي والفكري بما تحتويه وتشتمل عليه القاعدة القانونية‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Piazzon Thomas , La sécurité juridique , thèse,Défrénois , coll doctorat et‬‬


‫‪notariat ,T.35 ,2009,p.62. "la sécurité juridique est l'idéal de fiabilité d’un‬‬
‫‪droit accessible et compréhensible ,qui permet aux sujets de droit de‬‬
‫‪prévoir raisonnablement les conséquences juridique de leurs actes ou‬‬
‫‪comportements et qui respecte les prévisions légitimes déjà baties par les‬‬
‫"‪sujets de droit dont il favorise la réalisation‬‬
‫‪ .2‬بوزيد صبرينة‪ ،‬قانون المافسة ال امن قانوني أم تصور جديد ل من القانوني‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة قالمة الجزائر‪ ،2016-2015 ،‬ص ‪05‬‬
‫‪3 Aubert Jean Luc, introduction au droit et thèmes fondamentaux du droit‬‬

‫‪civil,15eme éd ,Dalloz ,paris, 2014,P14.‬‬


‫‪4 Cartier Emmanuel, « Accessibilité et Communicabilité du droit » ,Juris‬‬

‫‪Doctoria , n° 1, 2008 ,P.P.57-58‬‬


‫‪19‬‬
‫فال يُكتفى بإيجاد النص فقط بل ال بد من الصناعة الجيدة المبسطة للنص وكما يذكر‬
‫األستاذ "ريبارت" "التناقض كبير جدا فقد انتقل التشريع من الصناعة الحرفية إلى الصناعة‬
‫‪5‬‬
‫التصنيعية لمنتوجات بالجملة دون أن تحسن أو تطور اآللة"‪.‬‬
‫وهذا موريس هوريو يقول عن األمن القانوني في مسألة الصناعة "هو مخطط بدقة‬
‫كالحدائق الفرنسية أين يتمكن فيها الفقيه ورجل العلم من التجول دون مفاجأة أو على األقل‬
‫‪6‬‬
‫دون إصابة بحادث خطير"‪.‬‬
‫ب‪ -‬مدلول استقرار النص القانوني‪ :‬كلما كثرت التعديالت كلما ازدادت الخروقات‪ ،‬والسبب‬
‫هو عدم الوثوق في التشريع مما يجعل األفراد أمام حال من الالثبات والتأهب لوجود تعديالت‬
‫في كل مرة‪ ،‬وهذا ما يُشعرهم بالالأمن وبالالعدالة‪ ،‬وال يعني هذا حظر التعديل ألن التعديل‬
‫يعكس المرونة والليونة‪ ،‬ولكن أن يكون وفق المنطق القانوني الذي يؤدي إلى ثبات المراكز‬
‫القانونية والشعور باإلنصاف‪.‬‬
‫ويعتبر استقرار القاعدة القانونية مفتاحا إلدراك مضمونها واستيعابها من قبل األفراد وهنا‬
‫يوجه مطلب االستقرار لكل المساهمين في صناعة النص القانوني "قوانين مراسيم لوائح"‬
‫‪7‬‬
‫وأيضا إلى االجتهاد القضائي بدوره متمما ومفسرا للنص‪.‬‬
‫وهنا يذكر األستاذ توماس بيازون "ال يُقصد بالالاستقرار التغيير والتعديل في حد ذاته‬
‫لوضعية القانون الوضعي‪ ،‬بل يقصد به مضاعفة التعديالت وهي أمر منتشر بكثرة‪ ،‬فالقانون‬
‫‪8‬‬
‫يجد قيمته الحقيقية في االستقرار"‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪Ripert George , les forces créatrices du droit ,librairie générale de droit et‬‬
‫‪de jurisprudence,France,1955 ,P.346 .‬‬
‫‪6 Hauriou Maurice, Précis de droit administratif , librairie de la société du‬‬

‫‪recueil général des lois et des arrêts, 4éme ed. , 1900 , P.p. 238 , 239 , cité‬‬
‫‪par , Piazzon T. ,op-cit, P. 20.‬‬
‫انظر بوزيد صبرينة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 7‬بوزيد صبرينة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫‪8 Piazzon Thomas , OP-CIT , P. 31 .‬‬

‫‪20‬‬
‫ج‪ .‬إمكانية توقع القانون‪ :‬إذا كان االستقرار يدفع الحترام الماضي فإن التوقع يبحث عن‬
‫احترام للمستقبل‪ ،‬حيث أن الزمن له أهميته في تحقيق متطلبات األمن القانوني‪ ،‬ولوال ذلك ما‬
‫تقررت قاعدة عدم رجعية القوانين حماية للمراكز القانونية‪ ،‬ووفق ما ذكره األستاذ بيازون‬
‫فإن "األمن القانوني ليس بتلك القضية الحقيقية بقدر ما هو تسهيل وحماية توقعات أشخاص‬
‫القانون"‪.9‬‬
‫ويذكر الفقيه باتيفول "ال يختلط األمن مع الحماية البسيطة للفرد وحريته‪ ،‬بل هي تمثل‬
‫وبدقة أن نطمح في نظام قوانين أكيدة ألن مثل هذا التأكيد يستجيب للحاجة الماسة إلمكانية‬
‫التوقع‪ ،‬يجب أن يتمكن كل واحد من توقع أثار تصرفاته‪ ،‬ويحدد فيما بعد أنه يمكنه أو‬
‫يستوجب عليه أن يفعل أو ال يفعل‪ ،‬يجب أن يتمكن كل واحد أيضا من توقع بأنه يمكن‬
‫‪10‬‬
‫لآلخرين أن يفعلوا أو ال يفعلوا من أجل ضبط تصرفاتهم حسب تلك اآلثار"‪.‬‬
‫بما يعني وجوب أن تكون النصوص عالجا لواقع معين وأمرا متوقعا حتى ال تحصل‬
‫القطيعة بين أشخاص القانون والنص في حد ذاته مما يتوجب تعديل النص مرات ومرات‬
‫وهذا ما يمس بمتطلبات األمن القانوني‪.‬‬
‫‪ .02‬األمن القانوني وتكريس مبدأ سمو المعاهدات الدولية‪:‬‬
‫عند إعمال التشريع كمصدر للقاعدة القانونية أو للحكم القضائي يجب عدم التغاضي‬
‫عن وجود العديد من النصوص الدولية التي أضحت سارية المفعول داخليا من منطلق سمو‬
‫المعاهدة الدولية على التشريع الداخلي‪ ،‬وهذه المسألة في غاية األهمية لما يترتب عنها من‬
‫آثار قد تعصف بالنص القانوني ألجل مواكبة ما تم النص عليه ضمن االتفاقية الدولية‬
‫ال ُمصادق عليها‪ ،‬وفي ذلك أيضا نصت المادة ‪ 60‬من دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة‬
‫على أنه‪" :‬يتولى مجلس الوزراء‪ ،‬بوصفه الهيئة التنفيذية لالتحاد وتحت الرقابة العليا لرئيس‬
‫االتحاد وللمجلس األعلى‪ ،‬تصريف جميع الشؤون الداخلية والخارجية التي يختص بها االتحاد‬
‫بموجب هذا الدستور والقوانين االتحادية‪.‬‬

‫‪9‬‬‫‪Piazzon Thomas , op-cit , P .45 .‬‬


‫‪10‬‬‫‪La philosophie du droit , PUF, Que sais –je ?, 10 eme édition ,1997,‬‬
‫‪P.103 .‬‬
‫‪21‬‬
‫ويمارس مجلس الوزراء عددا من االختصاصات وأهمها ما تضمنته الفقرة السابعة من‬
‫ذات المادة بأن يتولى اإلشراف على تنفيذ أحكام المحاكم االتحادية‪ ،‬والمعاهدات واالتفاقيات‬
‫الدولية التي يبرمها االتحاد‪.11‬‬

‫وهذه المادة تتكلم عن الجانب العملي اإلجرائي الذي يجب القيام به فور التصديق على‬
‫المعاهدة أو االتفاقية الدولية؛ حيث تم توكيل مجلس الوزراء بصفته الهيئة التنفيذية المختصة‬
‫على أن يقوم بتصريف الشؤون الداخلية والدولية‪ ،‬أي ما تعلق بمجال القوانين الوطنية الداخلية‬
‫وكذا ما تعلق بالمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬على أن تكون هذه المهام تحت رقابة كل من‬
‫رئيس االتحاد والمجلس األعلى لالتحاد‪ ،‬وهذا إليجاد تكامل وتعاون وتشاور‪ ،‬وليس المقصد‬
‫في ذلك البعد الوصائي كما هو موجود في العديد من األنظمة والتشريعات العربية والغربية‬
‫‪12‬‬
‫على حد سواء‪.‬‬

‫إلى أن حدّدت ذات المادة المهمة المنوطة بمجلس الوزراء والواردة في الفقرة السابعة‬
‫"اإلشراف على تنفيذ أحكام المحاكم االتحادية‪ ،‬والمعاهدات واالتفاقيات الدولية التي يبرمها‬
‫االتحاد‪ ،"....‬والمقصود هنا هو التطبيق الداخلي ألحكام المحاكم االتحادية للدولة‪ ،‬وكذا تطبيق‬
‫المعاهدات واالتفاقيات على الصعيد الوطني‪ ،‬وهنا مجال االختصاص في إنفاذ ما تم ابرامه‪،‬‬
‫حيث أن اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪ 1969‬تكلمت عن أهمية التطبيق واإلنفاذ الداخلي‬
‫للمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬وحتما هنا الهيئة التنفيذية هي المختصة بذلك‪ ،‬فكما يختص‬
‫مجلس الوزراء بالتطبيق الداخلي للنصوص القانونية والتشريعات بوجه عام من خالل إصدار‬
‫النصوص التطبيقية والالئحية‪ ،‬فهو أيضا يتولى تطبيق وتنفيذ هذه المعاهدات واالتفاقيات‬
‫داخليا ووطنيا من خالل البعدين المؤسساتي والتنظيمي‪.13‬‬

‫براهيم بن داود‪ ،‬التطبيق الداخلي للمعاهدات وفق أحكام التشريع اإلماراتي‪ ،‬دار الحافظ الشارقة‪،‬‬
‫‪ ،2018‬ص ‪11.32‬‬

‫‪ 12‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.64‬‬


‫‪ 13‬محمد ناصر بوغزالة‪ ،‬تعدد معاني المعاهدات وحاالت إحداثها آلثارها‪ ،‬بحث بالمجلة الجزائرية للعلوم‬
‫القانونية‪ ،‬الجزء ‪ ،36‬العدد ‪ 01‬السنة ‪ ،1998‬ص ‪.98‬‬
‫‪22‬‬
‫أ‪ .‬األمن القانوني من خالل التطبيق الداخلي للمعاهدة وفق أحكام دستور دولة‬
‫اإلمارات ‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 60‬من دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة عل أنه‪" :‬يتولى مجلس الوزراء‪،‬‬
‫بوصفه الهيئة التنفيذية لالتحاد وتحت الرقابة العليا لرئيس االتحاد وللمجلس األعلى‪ ،‬تصريف‬
‫جميع الشؤون الداخلية والخارجية التي يختص بها االتحاد بموجب هذا الدستور والقوانين‬
‫االتحادية‪.‬‬

‫ويمارس مجلس الوزراء بوجه خاص االختصاصات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬متابعة تنفيذ السياسة العامة لحكومة االتحاد في الداخل والخارج‪.‬‬

‫‪ -‬اقتراح مشروعات القوانين االتحادية وإحالتها إلى المجلس الوطني االتحادي قبل رفعها إلى‬
‫رئيس االتحاد لعرضها على المجلس األعلى للتصديق عليها‪.‬‬

‫‪ -‬إعداد مشروع الميزانية السنوية العامة لالتحاد‪ ،‬والحساب الختامي‪.‬‬

‫‪ -‬إعداد مشروعات المراسيم والقرارات المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬وضع اللوائح الالزمة لتنفيذ القوانين االتحادية بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء‬
‫من تنفيذها‪ ،‬وكذلك لوائح الضبط‪ ،‬واللوائح الخاصة بترتيب اإلدارات والمصالح العامة‪ ،‬في‬
‫حدود أحكام هذا الدستور والقوانين االتحادية ويجوز بنص خاص في القانون‪ ،‬أو لمجلس‬
‫الوزراء‪ ،‬تكليف الوزير االتحادي المختص أو أية جهة إدارية أخرى في إصدار بعض هذه‬
‫اللوائح‪.‬‬

‫‪ -‬اإلشراف على تنفيذ القوانين والمراسيم واللوائح والقرارات االتحادية بواسطة كافة الجهات‬
‫المعنية في االتحاد أو اإلمارات‪.‬‬

‫‪ -‬اإلشراف على تنفيذ أحكام المحاكم االتحادية‪ ،‬والمعاهدات واالتفاقيات الدولية التي يبرمها‬
‫االتحاد‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬تعيين وعزل الموظفين االتحاديين وفقا ألحكام القانون‪ ،‬ممن ال يتطلب تعيينهم أو عزلهم‬
‫إصدار مراسيم بذلك‪.‬‬

‫‪ -‬مراقبة سير اإلدارات والمصالح العامة االتحادية‪ ،‬ومسلك وانضباط موظفي االتحاد عموما‪.‬‬

‫‪ -‬أية اختصاصات أخرى يخوله إياها القانون‪ ،‬أو المجلس األعلى في حدود هذا الدستور"‪.‬‬

‫كما نصت المادة ‪ 125‬من دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة لسنة‪ ،1971‬على أنه‬
‫"تقوم حكومات اإلمارات باتخاذ ما ينبغي من تدابير لتنفيذ القوانين الصادرة عن االتحاد‬
‫والمعاهدات واالتفاقيات الدولية التي يبرمها‪ ،‬بما في ذلك إصدار القوانين واللوائح والقرارات‬
‫واألوامر المحلية الالزمة لهذا التنفيذ‪ ،‬وللسلطات االتحادية اإلشراف على تنفيذ حكومات‬
‫اإلمارات للقوانين والقرارات والمعاهدات واالتفاقيات الدولية واألحكام القضائية االتحادية‪،‬‬
‫وعلى السلطات اإلدارية والقضائية المختصة في اإلمارات تقديم كل المساعدات الممكنة‬
‫لسلطات االتحاد في هذا الشأن"‪.14‬‬

‫وقد كان نص المادة ‪ 125‬دقيقا واستخدم االصطالحات الدقيقة التي يجب استيعابها من‬
‫الدارس على وجه الدقة‪ ،‬حيث أن المادة أوجبت على حكومات اإلمارات كجهاز تنفيذي القيام‬
‫بكل اإلجراءات والتدابير التي من شأنها أن يتم تنفيذ القوانين الصادرة عن االتحاد‪ ،‬كما يُوكل‬
‫بها اتخاذ الالزم أيضا فيما يتعلق بالمعاهدات واالتفاقيات الدولية التي تم إبرامها‪ ،‬بإصدار‬
‫القوانين التي تُطبق وتُجسد هذه المعاهدات محليا وإصدار اللوائح والقرارات التي يستوجب‬
‫واقع الحال اتخاذها في هذا الصدد‪ ،‬وكرقابة بعدية للسلطات االتحادية أن تشرف على مدى‬
‫االستجابة والتطبيق المحلي لهذه النصوص والمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪.‬‬

‫‪ )14‬دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة الصادر بتاريش ‪ ،1971/07/18‬المعدل والمتمم بموجب التعديل‬
‫الدستوري رقم ‪ 01‬لسنة ‪ 1996‬الصادر بتاريش ‪ 02‬ديسمبر ‪ ،1996‬وبالتعديالت الالحقة ال سيما تعديل‬
‫سنة ‪.2009‬‬
‫‪24‬‬
‫كما أن المادة أوجبت على كل الجهات المسؤولة بما فيها السلطات اإلدارية والقضائية‬
‫المختصة اإلسهام ودعم ما تقوم به السلطات االتحادية في هذا الصدد‪.‬‬

‫ب‪.‬موقف القوانين الوطنية لدولة اإلمارات من المعاهدات واالتفاقيات الدولية ‪:‬‬

‫باإلضافة إلى ما نص عليه دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة بشأن المعاهدات والمواثيق‬
‫الدولية‪ ،‬نجد عددا من القوانين الداخلية الوطنية التي تطرقت لموضوع المعاهدات واالتفاقيات‬
‫الدولية‪ ،‬وأن سريانها لن يكون إال بمراعاة هذه النصوص الدولية إعماال وتجسيدا لمبدأ السمو‬
‫ونجد من أهم هذه القوانين اآلتي ذكرها على سبيل المثال ال الحصر ما يأتي‪:‬‬

‫‪ -‬قوانين الملكية الفكرية لدولة اإلمارات العربية المتحدة وسمو المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫كانت وال زالت دولة اإلمارات العربية المتحدة ومن خالل منظومتها التشريعية رائدة‬
‫في إصدار النصوص القانونية المستجدة والمعاصرة لمواكبة كل المجاالت العلمية والفكرية‪،‬‬
‫وكان من أبرز هذه المجاالت حقل الملكية الفكرية بشقيها الملكية األدبية والفنية والملكية‬
‫الصناعية‪ ،‬فكانت الترسانة القانونية متكاملة ووفقا للمنظومة الدولية للملكية الفكرية‪.‬‬

‫حيث نصت في ذلك المادة الثالثة من القانون االتحادي رقم ‪ 7‬لسنة ‪ 2002‬في شأن‬
‫حقوق المؤلف والحقوق المجاورة على أنه‪" :‬ال تشمل الحماية األفكار واإلجراءات وأساليب‬
‫العمل والمفاهيم الرياضية والمبادئ والحقائق المجردة لكنها تنطبق على التعبير المبتكر عن‬
‫أي منها‪.‬‬

‫كذلك ال تشمل الحماية ما يلي‪:‬‬

‫‪ /01‬الوثائق الرسمية أيا كانت لغتها األصلية‪ ،‬أو اللغة المنقولة إليها‪ ،‬مثل نصوص القوانين‬
‫واللوائح والقرارات واالتفاقيات الدولية واألحكام القضائية وأحكام المحكمين والقرارات‬
‫الصادرة من اللجان االدارية ذات االختصاص القضائي‪".....‬‬

‫‪25‬‬
‫ونصت المادة ‪ 44‬من ذات القانون على أنه‪" :‬في مجال تنازع القوانين‪ ،‬تُطبق أحكام هذا‬
‫القانون على المصنفات واألداءات والتسجيالت الصوتية والبرامج اإلذاعية الخاصة‬
‫باألجانب‪ ،‬وذلك بشرط المعاملة بالمثل‪ ،‬ومع عدم اإلخالل بأحكام االتفاقيات الدولية النافذه‬
‫بالدولة"‪.‬‬

‫ونتاجا لذلك صادقت الدولة وانضمت لالتفاقيات والمعاهدات الدولية المبرمة في هذا‬
‫الشأن‪ ،‬وقد كان من أبرزها اآلتي‪:15‬‬

‫‪ -‬معاهدة الويبو المتعلقة األداء والتسجيل الصوتي وقد تمت المصادقة عليها من قبل دولة‬
‫اإلمارات العربية المتحدة في ‪ 09‬يونيو ‪.2005‬‬

‫‪ -‬اتفاقية روما الخاصة بحماية فناني األداء ومنتجي التسجيالت الصوتية وهيئات اإلذاعة‬
‫صادقت عليها دولة اإلمارات في ‪ 14‬يناير ‪.2005‬‬

‫‪ -‬معاهدة الويبو الخاصة بحق المؤلف وقد صادقت عليها دولة اإلمارات في ‪ 14‬يوليو‬
‫‪.2004‬‬

‫‪ -‬اتفاقية برن لحماية المصنفات األدبية والفنية صادقت عليها دولة اإلمارات في ‪ 14‬يوليو‬
‫‪.2004‬‬

‫‪ -‬معاهدة التعاون المتعلقة ببراءات اإلختراع والتي تمت المصادقة عليها أيضا في ‪10‬‬
‫مارس ‪.1999‬‬

‫‪ -‬اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المصادق عليها في ‪ 19‬سبتمبر ‪.1996‬‬

‫‪ -‬اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية المصادق عليها أيضا من دولة اإلمارات‬
‫في ‪ 24‬سبتمبر ‪.1974‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪www.wipo.int/wipolex/ar/profile.jsp?code=AE‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -‬بروتوكول قرطاجة المتعلق بسالمة األحياء المتعلقة بالتنوع البيولوجي المصادق عليها‬
‫في ‪ 11‬ديسمبر ‪2014‬‬

‫‪ -‬بروتوكول ناغويا المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف‬
‫للمنافع الناشئة عن استخدامها الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي التي تمت المصادقة عليها‬
‫بتاريش ‪ 11‬ديسمبر ‪.2014‬‬

‫‪ -‬اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي ‪ 2005‬المصادق عليها في ‪06‬‬
‫سبتمبر ‪.2012‬‬

‫‪ -‬اتفاقية حقوق األشخاص ذوي اإلعاقة التي صودق عليها في ‪ 18‬أبريل ‪.2010‬‬

‫‪ -‬اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي المصادق عليها من دولة اإلمارات أيضا في‬
‫‪ 20‬أبريل ‪.2006‬‬

‫‪ -‬اتفاقية منظمة الصحة العالمية اإلطارية بشأن مكافحة التبغ التي صودق عليها في ‪05‬‬
‫فبراير ‪.2006‬‬

‫‪ -‬االتفاقية الدولية الخاصة بوقاية النباتات المصادق عليها في ‪ 02‬أكتوبر ‪.2005‬‬

‫‪ -‬بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية األمم المتحدة اإلطارية المتعلق بتغير المناخ المصادق‬
‫عليها بتاريش ‪ 26‬أبريل ‪.2005‬‬

‫‪ -‬المعاهدة الدولية المتعلقة الموارد الوراثية النباتية ل غذية والزراعة المصادق عليها في‬
‫‪ 29‬يونيو ‪.2004‬‬

‫‪ -‬اتفاقية استكهولم بخصوص الملوثات العضوية الثابتة المصادق عليه في ‪ 17‬مايو‬


‫‪.2004‬‬

‫‪ -‬االتفاقية المتعلقة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي صادقت عليها الدولة في ‪11‬‬
‫أغسطس ‪.2001‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ -‬االتفاقية الدولية الخاصة بشأن التنوع البيولوجي المصادق عليها في ‪ 10‬مايو ‪.2000‬‬

‫‪ -‬االتفاق المنشئ لمنظمة التجارة العالمية وقد صادقت عليه دولة اإلمارات في ‪ 10‬أبريل‬
‫‪.1996‬‬

‫وغيرها من االتفاقيات والمعاهدات الدولية األخرى في موضوعات الملكية الفكرية بشكل‬


‫مباشر أو غير مباشر‪.16‬‬

‫‪ -‬قانون المعامالت المدنية االتحادي وسمو المعاهدات‪:‬‬

‫وفي هذا نصت المادة رقم ‪ 22‬من القانون رقم ‪ 05‬لعام ‪ 1985‬المتضمن قانون‬
‫المعامالت المدنية على أنه‪" :‬ال تسري أحكام المواد السابقة إذا وجد نص في قانون خاص‬
‫‪17‬‬
‫أو في معاهدة دولية نافذة في البالد يتعارض معها‪".‬‬

‫والمقصود من هذه المادة أمران‪:‬‬

‫األول‪ :‬إعمال لقاعدة الخاص يقيد العام‪ ،‬يعني أن وجود نص قانوني في نفس الدرجة وفق‬
‫قاعدة توازي األشكال؛ وفي حال التعارض سيُطبق النص الخاص بدال عن العام ألنه هو‬
‫األكثر دقة واألكثر تخصصا وضبطا للمسألة محل المعالجة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وهو إعما ٌل لمبدأ سمو المعاهدة على القانون الداخلي المكرسة دستورا إذ ال يمكن‬
‫المصادقة على اتفاقية أو معاهدة دولية أو االنضمام إليها ثم يتم خرقها بموجب قانون داخلي‪،‬‬
‫على نحو ما سيتم التفصيل فيه الحقا بإذن هللا تعالى‪.‬‬

‫ص‪16.75‬‬ ‫براهيم بن داود‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬‬


‫‪ 17‬صدر قانون المعامالت المدنية بموجب القرار االتحادي رقم ‪ 05‬لسنة ‪1985‬م‪ ،‬ويرجع تاريش صدور‬
‫هذا القانون إلى الثالث من ربيع الثاني سنة ‪ 1406‬هـ الموافق للخامس عشر من ديسمبر ‪ 1985‬ونُشر‬
‫بالجريدة الرسمية في السابع عشر من ربيع الثاني سنة ‪ 1406‬هـ الموافق للتاسع والعشرين من ديسمبر سنة‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫أكثر من هذا تنص المادة ‪ 354‬من قانون المعامالت التجارية اإلماراتي لعام ‪ 1993‬على‬
‫أنه‪" :‬مع عدم اإلخالل باالتفاقيات الدولية والتي تكون الدولة طرفا فيها تسري على النقل‬
‫‪18‬‬
‫الجوي أحكام هذا الباب مع مراعاة األحكام الخاصة المنصوص عليها في المواد التالية‪".‬‬

‫باإلضافة إلى ما قد تأكد قضاء حيث نجد ما ذهبت إليه محكمة دبي في واحد من أحكامها‬
‫نحو اآلتي‪" :‬إن كانت المادة الواجبة التطبيق بالنسبة لتحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى‬
‫مسؤولية الناقل الجوي في حالة النقل الجوي الدولي‪ -‬وهذا قبل انضمام دولة اإلمارات العربية‬
‫المتحدة التفاقية مونترال لعام ‪ 1999‬التي انضمت إليها عام ‪ -2000‬وهي المادة ‪ 28‬من‬
‫معاهدة وارسو الدولية لتوحيد بعض قواعد النقل الجوي لعام ‪ 1929‬والتي أصبحت تشريعا‬
‫‪19‬‬
‫داخليا بانضمام الدولة إليها بموجب المرسم االتحادي رقم ‪ 13‬لسنة ‪".1986‬‬

‫وكان لها في حكم آخر‪" :‬من المقرر أن االتفاقيات الدولية التي أصبحت تشريعا نافذ‬
‫المفعول في دولة اإلمارات العربية المتحدة بالتصديق عليها تعد قانونا داخليا واجب التطبيق‬
‫في الدولة‪ ،‬ويلتزم القاضي الوطني بإعمال أحكامها على ما يُعرض عليه من منازعات‪ ،‬ولو‬
‫لم يقدم الخصوم نسخة من نصوص االتفاقية المتعلقة بالنزاع المطروح عليه إذ هو المنوط‬
‫‪20‬‬
‫به إعمال أحكام القوانين النافذة في الدولة"‪.‬‬

‫هـ‪.‬األمن القانوني والتحفظ والتصريحات التفسيرية على المعاهدات الدولية‪:‬‬

‫وهي تتمثل في اإلبقاء على جوهر النص المراد استبعاده وإنما يُعطى للمادة تفسيرا وفق‬
‫مقتضى ما تريده الدولة‪.‬‬

‫‪18‬القانون‪ 18‬لسنة ‪ 1993‬المتعلق بقانون المعامالت التجارية (القانون التجاري)‪ ،‬الجريدة الرسمية بتاريش‬
‫‪ 1993/ 9/ 7‬وعمل به من تاريش ‪.1993/12/7‬‬
‫‪ 19‬مجموعة األحكام والمباديء القانونية الصادرة في المواد المدنية والتجارية والعمالية واألحوال الشخصية‬
‫لعام ‪ ،2004‬الصادرة عن محكمة تمييز دبي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬شهر سبتمبر ‪ ،2004‬العدد ‪ ،15‬ص ‪.561‬‬
‫‪ 20‬مجموعة األحكام والمباديء القانونية الصادرة في المواد المدنية والتجارية والعمالية واألحوال‬
‫الشخصية لعام ‪ ،2004‬الصادرة عن محكمة تمييز دبي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬شهر ديسمبر ‪ ،2005‬العدد ‪،16‬‬
‫ص ‪.2059‬‬
‫‪29‬‬
‫وتعني عبارة التصريح أو اإلعالن التفسيري أنه "إعالن انفرادي أيا كانت صياغته أو‬
‫تسميته صادرا عن دولة أو منظمة دولية‪ ،‬تهدف منه تلك الدولة أو المنظمة الدولية إلى ايضاح‬
‫‪21‬‬
‫المعنى أو النطاق الذي تعزوه لجهة المصدرة لإلعالن إلى المعاهدة أو إلى بعض أحكامها"‪.‬‬

‫ويمكن ابداء اإلعالن التفسيري قبل التصديق عليها أو االنضمام إليها‪ ،‬وتطبق نفس‬
‫أحكام التحفظ إزاء التصريح التفسيري‪.‬‬

‫وعندما اعتمدت األمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل‪ ،‬في ‪ 20‬نوفمبر ‪ ،1989‬أبدت العديد‬
‫من الدول االسالمية تحفظات على مواد معينة‪ ،‬ومنها دولة االمارات العربية المتحدة‪ ،‬ومن‬
‫المواد التي تحفظه عليها دولة االمارات المادة السابعة من االتفاقية حيث ترى أن اكتساب‬
‫الجنسية مسألة داخلية ومسألة تنظم وتحدد شروطها وظروفها بموجب التشريعات الوطنية‪.‬‬

‫كما تحفظت دولة االمارات علي المادة (‪ )14‬من نفس االتفاقية ألنها تتعارض مع الدستور‬
‫‪22‬‬
‫الذي يعتبر االسالم هو الدين الرسمي لالتحاد‪.‬‬

‫والمادة (‪ )21‬من نفس االتفاقية أباحت التبني‪ ،‬ويقول التحفظ (نظرا إلى أن دولة‬
‫اإلمارات العربية المتحدة ال تبيح نظام التبني بموجب التزامها بمبادئ الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫فإن لديها تحفظات على هذه المادة وال تعتبر من الضروري أن تلتزم بأحكامها) ‪.23‬‬

‫‪21‬‬ ‫‪Rapport de CDI sur les travaux de sa cinquante et unieme session, 1999,‬‬
‫‪vol 02, p 103.‬‬
‫‪ 22‬انظر المادة (‪ )7‬من اتفاقية حقوق الطفل ‪1989‬م‬
‫‪ .1‬تحترم الدول األطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين‪.‬‬
‫‪. 2‬تحترم الدول األطراف حقوق وواجبات الوالدين وأذلك‪ ،‬تبعا للحالة‪ ،‬األوصياء القانونيين عليه‪ ،‬في‬
‫توجيه الطفل في ممارسة حقه بطريقة تنسجم مع قدرات الطفل المتطورة‪.‬‬
‫‪. 3‬ال يجوز أن يخضع اإلجهار بالدين أو المعتقدات إال للقيود التي ينص عليها القانون والالزمة لحماية‬
‫السالمة العامة أو النظام أو الصحة أو اآلداب العامة أو الحقوق والحريات األساسية لآلخرين‪.‬‬
‫‪ 23‬انظر المادة (‪ )21‬من اتفاقية حقوق الطفل ‪1989‬م تضمن الدول التي تقر و‪/‬أو تجيز نظام التبني إيالء‬
‫مصالح الطفل الفضلى االعتبار األول والقيام بما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تضمن أال تصرح بتبني الطفل إال السلطات المختصة التي تحدد‪ ،‬وفقا للقوانين واإلجراءات المعمول بها‬
‫وعلى أساس آل المعلومات ذات الصلة الموثوق بها‪ ،‬أن التبني جائز نظرا لحالة الطفل فيما يتعلق بالوالدين‬
‫‪30‬‬
‫كما عبرت دولة االمارات عن رفضها التوقيع على معاهدات وتشريعات تحمي المثليين‬
‫وحقوقهم وعدم التعرض إليهم‪ ،‬مؤكدا أن هذه االتفاقيات تخالف الفطرة اإلنسانية‪ ،‬وجميع‬
‫الشرائع السماوية‪ ،‬والدين اإلسالمي وعادات أبناء الدولة وتقاليدها‪.24‬‬

‫ثانيا‪ :‬التقنية الحديثة وتطوير صناعة النص القانوني‪.‬‬

‫من خالل التطور الحاصل أضحت الجوانب المعرفية كلها متداخلة وتزدحم في مجاالت‬
‫إلتقاء مشتركة‪ ،‬حيث أن جل الحقوق التشريعية أضحت مؤثرا ومتأثرا بالتقنية الحديثة‬
‫وبتطبيقات الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫‪ .1‬القانون الدولي اإلنساني والذكاء االصطناعي‪:‬‬

‫جاءت اتفاقيات جنيف األربع لوضع ضوابط وأطر للنزاعات المسلحة الدولية وغير‬
‫الدولية وأرست بذلك قواعد القانون الدولي اإلنساني المؤكدة على ضرورة التمييز بين‬
‫المقاتلين وغير المقاتلين والتمييز بين األعيان المدنية واألعيان العسكرية‪ ،‬غير أن هذا التمييز‬
‫أضحى محل صعوبة في ظل التقنية الحديثة المستخدمة حيث ظهرت الطائرات بدون طيار‬
‫التي تبحث عن الهدف وتحدد الموقع وتتولى توجيه ضرباتها ضمن مشتمالت الذكاء‬
‫االصطناعي وهنا تُطرح األسئلة المتعددة عن الجهة المسؤولة وعن كيفية التمييز بين المدنيين‬
‫والعسكريين والتمييز بين األعيان المدنية والعسكرية‪ ،‬بغض النظر عن األسلحة الذكية‬
‫األخرى خاصة االنشطارية منها والتي يصعب معها التمييز بين المحظور والمباح‪.‬‬

‫واألقارب واألوصياء القانونيين وأن األشخاص المعنيين‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬قد أعطوا عن علم موافقتهم على‬
‫التبني على أساس حصولهم على ما قد يلزم من المشورة‪،‬‬
‫ب‪.‬تعترف بأن التبني في بلد آخر يمكن اعتباره وسيلة بديلة لرعاية الطفل‪ ،‬إذا تعذرت إقامة الطفل لدي‬
‫أسرة حاضنة أو متبنية‪ ،‬أو إذا تعذرت العناية به بأي طريقة مالئمة في وطنه‪.‬‬
‫ج‪ .‬تضمن‪ ،‬بالنسبة للتبني في بلد آخر‪ ،‬أن يستفيد الطفل من ضمانات ومعايير تعادل تلك القائمة فيما يتعلق‬
‫بالتبني الوطني‪،‬‬
‫د‪.‬تتخذ جميع التدابير المناسبة آي تضمن‪ ،‬بالنسبة للتبني في بلد آخر‪ ،‬أن عملية التبني ال تعود على أولئك‬
‫المشاركين فيها بكسب مالي غير مشروع‪،‬‬
‫هـ‪.‬تعزز‪ ،‬عند االقتضاء‪ ،‬أهداف هذه المادة بعقد ترتيبات أو اتفاقات ثنائية أو متعددة األطراف‪ ،‬وتسعى‪،‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬إلى ضمان أن يكون تبنى الطفل في بلد آخر من خالل السلطات أو الهيئات المختصة‪.‬‬
‫‪ 24‬انظر جريدة البيان‪،‬بتاريش ‪2013/3/13‬م‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫وأيضا ظهور الروبوتات المقاتلة وهي "منظومة سالح آلية تستطيع في حال تشغيلها أن‬
‫تختار االهداف وتشتبك معها دونما حاجة الى تدخل اضافي من العنصر البشري الذي‬
‫‪25‬‬
‫يشغلها"‬

‫وهذا األمر ليس منعزال عن الحرب االلكترونية أو الحرب السيبرانية ‪Cyber War‬‬
‫التي جعلت من األمن االلكتروني ضرورة قصوى وأحد أهم أولويات الدول في وقتنا الحالي‪.‬‬
‫حيث وصفت استراتيجية األمن الوطني للملكة المتحدة التهديدات االلكترونية عام ‪2010‬‬
‫أحد أربعة تهديدات تواجه أمنها الوطني‪ ،‬في حين اعتبرت الواليات المتحدة األمريكية‬
‫التهديدات االلكترونية بأنها أخطر التهديدات التي تواجه أمنها القومي‪ .‬وأصدرت في ذات‬
‫االطار روسيا رؤيتها الخاصة بالنزاعات المسلحة في الفضاء االلكتروني‪.26‬‬

‫وتكللت الجهود الدولية الخاصة بتنظيم الحرب االلكترونية بإصدار دليل "تالين" حول‬
‫القانون الدولي المنطبق على الحرب السيبرانية عام ‪ 2012‬والذي تولت اعداده اللجنة الدولية‬
‫‪27‬‬
‫للخبراء وبدعوة من مركز التميز للدفاع السيبراني التعاوني التابع لحلف شمال األطلسي‪.‬‬

‫ومن ضمن هذه الحروب نشر برمجيات خبيثة مثل ‪ wiper‬التي تقوم بطمس المعلومات‬
‫وتظليل البيانات وتتضمن كذلك القنابل المنطقية وديدان الحواسب وصناعة رقائق إلكترونية‬
‫بها نقاط ضعف‪ ،‬عند تصميمها تمكنها من تدمير نفسها ذاتيا حال استقبالها لذبذبات وإشارات‬
‫معينة‪ ،‬وأيضا رقائق المكونات التي يعتمد في تصميمها أن تشكل أبوابا سرية يمكن من خاللها‬

‫‪ 25‬دعاء جليل حاتم‪ ،‬لمى عبد الباقي العزاوي‪ ،‬الذكاء االصطناعي والمسؤولية الجنائية الدولية‪ ،‬مجلة‬
‫المفكر‪ ،‬العدد ‪ 18‬كلية الحقوق جامعة بسكرة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2019‬ص ‪.27‬‬
‫‪26 Michael N.Schmitt, Tallinn Manual on the International Law Applicale to‬‬

‫‪Cyber Warfare, Prepared‬‬


‫‪by the International Group of Experts at the Invitationof the NATO‬‬
‫‪cooperative cyber defence Center‬‬
‫‪of excellence, Cambridge University press, 2013, first published, p.2-3.‬‬
‫‪ 27‬سالفة طارق شعالن‪ ،‬تكييف استخدام الحرب االلكترونية في النزاعات المسلحة وفقا للقانون الدولي‬
‫االنساني‪ ،‬كلية القانون جامعة القادسية‪،‬‬
‫‪32‬‬
‫فك الرسائل المشفرة واعادة ارسالها ألجهزة استخباراتية قامت بتصنيعها وأيضا اشعاعات‬
‫تُدعي اشعاعات "فان آيك" التي تعيد تسريب معلومات و ُخدع من خالل ارسال معلومات‬
‫مزيفة على نظم االتصاالت الخاصة بالقوات في الجيوش بحيث تبدو كإحدى الرسائل المتبادلة‬
‫‪28‬‬
‫بينها مما يحدث ارباكا يترتب عليه اتخاذ قرارات هامة‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد تطرح إشكالية عميقة جدا وهي أن بعض الدول الكبرى تملتك أسلحة‬
‫إلكترونية في غاية الخطورة ومنظومة إلكتروتقنية فائقة التطور‪ ،‬في حين أن دوال أخرى ال‬
‫تمتلك حتى األسلحة التقليدية العادية‪ ،‬مما يجعل التناسب والتوافق في تحقيق متطلبات الدفاع‬
‫الشرعي أو صد العدوان أمر بعيدا عن التكافؤ في القوى وفق أحكام القانون الدولي االنساني‪.‬‬
‫مما جعل اصطالح استخدام القوة والتهديد بها أمرا نسبيا ومتغيرا‪.‬‬

‫وضمن المؤتمر الثامن والعشرين للصليب والهالل األحمر المنعقد سنة ‪ 2003‬تم الحث‬
‫على ضرورة اخضاع وإسناد جميع األسلحة الجديدة ووسائل الحرب الجديدة وكل‬
‫االستخدامات االلكترونية للضوابط العامة لالستخدام الحربي وأال يتخطى التطور التكنولوجي‬
‫الحماية القانونية المكفولة وهذا ما استحضره دليل "تالين" سالف الذكر‪.‬‬

‫وسبق وأن ألزمت المادة ‪ 36‬من البروتوكول األول لعام ‪ 1977‬الملحق باتفاقيات جنيف‬
‫األربع بضرورة مراجعة األسلحة وأساليب الحرب التي تستخدمها حديثا أثناء النزاعات‬
‫المسلحة ‪.29‬‬

‫‪ .2‬المسؤولية القانونية والذكاء االصطناعي‬

‫في ظل وجود روبوتات الذكاء الصطناعي تتعقد األمور نوعا ما حيث ظهر الطاكسي‬
‫الذكي والطائرات بدون طيار الذكية وروبوتات الجراحة الذكية التي تعد قادرة على اتخاذ‬

‫‪ 28‬سالفة طارق شعبان المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ 29‬لوران جيزيل ما هي القيود التي يفرضها قانون الحرب على الهجمات السبرانية منشور على الموقع التالي‪:‬‬
‫‪ https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/faq‬بتاريش ‪2019/12/1‬‬
‫‪33‬‬
‫قرارات معينة بعيدا عن توجيهات مصنعيها‪ ،‬ففي مثل هذا الوضع نخرج عن القواعد التقليدية‬
‫فضية إلى المسؤولية الشخصية أو مسؤولية المرفق العام أو مسؤولية‬
‫للمسؤولية القانونية ال ُم س‬
‫المتبوع عن أعمال تابعه‪.‬‬

‫ويكون من الصعب بمكان تحديد قواعد وضوابط المسؤولية في ذلك‪ ،‬ويجعلنا أمام نظرة‬
‫مستحدثة للمسؤولية بشكل عام‪.‬‬

‫ومن خالل الخبرة التي تكتسبها الروبوتات تعمد إلى اتخاذ قرارات ذاتية مما يسوقنا أيضا‬
‫‪30‬‬
‫لمجال المسؤولية الجنائية عما تقترفه من جرائم‪.‬‬

‫ففي المجال الطبي مثال نجد آالت طبية في شكل روبوتات بدال عن جهود طاقم طبي‬
‫كامل ذات كفاءة عالية‪ ،‬لتجميع معلومات دقيقة عن المرضى ضمن سجالت الكرتونية‬
‫وتستخدم تلك المعلومات لعالج المريض ذاته وهذا باتخاذ الروبوت ذاته لقرارات عالجية‪،‬‬
‫وقد طفى اإلشكال أكثر بعد ظهور روبوت "صوفيا" الذي تم عرضه في دولة االمارات‬
‫العربية المتحدة ضمن مؤتمر االذكاء االصطناعي هذا الروبوت الذي منحته المملكة العربية‬
‫السعودية الجنسية وجواز سفر أيضا فكان ذلك سابقة جديرة باالهتمام في حصول روبوت‬
‫"إنسان آلي على الجنسيبة وجواز سفر‪.31‬‬

‫فإذا تقرر إعطاء امتيازات للروبوت كما للشخص العادي فهل يمكن تحميله أيضا‬
‫المسؤولية واخضاعه للعقاب في حال ثبوت المسؤولية الجنائية‪ ،‬أم أن الوضع مختلف وهذا‬
‫ما يعد من أبرز االشكاالت القانونية المنبثقة عن الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫‪ 30‬يحي ابراهيم دهشان‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي‪ ،‬بحث منشور بمجلة الشريعة والقانون‪،‬‬
‫كلية القانون جامعة االمارات‪.2019 ،‬‬
‫منشور أيضا بالموقع‪https://www.yahyadhshan.com/2019/07/blog-post_77.html :‬‬
‫‪ 31‬يحي ابراهيم دهشان مرجع سابق‪ ،‬ص ‪06‬‬
‫‪34‬‬
‫وقد كان من بين أشهر الجرائم الجنائية المترتبة عن الذكاء االصطناعي السيارة ذاتية القيادة‬
‫التابعة لشركة ‪ Uber‬باالصطدام بسيدة شهر مارس ‪ 2018‬مما أدى إلى وفاتها‪.32‬‬

‫وهنا يتعقد التساؤل وتتعقد معه اإلجابة هل المسؤولية على المصنع أم على الروبوت‬
‫ألنه هو من اتخذ القرار أم على الضحية وهل يمكن الحديث هنا عن موانع المسؤولية الجنائية‬
‫وغيرها من المسائل المرتبطة بها أم ال‪.‬‬

‫هذا ما يؤكد أهمية استشراف صناعة النص وفق ما يتالئم مع متطلبات الذكاء االصطناعي‬
‫وما يندرج ضمنه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬سبل استشراف مجاالت صناعة النص التشريعي في دولة اإلمارات وفق تطورات‬
‫التقنية الحديثة‪.‬‬

‫يعد االستشراف في حقل الدراسات القانونية أمرا في غاية األهمية حيث أنه ال يمكن‬
‫إصدار تشريع أو نص ما أو الئحة إال بعد النظر في المآالت والعواقب‪ ،‬والنظر في كل‬
‫األبعاد االقتصادية واالجتماعية وحتى النفسية منها‪ ،‬ألجل أن يكون النص مواكبا لواقع الحال‪.‬‬
‫وأنجع التشريعات هي التي توازن وتوائم بين الواقع المعيش والمستقبل المنظور أي األهداف‬
‫المتوخاة وإال ُولدت النصوص ميتة وكان محكوما عليها باإلعدام منذ لحظة صدورها‪.‬‬
‫‪ .3‬أهمية استشراف المستقبل‪:‬‬

‫يعني االستشراف العمل بمنهجية وهو ضد العشوائية والتلقائية‪ ،‬والتي تبدأ ببيان‬
‫المشكلة وتعريفها ومن ثم اختيار اإلجراء األكثر موائمة لبناء نموذج لتحديد المتغيرات‬
‫األساسية‪ ،‬والتي على إثرها يتم بناء قاعدة المعلومات من المعطيات التي بدورها تشكل‬
‫النظريات التي تسهم في انتقاء أفضل خيارات المستقبل الممكنة‪ ،‬والتي في نهاية األمر تعمل‬
‫على تحديد الجهات التنظيمية في الدوائر الحكومية والتشريعية والمؤسسات المعنية من تحديد‬
‫الخيارات االستراتيجية‪ ،‬وعملية االستشراف ليست عمال انفراديا بل هو أداء قائم على جهد‬

‫‪32‬‬ ‫‪ 11/12/2019‬بتاريش ‪https://technologyreview.ae‬‬


‫‪35‬‬
‫جماعي يتشكل من أشخاص ذوي كفاءة عالية في شتى مجاالت االختصاص‪ ،‬وتوفير ما‬
‫يستوجب من شروط وإمكانات حتى يتأتى لهم القيام بعملية استشراف المستقبل‪ ،‬وصناعة‬
‫‪33‬‬
‫األطر االستشرافية لبناء رؤية ورسالة واقعية وصحيحة وقابلة للتنفيذ‪.‬‬

‫ودراسة المستقبل ما هي إال نظر في المآالت بأسلوب علمي واضح ومن طرف ذوي‬
‫الكفاءة والخبرة مما يؤهلنا لرسم مستقبل واعد لنا ول جيال القادمة‪.‬‬

‫وإلعمال األداة التشريعية في مجال استشراف المستقبل وجب علينا أن نتناول في هذه‬
‫الدراسة المتطلبات الرئيسية لعملية الصناعة التشريعية‪ ،‬وذلك لوجود عالقة وترابط بين‬
‫إعمال نظام استشراف المستقبل والتشريعات‪ ،‬حيث تتمثل في أن صناعة القوانين تشكل‬
‫األساس الذي من خالله تحول السياسات والرؤيا واألهداف العامة للدولة إلى قواعد قانونية‬
‫منسجمة ومتسقة مع بعضها البعض‪.‬‬

‫‪ .4‬اإلطار العام الستشراف المستقبل في مجال صناعة التشريع‬

‫من األمور ذات األهمية القصوى الصناعة التشريعية الجيدة لتحقيق استشراف المستقبل‬
‫عن طريق طرح العديد من المتطلبات اإلجرائية التي تكون بعضها سابقة لصدوره وأخرى‬
‫معاصرة لصدور التشريع‪ ،‬وتتمثل في المذكرتين اإليضاحية‪ ،‬والتفسيرية‪ ،‬بجانب تقرير‬
‫معايير معينة لبناء ت َ ْش سريع سليم قابل الستشراف المستقبل ويضمن الجــودة الالزمة في صناعة‬
‫التشريع‪.‬‬

‫وهناك متطلبات إجرائية في صناعة التشريعات تلك اإلجراءات والعناصر الواجب‬


‫توافرها لضمان إخراج التشريع بصناعة جيدة والتي تتمثل في‪:‬‬

‫أ‪ .‬وجود هيئات متخصصة لصناعة التشريع‪ :‬تستوجب الصناعة التشريعية وجود هيئة‬
‫متخصصة في بناء القواعد القانونية ومتابعتها في شتى المراحل التي تتطلبها العملية‬

‫‪ 33‬فتحي صبرون عبدالغفار‪ ،‬استشراف الـمستقبل (الدراسات المستقبلية)‪ ،‬الطبعة األول ‪2016‬م ‪ ،‬أزمنة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬قطر‬
‫ص ‪.11‬‬
‫‪36‬‬
‫التشريعية‪ ،‬ويقودنا هذا إلى أولوية وجود جهاز متخصص للعمل في المجال التشريعي في‬
‫السلطة التنفيذية بجانب أن يتوفر جهاز أو مؤسسة تُعنى بالصناعة التشريعية بالنسبة للسلطة‬
‫التشريعية أو أن يتم عمل لجان أو هيئات متخصصة تهتم بالصناعة التشريعية في بعض‬
‫‪34‬‬
‫الدوائر األخرى‪.‬‬

‫ب‪ .‬توفير كفاءات متخصصة ومخصصات مالية مناسبة‪ :‬يُعد توفير المتخصصين والمؤهلين‬
‫حلقة أساسية في بعث العملية التشريعية بما يضمن سالمة التشريع باإلضافة إلى أهمية توافر‬
‫المخصصات المالية الكافية للقائمين على الصناعة التشريعية وذلك لتحقيق نجاح العملية‬
‫التشريعية والصناعة التشريعية المتكاملة‪ ،‬بغية مواكبة ما تشهده الحياة من تقدم سريع‬
‫للمعلومات وتطور في مختلف المجاالت المعرفية‪ ،‬فبات من األهمية الملحة مواكبة علم‬
‫الصناعة التشريعية من خالل استشراف المستقبل لهذه المتغيرات وإحتواء كل المستجدات‬
‫والنوازل‪.35‬‬

‫ج‪ .‬سهولة الحصول على المعلومات القانونية للمختصين بصناعة التشريع‪ :‬فيجب توفير‬
‫المصادر القانونية للمشتغلين بالصناعة التشريعية‪ ،‬وأيضا توفير الدعم المعلوماتي والفني‬
‫لضمان سهولة الحصول على كل ما هو الزم ومرتبط بالتشريع المقترح للقيام بعمل الدراسات‬
‫الالزمة للوقوف على واقع الحال‪ ،‬وإلمكانية تحليل المعطيات ووضع الحلول المناسبة من‬
‫خالل دراسة الفرضيات التي تساعد على احتواء الموضوع ومعالجته في المستقبل‪ ،‬لذا تعد‬
‫الثقافة القانونية جزء ال يتجزأ من عملية الصناعة التشريعية بجانب االستفادة من التطور‬
‫التكنولوجي في توفير المعلومات‪.‬‬

‫‪ 34.‬موزة بوشليبي‪ ،‬استشراف المستقبل في مجال صياغة التشريعات المتعلقة بتنمية المجتمع‪ ،‬كلية القانون جامعة‬
‫الغرير‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة ‪ ،2018 ،‬ص ‪36‬‬
‫‪ 35‬ليث كمال نصراوين‪ ،‬متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها على اإلصالح القانوني‪ ،‬مجلة كلية القانون‬
‫الكويتية العالمية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العدد‪ 22‬لسنة ‪ 2017‬ص ‪.402‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ .5‬معاير التشريع السليم الستشراف المستقبل وربطه بالتطور التقني‪:‬‬

‫يجب على المتخصص في الصناعة التشريعية األخذ بالعديد من المعايير وإتباعها‪،‬‬


‫وذلك لغاية إخراج التشريعات التي ال تحقق االحتياجات والغايات المتوخاة منها فقط‪ ،‬وإنما‬
‫بإمكانها أن تستشرف من خالل نصوصها وأحكامها المستقبلية‪ ،‬فمن شأن هذه المعايير أن‬
‫تضمن جودة التشريعات وتجنب العيوب واألخطاء التي تشوبها وذلك وفق اآلتي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مراعاة واحترم القواعد والمبادئ الدستورية‬

‫ثانيا‪ :‬تعزيز احترام الحقوق والحريات‬

‫ثالثا‪ :‬مراعاة ومتابعة التطورات الحاصلة في مجاالت التقنية الحديثة‬

‫رابعا‪ :‬الربط بين المستجدات التقنية وصلتها بالمجاالت القانونية‬

‫خامسا‪ :‬األخذ بعين االعتبار البعد الدولي في صناعة التشريع خاصة المعاهدات الدولية‬

‫سادسا‪ :‬انتقاء المفردات والعبارات والصياغة اللغوية المتكاملة للنص التشريعي‬

‫‪ .6‬أثر استشراف المستقبل في مجال صناعة التشريع‪:‬‬

‫إن استشراف المستقبل في مجال التشريع يختزل الزمان والتكلفة ويجعلنا أمام تطبيق‬
‫عملي لعلم إدارة األزمات فيجعلنا أمام تح ٍد وتص ٍد كبيرين لكل ما قد يطرأ‪ ،‬خاصة إذا أيقنا‬
‫بأن ا لتشريع يجمع في معالجته للظواهر بين األبعاد االقتصادية واالجتماعية وحتى النفسية‬
‫منها‪.‬‬

‫ويظهر أثر استشراف المستقبل في التشريعات النافذة بصوره جلية وواضحة في‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تنظيم سلوك أفراد المجتمع على نسق موحد‬

‫ثانيا‪ :‬تحقيق األمن المجتمعي‬

‫‪38‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحقيق العدالة في أوسع مدلوالتها‬

‫رابعا‪ :‬تحقيق األمن القانوني‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫من الواضح أن التطور التقني اليوم يسير بوتيرة متسارعة جدا‪ ،‬مما يستوجب على الفاعلين‬
‫القانونيين فقهاء ومؤسسات تشريعية وهيئات متخصصة إما أن تساير الوضع بتصورات‬
‫مستقبلية استشرافية وإال ُ‬
‫طمرت بالتقادم وتجاوزها الزمن‪.‬‬

‫فموضوعات الذكاء االصطناعي اليوم وما تحمله من تطور رهيب يجعل من المشرع‬
‫أمام ضرورة بناء استراتيجية واضحة تغير من فلسفة التشريع التقليدية والنظر بعين‬
‫االستشراف لمستقبل النص القانوني بما يوائم التطورات الحاصلة في شتى مناحي الحياة‪،‬‬
‫فاليوم صرنا نتحدث عن البصمة الدماغية والمخدرات الرقمية والمسؤولية اإللكتروتقنية‬
‫والحروب السيبرانية والمقاتالت الذكية وغيرها من الموضوعات التي تتطلب بُعد نظر ألجل‬
‫صناعة تشريعية حديثة تجمع بين متطلبات األمن القانوني الذي يُعد خطا أحمرا في ظل‬
‫المتغيرات الدولية العولمية‪ ،‬ومتطلبات التطور التقني الحاصل‪.‬‬

‫ألجل هذا نجد أن أنماط التفكير التشريعي تغيرت لدى عدد من الدول ألجل تجاوز حالة‬
‫الفراغ القانوني الذي قد يترتب على النمطية التقليدية للنصوص والقوانين‪.‬‬

‫نتائج البحث‪:‬‬

‫‪ -1‬تعد التكنولوجيا الحديثة خاصة ما تعلق بالذكاء االصطناعي أمرا مستجدا في شتى مناحي‬
‫الحياة الطبية والهندسية والبيئية والمعرفية بما تحمله من أطياف علمية‪ ،‬بل وضرورة تتطلبها‬
‫مقتضيات العصر‪.‬‬
‫‪ -2‬تعد صناعة التشريع مسألة تكاملية يجب االهتمام بها بين الدوائر الحكومية من جهة‬
‫والهيئات التشريعية المختصة من جهة أخرى‪ ،‬ويلعب المختصون من أساتذة وفقهاء دورا‬
‫بالغا في تطوير العملية التشريعية‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -3‬تعد صناعة التشريع أمرا ناجعا مالم تأخذ في الحسبان متطلبات األمن القانوني الذي يجعل‬
‫النصوص في مستوى التطلع ومستوى ما يتم توقعه من عالج للظواهر االجتماعية بشكل‬
‫صحيح ومتكامل‪.‬‬
‫‪ -4‬رغم أن القاعدة القانونية تقضي بمبدأ الفورية وعدم رجعية النص حماية للحقوق المكتسبة‬
‫فمن الواجب ودون تعارض مع ذلك يجب أن نفكر في تغيير آليات التشريع‪ ،‬بل وتحديث‬
‫النظم القانونية استشرافا للتطورات الحاصلة والتي قد تجعلنا أمام حالة من الفراغ القانوني‬
‫والذهول القضائي إن لم يتم تداركها وتناول موضوعاتها‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫‪ -1‬أهمية تطوير المناهج الدراسية خاصة أطوار الدراسات العليا في أقسام القانون للبحث‬
‫في المجاالت ذات الصلة بين القانون والتقنيات الحديثة السيما الذكاء االصطناعي‪.‬‬
‫‪ -2‬أولوية تطوير األداء التشريعي للهيئات والمؤسسات التشريعية والدوائر الحكومية‬
‫بضرورة استشراف صناعة التشريع بمختلف مستوياته "نصوصا قانونية مراسيم ولوائح‬
‫وتنظيمات" بما يتالئم ويتناسب والتطورات الحاصلة‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة تكوين القضاة تكوينا تخصصيا من خالل ورش أو دورات تؤهلهم لفهم واستيعاب‬
‫النوازل والمستجدات في كل المجاالت الشرعية والقانونية بغية إيجاد توافق بين األحكام‬
‫واالجتهادات القضائية والمسائل المستحدثة خاصة ما تعلق بالتطور اإللكترو تقني‪.‬‬
‫‪ -4‬أهمية فتح تخصصات واعتماد دوريات ومجالت علمية تُعنى بالموضوعات الجامعة بين‬
‫القانون والتخصصات التقنية األخرى‪ ،‬فأولوية البحث العلمي هي المنطلق األساس للتوصل‬
‫لسد النقائص في شتى المجاالت خاصة في المجال التشريعي‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫المراجع باللغة العربية ‪:‬‬

‫‪ -‬براهيم بن داود‪ ،‬التطبيق الداخلي للمعاهدات وفق أحكام التشريع اإلماراتي‪ ،‬دار الحافظ الشارقة‪،2018 ،‬‬
‫ص ‪.32‬‬

‫‪ -‬بوزيد صبرينة‪ ،‬قانون المافسة ال أمن قانوني أم تصور جديد ل من القانوني‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة قالمة الجزائر‪.2016-2015 ،‬‬

‫‪ -‬دعاء جليل حاتم‪ ،‬لمى عبد الباقي العزاوي‪ ،‬الذكاء االصطناعي والمسؤولية الجنائية الدولية‪ ،‬مجلة المفكر‪،‬‬
‫العدد ‪ 18‬كلية الحقوق جامعة بسكرة‪ ،‬الجزائر ‪ ،2019‬ص ‪.27‬‬

‫‪ -‬سالفة طارق شعالن‪ ،‬تكييف استخدام الحرب االلكترونية في النزاعات المسلحة وفقا للقانون الدولي‬
‫االنساني‪ ،‬كلية القانون جامعة القادسية‪.‬‬

‫‪ -‬فتحي صبرون عبدالغفار‪ ،‬استشراف الـمستقبل (الدراسات المستقبلية)‪ ،‬الطبعة األول ‪2016‬م ‪ ،‬أزمنة‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬قطر‬

‫‪ -‬ليث كمال نصراوين‪ ،‬متطلبات الصياغة التشريعية الجيدة وأثرها على اإلصالح القانوني‪ ،‬مجلة كلية‬
‫القانون الكويتية العالمية‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬العدد‪ 22‬لسنة ‪.2017‬‬

‫‪ -‬محمد ناصر بوغزالة‪ ،‬تعدد معاني المعاهدات وحاالت إحداثها آلثارها‪ ،‬بحث بالمجلة الجزائرية للعلوم‬
‫القانونية‪ ،‬الجزء ‪ ،36‬العدد ‪ 01‬السنة ‪.1998‬‬

‫‪ -‬موزة بوشليبي‪ ،‬استشراف المستقبل في مجال صياغة التشريعات المتعلقة بتنمية المجتمع‪ ،‬كلية القانون‬
‫جامعة الغرير‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة ‪.2018 ،‬‬
‫‪ -‬يحي ابراهيم دهشان‪ ،‬المسؤولية الجنائية عن جرائم الذكاء االصطناعي‪ ،‬بحث منشور بمجلة الشريعة‬
‫والقانون‪ ،‬كلية القانون جامعة االمارات‪.2019 ،‬‬

‫النصوص القانونية واألحكام القضائية‪:‬‬


‫‪ -‬دستور دولة اإلمارات العربية المتحدة الصادر بتاريش ‪ ،1971/07/18‬المعدل والمتمم بموجب التعديل‬
‫الدستوري رقم ‪ 01‬لسنة ‪ 1996‬الصادر بتاريش ‪ 02‬ديسمبر ‪ ،1996‬وبالتعديالت الالحقة ال سيما تعديل‬
‫سنة ‪.2009‬‬

‫‪ -‬قانون المعامالت المدنية بموجب القرار االتحادي رقم ‪ 05‬لسنة ‪1985‬م‪.‬‬


‫‪ -‬قانون المعامالت التجارية بموجب القرار االتحادي رقم ‪ 18‬لسنة ‪1993‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬قانون المعامالت التجارية اإلماراتي لعام ‪1993‬‬
‫‪ -‬القانون االتحادي رقم ‪ 7‬لسنة ‪ 2002‬في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة‬

‫‪ -‬مجموعة األحكام والمباديء القانونية الصادرة في المواد المدنية والتجارية والعمالية واألحوال الشخصية‬
‫لعام ‪ ،2004‬الصادرة عن محكمة تمييز دبي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬شهر سبتمبر ‪ ،2004‬العدد ‪ ،15‬ص ‪.561‬‬

‫‪ -‬مجموعة األحكام والمباديء القانونية الصادرة في المواد المدنية والتجارية والعمالية واألحوال الشخصية‬
‫لعام ‪ ،2004‬الصادرة عن محكمة تمييز دبي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬شهر ديسمبر ‪ ،2005‬العدد ‪ ،16‬ص ‪.2059‬‬

‫االتفاقيات الدولية‪:‬‬
‫‪ -‬اتفاقية حقوق الطفل ‪1989‬م‬

‫‪ -‬معاهدة الويبو المتعلقة األداء والتسجيل الصوتي وقد تمت المصادقة عليها من قبل دولة اإلمارات العربية‬
‫المتحدة في ‪ 09‬يونيو ‪.2005‬‬

‫‪ -‬اتفاقية روما الخاصة بحماية فناني األداء ومنتجي التسجيالت الصوتية وهيئات اإلذاعة صادقت عليها‬
‫دولة اإلمارات في ‪ 14‬يناير ‪.2005‬‬

‫‪ -‬معاهدة الويبو الخاصة بحق المؤلف وقد صادقت عليها دولة اإلمارات في ‪ 14‬يوليو ‪.2004‬‬
‫‪ -‬اتفاقية برن لحماية المصنفات األدبية والفنية صادقت عليها دولة اإلمارات في ‪ 14‬يوليو ‪.2004‬‬

‫‪ -‬معاهدة التعاون المتعلقة ببراءات اإلختراع والتي تمت المصادقة عليها أيضا في ‪ 10‬مارس ‪.1999‬‬
‫‪ -‬اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المصادق عليها في ‪ 19‬سبتمبر ‪.1996‬‬

‫‪ -‬اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية المصادق عليها أيضا من دولة اإلمارات في ‪ 24‬سبتمبر‬
‫‪.1974‬‬
‫‪ -‬بروتوكول قرطاجنة المتعلق بسالمة األحياء المتعلقة بالتنوع البيولوجي المصادق عليها في ‪ 11‬ديسمبر‬
‫‪2014‬‬

‫المراجع باللغة األجنبية‪:‬‬


‫‪- Aubert Jean Luc, introduction au droit et thèmes fondamentaux du droit‬‬
‫‪civil,15eme éd ,Dalloz ,paris, 2014.‬‬
‫‪- by the International Group of Experts at the Invitationof the NATO‬‬
‫‪cooperative cyber defence Center‬‬

‫‪42‬‬
- Cartier Emmanuel, « Accessibilité et Communicabilité du droit » ,Juris
Doctoria , n° 1, 2008.

- Hauriou Maurice, Précis de droit administratif , librairie de la société du


recueil général des lois et des arrêts, 4éme ed. , 1999 .

- La philosophie du droit , PUF, Que sais –je ?, 10 eme édition ,1997 .


- Michael N.Schmitt, Tallinn Manual on the International Law Applicale to
Cyber Warfare, Prepared of excellence, Cambridge University press, 2013,
first published.

- Piazzon Thomas , La sécurité juridique , thèse,Défrénois , coll doctorat et


notariat ,T.35 ,2009,p.62. "la sécurité juridique est l'idéal de fiabilité d’un
droit accessible et compréhensible ,qui permet aux sujets de droit de
prévoir raisonnablement les conséquences juridique de leurs actes ou
comportements et qui respecte les prévisions légitimes déjà baties par les
sujets de droit dont il favorise la réalisation"

- Rapport de CDI sur les travaux de sa cinquante et unieme session, 1999,


vol 02, p 103.

- Ripert George , les forces créatrices du droit ,librairie générale de droit et


de jurisprudence,France,1955.

:‫المواقع االلكترونية‬
- https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/faq

- https://technologyreview.ae
- https://www.wipo.int/wipolex/ar/profile.jsp?code=AE

- https://www.yahyadhshan.com/2019/07/blog-post_77.html

43
44
‫الثوابت والمتغيرات في التشريعات المالية في ضوء‬
‫التقنيات الحديثة‬
‫دراسة قانونية مقارنة‬

‫األستاذ الدكتورة قبس حسن عواد البدراني‬


‫أستاذ التشريع المالي بكلية الحقوق – جامعة الموصل ‪ -‬العراق‬

‫‪45‬‬
46
‫المقدمة‬

‫إ ن سمة الحياة المعاصرة هي التغير المستمر دون ثبات مستديم لفكرة او صورة نشاط‬
‫اقتصادي او حتى شكل العملة التي نستخدمها في شراء مستلزمات الحياة اليومية‪ ،‬هذا الوصف‬
‫يجعل السباق قائما بين القانون وواضعيه وبين كل هذه المتغيرات التي تتسم بعدم المحدودية‬
‫سواء من حيث الشكل او المحتوى والوظيفة ‪ ،‬ولعل التشريع المالي اكثر التشريعات مطالبة‬
‫بمتابعة هذه المتغيرات فهو المعني بتنظيم استخدامها بل واالعتراف فيها وجعلها مباحة‬
‫لالستعمال واالستفادة منها ‪.‬‬

‫ورغم كل ما قيل عن هذه السرعة في االنتاج اليومي ألشكال السلع والخدمات في سوق‬
‫االستهالك العالمي اال ان االمر ال يخلو من وجود فترة تجربة لتطبيق ما تم احداثه‪ ،‬فان كان‬
‫منظما ومقبوال من حيث االفراد ومن حيث القوانين اخذ طريقه في االستمرارية مع التطور‬
‫وان فشل في ذلك تالشى من الوجود وانعدم استعماله ‪ ،‬وهذه الفكرة طبقت على االنترنت‬
‫اول ظهوره وكذلك االمر لشبكات الهاتف الخليوي وغيرها من صور الحياة المعاصرة التي‬
‫اصبحت سمة سائدة فيها ‪ ،‬واحتاجت بعضها سنوات حتى اثبتت نجاحها وصدرت التشريعات‬
‫التي تنظمها بطريقة تعيد الفائدة للدول‪.‬‬

‫هدف البحث‬

‫تناول المتغيرات التقنية الحديثة وخاصة المتعلقة بتداول السلع والخدمات الكترونيا بطريقة‬
‫الكتل او البيانات الموزعة على المفاهيم القانونية سواء الوطنية ام المطبقة على المستوى‬
‫الدولي بمعنى منظومة القانون المالي الدولية وابراز اهم المفاهيم التي ستتأثر حتما بهذه‬
‫المتغيرات وكيف للدول سواء بإداراتها الوطنية ام عمل المنظومة القانونية الدولية في االحاطة‬
‫ومحاولة تنظيم هذه االنشطة قانونا‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فرضية البحث‬

‫‪ . 1‬ان ما يعد متغيرا في لحظة زمنية قد يكون له القابلية على االستمرار والبقاء مع مطاولة‬
‫التطبيق والتجريب حتى يتخذ مكانا له بين باقي الثوابت المجتمعية وتكون له نظمه واحكامه‬
‫المقبولة من المجتمع والنظام القانوني العام‪.‬‬

‫‪ .2‬رغم طبيعة القانون المالي في استيعاب المتغيرات المجتمعية داخليا وخارجيا ‪ ،‬تبقى‬
‫االصول القانونية هي المحركة ألي توجه لذا نجد المنظومة القانونية الدولية توجد الحلول‬
‫للسيطرة على التقنيات الحديثة انطالقا من مفاهيم القانون المالي التقليدية والثابتة نسبيا‪.‬‬

‫منهجية البحث‬

‫يعتمد البحث اسلوب الدراسة التحليلية واالستقرائية لمحتوى تقنية البلوك تشين والتقنيات‬
‫المالزمة لها مع تناول لنصوص قوانين دولة االمارات العربية وبعض الدول العربية ذات‬
‫العالقة في التعامل مع التقنيات االلكترونية فضال عن تحليل توجهات المنظومة القانونية‬
‫الدولية في هذ الموضوع‪.‬‬

‫هيكلية البحث‬

‫قُسم البحث إلى مبحثين ‪:‬‬

‫السيادة المالية والتعامل الرقمي‬ ‫المبحث االول‬

‫مبررات مبدأ السيادة المالية على حركة االموال‬ ‫المطلب االول‬

‫المطلب الثاني االختصاص االقليمي للقانون المالي‬

‫تحديات مبدأ القانونية المالية‬ ‫المبحث الثاني‬

‫المطلب االول الشكلية والمتغيرات الرقمية‬

‫المطلب الثاني الضرائب والمتغيرات الرقمية‬

‫‪48‬‬
‫المبحث األول‪ :‬السيادة المالية والتعامل الرقمي‬

‫إن العلة في وجود القانون المالي بحد ذاته وضع الضوابط القانونية لتنظيم حركة االموال‬
‫ذهابا وايابا او بمعنى اخر تحصيال وجباية في اي نشاط يكون للدولة او الجهة التي تفرض‬
‫سيادتها على النطاق المكاني الذي يوجد فيه المال ويتحقق فيه النشاط االقتصادي وتنتج فيه‬
‫االرباح والدخول ‪ ،‬واالمر لم يكن فيه مجال للبحث في علة الوجود طالما االمر تعلق بماديات‬
‫ملموسة ومحسوسة ‪ ،‬اي حركة االموال المنقولة او التصرفات والوقائع التي تقع على االموال‬
‫غير المنقولة بمعناها التقليدي ( النقود والعقارات –الدخل وراس المال‪.)..‬‬

‫إال ان تغير مفاهيم الربح والدخل ورأس المال من المفاهيم التقليدية "النقود الورقية –‬
‫المجوهرات –السيارات " الى ان تظهر صور اخرى "االسهم والسندات ‪ ،‬الحقوق المادية"‬
‫دفعت الى محاولة تطبيق ذات المفاهيم المطبقة على النقود الورقية لتطبق على االرباح الناجمة‬
‫من المتاجرة باألسهم والسندات ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬كما استطاعت الدولة فرض الضرائب على الدخل‬
‫الناجم من استغالل العقارات بيعا او تأجيرا نحو فرض الضريبة على تداول االسهم والسندات‪،‬‬
‫وهذا يعني ان االصول والثوابت لم تتبدل او تلغى وانما ما ظهر كان مجرد صور جديدة‬
‫لمفاهيم او افكار قائمة ‪ ،‬وهذا يدلل على قوة وثبات منطق الدولة في تنظيم النشاط االقتصادي‬
‫داخل اقليمها بل واالتفاق مع الدول االخرى نحو تطبيق معايير وقواعد تنظم حركة االموال‬
‫فيما بينها بشكل ال يفوت على هذه الدول تحصيل استحقاقاتها المالية من ضرائب ورسوم ‪،‬‬
‫فضال عن ادارة واشراف لما يتحقق من تصرفات ووقائع مادية وقانونية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مبررات مبدأ السيادة المالية‬

‫إن التنظيم القانوني يقوم على ثوابت رئيسة – طبقا ألدبيات الفلسفة القانونية – ال غنى‬
‫عنها ‪ ،‬فالقانون ال يأخذ قوته التنفيذية ان لم تتواجد اركان التطبيق ( مكان يطبق فيه‪ /‬اشخاص‬
‫يخاطبهم بالذات‪ /‬زمان تسري فيه نصوص القانون ) وهذا االمر تبرره افكار عديدة ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫‪ . 1‬اتفاق االرادة العامة للجماعة االنسانية في مكان معين على ايجاد طريق او منهج ينظم‬
‫الحياة بكافة جوانبها ‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه في ادبيات القانون بالعقد االجتماعي ‪،‬وهو وسيلة‬
‫االفراد للتجمع وتحقيق مصلحة هذه الجماعة مع اتفاق االفراد على التنازل عن جزء من‬
‫حقوقهم حماية لبقية حقوقهم االخرى‪ ،‬وهذه الفكرة بررت لماذا يدفع افراد الجماعة الضرائب‬
‫والرسوم وباقي التكاليف المالية االخرى حماية لحق المجتمع في الديمومة والبقاء‪ ،‬وهذا‬
‫المنطلق الفلسفي وضع االساس التفاق االرادة العامة والتي تعبر عنها الهيئة السياسية كما‬
‫يسميها جان جاك روسو في كتابه العقد االجتماعي لتشريع القوانين تحقيقا ألهداف هذه اإلرادة‬
‫العامة "المصلحة العامة او فكرة النفع العام"(‪.)36‬‬

‫‪.2‬ان القانون يجعل السيادة امرا متحققا يتجلى لمن يصدر التشريعات وينفذها في نطاق اقليم‬
‫الدولة المكاني ‪ ،‬بمعنى ان الدولة تتمتع باالستقالل الكامل لتفعل ما تشاء طبقا للقوانين‬
‫الوضعية ‪ ،‬في نطاق السيادة الوطنية وان هذه السيادة التي تبرز فكرة االستقالل تجعل الدولة‬
‫حرة في ان تعقد ما تريد من اتفاقيات لتنظيم عالقاتها مع الدول االخرى حماية وتأكيدا لهذا‬
‫االستقالل (‪،)37‬ولذا فان فرض ضريبة ما او تنظيم التجارة الداخلية وحتى الخارجية ضمن‬
‫امر اصبح من صميم اختصاصات الدولة المنبثقة من سيادتها في تنظيم شؤونها‬
‫نطاق اتفاقي ٌ‬
‫المالية داخليا بطريقة اكثر حرية نوعا ما ‪،‬فضال عن ايجاد انسب الطرق واالحوال التي‬
‫تجعلها في مركز مالي جيد على النطاق الدولي‪.‬‬

‫‪ .3‬ان طبيعة المالية العامة للدولة بفكرتها المعاصرة تتجه نحو التوسع في وظائف الدولة‬
‫المالية لتوفير الموارد الالزمة لمواجهة متطلبات اشباع الحاجات العامة ‪ ،‬وهذه الفكرة‬
‫التوسعية لوظيفة الدولة جعلتها ذات منحى تدخلي في اغلب دول العالم ‪ ،‬حتى وان كانت‬

‫‪ ))36‬جان جاك روسو ‪ ،‬العقد االجتماعي ‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر ‪،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ‪،‬‬
‫القاهرة‪،2013،‬ص‪.32‬‬
‫‪ ))37‬دينيس لويد‪ ،‬فكرة القانون ‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واالداب ‪،‬الكويت ‪،1981‬ص‬
‫ص‪.173-170‬‬
‫‪50‬‬
‫الدولة تميل نحو التشجيع الواسع النطاق لمشاركة االفراد والقطاع الخاص في تمويل‬
‫احتياجات المجتمع واشباع الحاجات العامة غير انها تبقى متدخلة وخاصة من خالل ضوابطها‬
‫وقيودها القانونية وخاصة المتعلقة باألموال العامة او اي نشاط له اثره على قدرة الدولة في‬
‫تحصيل االيرادات العامة ‪ .‬وهذا التدخل يتجلى من خالل وضع القوانين والتعليمات واللوائح‬
‫التي تحدد نطاق االنشطة العامة والخاصة في حدود سيادة الدولة القانونية ‪.‬‬

‫‪ .4‬وما يؤخذ على فكرة التدخل وازدياد حاجة الدولة ألموال الضرائب وباقي التكاليف المالية‬
‫ذات الطابع االستقطاعي الجبري ‪ ،‬لجوء بعض الدول ومن خالل استغالل فكرة تدرج القوانين‬
‫وهي احدى نتائج مبدأ الشرعية المالية نحو حلول التعليمات واللوائح بدل القوانين بطريقة‬
‫تجعلها تخالف االصل الذي استندت اليه تسهيال للهدف االسمى وهو سهولة الحصول على‬
‫االموال الالزمة لتغطية نفقاتها العامة وهذا يظهر بشكل كبير في تعليمات او لوائح التأمينات‬
‫االجتماعية او "االتاوة" اي مقابل االنتفاع بالمرافق العامة وغيرها من االجراءات ذات الطابع‬
‫االداري (‪. )38‬‬

‫‪ .5‬ان مفهوم السيادة المالية ال يعني بالضرورة مشروعية المال الذي تسعى الدولة او كونه‬
‫غير مقبول او مخالف لقانون اخر ‪ ،‬فمقتضيات القانون المالي هي مقتضيات مصلحية مادية‬
‫كاملة هدفها تأمين وصول االموال للخزينة العامة ‪ ،‬ولذا نجد ان اي تنظيم قانوني ال يعتد به‬
‫عند وجود نص في القانون المالي يدعو لخضوع ذلك النشاط للضريبة او ألي تكليف مالي‪،‬‬
‫حتى لو كان يعاقب عليه القانون االخر سواء القانون الجزائي او يرتب اثرا قانونيا كما في‬
‫القانون المدني ‪ ،‬ولذا تخضع اموال التجارة غير المشروعة للضرائب في العديد من النظم‬
‫المالية‪.‬‬

‫)‪ (38‬د‪ .‬محمد دويدار ‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي ‪ ،‬الجزء الرابع االقتصاد المالي ‪،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية ‪،‬بيروت‪،2003،‬ص‪.331‬‬
‫‪51‬‬
‫‪.6‬يتعامل القانون الضريبي ومن منطلق السيادة المالية مع االشخاص كمراكز قانونية اي‬
‫ليس باعتبارهم اشخاصا وانما مراكز قانونية عامة لها اطارها وتنظيمها الذي يتم التعامل فيه‬
‫طبقا لما نظمته قواعد القانون المالي ‪ ،‬وهذا يعني ان هناك نماذج قانونية جاهزة قد تنطبق‬
‫على شخص دون اخر وهي ما يطلق عليه في القانون المالي بالمقدرة التكليفية اي القدرة على‬
‫دفع االلتزام المالي طبقا للمركز القانوني الذي يحتله هذا الشخص سواء أكان فردا أم شركة‪،‬‬
‫كامال ل هلية ام فاقدها ‪،‬فاالعتبار االول لدى الدولة عند اقتضاء الحقوق المالية هو المال‬
‫وليس الفرد او من وقع بذمته هذا االلتزام‪ .‬فحسب ولذا نجد ان الرسوم والغرامات والضرائب‬
‫وسواها تدفع وحسب الموقف القانوني الملزم بذلك بغض النظر عن دافعها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االختصاص اإلقليمي للقانون المالي وأساس نظام (‪(blockchain‬‬

‫إن إحدى األسس التي يقوم عليها تطبيق القانون المالي الداخلي بشكل مفصلي هي نطاق‬
‫السريان المكاني ‪ ،‬اي الحيز المادي المعلومة حدوده الجغرافية والسياسية والقانونية التي‬
‫يمكن ان يطبق فيها القانون المالي دون ان يتداخل مع نطاق سريان قانون دولة مجاورة‬
‫وبذات الوقت ال يتعارض بل يذهب نحو التكامل والتنسيق مع الجهود الدولية الداعمة لفكرة‬
‫ايجاد معايير موحدة لتطبيق الضرائب على سبيل المثال ‪ ،‬ووضع االطر القانونية التي تنظم‬
‫التجارة العابرة للحدود الجغرافية والسياسية وهذا ما اقرته اتفاقية التجارة العالمية (‪)GAAT‬‬
‫‪،‬فضال عن جهود منظمة التنمية والتعاون نحو ايجاد قانون ضريبي دولي له أسسه المشتركة‬
‫فضال عن ربط البنوك المركزية ألغلب الدول العالم من خالل عمل المنظمة وغيرها من‬
‫الوكاالت الدولية المتخصصة وهذا ما دفع معظم دول العالم لتبني هذه السياسات(‪.)39‬‬

‫ويرتبط بفكرة االختصاص االقليمي مبدأ سيادي مهم وهو مبدأ اقليمية الضرائب على وجه‬
‫الخصوص ليعبر بشكل قوي عن فكرة االختصاص االقليمي للقانون المالي من خالل تطبيق‬

‫‪ ) )39‬راجع في ذلك اهداف الشراكات المالية االقليمية والدولية والمنشورة على موقع وزارة المالية االتحادية‬
‫الدولية‬ ‫الجهود‬ ‫مع‬ ‫للتكامل‬ ‫والساعية‬ ‫المتحدة‬ ‫العربية‬ ‫االمارات‬ ‫لدولة‬
‫‪.www.mof.gov.ae∕ar∕stratigicpartnership.‬‬
‫‪52‬‬
‫القانون الضريبي الوطني على كافة االنشطة االقتصادية المتحققة في الدولة بغض النظر عن‬
‫جنسية صاحب النشاط االقتصادي ومن تحقق له الدخل الخاضع للضريبة من خالل معيارين‬
‫رئيسين‪:‬‬

‫‪ .1‬معيار موقع المال اي المحل المادي الذي تتواجد فيه االموال المنقولة وغير المنقولة‬
‫والذي يقوم بممارسة انشطة اقتصادية ينجم عنها دخل يخضعه القانون الضريبي للتحاسب‪،‬‬
‫اي ان الضوابط لتحديد ما يدخل ضمن فئة الدخل الضريبي امر يعود لنصوص القانون‬
‫الضريبي (‪، )40‬فليس كل مال موجود في مكان ما عقارا كان ام منقول يخضع للضريبة النافذة‬
‫في ذلك المكان ‪ ،‬اذ قد يتم اعفاءه بصورة مطلقة او جزئية على سبيل المثال كما هو الحال‬
‫في اتجاه المشرع االماراتي االتحادي وحتى على مستوى كل امارة ‪،‬اذ ال تفرض ضريبة‬
‫الدخل على االفراد وكذلك الشركات العاملة في االمارات ومع ذلك فان المشرع االماراتي‬
‫فرض الضريبة على شركات النفط وفروع البنوك االجنبية ‪،‬في حين نجد المشرع العراقي‬
‫والعديد من مشرعي البلدان العربية يذهب نحو فرض الضرائب على دخل االفراد والشركات‬
‫الوطنية واالجنبية في اتجاه تشريعي مختلف له مبرراته القانونية واالقتصادية المختلفة عن‬
‫الموقف االماراتي والمواقف التشريعية المماثلة‪.‬‬

‫‪ .2‬معيار محل نشوء الدخل ‪،‬اي المكان الذي تجري فيه االنشطة الخاضعة للضريبة والتي‬
‫تدر دخال ‪ ،‬وهذين المعيارين يؤكدان فكرة تأثير مكان وجود المال او مكان تحقق الدخل على‬
‫ّ‬
‫تطبيق القانون الضريبي‪ ،‬وهذين المعيارين من الثوابت التي يعتد فيها في اغلب دول العالم‬
‫ومن المعايير المعتمدة ضمن جهود المنظومة القانونية الدولية لتنظيم ممارسة االنشطة‬
‫االقتصادية عبر اقاليم الدول المختلفة (‪. )41‬‬

‫‪ ))40‬نجد المادة ‪ 1/ 14‬من مرسوم بقانون اتحادي في االمارات رقم ‪ 8‬لسنة ‪ 2017‬بشأن الضريبة على‬
‫القيمة المضافة والتي اخذت بمعيار موقع المال عندما نصت على "يجوز لشخصين او اكثر يمارسون‬
‫االعمال التقدم بطلب التسجيل الضريبي‪ ..‬اذا تم استيفاء الشروط االتية‪:‬‬
‫أ‪ .‬ان يكون لكل منهم لديه مقرتأسيس او منشأة ثابتة في الدولة‪"..‬‬
‫‪ ))41‬د‪.‬قبس حسن عواد‪،‬المالية العامة والتشريع المالي ‪ ،‬ط‪،1‬دار بن االثير للطباعة والنشر ‪ ،‬جامعة الموصل‪،‬‬
‫العراق‪،2010،‬ص ص‪204-203‬‬
‫‪53‬‬
‫إن هذين المعيارين اللذين وضعا الحلول التطبيقية للكثير من المشاكل التي تواجه النظم‬
‫القانونية في العالم نتيجة النتشار وسعة حركة التجارة العالمية وتنوع طرقها امام تح ٍد كبير‬
‫في ظل االهتمام الواضح بالتقنيات الحديثة المتعلقة بنظام بلوك تشين وتداول السلع والخدمات‬
‫بطريقة الكترونية تعد في الوقت الحاضر فائقة الذكاء‪ ،‬فالبلوك تشين يقوم على فكرة مناقضة‬
‫تماما ل سس ولثوابت النظم القانونية وخاصة في نطاقها المالي ‪ ،‬فالمكان وهو االساس القوي‬
‫الذي على ضوئه يتحدد اختصاص القانون العراقي من القانون االماراتي وغيره من قوانين‬
‫الدول االخرى اصبح امام مظهر جديد للتداول للسلع والخدمات فضال عن المدفوعات النقدية‬
‫االفتراضية تجعل من المستحيل تحديد المكان او الموقع او المحل لوجود االموال او اين‬
‫تحققت االرباح وانتقلت وتم تداول النقود االفتراضية ‪،‬ان فكرة البيانات او الكتل الموزعة‬
‫والمصطلح عليها ‪ blockchain‬اعتبرت طريقة جديدة لتنظيم معامالت االفراد سواء‬
‫الخاصة ببيع أو انتقال االموال المنقولة وغير المنقولة ل فراد‪ ،‬وتداول االنشطة التجارية‬
‫والمعامالت المدنية المتنوعة فضال عن تداول النقود االفتراضية والتي هي نقود تمتاز بعدة‬
‫مزايا(‪:)42‬‬

‫‪.1‬انها نقود ذكية اي ليس لها وجود مادي محسوس بحد ذاتها‪.‬‬

‫‪.2‬انها نقود ال يتم تغطيتها من اي بنك مركزي في اي دولة في العالم ‪،‬بمعنى انها خارج‬
‫المنظومة المصرفية التقليدية العالمية‪ ،‬وهذا يعني وجود تحدي مزدوج ‪ ،‬هل الدول ستضطر‬
‫لالعتراف بها حتى تضمن التعامل الواسع لهذه النقود االفتراضية ‪ ،‬وفي المقابل هل سيثق‬
‫االفراد بصورة واسعة النطاق بهذا النوع من النقود غير الملموسة وغير المعترف فيها في‬
‫نطاق الدولة التي يقيم فيها الفرد على اقل تقدير ‪،‬خاصة وان عملة ‪ Bitcoin‬وهي احدى‬
‫العمالت االفتراضية نجد ان التعامل فيها بدأ ينتشر فضال عن اعترافات منفردة لبعض الدول‬

‫)‪(1‬‬‫‪Angela Walch,The Bitcoin Blockchain as Financial Market Infrastructure:‬‬


‫‪A Consideration of Operational Risk18 N.Y.U. J. Legis. & Pub. Pol'y 837‬‬
‫‪(2015),‬‬
‫‪54‬‬
‫في تعامالت محددة باستخدام هذه العملة‪ ،‬فضال عن كون هذه العملة االفتراضية يتم تداولها‬
‫في بورصة العمالت بيتسامب والتي مقرها في لوكسمبورغ مع باقي العمالت العالمية االخرى‬
‫وخاصة الدوالر‪ ،‬وهذا يعني وجود االعتراف المالي العالمي على مستوى سوق المال العالمي‬
‫بها رغم حاالت الهبوط التي تواجهها هذه العملة منذ منتصف ‪. 2019‬‬

‫‪.3‬ال يتم ايداعها في اي مصرف او جهة معلومة تتعامل باإليداعات النقدية‪.‬‬

‫‪.4‬اليمكن كشف حركة النقد وتداوله وال متابعة هذه الحركة ‪.‬‬

‫ان هذه المزايا تعطي معنيان متناقضين في أن‪ ،‬فنحن امام تعامالت تتميز بالحرية المالية‬
‫الخالية من القيود التوثيقية الورقية على اقل تقدير والتي تمثل القيد االكثر عرقلة لحركة‬
‫االعمال وانتقالها سواء داخل الدولة او عبر العالم وبالتالي ستتحقق ارباح غير معلومة لجهات‬
‫وافراد غير محددين مما يدخل االمر بالكامل في نطاق اما تعامالت تجارية غير مشروعة او‬
‫ما يطلق عليه بغسيل االموال او تعامالت تجارية حقيقية ال تريد الدخول في تعقيد الروتين‬
‫الورقي التوثيقي ‪،‬في المقابل فان تقنية ‪ blockchain‬تعطي امانا ماليا عاليا للمتعاملين في‬
‫اي حركة تداول يتم توثيقها طبقا لنظام ‪، blockchain‬فنظام السجالت الموزعة او ما يطلق‬
‫عليه بسجل او دفتر االستاذ يمثل سجال ذو صفة توزيعية ‪،‬حيث ان اي عملية تداول او انتقال‬
‫يتم تثبيتها في هذا السجل بطريقة تتوزع على كافة المسجلين فيه مما يمنع حدوث اشكاليات‬
‫التلف او الضياع او السرقة وهذا يعني االمان الفائق بالنسبة للمتعاملين بهذه التقنية فضال عن‬
‫اختفاء صلة الوصل التي البد منها في المعامالت التجارية والمدنية التقليدية ‪،‬اذ الوجود‬
‫للطرف الثالث "الكاتب العدل‪ ،‬المحامي‪ ،‬المصرف‪ ،‬السمسار‪ "..‬وغيرها من الجهات التي‬
‫تمارس اعمالها التوفيقية او الرابطة او الموثقة للعالقات المالية التي تحققت في صورة بيع‬
‫الرئيسة‬ ‫تشين‬ ‫بلوك‬ ‫ألهداف‬ ‫وطبقا‬ ‫خدمة‪،‬‬ ‫تلقي‬ ‫او‬ ‫شراء‬ ‫او‬
‫"‪ "Creat,Store,Distrbution‬فان هذا يعني وجود طرفين فقط ‪ ،‬نظام الكتروني‬
‫وشخص يسجل فيه ويستخدم امكانياته المتاحة‪ ،‬مما يجعل البلوك تشين عالم لتخزين‬

‫‪55‬‬
‫المعلومات الخاصة بحركة االموال وتداول السلع والخدمات بشكل مختلف تماما عن ما يحدث‬
‫في العالم المادي‪ ،‬في المقابل فان هذا يضع التحدي كبيرا امام السلطات الحكومية التي تنادي‬
‫بالسيادة المالية وقوة القانون في التنفيذ على االشخاص واالموال‪ ،‬خاصة في ظل فقد عنصرين‬
‫رئيسين قام عليهما مبدأ السيادة وسلطة الدولة في تنظيم االنشطة االقتصادية والمالية وهما‬
‫عنصر المكان ‪،‬اذ ال مكان يمكن تحديده حتى يتحدد على ضوئه اختصاص القانون بالتطبيق‪،‬‬
‫وعنصر المركزية ‪ centralization‬والتي تعني وجود سلطة محددة منحها القانون صالحية‬
‫االعتراف باإلجراءات والوقائع والتصرفات الواقعة على االموال ‪،‬ويتركز ذلك بشكل كبير‬
‫في مشكلة مهمة وهي عدم وجود مصرف مركزي يعطي القبول القانوني لهذه العمالت‬
‫االفتراضية من خالل وجود تغطية مالية لهذه العملة وهذا يعد من العوائق المهمة في ادماج‬
‫هذا النوع من النقود ضمن حركة تداول النقود والعمالت عبر العالم‪ ،‬فكل الوسائل المتبعة‬
‫لتحويل النقود وتداولها وخاصة اعمال الصيرفة والتحويل استخدمت التقنيات اإللكتروتية اال‬
‫انها لم تتخلى عن النقود المعترف فيها فكل التعامل سواء كان عبر‪"western union-‬‬
‫…‪.Master card,visa card‬‬

‫وفي ظل النقود االفتراضية وسلسلة البيانات الموزعة ‪ ،‬فكل شخص له حساب على شبكة‬
‫‪ blockchain‬تكون له نسخة من كل المعامالت النقدية التي حدثت في الشبكة مما يعني‬
‫عدم الحاجة لجهة ثالثة تدعي الحق بان ما يجري غير مقبول وليس له حجية او قيمة قانونية‬
‫‪ ،‬كما هو الحال في التصرفات والوقائع القانونية التي تتحقق خارج نطاق المحاكم او جهات‬
‫التوثيق الرسمية "‪:‬الجامعات‪ -‬المدارس‪ -‬المستشفيات‪-‬الدوائر العدلية‪ ،"..‬وان اساس ذلك‬
‫يرجع لطبيعة تقنية سلسلة البيانات الموزعة الذي يتكون من مستويات او ما يعرف بنظام‬
‫الطبقات ‪،‬وان كل طبقة لها رمزها التعريفي المتاح بصورة مفتوحة وقابلة لالستعمال بطريقة‬
‫متداخلة ‪،‬فكل االفراد والشركات لهم المقدرة على عرض منتجاتهم وتقديم خدماتهم فيها فضال‬
‫عن تداول النقود االفتراضية للمسجلين في هذه الشبكة بدون الحاجة للجوء للمصارف او‬
‫اجهزة الصرف االلي ‪،‬وهذا يعني خلق طرق جديدة النتقال النقود فضال عن الية تسجيل‬

‫‪56‬‬
‫وتوثيق جديدة تتسم بصفة الالمركزية ‪ Decentralization‬ال يمكن حدوث التزوير او‬
‫التغيير فيها والفكرة تأتي من نشر وتوزيع عملية التداول المتحققة عبر الشركة لتثبت لدى‬
‫جميع االعضاء االخرين المسجلين في الشركة وكل حركة تداول وهذا يعني وجود نظام‬
‫تخزين بيانات الكتروني غير محدود وغير قابل لإلزالة او التحريف (‪.)43‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تحديات مبدأ القانونية المالية‬

‫ان االهتمام المتزايد بتقنية البلوك تشين والتقنيات المماثلة تأتي نتيجة لمخالفتها الواضحة‬
‫ألطر وأسس التنظيم القانوني للمعامالت المالية والمدنية‪ ،‬ولذا نحن امام تحديات واسعة في‬
‫هذا النطاق تتركز في حجية ومدى القيمة والقوة القانونية لإلجراءات او التصرفات المتحققة‬
‫من خالل هذه التقنية‪ ،‬فضال عن درجة تأثر النظم الضريبية في امكانية تطبيق الضرائب واي‬
‫نوع منها في ظل انتشار هذه التقنيات العابرة للحدود والثوابت القانونية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الشكلية والثورة الرقمية‬

‫ان البحث عن الثقة واالمان والضمان هو هدف يسعى له كل من يتعامل في شؤون االموال‬
‫والتجارة‪ ،‬ولذا اوجد المشرع القانوني اليات وضوابط لتوفير هذه الحماية والضمان ‪ ،‬وقد‬
‫تطلّب قيودا تتسم بالصالبة والصرامة حفظا لحقوق المتعاملين باألموال وحفظا للمراكز‬
‫القانونية من التحريف والتالعب بها او تضييعها ‪،‬وهذا هو الدافع االول وراء قيود الشكلية‬
‫القانونية لتثبيت الحقوق الخاصة والمتعلقة بالملكيات على وجه الخصوص ولذا نجد ان نص‬
‫المادة ‪ 1‬من قانون كتّاب العدول رقم ‪ 33‬لسنة ‪ 1998‬العراقي النافذ يقرر اهداف عمل‬

‫‪ Matti Rossi, Jason Bennett Thatcher,‬و ‪ Michel Avital‬و ‪Roman Beck‬‬


‫) ‪(43‬‬

‫‪Blockchain Technology in Business and Information Systems, Published --‬‬


‫‪--online: 15 November 2017,Springer Fachmedien Wiesbaden GmbH, part‬‬
‫‪of Springer Nature 2017,p:382.‬‬

‫‪57‬‬
‫الكتّاب العدول والتي تتمحور حول الحماية والضمان والثقة الكاملة بالمحرر الذي يتم توثيقه‬
‫(‪)44‬‬
‫بالنص على‬

‫"يهدف هذا القانون الى ما يأتي ‪:‬‬


‫أوال – تنظيم وتوثيق التصرفات القانونية وتثبيت الحقوق الناشئة عنها واضفاء الصفة‬
‫الرسمية عليها ‪.‬‬
‫ثانيا – ضمان الحماية للتصرفات القانونية التي يتم تنظيمها وتوثيقها من الكاتب العدل ‪.‬‬
‫ثالثا – تنظيم اسلوب العمل في دوائر الكتاب العدول وفق اسس عملية بما يكفل الدقة‬
‫والسرعة في االنجاز" ‪.‬‬

‫ولذا نجد أن الشكلية القانونية لها مظاهر متعددة يمكن اجمالها بما يأتي ‪:‬‬

‫‪ .1‬وجود طرف ثالث يتسم بالصفة الرسمية يعهد له القانون بمهمة توثيق او حفظ البيانات‬
‫المتعلقة بعمليات انتقال وتداول االموال والتعاقدات التي تجري سواء بين االشخاص القانونية‬
‫الخاصة (افرادا واشخاصا معنوية) او بين االفراد والدولة او احد االشخاص المعنوية العامة‪،‬‬
‫وهذ الطرف الثالث هو في االغلب احد اجهزة الدولة العامة التي تمنح االختصاص القانوني‪،‬‬
‫وهذه الجهة يجب ان يكون لها عنوان واضح ومحدد مكانيا ومن خالل توصيف القانون الذي‬
‫انشأها(‪.)45‬‬

‫‪ .2‬تصدر هذه الجهة محررا رسميا يفيد حفظ البيانات والمعلومات بطريقة يشترطها القانون‬
‫سواء من حيث المحتوى المكتوب في المحرر وكيفية الكتابة والموانع التي قد تضعف الحجية‬
‫القانونية لهذا المحرر الرسمي (كما في منع الحك والشطب والتحشية في المحرر الرسمي‬
‫على سبيل المثال)‪.‬‬

‫‪ ) )44‬نص المادة ‪ 1‬من قانون كتّاب العدول العراقي النافذ رقم ‪ 33‬لسنة ‪.1998‬‬
‫‪ ))45‬نجد هذا الشرط في قانون اتحادي رقم ‪ 10‬لسنة‪ 1992‬والمعدل بالقانون االتحادي رقم ‪ 31‬لسنة‬
‫‪2006‬والخاص باالثبات في المعامالت المدنية والتجارية االماراتي في المادة ‪ 7‬منه عندما نص على‬
‫المقصود با لمحررات الرسمية‪":‬هي التي يثبت فيها موظف رسمي او مكلف بخدمة عامة ما تلقاه من ذوي‬
‫الشأن‪"..‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ . 3‬المعلومات او البيانات التي تم حفظها في سجالت دوائر التوثيق الرسمية كما في دوائر‬
‫التسجيل العقاري "الشهر العقاري" و دوائر الكتّاب العدول وغيرهم ممن تمنحهم القوانين هذه‬
‫الصالحيات ‪،‬يتم حفظها ويمنع التالعب فيها او التزوير او افشاءها اال لمن يمنحه القانون‬
‫الحق في الحصول على نسش مصدقة منها(‪.)46‬‬

‫إن هذه االحكام التي تناولناها لتحديد محتوى الشكلية القانونية تواجه تحديا على نطاق‬
‫استخدامات تقنية البيانات الموزعة بين المستخدمين لشبكة او تقنية ‪ blockchainK,‬وذلك‬
‫يرجع الختالف مهام او طريقة عمل هذه التقنية التي نجملها فيما يتعلق بفكرة الشكلية بما‬
‫يأتي ‪:‬‬

‫‪.1‬انعدام وجود جهة التصديق ‪ ،‬فليس من دوائر حكومية او جهات تتسم بالسلطة ومميزاتها‬
‫التي تؤهلها ان تكون في مركز قانوني يحيطه القانون بالحماية والعلوية ويجعل كل ما يصدر‬
‫منه موثوق ومقبول قانونا‪ ،‬فهذا المعنى غير موجود بتاتا في تقنية ‪ blockchain‬التي تبتعد‬
‫عن وجود اطراف اخرى في العالقة التجارية او المدنية او اي نشاط اقتصادي يتحقق بين‬
‫طرفين ‪ ،‬وتكتفي بطرفي العالقة فحسب‪ ،‬او على اقل تقدير تحديد قدرة الجهات الحكومية او‬
‫الرسمية وخاصة في ظل سعي الدول نحو االعتراف بهذه التقنية واصدار التشريعات التي‬
‫تضع البنى التحتية القانونية الحتواء هذه الحركة التجارية العالمية النطاق (‪.)47‬‬

‫‪.2‬انعدام الضمان الورقي او التوثيق للتصرف بين طرفي العالقة ال حاجة له ضمن نظام‬
‫بلوك تشين ‪ ،‬أي ال وجود لنماذج ورقية او يتم مسحها ضوئيا وتحويلها الى نسخة الكترونية‬
‫وتتولى الجهة الثالثة االعتراف فيها ‪.‬‬

‫‪ ))46‬انظر د‪ .‬عصام عبدالفتاح مطر ‪،‬التحكيم االلكتروني‪،‬دار الجامعة الجديدة ‪ ،‬االسكندرية ‪،2009 ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ ))47‬كما هو الحال في والية نيفادا االمريكية وبعض الواليات االخرى التي اصدرت تشريعات تتعلق بالتوقيع‬
‫االلكتروني واثبات المعامالت التي تستخدم تقنية ‪blockchain‬انظر في ذلك ‪Marco Iansiti and :‬‬
‫‪Karim R.Lakhani, The truth about blockchain ,Harvard Business Review‬‬
‫‪,jan.Feb.2017p:4‬‬
‫‪59‬‬
‫‪.3‬ان التصديق او التوثيق للتداول او انتقال الملكية او االموال او اي نشاط اقتصادي يتم‬
‫توفير الضمان والحماية له من الضياع او التحريف والتزوير او السرقة من خالل فكرة‬
‫الحماية الجماعية ‪،‬فتوزيع البيانات او المعلومات بين مستخدمي التقنية بصورة جماعية سيوفر‬
‫الحماية والضمان العالي المانع من اي اختراق لهذه المعلومة ‪ ،‬بل والبعض يقرر ان اي‬
‫محاولة سرقة ان ُكتسب لها النجاح فهذا يعني ان من يقف وراء هذه الحركة سيطر على ‪%51‬‬
‫عقد او كتل وطبقات منظومة بلوك تشين ‪ ،‬وهذا االمر طبقا للفنيين في نظام البلوك تشين‬
‫من ُ‬
‫مستحيل التحقق‪ ،‬فأي تعديل أو تغيير ألي طبقة او كتلة وعقدة لن يغير باقي العقد والكتل‬
‫االخرى التي تتواجد فيها البيانات ايضا(‪.)48‬‬

‫‪.4‬مبدأ السرية متوفر في هذه التقنية من خالل استخدام نظام الترميز او التشفير لمالك الكتل‬
‫او العُقد في السلسة وهذا يعني ان تداول البيانات الخاصة بعملية انتقال ملكية عقار ما سيتم‬
‫تداوله بين اصحاب الكتل دون معرفة هوية مالك العقار الذي انتقلت الملكية له ‪ ،‬اذ يمنح‬
‫رمزا او شيفرة خاصة فيه‪ ،‬في المقابل فان هذه التقنية توفر فكرة العالنية وعرض المعلومات‬
‫والبيانات امام مستخدمي التقنية دون اخفاء للمعلومة مع االحترام لسرية اسماء المالك او‬
‫اطراف العالقة التجارية او المدنية‪.‬‬

‫إن هذا المفهوم واالحكام الناجمة عنه يظهر درجة االختالف والتعارض الواضحين بين‬
‫مفهوم تقليدي يصر على فكرة الشكلية والتوثيق الرسمي للمعاملة وفق احكام والية محددة‬
‫وبين مفهوم يعتمد العقود الذكية والعالنية واالبتعاد عن وجود طرف ثالث رسمي يوثّق‪ ،‬وهذا‬
‫يجعل المشرع القانوني امام تحدي إليجاد الحلول واوجه االحاطة بهذه الوقائع والتصرفات‬
‫التي تقع في فضاء غير محدود ‪ ،‬إال أنها تتعلق بأفراد واشخاص طبيعية ومعنوية معلومة‬
‫اسماءهم واماكن اقامتهم وجنسياتهم ‪ ،‬وهذا يوجب فرض التنظيم القانوني لهذا البيئة من خالل‬

‫‪(1)A Review of researches on blockchain,summer-2017,Association for information systems ,AIS‬‬


‫‪Electronic library‬‬

‫‪60‬‬
‫االقتراب من محتواها وايجاد الحلول القانونية القابلة للتطبيق بشكل معقول حتى ال تقع الدول‬
‫في مشكلة عدم االتساق مع االحداث وحركة المجتمع وما يعني ذلك من اثار سلبية على‬
‫استقرار المجتمعات‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الضرائب والمتغيرات الرقمية‬

‫إن الضرائب احدى الوسائل الرئيسة التي تستخدمها السلطات العامة داخل كل دولة لتحقيق‬
‫عدة اهداف في مقدمتها الهدف التمويلي المباشر اي تحصيل االموال المستحقة للخزينة العامة‬
‫والمقررة طبقا للقوانين الضريبية على كافة االنشطة واالعمال التي تتحقق داخل حدود السادة‬
‫االقليمية والمكانية للدولة‪ ،‬فضال عن تنظيم ممارسة االنشطة االقتصادية سواء من خالل‬
‫سياسة فرض الضرائب او من خالل سياسة الحوافز المالية اي منح الخصم واالعفاء‬
‫الضريبي‪ ،‬وقطعا كل ذلك يهدف لتحقيق اهداف اقتصادية واجتماعية الشك في تأثيرها‬
‫عدت الضرائب ادوات سيادية ال يمكن التخلي عنها ضمن المنظومة القانونية‬
‫المباشر ‪ ،‬ولذا ُ‬
‫الوطنية ألي دولة فهي موضوع االختصاص او الوظيفة المالية للسلطة العامة بالدرجة‬
‫الرئيسة في اغلب دول العالم ‪،‬عدا بعض الدول التي ال تعتبر الضرائب بهذه الدرجة من‬
‫االهمية العتبارات عائدة للطبيعة االقتصادية لتلك الدولة والعتمادها على ايرادات اخرى‬
‫وخاصة الثروات المعدنية وفي مقدمتها النفط كما في الموازنة االتحادية العراقية التي تشكل‬
‫عائدات بيع النفط الخام ‪ %90‬على االقل من االموال المخصصة لتمويل الموازنة االتحادية‬
‫العراقية (‪ ،)49‬وحتى العراق فقد تغيرت النظرة نحو اعادة تفعيل اهمية االيرادات الضريبية‬
‫مع حالة الالستقرار وخاصة في اسعار النفط العالمية فضال عن المؤثرات السياسية‬
‫واالقتصادية الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫)‪ (49‬أ‪.‬د يسرى مهدي السامرائي و م‪.‬م‪ .‬شيماء فاضل محمد ‪،‬األهمية النسبية لمصادر تمويل موازنة العراق‬
‫االتحادية وعالقتها بعجز الموازنة العامة للمدة (‪،2013-2003‬مجلة الكوت للعلوم االقتصادية واالدارية‬
‫‪،‬المجلد االول ‪،‬العدد‪،21‬السنة ‪،2016‬جامعة واسط‪،‬العراق‪،‬ص‪.170‬‬
‫‪61‬‬
‫ونتيجة للتطور في شكل التجارة سواء المتحققة داخل الدولة او خارجها وتغيّر انماط‬
‫التعامل االلكتروني "التجارة االلكترونية –العقود االلكترونية‪ -‬بطاقات الدفع النقدي‬
‫االلكترونية‪-‬النقود االفتراضية‪ ",,‬كل ذلك وغيره من انماط وصور تقنية جعلت التجارة في‬
‫بعض صورها المعاصرة ال تحتاج إلتمامها وتحقيق الصفقات واستالم االرباح لعقد اجراءات‬
‫قانونية تقليدية كما سبق شرحه ‪ ،‬وبالدرجة االساس وسائل التوثيق التقليدية غير المستخدمة‬
‫في نطاق تقنية بلوك تشان على سبيل المثال والتي هي االساس الذي تعتمد عليه ادارات‬
‫الضرائب الحكومية في تقدير الضرائب وتحصيلها من االفراد واالنشطة التي تم توثيقها‪،‬‬
‫وهذا قد يشكل تحديا واضحا ومباشرا لفكرة االمتثال الضريبي التي تطبق في معظم االدارات‬
‫العامة التي تهدف توثيق المعامالت المالية وتحقيق الربط مع ادارات الضرائب العامة لتطبيق‬
‫القوانين والتعليمات الضريبية من خالل توريد المعلومات والزام كافة المتعاملين باألنشطة‬
‫االقتصادية بتوثيق انشطتهم ضريبيا ‪ ،‬ك ُّل ذلك في سبيل تكوين قاعدة بيانات ضريبية حكومية‬
‫تكون االساس لتحديد مقدار الضريبة واالشخاص المكلفة بدفعها‪ ،‬ولذا فان التحدي االهم في‬
‫نطاق الضرائب هو‪:‬‬

‫‪.1‬صعوبة تحصيل المعلومات والبيانات المتعلقة باألنشطة االقتصادية والتي ينتج عنها ارباح‬
‫ودخل في االوضاع التقليدية يوجب القانون الضريبي الوطني خضوعه للضريبة اال انه في‬
‫هذه الحال لن يتحقق هذا الخضوع‪.‬‬

‫‪.2‬تحديد القانون الضريبي ذاته سيصعب الى ح س ّد كبير خاصة مع تالشي فكرة الحدود المكانية‬
‫والجغرافية لممارسة النشاط االقتصادي واستالم الدخل واألرباح ‪ ،‬او اي عملية تداول ألموال‬
‫منقولة وغير منقولة مما لن يكون ممكننا تحديد هذا النشاط سيخضع لوالية اي قانون ضريبي‬
‫‪،‬بل االصح القول ان ليس من قانون ضريبي سيكون هذا النشاط خاضعا له في االصل‪.‬‬

‫‪ .4‬ولو جرى فرضا َ تحديد المكان او النشاط فإن عائدية هذا المال او ملكيته لن يتم ربطها‬
‫باي شخص طبيعي او معنوي بسهولة ‪ ،‬فنظام ‪ blockchain‬سجل ألحداث رقمية ذات‬

‫‪62‬‬
‫رموز وليس مجرد سجل توثيق عادي وانما يتضمن معامالت ذكية "العقود الذكية" ‪Smart‬‬
‫‪ Contract‬بصيغة رموز مشفّرة دون وجود خطر او احتمالية للتوقف او الرقابة عليه (‪.)50‬‬

‫ولذا نجد ان هناك اتجاهات دولية متعددة في نطاق فرض الضرائب على التجارة‬
‫اإللكترونية نتيجة للصعوبات المشار اليها كمثال وصعوبات عديدة لم تذكر في هذا المجال ‪،‬‬
‫وفي اغلبها فإنها ال تفرض الضرائب على التجارة االلكترونية ‪ ،‬ولعل ذلك االتجاه راجع الى‬
‫الموقف الدولي الخاص بمنظمة التجارة العالمية واتفاقية الجات الداعية لتحرير التجارة‬
‫العالمية من القيود المتعلقة بالضرائب والرسوم ولعل ذلك االمر في حالة التجارة االلكترونية‬
‫العابرة للقارات دون المساس بحق كل دولة في فرض الضرائب في نطاق اختصاصها‬
‫االقليمي ‪،‬اال ان االمر تجاوز ذلك للمساس بل وانعدام فرض الضرائب حتى داخل حدود‬
‫الدولة الواحدة اذا كان تداول االموال المنقولة وغير المنقولة يتم بنظام بلوك تشين وما يماثله‪.‬‬

‫وطبقا لما سبق فان كافة الدول امام هذا التحدي ‪ :‬هل سيتم القبول بهذا المساس والغاء‬
‫فرض الضرائب على النشاطات التي تتم عبر هذه التقنية اي تشجيع الدول العتماد هذه‬
‫الطريقة وانتشارها بشكل يلغي وجود االنشطة التقليدية –ورغم صعوبة تحقق هذه الفرضية‬
‫على المدى القريب غير انها ليست مستحيلة‪، -‬ولذا نجد ان بعض الواليات االمريكية تدعم‬
‫فرضية عدم فرض الضرائب والرسوم المحلية على استخدام هذه التقنية كما في واليتي نيفادا‬
‫وفيرمونت االمريكيتين (‪ ، )51‬ان هذا التوجه يجب ان ال يلغي الفكرة االتية ‪ :‬يبقى القانون هو‬
‫والمحرك للحياة في المجتمعات االنسانية المعاصرة ‪،‬ولذا نجد ان عالم االنترنت بكل‬
‫ّ‬ ‫المنظم‬
‫مظاهره ال يخلو من وجود القانون او النظام وحتى البلوك تشين يحتوي على قانونه الخاص‬
‫فيه – وان لم يتم االعتراف فيه بصورة شائعة‪ -‬وان كل ما يقال عن وجود الحرية الكاملة‬

‫) ‪(1‬‬ ‫‪Manoj Viswanathan ,Tax Compliance and Decentralizing Economy ,‬‬


‫تاريش الزيارة‪Georgia State University Law Review,2017-2018,HEIN online-17‬‬
‫‪2019-9 .‬‬
‫‪(51)Lauren Gilmore,7Interesting laws block chain will force to change‬‬

‫‪,http://thenextweb.com/future –of-finance.‬‬
‫‪63‬‬
‫بعيدا عن تنظيم اي دولة او سلطة عامة لن يستقيم مع واقع التعامل في ظل المجتمعات المدنية‬
‫التي ارتأت ان يكون القانون منظما للحياة والقول بان العالم االفتراضي فيه الحرية غير‬
‫معقول فالحرية لن تأتي من خالل غياب الدولة بل ان الحرية تتجذر وتبرز مع وجود الدولة‬
‫ضمن سياقات وصورة معينة (‪. )52‬‬

‫ومن هذا المنطلق نجد ان منظمة التنمية والتعاون االقتصادي الدولية في مؤتمرها المنعقد‬
‫في اكتوبر ‪ 2019‬اصدرت تقريرا اوضحت فيه ضرورة التعامل مع هذه التقنيات الرقمية‬
‫(‪– )blockchain and cryptocurrencies‬بلوك تشين والنقود االفتراضية كما في‬
‫بيتكوين ومثيالتها‪-‬اذ اعتبرت ان االقتصاد الرقمي او المعرفي قد اوصل القواعد الضريبية‬
‫التي يعد تثبيتها واعتمادها كقواعد ذات تطبيق عالمي –وهذا االمر كان على عاتق منظمة‬
‫التنمية والتعاون االقتصادي الدولي – في مواجهة خطر حقيقي ال يجوز تجاهله من قبل الدول‬
‫االعضاء يتمثل في (‪:)53‬‬

‫‪ .1‬التعامل الفردي للدول لهذه التحديات الرقمية من خالل اصدار تشريعات واالعتراف‬
‫ببعض هذه التقنيات ضمن بعض صور التداول ل موال المنقولة وغير المنقولة كما هو الحال‬
‫في كوريا الجنوبية ‪.‬‬

‫‪ .2‬بعض الدول ال تطبق المعايير المتفق عليها دوليا الخاصة بالضرائب‪.‬‬

‫ولذا قدم التقرير عدة حلول لمواجهة التقنيات الرقمية في نطاق التجارة العالمية من خالل‬
‫االخذ بفكرة االقامة االلكترونية‪ ،‬ومعلوم ان احد اسس فرض الضرائب واعتبار االشخاص‬
‫خاضعين للضريبة تحقق واقعة االقامة ولفترة زمنية محددة ‪ ،‬ولذا يمكن تطبيق فكرة االقامة‬
‫المعتمدة في اغلب قوانين الضرائب في الدول على االنشطة الرقمية دون اشتراط فكرة االقامة‬

‫‪(52‬‬ ‫(‬ ‫‪L‬‬ ‫‪.Lessig,‬‬ ‫‪Code‬‬ ‫‪version‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪New‬‬ ‫‪York‬‬ ‫‪basic‬‬
‫‪books,2006,http://codev2/download remix/lessig-code2,pdf.‬‬
‫‪(53 )OECD secretary general tax report G20 Finance ministers and central‬‬

‫‪bank governors ,October 29019.‬‬


‫‪64‬‬
‫الجسدية او الفعلية كما هو الحال في االنشطة االقتصادية التقليدية ‪ ،‬ورغم وجاهة هذا الرأي‬
‫إال أن األمر يحتاج لدراسات وانضاج للفكرة التي يمكن القول رغم وجاهة االخذ فيها اال ان‬
‫االقامة بحد ذاتها هي فكرة مادية تعتمد الوجود المادي والجسدي لفترة زمنية اغلب القوانين‬
‫الضريبية تأخذ بمدة ال تقل عن‪ 4‬الى ‪ 6‬اشهر في الدولة محل االقامة ‪،‬ولو اخذنا بفكرة االقامة‬
‫االلكترونية فهذا يعني البحث عن عناصر لهذه االقامة تعتمد قانون االنترنت من خالل نظم‬
‫االستخدام االلكتروني وما يأخذه من ضوابط لتثبيت الحسابات ‪،‬وحتى في ظل نظام بلوك‬
‫عقد موزعة فيها اسماء وحسابات مشفرة تحتوي على بيانات التداول‬
‫تشين فنحن امام كتل او ُ‬
‫االقتصادي‪ ،‬ولذا فان توجه بعض الواليات االمريكية كما سبق القول باالعتراف بالتوقيع‬
‫االلكتروني وصيغته المعتمدة في نظام بلوك تشين امر مفهوم وهو خطوة ضرورية ان قرر‬
‫المشرع عدم تجاهل هذه التقنية ومثيالتها‪.‬‬

‫ويمكن القول إن هناك اتجاها لكافة النظم الضريبية وقدر تعلق االمر فيها تجاه التقنية‬
‫الرقمية ‪ blockchain‬نحو التعامل معها بجدية كاملة واالستفادة من االمكانيات المتاحة فيها‬
‫وذلك من خالل ايجاد منظومة عمل تتخذ فكرة التنسيق والتعاون مع المنظومة القانونية الدولية‬
‫حماية للحقوق المالية للدولة‪ ،‬لذا فان االمر بداية يحتاج ألسس وركائز قانونية ذات محتوى‬
‫تنظيمي لفرض الضريبة او اي تكليف مالي قبل فرضه فعال ‪ ،‬ولذا نجد كما سبق القول بدأت‬
‫بعض الخطوات الفعلية في االعتراف بالتعامالت المالية المتحققة عبر هذه التقنية لبعض‬
‫الدول او الواليات في الدول االتحادية ‪ ،‬وهذا لوحده ال يع ّد كافيا مالم تدعمه حركة بحثية‬
‫وقانونية تجد االسس والحلول لوضع هذا النمط من التداول ضمن المنظومة القانونية الحالية‬
‫أو البدء بإنشاء منظومة قانونية مختلفة ع ّما قرأنا وكتبناه وطبقته الدول في ارض الواقع ولذا‬
‫البد من‬

‫‪.1‬تحديد ما هو الربح الذي يتم فرض التكاليف المالية عليه –ضرائب وغيرها‪ -‬والمتحقق‬
‫عبر استخدام تقنية ‪ blockchain‬وما تحتويه من نقود افتراضية ‪ ،‬وهل النشاط يفترض فيه‬
‫تطبيق نظرية التكرار واالنتظام ام يكفي اعتبار المال خاضعا للضريبة ان تحقق بصورة‬
‫عرضية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪. 2‬تحديد المكان الذي على ضوئه يفرض التكليف او العبء المالي قياسا لمكان تحقق الربح‬
‫او مكان استالم االموال او الجهة التي تم تخصيص وايداع االموال لها‪.‬‬

‫‪. 3‬تحديد االشخاص الذين سيخضعون للضرائب من مستخدمي هذه التقنية ‪ ،‬فمن هو المقيم‬
‫االلكتروني ‪ ،‬وكيف يتم تمييزه عن غيره ‪.‬‬

‫‪.4‬البحث عن معايير متجددة بعيدا عن النظريات التقليدية التي تدور حول فكرة " العقد المالي‬
‫والتضامن االجتماعي" التي فسرت سبب التزام دافعي الضريبة بدفعها للسلطة العامة ‪ ،‬خاصة‬
‫في ظل منظومة ال تعترف بهذه المفاهيم المادية‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫يمكن القول ان تناول اي فكرة او حالة تطبيقية تحتاج للكثير من الخيال والمنطق في أن‪،‬‬
‫ولذا فان تناول بحث حول التقنيات الرقمية وتأثيرها على ثوابت التشريع المالي يجعلنا نتوصل‬
‫لجملة نتائج‪:‬‬

‫‪.1‬إن التقنيات الحديثة ليست محددة بنمط او شكل واحد فسمتها التغير والتحول ‪،‬وعند البحث‬
‫في هكذا نوعية من الموضوعات البد من إعمال العقل خارج المألوف والمعتاد في دراسات‬
‫القانون على وجه التحديد‪ ،‬حيث المجال للخيال وانما للواقع الحقيقي القائم على التصرف‬
‫والشكل والتعبير الصريح او الضمني عن االرادة وغير ذلك من موضوعات القانون ‪.‬‬

‫‪ .2‬ان التقنيات الحديثة قدمت تحديات كثيرة في ضرورة التحول من االفكار التي رسخت‬
‫طويال الى البحث عن معايير واسس ذات طابع ومعنى مختلف ‪.‬‬

‫‪ .3‬السيادة كما نعرفها ال يمكن ان تطبق ضمن منظومة ‪ blockchain‬ومحتوياتها ‪،‬فال دولة‬
‫بعينها هناك وانما منصات فيها ماليين البشر – ان تطور استعمال هذه التقنية وانتشر‪. -‬‬

‫‪ .4‬فكرة الشكلية والنمط واالجراءات التي تصر المنظومة القانونية الواقعية على استخدامها‬
‫استبدلت بمنظومة اخرى تأخذ فكر الحرية الكاملة مع االمان المالي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ .5‬ال ضرائب تقليدية بأسسها ومعاييرها وطرق تحديد االشخاص واالموال الخاضعين‬
‫للضرائب وكيفية جبايتها ضمن التقنيات الرقمية الحديثة‪.‬‬

‫التوصيات‬

‫يبدأ االمر ككرة ثلج صغيرة ثم تتكامل لتكبر وتكون جبال جليديا وهكذا هي المعرفة ‪ ،‬ولذا‬
‫البد من اقتراحات تفتح الطريق امام المجهول التقني ليصبح معلوما من خالل ‪:‬‬

‫‪ . 1‬دعوة الباحثين وخاصة العرب لتناول هذه الموضوعات وتشجيع طلبة الدراسات العليا‬
‫لتناول الموضوعات غير التقليدية حتى ال نكون بعيدين عن عالم سيتجاوزنا حتما ان لم‬
‫نتصدى له علما وبحثا‪.‬‬

‫‪ .2‬اتخاذ خطوات حقيقية من قبل السلطات المختصة في الدولة‪ -‬خاصة للدول التي بعيدة عن‬
‫هذه االمور‪ -‬للتنسيق والتكامل مع الدول التي لها تجربة في التعامل مع هذه المنظومات‬
‫الرقمية الحديثة‪.‬‬

‫‪.3‬البحث في معايير قانونية جديدة واعادة وضع تعريفات لمفاهيم "السيادة‪ ،‬الشكلية‬
‫واالجراءات" الكترونيا‪.‬‬

‫‪.4‬فكرة اإلقامة اإلكترونية التي قدمتها منظمة التنمية والتعاون االقتصادي الدولية بحاجة‬
‫إلنضاج ‪ ،‬اذ ان ذلك يحتاج لبنى تحتية الكترونية فائقة الجودة لتحديد المقصود باإلقامة ومكانها‬
‫وتوقيتاتها وسوى ذلك من عناصر لفكرة االقامة ضريبيا‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫قائمة المصادر‬

‫أوال‪ :‬الكتب‬
‫‪ . 1‬جان جاك روسو ‪ ،‬العقد االجتماعي ‪ ،‬ترجمة عادل زعيتر ‪،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ‪،‬‬
‫القاهرة‪.2013،‬‬
‫‪ .2‬دينيس لويد‪ ،‬فكرة القانون ‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واالداب‪ ،‬الكويت ‪.1981‬‬
‫‪ .3‬د‪ .‬عصام عبدالفتاح مطر ‪،‬التحكيم االلكتروني‪،‬دار الجامعة الجديدة ‪ ،‬االسكندرية ‪2009 ،‬‬
‫‪ .4‬د‪.‬قبس حسن عواد‪،‬المالية العامة والتشريع المالي ‪ ،‬ط‪،1‬دار بن االثير للطباعة والنشر ‪ ،‬جامعة الموصل‪،‬‬
‫العراق‪.2010،‬‬
‫‪. .5‬د‪ .‬محمد دويدار ‪ ،‬مبادئ االقتصاد السياسي ‪ ،‬الجزء الرابع االقتصاد المالي ‪،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي‬
‫الحقوقية ‪،‬بيروت‪.2003،‬‬
‫ثانيا‪ :‬االبحاث‬
‫‪ .1‬أ‪.‬د يسرى مهدي السامرائي و م‪.‬م‪ .‬شيماء فاضل محمد ‪،‬األهمية النسبية لمصادر تمويل موازنة العراق‬
‫االتحادية وعالقتها بعجز الموازنة العامة للمدة (‪،2013-2003‬مجلة الكوت للعلوم االقتصادية واالدارية‬
‫‪،‬المجلد االول ‪،‬العدد‪،21‬السنة ‪،2016‬جامعة واسط‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬القوانين‬
‫‪ .1‬قانون كتّاب العدول العراقي النافذ رقم ‪ 33‬لسنة ‪.1998‬‬
‫‪ .2‬قانون اتحادي رقم ‪ 10‬لسنة‪ 1992‬والمعدل بالقانون االتحادي رقم ‪ 31‬لسنة ‪ 2006‬والخاص باالثبات‬
‫في المعامالت المدنية والتجارية االماراتي‪.‬‬
‫‪.3‬مرسوم بقانون اتحادي في االمارات رقم ‪ 8‬لسنة ‪ 2017‬بشأن الضريبة على القيمة المضافة‪.‬‬
‫مواقع رسمية‬
‫‪ .1‬وزارة المالية االتحادية لدولة االمارات العربية المتحدة‬
‫‪www.mof.gov.ae∕ar∕stratigicpartnership..‬‬
‫المصادر باللغة اإلنكليزية‬
‫‪Articles and studies‬‬
‫‪1.A Review of researches on blockchain,summer-2017,Association for information systems‬‬ ‫‪,AIS‬‬

‫‪Electronic library‬‬
‫‪.‬‬
‫‪68‬‬
2. Angela Walch,The Bitcoin Blockchain as Financial Market Infrastructure:
A Consideration of Operational Risk18 N.Y.U. J. Legis. & Pub. Pol'y 837
(2015)
3.Lauren Gilmore,7Interesting laws block chain will force to change
,http://thenextweb.com/future –of-finance.
4. L .Lessig, Code version 2.0 New York basic
books,2006,http://codev2/download remix/lessig-code2,pdf.
5. Manoj Viswanathan ,Tax Compliance and Decentralizing Economy ,
Georgia State University Law Review,2017-2018,HEIN online.
6.Marco Iansiti and Karim R.Lakhani, The truth about blockchain ,Harvard
Business Review ,jan.Feb.2017
7.Roman Beck ‫ و‬Michel Avital ‫ و‬Matti Rossi, Jason Bennett Thatcher,
Blockchain Technology in Business and Information Systems, Published --
--online: 15 November 2017,Springer Fachmedien Wiesbaden GmbH, part
of Springer Nature 2017.
Reports
1. OECD secretary general tax report G20 Finance ministers and central
bank governors ,October 29019.

69
70
‫سلسلة الكتل (البلوك شين)‬

‫ودورها في الحد من جريمة غسل األموال‬

‫‪Blok Chain et son rôle dans la‬‬


‫‪réduction du blanchement d’argent‬‬

‫الدكتور محمد سعيد عبد العاطي محمد‬


‫األستاذ المساعد بكلية الحقوق – جامعة حلوان‪ -‬جمهورية مصر العربية‬
‫األستاذ المشارك بجامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪-‬المملكة العربية السعودية "حاليا"‬

‫‪71‬‬
72
‫أوالً‪ :‬المقدمة‪:‬‬

‫‪ -‬بسبب الثورة المعلوماتية والتطور الهائل الذي لحق بهذا المجال‪ ،‬كان من الواجب على‬
‫الحركة المصرفية أن تواكب هذا التطور‪ ،‬وذلك بالسماح لعمالئها إبرام تصرفاتهم من خالل‬
‫الشبكة المعلوماتية‪ ،‬وهذا يستلزم ضرورة استخدام وسائل الدفع اإللكتروني‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫ظهور ما يعرف بالنقود اإللكترونية ‪ ، Electronic Money‬التي أصبحت ال تأخذ الشكل‬
‫المادي المتعارف عليه في النقود التقليدية‪ ،‬كما أنها ال تحتاج إلى وسيط بين طرفي العملية‪.54‬‬
‫‪ -‬أخذ التعامل بهذه النقود العديد من الصور‪ ،‬إلى أن ظهر ما يعرف بالعمالت االفتراضية‬
‫"المشفرة" ‪ ، Monnaies virtuelles‬ومن هذه العمالت التي أخذت طريقها للظهور في‬
‫عام ‪ 2009‬هي البت كوين ‪ ،Bit coin‬ولكن هذه العمالت أخذت في التزايد بسبب االقبال‬
‫الزائد عليها خاصة في مجال األعمال التجارية والمعامالت المالية‪ ،‬والعنصر المشترك لهذه‬
‫العمالت هو السجل العام تقنية سلسلة الكتل البلوك شين ‪ ،Block chain55‬والتي يتشارك‬
‫فيها المتعاملين على منصات تداول هذه العمالت‪ ،‬وستعملون الرموز كوسيلة لدفع المتعاملين‬
‫على إدارة المنصة في ظل غياب الوسيط التقليدي "المركزي" والي كان في الغالب ما يكون‬
‫بنك‪ ،‬وهي دفتر يسجل فيه كافة التعامالت التي تتم عبر منصات تداول هذه العمالت يسمى‬
‫دفتر األستاذ ‪ ، public ledger‬وتتميز هذه العمالت بأنها ليس لها بنك مركزي أو دولة أو‬

‫‪54‬‬ ‫‪Jonathan B. Turpin, Bitcoin: The Economic Case for a Global, Virtual‬‬
‫‪Currency Operating in an Unexplored Legal Framework, Indiana University‬‬
‫‪Maurer School of Law, jbturpin@indiana.edu‬‬
‫‪Indiana Journal of Global Legal,Studies,Volume 21 | Issue 1 Article‬‬
‫‪13,Winter 2014.‬‬
‫د‪ .‬أحمد إبراهيم دهشان‪ ،‬العمالت االفتراضية ‪ :‬إشكالياتها وأثارها على االقتصاد المحلي والعالمي‪ ،‬المؤتمر‬
‫الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة بعنوان "العمالت االفتراضية في‬
‫الميزان"‪ ،‬في الفترة ‪،2019 17-16‬ص ‪.819‬‬
‫‪ 55‬يسميها البعض بسلسلة الكتل المتسلسلة‪ ،‬يراجع في ذلك د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت‬
‫االفتراضية في نظر السياسة الجنائية‪ ،‬المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‬
‫بجامعة الشارقة بعنوان "العمالت االفتراضية في الميزان"‪ ،‬في الفترة ‪،2019 17-16‬ص ‪.661‬‬
‫‪73‬‬
‫هيئة تنظمها وتدعمها‪ ،‬ونشأت هذه العمالت عبر عملية حاسوبية معقدة‪ ،‬وهى تمثيل رقمي‬
‫لعملة ُمقيَمة يمكن تحويلها أو تخزينها أو تداولها إلكترونيا‪ ،‬ومن مزاياها الحفاظ على‬
‫خصوصية البائع والمشتري‪ ،‬ويتم التعامل بها من خالل بروتوكول الند بالند ‪peer to‬‬
‫‪ peer‬وتعتمد على التقنيات الحديثة في التشفير بهدف زيادة األمان فيها‪ ،‬وتخفيض رسوم‬
‫التعامالت اإللكترونية‪ ،‬وبالتالي فهي تعتبر عملة ال يتم تداولها إال من خالل األنترنت عبر‬
‫المحافظ اإللكترونية‪ ،‬لذلك تنامى التعامل بهذه العملة من قبل الشركات والمستهلكين‪.56‬‬
‫‪ -‬التعامل عبر العمالت االفتراضية يختلف عن التعامل التقليدي بين البنك والعميل من عدة‬
‫أوجه‪ :‬أن المعامالت عبر العمالت االفتراضية ليس لديها أي تنظيم مركزي يتحقق من سالمة‬
‫المدفوعات والتعرف على هوية أطراف المعاملة؛ يمكن التعامل عبر هذه العمالت على سلع‬
‫ومعامالت غير مشروعة‪ ،‬لعدم وجود الرقيب الخارجي على هذا التعامل؛ ال يمكن التراجع‬
‫عن العملية التي تتم بواسطة العمالت االفتراضية‪ . ...‬ولذلك فإن العديد من البنوك تخشي‬
‫قبول هذه العمالت في المعامالت البنكية لعدم خضوعه إلى الرقابة من أي جهة حكومية‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنه من الصعب تطبيق اإلجراءات الخاصة بمكافحة غسل األموال على العمليات التي‬
‫تتم من خالل العمالت االفتراضية‪ ،‬حيث أنه من الصعب األخذ بمبدأ "أعرف عميلك" كما‬
‫هو الحال في المعامالت التقليدية؛ بسبب صعوبة التعرف على أطراف المعاملة التي تُبرم‬
‫هذه المعامالت‪ .‬األصل أن عملية غسل األموال تمر بثالث مراحل كما حددتها ‪57 FATF‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪Mark Andreessen, Why Bitcoin Matters, N.Y. TIMES (Jan. 21,‬‬
‫)‪2017,11:55 AM‬‬
‫‪, http://dealbook.nytimes.com/2014/01/21/why-bitcoin-matters‬‬
‫‪ 57‬مجموعة العمل المالي أسست ‪ 1989‬ومقرها فرنسا ‪ Financial Action Task Force‬هي‬
‫منظمة حكومية دولية أُنشئت في عام ‪ ١٩٨٩‬م من قبل وزراء الدول األعضاء فيها ‪.‬تتمثل مهام مجموعة‬
‫العمل المالي في وضع المعايير وتعزيز التنفيذ الفعال للتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل‬
‫األموال وتمويل اإلرهاب وتمويل انتشار التسلح‪ ،‬والتهديدات األخرى ذات الصلة بنزاهة النظام المالي‬
‫الدولي ‪.‬وتعمل أيضا مجموعة العمل المالي‪ ،‬بالتعاون مع جهات دولية معنية أخرى‪ ،‬على تحديد مواطن‬
‫الضعف على المستوى الوطني بهدف حماية النظام المالي الدولي من االستغالل‬

‫‪74‬‬
‫‪ :‬مرحلة التوظيف أو اإليداع؛ مرحلة التمويه؛ ومرحلة الدمج‪ ،‬ولكن الوضع مع التعامل‬
‫بالعمالت االفتراضية قد ال تحتاج إلى كل هذه المراحل من أجل غسل األموال‪ ،‬ألنه بمجرد‬
‫التعامل بهذه التقنية سيتحقق غسل األموال‪ ،‬الن مع هذه التقنية ال تستطيع معرفة أطراف‬
‫المعاملة‪ ،‬وال نوع المعاملة وال مقابل هذه المعاملة‪ ،‬وبالتالي فإن هذه المعامالت سهلت من‬
‫عمليات غسل األموال‪ ،‬ولذلك تنامت هذه الجرائم منذ ظهور هذه التقنية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية البحث‪:‬‬

‫‪ -‬في هذه اآلونة‪ ،‬ظهرت في األفق تقنية جديدة وهى تقنية العمالت االفتراضية‪ ،‬ومعها تقنية‬
‫سلسلة الكتل التي تتيح تسجيل المعلومات في قاعدة بيانات مشتركة‪ ،‬وكان الغرض من هذه‬
‫التقنية هو إنشاء منصة تتيح التبادل األمن للعملة الرقمية المسماة بالبت كوين‪ ،‬باستخدام‬
‫التشفير دون تدخل وسيط كالبنك وغيره‪ ،‬وتعمل تقنية البلوك شين عبر مشاركة البيانات بين‬
‫شبكة من المشاركين الذين يقومون بتشغيل سلسلة الكتل‪ ،‬وهؤالء المشاركين هم الضامنين‬
‫لصحة البيانات التي تدخل إلى هذه الشبكة‪ ،‬وال يوجد إصدار مركزي واحد‪ ،‬يستطيع كل‬
‫مشارك في هذه الشبكة أن يدخل على قاعدة البيانات‪ ،‬يتم تحديثها تلقائيا عبر الشبكة عند‬
‫إضافة معلومات جديدة‪ ،‬وتتميز سلسلة الكتل بتطبيقها لبعض المفاهيم التكنولوجية الموجودة‬
‫مسبقا لتحقيق طريقة أمنة للغاية لتسجيل المعلومات‪ ،‬وبالتالي يمكن الوثوق بالمعلومات‬
‫المخزنة في سلسلة الكتل لتكون صحيحة وغير قابلة للتلف‪ ،‬حيث أن هذه التقنية تعمل عبر‬
‫وسيلتين‪ :‬المفتاح العام المشفر؛ والمفتاح الخاص المشفر‪ ،‬يتم إصدار كل واحد منهما ودمجها‬
‫عبر الخوارزمية غير المتماثلة المستخدمة في كل مجموعة من المفاتيح العامة والخاصة‪،‬‬
‫حيث أن هذه المفاتيح المندمجة لها عالقة رياضية تسمح للمفتاح الخاص بفك تشفير البيانات‬
‫باستخدام المفتاح العام‪ ،‬ولذلك فإن استخدام هذه التقنية يجعل تسجيل المعلومات وتخزينها‬
‫موثوق بها وأمنا للغاية‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ -‬لذلك فإن العديد من البنوك ومنها البنوك االسترالية كانت تدرس إمكانية استخدام تقنية‬
‫سلسلة الكتل‪ ،‬الن هذه التقنية سوف تؤدي إلى توثيق تسجيل أو نقل أي أصل من األصول‬
‫الرقمية‪ ،‬وتسجيل ملكية الممتلكات المادية والفكرية محل المعامالت التي تتم عبر هذه التقنية‪،‬‬
‫وتنفيذ الصفقات وتسويتها‪ ،‬والتحويالت المالية‪ ،‬والخدمات المصرفية والتقارير التنظيمية‪،‬‬
‫ومنها الطلبات المتعلقة بمبدأ "أعرف عمليك" وقواعد مكافحة غسل األموال‪ ،‬لذلك باتت‬
‫المؤسسات المالية مثل بنك باركليز‪ ...‬في استكشاف مزايا التقنية الحديثة‪ ،‬الستخدامها في‬
‫الخدمات المصرفية التي تقدمها لعمالئها‪ ،‬واستخدام هذه التقنية سوف يؤدي إلى تسهيل‬
‫ومراقبة وتعقب معامالت البت كوين‪ ،‬ومن هنا تبرز أهمية البحث في بيان دور تقنية سلسلة‬
‫‪.‬‬
‫الكتل في الحد من جرائم غسل األموال‬

‫ثالثا‪ :‬إشكالية البحث‪ :‬لحداثة موضوع البحث‪ ،‬أثار هذا البحث إشكالية رئيس وهي هل لتقنية‬
‫البلوك شين دور في الحد من جريمة غسل األموال‪ ،‬ويتفرع عن هذا اإلشكالية الرئيس عدة‬
‫تساؤالت فرعية‪:‬‬

‫‪ -‬ماهية تقنية العمالت االفتراضية‪ ،‬وسلسلة الكتل‪.‬‬


‫‪ -‬البنيان القانوني جريمة غسل األموال‪.‬‬
‫‪ -‬ما دور تقنية سلسلة الكتل في الحد من غسل األموال ‪.‬‬
‫‪ -‬هل النصوص القانونية الخاصة بمكافحة جريمة غسل األموال كافية في ظل األخذ بتقنية‬
‫سلسلة الكتل‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬أهداف البحث‪ :‬يهدف هذا البحث السبور في أغوار موضوعة أمال في تحقيق االتي‪:‬‬
‫‪ -‬التعرض لتقنية العمالت االفتراضية‪ ،‬وسلسلة الكتل ‪ ،‬خاصة اآللية الخاصة بها‪.‬‬
‫‪ -‬إظهار المزايا والعيوب الخاصة بهذه التقنية‪.‬‬
‫‪ -‬البحث في البنيان القانوني لجريمة غسل األموال‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -‬محاولة التوصل إلى دور تقنية سلسلة الكتل في الحد من جريمة غسل األموال‪.‬‬
‫‪ -‬التعرف على النصوص الخاصة بجريمة غسل األموال لمعرفة مدى كفايتها لمواجهة هذه‬
‫الظاهرة في ظل تقنية سلسلة الكتل‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬منهج البحث‪:‬‬
‫‪ -‬الن هذا البحث سوف يعتمد على السبور في أغوار آلية العمل الخاصة بتقنية العمالت‬
‫االفتراضية وسلسلة الكتل للتعرف على مزايا وعيوب كل واحدة منهما‪ ،‬وبالتالي فإن المنهج‬
‫الوصفي هو األنسب إلعداد هذا البحث من أجل رصد هاتين التقنيتين‪ ،‬ومعرفة عالقتهما‬
‫بجريمة غسل األموال؛ وألن ذلك يحتاج إلى التعرض إلى البنيان القانوني لجريمة غسل‬
‫األموال‪ ،‬لذلك فسوف نعتمد أيضا على المنهج االستنباطي أو االستقرائي حيث أن الباحث‬
‫سوف يعتمد على النصوص القانونية والدراسات الفقهية الخاصة بهذه الجريمة لدراستها‬
‫وتحليلها‪ ،‬وسوف نجعل هذه الدراسة بين عدد من التشريعات خاصة التشريع اإلماراتي –‬
‫لما له السبق في التعامل بكل من تقنية البت كوين وتقنية سلسلة الكتل والتشريع العماني‬
‫والمصري؛ وبعض التشريعات األخرى واألجنبية حتى تثري البحث‪ ،‬بالتالي يجب االعتماد‬
‫على المنهج المقارن مقارنة أفقية‪ ،‬ألن البحث سوف يتناول كل جزئية في هذا البحث في‬
‫التشريعات – محل الدراسة‪ -‬حتى يكون هناك فرصة حقيقة لعرض أوجه التشابه واالختالف‬
‫في هذه األنظمة‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬خطة البحث‪ :‬مما سبق نستطيع أن نقسم بحثنا إلى مطلب تمهيدي ومبحثين‪ :‬سوف‬
‫يعنون المطلب التمهيدي باالطار التعريفي للدراسة في محاولة منا للتعرف على ماهية التقنيات‬
‫محل الدراسة‪ ،‬مثل سلسلة الكتل‪ ،‬وكذلك البيت كوين باعتبار أن األولي ظهرت من أجل إنشاء‬
‫منصة تتيح التبادل األمن للعمالت االفتراضية التي كان أول ظهور لها عبر الثانية‪ ،‬ثم نبين‬
‫موقف الدول من االعتراف أو التعامل بهذه التقنيات؛ والن هدف البحث هو التعرف على‬
‫دور البلوك شين في الحد من غسل األموال فكان لزاما علينا أن نعرج في مبحثنا األول إلى‬
‫التعرف على جريمة غسل األموال‪ ،‬والن بحثنا ينصب على معرفة دور سلسلة الكتل في الحد‬
‫‪77‬‬
‫من هذه الجريمة‪ ،‬فسوف نتعرض إلى جزئيات من هذه الجريمة التي يبين منها مدي دور‬
‫هذه التقنية للحد منها؛ ثم نختم هذا البحث بمبحث ثاني نتعرض فيه إلى هل من الممكن لتقنية‬
‫سلسلة الكتل أن تحد من هذه الجريمة عبر التعرض لموقف الدول في هذا الشأن‪ ،‬لذلك فسيكون‬
‫خطتنا على الوجه االتي‪:‬‬
‫المطلب التمهيدي‪ :‬اإلطار التعريفي لسلسة الكتل ‪.Block chain‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بتقنية سلسلة الكتل "البلوك سين"‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موقف الدول من تقنية سلسلة الكتل‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬جريمة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬السياسة الوقائية لجريمة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬السياسة القمعية لجريمة غسل األموال‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬دور سلسلة الكتل في الحد من جريمة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬سلسلة الكتل كوسيلة للكشف عن أنشطة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬موقف الدول من وضع التنظيم القانوني لسلسلة الكتل‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫المطلب التمهيدي‬
‫اإلطار التعريفي لسلسة الكتل ‪Block chain‬‬
‫لحداثة تقنية سلسلة الكتل‪ ،‬كان لزاما في البداية أن نتعرف على هذه التقنية‪ ،‬باعتبارها العنصر‬
‫المشترك بين منصات تداول العمالت االفتراضية وآلية عملها بما يخدم عنوان بحثنا‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك نعرج لعرض موقف الدول من التقنية الحديثة‪ ،‬وعليه فإن هذا المبحث سوف ينقسم إلى‬
‫فرعين‪ :‬الفرع األول بعنوان التعريف بتقنية سلسلة الكتل؛ والثاني موقف الدول من االعتراف‬
‫بهذه التقنية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بسلسلة الكتل ‪Block chain‬‬
‫أوال‪ :‬ماهية سلسلة الكتل‪ :‬نشأت هذه التقنية بغية التداول األمن للعمالت االفتراضية وأولها‬
‫عملة البت كوين ‪ ،Bitcoin58‬بحيث يتم التداول من طرف إلى طرف دون تدخل طرف‬
‫ثالث بينهما كالبنك والتي تعرف الند للند (‪ ،)P2P‬وسميت بسلسلة كتل البت كوين؛ ثم بعد‬
‫ذلك تم استخدامها في مجاالت أخرى عديدة‪ :‬المعامالت المالية كسلسلة كتل العقود الذكية؛‬
‫المعامالت الفنية؛ براءات االختراع؛ التصويت اإللكتروني؛ وسالسل التوريد وغيرها‪ ،‬ولذلك‬
‫بدأ االهتمام من قبل العديد من الدول بدارسة هذه التقنية ومدى االستفادة منها في‬
‫معامالتها‪ .59‬ومن الممكن تعريفها بأنها " تسجيل المعلومات في قاعدة بيانات مشتركة‪،‬‬
‫ويشار إليها بدفتر األستاذ الرقمي "‪ ،60"DLT‬تهدف إلى تسجيل المعامالت‪ ،‬وتتبع األصول‬

‫‪Deloitte (2018). What is Blockchain? [online] p.7. Available at:‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪https://www2.deloitte.com/content/dam/Deloitte/uk/Documents/Innovation/‬‬
‫‪deloitte-uk-what-is-blockchain-2016.pdf.‬‬
‫‪Thompson, S. (2017). The preservation of digital signatures on the‬‬ ‫‪59‬‬

‫‪blockchain. [online] University of British Columbia, pp.2-4. Available at:‬‬


‫‪http://ojs.library.ubc.ca/index.php/seealso/article/view/188841/186525.‬‬
‫‪See UK Government Chief Scientific Adviser, Distributed Ledger‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪ ,Technology: beyond block chain (2016), at 17‬وسمي بهذا االسم ألنه يشبه دفتر األستاذ‬
‫المتعارف بين التجار‪ ،‬حيث يسجل فيه األصول والخصوم الخاصة بالمؤسسة‪ ،‬وفي حالة حدوث خطأ في‬
‫هذا الدفتر‪ ،‬يتم تصحيح هذا الخطأ عبر تسجيل أصول أو خصوم للدفتر بهدف تصحيح هذا الخطأ‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫في شبكة غير مركزية‪ ،‬يحتفظ كل عميل فيها بنسخة احتياطية مطابقة لجميع النسش‪ ،‬حتى تتم‬
‫عملية اإلجماع على صحة المعاملة بين العمالء"‪.61‬‬
‫أنشأت سلسلة الكتل كتقنية رقمية إليجاد الثقة بين طرفين أو أكثر في العالم االفتراضي عند‬
‫إجراء التعامالت ‪-‬أيا كان نوعها‪ ،-‬دون تطلب وسيط للوثوق بهذه التعامالت‪ ،‬وغالبا ما يكون‬
‫هذا الوسيط في المعامالت التقليدية‪ :‬المؤسسات الحكومية المختصة؛ أو البنوك أو المؤسسات‬
‫المالية المرخص بها في هذا الشأن‪ .‬وما يميز هذه اآللية أنها تنقل بيانات األصول دون نسخها‪،‬‬
‫بوسيلة أكثر أمانا وسرعة‪ ،‬كما أن هذه البيانات تكون غير قابلة للتعديل‪ ،‬وإذا كان التعديل‬
‫ضروري‪ ،‬فيتم ذلك عبر كتلة جديدة دون التغير في الكتلة األصلية؛ كما أنها من الممكن أن‬
‫تستوعب العديد من البيانات والمعلومات بصفة دورية ومتجددة عبر ما يسمى بالكتل أو بلوك‪،‬‬
‫تتضمن كل منها رموز محددة تربطها بالكتل السابقة؛ كما تتميز بأنه بإمكان المتعاملين بها‬
‫معرفة أصل المعاملة وتاريخها‪ ،‬منذ نشأتها حتى تاريش التعامل‪ ،‬كما أنها تمكن عمالءها‬
‫الحصول على أية معلومات متعلقة بهذه المعاملة في قاعدة بيانات دون الحاجة إلى الرجوع‬
‫لعدة مصادر‪.‬‬
‫مع ذلك يحيط بهذه التقنية العديد من المخاوف منها‪ :‬عدم وجود وسيط حكومي يكون من حقه‬
‫التدخل في الوقت المناسب لمنع أي خروقات قانونية تمثل مخالفات قانونية قد تشكل في بعض‬
‫أفعال مجرمة تقع تحت طائلة القانون الجزائي؛ كما أنها ال يمكن معرفة هوية المتعاملين في‬
‫هذه التقنية‪ ،‬مما يجعلها وسيلة سهلة الرتكاب العديد من الجرائم كجرائم غسل األموال وتمويل‬
‫اإلرهاب‪ ،‬عدم وجود تنظيم قانوني تخضع له هذه لتقنية أثناء التعامل‪ ،‬وبالتالي سيؤدي إلى‬
‫إحجام العديد من الدول والمؤسسات التعامل بهذه التقنية على ما تحققه من مزايا‪ ،‬خاصة‬
‫لحداثة التعامل بها حيث بدء التعامل بها في بداية عام ‪.622009‬‬

‫‪61‬‬ ‫‪see UK Government Chief Scientific Adviser, Distributed Ledger‬‬


‫‪Technology: beyond block chain (2016), at 17‬‬
‫‪https://www.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/‬‬
‫‪file/492972/gs-16-1-distributed-ledger-technology.pdf.‬‬
‫‪62 Nakamoto, Satoshi, Bitcoin: : A Peer to Peer Electronic Cash System ,‬‬

‫‪www.bitcoin.org, 2009,last accessed on May 8, 2018.‬‬


‫‪80‬‬
‫ثانياً‪ :‬محتويات سلسلة الكتل‪ :‬تتضمن سلسلة الكتل صنفين من الكتل‪:‬‬
‫الصنف األول‪ :‬سلسلة الكتل العامة "بدون إذن"‪ :‬وهو إذا أي شخص من خاللها يملك‪:‬‬
‫عرض المعلومات الموجودة في قاعدة البيانات؛ إرسال المعلومات المطلوب تسجيلها في‬
‫قاعدة البيانات؛ استضافة نسخة من قاعدة البيانات والمشاركة في التحقق من هذه المعلومات‪،‬‬
‫وهذا الصنف يجد رواج له في تداول العمالت المشفرة‪ ،‬حيث يكون هناك قاعدة كبيرة من‬
‫المتعاملين بها‪ ،‬والبت كوين هي سلسلة كتل بدون إذن‪ .‬وبالتالي فهذا الصنف من سلسلة الكتل‬
‫يكون متاح لجميع مستخدمي الشبكة‪ ،‬وبالتالي يكون هناك من المحتمل أن يتوافر لدى إحداهم‬
‫نية غير مشروعة‪ ،‬ولكن ما قد يقف كعائق أمامه هو القدرة الحاسوبية المتطلبة لتنفيذ هذا‬
‫الهجوم على سلسلة الكتل‪ ،‬ولهذا الصنف أن يختار مسئوال‪ ،‬واحدا أو مجموعة من المسئولين‬
‫تكون مهمتهم وضع بروتوكول التوافق أو التحكم فيه أو تغيره‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك تظل‬
‫المشاركة في هذا لصنف مجهول الهوية‪.63‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬سلسلة الكتل الخاصة "بإذن"‪ :‬وهذه السلسلة تكون خاصة بعدد محدود من‬
‫المشاركين‪ ،‬وفي الغالب ما يكون منتمين إلى شركة أو هيئة أو منظمة‪ ،‬وفي الغالب يتم‬
‫اختيارهم مسبقا‪ ،‬وإخضاعهم لمعايير مشاركة محددة أو موافقة مسئول‪ ،‬وبالتالي فهذا الصنف‬
‫يضم مجموعة أصغر‪ ،‬حيث تقتصر على مجموعة لتحقيق هدف مشترك؛ وعليه يكون‬
‫للمشاركين في هذه السلسلة الولوج إليها للتحقق من المعلومات‪ ،‬أو أضافة معلومات جديدة‪،‬‬
‫‪.64‬‬
‫ثالثاً‪ :‬آلية عمل سلسلة الكتل‪ :‬هذه السلسلة تعد قاعدة بيانات للمعامالت التي تتم بين المتعاملين‬
‫به فيما يسمى بدفتر األستاذ الرقمي‪ ،‬وهذا األخير يكون بدال من الوسيط المركزي في‬

‫‪63‬‬ ‫‪Georges-Albert Dal,Blockchain : une révolution pour le droit?, Journal‬‬


‫‪Tribunaux, tribunaux, http://jt.larcier.be, 10 novembre 2018 - 137e année,‬‬
‫‪36 - No 6748, P.802 et s.‬‬
‫‪Boris Barraud, Les blockchains et le droit, Revue Lamy Droit de‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪l’immatériel, Lamy (imprimé),Wolters Kluwer édition életronique 2018,‬‬


‫‪pp.48-62. hal-01729646, P. 2 et s.‬‬

‫‪81‬‬
‫المعامالت التقليدية‪ ،‬حيث لدي كل مستخدم بالشبكة نسخة من هذا الدفتر‪ ،‬وعليه يكون التحقق‬
‫من مدى مشروعية المعامالت مسئولية جميع المتعاملين بهذه التقنية‪ ،‬ومن حق كل عميل بها‬
‫إضافة معاملة إلى سلسلة الكتل‪ ،‬وذلك بعد الموافقة المسبقة لكل العمالء على أن البائع هو‬
‫المالك التحقق ل صل محل التعامل وليس هناك ما يمنعه من إتمام عملية البيع‪ ،‬ثم تسجل هذه‬
‫المعاملة في ما يسمى ب "الكتلة"‪ ،‬وتصبح هي األحدث في التسلسل الزمني للكتل؛ المسند‬
‫إليهم عمل هذه الكتل هو ما يسمى ب "عمال المناجم"‪ ،65‬وهي العقد أو أجهزة الكمبيوتر‬
‫المتخصصة المتصلة بالشبكة في مقابل الحصول على عملة البت كوين‪ ،‬تكون مهمتها تسجيل‬
‫المعامالت بدفتر األستاذ والتحقق منها من قبل عمال المناجم األخرين المتصلين بالشبكة‪،‬‬
‫ويتم التحقق باإلجماع‪ ،‬وبعد ذلك يتم إضافة الكتلة الجديدة إلى سلسلة الكتل القديمة‪ ،‬وال يمكن‬
‫إزالتها مرة أخرى‪ ،‬إن يعمل كتلة جديدة بمضمون ما يراد إضافته أو تعديله‪ ،‬تمر بذات‬
‫المراحل السابقة‪ ،‬قبل ضمها إلى سلسلة الكتل‪ .66‬يجب أن تكون نسش سلسلة الكتل متزامنة‬
‫مع بعضها البعض وإال اعتبرت تالفة أو معيبة‪ ،‬لتجنب حدوث ذلك‪ ،‬تعتمد سلسلة الكتل على‬
‫أدوات تشفير متعددة لتخزين المعلومات في الكتلة‪ ،‬وتضع كل سلسلة كتل قواعدها الخاصة‬
‫أو برتوكول اإلجماع الذي يحدد كيفية عمل عملية التحقق‪.‬‬
‫تعتمد سلسلة الكتل بعض التقنيات األساسية‪ ،‬بهدف تحقيق طريقة أمنة للغاية لتسجيل‬
‫المعلومات‪ ،‬حتى يمكن الوثوق بالمعلومات المحزنة عليها‪ ،‬وتكون غير قابلة للتلف‪ ،‬ومن هذه‬
‫التقنيات‪ :‬تشفير المفتاح العام‪ :‬حيث يتم إصدار مفتاح عام لكل مشارك‪ ،‬عباره عن سلسلة‬

‫‪ 65‬أي شخص يستطيع أن يكون من عمال المناجم باستثناء أي شخص مرتبط بأي صفة بطرفي المعاملة‬
‫بهدف منع تضارب المصالح‪.‬‬
‫‪66 Crosby, M., Pattanayak, P., Verma, S. and Kalyanaraman, V. (2015).‬‬

‫‪Blockchain Technology Beyond Bitcoin. [online] Berkeley: Sutarja Center,‬‬


‫‪pp.5-8.‬‬ ‫‪Available‬‬ ‫‪at:‬‬ ‫‪http://scet.berkeley.edu/wp‬‬
‫‪content/uploads/BlockchainPaper.pdf; EquiSoft (2017). La cadena de‬‬
‫‪bloques (blockchain) Una tecnología disruptiva con el poder de‬‬
‫‪revolucionar el sector financiero. [online] pp.3-4. Available at:‬‬
‫‪https://www.equisoft.com/wp‬‬ ‫‪content/uploads/2017/09/White-paper-‬‬
‫‪Blockchain-ESP-1.pdf‬‬
‫‪82‬‬
‫من األرقام أو الحروف التي يتم إنشاؤها حسابيا‪ ،‬ويتم تسجيل هذا المفتاح على أنه مرتبط‬
‫بالمشارك ذات الصلة‪ ،‬ويمكن مشاركته مع أخرين؛ تشفير المفتاح الخاص‪ :‬يتم إصدار مفتاح‬
‫واحد أو عدة مفاتيح خاصة‪ ،‬وكل مفتاح خاص عبارة عن سلسلة من األرقام أو الحروف التي‬
‫يتم إنشاؤها حسابيا‪ ،‬ولكن على عكس المفتاح العام ال يمكن مشاركته مع األخرين‪ ،‬ولكن‬
‫يجب على المشارك أن يحتفظ به في مكان آمن‪ ،‬مثل جهاز كمبيوتر‪ ،‬أو جهاز محمول‪،‬‬
‫ويمكن للمشارك أن يختص بتشفير هذا المفتاح بنفسه‪ ،‬حتى ال يعلم به أحد المشاركين‪ ،‬حيث‬
‫إذا علم به أحد المشاركين‪ ،‬يستطيع أن ينتحل شخصية المشارك على شبكة سلسلة الكتل‪ .‬يتم‬
‫إصدار هذه المفاتيح الخاصة والعامة من خالل برنامج يعتمد على الخوارزمية غير المتماثلة‬
‫المستخدمة إلنشاء كل مجموعة من المفاتيح العامة والخاص‪ ،‬والمفاتيح لها عالقة رياضية‬
‫تسمح للمفتاح الخاص بفك تشفير المعلومات المشفرة باستخدام المفتاح العام‪.67‬‬
‫بالتالي يستطيع المشاركين في سلسلة الكتل إرسال المعلومات بطريقة أمنه‪ ،‬ويوقع المرسل‬
‫رسالته مع مفتاحه الخاص‪ ،‬ألن المفتاح العام المقابل سيكون هو المفتاح الوحيد المرتبط‬
‫رياضيا بالمفتاح الخاص للمرسل‪ ،‬ويستطيع باقي المشاركين في الشبكة التحقق من صحة‬
‫هذه المعلومات من خالل بروتوكول اإلجماع ذي الصلة‪ .‬يمكن للمشاركين األخرين بالشبكة‬
‫معرفة المفاتيح العامة لكل مشارك بالشبكة‪ ،‬مع االحتفاظ بهويته الخاصة‪ ،‬ويظل غير‬
‫معروف‪ ،‬وهذا هام جدا بالنشبة لهذه الشبكة من أجل حماية البيانات‪.68‬‬
‫تقنية سلسلة الكتل تتكون من عناصر أربع‪ :‬الكتلة‪ ،‬وهي التي يتم إدخال العمليات المراد‬
‫تنفيذها بها‪ ،‬وتسجيل البيانات أو متابعة حالة الشيء‪ ،‬حيث يتم تخزين المعلومات على دفعات‬
‫تسمى الكتل "العُقد"‪ ،‬يتم التحقق منها وربطها ببعضها البعض بشكل تسلسلي‪ ،‬يطلق عليها‬

‫‪67‬‬ ‫‪Gareth Peters & Efstathios Panayi, Understanding Modern Banking‬‬


‫‪Ledgers Through Blockchain Technologies: Future of Transaction‬‬
‫‪Processing and Smart Contracts on the Internet of Money, SSRN (2015),‬‬
‫‪https://ssrn.com/abstract=2692487, 7‬‬
‫‪68 Tim Swanson, Consensus-as-a-service: a brief report on the emergence‬‬

‫‪of‬‬ ‫‪permissioned,‬‬ ‫‪distributed‬‬ ‫‪ledger‬‬ ‫‪systems,‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪(2015),‬‬


‫‪http://www.ofnumbers.com/wpcontent/uploads/2015/04/Permissioned-‬‬
‫‪distributed-ledgers.pdf‬‬
‫‪83‬‬
‫الكتل المتنامية‪ ،‬وعليه تكون كل كتلة تحتوي على قدرا معينا من العمليات أو المهام أو‬
‫المعلومات‪ ،‬يكون كافيا إلنجاز العمليات بداخلها بشكل كامل‪ ،‬ثم يتم إنشاء بلوك جديد مرتبط‬
‫به؛ اإلدخال‪ ،‬هو العملية التي تتم داخل الكتلة الواحدة‪ ،‬وهو أمر وحيد ويكون مع غيره من‬
‫األوامر الكتلة؛ الهاش ‪ ،Hach‬عبارة عن البصمة الرقمية المميزة لكل سلسلة كتل‪ ،‬ويتم‬
‫ربطها مع بعضها البعض بواسطة هذا الهاش‪ ،‬وهو عبارة عن كود يتم إنشاؤه من خالل‬
‫خوارزمية داخل برنامج سلسلة الكتل‪ ،‬تعرف بألية الهاش‪ ،‬ويهدف إلى تميز كل سلسلة عن‬
‫األخرى؛ ليس هذا فحسب ولكن تميز كل كتلة داخل السلسة من خالل هاش خاص‪ ،‬وكل‬
‫معلومة داخل الكتلة لها هاش مميز لها‪ ،‬وربط الكتل مع بعضها البعض‪ ،‬من خالل ربط كل‬
‫كتلة بالهاش السابق لها والالحق عليها لتسير في اتجاه واحد؛ الوقت‪ ،‬بصمة الوقت الذ يتم فيه‬
‫إجراء العمليات داخل الكتلة‪.69‬‬
‫انتهينا في هذا الفرع من التعرف على تقنية سلسلة الكتل "‪"Blockchain‬بالقدر الذي يخدم‬
‫موضوع بحثنا‪ ،‬وخلصنا إلى أن هذه التقنية لها العديد من المزايا‪ :‬فهي وسيلة أمنة وموثقة‬
‫لحفظ المعامالت‪ ،‬التي يتم التحقق منها من المشاركين بهذه التقنية؛ كما أنها ال يتم تعديل هذه‬
‫المعامالت إال عبر إنشاء كتلة جديدة تضاف إلى الكتل السابقة وهكذا حتى نكون بصدد سلسلة‬
‫الكتل؛ ولكن يعبيها إخفاء هوية المتعاملين بها‪ ،‬مما يجعلها وسيلة الرتكاب األفعال الجرمية‬
‫التي تنال من استقرار الشعوب على جميع المستويات‪ .‬ولكن ينقصنا معرفة ردة فعل الدول‬
‫من حيث التعامل بهذه التقنية‪ ،‬وهو ما سنتناوله في الفرع الثاني‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬موقف الدول من تقنية سلسلة الكتل‬
‫على الرغم من ظهور هذه التقنية منذ عام ‪ ،2009‬إال أن ردة فعل الدول في التعامل أو‬
‫االعتراف بها ما زال محير؛ ال سيما أن هناك دول –خاصة الدول العربية‪ -‬رفضت التعامل‬

‫‪ 69‬منير ماهر أحمد ‪ ،‬العمالت االفتراضية المشفرة ‪ :‬البت كوين نموذجا ‪ ،‬مجلة أسرا العالمية للبحوث‬
‫الشرعية ‪ ، 2018 ،‬ماليزيا‪ ،‬ص ‪ ،10‬مشار إليه ببحث د‪ .‬أحمد كمال أحمد صبري‪ ،‬الحماية القانونية‬
‫للملكية الفكرية الذكية على سلسلة الكتل "البلوك سين" –دراسة مقارنة‪ -‬بحث غير منشور‪ ،2019 ،‬ص‬
‫‪.11‬‬
‫‪84‬‬
‫مع العمالت المشفرة في األصل –ما عدا دولة اإلمارات المتحدة "إمارة دبي"‪ ،-‬التي تعد‬
‫السبب في ظهور تقنية البلوك سين‪ ،‬وأن كانت هذه التقنية قد امتدت إلى مجاالت أحري؛‬
‫وبالمقابل أغلب الدول األجنبية أخذت بالتعامل بهذه التقنية في مجاالت محددة‪ ،‬وسوف نعرض‬
‫في السطور األتية لموقف الجانبين‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الدول العربية‪ :‬ما زالت الدول العربية تتعامل مع العمالت االفتراضية "المشفرة" وتقنية‬
‫البلوك شن على أنها خطر على العمالت المحلية‪ :‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬في عام ‪2017‬‬
‫اتخذت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" قرار بمنع المؤسسات المالية المختلفة وخاصة‬
‫المصارف‪ ،‬التعامل مع العمالت اإللكترونية بأي شكل كان‪ ،‬باعتبار أنها غير محكومة ألي‬
‫بنك مركزي‪ ،‬وذلك يجعلها مجال القتراف أفعال غير مشروعة‪ ،‬مثل غسل األموال وتمويل‬
‫اإلرهاب؛ جمهورية مصر العربية‪ ،‬رفض البنك المركزي المصري التعامل مع العمالت‬
‫الرقمية في أكثر من مناسبة‪ ،‬ألنها متقلبة األسعار‪ ،‬ولعدم وجود الوسيط الحكومي‪.70‬‬

‫بالمقابل نجد أن دولة اإلمارات العربية المتحدة –خاصة إمارة دبي‪ -‬دخلت هذا المجال بكل‬
‫قوة‪ ،‬وخيرا ما فعلت‪ ،‬وذلك ألهمية هذه التقنيات‪ ،‬ففي يوليو ‪ ،2017‬كانت اإلمارات هي مهد‬
‫أول عملة مشفرة متوافقة مع الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وهي "وان جرام كوين"‬
‫‪ ،Onegramcoin‬وهي أول عملة مدعومة بالذهب‪ ،‬وبالتالي يكون التمويل اإلسالمي قد‬
‫دخل السوق الرقمية‪ ،‬وهذه العملة تسمح بإجراء معامالت المركزية بملكية كاملة للعملة‬
‫الرقمية الواحدة ضمن سلسلة بلوكات آمنة‪ ،71‬ويمكن على مستوى المنطقة شراء وتبادل عملة‬

‫‪ 70‬لمعرفة المزيد عن موقف باقي الدول العربية من التعامل مع مثل هذه التقنيات يراجع الموقع اإللكتروني‬
‫‪/https://www.bitcoinnews.ae‬العمالت‪-‬اإللكترونية‪-‬في‪-‬الدول‪-‬العربية‪ /‬مقال منشور بعنوان "العمالت‬
‫اإللكترونية في الدول العربية‪ ..‬اختلفت األسباب والحظر واحدا"‪ ،‬أحمد حسن‪ ،‬أخر تعديل ‪ 3‬يناير ‪ ،2020‬األحد ‪5‬‬
‫يناير ‪11:55 AM ،2020‬؛ كما أصدر بيان في مطلع ‪ 2018‬من مفتي جمهورية مصر العربية أكد فيه أن التعامل‬
‫مع العمالت المشفرة حرام‪ ،‬ألنه من الممكن استخدامها في التهرب الضريبي وغسل األموال‪ ،‬وأن التقلب في سعر‬
‫العملة قائم على فكرة الخداع؛ ‪/https://bit-chain.com/2018/09/24‬من‪-‬قطر‪-‬إلى‪-‬فلسطين‪-‬حالة‪-‬تقنين‪-‬‬
‫العمالت‪-‬ال‪ ، /‬مقال منشور بتاريش ‪ 24‬سبتمبر ‪ 2019‬بعنوان "من قطر إلى فلسطين‪ :‬العمالت المشفرة والبيتكوين‬
‫في الشرق األوسط"‪.‬‬
‫‪/https://www.wamda.com/ar/2017/06‬اإلمارات‪-‬مه ٌد‪-‬ألول‪-‬عملة‪-‬مشفرة‪-‬متوافقة‪-‬مع‪-‬‬ ‫‪71‬‬

‫الشريعة‪-‬اإلسالمية ‪ ،‬مقال منشور بعنوان "اإلمارات مهد أول عملة مشفرة متوافقة مع الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫أركان مينون‪ 14 ،‬يونيو ‪"PM 13:45 ،2017‬‬
‫‪85‬‬
‫البت كوين‪ ،‬من خالل محفظة "بيت أويسيس" في دبي بالدرهم اإلماراتي‪ ،‬وقد أسست حكومة‬
‫دبي المجلس العالمي للتعامالت الرقمية‪ ،‬وتعهدت بحفظ جميع وثائقا في قاعدة بيانات سلسلة‬
‫بلوكات عام ‪722021‬؛ وفي أغسطس ‪ ،2018‬أعلنت محاكم مركز دبي المالي العالمي عقدها‬
‫شراكة مع "دبي الذكية" لتطوير أول محكمة في المنطقة تعتمد على تقنية البلوك شين‪ ،‬وهي‬
‫عبارة عن نظام متطور لتنفيذ التحويالت إلكترونيا واالحتفاظ بسجالت تسمح لجميع أطراف‬
‫العملية بتتبع المعلومات من خالل شبكة آمنة‪ ،‬وهذا يحقق في المستقبل فوائد عدة‪ :‬تبسيط‬
‫العمليات القضائية‪ ،‬وتفادي تكرار الوثائق‪ ،‬وتحقيق كفاءة عالية عبر المنظومة القضائية‪.73‬‬

‫‪72‬‬
‫‪https://www.dubaifuture.gov.ae/ar/our-initiatives/global-blockchain-‬‬
‫‪ " /council‬في إطار الجهود التي تبذلها مؤسسة دبي للمستقبل من أجل تطبيق أحدث التقنيات‬
‫والممارسات ا البتكارية على مستوى العالم‪ ،‬أعلنت المؤسسة عن تأسيس المجلس العالمي للتعامالت‬
‫الرقمية بهدف استكشاف وبحث التطبيقات الحالية والمستقبلية لها والعمل على تنظيم التعامالت الرقمية‬
‫عبر منصات تكنولوجيا البلوك تشين )‪ (Blockchain‬والتي يمكن من خاللها تسجيل وتوثيق كافة‬
‫المعامالت الرقمية والتداوالت باستخدام عمالت البيتكوين الرقمية )‪ (Bitcoin‬وغيرها‪ .‬سيبحث المجلس‬
‫تداعيات هذا االبتكار على مستقبل المال واألعمال ودوره في تسهيل التعامالت ضمن القطاعات المختلفة‬
‫المالية وغير المالية وزيادة كفاءتها واعتماديتها‪ .‬تتم كافة التعامالت الرقمية “البلوك تشين” بموافقة جميع‬
‫األعضاء‪ ،‬مما يحد من عمليات االحتيال وغسيل األموال‪ ،‬حيث إن العملة الرقمية غير قابلة للتزوير أو‬
‫التلف‪ ،‬ويمكن نقلها عبر الحدود بكل سهولة‪ .‬كما أنها تساعد في تسهيل عملية التسوق عبر شبكات‬
‫التواصل االجتماعي والمواقع اإللكترونية‪ .‬يتكون المجلس من ‪ 46‬عضوا من الالعبين الرئيسيين‬
‫المحتملين في قطاع التعامالت الرقمية‪ ،‬بما في ذلك مجموعة من الجهات الحكومية‪ ،‬والمصارف الرائدة‬
‫في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬والمناطق الحرة‪ ،‬وشركات التكنولوجيا العاملة في مجال التعامالت‬
‫الرقمية‪ ،‬من بينها‪ :‬مايكروسوفت‪ ،‬شركة اإلمارات لالتصاالت المتكاملة “دو”‪ ،‬سيسكو‪ ،‬تيكوم‪ ،‬دبي‬
‫القابضة‪ ،‬مركز دبي للسلع المتعددة‪ ،‬بنك اإلمارات دبي الوطني‪ ،‬مصرف اإلمارات اإلسالمي‪ ،‬مركز‬
‫دبي المالي العالمي‪ ،‬سوق دوت كوم‪ ،‬كريم‪ ،‬بنك المشرق‪ ،‬إنفو سيس‪ ،‬ومضة‪ ،‬بروبرتي فايندر دوت‬
‫كوم‪ ،‬كراكين‪ ،‬سمارت ستارت‪ ،‬إيثيريوم‪ ،‬فيكتور كوينغ‪ ،‬نتورك إنترناشيونال‪ ،‬مكتب دبي الذكي‪،‬‬
‫وحكومة دبي الذكية‪".‬‬
‫‪ ، https://al-ain.com/article/difc-launch-blockchain-first-court 73‬مقال بعنوان"‬
‫أول محكمة تعتمد على "بلوك تشين" عالميا في دبي‪ ،‬رنا عفيفي‪ 2 ،‬أغسطس ‪PM 13:45 2018‬؛‬
‫في مارس ‪ ، 2019‬حصلت دبي على جهاز صراف بتكوين آلي األول من نوعه‪ ،‬مما يعطي الفرصة‬
‫لشراء العمالت الرقمية‪/https://arabbit.net ،‬دبي‪-‬صراف‪-‬آلي‪-‬للعمالت‪-‬الرقمية‪ ،/‬مقالة بعنوان‬
‫"أول ماكينة صرف آلي للعالت الرقمية في دبي"‪ ،‬بتاريش ‪ 19‬مارس ‪PM 14:15 2019‬؛ وفي‬
‫أكتوبر ‪ ،2019‬أعلنت دائرة التخطيط الحضري والبلديات "‪ "DPM‬عن شراكة مع الشركة التقنية‬
‫‪ NtechMahindra‬وهي أحد الشركات الرائدة في التحول الرقمي إلطالق حلول لسجل األراضي‬
‫باستخدام تقنية البلوكشن‪ ،‬بهدف زيادة الشفافية في تتبع سجالت األراضي وضمان السهولة في أرشفة‬
‫البيانات‪ ،‬يراجع ‪/https://arab-btc.net‬اإلمارات‪-‬العربية‪-‬المتحدة‪-‬تطلق‪-‬بلوكشي‪. PM 14:25،/‬‬
‫‪86‬‬
‫ثانياً‪ :‬سنغافورة‪ ،‬في غضون أكتوبر ‪ ،2017‬أعلنت وزارة المالية بسنغافورة أنه من الممكن‬
‫إجراء تسوية المدفوعات ما بين البنوك في سنغافورة باستخدام البلوك شين‪ ،‬وهذا من خالل‬
‫شراكة بين السلطة النقدية في سنغافورة )‪ (MAS‬ومجموعة من المؤسسات المالية‪ .‬ويعد‬
‫مشروع ‪ ، Ubin‬هو المشروع الرائد في استراتيجية عظيمة الشأن تسعى العتماد تقنية البلوك‬
‫شين في القطاع المالي في سنغافورة‪ .‬وتخطط الحكومة لرقمنة عملة الوالية على شبكة‬
‫االثيريوم‪.74‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الواليات المتحدة األمريكية ‪ ،‬ال تزال هناك عقبات في تنفيذ تقنية البلوك سين في أكبر‬
‫دولة اقتصادية في العالم‪ ،‬ولكن شرعت بعض الواليات بالفعل بوضع مسار واضح في طريق‬
‫اعتماد هذه التقنية‪ .‬منها‪ :‬والية ديالوير‪ ،‬في مايو ‪ ،2018‬مررت ديالوير هاوس الالئحة‬
‫التاريخية التي تسمح بتسجيل شركات البلوك سين ومنصات التداول؛ ؛ ووالية فيرجينيا‬
‫الغربية‪ ،‬أطلقت فرجينيا الغربية تطبيقات الهواتف المحمولة المعتمدة على البلوك سين في‬
‫جميع مقاطعاتها البالغ عددها ‪ 55‬مقاطعة خالل انتخابات منتصف المدة‪ ،‬وقد تم التوصل إلى‬
‫هذا القرار بعد نجاح اإلطالق التجريبي بشكل كبير‪ ،‬كما إن التصويت من خالل التطبيق‬
‫يعني أن األفراد العسكريين من فرجينيا الغربية سيتمكنون من اإلدالء بأصواتهم وسيكون لهم‬
‫رأي في الديمقراطية واتخاذ القرارات‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬االتحاد األوروبي ‪ ،‬في ‪ 11‬أبريل ‪ ،2018‬اجتمعت ‪ 22‬دولة في أوروبا لمحاولة‬
‫تشكيل منصة تعتمد على تقنية بلوك شين تهدف إلى تبادل المعلومات‪ .‬وتسمى المجموعة‬

‫‪ 74‬في ‪ 15‬نوفمبر ‪ ،2017‬سويسرا‪ -‬مقاطعة زوغ‪ ،‬أطلقت حكومة مقاطعة زوغ‪ ،‬من خالل قسم التسجيل‬
‫الخاص بها‪ ،‬نظاما يعمل على إصدار بطاقات الهوية الرقمية القائم على شبكة االثيريوم‪ ،‬وتمت دعوة سكان‬
‫زوغ لالنضمام إلى مشروع البلوك سين التجريبي‪ ، uPort‬وهي منصة للهوية الرقمية ذات سيادة ذاتية‪.‬‬
‫وباستخدام تطبيق ‪ uPort‬يمكن للمواطنين تشفير معلوماتهم الشخصية‪ ،‬والحصول على معرف مرتبط‬
‫بعنوان التشفير على شبكة بلوك شين االثيريوم‪ .‬وبمجرد التحقق من المعلومات‪ ،‬يمكن للمستخدمين “التفاعل‬
‫بسالسة مع الخدمات الرقمية لمدينة زوغ‪ ،.‬كما ستقدم زوغ مجموعة متنوعة من الخدمات من خالل‪، uPort‬‬
‫مثل التوقيعات اإللكترونية ودفع رسوم مواقف السيارات‪ ،‬وستقوم بإجراء اختبار للتصويت اإللكتروني في‬
‫وقت الحق‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫الجديدة بالشراكة األوروبية‪ ،‬والتي تشكل تحالفا من دول مثل ‪ :‬هولندا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬المملكة‬
‫المتحدة‪ ،‬النرويج‪ ،‬وإسبانيا‪ ،.‬ولذلك أصدرت فرنسا أول قانون يأخذ بهذه التقنية وهو قانون‬
‫‪.75 PACTE‬‬
‫خامساً‪ :‬الصين‪ ،‬في أبريل ‪ ،2019‬تم استخدام تقنية البلوك شين لتسوية القضايا أمام المحاكم‪،‬‬
‫وهذا ما أعلنه تشانغ ون‪ ،‬رئيس محكمة بكين لإلنترنت‪ ،‬التي تم تأسيسها في سبتمبر ‪،2018‬‬
‫وقد عالجت منذ ذلك الحين ‪ 14904‬قضية‪ ،‬حيث تستخدم المحكمة الذكاء الصناعي "‪"AI‬‬
‫وتقنية البلوك شين إلصدار الحكم‪ ،‬وكذلك تحولت العديد من المحاكم الصين إلى محكمة بلوك‬
‫شين‪ ،‬بغية مكافحة التالعب بالبيانات‪ ،‬مما جعل المحكمة العليا بالصين في سبتمبر ‪2018‬‬
‫تقضي بأن األدلة المصادق عليها باستخدام بلوك شين ملزمة في المنازعات القانونية‪.76‬‬
‫بذلك نكون قد تناولنا االطار التعريفي لتقنية سلسلة الكتل‪ ،‬وعرضنا لموقف الدول من التعامل‬
‫معها‪ ،‬فكان الموقف بين المؤيد والمعارض والمترقب‪ ،‬وألن بحثنا يسلط الضوء على دور‬
‫هذه التقنية في الحد من ظاهرة غسل األموال‪ ،‬فكان لزاما أن ندرس هذه الظاهرة اإلجرامية‪،‬‬
‫حتى نستطيع أن نعرض مدى دور هذه التقنية في الحد منها‪ ،‬وهذا ما سنعرض له في المبحث‬
‫األول‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫جريمة غسل األموال‬
‫ظهرت هذه الجريمة منذ وقت طويل‪ ،‬وكانت بدايتها مع عصابات المافيا‪ ،‬وكانت تهدف إلى‬
‫شرعنه متحصالت جرائمهم‪ ،‬حتى تظهر في صورة مشروعة‪ ،‬حتى ال تقع تحت طائلة العقاب‬

‫‪75‬‬ ‫‪la loi Pacte relative à la croissance et à la transformation des entreprises,‬‬


‫‪publiée au Journal officiel du 23 mai 2019 (loi n° 2019-486 du 22 mai 2019‬‬
‫)‪relative à la croissance et la transformation des entreprises.‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪/‬الصين‪-‬تحاول‪-‬القضاء‪-‬على‪-‬سرية‪-‬البلوك‪-‬تشي‪/‬؛ ‪https://aitnews.com/2018/10/22‬‬
‫‪/‬البلوك سين‪-‬يساهم‪-‬في‪-‬تسوية‪-‬القضايا‪-‬أمام‪ 5 ،/‬يناير ‪https://www.bitcoinnews.ae 2020‬‬
‫‪PM17:25.‬‬
‫‪88‬‬
‫من الجهات العدلية‪ ،‬ولكن المجتمع الدولي والمحلي كان لها بالمرصاد‪ ،‬وكان ذلك بموجب‬
‫اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة اإلتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة‬
‫في فيينا ديسمبر ‪1988‬؛ والتوصية الصادرة عن المجموعة األوربية ‪ ،1991‬ثم تلى ذلك‬
‫التشريعات المحلية‪ ،‬وباستقراء هذه النصوص الدولية أو المحلية‪ ،‬يتبين أن المشرع قد تبنى‬
‫سياستين لمواجهة هذه الظاهرة‪ ،‬لما لهما من أثار سلبية على المجتمع في جميع المناحي‪:77‬‬
‫سياسة الضبط اإلداري " المواجهة الوقائية"‪ ،‬حيث دورها يكون منع وقوع الجريمة وذلك‬
‫بوضع اآلليات الالزمة لذلك‪ ،‬وفرضها على الجهات المعنية‪ ،‬فإذا فشلت هذه السياسة ووقعت‬
‫الجريمة فعال يبدأ دور السياسة األخرى وهي سياسة الضبط اإلداري "السياسة الردعية أو‬
‫القمعية"‪ ،‬والتي تتمثل في توقيع الجزاءات الجناية واإلدارية الالزمة لتحقيق الردع بنوعيه‬
‫العام والخاص‪ ،‬ولذا فإن هذا المبحث سوف يقسم إلى مطلبين‪ :‬المطلب األول نعالج فيه‬
‫السياسة الوقائية لمكافحة جريمة غسل األموال‪ ،‬ثم نعرج إلى المطلب الثاني ونخصصه‬
‫للسياسة القمعية للجريمة‪.‬‬

‫‪ 77‬يراجع في التعرف علي ظاهرة غسل األموال تفصيال على سبيل المثال‪ :‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪،‬‬
‫تجريم عسيل األموال في التشريعات المقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2001 ،‬ص ‪ 23‬وما بعدها‪ ،‬وكذا‬
‫مؤلفه‪ ،‬دراسة نقدية لقانون غسل األموال‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،2003 ،‬ص ‪ 12‬وما بعدها؛ د‪ .‬محمد سامي‬
‫لشوا‪ ،‬السياسة الجنائية في مواجهة غسل األموال‪ ،‬دار النهضة العربية‪2001 ،‬؛ د‪ .‬سامي محمد غنيم‪،‬‬
‫األحكام الموضوعية لجريمة غسل األموال في التشريع الفلسطيني –دراسة تحليله مقارنة‪ ،-‬بحث منشور‬
‫على األنترنت ‪ 2017/12/2‬بمجلة األبحاث القانونية المتعمقة‪ ،‬العدد ‪ ،18‬ص ‪11‬؛ ‪MAMDOU‬‬
‫‪DIAN DIALLO, les mutation de l.anti-blanchiment a l’aune de la profession‬‬
‫‪ bancaire et de libertes individuelles, these de doctrat, 2017, P. 13 et s‬؛ اتفاقية‬
‫فينا لعام ‪ 1988‬لمكافحة اإلتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية‪ ،‬المادة (‪)6‬؛ إعالن بازل‬
‫‪1988 BALE‬؛ وكذا من القوانين‪ :‬القانون اإلماراتي‪ ،‬المرسوم بقانون اتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 2018‬في‬
‫شأن مواجهة جرائم غسل األموال ومكافحة تمويل اإلرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة؛ القانون‬
‫المصري‪ ،‬القانون رقم ‪ 80‬لسنة ‪ 2002‬الصادر بقانون مكافحة غسل األموال‪ ،‬المعدل بموجب قرار رئيس‬
‫الجمهورية رقم ‪ 36‬لسنة ‪2014‬؛ القانون العُماني‪ ،‬بموجب المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 2016‬بإصدار‬
‫قانون مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب؛ المادة ‪ 305‬من قانون العقوبات الفرنسي ‪loi de SAPIN ،‬‬
‫‪II no 2016-1691 du 9 dec. 2016 relative a la transparence, a la lute contre‬‬
‫‪.la corruption et la modernisations de la vie economique‬‬
‫‪89‬‬
‫المطلب األول‬
‫السياسة الوقائية لمكافحة جريمة غسل األموال‬
‫منذ ظهور ظاهرة غسل األموال تبنت االتفاقيات الدولية والتشريعات الداخلية سياسة وقائية‬
‫لمنع وقوع الجريمة ولذلك فرضت عدة التزامات على عاتق كافة الجهات المعنية بهذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬بل رتبت جزاءات إدارية وفي بعض األحيان جنائية على من يخالف هذه‬
‫االلتزامات‪ ،‬ألن معني المخالفة هو عدم تمكن الجهات الرقابية من كشف الجريمة‪ ،‬مما يكون‬
‫له ابلغ األثر على التنمية في المجتمع‪ ،78‬والهدف من دراسة هذه الجزئية في البحث هو معرفة‬
‫مدي إمكانية تطبيق هذه االلتزامات حال القيام التعامالت التي تبرم من خالل سلسلة الكتل‬
‫لمعرفه دورها في الحد من هذه الظاهرة‪ ،‬ولذلك سوف ندرس هذه المطلب في فرعين‪ ،‬الفرع‬
‫األول نتعرف على الجهات التي يقع على عاتقها تنفيذ هذه االلتزامات؛ ثم نتعرف في الفرع‬
‫الثاني على هذه االلتزامات‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الجهات المختصة بتنفيذ االلتزامات المتعلقة بمكافحة غسل األموال‬
‫بمطالعة النصوص الدولية أو الوطنية الخاصة االلتزامات المقررة لمكافحة غسل األموال‪،‬‬
‫يتبين أن هناك نوعين من هذه الجهات‪ :‬األولى‪ ،‬وهي الجهات المعنية بتنفيذ هذه االلتزامات؛‬
‫والثانية‪ ،‬هي الجهات المعنية بالتأكد من تنفيذ هذ االلتزامات أي المنوط بها مكافحة غسل‬
‫األموال‪ ،‬وسوف نتناول كل واحدة منهما على حدة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الجهات المخاطبة بالتزامات مكافحة غسل األموال‪ :‬بقراءة القوانين محل الدراسة نالحظ‬
‫أنها أخذت بنفس النهج في تعريف الجهات المختصة بالتزامات مكافحة غسل األموال‪ ،‬وهو‬
‫معيار السرد والتعدد لهذ الجهات سواء في قانون مكافحة غسل األموال أو الئحته التنفيذية‬

‫‪ 78‬د‪ .‬دليلة مباركي‪ ،‬غسيل األموال‪ ،‬رسالة دكتوراه‪20018-2007 ،‬؛ محمد بن أحمد صالح الصالح‪،‬‬
‫غسل األموال في النظم الوضعية‪-‬رؤية إسالمية‪ ،-‬المؤتمر العلمي الثالث لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬جامعة أم‬
‫القرى‪ ،‬ص ‪32‬؛ ‪MAMDOU DIAN DIALLO, les mutation de l.anti-blanchiment a‬‬
‫‪l’aune de la profession bancaire et de libertes individuelles, these de‬‬
‫‪.doctrat, 2017, P. 65 et s‬‬
‫‪90‬‬
‫كما فعل كل من المشرع المصري واإلماراتي‪79‬؛ بالمقابل فإن المشرع العُماني عرفها بموجب‬
‫نوع النشاط الذي تقوم بها هذه الجهة‪ ،80‬وسوف نحاول أن نبرز أهم هذه المؤسسات المالية‪:‬‬
‫‪ -‬البنوك العاملة في الدولة وفروعها في الخارج وفروع البنوك األجنبية العاملة في الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬شركات الصرافة والجهات األخرى المرخص لها بالتعامل في النقد‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات التي تباشر نشاط تحويل األموال والمنظمة بقانون البنك المركزي بالدولة‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات العاملة في مجال األوراق المالية‪ ،‬أو في مجال اإليداع والقيد المركزي ل وراق‬
‫المالية‪ ،‬أو نشاط التمويل متناهي الصغر‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات العاملة في مجال تلقى األموال‪.‬‬
‫‪ -‬الهيئة القومية للبريد فيما تقدمه من خدمات مالية‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات التي تمارس نشاط التمويل العقاري وجهات التوريق العقار‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات التي تمارس نشاط التأجير التمويلي‪.‬‬
‫‪ -‬الجهات التي تمارس أي نوع من أنشطة التأمين أو إعادة التأمين وصناديق التأمين الخاصة‬
‫وأعمال السمسرة في مجال التأمين‪.‬‬
‫أصحاب المهن واألعمال غير المالية‪ :‬سماسرة العقارات عند تنفيذهم عمليات لصالح‬
‫عمالئهم بشراء أو بيع عقارات ؛ تجار المعادن النفيسة وتجار األحجار الكريمة؛ المحامون‬
‫والمحاسبون سواء كانوا يزاولون المهنة بشكل منفرد أو كشركاء أو مهنيين في شركة تمارس‬
‫هذه المهنة وذلك عند قيامهم بإعداد أو تنفيذ عمليات لصالح عمالئهم فيما يتعلق باألنشطة‬
‫التالية ‪ ،‬شراء وبيع العقارات‪ ،‬إدارة األموال أو األوراق المالية أو غيرها من األصول؛ أندية‬
‫القمار بما في ذلك التي تباشر أنشطتها من خالل شبكة اإلنترنت‪.‬‬

‫‪ 79‬تراجع المادة (‪ )1‬من قانون غسل األموال المصري رقم ‪ 80‬لسنة ‪ 2002‬المعدلة بالقانون ‪ 36‬لسنة ‪،2014‬‬
‫المادة (‪ )1‬من الالئحة التنفيذية لهذا القانون؛ المادة (‪ )1‬من القانون االتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪ ،2018‬و(‪ )1‬و (‪ )2‬من‬
‫الئحته التنفيذية الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2018‬‬
‫‪ 80‬تراجع المادة (‪ )3( , )1‬من المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة ‪ ،2016‬والمادة (‪ )1‬فقرة ج من الالئحة التنفيذية‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫ثانياً‪ :‬الجهات المنوط بها مكافحة غسل األموال‪ :‬أصدرت مجموعة العمل المالي "‪"FATF‬‬
‫مجموعة من التوصيات في فبراير ‪ 2012‬وسميت بالتوصيات األربعين‪ ،81‬منها التوصية‬
‫التسعة والعشرون المتضمنة ضرورة وحدات المعلومات المالية تكون مهمتها تلقي بالغات‬
‫بالحاالت المشبوهة وتحليلها‪ ،‬واذا وجدت أي دليل على جريمة غسل األموال‪ ،‬وتحيلها إلى‬
‫ا الدعاء العام المختص‪ ،‬ولذلك كل دولة من الدول التزمت بتنفيذ هذه التوصية على الوجه‬
‫االتي‪:‬‬

‫‪ -‬أنشأت جمهورية مصر العربية وحدة مكافحة غسل األموال بالنبك المركزي المصري‬
‫بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم ‪ 164‬لسنة ‪ ،2002‬الذي حددت اختصاصات هذه‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫‪ -‬أنشأ ت دولة اإلمارات العربية المتحدة وحدة المعلومات المالية – نفس المسمى الوارد‬
‫بتوصيات مجموعة العمل المال‪ -‬تتبع المصرف المركزي‪ ،‬وذلك بموجب المواد من ‪ 40‬إلى‬
‫‪ 43‬من قرار مجلس الوزراء رقم ‪ 15‬لسنة ‪ 2019‬في شأن الالئحة التنفيذية للمرسوم بقانون‬
‫اتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 2018‬في شأن مكافحة غسل األموال ومكافحة تمويل اإلرهاب وتمويل‬
‫التنظيمات غير المشروعة‪.‬‬

‫‪ -‬أنشأت سلطنة ُ‬
‫عمان المركز الوطني للمعلومات المالية‪ ،‬يتبع المفتش العام للشرطة‬
‫والجمارك‪ ،‬وذلك بموجب المواد من ‪ 16‬إلى ‪ 32‬من المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة‬
‫‪ 2016‬بإصدار قانون مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪.‬‬

‫‪ 81‬تراجع المعايير الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وانتشار األسلحة‪ -‬توصيات مجموعة‬
‫العمل المالي الصادرة في فبراير ‪ ،2012‬التوصية (‪ )29‬الخاصة بوحدات المعلومات المالية تنص على‬
‫أنه" ينبغي على الدول إنشاء وحدة معلومات مالية لتعمل كمركز وطني لتلقي وتحليل ‪:‬أ‪ .‬تقارير العمليات‬
‫المشبوهة‪ ،‬ب‪ .‬المعلومات األخرى ذات الصلة بغسل األموال والج ا رئم األصلية المرتبطة وتمويل‬
‫اإلرهاب‪ ،‬وإلحالة نتائج هذا التحليل ‪.‬ينبغي أن تكون وحدة التحريات المالية قادرة على الحصول على‬
‫معلومات إضافية من جهات اإلبالغ‪ ،‬وأن يكون لها صالحية الوصول في وقت مناسب إلى المعلومات‬
‫المالية واإلدارية وكذلك المعلومات الخاصة بإنفاذ القانون التي تحتاجها للقيام بمهامها بصورة صحيحة"‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫وتكون مكلفة بدراسة‬ ‫‪82‬‬
‫‪ -‬أنشأت جمهورية فرنسا إدارة مكافحة غسل األموال ‪Tracfin‬‬
‫وتحليل المعلومات والتأكد من تطبيق قواعد مكافحة غسل األموال‪ ،‬وهي التي تبلغ النيابة‬
‫العامة حال قيام الجريمة‪.83‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬االلتزامات المتعلقة بمكافحة غسل األموال‬
‫اهتمت مجموعة العمل المالية "‪ "FATF‬بااللتزامات التي على الدولة سنها في قوانينها‬
‫المتعلقة بغسل األموال وتمويل اإلرهاب‪ ،‬وهذا يبين جليا بالتوصيات األربعين الصادرة منها‬
‫في هذا الشأن‪ ،‬نحاول أن نسرد منها ما يتعلق بنطاق بحثنا فقط مع اإلشارة إلى موقف القوانين‬
‫محل الدراسة منها كلما لزم األمر‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العناية الواجبة‪ :84‬ينبغي أن يُمنع على المؤسسات المالية االحتفاظ بحسابات مجهولة‬
‫أو حسابات بأسماء وهمية‪ .‬ويجب عليها أن تتخذ تدابير العناية الواجبة تجاه العمالء عند‪:‬‬
‫إنشاء عالقات عمل؛ إجراء عمليات عارضة ‪ :‬تفوق الحد المعين المعمول به؛ تحويالت‬
‫برقية؛ وجود اشتباه بحدوث غسل أموال أو تمويل إرهاب؛ وجود شكوك لدى المؤسسة‬
‫المالية حول صحة البيانات التي تم الحصول عليها مسبقا بخصوص تحديد هوية العمالء أو‬
‫مدى كفايتها؛ تحديد هوية العميل والتحقق منها باستخدام مستندات أو بيانات أو معلومات من‬

‫‪82‬‬ ‫‪TRACFIN (acronyme de « Traitement du renseignement et action contre‬‬


‫‪les circuits financiers clandestins ») est un organisme du ministère de‬‬
‫‪l'Économie et des Finances, chargé de la lutte contre la fraude, le‬‬
‫‪blanchiment d'argent et le financement du terrorism, Créé par la loi no 90-‬‬
‫‪614 du 12 juillet 1990‬‬
‫‪83 Loi n 96-392 du 13 mai 1996 relative à la lutte contre le blanchiment et le‬‬

‫‪traffic des stupéfiants et a la coopération internationale en matière de saisie‬‬


‫‪et de la confiscation du produits du crime; Stefano Manacorda : La‬‬
‫‪réglementation du blanchiment de capitaux en droit international , revue de‬‬
‫‪science criminelle et de droit pénal comparé , 1999, P252; Jacqueline‬‬
‫‪Riffaut : le blanchement des capitaux illicites comparé , revue des science‬‬
‫‪criminelles et de droit pénal comparé , N 2 , avril- juin 1999, P 3.‬‬
‫‪ 84‬تراجع المعايير الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وانتشار األسلحة‪ -‬توصيات مجموعة‬
‫العمل المالي الصادرة في فبراير ‪ ،2012‬التوصية (‪ " )10‬العناية الواجبة تجاه العمالء"‪ ،‬ص ‪13‬؛ كما‬
‫تعرف ب "أعرف عمليك" و "أعرف مستخدمك"‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫مصادر موثوقة ومستقلة؛ تحديد هوية المستفيد الحقيقي‪ ،‬واتخاذ تدابير معقولة للتحقق من‬
‫هويته‪ ،‬على نحو تكون معه المؤسسة المالية مطمئنة؛ فهم الغرض من عالقة العمل وطبيعتها‬
‫والحصول‪ ،‬حسب االقتضاء‪ ،‬على معلومات بشأن ذلك‪ ،‬وبالفعل التزمت القوانين محل‬
‫الدراسة بالنص صراحة على هذا االلتزام بل ورتبت جزاءات إدارية وجنائية على مخالفة‬
‫هذا االلتزام‪.85‬‬
‫ثانياً‪ :‬اإلبالغ عن العمليات المشبوهة‪ :86‬إذا اشتبهت مؤسسة مالية أو توفر لديها أسباب‬
‫معقولة لالشتباه بأن متحصالت ناتجة عن عمل غير مشروع‪ ،‬أو مرتبطة بتمويل اإلرهاب‪،‬‬
‫فيجب عليها إبالغ الجهة المختصة بمكافحة غسل األموال بموجب العملية المشبوهة فورا؛‬
‫وينبغي أن تكون المؤسسات المالية ومديروها وموظفوها والعاملون فيها متمتعين بالحماية‬
‫بموجب القانون من المسؤولية الجنائية والمدنية عن انتهاك أي قيد على اإلفصاح عن‬
‫المعلومات يكون مفروضا بموجب عقد أو أي نص تشريعي أو تنظيمي أو إداري‪ ،‬وذلك في‬
‫حالة قيامهم باإلبالغ عن شكوكهم بحسن نية إلى وحدة المعلومات المالية‪ ،‬حتى وإن لم يعرفوا‬
‫على وجه الدقة ما هي طبيعة النشاط اإلجرامي األساسي‪ ،‬وبغض النظر عن حدوث نشاط‬
‫إجرامي فعال؛ كما أنهم ملتزمون –في نفس الوقت‪ -‬بعدم اإلفصاح ألي شخص عن إخطار‬
‫االشتباه المرسل إلى الجهات المختصة؛ وإال تعرض إلى الجزاء الجنائي أو اإلداري حسب‬

‫‪ 85‬القانون اإلماراتي‪ :‬نص عليه صراحة في المادة األولى من قانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ : 2018‬تدابير لعناية‬
‫الواجبة‪ :‬عملية التعرف أو التحقق من معلومات العميل أو المستفيد الحقيقي وطبيعة عمله والغرض من عالقة‬
‫العمل وهيكل الملكية والسيطرة عليه‪ ،‬لغايات هذا المرسوم بقانون والئحته التنفيذية‪ ،‬المادة (‪/1/16‬ب) من‬
‫ذات القانون‪ ،‬والمادة (‪ )4‬حتى المادة (‪)14‬من الئحته التنفيذية؛ القانون المصري‪ :‬المادة (‪ )13‬و(‪)21‬‬
‫و(‪ )22‬من الالئحة التنفيذية لقانون مكافحة غسل األموال الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم ‪ 951‬لسنة‬
‫‪ 2003‬المعدلة بالقرار رقم ‪ 1463‬لسنة ‪ 2006‬والقرار رقم ‪ 2367‬لسنة ‪ 2008‬والقرار رقم ‪1569‬‬
‫لسنة ‪ 2016‬القت على عاتق وحدة غسل األموال بوضع اإلجراءات الالزمة بالعناية الواجبة للعمالء‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )4‬من قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 2019‬الصادرة بتاريش ‪2019/8/28‬‬
‫بشأن الضوابط الرقابية في مجال مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب للجهات العاملة في مجال األنشطة‬
‫المالية غير المصرفية‪ ،‬التي تضمنت إجراءات العناية الواجبة بالعمالء؛ القانون العُماني‪ :‬المادة (‪ )33‬و‬
‫(‪ )34‬من المرسوم السلطاني رقم ‪ 2016/30‬بإصدار قانون مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫‪ 86‬تراجع المعايير الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وانتشار األسلحة‪ -‬توصيات مجموعة‬
‫العمل المالي الصادرة في فبراير ‪ ،2012‬التوصية (‪ " )20‬البالغ عن العمليات المشبوهة"؛ والتوصية‬
‫(‪" )21‬التنبيه وسرية اإلبالغ"‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪94‬‬
‫مقتضيات الحال؛ ولقد أهتمت التشريعات محل الدراسة بهذا االلتزام أيما اهتمام وهذا يبين‬
‫بموجب النصوص المتناثرة في هذا الشأن التي تقرر ضرورة اإلبالغ‪ ،‬وآلية اإلبالغ‪ ،‬والجهة‬
‫المنوط بها ذلك داخل المؤسسة‪ ،‬والجزاء المترتب على المخالفة‪ .87‬وهناك عدة التزامات‬
‫أخرى نصت عليها مجموعة العمل المالي والقوانين الداخلية‪.88‬‬
‫َخلُصنا في هذا المطلب إلى أن القوانين حددت على سبيل الحصر المؤسسات المالية المخاطبة‬
‫بقواعد مكافحة غسل األموال‪ ،‬سواء تلك المنصوص عليها في االتفاقيات الدولية أو القوانين‬
‫الوطنية‪ ،‬ولكن الحظنا أنها وسعت في هذا الشأن‪ ،‬حيث أدخلت جهات قد يتصور أن تقوم‬
‫بعمل من األعمال التي من المحتمل أن تثير أي اشتباه في القيام بأي صورة من صور غسل‬

‫‪ 87‬القانون اإلماراتي‪ :‬نص عليه صراحة في المادة (‪)15‬من قانون رقم ‪ 20‬لسنة ‪ ،2018‬والمادة (‪)17‬من‬
‫الئحته التنفيذية؛ القانون المصري‪ :‬المادة (‪ )31‬من الالئحة التنفيذية لقانون مكافحة غسل األموال الصادرة‬
‫بقرار مجلس الوزراء رقم ‪ 951‬لسنة ‪ 2003‬المعدلة بالقرار رقم ‪ 1463‬لسنة ‪ 2006‬والقرار رقم ‪2367‬‬
‫لسنة ‪ 2008‬والقرار رقم ‪ 1569‬لسنة ‪ ،2016‬وحددت ميعاد يتم اإلخطار فيه وهو خالل فترة ال تجاوز‬
‫يومي عمل من تاريش توافر االشتباه لدى المدير المسئول عن مكافحة غسل األموال‪ ،‬والمادة (‪ )6‬من قرار‬
‫مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 2019‬الصادرة بتاريش ‪ 2019/8/28‬بشأن‬
‫الضوابط الرقابية في مجال مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب للجهات العاملة في مجال األنشطة المالية‬
‫غير المصرفية‪ ،‬التي تضمنت إجراءات العناية الواجبة بالعمالء؛ القانون العُماني‪ :‬المادة (‪ )33‬و (‪ )34‬من‬
‫المرسوم السلطاني رقم ‪ 2016/30‬بإصدار قانون مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫‪ 88‬تراجع المعايير الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وانتشار األسلحة‪ -‬توصيات مجموعة‬
‫العمل المالي الصادرة في فبراير ‪ ،2012‬التوصية "‪ "15‬التقنيات الجديدة‪ :‬ينبغي على الدول والمؤسسات‬
‫المالية أن تحدد وتقيم مخاطر غسل األموال أو تمويل اإلرهاب التي قد تنشأ فيما يتصل بما يلي‪ :‬تطوير‬
‫منتجات وممارسات مهنية جديدة‪ ،‬بما في ذلك الوسائل الجديدة لتقديم الخدمات؛ استخدام تقنيات جديدة أو قيد‬
‫التطوير فيما يتعلق بكل من المنتجات الجديدة والموجودة سابق ا ‪.‬وبالنسبة للمؤسسات المالية‪ ،‬ينبغي أن يتم‬
‫إجراء تقييم المخاطر هذه قبل إطالق المنتجات أو الممارسات المهنية الجديدة‪ ،‬أو استخدام التقنيات الجديدة‬
‫أو التي قيد التطوير ‪.‬وينبغي عليها أن تتخذ تدابير مناسبة إلدارة تلك المخاطر وخفضها؛ التوصية "‪"16‬‬
‫التحويالت البرقية‪ :‬ينبغي على الدول أن تتأكد من أن المؤسسات المالية تحصل على المعلومات الكاملة‬
‫والدقيقة المطلوبة عن منشئ التحويل والمستفيد منه‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بالتحويالت البرقية والرسائل ذات‬
‫الصلة‪ ،‬وأن تبقى المعلومات مصاحبة للتحويل البرقي أو الرسالة ذات الصلة خالل سلسلة الدفع‪ .‬وينبغي‬
‫على الدول أن تتأكد من أن المؤسسات المالية تقوم بمراقبة التحويالت البرقية بغرض الكشف عن التحويالت‬
‫التي ال تتضمن المعلومات الخاصة بمنشئ التحويل أو المستفيد منه أو كالهما‪ ،‬وأن تتخذ تدابير مناسبة‪.‬‬
‫وينبغي على الدول أن تتأكد‪ ،‬في سياق معالجة التحويالت البرقية‪ ،‬من أن المؤسسات المالية تقوم باتخاذ‬
‫إجراءات التجميد‪ ،‬وينبغي عليها أن تحظر إجراء عمليات مع أشخاص وكيانات محددة وفقا لاللتزامات‬
‫المنصوص عليها في قرارات مجلس األمن التابع ل مم المتحدة‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫األموال؛ بجانب ذلك أقرت واجبات عديدة على عاتق هذه المؤسسات يجب عليها أن تقوم بها‬
‫فور تحقق شرائطها التي نصت عليها‪ ،‬ولكن يبقى تساؤل وهو متى نكون بصدد جريمة غسل‬
‫األموال التي يعاقب عليها قوانين مكافحة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫السياسة القمعية لجريمة غسل األموال‬
‫اذا فشلت السياسة الوقائية في منع وقوع جريمة غسل األموال‪ ،‬فال مناص من اللجوء إلى‬
‫السياسة القمعية بهدف توقيع العقاب على مقترف الجريمة‪ ،‬ويتطلب ذلك ضرورة التعرف‬
‫علي البنيان القانوني لهذه الجريمة‪ ،‬ونظرا للطبيعة الخاصة لهذه الجريمة‪ ،‬حيث أن المشرع‬
‫يتطلب لوجودها‪ ،‬اقتراف فعل غير مشروع وفي الغالب ما يكون جريمة أوال؛ ليس هذا‬
‫فحسب ولكن يجب أن يكون قد نتج عنه متحصالت غير مشروعة وفي الغالب ما يكون مال؛‬
‫وهنا فقد يبدأ الحديث عن جريمة غسل األموال‪ ،‬ألن مقترف الجريمة األولى سوف يحاول‬
‫بشتى الطرق أن يشرعن المصدر غير المشروع لهذه األموال‪ ،‬بهدف إظهار األموال‬
‫المتحصلة منها في صورة أموال مشروعة‪ ،‬يستطيع استغالها في أي عمل قانوني‪ ،‬وبالتالي‬
‫يصعب على السلطات المعنية التعرف عليها‪ ،‬ومالحقته جنائيا‪ .‬وألن البحث موضوعه هو‬
‫دور سلسلة الكتل في الحد من جريمة غسل األموال‪ ،‬فأنه من غير المجدي لهذا الدراسة تناول‬
‫كافه أركان الجريمة‪ ،‬ولكن نقصر بحثنا فقط على المسائل التي اذا تم التعرف عليها‪ ،‬نستطيع‬
‫أن نقدم بعض الحلول أمام الجهات المختصة بمكافحة غسل األموال أن تضعها في الحسبان‪،‬‬
‫وتطالب من الجهات التشريعية ضرورة إدخالها في التشريعات القائمة‪ ،‬بهدف االستفادة من‬
‫التقنيات الحديثة في الحد من هذه الجرائم ال سيما سلسلة الكتل‪ ،‬لما تتميز به هذه التقنية من‬
‫السرعة والشفافية‪ ،‬والثقة بين المتعاملين على سلسلة الكتل‪ ،‬ولعدم قابلتها للتصحيح إال عبر‬
‫كتلة أخري‪ ،‬تضم إلى سلسلة الكتل بعد تحقق اإلجماع عليها‪ ،‬وعليه سوف يتضمن هذا المطلب‬
‫فرعين‪ :‬األول يتناول الشرط المفترض لهذه الجريمة؛ والثاني نسرد فيه الركن المادي لجريمة‬
‫غسل األموال‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الشرط المفترض‪ 89‬لجريمة غسل األموال‬
‫للطبيعة الخاصة لجريمة األموال يتبين أنها تتطلب شرط مفترض "مسبق" على أركان‬
‫الجريمة‪ ،‬أي ال حديث على أركان الجريمة إال بتوافر هذا الشرط‪ ،‬وال يعنى توافره وقوع‬
‫الجريمة‪ ،‬ونستطيع القول بأن هذه الجريمة تتطلب شرطين مفترضين‪ :‬األول‪ ،‬يتمثل في أن‬
‫نكون بصدد فعل غير المشروع – وقد يكون جريمة أو فعل غير مشروع لم تتوافر فيه أركان‬
‫الجريمة؛ والثاني ‪ :‬أن يترتب على هذا الفعل غير المشروع متحصالت في الغالب ما تكون‬
‫مال‪ ،‬وسنتناول بالشرح كل شرط على حده‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الفعل غير المشروع "الجريمة السابقة"‪ :‬أتفق كل من االتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا‬
‫الشأن‪ ،‬والقوانين الوطنية محل الدراسة‪ ،‬على ضرورة أن يكون هناك جريمة أصلية‪ ،‬سابقة‬
‫على جريمة غسل األموال‪ ،‬ولكن كان االختالف بينهم في تحديد نطاق هذه الجريمة؛ ففي‬
‫بداية األمر قصر أغلبهم هذه الجريمة على نوع معين من هذه الجرائم مثل جريمة اإلتجار‬
‫بالمخدرات‪ ،90‬ثم وسعت بعد ذلك من نطاق هذه الجريمة‪ ،‬وأدخلت عدد كبير من الجرائم‪،‬‬
‫ولكن في التعديالت التي لحقت بهذه التشريعات فيما بعد‪ ،‬تالحظ لنا أن أغلب التشريعات‪،‬‬
‫ومنها التشريعات محل الدراسة‪ ،‬تبينت معيار عام وهو وضع تعريف لهذه الجريمة فقط‪،‬‬
‫ولكن تعريف عام يدخل جميع الجرائم المنصوص عليها في قانونها العقابي؛ حيث تم تعريفها‬
‫" كل فعل يشكل جناية أو جنحة وفقا للتشريعات النافذة في الدولة‪ ،‬سواء ارتكبت داخل الدولة‬
‫أو خارجها متى كان معاقبا عليها في كلتا الدولتين‪.91‬‬

‫‪ 89‬الشرط المفترض " أمر يتطلب القانون توافره لوقوع بعض الجرائم دون أن يدخل في عداد أركان الجريمة"‪،‬‬
‫يتميز بأن عدم توافره ينفي الجريمة؛ ويسبق الركن في توافره‪ ،‬وال يعني توافره وقوع الجريمة‪ ،‬وإثباته يوجب‬
‫الرجوع إلى القواعد المقررة له في القانون غير العقابي الذي يخضع له‪ ،‬يراجع في ذلك تفصيال‪ ،‬د‪ .‬أشرف توفيق‬
‫شمس الدين‪ ،‬شرح قانون العقوبات – القسم العام "النظرية العامة للجريمة والعقوبة"‪ ،-‬الطبعة الخامسة‪،2015 ،‬‬
‫دون دار نشر‪ ،‬ص ‪12‬؛ د‪ .‬غنام محمد غنام‪ ،‬د‪ .‬تامر محمد صالح‪ ،‬قانون الجزاء‪ -‬القسم العام‪ :‬نظرية الجريمة‬
‫"الكتاب األول"‪ -‬الطبعة الثانية‪ ،2017 ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 90‬مثل اتفاقية فيينا ‪ 1988‬لمكافحة اإلتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية‪ ،‬ويراجع في ذللك‬
‫القوانين محل الدراسة قبل تعديلها‪.‬‬
‫‪ 91‬يراجع في ذلك المادة (‪ )1‬من قانون تحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪2018‬؛ المادة (‪ )4‬من المرسوم السلطاني‬
‫رقم ‪ 30‬لسنة ‪2016‬؛ المادة (‪/1‬ج) من قانون ‪ 80‬لسنة ‪ 2002‬المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ‪36‬‬
‫لسنة ‪.2014‬‬
‫‪97‬‬
‫ثار تساؤل بشأن الجريمة السابقة‪ ،‬من حيث ضرورة أن يصدر فيها حكم باإلدانة‪ ،‬أم يكفي‬
‫أن يصدر حكم بالبراءة‪ ،‬وكان الرأي الراجح أنه ال يشترط أن يصدر حكم باإلدانة في الجريمة‬
‫السابقة‪ ،‬ولكن يكفي أن يكون تكون هناك دالئل على وقوع الفعل غير المشروع‪ ،92‬ولقد أخذ‬
‫بذلك المشرع اإلماراتي بموجب المادة ‪ 3/2‬من قانون اتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 2018‬الخاص‬
‫بغسل األموال حيث نصت على أنه " ال يشترط حصول اإلدانة بارتكاب الجريمة األصلية‬
‫إلثبات المصدر غير المشروع للمتحصالت"‪ ،93‬وما دام األمر كذلك فلما تطلب المشرع أن‬
‫تكون هناك جريمة سابقة‪ ،‬فكان من األفضل أن يستعمل مصطلح فعل غير مشروع سواء‬
‫أكان هذا الفعل يمثل جريمة أو ال يمثل جريمة‪ ،‬وهذا سيودي إلى توسيع نطاق الفعل السابق‬
‫على جريمة غسل األموال‪ ،‬وهذا ما أشار إلية قانون اإلمارات االسترشادي لمكافحة جرائم‬
‫تقنية المعلومات‪ ،‬عند النص على جريمة غسل األموال التي تقترف عبر الشبكة المعلوماتية‬
‫أو أحد أجهزة الحاسب األلي وما في حكمها‪ ،‬حيث أكتفي أن تكون األموال محل الجريمة‬
‫مستمدة من مصدر غير مشروع‪ ،‬دون تطلب جريمة معينة‪.94‬‬
‫تظل فرضية أخرى‪ ،‬اذا كانت الجريمة السابقة "محل المصدر غير المشروع" لم يفصل فيها‬
‫بعد‪ ،‬وأصبحت من اختصاص المحكمة التي تنظر جريمة غسل األموال‪ ،‬فهنا تعد الجريمة‬

‫‪ 92‬د‪ .‬دليلة مباركي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪177‬؛ د‪ .‬سامي محمد غنيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪11‬؛ حامد عبداللطيف‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬جريمة غسل األموال وسبل مكافحتها‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،2012-2011 ،‬ص ‪32‬؛‬
‫‪MAMDOU DIAN DIALLO, les mutation de l.anti-blanchiment a l’aune de la‬‬
‫‪profession bancaire et de libertes individuelles, these de doctrat, 2017, P.‬‬
‫‪.13 et s‬‬
‫‪ 93‬وكذلك المادة (‪ )7‬من المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 2016‬بإصدار قانون مكافحة غسل االموال‬
‫وتمويل االرهاب‪.‬‬
‫‪ 94‬المادة (‪ )19‬من قانون اإلمارات االسترشادي لمكافحة جرائم تقنية المعلومات وما في حكمها‪ ،‬المعتمد‬
‫من مجلس وزراء العدل العرب في دورته التسعة عشرة بالقرار رقم ‪-495‬د‪ ،2003/10/8 -14‬ومجلس‬
‫وزراء الداخلية العرب في دورته الحادية والعشرون بالقرار رقم ‪-417‬د‪ 2014/21‬حيث تنص على أنه "‬
‫كل من قام بتحويل األموال غير المشروعة أو نقلها أو تمويه المصدر غير المشروع لها أو إخفائه‪ ،‬أو قام‬
‫باستخدام أو اكتساب أو حيازة األموال مع العلم بأنها مستمدة من مصدر غير مشروع‪ ،‬أو قام بتحويل الموارد‬
‫أو الممتلكات‪ ،‬مع العلم بمصدرها غير المشروع‪ ،‬وذلك عن طريق استخدام الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة‬
‫الحاسب اآللي وما في حكمها‪ ،‬بقصد إضفاء الصفة غير المشروعة على تلك األموال أو أنشأ موقعا الرتكاب‬
‫هذه األفعال يعاقب بالسجن "‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫السابقة مسألة أولية يجب الفصل أوال قبل الفصل في جريمة غسل األموال‪ ،‬وهذا ما نص‬
‫علية قانون اإلجراءات الجزائية في الدول محل الدراسة‪ ،95‬وما قضت به محكمة النقض‬
‫المصرية " لما كانت الجريمة المصدر تعد شرطا مفترضا في جريمة غسل األموال وترتبط‬
‫معها ارتباطا وثيقا‪ ،‬بل تدور معها وجودا وعدما‪ ،‬فال مجال للحديث عن جريمة غسل األموال‬
‫ما لم توجد أموال متحصلة من مصدر غير مشروع ويشكل جريمة‪ ،‬ولذلك يجب إذا لم تكن‬
‫هناك دعوى جزائية مرفوعة بشأن جريمة المصدر أن تتولى المحكمة التي تنظر جريمة‬
‫غسل األموال إثبات جريمة المصدر أوال ثبوتا يقينيا ألنها شرطا مفترضا في جريمة غسل‬
‫األموال"‪96‬؛ وهناك فرضية أخرى‪ ،‬حال ما اذا كان قد تم تحريك الدعوى العمومية عن‬
‫الجريمة السابقة‪ ،‬وفي نفس الوقت تم تحريكها عن غسل األموال‪ ،‬فهنا وفقا للمستقر عليه في‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬يجب على القاضي الذي تم تحريك الدعوى العمومية عن جريمة‬
‫غسل األموال‪ ،‬أن يوقف نظرها لحين الفصل في الدعوى العمومية للجريمة السابقة‪.97‬‬
‫تناولنا الشرط المفترض األول وهو الفعل غير المشروع؛ ولكن يجن أن يتحصل الفاعل على‬
‫متحصالت من جراء هذه الفعل غير المشروع‪ ،‬فهل يشترط المشرع شرائط معينة في هذه‬
‫المتحصالت‪ ،‬وما طبيعة هذه المتحصالت‪ ،‬وما موقف كل من المشرع الدولي والوطني في‬
‫هذ الشأن‪ ،‬وهذا ما سوف تناوله في الفرع الثاني‪.‬‬

‫‪ 95‬المادة (‪ )221‬من قانون اإلجراءات الجنائية المصري؛ المادة (‪ )151‬من قانون اإلجراءات الجزائية‬
‫العُماني؛ المادة (‪ )148‬من قانون اإلجراءات الجزائية اإلماراتي؛ يراجع في ذلك‪ ،‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس‬
‫الدين‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية –الجزء الثاني " المحاكمة والطعن"؛ الطبعة الخامسة‪ ،2017 ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬ص ‪602‬؛ د‪ .‬طارق أحمد ماهر زغلول‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية العُماني –الجزء‬
‫الثاني " المحاكمة وطرق الطعن في األحكام"؛ الطبعة األولى‪ ،2016 ،‬دار الكتاب الجامعي‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪ 96‬حكم محكمة النقض المصرية ‪ 12808‬سنة ‪ 82‬قضائية بتاريش ‪ 12‬مايو ‪2013‬؛ نقض جلسة ‪ 21‬مايو‬
‫مجموعة أحكام النقض‪ ،‬س‪ ،43‬ص ‪566‬؛ نقض جلسة ‪ 29‬نوفمبر ‪ 1994‬مجموعة أحكام النقض‪،‬‬
‫س‪،43‬ص ‪.1039‬‬
‫‪ 97‬المادة (‪ )222‬من قانون اإلجراءات الجنائية المصري؛ المادة (‪ )152‬من قانون اإلجراءات الجزائية‬
‫العُماني؛ المادة (‪ )148‬من قانون اإلجراءات الجزائية اإلماراتي ‪ ،‬يراجع في ذلك‪ ،‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس‬
‫الدين‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ‪603‬؛ د‪ .‬طارق أحمد ماهر زغلول‪ ،‬نفسه‪ ،‬ص ‪132‬‬
‫‪99‬‬
‫ثانياً‪ :‬المتحصالت غير المشروعة‪ :‬تطلب المشرع إلى جانب الفعل غير المشروع‪ ،‬أن ينتح‬
‫عن هذا الفعل متحصالت‪ ،‬وفي الغالب ما تكون مال‪ ،‬ومن نصوص االتفاقيات الدولية‬
‫والنصوص الوطنية‪ ،‬يتبن أن البعض يسميها متحصالت والبعض األخر يسميها أموال‪ ،‬أيا‬
‫كان المصطلح المستخدم من قبل المشرع‪ ،‬إال أنه المؤكد هو ضرورة أن يترتب على الفعل‬
‫غي المشروع متحصالت‪ ،‬وهى التي ستكون محال لجريمة غسل األموال؛ وبالتالي نلحظ أن‬
‫المشرعين قد اهتموا بتعريفها؛ فمثال اتفاقية فيينا‪ ،‬في المادة (‪ )1‬عرفت المتحصالت بأنها "‬
‫أي أموال مستمدة أو تم الحصول عليها بطريق مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جريمة‬
‫منصوص عليها المادة (‪)1/3‬؛ كما أنها عرفت األموال في المادة (‪/1‬ف) بأنها " األصول‬
‫أيا كان نوعها مادية أو غير مادية‪ ،‬منقولة أو ثابتة‪ ،‬ملموسة أو غير ملموسة‪ ،‬والمستندات‬
‫القانونية أو الصكوك التي تثبت تملك تلك األموال أو أي حق متعلق بها"‪.98‬‬
‫إما التشريعات محل الدراسة لقد توسعت في تعريف متحصالت من الجريمة‪ ،‬وذلك عبر‬
‫التعديالت العديدة على قوانين غسل األموال‪ ،‬حيث أنها في أول األمر حتى عام ‪،2010‬‬
‫كانت تعرف األموال بذات التعريف الوارد في اتفاقية فيينا‪ ،‬ولكن منذ ‪ 2010‬بدأ التوسع في‬
‫تعريفها ل موال حتى يشمل كافة األموال المتعارف عليها األن سواء أكانت أموال تقليدية أو‬
‫إلكترونية أو رقمية‪ ،‬وكان تعريف المشرع العُماني في المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة‬
‫‪ 2016‬هو الجامع المانع‪ ،‬حيث عرفها بأنها "أي نوع من األصول أو الممتلكات بصرف‬
‫النظر عن قيمتها أو طبيعتها أو طريقة حيازتها‪ ،‬أيا كان شكلها إلكترونية أو رقمية‪ ،‬وسواء‬
‫أكانت موجودة في سلطنة عمان أو خارجها‪ ،‬وكل ما يتأتى منها أرباح أو فوائد مستحقة أو‬
‫موزعة بشكل كلي أو جزئي‪ ،‬وتشمل العملة الوطنية أو األجنبية‪ ،‬واألوراق المالية‪ ،‬والتجارية‪،‬‬
‫أو العقار أو المنقول المادي أو المعنوي‪ ،‬وجميع الحقوق أو المصالح المتعلقة بها‪ ،‬والصكوك‬
‫والمحررات المثبتة لكل ما تقدم‪ ،‬كما تشمل االئتمانات المصرفية والودائع والحواالت البريدية‬

‫‪ 98‬حامد عبداللطيف عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪35‬؛ مصطفى طاهر؛ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪62‬؛ د‪ .‬على‬
‫راغب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫والحواالت المصرفية وخطابات االئتمان‪ ،‬أو كل ما تعتبره اللجنة محال ألغراض هذا‬
‫القانون‪.99‬‬
‫من القراءة المتأنية لهذا التعريف يتبين أنه يتفق مع السياسة الجنائية للمشرعين في مكافحة‬
‫جريمة غسل األموال‪ ،‬التي تهدف إلى التوسع في األشياء التي تعد محال لهذه الجريمة‪ ،‬حتى‬
‫ال تترك مجال للمجرمين التذرع بمثل هذه الثغرات؛ كما أن هذا التعريف الموسع يجعل أنه‬
‫من الممكن بسط الحماية الجزائية على الصور التي من المتصور وقوعها عبر المنصات‬
‫الخاصة بالعمالت االفتراضية مثل البت كوين‪ ،‬وما يتم منها من خالل سلسلة الكتل "البلوك‬
‫شين"‪ ،‬وبالتالي نسد أي منفذ من الممكن للمجرمين أن يتسللوا منها القتراف مثل هذه األفعال‪،‬‬
‫وأخيرا فهذا التعريف يتفق مع التوجه الذي ننتهجه في تعريف الجريمة السابقة بأنها المصدر‬
‫غير المشروع‪ ،‬سواء نتج عن جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون أو الجزائي‪،‬‬
‫أو من أي مصدر غير مشروع أخر حتى ولو لم يشكل جريمة‪ ،‬حيث أن تعريفه بأنه الجريمة‬
‫السابقة‪ ،‬يضيق من نطاق تطبيق القواعد التي سنتها االتفاقيات أو القوانين الداخلية‪ ،‬مما يجعلها‬
‫قاصرة على تحقيق الحماية الجنائية الالزمة لمحاربة غسل األموال صوره‪ ،‬خاصة في ظل‬
‫التطور التكنولوجي غير العادي‪ ،‬الذي يتغير من بين لحظة وأخري‪ ،‬خاصة في عالم العمالت‬
‫االفتراضية "المشفرة"‪ ،‬وما يؤكد هذا هو االتجاه الغالب في القضاء األمريكي‪ ،‬يعتبر أن‬
‫العملة الرقمية "البت كوين" ماال يدخل في مدلول غسل األموال‪ ،‬في قضية ‪Shavers‬‬
‫‪ 2014‬المحكمة اعتبرت أن البت كوين نقود‪ ،‬على أساس استخدمها في شراء السلع‬

‫‪ 99‬تراجع المادة (‪ )1‬من المرسوم السلطاني رقم ‪2016/30‬؛ ولكن القانون اإلماراتي والقانون المصري‬
‫اقتصر تعريفة ل موال بأنها " األصول أيا كان نوعها مادية أو معنوية‪ ،‬منقولة أو ثابتة بما فيها العملة الوطنية‬
‫والعمالت األجنبية والمستندات أو الصكوك التي تثبت تملك تلك األصول أو الحقوق المتعلقة بها أيا كان‬
‫شكلها بما في ذلك الشكل اإللكتروني أو الرقمي‪ ،‬أو أي فوائد أو أرباح أو دخول أخرى متأتية أو ناتجة من‬
‫هذه األصول"‪ ،‬تراجع المادة (‪ )1‬من القانون االتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪2018‬؛ والمادة (‪/1‬ا) من القانون رقم‬
‫‪ 80‬لسنة ‪ 2002‬المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ‪ 36‬لسنة ‪.2014‬‬
‫‪101‬‬
‫والخدمات‪ ،‬ودفع نفقات الحياة الشخصية‪ ،‬يمكن تبادل قيمتها بغيرها من العمالت القانونية‪،‬‬
‫وبالتالي فهي عملة أو صورة من صور النقود‪.100‬‬
‫عليه نكون قد انهينا الشرط المفترض في جريمة غسل األموال‪ ،‬ولكن يظل التساؤل متى تقع‬
‫جريمة غسل األموال‪ ،‬بمعني ما اللحظة التي من الممكن القول بأننا بصدد جريمة غسل‬
‫األموال‪ ،‬في سبيل اإلجابة على هذا التساؤل‪ ،‬نتناول أركان جريمة غسل األموال بالقدر الذي‬
‫يخدم فكرة بحثنا‪ ،‬ولذلك سوف نقتصر فقط على الركن المادي لجريمة‪ ،‬وسيكون ذلك الفرع‬
‫الثاني‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الركن المادي لجريمة غسل األموال‬
‫الركن المادي ألي جريمة يتضمن عناصر ثالث‪ :‬السلوك اإلجرامي‪ ،‬وال جريمة دون سلوك‬
‫إجرامي؛ النتيجة اإلجرامية‪ ،‬وهي غير متطلبة في مجموعة من الجرائم مثل الجرائم الشكلية‬
‫أو السلوكية‪ ،‬التي تقترف بمجرد السلوك المجرد دون الحاجة إلى نتيجة‪ ،‬وجريمة غسل‬
‫األموال –في الغالب‪ -‬من هذه الجرائم؛ وعالقة السبية‪ ،‬وال تكون إال في الجرائم التي تتطلب‬
‫تحقق نتيجة إجرامية‪ ،‬ألنها تعتبر الرابطة السببية التي تربط بين كل من السلوك اإلجرامي‬
‫والنتيجة اإلجرامية؛ وألن جريمة غسل األموال من الجرائم التي ال تحتاج إلى نتيجة‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن هذا المطلب سوف يقتصر على تناول صور السلوك اإلجرامي لهذه الجريمة فقط؛ ولكن‬
‫قبل تناول هذه الصور‪ ،‬وألن هذ الجريمة ذات طبيعة خاصة في تكوينها‪ ،‬أو طريقة اقترافها؛‬
‫وألن عملية شرعنه األموال المتحصلة من مصدر غير مشروع –في العادة‪ -‬تمر بمراحل‬
‫عديدة‪ ،‬حتى تتم عملية شرعنه "غسل األموال" ل موال المتحصلة من مصدر غير مشروع؛‬
‫وعليه سيكون هذا الفرع مكون من موضوعين؛ في األول نتناول مراحل عملية شرعنه‬
‫"غسل" متحصالت المصدر غير المشروع؛ ثم نعرض لصور السلوك اإلجرامي لجريمة‬

‫‪ 100‬يراجع في ذلك تفصيال‪ ،‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت االفتراضية في نظر السياسة‬
‫الجنائية‪ ،‬المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة‪ ،‬بعنوان‬
‫"العمالت االفتراضية في الميزان"‪ 17-16 ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص ‪.673‬‬
‫‪102‬‬
‫غسل األموال‪ ،‬وفي كال الموضوعين سوف نتعرض اذا لزم األمر إلى مدي إمكانية استخدام‬
‫تقنية البت كوين والبلوك شين في هذا الشأن‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مراحل شرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ :‬من القراءات المستفيضة في هذا األمر‬
‫يتبين أن عملية شرعنه المتحصالت الناتجة عن المصدر غير المشروع تمر بمراحل عدة‬
‫حتى يصل األمر إلى أن المتحصالت غير المشروعة تظهر وكأنها مشروعة‪ ،‬وبالتالي يصعب‬
‫على الجهات الرقابية المنوط بها مكافحة غسل الجريمة اكتشاف عدم مشروعية هذه‬
‫المتحصالت‪ ،‬وهناك مراحل تقليدية؛ وأخرى حديثة‪ ،‬وسوف نعرض لهذه المراحل‪:‬‬

‫‪ -1‬المراحل التقليدية لشرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ :‬والراجح أن هذه المراحل ثالث‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬اإليداع أو اإلحالل‪ :‬ويتم في هذه المرحلة إدخال أو محاولة إدخال‬
‫المتحصالت غير المشروعة في النظام المالي للدولة الذي يقوم على األعمال‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫بواسطة بوسائل عدة منها‪ :‬إيداعات بنكية؛ شراء األوراق المالية؛ إنشاء شركات وهمية أو‬
‫شركات واجهة ‪ Front Company‬التي تظهر بمظهر المشروع‪101‬؛ المرحلة الثانية‪:‬‬
‫التمويه‪ :‬وتسمى أيضا بالتعتيم أو الفصل‪ ،‬وهي المرحلة التي يقوم فيها حائز األموال غير‬
‫المشروعة إلخفاء المصدر غير المشروع ل موال‪ ،‬حيث يتم فيها فصل المال عن أصله وذلك‬
‫من خالل طبقات متعددة ومعقدة من العمليات المالية‪ ،‬والتي تهدف إلى إخفاء معالم‬
‫المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬وإبعاده قدر اإلمكان عن مراقبة الجهات المعنية بالكشف غن‬
‫األفعال غير المشروعة؛ المرحلة الثالثة‪ :‬الدمج أو التغطية‪ :‬هذه المرحلة تأتي بعد شرعنه‬
‫المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬فيحاول حائزها أن ضخها في االقتصاد مرة أخرى كأموال‬
‫شرعية‪ ،‬حتى تصبغ بالمظهر القانوني‪ ،‬ويتم ذلك من خالل‪ :‬االشتراك في مشروع تجاري‬

‫‪ 101‬د‪ .‬حامد عبداللطيف عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪71‬؛ مصطفى طاهر؛ المواجهة التشريعية لظاهرة‬
‫غسل األموال المتحصلة من جرائم المخدرات‪ ،‬مطابع الشرطة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون؛ د‪ .‬على‬
‫راغب‪ ،‬ماهية تحويل وإخفاء األموال المتحصلة من جرائم المخدرات ودور المدعى العام االشتراكي في‬
‫مواجهتها‪ ،‬ندوة الجرائم االقتصادية المستحدثة‪ ،‬المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية‪ ،‬القاهرة ‪-20‬‬
‫‪ 21‬أبريل ‪.1993‬‬
‫‪103‬‬
‫أخر يعرف بمشروعيته‪ ،‬بحيث يصعب الفصل بين المال المتحصل من مصدر غير مشروع‬
‫‪ ،‬والمال المتحصل من مصدر مشروع؛ وقد يكون ذلك أيضا عبر بيع وشراء العقارات‬
‫بواسطة شركات الغطاء أو الواجهة"" تشتري ثم تبيع"؛ القروض الصورية والوهمية؛‬
‫التحويالت البرقية؛ البنوك الخاصة‪ ،‬سماسرة العملة‪ ،‬سوق المزيدات العلنية‪.102‬‬
‫‪ -2‬المراحل الحديثة لشرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ :‬بعد العرض الموجز لمراحل‬
‫غسل األموال‪ ،‬ومن نافلة القول أنه من الممكن أن تتشابك أو تتداخل هذه المراحل في بعض‬
‫األحيان‪ ،‬ويكون من الصعب الفسل بينهما‪ ،‬وتسمى باالتجاه الحديث أو نظرية ديناميكية‬
‫الغسل‪ ،‬التي تعمد على أن المرور بهذه المراحل غير متطلب في بعض الحاالت‪ ،‬ألن كل‬
‫حالة من حاالت الغسل لها متطلبات خاصة بها‪ ،‬حسب الظروف التي قد تمر بها‪ ،‬وأنصار‬
‫هذه االتجاه يقسم غسل األموال إلى ثالثة‪ :‬األولى‪ ،‬الغسل البسيط‪ ،‬وتهدف إلى شرعنه‬
‫المتحصالت غير المشروعة خالل فترة وجيزة‪ ،‬وذلك بكميات محدودة‪ ،‬ويستعمل هذا النوع‬
‫في شرعنه المتحصالت غير المشروعة أقصر الدورات لتحويل هذه المتحصالت‪ ،‬وغالبا ما‬
‫تتم في دول تتميز قوانينها بمحدودية القيود القانونية على تداول األموال والتي قد تنعدم في‬
‫بعض األحيان؛ الثانية‪ ،‬الغسل المدعم‪ ،‬والغرض منها هو إعادة استثمار المتحصالت غير‬
‫المشروعة في أنشطة مشروعة أكبر حجما‪ ،‬ويتم ذلك في دول ذات التشريعات الحازمة في‬

‫‪ 102‬يرى البعض بأن هناك مرحلة رابعة وهي مرحلة إعادة التوطين أو التدوير؛ وفيها يتم إعادة توظيف‬
‫األموال المغسولة‘ بإرجاعها إلى مصدرها األصلي بشكل تبدوا وكأنها آتية من مصدر مشروع‪ ،‬وبالتالي‬
‫يصعب على الجهات الرقابية اكتشافها‪ ،‬والوصول إلى الحقيقة‪ ،‬ولكن من جانبنا نري أن هذه المرحلة تؤدي‬
‫نفس دور المرحلة الثالثة وبالتالي ال تحتاج عملية الغسل إلى هذه المرحلة‪ ،‬يراجع في ذلك‪ ،‬دليلة مباركي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪23‬؛ د‪ .‬محمد حافظ الرهوان‪ ،‬غسيل األموال مفهومها؛ خطورتها؛ واستراتيجية مكافحتها‪،‬‬
‫مجلة الحقوق‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬العدد ‪ ،2003‬ص ‪137‬؛ د‪ .‬محمد محي الدين عوض‪ ،‬غسيل األموال‬
‫تاريخه‪ ،‬تطوره‪ ،‬أسباب تجريمه وطرق مكافحته‪ ،‬مجلة البحوث القانونية واالقتصادية‪ ،‬كلية الحقوق جامعة‬
‫المنصورة‪ ،‬العدد الخاص باليوبيل الفضي للكلية‪ ،1999 ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪Sophie Petrini – Jonquet : politique criminelle en matière de blanchiment de‬‬
‫‪la lutte national aux obstacles intarnationaux. Thèse de doctorat, Tome 1,‬‬
‫‪1997, P.139.-; Peter Hagel, La lutte anti-blanchiment d'argent menée par‬‬
‫‪l'union européenne. Centre de recherche sociologique sur le droit et les‬‬
‫‪institutions pénales, P 04. septembre 2003.‬‬
‫‪104‬‬
‫غسل األموال؛ الثالثة‪ ،‬الغسل المتقن‪ ،‬وتتم عبر قيام الشركات التجارية حول العالم بنقل‬
‫األموال بطريقة سريعة‪ ،‬وباستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية التي تحول دون تتبع األموال‬
‫المستثمرة‪ ،‬ومنها منصات تداول األموال المشفرة مثل البت كوين‪.‬‬
‫بعدما تناول مراحل شرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬سواء التقليدية أو الحديثة‪ ،‬نستطيع‬
‫القول بأن منصات تداول العمالت المشفرة مثل البت كوين وغيرها‪ ،‬تعتبر مالذا أمنا‬
‫للمجرمين الراغبين في غسل أموالهم عبر هذه المنصات‪ ،‬ويرجع ذلك إلى عدة أسباب‪ :‬قلة‬
‫تكاليف عمليات شرعنه المتحصالت غير المشروعة بالمقارنة بالوسائل التقليدية؛ سرعة تنفيذ‬
‫هذه العمليات عبر تلكم المنصات التي تتم عبر اإلنترانت‪ ،‬دون الحاجة إلى الدورة المستندينة‬
‫في الوسائل المصرفية العادية؛ الوثوق في هذه العمليات‪ ،‬خاصة بعد استخدام ما يعرف بسلسلة‬
‫الكتل‪ ،‬التي يتم التحقق منها من قبل المتعاملين عبر المنصة‪ ،‬دون الحاجة إلى وسيط‪ ،‬ولعدم‬
‫قابليتها للتعديل إال بعمل كتلة أخري تمر بنفس مراحل الكتلة السابقة‪ ،‬وبمجرد اإلجماع عليها‬
‫يتم ضمها إلى سلسلة الكتل؛ وسيلة أمنه في التخلص من المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬ألنها‬
‫ال تتطلب التحقق من الهوية؛ أو التأكد من مصدر هذه المتحصالت‪ ،‬وصفة الالمركزية التي‬
‫تتسم بها هذه المنصات‪ ،‬وبالتالي تكون في مأمن من الجهات الرقابية المنوط بها مكافحة‬
‫الجرائم‪ ،‬ال سيما جرائم غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪ ،‬لذا لجأ إليها الكثير من الجماعات‬
‫اإلجرامية باعتبارها هي المالذ األمن‪.103‬‬
‫ومن الحاالت التي استخدام ال ‪ Bitcoin‬في غسل األموال هي قضية بالواليات المتحدة‬
‫األمريكية ضد ‪ ،Liberty Reserve‬وهي منصة تداول عبر األنترنت أسست عام‬

‫‪103‬‬ ‫‪See also David Lee Kuo Chuen, Handbook of Digital Currency: Bit coin,‬‬
‫‪Innovation, Financial Instruments, and Big Data (Academic Press, 2015) p.‬‬
‫‪569; The European Banking Authority (EBA) has announced that banks‬‬
‫‪should avoid any dealing with Bit coin until it is regulated. It also identified‬‬
‫‪at least 70 risks associated with Bit coin; Mandie Sami, ‘Bit coin Traders‬‬
‫‪accuse Australia's biggest Banks of Declaring War on Cryptocurrencies’, 22‬‬
‫‪September 2015, ABC News (online) http://www.abc.net.au/news/2015-09-‬‬
‫‪22/bitcoin-traders-claim-discrimination-by-australias-banks/6795782.‬‬
‫‪105‬‬
‫‪ ،2006‬مقرها في كوستاريكا حيث تم غسل ما يقرب من ‪ 6‬مليارات دوالر أمريكي من‬
‫خالل استخدام العمالت الرقمية مثل ‪ ،Bitcoin‬وتعمل هذه المنصة كنظام لتحويل األموال‬
‫عبر اإلنترنت‪ ،‬تم تصميمه بشكل متعمد لتجنب التدقيق التنظيمي وتخصيص خدماته للجهات‬
‫الراغبة في غسل المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬مكن هذا الموقع المجرمين من إرسال‬
‫واستقبال العملة االفتراضية بشكل مجهول‪ ،‬وكانت هذه المنصة مستخدمة في العديد من الدول‬
‫أستراليا والصين وقبرص وهونغ كونغ وروسيا وإسبانيا والواليات المتحدة‪ ،‬وفي مايو ‪2013‬‬
‫‪ ،‬تم إل قاء القبض على أصحاب هذه المنصة بتهمة غسل األموال‪ ،‬وجاء في الئحة االتهام‬
‫صمم نظام "ليبرتي ريزيرف" ليمكن المجرمين أن ينفذوا المعامالت المالية في‬
‫بشأنها أنه " ُ‬
‫ظل عمليات متعددة من عدم الكشف عن هويتهم وبالتالي يتجنبوا المخاوف من قبل سلطات‬
‫إنفاذ القانون في هذه الدول‪ ،‬وهي تعمل في الواقع بمثابة البنك المفضل للعالم الخفي للجريمة‪،‬‬
‫عندما يسجل المستخدم في ‪ ، Liberty Reserve‬فإنه يتطلب فقط من المستخدم إدخال‬
‫المعلومات الضرورية مثل األسماء وعنوان البريد اإللكتروني وتاريش الميالد ولكن الموقع‬
‫ال يتطلب التحقق من هذه المعلومات‪ ،‬وبالتالي ال توجد العناية الواجبة وفقا للتحقق من‬
‫معامالت المستخدمين نظرا للطبيعة غير المعروفة لـ ‪ ،Liberty Reserve‬وكان لديها‬
‫سياسة غسل األموال ‪ ،‬والتي يمكن الوصول إليها على الموقع اإللكتروني والتي ذكرت أنه‬
‫ال يجوز نقل أو محاولة نقل أو تحويل أموال تزيد قيمتها عن ‪ 10 000‬دوالر؛ أما داخل أو‬
‫خارج كوستاريكا أو أي بلدان أخرى لديها تشريعات مماثلة إذا كان الغرض هو تنفيذ نشاط‬
‫غير قانوني ‪ ،‬أو لتجنب متطلبات اإلبالغ‪ ،‬فهي كانت على دراية بأنشطة غسيل األموال‪،‬‬
‫ولكن يبدو أنها تتجاهلها‪ ،‬ولقد أشار المدعي العام إلى أن‪ :‬المهم هو ما تم ذكره في الئحة‬
‫االتهام أن غسل األموال من خالل استخدام العمالت االفتراضية يعتبر غسيل األموال ‪ ،‬وأن‬
‫الجريمة على اإلنترنت تعتبر جريمة"‪.104‬‬

‫‪ 104‬د‪ .‬حامد عبداللطيف عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪71‬؛ مصطفى طاهر؛ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪76‬؛ د‪.‬‬
‫على راغب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫بعد تناول مراحل شرعنه المتحصالت غير الشرعية‪ ،‬يتبق لنا أن نتعرف على صور السلوك‬
‫اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ ،‬وموقف كل من االتفاقيات الدولية أو التشريعات الوطنية‬
‫من صور هذا السلوك‪ ،‬هل وضعت معيار عام لهذا السلوك‪ ،‬أم أنها فعلت كما هو الحال في‬
‫بيان المؤسسات المالية الخاضعة لقانون مكافحة غسل األموال‪ ،‬التي اعتمدت فيه على نظام‬
‫السرد والتعدد لصور السلوك‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬صور السلوك اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ :‬بقراءة النصوص المتعلقة بغسل‬
‫األموال الواردة في االتفاقيات الدولية‪ ،‬يتضح أن موقف هذه االتفاقيات من صور السلوك‬
‫اإلجرامي لجريمة غسل األموال يعتبر واحد‪ ،‬وذلك بوضعها معيار عام واحد لتعريف جريمة‬
‫غسل األموال بأنها " تحويل األموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أية جريمة أو جرائم‬
‫منصوص عليها في االتفاقيات‪ ،‬أو فعل من أفعال االشتراك في مثل هذه الجرائم‪ ،‬بهدف إخفاء‬
‫أو تمويه الصور غبر المشروعة ل موال أو قصد المساعدة أي شخص‪ ،‬واكتساب هذه األموال‬
‫أو حيازتها أو استعمالها "‪.105‬‬
‫بالمقابل نجد أن التشريعات الوطنية محل الدراسة قد نحت منحى أخر‪ ،‬وهو معيار السرد‬
‫والتعدد‪ ،‬حيث عدد صور السلوك اإلجرامي على سبيل الحصر وهذا موقف منتقد من قبلنا‪،‬‬

‫‪Chinelle van der Westhuizen, Future digital money: The legal status and‬‬
‫‪regulation of bitcoin in Australia, these, 2017, The University of Notre Dame‬‬
‫‪Australia, P. 116; Christine Duhaime, Canada Implements World’s First‬‬
‫‪National‬‬ ‫‪Bitcoin‬‬ ‫‪Law‬‬ ‫‪(June‬‬ ‫‪2014),‬‬
‫‪http://www.antimoneylaunderinglaw.com/2014/06/canada-implements-‬‬
‫‪worlds-first-national-bitcoinlaw. Htm; Due to a Loophole in Canadian Law,‬‬
‫‪Bit coin Businesses Aren’t Really Regulated (2013) Business in Canada,‬‬
‫‪https://businessincanada.com/2013/10/28/due-to-a-loophole-in-canadian-‬‬
‫‪law-bitcoin-businessesarent- really-regulated/; LuAnne LaSalle, ‘More‬‬
‫‪Canadian Businesses Accepting Bit coin’, CTV News (online), 26 January‬‬
‫‪2014,http://www.ctvnews.ca/business/more-canadian-businesses-‬‬
‫‪accepting-bitcoin-1.1656423‬‬
‫‪ 105‬يراجع المادة (‪ )3‬من اتفاقية فيينا ‪1988‬؛ والتشريع النموذجي لمكافحة غسيل األموال الصادر في‬
‫‪1995‬؛ و اتفاقية ستراسبورغ الصادرة عن االتحاد األوربي ‪.1990‬‬
‫‪107‬‬
‫لما يحيط هذا النشاط من تغيرات بين اللحظة واألخرى ال سيما في عهد الجيل الرابع‪ ،‬وبالتالي‬
‫كان من األوفق أن يعتمد على السرد والتعدد‪ ،‬ولكن يترك السلطة للجهات المعنية بإنفاذ‬
‫القانون‪ ،‬أن تضيف أي صور جديد تستجد فيما بعد‪ ،‬ال سيما بأن المجرمين يطورن من‬
‫نشاطهم اإلجرامي حسب التطور الذي يلحق الحياة االجتماعية؛ وباستقراء نصوص‬
‫التشريعات محل الدراسة بشأن صور السلوك اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ ،‬يتبين أن‬
‫مسلك المشرع العُماني هو األوفق‪ ،‬ال سيما مع خطورة الجريمة‪ ،‬والتطورات التي تلحق‬
‫بأساليب شرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬؛ حيث قضي بالمادة (‪ )6‬من المرسوم‬
‫السلطاني رقم ‪ 2016/ 30‬بأنه " يعد مرتكبا لجريمة غسل األموال كل شخص‪ ،‬سواء أكان‬
‫هو مرتكب للجريمة األصلية أو شخص أخر‪ ،‬يقوم عمدا بأحد األفعال‪ ،‬مع أنه يعلم أو كان‬
‫عليه أن يعلم أو يشتبه بأن األموال عائدات جريمة‪ :‬أ‪ -‬استبدال أو تحويل األموال بقصد تمويه‬
‫أو إخفاء طبيعة ومصدر تلك العائدات غير المشروع‪ ،‬أو مساعدة شخص قام بارتكاب الجريمة‬
‫األصلية لإلفالت من العقوبة‪ .‬ب‪ -‬تمويه أو إخفاء الطبيعة الحقيقة ل موال أو مصدرها أو‬
‫مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها‪ .‬ج‪ -‬تملك األموال‬
‫أو حيازتها أو استخدامها عند تسلمها"‪ ،‬من هذا النص يمكن القول بأن جريمة غسل األموال‬
‫– في الغالب األعم‪ -‬من جرائم السلوك المجرد الشكلية‪ ،‬أي التي تقترف بمجرد إتيان السلوك‬
‫اإلجرامي دون الحاجة إلى تحقق نتيجة معينة‪ ،‬ولكن في حاالت بسيطة تنقلب الجريمة وتصبح‬
‫من الجرائم المادية "ذات النتيجة" كما هو الحال في استبدال أو تحويل األموال بقصد تمويه‬
‫أو إخفاء طبيعته ومصدره‪ ،‬فإذا لم يترتب على سلوك االستبدال أو التحويل الذي ارتكبه المتهم‬
‫إخفاء أو تمويه طبيعة ومصدر المال‪ ،‬ال نكون بصدد جريمة تامة‪ ،‬ولكن نكون بصدد شروع‬
‫في الجريمة اذا توافرت شرائطه القانونية‪.106‬‬

‫‪ 106‬د‪ .‬حامد عبداللطيف عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪75‬؛ مصطفى طاهر؛ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪84‬؛ د‪.‬‬
‫على راغب‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫كما أن المشرع العُماني سلك منحى لم يسلكه كل من المشرع اإلماراتي أو المصري‪ ،‬حيث‬
‫أنه عرف المعاملة محل شرعنه المتحصالت تعريف جامعا مانعا بأنها‪ ،‬في نهاية التعريف‬
‫أطلق يد الجهة الرقابية في إضافة أو صورة أخرى من صور المعاملة‪ ،‬كما نص عن‬
‫المعامالت التي يمكن أن تتم عبر الوسائل اإللكترونية – محل الدراسة‪ -‬وذلك في المادة (‪)5‬‬
‫من ذات القانون حيث قصى بأن المعاملة هي " شراء أو بيع أو قرض أو تعهد أو أي نوع‬
‫من أنواع االئتمان وتمديده أو رهن أو هبة أو تحويل أو نقل أو تسليم‪ ،‬وفتح حساب أو إيداعا‬
‫أو سحبا أو تحويال أو استبدال ل موال بأي عمله سواء نقدا أو شيكات أو بأمر دفع أو بأي‬
‫صك آخر‪ ،‬أو بوسائل إلكترونية أو أي وسائل غير مادية أخرى‪ ،‬استخدم صناديق اإليداع أو‬
‫أي شكل أخر من أشكال اإليداع األمن أو الدخول في عالقة استئمانيه‪ ،‬أو إجراء أي مدفوعات‬
‫تؤدى أن تقبض للوفاء‪ ،‬كليا أو جزئيا‪ ،‬بأي التزام تعاقدي أو غيره من االلتزامات القانونية‪،‬‬
‫أو إنشاء أو استحداث شخصية اعتبارية أو ترتيب قانون‪ ،‬وكل تصرف أخر في األموال أو‬
‫أي معاملة أخرى تحددها الجهة الرقابية"‪.107‬‬

‫ال يشترط أن يكون الشخص في المصدر غير المشروع للمتحصالت هو نفسه المتهم باقتراف‬
‫أي صورة من صور النشاط اإلجرامي في جريمة غسل األموال‪ ،‬فقد يحصل "أحمد" متحصال‬
‫غير مشروعة‪ ،‬ثم يعطيها إلى "ياسين"‪ ،‬يكون لديه خبرة في ممارسة أساليب غسل األموال‪،‬‬
‫فهنا يكون المسئول عن الجريمة هو كل من "أحمد" و "ياسين"‪" ،‬ياسين" باعتباره فاعل‬

‫‪ 107‬أما المشرع اإلماراتي حصر صور السلوك اإلجرامي لجريمة غسل األموال في الفقرة األولى من مادته‬
‫الثانية من القانون االتحادي رقم ‪ 20‬لسنة ‪ 2018‬حيث قضى بأنه يعد مرتكبا لجريمة غسل األموال كل من‬
‫كان عالما بأن األموال متحصلة من جناية أو جنحة‪ ،‬أو ارتكب عمدا أحد األفعال األتية‪ :‬حول المتحصالت‬
‫أو نقلها أو أجرى أي عملية بها بقصد إخفاءه أو تمويه مصدرها غير المشروع؛ أخفى أو موه حقيقة‬
‫المتحصالت أو مصدرها‪ ،‬أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها؛‬
‫اكتسب أو حاز أو استخدم المتحصالت عند تسلمها؛ مساعدة مرتكب الجريمة األصلية على اإلفالت من‬
‫العقوبة؛ كما يراجع المادة (‪ )2‬من القانون رقم ‪ 80‬لسنة ‪ 2002‬المستبدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم‬
‫‪ 36‬لسنة ‪ ‘2014‬والمادة(‪ )2‬من الئحته التنفيذية الصادرة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ‪951‬‬
‫لسنة ‪ 2003‬المعدلة بعدة قرارات أخرها القرار رقم ‪ 1569‬لسنة ‪ ،2016‬وهو يدور في مضمون ما نص‬
‫عليه القانون اإلماراتي‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫أصلي في جريمة غسل األموال‪ ،‬و "أحمد" باعتباره شريك في الجريمة‪ ،‬ولكن سوف يحكم‬
‫علية بنفس عقوبة الفاعل األصلي‪ ،‬ألن المشرع قد ساوى في العقوبة بين الفاعل األصلي في‬
‫جريمة غسل األموال والفعال التبعي "الشريك"‪ ،‬بل أن التشريع النموذجي لمكافحة غسل‬
‫األموال الصادر في ‪ 1955‬توسع في مفهوم االشتراك ي هذه الجريمة‘ حيث جعل مجرد‬
‫المشورة أو المعرفة اشتراك معاقب عليه وبنفس عقوبة الفاعل األصلي‪.108‬‬
‫اذا حكم على الفاعل في الفعل غير المشروع مصدر المتحصالت محل جريمة غسل األموال‪،‬‬
‫فهذا ال يمنع من الحكم عليه في جريمة غسل األموال‪ ،‬وليس في هذا خروجا على القواعد‬
‫العامة لقانون العقوبات‪ ،‬التي تؤكد على أنه ال يعاقب الشخص على الفعل مرتين‪ ،‬وذلك الن‬
‫محل كل من الجريمتين يختلف عن األخر‪ ،‬وكذلك المصلحة المحمية في كالهما تختلف عن‬
‫األخر وأن اتحدا في الشخص القائم بالفعل في الحالتين؛ كما أن المشرع عاقب على الشروع‬
‫في هذه الجريمة بعقوبة الجريمة الكاملة خروجا على القواعد العامة في العقاب على الشروع‬
‫باعتباره جريمة ناقصة‪ ،‬فتكون عقوبته أقل من عقوبة الجريمة الكاملة؛ بل أن التشريع‬
‫النموذجي لمكافحة غسل األموال الصادر في ‪ 1955‬توسع في مفهوم الشروع حيث جعل‬
‫من األعمال التحضرية في جريمة غسل األموال‪ ،‬فعل مجرم‪ ،‬ويعاقب مقترفه بنفس عقوبة‬
‫الجريمة الكاملة‪.109‬‬
‫‪ -‬بذلك نكون قد توصلنا إلى أن عملية شرعنه المتحصالت غير المشروعة تمر بمراحل عدة‬
‫على تصبح في صورة األموال المشرعة‪ ،‬ويصعب اكتشاف حقيقتها‪ ،‬وبالتالي من الممكن‬
‫استخدامها في النظام المالي الخاص بالدولة‪ ،‬دون أي تحوف من المالحقة القانونية؛ كما‬
‫توصلنا إلى أن التشريعات محل الدراسة أخذت بمبدأ السرد والتعدد في بيان صور السلوك‬
‫اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ ،‬حيث أنها عددت هذه الصور على سبيل الحصر‪ ،‬ولم تمنح‬

‫‪ 108‬المادة (‪ )7‬من المرسوم السلطاني العماني ‪ 30‬لسنة ‪2016‬؛ المادة (‪ )2-2‬من القانون اإلماراتي ‪20‬‬
‫لسنة ‪.2018‬‬
‫‪ 109‬يراجع في هذا الشأن‪ ،‬التشريع النموذجي لمكافحة غسل األموال الصادر في ‪.1955‬‬
‫‪110‬‬
‫سلطات إنفاذ القانون‪ ،‬سلطة إدخال ما يستحد من صور لهذا السلوك‪ ،‬على الرغم التطور‬
‫المتالحق في هذا الشأن‪ ،‬وهذا يعد نقص لدى هذه التشريعات‪ .‬وبعد أن انتهينا من تناول‬
‫اإلطار التعريفي لتقنية البلوك شين؛ وتناول ما يثار بشأن البحث في جريمة غسل األموال‪،‬‬
‫يطل البحث عن إجابة لإلشكالية الرئيس للبحث‪ ،‬أال وهي هل لتقنية سلسلة الكتل دور في الحد‬
‫من جريمة غسل األموال‪ ،‬وهذا ما نجيب عليه في المبحث الثاني‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫دور سلسلة الكتل في الحد من جريمة غسل األموال‬
‫في عام ‪ 2008‬عندما اعلن عن التعامل بعملة البت كوين للتداول عبر الشبكة العنكبوتية‪،‬‬
‫وبدء التنفيذ بالفعل في عام ‪ ،2009‬ولما تتميز به هذه العملة‪ :‬المركزية العملة أي عدم‬
‫الحاجة إلى طرف ثالث إلتمام التعامالت التي تتم عبر هذه المنصات؛ قلة التكاليف الخاصة‬
‫بهذه العمليات؛ الوثوق بها لعدم قابليتها للتعديل إال عبر إنشاء كتلة جديدة تضم إلى سلسلة‬
‫الكتل؛ وعدم الكشف عن هوية المتعاملين بها‪ ،‬خاصة أن التعامل يتم عبر المفتاح الخاص‬
‫غير المعروف إال للمتعامل وحده‪ ،‬ترتب على ذلك أن المجرمين وجود في هذه المنصات‬
‫المالذ األمن لهم الرتكاب األنشطة اإلجرامية‪ ،‬ال سيما جرائم غسل األموال‪ ،‬التي تخضع في‬
‫التعامالت التقليدية إلى سياسات وقائية عديدة من قبل المؤسسات المالية‪ ،‬مثل سياسة العناية‬
‫الواجبة‪ ،‬التي تتطلب ضرورة التحقق من هوية العميل فبل القيام بالمعاملة‪ ،‬واإلبالغ لجهات‬
‫إنفاذ القانون في الدولة حال وجود الشبهة؛ واذا كان األمر كذلك إال أنه على الرغم من‬
‫اإلجراءات التي اتخذتها هذه منصات العمالت االفتراضية "المشفرة"‪ ،‬إال أنها أعطت جهات‬
‫إنفاذ القانون في الدول الوسيلة التي من الممكن بواسطتها الوصول إلى معرفة هوية المتعاملين‬
‫عبر هذه المنصات‪ ،‬إال وهي سلسلة الكتل التي تسمي بدفتر األستاذ‪ ،‬وذلك عبر بعض‬
‫اإلجراءات التقنية‪ ،‬وذلك عبر نظم وبرامج تتبع واقتفاء أثر التعامالت‪ ،‬والتي تتطلب من هذه‬
‫الجهات مراجعة مثل هذه اإلجراءات بصفة دورية‪ ،‬حتى تواكب التوسع الملحوظ في االعتماد‬

‫‪111‬‬
‫على مثل هذه التقنية‪ ،110‬وهذا ما سوف نبرزه في المطلب األول؛ ثم نعرج إلى المطلب الثاني‬
‫لنبين فيه موقف الدول من التعامل مع تقنية البلوك شين للحد من جريمة غسل األموال‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫سلسلة الكتل كوسيلة للكشف عن أنشطة غسل األموال‬
‫من جانبنا نري ضرورة التعرض أوال للكيفية التي يتم بها غسل األموال عبر العمالت‬
‫االفتراضية "العمالت المشفرة"‪ ،‬وعرض بعض الوقائع التي تم اكتشافها في هذا الصدد في‬
‫فرعٍ أول؛ وذلك قبل التطرق إلى الدور الذي تلعبه تقنية البلوك شين في الحد من جرائم غسل‬
‫األموال وذلك في فرعٍ ثان‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬آلية غسل األموال عبر منصات تداول العمالت االفتراضية‬
‫ال تثريب أن العمالت االفتراضية "المشفرة" ومنها البت كوين فتحت إلى المجرمين طريق‬
‫أكثر أمانا ووثوقا وأقل تكلفة‪ ،‬وأسهل في االستعمال‪ ،‬حيث يجوز استخدام هذه العمالت في‬
‫إنهاء التعامالت من أي مكان يوجد فيه الشخص‪ ،‬سواء أكان من مكتبه أو منزله أو أثناء‬
‫سيره‪ ،‬كما أنها أصبحت وسيلة هامة لمجرمي الجرائم التي تلزم المؤسسات المالية بعدة‬
‫واجبات قبل القيام بالعملية‪ ،‬ولذلك اتجه إليها غاسلي األموال‪ ،‬لعدم وجود الوسيط الحكومي‪،‬‬
‫وآللية غسل األموال عبر العمالت االفتراضية عدة صور‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬فقد تكون منصات تداول هذه العمالت مسرح لكل من الجريمة األصلية‬
‫"الفعل غير المشروع" مصدر المتحصالت غير المشروعة المراد شرعنتها؛ وجريمة غسل‬
‫األموال؛ حيث يدخل الجرم إلى الشبكة المعلوماتية للبحث عن األموال المشروعة‪ ،‬وبواسطة‬
‫برامج إلكترونية مخصصة في هذا الشأن‪ ،‬يصل إلى مصدر هذه األموال‪ ،‬عبر وسائل‬
‫إلكترونية متخصصة للدخول على مصادر هذه األموال‪ ،‬حتى يتم االستيالء على هذه األموال؛‬

‫‪ 110‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت االفتراضية في نظر السياسة الجنائية‪ ،‬المؤتمر الدولي‬
‫الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة‪ ،‬بعنوان "العمالت االفتراضية في‬
‫الميزان"‪ 17-16 ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص ‪.681‬‬
‫‪112‬‬
‫ثم يبدأ مرحلة شرعنه هذه المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬فتبدء مرحلة إخفاء المصدر غير‬
‫المشروع لهذه المتحصالت‪ ،‬وذلك عبر الشبكة العنكبوتية؛ فتبدء مرحلة توظيف المتحصالت‬
‫غير المشروعة بواسطة‪ :‬التحويل اإللكتروني لهذه المتحصالت لحسابات مصرفية خارجية‪،‬‬
‫تحويلها إلى أموال إلكترونية‪ ،‬الولوج اإللكتروني إلى األسواق المالية لشراء األسهم‬
‫والسندات؛ فتبدء بعد ذلك مرحلة التغطية بهدف إخفاء الصلة بين هذه المتحصالت ومصادرها‬
‫األصلية ويتم ذلك من خالل‪ :‬إبرام الصفقات التجارية عبر األنترنت‪ ،‬شراء أصول مادية‬
‫ودفع قيمتها بوسائل الدفع اإللكترونية؛ فتأتي المرحلة األخيرة وهي مرحلة دمجها في الدورة‬
‫االقتصادية للنظام المالي في الدول‪111‬؛ فهنا المتهم قام بسرقة األموال من مصادرها‬
‫المشروعة؛ ثم اقترف النشاط اإلجرامي المتمثل في شرعنه المتحصالت غير المشروعة‪،‬‬
‫وبالتالي فإن المتهم هنا قد اقترف جريمتي السرقة وجريمة غسل األموال عبر منصات تداول‬
‫العمالت االفتراضية؛ وهنا يجب التفرقة بين فرضتين‪ :‬األول‪ :‬اذا كان المتهم عند ارتكابه‬
‫جريمة السرقة عقد النية على شرعنه هذه األموال عبر الشبكة العنكبوتية؛ فهنا نكون بصدد‬
‫تعدد مادي مع االرتباط وبالتالي يعاقب على الجريمة األشد وهي في هذه الحالة‪ ،‬جريمة غسل‬
‫األموال؛ الثانية‪ ،‬وهى أن المتهم بعدما ارتكب جريمة السرقة وجد فرصة متاحة له عبر‬
‫الشبكة لشرعنه المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬فهنا نكون بصدد تعدد مادي بسيط‪ ،‬وبالتالي‬
‫يعاقب المتهم بعقوبة على كل جريمة؛ حيث تتعدد العقوبات بتعدد الجرائم؛ ثم يتم الدغم أو‬
‫الجمع أو الحب بالنسبة للعقوبات‪.112‬‬

‫‪ 111‬يراجع تفصيال في هذا الشأن‪ ،‬د‪ .‬شامي يسين‪ ،‬تبيض األموال عبر طريق العمالت االفتراضية كجريمة‬
‫مستحدثة‪ ،‬المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة‪ ،‬بعنوان‬
‫"العمالت االفتراضية في الميزان"‪ 17-16 ،‬أبريل ‪ ،2019‬ص ‪729‬؛ د‪ .‬بسام أحمد الزلمي‪ ،‬دور النقود‬
‫اإللكترونية في غسل األموال؛ بحث منشور بمجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية‪ ،‬المجلد ‪،26‬‬
‫العدد األول‪ ،2010 ،‬ص ‪552‬؛ د‪ .‬حوالف عبدالصمد‪ ،‬النظام القانوني لوسائل الدفع اإللكترونية‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،2015-2014 ،‬ص ‪.375‬‬
‫‪ 112‬المادة (‪ )88‬من قانون العقوبات اإلماراتي؛ المادة (‪ )32‬من قانون العقوبات المصري؛ المادة (‪)64‬‬
‫من قانون الجزاء العُماني‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬وهي أن المتهم يقوم بإنشاء منصة العملة اإللكترونية مثل البيت كوين‪،‬‬
‫بهدف اقتراف الجرائم في مأمن من سلطات إنفاذ القانون بالدولة؛ مثال اإلتجار بالمخدرات‬
‫أو اإلتجار بالبشر عبر هذه المنصة‪ ،‬حيث يتم إنهاء المعاملة بين طرفيها‪ ،‬ويتم الدفع بعمالت‬
‫البت كوين؛ ويتم توصيل األشياء محل المعاملة إلى المكان الذي يوجد فيه الطرف المشتري‪،‬‬
‫وذلك كله عبر منصة تداول البت كوين‪ ،‬كما أن المنصة أيضا كانت وسيلة لشرعنه متحصالت‬
‫هذه الجرائم‪ ،‬ومن األمثلة الحديثة على ذلك‪ ،‬قضية بالواليات المتحدة ضد روس وليام أو‬
‫لبريتش "طريق الحرير" ‪ Silk Road‬؛ حيث أطلق طريق الحرير في عام ‪ 2011‬وعمل‬
‫كوسيط ل نشطة غير المشروعة‪ ،‬كان يُنظر إلى طريق الحرير على أنه يعادل ‪ eBay‬ألنه‬
‫يوفر المنصة الالزمة لشراء وبيع السلع والخدمات‪ ،‬ولكن طريق الحرير يتميز عن موقع‬
‫‪ eBay‬بالطريقة التي يوفر بها إخفاء الهوية للمشترين والبائعين عند إجراء المعامالت‪ ،‬وهذه‬
‫المنصة تبادل السلع والخدمات بين المتعاملين‪ ،‬ويتم الدفع بعملة البيت كوين‪ ،‬وأصبح طريق‬
‫الحرير مشهورا بسبب خصوصية معامالت ‪ ،Bit coin‬وبالتالي يمكن أن تتم األنشطة غير‬
‫المشروعة كغسل األموال‪ ،‬حيث يستخدم شبكة تسمى "‪ ،"TOR‬والتي تضمن أن جميع‬
‫المستخدمين على موقع ‪ Silk Road‬غير معروفين‪ ،‬بل كانت توفر خدمة توصيل البضائع‬
‫غير القانونية إلى مكان إقامة المتعامل خالل فترة محددة‪ .‬في عام ‪ ،2013‬ألقي القبض على‬
‫صاحب هذه المنصة‪ ،‬وكان قرار االتهام " سعى المتهم إلخفاء هوية المعامالت على طريق‬
‫الحرير بطريقتين رئيسيتين‪ :‬أوال‪ :‬قام بتشغيل هذه المنصة عبر ما يعرف باسم " ‪The‬‬
‫‪ "Onion Router‬أو "‪ ،Tor" network‬وهي شبكة خاصة من أجهزة الكمبيوتر على‬
‫اإلنترنت‪ ،‬موزعة حول العالم‪ ،‬مصممة إلخفاء عناوين ‪ IP‬الحقيقية ألجهزة الكمبيوتر‬
‫الموجودة على الشبكة وبالتالي هويات مستخدمي الشبكات؛ ثانيا‪ :‬صممه المتهم ليشمل نظام‬
‫الدفع المستند إلى ‪ Bit coin‬والذي ساعد على تسهيل التجارة غير المشروعة التي تتم على‬
‫الموقع ‪ ،‬بما في ذلك إخفاء هوية المستخدمين ومواقعهم الذين يقومون بإرسال واستقبال‬
‫األموال عبر الموقع‪ ،‬اثنان من التهم الموجهة إليه اإلتجار بالمخدرات ومكافحة غسل األموال‬

‫‪114‬‬
‫المؤامرة‪ .‬في يونيو ‪ُ ، 2015‬حكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بالتهم الموجهة إليه‪.‬‬
‫ولكن يثور تساؤل ذات أهمية‪ ،‬كيف توصلت الحكومة األمريكية إلى األنشطة غير المشروعة‬
‫ومنها غسيل األموال التي عبر منصة طريق الحرير؟ كانت اإلجابة أننها بحثت عن خادم‬
‫مقره في أيسلندا‪ ،‬ومن هناك اعترضت المعامالت غير القانونية‪ .‬وتم إغالق طريق الحرير‪،‬‬
‫ولكن ال يمكن القول على وجه اليقين أن جميع األنشطة غير القانونية وأنشطة غسيل األموال‬
‫قد توقفت عبر هذه المنصات‪ ،‬وقد دفع المتهم بأنه بسبب عدم تصنيف البت كوين كعملة‬
‫قانونية ‪ ،‬وبالتالي ال يخضع إلى التجريم الخاص بجريمة غسل األموال‪ ،‬ولكن المحكمة ردت‬
‫على الدفع بأن البيت كوين تحمل قيمة ‪ -‬وهذا هو غرضها ووظيفتها ‪ -‬وتعمل كوسيلة‬
‫للتبادل'‪.113‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬وفي هذه الفرضية يكون المتحصالت النتيجة عن مصدر غير مشروع‪ ،‬قد‬
‫وقعت أوال في الواقع التقليدي‪ ،‬ثم يذهب إلى منصات تداول العمالت االفتراضية مثل البيت‬
‫كوين‪ ،‬من أجل شرعنه هذه المتحصالت‪ ،‬بحيث تظهر في صورة أموال مشروعة‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫بأي أسلوب من أساليب غسل األموال الحديثة –سالفة الذكر‪ ،-‬ومثال ذلك قضية وقعت‬
‫بالواليات المتحدة األمريكية ضد ‪ ،Liberty Reserve‬وهي منصة تداول عبر األنترنت‬
‫أسست عام ‪ ،2006‬مقرها في كوستاريكا حيث تم غسل ما يقرب من ‪ 6‬مليارات دوالر‬

‫‪113‬‬ ‫‪Chinelle van der Westhuizen Future digital money: The legal status and‬‬
‫‪regulation of bit coin in Australia, these, 2017, The University of Notre Dame‬‬
‫‪Australia, P. 116; Senators Joe Manchin and Charles E. Schumer to U.S.‬‬
‫‪Attorney General and Michele Leonhart, Administrator, Drug Enforcement‬‬
‫‪Administration,‬‬
‫‪http://manchin.senate.gov/public/index.cfm/pressreleases?ID=284ae54a-‬‬
‫‪acfl-4258-belc-7aceelf7e8b3; United States Attorney's Office for the‬‬
‫‪Southern District of New York, Manhattan U.S. Attorney Announces The‬‬
‫"‪Indictment of Ross Ulbricht, The Creator and Owner of The "Silk Road‬‬
‫‪Website,‬‬ ‫)‪(2014‬‬
‫‪http://www.justice.gov/usao/nys/pressreleases/Februaryl4/RossUlbrichtlnd‬‬
‫‪ictmentPR.php.‬‬
‫‪115‬‬
‫أمريكي من خالل استخدام العمالت الرقمية مثل البت كوين‪ ،‬وتعمل هذه المنصة كنظام‬
‫لتحويل األموال عبر اإلنترنت‪ ،‬تم تصميمه بشكل متعمد لتجنب التدقيق التنظيمي وتخصيص‬
‫خدماته للجهات الراغبة في غسل المتحصالت غير المشروعة‪ ،‬مكن هذا الموقع المجرمين‬
‫من إرسال واستقبال العملة االفتراضية بشكل مجهول‪.114‬‬
‫بذلك نكون قد انتهينا من عرض بعض الصور آللية غسل األموال عبر منصات تداول‬
‫العمالت االفتراضية‪ ،‬ولكن يبقي السؤال الرئيس هل من الممكن أن تكون تقنية البلوك شين‬
‫وسيلة من وسائل الكشف عن جريمة غسل األموال عبر منصات تداول العمالت االفتراضية‪،‬‬
‫هذا ما سوف نجيب عنه في الفرع الثاني‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الكشف عن جريمة غسل األموال بواسطة سلسلة الكتل‬
‫من قراءة آلية عمل تقنية سلسلة الكتل‪ ،‬التي ظهرت مع ظهور العمالت خاصة البت كوين‪،‬‬
‫نالحظ أن تهدف إلى تسجيل جميع المعامالت التي تتم بخصوص هذه العمالت‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫هذه السلسلة تكون عبارة عن السجل التاريخي لكل معاملة منذ أن بدأت حتى تاريخه‪ ،‬وما‬
‫جعل المجرمين يقبلون على هذه التقنية هو إخفاء هوية المتعاملين عبر هذه التقنية؛ ولكن‬
‫السؤال الواجب اإلجابة عنه‪ ،‬هل هذا اإلخفاء يكون بصورة مطلقة‪ ،‬أو هناك وسائل من‬
‫الممكن التوصل بها إلى تعقب هذه المعامالت من أجل الوصول إلى هوية المتعامل‪ ،‬وذلك‬
‫عبر نظم وبرامج تتيع واقتفاء أثر التعامالت التي تتم على هذه المنصات‪ ،‬حتى تستطيع‬
‫الجهات الرقابية القيام بدورها؛ نستطيع أن نجيب بأن هذا إخفاء هوية المتعاملين يكون بصفة‬
‫مؤقتة‪ ،‬ومن الممكن الوصول إلى التعرف على هوية المتعامل عبر هذه المنصات‪ ،‬وهذا ما‬
‫ظهر جليا في القضايا السابق عرضها‪ ،‬قضية ‪Liberty Reserve‬؛ طريق الحرير ‪Silk‬‬
‫‪Road‬؛ حيث أن الجهات المعنية بإنفاذ القانون توصلت إلى كشف الجريمة‪ ،‬وتعرفت على‬
‫مقترفيها‪ ،‬وقدموا للمحاكمات‪ ،‬وصدرت ضدهم أحكام في هذا الشأن‪.115‬‬

‫يراجع سابقا ص ‪.22‬‬ ‫‪114‬‬

‫يراجع سابقا ص ‪26‬؛ ‪.27‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪116‬‬
‫لذلك قيام جهات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة غسل األموال بالتحقيق عبر سلسلة الكتل‪ ،‬وذلك‬
‫بتتبع مراحل المعاملة محل الفحص والتحري‪ ،‬تستطيع الوصول إلى تحديد المعاملة‪ ،‬ووقت‬
‫إجراءها‪ ،‬بل والمكان الذي تمت فيه؛ وبعد ذلك يكون من المتصور القدرة على التعرف على‬
‫هوية الشخص صاحب هذه العملية‪ ،‬وبالتالي تستطيع جهات التحقيق استكمال إجراءات‬
‫تحقيقيها‪ .‬واألن وجدت شركات متخصصة في كشف هوية المتعاملين بعملة البت كوين؛ حيث‬
‫تقوم بفحص ودراسة تلك األدلة المأخوذة من سلسلة الكتل‪ ،‬وتستكمل إجراءات التحقيق‬
‫والتدقيق من هوية وتوقيع الشخص في التعامل عبر هذه المنصات عند توافر الشبهة‪ .116‬لذلك‬
‫قامت الشركات العاملة في مجال منصات العمالت االفتراضية بتطوير التقنية بحيث يصعب‬
‫تقفي أثر المعامالت‪ ،‬وذلك عبر إنتاج عمالت مشفرة تشمل مجموعة من المتعاملين معا‪،‬‬
‫وتعيد توزيعهم مما يترتب عليه اختالط أثر اإلشارات التي يستدل بها على التعامالت‪ ،‬مما‬
‫يصعب دور جهات إنفاذ القانون في فك التشفير‪ ،‬وبالتالي صعوبة التوصل إلى المعاملة‬
‫والمتهم‪ ،‬وبالفعل تم إنشاء عمالت مشفرة بدرجة ونوع تشفير أفضل من ذلك المستخدم في‬
‫البت كوين‪ ،‬مثل عملة ‪ ، Monero‬والتي تم إنشاؤها علم ‪ ،2014‬ألنها ال تخلف أي أثر‬
‫مرئي للمتعامل سواء أكان مرسل أو مستقبل؛ ولذلك على الجهات المعنية بمكافحة الجريمة‬
‫محاولة تطور نظم وبرامج تتبع واقتفاء أثر التعامالت عبر هذه المنصات العميل حتى تواكب‬
‫التطور المستمر الذي يلحق بهذه المنصات ‪.117‬‬
‫عليه يجب على الجهات التشريعية الدولية والداخلية منح الجهات المعنية بأمر الجريمة سلطات‬
‫الضبط والتفيش ل جهزة اإللكترونية التي قد تكون محل للجريمة‪ ،‬حتى تستطيع الدخول في‬
‫الوقت المناسب للوصول إلى الدالئل القانونية على اقتراف الجريمة‪ ،‬قبل العبث بها‪ ،‬وهذا ما‬
‫فعلته المحكمة العليا األمريكية‪ ،‬حيث وضعت في حسبانها أن تطور الوسائل التقنية للمراقبة‬

‫‪ 116‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت االفتراضية في نظر السياسة الجنائية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.683‬‬
‫‪ 117‬د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت االفتراضية في نظر السياسة الجنائية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪.683‬‬
‫‪117‬‬
‫يصب في منح الجهات المعنية القدرة على أن تصل إلى مناطق تتعدى الفحص والتحري‬
‫بالعين المجردة‪ ،‬وبالتالي حاولت في أحكامها الحفاظ على التمسك بالخصوصية في هذه‬
‫الحاالت بذات القيود التي تضمنها التعديل الرابع للدستور األمريكي‪ ،‬وابتعدت عن التفسير‬
‫اللفظي للنصوص الدستورية‪ ،‬لذلك قضت بأن تقفي أثر التعامالت الخاصة بالعمالت‬
‫االفتراضية والبحث في أجهزة الكمبيوتر محل التعامالت غير المشروعة يجب أن يكون‬
‫متوافقا مع القيود الواردة بالتعديل الرابع للدستور األمريكي‪.118‬‬
‫مما تقدم نستطيع القوال بأن تقنية سلسلة الكتل "البلوك شين" من الممكن أن تمهد الطريق إلى‬
‫سلطات إنفاذ القانون في الدولة المنوط بها مكافحة غسل األموال‪ ،‬ولكن من الواجب على‬
‫الدول أن تهيئ البيئة التشريعية والتقنية التي تؤهلهم للقيام بهذا الدور‪ ،‬الن األمر يحتاج‬
‫تعديالت في قانون اإلجراءات الجزائية حتى تواكب هذا التطور المتالحق للعمالت‬
‫االفتراضية‪ ،‬واعتقد أن مصطلح "تعديالت" ال يكفي ولكن يجب أن تكون ثورة تشريعية‪ ،‬ألن‬
‫األمر يحتاج تعديل العديد من النصوص اإلجرائية؛ وليس هذا فحسب ولكن يجب على الدول‬
‫أيضا أن تهتم باألشخاص المنوط بهم العمل في هذا المجال‪ ،‬ويقومون بتدريبهم على أحدث‬
‫برامج التتبع والبرمجة الخاصة باقتفاء أثر التعامالت عبر منصات تداول العمالت الرقمية‪،‬‬
‫وأن يكون بذلك بصفة دورية‪ ،‬ولذلك الحاجة لمحة لوجود ما يسمي بمأمور الضبط‬
‫اإللكتروني‪ 119‬حتى يستطيع مجاراة أساليب المجرمين في هذا المجال‪ ،‬ولذلك كان لزاما علينا‬
‫السبور في أغوار الدول لمعرفة مدى اهتمامها بتقنية سلسلة الكتل‪ ،‬حتى تكون وسيلة في الحد‬
‫من ظاهرة غسل األموال‪ ،‬وهو ما سنعرضه في المطلب الثاني‪.‬‬

‫‪ 118‬التعديل الرابع من الدستور األمريكي " ال يجوز المساس بحق الناس في حرمة أشخاصهم ومنازلهم‬
‫وأوراقهم ومتاعهم‪ ،‬ضد التفيش والضبط غير المبررين‪ ،‬وال يجوز أن يصدر أمر بذلك إال إذا توافر سبب‬
‫محتمل‪ ،‬يؤيد بحلف يمين أو إقرار‪ ،‬ويجب على وجه خاص وصف المكان الذي سيجرى تفتيشه واألشخاص‬
‫أو األشياء التي سيتم ضبطها" هذه الترجمة مشار إليها في د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص‬
‫‪.683‬‬
‫‪ 119‬د‪ .‬محمد سعيد عبدالعاطي؛ مأمور الضبط اإللكتروني ودوره في الحد من جرائم شبكات التواصل‬
‫االجتماعي؛ قدم للمؤتمر العلمي الدول الثاني لكلية اآلداب والعلوم االجتماعية بجامعة السلطان قابوس بعنوان‬
‫"المجتمع العربي وشبكات التواصل االجتماعي في عالم متغير"‪ ،‬في الفترة ‪ 31‬أكتوبر حتى ‪ 2‬نوفمبر‬
‫‪ ،2017‬ونُشر بالمجلة الدولية لعلوم االتصال‪ ،‬العدد ‪ ،2018 ، 2‬ص ‪ 5‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫موقف الدول من التنظيم القانوني لسلسلة الكتل‬
‫على الرغم المزايا التي تحققها تقنية سلسلة الكتل باعتبارها آلية عمل منصات تداول العمالت‬
‫االفتراضية‪ ،‬إال أن العيوب التي وجهت إل هذه المنصات جعلت موقف الدول من منصات‬
‫تداول العمالت االفتراضية إلى ثالث اتجاهات‪ :‬االتجاه األول‪ ،‬حظر التعامل بتقنية سلسلة‬
‫الكتل الخاصة بتداول العمالت االفتراضية؛ بسبب المخاطر التي تحف بهذه العمليات‪ :‬كعدم‬
‫وجود وسيط قانوني؛ وعدم التحقق من الهوية‪ ،‬ومن هذا االتجاه أغلب الدول العربية‪ ،‬التي‬
‫منعت التعامل بالعمالت االفتراضية‪ ،‬إال أن هناك أنموذج واحد أخذ خطوات للتعامل بهذه‬
‫العمالت‪ ،‬وأنشاء ماكينة لصرف هذه العمالت‪ ،‬ولكن دون وضع تنظيم قانوني لها حتى وقت‬
‫إعداد هذا البحث؛ ومن الدول التي تأخذ أيضا بهذا االتجاه الصين‪ ،‬حيث وضعت لوائح‬
‫صارمة لمنع استخدام العمالت االفتراضية من قبل األفراد أو الشركات‪ ،‬لذلك منع بنك الشعب‬
‫الصيني بيع أو شراء هذه العمالت ألنها لم يتم االعتراف بها كعملة قانونية‪ ،‬كما أنها غير‬
‫خاضعة لسلطة رقابية حيث قرر " يمتنع على األفراد شراء وبيع هذه العمالت وفي حالة‬
‫المخالفة ذلك يتحملوا المخاطر المترتبة على ذلك"‪ ،‬كما أن رئيس مجلس االحتياطي الفيدرالي‬
‫السابق في الصين قرر بأن هذه العمالت تمثل تسربا غير رسمي للنظام النقدي الحالي؛ ألنه‬
‫من الصعب تنظيمها‪ ،‬كما يمكن أن تستخدم في األنشطة اإلجرامية مثل عمليات غسل األموال‬
‫وتمويل اإلرهاب"؛ وهناك اتجاه أخر من الدول التي ما زالت في حالة ترقب وانتظار‪ ،‬فهي‬
‫لم تنظم التعامل بهذه التقنية‪ ،‬ولكن الجهات المعنية بهذا الشأن أصدرت عدة توصيات‬
‫وتوجيهات بشأن هذه التقنية؛ واالتجاه األخير وهو الذي أهتم بأصدر تنظيم قانوني لكيفية‬
‫التعامل معها‪ ،‬وكالهما يهدف محاولة الحد من ظاهرة غسل األموال‪ ،‬وسوف نتناول كل اتجاه‬
‫من هذين االتجاهين في فرع مستقل‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدول التي تترقب قبل وضع تنظيم لسلسلة الكتل‬
‫هناك دول انتهجت موقف "االنتظار والترقب" للوقوف أوال على ما سيحدث في الدول التي‬
‫نظمت بموجب قوانين التعامل بتقنية سلسلة الكتل‪ ،‬ومدى فعالية هذه القوانين في التعامل مع‬
‫القضايا القانونية المترتبة على التعامل بهذه التقنية‪ ،‬لذلك انتهجت هذه الدول أسلوب وضع‬
‫التوجيهات أو التعليمات للمتعاملين بهذه التقنية‪ ،‬يتميز هذا االتجاه‪ :‬إصدار توجيهات وتعليمات‬
‫للشركات والمتعاملين اذا رغبوا في التعامل بتقنية سلسلة الكتل حتى يوجه أنظارهم إلى‬
‫مخاطر التعامل بها‪ ،‬وذلك بهدف الحد من عمليات غسل األموال عبر هذه التعامالت؛ بعد‬
‫ذلك يكون على المتعاملين بهذه العمالت تحمل المسئولية الكاملة دون الحق في اللجوء إلى‬
‫الجهات الحكومية عندما ينتج مخاطر عن هذه التعامالت؛ وأخيرا وبالتالي يكون ضبط التعامل‬
‫بهذه التعامالت يكون ذاتي‪ ،‬وبالتالي يكون له دور في الحد من غسل األموال‪ .‬ومن لدول التي‬
‫تعد من أصحاب هذا االتجاه أستراليا؛ واالتحاد األوربي‪.120‬‬
‫أوال‪ :‬أستراليا‪ :‬تسألت لجنة مجلس الشيوخ األسترالي‪ ،‬هل تندرج العمالت االفتراضية تحت‬
‫طائلة قانون مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪ ،‬حددت ‪121 AUSTRAC‬المتطلبات‬
‫التي تلتزم بها التعامالت بالعمالت االفتراضية حتى تخضع إلى نظام مكافحة غسل األموال‪:‬‬
‫أن يكون لديهم برنامج لمكافحة غسل األموال واإلرهاب‪ ،‬مما يعني أنهم بحاجة إلى تقييم‬
‫مخاطر غسل األموال لعمالئهم وأنواع المعامالت التي يتعاملون معها؛ ويجب أن يكون لديهم‬

‫‪120‬‬ ‫‪Chinelle van der Westhuizen, op. cit P.141; 171; These countries‬‬
‫‪include Russia, Iceland, India and Sweden. This part will only focus on‬‬
‫‪China and the European Union as exemplars. See also Rahul Gupta, What‬‬
‫)‪Bitcoin Regulation Looks Like Around the World (16 November 2015‬‬
‫‪Investopedia,http://www.investopedia.com/articles/investing/120314/where‬‬
‫‪-bitcoin-regulated.asp.‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪AUSTRALIAN Transaction Reports and Analysis Centre,‬‬
‫أسست عام ‪ 1989‬وهي مركز تقارير وتحاليل المعامالت ‪https://www.austrac.gov.au/,‬‬
‫االسترالية وهو وكالة استخبارات مالية تابعة للحكومة االسترالية أنشئت لمراقبة المعامالت المالية لتحديد‬
‫‪; Parliament of Australia.‬غسل األموال والجريمة المنظمة والتهرب الضريبي واالحتيال‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫برامج العناية الواجبة المستمرة‪ ،‬أيضا بحاجة إلى أنظمة مراقبة المعامالت حتى يتمكنوا من‬
‫اإلبالغ عن أي معاملة تزيد عن ‪ 10‬آالف دوالر من العملة الرقمية‪ ،‬ومن أجل ذلك فإن األمر‬
‫يتطلب تنظيما لتجنب أي مخاطر تواجه المستهلكين والشركات التي تستخدم هذه العمالت‪.‬‬
‫لذلك أوصت لجنة مجلس الشيوخ األسترالي بشأن تنظيم أنشطة غسيل األموال في منصات‬
‫تداول العمالت االفتراضية" أن يجب أن تطبق أنظمة مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‬
‫في هذه المعامالت‬ ‫‪122‬‬
‫على هذه المنصات‪ ،‬منها على سبيل المثال اعتماد سياسة ‪KYC‬‬
‫بطريقة محدودة‪ ،‬كان النظام المستخدم من قبل ‪ ، Mt. GOX. 279‬وعمل النظام بشكل‬
‫فعال مع سياسات التحقق ‪ KYC‬التي أدخلوها في النظام‪ ،‬وكان لدى ‪ .Mt. Gox‬ثالثة‬
‫المتطورة بشكل جيد‬ ‫‪123‬‬
‫مستويات من التحقق من الحساب‪ ،‬وكذلك ستساعد سياسة ‪KYU‬‬
‫على مراقبة هذه المعامالت‪ ،‬التي تنظمها تشريعات مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪،‬‬
‫وبناء عالقات أقوى مع المؤسسات المصرفية وضمان حماية أكبر لهذه المعامالت‪ .‬باإلضافة‬
‫لما سبق يمكن أن تقوم ‪ AUSTRAC‬بإنشاء لجنة للتعامل مع منصات تداول العمالت‬
‫الرقمية على وجه التحديد‪ ،‬ومراقبة أنشطة غسيل األموال داخل هذه المنصات‪ ،‬وتقديم‬
‫إرشادات للمتعاملين بشأن أنشطة غسل األموال‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬االتحاد األوروبي‪ ،‬أعترف االتحاد في البداية باالستخدام القانوني لعمالت االفتراضية‬
‫‪ ،‬ومع ذلك ‪ ،‬فقد أقر البنك المركزي األوروبي أن هذه العمالت تعد "شكل‬ ‫‪124‬‬
‫كنظام للدفع‬
‫من أشكال األموال الرقمية غير المنظمة التي ال يصدرها أو يضمنها البنك المركزي"‪ ،‬ويمكن‬

‫‪122‬‬ ‫أعرف عمليك ‪Know Your Customer‬‬


‫‪123‬‬ ‫أعرف مستخدمك ‪Know Your user‬‬
‫‪124 Gautham, European Union Pushes Away Bitcoin Regulation for Now (26‬‬

‫‪April 2016) NewsBTC, http://www.newsbtc.com/2016/04/26/european-‬‬


‫;‪union-pushes-away-bitcoin-regulation-for-now/‬‬ ‫‪Chinelle‬‬ ‫‪van‬‬ ‫‪der‬‬
‫‪Westhuizen, op. cit P.136.‬‬
‫‪121‬‬
‫أن تكون بمثابة وسيلة للدفع‪ ،‬وهذا ما أكدته السلطة المصرفية األوروبية ('‪ ،125 )'EBA‬ألنها‬
‫تفي بالوظائف الثالث للمال وهي معترف بها كسلعة بموجب اتفاقية المنطقة االقتصادية‬
‫األوروبية"‪ ،126‬وكان أول قانون بشأن غسل األموال في االتحاد األوروبي هو توجيهات‬
‫عام ‪ ،1991‬وتم إجراء تعديالت على هذا‬ ‫‪127‬‬
‫مكافحة غسيل األموال وتمويل اإلرهاب‬
‫التوجيه عام ‪ 2006‬لتبسيط إجراءات العناية الواجبة للعمالء في عملية غسيل األموال‪ ،‬حيث‬
‫أعتبر أن العمالت االفتراضية أموال إلكترونية‪ ،‬ويمكن تضمينها في األمر التوجيهي كوسيلة‬
‫يتم من خاللها تمويل أنشطة غسل األموال في أوروبا‪ ،‬مثال على كيفية استخدام العمالت‬
‫االفتراضية كوسيلة لتمويل أنشطة غسل األموال وتمويل اإلرهاب في هجمات نوفمبر ‪2015‬‬
‫اإلرهابية في باريس (التي قُتل فيها أكثر من ‪ 100‬شخص في سانت دينيس ‪ ،‬باريس) ‪ ،‬مما‬
‫دفع االتحاد األوروبي إلى ضرورة التنظيم في مجال غسيل األموال وتمويل اإلرهاب‪ ،‬خاصة‬
‫عند التعامل مع العمالت االفتراضية‪128‬؛ مثال آخر تم إلقاء القبض على عشرة أشخاص في‬
‫هولندا بسبب أنشطة غسل األموال باستخدام هذه العمالت‪ ،‬وكانت المتحصالت من تجارة‬
‫النقد وتجارة المخدرات‪ .129‬لذلك اقترحت خطة العمل التي أرسلها االتحاد األوروبي في عام‬

‫‪125‬‬ ‫‪European Banking Authority, Warning to Consumers on Virtual‬‬


‫‪Currencies (EBA 2013) ww.eba.europa.eu/documents/io i8 o9834 4‬‬
‫‪/EBA+Warning+on+Virtual+Currencies&jxdf.‬‬
‫‪126 Agreement on the European Economic Area [1941] OJ Li/3 art 1(b)-(c).‬‬

‫‪See also Seth Litwack, ‘Bitcoin: Currency or Fool’s Gold: A Comparative‬‬


‫‪Analysis of the Legal Classification of Bitcoin’ (2015) 29 Temple‬‬
‫‪International & Comparative Law Journal 309-348.‬‬
‫‪127 Council Directive 91/308/EEC.‬‬
‫‪128 See also Luke Parker, European Union Seeking to Ban Bitcoin in‬‬

‫‪Aftermath of the Paris Terrorist Attacks (21 November 2015) Bitcoin.com‬‬


‫‪https://news.bitcoin.com/european-union-seeking-banbitcoin- aftermath-‬‬
‫‪paris-terrorist-attacks/.‬‬
‫‪129 Ten Arrested in Netherlands over Bitcoin Money-laundering Allegations’,‬‬

‫‪The‬‬ ‫‪Guardian‬‬ ‫‪(online),21‬‬ ‫‪January‬‬ ‫‪2016‬‬


‫‪https://www.theguardian.com/technology/2016/jan/20/bitcoin-netherlands-‬‬
‫‪arrestscars- cash-ecstasy.‬‬
‫‪122‬‬
‫‪ 2016‬بشأن تقييد التمويل للجماعات اإلرهابية التي تستخدم العمالت االفتراضية والرقمية‬
‫كوسيلة لغسل األموال‪ ،‬أن المفوضية األوروبية تحتاج إلى إجراء تعديالت على توجيه‬
‫‪ ،2015‬وأوصى "بأن هناك خطر من أن تستخدم المنظمات اإلرهابية عمليات العمالت‬
‫االفتراضية إلخفاء التحويالت‪ ،‬حيث ال توجد آلية إبالغ جيدة‪ ،‬لذلك ال يمكن تنظيم العمالت‬
‫االفتراضية في الوقت الحالي على مستوى االتحاد األوروبي‪ ،‬ولكن تقترح المفوضية أن‬
‫إجراء هذه التعامالت يجب أن تكون تحت سيطرة السلطات المختصة من خالل توسيع نطاق‬
‫‪130 AMLD‬لتشمل منصات تداول العمالت االفتراضية‪ ،‬وإخضاعها لإلشراف بموجب‬
‫تشريعات مكافحة غسل األموال ‪ /‬مكافحة تمويل اإلرهاب على المستوى الوطني‪ .‬باإلضافة‬
‫إلى ذلك ‪ ،‬فإن تطبيق قواعد الترخيص واإلشراف لتوجيه خدمات الدفع (‪ )PSD‬على منصات‬
‫تبادل العمالت االفتراضية من شأنه أن يعزز التحكم في السوق وفهمه بشكل أفضل‪ ،‬وهذا‬
‫بهدف مكافحة استخدام هذه العمالت في أنشطة غسل األموال وتمويل اإلرهاب‪.131‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الدول التي نظمت قانونا ً سلسلة الكتل في مجال غسل األموال‬
‫بالمقابل قامت عدد من الدول كالواليات المتحدة األمريكية وكندا‪ ،‬بتطبيق تنظيم قانون‬
‫لمنصات تداول العمالت االفتراضية‪ ،‬ال سيما فيما يتعلق بأنشطة غسل األموال‪ ،‬فهذه الدول‬
‫استحدثت لوائح بشأن غسل األموال ورفع التقارير لتحديد وكاالت اإلبالغ مثل شبكة إنفاذ‬
‫الجرائم المالية ومركز تحليل المعامالت المالية والتقارير في كندا‪ ،‬وتمكنت هذه البلدان من‬
‫تكييف القوانين الحالية ودمج العمالت االفتراضية في هيكلها التنظيمي الحالي‪ ،‬وقررا إمكانية‬
‫تنظيمها من خالل القوانين الحالية‪ ،‬من أجل التحكم في المنصات التي تتعامل بهذه العمالت‪،‬‬
‫بهدف الحد من ظاهرة غسيل األموال‪.‬‬

‫‪ 130‬التوجيه األوربي الخاص بغسل األموال‪.‬‬


‫‪131 65Stan Higgins, European Commission to Assess Bitcoin's Role in‬‬

‫‪Terrorist‬‬ ‫‪Financing‬‬ ‫‪(17‬‬ ‫‪November‬‬ ‫)‪2015‬‬ ‫‪Coindesk‬‬


‫‪http://www.coindesk.com/european-commission-to-assess-bitcoins-role-in-‬‬
‫‪terroristfinancing/.‬‬
‫‪123‬‬
‫أوالً‪ :‬الواليات المتحدة األمريكية‪ :‬تم تعديل قانون مكافحة غسل األموال ليشمل مجرمي غسل‬
‫األموال عبر منصات تداول العمالت االفتراضية‪ ،‬على أساس أن هذه العمالت تعتبر سلعة‬
‫وليست عمله قانونية‪ ،‬وهذا يدل على نهجها االستباقي لتنظيم العمالت االفتراضية‪ ،‬حيث‬
‫تتطلب ‪132 FinCEN‬كافة المنصات التبادلية للتسجيل‪ ،‬باعتبارها شركات تحويل أموال‬
‫بموجب القانون ذات الصلة التي تتناول أنشطة غسل األموال‪ .‬المرحلة التي تقوم فيها‬
‫المؤسسات المالية إبالغ شبكة ‪ FinCEN‬بتحديد معامالت غسيل األموال حيث يقوم عمال‬
‫المناجم أو مستخدمي هذه العمالت بتحويل األموال غير المشروعة‪ ،‬هنا سيكون المنظمون‬
‫قادرين على تحديد المجرمين ‪ ،‬ولكي تنجح مهام اإلبالغ فيما يتعلق بعمليات غسل األموال ‪،‬‬
‫فإن واجبات اإلبالغ عن المعامالت المشبوهة في إطار مدفوعات العمالت االفتراضية‪.133‬‬
‫ثانياً‪ :‬كندا‪ :‬بداية ال تعترف كندا بالعمالت االفتراضية كعملة قانونية‪ ،‬إال أنها سنت تشريعات‬
‫للتعامل مع هذه العمالت خاصة في مجال غسيل األموال‪ ،‬ففي يونيو ‪ ،2014‬وافقت الحكومة‬
‫الكندية على القانون ‪( C31‬النظام األساسي لكندا ‪ )2014‬الذي يشرع معامالت العمالت‬
‫االفتراضية ألغراض مكافحة غسيل األموال؛ حيث أعتبر هذا القانون أن منصات تداول‬
‫العمالت الرقمية شركات "خدمات مالية"‪ ،134‬لذلك يجب عليها تقديم تقارير إلى ‪FINTRAC‬‬

‫‪132‬‬ ‫هي ‪the Financial Crimes Enforcement Network, https://www.fincen.gov/,‬‬


‫شبكة إنفاذ الجرائم المالية‪ ،‬تابعة لوزارة الخزانة المالية األمريكية‪ ،‬وتهدف إلى جمع وتحليل المعلومات حول‬
‫المعامالت المالية من أجل مكافحة غسل األموال المحلية والدولية‪ ،‬وتمويل اإلرهاب‪ ،‬وغيرها من الجرائم‬
‫المالية‪.‬‬
‫‪133 Federal Bureau of Investigation, Bitcoin Virtual Currency: Unique‬‬

‫)‪Features Present Distinct Challenges for Deterring Illicit Activity (May 2012‬‬
‫;‪http://www.wired.com/images_blogs/threatlevel/2012/05/Bitcoin-FBI.pdf‬‬
‫‪Chinelle van der Westhuizen, op. cit P.151.‬‬
‫‪134 Ch 20 of the Bill, § 244.7(4)(a) and (b) which states the following: ‘“money‬‬

‫”‪services business‬‬
‫‪means an entity (a) that has a place of business in Canada and that is‬‬
‫‪engaged in the business of‬‬
‫‪providing at least one of the following services: (i) foreign exchange dealing,‬‬
‫‪(ii) remitting funds or‬‬
‫‪124‬‬
‫ ومن‬،‫عن جميع األنشطة والمعلومات الخاصة بمستخدميها للحد من أنشطة غسيل األموال‬135
‫ وتوسيع نطاق تطبيق القانون‬،‫أجل تعزيز متطلبات تحديد هوية العميل لدى المؤسسات المالية‬
‫إلى األشخاص والكيانات التي تتعامل بالعمالت االفتراضية واألعمال التجارية للخدمات‬
FINTRAC ‫ وبالتالي يجب تسجيل منصات تداول العمالت االفتراضية ب‬،‫المالية األجنبية‬
‫ واإلبالغ عن أي معامالت مشبوهة لـ‬،‫ والحصول على معلومات من عمالئها‬،
‫ كما يُحظر على المؤسسات المالية فتح الحسابات أو أي عالقة مصرفية لهذه‬،FINTRAC
‫ كانت كندا سباقة في تنفيذ‬، ‫ ولذلك‬،FINTRAC ‫المنصات ما لم تكن مسجال لدى مركز‬
‫التشريعات المتعلقة بقوانين مكافحة غسيل األموال من خالل مطالبة منصات تداول العمالت‬
‫ وأخيرا تلزم المؤسسات المالية‬،‫االفتراضية بضرورة اإلبالغ عند وجود شبهة غسل األموال‬
.FINTRAC ‫بعدم التعامل مع هذه المنصات التي لم تحصل على ترخيص من‬

transmitting funds by any means or through any entity or electronic funds


transfer network, (iii)
issuing or redeeming money orders, traveller’s cheques or other similar
negotiable instruments except
for cheques payable to a named entity, (iv) dealing in virtual currencies, as
defined by regulation, or
(v) a prescribed service; or (b) that does not have a place of business in
Canada, that is engaged in the
business of providing at least one of the following services that is directed
at entities in Canada, and
that provides those services to their customers in Canada: (i) foreign
exchange dealing, (ii) remitting
funds or transmitting funds by any means or through any entity or electronic
funds transfer network,
(iii) issuing or redeeming money orders, traveller’s cheques or other similar
negotiable instruments
except for cheques payable to a named entity, (iv) dealing in virtual
currencies, as defined by
regulation, or (v) a prescribed service; Chinelle van der Westhuizen, op. cit
P.156.
135 Proceeds of Crime (Money Laundering) and Terrorist Financing Act

‫اإلرهاب‬ ‫وتمويل‬ )‫األموال‬ ‫(غسل‬ ‫الجريمة‬ ‫عائدات‬, https://lois-


laws.justice.gc.ca/eng/acts/P-24.501/.
125
‫الحظنا أن موقف الدول من حيث وضع آلية لمواجهة غسل األموال عبر منصات تداول‬
‫العمالت االفتراضية قد تنوع بين العديد من االتجاهات‪ :‬فمنهم من منع التعامل بهذه العمالت‬
‫مثل الصين والدول العربية‪ ،‬وذلك للمخاطر المحيطة بهذه المنصات‪ ،‬خاصة عدم التحقق من‬
‫هوية المتعامل أو مصدر أمواله‪ ،‬مما يجعلها مالذا لمجرمي النشاطات اإلجرامية؛ وهناك من‬
‫أخذ موقف وسط بين التحريم والتنظيم‪ ،‬حيث ظلت تنتظر وتترقب لحين معرفة ما يؤول إليه‬
‫هذه المنصات في الدول التي أقبلت على تنظيم قانوني لهذه المنصات‪ ،‬وعليه اكتفت بإصدار‬
‫توصيات أو تعليمات ‪-‬فقط‪ -‬للمتعاملين سواء كانوا أفراد أو مؤسسات مالية عبر منصات‬
‫تداول العمالت االفتراضية مثل االتحاد األوربي وأستراليا‪ ،‬بالتالي فهنا المراقبة ذاتية؛ ولكن‬
‫هناك موقف أكثر شجاعة من قبل كل من الواليات المتحدة األمريكية وكندا‪ ،‬حيث نظمت‬
‫بموجب قوانين آلية التعامل مع هذه المنصات‪ ،‬حيث الزموا هذه المنصات بالتسجيل في جهات‬
‫معنية بهذا األمر‪ ،‬واإلبالغ على شبهات غسل األموال‪ ،‬ولكنهم قصروا ذلك فقط على األنشطة‬
‫غير المشروعة الخاصة بغسل األموال‪ ،‬أو تمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫أهم النتائج التي َخلُص إليها البحث‪:‬‬

‫انتهينا إلى أنه عرض تقنية سلسلة الكتل "‪ "Block chain‬باعتبارها محور عمل منصات‬
‫تداول العمالت االفتراضية‪ ،‬وأوضحنا مزاياها ‪ :‬فهي وسيلة أمنة وموثقة لحفظ المعامالت‪،‬‬
‫التي يتم التحقق منها من المشاركين بهذه التقنية؛ وال يتم تعديل هذه المعامالت إال عبر إنشاء‬
‫كتلة جديدة تضاف إلى الكتل السابقة وهكذا حتى نكون بصدد سلسلة الكتل؛ ولكن يعبيها إخفاء‬
‫هوية المتعاملين بها‪ ،‬مما يجعلها وسيلة الرتكاب األفعال الجرمية التي تنال من استقرار‬
‫الشعوب على جميع المستويات‪.‬‬

‫بالرغم من المزايا العديدة التي تحققها هذه التقنية – كما هو حال كل تقنية حديثة‪ ،-‬إال أنه قد‬
‫ظهر لها العديد من العيوب‪ ،‬وهذا ما جعل موقف الدول من االعتراف بها متأرجح بين ثالثة‬
‫اتجاهات‪ :‬األول‪ ،‬حظر التعامل بهذه التقنية؛ والثاني اعترف بها وتعامل بها في بعض‬

‫‪126‬‬
‫الجوا نب‪ ،‬ولكن دون تنظميها قانونا؛ واألخير‪ ،‬اعترف بها وأدخل بعض النصوص القانونية‬
‫الخاصة بها ولكن في مجاالت محددة على سبيل الحصر مثل أنشطة غسل األموال‪.‬‬

‫َخلُصنا إلى أن القوانين –سواء الدولية أو الداخلية‪ -‬اتبعت سياسة وقائية‪ ،‬تحول دون الوصول‬
‫إلى جريمة غسل األموال‪ ،‬حيث حددت على سبيل الحصر المؤسسات المالية المخاطبة بقواعد‬
‫مكافحة غسل األموال‪ ،‬سواء تلك المنصوص عليها في االتفاقيات الدولية أو القوانين الوطنية‪،‬‬
‫ولكن الحظنا أنها وسعت في هذا الشأن‪ ،‬حيث أدخلت جهات قد يتصور أن تقوم بعمل من‬
‫األعمال التي من المحتمل أن تثير أي اشتباه في القيام بأي صورة من صور غسل األموال؛‬
‫بجانب ذلك أقرت واجبات عديدة على عاتق هذه المؤسسات يجب عليها أن تقوم بها فور‬
‫تحقق شرائطها التي نصت عليها‪ :‬العناية الواجبة؛ اإلبالغ في حالة الشبهة؛ كما أنها حددت‬
‫الجهات المنوط بها مكافحة جريمة غسل ‪ ،‬وفرضت عليها العديد من الواجبات التي يجي‬
‫القيام بها عند مباشرة أعمالهم‪.‬‬

‫توصلنا إلى أن المشرع بجانب السياسة الوقائية‪ ،‬أهتم بالسياسة الردعية‪ ،‬وذلك حال وقوع‬
‫الجريمة بالفعل‪ ،‬وأوضحنا أن هذه الجريمة تتطلب شرطا مفترضا يتمثل في‪ :‬أن يكون بصدد‬
‫فعل غير مشروع وقد يكون جريمة‪ ،‬وأن يترتب عليه متحصالت –قد تكون مال‪-‬؛ وأن عملية‬
‫شرعنه المتحصالت غير المشروعة تمر بمراحل عدة على تصبح في صورة األموال‬
‫المشرعة‪ ،‬ويصعب اكتشاف حقيقتها‪ ،‬وبالتالي من الممكن استخدامها في النظام المالي الخاص‬
‫بالدولة‪ ،‬دون أي تحوف من المالحقة القانونية؛ والتشريعات محل الدراسة أخذت بمبدأ السرد‬
‫والتعدد في بيان صور السلوك اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ ،‬حيث أنها عددت هذه الصور‬
‫على سبيل الحصر‪ ،‬ولم تمنح سلطات إنفاذ القانون‪ ،‬سلطة إدخال ما يستحد من صور لهذا‬
‫السلوك‪ ،‬على الرغم التطور المتالحق في هذا الشأن‪.‬‬

‫في النهاية نستطيع القوال بأن تقنية سلسلة الكتل "البلوك شين" من الممكن أن تمهد الطريق‬
‫إلى سلطات إنفاذ القانون في الدولة المنوط بها مكافحة غسل األموال‪ ،‬ولكن من الواجب على‬
‫الدول أن تهيئ البيئة التشريعية والتقنية التي تؤهلهم للقيام بهذا الدور‪ ،‬الن األمر يحتاج‬
‫‪127‬‬
‫تعديالت في قانون اإلجراءات الجزائية حتى تواكب هذا التطور المتالحق للعمالت‬
‫االفتراضية‪ ،‬واعتقد أن مصطلح "تعديالت" ال يكفي ولكن يجب أن تكون ثورة تشريعية‪ ،‬ألن‬
‫األمر يحتاج تعديل العديد من النصوص اإلجرائية؛ وليس هذا فحسب ولكن يجب على الدول‬
‫أيضا أن تهتم باألشخاص المنوط بهم العمل في هذا المجال‪ ،‬ويقومون بتدريبهم على أحدث‬
‫برامج التتبع والبرمجة الخاصة بهذا المجال‪ ،‬وأن يكون بذلك بصفة دورية‪ ،‬ولذلك الحاجة‬
‫لمحة لوجود ما يسمي بمأمور الضبط اإللكتروني حتى يستطيع مجاراة أساليب المجرمين في‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫أن موقف الدول من حيث وضع آلية لمواجهة غسل األموال عبر منصات تداول العمالت‬
‫االفتراضية قد تنوع بين العديد من االتجاهات‪ :‬فمنهم من منع التعامل بهذه المنصات مثل‬
‫الصين والدول العربية‪ ،‬وذلك للمخاطر المحيطة بها‪ ،‬خاصة عدم التحقق من هوية المتعامل‬
‫أو مصدر أمواله‪ ،‬مما يجعلها مالذا لمجرمي النشاطات اإلجرامية؛ وهناك من أخذ موقف‬
‫وسط بين التحريم والتنظيم‪ ،‬حيث ظلت تنتظر وتترقب لحين معرفة ما يؤول إليه هذه‬
‫المنصات في الدول التي أقبلت على تنظيم قانوني لهذه المنصات‪ ،‬وعليه اكتفت بإصدار‬
‫توصيات أو تعليمات ‪-‬فقط‪ -‬للمتعاملين سواء كانوا أفراد أو مؤسسات مالية عبر منصات‬
‫تداول العمالت االفتراضية مثل االتحاد األوربي وأستراليا‪ ،‬بالتالي فهنا المراقبة ذاتية؛ ولكن‬
‫هناك موقف أكثر شجاعة من قبل كل من الواليات المتحدة األمريكية وكندا‪ ،‬حيث نظمت‬
‫بموجب قوانين آلية التعامل مع هذه المنصات‪ ،‬حيث الزموا هذه المنصات بالتسجيل في جهات‬
‫معنية بهذا األمر‪ ،‬واإلبالغ على شبهات غسل األموال‪ ،‬ولكنهم قصروا ذلك فقط على األنشطة‬
‫غير المشروعة الخاصة بغسل األموال‪ ،‬أو تمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫أهم التوصيات التي يقترحها الباحث‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬التوصيات الخاصة بالهيئات األكاديمية والمجتمعية‪:‬‬
‫‪ -‬يقع على المؤسسات األكاديمية بضرورة لفت نظر االكاديميين بها إلى ضرورة السبور في‬
‫أغوار مثل هذه التقنيات الحديثة؛ ال سيما تلكم المتعلقة بالجانب المالي‪ ،‬وذلك باالهتمام في‬

‫‪128‬‬
‫دراساتهم سواء المخصصة للطالب أو أبحاثهم العملية بهذه التقنيات‪ ،‬حتى يخرج جيل على‬
‫دراية بها؛ وتوجيه باحثي الماجستير والدكتوراه إلى احتيار مثل هذه الموضوعات‪.‬‬
‫‪ -‬أن تهتم بإعداد مؤتمرات علمية بشأن هذه التقنيات – مثل مؤتمرنا هذا‪ ،-‬حيث أن هذه‬
‫المؤتمرات يشترك بها العديد من الباحثين األكاديميين والفنيين والرقابيين وغيرهم‪ ،‬فهذا يؤدي‬
‫إلى إثراء البحث بالعديد من الثقافات المختلفة‪ ،‬ويعود ذلك بالفائدة الناجعة في هذا المجال‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام من قبل المؤسسات العملية والمجتمعية بعقد الندوات وحلقات النقاش على المستوى‬
‫المجتمعي بهدف نشر ثقافة التعرف على مثل هذه التقنيات الحديثة‪ ،‬وإلمامهم بمزايا ومخاطر‬
‫هذه التقنيات‪ ،‬بهدف حمايتهم من السقوط في براثن مجرمي هذه التقنيات‪ ،‬وتشجيعهم على‬
‫التعامل في هذا المجال‪ ،‬ولكن التعامل القائم على المعرفة‪ ،‬ال على حب المغامرة‪.‬‬
‫ثانيا التوصيات الخاصة بالمؤسسات المالية والجهات الرقابية‪:‬‬
‫‪ -‬على المؤسسات المالية الخاضعة لاللتزامات الخاصة ببعض األنشطة غير المشروعة‬
‫كغسل األموال وتمويل اإلرهاب‪ ،‬االهتمام بالكادر البشري الذي يتم اختياره لتنفيذ هذه‬
‫االلتزامات‪ ،‬وتوفير األجهزة والبرامج التي تكافح هذه األنشطة‪ ،‬واالهتمام باطالعهم على‬
‫الحديث في هذه التقنيات وذلك بتمكينهم من الحصول على الدورات المتقدمة في هذا المجال‪،‬‬
‫حتى يكون على نفس تطور المجرمين في هذا مهام‪ ،‬بهدف التعرف على هذه األنشطة إلبالغ‬
‫جهات إنفاذ القانون في الوقت المناسب‪.‬‬
‫‪ -‬توجيه نظر الجهات الرقابية المنوط بها مراقبة األنشطة غير المشروعة –مثل غسل األموال‬
‫وتمويل اإلرهاب‪ -‬بضرورة المتابعة الحثيثة لمثل هذه األنشطة‪ ،‬والتعرف على البرامج‬
‫الالزمة لمواجهتها‪ ،‬والتعرف على النقص في مجال المراقبة‪ ،‬لوضعها أمام الجهات‬
‫الحكومية‪ ،‬لعرضها على السلطات التشريعية‪ ،‬بهدف تحديث القوانين بما يتواكب مع التطور‬
‫في هذه األنشطة غير المشروعة‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -‬على الجهات الرقابية المنوط بها مراقبة تقنية المعلومات متابعة كل ما هو جديد في التقنيات‬
‫الحديثة‪ ،‬ووضع الحلول الممكنة لمواجهتها عند استخدامها في نشاطات غير قانونية‪ ،‬وإخطار‬
‫الجهات الرقابية المنوط بها مكافحة هذه األنشطة‪ ،‬يهدف إحاطة المؤسسات المنوط بها مكافحة‬
‫علما بمثل هذه األنشطة‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التوصيات الخاصة السلطات التشريعية‪:‬‬
‫‪ -‬حث السلطات التشريعية على وضع تعريف للمتحصالت غير المشروعة – في الغالب‬
‫تكون مال‪ -‬جامع وشامل‪ ،‬بحيث يشمل صراحة األموال االفتراضية والتقنيات المتعلقة بها‪،‬‬
‫بهدف مد بساط الحماية إلى التعامالت غي المشروعة التي يقع عبر هذه العمالت‪.‬‬
‫‪ -‬إال تشترط القوانين المعنية بمكافحة غسل األموال أن يكون المتحصالت غير المشروعة‬
‫ناتجة عن جريمة‪ ،‬ولكن يكفي أن يكون مصدرها غير مشروع حتى ولو لم يشكل جريمة‪،‬‬
‫وهذا ما أشار إليه قانون اإلمارات العربي االسترشادي لمكافحة جرائم تقنية المعلومات عند‬
‫تجريمه لجريمة غسل األموال‪.‬‬
‫‪ -‬نثمن النمط الذي اتبعته التشريعات محل الدراسة في تحديد الصور الخاصة بالسلوك‬
‫اإلجرامي لجريمة غسل األموال‪ ،‬وهو أسلوب السرد والتعدد‪ ،‬ولكن يجب منح سلطات إنفاذ‬
‫القانون سلطة إضافة أي صور تستجد في ظل التطور الهائل الذي يلحق بهذه األنشطة بسبب‬
‫التطور المستمر بالعمالت االفتراضية والتقنيات الخاصة بها‪ ،‬وهذا ما أخذ به المشرع العماني‬
‫عند تصديه لصور السلوك اإلجرامي‪.‬‬
‫‪ -‬أن تنحى التشريعات ‪-‬محل الدراسة‪ -‬منحى التشريع النموذجي لمكافحة غسل األموال‬
‫الصادر األمم المتحدة عام ‪ 1995‬حيث عاقب على األعمال التحضرية بعقوبة الجريمة‬
‫كاملة‪ ،‬خروجا على القواعد العامة التي ال تعاقب على هذه األعمال‪ ،‬نظرا ل ثار لسلبية التي‬
‫تلحق بالمجتمع من وراء هذه األنشطة غير المشروعة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ -‬نظرا لخطورة هذه الجريمة على المستوى االقتصادي‪ ،‬على السلطات التشريعية –محل‬
‫الدراسة‪ -‬أن توسع من مفهوم االشتراك في هذه الجريمة‪ ،‬وذلك بإدخال مجرد المشورة أو‬
‫العرض في االشتراك‪ ،‬والعقاب عليه بنفس عقوبة الفاعل األصلي‪ ،‬وهذا ما قرره التشريع‬
‫النموذجي لمكافحة غسل األموال الصادر عن األمم المتحدة عام ‪.1995‬‬
‫‪ -‬بسبب تنامي استخدام التقنيات الرقمية الحديثة في مجال التعامالت المالية‪ ،‬يجعل األمر‬
‫بضرورة تدخل السلطة التشريعية مراجعة النصوص المتعلقة بالقوانين المنظمة للمعامالت‬
‫المالية وكذا قوانين اإلجراءات الجزائية‪ ،‬وذلك إلجراء التعديالت الالزمة لمنح سلطات إنفاذ‬
‫القانون سلطات واسعة بشأن الفحص والتحري عن األنشطة غير المشروعة المترتبة على‬
‫منصات تداول العمالت االفتراضية‪ ،‬والتقنيات الخاصة بها كتقنية سلسلة الكتل "البلوك شين"‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫المراجع‬
‫أوالً‪ :‬المراجع العربية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬الكتب العامة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية –الجزء الثاني " المحاكمة والطعن"؛ الطبعة‬ ‫‪-‬‬
‫الخامسة‪ ،2017 ،‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬شرح قانون العقوبات – القسم العام "النظرية العامة للجريمة والعقوبة"‪،-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطبعة الخامسة‪ ،2015 ،‬دون دار نشر‪.‬‬
‫د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬تجريم عسيل األموال في التشريعات المقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،2001 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ص ‪ 23‬وما بعدها‪ ،‬وكذا مؤلفه‪ ،‬دراسة نقدية لقانون غسل األموال‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2003 ،‬‬
‫د‪ .‬دليلة مباركي‪ ،‬غسيل األموال‪ ،‬رسالة دكتوراه‪20018-2007 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫د‪ .‬حوالف عبدالصمد‪ ،‬النظام القانوني لوسائل الدفع اإللكترونية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪.2015-2014 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫د‪ .‬طارق أحمد ماهر زغلول‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية العُماني –الجزء الثاني " المحاكمة وطرق‬ ‫‪-‬‬
‫الطعن في األحكام"؛ الطبعة األولى‪ ،2016 ،‬دار الكتاب الجامعي‪.‬‬
‫د‪ .‬محمد سامي لشوا‪ ،‬السياسة الجنائية في مواجهة غسل األموال‪ ،‬دار النهضة العربية‪.2001 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫د‪ .‬غنام محمد غنام‪ ،‬د‪ .‬تامر محمد صالح‪ ،‬قانون الجزاء‪ -‬القسم العام‪ :‬نظرية الجريمة "الكتاب األول"‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،2017 ،‬دار الكتاب الجامعي‪.‬‬
‫د‪ .‬مصطفى طاهر؛ المواجهة التشريعية لظاهرة غسل األموال المتحصلة من جرائم المخدرات‪ ،‬مطابع‬ ‫‪-‬‬
‫الشرطة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬
‫حامد عبداللطيف عبدالرحمن‪ ،‬جريمة غسل األموال وسبل مكافحتها‪ ،‬رسالة ماجستير‪.2012-2011 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -2‬األبحاث والمؤتمرات العلمية‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫د‪ .‬أحمد إبراهيم دهشان‪ ،‬العمالت االفتراضية ‪ :‬إشكالياتها وأثارها على االقتصاد المحلي والعالمي‪ ،‬المؤتمر‬ ‫‪-‬‬
‫الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة بعنوان "العمالت االفتراضية في‬
‫الميزان"‪ ،‬في الفترة ‪.2019 17-16‬‬
‫د‪ .‬أحمد كمال أحمد صبري‪ ،‬الحماية القانونية للملكية الفكرية الذكية على سلسلة الكتل "البلوك سين" –دراسة‬ ‫‪-‬‬
‫مقارنة‪ -‬بحث غير منشور‪.‬‬
‫د‪ .‬أشرف توفيق شمس الدين‪ ،‬مخاطر العمالت االفتراضية في نظر السياسة الجنائية‪ ،‬المؤتمر الدولي الخامس‬ ‫‪-‬‬
‫عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة بعنوان "العمالت االفتراضية في الميزان"‪ ،‬في‬
‫الفترة ‪.2019 17-16‬‬
‫د‪ .‬بسام أحمد الزلمي‪ ،‬دور النقود اإللكترونية في غسل األموال؛ بحث منشور بمجلة جامعة دمشق للعلوم‬ ‫‪-‬‬
‫االقتصادية والقانونية‪ ،‬المجلد ‪ ،26‬العدد األول‪.2010 ،‬‬
‫د‪ .‬سامي محمد غنيم‪ ،‬األحكام الموضوعية لجريمة غسل األموال في التشريع الفلسطيني –دراسة تحليله‬ ‫‪-‬‬
‫مقارنة‪ ،-‬بحث منشور على األنترنت ‪ 2017/12/2‬بمجلة األبحاث القانونية المتعمقة‪ ،‬العدد ‪.18‬‬
‫د‪ .‬شامي يسين‪ ،‬تبيض األموال عبر طريق العمالت االفتراضية كجريمة مستحدثة‪ ،‬المؤتمر الدولي الخامس‬ ‫‪-‬‬
‫عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة‪ ،‬بعنوان "العمالت االفتراضية في الميزان"‪-16 ،‬‬
‫‪ 17‬أبريل ‪.2019‬‬
‫د‪ .‬على راغب‪ ،‬ماهية تحويل وإخفاء األموال المتحصلة من جرائم المخدرات ودور المدعى العام االشتراكي‬ ‫‪-‬‬
‫في مواجهتها‪ ،‬ندوة الجرائم االقتصادية المستحدثة‪ ،‬المركز القومي للبحوث االجتماعية والجنائية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ 21-20‬أبريل ‪.1993‬‬
‫‪132‬‬
‫ المؤتمر العلمي الثالث‬،-‫رؤية إسالمية‬-‫ غسل األموال في النظم الوضعية‬،‫محمد بن أحمد صالح الصالح‬ -
.‫ جامعة أم القرى‬،‫لالقتصاد اإلسالمي‬
‫ جامعة‬،‫ مجلة الحقوق‬،‫ غسيل األموال مفهومها؛ خطورتها؛ واستراتيجية مكافحتها‬،‫ محمد حافظ الرهوان‬.‫د‬ -
.2003 ‫ العدد‬،‫الكويت‬
‫ محمد سعيد عبدالعاطي؛ مأمور الضبط اإللكتروني ودوره في الحد من جرائم شبكات التواصل االجتماعي؛‬.‫د‬ -
‫قدم للمؤتمر العلمي الدول الثاني لكلية اآلداب والعلوم االجتماعية بجامعة السلطان قابوس بعنوان "المجتمع‬
‫ ونُشر‬،2017 ‫ نوفمبر‬2 ‫ أكتوبر حتى‬31 ‫ في الفترة‬،"‫العربي وشبكات التواصل االجتماعي في عالم متغير‬
.2018 ، 2 ‫ العدد‬،‫بالمجلة الدولية لعلوم االتصال‬
‫ مجلة البحوث‬،‫ أسباب تجريمه وطرق مكافحته‬،‫ تطوره‬،‫ غسيل األموال تاريخه‬،‫ محمد محي الدين عوض‬.‫د‬ -
.1999 ،‫ العدد الخاص باليوبيل الفضي للكلية‬،‫ كلية الحقوق جامعة المنصورة‬،‫القانونية واالقتصادية‬
‫ مجلة أسرا العالمية للبحوث الشرعية‬، ‫ البت كوين نموذجا‬: ‫ العمالت االفتراضية المشفرة‬، ‫منير ماهر أحمد‬ -
.‫ ماليزيا‬، 2018 ،
‫المؤتمر الدولي الخامس عشر لكلية الشريعة والدراسات اإلسالمية بجامعة الشارقة بعنوان "العمالت‬ -
.2019/17-16 ‫ في الفترة‬،"‫االفتراضية في الميزان‬
:‫ المراجع األجنبية‬:ً‫ثانيا‬
:‫المراجع الفرنسية‬ -
1- Ahmed Farouk Zahar, Le blanchiment de l'argent et la recherche des
produits de l'infraction, Thèse de doctorat, Nantes, 2001.
2- C. Cutar, le blanchiment des profits illicite. p.u.d e Strasbourg,2000.
3- Dominique Garabiol, Secret et lutte contre le blanchiment , P.A 20, Juin N°
122.
4- Eqbal Al Qallaf, Les obligations des professionnels dans la lutte contre le
blanchiment d’argent : étude comparée entre les droits français et
koweitïen, these de doctrat, 2013, L'UNIVERSITÉ DE POITIERS UFR de
droit et sciences sociales.
5- Geraldin Dan jaune et Frank Arpin- Gonnet, droit penal général , l'Hermis,
1ere édition, 1994.
6- Mamdou dian diallo, les mutation de l.anti-blanchiment a l’aune de la
profession bancaire et de libertes individuelles, these de doctrat, 2017.
7- Marcel Culioli, infraction général du blanchiment , juris classeur, droit pénal
1997. art 324- 1a324 – 9 fascicule 20, no 39..
8- Merle ( Roger ) et vitu ( André ) traité de droit criminel . t.i.1984 no 582.
9- PASCAL D E P R E UX et DAN I E L TRAJ I LOVIC, BLOCKCHAIN ET
LUTTE CONTRE LE BLANCHIMENT D’ARGENT Le nouveau paradoxe
?, https://resolution-lp.ch/wp-
content/uploads/2018/02/064_L_14_De_Preux_Trajilovic.pdf.
10- La Blockchain et son impact sur la Lutte contre le blanchiment d’argent,
17.12.2018, entrée lundi 9dec. 2019 PM 00:20.
133
https://www.bankobserver-wavestone.com/blockchain-impact-lutte-contre-
blanchiment-dargent/.
:‫المراجع االنجليزية‬ -
1- Boris Barraud, Les blockchains et le droit, Revue Lamy Droit de l’immatériel,
Lamy (imprimé),Wolters Kluwer édition életronique 2018, pp.48-62. hal-
01729646.
2- Chinelle van der Westhuizen, Future digital money: The legal status and
regulation of bitcoin in Australia, these, 2017, The University of Notre Dame
Australia.
3- David Lee Kuo Chuen, Handbook of Digital Currency: Bit coin, Innovation,
Financial Instruments, and Big Data (Academic Press, 2015) p. 569 .
4- Georges-Albert Dal,Blockchain : une révolution pour le droit?, Journal
Tribunaux, tribunaux, http://jt.larcier.be, 10 novembre 2018 - 137e année,
36 - No 6748.
5- Jacqueline Riffaut : le blanchement des capitaux illicites comparé , revue
des science criminelles et de droit pénal comparé , N 2 , avril- juin 1999.
6- Mandie Sami, ‘Bit coin Traders accuse Australia's biggest Banks of
Declaring War on Cryptocurrencies’, 22 September 2015, ABC News
(online) http://www.abc.net.au/news/2015-09- 22/bitcoin-traders-claim-
discrimination-by-australias-banks/6795782.
7- Nakamoto, Satoshi, Bitcoin: : A Peer to Peer Electronic Cash System ,
www.bitcoin.org, 2009,last accessed on May 8, 2018.
8- Sophie Petrini – Jonquet : politique criminelle en matière de blanchiment de
la lutte national aux obstacles intarnationaux. Thèse de doctorat, Tome 1,
1997.
9- Stefano Manacorda : La réglementation du blanchiment de capitaux en droit
international , revue de science criminelle et de droit pénal comparé , 1999.
:‫ القوانين والقرارات واالتفاقيات‬:ً‫ثالثا‬ -

.‫ لمكافحة اإلتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية‬1988 ‫اتفاقية فينا لعام‬ -
.1988 BALE ‫إعالن بازل‬ -
‫ في شأن مواجهة جرائم غسل األموال‬2018 ‫ لسنة‬20 ‫ المرسوم بقانون اتحادي رقم‬،‫القانون اإلماراتي‬ -
.‫ومكافحة تمويل اإلرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة‬
‫ المعدل بموجب‬،‫ الصادر بقانون مكافحة غسل األموال‬2002 ‫ لسنة‬80 ‫ القانون رقم‬،‫القانون المصري‬ -
.2014 ‫ لسنة‬36 ‫قرار رئيس الجمهورية رقم‬

134
‫القانون العُماني‪ ،‬بموجب المرسوم السلطاني رقم ‪ 30‬لسنة ‪ 2016‬بإصدار قانون مكافحة غسل األموال‬ ‫‪-‬‬
‫وتمويل اإلرهاب‪.‬‬
‫المعايير الدولية لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب وانتشار األسلحة‪ -‬توصيات مجموعة العمل المالي‬ ‫‪-‬‬
‫الصادرة في فبراير ‪.2012‬‬
‫الالئحة التنفيذية لقانون مكافحة غسل األموال الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم ‪ 951‬لسنة ‪ 2003‬المعدلة‬ ‫‪-‬‬
‫بالقرار رقم ‪ 1463‬لسنة ‪ 2006‬والقرار رقم ‪ 2367‬لسنة ‪ 2008‬والقرار رقم ‪ 1569‬لسنة ‪.2016‬‬
‫قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية رقم ‪ 120‬لسنة ‪ 2019‬الصادرة بتاريش ‪ 2019/8/28‬بشأن‬ ‫‪-‬‬
‫الضوابط الرقابية في مجال مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب للجهات العاملة في مجال األنشطة المالية‬
‫غير المصرفية‪.‬‬
‫اتفاقية فيينا ‪ 1988‬لمكافحة اإلتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قانون اإلمارات االسترشادي لمكافحة جرائم تقنية المعلومات وما في حكمها‪ ،‬المعتمد من مجلس وزراء‬ ‫‪-‬‬
‫العدل العرب في دورته التسعة عشرة بالقرار رقم ‪-495‬د‪ ،2003/10/8 -14‬ومجلس وزراء الداخلية‬
‫العرب في دورته الحادية والعشرون بالقرار رقم ‪-417‬د‪.2014/21‬‬
‫قانون اإلجراءات الجنائية المصري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية العُماني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫من قانون اإلجراءات الجزائية اإلماراتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التشريع النموذجي لمكافحة غسيل األموال الصادر‪. 1955‬‬ ‫‪-‬‬
‫اتفاقية ستراسبورغ الصادرة عن االتحاد األوربي ‪.1990‬‬ ‫‪-‬‬
‫قانون العقوبات اإلماراتي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قانون العقوبات المصري‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫قانون الجزاء العُماني‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪la loi Pacte relative à la croissance et à la transformation des entreprises,‬‬
‫‪publiée au Journal officiel du 23 mai 2019 (loi n° 2019-486 du 22 mai 2019‬‬
‫‪relative à la croissance et la transformation des entreprises.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪loi de SAPIN II no 2016-1691 du 9 dec. 2016 relative a la transparence, a la‬‬
‫‪lute contre la corruption et la modernisations de la vie economique.‬‬
‫‪-‬‬ ‫« ‪la loi no 90-614 du 12 juillet 1990 Créé par TRACFIN (acronyme de‬‬
‫‪Traitement du renseignement et action contre les circuits financiers‬‬
‫‪clandestins ») est un organisme du ministère de l'Économie et des‬‬
‫‪Finances.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Loi n 96-392 du 13 mai 1996 relative à la lutte contre le blanchiment et le‬‬
‫‪traffic des stupéfiants et a la coopération internationale en matière de saisie‬‬
‫‪et de la confiscation du produits du crime.‬‬

‫‪135‬‬
- Council Directive 91/308/EEC.
:‫ أحكام قضائية‬:ً‫رابعا‬ -
.2013 ‫ مايو‬12 ‫ قضائية بتاريش‬82 ‫ سنة‬12808 ‫حكم محكمة النقض المصرية‬ -
.566 ‫ ص‬،43‫ س‬،‫ مايو مجموعة أحكام النقض‬21 ‫نقض جلسة‬ -
.1039 ‫ص‬،43‫ س‬،‫ مجموعة أحكام النقض‬1994 ‫ نوفمبر‬29 ‫نقض جلسة‬ -
:‫ مواقع األنترنت ذات الصلة‬:ً‫خامسا‬ -

- https://bit-chain.com/2018/09/24 /‫ال‬-‫العمالت‬-‫تقنين‬-‫حالة‬-‫فلسطين‬-‫إلى‬-‫قطر‬-‫من‬/
- https://www.wamda.com/ar/2017/06-‫مع‬-‫متوافقة‬-‫مشفرة‬-‫عملة‬-‫ألول‬-‫مه ٌد‬-‫اإلمارات‬/
. ‫اإلسالمية‬-‫الشريعة‬
- https://www.dubaifuture.gov.ae/ar/our-initiatives/global-blockchain-
council /
- https://al-ain.com/article/difc-launch-blockchain-first-court ،
- https://arab-btc.net،/‫بلوكشي‬-‫تطلق‬-‫المتحدة‬-‫العربية‬-‫اإلمارات‬/ PM 14:25
- https://aitnews.com/2018/10/22 ‫؛‬/‫تشي‬-‫البلوك‬-‫سرية‬-‫على‬-‫القضاء‬-‫تحاول‬-‫الصين‬/
- https://www.bitcoinnews.ae./‫أمام‬-‫القضايا‬-‫تسوية‬-‫في‬-‫يساهم‬-‫البلوك سين‬/
- http://manchin.senate.gov/public/index.cfm/pressreleases?ID=284ae54a-
acfl-4258-belc-7aceelf7e8b3.
- http://www.justice.gov/usao/nys/pressreleases/Februaryl4/RossUlbrichtlnd
ictmentPR.php.
- http://www.investopedia.com/articles/investing/120314/where-bitcoin-
regulated.asp.
- www.austrac.gov.au.
- https://www.theguardian.com/technology/2016/jan/20/bitcoin-netherlands-
arrestscars- cash-ecstasy.
- http://www.coindesk.com/european-commission-to-assess-bitcoins-role-in-
terroristfinancing/.
- https://www.fincen.gov/, the Financial Crimes Enforcement Network.

136
‫انعكاسات التقنيات الحديثة على فعالية المعامالت اإلدارية‬

‫دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة بين القانون المصري‬


‫والتجارب الرائدة في دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫المستشار الدكتور محمد عوض فرج عبد العزيز‬


‫وكيل أول النيابة اإلدارية‬
‫أستاذ القانون العام المحاضر بكلية الحقوق جامعة الزقازيق‬

‫‪137‬‬
138
‫مقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصدددالة والسدددالم على أشدددرف المرسدددلين سددديدنا محمد المبعوث‬
‫رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‬

‫ألقت التقنيات التكنولوجية بظاللها علينا فى ُجل أمور حياتنا‪ ،‬مما كان لها بالغ األثر فى‬
‫شددددتى المجاالت‪ ،‬ومن أهم هذه المجاالت العقود اإلدارية‪ ،‬حيث أصددددبحت هذه األخيرة تُبرم‬
‫عبر شدددددبكة المعلومات الدولية التى هى إحدى وسدددددائل االتصدددددال اإللكترونية الحديثة‪ ،‬مما‬
‫ترتب عليه إنجاز األعمال اإلدارية من حيث السدددددددرعة والدقة وتقليل النفقات وغيرها من‬
‫المزايا األخرى‪.‬‬

‫لذلك تبنت العديد من دول العالم مشدددددروع الحكومة اإللكترونية وذلك باسدددددتخدام التقنيات‬
‫التكنولوجية الحديثة من أجل إحداث تغييرات جوهرية فى أسدددددلوب عمل الحكومة وإرسددددداء‬
‫مبادئ الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص وتغيير صورة الوحدات اإلدارية العاملة فى مجال‬
‫العقود اإلدارية من الصورة التقليدية إلى الصورة اإللكترونية‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أهمية البحث‪.‬‬

‫يحتل موضدددددددوع البحث أهمية كبيرة من الناحية العملية والقانونية؛ فمن الناحية العملية‪:‬‬
‫نجد أن إدخال التقنيات الحديثة فى إبرام العقود اإلدارية أصددددبح واقعا ضددددروريا لما كشددددف‬
‫التطبيق العملى للعقود اإلدارية اإللكترونية من فوائد تتمثل فى تحقيق وفورات مالية هائلة‬
‫للخزينة العامة للدولة من خالل سددددرعة اإلجراءات وقلة التكاليف وإرسدددداء مبادئ الشددددفافية‬
‫والمساواة وتكافؤ الفرص‪.‬‬

‫أما من الناحية القانونية؛ فإن أهمية البحث تتبلور في ضدددددددرورة دراسدددددددة العقود اإلدارية‬
‫اإللكترونية من أجل وضددددع إطار قانونى إلبرامها وانعكاسدددداتها بما يتماشددددى مع التطورات‬

‫‪139‬‬
‫التكنولوجية الحديثة؛ سيما وأن إبرام العقود اإلدارية إلكترونيا يتم عبر شبكة دولية لالتصال‬
‫عن بُعددد دون حدداجددة لاللتقدداء المددادى لطرفى العقددد؛ النتفدداء مجلس العقددد الحقيقى وحلول‬
‫المجلس االفترا ضي محله؛ األمر الذي ي ستوجب بيان الجوانب القانونية لهذا العقد وما يرتبه‬
‫من آثار‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬إشكالية البحث‪.‬‬

‫يثير البحث عدة إشدددددددكاليات تتمثل فى عدم وجود نظام قانونى متكامل يحكم إبرام العقود‬
‫اإلدارية إلكترونيا؛ األمر الذى يتطلب تحديد ماهية العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬وكيفية إثباته‬
‫نظرا لما يعترى المعامالت اإللكترونية من صدددددددعوبات تتعلق بعدم ظهورها بشدددددددكل مرئى‬
‫وملموس‪ ،‬وذلددك لتعلقهددا ببيددانددات معددالجددة إلكترونيددا‪ ،‬فضدددددددال عن مدددى تددأثير التطورات‬
‫التكنولوجية الحديثة على المبادئ العامة إلبرام العقود اإلدارية التقليدية؛ كما تبرز مشدددددددكلة‬
‫كيفية إثبات هذه العقود وحجيتها‪ ,‬وما ترتبه من أثر على فعالية المعامالت اإلدارية‪.‬‬

‫ويثير البحث مجموعة من التساؤالت تتمثل فى اآلتى‪:‬‬

‫‪ ‬ما متطلبات التحول نحو إبرام العقد اإلدارى إلكترونيا؟‬


‫‪ ‬كيف يمكن حل إشكالية التراضى فى العقد اإلدارى اإللكترونى؟‬
‫‪ ‬ما اللغة المسدددددددتعملة للتعبير عن اإلرادة فى العقد اإلدارى اإللكترونى فى ظل تخطيه‬
‫الحدود اإلقليمية للدولة إلى دول أخرى ال تستخدم اللغة العربية؟‬
‫‪ ‬هل أثرت التقنيات التكنولوجية الحديثة على طرق إبرام العقود اإلدارية؟ وما مدى‬
‫تأثيرها على الطرق التقليدية المعروفة إلبرام العقود اإلدارية؟‬

‫ثالثاً‪ :‬أهداف البحث‪.‬‬

‫توضددديحا لما رافق فكرة البحث من غموض تجلت بعض مالمحه فيما مضدددى بيانه‪ ،‬شدددق‬
‫البحث طريقه إلى النور بهدف إزالة الغموض عن اإلبرام اإللكترونى للعقد اإلدارى‪ ،‬وذلك‬

‫‪140‬‬
‫من خالل بيان القواعد والمتطلبات الضددرورية لتطبيقه‪ ،‬وصددوال إلى النظام القانونى السددليم؛‬
‫الذى يتوافق وخصوصية العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬سيما فى مجال إبرام العقد وإثباته‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬منهج البحث‪.‬‬

‫سلك الباحث في إعداد البحث؛ منهجا تأصيليا تحليليا مقارنا‪ ,‬على النحو اآلتى‪:‬‬

‫المنهج التأصييييلى‪ :‬وذلك بمحاولة رد الفروع والجزئيات إلى أصدددولها العامة الواردة فى‬
‫النظريددة العددامددة للعقود اإلداريددة‪ ،‬وكددذلددك الرجوع إلى القواعددد العددامددة فى القددانون المدددنى‬
‫وقانون اإلثبات كلما اقتضددى األمر ذلك‪ ،‬فالعقود اإلدارية اإللكترونية ال تختلف عن نظيرتها‬
‫التقليدية؛ إال من حيث طريقة اإلبرام فقط‪.‬‬

‫المنهج التحليلى‪ :‬وذلك لما يقتضديه موضدوع البحث من ضدرورة التعرض لشدتى جوانبه‬
‫بالتحليل والتمحيص وصدددددوال إلى وضدددددع تصدددددور قانونى إلبرام العقد اإلدارى بالوسدددددائل‬
‫التكنولوجية الحديثة‪.‬‬

‫المنهج المقارن‪ :‬وذلك المقارنة بين القواعد الواردة فى القانون المصددددددرى ونظيرتها فى‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة مع اإل شارة إلى األنظمة القانونية المتعلقة بال شراء العام على‬
‫المسدددددددتوى الدولى كقوانين لجنة األونسدددددددتيرال للقانون التجارى الدولى "األونسدددددددتيرال"‬
‫والتوجيهات األوروبية‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬خطة البحث‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫المبحث الثانى‪ :‬إشكالية التراضى فى العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أثر التقنيات الحديثة على أساليب إبرام العقد اإلداري اإللكتروني‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬دور التقنيات الحديثة في إثبات العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫يعرف العقد فى القانون بصددددددفة عامة بأنه تالقى إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانونى‬
‫معين‪ ،‬سواء كان هذا األثر هو إنشاء إلتزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه(‪ ،)136‬والعقد اإلدارى‬
‫ال يخرج فى بنائه وطبيعته عن هذا السددياق‪ ،‬ومن ثم يخضددع فى تنظيمه ل حكام الواردة فى‬
‫النظرية العامة للعقد‪ ،‬لكن ما يميز هذا العقد هو مدى تأثير الطابع اإللكترونى عليه(‪.)137‬‬

‫وتكتسددددب العقود التى يتم إبرامها عبر شددددبكة اإلنترنت صددددفة اإللكترونية بسددددبب طريقة‬
‫إبرامها‪ ،‬مما يتعين معه توافر مجموعة من العناصدددددددر المتكاملة للتحول نحو إبرام العقد‬
‫اإلدارى إلكترونيا‪.‬‬

‫لذلك نتناول هذا المبحث على النحو اآلتى‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫تعد فكرة العقد اإللكترونى بصدددفة عامة من األفكار الهامة التى تناول الفقه تعريفها‪ ،‬حيث‬
‫عرفه البعض بأنه "اتفاق يبرم وينفذ جزئيا وكليا عبر شبكة اتصاالت دولية باستخدام التبادل‬
‫اإللكترونى للبيانات‪ ،‬بقصدددددددد إنشددددددداء التزامات تعاقدية‪ ،‬وذلك بإيجاب وقبول يمكن التعبير‬
‫عنهما من خالل ذات الوسيط"(‪.)138‬‬

‫وعرفت المادة الثانية من التوجيه األوروبى المتعلق بحماية المسددددتهلك فى العقود المبرمة‬
‫عبر طريق االتصددددداالت اإللكترونية عن بٌعد بأنها "أية وسددددديلة تسدددددتخدم فى التعاقد ما بين‬

‫(‪ )136‬د‪ .‬عبدالرازق أحمد السنهورى‪ :‬الوسيط فى شرح القانون المدنى‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغى‪ ،‬طبعة لجنة الشريعة اإلسالمية بالنقابة العامة‬
‫للمحامين‪ ،2007 ،‬ص‪.118‬‬
‫(‪ )137‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم محمد‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق جامعة اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )138‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪.45‬‬
‫‪142‬‬
‫المورد والمسدددددددتهلددك بدددون التواجددد المددادى المتزامن لهمددا‪ ،‬وذلددك حتى إتمددام التعدداقددد بين‬
‫األطراف"(‪.)139‬‬

‫وعرف قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى المعامالت اإللكترون ية بأنها‬
‫"المعامالت التى يتم إبرامها أو تنفيذها بشددددكل كلى أو جزئى بواسددددطة وسددددائل أو سددددجالت‬
‫إلكترونية‪ ،‬والتى ال تكون فيها هذه األعمال أو السجالت خاضعة ألى متابعة من قبل شخص‬
‫طبيعى‪ ،‬كما فى السياق العادى إلنشاء وتنفيذ العقود والمعامالت"(‪.)140‬‬

‫فالع قد اإللكترونى هو ا ل ذى يتم إبرا مه من خالل جميع الوسددددددددا ئل اإللكترون ية ال حدي ثة‬
‫كالفاكس والتلكس والتليفون أو عن طريق جهاز الكمبيوتر من خالل شددددددبكة اإلنترنت(‪،)141‬‬
‫إذ أنه من الخطأ ربط مفهوم العقد اإللكترونى بوسددددديلة اتصدددددال معينة‪ ،‬سددددديما وأن وسدددددائل‬
‫االتصدددددال عن بعد تعتمد على التقنيات التكنولوجية الحديثة وتعجز الدراسدددددات القانونية عن‬
‫مالحقتها‪.‬‬

‫وبناء على ما سددددددبق يمكن تعريف العقد اإلدارى اإللكترونى بأنه "عقد يكون أحد أطرافه‬
‫شدددخصدددا معنويا عاما‪ ،‬ويتعلق بأحد المرافق العامة‪ ،‬ويبرم وينفذ بوسددديلة إلكترونية أو أكثر‬
‫بشددكل جزئى أو كلى‪ ،‬ويتم إثباته بذات الوسدديلة‪ ،‬وتظهر فيه النية فى األخذ بأسددلوب القانون‬
‫العام‪ ،‬وذلك بتضمين العقد شروطا استثنائية غير مألوفة فى المعامالت اإللكترونية فى عقود‬
‫القانون الخاص"(‪.)142‬‬

‫(‪ )139‬د‪ .‬مدحت عبدالحليم رمضان‪ :‬الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،2001 ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )140‬المادة رقم ‪ 2‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى الصادر عام ‪.2002‬‬
‫(‪ )141‬د‪ .‬محمد أمين يوسف‪ :‬العقد اإلدارى والعقد اإلدارى اإللكترونى مع اإلشارة إلى نظام عقود اإلدارة‬
‫بإمارة دبى وأمريكا وقوانين المعامالت اإللكترونية في دول مجلس التعاون الخليجى‪ ،‬دار الكتب والدراسات‬
‫العربية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2018 ،‬ص‪.227‬‬
‫(‪ )142‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر والقانون‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص‪.112‬‬
‫‪143‬‬
‫ومن ثم يتبين ل نا أن الع قد اإلدارى اإللكترونى؛ ع قد إدارى فى الم قام األول‪ ,‬يتم إبرا مه‬
‫بالوسدددددائل التكنولوجية الحديثة؛ بهدف االسدددددتعاضدددددة عن المعامالت الورقية وإزالة الطابع‬
‫المادى؛ بأخرى إلكترونية تتم عن بٌعد لتحقيق التقدم والتنمية المسدددددددتدامة فى ظل التطور‬
‫التقنى والتقدم التكنولوجى‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬متطلبات التحول نحو إبرام العقد اإلدارى إلكترونيا ً‬

‫تحتل عملية التحول نحو إبرام العقد اإلدارى إلكترونيا اهتماما بالغا على الم ستوى الدولى‬
‫واإلقليمى والمحلى‪ ،‬نظرا لما تحققه تلك الخطوة من آثار مهمة وفعالة؛ تتمثل فى‪ :‬ترشددددددديد‬
‫اإلنفاق‪ ,‬وسددددددرعة إتمام التعاقدات‪ ,‬وإرسدددددداء مبادئ الشددددددفافية والمسدددددداواة وتكافؤ الفرص‬
‫والعالنية‪.‬‬

‫لذلك سدددددارعت العديد من دول العالم إلى االسدددددتخدام األمثل للتقنيات التكنولوحية الحديثة‬
‫بهدف تحسين خدماتها العامة ومعاملتها اإلدارية‪ ،‬وذلك من خالل إصالح أنظمة المشتريات‬
‫الحكومية حتى تتواكب مع التطورات التكنولوجية الحديثة وتوفير كافة الضدددمانات المناسدددبة‬
‫المتعلقة بالتشددددددفير وكلمات السددددددر للمحافظة على سددددددرية المعلومات للمتعاملين مع البوابة‬
‫الرسمية للمشتريات الحكومية‪.‬‬

‫وقد أطلقت حكومة دبى البوابة الرسدددددددمية للتوريد اإللكترونى‪ ،‬حيث تعد جهة إلكترونية‬
‫لجميع الموردين إلى دوائر وجهات حكومة دبى‪ ،‬وقد جاء إطالق هذه البوابة تنفيذا التفاقية‬
‫التفاهم المنعقدة بين حكومة دبى اإللكترونية وشدددددددركة "تجارى"‪ ،‬بما يعزز أطر التعاون‬
‫المشدددترك بين الجانبين ويدعم اسدددتراتيجية التكامل الحكومى الرامية إلى ترسددديش مكانة دبى‬
‫على الخارطة العالمية(‪.)143‬‬

‫(‪ )143‬انظر‪ :‬الموقع اإللكترونى الخاص بحكومة دبى الذكية‪.‬‬


‫‪http://www.dsg.gov.ae/ar/servicespublic/esupply/pages/default.aspx.‬‬
‫‪144‬‬
‫وب هذا اإلطالق يكون قد تم ت حديث من حة الربط بين ن ظام تخطيط الموارد الحكوم ية فى‬

‫حكومة دبى اإللكترونية ونظام التوريد اإللكترونى فى "تجارى" الذى تستضيفه حكومة دبى‬

‫اإللكترونية‪ ،‬حيث منذ إطالق النسدددددخة ال ٌمحدثة من بوابة التوريد التي يسدددددتخدمها أكثر من‬

‫‪ 1000‬خبير مشددتريات لدى ‪ 35‬جهة حكومية لإلعالن عن فرص المناقصددات‪ ،‬تم تسددجيل‬

‫أكثر من ‪ 355‬عطاء من مختلف دوائر حكومة دبي‪ ،‬إذ تسدددددمح البوابة بالبحث عن موردين‬

‫وتقييمهم واختيار األنسدددددددب منهم لترسدددددددية العقود عليهم إلكترونيا‪ ،‬مع تزويد المشدددددددترين‬

‫والموردين بالوسائل األكثر كفاءة وفعالية وشفافية لتحقيق التفاعل بينهم(‪.)144‬‬

‫والجدير بالذكر أن نظام المشدددددددتريات اإللكترونية الذى أطلقته حكومة دبى وشدددددددركة‬

‫"تجارى" قد طورته شركة "‪."IBM‬‬

‫كما قامت مصددددر بإنشدددداء بوابة المشددددتريات الحكومية وهو مشددددروع تنفذه وزارة الدولة‬

‫للتنميددة اإلداريددة(‪ ،)145‬بددالتعدداون مع الهيئددة العددامددة للخدددمددات الحكوميددة التددابعددة لوزارة‬

‫المالية(‪ )146‬؛ بهدف إنشددددددداء بوابة إلكترونية لمنظومة المشدددددددتريات الحكومية لتقديم خدمة‬

‫اإلعالن عن المناقصددددددات المختلفة للجهاز اإلدارى للدولة والمسدددددداعدة على تقديم العروض‬

‫واإلعالن عن نتائج التقييم لتعزيز مبادئ الشددددفافية وتكافؤ الفرص وتحسددددين الخدمة المقدمة‬

‫للمتعاملين مع بوابة المشتريات الحكومية‪.‬‬

‫(‪ )144‬انظر‪ :‬المركز اإلعالمى لحكومة دبى الذكية‪.‬‬


‫‪http://www.dsg.gov.ae/ar/mediacentre/degnews/lists/newscentre/dispform.‬‬
‫‪aspx?id=55‬‬
‫(‪ )145‬الموقع اإللكترونى لوزارة التنمية اإلدارية المصرية‪.‬‬
‫‪http://www.ad.gov.eg/‬‬
‫(‪ )146‬الموقع اإللكترونى للهيئة العامة للخدمات الحكومية التابعة لوزارة المالية المصرية‪.‬‬
‫‪http://www.mof.gov.eg/general.org/‬‬
‫‪145‬‬
‫وتتطلددب عمليددة التحول نحو إبرام العقود اإلداريددة إلكترونيددا مجموعددة من العندداصدددددددر‬
‫المتكدداملددة التى يتعين توافرهددا للتحول نحو اإلبرام اإللكترونى للعقود اإلداريددة وذلددك على‬
‫النحو اآلتي(‪:)147‬‬

‫أوالً‪ :‬توافر البيئة اإللكترونية‪.‬‬

‫يتعين توفير البيئة الفنية والتكنولوجيا الحديثة إلبرام العقود اإلدارية إلكترونيا‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل تبنى الدددولددة لمفهوم الحكومددة اإللكترونيددة‪ ,‬والتى تتمثددل فى قدددرة الجهدداز الحكومى‬
‫بمختلف و حدا ته وأجهز ته اإلدار ية ومراف قه ال عا مة على ت قديم خد ما ته ال عا مة وم عامالته‬
‫اإلدارية واإلجراءات الحكومية لجمهور المتعاملين معه من األفراد والشددركات‪ ,‬بكل سددهولة‬
‫ويسر عبر شبكة المعلومات الدولية (اإلنترنت) من أى مكان ودون التقيد بزمن معين(‪.)148‬‬

‫وتعددد دولددة اإلمددارات العربيددة المتحدددة سدددددددبدداقددة فى إدراك أهميددة الحكومددة اإللكترونيددة‬
‫وفاعليتها كأداة إلنجاح خطط الدولة فى التنمية والتحول نحو اقتصاد المعرفة بهدف االرتقاء‬
‫بالقطاع الحكومى؛ لذلك صددددر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ‪ 631‬لسدددنة ‪ 2001‬بشدددأن‬
‫تكليف وزارة المالية والصدددددناعة بوضدددددع الخطة االسدددددتراتيجية العامة للحكومة اإللكترونية‬
‫للوزارات والهيئات الحكومية‪ ,‬واإلشددددراف على تنفيذها بالتنسدددديق مع وزارة الدولة لشددددئون‬
‫مجلس الوزراء‪ ،‬والهيئة العامة للمعلومات‪ ،‬ومؤسدددسدددة اإلمارات لالتصددداالت‪ ،‬وقد ناقشدددت‬
‫اللجنة التنفيذية العليا الرؤية الخاصددددة بمشددددروع الحكومة اإللكترونية وتم اعتمادها كالتالى‪:‬‬
‫"التحول نحو حكومة على مستوى عالمى قائمة على المعرفة"(‪.)149‬‬

‫(‪ )147‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 137‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )148‬د‪ .‬محمد المتولى‪ :‬إدارة الموارد البشرية لتطبيق الحكومة اإللكترونية فى الدول العربية‪ ،‬بحث مقدم‬
‫للمؤتمر العلمى األول ألكاديمية دبى‪ ،‬بعنوان "الجوانب القانونية واألمنية للعمليات اإللكترونية" المنعقد فى‬
‫الفترة من ‪ 24‬حتى ‪ 26‬أبريل ‪ ،2003‬ص‪.81‬‬
‫(‪ )149‬استراتيجية الحكومة اإللكترونية في دولة اإلمارات العربية ‪ 2014 – 2012‬متاح عبر الموقع التالى‪:‬‬
‫‪http://www.egov.government.ae/c/document_library/get_file/u.‬‬
‫‪146‬‬
‫وقد أطلقت م صر برنامج الحكومة اإللكترونية من خالل موقع بوابة الحكومة اإللكترونية‬
‫خالل عام ‪ ،2004‬إال أن تلك التجربة لم يٌكتب لها النجاح المأمول وذلك بسددبب نقص البيئة‬
‫اإللكترونيددة وعدددم التعددامددل بجددديددة مع العقبددات التى تواجدده تطبيق مشدددددددروع الحكومددة‬
‫اإللكترونية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬بناء قدرات العنصر البشرى‪.‬‬

‫إذ تعتمد الدول فى المقام األول على العنصدددر البشدددرى لتحقيق التقدم والتنمية المسدددتدامة؛‬
‫ولذا عملت الدول على االهتمام بالعنصددر البشددرى فى شددتى المجاالت لتحقيق أهداف التنمية‬
‫واالستخدام األمثل للقوى البشرية(‪.)150‬‬

‫لذلك يحتل العنصدددددددر البشدددددددرى مكانا مهما فى إبرام العقود اإلدارية إلكترونيا‪ ،‬مما يعنى‬
‫ضرورة االهتمام به‪ ,‬وتأهيله‪ ,‬وتقرير نظام أجور عادل‪ ,‬يحول دون هجرة الكوادر المؤهلة‪،‬‬
‫حيث إن نجاح مشدددددداريع الحكومة اإللكترونية يتوقف إلى حد كبير على القدرات والمهارات‬
‫ذات الصدددلة لدى الموظفين القائمين على تنفيذ هذه المشددداريع فى ظل وجود التقنيات الحديثة‬
‫التى يمكن من خاللها تطوير العمل اإلدارى وصوال لتقديم الخدمات اإللكترونية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬توافر البيئة التشريعية المناسبة إلبرام العقود اإلدارية إلكترونياً‪.‬‬

‫تعد مشدددددكلة الفراغ التشدددددريعى من أكثر الموضدددددوعات دقة فى عملية التحول نحو إبرام‬
‫العقود اإلدارية إلكترونيا‪ ،‬فهذه العملية تحتاج إلى وجود تشدددددددريع متكامل نظرا لما تتميز به‬
‫العقود اإلدارية اإللكترونية من خصائص تميزها عن العقود اإلدارية التقليدية‪.‬‬

‫حيث يتطلب االعتماد على التقنيات الحديثة فى إبرام العقود اإلدارية وجود آليات دقيقة‬
‫إلثبات حدوث هذه المعامالت وتالقى إرادة طرفى العقد إلحداث أثر قانونى معين‪ ،‬وتحديد‬
‫وقت ومكان إبرامها ضمانا لحقوق أطراف العقد‪.‬‬

‫(‪ )150‬أ‪ /‬درية إبراهيم محمد دياب‪ :‬دور العنصر البشرى وأهميته في إدارة المشتريات والمخازن‪ ،‬الملتقى‬
‫العربى األول إلدارة المشتريات والمخازن (الواقع وآفاق التطوير)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬الفترة‬
‫من ‪ 29 -28‬ديسمبر ‪ ،2002‬ص‪.208‬‬
‫‪147‬‬
‫‪ ‬نتائج التحول التقنى فى إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫يحقق التحول التقني في إبرام العقددددد اإلدارى اإللكترونى كثمرة من ثمددددار الحكومددددة‬
‫اإللكترونية عدة نتائج‪ ,‬أهمها(‪:)151‬‬

‫أوالً‪ :‬التغلب على مشددددكلة البيروقراطية فى إجراءات إبرام العقود اإلدارية؛ إذ الشددددك أن‬
‫اعتماد اإلدارة العامة على شبكة اإلنترنت فى أعمالها يقلل من الروتين الحكومى(‪.)152‬‬

‫ثانياً‪ :‬توفير التكلفة المادية على اإلدارة‪ ,‬ذلك أن نشددددددر العطاءات فى الصددددددحف الورقية‬
‫وإعادة نشرها أحيانا يكلف مبالغ مالية طائلة‪ ،‬أما العقد اإلدارى اإللكترونى؛ فإنه يعتمد على‬
‫الدعامة الالورقية‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬يتيح اإلعالن عن طرح العطاءات إلكترونيا لإلدارة فرصددة إيصددال عرضددها ألكبر‬
‫عدد ممكن من المتعاقدين محليا ودوليا‪ ,‬نظرا النتشددار وسددائل العلم اإللكترونية عن الوسددائل‬
‫التقليدية‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬توفير الوقت والجهد ألطراف العملية العقدية؛ بسدددددبب السدددددرعة فى تبادل البيانات‬
‫بين أطراف العملية العقدية بصرف النظر عن مكان تواجد كل واحد منهم‪.‬‬

‫خام ساً‪ :‬إر ساء مبادئ ال شفافية والم ساواة وتكافؤ الفرص والعالنية فى العمليات التعاقدية‬
‫لسهولة الحصول على معلومات دقيقة وكاملة‪.‬‬

‫سيييادسييياً‪ :‬تغيير صدددورة الوحدات اإلدارية العاملة فى مجال العقود اإلدارية أو العطاءات‬
‫الحكومية من الصورة التقليدية إلى الصورة اإللكترونية‪.‬‬

‫(‪ )151‬د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬الحماية القانونية للعقود اإلدارية المبرمة عبر وسائل االتصال اإللكترونية‪،‬‬
‫المركز القومى لإلصدارات القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2019 ،‬ص‪ 28‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬محمد أمين‬
‫يوسف‪ :‬العقد اإلدارى والعقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 228‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )152‬أستاذنا الدكتور‪ .‬عبدالفتاح بيومى حجازى‪ :‬النظام القانونى لحماية الحكومة اإللكترونية‪ ،‬الكتاب األول‪،‬‬
‫دار الفكر الجامعى‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2003 ،‬ص‪.18‬‬
‫‪148‬‬
‫المبحث الثانى‪ :‬إشكالية التراضى فى العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫تثير العقود اإلدارية اإللكترونية إشددكالية تتعلق بمدى تحقق التراضددى فى هذه العقود‪ ،‬فى‬
‫ظل كون التعبير عن اإليجاب والقبول يتم بصدددددددورة إلكترونية؛ إذ أن التراضدددددددى فى العقد‬
‫يتحقق بالتقاء إرادتين تهدفان إلى ترتيب آثار قانونية معينة‪.‬‬

‫لذلك نتناول موضوع هذا المبحث في مطلبين‪ ,‬على النحو اآلتي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬طرق التعبير اإللكترونى عن اإلرادة‬

‫أجازت االتفاقات الدولية والقوانين اإللكترونية الخاصة بإبرام العقود بالوسائل اإللكترونية‬
‫التعبير عن اإلرادة بأى وسيلة تُنقل عبرها رسالة البيانات للتعبير عن اإلرادة العقدية‪.‬‬

‫وقد نصت القوانين على اعتبار أن رسالة البيانات وسيلة للتعبير كليا أو جزئيا عن اإلرادة‬
‫إلبداء اإليجاب والقبول بقصد إنشاء التزام تعاقدى(‪.)153‬‬

‫حيث نصددددددت المادة الثالثة عشددددددر من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى‬
‫الصدددددددادر عام ‪ 2002‬على أنه "ألغراض التعاقد يجوز التعبير عن اإليجاب والقبول جزئيا‬
‫أو كليا بواسدددطة المراسدددلة اإللكترونية‪ ،‬وال يفقد العقد صدددحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم‬
‫بواسطة مراسلة إلكترونية واحدة أو أكثر"(‪.)154‬‬

‫وقد اعتمد المشدددرع رسدددالة البيانات كوسددديلة للتعبير عن اإلرادة‪ ،‬ويقصدددد بها المعلومات‬
‫التى يتم إنتاجها أو إرسددالها أو تسددلمها أو تخزينها بوسددائل إلكترونية‪ ،‬أو بصددرية أو وسددائل‬
‫تقنية أخرى(‪.)155‬‬

‫وقد اشتهرت عدة طرق خاصة بالتعبير اإللكترونى عن اإلرادة‪ ،‬وذلك على النحو اآلتى‪:‬‬

‫(‪ )153‬قانون األونستيرال النموذجى للتجارة الدولية لسنة ‪.1996‬‬


‫(‪ )154‬المادة رقم ‪ 13‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى الصادر عام ‪.2002‬‬
‫(‪ )155‬د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬إشكالية التراضى في العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬المركز القومى لإلصدارات‬
‫القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،2018 ،‬ص‪.46‬‬
‫‪149‬‬
‫أوالً‪ :‬التعبير عن اإلرادة عبر البريد اإللكترونى ‪.E-Mail‬‬

‫يعد البريد اإللكترونى شددأن كل بريد عادى؛ مركزا لتوزيع الرسددائل المرسددلة من الراسددل‬
‫إلى المرسدددددددل إليه‪ ،‬إال أن هذه الرسدددددددائل يتم إرسدددددددالها بطريقة إلكترونية وعلى العنوان‬
‫اإللكترونى للمرسددددددل إليه‪ ،‬وينطبق على البريد اإللكترونى القواعد الخاصددددددة بأحكام البريد‬
‫العادى‪.‬‬

‫لذلك يصددددددلح البريد اإللكترونى كوسدددددديلة للتعبير عن اإلرادة العقدية؛ إذ التعبير عن تلك‬
‫اإلرادة يتحقق بكل ما دل على مقصود طرفى العقد من قول أو فعل أو إشارة مفهومة عرفا‬
‫وغيرها ويوافقه القانون(‪ ،)156‬حيث يسدددددددتخدم البريد اإللكترونى على مسدددددددتوى المنظمات‬
‫والهيئات والشركات واألفراد‪.‬‬

‫والتعبير عن اإلرادة بالبريد اإللكترونى يفترض وجود عنوان بريد إلكترونى على شددددبكة‬
‫اإلنترنت لكل من المرسل والمرسل إليه حتى يتسنى استعماله وإرسال الرسائل اإللكترونية‪،‬‬
‫حيث يقتضدددى التواصدددل عبر البريد اإللكترونى وجود العنوان البريدى الخاص بكل طرف‪،‬‬
‫والذى يتكون من ثالثة أجزاء عادة هى‪ :‬اسدددددددم الدخول ‪ ،Login Name‬العالمة الدولية‬
‫@‪ ،‬واسم الحقل ‪ Domain Name‬لذلك الطرف(‪.)157‬‬

‫ويمتاز نظام البريد اإللكترونى بكونه متاحا لجميع أنواع أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬وسددددددرعة نقل‬
‫كافة المسددتندات واألوراق بسددهولة ويسددر‪ ،‬ويتبع الشددخص المشددترك فى شددبكة اإلنترنت أو‬
‫المستخدم لها عبر مواقع تقديم خدماتها إجراءات معينة لنقل رسالة للطرف اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )156‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫(‪ )157‬د‪ .‬مصطفى أبو مندور موسى‪ :‬دور العلم بالبيانات عند تكوين العالقة العقدية‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2002 ،‬ص‪.123‬‬
‫‪150‬‬
‫ولتباعد المسدددددددافة بين المتعاقدين بالبريد اإللكترونى‪ ،‬ونظرا لوجود فارق توقيت زمنى؛‬
‫تر سل الر سائل اإللكترونية وفقا لتوقيت "جرانيتش" والذى يرمز له ب‪ GMT‬كنظام توقيت‬
‫عالمى‪ ,‬لتجنب احتمال أى لبس أو غموض حول زمن انعقاد العقد اإللكترونى(‪.)158‬‬

‫ثانياً‪ :‬التعبير عن اإلرادة عبر الموقع اإللكترونى ‪.Web-Site‬‬

‫يعد الموقع اإللكترونى ‪ Web-Site‬إحدى وسددددائل االتصددددال عبر شددددبكة اإلنترنت ومن‬
‫أكثر الطرق شيوعا للتعبير عن اإلرادة إلكترونيا لكون الموقع متاح ا ستخدامه للجميع طوال‬
‫اليوم‪.‬‬

‫ويكون التعبير عن اإلرادة عبر ذلك الموقع على النحو اآلتى‪:‬‬

‫الكتابة ثم النقر على زر الموافقة على الخانة المخصصة لذلك‪ ،‬وعند اختيار السلعة تظهر‬
‫صدددددددفحة جديدة بها العقد النموذجى "عقد إذعان" فإن قبل الموجب إليه البد أن يعبر عن‬
‫إرادته بإبداء رغبته الجادة فى الدخول فى التعاقد ويكون ذلك بأحد الوسائل التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الضغط على زر الموافقة مرتين ‪.Double Click‬‬


‫‪ -‬بث رسالة إلكترونية تفيد القبول والرغبة الجادة فى إتمام العقد‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام بعض اإلشارات أو الرموز المتفق عليها‪ ،‬أو المتعارفة بين مستخدمى شبكة‬
‫اإلنترنت‪ ،‬كالوجه المبتسم للداللة على القبول مثال‪ ،‬وتقوم هذه اإلشارات مقام اإلشارة‬
‫(‪.)159‬‬
‫التقليدية تماما‬

‫ثييالثياً‪ :‬التعبير عن اإلرادة بييالتفيياعييل المبيياشييييييير (عن طريق المحييادثيية) ‪Internet‬‬


‫‪.Realy Chat‬‬

‫(‪ ) 158‬د‪ .‬مصطفى موسى العجارمة‪ :‬التنظيم القانونى للتعاقد عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬دار‬
‫شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬القاهرة‪ ،2010 ،‬ص‪.177‬‬
‫(‪ )159‬د‪ .‬مصطفى موسى العجارمة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫‪151‬‬
‫يمكن التعبير عن اإلرادة العقدية عن طريق برنامج ‪ IRC‬من خالل شددبكة اإلنترنت عن‬
‫طريق التحدث بالكتابة مع شدددخص آخر فى نفس اللحظة‪ ،‬لذا سدددميت بالتفاعل المباشدددر بين‬
‫المتعاقدين‪ ،‬وهذه الطريقة إما أن تتم كتابة فقط أو كتابة مع الصدددددوت أو كتابة مع الصدددددوت‬
‫والصورة معا وذلك على النحو اآلتى(‪:)160‬‬

‫‪ -1‬يتم التعبير عن اإلرادة بالتفاعل المباشر كتابة فقط عن طريق تقسيم الصفحة الرئيسية‬
‫إلى قسددددمين‪ ،‬يكتب كل متعاقد بياناته اإللكترونية بشددددأن التعاقد فى كل قسددددم منها فى‬
‫ذات الوقت‪ ،‬مما يحقق التعاصر والتفاعل الزمنى بين الطرفين‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم التعبير كذلك عن اإلرادة بالصوت باستخدام ميكرفون وسماعات متصلة بالجهاز‬
‫الخاص بالمتعاقد‪ ،‬حين يكون التعبير عن اإلرادة إلكترونيا بالكتابة والصوت معا‪.‬‬
‫‪ -3‬قد يٌعبر عن اإلرادة بالصددددددورة كذلك باسددددددتخدام كاميرات متصددددددلة بالجهاز الخاص‬
‫بالمتعاقد‪ ،‬حين يكون التعبير عن اإلرادة إلكترونيا بكافة وسددددائل وطرق التعبير وهى‬
‫الكتابة والصوت والصورة كله فى وق ٍ‬
‫ت واحد‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬التعبير عن اإلرادة عبر التنزيل عن بٌعد ‪.Downloding‬‬

‫يتم من خالل هذه الطريقة نقل‪ ،‬أو اسدددددتقبال‪ ،‬أو تنزيل‪ ،‬أو نسدددددش رسدددددالة أو برنامج‪ ،‬أو‬
‫بيانات‪ ،‬أو معلومات إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بالعميل‪ ،‬وهو ما يسددددمى فى عقود التجارة‬
‫اإللكترونية بالتسددددددليم المعنوى "الحكمى"‪ ،‬وهذه الطريقة تمكن طرفى التعاقد من إبرام العقد‬
‫وتنفيذه دون اللجوء إلى العالم الخارجى(‪.)161‬‬

‫(‪ )160‬د‪ .‬سامح التهامى‪ :‬التعاقد عبر اإلنترنت‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق جامعة الزقازيق‪،2006 ،‬‬
‫ص‪.132‬‬
‫(‪ )161‬د‪ .‬مصطفى أبو مندور موسى‪ :‬دور العلم بالبيانات عند تكوين العالقة العقدية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.168‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ ‬اللغة المستعملة للتعبير عن اإلرادة فى إبرام العقد اإللكترونى‪:‬‬

‫تظهر أهمية لغة التعاقد اإللكترونى عبر شددددبكة اإلنترنت فى ظل تخطى العقد اإللكترونى‬
‫الحدود ا إلقليمية للدولة إلى دول أخرى ال تسددددددتخدم لغة التعاقد الموجب أو ال تسددددددتخدم لغة‬
‫المتعاقد القابل‪.‬‬

‫حيث إن الترجمة إلى اللغة الوطنية قد يترتب عليه أن يكون لتلك الترجمة أكثر من معنى‬
‫تجعل داللة التعبير عن اإلرادة غير واضحة‪ ،‬ومن ثم فال يكون للتعبير عن اإلرادة فى العقد‬
‫اإللكترونى ثمة أثر قانونى سواء كان إيجابا أو قبوال‪.‬‬

‫لذلك يصعب اشتراط اللغة العربية فى العقد اإللكترونى كداللة للتعبير عن إرادة الطرفين‪،‬‬
‫ومن ثم فإنه يكون من الجائز اسدددددددتخدام أى لغة طالما كانت مفهومة للطرفين المتعاقدين‬
‫كاللغة اإلنجليزية باعتبارها اللغة األولى فى العالم(‪.)162‬‬

‫ويالحظ أن المشدددددددرع اإلمداراتى لم يتطرق في قدانون المعدامالت والتجدارة اإللكترون ية‬


‫إلمارة دبى إلى اللغة المسددددتعملة للتعبير عن اإلرادة في العقد اإللكترونى‪ ،‬ويعد ذلك مسددددلكا‬
‫حميدا في ظل تخطى العقد اإللكترونى الحدود اإلقليمية للدولة إلى دول أخرى ال تسدددددددتخدم‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ومن ثم يجوز التعبير عن إرادة الطرفين بأى لغة يفهمها طرفى التعاقد‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬التراضى فى العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫لمددا كددان اإليجدداب والقبول فى العقددد اإلدارى اإللكترونى يتم نقلدده بين طرفى التعدداقددد‬
‫بالتقنيات التكنولوجية الحديثة عبر اإلنترنت‪ ،‬إذ أنه ينتفى فيه الحضدددددددور المادى ألطراف‬
‫التعاقد النتفاء مجلس العقد الحقيقى اكتفاء بمجلس العقد االفتراضى (الحكمى)‪.‬‬

‫(‪ )162‬د‪ .‬طارق عبدالعال حماد‪ :‬التجارة اإللكترونية‪ ،‬األبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقية والقانونية‪ ،‬الدار‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص‪.632‬‬
‫‪153‬‬
‫لذلك لكى يكون التراضى صحيحا من الناحية القانونية البد من شروط يتعين توافرها فى‬
‫كل من اإليجاب والقبول وتالقى كل منهما فى ضدددددوء كون التراضدددددى بين طرفى العقد يتم‬
‫التعبير عنه بالتقنيات الحديثة وذلك على النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬اإليجاب اإللكترونى‪.‬‬

‫يتحقق اإليجاب حين يفصح المتعاقد عن إرادته بصورة كاملة وجازمة بنية إبرام العقد مع‬
‫آخر‪ ،‬فالعقد ال ينعقد إال بإفصاح أحد طرفيه عن إرادته‪ ،‬فصاحب هذه اإلرادة األولى هى ما‬
‫يقصد به اإليجاب‪ ،‬ويسمى من يعرض عليه اإليجاب بالموجب إليه‪.‬‬

‫لذلك نص المشددددددرع اإلماراتى فى المادة ‪ 131‬من قانون المعامالت المدنية بأن اإليجاب‬
‫والقبول كل تعبير عن اإلرادة يٌسددددددتعمل إلنشدددددداء العقد وما صدددددددر أوال فهو إيجاب والثانى‬
‫قبول(‪.)163‬‬

‫فاإليجاب اإللكترونى تعبير عن إرادة الراغب فى التعاقد عن بٌعد من خالل شددددددبكة دولية‬
‫لالتصددداالت بوسددديلة مسدددموعة مرئية‪ ،‬ويتضدددمن كافة العناصدددر الالزمة إلبرام العقد بحيث‬
‫يستطيع من يوجه إليه أن يقبل التعاقد مباشرة(‪.)164‬‬

‫فاإليجاب يتعين أن يكون تعبير نهائى جازم على اتجاه إرادة من صددددددددر منه إلى قبول‬
‫التعاقد وفقا لشدددددددروط معينة‪ ،‬بمعنى أن تتجه نية الموجب إلى إبرام التعاقد بمجرد اقتران‬
‫القبول به‪ ،‬إذ أن اإليجاب اإللكترونى يشددددددترط فيه ما يشددددددترط فى اإليجاب التقليدى‪ ،‬إال أن‬
‫الوسدديلة المسددتعملة للتعبير عن اإليجاب اإللكترونى تتجسددد فى التقنيات التكنولوجية الحديثة‬
‫كوسيلة للتعبير عن اإلرادة‪.‬‬

‫(‪ )163‬المادة رقم ‪ 131‬من قانون المعامالت المدنية لدولة اإلمارات العربية المتحدة الصادر بالقانون االتحادى‬
‫رقم ‪ 5‬لسنة ‪ 1985‬والمعدل بالقانون االتحادى رقم ‪ 1‬لسنة ‪.1987‬‬
‫(‪ )164‬د‪ .‬محمد حسين منصور‪ :‬المسئولية اإللكترونية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص‪.67‬‬
‫‪154‬‬
‫لذلك يتميز اإليجاب اإللكترونى بخصائص تتمثل فى كونه يتم من خالل وسيط إلكترونى‪،‬‬
‫حيددث يتم التعدداقددد عن بٌعددد بين طرف ين غددائبين ال يجمعهمددا مجلس عقددد حقيقى بددل مجلس‬
‫افتراضددددى أو حكمى‪ ،‬واإليجاب اإللكترونى عادة هو إيجاب دولى فهو ال يتقيد بحدود الدول‬
‫السياسية والجغرافية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن اإليجاب اإللكترونى قد يكون موجها إلى أشخاص محددين كما فى‬
‫حالة التعاقد عن طريق البريد اإللكترونى‪ ،‬وقد يكون إيجابا موجها إلى الكافة ك ما فى حالة‬
‫التعاقد عبر اإلنترنت‪.‬‬

‫وال يكون لإليجاب اإللكترونى فاعلية بمجرد صددددوره من الموجب‪ ،‬وإنما يكون بعرضددده‬
‫على الموقع عبر شدددبكة اإلنترنت على الجمهور أو إرسددداله بالبريد اإللكترونى "‪،"E-mail‬‬
‫أو غير ذلك من طرق التعبير اإللكترونى عن اإلرادة‪ ،‬مشدددتمال العناصدددر الجوهرية للتعاقد‪،‬‬
‫ويترتب على ذلك نشددددددوء حق لمن وجه إليه اإليجاب اإللكترونى فى قبوله‪ ،‬ولكن هذا الحق‬
‫ال ينشأ إال منذ وقت علم الموجب له باإليجاب(‪.)165‬‬

‫ثانياً‪ :‬القبول اإللكترونى‪.‬‬

‫القبول هو التعبير الالحق لإليجاب‪ ,‬ويصددددددددر ممن وجه إليه اإليجاب؛ بإرادة مطابقة أو‬
‫موافقة إلرادة الموجب(‪.)166‬‬

‫فالقبول هو التعبير عن اإلرادة بشدددددكل جازم ونهائى من الطرف الذى وجه إليه اإليجاب‪،‬‬
‫وال يختلف القبول اإللكترونى عن المفهوم التقليدددى للقبول؛ إال أندده يتم التعبير عندده عبر‬
‫التقنيات الحديثة من خالل شددبكة اإلنترنت‪ ،‬ومن ثم فهو يخضددع لذات القواعد واألحكام التى‬
‫تنظم القبول التقليدى‪ ،‬وذلك بأن يكون القبول باتا ومحددا ومنصرفا إلنتاج آثار قانونية‪.‬‬

‫(‪ )165‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ ) 166‬د‪ .‬جميل الشرقاوى‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1981‬ص‪.274‬‬
‫‪155‬‬
‫لذلك يشدددددددترط أن يتطابق القبول اإللكترونى لإليجاب فى كافة المسدددددددائل الجوهرية‬

‫وعناصره األساسية لينعقد العقد بهذا القبول المطابق خالل مجلس العقد اإللكترونى‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يتعين أن يرد القبول اإللكترونى على إيجاب قائم لم يسقط بعد‪ ،‬إذ‬

‫أ نه فى م جال الع قد اإللكترونى ي جب على المو جب أن يبقى على إي جا به حتى تعلن نتي جة‬

‫المناقصددة‪ ،‬إذ يتحرر مقدمو العطاءات جميعا باسددتثناء من ترسددو عليه المناقصددة الذى يظل‬

‫ملتزما بعطائه إلى أن يتم اعتماد المناقصة(‪.)167‬‬

‫وقد أيد مجلس الدولة الفرنسى هذا االتجاه‪ ،‬فقضى فى قضية "‪ "Grande‬بأنه منذ لحظة‬
‫تقديم العطاء يلتزم المتقدمون نهائيا تجاه البلدية‪ ،‬بناء على ذلك فادعاء السددددددديد بأنه أبدى‬

‫رغبته بسحب عطائه أمر ال قيمة له(‪.)168‬‬

‫ويرى الفقيه الفرنسى "‪ "laubadere‬بأنه إذا كان بعض فقهاء القانون الخاص يرون أن‬

‫المتقدم بالعطاء فى القانون المدنى يلتزم بعطائه عندما يحدد مدة لذلك يلتزم خاللها‪ ،‬فإن لم‬
‫يحدد مدة جاز له سحب عطائه متى شاء‪ ،‬فإن عكس ذلك ما يحصل فى المناق صات العامة‪،‬‬

‫حيث ال يستطيع المتقدم للعطاء مع اإلدارة سحب عطائه‪.‬‬

‫ويتخذ القبول بواسطة شبكة المعلومات أحد طريقين(‪:)169‬‬

‫(‪ )167‬د‪ .‬مازن ليلو ماضى‪ :‬دور الشروط االستثنائية في تمييز العقد اإلدارى‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة بغداد‪،‬‬
‫‪ ،1999‬ص‪.344‬‬
‫(‪De laubadere (A), Traje theorique et partique des contracts administrative, )168‬‬
‫‪Op. Cit.,P. 286.‬‬
‫أشار إليه د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬إشكالية التراضى في العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫(‪De laubadere (A), Traje theorique et partique des contracts administrative, )169‬‬
‫‪Op. Cit.,P. 286.‬‬
‫أشار إليه د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬إشكالية التراضى في العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪156‬‬
‫األولى‪ :‬من خالل موقع العرض )‪ (Website‬نفسدددددددده‪ ،‬وذ لك بأن يقوم ال قا بل بإد خال‬
‫البيانات الخاصدددددة بالعقد المعروض على )‪ (accept/ ok‬الشددددداشدددددة‪ ،‬والنقر على المفتاح‬
‫الخاص بالقبول‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬من خالل البريد اإللكترونى )‪ (E- mail‬بأن يقوم ال قابل بتضدددددددمين الرسدددددددالة‬
‫اإللكترونية قبوله‪.‬‬

‫وبإمكان اإلدارة العامة أن تلجأ إلى أى من هاتين الطريقتين بحسدددددددب طريقة إبرام العقد‬
‫اإلدارى ذاته‪ ،‬سددددواء كان من خالل المناقصددددات العامة أو المحددة أو الشددددراء المباشددددر أو‬
‫غيرها من الطرق‪.‬‬

‫وبتطبيق طرق التعبير عن القبول بواسددطة شددبكة المعلومات الدولية على هذا النص‪ ,‬نجد‬
‫اختالفا واضحا يتمثل فى الخروج على القواعد العامة واستثناءاتها فى القبول؛ إذ أن القانون‬
‫اعتد بالقبول المعبر عنه باإلشددددددارة أو باللفظ إلى جانب الكتابة‪ ،‬أو اتخاذ أى مسددددددلك يعكس‬
‫قبول الموجه إليه االيجاب فى قبول العقد‪.‬‬

‫وهذا ال ينسدددددددجم مع العقود اإللكترونية عموما وأسددددددداليب التعبير عن اإلرادة فى القبول‬


‫والمحددة بأشددكال تفرضددها طبيعة هذه الشددبكة بضددرورة التعبير عن اإلرادة فى قالب يعكس‬
‫أثره على العقد‪ ،‬حيث ال ينعقد العقد على شبكة اإلنترنت بمجرد اتخاذ القابل موقفا معينا‪ ،‬بل‬
‫البد من صدور تعبير صريح بالقبول‪.‬‬

‫ويعد السددددددبب فى ذلك هو السددددددهولة فى إرسددددددال االيجاب اإللكترونى‪ ،‬فالموجب قد يقوم‬


‫بإغراق بريد العميل اإللكترونى بآالف العروض خالل لحظات قليلة‪ ،‬مما يشددددددكل عبئا على‬
‫العميل فى رفض كل هذه العروض الغير مرغوب فيها(‪.)170‬‬

‫(‪ )170‬د‪ .‬محمد إبراهيم أبو الهيجاء‪ :‬عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.36‬‬
‫‪157‬‬
‫ويؤدى توجه اإلدارات العامة نحو األخذ بالحكومة اإللكترونية بغرض االسدددددددتفادة من‬
‫التقن يات التكنولوج ية ال حدي ثة إلى التقر يب بين األح كام ال خاصددددددددة بكال من عقود الت جارة‬
‫اإللكترونية والعقود اإلدارية اإللكترونية‪ ،‬بحيث تقل الفواصدددددددل بين العقود اإلدارية والعقود‬
‫المدنية‪ ،‬وفى ذلك انسددددجام مع توجه الدول وانضددددمامها إلى اتفاقية التجارة الدولية )‪(GAT‬‬
‫ومنظمة التجارة الدولية )‪ ،(W.T.O‬إذ أن طبيعة التعامالت التجارية على شبكة المعلومات‬
‫الدولية ال تعرف التمييز بين أطراف العالقة العقدية‪ ،‬مما يشددددجع اإلدارة العامة على التنازل‬
‫عن العقود اإلدارية بشروطها االستثنائية والتوجه نحو العقود المدنية نظرا لبساطتها وسرعة‬
‫انجازها(‪.)171‬‬

‫‪ ‬طرق التعبير عن القبول اإللكترونى‪:‬‬

‫يتم التعبير عن القبول اإللكترونى بعدة طرق؛ منها‪ :‬الكتابة بما يفيد الموافقة‪ ,‬أو باسددتخدام‬
‫التوقيع اإللكترونى عبر البريددد اإللكترونى‪ ،‬أو عن طريق اللفظ من خالل غرفددة المحددادثددة‬
‫‪ ،Chatting‬أو التنزيددل عن بٌعددد من خالل تنزيددل البرنددامج أو المنتج أو السدددددددلعددة عبر‬
‫اإلنترنت ‪ Down load‬وتحميلها على جهاز الكمبيوتر الخاص بالقابل(‪.)172‬‬

‫وإذا كان األصدددددل العام أن القبول يمكن أن يتم صدددددراحة أو ضدددددمنا؛ فإن من المتصدددددور‬
‫إمكانية ذلك فى القبول اإللكترونى‪ ،‬حيث يتم التعبير صدددددددراحة عن القبول عبر الوسدددددددائط‬
‫اإللكترونية المتعددة‪ ،‬وقد يكون ضدددددددمنيا كأن يقوم من وجه إليه اإليجاب بتنفيذ العقد الذى‬
‫اقترح الموجب إبرامه(‪.)173‬‬

‫ومثال ذلك إعطاء القابل الضددمنى الرقم السددرى لبطاقة اإلئتمان الخاصددة به إلى الموجب‬
‫عبر شددبكة اإلنترنت‪ ،‬سددواء برسددالة إلكترونية أو على موقع الموجب اإللكترونى وذلك دون‬
‫أن يعلن صراحة عن قبوله‪.‬‬

‫(‪ )171‬د‪ .‬مصطفى موسى العجارمة‪ :‬التنظيم القانونى للتعاقد عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )172‬د‪ .‬محمد أمين الرومى‪ :‬التعاقد اإللكترونى عبر اإلنترنت‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.188‬‬
‫(‪ )173‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫‪158‬‬
‫إال أن هذا الرأى محل نظر؛ إذ يتعين أن يكون التعبير عن إرادة القبول صدددريحا ال لبس‬
‫فيه‪ ،‬فالقبول اإللكترونى يتم عن طريق أجهزة وبرامج إلكترونية تعمل آليا‪ ،‬وهذه األجهزة‬
‫ال يمكنها اسدددتخالص أو اسدددتنتاج إرادة المتعاقد‪ ،‬ووفقا لهذا الرأى ال يمكن أن يكون التعبير‬
‫عن إرادة القبول اإللكترونى ضدددمنيا كإشدددارة متداولة عرفا أو السدددكوت اإللكترونى المقترن‬
‫بظروف يرجح معها داللته على القبول(‪.)174‬‬

‫لذلك فإن القبول اإللكترونى ال يتحقق إال إذا كان صدددددددريحا أو إذا كان مصدددددددحوبا بتأكيد‬
‫معين له‪ ،‬كالنقر المزدوج على مفتاح القبول‪ ،‬أو ملئ اسدددددددتمارة بيانات المتعاقد على الموقع‬
‫اإللكترونى وذلك حتى يكون انعقاد العقد صحيحا‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬أثر التقنيات الحديثة على أساليب إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫تخضدددع اإلدارة حال إبرام عقودها اإلدارية لضدددوابط وقيود ال تخضدددع لها عقود األفراد‪،‬‬
‫وهذا أمر طبيعى لكونها ال تتعاقد تحقيقا لمصدددلحة شدددخصدددية ولكن تحقيقا للمصدددلحة العامة‬
‫بغرض التعاقد مع أفضل المتقدمين من النواحى المالية والفنية واإلدارية‪.‬‬

‫لذلك ال تسدددددددتوى اإلدارة مع األفراد فى حرية اختيار من يتعاقد معها‪ ،‬إذ أنها تلتزم فى‬
‫إبرام العقود اإلدارية بإجراءات وأوضددددداع رسدددددمها المشدددددرع فى القوانين واللوائح الختيار‬
‫أفضل األشخاص للتعاقد معهم‪ ،‬بينما يتمتع األفراد الذين يرغبون فى إبرام عقودهم الخاصة‬
‫بحرية كاملة فى اختيار من يتعاقدون معهم دون التقيد بأسدددددلوب معين إال ما اسدددددتثنى بنص‬
‫صريح(‪.)175‬‬

‫(‪ )174‬د‪ .‬أسامة أبو الحسن مجاهد‪ :‬التعاقد عبر اإلنترنت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬المحلة الكبرى‪ ،‬الغربية‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )175‬أستاذنا الدكتور‪ .‬محمد صالح عبدالبديع‪ :‬الوسيط في القانون اإلدارى‪ ،‬الجزء الثانى‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص‪.541‬‬
‫‪159‬‬
‫وتتعدد أسددددددداليب إبرام العقد اإلدارى فى القوانين المقارنة‪ ،‬وقد ألقت التقنيات التكنولوجية‬
‫الحديثة بظاللها على أسدددددددداليب إبرام العقد اإلدارى‪ ،‬لذلك نتناول هذا المبحث على النحو‬
‫اآلتى‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الوسائل التقليدية إلبرام العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫انتهجت بعض الدول الوسائل اإللكترونية إلبرام العقد اإلدارى من خالل شبكة المعلومات‬
‫الدولية بغرض توفير الجهد والوقت والمال وذلك على النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬التعاقد بأسلوب المناقصات والمزيدات العامة‪.‬‬

‫تعد المناقصددة هى الطريقة األسدداسددية للتعاقد فى أغلب التشددريعات المقارنة‪ ،‬حيث يفرض‬
‫القانون على اإلدارة فى أحوال معينة ضرورة التعاقد بأسلوب المناقصات والمزيدات العامة‬
‫والبد من احترام اإلجراءات المنصوص عليها قانونا إلبرام العقد اإلدارى(‪.)176‬‬

‫فالمناقصددة هى مجموعة من اإلجراءات التى رسددمها القانون بهدف الوصددول إلى أفضددل‬
‫المتناقصدددددددين سدددددددعرا وشدددددددروطا توطئة للتعاقد معه‪ ،‬فى حين أن المزايدة تهدف إلى دعوة‬
‫المواطنين لغرض التعاقد مع اإلدارة ولكن بأعلى األسعار(‪.)177‬‬

‫وتهدف اإلدارة من إجراءات المناقصات والمزيدات إلى توفير األموال العامة حال إجراء‬
‫المناقصات‪ ،‬فى حين تهدف إلى تحقيق عائدا ماليا للخزانة العامة حال إجراء المزيدات‪.‬‬

‫وهناك سدددددلسدددددلة من اإلجراءات التى البد لإلدارة من اتباعها للتوصدددددل للتعاقد بأسدددددلوب‬
‫المناقصات والمزيدات العامة‪ ،‬وهذه اإلجراءات نصت عليها القوانين‪ ،‬فقد نصت المادة ‪20‬‬
‫من القانون رقم ‪ 182‬لسدددددنة ‪ 2018‬بشدددددأن إصددددددار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى‬
‫تبرمها الجهات الحكومية بأنه " يجب النشدددددددر عن العمليات التي يتم طرحها بجميع طرق‬

‫(‪ )176‬د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬المنصورة‪ ،2014 ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )177‬أستاذنا الدكتور‪ .‬حمدى على عمر‪ :‬مبادئ القانون اإلدارى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون سنة‬
‫نشر‪ ،‬ص‪.329‬‬
‫‪160‬‬
‫التعاقد المنصدددددددوص عليها بالمادة (‪ )7‬من هذا القانون على بوابة التعاقدات العامة‪ ،‬عدا‬
‫العمليات التي تتطلب اعتبارات األمن القومي عدم النشدددددددر عنها وفقا لما تقدره السدددددددلطة‬
‫المختصدددة‪ ،‬على أن يتضدددمن النشدددر طريق التعاقد وشدددروطه واألسدددباب المبررة إلتباع هذا‬
‫الطريق‪ ،‬وأسددددددلوب التقييم الفني والمالي‪ ،‬وغيرها من البيانات التي تحددها الالئحة التنفيذية‬
‫لهذا القانون‪.)178(" ....‬‬

‫ويالحظ أن المشدددرع المصدددرى من خالل تنظيمه للمناقصدددات والمزيدات لم يتضدددمن أى‬


‫نص قددانونى يسدددددددمح بددإجراء أى مرحلددة من مراحلهددا إلكترونيددا إال فيمددا يتعلق بدداإلعالن‬
‫باستخدام الوسائل التكنولوجية فى مرحلة اإلعالن‪.‬‬

‫وقد اتبعت بعض الدول أساليب حديثة إلجراء المناقصات العامة منها اإلعالن اإللكترونى‬
‫عبر اإلنتر نت ب هدف التخلص من الع مل الورقى فى اإلدارات‪ ،‬ف قد قررت دو لة اإل مارات‬
‫العربية المتحدة اعتماد النظام اإللكترونى فى الدوائر والمؤسددسددات الحكومية وطلبت عرض‬
‫اعالناتها الخاصة بشركات النقل والشركات العامة عبر موقع الشبكة الدولية(‪.)179‬‬

‫فدالمنداقصددددددددة اإللكترونيدة طريقدة للتعداقدد تتم عبر فضدددددددداء إلكترونى غير ملموس‪ ،‬يتم‬
‫االسددتعاضددة خاللها عن الوثائق الورقية بأخرى إلكترونية فى إطار من الشددفافية والمسدداواة‬
‫والسرية والعالنية بغية الوصول إلى أفضل العروض من الناحية الفنية والمالية(‪.)180‬‬

‫ويعد إجراء المناقصات العامة باالستناد إلى النصوص القانونية القائمة مع إتباع األساليب‬
‫الحديثة فى اإلعالن وإجراء المناقصة تطورا فى إجراء المناقصات العامة‪ ،‬بما يعنى مسايرة‬
‫أساليب التعاقد اإلدارى للتقنيات التكنولوجية الحديثة‪.‬‬

‫(‪ )178‬المادة رقم ‪ 20‬من القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 2018‬بشأن إصدار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى‬
‫تبرمها الجهات الحكومية‪.‬‬
‫(‪ )179‬د‪ .‬إبراهيم الدسوقى أبو الليل‪ :‬الجوانب القانونية للتعامالت اإللكترونية‪ ،‬مجلس النشر العلمى‪ ،‬جامعة‬
‫الكويت‪ ،2003 ،‬ص‪.82‬‬
‫(‪ )180‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.292‬‬
‫‪161‬‬
‫ثانياً‪ :‬التعاقد اإلدارى بأسلوب الممارسة‪.‬‬

‫الممارسددددددة هى الطريقة التى تتمتع فيها اإلدارة بسددددددلطة تقديرية الختيار من تتعاقد معه‪،‬‬
‫بحيث إذا تعاقدت اإلدارة بأسدددددلوب الممارسدددددة فهى غير ملزمة بالتعاقد مع من حددته لجنة‬
‫البت‪ ،‬بل هى تملك السلطة للتعاقد مع من قدم أفضل عطاء فى ضوء سلطتها التقديرية‪.‬‬

‫ويترتب على اتباع أسددددلوب الممارسددددة كوسدددديلة للتعاقد اإلدارى أنه يجنب اإلدارة عيوب‬
‫إبرام العقد عن طريق المناق صات أو المزيدات العامة سيما إذا كان مو ضوع التعاقد محتكر‬
‫لدى جهة معينة‪ ،‬مما يعنى عدم وجود المنافسة(‪.)181‬‬

‫وقد سدددداير القضدددداء اإلدارى المصددددرى اتجاه اإلدارة إلى التعاقد بالممارسددددة‪ ،‬فقد قضددددت‬
‫المحكمة اإلدارية العليا ب أن "المبدأ المقرر فى التعاقد عن طريق الممارسدددددددة أو االتفاق هو‬
‫حرية اإلدارة فى اختيار من يتعاقد معها‪ ،‬وإن كانت هذه الحرية فى االختيار ال ينتفى معها‬
‫إخضدددداع عملية الممارسددددة لتنظيم قانونى معين‪ ،‬وقد التقى القضدددداء والفقه اإلدارى على أنه‬
‫مهما بلغت دقة النظام المقرر إلحدى طرق التعاقد عن طريق الممارسددددددددة فإنه ليس ثمة‬
‫أسددددلوب واحد تلتزم به جهة اإلدارة الختيار المتعاقد معها‪ ،‬وعلى هذا األسدددداس تتميز طرق‬
‫التعاقد عن طريق الممارسة عن طريق التعاقد عن طريق المناقصات العامة(‪.)182‬‬

‫وفى العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬فإن اإلعالن عن الممارسة يمكن التعرف عليه فى فرنسا‬
‫من خالل نص المادة ‪ 2‬من المرسددددوم رقم ‪ 2002-696‬إذ يتم فى موقع النشددددرة الرسددددمية‬
‫إلعالنات العقود اإلدارية‪ ،‬وفى موقع الشخص المعنوى المسئول عن العقد(‪.)183‬‬

‫(‪ )181‬د‪ .‬محمد فؤاد مهنا‪ :‬مبادئ وأحكام القانون اإلدارى‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪ ،1981 ،‬ص‪.218‬‬
‫(‪ )182‬المحكمة اإلدارية العليا‪ :‬الطعن رقم ‪ 161‬لسنة ‪ 9‬ق‪ ،‬جلسة ‪ ،1967/3/18‬السنة ‪ ،12‬ج ‪،2‬‬
‫ص‪.769‬‬
‫(‪ )183‬د‪ .‬داود عبدالرازق الباز‪ :‬اإلدارة العامة (الحكومة اإللكترونية) وأثرها على النظام القانونى للمرفق‬
‫العام وأعمال موظفيه‪ ،‬مجلس النشر العلمى‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،2004 ،‬ص‪.318‬‬
‫‪162‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التعاقد اإلدارى باالتفاق المباشر‪.‬‬

‫يعد االتفاق المباشددددر وسدددديلة اسددددتثنائية لتبادل االيجاب والقبول فى العقد اإلدارى‪ ،‬بحيث‬
‫تتخلص اإلدارة فى التعاقد باألسلوب المباشر من اإلجراءات الواجب اتباعها فى المناقصات‬
‫والمزيدات العامة وفى الممارسة(‪.)184‬‬

‫وقد أخذ المشدددددددرع المصدددددددرى بهذه الطريقة‪ ،‬حيث نصدددددددت المادة ‪ 64‬من قانون تنظيم‬
‫التعاقدات الحكومية التى تبرمها الجهات الحكومية على أنه "يجوز فى الحاالت الطارئة أو‬
‫فى الحاالت العاجلة‪ ،‬أو لدواعى المصدددددلحة العامة أن يتم التعاقد على شدددددراء أو اسدددددتئجار‬
‫العقارات بطريق االتفاق المباشددددددر وذلك بناء على ترخيص من رئيس الهيئة أو المصددددددلحة‬
‫ومن له سلطاته فى الجهات اإلدارية األخرى أو رئيس الصندوق‪ ،‬وذلك فيما ال تجاوز قيمته‬
‫خمسمائة ألف جنيه بالنسبة لالستئجار‪ ،‬ومليون جنيه بالنسبة للشراء خالل العام المالى ‪"...‬‬
‫(‪.)185‬‬

‫ويمكن اسدددددددتخدام التقنيات الحديثة فى إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى بأسدددددددلوب التعاقد‬
‫المباشر‪ ،‬فقد نص المشرع اإلماراتى فى المادة الثانية من القانون رقم ‪ 2‬لسنة ‪ 2002‬بشأن‬
‫المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى على أن المعامالت اإللكترونية هي "أى تعامل‬
‫أو ع قد أو ات فاق ية يتم إبرام ها أو تنف يذها بشدددددددكل كلى أو جزئى بواسددددددد طة المراسدددددددالت‬
‫اإللكترونية"‪ ،‬كما نصت المادة السابعة فقرة أولى من ذات القانون على أنه ال "تفقد الرسالة‬
‫اإللكترونية أثرها القانونى أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت فى شكل إلكترونى"(‪.)186‬‬

‫والجدير بالذكر أن أسددلوب االتفاق المباشددر مع أحد المرشددحين ال يتم على وفق توصدديات‬
‫لجنة البت إلى السدددلطة المختصدددة‪ ،‬وإنما يتم مباشدددرة بين الشدددخص العام والمرشدددح‪ ،‬وذلك‬

‫(‪ )184‬د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪104‬‬
‫(‪ )185‬المادة رقم ‪ 64‬من القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 2018‬بشأن إصدار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى‬
‫تبرمها الجهات الحكومية‪.‬‬
‫(‪ )186‬المادتان رقمى ‪ 1/7 ،2‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى الصادر عام ‪.2002‬‬
‫‪163‬‬
‫بإعالن إيجابه اإللكترونى من خالل شدددددددبكة اإلنترنت أو البريد اإللكترونى‪ ،‬وتقوم اإلدارة‬
‫بعدها بالتفاوض مع المتعاقد بإرسال القبول من خالل الوسيط اإللكترونى(‪.)187‬‬

‫لذلك يتناسب أسلوب االتفاق المباشر مع العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬ألن هذا األسلوب يعد‬
‫بعيدا عن اإلجراءات المعقدة التى تحكم الممارسددددددات‪ ،‬فالمادة ‪ 34‬من قانون العقود اإلدارية‬
‫فى فرنسدددددا تعطى لإلدارة الحرية فى اإلعالن عن العقد‪ ،‬وإن أعلنت عن ذلك‪ ،‬فإنه يتم طبقا‬
‫إلجراءات اإلعالن عن الممارسة المحدودة‪ ،‬والجدير بالمالحظة أن أسلوب االتفاق المباشر‬
‫مع أحد المرشدددحين ال يتم على وفق توصددديات لجنة البت إلى السدددلطة المختصدددة‪ ،‬وإنما يتم‬
‫مباشددددرة بين الشددددخص العام والمرشددددح‪ ،‬وذلك بإعالن إيجابه اإللكترونى من خالل شددددبكة‬
‫المعلومات الدولية‪ ،‬سدددددواء من خالل البريد اإللكترونى أو غيرها من الوسدددددائط اإللكترونية‬
‫األخرى‪ ،‬وتقوم اإلدارة بعدها بالتفاوض مع المتعاقد بإرسدددددددال القبول من خالل الوسدددددددائط‬
‫اإللكترونية المعروفة‪ ،‬فينعقد العقد بمجرد علم المرشح بذلك(‪.)188‬‬

‫رابعاً‪ :‬التعاقد اإلدارى بأسلوب التحاور التنافسى‪.‬‬

‫يقصدددددد بهذا األسدددددلوب قيام الجهة المتعاقدة حوارا مع مجموعة من المرشدددددحين من أجل‬
‫وضدددع حل أو مجموعة من الحلول التى من الممكن أن تلبى احتياجات الجهة المتعاقدة(‪،)189‬‬
‫فاإلدارة فى هذا األسلوب تتمتع بسلطة تقديرية فى اختيار األفراد الذين تسمح لهم باالشتراك‬
‫فى المنافسة وتحديد الوسائل األنسب لتلبية احتياجاتها‪.‬‬

‫أما بالنسدددددبة إلجراءات التفاوض والبت فهى شدددددبيهة باإلجراءات الخاصدددددة بالممارسدددددة‬
‫المحددودة‪ ،‬و بالتدالى يتم التفداوض عن طريق البر يد اإللكترونى أو شدددددددبكدة الو يب‪ ،‬إال أن‬
‫عروض المرشدددحين تُقدم إلى اإلدارة بعد إجراء المنافسدددة‪ ،‬حيث تطلب اإلدارة من المرشدددح‬

‫(‪ )187‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬االسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪.108‬‬
‫(‪ )188‬د‪ .‬رحيمة الصغير ساعد نمديلى‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬االسكندرية‪،2010 ،‬‬
‫ص‪.104‬‬
‫(‪ )189‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.411‬‬
‫‪164‬‬
‫الذى اسدددتطاع أن يحصدددل على رضددداها تقديم عرضددده لتقدم بشدددأنه تقريرا إلى لجنة خاصددة‬
‫خالل خمسددة عشددر يوما بعد غلق التنافس‪ ،‬وبعد اعتماد السددلطة المختصددة لقرار اللجنة يتم‬
‫العقد بإخطار قبول اللجنة المختصة إليجاب المرشح عن طريق البريد اإللكترونى(‪.)190‬‬

‫ويالحظ أنه نظرا للتطور التكنولوجى فقد تم اسدددددددتخدام الوسدددددددائل اإللكترونية فى التعاقد‬
‫اإلدارى مما وفر الكثير من الجهد والوقت والمال‪ ،‬إال أن هذا األسدددددددلوب يتطلب خبرات‬
‫إدارية واسعة بالتقنيات التكنولوجية الحديثة‪.‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬الوسائل الحديثة إلبرام العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫كان لظهور الوسددددددددائل التكنولوجية الحديثة أثر بالغ على اتجاه اإلدارة نحو اسدددددددتخدام‬
‫التكنولوجيا الحديثة وتطويعها من أجل تحقيق األهداف المتعلقة بإشدددددباع احتياجاتها‪ ،‬ومن ثم‬
‫ظهرت عدة وسددائل إلبرام العقد اإلدارى بصددورة إلكترونية كاملة فى بعض الحاالت‪ ,‬وشددبه‬
‫كاملة فى البعض اآلخر‪ ،‬وذلك على النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬المزايدات اإللكترونية‪.‬‬

‫يقصدددددددد بالمزايدات اإللكترونية ذلك اإلجراء الذى يتقدم بموجبه المرشدددددددح إلبرام العقد‬
‫اإلدارى بعطاء الثمن عن طريق وسددددديط إلكترونى‪ ،‬وفى مدة زمنية يحددها الشدددددخص العام‬
‫ويعلم بها مسبقا جميع المرشحين(‪.)191‬‬

‫وبالتالى فإن هذا النوع من المزايدات ال يختلف عن المزادات العلنية المعروفة فى القانون‬
‫المدنى من خالل التنافس بين المرشدددددددحين على منقوالت معينة وأثمان مختلفة فى جلسدددددددة‬
‫علن ية يعرف ها جميع الموردين‪ ،‬ح يث تقوم فكرة هذه المزادات على رغ بة ج هة اإلدارة فى‬
‫الحصول على أقل ثمن لتوريد منقوالتها(‪.)192‬‬

‫(‪ )190‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )191‬د‪ .‬قيدار عبدالقادر صالح‪ :‬إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى وإثباته‪ ،‬بحث منشور بمجلة الرافدين للحقوق‪،‬‬
‫المجلد ‪ ،10‬العدد ‪ ،37‬السنة ‪ ،2008‬ص‪.168‬‬
‫(‪ )192‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.114‬‬
‫‪165‬‬
‫ولقد ظهر هذا النوع من المزيدات ألول مرة فى هولندا‪ ،‬إذ يتقدم المرشدددددددحون بعطاءاتهم‬
‫فى مظاريف مغلقة وبطريقة سددددرية إلى اإلدارة‪ ،‬ويقوم محافظ البيع بالمزاد العلنى باإلعالن‬
‫عن بدء المزاد العلنى عن طريق شدددددبكة اإلنترنت‪ ،‬ثم يبدأ التنافس بينهم حتى التوصدددددل إلى‬
‫الثمن األقل ورسو المزاد على ذلك(‪.)193‬‬

‫ويتوجب على اإلدارة فى أسددددلوب المزيدات اإللكترونية اتباع جميع اإلجراءات الخاصددددة‬
‫باإلعالن عن المزايدة‪ ،‬فضدددال عن اتباع إجراءات الممارسدددات والتحاور التنافسدددى واالتفاق‬
‫المباشر(‪.)194‬‬

‫ويتم اإلعالن عن المزاد اإللكترونى من خالل شدددددددبكدددة اإلنترندددت وذلدددك على الموقع‬
‫المخصدددص للسدددجل الحكومى المركزى التابع للجهة المشدددترية‪ ،‬ويمكن أن يتم اإلعالن على‬
‫الموقع الخاص بمقدم خدمات المزادات العكسددية اإللكترونية‪ ،‬كما يمكن للموردين المسددجلين‬
‫فى سجل مركزى أن يتلقوا اإلعالن عبر بريدهم اإللكترونى‪.‬‬

‫وقد تشددددترط بعض الدول أن تكون المشدددداركة فى المزاد اإللكترونى خاضددددعة للتسددددجيل‬
‫المسبق أو اإلثبات المسبق ل هلية‪ ،‬وفى هذه الحالة يكون االمتثال لهذه الشكليات أمرا الزما‬
‫من جانب من ينوى االشتراك فى المزاد اإللكترونى(‪.)195‬‬

‫وتجدر اإلشدددددددار ة إلى أنه إذا كانت المزايدة محدودة‪ ،‬فيتطلب األمر القيام بنشدددددددر قائمة‬
‫المرشدددحين على شدددبكة اإلنترنت‪ ،‬أما بالنسدددبة لقائمة العطاءات فإن األمر يسدددتوجب إرسدددال‬
‫المرشحين توقيعاتهم اإللكترونية‪ ،‬ويجب على اإلدارة توفير الحماية لهذه التوقيعات‪.‬‬

‫وبعد ذلك تجرى المزايدة ويتوجب على اإلدارة إعالم جميع المرشدددددددحين بعروض الثمن‬
‫المقدمة فى كل مرحلة من مراحل المزايدة‪ ،‬وبعد ذلك يتم ترتيب الموردين من الثمن األعلى‬

‫(‪ )193‬د‪ .‬رحيمة الصغير ساعد نمديلى‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫(‪ )194‬د‪ .‬قيدار عبدالقادر صالح‪ :‬إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى وإثباته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.169‬‬
‫(‪ )195‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.455‬‬
‫‪166‬‬
‫إلى الثمن األقل دون الكشدددف عن هويتهم فى كراسدددة الشدددروط‪ ،‬فضدددال عن ذلك فإنه يجوز‬
‫تمديد المدة القانونية للمزايدة بشرط أن ينص على ذلك فى كراسة الشروط الخاصة بالمزايدة‬
‫اإللكترونية مع بيان أسددددباب التمديد وكيفية طلب التمديد من المرشددددحين‪ ،‬وتسددددتطيع اإلدارة‬
‫غلق باب الت نافس من خالل التوصددددددددل إلى العطاء األفضددددددددل من ال ناح ية ال مال ية والفنية‬
‫واإلدارية‪ ،‬أو حال عدم وجود عطاءات تحقق المنافسة(‪.)196‬‬

‫ثانياً‪ :‬نظام الشراء الديناميكى (اآللى)‪.‬‬

‫ورد تعريف نظام ال شراء اآللى من خالل نص الفقرة ال ساد سة من المادة األولى الخا صة‬
‫بالتعريفات الواردة فى التوجيه األوروبى بأنه "هو معالجة إلكترونية كاملة للمشدددددددتريات‬
‫الشددائعة االسددتعمال التى تلبى خصددائصددها المتوافرة احتياجات السددلطة المتعاقدة‪ ،‬وهو نظام‬
‫محدود فى مدته ومفتوح طوال مدة سددددريانه ألى مورد أو مقاول مسددددتوف لمعايير االختيار‬
‫وقدم عطاء استالليا يتطابق مع المواصفات وتضمن قواعد إنشاء وعمل هذا النظام المعاملة‬
‫العادلة ألى مورد أو مقاول يرغب فى المشاركة فيه"(‪.)197‬‬

‫ويسددددددتخدم هذا النظام من أجل شددددددراء السددددددلع والخدمات شددددددائعة االسددددددتعمال (السددددددلع‬
‫االستهالكية)‪ ،‬حيث تقوم فلسفة هذا النظام على االستفادة من الوسائل اإللكترونية للمؤسسات‬
‫العامة المعنية من معالجة بيانات أكبر عدد من الشددركات بسددهولة أكبر فيما يتعلق بالفهارس‬
‫والكتالوجات اإللكترونية‪ ،‬نظرا لكون كافة مراحل ذلك النظام تتم فى صورة إلكترونية(‪.)198‬‬

‫لذلك يتميز هذا النظام باستخدام اإلدارة لبيانات الموردين المتاحين لديها والذين يعرضون‬
‫السددلع الخاصددة بهم عبر شددبكة اإلنترنت؛ إال أن هذا النظام لم تتضددمنه التشددريعات العربية‬
‫بسددددبب أن هذه الطريقة تحتاج إلى تطور كبير فى اسددددتخدام الوسددددائل اإللكترونية من جانب‬

‫(‪ )196‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 118‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )197‬المادة رقم ‪ 6/1‬من التوجيه األوروبى رقم ‪ 18‬لسنة ‪.2004‬‬
‫(‪ )198‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 468‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫الجهات اإلدارية والموردين والمقاولين وهو ما ال يتوافر فى مصدددددددر وأغلب الدول العربية‬
‫بشكل ملحوظ(‪.)199‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬انعكاسات التقنيات التكنولوجية الحديثة على المبادئ العامة للعقود‬
‫اإلدارية‬

‫أثر التطور التكنولوجى فى وسددددددائل االتصددددددال على التعاقد اإلدارى بشددددددكل فعال‪ ،‬حيث‬
‫تطورت المبادئ العامة إلجراءات إبرام العقود اإلدارية التى وضدددددددعها المشدددددددرع لحماية‬
‫المتعاقد مع اإلدارة وتحقيق الصالح العام‪.‬‬

‫وقد كان السدددتخدام الوسدددائل اإللكترونية فى إبرام العقود اإلدارية األثر المباشدددر فى الحد‬
‫من الفساد المستشرى فى ذلك القطاع(‪ ،)200‬وذلك على النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬مبدأ حرية الدخول إلى المنافسة فى العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫يعتبر ذلك المبدأ من المبادئ العامة إلبرام العقود اإلدارية التى تهدف إلى دعوة الجمهور‬
‫لالشتراك فى العملية المراد طرحها بأرخص األسعار وأفضل الشروط الفنية‪.‬‬

‫وترتيبا على ذلك فإن اإلدارة ال تستطيع أن تمنع أحد من التقدم للمناقصة التى تم اإلعالن‬
‫عنها طالما توافرت فيه الشدددددددروط القانونية‪ ،‬إال أن ذلك المبدأ ليس على إطالقه إذ أن جهة‬
‫اإلدارة لها حرمان بعض األشدددددخاص حرمانا وقائيا‪ ،‬فقد نصدددددت المادة ‪ 26‬من القانون رقم‬
‫‪ 182‬لسدددددنة ‪ 2018‬بشدددددأن إصددددددار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى تبرمها الجهات‬
‫الحكومية بأنه "يحظر على الموظفين والعاملين بالجهات الخاضعة ألحكام هذا القانون التقدم‬

‫(‪ )199‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.477‬‬


‫(‪ )200‬راجع المادة رقم ‪ 2‬من القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 2018‬بشأن إصدار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية‬
‫التى تبرمها الجهات الحكومية التى تنص على أن الهدف من تطبيق أحكام هذا القانون هو تعزيز مبادئ‬
‫الحوكمة‪ ،‬وتطبيق معايير العالنية والشفافية والنزاهة وحرية المنافسة والمساواة وتكافؤ الفرص‪ ،‬وتجنب‬
‫تعارض المصالح‪ ،‬وتطبيق أساليب اإلدارة الحديثة‪ ،‬واالنتقال مرحليا إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات فى‬
‫اإلجراءات‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫بالذات أو بالواسدددطة بعطاءات أو عروض لتلك الجهات‪ ،‬وال يجوز شدددراء أصدددناف منهم أو‬
‫تكليفهم بأعمال‪.)201( "...‬‬

‫وقد أدى التطور التكنولوجى وإدخال التقنيات الحديثة فى إبرام العقود اإلدارية عبر شددبكة‬
‫المعلومات التى تتصدددددف بالبٌعد الدولى لإلدارة فرصدددددة االختيار بين أفضدددددل العروض فنيا‬
‫وماليا‪ ،‬إذ أن إبرام العقود اإلدارية اإللكترونية ليسدددددت على المسدددددتوى الداخلى فقط بل على‬
‫المستوى الدولى وهو ما يؤدى إلى فعالية المنافسة(‪.)202‬‬

‫لذلك ترتب على إدخال التقنيات الحديثة فى إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى إتاحة الفرصة‬
‫ألكبر الموردين للدخول للمنافسدددددددة فى عملية التعاقد للعمليات المطروحة التى يتم اإلعالن‬
‫عنها إلكترونيا‪ ،‬إذ أن أغلب التشدددددددريعات العربية عملت على اإلعالن عن المناقصددددددددات‬
‫بالوسدددائل اإللكترونية الحديثة‪ ،‬مما يعود بالنفع على اإلدارة فى اختيار أفضدددل العروض من‬
‫الناحية الفنية والمالية واإلدارية تحقيقا للمصلحة العامة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مبدأ العالنية والشفافية فى العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫يعتبر هذا المبدأ من أهم المبادئ فى إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬فالعالن ية تهدف إلى‬
‫إعالم الكافة برغبة اإلدارة بالتعاقد سددددددواء كان بيعا أو شددددددراء أو خالفه‪ ،‬ومن ثم فال يجوز‬
‫اللجوء إلى السرية عند إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬إذ أن العالنية دليل على النزاهة والشفافية‪.‬‬

‫وترتيبا على ذلك فإن مبدأ العالنية والشدددفافية يحقق المسددداواة بين المتعاقدين ويحقق تكافؤ‬
‫الفرص بينهم‪ ،‬وتطبيقا لذلك قضددت المحكمة اإلدارية العليا في مصددر بأن "المناقصددة تحقق‬
‫ضدددددددمانات أكثر للمصدددددددلحة العامة‪ ،‬وال يتأتى فى تحقيق ذلك إال إذا أحيطت بالسدددددددرية‬
‫التامة وجعل مبدأ المسدداواة بين المتناقصددين هو المبدأ السددائد دون أى تمييز ألحد أو اسددتثناء‬

‫(‪ )201‬المادة رقم ‪ 26‬من القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 2018‬بشأن إصدار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى‬
‫تبرمها الجهات الحكومية‪.‬‬
‫(‪ )202‬د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪169‬‬
‫وإال اختل التوازن واضدددددددطرب حبل المنافسدددددددة الذى يقوم على تكافؤ الفرص مما يخرج‬
‫المناقصددة عن الهدف الذى تقررت من أجله ويفوت الغرض من عقدها‪ ،‬وشددروط المناقصددة‬
‫على هذا الوضددع هى بمثابة قانون المتعاقد فلم توضددع لمصددلحة أحد من المتعاقدين إن شدداء‬
‫أخذ بها وإن شدداء ال يأخذ بها‪ ،‬وإنما وضددعها كان للمصددلحة العامة فال سددبيل لالنفكاك منها‪،‬‬
‫وكل عمل يتم على خالفها ال يعتد به وال يترتب عليه أى أثر ألنه يناقض األسددددددداس الذى‬
‫قامت عليه المنافسة بين المتناقصين"(‪.)203‬‬

‫وال شدددددك أن اسدددددتخدام التكنولوجيا الحديثة سددددديكون من أنجح الوسدددددائل التى تحقق مبدأ‬
‫العالنية والشدددددفافية‪ ،‬إذ أن اإلعالن عن رغبة اإلدارة فى التعاقد سددددديكون من خالل شدددددبكة‬
‫اإلنتر نت‪ ،‬م ما يكون م تاح لجميع الموردين والم قاولين فى الداخل وال خارج االطالع على‬
‫إعالنات اإلدارة عن العطاءات على موقعها‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬مبدأ المساواة بين المتنافسين فى العقد اإلدارى اإللكترونى‪.‬‬

‫يقوم هذا المبدأ على أسددددددداس وقوف اإلدارة موقفا محايدا إزاء جميع المتنافسدددددددين ل بث‬
‫الطمددأنينددة لددى الموردين والمقدداولين فى عددالدة اإلجراءات ونزاهتهددا وسدددددددالمدة القرارات‬
‫الصددادرة بشددأنها‪ ،‬ومن ثم فإن اإلدارة ال يجوز لها أن تخلق نوعا من التمييز بينهم أو تضددع‬
‫عقبات أمام بعض المتنافسين‪.‬‬

‫وال شك أن اتباع نظام العقود اإلدارية اإللكترونية وفق برامج حاسوبية مصممة الستقبال‬
‫العروض وفحصددها وفرزها وتصددنيفها إلكترونيا يضددمن المسدداواة بأجلى صددورها ومعانيها‪،‬‬
‫حيث إن هذه البرامج ال تعرف التمييز أو المحاباة‪ ،‬ومما ال شددددددك فيه أن نظام المناقصددددددات‬
‫اإللكترونية سيتغلب على كافة مظاهر الفساد إذا ما تم إتباعه وفق برامج مصممة خصيصا‬
‫لذلك باستخدام تقنيات عالية فى هذا المجال(‪.)204‬‬

‫(‪ )203‬المحكمة اإلدارية العليا‪ :‬الطعن رقم ‪ 1558‬لسنة ‪ 6‬ق‪ ،‬جلسة ‪ ،1962/11/24‬السنة ‪ ،8‬ج ‪،1‬‬
‫ص‪.106‬‬
‫(‪ )204‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪170‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬دور التقنيات الحديثة في إثبات العقد اإلدارى اإللكترونى‬

‫تتميز العقود اإلدارية اإللكترونية بسددددددهولة إبرامها‪ ،‬إال أن إثباتها يمثل صددددددعوبة قانونية‬
‫وواقعية‪ ,‬نظرا لما يعترى اإلثبات فى المعامالت اإللكترونية من صدعوبات من الناحية الفنية‬
‫ولحداثة هذه التكنولوجيا وتعقيدها‪.‬‬

‫لذلك كان على المشددددددرع التدخل لمعالجة اإلشددددددكاليات الناتجة عن اسددددددتخدام الوسددددددائل‬
‫اإللكترونية فى إبرام العقود اإلدارية؛ وذلك ب سن ت شريعات قانونية تعترف بالحجية القانونية‬
‫للمخرجات اإللكترونية‪ ,‬إلضدددددفاء الشدددددرعية على التصدددددرفات التى يتم إبرامها عبر شدددددبكة‬
‫اإلنترنت‪ .‬لذلك نتناول هذا المبحث على النحو اآلتى‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المحررات اإللكترونية‬

‫تلعب الكتابة دورا مهما فى مجال إثبات التصدددددرفات القانونية‪ ,‬وتحتل المرتبة األولى بين‬
‫أدلة اإلثبات؛ باعتبارها الوسيلة األكثر شيوعا فى إثبات التصرفات القانونية؛ غير أنه ترتب‬
‫على اسدددددددتخدام ال تقنيات التكنولوجية الحديثة فى إبرام العقود اإلدارية ثمة تغييرات فى كثير‬
‫من المفاهيم‪ ,‬كالكتابة والتوقيع والمحرر؛ إذ أوجدت هذه التقنيات أشدددددددكاال جديدة للكتابة‬
‫صبغت جميعها بالطابع اإللكترونى ترتب عليها ظهور المحررات اإللكترونية‪.‬‬
‫ٌ‬

‫وقد تناول المشددرع المصددرى فى قانون التوقيع اإللكترونى رقم ‪ 15‬لسددنة ‪ 2004‬مفهوم‬
‫الكتابة اإللكترونية‪ ،‬حيث نص فى المادة رقم ‪/1‬أ بأنه يقصددددددددد بالكتابة اإللكترونية "كل‬
‫حروف أو أرقام أو رموز أو أى عالمات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية أو رقمية أو‬
‫ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطى داللة قابلة لإلدراك"(‪.)205‬‬

‫وقد أضددفى المشددرع المصددرى على الكتابة اإللكترونية والمحررات اإللكترونية حجية فى‬
‫اإلثبات‪ ،‬حيث نصددددددت المادة ‪ 15‬من ذات القانون على أن "للكتابة اإللكترونية وللمحررات‬

‫(‪ )205‬المادة رقم ‪/1‬أ من قانون التوقيع اإللكترونى المصرى رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2004‬‬
‫‪171‬‬
‫اإللكترونية فى نطاق المعامالت المدنية والتجارية واإلدارية‪ ،‬ذات الحجية المقررة للكتابة‬
‫وال محررات الرسدددددددمية والعرفية فى أحكام قانون اإلثبات فى المواد المدنية والتجارية متى‬
‫استوفت الشروط المنصوص عليها فى هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التى تحددها‬
‫الالئحة التنفيذية لهذا القانون"(‪.)206‬‬

‫وقددد عرف قددانون المعددامالت والتجددارة اإللكترونيددة إلمددارة دبى رقم ‪ 2‬لسدددددددنددة ‪2002‬‬
‫المعلومات اإللكترونية بأنها "معلومات ذات خصدددددائص إلكترونية فى شدددددكل نصدددددوص أو‬
‫رموز أو أصدددددددوات أو رسدددددددوم أو صدددددددور أو برامج حاسدددددددب آلى أو غيرها من قواعد‬
‫البيانات"(‪.)207‬‬

‫كما تم تعريف المسددتند اإللكترونى فى ذات القانون بأنه "مسددتند يتم إنشدداؤه أو تخزينه أو‬
‫استخراجه أو نسخه أو إبالغه أو استالمه بوسيلة إلكترونية‪ ،‬على وسيط ملموس أو على أى‬
‫وسط إلكترونى آخر‪ ،‬ويكون قابال لالسترجاع بشك ٍل يمكن فهمه"(‪.)208‬‬

‫كما نصددددت المادة رقم ‪ 1/7‬من ذات القانون على أنه "ال تفقد الرسددددالة اإللكترونية أثرها‬
‫القانونى أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت فى شكل إلكترونى"(‪.)209‬‬

‫وقد أضددددفى المشددددرع اإلماراتى على المسددددتند اإللكترونى حجية فى اإلثبات‪ ،‬فقد نصددددت‬
‫المادة رقم ‪ 12‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسددددددنة ‪2002‬‬
‫بأنه ال يحول دون قبول الرسدددددددالة اإللكترونية أو التوقيع اإللكترونى كدليل إثبات لمجرد أن‬
‫الرسالة أو التوقيع قد جاء فى شكل إلكترونى(‪.)210‬‬

‫(‪ )206‬المادة رقم ‪ 15‬من قانون التوقيع اإللكترونى المصرى رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2004‬‬
‫(‪ )207‬المادة رقم ‪ 5/2‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫(‪ )208‬المادة رقم ‪ 7/2‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫(‪ )209‬المادة رقم ‪ 1/7‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫(‪ )210‬المادة رقم ‪ 1/12‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫‪172‬‬
‫وبذلك يكون المشددددرع المصددددرى واإلماراتى قد تبنيا مفهوما واسددددعا للكتابة اإللكترونية‪,‬‬

‫واعترفا بها ومنحاها نفس الحجية القانونية المقررة للكتابة التقليدية فى اإلثبات؛ وذلك لكون‬

‫الكتابة الورقية ال تسدددتقيم مع عملية اإلبرام اإللكترونى للعقد اإلدارى‪ ،‬حيث اسدددتعاضدددا عن‬

‫الكتابة فى شددكلها التقليدى‪ ,‬بالكتابة اإللكترونية‪ ,‬بما يتواكب والتطور التقنى الهائل فى مجال‬

‫المعامالت اإللكترونية‪.‬‬

‫كما أن القضدددددداء اإلدارى قد أضددددددفى على المحررات اإللكترونية حجية فى اإلثبات حال‬

‫استجماعها للعناصر القانونية‪ ،‬سيما وأن القاضى اإلدارى يتمتع بسلطة تقديرية فى أن يحدد‬
‫بكل حريته طرق اإلثبات التى يقبلها وأدلة اإلثبات التى يرتضددددددديها وفقا لظروف الدعوى‬

‫المعروضة عليه(‪.)211‬‬

‫وقد اشددترط المشددرع عدة شددروط حتى يمكن اسددتخدام المحررات اإللكترونية دليال يمكن‬

‫تقديمه للقضدددداء فى إثبات المعامالت اإللكترونية ومنها العقد اإلدارى اإللكترونى وذلك على‬

‫النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬قابلية المحررات اإللكترونية للقراءة واإلدراك‪.‬‬

‫يشدددددددترط فى المحررات اإللكترونية كدليل لإلثبات أن تكون مقروءة‪ ,‬وأن تكون كتابتها‬

‫واضددددحة حتى يمكن فهمها وإدراك محتواها لالحتجاج بها؛ إذ أن المحررات اإللكترونية يتم‬

‫تدوينها على وسائط إلكترونية بلغة آلية ال يمكن أن يراها اإلنسان مباشرة(‪.)212‬‬

‫(‪ )211‬راجع في شأن ذلك حكم المحكمة اإلدارية العليا‪ :‬الطعن رقم ‪ 3063‬لسنة ‪ 31‬ق‪ ،‬جلسة ‪،1988/2/20‬‬
‫السنة ‪ ،33‬ج ‪ ،1‬ص‪.935‬‬
‫(‪ ) 212‬د‪ .‬حسن عبدالباسط جميعى‪ :‬إثبات التصرفات القانونية التى يتم إبرامها عن طريق اإلنترنت‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،2000 ،‬ص‪.20‬‬
‫‪173‬‬
‫ثانياً‪ :‬استمرارية المحررات اإللكترونية وثباتها‪.‬‬

‫يقصددددد باسددددتمرارية المحررات اإللكترونية وثباتها أن يتم تدوينها على دعائم أو وسددددائط‬
‫إلكترونية يسمح بثباتها وبقائها مدة من الزمن يمكن الرجوع إليها بسهولة(‪.)213‬‬

‫لذلك يتعين أن تكون المحررات اإللكترونية غير قابلة للتعديل أو اإلتالف حتى تصدددددددلح‬
‫سددددددندا فى اإلثبات‪ ،‬إذ أن المحررات الورقية ال يمكن تعديلها أو إتالفها إال بإحداث تغييرات‬
‫مادية يمكن التعرف عليها بسهولة‪.‬‬

‫وقد أدى التطور التكنولوجى إلى اسددددددتخدام برامج حاسددددددب آلى تعمل على تحويل النص‬
‫الذى يمكن تعديله إلى صددورة ثابتة ال يمكن إدخال تعديالت عليها أو التالعب فيها‪ ،‬وبالتالى‬
‫يمكن االحتفاظ بالمحرر اإللكترونى لمدة طويلة ربما تفوق قدرة األوراق العادية(‪.)214‬‬

‫وقد نص المشرع اإلماراتى فى قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪2‬‬
‫لسددنة ‪ 2002‬على أنه إذا اشددترط القانون حفظ مسددتند أو سددجل أو معلومات ألى سددبب‪ ،‬فإن‬
‫هذا الشددددرط يتحقق عندما يتم حفظ ذلك المسددددتند أو السددددجل أو المعلومات فى شددددكل سددددجل‬
‫إلكترونى شدددددريطة مراعاة ما يلى‪ ... :‬بقاء المعلومات محفوظة على نحو يتيح اسدددددتخدامها‬
‫والرجوع إليها الحقا(‪.)215‬‬

‫ثالثاً‪ :‬عدم قابلية المحررات اإللكترونية للتعديل أو لإلتالف أو ترك أثر مادى عليه‪.‬‬

‫ويقصددددد بعدم قابلية المحررات اإللكترونية للتعديل هو عدم القدرة على التغيير فى بيانات‬
‫المحرر إال عن طريق إتالفه أو ترك أثر مادى عليه يسددددهل كشددددف ذلك التغيير فى المحرر‬
‫من عدمه‪.‬‬

‫(‪ )213‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.583‬‬
‫(‪ )214‬د‪ .‬حسن عبدالباسط جميعى‪ :‬إثبات التصرفات القانونية التى يتم إبرامها عن طريق اإلنترنت‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )215‬المادة رقم ‪ 1/8‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫‪174‬‬
‫فالمحررات التقليدية يتم تدوينها على أوراق باألحبار التى تُطبع عليها كيميائيا بالتركيب‬
‫المادى لهذه األوراق بحيث ال يمكن فصدددددددلها إال بإتالف األوراق أو إحداث تغييرات مادية‬
‫يسددهل التعرف عليها‪ ،‬فى حين أن المحررات اإللكترونية تفقد ذلك بحسددب أن كل طرف من‬
‫أطراف العقد اإلدارى له القدرة على تعديل م ضمون ذلك العقد وإعادة تن سيقه دون ترك أثر‬
‫مادى يمكن اكتشافه(‪.)216‬‬

‫إال أن هذه المشكلة تم التغلب عليها من خالل التطور التكنولوجى بواسطة برامج الحاسب‬
‫اآللى التى تعمل على تحويل النص إلى صورة ثابتة ال يمكن تعديلها أو التدخل فيها(‪.)217‬‬

‫‪ ‬معايير االعتداد بالكتابة اإللكترونية‪.‬‬

‫اهتمت ال سيا سات الت شريعية الوطنية ورجال الق ضاء والفقه المقارن بتحليل مفهوم الكتابة‬
‫اإللكترونية وإقرار عدد من المتطلبات لتمكينها من القيام بوظيفتها فى مجال اإلثبات وذلك‬
‫على النحو اآلتى‪:‬‬

‫‪ -1‬مبدأ النظير الوظيفى‪:‬‬

‫يقصددددددد بمبدأ التنظير الوظيفى أن يتم تحديد مفهوم الكتابة اإللكترونية فى ضددددددوء وظيفة‬
‫الكتابة أو الغرض منها وليس نوع الدعامة أو نوع األحبار‪ ،‬وال بشكل الحروف المستخدمة‪،‬‬
‫ب ما يعنى أن مفهوم التنظير الوظيفى ي هدف إلى التحل يل الدقيق ألغراض القواعد ال قانونية‬
‫المنظمة للكتابة الورقية‪ ،‬ثم البحث فى كيفية تحقيق هذه األغراض أو أداء تلك الوظائف عند‬
‫استخدام وسائل التقنيات الحديثة لالتصال اإللكترونى(‪.)218‬‬

‫(‪ )216‬د‪ .‬محمد أمين يوسف‪ :‬العقد اإلدارى والعقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.321‬‬
‫(‪ )217‬د‪ .‬حسن عبدالباسط جميعى‪ :‬إثبات التصرفات القانونية التى يتم إبرامها عن طريق اإلنترنت‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 23‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )218‬دليل تشريع قانون األونستيرال النموذجى بشأن التجارة اإللكترونية ‪ ،1996‬بند ‪ ،16‬ص‪.21‬‬
‫‪175‬‬
‫‪ -2‬مبدأ الحياد التقنى‪.‬‬

‫يسددتهدف هذا المبدأ اتباع نهج مرن فيما يتعلق بالتقنيات المسددتخدمة فى الكتابة أو التوقيع‪،‬‬
‫وذلك فى عدم تفضيل تقنية معينة حتى ولو حققت درجة أكبر من األمان والموثوقية بغرض‬
‫إتاحة الفرصدددة السدددتيعاب ما سددديتم تطويره فى مجال تقنيات الكتابة ودعامتها فى المسدددتقبل‬
‫ودون التمييز بين أى نوع من الكتابة على أساس الدعامة التى تقع عليها(‪.)219‬‬

‫المطلب الثانى‪ :‬التوقيع اإللكترونى‬

‫يعد توقيع أطراف التعاقد على العقد اإللكترونى أحد األدلة الهامة على اتجاه إرادتهم نحو‬
‫إتمام التعاقد‪ ،‬إذ أنه ترتب على اسدددددددتخدام شدددددددبكة اإلنترنت فى إبرام العقود اإلدارية تغيير‬
‫جذرى فى إنجاز العقود وذلك بتميزها بالطابع الالمادى بسدددددددبب تعلقها ببيانات معال جة‬
‫إلكترونيا‪ ،‬حيث يجرى تبادل رسددددائل البيانات على شددددبكة اإلنترنت وتحميلها على دعامات‬
‫تختلف اختالفا جذريا عن المستندات الورقية ومصحوبة بتوقيع إلكترونى لصاحب الرسالة‪.‬‬

‫فالكتابة ال تعد دليال لإلثبات إال فى حالة ما إذا كان المسدددددددتند مزيال بالتوقيع‪ ،‬لذلك أفرز‬
‫انتشددار التقنيات التكنولوجية الحديثة طرق ووسددائل حديثة فى التعامل ال تتفق وفكرة التوقيع‬
‫التقليدى إزاء انتشدددددددار نظم المعالجة اإللكترونية للمعلومات مما ترتب عليه ظهور التوقيع‬
‫اإللكترونى بديال عن التوقيع اليدوى(‪.)220‬‬

‫وإزاء االسدددددددتخدددام المتنددامى للتوقيع اإللكترونى فى إبرام المعددامالت اإللكترونيددة‪ ،‬فقددد‬


‫تضددافرت التشددريعات على اإلعتراف بحجية التوقيع اإللكترونى فى اإلثبات فى ظل التطور‬
‫التكنولوجى وحاجة التشريعات القانونية إلى مواكبة التطورات التكنولوجية‪.‬‬

‫(‪ )219‬د‪ .‬محمد عمار تيبار‪ :‬مدى حجية المحرر اإللكترونى في مجال اإلثبات في القانون الليبى‪ ،‬بحث مقدم‬
‫إلى المؤتمر العلمى المغازى األول حول المعلوماتية والقانون المنعقد في الفترة من ‪ 28‬أكتوبر حتى ‪29‬‬
‫أكتوبر ‪ ،2009‬أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫(‪ )220‬أستاذنا الدكتور‪ .‬عبدالفتاح بيومى حجازى‪ :‬التوقيع اإللكترونى في النظم المقارنة‪ ،‬دار الفكر الجامعى‪،‬‬
‫‪ ،2005‬ص‪.7‬‬
‫‪176‬‬
‫فقد عرف المشددددرع المصددددرى التوقيع اإللكترونى فى قانون التوقيع اإللكترونى رقم ‪15‬‬
‫لسددنة ‪ 2004‬بأنه "ما يوضددع على محرر إلكترونى ويتخذ شددكل حروف أو أرقام أو رموز‬
‫الموقع ويميزه عن‬
‫أو إشدددددددارات أو غيرها ويكون له طابع متفرد يسدددددددمح بتحديد شدددددددخص َ‬
‫غيره"(‪.)221‬‬

‫وقد أضفى على هذا التوقيع حجية فى اإلثبات‪ ،‬بنصه في المادة ‪ 14‬من ذات القانون على‬
‫أ نه "للتوقيع اإللكترونى‪ ،‬فى ن طاق الم عامالت ال مدن ية والت جار ية واإلدار ية‪ ،‬ذات الحج ية‬
‫المقررة للتوقيعددات فى أحكددام قددانون اإلثبددات فى المواد المدددنيددة والتجدداريددة‪ ،‬إذا روعى فى‬
‫إنشدددائه وإتمامه الشدددروط المنصدددوص عليها فى هذا القانون والضدددوابط الفنية والتقنية التى‬
‫تحددها الالئحة التنفيذية لهذا القانون"(‪.)222‬‬

‫وقد عرف المشددددرع اإلماراتى فى قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم‬
‫‪ 2‬لسدددددددنة ‪ 2002‬التوق يع اإللكترونى بأنه "توقيع مكون من حروف أو أرقام أو رموز أو‬
‫صددددددوت أو نظام معالجة ذى شددددددكل إلكترونى وملحق أو مرتبط منطقيا برسددددددالة إلكترونية‬
‫وممهور بنية توثيق أو اعتماد تلك الرسالة"(‪.)223‬‬

‫وتجدر اإلشدددددددارة إلى أن التوقيع اإللكترونى قد سددددددداعد على تعزيز عمليات التعاقد عبر‬
‫اإلنترنت من خالل تحديده لشددخصددية المتعاقد‪ ،‬إضددافة إلى إثبات رضددائه بما ورد بالمسددتند‬
‫اإللكترونى‪ ،‬ومن ثم فإنه يتمتع بنفس القدر والمصداقية التى تتمتع بها التوقيعات الورقية‪.‬‬

‫وحتى ينتج التوقيع اإللكترونى آثاره القانونية فى اإلثبات البد من توافر ثالثة شروط(‪:)224‬‬

‫(‪ )221‬المادة رقم ‪/1‬ج من قانون التوقيع اإللكترونى المصرى رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2004‬‬
‫(‪ )222‬المادة رقم ‪ 14‬من قانون التوقيع اإللكترونى المصرى رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2004‬‬
‫(‪ )223‬المادة رقم ‪ 2‬من قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى رقم ‪ 2‬لسنة ‪.2002‬‬
‫(‪ )224‬راجع في شأن ذلك‪ :‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪ 505‬وما بعدها‪ ،‬د‪ .‬محمد أمين يوسف‪ :‬العقد اإلدارى والعقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪228‬‬
‫وما بعدها‪.‬‬
‫‪177‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون التوقيع اإللكترونى متميزا ً ومرتبط بشخص صاحبه‪.‬‬

‫حتى يتيح التوقيع اإللكترونى آثاره البد أن يعبر عن هوية صددددددداحبه‪ ،‬وذلك بأن ينسدددددددب‬
‫المحرر لشدددخص معين‪ ،‬إذ أن هوية مبرم العقد أمر ضدددرورى فى مجال الوفاء باإللتزامات‬
‫العقدية‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬سيطرة صاحب التوقيع على منظومة التوقيع‪.‬‬

‫يتعين أن يكون صددداحب التوقيع اإللكترونى منفردا به وتحت سددديطرته وحده دون غيره‪،‬‬
‫إذ أنه يترتب على اسددتخدام التوقيع اإللكترونى صدددور شددهادة مختصددة على هذا التوقيع تعد‬
‫بمثابة بطاقة هوية إلكترونية للموقع‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ارتباط التوقيع بالمحرر ارتباطا ً وثيقاً‪.‬‬

‫البد أن يكون التوقيع اإللكترونى متصدددال اتصددداال ماديا ومباشدددرا بالمحرر المكتوب حتى‬
‫يؤدى وظيفته فى اإلثبات‪.‬‬

‫الخاتمة‬

‫ترتب على اسدددددددتخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في المعامالت اإلدارية إحداث تغيير‬
‫جوهرى في أسددددددلوب عمل الحكومة‪ ،‬مما ترتب عليه ظهور العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬وقد‬
‫توصلت الدراسة إلى بعض النتائج والتوصيات يمكن إجمالها على النحو اآلتى‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬النتائج‪:‬‬

‫‪ ‬لم يحقق مشدددددددروع الحكومة اإللكترونية في مصدددددددر النجاح المأمول على خالف نظيره‬
‫اإلماراتى‪ ،‬وذلك بسبب نقص البيئة اإللكترونية والتشريعية في مصر‪ ,‬وعدم التعامل بجدية‬
‫مع العقبات التى تواجه تطبيق مشروع الحكومة اإللكترونية‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ ‬ال يختلف العقددد اإلدارى اإللكترونى عن العقددد اإلدارى التقليدددى؛ إال فى طريقددة إبرامدده‬
‫بالوسائل اإللكترونية الحديثة‪ ،‬مما ترتب عليه ضرورة االستعاضة عن اإلجراءات التقليدية‬
‫فى إبرام العقود اإلدارية بأخرى إلكترونية‪.‬‬
‫‪ ‬تجد مبادئ الشدددددددفافية والمسددددددداواة وتكافؤ الفرص والعالنية فى العمليات التعاقدية مجالها‬
‫الرحب فى العقد اإلدارى اإللكترونى لسهولة الحصول على معلومات دقيقة وكاملة‪.‬‬
‫‪ ‬يتم التعبير عن التراضدددددددى فى العقدددد اإلدارى اإللكترونى بين طرفى العقدددد بدددالتقنيددات‬
‫التكنولوجية الحديثة ع بر اإلنترنت حال إفصددددددداح الطرفين عن إرادتهما بصدددددددورة كاملة‬
‫وجازمة بنية إبرام العقد‪.‬‬
‫‪ ‬يحقق التحول التقني فى إبرام العقود اإلدارية عبر وسدددددددائل التكنولوجيا الحديثة العديد من‬
‫المزايا حال توفير المتطلبات الالزمة الستخدام هذه الوسائل من بيئة تكنولوجية على درجة‬
‫عالية من الكفاءة وعنصر بشرى مؤهل وإطار تشريعى متكامل‪.‬‬
‫‪ ‬يعد أسددددلوب المزايدات اإللكترونية من أهم أسدددداليب العقد اإلدارى؛ لكونها تشددددمل القواعد‬
‫العامة المتواجدة فى القانون المدنى‪ ،‬وإجراءات العقود اإللكترونية‪ ،‬فضدددددددال عن القواعد‬
‫العامة الخاصة بإبرام العقود اإلدارية‪.‬‬
‫‪ ‬تعد عملية إثبات المعامالت اإللكترونية عبر شدددددددبكة اإلنترنت من أهم الصدددددددعوبات التى‬
‫تواجه التعاقدات اإللكترونية‪ ،‬لذلك أحاطها المشدددددددرع بمجموعة من القيود والشدددددددروط فى‬
‫إثبات العقد اإلدارى اإللكترونى التى فرضدددددددها التعاقد اإللكترونى بالتقنيات التكنولوجية‬
‫الحديثة فى ضوء كون المعامالت اإللكترونية تتميز بعدم ظهورها بشكل مرئى وملموس‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫‪ ‬اإلهتمام بتوفير بيئة تكنولوجية حديثة متطورة‪ ,‬مع ضددددرورة تأهيل العنصددددر البشددددرى‪,‬‬
‫بتدريبه واصددددددقال مهاراته‪ ,‬باعتبارهما العامل الرئيسددددددى إلنجاح مشدددددداريع الحكومة نحو‬
‫التحول إلبرام العقد اإلدارى بالتقنيات التكنولوجية الحديثة‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ ‬ضدددرورة وضدددع قانون اسدددترشدددادى تحت مظلة جامعة الدول العربية بخصدددوص العقود‬
‫اإلدارية اإللكترونية يتضددمن قواعد اسددترشددادية من شددأنها أن تسددتهدى بها الدول فى تعديل‬
‫تشدددددريعاتها الداخلية‪ ،‬وذلك على غرار نهج االتحاد األوروبى‪ ،‬ولجنة األمم المتحدة للقانون‬
‫التجارى "قانون األونسدددددددتيرال النموذجى للتجارة الدولية ‪ "2006‬فى هذا الشددددددددأن‪ ،‬مع‬
‫االستعانة بخبراء رجال القانون والتكنولوجيا على مستوى الوطن العربى‪.‬‬
‫‪ ‬ضرورة إنشاء نافذة إلكترونية بين بلدان العالم العربى من أجل تبادل التجارب والخبرات‬
‫بين الدول العربية فى استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة فى إبرام العقود اإلدارية‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫المراجع‬

‫أ‪ -‬الكتب‪:‬‬

‫د‪ .‬أسدددددامة أبو الحسدددددن مجاهد‪ :‬التعاقد عبر اإلنترنت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬المحلة الكبرى‪ ،‬الغربية‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.2002‬‬
‫د‪ .‬جميل الشددددرقاوى‪ :‬النظرية العامة لاللتزامات‪ ،‬مصددددادر االلتزام‪ ،‬دار النهضددددة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪.1981‬‬
‫د‪ .‬حسدددن عبدالباسدددط جميعى‪ :‬إثبات التصدددرفات القانونية التى يتم إبرامها عن طريق اإلنترنت‪ ،‬دار‬ ‫‪.3‬‬
‫النهضة العربية‪.2000 ،‬‬
‫د‪ .‬حمدى على عمر‪ :‬مبادئ القانون اإلدارى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون سنة نشر‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫د‪ .‬رحيمة الصدددددغير سددددداعد نمديلى‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬االسدددددكندرية‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪.2010‬‬
‫د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬إ شكالية الترا ضى في العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬المركز القومى لإل صدارات‬ ‫‪.6‬‬
‫القانونية‪ ،‬القاهرة‪.2018 ،‬‬
‫د‪ .‬صدددفاء فتوح جمعة‪ :‬الحماية القانونية للعقود اإلدارية المبرمة عبر وسدددائل االتصدددال اإللكترونية‪،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫المركز القومى لإلصدارات القانونية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.2019 ،‬‬
‫د‪ .‬صفاء فتوح جمعة‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬المنصورة‪.2014 ،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫د‪ .‬طارق عبدالعال حماد‪ :‬التجارة اإللكترونية‪ ،‬األبعاد التكنولوجية والمالية والتسدددددددويقية والقانونية‪،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫الدار الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2003 ،‬‬
‫‪ .10‬د‪ .‬عبدالرازق أحمد السنهورى‪ :‬الوسيط فى شرح القانون المدنى‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام مصادر‬
‫االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬تنقيح المستشار أحمد مدحت المراغى‪ ،‬طبعة لجنة الشريعة اإلسالمية بالنقابة‬
‫العامة للمحامين‪.2007 ،‬‬
‫‪ .11‬د‪ .‬عبدالفتاح بيومى حجازى‪ :‬التوقيع اإللكترونى في النظم المقارنة‪ ،‬دار الفكر الجامعى‪.2005 ،‬‬
‫‪ .12‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو‪ :‬العقد اإلدارى اإللكترونى‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.2007 ،‬‬
‫‪ .13‬د‪ .‬محمد إبراهيم أبو الهيجاء‪ :‬عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪.2005‬‬

‫‪181‬‬
‫‪ .14‬د‪ .‬محمد أحمد سالمة‪ :‬الوسائل الحديثة في إبرام العقود اإلدارية‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الفكر والقانون‪،‬‬
‫القاهرة‪.2019 ،‬‬
‫‪ .15‬د‪ .‬محمد أمين الرومى‪ :‬التعاقد اإللكترونى عبر اإلنترنت‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسدددددددكندرية‪،‬‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ .16‬د‪ .‬محمد أمين يوسددف‪ :‬العقد اإلدارى والعقد اإلدارى اإللكترونى مع اإلشددارة إلى نظام عقود اإلدارة‬
‫بإ مارة دبى وأمري كا وقوانين الم عامالت اإللكترون ية في دول مجلس الت عاون الخليجى‪ ،‬دار الك تب‬
‫والدراسات العربية‪ ،‬اإلسكندرية‪.2018 ،‬‬
‫‪ .17‬د‪ .‬محمد حسين منصور‪ :‬المسئولية اإللكترونية‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.2003 ،‬‬
‫‪ .18‬د‪ .‬محمد صالح عبدالبديع‪ :‬الوسيط في القانون اإلدارى‪ ،‬الجزء الثانى‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ .19‬د‪ .‬محمد فؤاد مهنا‪ :‬مبادئ وأحكام القانون اإلدارى‪ ،‬منشأة المعارف باإلسكندرية‪.1981 ،‬‬
‫‪ .20‬د‪ .‬م صطفى أبو مندور مو سى‪ :‬دور العلم بالبيانات عند تكوين العالقة العقدية‪ ،‬دار النه ضة العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.2002 ،‬‬
‫‪ .21‬د‪ .‬مصطفى موسى العجارمة‪ :‬التنظيم القانونى للتعاقد عبر شبكة اإلنترنت‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬دار‬
‫شتات للنشر والبرمجيات‪ ،‬القاهرة‪.2010 ،‬‬
‫‪ .22‬د‪ .‬عبدالفتاح بيومى حجازى‪ :‬النظام القانونى لحماية الحكومة اإللكترونية‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعى‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬الطبعة األولى‪.2003 ،‬‬

‫ب‪ -‬الرسائل‪:‬‬

‫‪ .1‬د‪ .‬خالد ممدوح إبراهيم محمد‪ :‬إبرام العقد اإللكترونى‪ ،‬رسددددددددا لة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق جامعة‬
‫اإلسكندرية‪.2005 ،‬‬
‫‪ .2‬د‪ .‬سامح التهامى‪ :‬التعاقد عبر اإلنترنت‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق جامعة الزقازيق‪.2006 ،‬‬
‫‪ .3‬د‪ .‬مازن ليلو ماضددى‪ :‬دور الشددروط االسددتثنائية في تمييز العقد اإلدارى‪ ،‬رسددالة دكتوراه‪ ،‬جامعة‬
‫بغداد‪.1999 ،‬‬

‫ج‪ -‬األبحاث‪:‬‬

‫‪ .1‬د‪ .‬إبراهيم الدسددددددوقى أبو الليل‪ :‬الجوانب القانونية للتعامالت اإللكترونية‪ ،‬مجلس النشددددددر العلمى‪،‬‬
‫جامعة الكويت‪.2003 ،‬‬

‫‪182‬‬
‫‪ .2‬د‪ .‬داود عبدددالرازق البدداز‪ :‬اإلدارة العددامددة (الحكومددة اإللكترونيددة) وأثرهددا على النظددام القددانونى‬
‫للمرفق العام وأعمال موظفيه‪ ،‬مجلس النشر العلمى‪ ،‬جامعة الكويت‪.2004 ،‬‬
‫‪ .3‬أ‪ /‬درية إبراهيم محمد دياب‪ :‬دور العنصدددددر البشدددددرى وأهميته في إدارة المشدددددتريات والمخازن‪،‬‬
‫الملتقى العربى األول إلدارة المشدددددددتريات والمخازن (الواقع وآفاق التطوير)‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهورية‬
‫مصر العربية‪ ،‬الفترة من ‪ 29 -28‬ديسمبر ‪.2002‬‬
‫‪ .4‬د‪ .‬قيدار عبدالقادر صددددالح‪ :‬إبرام العقد اإلدارى اإللكترونى وإثباته‪ ،‬بحث منشددددور بمجلة الرافدين‬
‫للحقوق‪ ،‬المجلد ‪ ،10‬العدد ‪ ،37‬السنة ‪.2008‬‬
‫‪ .5‬د‪ .‬محمد المتولى‪ :‬إدارة الموارد البشدددددددرية لتطبيق الحكومة اإللكترونية فى الدول العربية‪ ،‬بحث‬
‫مقددددم للمؤتمر العلمى األول ألكددداديميدددة دبى‪ ،‬بعنوان "الجواندددب القدددانونيدددة واألمنيدددة للعمليدددات‬
‫اإللكترونية" المنعقد فى الفترة من ‪ 24‬حتى ‪ 26‬أبريل ‪.2003‬‬
‫‪ .6‬د‪ .‬محمد عمار تيبار‪ :‬مدى حجية المحرر اإللكترونى في مجال اإلثبات في القانون الليبى‪ ،‬بحث‬
‫مقدددم إلى المؤتمر العلمى المغددازى األول حول المعلومدداتيددة والقددانون المنعقددد في الفترة من ‪28‬‬
‫أكتوبر حتى ‪ 29‬أكتوبر ‪ ،2009‬أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس‪ ،‬ليبيا‪.‬‬

‫د‪ -‬القوانين‪:‬‬

‫‪ -1‬التوجيه األوروبى رقم ‪ 18‬لسنة ‪.2004‬‬


‫‪ -2‬قانون األونستيرال النموذجى بشأن التجارة اإللكترونية ‪.1996‬‬
‫‪ -3‬قانون التوقيع اإللكترونى المصرى رقم ‪ 15‬لسنة ‪.2004‬‬
‫‪ -4‬القانون رقم ‪ 182‬لسنة ‪ 2018‬بشأن إصدار قانون تنظيم التعاقدات الحكومية التى تبرمها الجهات‬
‫الحكومية‪.‬‬
‫‪ -5‬قانون المعامالت المدنية لدولة اإلمارات العربية المتحدة الصددددادر بالقانون االتحادى رقم ‪ 5‬لسددددنة‬
‫‪ 1985‬والمعدل بالقانون االتحادى رقم ‪ 1‬لسنة ‪.1987‬‬
‫‪ -6‬قانون المعامالت والتجارة اإللكترونية إلمارة دبى الصادر عام ‪.2002‬‬

‫‪183‬‬
184
‫اليوم الثاني‪2021 / 4 / 16 :‬‬

‫جلسة المؤتمر الرابعة (‪)5:15 – 3:45‬‬

‫محور الجلسة‪ :‬التقنيات الحديثة في مجاالت القانون الخاص‬

‫رئيس الجلسة‪:‬‬

‫د‪ .‬محمد سعد العرمان (أستاذ القانون التجاري – كلية اإلمام مالك للشريعة والقانون)‬

‫المتحدثون‪:‬‬

‫‪ -1‬د‪ .‬أيمن محمد سيد مصطفى األسيوطي (أستاذ القانون الخاص المنتدب بجامعة حلوان –‬
‫جمهورية مصر)‬

‫الطبيعة القانونية للعقود الذكية في ضوء تقنيات (البلوك تشين)‬

‫‪ -2‬د‪ .‬هايدي عيسى حسن علي حسن (كلية الحقوق بجامعة القاهرة – جمهورية مصر)‬

‫تكنولوجيا سلسلة الكتل (البلوك تشين) في القانون الدولي الخاص – حقائق ومقترحات‬

‫‪ -3‬د‪ .‬أحمد عيد عبد الحميد إبراهيم (جامعة األزهر – جمهورية مصر)‬

‫تقنية (البلوك تشين) وحجيتها في إثبات العقود الذكية – دراسة فقهية مقارنة بقانون‬
‫اإلمارات العربية المتحدة‬

‫‪ -4‬د‪ .‬عمر أنجوم (أستاذ القانون الخاص ‪ -‬جامعة ابن زهر – أكادير – المملكة المغربية)‬

‫(البلوك تشين) والمالءمة القانونية للعقود الذكية‬

‫‪185‬‬
186
‫الطبيعة القانونية للعقود الذكية في ضوء تقنية‬
‫البلوك تشين‬

‫الدكتور أيمن محمد سيد مصطفى األسيوطي‬

‫دكتوراه القانون الخاص ‪ -‬منتدب بكلية الحقوق ‪ -‬جامعة حلوان‬

‫‪187‬‬
188
‫مــقــدمـــة‬

‫الشددددددك أن العصددددددر الحددددددالي هددددددو عصددددددر العقددددددود الرقميددددددة بشددددددتي أنواعهددددددا‬


‫وصددددددورها المختلفدددددددة(‪ ، )1‬كونهدددددددا باتددددددت جدددددددزء ال يتجدددددددزأ مددددددن حياتندددددددا وعالقاتندددددددا‬
‫اليوميددددددددة‪ ،‬وإن كانددددددددت مسددددددددألة اسددددددددتيعاب وتنظدددددددديم القواعددددددددد القانونيددددددددة لمختلددددددددف‬
‫المراكددددددز التددددددي نتجددددددت عددددددن التكنولوجيددددددا الحديثددددددة فددددددي صددددددورتها التقليديددددددة التددددددي‬
‫تقتصددددددر علددددددى االبتكددددددارات‪ ،‬التددددددي لددددددم يثددددددار الكثيددددددر مددددددن اإلشددددددكاالت(‪)2‬؛ إال أن‬
‫المفهددددددددوم الحددددددددديث لتكنولوجيددددددددا الددددددددذكاء االصددددددددطناعي‪ ،‬قددددددددد أدي إلددددددددى ظهددددددددور‬
‫عالقدددددددات ومراكدددددددز جديددددددددة فدددددددي مختلدددددددف شدددددددتي المجددددددداالت‪ ،‬ومدددددددا خلفتددددددده مدددددددن‬
‫إيجابيدددددددات وسدددددددلبيات علدددددددى كافدددددددة المجتمعدددددددات اإلن سدددددددانية اثبتدددددددت عددددددددم قددددددددرة‬
‫القواعد القانونية السارية على استيعابها وتنظيمها‪.‬‬

‫موضوع البحث‪:‬‬

‫يتندددددددداول هددددددددذا البحددددددددث بالدراسددددددددة الطبيعددددددددة القانونيددددددددة للعقددددددددود الذكيددددددددة‪،‬‬


‫ومدددددددي توافقهددددددا مددددددع النظريددددددة العامددددددة لاللتزامددددددات‪ ،‬وهددددددل يخددددددرج فددددددي بعددددددض‬
‫جوانبددددده عدددددن المفهدددددوم التقليددددددي للعقدددددود‪ ،‬ومددددددى قددددددرة البلدددددوك تشدددددين فدددددي ضدددددمان‬
‫الحمايددددددة القانونيدددددددة الفعالدددددددة ألطدددددددراف التعاقددددددد مدددددددن مخددددددداطر وتطبيقدددددددات العقدددددددود‬
‫الذكية‪.‬‬

‫تُعدددددددد العقدددددددود الذكيدددددددة أحدددددددد االسدددددددتخدامات الحديثدددددددة لتكنولوجيدددددددا البلدددددددوك‬


‫تشدددددددين‪ ،‬كمصددددددددر للمعلومدددددددات المشدددددددفرة تتدددددددولى تخدددددددزين المعدددددددامالت التجاريدددددددة‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬رانييييييا صيييييبحي محميييييد عيييييزب‪ :‬العقدددددود الرقميدددددة فدددددي قدددددانون االنترندددددت" دراسدددددة تحليليدددددة‬
‫مقارندددددددة فدددددددي الفقددددددده والتشدددددددريعات العربيدددددددة واألمريكيدددددددة واألوربيدددددددة"‪ ،‬دار الجامعدددددددة الجديددددددددة‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2012 ،‬ص‪.109‬‬
‫(‪ )2‬للباحيييييييث كتييييييياب بعندددددددوان النظدددددددام القدددددددانوني للبدددددددث الفضدددددددائي عبدددددددر األقمدددددددار الصدددددددناعية"‬
‫دراسدددددددددة مقارندددددددددة"‪ ،‬مركدددددددددز الدراسدددددددددات العربيدددددددددة للنشدددددددددر والتوزيدددددددددع‪ ،‬القددددددددداهرة‪،2020 ،‬‬
‫ص‪.46‬‬
‫‪189‬‬
‫المبرمدددددددة وفدددددددق مصدددددددطلحات رياضدددددددية محدددددددددة‪ ،‬لتصدددددددبح متاحدددددددة للفحدددددددص مدددددددن‬
‫الكافدددددددة وبصدددددددفة شددددددداملة‪ ،‬هدددددددذه المعدددددددامالت المخزندددددددة بهدددددددا ال تقبدددددددل التغييدددددددر أو‬
‫التعديل أو التحريف‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬

‫تكمدددن إشدددكالية البحدددث فدددي تدددداخل النظدددام القدددانوني للعقدددود الذكيدددة مدددع األنظمدددة‬
‫األخدددرى‪ ،‬فمدددا هدددي الطبيعدددة القانونيدددة للعقدددود الذكيدددة‪ ،‬هدددل عقدددد رضدددائي أمدددا هدددو عقدددد‬
‫إذعددان‪ ،‬أمددا هددو نددوع عقددد جدداهز‪ ،‬أمددا أندده عقددد رخصددة محددددة؟ ومدددي توافددق الددروابط‬
‫القانونيددة التقليديددة مدددع العقددود الذكيددة مدددن حيددث خصوصددياته وكيفيدددة إبددرام العقددد الدددذكي‬
‫والنتائج المترتبة عليه في ظل تقنية البلوك تشين‪.‬‬
‫أهداف البحث وأهميته‪:‬‬
‫يتغيا هذا البحث تحقيق عدة أهداف قويمة‪ ،‬تبدو جلية معها أهميته‪ ،‬منها‪-:‬‬
‫‪ ‬إظهار الجوانب الواقعية التي تؤثر في بلورة العقود الذكية‪.‬‬
‫‪ ‬توجيه المشرع في األخذ في االعتبار للتعاقدات الحديثة‪.‬‬
‫‪ ‬تبصرة الحكومات بانعكاسات العقود الذكية في المعامالت المدنية والتجارية‪.‬‬
‫التأكيد على الدور الفعال لتقنية البلوك تشين في العقود الذكية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬إضفاء الطابع الحديث على نظرية العقود في ظل تقنية البلوك تشين‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫نعتمدددد فدددي إنجددداز هدددذه الدراسدددة‪ ،‬المدددنهج االسدددتقرائي الوصدددفي؛ وقوفدددا علدددى مددددى‬
‫توافق الروابط القانونية التقليدية مع العقود الذكية في ضوء تقنية البلوك تشين‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫قوامهدددددددا مبحثٌدددددددين‪ -‬ينبثدددددددق عدددددددن كليهمدددددددا مطلبدددددددان‪ ،‬ثدددددددم تعقبهمدددددددا خاتمدددددددة‬


‫موجزة؛ على النحو التالي‪-:‬‬

‫‪190‬‬
‫المبحث األول‪ :‬خصوصيات التعاقد بالعقود الذكية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مظاهر خصوصية العقود الذكية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التكييف القانوني للعقود الذكية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الروابط القانونية للعقود الذكية مع منظومة البلوك تشين ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطابع التعاقدي للعقد الذكي في ظل تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬فلسفة العقود الذكية مع البيانات الشخصية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬خصوصيات التعاقد بالعقود الذكية‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫أحدددددددثت العقددددددود الذكيددددددة طفددددددرت هائلددددددة أمددددددام التجددددددارة الدوليددددددة والداخليددددددة‬


‫بنوعيهددددددا التقليديددددددة واإللكترونيددددددة‪ ،‬فقددددددد مكنددددددت أطددددددراف العالقددددددة مددددددن االتصددددددال‬
‫ببعضددددددهم الددددددبعض وعقددددددد االجتماعددددددات دون أن يلتقددددددوا فددددددي مكددددددان واحددددددد‪ ،‬ممددددددا‬
‫سدددداعد علددددى تنشدددديط التجددددارة العالميددددة بشددددكل هائددددل وخاصددددة فددددي دولددددة اإلمددددارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬

‫وتفريعدددددددا َ لمدددددددا سدددددددبق‪ ،‬فاالعتبدددددددارات العمليدددددددة واسدددددددتجابة لحاجدددددددات التجدددددددارة‬


‫والصددددددناعة والسددددددرعة فددددددي إنجدددددداز الخدددددددمات‪ ،‬اقتضددددددي األمددددددر إبددددددرام المعددددددامالت‬
‫والعقدددددود عدددددن طريدددددق اسدددددتخدام وسدددددائل االتصدددددال الحديثدددددة‪ ،‬والتدددددي تدددددوفر السدددددرعة‬
‫وتختصر الجهد والوقت‪.‬‬

‫فقددددددد أصددددددبحت العقددددددود الذكيددددددة أدا ة هامددددددة فددددددي كثيددددددر مددددددن جوانددددددب حياتنددددددا‬
‫المعاصدددددددرة ومظهدددددددرا َ يواكدددددددب تطدددددددور العصدددددددر وتقددددددددم البشدددددددرية‪ ،‬فهدددددددو همدددددددزة‬

‫‪191‬‬
‫الوصدددددل بدددددين الشدددددعوب‪ ،‬وجسدددددرا تتالقدددددي مدددددن خاللددددده األمدددددم‪ ،‬وأداة تسدددددهل الحدددددوار‬
‫دددددرب المسددددددافات واختصددددددر الددددددزمن‪ ،‬وسددددددهل المعددددددامالت‬
‫والتعامددددددل بيددددددنهم‪ ،‬فلقددددددد قد َ‬
‫بين جميع الجهات‪.‬‬

‫وقدددددددد أدي اسدددددددتخدام العقدددددددود الذكيدددددددة فدددددددي مجدددددددال إبدددددددرام التعاقددددددددات إلدددددددى‬
‫التغلدددددب علدددددى العديدددددد مدددددن المشدددددكالت التقليديدددددة الناتجدددددة عدددددن االسدددددتعانة بدددددالعقود‬
‫التقليديدددددة الورقيدددددة؛ حيدددددث سددددداعد علدددددى حدددددل مشدددددكلة الوقدددددت‪ ،‬والتكلفدددددة‪ ،‬ومدددددن ثدددددم‬
‫فإندددددده يمكددددددن القددددددول بددددددأن العقددددددود الذكيددددددة تعددددددد بمثابددددددة فرصددددددة جديدددددددة ل طددددددراف‬
‫المتعاقددددددة؛ حيدددددث إ نددددده يتددددديح إمكانيدددددات جديددددددة للمعدددددامالت فدددددي ضدددددوء المسدددددتجدات‬
‫المتطورة(‪.)1‬‬
‫وفدددددي ضدددددوء مدددددا سدددددبق‪ ،‬يمكنندددددا تقسددددديم المبحدددددث إلدددددى مطلبدددددين علدددددى النحدددددو‬
‫التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مظاهر خصوصية العقود الذكية‬
‫فقدددددددد شـدددددددـملت الثدددددددورة الصدددددددناعية الرابعـدددددددـة أنماطدددددددا جديـدددددددـدة‪ ،‬كدددددددان لهدددددددا‬
‫حضدددددور بـدددددـارز كتقنيدددددة البلدددددوك تشـدددددـين التدددددي دخلـدددددـت بقدددددوة إلدددددى العـدددددـالم الرقمدددددي‬
‫لتكددددددون الوسـددددددـيلة التددددددي تجـددددددـري عبرهددددددا حيدددددداة البشـددددددـر‪ ،‬حيددددددث ظهددددددرت العقددددددود‬
‫(*)‬
‫واسـدددددددـتولت علدددددددى عـدددددددـالم المدددددددال العمدددددددالت االفتراضدددددددية المشـدددددددـفرة‪،‬‬ ‫الذكيدددددددة‬
‫حتدددددى لدددددم يعدددددد بمقـدددددـدور الددددددول وال المؤسسـدددددـات الماليدددددة تجاهلهـدددددـا‪ ،‬ولددددديس لهدددددا‬
‫مــن خيار إال فهــم حقيقتها ووضــع إطار قانوني يضبط التعامل بها‪.‬‬

‫‪)1(Angelov,‬‬
‫‪Samuil, Grefen, paul: An Analysis of the B2B E-Contracting‬‬
‫‪Domain paradigms and Required Technology, Technische Universiteit‬‬
‫‪Eindhoven,2003.p.2.‬‬
‫(*)ولهذه العقود الذكية مسميات مختلفة فهي تسمى‪:‬‬
‫العقود الرقمية‪Digital Contracts :‬‬
‫عقود سلسلة الكتل‪Blockchain Contracts :‬‬
‫عقود ذاتية التنفيذ‪Self-executing Contracts :‬‬
‫عقود مشفرة‪Cryptocontracts :‬‬
‫‪192‬‬
‫المحور األول‪ :‬إطار قانوني دولي للعقود الذكية‪-:‬‬

‫شـدددددددـهدت السـدددددددـنوات األخيدددددددرة زيدددددددادة فدددددددي أتمتدددددددة العقدددددددود‪ ،‬أي إمكانيدددددددة‬


‫أداء بعدددددددض اإلجدددددددراءات المعيندددددددة المتصـددددددددـلة بدددددددالعقود علدددددددى أسـدددددددـاس شـددددددددـفرة‬
‫مبرمجدددددددة مسـدددددددـبقا دون مراجعدددددددة بشـدددددددـرية أو أي تددددددددخل آخدددددددر‪ .‬وأتمتدددددددة العقدددددددود‬
‫يمكدددددن أن تحددددددث فدددددي مختلدددددف مراحدددددل دورة حيددددداة العقدددددد‪ :‬أي عندددددد إبدددددرام العقدددددد‬
‫وأدائه وإنجازه(‪.)1‬‬

‫ويمكددددددددن للعقددددددددود الذكيددددددددة أن تتدددددددديح تحقيددددددددق فوائددددددددد هامددددددددة مددددددددن حيددددددددث‬


‫الســـــددددددددـرعة‪ ،‬وتكدددددددداليف تنفيددددددددذ العقددددددددود وإدارتهددددددددا‪ ،‬بمددددددددا فددددددددي ذلددددددددك الشددددددددؤون‬
‫المتصلة برصد أداء العقود‪.‬‬

‫وقددددددددد أعدددددددددت األونسـددددددددـيترال أحكامددددددددا تم س ّكددددددددن قانونيددددددددا مددددددددن اسـددددددددـتخدام‬


‫العقدددددددود الذكيدددددددة‪ ،‬ومنهدددددددا بصـدددددددـفة خاصـــــدددددددـة الميييييييادة ‪ ١٢‬مدددددددن اتفاقيدددددددة األمدددددددم‬

‫(‪ )1‬ميييين الييييذي أنشييييأها وميييين يسييييتخدمها‪ :‬تددددم وصددددف العقددددود الذكيددددة ألول مددددرة مددددن قبددددل نيددددك‬
‫سددددددزابو‪ ،‬عددددددالم الكمبيددددددوتر وخبيددددددر التشددددددفير‪ ،‬فددددددي عددددددام ‪ .١٩٩٦‬وعلددددددى مدددددددى عدددددددة سددددددنوات‪،‬‬
‫أعدددددداد سددددددزابو صددددددياغة المفهددددددوم وأصدددددددر العديددددددد مددددددن المنشددددددورات‪ ،‬حيددددددث وصددددددف مفهددددددوم‬
‫وضدددددددع ممارسدددددددات األعمدددددددال المتعلقدددددددة بقدددددددانون العقدددددددود مدددددددن خدددددددالل تصدددددددميم بروتوكدددددددوالت‬
‫التجارة اإللكترونية بين الغرباء على اإلنترنت‪.‬‬
‫ومددددددع ذلددددددك‪ ،‬لددددددم يددددددتم تنفيددددددذ العقددددددود الذكيددددددة حتددددددى عددددددام ‪ ،٢٠٠٩‬عندددددددما ظهددددددرت أول عملددددددة‬
‫رقميدددددة "بيتكدددددوين" جنبدددددا إلدددددى جندددددب مدددددع بلوكتشدددددين‪ ،‬والتدددددي وفدددددرت فدددددي النهايدددددة بيئدددددة مناسدددددبة‬
‫للعقدددددود الذكيدددددة‪ .‬ومدددددن المثيدددددر لالهتمدددددام أن نيدددددك سدددددزابو صدددددمم آليدددددة لعملدددددة رقميدددددة المركزيدددددة‬
‫أطلددددق عليهددددا "بيددددت غولددددد" فددددي عددددام ‪ .١٩٩٨‬ولكددددن لددددم يددددتم تنفيددددذها أبدددددا‪ ،‬بددددرغم مددددن أندددده كددددان‬
‫لديها بالفعل العديد من الميزات التي تفاخرت بها بيتكوين بعد ‪ ١٠‬سنوات‪.‬‬
‫وفددددي هددددذه األيددددام‪ ،‬تددددرتبط العقددددود الذكيددددة أساسددددا بددددالعمالت الرقميددددة‪ .‬وعددددالوة علددددى ذلددددك‪ ،‬مددددن‬
‫العدددددددل أن نقددددددول إن أحدددددددهما ال يمكددددددن أن يوجددددددد بدددددددون اآلخددددددر‪ ،‬والعكددددددس بددددددالعكس‪ ،‬حيددددددث أن‬
‫بروتوكدددددددوالت العمدددددددالت الرقميددددددد ة الالمركزيدددددددة هدددددددي فدددددددي األسددددددداس عقدددددددود ذكيدددددددة مدددددددع أمدددددددن‬
‫وتشددددددفير المركددددددزي‪ .‬ويددددددتم اسددددددتخدامها علددددددى نطدددددداق واسددددددع فددددددي معظددددددم شددددددبكات العمددددددالت‬
‫الرقمية الحالية وهي واحدة من الميزات األكثر بروزا إليثريوم‪.‬‬
‫راجع في ذلك‪:‬‬
‫‪ttps://www.ethereum.org/ Fairfield, J. Smart contracts, Bitcoin bots, and‬‬
‫)‪consumer protection, Washington and Lee Law Review Online (2014‬‬
‫‪71(2):35-50.‬‬
‫‪193‬‬
‫المتحددددددددة المتعلقدددددددة باســـــدددددددـتخدام الخطابدددددددات اإللكترونيدددددددة فدددددددي العقدددددددود الدوليدددددددة‬
‫لعددددددام ‪ ٢٠٠٥‬التددددددي تددددددنص علددددددى اسددددددـتخدام نظددددددم الرسددددددـائل اآلليددددددة فددددددي تكددددددوين‬
‫العقدددددددود‪ ،‬والميييييييادة ‪٦‬مدددددددن قدددددددانون األونسـدددددددـيترال النمدددددددوذجي بشـدددددددـأن السـدددددددـجالت‬
‫اإللكترونيددددددددة القابلددددددددة للتحويددددددددل‪ ،‬التددددددددي تسـددددددددـلم بإمكانيددددددددة إدراج معلومددددددددات فددددددددي‬
‫السـدددددددـجل االلكتروندددددددي القابدددددددل للتحويدددددددل‪ ،‬بمدددددددا فدددددددي ذلدددددددك البياندددددددات الوصـدددددددـفية‪،‬‬
‫إضــافة إلى البيانات التي يتضمنها المستند أو الصك القابل للتحويل(‪. )1‬‬

‫غيددددددددر أن الددددددددوعي بشددددددددأن تلددددددددك األحكددددددددام مددددددددا زال محدددددددددودا‪ .‬كمددددددددا أن‬
‫الممارســـــدددددددددـات الناشـــــدددددددددـئة فدددددددددي مجدددددددددال األعمدددددددددال التجاريدددددددددة قدددددددددد تقتدددددددددرح‬
‫صـــــددددددددـوغ أحكددددددددام أو إرشددددددددادات قانونيددددددددة إضددددددددافية‪ .‬وينبغددددددددي أال ينظددددددددر إلددددددددى‬
‫مزاولدددددة اسدددددتخدام التكنولوجيدددددا الحديثدددددة علدددددى أنددددده عصدددددر جديدددددد‪ ،‬بدددددل علدددددى أنددددده‬
‫مقوم ضروري لتنفيذ خطط واستراتيجيات األمم المتحدة الحالية للنجاح‪.‬‬

‫وإن بعددددددض المنظمددددددات الدوليددددددة‪ ،‬بمددددددا فيهددددددا تلددددددك التددددددي تعددددددد جددددددزءا مددددددن‬
‫منظومددددددة األمددددددم المتحدددددددة تسددددددتخدم مددددددن قبددددددل أدوات الكترونيددددددة علددددددى االنترنددددددت‬
‫لتنفيدددددذ جواندددددب متعدددددددة مدددددن تقنيدددددة العصدددددر الرقمدددددي‪ ،‬بمدددددا فدددددي ذلدددددك اسدددددتخدامها‬
‫كوسدددددددديلة لعددددددددرض نصوصددددددددها القانونيددددددددة‪ .‬وتكددددددددون هددددددددذه األدوات فددددددددي صددددددددورة‬
‫مسددددددددددتجيبة ل جهددددددددددزة المحمولددددددددددة‪ ،‬مراعدددددددددداة لحقيقددددددددددة أن اسددددددددددتخدام األجهددددددددددزة‬
‫المحمولددددددة يتجدددددداوز بكثيددددددر اسددددددتخدام أجهددددددزة الكمبيددددددوتر فددددددي العديددددددد مددددددن الدددددددول‬
‫النامية(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬راجييييييع مييييييؤتمر األونسيييييييترال‪ :‬بشددددددأن "تحددددددديث القددددددانون التجدددددداري الدددددددولي لدددددددعم االبتكددددددار‬
‫والتنميددددددة المسددددددتدامة" الددددددذي عقددددددد فددددددي الفتددددددرة ‪٤-٦‬تموز‪/‬يوليدددددده ‪٢٠١٧‬فددددددي فيينددددددا‪ ،‬بمناسددددددبة‬
‫االحتفدددددددال بالدددددددذكرى الخمسددددددد ين ل ونسددددددديترال‪ ،‬ووقائعددددددده متاحدددددددة علدددددددى الموقدددددددع االلكتروندددددددي‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪https://uncitral.un.org/ar/commission‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ ،‬على سييييبيل المثال‪ ،‬عددا من نصددددوص األمم المتحدة‪ ،‬من بينها ميثاق األمم المتحدة و ‪Basic‬‬
‫‪) Nations Facts about the United‬حقائق أساسية عن األمم المتحدة(‪ ،‬المعروضان باعتبارهما‬
‫من التطبيقات (‪ (https://shop.un.org/apps‬؛‬
‫‪194‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬المقصود بالعقود الذكية‪:‬‬

‫يعيييييد عيييييالم الكمبييييييوتر األمريكيييييي نييييييك زابيييييو أول مدددددن تحددددددث عدددددن العقدددددود‬

‫الذكيدددددددة عدددددددام ‪ 1994‬م‪ ،‬وانتهدددددددي إلدددددددى تعريفهدددددددا حيندددددددذاك بأنهدددددددا عبدددددددارة عدددددددن"‬

‫بروتوكوالت المعامالت المحسوبة التي تنفذ شروط العقد(‪.)1‬‬

‫وقيييييد جييييياء موقيييييع كونبلييييييانس تيليييييي تشيييييرز بتحديدددددد المدددددراد بالعقدددددد الدددددذكي‬

‫بصدددددورة معيندددددة بدددددأن ندددددص علدددددى‪ :‬العقدددددد الدددددذكي‪ ،‬المعدددددروف أيضدددددا باسـدددددـم عقدددددد‬

‫التشددددفير‪ ،‬هددددو برنددددامج كمبيددددوتر يددددتحكم ـ بشددددكل مباشددددر ـ فددددي تحويددددل العمددددالت‬

‫أو األصــول الرقمية بين األطراف بموجب شروط معينة(‪.)2‬‬

‫والموقع الشددددددبكي المسددددددتجيب ل جهزة المحمولة الذي يربط أهداف التنمية المسددددددتدامة بالغايات وبيانات‬
‫التنفيذ‪ ،‬والذي قامت بإطالقه إدارة الشددؤون االقتصددادية واالجتماعية باألمم المتحدة؛ والعرض اإليضدداحي‬
‫عدددددلدددددى اإلندددددتدددددرندددددت‪https://www.un.org/sustainabledevelopment/sustainable-‬‬
‫‪ development-goals/‬الذي قام بإعداده مكتب األمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن الدليل‬
‫الددت شدددددددددريددعددي التددفدددداقدديددددة األمددم الددمددتددحدددددة لددمددكددددافددحددددة الددجددريددمددددة الددمددنددظددمددددة عددبددر الددوطددندديددددة‬
‫‪/https://www.unodc.org/cld‬‬
‫‪v3/sherloc/legislative-guide/index.html?lngen‬؛‬
‫والموقع الشدددددددبكي المسدددددددتجيب ل جهزة المحمولة الخاص بمنظمة العمل الدولية والذي يقدم رحالت‬
‫تفاعلية خالل عالم العمل‪ https://www.ilo.org/infostories‬؛‬
‫والمبادئ التوجيهية العملية التفاعلية لتحقيق الكفاءة في اسدددترداد األصدددول المسدددروقة المطورة ضدددمن‬
‫إطار عمل عملية لوزان بموجب الوالية الممنوحة من مؤتمر الدول األطراف في اتفاقية األمم المتحدة‬
‫لمكافحة الفسددداد‪ https://guidelines.assetrecovery.org/guidelines‬كما تُسدددتخدم أنواع‬
‫مختلفة من األدوات اإللكترونية على اإلنترنت لتقديم الدعم الفني وبناء القدرات‪.‬‬
‫اختبار معاهدة الفضاء ‪") "Outer Space Treaty Quiz‬سبيل المثال‪ ،‬انظر‪ ،‬على‬
‫الخارجي( الخاص بمكتب األمم المتحدة لشؤون‪،‬‬
‫‪.https://www.youtube.com/watch?v=5y_6VrHS1_w‬‬
‫‪Smart Contracts by Jake‬‬ ‫(‪ )1‬انظددددر مقددددال لزاكييييي فييييرانكين فيلييييد بعنددددوان‪:‬‬
‫‪ ،Frankenfeld‬متاح الموقع االلكتروني التالي‪:‬‬
‫‪www.invesopedia.com‬‬
‫(‪ )2‬انظر موقع كونبليانس تيلي تشرز‪:‬‬
‫‪www.compliance.techtarget.com‬‬
‫‪195‬‬
‫وقددددددد عددددددرف موقييييييع كريبتييييييو نيـييييييـوز إلددددددى تعريددددددف العقددددددد الددددددذكي بأندددددده‪:‬‬
‫بروتوكول يتم بموجبه تنفيذ عقد بإضافة شروط االتفاقية في كود(‪.)3‬‬

‫وأمددددددا موقييييييع ويكييبييييييديا ‪ ،‬فقددددددد حاولددددددت تعريفدددددده مددددددع بيددددددان الغايددددددة مندددددده‪،‬‬
‫فقدددددددررت أن العقدددددددد الدددددددذكي عبدددددددارة عدددددددن بروتوكدددددددول كمبيدددددددوتر يسـدددددددـعى إلدددددددى‬
‫تســهيل أو التحقق أو تنفيذ التفاوض أو تنفيذ العقد بشكل رقمي(‪.)4‬‬

‫وحددددددددد االلتزامدددددددات والجدددددددزاءات التدددددددي تترتدددددددب علدددددددى مخالفدددددددة العقدددددددود‬


‫التقليديدددددددة‪ ،‬ويتميدددددددز بفدددددددرض تلدددددددك االلتزامدددددددات والجدددددددزاء تلقائيدددددددا خالفدددددددا للعقدددددددود‬
‫التقليدية‪.‬‬

‫وعليييييييى ذليييييييك فيييييييالعقود الذكيييييييية هدددددددي ترميدددددددز برمجدددددددي علدددددددى الحاسدددددددوب‬


‫سددددددط تنفيددددددذ اتفاقيددددددات معينددددددة ويحدددددد ّد مددددددن الحاجددددددة إلددددددى وسدددددديط(‪ .)1‬ت ُ َعدددددد ّد العقددددددود‬
‫يُب س ّ‬
‫الذكيدددددة والبلدددددوك تشدددددين تقنيتَدددددين متدددددرابطتين‪ ،‬بحيدددددث تشددددد ّكل البلدددددوك تشدددددين منصدددددة‬
‫ددددإن العقدددددود الذّكيدددددة يدددددتم تطبيقهدددددا علدددددى‬
‫تطبيقيدددددة للعقدددددود الذّكيدددددة‪ ،‬أو بمعندددددى آخدددددر فد ّ‬
‫البلوك تشين‪.‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬عناصر خصوصية العقود الذكية‪:‬‬

‫االسيييييتقالل ‪ :‬تلغدددددي العقدددددود الذكيدددددة الحاجدددددة إلدددددى وسددددديط مدددددن طدددددرف ثالدددددث‪ ،‬ممدددددا‬
‫يمنحك سيطرة كاملة على االتفاقية‪.‬‬

‫الثقييييية ‪ :‬ال يمكدددددن ألحدددددد سدددددرقة أو فقدددددد ان أي مدددددن المسدددددتندات الخاصدددددة بدددددك‪ ،‬حيدددددث‬
‫يدددددتم تشدددددفيرها وتخزينهدددددا بأمدددددان علدددددى دفتدددددر حسدددددابات آمدددددن ومشدددددترك‪ .‬وعدددددالوة‬

‫(‪ )3‬انظر موقع كريبتو نيــوز‪www.ar.cryptonews.com :‬‬


‫(‪ )4‬راجع موقع ويكييبديا‪www.ar.cryptonews.com :‬‬
‫‪)1(Steve Omohundro: Michał Zając “Cryptocurrencies, Smart Contracts,‬‬

‫‪and Artificial Intelligence”, AI MATTERS, VOLUME 1, ISSUE2, Stanford.‬‬


‫‪196‬‬
‫علدددددى ذلدددددك‪ ،‬ال يتعدددددين عليدددددك الوثدددددوق باألشدددددخاص الدددددذين تتعامدددددل معهدددددم أو تتوقدددددع‬
‫منهم أن يثقوا بك‪ ،‬ألن نظام العقود الذكية غير المتحيز يحل محل الثقة‪.‬‬

‫التييييييوفير ‪ :‬ال حاجددددددة إلددددددى كتدددددداب العدددددددل أو وكددددددالء العقددددددارات أو المستشددددددارين أو‬
‫المسدددددداعدين أو العديددددددد مددددددن الوسددددددطاء اآلخددددددرين وذلددددددك بفضددددددل العقددددددود الذكيددددددة‪.‬‬
‫وبالتبعية تقوم بتوفير الرسوم الباهظة المرتبطة بخدماتهم(‪.)2‬‬

‫السيييييالمة ‪ :‬إذا تدددددم تنفيدددددذها بشدددددكل صدددددحيح‪ ،‬فمدددددن الصدددددعب للغايدددددة اختدددددراق العقدددددود‬
‫الذكيددددددة‪ .‬عددددددالوة علددددددى ذلددددددك‪ ،‬يددددددتم حمايددددددة البيئددددددات المثاليددددددة للعقددددددود الذكيددددددة مددددددن‬
‫خالل التشفير المعقد‪ ،‬والذي سيحافظ على أمان مستنداتك‪.‬‬

‫الكفييييياءة ميييييع العقيييييود الذكيييييية ‪ :‬سدددددتوفر الكثيدددددر مدددددن الوقدددددت‪ ،‬والدددددذي عدددددادة مدددددا يدددددتم‬
‫إهدددددداره فدددددي معالجدددددة أكدددددوام المسدددددتندات الورقيدددددة يددددددويا‪ ،‬أو إرسدددددالها أو نقلهدددددا إلدددددى‬
‫أماكن محددة‪ ،‬إلش‪.‬‬

‫وتفريعييييييا ً لمييييييا سييييييبق؛ قددددددد تكددددددون العقددددددود الذكيددددددة فعّالددددددة فددددددي االسددددددتخدامات‬
‫اآلتيددددددددددة‪ :‬المبددددددددددادالت الماليددددددددددة‪ ،‬والملكيددددددددددات‪ ،‬واألصددددددددددول األُخددددددددددرى‪ ،‬وتبسدددددددددديط‬
‫العمليدددددددددددات التجاريدددددددددددة دون الحاجدددددددددددة النتظدددددددددددار الموافقدددددددددددة عليهدددددددددددا‪ ،‬وتتبدددددددددددع‬
‫المخزونددددددات‪ ،‬وأتمتددددددة دفعددددددات األربدددددداح‪ ،‬والددددددتحكم بالبيانددددددات الشخصددددددية‪ ،‬وحتددددددى‬
‫في مقاومة مرض السرطان‪.‬‬

‫كمددددددددا يمكددددددددن اسددددددددتخدامها فددددددددي قطاعددددددددات التمويددددددددل‪ ،‬والطاقددددددددة‪ ،‬والعقددددددددارات‪،‬‬


‫والرعاية الصحية‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والترفيه‪ ،‬وحتى في القطاعات الحكومية‬

‫(‪ )2‬راجع تفصيال د‪.‬محمد سعد محمد الرمالوي‪ :‬التعاقد بالوسائل المستحدثة في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪.57‬‬
‫‪197‬‬
‫ومددددددن المتوقددددددع أن يزيددددددد الطلددددددب علددددددى العقددددددود الذكيددددددة مددددددع انتشددددددار وتطددددددور‬
‫انترنددددددت األشددددددياء‪ .‬كمددددددا تعدددددد ّد العقددددددود الذكيددددددة وال‪ ICO‬مترابطتددددددان بشددددددكل وثيددددددق‬
‫بحيث تشكل هذه التقنية وسيلة لتسهيل بيع العمالت المشفرة(‪.)1‬‬

‫أن العقدددددود الذكيدددددة مدددددا زالدددددت فدددددي بدايدددددة تطورهدددددا‪ّ ،‬‬


‫وأن‬ ‫ومدددددن الجددددددير بالدددددذكر ّ‬
‫الكثيددددددر مددددددن األمددددددور الّتددددددي يجددددددب أخددددددذها بعددددددين االعتبددددددار‪ ،‬مثددددددل‪ :‬أمددددددن العقددددددود‬
‫الذكيددددددة‪ ،‬علددددددى اعتبددددددار ّ‬
‫أن العقددددددود الذكيددددددة تحددددددوي ثغددددددرات واضددددددحة وال يمكددددددن‬
‫إصدددددالحها بوقدددددت سدددددريع‪ .‬كمدددددا ّ‬
‫أن هنالدددددك العديدددددد مدددددن التسددددداؤالت الجوهريدددددة فدددددي‬
‫هذا السياق‪ ،‬مثل‪ :‬تنظيم العقود الذكية والقضايا القانونية المتعلقة بها‪.‬‬

‫وعلى ذلك ت ساعد العقود الذكية في تحويل األموال أو الممتلكات أو األ سهم أو شئ ذي‬
‫قيمة بطريقة شفافة وخالية من النزاعات مع تجنب خدمات وسيط‪.‬‬

‫فبوجددددددود العقددددددد الددددددذكي الددددددذي يسددددددتعين بتكنولوجيددددددا البلددددددوك تشددددددين‪ ،‬يمكددددددن أن‬
‫تشدددددهد مرحدددددة تكدددددوين العقدددددد بدددددين األطدددددراف الدددددذين ال تدددددربطهم فدددددي الغالدددددب عالقدددددة‬
‫ثقددددددة وال يجمعهددددددم مجلددددددس عقدددددددد واحددددددد فائدددددددة حقيقيدددددددة‪ ،‬حيددددددث بإمكاندددددده تالقدددددددي‬
‫وتقلددددديص األخطدددددار المتوقعدددددة مدددددن هدددددذا ال تعدددددامالت‪ ،‬وكدددددذلك ثمنهدددددا وميعددددداد إتمدددددام‬
‫إبرامها‪.‬‬

‫وفدددددي هدددددذا الوضدددددع فدددددي مرحلدددددة المفاوضدددددات يعلدددددم الجميدددددع بالمخددددداطر التدددددي‬
‫تحدددددديط بمرحلددددددة مددددددا قبددددددل التعاقددددددد أي أثندددددداء تفدددددداوض األطددددددراف‪ ،‬والتددددددي يصددددددفها‬
‫البعض بالمنطقة غير اآلمنة بالنسبة ل طراف المتفاوضة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬رانييييييا صيييييبحي محميييييد عيييييزب ‪ :‬العقدددددود الرقميدددددة فدددددي قدددددانون االنترندددددت" دراسدددددة تحليليدددددة‬
‫مقارندددددددددة فدددددددددي الفقددددددددده والتشدددددددددريعات العربيدددددددددة واألمريكيدددددددددة واألوربيدددددددددة"‪ ،‬مرجدددددددددع سدددددددددابق‪،‬‬
‫ص‪.345‬‬
‫(‪ )2‬األصدددددددل هدددددددو حريدددددددة التفددددددداوض أو سدددددددالمة المركدددددددز القدددددددانوني للمتفددددددداوض‪ ،‬وعلدددددددى مدددددددن‬
‫يددددددعى الخطدددددأ فدددددي جانبددددده إثبدددددات ذلدددددك‪ ،‬فالمضدددددرور يلتدددددزم بإثبدددددات خطدددددأ المتفددددداوض‪ ،‬ويجدددددوز‬
‫إثبدددددات واقعدددددة التفددددداوض بكدددددل طدددددرق اإلثبددددد ات‪ .‬وإذا ثبدددددت خطدددددأ المتفددددداوض وترتدددددب علدددددى ذلدددددك‬
‫‪198‬‬
‫أضدددددف إلدددددى ذلدددددك‪ ،‬تشدددددهد مرحلدددددة إبدددددرام العقدددددد إشدددددكاالت مدددددن أهمهدددددا تعددددددد‬
‫األطددددددراف المتعاقدددددددة‪ ،‬وتسلسددددددل مراحددددددل اإلبددددددرام بدددددددءا باشددددددتراط تسددددددليم الوثددددددائق‬
‫التدددددي تثبدددددت الحدددددق وإبالغهدددددا فدددددي شدددددكل رسدددددمي‪ ،‬وأيضدددددا إطالدددددة أمدددددد المددددددة التدددددي‬
‫يسدددددددتغرقها تطدددددددابق إرادة األطدددددددراف كآجدددددددال التفكيدددددددر واتخددددددداذ القدددددددرار النهدددددددائي‬
‫والعدول عن العقد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التكييف القانوني للعقود الذكية‬

‫تعتبدددددر العقدددددود مدددددن أهدددددم المعدددددامالت التدددددي تدددددتم بشدددددكل يدددددومي علدددددى نطددددداق‬
‫واسددددددع سددددددواء علدددددددى المسددددددتوى المحلددددددي أو المسدددددددتوى العددددددالمي‪ ،‬فالتعاقددددددد يمثدددددددل‬
‫القددددوة المحركدددددة للتجدددددارة سدددددواء التددددي تدددددتم فدددددي إطدددددار محلددددي ضددددديق أو فدددددي إطدددددار‬
‫دولدددددددي‪ ،‬فالعقدددددددد هدددددددو المؤسدددددددس لحقدددددددوق والتزامدددددددات األطدددددددراف وهدددددددو الضدددددددامن‬
‫ألداء أطرافه‪.‬‬

‫دددديس فدددددي حياتندددددا اليوميدددددة؛ ولعدددددل السدددددبب فدددددي‬


‫فعمليدددددة التعاقدددددد هدددددي جدددددز ّء رئد ٍ‬
‫ذلددددك أننددددا نلجددددأ إلددددى هددددذه العمليددددة بطريقددددة غيددددر مباشددددرة‪ ،‬كمددددا أنهددددا فددددي كثيددددر مددددن‬
‫األحيددددددددان تأخددددددددذ أشددددددددكاال متنوعددددددددة‪ ،‬فددددددددنحن نقددددددددوم بشددددددددراء المنتجددددددددات والسددددددددلع‬
‫واالنتفدددددددداع مددددددددن الخدددددددددمات وفقددددددددا لعقددددددددو د وإن كانددددددددت غيددددددددر مكتوبددددددددة علددددددددى‬

‫ضددددددرر مددددددادى أو أدبددددددى‪ ،‬كددددددان للمضددددددرور الحددددددق فددددددي إثبددددددات ذلددددددك والمطالبددددددة بددددددالتعويض‪.‬‬
‫وهدددددذا التعدددددويض ال يجدددددوز أن يتمثدددددل فدددددي اإلجبدددددار علدددددى التفددددداوض أو اإللدددددزام بدددددإبرام العقدددددد‪،‬‬
‫بددددددل يقتصددددددر دور القاضددددددى علددددددى مجددددددرد الحكددددددم بددددددالتعويض النقدددددددى الجددددددابر للضددددددرر طبقددددددا‬
‫للقواعد العامة‪.‬‬
‫راجددددددع د‪ .‬محمييييييد حسييييييام لطفييييييي‪ :‬المسددددددؤولية المدنيددددددة فددددددي مرحلددددددة التفدددددداوض‪ ،‬دار النهضددددددة‬
‫العربية‪ ،1995 ،‬ص‪34‬‬
‫إذن تلعددددددب تلددددددك االلتزامددددددات دورا هامددددددا فددددددي مرحلددددددة التفدددددداوض‪ ،‬بددددددل أن االلتددددددزام بالنصدددددديحة‬
‫يعد التزاما مستمرا يبدأ فى مرحلة ما قبل التعاقد ويصاحب العقد حتى تمام تنفيذه‪ .‬ي‬
‫راجددددددع تفصدددددديال عبييييييد العزيييييييز المرسييييييي حمييييييود ‪ :‬الجوانددددددب القانونيددددددة لمرحلددددددة التفدددددداوض ذو‬
‫الطابع التعاقدي‪ ،‬د‪.‬ن ‪ ،2005 ،‬ص‪.7‬‬
‫‪199‬‬
‫ورق(شدددددفهية)‪ ،‬كمدددددا نقدددددوم بدددددأداء االلتزامدددددات فدددددي العمدددددل وفقدددددا للعقدددددود التدددددي تحكدددددم‬
‫ذلك األمر(‪.)1‬‬

‫المحور األول‪ :‬الطبيعة القانونية للعقود الذكية‪:‬‬

‫فقييييييد حيييييياول الفقهيييييياء تحديييييييد ذلييييييك بنيييييياء علييييييى عييييييدة نظريييييييات‪ ،‬واختلفييييييوا‬
‫فييييي تصيييينيف العقييييود الذكييييية إذا كانييييت ميييين العقييييود المسييييماة أم إنهييييا ميييين العقييييود‬
‫غيييييير المسيييييماة‪ ،‬كمييييييا اختلفيييييوا حيييييول مييييييا إذا كيييييان مييييين عقييييييود اإلذعيييييان أم ميييييين‬
‫العقود الرضائية‪ ،‬كما أشار البعض إلى أنه من العقود المركبة‪.‬‬

‫فقددددد ذهددددب جانددددب مددددن الفقدددده بددددأن العقددددود الذكيددددة ليسـددددـت فددددي حقيقتهددددا عقددددودا‬
‫بدددددالمعنى المعهدددددود للعقدددددود‪ ،‬ولكنّهدددددا شدددددروط جديددددددة تتضدددددمن اتفاقدددددا بدددددين األطدددددراف‬
‫المتعاقددددددة علدددددى االلتدددددزام بهدددددا مدددددن أجدددددل تسدددددهيل وتبسددددديط تنفيدددددذ وإتمدددددام العقدددددود‪،‬‬
‫والمعامالت‪ ،‬والبيوع التي يقدمون عليها(‪.)2‬‬

‫وذهددددددب جانددددددب أخددددددر مددددددن الفقدددددده بددددددأن العقددددددود الذكيددددددة تتمثددددددل فددددددي الشددددددروط‬
‫الذكيددددددة تعددددددد شددددددروطا إضددددددافية مرنددددددة وواسـددددددـعة تنضدددددداف إلددددددى بقيددددددة الشددددددروط‬
‫التقليديددددة التددددي تددددرتبط بأركددددان العقددددود‪ ،‬حيددددث إندددده يمكددددن اللجددددوء إليهددددا مددددن أجددددل‬
‫إنجددددددددداز سدددددددددائر أندددددددددوع عقدددددددددود المعاوضدددددددددة كدددددددددالبيع‪ ،‬والكدددددددددراء‪ ،‬واإليجدددددددددار‪،‬‬
‫والمضددددددداربة‪ ،‬والقدددددددرض‪ ،‬كمدددددددا يمكدددددددن اللجدددددددوء بهـدددددددـا مدددددددن أجدددددددل إتمدددددددام عقدددددددود‬
‫التبرعدددددددات كالهبـدددددددـة‪ ،‬والصددددددددقة‪ ،‬والوكالدددددددة‪ ،‬والضـدددددددـمان‪ ،‬والعاريدددددددة‪ ،‬وسـدددددددـواها‪،‬‬

‫‪)1(MURRAY,ANDREW‬‬ ‫‪D: Entering lnto Contracts Electronically, The Real‬‬


‫‪W.W.W,ilian and Waelde,Charlotte, eds Law and the interner; a framework‬‬
‫‪for electronic commerce. Hae publishing, Oxford, UK,pp.17-36,2000,p.10.‬‬
‫‪ Smart‬واقعهدددددددا وعالقتهدددددددا‬ ‫(‪ )2‬انظدددددددر د‪ .‬عمييييييير ال ُجميليييييييي‪ :‬العقدددددددود الذكيدددددددة ‪Contracts‬‬
‫بدددددددددالعمالت االفتراضدددددددددية‪ ،‬مدددددددددؤتمر مجمدددددددددع الفقددددددددده االسدددددددددالمي الددددددددددولي‪ ،‬الددددددددددورة الرابعدددددددددة‬
‫والعشرون‪ ،‬دبي‪ ،2019 ،‬ص‪.444‬‬
‫‪200‬‬
‫بددددل يمكددددن االسددددتعانة بهددددا مددددن أجددددل تنفيددددذ أنددددواع مختلفددددة مددددن المعددددامالت الماليددددة‬
‫من شركات‪ ،‬وأسهم وغيرها(‪.)1‬‬

‫إن مددددددددرد ذلددددددددك إلددددددددى طبيعددددددددة هددددددددذه الشددددددددروط التددددددددي تتسـددددددددـم بالشددددددددفافية‬
‫والوضدددددوح والسـدددددـهولة والتيسدددددير والتبسـدددددـيط‪ ،‬ممدددددا يجعلهدددددا قابلدددددة التطبيدددددق علدددددى‬
‫كافددددددة العقددددددود‪ ،‬والمعامـددددددـالت‪ ،‬والبيددددددوع ‪ ،‬فضـددددددـال عددددددن أنهـددددددـا تحمددددددي العقـددددددـود‬
‫والمعدددددددامالت والبياعـدددددددـات مـدددددددـن التالعـدددددددـب‪ ،‬والتزويدددددددر‪ ،‬والغـدددددددـش‪ ،‬واألخطـدددددددـاء‬
‫الصددددددغيرة والكبيددددددرة سـددددددـواء فددددددي البيانددددددات أو المسـددددددـتندات التددددددي ينبغددددددي توافرهددددددا‬
‫إلتمام عقد‪ ،‬أو إنجاز معاملة‪.‬‬

‫هل العقد الذكي عقد إذعان؟‬

‫تجددددددددر اإلشـدددددددـارة هندددددددا إلدددددددى أن شدددددددك لية العقدددددددد الدددددددذكي يمكدددددددن أن تكدددددددون‬
‫متدددددددرددة بدددددددين عقدددددددد اإلذعدددددددان وعقدددددددد االسدددددددتهالك‪ ،‬فعقدددددددـد اإلذعدددددددـان بدددددددـالمعنى‬
‫التقليددددددـدي هددددددـو ذلددددددـك العقددددددـد الددددددـذي يقددددددـوم أحددددددـد أطرافددددددـه ويسددددددـمى «الطددددددرف‬
‫القددددددوي» بفددددددرض شددددددروطه ووضددددددع بنددددددود العقددددددد‪ ،‬وال يكددددددون للمتعاقددددددد اآلخددددددر‪،‬‬
‫ويسـدددددددـمى «الطدددددددرف ال ُمدددددددـذعن» إال أن يدددددددـذعن لهدددددددـذه الشدددددددـروط دون مناقشدددددددـتها‬
‫أو المسددددددـاومة فيهددددددـا أو تعددددددـديلها‪ ،‬وقــددددددـد يتعلددددددـق بسددددددـلعة أو خدمددددددـة ضــددددددـرورية‬
‫تقـع ربما تحـت احتكـــار قانوني أو فعلي(‪.)2‬‬

‫أمددددددا عقددددددد االسددددددتهالك فهددددددو عقددددددد يتمثددددددل فددددددي توريددددددد أو تقددددددديم مددددددال أو‬
‫خدمددددددة‪ ،‬إال أن مقدددددددم السددددددلعة يكددددددون منتجددددددـا أو مهنيددددددـا‪ ،‬ومتلقيهددددددا‪ ،‬وهددددددو الفددددددرد‬

‫(‪ )1‬انظدددددددر معمييييييير بييييييين طريييييييية‪ :‬العقدددددددود الذكيدددددددة ال ُمدم ّجدددددددة فدددددددي البلدددددددوك تشدددددددين" أي تحدددددددديات‬
‫لمنظومددددددة العقددددددد حاليددددددا"‪ ،‬العدددددددد‪ ، 4‬مجلددددددة كليددددددة القددددددانون الكويتيددددددة العالميددددددة‪ ،‬الجددددددزء األول‪،‬‬
‫رمضان ‪1440‬هــ‪ /‬مايو‪2019‬م‪ ،‬ص‪.473‬‬
‫‪)2( YES PICOD, HÈ LÈ NE DAVO: Droit de la consommation, Armand‬‬

‫‪colin, Dalloz, paris, 2005, p. 139.‬‬


‫‪201‬‬
‫العددددددادي الددددددذي يرغددددددب فددددددي إشـددددددـباع حاجاتدددددده الشـددددددـخصية والعائليددددددة‪ ،‬بصددددددرف‬
‫النظدددددر عدددددن نشـدددددـاطه التجددددداري أو المهنـددددددـي‪ ،‬أي‪ :‬أن جميدددددع أفدددددراد المجتمدددددع هددددددم‬
‫مددددددن المسددددددـتهلكين‪ ،‬ولدددددديس هددددددـذا العقددددددـد محتكددددددرا علددددددـى فئددددددـة معينددددددة‪ ،‬وإن كددددددان‬
‫ذلك بدرجات متفاوتة‪.‬‬

‫والـدددددددـذي تبددددددددو وجاهتـدددددددـه أن العقـدددددددـد الذكـدددددددـي‪ ،‬ال يمكدددددددن اعتبـدددددددـاره عقدددددددد‬


‫إذعـدددددـان بصفـدددددـة مطلقدددددة‪ ،‬بدددددل يلدددددزم العتبــدددددـاره عقـدددددـد إذعـدددددـان‪ ،‬تدددددوافر شدددددروط‬
‫عقـدددددددـود اإلذعـدددددددـان‪ ،‬فـدددددددـال يكفـدددددددـي أن تكـدددددددـون السـدددددددـلعة مهمـدددددددـة وضروريـدددددددـة‬
‫للمسـددددددددـتهلك‪ ،‬أو أن ينعدددددددددم التفدددددددداوض بشـددددددددـأنها‪ ،‬أو أن تكددددددددون سـددددددددـلعة محتكددددددددرة‬
‫مـددددددـن جانـددددددـب الم نددددددتج أو البددددددائع‪ ،‬بددددددل البــددددددـد مــددددددـن تــددددددـوفر شــددددددـروط عقــددددددـد‬
‫اإلذعـان مجتمعـة(‪.)1‬‬

‫وقددددددد يكيددددددف العقددددددد الددددددذكي بأندددددده بيددددددع بالتعدددددداطي وهددددددو إعطدددددداء كددددددل مددددددن‬
‫العاقددددددين لصاحبـدددددـه مدددددا يقدددددع التبدددددادل عليددددده دون إيجددددداب وال قبدددددول‪ ،‬وذلدددددك ممدددددا‬
‫أجاز انعقاده فيما يقع به التعاطي‪.‬‬

‫‪ ‬الطبيعة القانونية للعقد الذكي في القانون الفرنسي‪-:‬‬

‫حيددددددث شددددددهد القددددددانون الفرنسددددددي اعترافددددددا بددددددالبلوك تشددددددين خددددددالل سددددددنة ‪2016‬‬
‫كددددددان فددددددي مجددددددال قددددددانون الشددددددركات؛ متمددددددثال فددددددي سددددددندات الصددددددندوق‪ ،‬ومكافحددددددة‬
‫الفساد في ضوء الحياة االقتصادية المتطورة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬انظددددددر زهيييييييرة عبييييييوب ‪ :‬الحمايددددددة المدنيددددددة للمسددددددتهلك فددددددي إطددددددار المعددددددامالت االلكترونيددددددة‪،‬‬
‫رسددددددالة دكتددددددوراه‪ ،‬كليددددددة الحقددددددوق والعلددددددوم السياسددددددية‪ ،‬جامعددددددة مولددددددود معمددددددري‪ -‬تيددددددزي وزو‪،‬‬
‫‪ ،2018‬ص‪.248‬‬
‫‪)2( - Décret n° 1226-2018 du 24 décembre 2018 relatif à l’utilisation d’un‬‬

‫‪dispositif d’enregistrement électronique partagé pour la représentation et‬‬


‫‪la transmission de titres financiers et pour l’émission et la cession de‬‬
‫‪minibons.‬‬
‫‪202‬‬
‫هنددددداك مدددددن الفقددددده الفرنسدددددي مدددددن بيدددددنهم األسدددددتاذ بروندددددو دوندددددديرو مدددددن يعتبدددددر‬
‫العقدددددد الدددددذكي عقددددددا بحتدددددا وفقدددددا لمدلولددددده القدددددانوني‪ ،‬حيدددددث اعتبدددددره عقددددددا منددددددمجا‬
‫في منصة البلوك تشين(‪.)3‬‬

‫فدددددي حدددددين ذهبدددددت غالبيدددددة الفقددددده الفرنسدددددي‪ ،‬ومدددددن بيدددددنهم األسدددددتاذان كريسدددددتوف‬
‫رودا ومصددددددطفي مكددددددي؛ للتشددددددكيك فددددددي طبيعددددددة هددددددذه العقددددددود‪ ،‬معتبددددددرين أنهددددددا ال‬
‫ترقددددددي إلددددددى مرتبددددددة العقددددددد وأنهددددددا عبددددددارة عدددددد ن تكنولوجيددددددا تتجسددددددد فددددددي برنددددددامج‬
‫معلومدددداتي يرافددددق العقددددد‪ ،‬هددددذا يعنددددي أندددده ثمددددة عقددددد سددددابق تددددم إبرامدددده فددددي الشددددكل‬
‫التقليدي‪.‬‬

‫‪ ‬أما بالنسبة للقانون األمريكي‪-:‬‬

‫فهنددددداك انقسددددداما بدددددين مدددددن يعتبدددددر هدددددذه التكنولوجيدددددا عقددددددا حقيقيدددددا وبدددددين مدددددن‬
‫إنكددددر ذلددددك‪ ،‬فددددي وقددددت نجددددد فيدددده أن التشددددريع األمريكددددي ممددددثال فددددي قددددانون واليددددة‬
‫نيفددددادا اعتددددرف صددددراحة بددددأن العقددددود الذكيددددة عبددددارة عددددن عقددددود حددددين أقددددر بددددأن‪":‬‬
‫العقددددود الذكيددددة هددددي عبددددارة عددددن عقددددود مخزنددددة فددددي قالددددب محددددرر إلكترونددددي‪ ،‬وفقددددا‬
‫لما يقضي به القانون"(‪.)1‬‬

‫‪- Dans les conditions prévues à l’article 38 de la Constitution, le‬‬


‫‪Gouvernement est autorisé à prendre par voie d’ordonnance, dans un délai‬‬
‫‪de douze mois à compter de la date de promulgation de la présente loi, les‬‬
‫‪mesures relevant du domaine de la loi nécessaires pour : 1° Adapter le‬‬
‫‪droit applicable aux titres financiers et aux valeurs mobilières afin de‬‬
‫‪permettre la repré- sentation et la transmission, au moyen d’un dispositif‬‬
‫‪d’enregistrement électronique partagé, des titres financiers qui ne sont pas‬‬
‫‪admis aux opérations d’un dépositaire central ni livrés dans un système de‬‬
‫‪règlement et de livraison d’instruments financiers ».‬‬
‫‪)3(By Jonathan A. Beckham, Maria Sendra: Smart Contracts Lead the‬‬

‫‪Way to Blockchain Implementation, Thomson Reuters, September 26,‬‬


‫‪2018, p.2.‬‬
‫(‪ )1‬معميييييير بيييييين طرييييييية‪ :‬العقددددددود الذكيددددددة ال ُمدم ّجددددددة فددددددي البلددددددوك تشددددددين" أي تحددددددديات لمنظومددددددة‬
‫العقد حاليا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.480‬‬
‫‪203‬‬
‫وتدددددددم اإلقدددددددرار فدددددددي يونيددددددده ‪ 2016‬بمشدددددددروعية التعامدددددددل بالوثدددددددائق التجاريدددددددة‬
‫ال ُمدمجدددددة فدددددي البلدددددوك تشدددددين مدددددن قبدددددل حددددداكم واليدددددة فيرموندددددت‪ ،‬تددددداله بعدددددد ذلدددددك‬
‫قدددددددانون صددددددددر فدددددددي مدددددددارس ‪ ، 2017‬أقدددددددرت فيددددددده واليدددددددة أيرزوندددددددا بمشدددددددروعية‬
‫التعامدددددددل بدددددددالبلوك تشدددددددين والعقدددددددود الذكيدددددددة فدددددددي قانونهدددددددا(‪ ،)2‬حيدددددددث عددددددددل هدددددددذا‬
‫القدددددددانون أحكدددددددام قدددددددانون المعدددددددامالت التجاريدددددددة اإللكترونيدددددددة األمريكدددددددي‪ ،‬فإضدددددددافة‬
‫مادة جديدة رقم(‪ )5‬في باب التعامالت التجارية اإللكترونية(‪.)3‬‬

‫فددددددي حددددددين نجددددددد أن بعددددددض الفقدددددده األمريكددددددي يعتبددددددر أن العقددددددد الددددددذكي لدددددديس‬
‫‪Nick‬‬ ‫بالعقددددددد وفقددددددا لمعندددددداه القددددددانوني‪ ،‬بمددددددن فدددددديهم مختددددددرع هددددددذا النظددددددام (‬
‫‪ ،) Szabo‬حيدددددددث اعتبدددددددر لعقدددددددد الدددددددذكي هدددددددو عبدددددددارة عدددددددن دعامدددددددة معلوماتيدددددددة‬
‫تسعي إلى تغير المفهوم التقليدي للعقد(‪.)4‬‬

‫فدددددداألمر ي تعلددددددق بددددددإدارج االلتزامددددددات العقديددددددة ويددددددتم االتفدددددداق عليهددددددا فددددددي هددددددذا‬
‫البرندددددامج أو الدعامدددددة‪ ،‬وهدددددذا يعندددددي أن العقدددددد الدددددذكي كتكنولوجيدددددا معلوماتيدددددة هدددددو‬
‫برندددددامج يرافدددددق العقدددددد التقليددددددي وبوجدددددود حتمدددددي لشدددددروط عقديدددددة وضدددددعت مسدددددبقا‬
‫كالعقود النموذجية(‪.)5‬‬

‫‪)2(March‬‬ ‫‪of 2017. HB 2417, 53rd Leg., 1st Session (2017).‬‬


‫‪http://www.uniformlaws.org/ActSummary.‬‬
‫‪aspx?title=Electronic%20Transactions%20AcT‬‬ ‫‪(last‬‬ ‫‪visited‬‬ ‫‪on‬‬
‫‪17/03/2019).‬‬
‫‪)3(Bruno Ancel, Les smart contracts : révolution sociétale ou nouvelle‬‬

‫‪boîte de Pandore? Regard comparatiste, Communication - Commerce‬‬


‫‪Électronique - N° 7-8 - Juillet-Août, Lexisnexis, 2018, p.16.‬‬
‫‪)4(Nick Szabo: Smart Contracts: Formalizing and Securing Public‬‬

‫‪Networks, First Monday, sept. 1997, n° 9.‬‬


‫(‪ )5‬انظددددددددر تفصدددددددديال د‪ .‬أيميييييييين سييييييييعد سييييييييليم ‪ :‬العقددددددددود النموذجيددددددددة‪ ،‬دار النهضددددددددة العربيددددددددة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.45‬‬
‫‪204‬‬
‫فالعقدددددد الدددددذكي يعتمدددددد علدددددى مقاربدددددة شدددددرطية قائمدددددة علدددددى قاعددددددة (إذا تحقدددددق‬
‫هددددددذا‪ ....‬ترتددددددب إذا)‪ ،‬لددددددذا وجددددددب وضددددددع إطددددددار هددددددذه القاعدددددددة بمقتضددددددي ضددددددوابط‬
‫تضع شروط إعمالها سلفا وتنص على اآلثار القانونية الناجمة عنها‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬محل العقد الذكي‪:‬‬

‫فالعقـدددددددـد الدددددددذكي عقدددددددد اسـدددددددـتوفيت أركدددددددان العقـدددددددـد التقليـدددددددـدي فيددددددده إال أن‬
‫بعدددددض تلدددددك األركددددد ان قدددددد أخدددددذ شـدددددـكال مغدددددايرا‪ ،‬وعليـدددددـه فدددددال أرى غضاضدددددة مدددددن‬
‫أجــراء العقود والتعامالت بهــا‪.‬‬

‫فمحيييييل العقييييييد هيييييو مييييييا يثبييييييت فييييييه أثيييييير العقييييييد وأحكاميييييه‪ ،‬ولتحقيييييييق هييييييذا‬
‫الركن ضوابط معينة من بينها‪-:‬‬

‫‪ -‬قابلية محل العقد لحكمه؛ إذ يمكن تطبيق مقتضى العقد عليه‪.‬‬

‫‪ -‬أن ال يكددددددون العقددددددد ممنوعددددددا بمقتضددددددى نددددددص شددددددرعي تحددددددت طائلددددددة الددددددبطالن‪،‬‬
‫فددددددالممنوع شرعـددددددـا تحددددددت طائلددددددة البطـددددددـالن يعتبددددددر فددددددي نظددددددر الفقهـددددددـاء غددددددر‬
‫مروع من أصله‪.‬‬

‫‪ -‬وأن يسـدددددـتوفي العقدددددد شدددددرائط انعقددددداده الخاصدددددة بـدددددـه‪ ،‬مدددددن كونددددده مقددددددورا علدددددى‬
‫تسليمه‪ ،‬وكونه موجودا‪.‬‬

‫هددددددذه الشددددددروط بمجموعهددددددا تحققهددددددا مطلددددددوب فددددددي العقددددددود الذكيددددددة وهددددددو أمددددددر‬
‫ممكددددددن‪ ،‬وإن كددددددان بعضددددددها يددددددأتي بشـددددددـكلية تخددددددالف مددددددا عليددددددة العقددددددود التقليديددددددة‬
‫وكذا العقود اإللكترونية‪.‬‬

‫وهييييييذا العقييييييد الييييييذكي إلتمييييييام عملييييييية إنشـييييييـاءه البييييييد ميييييين وجييييييود عناصيييييير‬
‫تخصه هي‪-:‬‬

‫• موضوع العقد‪ :‬فيجب أن يكون للبرنامج نقطة وصول للسلع أو الخدمات بموجب‬
‫عقد يقفل ويفتح لهم تلقائيا‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫• التوقيع اإللكتروني‪ :‬يبدأ جميع المشــاركين في االتفاق عن طريق توقيع العقد عبر‬
‫مفاتيحهم الخاصة‪.‬‬

‫• شروط العقد‪ :‬شروط العقد الذكي تأخذ شكل متسلسل دقيق من العمليات‪ .‬فيجب‬
‫على جميع المشاركين التوقيع على هذه الروط‪.‬‬

‫• نظـيييييييييـام بيئـيييييييييـي ومنصييييييييية المركزيـيييييييييـة ‪ :‬يمدددددددددر العقـدددددددددـد الدددددددددذكي فدددددددددي‬


‫البلوكتشين حتى يتم توزيعها بين عقد من المنصة‪.‬‬

‫فالبددددد للعقدددددد الذكـدددددـي مددددن وجدددددود هويدددددة الطدددددرف اآلخددددر‪ ،‬وهدددددذا الـدددددـرط فدددددي‬
‫العقددددددد الددددددذكي متددددددوفر بصددددددورة أكثددددددر وضددددددوحا إذ ال بددددددد أن يكددددددون فددددددي نسـددددددـخة‬
‫العقددددددد الدددددددذكي الموجددددددود فدددددددي «البلددددددوك تشدددددددين» الهويددددددة اإللكترونيدددددددة للمرسدددددددل‪،‬‬
‫وهددددددذا أول مددددددا يجددددددب إثباتدددددده فددددددي وثيقددددددة التعاقددددددد الذكيددددددة‪ ،‬إال أن تقنيددددددة «البلددددددوك‬
‫تشـدددددـين» تجيدددددز للموقدددددع التخفدددددي بهويـدددددـة غدددددر حقيقيدددددة‪ ،‬إال أنهدددددا تمنـدددددـحا لموقدددددع‬
‫مفتاحدددددا هدددددو عبـدددددـارة عدددددن كدددددود يظهدددددر لمدددددن يتعامـدددددـل معهدددددم يعبدددددر عدددددن شخصددددده‬
‫ووجوده(‪.)1‬‬

‫وعلييييييى ذلييييييك وبشييييييكل أساسييييييي‪ ،‬هنيييييياك ثالثيييييية أجييييييزاء أساسييييييية متكامليييييية‪،‬‬


‫ويشار إليها أيضًا باسم المكونات‪ ،‬على كل عقد ذكي‪-:‬‬

‫أولهيييييييا الميييييييوقعين ‪ :‬وهمدددددددا الطرفدددددددان أو أكثدددددددر الدددددددذين يسدددددددتخدمون العقدددددددد‬


‫الدددددذكي‪ ،‬حيدددددث يتفقدددددون أو يختلفدددددون علدددددى شدددددروط االتفاقيدددددة باسدددددتخدام التوقيعدددددات‬
‫الرقمية(‪.)2‬‬

‫‪)1(Zheng‬‬ ‫‪et al: blockchain challenges and opportunities: A .survey ،Int. J.‬‬
‫‪Web and Grid Services،Vol. 14 ،No. 4.2018.‬‬
‫(‪ )2‬انظدددددددر زهييييييييرة بييييييين خضيييييييرة ‪ :‬الطبيعدددددددة القانونيدددددددة للعقدددددددد اإللكتروندددددددي‪ ،‬رسدددددددالة دكتدددددددوراه‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر(‪ ،2016/2015 ،)1‬ص‪.11‬‬
‫‪206‬‬
‫والمكييييييون الثيييييياني هييييييو موضييييييوع االتفيييييياق ‪ :‬ويمكددددددن لهددددددذا أن يكددددددون مجددددددرد‬
‫مكددددون موجددددود فددددي بيئددددة العقددددد الددددذكي‪ .‬وبدددددال مددددن ذلددددك‪ ،‬يجددددب أن يكددددون للعقددددود‬
‫ّ‬
‫للمكون‪.‬‬
‫ّس‬ ‫الذكية حق الوصول المباشر دون عوائق‬

‫وعلدددددى الدددددرغم مدددددن أن العقدددددود الذكيدددددة تمدددددت مناقشدددددتها ألول مدددددرة فدددددي عدددددام‬
‫المكدددددون المحددددددد هدددددو الدددددذي عرقدددددل تطورهدددددا‪ .‬وقدددددد تدددددم حدددددل‬
‫ّس‬ ‫‪ ،١٩٩٦‬إال أن هدددددذا‬
‫هذه المشكلة جزئيا فقط بعد ظهور أول عملة رقمية في عام ‪.٢٠٠٩‬‬

‫يييييييرا‪ ،‬يجييييييييب أن يتضييييييييمن أي عقييييييييد ذكييييييييي بنييييييييودًا محييييييييددة‪ :‬ويلددددددددزم‬


‫وأخيي ً‬
‫وصددددددف هددددددذه المصددددددطلحات بطريقددددددة رياضددددددية بالكامددددددل واسددددددتخدام لغددددددة برمجددددددة‬
‫مناسبة لبيئة العقد الذكي الخاص‪.‬‬

‫وهددددددددذا يشددددددددمل المتطلبددددددددات المتوقعددددددددة مددددددددن جميددددددددع األطددددددددراف المشدددددددداركة‬


‫وكذلك جميع القواعد والمكافآت والعقوبات المرتبطة بالشروط المذكورة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الروابط القانونية للعقود الذكية مع منظومة البلوك تشين‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫بددددددددادئ ذي بدددددددددء‪ ،‬فبجانددددددددب بعددددددددض التكنولوجيددددددددا الحديثددددددددة يواجدددددددده مجددددددددال‬


‫القددددانون اليددددوم ثددددور ة فددددي بعددددض المفدددداهيم الفنيددددة التددددي تتطلددددب رجددددل القددددانون بددددذل‬
‫جهدددددد أوفدددددر لإلحاطدددددة بجوهرهدددددا‪ ،‬وهدددددذا هدددددو حدددددال مدددددا يددددددعي ب البلدددددوك تشدددددين‬
‫والتي تعني باللغة العربية سلسلة الكتل(‪.)1‬‬

‫فتعتبددددددر العقددددددود الذكيددددددة أحددددددد االسددددددتخدامات المتطددددددورة لتكنولوجيددددددا جديدددددددة‬


‫حديثدددددة الظهدددددور تسدددددمي " البلدددددوك تشدددددين"‪ ،‬والتدددددي ُوصدددددفت مدددددن قبدددددل المختصدددددين‬

‫(‪ )1‬انظدددددر قمييييير الزميييييان حيييييافظ‪ ،‬اسيييييماء هيييييواري‪ ،‬آمنييييية سيييييمرة‪ ،‬نيييييادر بروييييييز‪ :‬سلسدددددلة الكتدددددل‬
‫والعقددددددددددددود الذكيددددددددددددة‪ ، 2018 ،‬مقددددددددددددال متدددددددددددداح علددددددددددددى الموقددددددددددددع االلكترونددددددددددددي التددددددددددددالي‪:‬‬
‫‪https://www.shamra.sy‬‬
‫‪207‬‬
‫بالتكنولوجيددددددا المتطددددددورة فددددددي تعامالتهددددددا‪ ،‬مددددددع العلددددددم أن النجدددددداح الددددددذي آلددددددت إليدددددده‬
‫العقدددددود الذكيدددددة‪ ،‬يرجدددددع الفضدددددل فيددددده إلدددددى البلدددددوك تشدددددين باعتبارهدددددا الدعامدددددة التدددددي‬
‫تحويها(‪.)2‬‬

‫وتعتبدددددر البلدددددوك تشدددددين عبدددددارة عدددددن منصدددددة تتجسدددددد فدددددي أكبدددددر سدددددجل رقمدددددي‬
‫مدددددوزع ومفتدددددوح يمكدددددن مدددددن خاللددددده تخددددد زين أكبدددددر قددددددر مدددددن المعدددددامالت بصدددددفة‬
‫مفتوحة في دفتر غير ممركز‪.‬‬

‫فأهم خصوصيات البلوك تشين هي كونه‪:‬‬

‫‪ -‬دفترا للمعامالت أو التصرفات القانونية‪.‬‬


‫‪ -‬ال يقبل التغيير أو العديل أو التحريف‪.‬‬
‫‪ -‬مفتوحا ومتاحا للجميع‪.‬‬
‫‪ -‬وينفرد بالطابع الالمركزي النفالته من رقابة أي جهاز مركزي‪.‬‬

‫وفييييييي ضييييييوء ذلييييييك‪ ،‬يمكننييييييا توضييييييي الييييييروابط القانونييييييية للعقييييييود الذكييييييية ‪،‬‬
‫من خالل التقسيم إلى مطلبين وفق التالي‪-:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الطابع التعاقدي للعقد الذكي في ظل تكنولوجيا البلوك تشين‬

‫يتددددددددأثر القددددددددانون بفعددددددددل الددددددددزمن فيصدددددددددأ ويخفددددددددت دوره(‪ .)1‬ومددددددددن شددددددددأن‬


‫اسددددددددتمرار االحتكدددددددداك بالتكنولوجيددددددددا ا لدددددددددفع إلددددددددى مراجعتدددددددده باسددددددددتمرار وإعددددددددادة‬
‫هندسددددددة المفدددددداهيم والقواعددددددد الكليددددددة والفرعيددددددة األساسددددددية مددددددع الكشددددددف المتجدددددددد‬
‫للخصائص الجوهرية الكامنة وراء أغشية الصدأ المتراكمة‪.‬‬

‫(‪ )2‬راجددددددع فددددددي مضددددددمون ذلددددددك أيهيييييياب خليفيييييية ‪ :‬البلددددددوك تشددددددين‪ ،‬الثددددددورة التكنولوجيددددددة القادمددددددة‬
‫فددددددددي عددددددددالم األعمددددددددال واإلدارة‪ ،‬أوراق أكاديميددددددددة‪ ،‬مركددددددددز المسددددددددتقبل ل بحدددددددداث والدراسددددددددات‬
‫المتقدمة‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬العدد‪ ،3‬مارس‪ ،2018‬ص‪.4‬‬
‫‪)1(Henri et Léon Mazeaud, Jean Mazeaud, François Chabas, leçons de‬‬

‫‪droit civil, sûretés, publicité foncière, tome III, 1ervolume, édition‬‬


‫‪Montchrestien, p567.‬‬
‫‪208‬‬
‫ويتعددددددددين علددددددددى فقهدددددددداء القددددددددانون أن البحددددددددث عددددددددن الجددددددددوهر أو الماهيددددددددة‬
‫األصدددددلية للمفددددداهيم والقواعدددددد الكليدددددة ليطبقهدددددا علدددددى المجدددددال الجديدددددد المترتدددددب عدددددن‬
‫التكنولوجيدددددات‪ ،‬حتدددددى يتأكدددددد مدددددن خاصددددديتها العمليدددددة وحكمتهدددددا وفائددددددتها وقددددددرتها‬
‫علدددددى التطدددددور‪ ،‬ويسدددددري هدددددذا التوجددددده علدددددى مفددددداهيم مثدددددل الشخصدددددية اإلنسدددددانية‬
‫والهويددددددددة والملكيددددددددة والحيدددددددداة الخاصددددددددة والمسددددددددئولية واألمددددددددن والعقددددددددد ومبددددددددادئ‬
‫االحتياط والتوقع واالستباق‪ ،‬والتصرفات واإلجراءات‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن هدددددددذا الموضدددددددوع‪ ،‬وان كدددددددان يبددددددددو موضدددددددوعا تقليدددددددديا تجددددددداوزه الدددددددزمن‬
‫إالّ ّ‬
‫أن أهددددددداف دراسددددددته تبقددددددى متجددددددددة بتجدددددددد نصوصدددددده‪ ،‬تهدددددددف باألسدددددداس إلددددددى‬
‫محاولددددة إبددددراز األهميددددة التددددي تحتلهددددا العقددددود الذكيددددة فددددي ضددددوء مددددا ظهددددر متددددأخرا ُ‬
‫بتطبيق البلوك تشين‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬تطبيق للعقد الذكي على منصة البلوك تشين‪:‬‬

‫فددددداذا رغدددددب شدددددخص فدددددي بيدددددع مدددددال بملكددددده فدددددأبرم مدددددع أخدددددر عقددددددا بقصدددددد‬
‫إتمددددددام البيددددددع إلددددددى الغيددددددر عددددددن طريقدددددده دون أن يكددددددون هددددددذا العقددددددد كاشددددددفا عددددددن‬
‫األسددددلوب الددددذي يددددتم بدددده نقددددل الملكيددددة‪ ،‬فهددددل تنتقددددل إلددددى الغيددددر مباشددددرة(‪ ،)2‬أم البددددد‬
‫أن تمر بذمة المتعاقد مع المالك أوال؟‬

‫(‪ )2‬ووفقددددددا للفقدددددده القددددددانوني المصددددددري المعاصددددددر‪ ،‬فددددددإن انتقددددددال المليكددددددة يكددددددون خددددددالل االلتددددددزام‬
‫بالتسددددددليم الددددددذي يجددددددب أن يكددددددون فعليددددددا وعلنيددددددا‪ ،‬وأن يكددددددون مسددددددتندا علددددددى السددددددبب الصددددددحيح؛‬
‫بمعنددددددى أن أي قددددددانوني يتضددددددمن النيددددددة المتبا دلددددددة عددددددن الناقددددددل والمكتسددددددب بالتمليددددددك والتملددددددك‪،‬‬
‫سدددددواء أكدددددان بمقابدددددل كدددددالبيع أو بددددددون مقابدددددل كالهبدددددة‪ ،‬وقدددددد يكدددددون عقددددددا‪ ،‬وقدددددد يكدددددون عمدددددال‬
‫قانونيا من جانب واحد كالوصية‪.‬‬
‫وقددددددد تطددددددور األمددددددر بعددددددد ذلددددددك؛ وأصددددددبح التسددددددليم عمددددددال مجددددددردا لنقددددددل الملكيددددددة‪ ،‬إذ أصددددددبح‬
‫التسدددددليم فدددددي العصدددددر الرقمدددددي ينقدددددل الملكيدددددة ولدددددو وقدددددع غلدددددط فدددددي صدددددحة سدددددببه أو حتدددددى فدددددي‬
‫وجددددود هددددذا السددددبب‪ ،‬بددددل حتددددى ولددددو لددددم يتوافددددق الطرفددددان علددددى طبيعددددة العمددددل القددددانوني‪ .‬راجددددع‬
‫تفصدددددديال‪ :‬د‪ .‬عبييييييد الميييييينعم البييييييدراوي‪ :‬أصددددددول القددددددانون المدددددددني المقددددددارن‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبددددددة سدددددديد‬
‫عبد هللا وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،1987 ،‬ص‪ 142‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫فتخيددددل أنددددك بحاجددددة لبيددددع منددددزل‪ .‬إنهددددا عمليددددة معقدددددة وشدددداقة إلددددى حدددد ٍد مددددا‪،‬‬
‫وتسددددددتلزم الكثيددددددر مددددددن األعمددددددال الورقيددددددة والتواصددددددل مددددددع شددددددركات وأشددددددخاص‬
‫مختلفين باإلضافة إلى مستويات عالية من المخاطر المختلفة‪.‬‬

‫لهددددددذا السددددددبب قددددددررت بعددددددض المددددددالك مددددددن بددددددائعي المنددددددازل العثددددددور علددددددى‬
‫وكيددددددل عقدددددداري ليتعامددددددل مددددددع ج ميددددددع األوراق ويقددددددوم بتسددددددويق العقددددددارات ويعمددددددل‬
‫كوسدددددديط عنددددددد بدددددددء المفاوضددددددات‪ ،‬فضددددددال عددددددن اإلشددددددراف علددددددى الصددددددفقات حتددددددى‬
‫يتم إغالقها‪.‬‬

‫وعددددددالوة علددددددى ذلددددددك‪ ،‬تددددددوفر الوكالددددددة خدمددددددة ضددددددمان‪ ،‬وهددددددي مفيدددددددة بشددددددكل‬
‫خددددداص فدددددي مثدددددل هدددددذه المعدددددامالت‪ ،‬حيدددددث أن المبدددددالغ المعنيدددددة عدددددادة مدددددا تكدددددون‬
‫كبيدددددرة جددددددا وال يمكندددددك أن تثدددددق تمامدددددا فدددددي الشدددددخص الدددددذي سدددددتتعامل معددددده‪ .‬ومدددددع‬
‫ذلددددك‪ ،‬بعدددددد الصددددفقات الناجحدددددة‪ ،‬سيشدددددترك كددددل مدددددن البدددددائع ووكددددالء المشدددددتري فدددددي‬
‫حدددددوالي سدددددبعة بالمئدددددة مدددددن سدددددعر البيدددددع كعمدددددولتهم‪ .‬وهدددددذا يمثدددددل خسدددددارة ماليددددددة‬
‫كبيرة جدا للبائع‪.‬‬

‫وهدددددذه هدددددي الحددددداالت حيدددددث يمكدددددن للعقدددددود الذكيدددددة أن تكدددددون مفيددددددة بالفعدددددل‬
‫وتحدددددث ثددددورة فددددي الصددددناعة بأكملهددددا‪ ،‬مددددع جعددددل العمليددددة أقددددل عبئددددا بكثيددددر‪ .‬ربمددددا‬
‫األهم من ذلك‪ ،‬أنها ستحل مشكلة الثقة‪.‬‬

‫ثدددددم بعدددددد ذلدددددك تطدددددور الوضدددددع أكثدددددر فأصدددددبح التسدددددليم مجدددددردا تمامدددددا عدددددن سدددددببه‪ ،‬بمعندددددي أنددددده‬
‫يددددددؤدي إلددددددى انتقددددددال الملكيددددددة ولددددددو لددددددم يسددددددتند إلددددددى أي عمددددددل قددددددانوني علددددددى اإلطددددددالق طالمددددددا‬
‫تددددوافرت النيددددة المتبادلددددة فددددي التمليددددك والتملددددك؛ فوجددددود هددددذه النيددددة ذاتدددده هددددو السددددبب الصددددحيح‬
‫الددددددذي يسددددددتند إليدددددده التسددددددليم‪ .‬انظددددددر فددددددي مضددددددمون ذلددددددك أيضددددددا‪ :‬د‪ .‬أشييييييرف جييييييابر السيييييييد‪:‬‬
‫اإلصدددددددالح التشدددددددريعي الفرنسدددددددي لنظريدددددددة العقدددددددد" صدددددددنيعة قضدددددددائية وصدددددددياغة تشدددددددريعية"‪،‬‬
‫بحدددددددث منشدددددددور بدددددددالمؤتمر السدددددددنوي الرابدددددددع بعندددددددوان" القدددددددانون أداة لإلصدددددددالح والتطدددددددوير"‪-9‬‬
‫و‪10‬مددددددددايو‪ ، 2017‬مجلددددددددة كليددددددددة القددددددددانون الكويتيددددددددة العالميددددددددة‪ ،‬ملحددددددددق خدددددددداص‪ ،‬العدددددددددد‪،2‬‬
‫الجزء‪ ،2‬الكويت‪ ،‬نوفمير‪ ،2017‬ص‪300‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫وتعمدددددددل العقدددددددود الذكيدددددددة علدددددددى مبددددددددأ "إذا ‪ -‬فدددددددإن"‪ ،‬ممدددددددا يعندددددددي أن ملكيدددددددة‬
‫المنددددزل سددددتُنقل إلددددى المشددددتري فقددددط عندددددما يددددتم إرسددددال المبلددددغ المتفددددق عليدددده إلددددى‬
‫النظام ‪.‬‬

‫كمدددددا أنهدددددا تعمدددددل كخددددددمات ضدددددمان ‪ ،‬ممدددددا يعندددددي أنددددده سددددديتم تخدددددزين المدددددال‬
‫وحددددددق الملكيددددددة فددددددي النظددددددام وتوزيعهددددددا علددددددى األطددددددراف المشدددددداركة فددددددي نفددددددس‬
‫الوقت بالضبط‪.‬‬

‫وعدددددالوة علدددددى ذلدددددك‪ ،‬تدددددتم الشدددددهادة علدددددى الصدددددفقة والتحقدددددق منهدددددا مدددددن قبدددددل‬
‫المئات من األشخاص‪ ،‬لذلك يتم ضمان تسليم خا ٍل من األخطاء‪.‬‬

‫وبمدددددا أن الثقدددددة بدددددين األطدددددراف لدددددم تعدددددد مشدددددكلة‪ ،‬فلددددديس هنددددداك حاجدددددة إلدددددى‬
‫وسددددديط‪ .‬حيدددددث يمكدددددن برمجدددددة جميدددددع الوظدددددائف التدددددي يقدددددوم الوكيدددددل العقددددداري فدددددي‬
‫عقدددد ٍد ذكددددي‪ ،‬مددددع تزويددددد كددددل مددددن البددددائع والمشددددتري بمبددددالغ كبيددددرة مددددن المددددال فددددي‬
‫نفس الوقت‪.‬‬

‫وهددددددذا مجددددددرد مثددددددال واحددددددد علددددددى االسددددددتخدامات المحتملددددددة للعقددددددود الذكيددددددة‪.‬‬


‫فهدددددددي قدددددددادرة علدددددددى تسدددددددهيل تبدددددددادل األمدددددددوال والممتلكدددددددات وأي شددددددديء آخدددددددر ذي‬
‫قيمددددددة‪ ،‬ممددددددا يضددددددمن الشددددددفافية الكاملددددددة‪ ،‬وتجنددددددب الخدددددددمات والتكدددددداليف المصدددددداحبة‬
‫للوسطاء‪ ،‬إلى جانب القضاء على مسألة الثقة بين الطرفين‪.‬‬

‫ويتضددددددمن كددددددود أي عقددددددد ذكددددددي محدددددددد جميددددددع الشددددددروط واألحكددددددام المتفددددددق‬


‫عليهدددددا مدددددن قبدددددل األطدددددراف‪ ،‬ويدددددتم تسدددددجيل المعلومدددددات المتعلقدددددة بالمعاملدددددة نفسدددددها‬
‫في البلوك تشين‪ ،‬وهو دفتر حسابات عام موزعة ال مركزي‪.‬‬

‫ومددددددن نافلددددددة القددددددول أن القاعدددددددة التددددددي تحكددددددم التصددددددرفات القانونيددددددة النتقددددددال‬


‫الملكيدددددة أو غيرهدددددا مدددددن الحقدددددوق العينيدددددة الدددددواردة علدددددى منقدددددول بالدددددذات مملددددددوك‬
‫للبددددددائع‪ ،‬سددددددواء فيمددددددا بدددددددين المتعاقدددددددين أو بالنسددددددبة للغيدددددددر‪ ،‬هددددددي قاعدددددددة انتقدددددددال‬
‫‪211‬‬
‫المليكدددددة بمجدددددرد العقدددددد(‪ . )1‬ولدددددذلك فقدددددد كدددددان يكفدددددى النعقددددداد البيدددددع مجدددددرد توافدددددق‬
‫اإليجاب والقبول على المبيع والثمن‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬ذاتية العقود الذكية لتطبيق البلوك تشين‪:‬‬

‫فالعقود الذكية تعتبر تطبيق لتحقيق التنفيذ الذاتي للعقد‪:‬‬

‫فالعقدددددددد الدددددددذكي وفدددددددق هدددددددذا المضدددددددمون ع بدددددددارة عدددددددن برندددددددامج معلومددددددداتي‬


‫يسدددددددعي إلدددددددى تنفيدددددددذ العقدددددددد بطريقدددددددة ذاتيدددددددة أوتوماتيكيدددددددة‪ ،‬دون تددددددددخل أو توسدددددددط‬
‫الغيددددر‪ ،‬وهددددذا مددددا يدددددعٍ قددددديما َ بمصددددطلح اآلليددددة‪ ،‬إال أن الجديددددد الددددذي أتددددى بدددده العقددددد‬
‫الذكي‪ ،‬وهو برنامج المعلومات(‪.)2‬‬

‫بمعندددددددي هدددددددو توظيدددددددف لتكنولوجيدددددددا البلدددددددوك تشدددددددين خدمدددددددة لهدددددددذا العقدددددددد؛‬


‫بغددددددددرض وضدددددددد ع اتفاقددددددددات تسددددددددمح ل شددددددددخاص الددددددددذين ال تددددددددربطهم أي عالقددددددددة‬
‫ائتمانية بإبرام التصرفات بصفة آمنة‪ ،‬دون حاجة لالئتمان لدى الغير‪.‬‬

‫فددددددالعقود الذكيددددددة تعتمددددددد علددددددى البلددددددوك تشددددددين بشددددددكل أساسددددددي كآلددددددة توزيددددددع‬
‫شدددددداملة لتشددددددغيل بددددددرامج معلوماتيددددددة فددددددي غايددددددة الصددددددعوبة والتعقيددددددد‪ ،‬فددددددإذا كانددددددت‬
‫العددددادة قددددد جددددرت أن تددددت م كثيددددر مددددن العقددددود بددددين األطددددراف بتسددددهيل طددددرف ثالددددث‬
‫بدددددين العاقددددددين‪ ،‬وجدددددرت العدددددادة أيضدددددا أن تكدددددون لدددددذلك الطدددددرف الثالدددددث عمولدددددة‬
‫أو أجدددددر مقابدددددل خدمتددددده وجهدددددده(‪ ، )1‬فدددددإن هدددددذه العقدددددود تقدددددوم علدددددى االسـدددددـتغناء عدددددن‬

‫(‪ )1‬راجدددددع تفصددددديال عبيييييد اليييييرزاق السييييينهوري ‪ :‬الوسددددديط فدددددي شدددددرح القدددددانوني المددددددني‪ ،‬الجدددددزء‬
‫الرابدددددع‪ :‬الملكيدددددة‪ ،‬طبعدددددة خاصدددددة تصددددددر عدددددن مشدددددروع مكتبدددددة القاضدددددي بندددددادي قضددددداة مجلدددددس‬
‫الدولددددددة وفقددددددا ألحدددددددث المسددددددتجدات التشددددددريعية والقضددددددائية والفقهيددددددة‪ ،‬تنقدددددديح م‪ .‬أحمييييييد مييييييدحت‬
‫المراغي‪ ،2004،‬بند ‪ ،252‬ص‪.772‬‬
‫(‪ )2‬معميييييير بيييييين طرييييييية‪ :‬العقددددددود الذكيددددددة ال ُمدم ّجددددددة فددددددي البلددددددوك تشددددددين" أي تحددددددديات لمنظومددددددة‬
‫العقد حاليا"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.482‬‬
‫(‪ )1‬راجددددددددع تفصدددددددديال د‪ .‬قطييييييييب مصييييييييطفي سييييييييانو ‪ :‬العقددددددددود الذكيددددددددة فددددددددي ضددددددددوء األصددددددددول‬
‫والمقاصددددددد والمددددددآالت" رؤيددددددة تحليليددددددة"‪ ،‬مددددددؤتمر مجمددددددع الفقدددددده االسددددددالمي الدددددددولي‪ ،‬الدددددددورة‬
‫الرابعة والعشرون‪ ،‬دبي‪ ،2019 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪212‬‬
‫ذلدددددك الطدددددرف الثالدددددث مدددددن خدددددالل االكتفددددداء ببرندددددامج حاسـدددددـوبي قدددددادر علدددددى أداء‬
‫تلدددددك الخدمدددددة ال تدددددي كدددددان يفتدددددرض أن يقدددددوم بهدددددا الطدددددرف الثالدددددث‪ .‬ممدددددا يترتدددددب‬
‫عليه تخفيض تكاليف إتمام العقود عن كاهل المتعاقدين‪.‬‬

‫العقود الذكية ومنصة اإليثريوم‪:‬‬

‫ويمكدددددددن تعريدددددددف اإليثريدددددددوم بأنددددددده عبدددددددارة عدددددددن منصدددددددة تتددددددديح لمسدددددددتعمليها‬


‫إمكانيدددددة إنشددددداء تطبيقددددداتهم الخاصدددددة علدددددى جهددددداز كمبيدددددوتر مشدددددترك تدددددؤول ملكيتددددده‬
‫للجميددددع عبددددر العددددالم‪ ،‬بحيددددث يددددتم االعتمدددداد علددددى هددددذا التطبيددددق لتحقيددددق خاصدددديات‬
‫اإلرسال والتخزين واستعمال العقود الذكية(‪.)2‬‬

‫ويعددددددود الفضددددددل فددددددي تشددددددغيل أولددددددى العقددددددود الذكيددددددة إلددددددى منصددددددة اإليثريددددددوم‬
‫وكدددددددان ذلدددددددك عدددددددام‪ ، 2015‬هدددددددذا مدددددددا دل علدددددددى حداثدددددددة ظهدددددددور هدددددددذه التقنيدددددددة‬
‫الجديدة(‪.)3‬‬

‫مدددددع العلدددددم أن النمدددددوذج األكثدددددر شددددديوعا َ للعقدددددود الذكيدددددة علدددددى هدددددذه المنصدددددة‪،‬‬
‫يددددتم فددددي إطددددار عقددددد أصددددلي يُلحددددق بالعقددددد الددددذكي‪ ،‬بغددددرض أتمتددددة بعددددض مراحددددل‬
‫المسار التعاقدي‪ ،‬ويتم تشغيله وفقا للشروط المتضمنة في العقد األصلي‪.‬‬

‫وعلددددى ذلددددك تقددددوم منصددددة البلددددوك تشددددين بلعددددب دور الوسدددديط لتوثيددددق المعددددامالت‬
‫المبرمددددة بحلولهددددا محددددل الوسددددطاء التقليددددديين‪ ،‬كددددالبنوك فددددي إطددددار عمليددددات تحويددددل‬
‫األمدددوال‪ ،‬أو إدارة الشدددهر العقددداري فدددي تسدددجيل الممتلكدددات‪ ،‬ومحدددل إدارات المدددرور فدددي‬
‫تسددددجيل السددددديارات‪ ،‬ومحددددل السماسدددددرة فدددددي عمليددددات البيدددددع واإليجددددار‪ ،‬وحتدددددى مقدددددام‬
‫الوسددددطاء اإللكتددددرونيين كموقددددع اوبددددر أو غيرهددددا فددددي تقددددديم الخدددددمات‪ ،‬وذلددددك لصددددالح‬

‫‪)2(Mustapha‬‬ ‫‪Mekki, Le contrat, objet des smart contracts (Partie 1), Dalloz‬‬
‫‪IP/IT 2018 p.410.‬‬
‫‪)3(Mustapha Mekki, Les mystères de la blockchain, Recueil Dalloz, 2017,‬‬

‫‪p.2163.‬‬
‫‪213‬‬
‫وسدددديط حددددديث يتمثددددل فددددي المسددددتعملين المتواجدددددين فددددي مختلددددف بقدددداع العددددالم‪ ،‬الددددذين‬
‫يستخدمون السلسلة ويستفيدون من العائد المادي الذي كان يجنيه الوسيط التقليدي‪.‬‬

‫العقد الذكي كنظام لتقوية إنفاذ الجزاءات التعاقدية‪:‬‬

‫ولعدددل مدددن أهدددم الوظدددائف التدددي مدددن الممكدددن إناطتهدددا بالعقدددد الدددذكي‪ ،‬مهمدددة البحدددث‬
‫علدددى تطبيدددق الجدددزاء فدددي مجدددال اإلخدددالل ببندددود العقدددد مدددن أحدددد المتعاقددددين‪ ،‬كمدددا اعتبدددر‬
‫الفقددده الفرنسدددي أن القدددانون المددددني الفرنسدددي بدددات أكثدددر مدددن أي وقدددت مضدددي‪ ،‬جددداهزا‬
‫لتقلددددي العقددددود الذكيددددة وتوظيفهددددا تنفيددددذا لجددددزاء انعدددددام العقددددد؛ فددددي حالددددة وجددددود عقددددود‬
‫مترابطددددة فيمددددا بينهددددا بحيددددث يرتددددب زوال أحددددد هددددذه العقددددود انعدددددام أثددددر جددددل العقددددود‬
‫األخرى(‪.)1‬‬

‫وسائل عمل العقد الذكي على منصة البلوك تشين‪:‬‬

‫‪ -‬تدددوافر عملدددة رقميدددة‪ :‬تعمدددل العقدددود الذكيدددة إلدددى حددد ٍد كبيدددر مثدددل آالت البيدددع‪ .‬فأندددت‬
‫تضدددع مبلغدددا مطلوبدددا مدددن العملدددة الرقميدددة فدددي العقدددد الدددذكي‪ ،‬ثدددم يوضدددع حسددداب الضدددمان‬
‫أو حدد ق ملكيددة المنددزل أو رخصددة القيددادة أو أي شدديء آخددر فددي حسددابك‪ .‬وال يددتم تحديددد‬
‫جميددع القواعددد والعقوبددات مسددبقا فحسددب مددن قبددل العقددود الذكيددة‪ ،‬بددل يددتم إنفاذهددا أيضددا‬
‫من قبلها(‪.)2‬‬

‫‪)1(Art.‬‬ ‫‪1186 c. civ. Fr : « Un contrat valablement formé devient caduc si‬‬


‫‪l’un de ses éléments essentiels disparaît. Lorsque l’exécution de plusieurs‬‬
‫‪contrats est nécessaire à la réalisation d’une même opération et que l’un‬‬
‫‪d’eux disparaît, sont caducs les contrats dont l’exécution est rendue‬‬
‫‪impossible par cette disparition et ceux pour lesquels l’exécution du contrat‬‬
‫‪disparu était une condition déterminante du consentement d’une partie».‬‬
‫انظر د‪ .‬أشرف جابر السيد‪ :‬اإلصالح التشريعي الفرنسي لنظرية العقد" صنيعة قضائية وصياغة‬
‫تشريعية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.305‬‬
‫(‪ )2‬راجددددددع تفصدددددديال د‪ .‬غسييييييان سييييييالم الطالييييييب ‪ :‬العمددددددالت الرقميددددددة وعالقتهددددددا بددددددالعقود الذكيددددددة‪،‬‬
‫مدددددددؤتمر مجمددددددددع الفقددددددده االسددددددددالمي الددددددددولي‪ ،‬الدددددددددورة الرابعدددددددة والعشددددددددرون‪ ،‬دبددددددددي‪،2019 ،‬‬
‫ص‪.105‬‬
‫‪214‬‬
‫‪ -‬التددرابط‪ :‬يمكددن للعقددد الددذكي أن يعمددل مددن تلقدداء نفسدده‪ ،‬ولكددن يمكددن تطبيقدده جنبددا إلددى‬
‫جندددب مدددع أي عدددد ٍد مدددن ال عقدددود الذكيدددة األخدددرى‪ .‬ويمكدددن إعددددادها بطريقدددة تعتمدددد فيهدددا‬
‫على بعضها البعض‪.‬‬
‫علددى سددبيل المثددال‪ ،‬يمكددن أن يددؤدي إكمددال عقددد ذكددي محدددد بنجدداح إلددى بدددء تشددغيل عقددد‬
‫آخدددر‪ ،‬وهكدددذا‪ .‬ونظريدددا‪ ،‬يمكدددن ل نظمدددة والمؤسسدددات الكاملدددة أن تعمدددل بالكامدددل علدددى‬
‫العقدددود الذكيددددة‪ .‬وإلددددى حدددد ٍد مددددا‪ ،‬يددددتم تنفيددددذ ذلددددك بالفعددددل فددددي أنظمددددة العمددددالت الرقميددددة‬
‫المختلفددة‪ ،‬حيددث يددتم تحديددد جميددع القددوانين مسددبقا وبسددبب ذلددك‪ ،‬يمكددن للشددبكة نفسددها أن‬
‫تعمل بشكل مستقل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬فلسفة العقود الذكية مع البيانات الشخصية‬

‫لقددددددد أخددددددذت العقـددددددـود الذكيددددددة بعدددددددا أعمددددددق عندددددددما اقترنددددددت بالالمركزيددددددة‬


‫‪(block‬حيدددددث كاندددددت تعدددددرف سـدددددـابقا‬ ‫التدددددي توفرهدددددا سلسـدددددـلة الكتدددددل (‪chain‬‬
‫بأنهدددددددا مجموعدددددددة مدددددددن األوامدددددددر البرمجيدددددددة التدددددددي تنفدددددددذ نفسـدددددددـها بنفسـدددددددـها وفقدددددددا‬
‫لمجموعدددددة مدددددن التعليمدددددات وضدددددعها مؤسدددددس البرندددددامج‪ ،‬وهدددددذ يقودندددددا إلدددددى القدددددول‬
‫بددددددأن للعقددددددود الذكيـددددددـة تطبيقددددددات هائلددددددة جدددددددا قددددددد تددددددؤدي إلددددددى كددددددم هائددددددل مددددددن‬
‫التغييدددددرات فدددددي العديدددددد مدددددن منظمدددددات األعمدددددال‪ ،‬وتحديددددددا تلدددددك التدددددي تعتمدددددد علدددددى‬
‫الوســاطة لتنفيذ أعمالها بمختلف أنواعها‪.‬‬

‫فالعقـددددددـود الذكيددددددة هددددددي إذا عبددددددارة عددددددن العقددددددود التددددددي تخضددددددع لمجموعددددددة‬
‫مددددددن القواعددددددد ومعددددددايير محددددددددة يددددددتم تنفيددددددذها مددددددن خددددددالل برمجتهددددددا المسددددددبقة وال‬
‫تحتددددداج إلدددددى أي وسـدددددـيط‪ ،‬أي دون تددددددخل طدددددرف ثالدددددث‪ ،‬بمعنـدددددـى هدددددي تفاهمدددددات‬
‫إلكترونية مكتوبة باســتخدام رمز إلكتروني بواسطة الحاســوب‪.‬‬

‫كمددددددا يمكددددددن اعتبارهددددددا مجموعددددددة مددددددن التعليمددددددات تددددددتم برمجتهددددددا إلكترونيددددددا‬


‫وبتقنيدددددة متقدمدددددة كمدددددا هدددددو الحدددددال فدددددي تقنيدددددة البلدددددوك تشدددددين‪ ،‬وهدددددي مبندددددي علدددددى‬

‫‪215‬‬
‫أسددددددداس خوارزميدددددددات رياضدددددددية‪ ،‬ويتضددددددددمن كدددددددل المعلومدددددددات حدددددددول حقددددددددوق و‬
‫واجبدددددددات األطدددددددراف‪ ،‬بمعندددددددى هدددددددي عبدددددددارة عدددددددن ملفدددددددات مشدددددددفرة بشدددددددكل آمدددددددن‬
‫ومخزندددددددة كدددددددذلك بشدددددددكل آمدددددددن سدددددددواء ضدددددددمن األقدددددددراص الخاصدددددددة للتخدددددددزين أو‬
‫جهدددددداز الحاسـددددددـوب‪ ،‬وهددددددذا اكثددددددر أمانددددددا مددددددن الملفددددددات الورقيددددددة التددددددي قددددددد تكددددددون‬
‫عرضدددددة للضدددددياع أو التلدددددف مدددددع الدددددزمن‪ ،‬ممدددددا يسـدددددـاعد منظمدددددات األعمدددددال علدددددى‬
‫المحافظة على البيانات الخاصة بها بشكل يسهل سرعة الوصول إليها‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬مرتكز الخصوصية للبيانات الشخصية‪:‬‬

‫حيدددددددددث سـدددددددددـاهمت ثدددددددددورة تكنولوجيـدددددددددـا المعلومدددددددددات واالتصـدددددددددـاالت فدددددددددي‬


‫تطدددددددوير نظـدددددددـم جديددددددددة للمعدددددددامالت وحفدددددددظ البياندددددددات والتـدددددددـصرف بهدددددددا ماليدددددددة‬
‫وغيددددددددر ماليددددددددة فددددددددي منظمددددددددات األعمددددددددال خاصددددددددة فددددددددي المؤسسـددددددددـات الماليـددددددددـة‬
‫المصددددددرفية وغيددددددر المصددددددرفية‪ ،‬والتددددددي سـددددددـاهمت كددددددذلك فددددددي تطددددددوير وسـددددددـائط‬
‫ومعدددددددامالت التجدددددددارة اإللكترونيدددددددة التدددددددي توسدددددددعت بشـدددددددـكل كبيدددددددر مندددددددذ بددددددددايات‬
‫القدددددرن العشدددددرين خاصدددددة فدددددي موضدددددوع المعدددددامالت التدددددي تدددددتم إلكترونيدددددا والتدددددي‬
‫تســمى بالعقــود الذكية‪.‬‬

‫وعلدددددى ذلدددددك لمدددددا سدددددبق‪ ،‬تدددددم طدددددرح وسدددددائل مددددددفوعات بوسـدددددـائل متطدددددورة‬
‫وحديثدددددة‪ ،‬حيدددددث يدددددتم يوميدددددا وعلدددددى مسـدددددـتوى العدددددالم تدددددداول مئـدددددـات الماليدددددين مدددددن‬
‫العمددددددالت اإللكترونيددددددة بواسـددددددـطة العقددددددود الذكيـددددددـة‪ ،‬خاصددددددة مددددددع بددددددروز ظدددددداهرة‬
‫العمـددددددـالت االفتراضددددددية أو الرقميددددددة مثددددددل عملددددددة البتكددددددوين‪ ،‬العملددددددة االفتراضيـددددددـة‬
‫(البتكددددددوين ‪ )Bitcoin‬والتددددددي هددددددي مددددددن أكثـددددددـر العمددددددالت االفتراضددددددية انتشـددددددـارا‬
‫وقبددددددددوال‪ ،‬كذلـددددددددـك عملددددددددة « األثيريددددددددوم ‪ »Ethereum‬والتددددددددي تعتبددددددددر أهددددددددم‬
‫منصة لتنظيم وتنفيذ العقود الذكية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬انظددددددددر ميييييييياهر الحلييييييييواني ‪ :‬الكتددددددددل المتسلسـددددددددـلة‪ ،‬العمددددددددات المشـددددددددـفرة والقددددددددانون المددددددددالي‬
‫الددددددددولي‪ :‬دراسـدددددددـة تحليليدددددددة أكاديميدددددددة علدددددددى مثدددددددال البتكدددددددوين والعمدددددددات الرقميدددددددة‪ .‬مؤسسـدددددددـة‬
‫االيثيريوم‪ :‬سويسرا‪ ،2018 ،‬ص‪.71‬‬
‫‪216‬‬
‫ولحمايددددددة البيانددددددات الشخصددددددية‪ ،‬كمددددددا هددددددو معلددددددوم‪ ،‬دور حاسددددددم فددددددي بندددددداء‬
‫بيئدددددددة مؤاتيدددددددة‪ ،‬لتدددددددأمين سدددددددالمة العقدددددددود الذكيدددددددة‪ ،‬ودعدددددددم اسدددددددتقراره‪ ،‬الن أمدددددددن‬
‫البيانات‪ ،‬جزء من األمن السيبراني‪.‬‬

‫وعليددددددده‪ ،‬فدددددددان هدددددددذه الحمايدددددددة تددددددددعم بنددددددداء الثقدددددددة‪ ،‬وتسددددددداهم فدددددددي تشدددددددجيع‬
‫التجدددددددددارة والخددددددددددمات اإللكترونيدددددددددة‪ ،‬ويتوقدددددددددف جدددددددددزء كبيدددددددددر مدددددددددن مسدددددددددتقبل‬
‫التكنولوجيدددددا مدددددن أجدددددل الصدددددالح العدددددام علدددددى البياندددددات الجيددددددة‪ .‬والبياندددددات أساسدددددية‬
‫لفهدددددم المشددددداكل واآلثدددددار المحتملدددددة لالبتكدددددار القدددددائم علدددددى التكنولوجيدددددا‪ ،‬سدددددواء مدددددن‬
‫أجدددددل الخوارزميدددددات التدددددي تسدددددتند إلدددددى منصدددددة البلدددددوك تشدددددين أو مدددددن أجدددددل تندددددوير‬
‫السياسات عامة(‪.)2‬‬

‫ويشددددددكل اعتمدددددداد إطددددددار قددددددان وني وتنظيمددددددي‪ ،‬لحمايددددددة البيانددددددات الشخصددددددية‪،‬‬


‫بشددددددكل خدددددداص‪ ،‬وسدددددديلة لتحقيددددددق االنسددددددجام‪ ،‬مددددددع توجهددددددات المنظمددددددات والهيئددددددات‬
‫الدوليددددددة‪ ،‬كمنظمددددددة التعدددددداون االقتصددددددادي والتنميددددددة‪ ،‬واالتحدددددداد األوروبددددددي‪ ،‬اللددددددذين‬
‫أصدددددددددرا عددددددددددا مددددددددن التوجيهددددددددات‪ ،‬واإلرشددددددددادات‪ ،‬والقددددددددرارات‪ ،‬حددددددددول مبددددددددادئ‬
‫حماية البيانات الشخصية‪.‬‬

‫ففددددددددي ظدددددددد ل العولمددددددددة‪ ،‬وسددددددددهولة الحصددددددددول علددددددددى البيانددددددددات وتددددددددداولها‪،‬‬


‫تتضددددددداعف أهميدددددددة إرسددددددداء نظدددددددام فاعدددددددل للحمايدددددددة‪ ،‬وفدددددددرض إجدددددددراءات قانونيدددددددة‬
‫صدددددددددارمة‪ ،‬ضدددددددددد إسددددددددداءة اسدددددددددتخدام البياندددددددددات الشخصدددددددددية‪ ،‬واالعتدددددددددداء علدددددددددى‬
‫الخصوصدددددية‪ .‬وال بدددددد مدددددن االلتدددددزام بتطبيدددددق ومواكبدددددة أرقدددددى المعدددددايير‪ ،‬فدددددي هدددددذا‬
‫المجدددددال‪ ،‬حفاظدددددا علدددددى إمكاندددددات و فدددددرص اإلفدددددادة‪ ،‬ممدددددا يمكدددددن أن تقدمددددده التقنيدددددات‬

‫(‪ )2‬راجدددددددع فدددددددي ذلدددددددك د‪ .‬منيييييييي االشيييييييقر جبيييييييور‪ ،‬ود‪ .‬محميييييييود جبيييييييور‪ :‬البياندددددددات الشخصدددددددية‬
‫والقدددددددوانين العربيدددددددة" الهددددددد ّم األمندددددددي وحقدددددددوق األفدددددددراد"‪ ،‬ط‪ ،1‬أبحددددددداث ودراسدددددددات‪ ،‬المركدددددددز‬
‫العربدددددددي للبحددددددددوث القانونيددددددددة والقضدددددددائية‪ ،‬مجلددددددددس وزراء العدددددددددل العدددددددرب‪ ،‬جامعددددددددة الدددددددددول‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،2018 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪217‬‬
‫الحديثدددددددة فدددددددي معالجدددددددة البياندددددددات‪ ،‬سدددددددواء علدددددددى مسدددددددتوى تطدددددددوير االقتصددددددداد‪ ،‬أو‬
‫على مستوى اإلنماء االجتماعي والثقافي‪.‬‬

‫والن االنسددددددجام علددددددى المسددددددتوى القددددددانوني‪ ،‬حاجددددددة ملحددددددة فددددددي المواجهددددددة‪،‬‬


‫كدددددان ال بدددددد مدددددن التركيدددددز علدددددى فلسدددددفة العقدددددود الذكيدددددة لحمايدددددة البياندددددات الشخصدددددية‬
‫لجميع المتعاملين مع منصة البلوك تشين وغيرها من اآلليات الحديثة‪.‬‬

‫فقددددددد بددددددات واضددددددحا اليددددددوم‪ ،‬إن البيانددددددات الشخصددددددية‪ ،‬هددددددي عصددددددب شددددددديد‬
‫األهميدددددة فدددددي االقتصددددداد الرقمدددددي‪ ،‬وفدددددي التنميدددددة‪ .‬فهدددددي التدددددي تغدددددذي االبتكدددددار فدددددي‬
‫معظدددددددم القطاعدددددددات الصدددددددناعية‪ ،‬والتجاريدددددددة‪ ،‬والخدماتيدددددددة‪ .‬كمدددددددا تسددددددداهم عمليدددددددات‬
‫معالجتهدددددددا‪ ،‬فدددددددي تحسدددددددين األداء واإلنتاجيدددددددة‪ ،‬فدددددددي قطاعدددددددات الدولدددددددة كافدددددددة‪ ،‬بمدددددددا‬
‫يسددددداعد علدددددى التصددددددي للتحدددددديات‪ ،‬المتعلقدددددة بدددددإدارة شدددددؤون األجهدددددزة الحكوميدددددة‪،‬‬
‫والمددددددواطنين‪ ،‬والمشدددددداكل المتصددددددلة بصددددددحة اإلنسددددددان‪ ،‬وسددددددالمة البيئددددددة‪ ،‬ومحاربددددددة‬
‫العديد من معوقات التنمية‪ ،‬وتطوير الموارد البشرية‪.‬‬

‫أثبتددددد ت التقنيدددددة‪ ،‬عددددددم قددددددرتها علدددددى حمايدددددة ذاتهدددددا‪ ،‬إذ يددددددرك الجميدددددع اليدددددوم‪،‬‬
‫أن مدددددددا مدددددددن مؤسسدددددددة‪ ،‬أو منظمدددددددة‪ ،‬فدددددددي مندددددددأى عدددددددن االختراقدددددددات‪ ،‬ومخددددددداطر‬
‫انكشددددددداف‪ ،‬مدددددددا لدددددددديها مدددددددن بياندددددددات شخصدددددددية‪ ،‬مهمدددددددا كبدددددددرت‪ ،‬وبلغدددددددت جديدددددددة‬
‫احتياطاتها األمنية‪ ،‬التقنية منها‪ ،‬والمادية(‪.)1‬‬

‫فالتهديددددددددات مسدددددددتمرة‪ ،‬ومتغيدددددددرة‪ ،‬والالعبددددددد ون مدددددددن حكومدددددددات وأفدددددددراد‪ ،‬ال‬


‫ينفكدددددون يتمرسدددددون فدددددي أسددددداليب االختدددددراق‪ ،‬واالعتدددددداء علدددددى األنظمدددددة‪ ،‬حتدددددى مدددددا‬

‫‪)1(Protection‬‬ ‫‪des données personnelles :quand l'Europe inspire le‬‬


‫‪monde‬‬
‫‪https://www.lesechos.fr/tech-medias/hightech/0301706311320-‬‬
‫‪protection-des-donnees-personnelles-quandleurope-inspire-le-monde-‬‬
‫‪2178705.php.‬‬
‫‪218‬‬
‫اعتمددددددد منهددددددا علددددددى نظددددددام حمايددددددة الطبقددددددات المتعددددددددة‪ .‬فدددددداألمن الكامددددددل‪ ،‬غيددددددر‬
‫ممكدددددددن‪ ،‬ومروحدددددددة األضدددددددرار‪ ،‬التدددددددي يمكدددددددن أن تندددددددتج عدددددددن معالجدددددددة البياندددددددات‪،‬‬
‫واستخدامها بشكل خاطئ‪ ،‬في اتساع متواصل‪.‬‬

‫وإذا كددددددان ال بددددددد مددددددن التفريددددددق‪ ،‬بددددددين حمايددددددة البيانددددددات الشخصددددددية والحددددددق‬
‫فدددددددي الخصوصدددددددية‪ ،‬نقدددددددول أن الخصوصدددددددية تعندددددددي‪ ،‬بشدددددددكل أساسدددددددي‪ ،‬المحافظدددددددة‬
‫علددددددى السددددددرية‪ ،‬ومنددددددع التدددددددخل‪ ،‬فددددددي مددددددا يعتبددددددر حميميددددددة الشددددددخص‪ ،‬وأسددددددراره‪،‬‬
‫عبدددددر حمايدددددة بعدددددض البياندددددات الشخصدددددية‪ ،‬بشدددددكل يمندددددع انتشدددددار المعلومدددددات التدددددي‬
‫تكشدددددف الحيددددداة الخاصدددددة‪ ،‬أو تعرضدددددها لالنكشددددداف‪ .‬وعليددددده‪ ،‬هنالدددددك اعتدددددداء علدددددى‬
‫الخصوصدددددية‪ ،‬سدددددواء تعلدددددق األمدددددر‪ ،‬بكشدددددف سدددددر دفدددددين‪ ،‬وإيصددددداله إلدددددي اآلخدددددرين‪،‬‬
‫أم بمراقبددددددة ورصددددددد تحركددددددات‪ ،‬لددددددم يقترنددددددا بكشددددددف أسددددددرار‪ ،‬أو بنشددددددر معلومددددددات‬
‫حساسة(‪.)1‬‬

‫فالضدددددددرر واقدددددددع فدددددددي الحدددددددالتين‪ :‬إذ يندددددددتج عدددددددن كشدددددددف المعلومدددددددات‪ ،‬فدددددددي‬
‫الحالددددددة األولددددددى‪ ،‬وعددددددن كددددددون ا لشددددددخص‪ ،‬وضددددددع تحددددددت المراقبددددددة‪ ،‬فددددددي الحالددددددة‬
‫الثانيددددددددة‪ .‬وتتمثددددددددل الجوانددددددددب القانونيددددددددة‪ ،‬لالعتددددددددداء علددددددددى الخصوصددددددددية‪ ،‬عبددددددددر‬
‫اسدددددتخدام البياندددددات الشخصدددددية‪ ،‬بطريقدددددة غيدددددر قانونيدددددة‪ ،‬فدددددي عددددددد مدددددن الجدددددرائم‪،‬‬
‫واألعمدددددددال غيدددددددر القانونيدددددددة‪ ،‬التدددددددي يمارسدددددددها األفدددددددراد‪ ،‬أو الجهدددددددات الحكوميدددددددة‪،‬‬
‫ومنهدددددددا‪ :‬التنصدددددددت‪ ،‬واالبتدددددددزاز‪ ،‬واخ تدددددددراق أنظمدددددددة المعلومدددددددات‪ ،‬والوصدددددددول إلدددددددي‬

‫(‪ )1‬جييييييياء فيييييييي دسيييييييتور مصييييييير‪ 2014‬والمعيييييييدل عيييييييام ‪ :2019‬ميييييييادة(‪ )45‬لحيددددددداة المدددددددواطنين‬
‫الخاصددددددة حرمددددددة يحميهددددددا القددددددانون‪ .‬وللمراسددددددالت البريديددددددة والبرقيددددددة والمحادثددددددات التليفونيددددددة‬
‫وغيرهددددددددا مددددددددن وسددددددددائل االتصددددددددال حرمددددددددة وسددددددددريتها مكفولددددددددة‪ ،‬وال تجددددددددوز مصددددددددادرتها أو‬
‫االطدددددالع عليهدددددا أو رقابتهدددددا إال بدددددأمر قضدددددائي مسدددددبب ولمددددددة محدددددددة ووفقدددددا ألحكدددددام القدددددانون‪.‬‬
‫أمييييييا نييييييص المييييييادة( ‪ )57‬كددددددل اعتددددددداء علددددددى الحريددددددة الشخصددددددية أو حرمددددددة الحيدددددداة الخاصددددددة‬
‫للمدددددددواطنين وغيرهدددددددا مدددددددن الحقدددددددوق والحريدددددددات العامدددددددة التدددددددي يكفلهدددددددا الدسدددددددتور والقدددددددانون‬
‫جريمدددددددة ال تسدددددددقط الددددددددعوى الجنائيدددددددة وال المدنيدددددددة ا لناشدددددددئة عنهدددددددا بالتقدددددددادم‪ ،‬وتكفدددددددل الدولدددددددة‬
‫تعويضا عادال لمن وقع عليه االعتداء‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫األسدددددددرار المهنيدددددددة والتجاريدددددددة‪ ،‬إضدددددددافة إلدددددددى الرصدددددددد غيدددددددر المشدددددددروع لحركدددددددة‬
‫األشدددددددددخاص واألمدددددددددوال‪ ،‬مدددددددددن قبدددددددددل األجهدددددددددزة الحكوميدددددددددة‪ ،‬وتكدددددددددوين ملفدددددددددات‬
‫معلومات‪ ،‬دون سبب قانوني‪ ،‬والتمييز العنصري‪ ،‬والعقائدي‪ ،‬والديني(‪.)2‬‬

‫مدددددددن هندددددددا‪ ،‬يعتبدددددددر اإلقدددددددرار بحمايدددددددة البياندددددددات الشخصدددددددية‪ ،‬إقدددددددرارا بحدددددددق‬


‫المدددددواطن‪ ،‬فدددددي الحفددددداظ علدددددى خصوصددددديته‪ ،‬مدددددن جهدددددة أولدددددى‪ ،‬كمدددددا يعندددددي إقدددددرارا‬
‫بحددددددق الدولددددددة‪ ،‬فددددددي االطددددددالع علددددددى هددددددذه البيانددددددات‪ ،‬ومعالجتهددددددا‪ ،‬ضددددددمن أطددددددر‬
‫قانونيددددددة وتنظيميددددددة محددددددددة وواضددددددحة‪ ،‬بمددددددا يسددددددمح للسددددددلطات المختصددددددة‪ ،‬بمنددددددع‬
‫وقددددددوع أعمددددددال مخلددددددة بدددددداألمن والنظددددددام‪ ،‬أو بمالحقددددددة ومعاقبددددددة مرتكبيهددددددا‪ ،‬مددددددن‬
‫جهة ثانية‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬المخاطر التي تهدد األمن القانوني ووسائل المعالجة‪:‬‬

‫يهددددددف مبددددددأ األمدددددن القدددددانوني إلدددددى حمايدددددة المجتمدددددع مدددددن اآلثدددددار السدددددلبية‬
‫الناشدددددددئة عدددددددن تنفيدددددددذ القدددددددانون أو صددددددددوره(‪ ، )3‬ال سددددددديما عددددددددم االنسدددددددجام مدددددددع‬
‫مقتضددددددددديات المجتمدددددددددع‪ ،‬أو تعقدددددددددد القدددددددددوانين واألنظمدددددددددة الحاكمدددددددددة‪ ،‬أو تعدددددددددديلها‬
‫المتكرر‪ ،‬بما يخلف ذلك من انعدام ل من القانوني‪.‬‬

‫ويتعيييييين لقييييييام المبيييييدأ متطلبيييييات فيييييي القيييييانون حتيييييى ييييييتم تكيييييريس األمييييين‬
‫القيييييييانوني لحمايييييييية المجتميييييييع عليييييييى أرض الواقيييييييع ومييييييين أهيييييييم هيييييييذه األحكيييييييام‬
‫الواجب توافرها في القانون هي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬الحرص على مبدأ المساواة‪ ،‬من خالل تطبيق العدالة التعاقدية‪.‬‬

‫(‪ )2‬راجدددددددع تفصددددددديال د‪ .‬حسيييييييين أحميييييييد مقيييييييداد ‪ :‬الحريدددددددات الرقميدددددددة " بدددددددين حداثدددددددة المفهدددددددوم‬
‫وتقدمية الدستور"‪ ،‬دارسة تأصيلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2017 ،‬ص‪.17‬‬
‫‪)3(Jean-Guy Huglo: La Cour de cassation et le principe de la sécurité‬‬

‫‪juridique. http://www.conseil-constitutionnel.fr/cahiers‬‬ ‫‪Consulté le‬‬


‫‪5/2/2019.‬‬
‫‪220‬‬
‫‪ -‬وضددددددوح القاعدددددددة القانونيددددددة‪ ،‬مددددددن خددددددالل نشددددددر القددددددانون ومعرفددددددة األفددددددراد‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ -‬سهولة فهم القاعدة القانونية واستيعابها من قبل المخاطبين بها‪.‬‬
‫‪ -‬استقرار المراكز القانونية للمتعاقدين‪.‬‬
‫‪ -‬سددددددهولة الولددددددوج إلددددددى القددددددانون والمحكمددددددة‪ ،‬مددددددن خددددددالل محاكمددددددة منصددددددفة‬
‫ل طراف‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق مبدأ الشفافية لحماية المجتمع من االضطرابات القانونية‪.‬‬
‫وعلدددددى هدددددذا‪ ،‬فدددددإن األمدددددن القدددددانوني يتطلدددددب مناخدددددا قانونيدددددا سدددددليما‪ ،‬بددددددءا مدددددن‬
‫جدددددودة إعدددددداد وتحريدددددر القاعددددددة القانونيدددددة إلدددددى تطبيقهدددددا وتنفيدددددذها علدددددى الوجددددده‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫كمدددددا يتعدددددين أن يتوافدددددق األمدددددن القدددددانوني مدددددع حاجدددددة أخدددددري هدددددي مواكبدددددة‬
‫التحدددددددوالت التدددددددي يعرفهدددددددا المجتمدددددددع المعاصدددددددر‪ ،‬فددددددداألمن القدددددددانوني ال يمندددددددع‬
‫التحدددددددول‪ ،‬ولكدددددددن عندددددددد االقتضددددددداء‪ ،‬يتعدددددددين اتخددددددداذ إجدددددددراءات إعدددددددالم وقدددددددائي‬
‫وتدابير انتقالية تضمن توفير األمن القانوني(‪. )1‬‬

‫وتترصييييييد بيييييياألمن القييييييانوني جمليييييية ميييييين المعوقييييييات التييييييي يمكيييييين أن تييييييؤثر‬


‫عليييييى المبيييييدأ‪ ،‬بميييييا تشييييييعه مييييين شيييييك وارتبييييياب فيييييي نظيييييام قيييييانوني معيييييين‪ ،‬بشيييييكل‬
‫ينتشر معه انعدام األمن القانوني ويتجلى ذلك بالخصوص في التالي‪:‬‬

‫‪ ‬تضخم التشريعات‪ ،‬التي تصدر وتطبيق بدون علم أفراد المجتمع‪.‬‬


‫‪ ‬التعقيد المبالغ فيه للقواعد القانونية‪.‬‬

‫‪)1(Bertrand‬‬ ‫‪Mathieu: Le principe de sécurité juridique, Études réunies.‬‬


‫‪http://www.conseilconstitutionnel Consulté le 5/2/2019.‬‬
‫‪221‬‬
‫‪ ‬عدم جودة النصوص والغموض في فهم نص القانون‪.‬‬
‫‪ ‬عدم تضمن القاعدة لقواعد معيارية موضوعية للتطبيق‪.‬‬
‫‪ ‬رجعية القوانين بما يحلق الضرر بمراكز تعاقدية سابقة‪.‬‬
‫‪ ‬خددددددرق مبدددددددأ المسدددددداواة أمددددددام القددددددانون‪ ،‬وشدددددديوع كثددددددرة المنازعددددددات فددددددي‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫لدددددذلك‪ ،‬ونظدددددرا لالنعكاسدددددات السدددددلبية لهدددددذه المظددددداهر علدددددى مبددددددأ األمدددددن القدددددانوني‪،‬‬
‫يددددددتم اللجددددددوء إلددددددى تقيدددددديم مخدددددداطر عدددددددم األمدددددد ن القددددددانوني‪ ،‬ووضددددددع مجموعددددددات‬
‫وفددددددرق عمددددددل خاصددددددة بتقنيددددددة وتقنددددددين القددددددوانين مددددددن أجددددددل تقيدددددديم أداء النصددددددوص‬
‫القانونية في الواقع العملي من أجل حماية المجتمع(‪.)2‬‬

‫خـــاتــمــة الــبــحــث‬

‫وممدددددددا ال شـدددددددـك فيددددددده أن العقدددددددود الذكيدددددددة وتقنيدددددددة البلدددددددوك تشدددددددين تعتـدددددددـبر‬


‫بمثابدددددة ثدددددورة فدددددي مجدددددال التكنولوجيـدددددـا الرقميدددددة‪ ،‬فهدددددي تحقدددددق اإلنجددددداز السددددددريع‬
‫والكفـدددددـاءة العاليدددددة وااللتـدددددـزام الكامدددددل بتنفيدددددذ شدددددروط العقـدددددـد قبدددددل االنتقدددددال إلدددددى‬
‫مرحلـددددددـة أخددددددرى مدددددددن العقـددددددـد أو إلدددددددى عقددددددد آخددددددر يعتمدددددددد علددددددى تنفيـدددددددـذ األول‬
‫وأحيانددددا يضدددداف عامددددل الددددزمن مـددددـن ضددددمن شددددروط التنفيددددذ‪ ،‬فهددددي أيضددددا تتصددددف‬
‫بالعدالة والموازنــة في تنفيذ شروط العقد بين المتعاقدين‪.‬‬

‫فددددددالعقود الذكيددددددة هددددددي عقـددددددـود تعمددددددل علددددددى تخزيـددددددـن البيانددددددات واألمددددددوال‬


‫‪ block‬وتوزيعهدددددا علدددددى‬ ‫وحقـدددددـوق الملكيدددددة فدددددي نظدددددام البلدددددوك تشدددددين ‪chain‬‬
‫جميع األطراف المتعاقدة في نفس الوقت‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظدددددر د‪.‬أحميييييد عبيييييد الكيييييريم سيييييالمة ‪ :‬فدددددن وضدددددع التشدددددريع بدددددين التقليدددددد والتجديدددددد‪ ،‬مجلدددددة‬
‫حقوق حلوان‪ ،‬ع‪ ،27‬يوليو‪ -‬ديسمبر‪ ،2012‬ص‪.13‬‬
‫‪222‬‬
‫فتعتبددددددر العقددددددود الذكيددددددة حديثددددددة االسددددددتخدام لددددددذلك فددددددإن تجربددددددة الممارسددددددة‬
‫مدددددن قبدددددل العددددداملين بهدددددا قليلدددددة جددددددا لدددددذلك لدددددم تبدددددرز مميزاتهدددددا وسدددددلبياتها بشدددددكل‬
‫واضدددددح‪ .‬مـدددددـا زال هنددددداك لدددددبس حـدددددـول طبيعدددددة عمدددددل العقـدددددـود الذكيدددددة لدددددذلك مدددددن‬
‫الصددددددعب الحكددددددم عليهددددددا مددددددن خددددددالل اللجددددددوء إلددددددى النظريددددددة العامددددددة لاللتزامددددددات؛‬
‫وأن كنددددت أؤيددددد فكددددرة أن العقددددد الددددذكي يعتبددددر طبيعتدددده مددددن نددددوع خدددداص لمددددا فيهددددا‬
‫خصوصية ومحل عقد مستقل عن جميع العقود االخرى‪.‬‬

‫ومن أهم توصيات البحث‪-:‬‬

‫‪ ‬االسددددددتفادة مددددددن تجددددددارب العقددددددود الذكيددددددة وتطبيقاتهددددددا التددددددي انتشددددددرت بشددددددكل‬


‫كبير في الدول المتقدمة‪.‬‬
‫‪ ‬نشددددددر الددددددوعي والتسددددددويق حددددددول آليددددددة عمددددددل العقددددددود الذكيددددددة‪ ،‬لكددددددي يددددددتمكن‬
‫األشخاص من العمل بها بطريقة صحيحة‪.‬‬
‫‪ ‬وضع إطار قانوني لنظام العقود الذكية في ضوء منصة البلوك تشين‪.‬‬
‫‪ ‬وضددددددع ضددددددوابط قانونيددددددة لحمايددددددة خصوصددددددية البيانددددددات الشخصددددددية للمتعدددددداملين‬
‫مع منظومة العقود الذكية التي تمر عبر منصة البلوك تشين‪.‬‬
‫‪ ‬ضدددددرورة التريددددددث فددددددي إجدددددازة اسددددددتخدام العقددددددود الذكيدددددة حتددددددى ينشددددددئ قددددددانون‬
‫موحدددددد عربدددددي أو ل كدددددل دولدددددة لوجدددددود عوائدددددق شدددددرعية وقانونيدددددة وتقنيدددددة فدددددي‬
‫بعض البلدان العربية‬

‫‪223‬‬
‫قـــائــمــة المــصــادر والمراجع‬

‫‪ .1‬د‪.‬أحميييييد عبيييييد الكيييييريم سيييييالمة ‪ :‬فدددددن وضدددددع التشدددددريع بدددددين التقليدددددد والتجديدددددد‪ ،‬مجلدددددة حقدددددوق‬
‫حلوان‪ ،‬ع‪ ،27‬يوليو‪ -‬ديسمبر‪.2012‬‬
‫‪ .2‬د‪ .‬أيمن سعد سليم‪ :‬العقود النموذجية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2013 ،‬‬
‫‪ .3‬د‪ .‬أيمن محمد سيد م صطفي‪ :‬النظام القانوني للبث الف ضائي عبر األقمار ال صناعية" درا سة مقارنة"‪،‬‬
‫مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.2020 ،‬‬
‫‪ .4‬أيهاب خليفة ‪ :‬البلوك تشدددددددين‪ ،‬الثورة التكنولوجية القادمة في عالم األعمال واإلدارة‪ ،‬أوراق أكاديمية‪،‬‬
‫مركز المستقبل ل بحاث والدراسات المتقدمة‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬العدد‪ ،3‬مارس‪.2018‬‬
‫‪ .5‬د‪ .‬أشييييييييرف جييييييييابر السيييييييييد ‪ :‬اإلصددددددددالح التشددددددددريعي الفرنسددددددددي لنظريددددددددة العقددددددددد" صددددددددنيعة‬
‫قضددددددددائية وصددددددددياغة تشددددددددريعية"‪ ،‬بحددددددددث منشددددددددور بددددددددالمؤتمر السددددددددنوي الرابددددددددع بعنددددددددوان"‬
‫القدددددددانون أداة لإلصدددددددالح والتطدددددددوير"‪-9‬و‪10‬مدددددددايو‪ ، 2017‬مجلدددددددة كليدددددددة القدددددددانون الكويتيدددددددة‬
‫العالمية‪ ،‬ملحق خاص‪ ،‬العدد‪ ،2‬الجزء‪ ،2‬الكويت‪ ،‬نوفمير‪.2017‬‬
‫‪ .6‬د‪ .‬حسييييييين أحمييييييد مقييييييداد ‪ :‬الحريددددددات الرقميددددددة " بددددددين حداثددددددة المفهددددددوم وتقدميددددددة الدسددددددتور"‪،‬‬
‫دارسة تأصيلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪.2017 ،‬‬
‫‪ .7‬د‪ .‬رانييييييا صيييييبحي محميييييد عيييييزب ‪ :‬العقدددددود الرقميدددددة فدددددي قدددددانون االنترندددددت" دراسدددددة تحليليدددددة‬
‫مقارندددددددددة فدددددددددي الفقددددددددده والتشدددددددددريعات العربيدددددددددة واألمريكيدددددددددة واألوربيدددددددددة"‪ ،‬دار الجامعدددددددددة‬
‫الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪.2012 ،‬‬
‫‪ .8‬د‪ .‬محمد حسام لطفي‪ :‬المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض‪ ،‬دار النهضة العربية‪.1995 ،‬‬
‫‪ .9‬د‪.‬محمييييييد سييييييعد محمييييييد الييييييرمالوي ‪ :‬التعاقددددددد بالوسددددددائل المسددددددتحدثة فددددددي الفقدددددده اإلسددددددالمي‪،‬‬
‫دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2007 ،‬‬
‫‪ .10‬ماهر الحلواني ‪ :‬الكتل المتسلســلة‪ ،‬العمات المشــفرة والقانون المالي الدولي‪ :‬دراســة تحليلية أكاديمية‬
‫على مثال البتكوين والعمات الرقمية‪ .‬مؤسســة االيثيريوم‪ :‬سويسرا‪.2018 ،‬‬
‫‪ .11‬د‪ .‬منييييييي االشييييييقر جبييييييور‪ ،‬ود‪ .‬محمييييييود جبيييييييور ‪ :‬البيانددددددات الشخصددددددية والقددددددوانين العربيدددددددة"‬
‫الهددددددد ّم األمندددددددي وحقدددددددوق األفدددددددراد"‪ ،‬ط‪ ، 1‬أبحددددددداث ودراسدددددددات‪ ،‬المركدددددددز العربدددددددي للبحدددددددوث‬
‫القانونيددددددة والقضددددددائية‪ ،‬مجلددددددس وزراء العدددددددل العددددددرب‪ ،‬جامعددددددة الدددددددول العربيددددددة‪ ،‬بيددددددروت‪،‬‬
‫لبنان‪.2018 ،‬‬

‫‪224‬‬
‫‪ .12‬معميييييير بيييييين طرييييييية‪ :‬العقددددددود الذكيددددددة ال ُمدم ّجددددددة فددددددي البلددددددوك تشددددددين" أي تحددددددديات لمنظومددددددة‬
‫العقددددددد حاليددددددا"‪ ،‬العدددددددد‪ ، 4‬مجلددددددة كليددددددة القددددددانون الكويتيددددددة العالميددددددة‪ ،‬الجددددددزء األول‪ ،‬رمضددددددان‬
‫‪1440‬هــ‪ /‬مايو‪2019‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬د‪ .‬غسييييييان سييييييالم الطالب‪ :‬العمالت الرقمية وعالقتها بالعقود الذكية‪ ،‬مؤتمر مجمع الفقه االسددددددالمي‬
‫الدولي‪ ،‬الدورة الرابعة والعشرون‪ ،‬دبي‪. 2019 ،‬‬
‫‪ .14‬د‪ .‬عبيييييد الميييييينعم البييييييدراوي ‪ :‬أصددددددول القددددددانون المدددددددني المقددددددارن‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبددددددة سدددددديد عبددددددد هللا‬
‫وهبة‪ ،‬القاهرة‪.1987 ،‬‬
‫‪ .15‬عبد الرزاق السيييينهوري ‪ :‬الوسدددديط في شددددرح القانوني المدني‪ ،‬الجزء الرابع‪ :‬الملكية‪ ،‬طبعة خاصددددة‬
‫تصددددر عن مشدددروع مكتبة القاضدددي بنادي قضددداة مجلس الدولة وفقا ألحدث المسدددتجدات التشدددريعية‬
‫والقضائية والفقهية‪ ،‬تنقيح م‪ .‬أحمد مدحت المراغي‪.2004،‬‬
‫‪ .16‬د‪ .‬عبيييييييد العزييييييييز المرسيييييييي حميييييييود ‪ :‬الجوانددددددددب القانونيدددددددة لمرحلدددددددة التفددددددداوض ذو الطددددددددابع‬
‫التعاقدي‪ ،‬د‪.‬ن ‪.2005 ،‬‬
‫‪ .17‬د‪ .‬عمر ال ُجميلي‪ :‬العقود الذكية ‪ Smart Contracts‬واقعها وعالقتها بالعمالت االفتراضية‪ ،‬مؤتمر‬
‫مجمع الفقه االسالمي الدولي‪ ،‬الدورة الرابعة والعشرون‪ ،‬دبي‪.2019 ،‬‬
‫‪ .18‬زهيرة عبوب ‪ :‬الحماية المدنية للمسدددددددتهلك في إطار المعامالت االلكترونية‪ ،‬رسدددددددالة دكتوراه‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة مولود معمري‪ -‬تيزي وزو‪.2018 ،‬‬
‫‪ .19‬زهييييييييرة بييييييين خضيييييييرة ‪ :‬الطبيعدددددددة القانونيدددددددة للعقدددددددد اإللكتروندددددددي‪ ،‬رسدددددددالة دكتدددددددوراه‪ ،‬كليدددددددة‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر(‪.2016/2015 ،)1‬‬
‫‪ .20‬د‪ .‬قطييييييب مصييييييطفي سييييييانو ‪ :‬العقددددددود الذكيددددددة فددددددي ضددددددوء األصددددددول والمقاصددددددد والمددددددآالت"‬
‫رؤيددددددة تحليليددددددة"‪ ،‬مددددددؤتمر مجمددددددع الفقدددددده االسددددددالمي الدددددددولي‪ ،‬الدددددددورة الرابعددددددة والعشددددددرون‪،‬‬
‫دبي‪.2019 ،‬‬
‫‪1. Angelov, Samuil, Grefen, paul: An Analysis of the B2B E-Contracting‬‬
‫‪Domain paradigms and Required Technology, Technische Universiteit‬‬
‫‪Eindhoven,2003.‬‬
‫‪2- ttps://www.ethereum.org/ Fairfield, J. Smart contracts, Bitcoin bots, .2‬‬
‫‪and consumer protection, Washington and Lee Law Review Online‬‬
‫‪2014.‬‬

‫‪225‬‬
3. Steve Omohundro: Michał Zając “Cryptocurrencies, Smart Contracts,
and Artificial Intelligence”, AI MATTERS, VOLUME 1, ISSUE2,
Stanford.
4. MURRAY,ANDREW D: Entering lnto Contracts Electronically, The
Real W.W.W,ilian and Waelde,Charlotte, eds Law and the interner; a
framework for electronic commerce. Hae publishing, Oxford, UK,pp.17-
36,2000.
5. YES PICOD, HÈ LÈ NE DAVO: Droit de la consommation, Armand
colin, Dalloz, paris, 2005.
6. Henri et Léon Mazeaud, Jean Mazeaud, François Chabas, leçons
de droit civil, sûretés, publicité foncière, tome III, 1ervolume, édition
Montchrestien.
7. By Jonathan A. Beckham, Maria Sendra: Smart Contracts Lead the
Way to Blockchain Implementation, Thomson Reuters, September 26,
2018, p.2.
8. March of 2017. HB 2417, 53rd Leg., 1st Session 2017 .
http://www.uniformlaws.org/ActSummary.
9. Mustapha Mekki: Le contrat, objet des smart contracts (Partie 1), Dalloz
IP/IT 2018.
10. Mustapha Mekki: Les mystères de la blockchain, Recueil
Dalloz, 2017.
11. Protection des données personnelles :quand l'Europe inspire le
mondehttps://www.lesechos.fr/tech-medias/hightech/0301706311320-
protection-des-donnees-personnelles-quandleurope-inspire-le-monde-
2178705.php
12. aspx?title=Electronic%20Transactions%20AcT (last visited on
17/03/2019).

226
13. Jean-Guy Huglo: La Cour de cassation et le principe de la sécurité
juridique. http://www.conseil-constitutionnel.fr/cahiers Consulté le
5/2/2019.
14. Bertrand Mathieu: Le principe de sécurité juridique, Études réunies.
http://www.conseilconstitutionnel Consulté le 5/2/2019.
15. Bruno Ancel, Les smart contracts : révolution sociétale ou nouvelle
boîte de Pandore? Regard comparatiste, Communication - Commerce
Électronique - N° 7-8 - Juillet-Août, Lexisnexis, 2018.
16. Nick Szabo: Smart Contracts: Formalizing and Securing Public
Networks, First Monday, sept. 1997, n° 9.
17. Zheng et al: blockchain challenges and opportunities: A .survey ،Int. J.
Web and Grid Services،Vol. 14 ،No. 4.2018.

‫ مقال‬،2018 ،‫ سددلسددلة الكتل والعقود الذكية‬:‫ نادر برويز‬،‫ آمنة سييمرة‬،‫ اسييماء هواري‬،‫قمر الزمان حافظ‬
https://www.shamra.sy :‫متاح على الموقع االلكتروني التالي‬

‫ بشأن "تحديث القانون التجاري الدولي لدعم االبتكار والتنمية المستدامة" الذي عقد في‬:‫مؤتمر األونسيترال‬
‫ ووقائعه متاحة‬،‫ بمناسددبة االحتفال بالذكرى الخمسددين ل ونسدديترال‬،‫في فيينا‬٢٠١٧ ‫يوليه‬/‫تموز‬٤-٦ ‫الفترة‬
:‫على الموقع االلكتروني التالي‬

https://uncitral.un.org/ar/commission

:‫ متاح الموقع االلكتروني التالي‬،Smart Contracts by Jake Frankenfeld :‫زاكي فرانكين فيلد‬
www.invesopedia.com

www.compliance.techtarget.com :‫موقع كونبليانس تيلي تشرز‬

www.ar.cryptonews.com :‫موقع كريبتو نيــوز‬

www.ar.cryptonews.com :‫موقع ويكييبديا‬

227
228
‫وجيَا سس ْل سسلَ سة ال ُكت َ سل (البُلُوك تشَين)‬
‫تس ْكنُولُ ْ‬
‫َاص‬
‫ي س الخ س ّ‬ ‫فسي القَانُ س‬
‫ون ال َّد ْو سل ّ‬
‫َحقَا سئ ُق َو ْم ْقت َ َر َح ٌ‬
‫ات‬
‫‪Blockchain Technology‬‬
‫‪in Private International Law:‬‬
‫‪Facts and Proposals‬‬

‫الدكتورة هايدي عيسى حسن علي حسن‬

‫أستاذ القانون الدولي الخاص بكلية الحقوق ‪ -‬جامعة القاهرة‬

‫‪229‬‬
230
‫المقدمة‬
‫فنظمه‪ ،‬وخلق اإلنسان‬ ‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬خلق الخلق من عدم‪ ،‬وخلق الكون َّ‬
‫وعلَّمه‪ ،‬وصالة وسالما عليك يا من بُ سعثْتَ رحمة للعالمين‪ ،‬خير الخلق سيدنا محمد بن عبد‬
‫ساني * يَ ْفقَ ُهوا قَ ْولي"‪.‬‬ ‫صدْري* َويَس ْر لي أ َ ْمري* َواحْ لُ ْل ُ‬
‫ع ْق َدةً من ل َ‬ ‫"رب اش َْرحْ لي َ‬
‫هللا‪َ ،‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬تكنولوجيا البلوك تشين‪ -‬اختصاص قضائي‪ -‬قانون واجب‬
‫التطبيق‪ -‬حكم أجنبي‪ -‬قانون التشفير ‪ -Lex Cryptographia‬فض منازعات‪ -‬تطبيقات‬
‫واقعية‪.‬‬

‫أوال ً‪ -‬إطاللة على موضوع الدراسة وأهميته‪:‬‬

‫ل َّما كانت تقنية البلوك تشين في أ َ س ّ‬


‫مس الحاجة إلى البيئة القانونية الداعمة لوجودها على‬
‫أرض الواقع؛ َّ‬
‫فإن أول ما سترتطم به هذه التقنية ‪ -‬المولودة من رحم البيئة االفتراضية ‪ -‬حال‬
‫انخراط معامالتها في واقعنا العملي ‪ -‬هو افتقاد معرفة أطرافها بالجهة التي يُتداعى أمامها‬
‫سّ‬
‫المنظم لها بداءة؟‬ ‫بالمنازعات ذات الصلة بهذه التقنية؟ وبماهية النص القانوني‬

‫أخص ركائز مبدأ اليقين القانوني الذي ال يؤكد فقط‬


‫سّ‬ ‫وهو شأن يتعارض ‪ -‬بال شك ‪ -‬مع‬
‫على مجرد أهمية العلم بالقاعدة القانونية‪ ،‬بل يؤكد كذلك على وجوب أن تت َّم صياغة هذه‬
‫القاعدة بشكل واضح؛ وعلى النحو الذي يكفل التحديد الدقيق لماهيته(‪.)225‬‬

‫وهنا استبان الدور األصيل للقانون الدولي الخاص‪ ،‬الذي جاء ساعيا لتنظيم ما يتصل‬
‫بتكنولوجيا البلوك تشين إذا ما ُوضعت هذه التقنية في ميزانه؛ سواء بالنسبة للقانون الواجب‬
‫التطبيق‪ ،‬أو بالنسبة لالختصاص القضائي‪ ،‬أو حتى لالعتراف وتنفيذ األحكام األجنبية ذات‬
‫الصلة(‪ ،)226‬وذلك في إطار نظري افتراضي امتزج بالعملية والواقعية‪.‬‬

‫(‪ )225‬د‪ .‬مصطفى محمد محمود عبد الكريم‪ ،‬اتفاقية مكافحة الفساد‪ :‬نفاذ وتطبيق اتفاقية مكافحة الفساد في القانون‬
‫الداخلي وأثرها في مكافحة الفاسدين واسترداد األموال‪ ،‬دار الفكر والقانون‪ ،‬المنصورة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪،‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪.69‬‬
‫(‪ )226‬تعويال على المفهوم الموسع للقانون الدولي الخاص‪ ،‬في تفصيل ذلك انظر‪ :‬د‪ .‬هشام صادق‪ ،‬د‪ .‬حفيظة الحداد‪،‬‬
‫الموجز في القانون الدولي الخاص‪ :‬تنازع القوانين‪ -‬تنازع االختصاص القضائي‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2019 ،‬ص‪.333 ،4‬‬
‫‪231‬‬
‫َّ‬
‫وألن القانون مرآة تعكس ما يدور داخل المجتمع؛ فهناك ضرورة‪ ،‬بل لزوم‪ ،‬لخوض‬
‫غمار فكرة البحث في ضوء المعطيات التي ت َقدَّم بيانها؛ وألنه من المعلوم أن هذه التقنية‬
‫االفتراضية تحيا في فضاء الشبكة العنكبوتية الرحب؛ فقد عضَّد ذلك السؤال ‪-‬عن موقف‬
‫القانون الدولي الخاص منها‪ -‬كونها قد تصدَّرت قائمة المسائل التي شهدت لغطا وأثارت جدال‬
‫عالميًّا؛ بوصفها أحد أوجه التكنولوجيا التي تسعى ألن تحظى لنفسها بمكانة كبيرة في حاضرنا‬
‫ومستقبلنا‪ ،‬فإذا ما أُريد لهذه التقنية ‪-‬أو حتى لغيرها‪ -‬البقاء القويم فال بديل عن وجود النص‬
‫سّ‬
‫المنظم لمعامالتها والمتفق مع طبيعتها(‪.)227‬‬ ‫القانوني‬

‫وليس من قبيل المبالغة القول بأن موضوع البحث هو أحد أهم موضوعات الساعة؛‬
‫وال غرو أن يأتي التساؤل عن ماهية أبعاد تقنية البلوك تشين من زاوية القانون الدولي الخاص‬
‫تحديدا‪ ،‬بعدما تلقفت أيدي فقهاء القانون تقنية البلوك تشين بالبحث والتأصيل من المنظور‬
‫القانوني في عمومه‪ ،‬و سبتنا بحاجة إلى بيان موقف هذا الفرع من فروع القانون الذي تلوح‬
‫أهميته تحديدا منها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ -‬إشكاليات الدراسة‪:‬‬

‫تُنبئ نصوص القانون الدولي الخاص التقليدية بأنها ال تتالءم مع أخص خصائص تقنية‬
‫البلوك تشين؛ كطبيعتها االفتراضية الالمركزية المرتبة لصعوبة تحديد موقع مادي ملموس‬
‫صها‪.‬‬
‫يخ ُّ‬
‫ومن هذا المنطلق فللدراسة إشكاليات عدَّة في مقدمتها‪ :‬انتفاء التقنيات المنظمة للمسألة‬
‫مح َّل البحث‪ ،‬في ظل تعاظم انتشارها وتو ُّ‬
‫غل أبعادها‪ ،‬وبالنظر إلى أن هذه التقنية ال يمكن‬
‫تقييدها بنطاق جغرافي معين ‪-‬فهو شأن تأباه طبيعتها‪ -‬ويستلزم كذلك تعاونا دوليًّا فعاال‪.‬‬

‫(‪ )227‬في هذا المعنى؛ انظر‪:‬‬


‫‪The Blockchain (R)evolution – The Swiss Perspective, Issued by Deloitte Company,‬‬
‫‪US, Feb, 2017, p. 23.‬‬
‫‪See at,‬‬
‫‪https://www2.deloitte.com/content/dam/Deloitte/ch/Documents/innovation/ch-en-‬‬
‫‪innovation-blockchain-revolution.pdf Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫‪232‬‬
‫واإلشكالية الثانية ‪-‬وترتيبا على اإلشكالية األولى‪ -‬هي‪ :‬تعزيز معطيات تقنية البلوك‬
‫تشين الحالية من فقدان اليقين القانوني‪ ،‬وكذا القدرة على التنبؤ به‪.‬‬

‫واإلشكالية الثالثة هي‪ :‬نقص الوعي المجتمعي بالجوانب اإليجابية‪ ،‬وكذا السلبية‬
‫المرافقة لهذه التقنية‪ ،‬وبخاصة في ظ سّل ما تُحدثه هذه التقنية من تداعيات اجتماعية ج َّمة بستنا‬
‫نشعر بها(‪.)228‬‬

‫ثالثًا‪ -‬نطاق الدراسة‪:‬‬

‫لقد فرض وضع تقنية البلوك تشين في ميزان القانون الدولي الخاص حتمية التطرق‬
‫إلى بعض المسائل التي ال يتأتَّى لبناء كان هذا جوهره أن يكتمل بدونها؛ وهي تساؤالت‬
‫منطقية خرجت من رحم واقعنا العملي ومن ث َ َّم سيسعى البحث لإلجابة عنها؛ ومنها‪:‬‬

‫‪ -‬على أي أساس تقوم تقنية البلوك تشين؟ وما دواعي الحاجة إليها؟ وهل من تطبيقات‬
‫عملية تُع س ّ‬
‫ضد إيجابية تفعيلها على أرض الواقع؟‬
‫كاستهاللة موجزة يُخاض بعدها في صميم غمار ما حمله البحث من موضوعات‪،‬‬
‫ومن ثم الرد على األسئلة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ما المحكمة المختصة بنظر منازعات المتعاملين بتقنية البلوك تشين؟ وما مواقف‬
‫االتفاقيات الدولية ذات الصلة‪ ،‬وتشريعات القانون الدولي الخاص من هذه المسألة؟ وهل من‬
‫مجال لألخذ بإرادة األطراف هنا؟ وإذا كان الرد بالنفي فما البديل؟ ولماذا كان لسالسل الكتل‬
‫العامة موقف من فكرة االختصاص القضائي؟ وما نصيب التطبيقات الواقعية من هذا الطرح؟‬
‫‪ -‬وماذا عن الموقف حيال األحكام األجنبية الصادرة بخصوص معامالت البلوك تشين‬
‫من ناحية االعتراف بها وتنفيذها؟‬
‫‪ -‬هل من قانون محدد واجب التطبيق على معامالت البلوك تشين؟ وإذا كان الرد‬

‫(‪ )228‬لمزيد من التفاصيل حول هذه التداعيات االجتماعية؛ انظر‪ :‬د‪ .‬إيهاب خليفة‪ ،‬مجتمع ما بعد المعلومات‪:‬‬
‫تأثير الثورة الصناعية الرابعة على األمن القومي‪ ،‬الصادر بالتعاون مع دار العربي للنشر والتوزيع ومركز‬
‫المستقبل ل بحاث والدراسات المتقدمة‪ ،2019 ،‬ص‪.69‬‬
‫‪233‬‬
‫باإليجاب؛ فأي قانون هو؟ وإذا كان الرد بالسلب؛ فما المقترحات القائمة؟ وأيهما الذي يتفق‬
‫ومبادئ القانون الدولي الخاص؟ وما الحجج التي تُع س ّ‬
‫ضد من أهميته هو دون غيره؟ وعالم‬
‫استند هذا وذاك؟‬
‫‪ -‬ما المراد بقانون التشفير أو قانون البلوك تشين ‪Lex Cryptographia‬؟ وما‬
‫موقف القانون الدولي الخاص منه؟ وما مواقف الدول ذاتها منه؟ وهل ستكفي قواعد هذا‬
‫القانون وحدها؟ وأبعد من ذلك‪ :‬فماذا عن اآللية التي يمكن بمقتضاها مراقبة تنفيذ قانون‬
‫البلوك تشين‪ ،‬وفض منازعاته ذات الصلة؟‬

‫تطرق البحث لبعض التساؤالت المفصلية التي شغلت ‪-‬وما فَتئت‬


‫يُضاف إلى ما سبق ُّ‬
‫صتُ على وضع ك سّل تساؤل منها في مكانه‬
‫تشغل‪ -‬بال الكثيرين بشأن فكرة البحث‪ ،‬ولقد َح َر ْ‬
‫المناسب بالبحث في تسلس ٍل منطقي‪ ،‬وبحسب ما يخدم أجزاء البحث ويدعمها‪ ،‬ووازى ما‬
‫سبق السعي صوب الوصول إلى إجابات قانونية أو منطقية أو واقعية عن هذه األسئلة‪ ،‬ما‬
‫وسعني إلى ذلك من سبيل‪.‬‬

‫رابعًا‪ -‬أهداف الدراسة‪:‬‬

‫بالنظر إلى ما رافق فكرة البحث من غموض تجلَّت بعض مالمحه ‪ -‬فيما مضى بيانه‪-‬‬
‫شق البحث طريقه إلى النور؛ ساعيا إلى سد فراغ ارتآه؛ راغبا في شحذ همم المسؤولين‪،‬‬
‫ومبينا تبعات المسألة وأبعادها للمتعاملين بهذه التقنية بصفة خاصة‪ ،‬وألفراد المجتمع بصفة‬
‫عامة‪ ،‬عبر تسليط الضوء على أبرز ما أُثير حوله السؤال بخصوص هذه التقنية من منظور‬
‫القانون الدولي الخاص مع االستعانة بمواقف أهم االتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية ذات‬
‫الصلة التي تثري فكرة البحث وتؤصلها‪ ،‬وكذا بعض التطبيقات العملية التي رافقت البحث‬
‫في كثير من مواضعه‪ ،‬وبخاصة بعدما أضحت فكرة البحث واقعا ملموسا يُراودنا مهما حاولنا‬
‫غض الطرف عنه‪.‬‬

‫و ُك سلّل ذلك بالتصدي المباشر للمسائل ‪-‬محل التناول‪ -‬بالدراسة والتأصيل؛ في سبيل‬

‫‪234‬‬
‫الوصول إلى أنسب الرؤى المفضية إلى نتائج محددة وتوصيات متعمقة‪ ،‬مستندة في ذلك إلى‬
‫أسس قانونية وعلمية وواقعية رصينة‪.‬‬

‫سا‪ -‬منهج الدراسة‪:‬‬


‫خام ً‬

‫بُنيت الدراسة ‪-‬وهي في سبيل معالجة الموضوع‪ -‬على ثالثة مناهج‪ ،‬حسب ما كان‬
‫منها ُمعينا ومناسبا لموضوع البحث؛ أولها‪ :‬هو المنهج المقارن؛ إذ أثرى الدراسة إجراء‬
‫المقارنة بين مواقف بعض االتفاقيات الدولية‪ ،‬وكذا بعض التشريعات الوطنية ذات الصلة‬
‫بالقانون الدولي الخاص من تقنية البلوك تشين‪ ،‬وبحسب ما ارتأيته ُمثيرا ل همية‪ ،‬و ُمقتضيا‬
‫لذكره أو للوقوف عنده بالبيان‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬هو المنهج التحليلي؛ إذ سعت الدراسة إلى إجراء تحليل مناسب للمسائل التي‬
‫ت عليه من‬‫َّنت ما أُقي َم ْ‬ ‫ًّ‬
‫محال لذلك‪ ،‬مع عرض بعض اآلراء التي خدمت البحث‪ ،‬و َبي ْ‬ ‫كانت‬
‫حجج أيما وجدت‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬هو المنهج التأصيلي؛ وذلك عبر إجراء التدقيق والمالحظة لبعض التطبيقات‬
‫من خالل دراستها وتحليلها‪ ،‬ثم محاولة الوصول إلى قواعد عامة تحكمها‪.‬‬

‫سا‪ -‬خطة الدراسة‪:‬‬


‫ساد ً‬

‫تطلعا إلى اإلسهام في تعزيز الوعي بتكنولوجيا سلسلة الكتل‪ ،‬وأمال في أن يجد فيها‬
‫المتفقهون ضالتهم‪ ،‬ومن ثم إدراك ما وراءها‪ ،‬نُسجت خيوط الدراسة في مبحثين أساسين؛‬
‫سبقهما مبحث تمهيدي‪ ،‬و ُك سلل هذا وذاك بخاتمة احتضنت أبرز ما انتُهي إليه ُ‬
‫ووصي به‪ ،‬وذلك‬
‫على النحو اآلتي‪:‬‬

‫مبحث تمهيدي‪ :‬ماهية تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬االختصاص القضائي بمعامالت تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القانون الواجب التطبيق على معامالت تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫ي أن أحيط علم القارئ الكريم به قبل أن أشرع في سرد متن‬
‫بقي أمر مهم يتعين عل َّ‬
‫البحث؛ وهو أن هذا البحث المتواضع قد ت َّم بمنأى عن أحكام الفقه اإلسالمي(‪)229‬؛ فلم أتحقق‬
‫ي ٍ مما ورد فيه من نصوص أو أحكام أو آراء أو حلول أو غيرها‬
‫ألبتة من مدى مطابقة أ ّ‬
‫ألحكام هذا الفقه الحنيف؛ وعليه فإن األخذ بأي مما أتت به هذه الدراسة برمته مقرون أوال‬
‫وأبدا باتفاقه مع أحكام الفقه اإلسالمي‪.‬‬

‫المبحث التمهيدي‪ :‬ماهية تكنولوجيا البلوك تشين‬

‫ربما كان منطقيًّا تجاوز األمور المتعلقة بماهية تكنولوجيا البلوك تشين وما إلى ذلك‬
‫من المقدمات؛ كي تُستهل نواة فكرة البحث من حيث انتهى اآلخرون‪ ،‬بيد أنه يالحظ أن صميم‬
‫فكرة البحث ت َ ْمتثل للجدة النسبية‪ ،‬ومتشعبة األبعاد؛ إذ على الرغم من انتشار تكنولوجيا البلوك‬
‫تشين في العالم بأسره‪ ،‬واختراق تبعاتها للعديد من مجاالت حياتنا االقتصادية والسياسية بل‬
‫وربما االجتماعية‪ ،‬إال أنه من الجلي أنها لم ترقَ بعد إلى المرحلة التي يمكن أن نفترض علم‬
‫الكافة بها‪ ،‬حتى نقفز قفزةً في الظالم لنبين موقف القانون الدولي الخاص منها من دون‬
‫المرور عند ماهيتها بقدر من البيان‪ ،‬ولو بالقدر الذي يُجلي ما يلحق بها من غموض أو‬
‫يُح َّل أي جمود‪.‬‬

‫وعليه فقد ارتأيتُ أنه من األنسب عدم الخوض في أعماق هذه الدراسة دون التوقف‬
‫عنون المبحث التمهيدي بالعنوان المذكور باعتباره قد‬
‫عند قليل من معالم ماهيتها بالبيان؛ لذا ُ‬

‫(‪ )229‬الله َّم إال بعض المراجع التي طالعتها أثناء إعداد البحث‪ ،‬والتي كانت تتمحور غالبيتها حول موقف‬
‫شريعتنا اإلسالمية الغراء مما تفرع عن تكنولوجيا البلوك تشين؛ كالعمالت االفتراضية‪ ،‬وبخاصة البتكوين‪،‬‬
‫كأحد وجوه التعامالت التي تتم اعتمادا على هذه التقنية‪ ،‬أذكر منها مثال‪ :‬د‪ .‬غسان محمد الشيش‪ ،‬حكم البتكوين‬
‫والعمالت الرقمية‪ ،‬مجلة صالح عبد هللا كامل لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬المجلد ‪ ،22‬العدد ‪،2018 ،64‬‬
‫ص‪ .783-729‬وفي خصوص العقود الذكية بوصفها المنظمة لتعامالت البلوك تشين‪ :‬د‪ .‬قطب مصطفى‬
‫سانو‪ ،‬العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت‪ ،‬رؤية تحليلية‪ ،‬منشور ضمن ُمجمع بحوث‬
‫مؤتمر َمجمع الفقه اإلسالمي الدولي‪ ،‬الدورة الرابعة والعشرون‪ ،‬دبي ‪ ،2019‬ص‪ ،53-7‬وغيرهما مما ال‬
‫يتسع البحث لذكره‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫جاء ُمع سبّدا طريق المبحثين األول والثاني‪ ،‬واللذين هما صلب الموضوع‪.‬‬

‫وعليه أَفصح المبحث التمهيدي عن التعريف بتقنية سلسة الكتل "البلوك تشين"‬
‫(‪)230‬‬

‫بقدر مالئم من االستبانة؛ ُمستتبعا ذلك بتأصيل مسوغات حاجة واقعنا إلى تكنولوجيا البلوك‬‫ٍ‬
‫تشين‪ ،‬و ُمكلال الفكرتين بالخروج من المعطيات النظرية إلى رحم العملية عبر الوقوف عند‬
‫بعض التطبيقات العملية (المشروعات التطبيقية) القائمة والتي تستند على تقنية البلوك تشين‪.‬‬
‫أوال ً‪ -‬التعريف بتقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين"‪:‬‬
‫تُع َّرف تقنية (سلسلة الكتل) أو (البلوك تشين ‪ )Blockchain‬أو (خوارزمية الجداول‬
‫المتسلسلة)(‪ )231‬بأنها‪:‬‬
‫َّ‬
‫موزع وعام للمعلومات(‪ )232‬التي تحتفظ بقائمة متزايدة‬ ‫عبارة عن "دفتر حسابات‬
‫باستمرار من سجالت تُدعى (الكتل ‪ )Blocks‬محمية كلية من التالعب أو التزوير وكذا‬
‫التغيير ‪ tampering and changes‬بسبب تشفير بياناتها‪.‬‬
‫ومع األخذ في االعتبار أن ك َّل كتلة ‪ Block‬تحتوي على (طابع زمني ورابط إلى‬
‫الكتلة السابقة)‪ ،‬وهذا يعني أنَّ سلسلة الكتل ‪ Blockchain‬في حد ذاتها ال تستجيب ‪-‬‬
‫وبحكم طبيعتها‪ -‬لتعديل البيانات بمجرد تسجيلها‪ ،‬وال يمكن تغيير البيانات الموجودة في أي‬
‫كتلة بأثر رجعي"‪.‬‬
‫ع سرفت تقنية البلوك تشين بأنها‪:‬‬
‫وفي تعريف أكثر دقة‪ ،‬وفي تسع كلمات فحسب؛ فقد ُ‬
‫"طريقة موثوقة وفعالة لمشاركة البيانات والمعامالت"(‪.)233‬‬

‫(‪ )230‬سعيتُ قدر استطاعتي أثناء كتابتي للبحث الذي بين يديي القارئ ‪-‬ذي الطبيعة التقنية القانونية‪ -‬أن أقوم‬
‫بتعريب المصطلحات التقنية األجنبية قدر ما ارتأيته مناسبا ممكنا‪ ،‬حتى وإن الحظتُ أن الجمود النسبي قد‬
‫ظل مصاحبًا لبعض هذه المصطلحات التقنية بحكم طبيعتها التقنية البحتة‪.‬‬
‫ضل الباحثون من قبلي بترجمته‬ ‫وبالنظر إلى مصطلح البلوك تشين ‪ blockchain‬على وجه التحديد‪ ،‬فقد تف َّ‬
‫بمصطل "سلسلة الكتل"‪ ،‬وهذا األخير ‪-‬وعلى جموده‪ -‬إال أنه هو األقرب إلى الصحة بعدما قمتُ بنفسي‬
‫بتفحص وسؤال المختصين‪.‬‬
‫وبشكل عام فلقد آثرت في كثير من مواضع البحث ذكر مصطل (البلوك تشين) عوضًا عن (سلسلة الكتل)‬
‫كون األول هو المصطل الدراج واألكثر عرفًا‪ ،‬ومن ثم استخدامهما بشكل مترادف‪.‬‬
‫(‪ )231‬في هذه المترادفات‪ ،‬انظر‪ :‬المهندس ماهر الحلواني‪ ،‬الكتل المتسلسلة‪ ،‬العمالت المشفرة والقانون المالي‬
‫الدولي‪ :‬البتكوين والعمالت الرقمية‪ ،‬دراسة تحليلية أكاديمية‪ ،‬بدون دار نشر‪ ،2018 ،‬ص‪.8‬‬
‫(‪ )232‬والذي هو قاعدة بيانات في األساس‪.‬‬
‫(‪ )233‬في هذه التعريفات انظر بتصرف‪:‬‬
‫‪Antony Welfare, Commercializing Blockchain: Strategic Applications in the Real World,‬‬
‫‪john wiley & sons ltd., UK, 2019, p. 7,8.‬‬

‫‪237‬‬
‫ومن وجهة نظر فقهاء القانون الدولي الخاص؛ فبحسب ما ورد في الموقع اإللكتروني‬
‫الرسمي لـ ‪ Conflict of laws.net‬فإن مصطلح البلوك تشين يحتوي على مفهومين‬
‫أساسيين هما‪:‬‬

‫‪ ‬أوال ً‪ :‬كتابة البيانات فيما يسمى "الكتل"‪ ،‬ك ُّل كتلة من البيانات متصلة بالكتلة التي‬
‫تسبقها باستخدام ما يسمى "‪ ،"hashes‬وبالطريقة بنفسها يتم الربط‪ ،‬ومن ثم تثبيت الكتل‬
‫المتتالية لبعضها البعض‪ ،‬وتكون حينئذ النتيجة هي سلسلة من الكتل ‪.blockchains‬‬

‫‪ ‬ثانيًا‪ :‬يتم تخزين سلسلة الكتل بأكملها بشكل ال مركزي بواسطة أعضاء الشبكات‪،‬‬
‫وبالتالي فعندما يتم طلب معاملة البلوك تشين‪ ،‬فال تتم معالجتها بواسطة عضو واحد فقط؛ بل‬
‫يقوم العديد من األعضاء بفحص المعاملة‪ ،‬يعقبه مشاركة نتائجهم مع األعضاء اآلخرين‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬وكأنها عملية تصويت إلكتروني! ‪ ،Ttechnical voting‬وفي النهاية‬
‫تسود النتيجة التي يراها األغلبية صحيحة؛ وبالتالي فوفقا لآللية السابقة فإن سلسلة الكتل‬
‫تتمتع بميزة أن أي محاولة للعبث بالبيانات الموجودة في هذه السلسلة ال طائل من ورائها(‪.)234‬‬

‫وإغالقا لدائرة التعريفات؛ فبحسب تعريف شركتي ‪ Forbes & IBM‬لتكنولوجيا‬


‫البلوك تشين فقد عرفت هذه التقنية بأنها‪:‬‬

‫"نظام لسجل إلكتروني مشترك‪ ،‬آني‪ ،‬ومشفر‪ ،‬وغير مركزي؛ لمعالجة وتدوين‬
‫المعامالت المالية‪ ،‬والعقود‪ ،‬واألصول المادية‪ ،‬ومعلومات سلسلة التوريد‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وال‬
‫يوجد شخص واحد أو جهة واحدة مسؤولة عن السلسلة بأكملها‪ ،‬بل إنها مفتوحة‪ ،‬ويمكن‬

‫(‪ )234‬في رأي الفقيه ذلك‪ ،‬طالع‪:‬‬


‫‪Anton S. Zimmermann, Blockchain Networks and European Private‬‬
‫‪International Law, Issued by the official website for ‘Conflict of Laws.net’: Views‬‬
‫‪and News in Private International Law, Published on Nov. 2018.‬‬
‫‪Available online at,‬‬
‫‪http://conflictoflaws.net/2018/blockchain-networks-and-european-private-‬‬
‫‪internationale-law/, Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫‪238‬‬
‫للجميع في السلسلة مشاهدة تفاصيل كل سجل‪ ،‬أو ما يعرف باسم الكتلة‪ ،‬وتتبع المعلومات‬
‫عبر شبكة آمنة ال تستدعي التحقق من طرف ثالث"‪.‬‬

‫وما مضى كان أهم تعريفات تكنولوجيا البلوك تشين‪ ،‬وتجلَّى فيها أخص خصائصها‬
‫ومالمحها التي حملتها‪ ،‬ويستحيل أن تحيد عنها‪.‬‬

‫وربَّ متسائ ٍل يستفسر ‪-‬بناء على التعريفات السابقة‪ -‬عن التداعيات التي كانت وراء‬
‫ُ‬
‫ظهور هذه التقنية بمالمحها الجديدة علينا‪ ،‬وهو ما أجاب عنه البعض بمنتهى الوضوح بأنه‪:‬‬

‫"ثالثة تطورات مجتمعة قد ح َدثَتْ خالل العشرين عا ًما الماضية قد أدت إلى وجود‬
‫تكنولوجيا البلوك تشين بمفهومها الحالي‪ ،‬وهي(‪:)235‬‬

‫‪ ‬الشبكة العنكبوتية ‪.The Internet‬‬

‫‪ ‬والمركزية ‪.Centralization‬‬

‫‪ ‬والعالم "غير الموثوق به ‪."Trustless‬‬

‫ثانيًا‪ :‬لماذا نحن بحاجة إلى تكنولوجيا البلوك تشين؟‬

‫أَثرتُ أن تحمل هذه الجزئية العنوان السابق على الرغم من أن مضمونها يحتمل غير‬
‫هذا العنوان ‪-‬كخصائص تكنولوجيا البلوك تشين‪ -‬والتي هي ذاتها مكمن تميزها‪ ،‬أو باألحرى‬
‫مميزاتها؛ ألن العنوان الحالي لهذه الجزئية قد بدا هو األكثر عمومية‪ ،‬وأيًّا ما كان العنوان؛‬
‫فما نريد بيانه هنا هو أن تقنية البلوك تشين تتمتع بما يأتي(‪:)236‬‬

‫(‪ )1‬الحقيقة والثقة ‪.Truth and trust‬‬

‫)‪(235‬‬
‫‪Antony Welfare, Commercializing Blockchain: Strategic Applications in the‬‬
‫‪Real World, op, cit., p. 8.‬‬
‫(‪ )236‬وبطبيعة الحال فإن الحديث عن هذه الخصائص يطول‪ ،‬ولمن أراد االستزادة في شرح هذه الخصائص‬
‫مطالعة المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14-10‬‬
‫‪239‬‬
‫(‪ )2‬الشفافية ‪.Transparency‬‬

‫(‪ )3‬األمان ‪.Security‬‬

‫(‪ )4‬الجودة واليقين ‪.Quality and Certainty‬‬

‫(‪ )5‬الكفاءة ‪.Efficiency‬‬

‫ويتجلَّى مما سبق ما تحمله تقنية البلوك تشين من أوجه عديدة لإليجابية؛ فإلى جوار‬
‫ما سبق وبقليل من البيان فإن متطلبات إعمال تقنية البلوك تشين تُع س ّ‬
‫ضد من التصدي لتبعات‬
‫التالعب أو التزوير المستمر في سجالت البيانات‪ ،‬كما توفر تبادال ً آمنًا للمواد ذات القيمة؛‬
‫كاألموال أو األسهم أو حقوق الوصول إلى البيانات‪ ،‬وخالفا ألنظمة التجارة التقليدية‪ ،‬إذ ال‬
‫حاجة لوسيط أو نظام تسجيل مركزي لمتابعة حركة التبادل‪ ،‬بل تقوم كل الجهات بالتعامل‬
‫مباشرة مع بعضها البعض(‪.)237‬‬

‫المتدرج من دائرة ماهية تكنولوجيا البلوك تشين وخصائصها؛ فقد‬


‫سّ‬ ‫وفي سبيل الخروج‬
‫قيل ‪-‬وبحق‪َّ -‬‬
‫أن‪:‬‬

‫"تقنية البلوك تشين هي أكبر ثورة منذ نشأة الشبكة العنكبوتية حتى اآلن‪ ،‬وهذه التقنية‬
‫ستؤثر ‪-‬بل أثَّرت‪ -‬حتما على العالم بأسره؛ وامتثاال لطبيعة هذه التقنية فستتحول الشركات‬
‫بل والحكومات"(‪.)238‬‬

‫ثالثًا‪ -‬تطبيقات عملية لمشروعات تستند على تقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫س سلّط الضوء على ما‬


‫وها هو المبحث التمهيدي على وشك أن تُطوى صفحاته بعدما ُ‬
‫ارتأيت أنه يكفي ليُع سبّد طريق البحث لالنطالق صوب فكرته األساسية؛ وعليه سيُختتم المبحث‬

‫(‪ )237‬لمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬د‪ .‬إيهاب خليفة‪ ،‬مجتمع ما بعد المعلومات‪ :‬تأثير الثورة الصناعية الرابعة‬
‫على األمن القومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫)‪(238‬‬
‫‪Antony Welfare, Commercializing Blockchain: Strategic Applications in the‬‬
‫‪Real World, op, cit., p. 7.‬‬
‫‪240‬‬
‫التمهيدي المذكور ببيان جزءٍ يسير من األبعاد العملية الواقعية القائمة لتكنولوجيا البلوك تشين‬
‫وهو ما ُخ س ّ‬
‫صصت له سطور البحث القادمة‪.‬‬

‫مشروع إدارة دورة حياة المركبة‪:‬‬

‫هذا المشروع أطلقته هيئة الطرق والمواصالت في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪،‬‬
‫وتحديدا في إمارة دبي‪ ،‬وبمقتضى فكرة "مشروع إدارة دورة حياة المركبة" فسيُتيح النظام ما‬
‫يأتي‪:‬‬

‫‪ ‬تتبع ملكية المركبات وعمليات بيعها وسجل حوادثها بشكل متكامل‪.‬‬

‫‪ ‬حفظ كل المعلومات المتعلقة ببيانات كل مركبة خالل جميع مراحل حياتها‪ ،‬بدءا‬
‫من عملية التصنيع واالستخدامات‪ ،‬ووصوال إلى مرحلة التخريد‪.‬‬

‫ك ُّل ما سبق وأكثر ستخضع له المركبات اعتمادا على تقنية البلوك تشين‪ ،‬وعلى ما‬
‫يبدو فسيمنح هذا النظام الشفافية والثقة في إجراءات تداول المركبات‪ ،‬وإبرام العقود‬
‫والتعامالت ضمن القطاع‪ ،‬وتقليل التكلفة والوقت الالزم إلتمامها‪ ،‬وبالتالي تحسين تجربة‬
‫المستخدم‪.‬‬

‫وبشكل عام فسيمثل نظام إدارة دورة حياة المركبة منصة إلكترونية موحدة‪ ،‬تُجمع‬
‫البيانات والجهات المعنية بقطاع المركبات من األفراد والدوائر الحكومية ومزودي الخدمة‬
‫والبنوك ومزودي قطع الغيار‪ ،‬إضافة إلى المؤسسات المالية وشركات التأمين‪ ،‬فضال عن‬
‫رجال األعمال الجدد في مجال صناعة وتجارة المركبات(‪.)239‬‬

‫(‪ )239‬لمزيد من المعلومات‪ ،‬يرجى تصفح الموقع اإللكتروني الرسمي لبوابة حكومة دولة اإلمارات العربية‬
‫المتحدة‪ ،‬وبالتحديد في موقعها اآلتي‪:‬‬
‫‪See at, https://government.ae/en/about-the-uae/digital-uae/blockchain-in-the-uae-‬‬
‫‪government, Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫‪241‬‬
‫ي بالذّسكر أن مواقف دولة اإلمارات العربية المتحدة من تقنية البلوك تشين لم تقف‬
‫وحر ٌّ‬
‫عند الحد السابق‪ ،‬فها هي مبادرة "دبي الذكية" التي أعلنت تبنيها لتقنية «البلوك تشين»؛ إذ‬
‫تبتغي من ورائها تحويل دبي إلى مدينة تُدار بالكامل بواسطة منصة البلوك تشين‪ ،‬وذلك‬
‫بحلول عام ‪ ،2020‬كي تصبح أسعد مدينة على وجه األرض(‪.)240‬‬

‫وبما أننا في عجز المبحث التمهيدي الذي هدف إلى تذليل طريق المبحثين األول‬
‫والثاني؛ فاإلشارة واجبة إلى أننا قد انتهينا من التمهيد‪ ،‬ونعلن من هذه اللحظة تفرغ البحث‬
‫للرد على التساؤالت الجوهرية التي لطالما الحت في األفق ما وضعت معامالت سلسلة الكتل‬
‫أو معامالت تكنولوجيا البلوك تشين في ميزان القانون الدولي الخاص‪ ،‬على رأسها ماهية‬
‫المحكمة المختصة بهذه المعامالت؟ وكذا القانون الواجب التطبيق عليها؟ وإلى جوار هذا‬
‫وذاك أبعاد فكرة االعتراف وتنفيذ األحكام األجنبية الصادرة في هذا الخصوص‪ ،‬وهو ما‬
‫سيقف عنده البحث تباعا‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬االختصاص القضائي بمعامالت البلوك تشين‬

‫تمهيدٌ‪:‬‬

‫ي ٍ لمعامالت البلوك‬
‫لعله منطقيا وواقعيا القول بأنه من المستحيل تحديد موقع جغراف ّ‬
‫تشين؛ وهو شأن اتفقت عليه عديد من اآلراء(‪)241‬؛ لكونها تقوم على نظام الند للند ‪peer‬‬

‫(‪ )240‬انظر في ذلك الموقع الرسمي لدبي الذكية‪:‬‬


‫‪See at, https://www.smartdubai.ae/initiatives/blockchain , Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫(‪ )241‬في هذه اآلراء انظر‪:‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions: Blockchains, Smart Contracts, Decentralized Autonomous‬‬
‫‪Organizations and the Law, edited by, Daniel Kraus, Thierry Obrist, Olivier Hari,‬‬
‫‪Edward Elgar Publishing, US, 2019, p. 70, See also, Barbara Graham-‬‬
‫‪Siegenthaler and Andreas Furrer, The Position of Blockchain Technology and‬‬
‫‪Bitcoin in Swiss Law, published in Jusletter legal Online Magazine, May 2017.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪to peer‬؛ ذلك النظام الذي يُم س ّكن المتعاملين أو المستخدمين من التعامل مباشرة بين بعضهم‬
‫البعض دون الحاجة إلى وسيط؛ وهذا يعني أن البيانات التي تستقبلها أنت على حاسبك‬
‫الشخصي قادمة إليك من مستخدم آخر للشبكة وليست قادمة من خادم معين ‪.)242(Server‬‬

‫أوالً‪ -‬المحكمة المختصة بنظر معامالت البلوك تشين‪:‬‬

‫من المعلوم أنَّه إذا اعترفت دولة ما بالوجود القانوني لمعامالت تكنولوجيا سلسلة الكتل‬
‫(البلوك تشين)؛ فإن هذا يحمل في مضمونه إمكانية رفع الدعاوى بخصوص هذه المعامالت‬
‫أمام محاكمها‪ ،‬وبمعنى آخر ال يمكن رفع الدعاوى ذات الصلة بالمعامالت المذكورة أمام‬
‫محاكم الدولة إال إذا كانت تنظر إلى معامالت البلوك تشين في ح س ّد ذاتها على أنها ُم سلزمة قانونا‬
‫‪.Legally Binding‬‬

‫وبناء عليه فالمالبسات السابقة تنطوي على َّ‬


‫أن إقرار الدولة لمعامالت البلوك تشين من‬
‫شأنه التمكين من التعرف على هوية المدَّعى عليه؛ فمن المفترض بداهة أن الدعوى قد ُرفعت‬
‫للتعرف على المحكمة المختصة‬
‫ُّ‬ ‫أمام المحكمة ضد شخص بعينه؛ ولكن هل هذا كافٍ بمفرده‬
‫بنظر هذه المنازعات؟ وهل ستكون مثال محكمة موطن المدعى عليه بافتراض إمكانية‬
‫تحديدها؟ أم محكمة أخرى؟‬

‫وفي سبيل الرد على التساؤالت السابقة؛ فطالما َّ‬


‫أن محاكم الدولة قد اعترفت من األساس‬
‫بمعامالت البلوك تشين في ح س ّد ذاتها واعتبرتها ملزمة قانونيًّا على نحو ما مضى بيانه‪ ،‬فالح ُّل‬
‫ببساطة يكمن في اتفاق أطراف معاملة البلوك تشين (المشاركين) ‪blockchainers‬‬
‫على اختيار محكمة مختصة للجوء إليها حال حدوث نزاع فيما بينهم‪ ،‬وبخاصة إذا كانت‬
‫مقومات القدرة على هذا االختيار قد توفرت لديهم‪.‬‬

‫‪See‬‬ ‫‪at,‬‬ ‫‪https://jusletter.weblaw.ch/juslissues/2017/891/the-position-of-‬‬


‫‪bloc_6c88d13bf7.html_ONCE, Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫(‪ )242‬انظر‪ :‬د‪ .‬فادي توكل‪ ،‬التنظيم القانوني للعمالت المشفرة "البتكوين"‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص‪ 1‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫وإدخاال للكالم النظري السابق في جادة التطبيق العملي؛ فيمكن للمتعاملين بتكنولوجيا‬
‫البلوك تشين أو المشاركين ‪ - blockchainers‬على سبيل المثال‪ -‬إدراج شر ً‬
‫طا في عقودهم‬
‫الذكية‪" ،‬أو عقود سلسلة الكتل ‪- Blockchain Contracts‬كما يطلق عليها البعض"(‪-)243‬‬
‫يفيد بالمحكمة المختصة‪ ،‬وبغض النظر حينئ ٍذ عن الموضع الذي سيُدرج فيه مثل هذا الشرط‬
‫في عقودهم‪ ،‬ولو في جزئية المبادئ العامة للعقد‪ ،‬فهي مجرد أمثلة‪ ،‬والفكرة األساسية تكمن‬
‫في االتفاق المبدئي للمشاركين ‪ blockchainers‬صراحة على المحكمة المختصة(‪.)244‬‬

‫مدى اشتراط الكتابة لصحة اتفاقات المشاركين ‪ blockchainers‬على المحكمة‬


‫المختصة‪:‬‬

‫رافق الطرح السابق تساؤل جوهري منطقي منبعه مدى اشتراط الشكلية في مثل هذه‬
‫ُشترط‬
‫االتفاقات ذات الصلة بين المتعاملين المتعلقة باختيار المحكمة المختصة؛ بمعنى‪ :‬هل ي َ‬
‫كي يتم االعتداد باتفاق األطراف على المحكمة المختصة أن يتم االتفاق على ذلك كتابة؟‬

‫والرد على التساؤل السابق هو باإليجاب؛ وهو إيجاب استند على ما اشتر َ‬
‫طتْه االتفاقيات‬
‫الدولية في المواضع ذات الصلة‪ ،‬وليس على نص محدد بعينه يتعلق باختيار المحكمة‬
‫المختصة بنظر منازعات البلوك تشين؛ وعليه يُشترط النص على هذا االتفاق كتابة‪ ،‬سواء‬
‫أت َّم التعويل على نص اتفاقية دولية تتعلق باالختصاص القضائي‪ ،‬أم بالرجوع إلى نص‬
‫تشريعي داخلي للقانون الدولي الخاص‪ ،‬وهو ما سيتم بيانه من هذين الوجهين‪ ،‬من خالل‬
‫عرض ثالث رؤى اعتمد عليها هذا الطرح(‪:)245‬‬

‫(‪ )243‬راجع‪ :‬د‪ .‬قطب مصطفى سانو‪ ،‬العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫(‪ )244‬في هذا الرأي انظر‪:‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions: Blockchains, Smart Contracts, Decentralized Autonomous‬‬
‫‪Organizations and the Law, op, cit., 76.‬‬
‫)‪(245‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., pp. 76-78.‬‬
‫‪244‬‬
‫ موقف اتفاقية لوجانو لالختصاص القضائي وإنفاذ األحكام في‬:‫ الرؤية األولى‬
:2007 ‫المسائل المدنية والتجارية لسنة‬

‫ورد باالتفاقية صراحة النص على ما يفيد بلزوم توثيق األطراف التفاقهم على اختيار‬
‫المحكمة المختصة كتابة بافتراض إقامة أي من األطراف على أي من أراضي الدول‬
‫ كما أُعيد‬،‫ وهو ما يتجلى بمطالعة نص المادة األولى من االتفاقية‬،‫األعضاء في االتفاقية‬
.)246(‫التأكيد عليه في مستهل النص محل االستعانة‬

‫ موقف اتفاقية الهاي المتعلقة باالتفاق على المحكمة المختصة‬:‫ الرؤية الثانية‬
:2005 ‫لسنة‬

‫ وبالتحديد في فقرتيها الثانية والثالثة على‬،‫نصت المادة الثالثة من هذه االتفاقية بوضوح‬
‫ االتفاق على اختصاص محاكم دولة بعينها من الدول األعضاء في االتفاقية ينبغي أن يت َّم‬:‫أن‬
.)247(‫توثيقه كتابة‬

(246)
Art. (23/1/A) Lugano Convention on Jurisdiction and the Enforcement of
Judgments in Civil and Commercial Matters )2007(:
’If the parties, one or more of whom is domiciled in a State bound by this
Convention, have agreed that a court or the courts of a State bound by this
Convention are to have jurisdiction to settle any disputes which have arisen or
which may arise in connection with a particular legal relationship, that court or
those courts shall have jurisdiction. Such jurisdiction shall be exclusive unless the
parties have agreed otherwise. Such an agreement conferring jurisdiction shall
be either: (a) in writing or evidenced in writing’.
See at,
https://eur-lex.europa.eu/legal-
content/EN/TXT/PDF/?uri=CELEX:22007A1221(03)&from=EN, Last visit on
8/12/2019.
:‫ انظر‬،‫) من االتفاقية المذكورة‬23( ‫وفي شرح نص المادة‬
Martin P. George, Andrew Dickinson, Statutes on the Conflict of Laws, Oxford
and Portland Oregon, Hart Publishing, UK, 2015, p. 230.
(247)
Art. (3/1/b, c) Hague Convention on Choice of Court Agreements )2005(:
245
‫ القانون الدولي الخاص السويسري‬:‫ موقف التشريعات الوطنية‬:‫ الرؤية الثالثة‬
:ً‫ مثاال‬SPILA

‫بالرجوع إلى موقف القانون الدولي الخاص السويسري تحديدا في هذا الخصوص؛‬
‫ "اتفاق األطراف على اختيار محكمة‬:‫فيالحظ أن المادة الخامسة منه قد نصت على أن‬
.)248("‫مختصة بعينها ينبغي أن يكون كتابة؛ بأي طريقة من طرق االتصال كانت‬

‫وبشكل عام فأيًّا ما كان المصدر الذي سيُعت َمد عليه للتأكيد على اشتراط الكتابة ليصح‬
َّ ‫اتفاق المشاركين على المحكمة المختصة؛ فاألهم هنا هو التأكيد على‬
‫أن هذا المبدأ األخير هو‬
‫ُتصور أن يتم األخذ بها في خصوص معامالت البلوك تشين متى ما رافق‬
َّ ‫من األمور التي ي‬
‫ على اختيار المحكمة المختصة؛ ولكن‬blockchainers ‫ذلك االتفاق المسبق للمشاركين‬
‫ ولو بإدراجه كشرط في مثل هذه العقود‬،‫بشرط أن يتم توثيق مثل هذا االتفاق في شكل مكتوب‬

‘a choice of court agreement which designates the courts of one Contracting State
or one or more specific courts of one Contracting State shall be deemed to be
exclusive unless the parties have expressly provided otherwise; c) an exclusive
choice of court agreement must be concluded or documented:
I) in writing’ For more details see, Ronald A. Brand, Paul M. Herrup, The 2005
Hague Convention on Choice of Court Agreements: Commentary and Documents,
Cambridge University Press,1st edition, 2008, pp. 37-40.
:‫كما يمكن مطالعة المادة المذكورة بالرجوع للموقع اإللكتروني الرسمي اآلتي‬
See at, https://assets.hcch.net/docs/510bc238-7318-47ed-9ed5-e0972510d98b.pdf,
Last visit on 8/12/2019.
(248)
Art. (5/1/2) SPILA, ‘…The agreement may be made in writing, by telegram,
telex, telecopier, or by any other means of communication which evidences the
terms of the agreement by a text’.
:‫ انظر‬،‫ لمن أراد االستزادة‬،‫في عموم شرح اشتراط الكتابة في العقود اإللكترونية‬
Zheng Sophia Tang, Electronic Consumer Contracts in the Conflict of Laws,
Oxford and Portland Oregon, US, 2009, pp. 125-126, Specially, ft. 10.
:‫ويمكن االطالع على النص الكامل للقانون المذكور على الموقع اإللكتروني اآلتي‬
https://www.hse.ru/data/2012/06/08/1252692468/SwissPIL%20%D0%B2%20%
D1%80%D0%B5%D0%B4.%202007%20(%D0%B0%D0%BD%D0%B3%D0%
BB.).pdf , Last visit on 8/12/2019.
246
‫الذكية؛ باعتباره تكنولوجيا سلسلة الكتل هي المنصة التطبيقية التي يتم من خاللها تنفيذ‬
‫العقود الذكية وإتمامها‪ ،‬ومن ثم االستغناء عن طرف ثالث‪ ،‬وبحسبانها سجالً تتوافر فيه‬
‫سائر المعلومات الخاصة بالعاقدين بصورة موثقة ال يمكن ألحد منهما إجراء أي تعديل‬
‫عليها دون علم الطرف اآلخر‪ ،‬مما يحمي العقود الذكية من الخطأ أو التزوير أو الغش‬
‫فيها(‪.)249‬‬

‫مدى إمكانية توافق اختيار األطراف للمحكمة المختصة مع قواعد التجارة الدولية أو‬
‫غيرها من الممارسات‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن اتفاقية لوجانو لالختصاص القضائي وإنفاذ األحكام في المسائل‬
‫المدنية والتجارية لسنة ‪ 2007‬قد نصت على أن‪:‬‬

‫"اتفاق األطراف على اختيار المحكمة‪ ،‬للفصل في نزاعاتهم التي نشأت أو قد تنشأ‪،‬‬
‫هو بمثابة اختيار حصري للمحكمة المختصة قد ت َّم من قبل األطراف بالفعل‪ ،‬ما لم يتفق‬
‫األطراف على غير ذلك"‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إن المقصود بـ "غير ذلك" الواردة بالنص السابق هو منح االختصاص على نحو‬
‫يتوافق مع الممارسات التي قامت بين األطراف بعضهم البعض‪ ،‬أو حتى مع قواعد التجارة‬
‫الدولية‪ ،‬أو في شكل يتوافق أو ينسجم مع االستخدام الذي يجب أن يكون الطرفان على علم‬
‫به‪ ،‬أو يجب أن يكونا على علم به‪ ،‬طالما أنها في شكل يتفق مع استخدام األطراف‪ ،‬وأن‬
‫قواعد التجارة الخاصة بها أو التجارة ذاتها معـروفة ‪-‬وعلى نطاق واسع‪ -‬ل طراف في عقود‬
‫النوع المعني في هذه التجارة (‪.)250‬‬

‫(‪ )249‬د‪ .‬قطب مصطفى سانو‪ ،‬العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.46،19‬‬
‫)‪(250‬‬
‫‪Art. (23/1/b, c) Lugano Convention:‬‬
‫‪1. ‘If the parties, one or more of whom is domiciled in a State bound by this‬‬
‫‪Convention, have agreed that a court or the courts of a State bound by this‬‬
‫‪Convention are to have jurisdiction to settle any disputes …. Such an agreement‬‬
‫‪conferring jurisdiction shall be either:‬‬
‫‪247‬‬
‫حتى وإن توقع البعض أنه من السابق ألوانه االدعاء بأنه يوجد بالفعل ممارسات أو‬
‫استخدام فعلي يتصل بمعامالت سلسة الكتل (البلوك تشين)(‪)251‬؛ وعليه ربما قص َد ْ‬
‫ت وجهة‬
‫النظر السابقة القول بأننا بحاجة إلى حل واقعي حثيث؛ والناظر إلى مضمون الطرح السابق‬
‫سيوقن كيف أنه بحاجة إلى عنصر الزمن ال ُمشكل ذاتيًّا لعادات وأعراف هذه التكنولوجيا‬
‫بمرور الوقت‪.‬‬

‫إمكانية اللجوء لمحكمة أخرى غير التي اتفق عليها المشاركون‪:‬‬

‫ال تسير األمور في بعض األحوال بالسالسة واالنسيابية التي يأملها األطراف؛ وعليه‬
‫فالوضع الذي نحن بصدد مناقشته يمكن اعتباره استثناء واردا على األصل الذي مفاده اتفاق‬
‫األطراف الكتابي المسبق على اللجوء إلى محكمة بعينها اتفق المشاركون ‪blockchainers‬‬
‫المتصور‬
‫َّ‬ ‫في معاملة البلوك تشين كي تختص بالنظر في نزاعاتهم الحالية أو المستقبلة؛ إذ من‬
‫ي ٍ من المشاركين إذا كان مستهلكًا؛ فهنا يتراجع‬
‫أن يتراجع نطاق هذا االتفاق ومداه لصالح أ ّ‬
‫نطاق اتفاق المشاركين على اختيارهم للمحكمة المختصة بغرض حماية المستهلك(‪.)252‬‬

‫‪or (b) in a form which accords with practices which the parties have‬‬
‫;‪established between themselves‬‬
‫‪or (c) in international trade or commerce, in a form which accords with a‬‬
‫‪usage of which the parties are or ought to have been aware and which in such‬‬
‫‪trade or commerce is widely known to, and regularly observed by, parties to‬‬
‫‪contracts of the type involved in the particular trade or commerce concerned’.‬‬
‫في بيان النص المذكور‪ ،‬راجع‪:‬‬
‫‪Martin P. George, Andrew Dickinson, Statutes on the Conflict of Laws, op, cit., p.‬‬
‫‪230, 231.‬‬
‫(‪ )251‬في وجهة النظر هذه‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p77.‬‬
‫(‪ )252‬راجع في ذلك‪ :‬نص المادة (‪ )17‬من اتفاقية لوجانو‪ ،‬والمادة (‪ )2/114‬من القانون الدولي الخاص‬
‫السويسري‪ ،‬وكذلك نص المادة (‪/1/2‬أ) من اتفاقية الهاي‪ ،‬ولالطالع على ج ّسل النصوص المشار إليها يمكن‬
‫مطالعة المواقع اإللكترونية الرسمية التي مضت اإلشارة إليها‪ ،‬ك ٌّل في موضعه‪.‬‬
‫أن في األمر تفصيال كبيرا في خصوص عقود المستهلك اإللكتروني في القانون الدولي‬ ‫ي بالذكر َّ‬ ‫وحر ٌّ‬
‫الخاص‪ ،‬والسبل الواجب اتباعها لتحقيق الحماية الواجبة له‪ ،‬من خالل تحديد المحكمة المختصة والقانون‬
‫‪248‬‬
‫موقف سلسلة الكتل (تكنولوجيا البلوك تشين) ذات الطابع العام ‪Public‬‬
‫‪ Blockchain‬من االتفاق على المحكمة المختصة‪:‬‬

‫أحد أهم األمور التي أثارت الجدل في هذا الخصوص هي كيفية تحديد المحكمة‬
‫المختصة بالنسبة لمعامالت سالسل الكتل (معامالت تكنولوجيا البلوك تشين) ذات الطابع‬
‫العام(‪ ،)253‬وبطبيعة الحال فإن السبب في صعوبة تحديد المحكمة المختصة في هذا الفرض‬
‫أو حتى االتفاق على تحديدها مرجعه صعوبة تحديد جمهور المشاركين ‪blockchainers‬‬
‫من حيث المبدأ؛ فهي وكما يتضح من اسمها سالسل كتل عامة‪.‬‬

‫وبناء عليه ففي ضوء المالبسات المطروحة فقد رجح البعض أن المسئولية هنا تقع‬
‫على عاتق ك سّل دولة؛ بمعنى أنه يجب على كل دولة أن تقوم بتحديد المسائل التي تنوي بسط‬
‫حمايتها عليها‪ ،‬وبخاصة في ظل التأكيد على أنه من المستحيل تحديد موقع معين لمعامالت‬
‫البلوك تشين على نحو ما سبق وأظهر البحث في حينه؛ لذا أ َّكد أنصار هذا الرأي أن اعتماد‬
‫الدولة وتبنيها لقواعد تحدد ‪-‬وبوضوح‪ -‬المسائل الدولية التي تبسط عليها حماية محاكمها من‬
‫شأنه التنبؤ بالمحكمة التي يتعين اللجوء إليها لحل مثل هذه المنازعات‪.‬‬

‫بل وأكثر من ذلك إذ زاد البعض على ذلك أن معرفة المحكمة المختصة يفيد كذلك في‬
‫التنبؤ أو توقع القانون الواجب التطبيق على العالقة القانونية‪ ،‬بالنظر إلى أن المحكمة التي‬
‫ستُحال إليها القضية ستطبق ‪-‬وبطبيعة الحال‪ -‬قواعد تنازع القوانين في دولة القاضي على‬

‫الواجب التطبيق‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور المتصلة‪ ،‬تعويال على بعض نصوص التشريعات الداخلية‪ ،‬وكذا‬
‫االتفاقيات الدولية ذات الصلة‪ ،‬واخت ُتسم هذا العرض ببيان مقترحات للحول األ َ ْولَى باالتباع‪ ،‬ولمزيد من‬
‫التفاصيل راجع‪:‬‬
‫‪Zheng Sophia Tang, Electronic Consumer Contracts in the Conflict of Laws, op, cit., pp.‬‬
‫‪2-294, Specially pp. 265-294.‬‬
‫(‪ )253‬لمزيد من التفاصيل عن ماهية سالسل الكتل العامة وطبيعتها وخصائصها‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Dharmendra Singh Rajput, Ramjeevan Singh Thakur, Syed Muzamil Basha, Transforming‬‬
‫‪Businesses with Bitcoin Mining and Blockchain Applications, Advances in Finance, Accounting,‬‬
‫‪and Economics Series: IGI Global, US, 2019, p. 73, 74.‬‬

‫‪249‬‬
‫نحو يسمو بمصالح المشاركين ‪ ، blockchainers‬ويعزز أيضا من مبدأ األمن القانوني‬
‫الذي طالما تُح ّدسث عنه في خصوص معامالت البلوك تشين(‪.)254‬‬

‫تطبيق عملي‪:‬‬

‫أن غالبية ما مضى طرحه في خصوص المحكمة المختصة بمعامالت‬ ‫قد يرى البعض َّ‬
‫تكنولوجيا البلوك تشين قد أُفرغ في قالب نظري بعض الشيء‪ ،‬ولع َّل هذا هو ما افترضته‬
‫طبيعة المسألة محل البحث ذاتها؛ وعليه بات مه ًّما وضروريًّا أن تسعى الدراسة صوب‬
‫الوقوف عند بعض أوجه المسألة ذاتها‪ ،‬ولكن هذه المرة في قالب عملي تطبيقي‪ ،‬وهنا يَطرح‬
‫البحث تساؤال مه ًّما‪ ،‬أال وهو‪ :‬هل توجد "محاكم للبلوك تشين" على أرض الواقع؟ أو على‬
‫األقل‪ :‬هل من مبادرات ذات صلة قد خرجت إلى النور؟‬

‫وهنا يُجاب‪ :‬نعم يوجد بالفعل؛ إذ أعلنت دولة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬وبالتحديد‬
‫إمارة دبي أنها ستغير النظام القانوني بأكمله‪ ،‬من خالل األخذ بأول محكمة في العالم تعتمد‬
‫على تقنية «بلوك تشين»‪ ،‬فقد أعلنت دبي مؤخرا عن البدء في إنشائها‪ ،‬كما أوضحت أن‬
‫المحكمة الجديدة ستتضمن فريق عمل مشتركا بين محاكم مركز دبي المالي العالمي ومبادرة‬
‫«دبي الذكية» باعتبارهما الطرفان المشتركان في تطوير محكمة «بلوك تشين» في دبي‪.‬‬

‫وبحسب ما أُعلن فسيتولى الفريق المذكور تطوير شبكة تعتمد على تقنية «بلوك تشين»‬
‫والعقود الذكية لتبادل الوثائق والمستندات الخاصة بالمنازعات التجارية في الزمن الفعلي‪،‬‬
‫وذلك بغرض تنفيذ وتفعيل القانون خارج الحدود على نحو يتسم بالكفاءة‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬سيقوم‬
‫الفريق بالنظر في المنازعات المتعلقة بتقنية «بلوك تشين»‪ ،‬سوا ًء أكانت منازعات محلية أم‬
‫دولية من خالل النصوص‪ ،‬أو الشروط واألحكام التنظيمية والتعاقدية ال ُمدرجة في العقود‬
‫الذكية‪.‬‬

‫(‪ )254‬في تأصيل هذا العرض‪ ،‬راجع‪:‬‬


‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p 78.‬‬
‫‪250‬‬
‫وبطبيعة الحال رافق اإلعالن المسبق عن تبني أول محكمة تعتمد على تقنية البلوك‬
‫تشين؛ التأكيد على أن هذه اآللية التي ستعمل بها المحكمة الجديدة ستُح سقّق عددا من الفوائد‬
‫بعيدة المدى‪ ،‬والتي تتضمن تبسيط إجراءات التقاضي على نطاق واسع‪ ،‬والتخلص من مشكلة‬
‫التضارب في الوثائق والمستندات(‪.)255‬‬

‫تعقيب‪:‬‬

‫هذا ويجدر بي القول ‪-‬قبل مغادرة هذا المقام‪ -‬أن أشير إلى أنني كنتُ حريصة على أن‬
‫تكون األمثلة العملية على تكنولوجيا البلوك تشين ‪-‬والتي مضى بيانها في عجز المبحث‬
‫التمهيدي‪ -‬وكذا الرد على مدى وجود محاكم فعلية تُطبق هذه التقنية مستمدًا من التطبيقات‬
‫العملية المستوحاة من عالمنا العربي تحديدًا‪ ،‬وقصدتُ من وراء ذلك أن يُفهم من خالله‪،‬‬
‫ولو ضمنا‪ ،‬أن دخول هذه التقنية واقعنا العملي قد أمسى قريبا جدًّا‪ ،‬بل ُمتعارفا عليه‪ ،‬معموال‬
‫به‪ُ ،‬ممتدا اآلثار‪.‬‬

‫ثانيًا‪ -‬االعتراف وتنفيذ األحكام األجنبية الخاصة بمعامالت البلوك تشين‪:‬‬

‫من المنطقي أن تقع مسألة االعتراف باألحكام األجنبية ذات الصلة بمعامالت البلوك‬
‫تشين وتنفيذها على الدولة نفسها التي يُراد تنفيذ الحكم ذي الصلة على أراضيها؛ وذلك من‬
‫خالل تحديدها للشروط التي بتحققها يمكن أن تعتبر األحكام األجنبية ملزمة قانونا داخل‬
‫إقليمها‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى السائد في غالبية تشريعات القانون الدولي الخاص فإن غالبية الشروط‬
‫المأخوذ بها في هذا الخصوص تتمحور حول‪:‬‬

‫‪ ‬اختصاص المحاكم التي أصدرت الحكم األجنبي‬

‫‪ ‬وكون الحكم الصادر منها نهائيًّا‬

‫)‪(255‬‬
‫‪See at, https://www.albayan.ae/economy/local-market/2018-08-02-1.3326965‬‬
‫‪, Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫‪251‬‬
‫‪ ‬وال يتعارض مع النظام العام أو السياسة العامة في الدولة المراد تطبيق الحكم‬
‫األجنبي فيها(‪.)256‬‬

‫وعلى صعيد موقف االتفاقيات الدولية في هذا الخصوص‪ ،‬ورجوعا لموقف اتفاقية‬
‫لوجانو المتعلقة باالختصاص القضائي وإنفاذ األحكام في المسائل المدنية والتجارية على وجه‬
‫التحديد؛ وبإنزال ما ورد بهذه االتفاقية على معطيات تكنولوجيا البلوك تشين؛ فسيكون الحكم‬
‫األجنبي الصادر في خصوص المعامالت ذات الصلة قابال لالعتراف به؛ ومن ثم تنفيذه‪ ،‬إذا‬
‫صدر من دولة متعاقدة وأُري َد االعتراف به وتنفيذه في دولة متعاقدة أخرى‪ ،‬بشرط عدم مخالفة‬
‫الحكم المطلوب تنفيذه مع النظام العام أو السياسة العامة في الدولة المطلوب تنفيذه فيها(‪.)257‬‬

‫تعقيب‪:‬‬

‫يتجلى مما سبق أنه يجب على كل دولة أن تُح ّدسد ‪-‬وبوضوح‪ -‬الشروط التي بتوافرها‬
‫تُوافق على جعل الحكم األجنبي ملزما قانونا على إقليمها وعلى نحو يُي س ّ‬
‫سر حينئ ٍذ من اعترافها‬
‫بالحكم األجنبي‪ ،‬ومن ثم قبولها لتنفيذه؛ فعلى سبيل المثال ينبغي أن يُؤخذ في االعتبار موطن‬
‫معول عليه عند اختيار المحكمة(‪.)258‬‬
‫المدعى عليه كمعيار َّ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القانون الواجب التطبيق على معامالت البلوك تشين‬

‫تمهي ٌد وتقسي ٌم‪:‬‬

‫يوازي اعتراف الدولة باختصاصها القضائي على معامالت البلوك تشين افتراض‬
‫تحديدها للقانون الواجب التطبيق على المعامالت ذاتها‪ ،‬وعلى غرار ما ات ُ سبع في حق تحديد ‪-‬‬

‫(‪ )256‬من ذلك على سبيل المثال‪ :‬موقف المشرع المصري‪ ،‬انظر في ذلك‪ :‬د‪ .‬هشام صادق‪ ،‬ود‪ .‬حفيظة الحداد‪ ،‬الموجز‬
‫في القانون الدولي الخاص‪ :‬تنازع القوانين ‪ -‬تنازع االختصاص القضائي‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2019‬ص‪ ،498-456‬ومن التشريعات المقارنة انظر‪ :‬نصوص المواد (‪ )29 :25‬من القانون الدولي الخاص‬
‫السويسري‪.‬‬
‫(‪ )257‬انظر في ذلك‪ :‬المواد من (‪ )56:32‬من اتفاقية لوجانو‪ ،‬وفي شرح الفكرة المذكورة بمزيد من البيان‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Martin P. George, Andrew Dickinson, Statutes on the Conflict of Laws, op, cit., pp. 232-‬‬
‫‪236.‬‬
‫)‪(258‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p. 82.‬‬
‫‪252‬‬
‫أو باألحرى محاولة الوصول‪ -‬للمحكمة المختصة بنظر معامالت البلوك تشين؛ فإنه على‬
‫رأس الخيارات ال ُمثلى للبحث عن القانون الواجب التطبيق في هذا الصدد هو الرجوع‬
‫لالتفاقيات الدولية ذات الصلة‪ ،‬وبخاصة حال انتفاء النص التشريعي ال ُم س ّ‬
‫نظم للمسألة‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق سيتم االستعانة في هذا المقام بنصوص اتفاقية الهاي المتعلقة بالقانون‬
‫مفر من الرجوع إليها‪ ،‬حتى وإن لُوحظ َّ‬
‫أن‬ ‫الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية؛ إذ ال َّ‬
‫مبادئ الهاي المذكورة لم تأخذ في اعتبارها الطبيعة الخاصة لعقود الشبكة العنكبوتية‪ ،‬وال‬
‫صت عليه‬
‫معامالت البلوك تشين نفسها بطبيعة الحال‪ ،‬مع تحديد ما إذا كان سيتم األخذ بما ن َّ‬
‫االتفاقية المذكورة أم أن الوقائع ستُنبئ أن من األولى األخذ بغير ما ورد بهذه االتفاقية‪.‬‬

‫وبالنظر إلى التقسيم الذي سيسير عليه هذا المبحث؛ وبما أننا في سياق بيان القانون‬
‫الواجب التطبيق؛ فمن المنطقي أن يُست َه َّل الحديث بفرض أول فحواه‪ :‬اتفاق أطراف معاملة‬
‫البلوك تشين على القانون الواجب التطبيق‪ ،‬يعقبه االنتقال إلى فرض ثان حال انتفاء االتفاق‬
‫المذكور في الفرض األول؛ أي إنه سيُخصص لبيان القانون الواجب التطبيق على معاملة البلوك‬
‫تشين حال غياب اتفاق األطراف‪ ،‬على أن تُكلَّل فكرة انعدام هذا االتفاق ببيان المقترحات التي‬
‫قيل بها في هذا الطرح‪ ،‬ثم يُختتم ما سبق ببيان الحل األ َ ْولَى باالتباع‪.‬‬

‫الفرض األول‪ :‬اتفاق أطراف معاملة البلوك تشين على القانون الواجب التطبيق‪:‬‬

‫يمكن ألطراف معاملة البلوك تشين اختيار القانون الواجب التطبيق الذي سيتم اللجوء‬
‫ي س عالقة تعاقدية‪ ،‬بيد َّ‬
‫أن ما ينبغي‬ ‫لفض منازعاتهم الحالية أو المستقبلة‪ ،‬وكحال أطراف أ ّ‬
‫إليه س ّ‬
‫التأكيد عليه هنا هو أن القانون المختار من قبل المشاركين ‪ blockchainers‬الذي قد‬
‫يتعيَّن أن يسبقه ‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬اعتراف الدولة التي اختُير‬ ‫(‪)259‬‬
‫يتبع دولة بعينها أو ال‬
‫قانونها بمعامالت البلوك تشين من حيث األساس‪ ،‬على النحو الذي يُمكنها من إحداث تأثير‬
‫قانوني ملزم بالتبعية‪.‬‬

‫(‪ )259‬من منظور أن اتفاق األطراف قد يتعلَّق بتطبيق نصوص اتفاقية أو مبادئ دولية معينة‬
‫أو حتى أعراف وممارسات دولية معينة‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫وفي محاولة لتتبع األساس الذي بُني عليه الفرض السابق؛ فإلى جوار كونه الحل األمثل‬
‫فرغ في صورة عقود ذكية ‪Smart Contacts‬؛ فمن‬ ‫لمثل هذه التعامالت التي عادة ما ت ُ َّ‬
‫ُخول أطراف معاملة البلوك تشين الحق في اختيار القانون الواجب التطبيق‪ ،‬وهو‬ ‫الوارد أن ي َّ‬
‫ما ي س ّ‬
‫ُعزز من حرية األطراف مستخدمي تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫وبخاصة في ظ سّل صعوبة تحديد مكان مادي للموقع يمكن من خالله االعتداد بقانون‬
‫الموقع كقانون واجب التطبيق؛ وعليه قيل بإمكانية اتفاق األطراف على إدراج شرط خاص‬
‫باختيار القانون‪ ،‬وهو شأن يتطلب بطبيعة الحال رضاء كل طرف من األطراف على تطبيق‬
‫هذا القانون المحدد‪ ،‬مع االعتراف بأن المعضلة الواقعية التي ستواجه هذا الرأي هو أن‬
‫تقنية البلوك تشين في حد ذاتها تقوم على النظام الالمركزي باعتمادها على نظام الند للند‬
‫‪ ،peer to peer‬كونه نظا ًما مغلقًا إلى حد كبير على خالف االستخدام العادي‬
‫لإلنترنت(‪.)260‬‬

‫وعليه فإذا كانت قواعد القانون الدولي الخاص تُخضع العقد الدولي لقانون إرادة‬
‫(‪)261‬‬
‫فإن العقد الذكي سيخضع هنا لقانون إرادة المشاركين فيه ومحل اختيارهم‪.‬‬ ‫الفرقاء‬

‫وربطا لما قيل في حق االختصاص القضائي بما أُسلف بيانه فيما يتعلق بالقانون الواجب‬
‫التطبيق فإن‪" :‬اختيار المشاركين ‪ blockchainers‬للقانون الواجب التطبيق على‬
‫معاملة البلوك تشين يمكن أن يكون ُمكمالً لالتفاق على المحكمة المختصة‪ ،‬ويتصور كذلك‬
‫أن يتم االتفاق عليه وإدراجه ضمن نصوص العقد الذكي نفسه‪ ،‬بوصفها العقود الراعية‬
‫لهذا النوع من المعامالت االفتراضية‪ ،‬التي من بينها تقنية البلوك تشين‪ ،‬أو حتى بإدراجها‬
‫في جزئية الشروط واألحكام العامة بالعقد؛ كحال االتفاق على المحكمة المختصة‪ ،‬على نحو‬
‫ما ت َّم بيانه في حينه"‪.‬‬

‫(‪ )260‬انظر‪:‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p.70,71.‬‬
‫(‪ )261‬د‪ .‬هشام صادق‪ ،‬د‪ .‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬القانون الدولي الخاص‪ ،‬تنازع القوانين والجنسية ومركز‬
‫األجانب‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2010 ،‬ص‪.77‬‬
‫‪254‬‬
‫هذا ويسفر الرجوع إلى مبادئ اتفاقية الهاي المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق على‬
‫عقود التجارة الدولية لسنة ‪2015‬؛ أن نص المادة األولى من مبادئ اتفاقية الهاي قد تفيد في‬
‫بحث مدى صحة القانون الواجب التطبيق الذي ت َّم اختياره واالتفاق عليه اعتمادا على نطاق‬
‫تطبيقها‪ ،‬مع وجوب اإلشارة إلى أن مبادئ الهاي المذكورة تنطبق فقط "إذا كان كل طرف‬
‫من أطراف العقد يتصرف تبعا لممارسات تجارته أو مهنته‪ ،‬وال يستثنى من هذا الشرط إال‬
‫عقود المستهلكين وعقود التوظيف"(‪.)262‬‬
‫الفرض الثاني‪ :‬غياب اتفاق أطراف معاملة البلوك تشين على القانون الواجب التطبيق‪:‬‬
‫أفاض فقهاء القانون الدولي الخاص في سرد الحجج الداعمة لمنح أطراف العالقة‬
‫التعاقدية الحق في اختيار القانون أو القواعد التي تحكم عقدهم؛ وعلى اعتبار أن من يملك‬
‫األكثر يملك األقل(‪)263‬؛ إال أنه وفي المقابل ظل متوقعا ‪-‬بل موجودا‪ -‬غياب لمثل هذا االختيار‬
‫في أي عقد؛ ذكيا كان العقد أو غير ذلك‪ ،‬ومن هنا ُولد هذا الفرض‪ ،‬وبات مصاحبا له أهمية‬
‫بيان الحلول المرافقة لفكرة غياب اتفاق أطراف معاملة البلوك تشين على القانون الواجب‬
‫التطبيق‪.‬‬
‫ويبدو مالئما ‪-‬قبل الخوض في بيان الحل الواجب االتباع جراء غياب اتفاق أطراف‬
‫معاملة البلوك تشين عن تحديد القانون الواجب التطبيق‪ -‬تسليط الضوء على األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ ‬أهم المزايا الناجمة عن تحديد القانون الواجب التطبيق على معامالت البلوك تشين؛‬

‫)‪(262‬‬
‫‪Art. (1/1) The Hague Principles on Choice of Law in International Commercial‬‬
‫‪Contracts 2015:‬‬
‫‪‘These Principles apply to choice of law in international contracts where each‬‬
‫‪party is acting in the exercise of its trade or profession. They do not apply to‬‬
‫‪consumer or employment contracts’’.‬‬
‫لمزيد من التفاصيل حول شرح المادة المذكورة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Alex Mills, Party Autonomy in Private International Law, Cambridge University‬‬
‫‪Press, 2018, p. 457.‬‬
‫(‪ )263‬في بيان هذه الحجج طالع المرجع القيم‪ :‬األصول في التنازع الدولي للقوانين‪ ،‬ل ستاذ الدكتور أحمد‬
‫عبد الكريم سالمة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص‪ 1064‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ ‬ثم نتائج غياب اتفاق األطراف على القانون الواجب التطبيق؛‬

‫‪ ‬ثم تُكلَّل الفكرة ببيان الخيار القانوني الذي يمكن تطبيقه في ضوء هذه المالبسات‪.‬‬

‫وكأن الطرح في خصوص الفرض المتعلق بغياب اتفاق أطراف معاملة البلوك تشين‬
‫على القانون الواجب التطبيق سيُست َ َهل ببيان "المزايا" التي تَقدَّم الحديث عنها‪ ،‬ثم "نتائج‬
‫غياب القانون الواجب التطبيق"‪ ،‬يعقبهما بيان "الحل األ َ ْولَى باالتباع" على الترتيب‪.‬‬

‫وبناء عليه؛ فبالنظر إلى أهم مزايا اختيار أطراف معاملة البلوك تشين للقانون الواجب‬
‫التطبيق؛ فتتجلى في توفير القدر الالزم من األمان القانوني‪ ،‬وبالتبعية اليقين القانوني‪ ،‬في‬
‫ظل توافر التنبؤ بالقانون الواجب التطبيق(‪)264‬؛ وبإنزال مقتضى القول السابق على معامالت‬
‫البلوك تشين على وجه التحديد فيُالحظ أن المعرفة المسبقة للقانون الواجب التطبيق فيما‬
‫يخص العقود الذكية من شأنه تفادي حدوث أية ظروف قانونية غير متوقعة من شأنها جعل‬
‫العقد في حد ذاته غير قانوني أو حتى غير ممكن تنفيذه(‪.)265‬‬

‫ووضعا ل فكار في مكانها الصحيح يتعيَّن اإلشارة إلى أنه من أولى العراقيل التي يمكن‬
‫أن تنبثق عن إتاحة الفرصة ألطراف معاملة البلوك تشين لالتفاق على قانون واجب التطبيق‬
‫هي‪ :‬عدم صحة اختيارهم لهذا القانون لسبب أو آلخر وعلى نحو ما سيُظهر البحث الحقًا‪.‬‬
‫وهو ما يجدد التساؤل‪ :‬أي قانون سيتم تطبيقه في حالة عدم صحة اختيار القانون المختار من‬
‫قبل األطراف للتطبيق؟ وهو ما يُش س ّكل عودة لمضمون الفكرة التي حملها الفرض الثاني‪،‬‬
‫وبالتالي فإن الرد على هذا التساؤل يصب في نفس خانة الفرض المذكور‪ ،‬وهو ما ستقف‬
‫عنده فقرات البحث القادمة‪.‬‬

‫(‪ )264‬في شرح فكرة اليقين القانوني "ال ُمتغير"‪ :‬مفهومه وأهميته وجوانبه بشيء من التفصيل‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Mark Fenwick, Mathias Siems, Stefan Wrbk, The Shifting Meaning of Legal‬‬
‫‪Certainty in Comparative and Transnational Law, Oxford and Portland Oregon,‬‬
‫‪Hart Publishing, US, 2017, p. 275.‬‬
‫(‪ )265‬في تأصيل هذا العرض‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p 78, 79.‬‬
‫‪256‬‬
‫ولقد بات مه ًّما قبل االنتقال إلى بيان مقترحات للقانون الواجب التطبيق على البلوك‬
‫تشين حال غياب اتفاق األطراف‪ ،‬اإلشارة إلى أنه‪ ،‬مما يُعزز من صعوبة تحديد القانون‬
‫الواجب التطبيق في هذا الفرض سببان أساسيَّان(‪:)266‬‬

‫‪ ‬أولهما‪ :‬االستحالة المرافقة لتحديد موقع أو مكان لمعامالت البلوك تشين ذات‬
‫الطبيعة االفتراضية‪.‬‬

‫‪ ‬ثانيهما‪ :‬استحالة تحديد تطبيق أي من ضوابط اإلسناد ‪Connecting‬‬


‫(‪)267‬‬
‫بغرض الوصول إلى القانون األوثق صلة ‪The‬‬ ‫‪ Factors‬التي يمكن اللجوء إليها‬
‫‪.closest connection‬‬

‫وإذا كان الواقع يحتم الوصول إلى المعطيات السابقة‪ ،‬فما السبيل إذن لمعرفة القانون‬
‫الواجب التطبيق على معامالت البلوك تشين؟‬

‫وسي َُر ُّد على التساؤل السابق ببيان ما قيل من اقتراحات سعت لإلجابة عنه‪:‬‬

‫مقترحات للقانون الواجب التطبيق على البلوك تشين حال غياب اتفاق األطراف‪:‬‬

‫أسفر البحث عن القانون الواجب التطبيق حال انتفاء اختيار األطراف للقانون الواجب‬
‫ض َد ك ٌّل منها ب ُح َججه‪ ،‬وقد آثرت الوقوف عند ما قيل‬
‫ع سّ‬
‫التطبيق عن بعض المقترحات التي ُ‬
‫في هذا الخضم من مقترحات متنوعة‪ ،‬على أن يُشار في ع ُجز الفكرة المتقدَّم الحديث عنها‬
‫إلى الح سّل األ َ ْولَى باالتباع‪.‬‬

‫)‪(266‬‬
‫‪Ibid. 82.‬‬
‫(‪ )267‬انظر في ذلك رأي الفقيه‪:‬‬
‫‪Anton S. Zimmermann, Blockchain Networks and European Private‬‬
‫‪International Law, Issued by the official website for ‘Conflict of Laws.net’: Views‬‬
‫‪and News in Private International Law, op, cit., 2018.‬‬
‫‪257‬‬
‫االقتراح األول‪ :‬تطبيق قانون موقع الخادم‪:‬‬

‫من المتعارف عليه أن قواعد القانون الدولي الخاص تسعى صوب تحديد القانون األوثق‬
‫صلة‪ ،‬ومن ثم تطبيقه؛ وألن قواعد األخير تُولي أهمية لقانون الموقع الفعلي المادي‬
‫‪ ،physical location‬سواء أكان ذلك للممتلكات أم للعالقات القانونية؛ وبالنظر لما لقانون‬
‫ازع كُتب لها البقاء والنأي عن‬ ‫الموقع من هيمنة راسخة‪ ،‬حتى قيل بأنه ال توجد قاعدة تَنَ ُ‬
‫الجدل حول وجودها وصالحيتها كما كُتب لقانون الموقع(‪.)268‬‬

‫وإنزا ُل فحوى مقتضيات فكرة قانون الموقع المذكورة على معامالت تكنولوجيا البلوك‬
‫تشين تقتضي النظر إلى قانون موقع الخادم ‪the place where the server is‬‬
‫‪ located‬على أنه هو القانون األ َ ْولى بالتطبيق في شأن معامالت البلوك تشين(‪.)269‬‬

‫نقد االقتراح األول‪:‬‬


‫تعرض للنقد؛ إذ سرعان ما ارتطم هذا الرأي‬
‫بيد أن الرأي السابق ‪-‬على ما يبدو‪ -‬قد َّ‬
‫بالواقع العملي ‪-‬أو باألحرى الواقع االفتراضي‪ -‬الذي ترعرعت ومازالت تترعرع فيه‬
‫ضد صعوبة القول بأنه ال يوجد خادم مركزي ‪Central‬‬
‫معامالت البلوك تشين‪ ،‬وهو ما يُع س ّ‬
‫‪ Server‬يمكن استخدامه كمالذ لتحديد موقع البيانات(‪ ،)270‬بل هناك أكثر من ذلك؛ فحتى‬
‫مع إمكانية تحديد موقع للخادم فقد قيل بأن هذا التحديد ال يعد ًّ‬
‫حال ُمرضيًا‪ ،‬ليس ألن هذا‬
‫الموقع من الصعب التنبؤ به فقط‪ ،‬بل وألنه يَس ُهل التالعب به واختراقه أو حتى التعدي‬
‫عليه(‪.)271‬‬

‫(‪ )268‬د‪ .‬أحمد عبد الكريم سالمة‪ ،‬األصول في التنازع الدولي للقوانين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.972‬‬
‫)‪(269‬‬
‫‪For more details, Joel R. Reidenberg Technology and Internet Jurisdiction,‬‬
‫‪University of Pennsylvania Law Review, Vol. 153, 2005, p. 1957.‬‬
‫‪Available at: https://scholarship.law.upenn.edu/penn_law_review/vol153/iss6/3 ,‬‬
‫‪Last visit on 8/12/2019.‬‬
‫)‪(270‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p.70.‬‬
‫)‪(271‬‬
‫‪Dan Jerker B. Svantesson, Private International Law and the Internet, wolters‬‬
‫‪Kluwer, Netherlands, 2016, 3rd Edition, p. 469.‬‬
‫‪258‬‬
‫وفي ضوء أبعاد جوهر فكرة النقد السابق كان من الطبيعي القول بأنه ال يجوز االعتداد‬

‫بقانون موقع الخادم كقانون يمكن تطبيقه على المعامالت التي تتم اعتمادا على تقنية البلوك‬
‫تشين؛ إذ َّ‬
‫إن افتراضية هذه التقنية وعدم مركزيتها وتصور اختراق موقعها هم بمثابة أهم‬

‫أسباب دحض القول بإمكانية تطبيق قانون موقع الخادم‪.‬‬

‫وألن القول السابق ال يعفي ‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬من استئناف محاوالت تحديد القانون‬

‫ستمر طرح ما قيل من رؤى في سياق بيان‬


‫ُّ‬ ‫الواجب التطبيق على معامالت البلوك تشين؛ فسيَ‬
‫القانون الواجب التطبيق على معامالت البلوك تشين حال غياب اتفاق أطرافها على القانون‬
‫الواجب التطبيق‪.‬‬

‫االقتراح الثاني‪ :‬تطبيق قانون بلد القاضي‪:‬‬

‫في ضوء ما ُو س ّجه لقانون موقع الخادم من نقد مضى بيانه؛ قيل بأن قانون بلد القاضي‬

‫‪ lex fori‬هو القانون األولى بالتطبيق؛ بل إن محاوالت إنشاء عالقة موضوعية مع قانون‬

‫أي دولة أخرى ما هي إال محاوالت ستبوء بالفشل‪ ،‬ولو من دون قصد(‪ ،)272‬وبطبيعة الحال‬

‫لم يكن القول بأن قانون بلد القاضي هو القانون األولى بالتطبيق على معامالت البلوك تشين‬

‫ضد بالتطبيقات الواقعية المؤ سيّدة ألولوية تطبيق هذا القانون على‬
‫ع سّ‬
‫قوال نظريًّا فحسب‪ ،‬بل ُ‬
‫وجه التحديد‪.‬‬

‫تطبيق واقعي‪:‬‬

‫المشرعون في بعض الدول ‪-‬كدولة موناكو في مثالنا‪ -‬صوب إعداد مسودات‬


‫سّ‬ ‫سعى‬

‫للمقترحات المتعلقة‪ ،‬بإعداد النصوص ذات الصلة بالقانون الواجب التطبيق على معامالت‬

‫)‪(272‬‬
‫‪Barbara Graham-Siegenthaler and Andreas Furrer, The Position of Blockchain‬‬
‫‪Technology and Bitcoin in Swiss Law, May 2017, op, cit.,‬‬
‫‪259‬‬
‫البلوك تشين‪ ،‬وانتهوا بالفعل إلى أن قانون بلد القاضي ‪ lex fori‬هو الخيار األمثل في هذا‬

‫الصدد(‪.)273‬‬

‫ومن المنظور العملي ذاته؛ فثمة تطبيقات عملية مرجحة لتطبيق قانون بلد القاضي‬
‫عليها‪ ،‬وعلى نحو ما ستقف سطور البحث القادمة؛ إذ سيُقصر البيان هنا على تطبيقين اثنين‬
‫على ما يأتي‪:‬‬

‫بعض التطبيقات العملية المرجحة لتطبيق قانون بلد القاضي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬سالسل الكتل العامة ‪:Public blockchains‬‬

‫تُع ُّد مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق في خصوص سالسل الكتل العامة إحدى‬
‫التطبيقات التي يثور بخصوصها السؤال حول القانون الواجب التطبيق عليها‪ ،‬وبخاصة في‬
‫ظل عدم وجود جهة إدارية مركزية تختص بها‪ ،‬وهو ما يُر س ّجح من تطبيق قانون بلد القاضي‬
‫عليها‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬توافر حالة الخطأ ‪:Tort‬‬

‫إذ يصعب في هذا الفرض الحصول على موافقة مرتكب الخطأ‪ ،‬في خصوص القانون‬
‫الواجب التطبيق‪ ،‬بافتراض أنه ت َّم معرفة هويته من حيث المبدأ‪ ،‬وعلى نحو يُعلي من أولوية‬
‫تطبيق قانون بلد القاضي في هذا الخصوص‪.‬‬

‫وبناء عليه فقد بدا من المثالين المذكورين صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق من‬
‫ي ٍ ‪ inevitable‬ال مفر من تطبيقه عند‬
‫ناحية‪ ،‬وبأولوية تطبيق قانون بلد القاضي كخيار حتم ّ‬

‫)‪(273‬‬
‫‪See, Art. (5) from the draft of the Proposal for blockchain Act in Monaco,‬‬
‫‪Available online at,‬‬
‫‪http://www.conseil-national.mc/index.php/textes-et-lois/propositions-de-‬‬
‫‪loi/item/600-237-proposition-de-loi-relative-a-la-blockchain , Last visit on‬‬
‫‪8/12/2019.‬‬
‫‪260‬‬
‫عرض النزاع أمام محكمة الموضوع من ناحية أخرى‪ ،‬وطالما لم يَت َّ سفق أطراف معاملة البلوك‬
‫تشين أو المشاركون بداءة على قانون واجب التطبيق(‪.)274‬‬

‫وبعيدا عن تطبيق هذا أو ذاك؛ أقصد قانون موقع الخادم أو قانون بلد القاضي؛ فثمة‬
‫اقترا ٌح ثالث ‪-‬أراه وجيها‪ -‬أ ُفردت له صفحات البحث القادمة‪:‬‬

‫االقتراح الثالث‪ :‬تطبيق تقنين خاص بالبلوك تشين أو التشفير ‪:Lex Cryptographia‬‬

‫يُع ُّد مصطلح قانون البلوك تشين ‪ Blockchain law‬أو قانون التشفير في عموم‬
‫القول‪ ،‬الذي يُشار إليه بـ ‪ ،Lex Cryptographia‬من بين المصطلحات التي ُ‬
‫طرحت‬
‫في اآلونة األخيرة‪ ،‬وهي في ازدياد ملحوظ‪ ،‬وعلى نفس نهج ‪ ،Lex mercatoria‬ذلك‬
‫المصطلح الالتيني الدارج التعبير عنه بـ "القانون التجاري المشترك أو قانون التجار عبر‬
‫الدول"(‪)275‬؛ في إشارة إلى مجموعة مبادئ التجارة التي يتم استخدامها‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫المصطلحات القريبة(‪.)276‬‬

‫ومن المنطلق ذاته؛ فإذا كانت قوانين التجار المشار إليها قد خرجت من رحم ممارسات‬
‫وأعراف التجار؛ فعلى نفس المنوال فإن القواعد التي يفترض وجودها في قانون البلوك تشين‬
‫أو قانون التشفير ‪ Lex Cryptographia‬ستولد من رحم ممارسات وأعراف وعادات‬
‫الغالبية العظمى من المشاركين في تقنية البلوك تشين ‪the practices and‬‬
‫‪ ،customs of participants‬وستسمد هذه القواعد شرعيتها من مجموع‬

‫(‪ )274‬في هاتين الحالتين‪ ،‬انظر‪:‬‬


‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p. 81.‬‬
‫(‪ )275‬د‪ .‬هشام صادق‪ ،‬د‪ .‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬القانون الدولي الخاص‪ :‬تنازع القوانين – االختصاص‬
‫القضائي الدولي‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،2007 ،‬ص‪.14‬‬
‫)‪(276‬‬
‫‪Michèle Finck, Blockchain Regulation and Governance in Europe, Cambridge‬‬
‫‪university press, UK, 2019, p. 73.‬‬
‫‪261‬‬
‫المشاركين ‪ -)277(Blockchainers‬وبعيـدًا عن الدولة(‪ -)278‬بحكـم ذاتيـة تنـظيمها من‬
‫قبل هـؤالء المشاركين‪.‬‬

‫وعليه فإن قانون البلوك تشين أو قانون التشفير ‪-‬كما ما يبدو من اسمها‪Lex -‬‬
‫‪Cryptographia‬هي قواعد تعتمد على "المركزية" هذه التقنية وكذا "دوليتها"‪ ،‬إلى‬
‫جوار "طبيعتها المشفرة أو المعماة"‪ ،‬وهو ما بدا واضحا من مسماها نفسه؛ إذ يعتمد القانون‬
‫المذكور على قواعد تُدار من خالل عقود ذكية ذاتية التنفيذ وال مركزية(‪.)279‬‬

‫مضمون فكرة قانون التشفير ‪ Lex Cryptographia‬في ميزان القانون الدولي الخاص‪:‬‬

‫لقد درج العمل الدولي بين أعضاء التجمعات المهنية والتجارية ورجال الصناعة والمال‬
‫على اتباع عادات معينة في تعامالتهم التجارية عبر الدول‪ ،‬وتوجد أمثلة مهمة لمثل هذه‬
‫العادات ذات النشأة التلقائية؛ مثل تلك السائدة في األسواق المالية‪ ،‬كالعادات المتعلقة بعمليات‬
‫االئتمان التي تبنتها غرفة التجارة الدولية‪ ،‬ومعلوم َّ‬
‫أن مثل هذه العادات تتسم في الغالب‬
‫بالطابع الفني المتخصص أكثر من اتسامها بالطابع القانوني؛ وعليه فقد تختلف هذه العادات‬
‫من نوع من العقود إلى آخر داخل إطار الحرفة أو المهنة الواحدة(‪.)280‬‬

‫)‪(277‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p.73.‬‬
‫(‪ )278‬في شرح هذه الفكرة انظر‪:‬‬
‫‪Simon de Charentenay, Blockchain et Droit: Code is deeply Law, published in‬‬
‫‪blockchain France, Feb. 2018.‬‬
‫‪See at, https://blockchainfrance.net/2017/09/19/blockchain-et-droit/ , Last visit on‬‬
‫‪8/12/2019.‬‬
‫)‪(279‬‬
‫‪Michèle Finck, Blockchain Regulation and Governance in Europe, op, cit., p.‬‬
‫‪73; See also, Wright, Aaron and De Filippi, Primavera, Decentralized Blockchain‬‬
‫‪Technology and the Rise of Lex Cryptographia, March 2015.‬‬
‫‪Available at SSRN:‬‬
‫‪https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2580664, Last visit on‬‬
‫‪6/12/2019.‬‬
‫(‪ )280‬د‪ .‬هشام على صادق‪ ،‬القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،1995‬ص‪ 154‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪262‬‬
‫مسوغات الحاجة إلى قانون خاص بالتشفير أو بالبلوك تشين ‪:Lex Cryptographia‬‬

‫يُمثل االعتراف بأن ج َّل تعامالت البلوك تشين دولية افتراضية المركزية بطبيعتها‬
‫تعزيز التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫هل من األنسب ترك الخيار للدول المختلفة كي تقوم هي بمهمة تحديد النظام القانوني‬
‫لهذه المعامالت على أراضيها؟ أو حتى تطويع النصوص الحالية كي تتالءم مع مقومات‬
‫تعامالت هذه التقنية؟‬

‫وعليه فقد قيل بأن تدخل الدول في وضع إطار قانوني لمعامالت البلوك تشين هو شأن‬
‫غير طبيعي‪ ،‬وهو ما يَس ُهل مالحظته إذا ت َّم النظر إلى األسس األيدولوجية التي تنبني عليها‬
‫هذه التكنولوجيا(‪)281‬؛ لذا فإن القول بتنظيم القواعد المنظمة للبلوك تشين تنظي ًما ذاتيًّا ودون‬
‫تدخل من سلطات الدولة يتطلب أن يت َّم تحديد القواعد القانونية من خالل مجموع المشاركين‬
‫أو مجموع النظائر ‪ community of peers‬على نحو ما عبر البعض‪ ،‬مع األخذ في‬
‫االعتبار أن توحيد مثل هذه النصوص مرهون بموافقة هؤالء المشاركين(‪.)282‬‬

‫تعقيب‪:‬‬

‫بناء على ما تقدَّم‪ ،‬فإنه لما كانت أحد أهم اختصاصات القانون الدولي الخاص تحديد‬
‫القانون الواجب التطبيق وما ينبثق عن ذلك من احتمالية تنازع القوانين‪ ،‬وكذا تنظيم‬
‫االختصاص القضائي‪ ،‬إلى جانب االعتراف وتنفيذ األحكام األجنبية‪ ،‬وبما أن النهج التقليدي‬
‫للقانون الواجب التطبيق قد تعارض تطبيقه مع الطبيعة االفتراضية الالمركزية للبلوك تشين؛‬

‫)‪(281‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p.71.‬‬
‫)‪(282‬‬
‫‪Melanie de Rosnay, Peer-to-peer as a design principle for law: distribute the‬‬
‫‪law, Journal of Peer Production, 2015, Disruption and the Law, pp.1-9.‬‬
‫‪https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-01103885/file/postprint-mdulong-peer-‬‬
‫‪to-peer-as-a-design-principle-for-law-distribute-the-law.pdf, Last visit on‬‬
‫‪3/10/2019.‬‬
‫‪263‬‬
‫وذلك في ضوء ما ت َّم بيانه من آراء ومعطيات مضى الوقوف عندها‪ ،‬فقد بات مه ًّما البحث‬
‫من أجل إيجاد القواعد القانونية المالئمة المنظمة لتعامالت هذه التقنية‪ ،‬ولكن من منظور‬
‫جديد تكون أحد أعمدته التي يرتكز عليها هي طبيعة وخصائص تكنولوجيا البلوك تشين‪،‬‬
‫التي يستحيل أن تحيد عنها‪.‬‬

‫صا لتُطبَّق‬ ‫وترتيبا على ما سبق ف َّ‬


‫إن تبني قواعد قانونية ملزمة ُوضعت وت َّمتْ صياغتها خصي ً‬
‫على معامالت البلوك تشين من شأنه تحقيق مبدأي األمان واليقين القانوني الناج َميْن عن‬
‫التنبؤ بالقانون وهو أولى من تطويع القوانين ‪-‬أو حتى النصوص القانونية‪ -‬المطروحة‪،‬‬
‫فمعلوم أن عالقات األفراد ومنازعاتهم والمسائل القانونية التي تعرض في الحياة اليومية‬
‫غير قابلة للحصر(‪.)283‬‬

‫وعليه نرى أن الطرح السابق أجدى من االستعانة ببعض النصوص القانونية ذات الصلة‪،‬‬
‫والقريبة نسبيًّا من هذه الرؤى‪ ،‬والتي كانت موجودة بالفعل قبل ظهور تكنولوجيا البلوك‬
‫تشين؛ والتي يصعب تطبيق نصوصها على هذه التقنية‪ ،‬وهو ما حدث بالفعل لدى بعض‬
‫الدول؛ كحال القانون السويسري عندما كان بصدد بعض القضايا ذات الصلة‪ ،‬كسرقة‬
‫العمالت االفتراضية(‪.)284‬‬

‫مواقف بعض الدول من قانون البلوك تشين ‪:Lex Cryptographia‬‬

‫انقسمت مواقف الدول إزاء القانون محل البحث على اتجاهين؛ هما‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬االتجاه الصامت‪:‬‬

‫بموجب هذا االتجاه يالحظ ‪-‬وحتى الفينة التي تكتب فيها هذه السطور‪ -‬أن هناك بعض‬
‫شرعوها لبيان الموقف حيال وجود تقنين للبلوك تشين من عدمه‪،‬‬
‫يتعرض ُم س ّ‬
‫َّ‬ ‫الدول التي لم‬

‫(‪ )283‬د‪ .‬هشام صادق‪ ،‬د‪ .‬عكاشة محمد عبد العال‪ ،‬القانون الدولي الخاص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫)‪(284‬‬
‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p. 69,70‬‬
‫‪264‬‬
‫عيْن في بريطانيا(‪ ،)285‬وكذا االتحاد األوروبي(‪ ،)286‬واللذين لم‬
‫المشر َ‬
‫سّ‬ ‫ومن ذلك موقف كال‬
‫صا صراحة على تنظيم تشريعي منظم لتكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬
‫ين َّ‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬االتجاه المنظم تشريعيًّا‪:‬‬

‫على الجانب اآلخر توجد بعض الدول قد سعت للسير في الخطوات الفعالة صوب بناء‬
‫تشريع منظم للبلوك تشين؛ ومن ذلك دولة الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬التي اختلف الوضع‬
‫سنَّت بموجبه التشريعات ذات الصلة‪ ،‬التي تمثل إطارا‬
‫فيها ع َّما ورد باالتجاه األول؛ إذ ُ‬
‫للتطبيق القانوني لتكنولوجيا البلوك تشين وإمكانية إنفاذ العقود الذكية(‪ ،)287‬كما تجدر اإلشارة‬
‫سنَّت تشريعات للبلوك تشين إلى جانب الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫إلى وجود دول أخرى قد َ‬
‫نذكر منها بيالروسيا ومالطا(‪.)288‬‬

‫آلية مراقبة تنفيذ قانون البلوك تشين ‪ Lex Cryptographia‬وفض منازعاته ذات الصلة‪:‬‬

‫إذا كانت الطبيعة االفتراضية الدولية الالمركزية هي قوام تقنية البلوك تشين‪ ،‬وإذا‬
‫كانت هذه الطبيعة ذاتها هي التي ر َّجحت فكرة إعالء وجود قانون خاص بمثل هذه التعامالت‬
‫التشفيرية‪ ،‬فإن هذا وذاك من شأنه رفع راية التساؤل المنطقي عن آلية مراقبة تطبيق هذه‬
‫القواعد المنظمة الذاتية من قبل جمهور المشاركين بالنظر إلى ممارساتهم وعاداتهم المعمول‬
‫بها في هذا الخصوص‪ ،‬على نحو ما مضى البيان‪.‬‬

‫(‪ )285‬في تفصيل ذلك‪ ،‬طالع الموقع اإللكتروني الرسمي اآلتي ‪:UK Find Legislation‬‬
‫‪See at, http://www.legislation.gov.uk/search , Last visit on 3/10/2019.‬‬
‫(‪ )286‬في تفصيل ذلك‪ ،‬طالع الموقع اإللكتروني الرسمي اآلتي ‪:EU Find Legislation‬‬
‫‪See at, https://europa.eu/european-union/law/find-legislation_en , Last visit on‬‬
‫‪3/10/2019.‬‬
‫(‪ )287‬في تفصيل ذلك‪ ،‬طالع الموقع اإللكتروني الرسمي اآلتي ‪:CONGREES.GOV‬‬
‫‪See at, https://www.congress.gov/ , Last visit on 16/10/2019.‬‬
‫(‪ )288‬لالطالع التفصيلي على مواقف الدول الثالث الوارد ذكرها بالمتن‪ ،‬طالع تفاصيل المقالة اآلتية‪:‬‬
‫‪Darya Yafimava, Blockchain and The Law: Regulations Around the World, Issued‬‬
‫‪by the official website of open ledger company, Jan. 2019.‬‬
‫‪See at, https://openledger.info/insights/blockchain-law-regulations/ , Last visit‬‬
‫‪6/12/2019.‬‬
‫‪265‬‬
‫وهنا ينبغي التأكيد على َّ‬
‫أن آلية مراقبة تطبيق هذه القواعد يتعين أن تكون هي األخرى‬
‫نابعة من طبيعة افتراضية فمن الداء يكون الدواء؛ وعليه تكون مراقبة مدى تنفيذ قواعد‬
‫القانون المذكور من خالل نهج طرق تسوية المنازعات عبر اإلنترنت ‪ODR Online‬‬
‫‪.)289(Dispute Resolution‬‬
‫وثمة طريقة أخرى لح سّل النزاعات ذات الصلة أال وهي‪ :‬تسوية النزاعات عبر جهاز‬
‫الحاسب اآللي ‪ ،CDR Computer Dispute Resolution‬وهذه الوسيلة ستعمل‬
‫تلقائيًّا بمجرد حدوث خلل في النظام‪ ،‬كما تتجلى أهميتها حينما تقوم بنسش القواعد القانونية‬
‫إلى رموز الحاسب اآللي من خاللها جمعها وتنسقيها ‪.(290)Codifying‬‬
‫ُكلّل العرض السابق للرؤى التي صاحبت فكرة قانون التشفير أو‬
‫وأخيرا وليس بآخر ي س‬
‫قانون البلوك تشين ‪ Lex Cryptographia‬مسألة جوهرية ربما جاءت في ذهن القارئ‬
‫وهو يُطالع ما يحيط بالقانون المذكور من تساؤالت‪ ،‬أال وهي مدى كفاية قواعد مثل هذا‬
‫القانون المذكور؟ وهو ما ستتناوله سطور البحث القادمة‪.‬‬
‫مدى كفاية قواعد قانون التشفير "قانون البلوك تشين" ‪:Lex Cryptographia‬‬
‫فرض الوضع السابق تساؤال واقعيًّا مبعثه مدى كفاية القواعد القانونية المنظمة ذاتيًّا‬
‫بواسطة مجموع المشاركين للوفاء بالغرض الذي من أجله ُوجدت هذه النصوص؟‬

‫(‪ )289‬في هذا الطرح انظر‪:‬‬


‫‪Amy J. Schmitz and Colin Rule, Online Dispute Resolution for Smart Contracts,‬‬
‫‪Journal of Dispute Resolution 103; University of Missouri School of Law Legal‬‬
‫‪Studies, Research Paper No. 2019-11, pp. 103-125.‬‬
‫‪Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=3410450 , Last visit 6/12/2019.‬‬
‫(‪ )290‬ولمزيد من التفاصيل عن هذه التقنية طالع‪:‬‬
‫‪Primavera De Filippi and Samer Hassa, Blockchain technology as a regulatory‬‬
‫‪technology: From code is law to law is code, Published in First Monday Journal,‬‬
‫‪US, Volume 21, No. 12, Nov. 2016.‬‬
‫‪Available at SSRN:‬‬
‫‪https://www.researchgate.net/publication/311447869_Blockchain_Technology_as‬‬
‫‪_a_Regulatory_Technology_From_Code_is_Law_to_Law_is_Code, Last visit on‬‬
‫‪6/10/2019.‬‬
‫‪266‬‬
‫وهو ما أجاب عنه بعض الفقهاء بأنه حتى مع نجاح المشاركين في تطبيق أبعاد فكرة‬
‫التنظيم الذاتي لهذا النظام؛ فإن هذا لن يمنع معامالت البلوك تشين من أن تتفاعل واقعيًّا مع‬
‫قواعد القانون المعمول بها في العالم الحقيقي‪ ،‬وهو ما أُيد باألمثلة ذات الصلة(‪.)291‬‬

‫مثال‪:‬‬

‫عندما َي ُح ُّل الموعد النهائي المتفق عليه لسداد القرض المأخوذ تبعا لتقنية البلوك تشين‪،‬‬
‫يٍ‬
‫في الوقت الذي كان فيه المقترض مفلسا؛ فما الحل هنا إذن في ظل استحالة التغيير في أ ّ‬
‫من البيانات الموجودة على البلوك ‪ block‬ذي الصلة إذا ما ت َّم التسجيل الفعلي لهذه البيانات؟‬

‫ُشرع في اإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬أُعيد التذكرة َّ‬


‫بأن استحالة تغيير بيانات‬ ‫وقبل أن ي َ‬
‫أخص خصائص تقنية البلوك تشين‪ ،‬التي لم ولن تحيد عنها‪ ،‬على نحو‬
‫سّ‬ ‫سالسل الكتل هي من‬
‫ما ذُكر مرارا‪.‬‬

‫وعليه فالظاهر َّ‬


‫أن معامالت البلوك تشين تتنازع هنا مع قواعد القانون اإللزامية في‬
‫خصوص إجراءات اإلعسار‪ ،‬وبعبارة واحدة‪ :‬فإن معامالت البلوك تشين تطرح وج ًها‬
‫للخطورة عندما يصعب تنفيذ المعاملة ذات الصلة بسبب ظروف استجدَّتْ ولكن في عالمنا‬
‫َّ‬
‫وكأن الواقع العملي التقليدي ‪-‬إن جاز لنا التعبير‪ -‬يُبرهسن على أن االنتقال‬ ‫الواقعي!!(‪،)292‬‬
‫الكلي لالفتراضية جملة واحدة هو شأن لم تُهيَّأ له الظروف بعد‪.‬‬

‫(‪ )291‬في هذا الرأي‪ ،‬انظر‪:‬‬


‫‪Dan Jerker B. Svantesson, Private International Law and the Internet, op, cit., p.‬‬
‫‪2,3.‬‬
‫)‪(292‬‬
‫‪For more details, Eliza Mik, Smart Contracts: Terminology, Technical‬‬
‫‪Limitations and Real World Complexity, Law, Innovation and Technology. 9, (2),‬‬
‫‪August 17, 2017, pp. 269-300.‬‬
‫‪See at,‬‬
‫‪https://ink.library.smu.edu.sg/cgi/viewcontent.cgi?article=4298&context=sol_rese‬‬
‫‪arch, Last visit on 3/10/2019.‬‬
‫‪267‬‬
‫وعلى إثر ما سبق كان طبيعيًّا أن ينادسي البعض بضرورة إنشاء جسر قانوني يربط ما‬
‫بين العالم االفتراضي والواقعي‪ ،‬وبطبيعة الحال يقع على كاهل فقهاء القانون الدولي الخاص‬
‫ومشرعيه عبء بناء هذا الجسر الرابط بين الطبيعة التقنية للبلوك تشين من جانب والنظام‬
‫القانوني الخاص بكل دولة من جانب آخر‪ ،‬والمعتد بطبيعة كل منهما(‪.)293‬‬

‫موقف القانون الدولي الخاص من قانون التشفير ‪:Lex Cryptographia‬‬

‫وفي محاولة موازية للمناداة بقانون للتشفير‪ ،‬نادى البعض َّ‬


‫بأن إمعان النظر إلى الطبيعة‬
‫المرافقة لهذه التقنية من شأنه القول بأنَّه من األنسب إعمال الدول لقواعد القانون الدولي‬
‫الخاص مع توحيد بعض القواعد القانونية المتعلقة بتقنية البلوك تشين؛ كون هذا التوحيد من‬
‫شأنه تعزيز مستوى األمن القانوني‪ ،‬حتى وإن رافق وجهة النظر هذه االعتراف بأن المستوى‬
‫المرغوب من التوحيد لن يتأتَّى َّإال بوجود اتفاقية دولية تُص ّدسق عليها جميع الدول‪.‬‬

‫وأردف أنصار هذا الرأي‪ :‬وإلى أن تُحقَّق هذه النتيجة المثالية أو ربما الخيالية‬
‫‪utopian result‬؛ فإنه يمكن جمع األفكار ذات الصلة معا بغرض تطوير قواعد القانون‬
‫الدولي الخاص المتعلقة بمسائله‪ ،‬على أن يؤخذ ‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬في االعتبار السمات المميزة‬
‫لتقنية البلوك تشين(‪.)294‬‬

‫بيد َّ‬
‫أن أنصار الرأي السابق ‪-‬على ما يبدو‪ -‬هم أنفسهم ‪-‬وبما أنهم مازالوا يتلمسون‬
‫أصوب السبل‪ -‬قد عادوا بعد إقرارهم للرأي السابق ليؤكدوا أهمية استخدام قواعد للقانون‬
‫الدولي الخاص كونها تُخلف القدرة على التنبؤ بالقانون‪ ،‬بيد أن احتمالية اختالف قواعد‬
‫القانون الموضوعي لك سّل دولة ربما هو ما جعل أنصار هذا الرأي يتراجعون نسبيًّا عن رأيهم‪،‬‬

‫(‪ )293‬في هذا الرأي (بتصرف) انظر‪:‬‬


‫‪Florence Guillaume, Aspects of private international law related to blockchain‬‬
‫‪transactions, op, cit., p.75.‬‬
‫(‪ )294‬في هذا الرأي راجع‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪268‬‬
‫وهو ما بدا من تساؤلهم الذي تال العرض السابق‪ :‬حول مدى احتمالية أفضلية وجود تنظيم‬
‫ذاتي مستقل لك سّل دولة تنظم هذه التقنية(‪)295‬؟!‬

‫تعقيب‪:‬‬

‫وبعيدا عن الصخب الحادث في التوجهات؛ فمن اإلنصاف اإلشارة إلى َّ‬


‫إن وجود اتفاقية‬
‫دولية تنظم المسائل المتعلقة بتعامالت البلوك تشين‪ ،‬والتي من بينها تلك المتعلقة بالقانون‬
‫الدولي الخاص؛ هو توجه ‪-‬على أهميته ووجاهته‪ -‬ال ي سُقلّل من احتمالية اختالف قواعد القانون‬
‫الموضوعي لكل دولة؛ وبالنظر إلى أن نصوص االتفاقية المنشودة ذاتها قد يكون من شأنها‬
‫توحيد قوافل النصوص التشريعية الوطنية ذات الصلة؛ لتكون لهم معينا لصياغة نصوصهم‬
‫الداخلية‪ ،‬ناهيك عن المرتبة المعروفة لالتفاقية الدولية؛ فال تعارض بين هذا وذاك‪.‬‬

‫وحتى يتم تنظيم تعامالت تكنولوجيا البلوك تشين‪ ،‬سواء بإيجاد قواعد القانون الدولي‬
‫الموحدة أو حتى االتفاقية الدولية المأمول ظهورها فعليًّا‪ ،‬يبقى مه ًّما اإلشارة إلى أنَّ‬
‫س‬ ‫الخاص‬
‫الواقع العملي الذي نحياه يُجلي لنا كيف أن الحاجة متزايدة إلى وجود التنظيم القانوني‬
‫الموض ألبعاد التعامالت مع تقنية البلوك تشين على اعتبار أنه ال يمكن تسخير التكنولوجيا‬
‫بشكل منتج في حياتنا بدون قواعد وأساليب جديدة في التفكير القانوني ذاته ألغراض شتى؛‬
‫كتسريع المدفوعات‪ ،‬وتقديم األدوات المالية‪ ،‬وتنظيم تبادل البيانات والمعلومات‪ ،‬وتسهيل‬
‫التفاعالت بين البشر واآلالت(‪.)296‬‬

‫وأختتم البحث بكلمات معدودة أُذ سيّلهما برس َميْن بيانيَّيْن‪ :‬ال يمكن ألحد أن يتوقع على نحو‬
‫مح َّد ٍد ودقيق المستقبل الحقيقي الذي سيالقيه ما أحاط بمعامالت البلوك تشين وما سيحيط بها‬
‫من تساؤالت؛ من بينها موضوع هذا البحث األساسي‪.‬‬

‫(‪ )295‬انظر‪ :‬نفس الموضع السابق‪.‬‬


‫(‪ )296‬لمزيد من التفاصيل حول هذا الطرح‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Primavera De Filippi, Aaron Wright, Blockchain and the Law: The Rule of Code,‬‬
‫‪Harvard University Press, UK, 2019.‬‬
‫‪269‬‬
‫وعليه فالزمن وحده كفيل بإعطاء اإلجابة الدقيقة عن مثل هذه التساؤالت‪ ،‬حتى وإن دلَّ ْ‬
‫ت‬
‫توقعات الخبراء وإحصاءاتُهم الحالية والمستقبلية على االرتفاع الملحوظ في حجم سوق‬
‫معامالت البلوك تشين في جميع أنحاء العالم‪ ،‬أو على الزيادة المطردة في عدد القطاعات التي‬
‫يمكن أن تستفيد من تكنولوجيا البلوك تشين‪ ،‬وكما هو واضح بالرسوم البيانية اآلتية‪:‬‬

‫رسم بياني رقم (‪ )1‬يُبين حجم سوق تكنولوجيا البلوك تشين في جميع أنحاء العالم‬
‫في الفترة الزمنية من ‪ 2018‬إلى ‪( 2023‬والتي قُدرت بمليارات الدوالرات‬
‫األمريكية)(‪.)297‬‬

‫(‪ )297‬وبحسب اإلحصائية اإللكترونية التي أعدتها شركة "‪ "Statista‬األلمانية‪ ،‬والمتخصصة في عمل‬
‫قواعد البيانات‪ ،‬ولمزيد من التفاصيل عن الرسم البياني الموضح هنا‪ ،‬يمكن مطالعة الموقع الرسمي اآلتي‪:‬‬
‫‪See,‬‬ ‫‪https://www.statista.com/statistics/647231/worldwide-blockchain-‬‬
‫‪technology-market-size/, Last visit on 7/12/2019.‬‬
‫‪270‬‬
‫رسمين بيانيين رقم (‪ )2‬يُعددان القطاعات التي يمكن أن تستفيد من تكنولوجيا‬
‫البلوك تشين على وجه الخصوص بالنسب واألرقام(‪.)298‬‬

‫(‪ )298‬في خصوص الرسم البياني األول‪ ،‬يمكن مطالعة الموقع اآلتي‪:‬‬
‫‪271‬‬
‫الخاتمة‬

‫ي هو إلحاق العالقة القانونية‬


‫ي والتشريع ُّ‬ ‫إن غاية ما يرنو إليه االختصاصان القضائ ُّ‬
‫كلّ َليْن مراميهما ببيان سبل االعتراف‬
‫بأوثق المحاكم والقوانين صلة بالمسألة محل النزاع‪ُ ،‬م س‬
‫وتنفيذ الحكم األجنبي‪ ،‬بيد أن ولوج السبل الساعية لتحقيق هذه الغايات قد يصاحبها بعض‬
‫العراقيل ألسباب عدة؛ من بينها ‪-‬وفيما يتعلق بمعامالت البلوك تشين على وجه التحديد‪ -‬عدم‬
‫وجود إقليم (موقع) معين بذاته يمكن أن يُقتفى أثره‪ ،‬ومن ث َّم نسبة االختصاص القضائي‬
‫لمحاكمه‪ ،‬ضف على ذلك الطبيعة االفتراضية الالمركزية المالزمة لمعامالت هذه التقنية‬
‫لذا فالمعطيات السابقة تُع س ّ‬
‫سر المسألة‪ ،‬وبالتبعية تجعل من الصعوبة بمكان تطبيق قواعد القانون‬
‫الدولي الخاص التقليدية في عمومها‪ ،‬وعلى األخص تلك المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق‬
‫على معامالت تكنولوجيا البلوك تشين‪.‬‬

‫مشرعين وفقهاء‪ ،‬بل وحكومات‪ ،‬أن يُس س ّخروا‬


‫سّ‬ ‫وعليه بات مه ًّما على المختصين من‬
‫جهودهم كي ينتهجوا السبل الرامية إلى تحديد كل دولة بذاتها لمدى التأثيرات القانونية التي‬
‫تُحدثها وستُحدثها تكنولوجيا البلوك تشين على المجتمع؛ كما حدث بالفعل في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬وعلى نحو ما توقف عنده البحث؛ كخطوة مبدئية يمكن من خاللها توفير‬
‫الحماية القانونية المالئمة للمتعاملين والمشاركين في هذه التقنية؛ ومن ذلك بيان االختصاص‬
‫القضائي والتشريعي على النحو الذي يتناسب مع معامالتهم البعيدة عن التقليدية‪.‬‬

‫وإذعانا منَّا للشروط الشكلية للبحث؛ فقد سعيتُ إلى معالجة الجوانب القانونية لمعامالت‬
‫تكنولوجيا البلوك تشين‪ ،‬من زاوية القانون الدولي الخاص تحديدا؛ محا سولة تتبع ثم تأصيل ما‬
‫ارتأيت أن فكرته تصقل البحث وتؤصله بدون إسهاب أو إيجاز ‪-‬عساني أكون قد وفقت في‬

‫‪See at, https://www.zdnet.com/article/blockchain-and-business-looking-beyond-‬‬


‫‪the-hype/ , Last visit on 7/12/2019.‬‬
‫وبالنسبة للرسم البياني الثاني‪ ،‬فهو متاح على الموقع اإللكتروني اآلتي‪:‬‬
‫‪See at, https://www.aswaqcrypto.com/, Last visit on 7/12/2019.‬‬
‫‪272‬‬
‫هذا الجمع‪ -‬يحدوني األمل في أن يُس سهم البحث في حماية حقوق المتعاملين بهذه التكنولوجيا‪،‬‬
‫وأن يكون شعلة األمل التي تُظهر حقوقهم‪.‬‬

‫وفي سبيل ذلك استُهل البحث بمقدمة اشتملت على إطاللة على موضوع الدراسة‬
‫وأهميتها‪ ،‬ثم إشكاليات الدراسة وأهدافها‪ ،‬تبعها عرض لمنهجية الدراسة‪ ،‬وبيان حدودها‬
‫التي ُر ْ‬
‫سمت لها‪ ،‬ثم عرض للمنهج األنسب الذي سلكته الدراسة‪ ،‬و ُمكللة ما سبق بتوضيح‬
‫خطتها‪.‬‬

‫وانشطرت الدراسة بعد ذلك إلى مبحث تمهيدي‪ ،‬ومبحثين أساسيين؛ سعى المبحث‬
‫التمهيدي ليضع اللبنة األولى من لبنات البحث؛ مبينا‪ :‬ماهية تكنولوجيا البلوك تشين في‬
‫إيجاز يُع سبّد طريق مبحثَي الدراسة األساسيَّيْن‪ ،‬كونه يحمل شرارة االنطالق إلى فكرة البحث‬
‫األساسية التي ما كان لنا أن نخوض غمارها دون هذه التوطئة‪.‬‬

‫ثم تاله مبحث أول عُني ببيان فكرة االختصاص القضائي بمعامالت تكنولوجيا البلوك‬
‫تشين؛ ومستوقفا عند بعض التساؤالت ذات الصلة التي أُجيب عنها ك ُّل في حينه‪ ،‬مع الوقوف‬
‫عند بيان أبعاد فكرة االعتراف وتنفيذ األحكام األجنبية الخاصة بمعامالت هذه التقنية‪ ،‬ثم‬
‫أعقبه مبحث ثان ُخصص لبيان القانون الواجب التطبيق على معامالت تكنولوجيا البلوك‬
‫تشين‪ ،‬وبالنظر إلى ما لحق بهذه الفكرة األخيرة تحديدا من حيثيات وأبعاد أصيلة كثيرة سعى‬
‫البحث ليزيح عنها الستار‪.‬‬

‫وبعد أن وصلت ‪-‬بحمد هللا ومنته‪ -‬لهذه المرحلة‪ ،‬أُجمل ما انتهيتُ إليه من نتائج‬
‫وتوصيات فيما يأتي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أبرز نتائج الدراسة‪:‬‬

‫النتيجة األولى‪ :‬أول ما انتهت إليه الدراسة‪ ،‬هو‪ :‬الحاجة الملحة لتنظيم أبعاد ونتائج‬
‫تعامالت البلوك تشين تشريعيًّا وقضائيًّا‪ ،‬ودوليًّا وفقهيًّا؛ فعلى الرغم من سطوع نجم تعامالت‬
‫البلوك تشين في األفق‪ ،‬إال أنها مازالت محاطة بكثير من التساؤالت‪ ،‬وبخاصة أنَّه لم يَ ُح سل‬
‫‪273‬‬
‫الغموض المحاط بها دون ذيوعها المستعر‪.‬‬

‫النتيجة الثانية‪َّ :‬‬


‫أن تطبيق النهج التقليدي للقانون الواجب التطبيق‪ ،‬يتعارض مع‬
‫الطبيعة االفتراضية الالمركزية للبلوك تشين؛ لذا بات لزاما البحث عن القواعد المنظمة‬
‫لتعامالت هذه التقنية‪ ،‬ولكن من منظور جديد يكون أحد أعمدته التي يرتكز عليها هو طبيعة‬
‫تكنولوجيا البلوك تشين وخصائصها التي يستحيل أن تحيد عنها‪.‬‬

‫النتيجة الثالثة‪ :‬سن التشريعات المنظمة لتعامالت هذا الوجه من وجوه التكنولوجيا‪،‬‬
‫ضد الذود بها ع َّما قيل في حقها من آراء سعت‬
‫أو ربما تعديل بعض النصوص التشريعية‪ ،‬يُع س ّ‬
‫لتل ُّمس الرأي األصوب حيالها‪ ،‬وبخاصة بعدما أصبح الماليين يتداولونها حول العالم؛ فالوضع‬
‫القائم أضحى ذا حاجة ماسة إلى تنظيم شامل لكافة جوانبها‪ ،‬والتي من بينها ما سلطت دراستنا‬
‫عليه الضوء‪.‬‬

‫النتيجة الرابعة‪ :‬وارتكازا على صحة ما انتهت إليه النتيجتان السابقتان؛ فافتراضية‬
‫ثان‪ ،‬وتصور اختراق موقعها من‬
‫تقنية البلوك تشين من جانب‪ ،‬وعدم مركزيتها من جانب ٍ‬
‫جانب ثالث‪ ،‬يُع ُّد بمثابة أهم أسباب دحض القول بإمكانية تطبيق قانون موقع الخادم بوصفه‬
‫أحد القوانين التي قيل بإمكانية تطبيقها‪.‬‬

‫النتيجة الخامسة‪ :‬استتماما لما سبق من نتائج؛ فإلى أن يوجد النص التشريعي الصري‬
‫الخاص سيظل قانون بلد القاضي هو القانون الواجب التطبيق‪ ،‬ومحكمته من قَبله التي‬
‫ُرفع إليها النزاع هي األولى بنظر مثل هذه المنازعات‪ ،‬مع االعتداد بما يترتَّب على ذلك من‬
‫نتائج يتبعها مفارقات نوهت لها الدراسة ك ٌّل في مكانه المناسب‪.‬‬

‫النتيجة السادسة‪ :‬ال تُقلل النتيجة السابقة من األهمية المتوقعة لقانون التشفير أو‬
‫قانون البلوك تشين ‪Lex Cryptographia‬؛ كل ما في األمر أن النتيجة السابقة تنظر‬
‫إلى الواقع بعين االعتبار؛ فنحن بحاجة إلى حل واقعي حال؛ والناظر إلى مضمون فكرة‬
‫قانون التشفير سيوقن كيف أنها بحاجة كلية محتمة إلى عنصر الزمن ال ُمشكل ذاتيًّا لعادات‬

‫‪274‬‬
‫وأعراف هذه التكنولوجيا بمرور الوقت‪.‬‬

‫عوز بالدنا ومن قبلها واقعنا العملي إلى إنفاذ المعامالت القائمة على‬
‫النتيجة السابعة‪َ :‬‬
‫تقنية البلوك تشين أمر متصور؛ فالتطور هو سنة هللا في كونه‪ ،‬ولكنه شأن يرتبط بتنظيم‬
‫القانون لمسائله‪ ،‬والتي من بينها ما توقف عنده البحث‪ ،‬بل إقرار التعامل بتقنيات البلوك تشين‬
‫قد دخل حيز الواقع العملي بالفعل‪ ،‬وفي دولنا العربية تحديدا‪ ،‬وهو ما اتضح من التطبيقات‬
‫الواقعية التي سلط البحث الضوء عليها؛ فالحنكة تقتضي حتمية فزع الجهات المختصة للسعي‬
‫الدؤوب صوب االستفادة من إمكانيات هذه التقنية‪.‬‬

‫النتيجة الثامنة‪ :‬إقرار معامالت تقنية البلوك تشين ال يعرقل آلية مراقبتها‪ ،‬وال من‬
‫سبل فض منازعاتها؛ فمن الداء يكون الدواء؛ ففي هذا الشأن يمكن االستعانة بمقتضيات‬
‫تسوية المنازعات عبر الشبكة العنكبوتية ‪ ،ODR‬وكذلك تسوية المنازعات عبر جهاز‬
‫الحاسب اآللي نفسه ‪ CDR‬على نحو ما بَيَّن البحث‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫انتهت الدراسة إلى بعض التوصيات المتواضعة التي آمل أن تجبر شرخا موجودا‪،‬‬
‫أُجملها فيما يأتي‪:‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬أصبحت المعامالت القائمة على تكنولوجيا البلوك تشين واقعا ال يقبل المراء وال‬
‫اإلنكار‪ ،‬وأضحينا بحاجة إلى نصوص خاصة تنظمها كتحديد االختصاص القضائي‬
‫والتشريعي لها‪ ،‬بل سبتنا نتلمس وجود اتفاقية توحد قوافل الدول‪ ،‬وتستجيب للطبيعة‬
‫االفتراضية الالمركزية الدولية التي خرجت من رحمها ويستحيل أن تحيد عنها‪.‬‬

‫صا لتُطبَّق‬
‫ثانيًا‪ :‬إن تبني قواعد قانونية‪ ،‬في المجمل‪ُ ،‬وضعت وتمت صياغتها خصي ً‬
‫على معامالت البلوك تشين من شأنه تحقيق مبدأي األمان واليقين القانوني الناج َمين عن‬
‫التنبؤ بالقانون وهو أولى من تطويع القوانين الموجودة‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تحقيق ما ُو س ّ‬
‫صي به في أوال وثانيا يرتبط بشكل مباشر بالجهد المبذول من قبل‬
‫أصحاب المسؤولية؛ كالمشرعين والفقهاء‪ ،‬بل والحكومات‪ ،‬كي ينتهجوا السبل الرامية إلى‬
‫تحديد مدى التأثيرات القانونية الحالية والمستقبلة لتكنولوجيا البلوك تشين؛ كما هي الحال‬
‫في بعض الدول التي استوقفت عندها الدراسة‪ ،‬كالواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬أهمية وجود جهات رقابية افتراضية تؤمن بأبعاد هذه التعامالت وأهميتها‪،‬‬
‫يسعى أفرادها صوب تنفيذ ما يسهم في تنظيم تعامالت هذه التكنولوجيا على أكمل وجه‪.‬‬

‫سا‪ :‬يوازي ما سبق ضرورة اهتمام الجهات المعنية بعقد الندوات اإلرشادية؛ لرفع‬
‫خام ً‬
‫الوعي المجتمعي بشأن معطيات هذه التكنولوجيا ونتائجها وللتبصير بمقوماتها‪ ،‬وبسبل‬
‫اإلفادة منها‪ .‬باإلضافة إلى توفير برامج تدريبية وورش عمل متخصصة للنهوض بمهندسي‬
‫هذه التقنيات‪ ،‬وللموظفين ذوي الصلة؛ لتوضح لهم سبل التعامل األمثل معها‪.‬‬

‫"وفي الختام نسأل هللا أن يكتب لنا التوفيق والقبول‪ ،‬وأن يقينا الخطأ والزلل والجمود‪،‬‬
‫والدي‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه"‬
‫َّ‬ ‫وأن يجعل ثواب هذا العمل في ميزان حسنات‬

‫‪276‬‬
‫تقنية (البلوك تشين) وحجيتها في إثبات العقود الذكية‬

‫دراسة فقهية مقارنة بقانون األمارات العربية المتحدة‬

‫الدكتور أحمد عيد عبد الحميد إبراهيم‬


‫األستاذ المشارك بقسم الفقه المقارن جامعة األزهر‪ ،‬وكلية العلوم الشرعية بسلطنة عمان‬

‫‪277‬‬
278
‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا ولي الصالحين‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمدا‬
‫رسول هللا ‪.‬‬

‫أما بعد‪ ،‬فإن العالم اآلن يشهد تقدما تقنيا في كثير من المجاالت ويتحول إلى عالم رقمي‬
‫وذلك بدخوله في الثورة الصناعية الرابعة والتي تتجه إلى الثورة الرقمية‪.‬‬

‫ومن المسائل شديدة األهمية تقنية سلسلة الكتل المعروفة بمصطلح "بلوك تشين " والتي‬
‫تهدف إلى توثيق كل الخطوات وتشفيرها وحفظها في أكثر من مكان‪ ،‬والتي تختصر الكثير‬
‫من الخطوات وتؤكد على العولمة في التصرفات المالية‪ ،‬ومن المؤكد أن هذه التقنية ستكون‬
‫في المستقبل القريب هي البوابة لكثير من التعامالت االلكترونية وربما تؤثر على كثير من‬
‫القطاعات التي ال تتطور وتكيف أعمالها مع ما يستجد من تقنيات ‪ ،‬وقد شهد مجال التجارة‬
‫االلكترونية المزيد من التقدم والتطور واإلقبال الكبير‪ ،‬وظهر في عالمنا ما يعرف بالعقود‬
‫الذكية أو العقود آلية التنفيذ التي تختصر الكثير من طرق التعاقد التقليدي بل وتؤدي إلى‬
‫إكمال التعاقد بصورة آلية وتنقل المتعاقد من الثقة باألفراد إلى الثقة بالخوارزميات‬
‫والبرمجيات المحوسبة‪.‬‬

‫وهذا المجال قد يشهد العديد من المنازعات التي تحتاج إلى فصل في إثبات الحقوق ألصحابها‪،‬‬
‫وقد يكون ذلك صعبا عسيرا في بعض األحوال؛ نظرا ألن بعض البرامج التي يعتمد عليها‬
‫تعتمد لغة التشفير بغرض الحماية‪ ،‬وهذا التشفير قد ال يكون معروفا لبعض المتعاملين أو‬
‫لبعض القضاة الذين يتصدون للفصل في القضايا‪ ،‬كما أن التشريعات القانونية ال تتناول هذه‬
‫التقنية بصورة مباشرة وهذا يسبب متاعب كثيرة أمام القضاة والمحامين‪ ،‬ويلقي بالمسؤولية‬
‫على رجال القانون والشريعة في ضرورة إيجاد حلول لهذه المشكلة التي تمثل عبئا كبيرا‬
‫في مجال اإلثبات‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫ولما كان الفقه اإلسالمي ال بد وأن يساير الواقع ويضع له الحلول فضال عن ضرورة‬
‫استشراف المستقبل كانت فكرة هذا الموضوع ليجيب عن بعض اإلشكاالت المتعلقة بهذه‬
‫التقنية المعاصرة "تقنية البلوك تشين وتوظيفها في إثبات الحقوق في مجال العقود الذكية"‬

‫واإلمارات العربية المتحدة من الدول السباقة في هذا المجال‪ ،‬حيث إن التوجه الحكومي فيها‬
‫يهدف إلى أن تكون دولة اإلمارات هي األكثر تقدما ً وجاهزية لتغيرات المستقبل‪ ،‬من خالل‬
‫توفير البنية التحتية الرقمية األكثر تطورا ً على مستوى العالم بحلول عام ‪2021‬م ‪ ،‬وهي‬
‫تسير على هذه الخطى لتصل إلى ما تصبو إليه‪ ،‬ولذلك فمن األهمية إبراز الدور الذي تقوم‬
‫به اإلمارات في التعامل مع هذه التقنية‪ ،‬وهذا ما سأحاوله في هذا البحث ‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪ -1 :‬ما هي تقنية بلوك تشين وما مميزاتها وعيوبها‪ -2 .‬ما هي العقود‬
‫الذكية وكيف يتم إبرامها‪ -3 .‬كيفية االستفادة من تقنية البلوك تشين في مجال اإلثبات‪.‬‬

‫المنهج المتبع‪ :‬المنهج الوصفي الذي يقوم على جمع البيانات والمعلومات لوصف المفردات‬
‫الواردة المتعلقة بموضوع البحث وتحليليها‪ ،‬كما أني سأستخدم المنهج المقارن بين الفقه‬
‫اإلسالمي والقوانين المعمول بها في دولة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫سيشتمل هذا البحث على مباحث ثالثة ‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬في التعريف بتقنية البلوك تشين وعناصرها األساسية ومميزاتها وعيوبها‬
‫وأهم التحديات التي تواجهها ومجاالت االستفادة بها ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬العقود الذكية وأهم األحكام المتعلقة بها ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬مشكالت اإلثبات في العقود الذكية ومدى مساهمة البلوك تشين في حلها‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تقنية البلوك تشين مدخل وتعريف ‪:‬‬

‫ويتناول ‪ :‬التعريف بتقنية البلوك تشين ومميزاتها وعيوبها ومجاالت االستفادة بها‪ ،‬وأهم‬
‫التحديات التي تواجهها‪ .‬وفيه مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬التعريف بتقنية البلوك تشين وعناصرها األساسية‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬التعريف بالبلوك تشين ‪ :‬أصل كلمة بلوك تشين هي كلمة غير عربية وهي‬
‫‪ Blockchain‬وتعني حماية البيانات‬ ‫ترجمة حرفية من اللغة اإلنجليزية لكلمة‬
‫والمعلومات‪ ،‬والبعض يستخدمها كما هي (البلوك تشين)‪ ،‬كما هو الحال عند استخدام لفظ‬
‫"كمبيوتر " تليفون "‪ ،‬والبعض يطلق عليها باللغة العربية (سلسلة الكتل) أو (سالسل‬
‫الكتل)(‪ ،)299‬ونظرا لجدة هذا المصطلح فإن التعريفات لم تستقر على تعريف واحد محدد‬
‫لهذه التقنية وإنما تعددت التعريفات لبيان ماهيتها وحقيقتها‪ ،‬وأختار منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬هي عبارة عن قاعدة بيانات تستخدم آلية التشفير لبناء سجل من البيانات‪ ،‬دفتري‪ ،‬إلكتروني‬
‫المركزي‪ ،‬مترابط‪ ،‬تاريخي‪ ،‬غير قابل للتعديل أو التالعب‪ ،‬ويمتاز بالشفافية والسرعة‬
‫والسهولة في إجراء العمليات المعنية به في بناءه‪ ،‬والتأكد من صحته والحفاظ عليه بحسب‬
‫(‪)300‬‬
‫األنظمة والتعليمات ذاتية التشغيل المقننة لالستخدام‪.‬‬
‫‪ -2‬هي نظام يتيح لمجموعة من الحواسيب المتصلة إنشاء سجل دفتري إلكتروني للتحقق من‬
‫البيانات والتعامالت والمصادقة عليها وحفظها في سلسلة طويلة من البيانات المشفرة على‬
‫الماليين من النقاط والتي تسمى العقد‪ ،‬وتسمح ألطراف كثيرة بإدخال المعلومات والتأكد‬
‫منها بحيث تملك كل نقطة أو جهاز حاسوب أو جهة في هذه السلسلة نفس النسخة من هذه‬
‫البيانات والمعلومات‪ ،‬وفي كل مرة يتم فيها إضافة عقود واتفاقيات إليكترونية إلى نفس‬
‫السلسلة يتم التأكد والتحقق من صحتها قبل إضافتها‪ ،‬وفقا آللية اإلجماع المتبعة في البلوك‬

‫‪))299‬استخدام تطبيقات البلوك تشين لتطوير األصول الوقفية أنموذجا ص ‪.2‬‬


‫‪))300‬مستقبل سلسلة الكتل على الصيرفة اإلسالمية ص ‪.7‬‬
‫‪281‬‬
‫شين‪ ،‬بحيث يكون في النهاية سجل علني مشفر وآمن‪ ،‬ال يمكن التالعب به أو التعديل عليه‪.‬‬
‫(‪)301‬‬

‫‪ -3‬هي أشبه بقاعدة بيانات ضخمة تسجل حركة المعامالت المالية على شبكة من أجهزة‬
‫الكمبيوتر‪ ،‬ويتم تحديث نسش هذه القاعدة باستمرار وتلقائيا‪ ،‬ويشترك جميع المتعاملين في‬
‫(‪)302‬‬
‫نفس قاعدة البيانات الموزعة بينهم والغير قابلة للتغيير والتعديل أو حتى االختراق‪.‬‬

‫تعقيب على التعريفات‪ :‬الناظر في التعريفات السابقة وغيرها يجدها تحاول شرح حقيقة هذه‬
‫التقنية ولهذا رأينا بعضها يتسم بالطول ويحاول إبراز كيف تتم هذه التقنية وكيف تعمل‬
‫وكيف اكتسبت ثقة األفراد‪.‬‬

‫وأرى أن التعريف المختار من وجهة نظري هو أنها‪ :‬تقنية تسعى لتوثيق كل الخطوات‬
‫اإللكترونية والتحقق من البيانات والتعامالت والمصادقة عليها‪ ،‬وحفظها بطريقة مشفرة‬
‫على شبكات خاصة وتعتمد مبدأ الند للند‪.‬‬

‫ف بالغرض من بيان هذه التقنية ‪ -‬أراه أولى من غيره من‬


‫فهذا التعريف ‪ -‬وإن كان لم ي س‬
‫التعريفات‪ ،‬حيث إنه مختصر‪ ،‬وأبرز بعض خصائص هذه التقنية وسماتها المميزة لها‪،‬‬
‫والتي من أهمها خاصية التوثيق والـتأكد من صحة البيانات‪ ،‬والرقابة على تنفيذها‪ ،‬وحفظها‬
‫في أكثر من مكان حتى يعطيها مصداقية في التعامل‪ ،‬كما أنه أشار إلى أن هذا السجل ال‬
‫يخضع إلشراف رسمي وال حكومي بل يعتمد مبدأ الند للند وهو التعامل المباشر البعيد عن‬
‫رقابة السلطات والقوانين‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عناصر تقنية البلوك تشين‪ :‬الباحث في تقنية البلوك تشين يرى أن لها أربعة‬
‫عناصر أساسية تعتمد عليها وهي‪:‬‬

‫‪ ))301‬استكشاف تقنية البلوك تشين في المالية اإلسالمية ص ‪.3‬‬


‫‪ ))302‬العقود الذكية د منذر قحف ‪ ،‬ود محمد شريف العمري ص ‪14‬‬
‫‪282‬‬
‫‪ )1‬الكتلة (‪ :)Block‬وتمثل وحــدة البناء‪ ،‬والتي هي عبــارة عن مجموعة من العمليات أو‬
‫المهام المراد القيام بها داخل السلسة‪ ،‬كتحويل أموال أو تسجيل بيانات أو متابعة‪ ،‬فكل كتلة‬
‫تحتوي على معلومات العملية التي تمت من خاللها أيا كانت‪ ،‬ثم يتم تحويل هذه المعلومات‬
‫إلى رموز حسابية من أرقام وحروف أبجدية‪ ،‬وتسمى (الهاش)‪.‬‬
‫‪ )2‬الهاش‪ :‬وهو عمل خوارزمية حسابية على أي ملف داخل برنامج سلســلة الكتلة (مستند‬
‫– صورة ‪ -‬فيديو) ليصبح سلسلة مضغوطة من األحرف األبجدية الرقمية التي ال يمكن‬
‫إعادة طباعتها إلى محتواها األصلي ‪ ،‬وتتألف من ‪ 64‬حرفا كمعرف ومخصص يميز هذا‬
‫المحتوى ‪.‬وقد يرمز له بـ(التوقيع الرقمي ) ويناط به القيام بوظائف أساسية وهي‪ :‬تمييز‬
‫السلسلة عن غيرها من السالسل‪ ،‬تحديد الكتلة داخل السلسلة‪ ،‬ثم ربط الكتل بعضها ببعض‪،‬‬
‫وســم كل معلومة داخل الكتلة نفسها بهاش مميز لها عن غيرها‪ ،‬بيان وقت هذه العملية‬
‫تحديدا بالثواني والتاريش الكامل‪.‬‬
‫‪ )3‬المعلومات‪ :‬وهي العمليــة الفرعية التي تتــم داخل الكتلة‪ ،‬وهذه المعلومات تعتمد على‬
‫نوع التطبيقات والعمليات التي تستخدم فيها هذه السلسة فقد تكون سجال لصفقات بيع أو‬
‫شراء‪ ،‬أو تسويات مصرفية أو عقود‪.‬‬
‫‪ )4‬بصمة الوقت )‪ :(Time stamp‬وهو التوقيت الذي تم فيــه إجراء العملية داخل‬
‫السلسلة وهذا العنصر يرتبط بعميلة الهاش حيث تأخذ العملية التي تتم عبر البلوك تشين‬
‫(‪)303‬‬
‫طابعا زمنيا مميزا خاص بها يميزها عن غيرها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مميزات تقنية البلوك تشين وعيوبها‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أهم المميزات‪ :‬ال شك أن تقنية البلوك تشين لها العديد من المميزات التي‬
‫ستسهم بصورة كبيرة في حركة التجارة وانتقال األموال وتوثيق المعامالت وتيسيرها‪،‬‬
‫ولعل من أهم المميزات المترتبة على التوسع في هذه التقنية ما يلي‪:‬‬

‫‪ ))303‬استكشاف تقنية البلوك تشين ص ‪ ،6‬العقود الذكية عمر الجميلي ص ‪.74، 73‬‬
‫‪283‬‬
‫أوال ً‪ :‬التخلص من دور الوساطة المالية والتجارية‪ :‬فهي تسمح للمستخدمين لها باالطالع‬
‫على البيانات ومشاركتها مع أطراف أخرى وحمايتها‪ ،‬وذلك عن طريق خوارزميات تستخدم‬
‫بشكل غير مركزي وتدار عبر شبكة ممتدة حول العالم‪ ،‬وتقوم هذه التقنية بنسش البيانات على‬
‫آالف األجهزة المرتبطة بالشبكة وعرضها بكل دقائقها ومواصفاتها‪ ،‬فال حاجة للوسطاء‬
‫الذين يهتمون بتخليص المعاملة أو توثيقها أو الشهادة عليها‪ ،‬وبناء على ذلك ال يكون المتعامل‬
‫بها مضطرا لدفع عموالت الوسطاء وال لالنتظار لمزيد من الوقت؛ حيث إن المعاملة يتم‬
‫إنجازها مباشرة عبر هذه التقنية التي تعتمد الند للند‪ ،‬فيستغني العميل بذلك عن المصارف‬
‫وعن مكاتب الوساطة التجارية وغيرها من المؤسسات التي كانت تكلفه الكثير ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬شفافية المعامالت وأمانها الكبير‪ :‬تتمتع تقنية البلوك تشين بقدر كبير جدا من الشفافية‬
‫واألمان ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬توزيع البيانات وحفظها على العديد من األجهزة‪ :‬حيث إن بيانات التعامل ال يحتكرها‬
‫جهاز واحد وال شخص واحد‪ ،‬بل تنسش هذه البيانات على العديد من األجهزة وتنشر حول‬
‫العالم‪ ،‬وهذا يقلل من احتمال ضياعها أو فقدها حيث إنها لم توثق في دفتر واحد بل في آالف‬
‫بل ماليين الدفاتر‪.‬‬
‫أن البيانات المخزنة ال يمكن لشخص واحد أن يقوم بتغييرها أو تعديلها‪ :‬ألن أي‬ ‫ب‪-‬‬
‫إجراء ال بد وأن يوافق عليه جميع المشتركين عبر األجهزة‪ ،‬وفي حال وجود أي شبهة لن‬
‫تتم الموافقة تلقائيا بل ستقوم الشبكة برفض المعاملة‪ ،‬فأي بيانات عليها تتمتع بالحماية‬
‫وصعوبة التالعب بها أو االختراق لها‪.‬‬
‫دقة التوثيق‪ :‬فكل معاملة مالية في تقنية البلوك تشين سواء أكانت صغيرة أم كبيرة‬ ‫ت‪-‬‬
‫يتم تسجيلها في «بلوك» وكل بلوك يحتوي على طابع زمني خاص يرتبط بالبلوك السابق‪،‬‬
‫وتقوم أجهزة الحاسب اآللي بفحص كل معاملة مقارنة بالمعامالت السابقة‪ ،‬وإذا لم يتم إضافة‬
‫الطوابــع الزمنية بطريقة صحيحة في معظم أجهزة الحاسب اآللي فإن المعاملة سيتم رفضها‪،‬‬
‫وإذا توافقت معظم الطوابع الزمنية فإن المعاملة المقترحة ســيتم اعتبارها صحيحة‪ ،‬وسيتم‬
‫‪284‬‬
‫التحقق من هذه المعاملة وإضافتها إلى بلوك جديد في السلســلة أو ملف جديد على دفتر‬
‫الحســابات‪ ،‬وأي معاملة تالية سيتم مراجعة مطابقتها للطابع الزمني الخاص بالبلوك الســابق‬
‫وهكذا ‪ ،‬وبسبب هذه الدقة ال يســتطيع أحد إدخال معلومات زائفة في البلوك تشين أو التالعب‬
‫بها؛ ألنــه إذا أراد ذلك فيجب عليه تغيير المعلومــات ليس في هذا البلوك فقط ولكن في كل‬
‫بلوك فردي موجود على كل سالسل البلوك تشين تلقائيا عبر عدد هائل من أجهزة الحاســب‬
‫اآللي المشاركة حول العالم‪ ،‬ولذلك فمن المستحيل ألي شخص أن يخدع تقنية البلوك تشين‬
‫(‪)304‬‬
‫عن طريق محاولة إنفاق نفس األموال مرتين ‪ ،‬أو العبث بأي بيانات مسجلة عليه‪.‬‬
‫بسبب توزيع المخاطر فيصعب فقد هذه البيانات أو اختراقها أو التعديل عليها جميعا ً‪،‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫بل أي تعديل أو تالعب سيتضح ويظهر للجميع ‪ ،‬ولذلك ينص خبراء التقنية أنه لم تثبت‬
‫حالة اختراق واحدة لهذه التقنية خالل عشرة أعوام من تفعيلها عام (‪ 2008‬م مع أنها ما‬
‫‪.‬‬
‫زالت في بداياتها وفي مرحلة التطوير‪ ،‬وهو ما يعتبر إنجازا كبيرا في قطاع أمن المعلومات‬
‫ج‪ -‬أنها ال يمكن التراجع عنها أو إنكار التعامالت التي تتم عن طريقها‪ ،‬فال تسمح التقنية‬
‫بتغيير البيانات أو العبث بها بل تضعها داخل كتلة وكل كتلة تكون عليها حماية خاصة لها‪،‬‬
‫فال يمكن للمرسل أن يدعي إرساله ل موال للمستقبل وأنها ضاعت أثناء التحويل‪ ،‬وال يمكن‬
‫للمستقبل أن ينكر أنه استقبل أمواال ألن كل المعامالت مرئية للجميع‪ ،‬وكل طرف له صلة‬
‫(‪)305‬‬
‫سيكون قادرا على رؤية ملف المعاملة المالي على البلوك تشين‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬أنها برمجية مفتوحة المصدر‪ :‬ويمكن ل شخاص استخدام هذه التقنية في أي تطبيق‬
‫يريدونه‪ ،‬وهذا ساعد على دخول هذه التقنية إلى مجاالت كثيرة وبأسعار منخفضة‪ ،‬ويساعد‬
‫هذا على إلغاء احتكار بعض الشركات المهيمنة في األسواق‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬سهولة تتبع مختلف المعامالت‪ :‬حيث إنها تعتمد على توثيق كافة المعامالت‬
‫واإلجراءات وتهتم بالزمن‪ ،‬حيث إنها تركز على توثيق الزمن والخطوات التي تمت فيه‪،‬‬

‫‪ ))304‬العقود الذكية منذر قحف ود محمد شريف العمري ص‪16 ، 15‬‬


‫‪ ))305‬المرجع السابق‬
‫‪285‬‬
‫وأي الخطوات جاءت أوال‪ ،‬وكيف انتقلت التعامالت من حاسب إلى حاسب ومن حساب إلى‬
‫حساب‪ ،‬وكيف انتقل من يد إلى يد مع السرعة في التداول والتعامل؛ ألنها تعتمد على‬
‫الحواسيب ذات اإلمكانات العالية من السرعة والدقة‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬أنها تقنية المركزية توزيعية‪ :‬حيث إنها ال تعتمد على جهة مركزية في حفظ البيانات‬
‫وتدقيقها ومعالجتها ونقلها‪ ،‬بل تعتمد الالمركزية في تعامالتها؛ فهي تقوم على إنشاء دفتر‬
‫حسابات مــوزع‪ ،‬ويقصد به تخزيــن البيانات (الملفــات) في كثير من األماكن المختلفة حول‬
‫العالم تلقائيا مرتبطة بآالف من األجهزة الحاســوبية‪ ،‬وال يعرف المركز أو المتحكم في هذه‬
‫(‪)306‬‬
‫األجهزة‪ ،‬الالمركزية وهذا يجعل التعامل يتم بسهولة ويسر وسالسة‪.‬‬

‫سادسا ً أنها تتمتع باالستقاللية‪ :‬وتعني أن كل نقطة من نقاط الشبكة مستقلة عن األخرى‬
‫وغير متأثرة بها‪ ،‬ولهذا يمكن وصف البلوك تشــين على أنــه «دفتر أســتاذ» عالي الشــفافية‬
‫والمضمــون‪ ،‬ويعتبر مخزنا لمعامــالت يمكن أن تخضع للمراجعة بشــكل مســتقل‬
‫واســترجاع معلومات الملفــات بطريقة آمنــة وسريعة‪ ،‬ويصبح دفتر األســتاذ الالمركزي‬
‫(‪)307‬‬
‫ســجل متبع لتســجيل وإدارة حقوق الملكية‪.‬‬

‫الفرع الثاني أهم السلبيات المرتبطة بالبلوك تشين‪ :‬هناك العديد من المخاطر والسلبيات التي‬
‫تؤثر في هذه التقنية والتي يحاول العلماء أن يضعوا اآلليات التي تسعى للتغلب عليها أو‬
‫تفادي وقوعها ومن أهم تلك السلبيات ما يلي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬فقدان السيطرة عليها‪ ،‬وصعوبة التحكم فيها من قبل الحكومات واإلدارات المركزية؛‬
‫ألنها تتمتع بالالمركزية‪ ،‬وال تستطيع حكومة أو جهة أن تتحكم فيها‪ ،‬وهذا وإن كان ميزة‬
‫في بعض األحوال لكنه قد يكون عيبا في أحوال أخرى‪.‬‬

‫‪ ))306‬المرجع السابق نفس الموضع‬


‫‪ ))307‬مستقبل سلسة الكتل على الصيرفة اإلسالمية ص ‪ ، 13، 12‬ماهية العقود الذكية ص ‪ 25‬د هناء‬
‫الحنيطي ‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫ثانياُ‪ :‬المخاطر األمنية‪ :‬وتتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬صعوبة حذف البيانات‪ ،‬وهذا وإن كان ميزة لكنه أيضا يمثل خطورة كبيرة في حال أراد‬
‫صاحب البيانات ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم القدرة على إخفاء المعلومة عن اآلخرين في حال كانت المعلومة تتسم‬
‫بالخصوصية‪ ،‬وهذا يجعل المعامالت مكشوفة للجميع وال توجد خصوصية للحسابات‬
‫المصرفية أو المالية‪ ،‬مما قد يؤدي إلى ارتكاب بعض الجرائم كالسرقة أو السطو أو االبتزاز‪،‬‬
‫ومع أن جميع التعامالت التي يقوم بها المستخدم تتم تحت عنوان واسم يختاره المستخدم‪،‬‬
‫يخفي هويته الحقيقية‪ ،‬ويستطيع تغييرها عند حدوث أي تسريب للمعلومات إال أن حجم‬
‫المعامالت والتحويالت وميزانية كل مستخدم به متاحة للجميع ويمكن لجميع من في الشبكة‬
‫االطالع عليها‪ ،‬وهذا يشكل خرقا لخصوصية المعامالت‪ ،‬وال يقف األمر عند هذا الحد بل‬
‫أظهرت بعض الدارسات أنه يمكن التوصل لصاحب الحساب الحقيقي عن طريق الربط ما‬
‫بين الحساب ومعلومات الجهاز المستخدم عن طريق رقم ال ‪ IP‬الخاص بكل جهاز‪ ،‬عالوة‬
‫على ذلك قدم البعض طريقة لربط األسماء المستعارة للمستخدم بعناوين بحيث يمكن التعرف‬
‫على بوابة المستخدم من خالل االجهزة التي يتصل بها‪.‬‬
‫‪ -3‬ضياع المفاتي الخاصة وكلمة المرور‪ ،‬وفي حال أن فقد أحد الناس كلمة المرور الخاصة‬
‫به فأنه ال يمكنه الدخول إلى الشبكة وتضيع عليه أمواله التي يملكها وال سند له على ملكيتها‬
‫إال تقنية البلوك تشين‪ ،‬ويظهر هذا بصورة أكبر في العمالت االفتراضية مثل البتكوين‬
‫وغيرها التي تعتمد على النقل من حساب البائع إلى حساب المشتري وال تظهر إال في منصة‬
‫البلوك تشين ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬تواجهها العديد من التحديات ومن أهمها‪:‬‬

‫أ‪ -‬تحديات قانونية‪ :‬حيث لم يوجد اعتراف دولي رسمي بها‪ ،‬ولم تصدر قوانين تنص على‬
‫التعامل بها أو االعتراف بآثارها ونتائجها‪ ،‬وبعض القوانين التي يتم التعامل بها قد تترك‬

‫‪287‬‬
‫ذلك إلى اجتهاد القاضي ومدى رضاه بالدليل أو اعتماده عليه‪ ،‬فتحتاج هذه التقنية إلى تشريع‬
‫وتنظيم قانوني ‪ ،‬كما أن من التحديات القانونية أيضا اختالف القوانين بين الدول وبعضها‬
‫البعض فما القانون الذي سيطبق في هذه التقنية أو في العقود الذكية التي ترتبط بها حال‬
‫اختالف العاقدين وانتساب كل منهما لدولة تختلف عن األخرى ؟؟ ويمكن التغلب على هذه‬
‫اإلشكالية بإنشاء قوانين خاصة لهذه التقنية يجب على الجميع أن يتقيد بها‪ ،‬كما أنه من الواجب‬
‫إنشاء دوائر تحكيم خاصة بالمنازعات في هذه التقنية‪ ،‬فكما نجحت التقنية في توفير التعامالت‬
‫وتسهيلها فكذلك عليها أن تسعى لتشكيل لجان لفض المنازعات ووضع ميثاق قانوني يحكم‬
‫التعامل بها ويطبق سياستها مباشرة من غير حاجة إلى التقاضي التقليدي‪.‬‬
‫تحديات اقتصادية ‪ :‬وتتمثل في الكلفة العالية للتحول إليها واعتمادها والعمل بها ‪،‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫فهي تحتاج إلى كلفة عالية جدا ألنها تتطلب مواصفات عالية من األجهزة والتقنية والطاقة‬
‫الكهربائية الكبيرة ‪ ،‬كما أنها تحتاج إلى مزيد من التدرب والخبرات المتراكمة ‪،‬كما أنها‬
‫تحتاج إلى بنية تحتية مالئمة وهذا قد ال يكون متيسرا في كل األحوال ‪.‬كما أن من‬
‫اإلشكاالت أنها تعتمد بشكل أساسي على العمالت المشفرة واالفتراضية التي ال وجود لها‬
‫في العالم المادي ‪ ،‬وما زالت هذه العمالت لم تحظ باعتراف رسمي وال قانوني بها ‪ ،‬فيعد‬
‫هذا من التحديات االقتصادية التي تواجه هذه التقنية ‪.‬‬
‫تحديات شرعية‪ :‬وتتمثل في عدم قدرة أطراف العقد أو وكالئهم على فهم عملية‬ ‫ت‪-‬‬
‫التشفير في العقد الذكي‪ ،‬وكالهما يعتمد على تفسير المبرمجين وفي الشريعة ال بد من معرفة‬
‫أطراف العقد لكل بنود التعاقد وطبيعته حتى يكون صحيحا ‪ .‬واقترح بعض الباحثين حال‬
‫لهذه المشكلة أن يكون لكل طرف من أطراف العقد برنامج يعمل كمترجم تقني يوضح‬
‫شروط وعناصر العقد‪ ،‬كحل مؤقت حتى تستقر هذه التقنية وتصبح واضحة للجميع‪.‬‬
‫تحديات تقنية وتتمثل في‪:‬‬ ‫ث‪-‬‬
‫‪ -1‬سعة التخزين‪ :‬ألنها تتطلب حفظ جميع البيانات للتحقق من صحة المعامالت‪ ،‬ومع زيادة‬
‫المعامالت تزداد الحاجة إلى مساحات أكبر للتخزين‪ .‬وعلى سبيل المثال ففي الوقت الحالي‬

‫‪288‬‬
‫تجاوزت بلوك تشين البتكوين ‪ 100‬جيجا بايت‪ ،‬وهذه مساحة كبيرة جدا وتسبب إشكالية‪ ،‬إذ‬
‫أصبح دفتر األستاذ كبير جدا بحيث ال يمكن ل فراد تنزيله وتخزينه‪ ،‬ويلزم إعادة تنزيل‬
‫(‪)308‬‬
‫كامل حجم البتكوين ‪ 100‬جيجا بايت إلضافة معاملة جديدة لبلوك تشين البتكوين‪.‬‬
‫‪ -2‬بطء معالجة العمليات‪ :‬بسبب السعة التخزينية الكبيرة فإن بلوك تشين البيتكوين يمكنه فقط‬
‫معالجة ما يقرب من ‪ 7‬معامالت في الثانية‪ ،‬وبالتالي ال يمكنها تلبية متطلبات معالجة ماليين‬
‫المعامالت فورا في الوقت نفسه حيث إن قدرات الكتل صغيرة جدا‪ .‬وكانت هناك بعض‬
‫االقتراحات لمعالجة هذه المشكلة‪ ،‬منها إزالة السجالت أو السالسل القديمة‪ ،‬واستخدام ما‬
‫يسمى ب‪ account tree‬وبهذا ال تحتاج العقد في النظام إلى تخزين جميع المعامالت‬
‫(‪)309‬‬
‫للتحقق من صحة المعامالت الجديدة ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬كيفية االنضمام لشبكة البلوك تشين ومجاالت االستفادة بها‪:‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬كيفية االنضمام ‪ :‬عندما يريد المشترك أن ينضم إلى شبكة البلوك تشين فإن‬
‫هذا سيتم عبر آليات معينة منها‪:‬‬

‫‪ -1‬في حال الرغبة في الدخول للشبكات العامة يمكن للشخص استخدام تطبيقات البلوك تشين‬
‫مثل تنزيل المحفظة )‪(Wallet‬الخاصة بإرسال و استقبال العمالت الرقمية ‪ ،‬ومن األمثلة‬
‫على ذلك ‪ :‬إنشاء محفظة على موقع )‪)Blockchain‬عبارة عن محفظة إلرسال واستقبال‬
‫العمالت الرقمية مثل البتكوين‪ ،‬فيصبح المشترك من ضمن األجهزة التي تقوم بعملية التحقق‬
‫(‪)310‬‬
‫من عمليات اإلرسال‪.‬‬

‫‪ ))308‬استكشاف تقنية البلوك تشين ص ‪.12‬‬


‫‪))309‬استكشاف تقنية البلوك تشين وتطبيقاتها في المالية اإلسالمية ص ‪ 16‬وما بعدها ‪.‬إعداد‪ :‬د‪.‬ازىرة بني‬
‫عامر‪ ،‬أ‪ .‬آالء تحسين ‪.‬‬
‫)) ما هي تقنية البلوك تشين وكيف تعمل مقال منشور على الشبكة الدولية‬ ‫‪310‬‬

‫‪https://itcomunity.com/post/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-‬‬
‫‪289‬‬
‫‪ -2‬في حال الرغبة في الدخول للشبكات الخاصة فإنها تتطلب دعوة من طرف إلى آخر‬
‫تعرض على المشاركين الحاليين ولهم أن يوافقوا على انضمام عضو جديد أو يرفضوا‪،‬‬
‫ويمكن للجهة التنظيمية أن تصدر تراخيص للمشاركة يجب التصديق على صحتها من جانب‬
‫مصمم الشبكة أو بناء على مجموعة من القواعد التي تطبق من جانب مصمم الشبكة‪ ،‬والتي‬
‫تفرض قيودا على من سيسمح له بالمشاركة فيها وتحدد المعامالت التي يسمح له بالمشاركة‬
‫(‪)311‬‬
‫فيها‪ ،‬وفي معامالت بعينها فحسب‪.‬‬

‫ومن خالل تجربتي في الدخول إلى شبكة البلوك تشين العامة فأن الراغب في االنضمام يقوم‬
‫بتسجيل بياناته وبريده اإللكتروني‪ ،‬ويعطي كافة البيانات المطلوبة عنه‪ ،‬ويقوم بوضع كلمة‬
‫للمرور وال يسمح له بالدخول إلى شبكة البلوك تشين إال بإرسال رسالة إلى بريده اإللكتروني‬
‫تفيد بأن هناك محاولة للدخول إلى حساب البلوك تشين الخاص به‪ ،‬ويخبرونه بنوع الجهاز‬
‫الذي تمت المحاولة منه‪ ،‬ويتم سؤاله عبر البريد اإللكتروني عن مدى موافقته على الدخول‬
‫عن طريق هذا الجهاز فإن أبدى موافقته تم دخوله وإال فإنه ال يسمح له بالدخول‪.‬‬

‫وبعد الدخول يجد قائمة العمالت الموجودة فيختار رابطها فإن كان يريد الشراء يختار كلمة‬
‫طلب ثم يحدد القيمة ويحدد المحفظة التي يريد أن ينقل إليها‪ ،‬وفي الغالب هنا هي محفظته‬
‫التي يريد إدخال النقود إليها‪.‬‬

‫أما إن كان يريد البيع أو التحويل فأنه يختار العنوان الذي يرسل إليه‪ ،‬وال بد وأن يكون لديه‬
‫رصيد حتى يسمح له بالنقل‪ ،‬وإن كان ليس لديه رصيد فإن الخيار الذي يقتضي إكمال‬

‫‪%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9%‬‬
‫‪86-blockchain‬‬
‫‪))311‬الثورة الصناعية الرابعة بين البلوك تشين والعمالت المشفرة لمجموعة من الكتاب ص ‪ 67، 66‬ط ‪:‬‬
‫قنديل للطباعة والنشر األمارات الطبعة األولى ‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫المعاملة ال يستجيب بأي حال من األحوال‪ ،‬وهناك خيار خاص بالبيع والشراء وخيار آخر‬
‫(‪)312‬‬
‫للمبادالت وغير ذلك من الخيارات التي يحتاج إليها المتعامل بالشبكة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مجاالت تطبيقات البلوك تشين‪ :‬تقنية البلوك تشين على الرغم من حداثتها أال‬
‫أنها أصبحت تلعب دورا أساسيا في التكنولوجيا المعاصرة وتسهم في االقتصاد بدور كبير‪،‬‬
‫والمجاالت التي تسهم فيها هذه التقنية كثيرة ومتعددة‪ ،‬ويمكن في اإلجمال تقسيمها إلى‬
‫مجاالت أربعة رئيسة ومنها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬تطبيقات العقود الذكية‪ :‬مثل الرهانات والضمان والحقوق الرقمية والتجارة اإللكترونية‬
‫والدفع العالمي والتحويالت واإلقراض المباشر من شخص لشخص والتمويل األصغر‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيقات العمالت الرقمية‪ :‬مثل البتكوين وغيرها من العمالت كالربيل واإلثيروم وغيرها‪.‬‬
‫‪ -3‬تطبيقات حفظ السجالت‪ :‬مثل الرعاية الصحية وسجالت العناوين والملكية والتصويت‬
‫اإللكتروني والملكية الفكرية‪ ،‬حفظ األصول المالية‪ ،‬حفظ سجالت التبادل التجاري‪ ،‬الدفع‬
‫(‪)313‬‬
‫العالمي‪.‬‬
‫‪ -4‬وتطبيقات الضمانات مثل‪ :‬األسواق الخاصة والديون والتمويل الجماعي والمشتقات المالية‬
‫(‪)314‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬القانون اإلماراتي وتقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫يعتبر القانون اإلماراتي من القوانين السباقة في مجال التعامالت االلكترونية حيث صدر‬
‫القانون رقم ‪ 2‬لسنة ‪ 2002‬م بشأن المعامالت والتجارة اإللكترونية والخاص بإمارة دبي‪،‬‬
‫ثم بعده صدر القانون االتحادي رقم ‪ 1‬لسنة ‪ 2006‬م ‪ ،‬وتضمن كال منهما إشارات واضحة‬

‫‪ ))312‬تحليل لتجربة الباحث بالدخول للموقع العام وإنشاء حساب عليه ‪.‬‬
‫‪ ))313‬بحوث ندوة البركة مقدمة عن العقود الذكية شكل رقم ‪ 3‬ص ‪.173‬‬
‫‪))314‬استخدام تقنية البلوك تشين في تطوير األصول الوقفية‪.‬‬
‫‪291‬‬
‫يمكن االستفادة بها في مجال تقنية البلوك تشين‪ ،‬حيث ذكرا كل المصطلحات والعبارات التي‬
‫تعتمد عليها تقنية البلوك تشين ومنها ما يلي ‪:‬‬

‫التعريف بالمعاملة اإللكترونية حيث ذكر أنها‪ :‬أي إجـراء أو عقد يبرم أو ينفذ كليا أو جزئيا‬
‫وعرف الوسيلة اإللكترونية بأنها ‪ :‬أيـة وسيلة تتصل بالتقنية‬
‫َّ‬ ‫بواسطة رسائل إلكترونية‪، .‬‬
‫الحديثة وذات قدرات كهربائية أو رقمية أو مغناطيسية أو ال سلكية أو بصرية أو‬
‫(‪)315‬‬
‫فالقانون توسع في التعريف‬ ‫كهرومغناطيسية أو مؤتمتة أو ضوئية أو ما شابه ذلك‪.‬‬
‫وهذا يجعل تقنية البلوك تشين مشمولة بالتعريف ويؤكد هذا أن القانون قد أدخل كثيرا ً من‬
‫المستجدات في المجال التقني داخل التعريف ولذلك يجد القاضي أمامه فسحة وسعة في‬
‫االعتماد على هذه التقنية ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العقود الذكية مفهومها وأحكامها‪ :‬وفيه مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف العقود الذكية وخطواتها ومكوناتها‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعريف بالعقود الذكية في الفقه اإلسالمي‪ :‬العقد في اللغة هو الضمان‬
‫والعهد‪،)316(.‬واصطالحا ً تعددت تعريفاته(‪)317‬وخالصتها‪ :‬أنه بمعنــاه الخاص «كل اتفاق تم‬
‫(‪)318‬‬
‫بين إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله بأي صورة تم بها هذا االتفاق‪.‬‬

‫المراد بالذكية‪ :‬معنى الذكية في اللغة‪ :‬مأخوذة من الذكاء‪ ،‬ويطلق ويراد به ‪ :‬سحدّة القلب‪ ،‬وقد‬
‫ُّ‬
‫السن‪ ،‬يقال‪:‬‬ ‫كي الرجل بالكسر َي ْذكى ذكاء‪ ،‬فهو ذكي على فعيل‪ ،‬ويطلق الذكاء أيضا على‪:‬‬
‫َذ َ‬

‫‪))315‬قانون المعامالت االلكترونية دبي ‪ ،‬والقانون االتحادي المادة رقم ‪1‬‬


‫‪ ))316‬المنثور (وزارة األوقاف الكويتية‪-‬الطبعة الثانية‪1405-‬هـ‪1985-‬م) ج‪ 2‬ص‪.398-397‬‬
‫‪ ))317‬شرح مجلة األحكام (دار الجيل‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م) ج‪ 1‬ص‪ ،22-21‬الموسوعة‬
‫الفقهية (وزارة األوقاف الكويتية‪ -‬صدرت في سنوات متعددة) ج‪ 12‬ص‪72-71‬‬
‫‪ ))318‬العقود الذكية واقعها وعالقتها بالعمالت االفتراضية ص ‪ 11‬د عمر الجميلي ‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫السن‪ ،‬والت َ ْذ سك َيةُ‪ :‬الذب ُح‪ .‬وت َ ْذ سكيَةُ‬
‫ّ‬ ‫س َّن‪ .‬ويقال أيضا‪ :‬بلغت الدابةُ ال َذكا َء‪ ،‬أي‬
‫َذ َّكى الرجلُ‪ ،‬إذا أ َ‬
‫(‪)319‬‬
‫مقصور‪ ،‬أي اشتعلت‪ .‬وأ َ ْذ َك ْيتُها أنا أشعلتها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ت النار ت َ ْذكو َذكا‬
‫النار‪ :‬إيقادها ورفعُها‪ ،‬و َذ َك س‬

‫والذكاء هو ت َمام الفطنة من قَ ْولك ذكت النَّار إسذا ت ّم اشتعالها‪َ ،‬وسميت ال َّ‬
‫ش ْمس ذكاء لت َمام نورها‪،‬‬
‫والتذكية ت َمام الذّبْح ‪ ،‬وقد جاء تعريفها في لســان العرب‪« :‬ذكت النار‪ :‬اشــتد لهيبها‬
‫(‪)320‬‬
‫واشــتعلت‪ ،‬والذكاء‪ :‬شدة وهج النار‪.‬‬

‫تعريف العقود الذكية اصطالحاً‪ :‬تعددت التعريفات في بيان ماهية العقود الذكية وتصويرها‪،‬‬
‫وقد تحدث عنها مكتشفها العالم األمريكي نيك زابو عام ‪ 1994‬م وقال بأنها‪ :‬بروتوكوالت‬
‫(‪)321‬‬
‫المعامالت المحوسبة التي تنفذ شروط العقد‪.‬‬

‫ومن أهم تعريفاتها‪:‬‬

‫سط تنفيذ اتفاقيات معينة ويح ّد من الحاجة إلى‬


‫‪ )1‬هي ترميز برمجي على الحاسوب يُب س ّ‬
‫وسيط‪.‬‬
‫‪ )2‬عقد يعتمد على تكنولوجيا البلوك تشين ويجمع طرفين أو أكثر‪ ،‬يمكن برمجته إلكترونيا‬
‫ثم تنفيذ بنوده بشكل تلقائي بمجرد تحقق أحداث معينة أو شروط محددة مسبقا‪.‬‬
‫‪ )3‬عبارة عن العقود التي تخضع لمجموعة من القواعد ومعايير محددة‪ ،‬يتم تنفيذها من خالل‬
‫برمجتها المسبقة‪ ،‬وال تحتاج إلى أي وســيط‪ ،‬أي دون تدخل طرف ثالث‪ ،‬بمعنــى هي‬
‫تفاهمات إلكترونية مكتوبة باســتخدام رمز إلكتروني بواسطة الحاســوب‪ ،‬كما يمكن اعتبارها‬
‫مجموعة من التعليمات تتم برمجتها إلكترونيا وبتقنية متقدمة‪.‬‬

‫‪ ))319‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ‪ ، 2346/6‬لسان العرب ‪ ،287/14‬مختار الصحاح ‪112/1‬‬
‫(ذ ك ى)‬
‫‪ ))320‬الفروق اللغوية ‪.85/1‬‬
‫‪))321‬العقود الذكية في ضوء األصول والقاصد والمآالت د قطب مصطفى سانو ص ‪.10‬‬
‫‪293‬‬
‫فيتض من التعريفات السابقة أن العقود الذكية عقود عادية من حيث أصلها‪ ،‬لكنها‬
‫تتحول من الصورة العادية إلى الصورة اآللية في التنفيذ عن طريق برمجيات وآليات وطرق‬
‫معينة‪ ،‬حيث يتم اإلشراف على تنفيذ العقد عن طريق البرمجيات‪ ،‬كما يتم تنفيذ اللوائ‬
‫والقوانين عن طريقها كذلك‪ .‬ومن الممكن وصف العقود الذكية بأنها مقارنة التكنولوجيا مع‬
‫آلية البيع‪ ،‬وهي تتيح إجراء معامالت وتنفيذ التزامات‪ ،‬مع استخدام العمالت الرقمية عن‬
‫طريق الكمبيوتر المبرمج‪ ،‬ويشبهها بعض الباحثين ب (إذا ‪...‬فإن) أي الشرط والجزاء‬
‫بالتعبير النحوي‪ ،‬والفكرة الكامنة في العقود الذكية أن البرامج تستطيع إتمام عمليات التعاقد‬
‫(‪)322‬‬
‫دون تدخل طرف ثالث‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬القانون اإلماراتي وتعريف العقود الذكية ‪ :‬أشار قانون المعامالت اإللكترونية‬
‫اإلماراتي إلى العقود الذكية حيث ذكر التعريف بالوسيط االلكتروني المؤتمت وعرفه بأنه ‪:‬‬
‫برنامج أو نظام الكتروني لحاسب آلي يمكن أن يتصرف أو يستجيب لتصرف بشكل مستقل‪،‬‬
‫كليا او جزئيا‪ ،‬دون إشراف أي شخص طبيعي في الوقت الذي يتم فيه التصرف او االستجابة‬
‫له‪ ،‬كما عَّرف المعامالت االلكترونية المؤتمتة بأنها ‪ :‬معامالت يتم إبرامها أو تنفيذها بشكل‬
‫كلي أو جزئي بواسطة وسائل أو سجالت الكترونية‪ ،‬والتي ال تكون فيها هذه االعمال او‬
‫السجالت خاضعة ألية متابعة أو مراجعة من قبل شخص طبيعي‪ ،‬كما في السياق العادي‬
‫إلنشاء وتنفيذ العقود والمعامالت " (‪ )323‬وهذه التعريفات كلها تشير إلى العقود الذكية وتنطبق‬
‫عليها‪ .‬فنلم من خالل هذه النصوص أن العقود الذكية يشملها قانون التعامالت اإللكترونية‬
‫ولكنه لم يسمها عقودا ً ذكية ولم يطلق عليها نفس المصطل ‪.‬‬

‫‪ ))322‬استخدامات تقنية البلوك تشين في المالية اإلسالمية ص ‪ ،9‬مقال منشور على شبكة بعنوان ما هو‬
‫العقد الذكي‪ ،‬العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت د قطب مصطفى سانو ص ‪ ، 11‬العقود‬
‫الذكية والبنوك الرقمية والبلوك تشين د عبد الستار أبو غدة ص ‪ ،214‬العمالت الرقمية وعالقتها بالعقود‬
‫الذكية مجلة مجمع الفقه ص ‪10‬د‪ /‬غسان الطالب‪ ،‬ماهية العقود الذكية د هناء محمد الحنيطي ص ‪،19‬‬
‫العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت د قطب مصطفى سانو ص ‪. 15‬‬
‫‪ ))323‬قانون المعامالت والتجارة اإللكتروني دبي المادة ‪ 2‬والقانون االتحادي رقم ‪ 1‬لسنة ‪ 2006‬المادة رقم ‪.1‬‬

‫‪294‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬كيف تعمل العقود الذكية وخطواتها‪ :‬تتميز العقود الذكية عن العقود التقليدية‬
‫بأنها يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر‪ ،‬وبالتالي فهي في الواقع رمز أو شيفرة تذكر التزامات‬
‫األطراف‪ ،‬والذين عادة ما يكونون غرباء على االنترنت‪ ،‬ويلتزمون باتفاق رقمي ملزم‪،‬‬
‫وبشكل أساسي‪ ،‬فهو عقد ال يعمل ما لم يتم استيفاء متطلبات التنفيذ‪ )324(.‬وتتســم إجراءات‬
‫العقود الذكية بنوع من التعقيد‪ ،‬لكن يمكن تلخيصها وبيانها بشكل مبسط كما يلي‪:‬‬

‫الخطوة األولى‪ :‬يقوم الطرف األول (البائع) بإنشاء عقد ذكي محدسدا فيه النوع والشروط التي‬
‫بمجرد تحققها يتم تنفيذ العقد ويتم تسجيل شروط العقد التي يرتضيها الطرفان على شبكة‬
‫البلوك تشين التي تضم المنظمين والمؤكدين‪ ،‬ويتم ربط العقد بمختلف األنظمة الداخلية أو‬
‫الخارجية حسب طبيعة وشروط العقد‪.‬‬

‫الخطوة الثانية‪ :‬يتم تحديد األصل أو السلعة محل العقد ومختلف خصائصه كالسعر‪ ،‬العملة‪.‬‬

‫الخطوة الثالثة‪ :‬تحديد مختلف األطراف المعنية بالعقد وهما البائع والمشتري‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫المؤسسات المصرفية الخاصة بكل واحد منهما والجهات الحكومية ذات الصلة‪ ،‬وبمجرد‬
‫ربط العقد الذكي بمختلف األنظمة ذات الصلة‪ ،‬تقوم خوارزميات خاصة بتقييم بنود أو شروط‬
‫العقد بشكل مستمر‪ ،‬وذلك في انتظار تحقق أي منها‪ ،‬ويرسل العقد الذكي تقارير دورية إلى‬
‫كل من المنظمين والمدققين بهدف التحقق من مصداقية البيانات‪.‬‬

‫الخطوة الرابعة‪ :‬يقوم البرنامج بالتحقق من الشروط ومراجعتها‪ ،‬فبمجرد ما أن يحقق الطرف‬
‫الثاني (المشتري) لشروط العقد‪ ،‬فإن العقد وبصورة آلية يقوم بتنفيذ عملية التبادل‪)325(.‬وفي‬
‫الغالب يتم التأكد من تحقق ثالثة شروط هي‪:‬‬

‫‪ ))324‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي الرؤية المقاصدية للعقود الذكية ص ‪.17‬‬


‫‪ ))325‬العقود الذكية ص ‪ 18‬د العياشي الصادق‬
‫‪295‬‬
‫‪ -1‬تطابق اسم البائع مع المالك األصلي للسلعة حسب ما تم التصريح به في المرحلة الثالثة‬
‫من العقد‪.‬‬
‫‪ -2‬احتواء الرصيد المصرفي للمشتري على مبلغ أكبر أو يساوي سعر السلعة محل العقد‪.‬‬
‫‪ -3‬نجاح تحويل المبلغ المالي المتفق عليه بين الطرفين‪ ،‬فإذا تم التأكد من تحقق هذه الشروط‬
‫نفذ العقد تلقائيا دون الحاجة إلى تدخل وســيط‪ ،‬وفي حال عدم تحقق أي شرط ينتهي العقد‬
‫وال ينفذ‪.‬‬

‫الخطوة الخامسة‪ :‬أخيرا يقوم العقد بقيد العملية وإضافتها إلى سجالت البلوك تشين‪ ،‬وبالتالي‬
‫تصبح معلومات العملية عامة ومتاحة بصورة دائمة‪.‬‬

‫وكل ذلك يتم آليا دون الحاجة إلى تدخل بشري وبدون الحاجة أيضا إلى وجود جهات وسيطة‬
‫(‪)326‬‬
‫تضمن تنفيذ شروط العقد ويتم بسرعة وسالسة كبيرة‪.‬‬

‫مثال على تطبيقات العقود الذكية‪ :‬لو أراد (أ) أن يستأجر شقة من (ب) فيمكنه من خالل‬
‫البلوك تشين أن يقوم بدفع األجرة وسيحصل على إيصال يحتفظ به في عقده االفتراضي‪ ،‬ثم‬
‫يحصل على مفتاح رقمي يعمل في تاريش محدد ‪ ،‬وإذا لم يعمل في هذا التاريش فأن البلوك‬
‫تشين تعيد المبلغ المدفوع لحساب صاحبه‪ ،‬وإذا قام البائع بإرسال المفتاح قبل بدء تاريش‬
‫االستئجار فستقوم بلوك تشين بإيقاف العملية‪ ،‬وبتسليم كال من اإليجار والمفتاح على التوازي‬
‫في نفس الوقت عند وصول الموعد‪ ،‬وتشهد على هذا التبادل آالف األجهزة عبر سلسلة‬
‫الكتل‪ ،‬ويتم إلغاء المستند تلقائيا حال عدم االلتزام‪ ،‬وال يمكن التدخل في الشفرة من قبل أي‬
‫(‪)327‬‬
‫من الطرفين دون معرفة اآلخر نظرا لتنبه جميع المشاركين بالعقد في نفس الوقت‪.‬‬

‫‪ ))326‬مقدمة عن العقود الذكية ص ‪ ، 175، 174‬العقود الذكية ماهيتها واستخداماتها وكيفية عملها ‪ .‬مقال‬
‫منشور على شكة المعلومات الدولية ‪ ، /https://sa.investing.com‬بحوث ندوة البركة ص ‪174‬‬
‫(مقدمة عن العقود الذكية )‬
‫‪ ))327‬الكتل والعقود الذكية‬
‫‪296‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬مكونات العقد الذكي‪ :‬يتكون العقد الذكي مما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أطــراف العقد‪ :‬وهم الراغبون في تنفيذ العقد لتحقيق آثاره وجني ثماره وفق شروط‬
‫معينة‪ ،‬وهم مجهولو الهوية في حال كانت سلسلة الكتل من النوع المفتوح‪ ،‬وحتى في إطار‬
‫هــذه التقنية فقد أفاد بعض التقنيين بأنه يمكن العلم بهوية األطراف بالتعقب والتتبــع‪.‬‬
‫‪ -2‬محل العقد أو موضوع العقد‪ :‬وهو ما يقوم به البرنامج بحيث يتمكن من تقييد كافة األمور‬
‫المتعلقة بالمحل للتعامل معها تقنيا‪.‬‬
‫‪ -3‬التوقيعات الرقمية «اإللكترونية»‪ :‬بحيث تتاح لكافة المشــاركين الدخول في االتفاق عن‬
‫طريق توقيع العقد عبر المفاتيح الخاصة لكل طرف‪.‬‬
‫‪ -4‬شروط العقد‪ :‬وتمثل سلســلة دقيقة من العمليات‪ ،‬التي يجب على جميع المشاركين التوقيع‬
‫عليها إلبداء الرضا والموافقة عليها‪.‬‬
‫‪ -5‬نظام تقني (منصة) يقوم على الالمركزية‪ :‬ويتم نشر العقد الذكي في البلوك تشين وإتاحته‬
‫(‪)328‬‬
‫بين عقود المنصة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العالقة بين العقود الذكية والبلوك تشين والتعاقد اإللكتروني‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬البلوك تشين والعقود الذكية‪ :‬تُعَ ّد العقود الذكية والبلوك تشين تقنيت َين مترابطتين‪،‬‬
‫فإن العقود الذّكية يتم‬
‫بحيث تش ّكل البلوك تشين منصة تطبيقية للعقود الذّكية‪ ،‬أو بمعنى آخر ّ‬
‫تطبيقها على البلوك تشين وال يمكن تطبيقها بعيدا عن تقنية البلوك تشين‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الفرق بين العقود الذكية والتعاقد االلكتروني‪ :‬قد تشتبه العقود الذكية بالتعاقد‬
‫اإللكتروني‪ ،‬ولذلك فمن المهم بيان المراد بالعقود اإللكترونية ثم بيان الفرق بينها وبين‬
‫العقود الذكية‪:‬‬

‫‪ ))328‬العقود الذكية ص‪ 17‬د الصادق العياشي فداد‪.‬‬


‫‪297‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف العقود االلكترونية‪ :‬تعددت العريفات للعقود االلكترونية وكلها تدور حول أنه ‪:‬‬
‫اتفاق يتالقى فيه اإليجاب والقبول عن بعد عبر االنترنت أو بوسائل االتصاالت‬
‫(‪)329‬‬
‫المختلفة‪.‬‬

‫والعقــود اإللكترونية هي بهذا أشــمل نطاقــا من العقــود الذكية التــي ينبغــي أن تتوافر فيها‬
‫(‪)330‬‬
‫إجراءات وشروط معينة‪.‬‬

‫وجه الشبه بين العقود الذكية والتعاقد اإللكتروني‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬كالهما يتم بصورة إليكترونية رقمية وال يحتاج إلى تعامل تقليدي مباشر‪ ،‬بل يتم في‬
‫الغالب عن بعد ويستخدم الوسائل التكنولوجية المعاصرة‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬ال بد من توافر عنصري اإليجاب والقبول في كل منهما‪ ،‬وأن يكونا واضحين تامين‬
‫محددين واكتملت فيهما كافة الشروط األخرى‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬ال بد من توافر كافة البيانات والمعلومات عن المعاملة وعن طرفيها في كل‬
‫(‪)331‬‬
‫منهما‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬يتفقان في أن مجلس العقد ليس مجلسا مباشرا بل يتم عن طريق استخدام التقنيات‬
‫الحديثة فهو مجلس عقد حكمي افتراضي حيث يتبــادل الطرفــان اإليجــاب والقبــول‬
‫(‪)332‬‬
‫إلكترونيا عبر شبكة اإلنترنت‪.‬‬

‫وتظهر أهم وجوه االختالف بينهما فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬العقود الذكية يتم تنفيذها بصورة آلية وال تحتاج إلى متابعة من الطرفين‪ ،‬ويقتصر دور‬
‫الطرفين فقط على بيان الشروط والمواصفات المطلوبة وبعد ذلك تتولى التقنية تنفيذ العقود‪.‬‬

‫‪ ))329‬العقود اإللكترونية على شبكة اإلنترنت بين الشريعة والقانون ص ‪ 46‬رسالة ماجستير مقدمة من‬
‫الباحث ‪:‬ميكائيل رشيد علي إشراف األستاذين ‪:‬عبيدة عامر توفيق ‪ ،‬عيسى خليل خير هللا ‪.‬‬
‫‪ ))330‬العقود الذكية د الصادق عياشي فداد ص ‪.11 ، 10‬‬
‫‪ ))331‬العقود الذكية ص ‪ 15‬د عمر الجميلي ‪.‬‬
‫‪ ))332‬المرجع السابق‬
‫‪298‬‬
‫‪ .2‬العقود الذكية تغني عن الوسطاء والوكالء‪ ،‬فهي تقوم بالتوثيق ونقل الملكية وفحص شروط‬
‫المشتري وبيان مدى مطابقتها للمواصفات المدونة من قبل البائع‪ ،‬وهذا يقلل من التكلفة‬
‫ويزيد من سرعة التعاقد‪.‬‬
‫‪ .3‬في التعاقد االلكتروني يظهر وجود مجلس العقد وهو مجلس اإليجاب والقبول وإن لم يكونا‬

‫متزامنين أما في العقود الذكية فال يظهر وجود مجلس العقد حيث إن كل طرف يبدي رغبته‬

‫في البيع والشراء وتتولى العقود الذكية التنفيذ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مميزات العقود الذكية وعيوبها ومجاالت تطبيقها‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مميزات العقود الذكية‪ :‬العقود الذكية تتمتع بالعديد من المميزات‪ ،‬ومن أهمها‬

‫تلك المميزات التي توفرها تقنية البلوك تشين التي سبقت اإلشارة إلى بعضها ‪ ،‬فهي موجود‬

‫في العقود الذكية من حيث األمان والثقة‪ ،‬فالعقد مشفر ومحفوظ لدى شبكة من المستخدمين‬
‫(‪)333‬‬
‫ويتمتع باالستقاللية‪ ،‬فال حاجة لوجود خبراء ووسطاء‪ ،‬وبالتالي يوفر الوقت والمال‪.‬‬

‫ومن الممكن تلخيص أهم فوائد ومميزات العقود الذكية فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -1‬أنها عقود آلية تبنى من خالل لغات البرمجة وتعمل في إطار تقنية سلسلة الكتل‪ ،‬وهذا‬

‫يزيد في السرعة ويساعد على تبسيط العمليات المعقدة مع الدقة في التنفيذ حيث ال يتدخل‬

‫عنصر بشري في تنفيذها‪ ،‬وهذا يجعل ارتكاب الخطأ عند إبرام العقد أو عند تنفيذه أمرا‬

‫مستحيال‪.‬‬

‫‪ -2‬نقل معلومات دقيقة‪ :‬حيث لن تتم الموافقة على المعاملة إال إذا تم استيفاء جميع المعلومات‬

‫المكتوبة للشيفرة‪.‬‬

‫‪ ))333‬استكشاف تقنية البلوك تشين ص ‪9‬‬


‫‪299‬‬
‫‪ -3‬الشفافية المطلقة في تنفيذ العقد الذكي؛ إذ يتم وضع الشروط واألحكام المتفق عليها من‬
‫قبل األطراف التعاقدية بدقة وتطبيقها بالتفصيل‪ ،‬ويمكن لكل طرف أن يطلع على أحكام‬
‫وشروط ووضعية العقد لحظة بلحظة‪.‬‬
‫‪ -4‬األمان والثقة؛ ألن العقد مشفر ومحفوظ بعدة نسش لدى شبكة موزعة بين المستخدمين وال‬
‫تتيح هذه العقود إمكانية التراجع عن تنفيذها‪.‬‬
‫‪ -5‬قدرتهــا على الســماح لمتعاقدين ال يثقــان في بعضهما البعــض بالثقة في بعضهما البعض‪.‬‬
‫فهي توفر حماية خاصة للطرفين‪ ،‬فتســمح لــكل منهما بالتحقق من شــخصية اآلخر‪ ،‬وتاريش‬
‫ووقت التعاقد‪ ،‬وسالمة مســتندات البائع أو المتعاقد‪.‬‬
‫‪ -6‬إزالة أو تقليــل الحاجــة إلى طرف ثالــث للتوســط في المعاملة وتخفيــف العديد مــن‬
‫العوامل التــي تعقد المعامــالت المالية مثل ‪ :‬الحاجــة إلى ضــمان‪ ،‬والحاجة إلى وسطاء‬
‫كالمحامين‪ ،‬أو الشهود‪ ،‬أو البنوك أو غير ذلك ‪.‬‬
‫‪ -7‬عقود ذاتية التنفيذ وذاتية الرقابة‪ :‬وهذا يوفر الوقت والمال وال يحتاج إلى سلطة مركزية‬
‫لمراقبته أو اإلذن به‪.‬‬
‫‪ -8‬تجنب المستندات الكثيرة وتكاليف المراسالت واالتصاالت والكفاءة في اســتخدام الوقت‪.‬‬
‫(‪)334‬‬

‫‪ -9‬يعتبر العقد الذكي عقدا كامال وشامال لكل شيء حيث يتم تنفيذ كل شيء مدون عكس‬
‫(‪)335‬‬
‫العقود التقليدية‪.‬‬

‫‪ ))334‬العمالت الرقمية وعالقتها بالعقود الذكية ص ‪ 39‬د غسان الطالب ‪ ،‬ماهية العقود الذكية د هناء‬
‫الحنيطي ص ‪ ، 36 ،20‬العقود الذكية مفهومها ومميزاتها وأركانها ص ‪ 20‬د إنصاف أيوب المومني ‪،‬‬
‫تقنية البلوك تشين ودوها في المالية اإلسالمية ص ‪ ،9‬مقدمة عن العقود الذكية ندوة البركة ص ‪، 176‬‬
‫العقود الذكية ماهيتها واستخداماتها وكيفية عملها ‪ .‬مقال منشور على شكة المعلومات الدولية‬
‫‪/https://sa.investing.com‬‬
‫‪ ))335‬ماهية العقود الذكية ص ‪30‬‬
‫‪300‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬سلبيات العقود الذكية‪:‬‬

‫‪ -1‬عــدم مرونتها وعدم إمكانية التراجع عنها أو تعديلها‪ ،‬وهذا قد يمثل عائقا أمام المتعاملين‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم اعتراف السلطات بقانونية العقود الذكية المالية‪ ،‬فال توجد تشريعات وأنظمة تحكمه‬
‫(‪)336‬‬
‫وتحسم قضاياه؛ إذ لم تحظ هذه العقود بعد باالعتراف وبحق التقاضي لدى غالبية الدول‪.‬‬
‫‪ -3‬صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق والواليــة القضائية‪ ،‬لكونها تعمل عبر الشبكات‬
‫(‪)337‬‬
‫الموزعة في أنحاء العالم وهذا قد يزيد من خطر النزاعات القضائية‪.‬‬
‫‪ -4‬غياب سلطة الجهات الرقابية والحكومية والتنظيمية ألن إبرام هذه العقود يتم وفقا آللية‬
‫الند للند‪.‬‬
‫‪ -5‬فقدان كثير من الموارد التي كانت تأتي لخزينة الدول من الرسوم والضرائب‪.‬‬
‫(‪)338‬‬
‫‪ -6‬يحتاج فك شفرات العقد الذكية إلى طاقة حوسبة عالية جدا‪.‬‬
‫‪ -7‬عــدم قدرة أطــراف العقد‪ ،‬على فهم التشــفير في العقد الذكي واعتمادهم على تفسير‬
‫المبرمجين‪.‬‬
‫‪ -8‬وقوع المتعاملين بها في أخطاء بسبب جهل الكثيرين بهــذه التقنيات المتطورة‪ ،‬حيث إنها‬
‫(‪)339‬‬
‫تتم بلغة البرمجة‪.‬‬
‫‪ -9‬عدم إمكانية الربط بين األطراف المتعاقدة وذلك بسبب اســتخدام االسم المستعار في العقد‬
‫(‪)340‬‬
‫الذكي‪.‬‬

‫‪ ))336‬العقود الذكية منذر قحف ومحمد شريف العمري ص ‪.27، 24، 23‬‬
‫‪ ))337‬ماهية العقود الذكية ‪39‬‬
‫‪ ))338‬تقنية البلوك تشين ودوها في المالية اإلسالمية ص ‪ ،10‬د عبد الستار أبو غدة ص ‪ ،216‬الكتل‬
‫والعقود الذكية ‪.‬‬
‫‪ ))339‬العقود الذكية مفهومها ومميزاتها وأركانها ص ‪ ،25‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي الرؤية المقاصدية‬
‫للعقود الذكية ص ‪.37، 36 ، 35‬‬
‫‪ ))340‬ماهية العقود الذكية ص ‪.39‬‬
‫‪301‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مجاالت تطبيق العقود الذكية وأمثلتها‪ :‬هنالك أعداد هائلة من تطبيقات العقود‬
‫الذكية وحاالت استخدامها‪ ،‬وهي كثيرة ومتنوعة ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬مجال التصويت واالنتخاب‪ :‬حيث إنه من الصعوبة تزوير نظام التصويت ألنها توفر نظاما‬
‫أكثر أمانا‪ ،‬كما أنها من الممكن أن ترفع في نسبة اإلقبال على التصويت ‪.‬‬
‫‪ -2‬مجال االستيراد والتصدير‪ :‬وذلك عن طريق توفير نسخة رقمية آمنة يمكن الوصول إليها‬
‫لجميع األطراف على السلسة وإتمام عملية الدفع ‪.‬‬
‫‪ -3‬مجال اإلدارة‪ :‬وذلك عن طريق وضع مجموعة من الضوابط والبروتوكوالت‪ ،‬التي تضمن‬
‫خروج المستندات‪ ،‬بشكل معين‪ ،‬فلن تحتاج الشركات إلى عدد كبير من المدققين للتأكد من‬
‫(‪)341‬‬
‫صحة تعامالتها ومدى التزامها‪ ،‬باللوائح الداخلية للشركة‪.‬‬
‫‪ -4‬يمكن اللجوء إلى العقود الذكية من أجل إنجاز سائر أنواع عقود المعاوضات كالبيع والكراء‬
‫واإليجار والمضاربة والقرض‪ ،‬ويمكن اللجوء إليها إلتمام عقود التبرعات كالهبة والصدقة‬
‫والوكالة والضمان والعارية ‪ ...‬وغيرها‬

‫أمثلة تطبيقية لالعتماد على تقنيات العقود الذكية‪:‬‬

‫قامت شركة الطيران الفرنسية ‪ AXA‬باالعتماد على تقنية العقود الذكية من خالل خدمة‬
‫‪ Fizzy‬المصممة وفقا لهذه التقنية‪ ،‬وآلية عمل هذا التطبيق‪ :‬أنه عندما تتأخر رحلة المسافر‬
‫عن موعدها لمدة ساعتين فإن تطبيق ‪ Fizzy‬يعطيه إشعارا بخيارات التعويض الذي يستحقه‬
‫بسبب التأخير وهذا ألنه يملك تأمين سفر عند تأخر الرحلة‪ ،‬وبمجرد اختياره للخيار‬
‫التعويضي المناسب فإن شركة التأمين تقوم بتعويضه عن ذلك مباشرة بتحويل المبلغ‬
‫التعويضي إلى حسابه البنكي وهذه العملية تنفذ وفق أحد العقود الذكية المعد خصيصا لهذا‬
‫(‪)342‬‬
‫الغرض‪.‬‬

‫‪ ))341‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي الرؤية المقاصدية للعقود الذكية ص ‪24‬‬


‫‪ ))342‬العقود الذكية ‪ :‬ماهيتها ‪ ,‬استخداماتها وكيفية عملها مقال منشور على شكة المعلومات الدولية‬
‫‪/https://sa.investing.com‬‬

‫‪302‬‬
‫وقد بدأت دبي فعليا في تطبيق تقنية العقود الذكية على المستوى الرسمي والحكومي حيث‬
‫ورد في جريدة البيان الخبر الذي يفيد أن دبي تطلق عقودا ذكية ‪ ،‬وذلك بإعالن بلدية دبي‬
‫عن استكمال خطة التحول الرقمي للعملية التعاقدية‪ ،‬بعد تجهيز تقنياتها وفريق عملها للتعامل‬
‫مع المنظومة الرقمية‪ ،‬بمجرد اعتمادها قانونيا في انتظار التعليمات إلبرام أول عقد رقمي‪،‬‬
‫لتصبح البلدية أول جهة حكومية في إمارة دبي تصدر عقودا رقمية إيذانا ببدء المرحلة‬
‫الرقمية للعقود بنسبة ‪ %100‬لجميع مراحل التعاقد‪ ،‬التي تشمل بداية اإلجراءات التعاقدية‬
‫(‪)343‬‬
‫حتى مرحلة توقيع العقد‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬حكم التعاقد عند طريق العقود الذكية‪:‬‬

‫هذه العقود مشروعة ويجوز التعامل بها بضوابط وشروط‪ ،‬والدليل على جواز التعامل بها ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬القواعد واألصول العامة التي تبيح العقود وتفيد بأن األصل فيها اإلباحة والحل وتأمر‬
‫بالوفاء بالشروط فيها مثل قوله تعالى " أوفوا بالعقود" ‪ ،‬وقوله تعالى " وأوفوا بالعهد "‪،‬‬
‫وحديث النبي ‪ ‬المسلمون على شروطهم إال شرطا أحل حراما أو حرم حالال ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن هذه العقود والشروط الواردة فيها تحقق مقاصد الشريعة اإلسالمية في المعامالت مثل‬
‫مقصد الثبات ومقصد الوضوح ومقصد النماء فضال عن أنها وسائل مهمة تحول دون الغش‬
‫والتزوير والتلفيق وإضاعة المال بل إنها تعمل على توفير المال وتخفيف األعباء والتكاليف‬
‫وتحقيق اإلنجاز السريع والتنفيذ المنضبط وسرعة اإلجراءات اإلدارية‪ ،‬وهذا كله من مقاصد‬
‫(‪)344‬‬
‫الشريعة التي تسعى لكل ما فيه مصلحة للمكلف‪.‬‬

‫‪ ))343‬جريدة البيان بتاريش ‪/7‬يناير ‪ 2020‬م ‪https://www.albayan.ae/across-the-‬‬


‫‪uae/news-and-reports/2019-10-29-1.3686558‬‬
‫‪ ))344‬العقود الذكية في ضوء األصول والقاصد والمآالت د قطب مصطفى سانو ص ‪ 36‬وما بعدها‪ ،‬مجلة‬
‫مجمع الفقه اإلسالمي الرؤية المقاصدية للعقود الذكية ص ‪29‬‬
‫‪303‬‬
‫‪ -3‬تسعى لالستفادة من التجارة الدولية واالنتفاع البشري المتبادل وتسعى للحفاظ على الشفافية‬
‫وكسر االحتكار بناء على قاعدة العرض والطلب وتبادل الخبرات التي تعزز من النماء‬
‫(‪)345‬‬
‫البشري والرفاهية المنشودة‪.‬‬
‫‪ -4‬القياس على عقود االستجرار وهي عقود قد ال تظهر فيها أهلية المتعاقد بصورة كافية في‬
‫كل مرة من مرات التعامل‪ ،‬والبيع باالســتجرار‪ ،‬وهذا البيع أجــازه الفقهاء إن علم الثمن‪،‬‬
‫مــع جواز تأخر أحد البدلــين‪ ،‬واألمر في العقود الذكية ليس كذلك بل كل جزء من الســلعة‬
‫‪-‬إن كانت مجزئة ‪-‬له نصيب من الثمن‪ ،‬إن تم تســليم الســلعة يتم إزائها تســليم الثمن مباشرة‪،‬‬
‫(‪)346‬‬
‫أعني أن العقود الذكيــة أكثر دقة وضبطا فجوازها من باب أولى‪.‬‬
‫(‪)347‬‬
‫‪ -5‬توافر فيها شروط العقد وأركانه فال يوجد مانع من الحكم بجواز هذه العقود‪.‬‬

‫وهذا القول بالجواز هو ما صدر به القانون االتحادي وقانون إمارة دبي بشأن التعامالت‬
‫اإللكترونية حيث ورد فيهما "(‪ )1‬يجوز أن يتم التعاقد بين وسائط الكترونية مؤتمتة‬
‫متضمنة نظامي معلومات الكترونية أو أكثر تكون معدة ومبرمجة مسبقا ً للقيام بمثل هذه‬
‫المهمات‪ ،‬ويتم التعاقد صحيحا ً ونافذا ً ومنتجا ً آثاره القانونية على الرغم من عدم التدخل‬
‫الشخصي أو المباشر ألي شخص طبيعي في عملية إبرام العقد في هذه االنظمة‪ )2( .‬كما‬
‫يجوز أن يتم التعاقد بين نظام معلومات الكتروني مؤتمت يعود إلى شخص طبيعي أو‬
‫معنوي وبين شخص طبيعي إذا كان األخير يعلم أو من المفترض أن يعلم أن ذلك النظام‬
‫سيتولى مهمة إبرام العقد أو تنفيذه‪ )348( .‬وهذا نص صريح على أن التعاقد عن طريق‬
‫العقود الذكية معتبر ويعتد به ألن العقود الذكية ما هي إال تعاقدات بين وسائط إليكترونية‬
‫تعمل على إتمام العقود وتطبيق شروطها‪.‬‬

‫‪ ))345‬الرؤية المقاصدية للعقود الذكية ص ‪. 30‬‬


‫‪ ))346‬العقود الذدكية ص ‪ 29‬د عمر الجميلي‪.‬‬
‫‪ ))347‬العقود الذكية د منذر قحف ‪ ،‬د محمد الشريف العمري ص ‪11‬‬
‫‪ ))348‬المادة ‪ 14‬من قانون إمارة دبي ‪ ،‬والمادة ‪ 12‬من القانون االتحادي ‪.‬‬
‫‪304‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشكالت اإلثبات في العقود الذكية ومساهمة تقنية البلوك تشين في حلها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬وسائل اإلثبات في الفقه اإلسالمي بين اإلطالق والتقييد‪:‬‬

‫المتأمل لوسائل اإلثبات يجد فيها نظريات متعددة لعلماء الشريعة والقانون واختالف في‬
‫التضييق والتوسعة فيها‪ ،‬ومن الممكن أن نستعرض أهم النظريات في اإلثبات حتى نعرف‬
‫أين موضع تقنية البلوك تشين وهل تصلح ل ثبات أم ال؟‬

‫االتجاه األول‪ :‬نظرية اإلثبات المطلق‪ :‬ومعناها أن القاضي ال يتقيد بطرق معينة في اإلثبات‬
‫وله الحرية الكاملة في اختيار الدليل الذي يعتمد عليه ويطمئن إليه‪ ،‬فكل أمر يترجح عند‬
‫القاضي أنه دليل على إثبات الحق هو طريق من طرق الحكم‪ ،‬وعلى القاضي أن يحكم به‪،‬‬
‫فله أن يستكمل النقص في األدلة التي عجز عنها الخصم‪ ،‬وله أن يحكم بعلمه الشخصي‪ ،‬وله‬
‫استدراج الخصوم ومباغتتهم النتزاع الحقيقة من أقوالهم‪ ،‬وله أن يحكم بأي دليل حتى ولو‬
‫كان الدليل غير مباشر وخارج عن موضوع النزاع لكن فيه خيطا يوصل القاضي إلى الحكم‬
‫الذي يقتنع به ‪.‬‬

‫وفي هذا النظام أيضا يتحرر الخصوم من كل القيود التي تحدد طريقهم في اإلثبات‪ ،‬فيكون‬
‫(‪)349‬‬
‫لهم حق االلتجاء إلى أي دليل يمكنهم من إثبات دعواهم‪.‬‬

‫وممن يرى ذلك من الفقهاء اإلمام ابن حزم الظاهري حيث يجيز للقاضي أن يقضي بعلمه‬
‫وله أيضا قبول الشهادة على الشهادة (‪ )350‬وكذلك اإلمام ابن تيمية وابن قيم الجوزية‪ ،‬فيريان‬
‫ضرورة إعطاء القاضي الحرية المطلقة في تكوين عقيدته من أي دليل يعرض عليه وال‬
‫يتقيد القاضي بطريق إثبات معين ‪.‬‬

‫‪ ))349‬القرائن في الفقه اإلسالمي (مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد (‪ )12‬الجزء (‪ ))3‬ج‪ 1-‬ص‪،57-49‬‬
‫نظام اإلثبات في الفقه اإلسالمي دراسة مقارنة للدكتور عوض عبد هللا أبو بكر‪.‬‬
‫‪ ))350‬المحلى (دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت) ج‪ 8‬ص‪.542-540‬‬
‫‪305‬‬
‫واستدل أصحاب هذا االتجاه على إطالق اإلثبات بما يأتي‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ :‬البينة على المدعي‪ ،‬والمراد بالبينة كل ما يبين الحق ويظهره‬

‫سواء كان ذلك هو شهادة الشهود أو القرائن أو غيرها‪ ،‬ومن قصر البينة على شهادة‬

‫الشهود فقط فأنه لم يوف مسماها حقه‪ ،‬فلم يختص لفظ البينة بالشاهدين ‪ ،‬بل وال استعمل‬
‫(‪)351‬‬
‫في الكتاب فيهما البتة‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬أن الشارع باشتراطه للشاهدين ال يقصدهما لذاتهما وإنما يقصد ظهور الحق بما يمكن‬

‫ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له ‪ ،‬وال يرد الشرع حقا قد ظهر بدليله‬
‫أبدا حتى ال تضيع حقوق هللا وحقوق العباد ‪ ،‬وال يقف ظهور الحق على أمر معين ‪ ،‬فإذا‬
‫(‪)352‬‬
‫ظهر بأي طريق تعين الحكم به ‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬أنه يجوز للقاضي أن يتوصل للحق بأي طريق حتى ولو كان هذا عن طريق التحايل‬

‫على الخصوم ‪ ،‬والدليل على ذلك ما كان يفعله إياس بن معاوية وشريح‪ ،‬والوقائع التي تثبت‬
‫(‪)353‬‬
‫ذلك كثيرة ومتعددة‬

‫رابعا ً‪ :‬أنه يجوز للقاضي أن يقضي بالفراسة مع أن خطوات االستنتاج فيها خفية وال تكون‬

‫واضحة ‪ ،‬والدليل المأخوذ منها غير معروف لغير القاضي ‪ ،‬وبهذا قال ابن القيم وعمل بها‬
‫(‪)354‬‬
‫قاضي القضاة الشامي المالكي ببغداد‪.‬‬

‫‪ ))351‬إعالم الموقعين (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م) ج‪ 1‬ص‪.72-71‬‬


‫‪ ))352‬إعالم الموقعين (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م) ج‪ 1‬ص‪72-71‬‬
‫‪ ))353‬الطرق الحكمية (مكتبة دار البيان‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت) ج‪ 1‬ص‪.30-24‬‬
‫‪))354‬أحكام القرآن البن العربي (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪-‬د‪.‬ت) ج‪ 3‬ص‪ ،107‬الطرق الحكمية‬
‫(مكتبة دار البيان‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت) ج‪ 1‬ص‪ ، 30-24‬الموسوعة الفقهية (وزارة األوقاف الكويتية‪ -‬صدرت في‬
‫سنوات متعددة) ج‪ 32‬ص‪،79-78‬‬

‫‪306‬‬
‫خامساً‪ :‬أن الشريعة هدفها العدل والقسط وعدم الجور والبعد عن الظلم‪ ،‬وهللا تعالى لم يحصر‬
‫طرق العدل وأدلته وأمارته في نوع واحد وأبطل غيره فأي طريق استخرج بها الحق وعرف‬
‫(‪)355‬‬
‫بها العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها ‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬وفي مقابل االتجاه السابق هناك اتجاه يذهب إليه جمهور الفقهاء‪ ،‬ويرى األخذ‬

‫بنظام اإلثبات المقيد الذي يُحدد فيه للقاضي األدلة التي يجوز أن يستند إليها في حكمه‪،‬‬

‫والشروط التي يجب أن يخضع لها كل دليل‪ ،‬ومرتبته في الداللة‪ ،‬فيكون القاضي مقيدا بأن‬

‫يسير على هذه األدلة ويبني أحكامه بناء عليها وال يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها ‪ ،‬فال‬

‫يحكم بعلمه الشخصي ‪ ،‬وال بقرائن وال بداللة حال وال غير ذلك مما قال به أصحاب االتجاه‬
‫(‪)356‬‬
‫األول ‪.‬‬

‫واستدل أصحاب هذا االتجاه بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬أن النصوص جاءت بالشهادة واليمين فوجب الوقوف عند ما جاءت به النصوص وعدم‬
‫(‪)357‬‬
‫الزيادة عليها‪ ،‬فتكون هي األدلة دون غيرها‪.‬‬

‫‪ -2‬أننا لو فتحنا هذا الباب ولم نتقيد بطريق معين للبينات سنفتح بابا كبيرا أمام بعض القضاة‬

‫للحكم بالهوى ورد األدلة الصحيحة أو تقديم الضعيف على الصحيح‪ ،‬وفي هذا فتح لباب من‬

‫الشر عظيم فيجب الوقوف عند تقييد األدلة سدا لذريعة الفساد‪.‬‬

‫‪ -3‬أن النبي ‪ ‬قال‪ :‬البينة على المدعي " والبينة إذا أطلقت انصرفت إلى الشهادة وحدها‪،‬‬

‫والدليل على ذلك أن التطبيقات التي وردت في السنة قد فسرت البينة بأنها الشهادة ‪.‬‬

‫‪ ))355‬إعالم الموقعين (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م) ج‪ 4‬ص‪288-283‬‬


‫‪ ))356‬القرائن في الفقه اإلسالمي (مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد (‪ )12‬الجزء (‪ ))3‬ج‪ 1-‬ص‪57-49‬‬
‫‪))357‬طرق اإلثبات ألحمد إبراهيم بك ص ‪41‬‬
‫‪307‬‬
‫‪ -4‬كذلك فهذا الرأي هو الذي يحفظ للقضاء هيبته واستقالله واستقرار أحكامه وعدم‬
‫االضطراب في األحكام ‪ ،‬ويضمن عدم قدرة الخصوم على التهرب أو اإلتيان بأدلة غير‬
‫(‪)358‬‬
‫مكتملة‪.‬‬

‫القول المختار‪ :‬أميل إلى اختيار ما ذهب إليه أصحاب القول األول من القول بإطالق أدلة‬
‫اإلثبات وترك الحرية للقاضي في تقديرها ألدلة كثيرة تقوي هذا االختيار منها‪:‬‬

‫‪ -1‬أن الشريعة اإلسالمية تمنع القاضي أن يأخذ باعتراف قام الدليل على كذبه‪ ،‬أو أن يأخذ‬
‫بأقوال شهود تبين له بطريق آخر أن ما شهدوا عليه لم يقع ولذلك قالوا‪ :‬ال تحد المرأة إذا‬
‫شهد عليها أربعة بالزنا وظهر أنها بكر؛ فال بد من التحقق من صحة ما شهد به الشهود في‬
‫الدعوى أو نفي ما قالوه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشريعة ال تمنع القاضي من أن يعتمد على دليل ال يصطدم بنص ثابت‪ ،‬وال بدليل‬
‫أقوى منه‪ ،‬وال يعارض ما حرصت عليه هذه الشريعة الغراء من تضييق في إثبات الجرائم‪،‬‬
‫وما احتاطت بشأنه من درء للحدود بالشبهات‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الشريعة مبناها على التيسير على الناس في إثبات حقوقهم‪ ،‬وهذا القول يتفق مع منهج‬
‫الشريعة في التيسير وفي حفظ األموال والحقوق‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الفقهاء من حرصهم على حقوق الناس أجاز بعضهم بناء القضاء على الحجة الظنية‬
‫كشهادة الشهود المبنية على المعاينة والمشاهدة‪ ،‬وأجازوا ما هو أقل من ذلك مثل الشهادة‬
‫بالتسامع والشهادة على الشهادة‪ ،‬وشهادة المرأة الواحدة في الحاالت التي توجبها الضرورة‬
‫(‪)359‬‬
‫أو تستلزمها الحاجة‪.‬‬

‫‪ ))358‬القرائن في الفقه اإلسالمي (مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد (‪ )12‬الجزء (‪ ))3‬ج‪ 1-‬ص‪57-49‬‬
‫‪ ))359‬القرائن في الفقه اإلسالمي (مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد (‪ )12‬الجزء (‪ ))3‬ج‪ 1-‬ص‪57-49‬‬
‫نقال عن ‪ :‬الشيش أحمد إبراهيم ‪ -‬طرق اإلثبات الشرعية – ط‪ :‬المكتبة األزهرية للتراث ص ‪. 27 ،26‬‬
‫‪308‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مدى انطباق شروط وسائل اإلثبات على تقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫وفيه فرعان‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التأصيل بناء على نظرية اإلثبات المطلق‪:‬‬

‫تقنية البلوك تشين ال جدال في قبولها كدليل من أدلة اإلثبات عند من يأخذ من الفقهاء بنظرية‬
‫اإلثبات المطلق‪ ،‬وذلك للمبررات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬أن النظام الالمركزي لسالســل الكتل يقوم بالتأكد من وجــود المعقود عليه وجودا حقيقيا‬
‫(‪)360‬‬
‫يســتدعي التنفيذ الفوري للعقد من خالل نظام البلوك تشين الالمركزي نفسه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن نظــام العقود الذكية يقدم توصيفا كامال لكل من المالين المتبادلين في العقد بحيث ال‬
‫يوجد أي مجال للشــك في نــوع المال وخصائصه وجميع أوصافه‪ ،‬فتنعــدم أية جهالة فيما‬
‫(‪)361‬‬
‫يتم التعاقد عليه من أموال‪.‬‬
‫‪ -3‬أن القول األولى باالعتبار هو األخذ بمبدأ إطالق األدلة‪ ،‬وأي دليل يرى القاضي أنه‬
‫موصل إلى الحق فعليه أن يقضي به ‪ ،‬وتقنية البلوك تشين يطمئن القاضي إلىها فعليه أن‬
‫يعتمدها كدليل من أدلة اإلثبات‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التأصيل بناء على نظرية اإلثبات المقيد‪:‬‬

‫عند من يرى أن األدلة مقيدة فيحتاج إلى أن نستعرض أهم أدلة اإلثبات لنرى هل تتوافر في‬
‫تقنية البلوك تشين هذه األدلة المنصوص عليها أم ال؟‬

‫وأستعرض بعض وسائل اإلثبات المعمول بها وهي اإلقرار والكتابة والشهادة واالستفاضة‬
‫وقول الخبراء ألبين مدى توافر شروطها في تقنية البلوك تشين‪ ،‬وذلك في األغصان التالية‪:‬‬

‫‪ ))360‬العقود الذكية د منذر قحف د محمد شريف العمري ص ‪12‬‬


‫‪ ))361‬المرجع السابق‬
‫‪309‬‬
‫الغصن األول‪ :‬اإلقرار ومدى توافره في تقنية البلوك تشين‪ :‬اإلقرار أقوى وسائل اإلثبات‬
‫وأهمها على اإلطالق‪ ،‬ألنه االعتراف‪ ،‬وهو إظهار الحق لفظا أو كتابة أو إشارة‪ ،‬وهو أيضا‬
‫إخبار من صاحب الحق بأن عليه حقا‪ ،‬وال يوجد أحد أعرف بالحق من صاحبه الذي يخبر‬
‫به‪ ،‬فإذا توافرت شروطه فأن القاضي يعتمد عليه وال يجوز له أن يهمله ويبحث عن وسيلة‬
‫أخرى؛ ألنه يقطع النزاع وينهي الخالف‪ ،‬ويجعل المدّعى به ثابتا غير متنازعٍ فيه‪ ،‬فهو‬
‫(‪)362‬‬
‫العمدة في أدلة اإلثبات وفيه إثبات الحق دون بيّنات‪.‬‬

‫مدى توافر عناصر اإلقرار في تقنية البلوك تشين‪ :‬اإلقرار قد يكون باللفظ وهذا ما اتفق‬
‫الفقهاء عليه‪ ،‬وقد يكون بالكتابة أو اإلشارة‪ ،‬وبالرجوع إلى تقنية البلوك تشين نجد أنها‬
‫توافرت فيها مواصفات اإلقرار الذي تبني عليه الحقوق لما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬أن الفضاء اإللكتروني مجال للتعبير عن اإلرادة‪ ،‬وأطراف التعاقد يعملون على توثيق‬
‫اتفاقهم على بنود العقد من خالل توقيعاتهم الرقمية حيث يمكن التوقيع ألطراف التعاقد عبر‬
‫(‪)363‬‬
‫مفاتيحهم الخاصة‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان الفقهاء قد قبلوا إشارة األخرس المفهومة واعتبروها إقرارا منه بالحقوق فنقول‪:‬‬
‫إن كتابة العقد ووضع المواصفات والشروط على الشبكة العنكبوتية ووضعها في منصات‬
‫البلوك تشين أشد بيانا ووضوحا من إشارة األخرس التي بنى الفقهاء عليها بعض األحكام‪.‬‬
‫‪ .3‬وإذا كان الفقهاء قد قبلوا اإلقرار اللفظي فهذا إقرار خطي معتمد من صاحبه ويستبعد أن‬
‫يصدر من غيره حيث إنه محمي وال يمكن ألحد الدخول على منصته إال برضاه وإذنه‪.‬‬
‫‪ .4‬وإذا كان بعض الفقهاء قبلوا الكتاب دون إشهاد عليه فمن باب أولى الكتاب الذي قد تم‬
‫اإلشهاد عليه‪ ،‬وتقنية البلوك تشين لم يشهد عليها شاهد واحد وال شاهدان بل يشهد على كل‬
‫معاملة آالف وربما ماليين األجهزة المتصلة بشبكة البلوك تشين‪.‬‬

‫‪))362‬الدعاوى والبينات اإلثبات د البغا ص ‪.115‬‬


‫‪ ))363‬ماهية العقود الذكية ص ‪ 30‬د هناء الحنيطي‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫‪ .5‬وإذا قبل الفقهاء الكتاب الذي وجدت منه نسخة واحدة فكيف بالكتاب الذي وجدت منه‬
‫آالف النسش وكلها قد تطابقت واتفقت على مضمون واحد؟‬
‫‪.6‬‬
‫بالقياس على التوقيع اإللكتروني الذي قبله الفقهاء المعاصرون وأعطوه الحجية‪ ،‬ألنه‬
‫كاشف عن هوية الموقع ومعبر عن إرادته‪ ،‬ومادام التوقيع االلكتروني له هذه الحجية فإن‬
‫البلوكتشين أقوى حجية منه ألنه كاشف عن حقيقة المتعامل‪ ،‬والصفحة مشتركة بين الجميع‬
‫وأي تعامل يظهر لجميع المشتركين على الشبكة‪.‬‬
‫‪ .7‬أنه ال يمكن اختراقه أو العبث بمضمون البيانات التي اشتملت عليها ومنسوبة ألطراف‬
‫(‪)364‬‬
‫التعاقد نسبة صحيحة فيجب قبولها كما تقبل الوثائق العادية التي توافرت فيها الشروط‪.‬‬

‫الغصن الثاني‪ :‬التوقيع اإللكتروني ومدى توافره في تقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫من الوسائل التي اعتمدها بعض الفقهاء في اإلثبات الكتابة وبينوا حجيتها بشروط وضوابط‬
‫معينة‪ ،‬والكتابة ‪-‬عند من قال بها ‪-‬ال تعد دليال كامال في اإلثبات إال إذا كانت موقعة حتى يتم‬
‫التأكد من أنها ليست منتحلة أو منسوبة زورا إلى صاحبها‪ ،‬وتتشابه كثيرا تقنية البلوك تشين‬
‫والعقود الذكية بالتوقيعات اإللكترونية التي تكلم عنها الفقهاء المعاصرون وبينوا حجيتها‬
‫ودورها في اإلثبات‪ ،‬والتي تصلح ألن تجعل أصال يلحق به تقنية البوك تشين في الوقت‬
‫المعاصر ‪.‬وسأبين فيما يلي ماهية التوقيع اإللكتروني ومنزلته بين أدلة اإلثبات ‪ ،‬ووجه الشبه‬
‫بينه وبين تقنية البوك تشين‪.‬‬

‫موقع تقنية البلوك تشين من التوقيع اإللكتروني‪ :‬الغرض من التوقيع على العقود هو أن‬
‫يكون التوقيع شاهدا على نية الموقع االلتزام بمضمون العقد الموقع عليه‪ ،‬وعلى نيته في‬

‫‪))364‬االثبات االلكتروني في القضاء والتحكيم التجاري ص ‪ 117‬د صالح بن علي بن حمد الحراصي نقال‬
‫عن د سمير حامد عبد العزيز الجمال ‪ :‬التعاقد عبر تقنيات االتصال الحديثة ‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫اإلقرار بتحريره النص ويكون شاهدا على نية الشخص في تأييد مستند كتبه شخص‬
‫آخر‪ )365(.‬وأتناول تعريف التوقيع أإللكتروني وشكله وموقع تقنية البلوك تشين منه ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬تعريف التوقيع اإللكتروني‪ :‬تعددت التعريفات للداللة على ماهية التوقيع االلكتروني‬

‫ومن هذه التعريفات‪:‬‬

‫‪ -1‬التوقيع اإللكتروني‪ :‬هو حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات لها طابع منفرد تسمح‬
‫(‪)366‬‬
‫بتحديد شخص صاحب التوقيع وتمييزه عن غيره‪.‬‬

‫‪ -2‬هو ملف رقمي صغير يصدر عن إحدى الهيئات المتخصصة والمستقلة‪ ،‬ومعترف بها من‬

‫الحكومة ويتم تخزين االسم وبعض المعلومات الهامة مثل رقم التسلسل وتاريش انتهاء الشهادة‬
‫(‪)367‬‬
‫ومصدرها‪.‬‬

‫‪ -3‬ونصت المادة الثانية من قانون األونيسترال النموذجي لعام ‪ 2001‬على تعريف التوقيع‬

‫االلكتروني بأنه‪" :‬بيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة اليها‬

‫ومرتبطة بها منطقيا‪ ،‬يجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات‪،‬‬

‫ولبيان موافقة الموقّع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات"‪.‬‬

‫‪ -4‬ويتمثل الفرق بين التوقيع العادي والتوقيع اإللكتروني في أن التوقيع العادي عبارة عن‬

‫رسم يقوم به الشخص بمعنى أنه فن وليس علم ومن هنا يسهل تزويره‪ ،‬أما التوقيع‬
‫(‪)368‬‬
‫اإللكتروني فهو علم وليس فنا ويصعب تزويره ‪.‬‬

‫‪ ))365‬قانون التجارة االلكترونية والتوقيع االلكتروني وقانون الملكية الفكرية واألدبية د‪ /‬إبراهيم سيد احمد‬
‫ص ‪. 284‬‬
‫‪ ))366‬مشروع قانون التجارة اإللكترونية المصري‬
‫‪ ))367‬النظام القانوني للتوقيع اإللكتروني ص ‪ 16‬د‪ /‬عبد الفتاح بيومي حجازي ط" دار الكتب القانونية –‬
‫مصر ‪ ،‬دار شتات للنشر والبرمجيات‪.‬‬
‫‪ http://www.q8control.com/___11.htm))368‬التوقيع االلكتروني‬
‫‪312‬‬
‫ثانياً‪ :‬أشكال التوقيع اإللكتروني‪ )369(:‬يتم التوقيع االلكتروني بالعديد من اآلليات والطرق‬
‫ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬التوقيع بالقلم االلكتروني‪ :‬وهو عبارة عن قلم من نوع خاص يمكن حامله من الكتابة على‬
‫شاشة الحاسب اآللي باستخدام برنامج معين‪ ،‬فيرى الموقع صورة العقد أمامه ويمسك بالقلم‬
‫االلكتروني ويوقع على شاشة موصلة بالشبكة االلكترونية فيظهر توقيعه على العقد‪ ،‬فيقوم‬
‫البرنامج بالتقاط التوقيع ثم مطابقته للتأكد من صحته‪ .‬وهذا ال يختلف عن التوقيع العادي‬
‫على المحرر الورقي إال فقط في شكله النهائي والمكان الذي يحفظ فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬التوقيع البيومتري‪ :‬وهو يعتمد على الخصائص الذاتية لشخص الموقع والتي يتميز بها‬
‫عن غيره‪ ،‬مثل بصمات األصابع أو الصوت أو شبكة العين‪.‬‬
‫‪ -3‬التوقيع االلكتروني بواسطة الرمز السري ويعرف بالتوقيع الرقمي أو الكودي ‪Digital‬‬
‫(‪)370‬‬
‫ويتم هذا التوقيع عبر إدخال بطاقة ممغنطة في آلة مناسبة‪ ،‬ثم إدخال‬ ‫‪:Signature‬‬
‫لتكون في النهاية كودا يتم التوقيع به ثم‬
‫الرقم السري وهو عبارة عن عدة أرقام يتم تركيبها ّ س‬
‫الضغط على زر الموافقة إلتمام العملية المطلوبة‪ ،‬وهذا النوع من التواقيع االلكترونية هو‬
‫الشائع في أجهزة الصرف اآللي )‪(ATM‬لدى المصارف للحصول على كشف حساب أو‬
‫سحب مبالغ نقدية أو تحويالت مالية إلى حساب آخر‪.‬‬
‫‪ -5‬التوقيع باختيار زر الموافقة أو إرسال أو استقبال‪ :‬وذلك بعد أن يقوم الطرف الثاني‬
‫بإرسال رسالة تفيد كافة الشروط والمواصفات ويذيل هذه الرسالة بتخيير القارئ بين الموافقة‬
‫أو الرفض‪ ،‬والموافقة تعني أنه قد قرأ كافة الشروط ووافق عليها وملتزم بتنفيذ مضمونها‪.‬‬

‫‪))369‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني ص ‪ 23‬وما بعدها‬


‫‪ ))370‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني في ضوء التشريعات العربية واالتفاقيات الدولية د‪ /‬خالد مصطفى‬
‫فهمي ص ‪ 63-61‬ط‪ :‬دار الجامعة الجديدة ‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫ثالثاً‪ :‬شكل التوقيع في تقنية البلوك تشكين‪ :‬ال يختلف التوقيع في تقنية العقود الذكية‬
‫والبلوك تشين عن التوقيع اإللكتروني العادي فيتم ذلك عبر التوقيع الرقمي الذي يعتبر‬
‫توثيقا للملك ويتكون هذا التوقيع من جزأين ‪:‬‬

‫‪ -1‬المفتاح العام‪ :‬والمعروف بمصطلح ‪ PUBLICK KEY‬وهو التوقيع المعروف لدى‬


‫جميع الموجودين على الشبكة‪ ،‬ويكون عادة معروفا على نطاق أوسع‪ ،‬ويشبه هذا التوقيع‬
‫عنوان البريد اإللكتروني الذي يقوم كل مشترك من خالله بإرسال واستقبال الرسائل‪ ،‬ويكون‬
‫هذا معروفا لكل من أراد التعامل معه‪ ،‬وال توجد أي خطورة في معرفة هذا العنوان حيث‬
‫إنه ال يمكن استخدامه إال عن طريق المفتاح الخاص‪.‬‬
‫‪ -2‬المفتاح الخاص ‪ : Private key‬وهو التوقيع الرقمي الخاص بالشخص وال يعرفه أحد‬
‫سواه ‪ )371(.‬وهذا المفتاح الخاص أشبه بكلمة المرور للبريد اإللكتروني أو بكلمة السر التي‬
‫تتطلبها ماكينات الصراف اآللي‪ ،‬وهذا المفتاح ال يستخدمه إال الموقع في إنشاء التوقيع‬
‫(‪)372‬‬
‫الرقمي ويجب على مستعمله أن يحافظ على سريته‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬شروط قبول التوقيع الرقمي ومدى توافرها في البلوك تشين‪ :‬اشترط العلماء‬
‫للوثائق اإللكترونية عموما عددا من الشرط ال بد من توافرها حتى يتم االعتماد عليها‬
‫وقبولها كدليل من أدلة اإلثبات‪ ،‬كما اشترط للتوقيع الرقمي (‪)373‬أن تتوافر فيه بعض‬
‫الشروط الخاصة بالتوقيع ومنها‪:‬‬

‫للموقسع لتوقيع الرسالة رقميا‪.‬‬


‫‪ -1‬أن يتم استخدام المفتاح الخاص َّ‬
‫‪ -2‬أن يكون مقتصرا على الشخص الذي يستخدمه فقط وخاصا به دون غيره‪.‬‬

‫‪ ))371‬سلسة الكتل والعقود الذكية إعداد ‪ :‬قمر الزمان حافظ –أسماء هواري – آمنة سمرة – نادر برويز‬
‫‪ ))372‬قانون التجارة االلكترونية والتوقيع االلكتروني وقانون الملكية الفكرية واألدبية د‪ /‬إبراهيم سيد احمد‬
‫ص ‪ ،287،288‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني ص ‪ 18‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ ))373‬وتعد والية كالفورنيا هي أول من تبني األخذ بالتوقيع الرقمي ونص القانون الداخلي بتاريش ‪ 14‬أكتوبر‬
‫‪1995‬على أنه له القوة إذا كان يتمتع ببعض الخصائص المذكورة في الشروط ‪ ،‬االثبات االلكتروني في‬
‫القضاء والتحكيم التجاري ص ‪ 120-118‬د صالح بن علي بن حمد الحراصي‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫‪ -3‬أن يخضع لسيطرة الشخص الذي يستخدمه فقط ولم يقم غيره بالتسلل إلى موقعه والتوقيع‬
‫(‪)374‬‬
‫بدال عنه‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون قابال لإلثبات‪ ،‬وذلك بالتأكد من وجود ارتباط بين التوقيع وبين المستند االلكتروني‬
‫الممهور عليه على نحو يسمح بالكشف عن أي تعديل أو تبديل أو تحوير في بيانات المستند‬
‫أو عناصر التوقيع‪.‬‬
‫(‪)375‬‬
‫‪ -5‬أال يطرأ على المحرر أي تغيير أو تعديل‪.‬‬

‫وبتطبيق هذه الشروط على تقنية البلوك تشين والعقود الذكية نجد أنها تتوافر فيها‪ ،‬بل إنها‬
‫قد تظهر فيها بصفة أكبر‪ ،‬فينبغي أن تقبل من باب القياس األولوي‪ ،‬وذلك لما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬أنها تتمتع بالخصوصية التامة‪ ،‬حيث إنها عبارة عن توقيع رقمي يعتمد آلية التشفير‬
‫للبيانات‪.‬‬
‫‪ )2‬أن إنشاؤها يتم بالوسائل االلكترونية التي ال يسيطر عليها إال صاحبها فقط وال يمكن‬
‫إنشاء التوقيع إال عن طريقه‪.‬‬
‫‪ )3‬أن تقنية البلوك تشين تسمح بالكشف عن أي تزوير أو تعديل أو تحوير في بيانات المستند‪،‬‬
‫والتوقيع مرتبط ارتباطا وثيقا بالمستند االلكتروني الممهور عليه‪ ،‬وهذا يسمح بالكشف عن‬
‫أي تزوير أو محاولة للتغيير‪ ،‬فضال عن أن هذه التقنية ال تسمح أصال بهذا التغيير أو التبديل‪.‬‬
‫‪ )4‬أن التوقيع الرقمي أضبط وأدق من التوقيع اليدوي من حيث صحة الداللة على نسبة مستند‬
‫التصرف إلى الشخص الذي صدر عنه‪ ،‬ولذا يتم برمجة الحاسوب أن ال يصدر أوامره بفتح‬
‫القفل أو الترميز إال بعد مطابقة التوقيع على التوقيع المبرمج في ذاكرة الحاسوب ‪،‬والخوف‬
‫من التزوير ال يخل بمشروعية التوقيع الرقمي لإلثبات؛ ألنه قرين لكل الوسائل األخرى‪،‬‬
‫فالقول برد كل ما تطرق إليه احتمال التزوير يفضي إلى إهدار كثير من أدلة اإلثبات التي‬

‫‪ ))374‬عقد البيع عبر االنترنت ص ‪ 260‬د عمر خالد زريقات ‪.‬‬


‫‪ ))375‬قانون التجارة االلكترونية والتوقيع االلكتروني وقانون الملكية الفكرية واألدبية د‪ /‬إبراهيم سيد احمد‬
‫ص ‪292‬‬
‫‪315‬‬
‫ال يجوز إهدارها ‪ ،‬وحتى إن حدث تزوير فسرعان ما يتم كشفه من قبل الخبراء المتخصصين‬
‫الذين يستعين بهم القضاة ‪ ،‬ولذا فإن أي وسيلة تقنية تتيح تمييز الشخص وتحديد هويته تعتبر‬
‫(‪)376‬‬
‫مستوفية لشروط اإلثبات‪.‬‬

‫وقد اعترف قانون المعامالت اإللكتروني في إمارة دبي والقانون االتحادي رقم ‪ 1‬لسنة‬
‫‪ 2006‬بالتوقيع اإللكتروني واعتبروه حجة في اإلثبات حيث نص في المادة (‪ )1( )8‬اذا‬
‫اشترط القانون وجود توقيع على مستند أو نص على ترتيب نتائج معينة في غياب ذلك‪ ،‬فان‬
‫التوقيع االلكتروني الذي يعول عليه في اطار المعنى الوارد في المادة (‪ )18‬من هذا القانون‬
‫يستوفي ذلك الشرط‪ )2( .‬يجوز ألي شخص ان يستخدم أي شكل من أشكال التوثيق‬
‫(‪)377‬‬
‫االلكتروني‪ ،‬إال اذا نص القانون بغير ذلك‪.‬‬

‫كما نص القانون االتحادي وقانون إمارة دبي على حجية البينة اإللكترونية واعتبارها دليال‬
‫من أدلة اإلثبات (‪ )378‬كما ورد النص على أنه " يحق للشخص ان يعتمد على التوقيع‬
‫االلكتروني او الشهادة االلكترونية الى المدى الذي يكون فيه مثل ذلك االعتماد معقوال‪.‬‬

‫الغصن الثالث‪ :‬اإلثبات بالشهادة ومدى توافره في تقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫الشهادة تعني المشاهدة والمعاينة وقد سماها أكثر الفقهاء بالبينة؛ ألنها تبين الحق وتظهره‪،‬‬
‫فإذا توافرت شروط معينة في الشاهد والمشهود عليه والمشهود به‪ ،‬حكم القاضي بناء على‬
‫تلك الشهادة‪.‬‬

‫والشهادة حجة في إثبات الحقوق وقد ثبتت حجيتها بالقرآن الكريم والسنة والمعقول ‪،‬‬
‫والفقهاء قد بينوا شروط الشاهد ومنها أن يشهد الشاهد بعد معاينة للمشهود به واطالعه‬
‫عليه ‪ ،‬وغير ذلك من الشروط التي فصلها الفقهاء وبينوها في مواضعها‪.‬‬

‫‪ ))376‬ندوة البركة ص ‪240‬‬


‫‪ ))377‬القانون االتحادي رقم ‪ 1‬لسنة ‪.2006‬‬
‫‪ ))378‬القانون االتحادي رقم ‪ 1‬المادة ‪10‬‬
‫‪316‬‬
‫وبتطبيق اإلثبات بالشهادة على تقنية البلوك تشين نجد أنها متوافرة وموجودة بصورة كبيرة‬
‫‪ ،‬حيث إن المشتركين على شبكة البلوك تشين تظهر أمامهم جميع التعامالت التي تمت وال‬
‫بد وأن يوافقوا عليها ويعتمدوها وإال فإن المعاملة لن تتم ‪ ،‬وعليه فإن تقنية البلوك تشين‬
‫توافرت فيها شروط الشهادة فاالعتماد عليها في اإلثبات اعتماد على شهادة توافرت أركانها‬
‫وشروطها‪.‬‬

‫بل إن تقنية البلوك تشين أقوى من الشهادة العادية ألن الحقوق العادية تثبت بشاهدين أما هذه‬
‫فهي آالف الشهادات حيث إن كل المعامالت ظاهرة أمام المشتركين وعاينوها واطلعوا عليها‬
‫بل وال بد وأن يوافقوا‪.‬‬

‫كما أن هذه أقوى من الشهادة العادية ألن الشهادة العادية يمكن فيها اإلنكار أو الطعن في‬
‫الشهود أو التراجع عنها‪ ،‬فداللتها ظنية ومع هذا قبلتها الشريعة واعتبرتها من أدلة اإلثبات‪،‬‬
‫فقبول تقنية البلوك تشين من باب أولى ألنها خلت من االحتماالت الموجودة في الشهادة‬
‫العادية‪.‬‬

‫الغصن الرابع‪ :‬اإلثبات باالستفاضة أو الشهرة ومدى توافرها في البلوك تشين‪:‬‬

‫أوال ً المراد بها‪ :‬من األدلة التي قد يعتمد عليها في إثبات األحكام االستفاضة أو التسامع‪،‬‬
‫والمراد باالســتفاضة‪« :‬خبر جمع كثير يقــع العلم أو الظن القوي بقولهم ويؤمن تواطؤهم‬
‫على الكذب‪.‬‬

‫ودليل االستفاضة والشهرة من أدلة اإلثبات التي اعتمد عليها المسلمون في قضائهم وثبتت‬
‫العديد من المسائل بناء عليها‪.‬‬

‫وتكون إذا اشتهر األمر ولم يوجد له معارض‪ ،‬فقد يقضي القاضي بناء على التسامع على‬
‫اعتبار أنه ال يوجد معارض للخبر‪ ،‬ال سيما وأن هناك أمورا يصعب أن يراها الناس‪ ،‬وإنّما‬
‫عرفت عن طريق التواتر واشتهرت عند الناس‪ ،‬ولو لم تجز الشهادة باالستفاضة ألدّى إلى‬
‫التضييق على الناس وإهدار الكثير من الحقوق‪.‬‬
‫‪317‬‬
‫(‪)379‬‬
‫قال بن القيم‪ :‬االستفاضة من أظهر البينات‪ ،‬فال يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها‪.‬‬

‫ولذلك عمل الفقهاء بها واعتمدوها‪ :‬قيل ألحمد‪ :‬تشهد ّ‬


‫أن فالنة امرأة فالن؟ قال نعم إذا‬
‫كان مستفيضا‪ ،‬أشهد ّ‬
‫أن فاطمة رضي هللا عنها ابنة النبي ‪ ‬وخديجة زوجته‪.‬‬

‫ومن أمثلتها‪ :‬نقل الخبر أو الرواية‪ ،‬وكذلك عدالة الراوي وإثبات صحبته للنبي حيث تعد‬
‫االســتفاضة أحد طرق إثبات الصحبة أو العدالة وغيرها‪.‬‬

‫والشهادة باالستفاضة مجالها كبير واختلف الفقهاء في المسائل والمجاالت التي يقبل القاضي‬
‫فيها االستفاضة‪ )380(.‬والشروط التي وضعها الفقهاء لقبول الشهادة بالتسامع واالستفاضة‬
‫كثيرة ومتعددة وتختلف من مذهب إلى مذهب لكن مجملها يدور حول ضرورة التأكد من‬
‫صدقها وانتفاء الريبة عنها سواء أخبر بذلك عدالن أو جماعة يستحيل تواطؤهم على‬
‫الكذب‪ )381(.‬ســواء أكان المخبر مســلما أم كافرا أم فاسقا ألن الخبر المتواتر يقطع بصدقه‬
‫(‪)382‬‬
‫‪ ،‬والقطع بصدقه قد حصل بسبب اســتحالة تواطئهم على الكذب وليس بسبب عدالتهم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬مدى توافر دليل الشهرة واالستفاضة في تقنية البلوك تشين‪:‬‬

‫بتطبيق ما وضعه الفقهاء من شروط في قبول الشهادة باالستفاضة نجد أن هذه الشروط‬
‫تنطبق على تقنية البلوك تشين‪ ،‬بل أنها توافرت فيها بصورة أكبر وأظهر ‪.‬‬

‫ونقول‪ :‬إن تقنية البلوك تشين أدق من الشهادة بالتسامع أو الشهرة لما يلي‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬أن كل اإلجراءات من إثبات الملك واإليجاب والقبول وكل ما يتعلق بالعقد يكون مرئيا‬
‫للجميع ويطلعون عليه ويراجعونه ويحفظونه خطوة خطوة ويوثق زمنه‪ ،‬فهذه التقنية أثبت‬
‫وأدق من شهادة التسامع فينبغي أن تعتمدها القضاء كدليل من أدلة اإلثبات‪.‬‬

‫‪ ))379‬الطرق الحكمية (مكتبة دار البيان‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت) ج‪ 1‬ص‪.170‬‬


‫‪ ))380‬المغني (مكتبة القاهرة‪-‬د‪.‬ط ‪1388-‬هـ ‪1968‬م) ج‪ 10‬ص‪141-139‬‬
‫‪))381‬الدعاوى والبينات واإلثبات ص ‪ 102، 101‬د البغا‪.‬‬
‫‪ ))382‬العقود الذكية د العياشي ص ‪.36‬‬
‫‪318‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬أن تقنية البلوك تشين أولى ألن االستفاضة ال تبنى إال على الدليل العقلي الذي معناه "‬
‫استحالة تواطؤ الرواة على الكذب" فكيف باالستفاضة المبينة على دليل علمي وثابت‬
‫ومحفوظ على آالف األجهزة وال يمكن العبث بها وال تغييرها‪.‬‬

‫الغصن الرابع‪ :‬اإلثبات بناء على شهادة الخبراء ومدى انطباقها على تقنية البلوك تشين‪:‬‬
‫(‪)383‬‬

‫أمرنا هللا تعالى بسؤال أهل الذكر إن كنا ال نعلم فقال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال‬
‫تعلمون "‪ ،‬والغرض من سؤالهم هو االعتماد على قولهم وإال لما كان لسؤالهم فائدة‪.‬‬

‫ومن الوسائل التي تُعين على إظهار الحق وكشف وجه الدعوى قول الخبراء‪ ،‬والخبراء هم‬
‫الذين لهم المعرفة والخبرة بالمسائل الفنية إذا كان موضوع النزاع فيه مسألة تخفى على‬
‫القاضي‪ ،‬مثل معرفة سبب الوفاة فعلى القاضي أن يلتجأ لقول الطبيب الشرعي في سبب‬
‫الوفاة‪ ،‬وغير ذلك مما يختص بمعرفته الطبيب‪ ،‬وكذلك قول المهندسين والفاحصين‬
‫والمختصين بمعرفة الخطوط والبصمات‪ ،‬ك ٌل فيما يتعلق ويتصل بمجال تخصصه‪ ،‬وكذلك‬
‫قول البيطار في عيوب الحيوان ودائه‪.‬‬

‫والشريعة اإلسالمية اعتدت بقول أهل الخبرة‪ ،‬فقد قبل النبي صلى هللا عليه وسلم قول القائف‬
‫وسر عليه الصالة َوالسالم حينما أثبت نسب أسامة‪ -‬رضي هللا عنه‪ -‬من زيد‪ -‬رضي هللا‬
‫ّ‬
‫(‪)384‬‬
‫عنه‪ -‬بمقارنة الشبه في أقدامهما‪.‬‬

‫وبنى الفقهاء الكثير من أحكامهم على قول الخبير وتنوعت المسائل في العبادات والمعامالت‬
‫والجنايات وغيرها‪.‬‬

‫‪ : ))383‬نظام اإلثبات في الفقه اإلسالمي المؤلف‪ :‬عوض عبد هللا أبو بكر الناشر‪ :‬مجلة الجامعة اإلسالمية‬
‫بالمدينة المنورة‬
‫‪ ))384‬ينظر في ذلك ‪ :‬صحيح البخاري ‪ ، 157 /8‬صحيح مسلم ‪. 1082 /2‬‬
‫‪319‬‬
‫ومن المسائل التي يعمل فيها بقول الخبراء " معرفة اتجاه القبلة بناء على معرفة الرياح‬
‫(‪)385‬‬
‫والكواكب والشمس والقمر وموضعها‪.‬‬

‫ومنها الحكم على من قتل الصيد وهو محرم ‪ ،‬قال تعالى " يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ‬
‫الكعبة"‬

‫وكثير من أحكام الجنايات قال الفقهاء فيها‪ :‬حكومة عدل‪ ،‬ويحكم فيها الخبراء مما يدل على‬
‫أن للخبرة دور في إثبات األحكام‪.‬‬

‫فيجوز للقاضي االعتماد على قول الخبراء في المسائل التي ال يوجد عند القاضي فيها دليل‬
‫عنده‪.‬‬

‫وإذا ثبت أن للقاضي أن يعتمد على قول الخبراء فيحكم بناء على تقريرهم فيجوز االعتماد‬
‫على تقنية البلوك تشين ألنها أيضا تعتبر من قول الخبير في مجال التعامالت االلكترونية‪،‬‬
‫وشهادتها ليست شهادة مشكوك فيها بل موثقة باألدلة والبراهين‪ ،‬ومضبوط زمن التعامالت‬
‫التي تمت بناء عليها بـيـن أي فرديــن في أي مجــال بمــا يتيــح اكتشــاف الثغــرات‬
‫ومكافحــة الفســاد ومراقبــة الجــودة‪.‬‬

‫والخالصة التي نخلص إليها بعد هذا العرض‪ :‬أن تقنية البلوك تشين توافرت فيها كل‬
‫مواصفات أدلة اإلثبات فيجوز االعتماد‬

‫عليها كدليل من أدلة اإلثبات وعلى القضاة أن يقوموا بتوظيف التقنيات الحديثة للوصول‬
‫إلى العدل وإحقاق الحق وإبطال الباطل‬

‫بل هي من أقوى أدلة إثبات المعامالت اإللكترونية وأدقها وأضبطها‪ ،‬ولكنها تحتاج إلى المزيد‬
‫من التشريعات والقوانين الضابطة التي تعترف بها وتذكرها صراحة في أدلة اإلثبات ال‬
‫سيما في مجال التعامالت التجارية االلكترونية‪.‬‬

‫‪ ))385‬األم (دار الفكر ‪-‬بيروت‪-‬د‪.‬ط‪1410-‬هـ‪1990-‬م) ج‪ 1‬ص‪114‬‬

‫‪320‬‬
‫الخاتمة‬

‫ي بكتابة هذه الصفحات التي طفت فيها على تقنية البلوك تشين‬ ‫أحمد هللا تعالى أن َّ‬
‫من عل َّ‬
‫والعقود الذكية وتعرفت من خاللها على العديد من المسائل في مجال اإلثبات اإللكتروني‪،‬‬
‫وخلصت من خالل دراستي إلى النتائج والتوصيات التالية‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬أهمية دراسة المتغيرات التقنية الحديثة وتوظيفها في خدمة الفقه اإلسالمي ‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬أهمية تقنية البلوك تشين وضرورة التوسع في دراستها وتفعيلها في المجاالت التي يمكن‬
‫توظيفها فيها‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬العقود الذكية تطور تقني يوفر الوقت والجهد والنفقات فال بد من وضع اآلليات لتفعيلها‪.‬‬

‫رابعا ً‪ :‬ضرورة االستفادة بتقنية البلوك تشين في مجال اإلثبات لكونها دليال ال يتطرق إليه‬
‫الشك وال االحتمال‪.‬‬

‫خامسا ً‪ :‬أوصي بأن تقوم الجهات التشريعية بوضع تشريعات مباشرة لتقنية البلوك تشين‬
‫والعقود الذكية‪.‬‬

‫سادسا ً‪ :‬أهمية التعاون الدولي لوضع القوانين التي تحسم النزاع في العقود الذكية وتجعل هناك‬
‫معيارا واحدا تحاكم إليه كل العقود الذكية حيث إنها عقود ال تخضع إلقليم واحد وال دولة‬
‫واحدة‪.‬‬

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬

‫‪321‬‬
‫أهم المصادر والمراجع‬

‫‪ )1‬أحكام القرآن البن العربي (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪-‬د‪.‬ت)‬

‫‪ )2‬إعالم الموقعين (دار الكتب العلمية‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م)‬

‫‪ )3‬األم (دار الفكر ‪-‬بيروت‪-‬د‪.‬ط‪1410-‬هـ‪1990-‬م)‬

‫‪ )4‬الطرق الحكمية لإلمام ابن القيم (مكتبة دار البيان‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت)‬

‫‪ )5‬المحلى (دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪-‬د‪.‬ط‪-‬د‪.‬ت)‬

‫‪ )6‬المغني (مكتبة القاهرة‪-‬د‪.‬ط ‪1388-‬هـ ‪1968‬م)‬

‫‪ )7‬المنثور (وزارة األوقاف الكويتية‪-‬الطبعة الثانية‪1405-‬هـ‪1985-‬م)‬


‫‪ )8‬صحيح اإلمام البخاري‬
‫‪ )9‬صحيح اإلمام مسلم‬

‫مراجع ومؤلفات حديثة‪:‬‬

‫‪ )10‬الثورة الصناعية الرابعة بين البلوكتشين والعمالت المشفرة لمجموعة من الكتاب ط ‪ :‬قنديل للطباعة‬
‫والنشر األمارات الطبعة األولى ‪.‬‬

‫‪ )11‬العقود اإللكترونية على شبكة اإلنترنت بين الشريعة والقانون رسالة ماجستير مقدمة من الباحث‪:‬‬
‫ميكائيل رشيد علي إشراف األستاذين ‪:‬عبيدة عامر توفيق ‪ ،‬عيسى خليل خير هللا ‪.‬‬

‫‪ )12‬العقود الذكية د الصادق عياشي فداد‪.‬‬

‫‪ )13‬العقود الذكية د منذر قحف‪ ،‬د محمد الشريف العمري‬

‫‪ )14‬العقود الذكية في ضوء األصول والمقاصد والمآالت د قطب مصطفى سانو ‪.‬‬

‫‪ )15‬العقود الذكية مفهومها ومميزاتها وأركانها د إنصاف أيوب المومني‪.‬‬

‫‪ )16‬العقود الذكية واقعها وعالقتها بالعمالت االفتراضية د عمر الجميلي ‪.‬‬

‫‪ )17‬العقود الذكية والبنوك الرقمية والبلوكشين د عبد الستار أبو غدة‬

‫‪ )18‬العمالت الرقمية وعالقتها بالعقود الذكية مجلة مجمع الفقه د‪ /‬غسان الطالب‬

‫‪322‬‬
‫‪ )19‬استخدام تطبيقات البلوكتشين لتطوير األصول الوقفية أنموذجا‬

‫‪ )20‬استكشاف تقنية البلوكشين وتطبيقاتها في المالية اإلسالمية وما بعدها ‪.‬إعداد‪ :‬د‪.‬ازىرة بني عامر‪ ،‬أ‪.‬‬
‫آالء تحسين ‪.‬‬

‫‪ )21‬االثبات االلكتروني في القضاء والتحكيم التجاري د صالح بن علي بن حمد الحراصي‪.‬‬

‫‪ )22‬القرائن في الفقه اإلسالمي (مجلة مجمع الفقه اإلسالمي العدد (‪ )12‬الجزء (‪ 3‬ج‪ 1-‬ص‪57-49‬‬
‫‪ )23‬الموسوعة الفقهية (وزارة األوقاف الكويتية‪ -‬صدرت في سنوات متعددة)‬

‫‪ )24‬النظام القانوني للتوقيع اإللكتروني د‪ /‬عبد الفتاح بيومي حجازي ط" دار الكتب القانونية – مصر‪ ،‬دار‬
‫شتات للنشر والبرمجيات‪.‬‬

‫‪ )25‬النظام القانوني للتوقيع االلكتروني في ضوء التشريعات العربية واالتفاقيات الدولية د‪ /‬خالد مصطفى‬
‫فهمي ط‪ :‬دار الجامعة الجديدة‪.‬‬

‫‪ )26‬تقنية البلوك تشين ودوها في المالية اإلسالمية د عبد الستار أبو غدة ‪.‬‬

‫‪ )27‬سلسة الكتل والعقود الذكية إعداد ‪ :‬قمر الزمان حافظ –أسماء هواري – آمنة سمرة – نادر برويز‬

‫‪ )28‬شرح مجلة األحكام (دار الجيل‪-‬الطبعة األولى‪1411-‬هـ‪1991-‬م)‬


‫‪ )29‬طرق اإلثبات الشرعية للشيش أحمد إبراهيم بك ط‪ :‬المكتبة األزهرية للتراث‬
‫‪ )30‬عقد البيع عبر االنترنت د عمر خالد زريقات‪.‬‬

‫‪ )31‬قانون التجارة االلكترونية والتوقيع االلكتروني وقانون الملكية الفكرية واألدبية د‪ /‬إبراهيم سيد احمد‬

‫‪ )32‬ماهية العقود الذكية د هناء محمد الحنيطي‬

‫‪ )33‬مجلة مجمع الفقه اإلسالمي الرؤية المقاصدية للعقود الذكية‪.‬‬

‫‪ )34‬مستقبل سلسة الكتل على الصيرفة اإلسالمية‬

‫‪ )35‬مشروع قانون التجارة اإللكترونية المصري‬

‫‪ )36‬نظام اإلثبات في الفقه اإلسالمي المؤلف‪ :‬عوض عبد هللا أبو بكر الناشر‪ :‬مجلة الجامعة اإلسالمية‬
‫بالمدينة المنورة‬

‫‪323‬‬
‫معاجم اللغة العربية‪:‬‬

‫‪ )37‬لسان العرب‬

‫‪ )38‬الفروق اللغوية‬

‫‪ )39‬الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية‬

‫‪ )40‬مختار الصحاح‬

‫مواقع اإلنترنت‬

‫‪ )41‬ما هي تقنية البلوك تشين وكيف تعمل مقال منشور على الشبكة الدولية‬
‫‪https://itcomunity.com/post/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-‬‬
‫‪%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%83%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9‬‬
‫‪%86-blockchain‬‬

‫‪ )42‬العقود الذكية ماهيتها واستخداماتها وكيفية عملها‪ .‬منشور على شكة المعلومات الدولية‬
‫‪/https://sa.investing.com‬‬

‫‪ )43‬جريدة البيان بتاريش ‪/7‬يناير ‪ 2020‬م ‪https://www.albayan.ae/across-the-‬‬


‫‪uae/news-and-reports/2019-10-29-1.3686558‬‬

‫‪324‬‬
‫البلوك تشين والمالءمة القانونية للعقود الذكية‬

‫الدكتور عـمـــر آنــجــوم‬


‫أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫جامعة ابن زهر بأكادير‪ -‬المملكة المغربية‬

‫‪325‬‬
326
‫تقديم الموضوع‬

‫تعتبر العقود الذكية والتي هي باختصار بسيط اتفاقات ذاتية التنفيذ بدون حاجة لتدخل‬
‫عاقديها‪ ،‬أحد االستخدامات الخالقة للتكنولوجيا الحديثة الظهور والمسماة "البلوك تشين‬
‫‪ "Blockchain‬أو سلسلة الكتل‪ ،‬ولقد بدأت هذه العقود تعرف انتشارا ونجاحا كبيرين بفضل‬
‫هذه التكنولوجيا على اعتبار أنها الدعامة أو المنصة التي تحتويها‪.‬‬

‫لذلك ومن أجل االحاطة بهذه العقود الذكية وجوانبها المتعددة‪ ،‬سيكون جديرا تناول‬
‫ماهيتها ومعالجة مكانتها ضمن القواعد والمبادئ العامة للقانون‪ ،‬والنظر في مدى مالءمتها‬
‫لنظرية العقد‪ .‬لكن وقبل ذلك‪ ،‬فمن األولى استيعاب وفهم الدعامة و المنصة التي تحتضن هذه‬
‫العقود باعتبارها تكنولوجيا رقمية سيكون لها دور كبير في إحداث ثورات مثيرة في العديد‬
‫من المجاالت االقتصادية‪ ،‬و المالية واالجتماعية بل وحتى الثقافية و غيرها‪ ،‬و التي تهم سواء‬
‫من قريب أو بعيد عالقات األفراد فيما بينهم‪ ،‬أو بينهم و بين المؤسسات الخاصة والعامة‪ ،‬أو‬
‫بين هذه األخيرة بعضها ببعض‪ ،‬وذلك بشكل مغاير لما عهدته البشرية من أنماط للتواصل و‬
‫عدت حديثة ومتقدمة‪ ،‬و ذلك بالنظر إلى أن‬
‫التبادل أصبحت تقليدية ولو أنها إلى زمن قريب ُ‬
‫هذه التكنولوجيا‪ ،‬وكما أجمع على ذلك الكثير‪ ،‬هي فعال تكنولوجيا مغيرة " ‪technology‬‬
‫‪ " Disruptive‬بكل ما لهذه الكلمة من معنى‪.‬‬

‫ألجل ما سلف‪ ،‬وعالقة بموضوعنا الذي يتمحور حول تقنية البلوك تشين والمالءمة‬
‫القانونية للعقود الذكية كتطبيق من تطبيقاتها‪ ،‬فقد ارتأينا تناوله من خالل مبحثين‪ ،‬نخصص‬
‫األول منهما لدراسة اإلطار المفاهيمي لهذا النوع من العقود الموصوفة بالذكية‪ ،‬فيما سنعالج‬
‫في المبحث الثاني مدى مالءمة هذه العقود للمبادئ العامة للقانون ولنظرية العقد‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬اإلطار المفاهيمي للعقود الذكية كتطبيق لتكنولوجيا البلوك تشين‬

‫كما سبق لنا قول ذلك‪ ،‬فمن أجل اإلحاطة ما أمكن بما تثيره العقود الذكية من أسئلة قانونية‬
‫وعملية‪ ،‬يكون جديرا بنا بدء العمل على استيعاب وفهم المنصة التكنولوجية الحاضنة لها من‬

‫‪327‬‬
‫مختلف جوانبها الموضوعية والتقنية‪ ،‬مع العلم أن العقود الذكية ليست إال واحدة من تطبيقات‬
‫عديدة لتقنية البلوك تشين‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة لتطبيق العمالت الرقمية وتطبيقات أخرى‬
‫تتخذ من هذه التقنية منصة لها‪.‬‬

‫فالبتكوين كعملة رقمية شائعة الصيت والتي برزت إلى الوجود خالل سنة ‪ 2009‬من‬
‫قبل شخص يدعى "ساتوسي نكاموتو"‪ ،‬واعتبارا لما تشكله و منذ ذلك الحين من كونها ظاهرة‬
‫مثيرة في عالم العمالت‪ ،‬فإنه لم يكن ليكتب لها ذلك النجاح واالنتشار الواسع لوال تكنولوجيا‬
‫البلوك تشين‪ ،‬بل إن هذه األخيرة قد تعدت عالم المال لتشمل بتطبيقاتها الفريدة العديد من‬
‫المجاالت األخرى المرتبطة بعالم األعمال كخدمات التوزيع‪ ،‬والطاقة و مجاالت االختراع‬
‫واالبداع‪ ،‬والمهن الحرة من محاماة وتوثيق‪ ،‬و الخدمات الحكومية‪ ،‬وأنشطة التأمين وغيرها‬
‫كثير‪ ،‬لتحقق في كل الميادين تحوالت كبيرة وهامة‪ ،‬تمكنت داخلها من إنجاز ما يمكن اعتباره‬
‫اكتفاء ذاتيا لما تحتاج إليه من خدمات المصادقة والتوثيق‪ ،‬وبالتالي توفيرها لعنصر الثقة‬
‫بدون حاجة لتدخل سلطة مركزية‪ ،‬أو من يقوم مقامها من وسطاء ومتدخلين‪.386‬‬

‫ألجل ذلك وقبل تناول هذا اإلطار المفاهيمي للعقود الذكية بتفصيل‪ ،‬فإننا سنعرض من‬
‫جهة أولى لرؤية عامة حول هذا القادم الجديد المسمى بـ"البلوك تشين" سواء كتقنية أو كنظام‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬رؤية عامة حول تقنية سلسلة الكتل "البلوك تشين"‬

‫من أجل االحاطة بسلسلة الكتل" البلوك تشين"‪ ،‬سنتناول تعريفها والوقوف على جوانبها‬
‫العملية المرتبطة بمنطق اشتغالها كتقنية أو نظام‪ ،‬ثم نتناول نماذج تطبيقية لها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫بعض ما تثيره من قضايا أخالقية وقانونية‪.‬‬

‫‪386‬‬‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, « Blockchain : une révolution pour‬‬


‫‪le droit » in « Le journal des tribunaux », Edition 10 Novembre 2018-137e‬‬
‫‪année. 36- N° 6748. P.801.‬‬
‫‪328‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف البلوك تشين وجوانبها العملية‬

‫أوال‪ :‬تعريف تقنية البلوك تشين (أو سلسلة الكتل)‬

‫لقد ظهرت البلوك تشين في البداية كتقنية تمكن من تأمين وتتبع المعامالت التي تتم‬
‫بواسطة العمالت الرقمية‪ .387‬إال أن السرعة والثقة اللذان توفرهما هذه التقنية سرعان ما‬
‫جعالها تسترعي اهتمام الفاعلين في مجال المال واألعمال؛ ومجاالت أخرى كنقل الملكية‬
‫وتحويل القيم واألصول‪ ،‬لتتبوأ تبعا لذلك مكانة مرموقة ضمن أهم التكنولوجيات الحديثة‬
‫المغ سيرة إلى جانب الذكاء االصطناعي‪.‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬وباالستناد إلى من كان وراء وضع تصورها العام كتقنية ومنظومة‪،‬‬
‫المعلوماتي ورجل القانون"‪ ،"Nick Szabo‬فيمكن تعريفها على أنها تلك التقنية المسخرة‬
‫لتخزين المعامالت الرقمية والتحقق من صحتها باعتماد وسائل تشفير يستحيل كسرها‪ ،‬في‬
‫غياب تام ألي وسيط مركزي‪ .‬فكل اتفاق تم عبر شبكة البلوك تشين ال يتم الحفاظ عليه مركزيا‬
‫من قبل سلطة معينة‪ ،‬وإنما داخل شبكة حواسيب (مجموعة سيرفرات) تسمى عقد )‪(Nodes‬‬
‫‪.388‬‬

‫وبشكل تطبيقي‪ ،‬فإن سالسل الكتل هي تكنولوجيا معلومات تمكن من إنشاء سجالت‬
‫للمعامالت غير ممركزة ومن دون حاجة لوجود أغيار ذوي ثقة‪ -‬من بنوك مثال أو موثقين‬
‫أو إدارات ‪ -‬من خالل استخدام تقنيات التشفير‪ ،‬بحيث أن كل مستعمل يقوم بمشاركة آخرين‬
‫داخل الشبكة نفس السجالت مع التحقق من سالمة محتواها‪.389‬‬

‫‪ 387‬أطلقت فكرة العملة الرقمية من قبل شخص مجهول باسم وهمي هو ‪ ،Satochi Nakamato‬بحيث‬
‫سميت ‪ ، Bitcoin‬والتي كانت من أوائل العمالت الرقمية‪ .‬هذا الشخص هو نفسه من وضع التصور العام‬
‫لشبكة البلوك تشين كمنصة لتداول عملة البيتكوين‪.‬‬
‫‪388 NAKAMOTO SATOSHI, «Bitcoin: A Peer-to-Peer Electronic Cash‬‬

‫‪System», https://bitcoin.org/bitcoin.pdf ; VOSHGMIR (n. 10), p. 8.‬‬


‫‪389 Frédéric CUIF, « Les contrats intelligents par la technologie Blockchain :‬‬

‫‪une inévitable révolution », See : https://descartes-avocats.com/les-‬‬


‫‪329‬‬
‫ثانيا‪ :‬عناصر نظام البلوك تشين‬

‫يتكون ال "بلوك تشن" من أربعة عناصر رئيسية تتمثل في الكتلة‪ ،‬والمعلومة‪ ،‬والهاش‪،‬‬
‫ثم بصمة الوقت‪ ،‬وكل هذه العناصر تمثل سلسلة الكتلة‪ ،‬وجميعها يشتغل على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتلة‪ :‬تمثل وحدة بناء السلسلة‪ ،‬وهي عبارة عن مجموعة من العمليات أو المهام‬
‫المرجو القيام بها أو تنفيذها داخل السلسة‪ ،‬ومن أمثلة الكتل ‪ Blocks‬تحويل أموال أو تسجيل‬
‫بيانات أو متابعة حالة أو خالفه‪ ،‬وعادة ما تستوعب كل كتلة مقدارا محددا من العمليات‬
‫والمعلومات لتغلق بصورة نهائية‪ ،‬ثم يتم إنشاء كتلة جديدة مرتبطة بها‪ ،‬والهدف الرئيسي‬
‫هو منع إجراء معامالت وهمية داخل الكتلة تتسبب في تجميد السلسلة أو منعها من تسجيل‬
‫وإنهاء المعامالت‪.‬‬

‫‪-2‬المعلومة ‪ :‬يقصد بها العملية الفرعية التي تتم داخل الكتلة الواحدة‪ ،‬أو هي األمر‬
‫الفردي"‪"single order‬الذي يتم داخل الكتلة‪ ،‬ويمتثل مع غيره من األوامر والمعلومات‬
‫داخل الكتلة نفسها‪.‬‬

‫‪-3‬الهاش‪ :Hash‬وهو عبارة عن الحمض النووي المميز لسلسلة الكتلة‪ ،‬ويرمز إليه‬
‫البعض أحيانا ب"التوقيع الرقمي ‪ ،"Digital Signature‬فهو عبارة عن كود يتم إنتاجه‬
‫من خالل خوارزمية داخل برنامج سلسلة الكتل‪ ،‬يطلق عليه آلية الهاش"‪،"Hash function‬‬
‫ويقوم بأربع وظائف رئيسية هي‪ :‬أ‪ -‬تمييز السلسلة عن غيرها من السالسل‪ ،‬حيث تحصل‬
‫كل سلسلة على هاش مميز لها وخاص بها؛‬

‫ب ‪ -‬تحديد ومعرفة كل كتلة وتمييزها عن غيرها داخل السلسلة‪ ،‬حيث تأخذ كل كتلة‬
‫أيضا هاشا خاصا بها؛‬

‫‪contrats-intelligents-par-la-technologie-blockchain-une-inevitable-‬‬
‫‪revolution/ pp.5-6.‬‬
‫‪330‬‬
‫ج‪ -‬وسم كل معلومة داخل الكتلة نفسها بهاش مميز؛‬

‫د‪ -‬ربط الكتل بعضها البعض داخل السلسلة‪ ،‬حيث ترتبط كل كتلة بالهاش السابق لها‬
‫والهاش الالحق عليها‪ ،‬ما يجعل الهاش يسير في اتجاه واحد فقط من الكتلة األصلية الالحقة‬
‫عليه وهكذا‪...‬‬

‫‪ -4‬بصمة الوقت‪ :‬وهو التوقيت الذي تم فيه إجراء أي عملية داخل السلسلة‪.390‬‬

‫ثالثا ‪:‬مبادئ عمل نظام "البلوك تشين"‬

‫يعمل نظام البلوك تشين وفق ثالثة مبادئ رئيسية‪ ،‬تمثل األساس الذي يقوم عليه هذا‬
‫النظام‪ ،‬ويتم في إطارها إنجاز المعامالت والتصرفات وهي‪:‬‬

‫‪-1‬السجل المفتوح"‪ : "Open Ledger‬وهو بمثابة دفتر األستاذ تكون جميع‬


‫المعلومات الموجودة داخل البلوك تشين متاحة للكافة من خالله‪ ،‬حيث يرى جميع األفراد‬
‫الموجودين داخل السلسلة جميع القيم التي يمتلكونها بعضهم البعض‪ ،‬لكن مع االحتفاظ مبدئيا‬
‫بعدم القدرة على معرفة هويتهم الحقيقية‪ ،‬وذلك ألن السلسلة تتيح ل فراد إمكانية استخدام‬
‫ألقاب غير أسمائهم الحقيقية تظهر لمستخدمي السلسلة‪ ،‬وبالتالي يصعب التعرف على هوية‬
‫الشخص‪ ،‬وإن كان من السهل معرفة حجم األموال التي يمتلكها‪.‬‬

‫‪ -2‬قاعدة البيانات الموزعة "‪ :" Distributed data base‬يهدف هذا المبدأ إلى‬
‫القضاء على فكرة المركزية‪ ،‬حيث ال توجد جهة واحدة أو خادم واحد » ‪ « server‬أو‬
‫جهاز واحد يتحكم في "سلسلة الكتل"‪ ،‬بل إن السلسلة موزعة بين جميع األفراد المشتركين‬
‫فيها حول العالم‪ ،‬حيث يمكن ألي شخص أينما كان أن يقوم بتحميل السلسلة واالطالع عليها‬
‫والمشاركة فيها‪ ،‬ويعتبر هذا المبدأ أحد عناصر األمان للسلسلة‪ ،‬فإذا أراد أحد القراصنة‬

‫‪ -390‬إيهاب خليــفة‪" ،‬البلوك تشين‪ :‬الثورة التكنولوجية القادمة في عالم المال واإلدارة"‪ ،‬أوراق علمية‬
‫متخصصة تصدر عن مركز المستقبل ل بحاث والدراسات المتقدمة‪ ،‬العدد ‪ ،3‬مارس ‪ ،2018‬الصفحة ‪.2‬‬
‫‪331‬‬
‫التالعب بالسلسلة أو اختراقها‪ ،‬فالبد له أن يخترق جميع األفراد الموجودين بها‪ ،‬وهو أمر‬
‫مستبعد حدوثه بدرجة كبيرة‪.391‬‬

‫وهكذا فكال المبدأين السالفين يجعالن ذلك السجل بما يحتويه من بيانات موزعا ومستنسخا‬
‫بين األفراد‪ ،‬و يتم االشتغال حوله من قبلهم تفاعليا على أساس تواصل شبكي منظم من ند‬
‫إلى ند آخر » ‪ « Peer to peer‬وفي زمن آني داخل عموم المنصة االرقمية‪.392‬‬

‫‪-3‬التعدين ‪ : Mining‬تشترك ماليين األجهزة حول العالم في التأكد من صحة المعاملة‬


‫قبل إتمامها عبر البلوك تشين‪ ،‬فإذا أراد أحد األفراد تحويل مبلغ نقدي آلخر عبر السلسلة‪،‬‬
‫فإن المعاملة ال تتم حتى تخضع لعملية التعدين‪ ،‬والتي يقصد بها استخدام طاقات أجهزة‬
‫الكمبيوتر في البحث عن "الهاش" الصحيح المميز لهذه المعاملة حتى تتم بنجاح‪ ،‬حيث يقوم‬
‫ماليين من المنقبين " ‪" Miners‬حول العالم بإجراء مجموعة من العمليات الحسابية المعقدة‬
‫عبر أجهزتهم بغرض الحصول على "الهاش" الصحيح الذي يربط هذه المعاملة بالمعاملة‬
‫السابقة لها داخل السلسلة‪ ،‬ويميزها عن غيرها من المعامالت األخرى التي تتم داخل سلسلة‬
‫الكتلة‪.‬‬

‫وبمجرد الحصول على الهاش الصحيح يتم إتمام المعاملة والسماح لها بالدخول في‬
‫السلسلة‪ ،‬ويتم ضمها إلى غيرها من العمليات داخل الكتل مكونة في النهاية سلسلة الكتل‪.‬‬
‫ويتم إتمام المعاملة بعد التأكد من صحتها‪ ،‬ويفوز المنقب الذي حصل على الهاش الصحيح‬
‫على نسبة من عملية التحويل‪ ،‬فإذا كان األمر نقل عملة البتكوين‪ ،‬فإنه يحصل على مكافأة‬
‫مالية مقابل عملية التنقيب‪ ،‬تتمثل في جزء من البتكوين نفسها‪.393‬‬

‫وتطبيقا للمبادئ السالفة‪ ،‬فإن اشتغال سلسلة الكتل يمكن أن يكون على النحو التالي فيما‬
‫يخص الوفاء بالتزام مثال‪ ،‬إذ نفترض أن زيد يريد الوفاء بالتزامه التعاقدي تجاه عمرو بواسطة‬

‫‪ -391‬إيهاب خليــفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.3‬‬


‫‪392 Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.802.‬‬

‫‪ -393‬إيهاب خليــفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.3‬‬


‫‪332‬‬
‫عملة رقمية هي البتكوين‪ ،‬فيقوم بداية بإنشاء محفظة رقمية عن طريق تنصيب برنامج لتداول‬
‫عملة البيتكوين االفتراضية‪ ،‬والذي بدوره يقوم بتحميل نسخة من البلوك تشين هي نفسها‬
‫المتوفرة لدى الجميع بغرض التصدي ألي غش في المعامالت؛ كما يقوم نفس البرنامج بخلق‬
‫مفاتيح فريدة للتشفير تمكن زيد من ابرام معامالته‪ ،‬ومنها يتم خلق مفاتيح عامة الستقبال‬
‫المعامالت المعنية تقدم للطرف الثاني أي عمرو‪.‬‬

‫وتأكيدا إلرسال المبلغ ووفاء زيد بالتزامه يقوم بتوقيع المعاملة باستعمال مفتاحه الخاص‪،‬‬
‫فيتم التحقق من هذه المعاملة من طرف مجموعة عقد قريبة (‪ ،)Nodes‬من خالل التأكد من‬
‫التوقيع والتحقق من ملكية زيد لرصيد كاف من عملة البتكوين‪ .‬بعد ذلك يتم تحويل المعاملة‬
‫إلى المنقبين؛ حيث يعملون على تجميع عدد معين منها وإدماجها في كتلة في انتظار بدء‬
‫عملية التنقيب (‪ .)Mining‬فالهدف من التنقيب هو إثبات العمل (‪ ،)Proof of Work‬أي‬
‫حل مسألة رياضية جد معقدة لتأكيد صحة المعاملة‪.394‬‬

‫رابعا ‪ :‬مميزات نظام البلوك تشين‬

‫تتعدد مميزات البلوك تشين والوظائف التي يمكن أن يؤديها‪ ،‬فهو نظام إداري ومالي‬
‫قادر على القيام بعدة وظائف حقيقية مع توفير أكبر قدر من الوقت والجهد وتكلفة أدنى للقيام‬
‫بالمهام‪ ،‬مع القدرة أيضا على مراقبة جميع العمليات والتأكد من مصدرها‪ ،‬إضافة إلى التصدي‬
‫لممارسات الغش أو التزوير أو التالعب فيها بفضل آلية الهاش‪ ،395‬وتتمثل أهم مميزات‬
‫نظام البلوك تشن سواء بالنسبة ل شخاص الذاتية أو المعنوية بما فيها اإلدارات العامة‪ ،‬فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪394‬‬ ‫‪Bilal CHOULI, Frédéric GOUJON, Yves-Michel LEPORCHER, « Les‬‬


‫‪Blockchains, de la théorie à la pratique, de l’idée à l’implémentation », 2e‬‬
‫‪édition, St-Herblain 2017, p.28 ss‬‬
‫‪ 395‬إيهاب خليــفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.5‬‬
‫‪333‬‬
‫‪ .1‬إتمام معامالت وصفقات األفراد في وقت آني ودون التواجد المادي لهم بمجلس العقد‬
‫على النحو التقليدي المعروف؛‬

‫‪ .2‬االستغناء عن أي وسيط كان تواجده ضروريا إلتمام المعاملة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة‬
‫ل بناك والموثقين والمحافظات العقارية‪...‬‬
‫‪ .3‬التأكد من صحة المعاملة باستعمال ال"‪ "proof of work‬كما سبق أن رأينا ذلك‪،‬‬
‫إذ يقوم المنقب في هذا الشأن بالتأكد من صحة المعاملة وضمها لسلسلة كتل مكونة من‬
‫معامالت أخرى؛ لتتم مكافأته فيما بعد بعملة رقمية تدفع لحسابه‪.396‬‬

‫‪ .4‬مواجهة الروتين‪ :‬يساعد هذا النظام الدوائر الحكومية على تحقيق الفاعلية‪ ،‬فجميع‬
‫المعامالت الخاصة باألفراد تكون واضحة داخل السلسلة‪ ،‬وإذا كانت هناك حاجة للتأكد من‬
‫بعض المعلومات أو الشهادات أو الوثائق يمكن االطالع عليها بسهولة بما يساعد في توفير‬
‫الوقت والقضاء على الروتين‪.‬‬

‫‪ .5‬ضمان الجودة‪ :‬يسمح نظام البلوك تشين بتتبع جميع الخطوات الخاصة بالمعاملة‪،‬‬
‫وهو ما يساعد في النهاية على ضمان تقديم الخدمة بأفضل جودة ممكنة‪ ،‬حيث يمكن االعتماد‬
‫على البلوك تشين في مراقبة جودة عمليات التصنيع وتقييم جودة المنتجات النهائية‪ ،‬ومطابقتها‬
‫للمعايير قبل طرحها للتداول في األسواق‪.‬‬

‫‪ .6‬التصدي للفساد‪ :‬ال يسمح نظام البلوك تشين بالتعديل أو اإللغاء‪ ،‬وجميع المعامالت‬
‫التي تتم عليه مسجلة خطوة بخطوة بالتوقيت‪ ،‬وفي حالة التالعب أو التزوير ال تقبل السلسلة‬
‫إدخال المعاملة مرة أخرى‪ ،‬بما يساعد في القضاء على الفساد‪.‬‬

‫‪ 396‬بالنسبة للبتكوين‪ ،‬فإن الشخص الذي تمكن من حل المشكلة الرياضية و تأكد من صحة المعاملة‪ ،‬يأخذ‬
‫مقابل عنائه مكافأة هي عبارة عن بتكوين‪ ،‬فيتم بالتالي توليد بتكوين جديد‪.‬‬
‫‪334‬‬
‫‪ .7‬التوزيع العادل للثروة‪ :‬يساهم هذا النظام في توزيع الثروة بين جميع األفراد حول‬
‫العالم وعدم احتكارها من قبل بعض الهيئات أو المنظمات‪ ،‬وذلك ألن جميع األفراد حول‬
‫العالم يمكن أن يشاركوا في إنهاء وحفظ المعامالت والحصول على نسبة منها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تطبيقات البلوك تشين ونظرة للقضايا المثارة حولها‬

‫أوال‪ :‬نماذج لتطبيقات تقنية البلوك تشين‬

‫على مستوى الدول المتقدمة نجد أن فرنسا قد كانت من الدول السباقة الى االعتراف‬
‫بالبلوك تشين على المستوى األوروبي‪ ،‬من حيث تنظيمها للقسائم النقدية ”‪ ،“mini-bons‬إذ‬
‫أن المشرع الفرنسي مكن األشخاص من تقييد قسائمهم مباشرة على شبكة البلوك تشين‪.397‬‬
‫وكذا من خالل مصادقة المشرع الفرنسي سنة ‪ 2017‬على قانون يسمح بنقل األوراق المالية‬
‫غير المدرجة عبر شبكة البلوك تشين‪.398‬‬

‫و باعتبار كونها تكنولوجيا مغيرة‪ ،‬فإن الكثير من االنتظارات ترجى منها بغرض تغيير‬
‫العديد من األنماط السائدة داخل المجتمعات وفي الكثير من الميادين‪ ،‬و في هذا اإلطار فقد‬
‫إلى أن الخدمات المالية تترأس الئحة المجاالت التي تسعى‬ ‫‪399‬‬
‫أسفرت دراسة مثيرة لالهتمام‬
‫الدول لتقنين البلوك تشين بشأنها‪ ،‬متبوعة بتسجيل األراضي‪ ،‬والعمالت الرقمية‪ ،‬وتحصيل‬
‫الضرائب ورقمنة األشياء وحماية الملكية الفكرية‪.‬‬

‫‪397‬‬ ‫‪JO du 29 avril 2016, n° 101, Rapport du Président de la République‬‬


‫‪relatif à l’ordonnance n°2016-520 du 28 avril 2016 relative aux bons de‬‬
‫‪caisse.‬‬
‫‪398 Loi n°2016-1691 du 9 décembre 2016 relative à la transparence, à la‬‬

‫‪lutte contre la corruption et à la modernisation de la vie économique, art.‬‬


‫‪120.‬‬
‫‪399‬تراجع بهذا الخصوص مبادرة »‪«The Illinois Blockchain initiative‬عبر الموقع‬
‫‪.https://illinoisblockchain.tech‬‬
‫‪335‬‬
‫‪ .1‬البلوك تشين ووظائف التسجيل وحفظ البيانات‬

‫إن تقنية البلوك تشين والفوائد الكبيرة التي توفرها ال تقتصر على القطاعات التجارية‬
‫والمالية؛ بل تمتد إلى مؤسسات الدولة ونشاط اإلدارة‪ .‬فأحد أهم وظائف اإلدارة يتمثل في‬
‫حفظ معلومات موثوقة عن األفراد الذاتية والمعنوية وأموالهم وأنشطتهم‪ ،‬لذلك يمكن االستعانة‬
‫بالبلوك تشين إلعداد سجالت داخل فضائها تتضمن هذه المعلومات‪ .‬فالكم الهائل من معلومات‬
‫األفراد الذي تضطر اإلدارة لمعالجته لم يعد يستساغ التعامل معه باستعمال سجالت ورقية‬
‫أو إلكترونية قابلة لالختراق‪ ،‬حيث تكون هذه المعلومات دائما مهددة بالضياع والتحريف‪.‬‬

‫وفي هذا المقام‪ ،‬سعت مختلف التشريعات في األلفية األخيرة إلى اعتماد نظم معلوماتية‬
‫لتخزين وإدارة سجالت المواطنين‪ .‬علما أنه في كثير من األحيان يالحظ أن هذه النظم تعاني‬
‫من ضعف البنى التحتية أو أنها سرعان ما تصبح متجاوزة كتكنولوجيا‪ ،‬وتظل عرضة‬
‫للقرصنة واستغالل معطيات األفراد ألغراض غير مشروعة‪.‬‬

‫وفي مقابل ذلك‪ ،‬يتضح أن تقنية البلوك تشين قد تلعب دورا مهما في المرور إلى الحقبة‬
‫التالية من رقمنة اإلدارة‪ ،400‬وذلك بإحداث سجالت تابعة للدولة على مستوى البلوك تشين؛‬
‫تسريعا لإلجراءات اإلدارية وضمانا لسالمة السجالت من أية عملية تزوير أو اختراق‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إلى سهولة تجميع المعلومات وإعداد اإلحصائيات بشأنها‪.‬‬

‫وتعد إستونيا من بين الدول السباقة العتماد البلوك تشين لمعالجة جميع المعلومات المتعلقة‬
‫بالقطاع العام‪ ،‬بحيث أعدت نظاما للبلوك تشين خاص ال يسمح باالطالع عليه إال من قبل‬
‫حواسيب تابعة لهذه الدولة‪.‬‬

‫‪400‬‬ ‫‪Seunghwan Myeong, Yuseok Jung, “Administrative Reforms in the‬‬


‫‪Fourth Industrial Revolution : The Case of Blockchain Use" published in‬‬
‫‪https://www.mdpi.com/2071-1050/11/14/3971, p. 3.‬‬
‫‪336‬‬
‫وفي مجال التحفيظ العقاري وحفظ سجالت الممتلكات‪ ،‬قامت دولة السويد أواسط سنة‬
‫‪ 2016‬بتكليف لجنة أسندت لها مهمة دراسة امكانية اعتماد سجل عقاري يعتمد كدعامة على‬
‫شبكة البلوك تشين‪ ،‬وذلك ضمن مدة سنتين لتقديم نتائج دراستها‪ .‬حيث سيتم إدراج مختلف‬
‫الوثائق الالزمة في هذه الشبكة‪ ،‬وهي وثائق تمكن من التحقق من ملكية العقار والحقوق‬
‫المثقلة به؛ وكذا توقيعات األشخاص ومختلف التقييدات المرتبطة به‪ .‬كما أن الوثائق التي‬
‫تكون أساسا سرية ستحتفظ بطابعها السري‪ ،‬في المقابل ستظل المعلومات العمومية متوفرة‬
‫للجميع‪ .‬ويتم نقل ملكية العقارات باعتماد عقود ذكية وبتطبيق المقتضيات الجاري بها العمل‬
‫بخصوص العقد والتوقيع االلكترونيين‪.401‬‬

‫ولعل ما ساعد دولة السويد على اعتماد البلوك تشين في مسك نظام سجلها العقاري‪ ،‬هو‬
‫غياب مؤسسة الموثق في هذه الدولة من جهة‪ ،‬وليونة التشريع السويدي الذي ال يتطلب أي‬
‫شكل معين لصحة العقود واكتسابها للحجية‪ .‬هذا باإلضافة العتراف المشرع السويدي بالتوقيع‬
‫االلكتروني والتجارة االلكترونية طبعا‪.‬‬

‫وقد خلصت اللجنة السالفة الذكر إلى نجاعة وفعالية البلوك تشين والعقود الذكية في مجال‬
‫نقل الملكية العقارية‪ ،‬باعتبار أن النظام السويدي الحالي يستلزم إجراءات تدوم من ‪ 3‬إلى ‪6‬‬
‫أشهر من أجل اتمام عملية البيع؛ في حين أن النظام الرقمي يقلص تلك المدة في حدود ساعات‬
‫قليلة‪.‬‬

‫والجدير بالذكر‪ ،‬أن هذه التجربة مهدت الهتمام تشريعات دول أخرى بإمكانية اعتماد‬
‫نظام تحفيظ عقاري عبر شبكة البلوك تشين؛ كما هو الحال بالنسبة مثال لدول كالهند وهولندا‬
‫والمملكة المتحدة‪.‬‬

‫‪401‬‬‫‪Miroslav Stefanovic, Đorđe Pržulj " Blockchain and Land Administration:‬‬


‫‪Possible applications and limitations"; p.5 Conferance paper available‬‬
‫_‪at:https://www.researchgate.net/publication/329650717_Blockchain_and‬‬
‫‪Land_Administration_Possible_applications_and_limitations‬‬
‫‪337‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬نجد أن الباحثين يتطلعون العتماد البلوك تشين في مجاالت أخرى‪،‬‬
‫مثل اصدار الوثائق الرسمية كبطاقات الهوية والشهادات الجامعية وشهادات الميالد وعقود‬
‫الزواج؛ باإلضافة لصرف اإلعانات الحكومية؛ وأيضا في االنتخابات بكل شفافية‪.‬‬

‫‪ .2‬تطبيقات البلوك تشين في مجال الملكية الفكرية‬

‫يقصد بالملكية الفكرية كل إبداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم‬
‫وشعارات وأسماء وصور وغيرها‪ .‬فهي ثمرة مجهود أشخاص تمكنهم من االعتراف لهم‬
‫بحقوقهم وتمكينهم من فوائد مالية عنها؛ لذا كان دائما واجبا إضفاء الحماية الكافية عليها من‬
‫كل تطفل أو استغالل غير مشروع‪ .‬ولهذا دأبت التشريعات على إقرار البراءات وحقوق‬
‫المؤلف والعالمات التجارية التي تمكن األشخاص من كسب عوائد مالية من ابتكاراتهم‬
‫واختراعاتهم‪.‬‬

‫ولما كانت األنظمة الحالية لحقوق الملكية الفكرية توفر سبال ناجعة لحماية ابتكارات‬
‫واختراعات األشخاص؛ فإن هذه الحماية في مجال التجارة االلكترونية تتخللها العديد من‬
‫المعيقات‪ .‬ولعل أبرز دليل على ذلك الكم الهائل الذي تتعرض له شركات األفالم واأللعاب‬
‫االلكترونية واألغاني من قرصنة؛ من دون أن تتوفر على وسائل فعالة لمتابعة منتهكي‬
‫حقوقها‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬تظهر تقنية البلوك تشين كحل بديل يمكن اللجوء إليه لتجاوز العقبات‬
‫الحالية لحماية حقوق الملكية الفكرية في الفضاءات الزرقاء‪.402‬‬

‫فوظيفة التسجيل التي تضطلع بها شبكة البلوك تشين تجعلها خيارا مناسبا لتقييد حقوق‬
‫الملكية الفكرية وضمان شموليتها‪ .‬كما تنطوي هاته التقنية على طريقة فعالة لتسريع اجراءات‬
‫تسجيل الحقوق‪ ،‬بل ويمكن تقديم بياناتها كوسيلة إثبات على المستوى العالمي دون االضطرار‬

‫‪ 402‬يمكن اإلطالع على موقع ‪https://www.bernstein.io/‬الذي يوفر خدمة تعتمد على تقنية البلوك‬
‫تشين لحماية حقوق الملكية الفكرية‪.‬‬
‫‪338‬‬
‫إلى سلوك مساطر و شكليات خاصة‪ ،‬وهو ماال يستساغ في األنظمة الحالية إال من خالل‬
‫سلوك مساطر عديدة وإجراءات مركبة‪.403‬‬

‫وتسمح كذلك تقنية البلوك تشين بالتأكد بشكل ال شبهة فيه من أبوة اإلبداع‪ ،‬أي نسبة‬
‫االبداع لصاحبه الفعلي‪ ،‬وضبط حقوق الملكية الفكرية غير المسجلة‪ ،‬واثبات االستخدام الفعلي‬
‫للحق المحمي في التجارة‪ ،‬وإبرام اتفاقات الترخيص عن طريق عقود ذكية تضمن تنفيذها‪.404‬‬

‫وسيحدث لهذا الغرض سجل ذكي للملكية الفكرية يشمل كل التفاصيل من تاريش أول‬
‫طلب تسجيل أو استخدام تجاري ألية عالمة تجارية؛ أو تاريش ترخيص أي تصميم أو عالمة‬
‫تجارية أو براءة أو التنازل عنها أو غيرهما؛ وسيتيح ذلك أيضا حال عمليا لمتطلبات تجميع‬
‫البيانات وتخزينها وإتاحتها على المستوى العالمي‪.‬‬

‫فتواجد سجل يظهر المالك األصلي للحق؛ وكذا من رخص له بإدارة الحق ونوع الحق‬
‫وما إلى ذلك سيمكن من التحقق من جودة المنتوج وتمييزه عن المنتوج المقلد‪ .‬أي أن اعتماد‬
‫تقنية البلوك تشين سيكون له دور فعال في القضاء على أعمال التقليد والتزييف مادامت هذه‬
‫التقنية غير قابلة للتزوير أو التالعب‪.‬‬

‫ويمكن استخدام العقود الذكية في إعداد وتنفيذ االتفاقات في مجال الملكية الفكرية؛ أي أنه‬
‫يمكن لصاحب الحق أن يتصرف فيه كيفما شاء؛ وتفويته للغير مثال دون أن يخشى وقوعه‬
‫ضحية عملية احتيال أو غيرها‪.‬‬

‫‪403‬‬‫‪Conseil Supérieur de la Propriété Littéraire et Artistique, Rapport de la‬‬


‫‪mission sur l’état des lieux de la blockchain et ses effets potentiels pour la‬‬
‫‪propriété littéraire et artistique, janvier 2018, p.16 et Marcus O’Dair et al.,‬‬
‫‪Music On The Blockchain, Blockchain For Creative Industries Research‬‬
‫‪Cluster, Middlesex University, rapport n° 1, juillet 2016.‬‬
‫‪ 404‬لقد تطرقنا سابقا لدور العقود الذكية في إضفاء الثقة على المعامالت وضمان تنفيذ العقود وفق الشروط‬
‫المتفق عليها‪ .‬فالعقد الذكي هو اتفاق ذاتي التنفيذ؛ يتم تخزينه على مستوى شبك البلوك تشين‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬ستقدم تراخيص استعمال الحق بواسطة عقد ذكي‪ ،‬وكذا السماح بتحويل‬
‫المبلغ آنيا إلى مالك الحق‪ .‬كما يمكن تشفير المصنفات المحمية محل العقد مثل األغاني؛ بحيث‬
‫يتعذر على أي شخص استعمال الحق دون الحصول على ترخيص مالكه الذي سيمده بمفتاح‬
‫خاص به‪ .‬أي أن هذه الطريقة ستمكن من تقليص فرص وقوع الحق محل قرصنة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظرة للقضايا المثارة حول تقنية البلوك تشين‬

‫لعل الطريقة المثلى لإلحاطة بما تثيره تقنية البلوك تشين من قضايا قانونية وأخالقية‬
‫كتقنية غير مرتبطة أساسا بجهة مركزية‪ ،‬هي دراسة المنظومة الحاضنة لها بشكل أفضل‬
‫وتحديد المتدخلين في مجالها‪ .‬وعلى هذا النحو وفي التعامل مع هذه التقنية المغيرة والمتحررة‬
‫يجدر عدم السقوط في تلك الحلقة المفرغة المتمثلة في سعي القائمين على مجاالت القانون‬
‫محاولة استيعابها ضمن حدوده‪ ،‬في حين أنها باعتبارها تكنولوجيا متحررة ومغيرة تسعى‬
‫دائما إلى تجنب خضوعها للتنظيم‪ ،‬ولعل عدم األخذ بعين االعتبار هذه المسألة يؤدي إلى رد‬
‫معاكس في اتجاه إحداث تغييرات جدرية ل وضاع وتكريس لالمركزية التي تقوم داخلها‪.‬‬

‫ومن أجل تجاوز هذه الدائرة المفرغة‪ ،‬يمكن للبلوك تشين أن تكون ذات قيمة إضافية في‬
‫مصاحبتها للتحوالت القانونية من خالل مثال إضفاء مزيد من الشفافية على توفير الخدمات‪،‬‬
‫والرفع من المردودية داخل المقاوالت واإلدارات العمومية‪ ،‬وخلق ظروف مثالية لنماء‬
‫المجتمع بتغليب جانب التعاون داخله على جانب المنافسة فقط‪.‬‬

‫ولذلك‪ ،‬فإن المجال الذي تنشط فيه تقنيات الترميز هو شبيه بالممارسة السياسية وذلك‬
‫من حيث أن القرارات المتخذة أيضا على المستويات الفنية ستكون لها انعكاسات على‬
‫المجتمع‪ .‬لذا فإن البلوك تشين يمكن أن تكون ببساطة تكنولوجيا محفزة للتحرر والتمكين‬
‫تتولى القوى الفاعلة داخلها تعزيز إطارها الحالي ذاتيا‪.405‬‬

‫‪405‬‬‫‪Les problématiques éthiques et juridiques de la blockchain – Blockchain‬‬


‫‪France‬‬ ‫‪in‬‬
‫‪https://blockchainfrance.net/2016/02/14/droit_blockchain_contrats/‬‬
‫‪340‬‬
‫من وجهة نظر قانونية بحثة‪ ،‬فهذا النوع من التكنولوجيات المتحررة يثير من ضمن ما‬
‫يثير إشكاليتين أساسيتين تتعلقان بالمسؤولية ضمن فضاءاتها؛ ومدى التأطير القانوني لهذه‬
‫الفضاءات‪.‬‬

‫فبخصوص المسؤولية‪ ،‬فإنه تقوم بصددها عدة أسئلة من قبيل الكيفية التي يمكن من‬
‫خاللها معالجة الحالة التي يتم من خاللها استغالل هذه التكنولوجيا في أغراض غير مشروعة؟‬
‫ومن المسؤول عن نظام استغالل تلك التكنولوجيا علما أنها ال تتوفر من حيث األصل على‬
‫مسؤول لنظام التشغيل الخاص بها‪ ،‬وعلى نحو بسيط يمكن القول إن المسؤولية في هذه‬
‫األحوال تقع على عاتق أصحاب البرامج‪ .‬لكن حتى في هذه الحالة سنكون أمام مشكلة مركبة‪،‬‬
‫إذ فمن جهة أولى مصممي البرامج هم في الغالب مجهولي الهوية‪ ،‬بل األكثر من ذلك أنه‬
‫حتى في حالة ما إذا تم تحديد هويتهم فلن يؤدي ذلك إلى حظر عمليات هذه التنظيمات نظرا‬
‫لكونها تشتغل بشكل ذاتي وفي استقالل تام داخل البلوك تشين‪.‬‬

‫أما من حيث مسألة التنظيم‪ -‬وكما سلف الحديث بهذا الشأن‪ -‬فإن البلوك تشين كتكنولوجيا‬
‫تختزل الكثير من الفرص االيجابية‪ ،‬اعتبارا على كونها تكنولوجيا محفزة للتحرر من القواعد‬
‫المعمول بها حاليا ومن هيمنة الدول‪ .‬بل لربما أكثر من شبكة االنترنت ألن الشفرة اآلن أصبح‬
‫لها مفعول يكاد يقوم مقام القانون بالنسبة لمستعمليها ‪ -‬فالرمز هو شريعة المتعاقدين كما يقال‬
‫‪ .-code is law‬ألن الشيفرة في الوقت الراهن يمكنها ومن خاللها إنشاء عالقات تعاقدية‬
‫وإطارات تكنوـ قانونية جديدة في استقالل تام عن العالم الواقعي المتعارف عليه‪ ،‬وذلك مثال‬
‫في شكل عقود ذكية‪.‬‬

‫لذلك يرى الكثير أنه من المستحيل‪ ،‬بل من غير المستحسن أصال تطبيق القواعد التقليدية‬
‫للقانون على البيئة الرقمية‪ ،‬وبالتالي من الضروري إنشاء إطار قانوني جديد خاص بهذه البيئة‬
‫وعلى األخص بالنسبة للبلوك تشين والتي ال نعرف لحد اآلن إلى أين ستقودنا‪ ،‬وما هي‬
‫مجاالتها‪ ،‬وما هي المخاطر المرتبطة بها‪ .‬و لعل السعي إلى التأطير القانوني للبلوك تشين‬

‫‪341‬‬
‫من منطلق القواعد القانونية التقليدية‪ ،‬سيكون في الغالب محفوفا بالمخاطر لما له من تحديد و‬
‫إلغاء لما تختزله من إمكانيات وفرص واعدة‪.406‬‬

‫أما من وجهة نظر اخالقية ونتيجة لما سبق‪ ،‬فمن الضروري البدء في التفكير في هذه‬

‫الجوانب التي تثيرها تقنية البلوك تشين أيضا والتي كثيرا ما يتم إغفالها في الوقت الراهن‪،‬‬

‫وذلك بطرح أسئلة من قبيل من هم المستفيدون من هذه التقنية؟ ومن سيكون له حق الولوج‬

‫إليها؟ ومن هي الجهة التي ستبسط سيطرتها عليها؟ وأيضا كيف هي موازين القوى التي‬

‫تتعاظم داخلها؟ ثم من هم الفاعلون الذين ستتقوى مراكزهم أو ستضعف في مقابل هذه التقنية؟‬

‫وفي األخير هل ستعزز البلوك تشين انبثاق مجتمع أكثر عدالة أم ستعمق الفجوة بين من هم‬

‫لديهم القوة وبين من هم فاقدوها؟‬

‫لعل القرارات المتخذة في هذا اإلطار في الوقت الحاضر بناء على االجابات على ما ذكر‬

‫من أسئلة أعاله‪ ،‬ستحدد أكيد مستقبل البلوك تشين‪ ،‬لكن في نفس الوقت هذا المستقبل هو الذي‬

‫سيحدد مصير المجتمعات في عالقتها بهذه التقنية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلطار المفاهيمي للعقود الذكية‬

‫في تناولنا لهذا اإلطار سنتطرق إلى مفهوم العقود الذكية ونشأتها (فقرة أولى) ثم‬

‫خصائصها وطبيعتها القانونية (فقرة ثانية)‪.‬‬

‫‪ 406‬معمر بن طرية‪" ،‬العقود الذكية المدمجة في البلوك تشين"؛ مجلة كلية القانون الكويتية العالمية‪ ،‬ملحق‬
‫خاص‪ ،‬العدد ‪ ،4‬الجزء األول‪ ،‬ماي ‪ .2019‬الصفحة ‪.499‬‬
‫ينظر أيضا‪:‬‬
‫‪Les problématiques éthiques et juridiques de la blockchain – Blockchain‬‬
‫‪France‬‬ ‫‪in‬‬
‫‪https://blockchainfrance.net/2016/02/14/droit_blockchain_contrats/‬‬
‫‪342‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم العقود الذكية ونشأتها‬

‫أوال‪ :‬تحديد مفهوم العقود الذكية‬

‫لعل أول سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ ورجل القانون لدى سماع مصطلح "العقود‬
‫الذكية"‪ ،‬هو هل أن وصف هذا النوع من العقود بالذكاء‪ ،‬يستتبع بمفهوم المخالفة وصف‬
‫العقود الكالسيكية أو العادية المألوفة لدى رجال القانون بالغباء"‪،"Dumb contracts‬‬
‫والواقع أن مثل هذا الطرح ال يستقيم طبعا طالما أن وصف العقود هنا بالذكاء‪ ،‬ال يعني سوى‬
‫االعتراف لها بميزة اتخاذ القرارات وتنفيذها على وجه معين وفي ميدان بذاته‪.407‬‬

‫ومن تم يمكن تعريف العقود الذكية بأنها اتفاقات ذاتية التنفيذ‪ ،‬هدفها األساسي هو تحصين‬
‫المعامالت وضمان تنفيذها دون الحاجة للجوء إلى القضاء‪ .408‬وأبسط مثال على ذلك هو آلة‬
‫البيع األوتوماتيكية أو الموزع اآللي‪ .409‬فإذا قامت اآللة بتنفيذ ما تم برمجتها بشأنه وسلمت‬
‫منتوجا معينا لكل من أدى الثمن‪ ،‬فإن عقد البيع سيتم تنفيذه تلقائيا دون تدخل أي شخص ودون‬
‫أن يتمكن المشتري من التراجع عن ذلك العقد‪ .‬وهذا التصور يمكن اعتباره أبسط شكل قد‬
‫يتخذه العقد الذكي‪.‬‬

‫فالعقد الذكي ينطوي على برمجة نظام معلوماتي ينظم التزامات األطراف والجزاءات‬
‫في حالة االخالل بتلك االلتزامات‪ .‬بحيث يتم تشفيره وتخزينه على مستوى منصة البلوك‬
‫تشين لضمان موثوقيته وتماميته‪.‬‬

‫وعلى نحو ما سبق يتبين أن العقد الذكي هو اتفاق ذاتي التنفيذ‪ ،‬بحيث يتكلف مبرمج‬
‫بترجمة االلتزامات المتقابلة ل طراف إلى شفرة تنفذ بشكل تلقائي وبمجرد تحقق مجموعة‬

‫‪ 407‬معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.474‬‬


‫‪408 Carron Muller, « Les "Smart Contracts" en droit des obligations suisse »,‬‬

‫‪in: (éd.), Blockchain et Smart Contracts, 3e journée des droits de la‬‬


‫‪consommation et de la distribution, Bâle/Neuchâtel 2018, p. 54.‬‬
‫‪409 Carron Muller, op.cit., p. 60.‬‬

‫‪343‬‬
‫من الشروط التي تم تضمينها في البرنامج‪ .‬وهو بالتالي يوفر السرعة والحماية المتطلبتين‬
‫لنمو وازدهار االقتصادات خاصة ما ارتبط منها بمجال المال واألعمال‪ ،‬وهو ما أدى و يؤدي‬
‫إلى تزايد االهتمام بهذا النوع من العقود من طرف الباحثين والمشرعين على حد سواء‪.‬‬

‫فالمفروض في العقود بصفة عامة احترام بنودها‪ ،‬والدليل على ذلك أن أغلب العقود‬
‫المبرمة تنتهي بتنفيذها‪ .‬ولو لم يكن األمر كذلك لما وصلت المجتمعات حاليا إلى ما وصلت‬
‫إليه من رقي وتقدم‪ .‬فالمشكل ال يطرح إال إذا وقع نزاع بين أطراف العقد مما يستلزم إجبار‬
‫أحدهما على التنفيذ‪ ،‬إال أن هذا اإلجبار مكلف ماديا‪ ،‬ومبدر للوقت في مجاالت تطبعها‬
‫السرعة‪ .‬لذلك فإن إمكانية ضمان تنفيذ العقود قبل نشوب أي نزاع تؤدي إلى الرفع من فعالية‬
‫العقد وتقليل المصاريف بخصوصه‪ ،‬وهو بالضبط ما تقدمه العقود الذكية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نشأة العقود الذكية‬

‫يرجع الفضل في ظهور العقود الذكية‪ ،‬و المعروفة اصطالحا باللغة اإلنجليزية " ‪Smart‬‬
‫‪ "Contracts‬و ما يقابلها باللغة الفرنسية "‪ ، "contrats intelligents‬في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى جهود العارفين بتكنولوجيا المعلومات‬
‫و في مقدمتهم المعلوماتي ورجل القانون األمريكي "‪ ،"Nick Szabo‬والذي روج لهذا‬
‫النمط التعاقدي في مقالة صادرة له تحت عنوان‪" :‬العقود الذكية‪ :‬إضفاء الطابع الرسمي على‬
‫الشبكات العامة وتأمينها"‪ ،‬من خالل استخدام أنظمة وبروتوكوالت معلوماتية و االستلهام‬
‫بفكر قانوني و اقتصادي معين‪ ،‬والتي ستمكن بحسبه دائما من تدعيم المسار التعاقدي بمزيد‬
‫من األمان و المردودية‪.‬‬

‫و لعل الفكرة التي انطلق منها "‪ ،"Nick Szabo‬هي التنظير لزوال دور الطرف الثالث‬
‫ال ُمؤتمن في تنفيذ مسار العقد‪ ،‬و الدعوة إلى أتمتة جميع مراحل المسار التعاقدي بداية من‬

‫‪344‬‬
‫مرحلة االبرام و التنفيذ وحتى مرحلة انفاذ الجزاءات العقدية في حالة ثبوت االخالل‬
‫بمقتضيات العقد‪.410‬‬

‫و على نحو ما سبق‪ ،‬فقد ازدهر هذا النوع من العقود في ظل النظام القانوني األمريكي‬
‫لخصوصيات هذا األخير‪ ،‬حيت أتت العقود الذكية مستجيبة لهذه الخصوصيات بشكل أكثر‬
‫إيجابية كما سوف نرى حين الحديث عن القبول القانوني للعقود الذكية واالعتراف ببعضها‬
‫من خالل القوانين الداخلية لبعض الواليات األمريكية‪ ،‬إال أنه وبعكس األمر في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ،‬فقد تأخرت العقود الذكية في الظهور على مستوى األنظمة ذات االتجاه‬
‫الالتيني‪ ،‬وعلى رأسها القانون الفرنسي الذي و إن تجاهل لحد اآلن هذا النوع من العقود‪ ،‬إال‬
‫أنه من حيث المبدأ اعترف من خالل القانونين السالف إيرادهما بخصوص القسائم النقدية‬
‫”‪ ،“mini-bons‬أو القانون الخاص بالسماح بنقل األوراق المالية غير المدرجة عبر شبكة‬
‫البلوك تشين‪ ،‬والصادرين على التوالي سنة ‪ 2016‬و سنة ‪ 2017‬بتقنية بالبلوك تشين كمنصة‬
‫حاضنة للعقود الذكية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص العقود الذكية و طبيعتها القانونية‬

‫أوال‪ :‬الخصائص المميزة للعقود الذكية‬

‫إن أهم ما يثير االهتمام من خصائص مميزة للعقود الذكية‪ ،‬هما مسألتان أساسيتان‪ :‬أولهما‬
‫أن العقود الذكية تستهدف في األغلب مرحلة تنفيذ العقد‪ ،‬وهناك مثاالن يجسدان هذه المرحلة؛‬
‫األول بخصوص التأمين من خطر الجفاف االستثنائي مثال‪ ،‬الذي يتم التحقق من وقوعه‬
‫بواسطة البرنامج المعلوماتي الخاص باالستشعار"‪ "Oracle‬والذي يكون مرتبطا بمصلحة‬
‫األرصاد الجوية‪ ،‬بحيث يتم إصدار التعليمات مباشرة من خالل هذا البرنامج قصد تعويض‬
‫شخص المؤمن له المزارع كطرف متضرر من هذا الخطر‪.‬‬

‫‪410‬معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق؛ الصفحة ‪.474‬‬


‫‪345‬‬
‫والمثال الثاني يخص الكراء المؤقت لشقق الترفيه و السياحة‪ ،‬فمقابل أدائه للوجيبة‬
‫الكرائية يتحصل المكتري على القن السري الخاص باب تلك الشقة الذي يشتغل ذاتيا طيلة‬
‫مدة العقد‪ ،‬و قد يتضمن عقد الكراء هذا تعليمات منها مثال تضمينه شرطا جزائيا في حالة‬
‫عدم احترام أحد األطراف اللتزام تعاقدي يقوم على عاتقه‪ ،‬و هذا ما يبرز بشكل واضح وجلي‬
‫في الكراء المنصب على سيارة‪ ،‬إذ إنه عند التوقف عن أداء ثمن كرائها يحصل مباشرة‬
‫التوقف التلقائي الشتغالها عن بعد كجزاء لعدم األداء‪.‬‬

‫ففي جميع الحاالت السالفة‪ ،‬نجد هناك افتراض تطابق مسبق إلرادتي األطراف‬
‫وتراضيهما على ابرام العقد على ذلك النحو‪ .‬فالعقد الذكي هو باألحرى وسيلة ناجعة تمكن‬
‫من ضمان تنفيذه وفقا لما سبق اشتراطه من بنود‪ ،‬ومنع األطراف من أي تدخل الحق للحيلولة‬
‫وتنفيذ االلتزامات الواردة في العقد‪ ،‬أو بتنفيذهم لهذا األخير بطريقة معيبة‪.‬‬

‫فاألتمتة هنا تكون قد انصبت على تعليمات في شكل بنود مشفرة باستقالل عن أي تدخل‬
‫بشري الحق‪ ،‬وذلك من خالل برنامج معلوماتي أو خوارزمية معلوماتية عند المرحلة التالية‬
‫للعقد بعد إبرامه؛ على نحو أنه عند وقوع أو قيام حدث معين‪ ،‬وبعد التحقق من قيامه تقوم‬
‫اآللة بالتنفيذ األوتوماتيكي طبقا لما سبق ل طراف االتفاق عليه‪.‬‬

‫أما المسألة الثانية المميزة للعقود الذكية‪ ،‬فهي كونها تدفع األطراف إلى وضع ثقتهم في‬
‫التقنية الختزال هذه األخيرة لها في معادالت خواريزمية اعتبارا على كون علوم الرياضيات‬
‫ال تخطئ‪.‬‬

‫وبالمالحظة البسيطة تبعا لما سلف‪ ،‬فإنه يظهر أن العقود التي يتم تنفيذها بشكل ذاتي‬
‫بتطبيق الذكاء االصطناعي من دون تقنية البلوك تشين ‪-‬كآالت البيع مثال " ‪Vending‬‬
‫‪ ،-"machine‬هي كثيرة عمليا باالعتماد فقط على وجود جانب من الثقة لدى أحد طرفي‬
‫العقد(وبتعليمات مبرمجة بسيطة من قبله داخل اآللة)‪ ،‬في انتظار تنفيذ العقد بحسب ما وقع‬
‫االتفاق عليه بشراء المنتوج من اآللة مباشرة و دون حضور البائع‪ ،‬وأيضا العقود التي يتم‬

‫‪346‬‬
‫تنفيذها باللجوء إلى أحد األغيار يوفر عنصر الثقة لكال طرفي العقد‪ .‬ولعل مثل هذه الميزة‬
‫هي التي تقدمها تقنية البلوك تشين في هذا المجال‪ ،‬ومن دون حاجة لطرح مسألة الثقة بين‬
‫األ طراف المتعاقدة‪ ،‬أو اللجوء إلى غير ثالث يوفر هذه الثقة باعتبارها عنصرا أساسيا‬
‫للمعامالت‪.411‬‬

‫ثانيا‪ :‬الطبيعة القانونية للعقود الذكية‬

‫هناك من الفقه الفرنسي من يعتبر العقد الذكي عقدا بحتا وفقا لمدلوله القانوني‪ ،‬ومن‬
‫هؤالء األستاذ برونو دو نديرو "‪ ،"Bruno Dondero‬الذي اعتبره "عقدا مندمجا في‬
‫منصة البلوك تشين ‪."un contrat intégré à la blockchain‬‬

‫في حين ذهبت غالبية الفقه الفرنسي‪ ،‬ومن بينهم األستاذان مصطفى مكي وكريستوف‬
‫رودا ‪ ،Christophe Roda‬للتشكيك في طبيعة هذه العقود‪ ،‬معتبرين أنها ال ترقى إلى‬
‫منزلة "العقد"‪ ،‬وأنها عبارة عن تكنولوجيا تتجسد في برنامج معلوماتي يرافق العقد‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أنه ثمة عقد سابق تم إبرامه في الشكل الكالسيكي‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفقه األمريكي‪ ،‬فإن هناك انقساما بين من يعتبر هذه التكنولوجيا عقدا حقيقيا‬
‫وبين منكر لذلك‪ ،‬في وقت نجد أن التشريع األمريكي‪ ،‬ممثال في قانون والية نيفادا اعترف‬
‫صراحة بأن العقود الذكية عبارة عن عقود حين أقر بأن "العقود الذكية هي عبارة عن عقود‬
‫مخزنة في قالب محرر إلكتروني‪ ،‬وفقا لما يقضي به القانون"‪.‬‬

‫في حين أن جانبا من الفقه األمريكي‪ ،‬اعتبر أن "العقد الذكي" ليس بالعقد وفقا لمعناه‬
‫القانوني‪ ،‬بمن فيهم مؤسس هذا النظام ‪ ،Nick Szabo‬إذ وعلى حد قول هذا األخير فإن‬
‫العقد الذكي هو عبارة عن دعامة معلوماتية تسعى إلى عصرنة المفهوم الكالسيكي للعقد‪،‬‬
‫فاألمر يتعلق بإدراج مشارطات عقدية‪ ،‬تم االتفاق عليها آنفا‪ ،‬في هذا البرنامج أو الدعامة‪.‬‬

‫‪411‬‬ ‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.816.‬‬

‫‪347‬‬
‫وهذا يعني بعبارة أخرى أن العقد الذكي كتكنولوجيا معلوماتية يرافق العقد الكالسيكي‪ ،‬ومع‬
‫وجود حتمي لشروط عقدية وضعت مسبقا‪ ،‬فالعقد الذكي يعتمد على مقاربة شرطية قائمة‬
‫على قاعدة "إذا تحقق هذا‪ ....‬ترتب إذا‪ " if this….then that…..‬لذا وجب تأطير هذه‬
‫القاعدة بمقتضى شروط (حقيقية) تضع شروط إعمالها سلفا وتنص على اآلثار القانونية‬
‫الناجمة عنها‪.412‬‬

‫ولعل هذا الجانب األخير من الفقه األمريكي يوافق مثيله الفرنسي المشكك في مدى‬
‫اعتبارها عقودا في معناها المتعارف عليه من عدمه‪ -‬كما سبق لنا أن رأينا ذلك‪ ،-‬وأنه بحسبهم‬
‫ال يصح االعتراف لها بوصف العقد وال بالذكاء ‪ ،ni contrat ni intelligent‬إذ ال يستقيم‬
‫برأيهم وصفها بالعقود‪ ،‬باعتبارها مجرد بروتوكول معلوماتي يعتمد على البلوك تشين‪،‬‬
‫لتطبيق منطق شرطي ليس بالغريب على رجل القانون‪ ،‬وفقا للقاعدة السالفة الذكر‪" ،‬إذا‬
‫تحقق‪ ...‬ترتب‪ ،"if…. Then… ....‬فهو فقط برنامج ملحق بالعقد بغرض أتمتة بعض‬
‫مراحله‪ .‬كما ال يصح وصفه بالذكي باعتباره برنامجا يكتفي بتنفيذ ما تمت برمجته عليه سلفا‪.‬‬
‫وفي انتظار ما سيسهم به الذكاء االصطناعي في هذا المجال مستقبال‪ ،‬تبقى العقود الذكية‬
‫اليوم مجرد "خوارزمية لتسيير المعامالت ‪Algorithme de gestion des‬‬
‫‪."opérations‬‬

‫فهل باإلمكان أن يستجيب العقد الذكي لشروط العقد الكالسيكي؟ ويبقى أن نعرف اآلن ما‬
‫إذا كان يصح إعمال المفاهيم المألوفة في مجال انعقاد العقود على العقد الذكي‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد رجح الفقه الغربي أن التعريف التقليدي للعقد األقرب الستيعاب العقود الذكية‪ ،‬سواء‬
‫في التشريعات الالتينية أو األنجلو‪-‬أمريكية‪ ،‬يرتكز على معيار التقاء اإلرادات " ‪Meeting‬‬
‫‪ ،" of minds‬فإذا أخذنا في الحسبان القانون األمريكي فإنه اعتمد ذات المعيار في تعريفه‬
‫للعقد باشتراطه التقاء إرادات شخصين أو أكثر واقترانها بتبادل االعتبارات » ‪« Change‬‬

‫معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق؛ الصفحة ‪.483‬‬ ‫‪412‬‬

‫‪348‬‬
‫‪ .of considerations‬وهو الشيء نفسه بالنسبة للقانون الفرنسي الذي عرف العقد بأنه‬
‫"توافق إرادتي شخصين أو أكثر بغرض إنشاء تعديل‪ ،‬أو نقل‪ ،‬أو إنهاء التزامات"‪ ،‬وحتى‬
‫في القوانين العربية نجد نفس التعريف تقريبا‪.413‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العقود الذكية بين االعتراف القانوني وضرورات المالءمة‬

‫إن مسألة االعتراف أو القبول بوجود عقود ذكية يجب اال ينظر إليه من زاوية تنظيمها‬
‫على أساس التقسيمات المعهودة من عقود مسماة في مقابل‪ ،‬أو عقود شكلية في مقابل عقود‬
‫رضائية‪ ،‬فليس من الحكمة في شيء و ال المنطق القانوني ما يمكن أن يتخذ تنظيمه هذه العقود‬
‫بتقسيمها إلى عقود ذكية و أخرى ال يتوفر لها نفس الحظ من الذكاء‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من‬
‫القبول بوجود هذا النوع من العقود ذي الطبيعة الخاصة ضمن القواعد العامة المنظمة للعقود‬
‫وخصوصا ضمن نظرية الحق‪ .‬وعليه فإننا في هذا المبحث سنعمل على تناول مدى االعتراف‬
‫بهذه العقود ضمن التشريعات المقارنة والرائدة‪ ،‬أو على األقل إمكان القبول بها قانونا‪ ،‬وأيضا‬
‫نتناول مدى مالءمة هذا النوع من العقود للنظرية العامة للعقد بشكل عام‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬االعتراف القانوني بالعقود الذكية‬

‫إن القبول بإبرام تصرفات قانونية من خالل عقود ذكية ال يتأتى فقط بضرورة االعتراف‬
‫التشريعي بها صراحة‪ ،‬فقد يتخذ شكل قبول ضمني من خالل االعتراف القانوني بالبيئة‬
‫الحاضنة لهذه العقود واألمر يتعلق هنا بمنصة البلوك تشين‪ ،‬و من جهة ثانية يتوفر القبول‬
‫أيضا بالعقود الذكية و ما يبرم في إطارها من معامالت و تصرفات قانونية من خالل الممارسة‬
‫العملية لتطبيقات هذه العقود في مجاالت قانونية معينة‪ ،‬فهذه الممارسة متى كانت مستقرة و‬
‫طويلة و حظيت باقتناع األطراف يمكن لها خلق قواعد قانونية‪.‬‬

‫معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق؛ الصفحة ‪ 494‬و‪.495‬‬ ‫‪413‬‬

‫‪349‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االعتراف والقبول التشريعي بالعقود الذكية‬

‫أوال ‪ :‬االعتراف التشريعي بالعقود الذكية ضمن القانون األمريكي‬

‫لقد نشأت أول مرة العقود الذكية في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬و الحقيقة أن نشأتها تلك‬
‫تعطي صورة مبسطة عن النظام القانوني األمريكي على نحو معين بما يسوده من منطق‬
‫التكوين الفدرالي‪ ،‬ذلك أن هذا النظام له مرجعيات و معايير تختلف عما هو سائد في النظام‬
‫الالتيني الممثل من خالل القانون المدني الفرنسي على سبيل المثال‪ ،‬فبالنظر إلى الحجم‬
‫الجغرافي للواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬و طبيعة النظام الفدرالي األمريكي وما ينتج عنه من‬
‫اختالفات بين الواليات المكونة له في العديد من المجاالت ومن ضمنها المجال القانوني‪ ،‬يدفع‬
‫بالضرورة إلى وجوب تعايش أنظمة قانونية مختلفة باختالف كل والية على حدة من جهة‪،‬‬
‫ومالءمة هذه األخيرة للقوانين الفدرالية والقواعد الدستورية لالتحاد الفدرالي للواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫فعمليا يعود اختصاص التشريع لسلطة كل والية على حدة داخل االتحاد الفدرالي‪ ،‬مادام‬
‫أن ذلك االختصاص لم يتم تفويته بنصوص الدستور إلى السلطة المركزية لالتحاد‪ ،‬وبناء‬
‫على هذا النموذج األمريكي لسن القوانين‪ ،‬تجد البنوك األمريكية نفسها ‪-‬وما يقاس عليها من‬
‫مؤسسات أخرى‪ -‬في هذا الخضم مضطرة إلى تحمل الكثير من المصاريف لتتمكن من مالءمة‬
‫متعددة الجوانب لمعامالتها وأنشطتها مع القوانين الخاصة بكل والية على حدة من جهة‪،‬‬
‫والقوانين الفدرالية من جهة أخرى‪ ،‬وهو ما ينعكس سلبا على تكلفة خدماتها‪.‬‬

‫ولعل هذا األمر هو ما شكل حافزا إليجاد صيغ معلوماتية مشفرة تأخذ في االعتبار‬
‫استيعاب هذا المنطق السائد في النظام القانوني األمريكي وتجسيده في عقود ذكية تستوعب‬
‫هذه االختالفات البنيوية بين القوانين األمريكية باختالف منشأها بين ما هو والئي وما هو‬
‫فدرالي‪ ،‬الشيء الذي سيرفع من الفرص التي توفرها هذه التقنيات الحديثة في هذا الشأن من‬
‫تخفيض للتكاليف في مجال التصرفات القانونية والمعامالت المالية‪ ،‬وأيضا إيجاد نظام بديل‬
‫للنظام القانوني السائد البالغ التعقيد على نحو ما سلف بيانه‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫وفي هذا السياق نجد أن والية "فيرمونت ‪ " vermont‬األمريكية اعتمدت في يونيو‬
‫‪ 2016‬المحررات التجارية المأخوذة من سالسل الكتل‪ ،‬وفي مارس ‪ 2017‬اعترفت والية‬
‫‪ Arizona‬في قانونها الداخلي بمشروعية سالسل الكتل والعقود االلكترونية‪ ،‬بحيث أن هذا‬
‫القانون أدرج تعديال ضمن القانون التجاري الخاص بهذه الوالية يقر بمطابقة التوقيع المؤمن‬
‫بواسطة سلسلة الكتل بالتوقيع في شكل الكتروني‪ ،‬وأيضا معادلة التقييدات أو العقود المؤمنة‬
‫من خالل نفس التقنية بمثيالتها في شكل إلكتروني‪ .‬كما أقر نفس التعديل بإمكان إبرام عقود‬
‫ذكية بمناسبة األنشطة التجارية‪ ،‬وعدم تجريدها من أثارها القانونية‪ ،‬أو صحتها أو قوتها‬
‫التنفيذية لمجرد انها أبرمت على نحو ما سلف‪ .414‬و بذلك تكون هذه الوالية األمريكية قد‬
‫اعتبرت العقود الذكية من بين عقود التجارة االلكترونية‪ ،‬ومن تم مالءمتها مع مقتضيات‬
‫القانون النموذجي للتجارة االلكترونية والقانون النموذجي للتوقيعات االلكترونية‪ 415‬الصادرين‬
‫عن لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ‪.UNICTRAL‬‬

‫وعلى سيرا على أعقاب والتي أريزونا وفيرمونت‪ ،‬صادق مجلس شيوخ والية نيفادا‬
‫األمريكية أيضا بتاريش ‪ 5‬يونيو ‪ 2017‬على القانون رقم ‪ )SB398( 398‬والذي بمقتضاه‬
‫تم إعفاء األنشطة والتصرفات المنجزة من خالل تقنية البلوك تشين من الخضوع للضرائب‬
‫والرسوم‪ ،‬ومنع اشتراط أي شهادة أو ترخيص لغرض استعمال هذه التقنية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القبول بالعقود الذكية ضمن التشريع الفرنسي‬

‫عكس الواليات المتحدة األمريكية التي أوجدت قوانين تعترف إلى حد معين بالعقود‬
‫الذكية‪ ،416‬فإن األمر بالنسبة للقانون الفرنسي هو غير ذلك‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن هذا القانون‬

‫‪414‬‬ ‫‪Bruno ANCEL, « Les smart contracts : révolution sociétale ou nouvelle‬‬


‫‪boîte de Pandore ? Regard comparatiste » in revue électronique :‬‬
‫‪« COMMUNICATION - COMMERCE ÉLECTRONIQUE » - N° 7-8 -‬‬
‫‪JUILLET-AOÛT 2018 -©LEXISNEXISSA . p 15-16.‬‬
‫)‪415 Arizona Rev. Stat. 44-7061 (2017‬‬

‫‪ 416‬تجدر اإلشارة أيضا أن القوانين األمريكية إذا كانت قد سمحت بتبني بعض تطبيقات العقود الذكية‪،‬‬
‫فإنها في نفس الوقت عملت على التضييق من نطاق تطبيقها إذ اعتمدت قانونا من خالله تم منع استعمال هذه‬
‫‪351‬‬
‫ال يقبل بإبرام تصرفاتهم في هذا الشكل الجديد من العقود سواء باعتبارها عقودا ذكية‪ ،‬أو‬
‫على نحو كونها عقودا إلكترونية‪.‬‬

‫فمن المعلوم أن العقود االلكترونية في فرنسا هي منظمة من خالل عدة قوانين من خالل‬
‫التقنين المدني‪ ،‬وقوانين حماية المستهلك‪ ،‬وأيضا مقتضيات القانون رقم ‪2016-1321‬‬
‫الصادر بتاريش ‪ 07‬أكتوبر ‪ 2016‬حول التقنيات الرقمية‪ .‬لكن السؤال الذي يطرح بهذا الشأن‬
‫هو مدى إمكان القبول ابرام العقود الذكية ضمن قانون الفرنسي في ظل اعتراف المشرع‬
‫بالعقود اإللكترونية؟‬

‫في واقع األمر وبحسب أحد الفقهاء ال شيء يمنع من القبول بهذا األمر‪ ،‬مادام أن المبادئ‬
‫األساسية المنظمة للعقود من حيث حرية التعاقد‪ ،‬وسلطان اإلرادة‪ ،‬والرضائية‪ ،‬وحرية االتفاق‬
‫حول وسائل اإلثبات‪ ،‬متوافرة مما يمكن من خلق إطار قانوني مالئم بما فيه الكفاية للقبول‬
‫بإبرام عقود ذكية‪ ،417‬وبالتالي توفير قواعد القانون المدني الفرنسي لمقتضيات عديدة تسمح‬
‫ل طراف إمكانية القيام باختصار التزاماتهم في شكل مشفر يفيد في ضمان حسن تنفيذ العقود‬
‫الذكية التي أبرموها‪.‬‬

‫وبخصوص التعديل بمناسبة المرسوم الفرنسي رقم ‪ 2016-131‬الصادر بتاريش ‪10‬‬


‫فبراير ‪ 2016‬بشأن تعديل قانون العقود واألحكام العامة لاللتزامات واالثبات‪ ،‬فإن هذا‬
‫األخير وعلى الرغم من كونه لم يأت بأي تنظيم للعالقات التعاقدية الناشئة عن استعمال هذه‬
‫التكنولوجيات الصاعدة‪ ،‬فإنه في حقيقة كانت من ضمن أهدافه خلق هامش أكبر من الحرية‬
‫لفائدة األطراف في ابرام تصرفاتهم القانونية‪.‬‬

‫وفي نفس االتجاه‪ ،‬فإن بعض المفكرين أبرزوا أمرا مهما أال وهو ضرورة منح سلط‬
‫أخرى ل طراف‪ ،‬وبالتالي لعلها الفكرة وراء اللجوء إلى العقود الذكية‪ ،‬إذ أن األمر يتعلق‬

‫التقنية من أجل تتبع ومراقبة استعمال األسلحة القارية التي يبقى اقتناؤها واستعمالها هو من الحقوق األساسية‬
‫المنصوص عليها في الدستور الفدرالي‪.‬‬
‫‪417 Bruno ANCEL, op.cit. p.16.‬‬

‫‪352‬‬
‫ببرامج معلوماتية تنفذ تعليمات في شكل بيانات سبق الموافقة عليها من قبل أصحابها خارج‬
‫أي سيطرة ألطراف خارجية‪ ،‬وهذه البرامج تقوم على أساس تسلسل لعمليات خوارزمية‬
‫منطقية يتم تجسيدها على نحو المعادلة التالية‪ :‬إذا حدث كذا‪ ...‬فالحكم هو كذا‪ ،...‬فالبائع لسلعة‬
‫ما سيتمكن من الحصول على ثمنها آليا بفضل برنامج معلوماتي مخصص لهذا الغرض‪،‬‬
‫وسيتفادى أي توقف محتمل عن األداء‪ ،‬كل ذلك من غير اللجوء مباشرة إلى المشتري المدين‬
‫أو لطرف ثالث‪ .‬وهكذا فازدياد المعامالت بين األفراد عبر منصات تفاعلية غير مركزية‬
‫أصبح يؤشر ذلك على ظهور بديل جدي لتلك الثقة العمياء حين اللجوء إلى سلطة مركزية و‬
‫منها السلطات العامة‪ ،‬و على هذا النحو فإن العقود الذكية تتجه ضد تلك التقاليد القانونية‬
‫الفرنسية المنغمسة في النظرة الضيقة لفلسفة النظام القانوني الفرنسي‪.418‬‬

‫لكن من جهة أخرى‪ ،‬فالقبول بالعقود الذكية ضمن القانون الفرنسي أيضا قد ينظر إليه‬
‫على أنه حصل بشكل ضمني من خالل اعتراف هذا القانون بتكنولوجيا البلوك تشين مرتين‬
‫سواء بمقتضى القانون الصادر بموجب األمر رقم ‪520‬ـ‪ 2011‬في أبريل ‪ 2016‬الخاص‬
‫بسندات الصندوق ‪ les bons de caisse‬حين استحدث نوعا جديدا من هذه السندات‬
‫وأطلق عليها مصطلح ‪ minibons‬حيث اعترف هذا القانون في إحدى مواده و أقر بإمكانية‬
‫إصدار أو التنازل عن هذه السندات‪ ،‬بموجب نظام الكتروني للتسجيل المشترك يسمح بتوثيق‬
‫هذه المعامالت‪ ،‬بموجب شروط خاصة تستجيب لمتطلبات األمن المعلوماتي والتي يتم‬
‫تحديدها بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الدولة‪ .‬والذي صدر فعال تحت رقم‬
‫‪1674‬ـ‪ 2017‬بتاريش ‪ 8‬دجنبر ‪ 2017‬تطبيقا ألحكام القانون السالف الذكر‪.‬‬

‫وقد جاء االعتراف الثاني بجواز استعمال البلوك تشين في القانون الفرنسي‪ ،‬بمقتضى‬
‫القانون رقم ‪1691‬ـ‪ 2016‬بتاريش ‪ 9‬دجنبر ‪ 2016‬الخاص بمكافحة الفساد وعصرنة الحياة‬
‫االقتصادية‪ ،‬ويمكن استقراء هذا االعتراف من خالل أحكام المادة ‪ 120‬والتي جاء فيها أنه‬

‫‪418‬‬ ‫‪Bruno ANCEL, op.cit. p.16.‬‬


‫‪353‬‬
‫" بمقتضى الشروط المنصوص عليها في المادة ‪ 38‬من الدستور يجوز للحكومة اتخاذ‬
‫اإلجراءات التي يؤول فيها االختصاص للقانون‪ ،‬عن طريق األوامر في أجل قدره ‪ 12‬شهرا‬
‫ابتداء من تاريش صدور هذا القانون ال سيما‪:‬‬

‫‪1‬ـ مالءمة أحكام القانون المطبق على السندات المالية والقيم المنقولة‪ ،‬بغرض السماح‬
‫بتقديم وإرسال بواسطة نظام الكتروني للتسجيل المشترك‪ ،‬السندات المالية التي يتم قبولها في‬
‫عمليات اإليداع المركزي أو تسليمها في نظام التسوية والتسليم ل دوات المالية‪ ".‬علما أنه تم‬
‫عرض األمر المذكور لالستشارة في شهر مارس ‪ ،2017‬في انتظار صدور المرسوم‬
‫التنفيذي الخاص به‪.419‬‬

‫وفي نظرنا‪ ،‬وبشكل عام فإن االلتزامات المصاغة على نحو تلك المعادالت الخوارزمية‬
‫كما هي مجسدة في العقود الذكية‪ ،‬نجدها تتقمص نفس الهندسة المنطقية لقيام القاعدة القانونية‬
‫وطريقة صياغتها البديهية‪ ،‬وما يميزها خصائص من كونها قاعدة مجردة وملزمة‪ ،‬وهذه‬
‫الهندسة والتي يمكن إسقاطها على االلتزام الوارد في العقد كيفما كان نوعه‪ ،‬فإنها تتمثل أساسا‬
‫في كون القاعدة القانونية تتكون من جزأين أساسيين ال ثالث لهما وهما الفرض من جهة‬
‫والحكم من جهة ثانية‪ ،‬ففرض حدوث واقعة أو تصرف ما‪ ،‬يستتبع مباشرة تنفيذ حكم القاعدة‬
‫القانونية الواجب التطبيق كأثر مباشر لحدوث ذلك الفرض‪ ،‬بحيث تبقى هذه القاعدة ال طائلة‬
‫منها إذا لم يصاحبها لزوم تطبيقها إذا طرأ ما يستدعي هذا التطبيق‪.‬‬

‫ولعل ما سبق هو نفس منطق الذي يسري أيضا بصدد االلتزامات المصاغة بطريقة‬
‫خوارزمية في العقود الذكية ‪ -‬إعماال للقاعدة العامة بكون العقد هو شريعة المتعاقدين‪، -‬‬
‫فاتفاق األطراف بإرادتهم على فرض حدوث واقعة أو تصرف معين ضمن ما هو مسموح‬
‫به في نطاق القانون‪ ،‬يستتبع تنفيذ حكم مفترض بشكل تلقائي من دون تدخل إرادة األطراف‬
‫في تنزيله‪ ،‬وإنما يرجع لهذا العقد بلوغ أثره العادي والتلقائي دون تدخل إلرادة األطراف في‬

‫‪ 419‬معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪481‬‬


‫‪354‬‬
‫تنفيذ الحكم مادام اتفقوا على الفرض حال حدوثه‪ ،‬والحكم المنفذ تلقائيا هو الغاية من وجود‬
‫العقد في حد ذاته‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬فإن خاصية الذكاء التي أ ُ س‬


‫لصقت بهذا النوع من العقود نجدها تسير في‬
‫تناسق مسترسل ومتواصل مع ما بلغته البشرية من تطور منذ األزل إلى ما نعيشه اليوم من‬
‫بزوع حقبة الذكاء االصطناعي‪ ،‬وما يستلزمه من ضرورة مالءمة مختلف جوانب حياتنا‬
‫ومتطلبات هذه الحقبة‪ ،‬اعتبارا لكون الكائنات التي تستمر في الوجود وال تنقرض هي ليست‬
‫تلك القوية أو الذكية‪ ،‬وإنما الكائنات التي تعرف كيف تتأقلم ومتغيرات محيطها ومستجداته‪،‬‬
‫و بالتالي فمن هذه المستجدات والمتغيرات داخل المحيط ما توصل إليه اإلنسان من ثورة‬
‫ذكاء االصطناعي‪ ،‬وبالتالي يصبح من الضروري مالءمة العقود الذكية قانونيا حتى تواكب‬
‫هذا الثورة‪ ،‬إن شرعا من خالل االجتهاد في إيجاد الصيغ والبدائل الشرعية‪ ،‬أو تشريعا من‬
‫خالل عمليات المالءمة القانونية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االعتراف بالعقود الذكية من خالل الممارسة لبعض تطبيقاتها‬

‫تبعا للفلسفة التي يسري وفقها العقد الذكي والتي يصفها المتخصصون بقاعدة " إذا تحقق‬
‫كذا‪ ...‬ترتب عنه كذا‪ ،"...‬تعتمد العقود الذكية بالمجمل في طريقة تشغيلها على نفس اشتغال‬
‫"جهاز البيع اآللي ‪ "vending machine‬لكن بتقنيات أكثر تطورا وتقانة‪ ،‬وبالتالي وفي‬
‫هذا اإلطار يمكن بيان قواعد االستعانة بالعقود الذكية تنفيذا لبعض العقود المسماة في كثير‬
‫من المجاالت‪ ،420‬ولعله من أبرز هذه المجاالت التي يمكن استخدام العقود الذكية في إطارها‬
‫نذكر األكرية والتأمينات‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقود الذكية في مجاالت التأمين‬

‫من خالل تقنية البلوك تشين‪ ،‬يمكن للعديد من الخدمات في مجال التأمين أن ترى النور‬
‫في إطار عقود مبرمة مباشرة من الند للند ‪( Peer to Peer‬المسماة بتأمينات األصدقاء‬

‫معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.834‬‬ ‫‪420‬‬

‫‪355‬‬
‫من دون وسيط)‪ ،‬حيث سيعمل كل مشارك على اإلسهام بمبلغ مالي على سبيل االشتراك في‬
‫تحمل تبعة الخطر في حالة تحققه لدى أحد المؤمن لهم؛ ومنحه تعويضا تبعا لذلك نظرا لفقده‬
‫منصبه في العمل أو لمرضه‪.421‬‬

‫وعلى هذا النحو‪ ،‬فالمزج بين تقنية البلوك تشين وهذا النموذج من التأمينات ‪ P2P‬يفتح‬
‫الطريق أمام أنظمة للتأمين شبه مستقلة ومنظمة ذاتيا‪ ،‬يكون فيها تدبير بوليصات التأمين‬

‫وتعويضات المؤمن لهم يتم بطريقة آلية‪.‬‬

‫فتقنية البلوك تشين والعقود الذكية يمكنان من إنشاء تنظيمات غير مركزية وذاتية‬

‫االشتغال‪ ،‬وهي المشار إليها اختصارا ب "‪ ،" DAO422‬واألمر يتعلق هنا بكيانات مستقلة‬

‫داخل منصات البلوك تشين ليس لها إطار قانوني رسمي‪ ،‬تكون قواعد اشتغالها مجسدة في‬

‫شكل رموز معلوماتية داخل المنصة‪ .‬وبالتالي يمكن استعمال هذه التنظيمات من أجل خلق‬

‫مجموعات للمؤمن لهم في صيغ ‪ P2P‬من دون وجود نواة تنظيمية مركزية للتحكم‬

‫والسيطرة‪ ،‬فكل مجموعة هي منظمة بتعاون بين أعضائها المكونين حصرا من المؤمن لهم‪.‬‬

‫ففي هذا النوع من نظم التأمين تشكل األقساط المدفوعة من قبل كل مؤمن له الرأسمال الذي‬

‫من خالله يتم دفع التعويضات عند وقوع الخطر المؤمن منه‪.‬‬

‫ولعل من أهم مميزات هذه التنظيمات ‪ DAO‬خفض مصاريف التسيير بما ينعكس إيجابا‬

‫على تكوين فائض سيولة‪ ،‬يمكن إعادة توزيعه خالل نهاية الدورة التأمينية أو ما يسمى‬

‫بمكاسب العقد ‪ ،gains de contrat‬ومن جهة أخرى فهذا النموذج التعاوني ينقل سلطة‬

‫القرار من شركة التأمين إلى المؤمن لهم‪ ،‬وهنا يمكن وضع آليات للتصويت تمكن مجموع‬

‫‪421‬‬ ‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit., p.804.‬‬


‫‪422‬‬ ‫"‪"Decentralized Autonomous Organization‬‬
‫‪356‬‬
‫هؤالء من التأكد من أحقية الحصول على التعويض عن الخطر أو كذلك فيما يخص إعادة‬

‫توزيع الفائض‪.423‬‬

‫لكن هذا ليس كل شيء بالنسبة للفرص التي يختزنها استخدامات تقنية البلوك تشين في‬
‫مجال التأمينات ‪ -‬و التي تأخذها بجدية كبيرة شركات التأمين العالمية كما هو الحال بالنسبة‬
‫لمؤسستي ال‪ lyods‬البريطانية والفرنسية أكسا للتامينات ‪ ، Axa‬و ذلك بالنظر إلى‬
‫االستثمارات الكبيرة التي تخصصانها في هذا اإلطار‪ ،-‬من خالل أتمتة تنفيذ عقود التأمين‬
‫بإدماجها في عقود ذكية‪ ،‬وبالتالي ربط أداء التعويض المالي عن الخطر بالتحقق من حصول‬
‫هذا األخير عبر برامج االستشعار اآللي‪ ،‬من ذلك مثال تأمينات تأخر رحالت الطيران‪ ،‬حيث‬
‫يتم أداء التعويض عن هكذا تأخر من خالل بعث رسالة إلى منصة البلوك تشين من شركة‬
‫الطيران تشهد بحصول حادث التأخر الحاصل أو ربما أيضا حادث إلغاء الرحلة‪.424‬‬

‫ومن األمثلة األخرى التي تستخدم لتوضيح مدى ما قد تجلبها العقود الذكية في مجال‬
‫التأمينات من نفعية‪ ،‬يمكن استحضار عقد التأمين المكتتب من قبل المزارع بغرض تأمين‬
‫ضمان لمحصوله الزراعي من خطر سوء الظروف المناخية‪ ،‬كما في حالة عدم كفاية مقدرا‬
‫أشعة الشمس للبدور‪ ،‬أو عدم كفاية درجة الحرارة أو ارتفاعها عما هو معتاد لنمو النباتات‬
‫والمحاصيل‪ ،‬بحيث أن المزارع سيتحصل على مبلغ تعويض يتم تحديده سلفا في العقد عند‬
‫تحقق الحادث المؤمن منه‪.‬‬

‫وهنا نحد أنه في إطار عقد تأمين المتعارف عليه اليوم‪ ،‬يقع على عاتق المؤمن له إبالغ‬
‫المؤمن بوقوع الحادث‪/‬الخطر وإثبات الخسارة الالحقة به‪ ،‬حتى يمكنه استيفاء مبلغ التعويض‬
‫المتفق عليه‪ ،‬لكن إذا تم إدراج هذا العقد في منصة البلوك تشين‪ ،‬فستتم أتمتة التشغيل اآللي‬

‫‪423Adrian‬‬ ‫‪SAUZADE, « Blockchain et assurance » art. Cité au lien‬‬


‫‪hypertexte http://blockchainfrance.net/2016/02/17assurance-et-blockchain‬‬
‫‪424 Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.804.‬‬

‫‪357‬‬
‫للتنفيذ من خالل جهاز يعمل ذاتيا على إرسال مبالغ التعويض حين استيفاء شروط تشغيل‬
‫الضمان التأميني‪ ،‬بواسطة أجهزة استشعار يتم وضعها للتحقق من وقوع الحادث‪ ،‬واألمر هنا‬
‫يتعلق بالبرامج معلوماتية المسماة "أوراكل ‪."Oracle‬‬

‫ثانيا‪ :‬تطبيق العقود الذكية في مجاالت األكرية‬

‫بالرغم من تعدد األمثلة في استخدام العقود الذكية في مجاالت األكرية‪ ،‬فيمكن تصور‬
‫ذلك في إطار تنفيذ عقد التأجير التمويلي ‪ ،leasing contract‬أو اإليجار االئتماني لمركبة‬
‫أو عقار‪ .‬بحيث إنه بالنسبة لهذا األخير على سبيل المثال‪ ،‬يمكن في إطار عقد إيجار عقاري‬
‫تصور نظام غلق ذاتي لباب العين المستأجرة في وجه المستأجر عن بعد بشكل ذاتي‬
‫والكتروني في حال إخالله بدفع بدل اإليجار‪ ،‬فيتم ترميز المسار التعاقدي لهذا النوع من‬
‫اإليجار الذكي من خالل الخطوات التالية‪ :‬أ ـ إيجاد قفل للسماح حصريا بولوج المالك إلى‬
‫العين المؤجرة دون غيره؛ ب ـ إيجاد منفذ خلفي في العين المؤجرة للسماح بدخول الدائن –‬
‫المكري‪-‬؛ ج ـ عدم تشغيل المنفذ الخلفي للعين المؤجرة إال بعد سداد مبلغ اإليجار للدائن في‬
‫أجل محدد؛ د ـ عند الدفع والسداد النهائي للوجيبة الكرائية بشكل إلكتروني ينغلق الباب الخلفي‬
‫للعين المستأجرة‪.425‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬رهانات العقود الذكية في أفق مالءمة نظرية العقد‬

‫من الغني عن البيان أن العقد في أبسط صوره ما هو إال اتفاق بين األطراف لترتيب‬
‫نتائج بمجرد تحقق شروط معينة؛ ولعل هذا هو نفس المنطق الذي تنبني عليه أيضا البرامج‬
‫المعلوماتية‪ ،‬إذ أنه في العقد الذكي الخاص بكراء سيارة مثال‪ ،‬يؤدي عدم تلقي البرنامج‬
‫للمعلومة المؤكدة إليداع مبلغ الوجيبة الكرائية في حساب المكري يستتبع تفعيل أمر إغالق‬
‫السيارة عن بعد‪ ،‬وهو ما يجنب المكري سلوك إجراءات مطالبة المكتري بسداد ما بذمته‬

‫‪425‬معمر بن طرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪.834‬‬


‫‪358‬‬
‫وإرجاع السيارة؛ ولعل هذا المكتري إن هو أراد االنتفاع بمزايا السيارة أو االستمرار في‬
‫االنتفاع بها‪ ،‬فما عليه سوى أداء الوجيبة المتفق عليها وبالشكل اإللكتروني المتوافق عليه‪.‬‬

‫لكن تجدر االشارة إلى أن استعماالت العقد الذكي ال تختزل فيما سبق من مثال –كما‬
‫سبق لنا ان أوضحنا ذلك في نموذج التأمين على سبيل المثال‪ ،-‬بل تتعدى هذه الصور المبسطة‬
‫بكثير لتشمل عمل اإلدارات‪ ،‬ومجاالت أخرى متعددة كالرعاية الصحية‪ ،‬والتأمينات‪ ،‬وقوانين‬
‫الشركات‪ ...‬فالمجاالت التي يمكن أن تشملها العقود الذكية كثيرة‪ ،‬ولو أن ذلك ال يسلم من‬
‫بعض االشكاالت التي تطرحها هذه التقنية‪.‬‬

‫ولعل أول تساؤل يمكن أن يطرح في هذا اإلطار يتعلق بمدى إمكان اعتبار العقد الذكي‬
‫عقدا بالمفهوم القانوني؟ ولكي يعتبر كذلك‪ ،‬يجب على هذا العقد الذكي أن يتجسد في إيجاب‬
‫وقبول وأن يتوفر على األركان الضرورية لقيام العقد بحسب القواعد العامة‪ ،‬من رضى ال‬
‫تشوبه أية عيوب‪ ،‬وأهلية‪ ،‬ومحل ثم سبب‪.‬‬

‫ولئن كان هذا العقد يبرم في غياب لمجلسه بمفهومه التقليدي‪ ،‬فإنه نتيجة لذلك يصعب‬
‫بحسب البعض التأكد من أهلية األطراف‪ ،‬لنجد أنفسنا أمام إمكان إبطال هذا العقد إن تم إبرامه‬
‫من طرف من ال أهلية له في غياب أية وسائل تقنية تمكن من التحقق من تلك األهلية؛ حيث‬
‫أنه بمجرد إبرام العقد وإدماجه في سلسلة الكتل‪ ،‬يستحيل التراجع عنه أو تغييره‪.426‬‬

‫لكن من جانبنا نقول إن مسألة التثبت من الهوية هي مسألة أيضا تجد لها حال ضمن‬
‫منصة البلوك تشين‪ ،‬حينما تكون هذه المنصة منفتحة على قاعدة بيانات للتثبت من هوية‬
‫األشخاص وتسليم شهادات الميالد‪ ،‬ولربما كذلك قاعدة بيانات تتعلق بالحالة المدنية للشخص‪،‬‬
‫وحالته الصحية أيضا‪ ،‬فكل هذه االمور يمكن أن تستوعبها منصة البلوك تشين‪.‬‬

‫ومن جانب آخر وبالنسبة إلمكانية التراجع عن العقد في مجال حماية المستهلك والتي‬
‫تعاكس العقود الذكية وفق منطق منصة البلوك تشين‪ ،‬فيطرح سؤال آخر فيما يخص مركز‬

‫‪426‬‬ ‫‪Carron Muller, op.cit. p.84.‬‬


‫‪359‬‬
‫هذا المستهلك الذي أبرم عقدا ذكيا وأراد التراجع عنه؟ فالظاهر هنا أن انتشار العقود الذكية‬
‫سيؤدي إلى زيادة التعامل بها من قبل المستهلكين‪ ،‬وفي نفس الحين سيؤدي ذلك إلى تعريض‬
‫حقوقهم للضياع والتي لطالما صانتها مختلف التشريعات باعتبارهم الطرف الضعيف في‬
‫المعاملة‪ ،‬اعتبارا على كون من خصائص تقنية البلوك تشين عدم الرجوع العكسي للكتل التي‬
‫تم بصمها بالهاش السابق ‪.427‬‬

‫هنا أيضا يمكننا القول أن الحل يكون من خالل معادلة خوارزمية تترجم الحق في التراجع‬
‫لفائدة المستهلك من خاللها معلوماتيا‪ ،‬لكن ال يكون تفعيلها عبر تغيير للكتل التي تم إغالقها‬
‫داخل المنصة لكون هذا األمر يبقى مستحيال‪ ،‬و لكن ضمن كتلة جديدة تنضاف إلى الكتل‬
‫السابقة بتعليمات جديدة متضمنة تفعيل حق الرجوع‪ ،‬و تشتغل وفق آلية البلوك تشين ومبادئها‬
‫بربطها بالكتل السابقة بسلسلة هذه التقنية‪.‬‬

‫أما بخصوص مسألة القبول كأساس لتطابق االرادات‪ ،‬فإنها أيضا تطرح إشكاال آخر‬
‫بشأن مدى استيعاب من وجه إليه اإليجاب لمضمون العقد‪ ،‬خاصة وأن هذا األخير عبارة عن‬
‫برنامج مشفر وليس وارد في شكل صيغ وكلمات وأرقام وحروف يسوغ استيعابها بشكل‬
‫يسير‪ .‬ثم أيضا وإضافة لما سبق‪ ،‬فإن إمكانية ضياع أو سرقة شفرة التوقيع –الهاش‪ -‬تظل‬
‫واردة كذلك‪ ،‬مما قد يعيق وصول العقد الذكي للغاية المتوخاة والمرجوة منه أال وهي الثقة‬
‫واألمان‪.‬‬

‫ولعل كل هذه األسئلة وأخريات إن كانت تطرح نفسها إذا ما أردنا تنظيم العقود الذكية‬
‫في إطار القانون المدني؛ فإن حلولها قد تبدو سهلة إذا ما جعلنا العقود الذكية حصرية على‬
‫مجال األعمال أساسا‪ ،‬واإلدارة في نطاق أضيق‪ ،‬لكن تبقى العديد من األسئلة ليس من اليسير‬
‫اإلجابة عنها في غياب استيعاب شامل لتقنية البلوك تشين وما تخبئه في جعبتها من خبايا‪.‬‬

‫‪427‬‬‫? ‪Aurélie Bayle, "Smart Contracts : Et le droit de la consommation‬‬


‫‪Revue Smart Contracts étude de cas et réflexions juridiques", p. 20.‬‬
‫‪360‬‬
‫إن األسئلة السالفة الذكر والتي يجب أن يوجد لها حل‪ ،‬هي في الحقيقة وعلى مستوى‬
‫القانون الفرنسي مثال –وما يقاس عليه بالنسبة لباقي القوانين ذات االتجاه الالتيني‪ -‬تقلب رأسا‬
‫على عقب المرجعيات المعيارية لهذا األخير‪ .‬وبالتالي ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن كان هناك من تنظيم‬
‫منتظر لهذه العقود فإنما سيتشكل من نظام قانوني من نوع خاص ‪ Sui generis‬يمكن‬
‫تسميته ب "‪ "Lex cryptographia‬يكون مقننا مبدئيا من جانب أطراف خاصة‪ ،‬كما هو‬
‫الحال بالنسبة للقواعد الناظمة للتجارة الدولية ‪ . Lex mercatoria‬وطبعا وفي هذا السياق‬
‫تشهد العقود الذكية تحوالت كبيرة على المستوى الرقمي وأيضا على مستوى العقليات التي‬
‫ترافقها‪ ،‬فهي تعكس بروز نموذج جديد نشأ لغايات وضرورات خاصة مالئمة لعالم المال‬
‫واألعمال‪ ،‬لكن وبالرغم من ذلك يمكن للقواعد العامة المنظمة لاللتزامات أن تشكل احتياطا‬
‫أساسا كافيا لتنظيم هذه العقود اعتبارا على كونها مصدرا لتوجه لبرالي جديد على مستوى‬
‫التصرفات القانونية‪.‬‬

‫إذ بحسب أحد الشراح‪ ،428‬ففي واقع األمر أن المبادئ األساسية المنظمة للعقود ومن ذلك‬
‫مثال الحرية التعاقدية‪ ،‬مبدأ سلطان اإلرادة و الرضائية كأصل في العقود‪ ،‬وحرية االتفاق‬
‫حول قواعد اإلثبات‪ ،‬كلها تمكن من "خلق إطار قانوني مالئم بما فيه الكفاية في هذا الشأن"‪.‬‬

‫لكن من جانبنا‪ ،‬وبغرض النظر في مدى مالءمة القواعد العامة المنظمة لنظرية العقد‬
‫لشكل العقود الذكية‪ ،‬البد من تفكيك العقد الذكي بين مراحل ابرامه وتنفيذه وحالة االخالل‬
‫بااللتزامات الملقاة على عاتق األطراف‪ ،‬والنظر في َمن سمن هذه المراحل التي تتالءم ونظرية‬
‫العقد‪ ،‬ومن ثم القول فيما كان العقد الذكي ال يخرج عن القواعد العامة المنظمة للعقد أو مدى‬
‫إمكان مالءمته لهذه القواعد‪.‬‬

‫‪428‬‬ ‫‪Bruno ANCEL, op.cit. p.16.‬‬


‫‪361‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬رهانات العقود الذكية في مرحلة تكوين العقد‬

‫أخذا بعين االعتبار الشروط الضرورية لصحة االتفاقات‪ ،‬فإن التدخل التلقائي لآللة خالل‬
‫مرحلة تنفيذ العقد من خالل اللجوء إلى تقنية البلوك شين ال يثير أي صعوبة مادام أن األمر‬
‫ال يتعلق هنا بإبرامه‪ ،‬وأن العناصر الضرورية لقيام هذا العقد متوافرة من أهلية أطرافه‬
‫ومشروعية محله وسببه‪.‬‬

‫لكن اإلشكال يطرح حينما يراد تجسيد إرادة األطراف على أرض الواقع من خالل‬
‫ترجمتها إلى شيفرة معلوماتية‪ .‬وهذا اإلشكال يزداد تفاقما حين يصبح هذا الرمز أو الشيفرة‬
‫بمثابة شريعة للمتعاقدين "‪ ،"code is law‬كما يقال‪.‬‬

‫فقد يحدث أن يكون أحد األطراف ضحية عيب من عيوب اإلرادة مما يفتح المجال‬
‫إلمكانية إبطال العقد‪ ،‬و الحال أن العقد الذكي هنا يستمر ذاتيا في ترتيب آثاره ومنها تنفيذ‬
‫االلتزامات الملقاة على األطراف‪ -‬ولو كان أحدهما ضحية غلط أو تدليس أو حتى إكراه‪،-‬‬
‫فعند وقوع نزاع بهذا الشأن يكون من الواجب الرجوع إلى الوقائع السابقة أو المصاحبة إلبرام‬
‫العقد من أجل تقرير ما إذا كان الغلط مثال باعتباره عيبا من عيوب الرضا تتوفر فيه جميع‬
‫العناصر الضرورية لقيامه‪ ،‬ومنها كون العيب شائعا وجوهريا ثم ومما يعذر عنه‪ ،‬وهنا في‬
‫األحوال العادية قد يمتنع من أصاب إرادته عيب من تنفيذ ما عليه من التزامات‪.‬‬

‫لكن حتى في هذه األحوال‪ ،‬فال شيء يمنع األطراف من اللجوء إلى القضاء لطلب إبطال‬
‫العقد الذي أبرم مثال بخصوص الشقة المكتراة مؤقتا حينما يتفاجأ المكتري بعد أدائه للوجيبة‬
‫الكرائية و ما تاله من فتح ألبوابها عن بعد و تشغيل المفاتيح المشفرة‪ ،‬أنه كان ضحية تدليس‬
‫أو غلط‪.429‬‬

‫‪429‬‬ ‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.816‬‬

‫‪362‬‬
‫إال أنه وبالرغم من إمكان اللجوء إلى القضاء بهذا الشأن بغرض إرجاع األمور إلى‬
‫نصابها‪ ،‬فإن التنفيذ الذاتي واآللي للعقد الذكي ال يمكن قطعا أن يعيد األوضاع إلى حالها مادام‬
‫أن هذا التنفيذ قد تم وفي أحيان كثيرة فهو يؤدي إلى استهالك الشيء‪ ،‬وبالتالي فإبطال العقد‬
‫والحالة هذه لن يستتبعه إال التعويض عما تم تنفيذه مع وجود ذلك العيب في اإلرادة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬رهانات العقود الذكية خالل مرحلة تنفيذ العقد‬


‫إن تنفيذ االلتزامات الواردة في العقود الذكية كما سبق أن رأينا ذلك‪ ،‬يكون بشكل ذاتي‬
‫مباشر مادام أنه ينتج من خالل تدخل بسيط لبرنامج معلوماتي‪ ،‬وعلى هذا النحو يتم تجسيد‬
‫القاعدة العامة التي تقضي بكون العقد شريعة المتعاقدين‪ ،‬مادام أن الشروط التعاقدية المتفق‬
‫عليها قد تم احترامها‪ ،‬وما تدخل اآللة الذاتي ال يكون اال تنفيذا ألوامر متفق بشأنها سلفا‪.‬‬

‫ولعل ما سبق هو من حسنات العقود الذكية نظرا لما يعتري العقود عامة من نزاعات‬
‫تطغى خالل مرحلة التنفيذ‪ ،‬الشيء الذي يستلزم إيجاد حل لها سواء مثال بالفسش االتفاقي‬
‫للعقد؛ أو من خالل اللجوء إلى القضاء إلجبار الطرف المخل بالتزاماته قصد احترامها أو‬
‫لطلب الحكم بفسش العقد‪ ،‬والحال أنه بصدد العقود الذكية‪ ،‬فهناك على األقل اطمئنان بكون‬
‫بعض االلتزامات سيتم تنفيذها بالضرورة وفقا لما سبق االتفاق بشأنه‪ .‬وهو ما يشكل اطمئنانا‬
‫مسبقا من حصول التنفيذ الطوعي للعقد "‪ ،" ex ante‬ومن تجنب خسارة مصاريف إضافية‬
‫في حالة اللجوء إلى القضاء عند عدم تنفيذ العقد أو التنفيذ المعيب له‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإنه بالنسبة للدائن كطرف في العقد ذكي سيحصل على مستوى عال من األمن‬
‫القانوني فيما يتعلق بوسيلة تنفيذ االلتزام القائم على عاتق المدين‪ ،‬و هو ما يشكل بالنسبة‬
‫للمدين إجبارا على التنفيذ‪ ،‬حيث لن يكون له فيما بعد سوى التعرض على ذلك التنفيذ بلجوئه‬
‫إلى القضاء‪ ،‬و طلب التعويض عن الضرر الذي لحقه جراء ذلك التنفيذ الذي تم على نحو‬
‫أعمى من قبل اآللة‪ ،‬دون تقدير للظروف الواقعية الطارئة والتي يمكن إثارتها من قبل أحد‬
‫األطراف من أجل توقيف التنفيذ؛ أو توجهه للقضاء نظرا دائما لتلك الظروف من أجل التماس‬

‫‪363‬‬
‫مهلة أو آجال ميسرة‪ ،‬و في نفس الوقت أن ذلك التنفيذ الذاتي المباشر ال يترك أي فرصة‬
‫للمدين في مناقشة أي تأويل قد يكون جديا لمقتضى من مقتضيات العقد‪.‬‬

‫ومن ضمن األمور التي يمكن االحتجاج بها من قبل أحد طرفي العقد بغرض الحيلولة‬
‫دون تنفيذ هذا األخير طبقا للتعليمات المشفرة المصاغة داخل العقد الذكي في سلسلة البلوك‬
‫تشين‪ ،‬مسألة حسن النية الواردة في جميع القوانين كمبدأ مفترض حين تنفيذ العقود‪ ،‬إذ أنه‬
‫اعتمادا على هذا المبدأ أمكن للقضاء الوقوف أمام أي شطط في استعمال الحقوق التي قد‬
‫يكون مصدرها عقدا‪ .‬وحقيقة تذكر أن التعليمات التعاقدية المدمجة في العقد من خالل الرمز‬
‫المعلوماتي يمكن لها أحيانا أن تشكل شططا في استعمال الحق مما يستوجب التدخل للحد من‬
‫اثار العقد وسريانه‪ ،‬أو منح تعويض مقابل ما نجم عنه من ضرر لحالة الشطط‪ ،‬وهذا بالفعل‬
‫ما درج عليه القضاء دائما بصدد جميع العقود كما هي متعارف عليها وفقا للقواعد العامة‪.‬‬

‫وتبعا لما سبق‪ ،‬فإنه يبدو أن مثل هذه القيود التي قد تصاحب تنفيد العقد بالشكل المتعارف‬
‫عليه‪ ،‬ال تتالءم البتة وما يسود سلسلة البلوك تشين من تجميد ألوامر التنفيذ‪ ،‬باستثناء الحالة‬
‫التي يمكن بواسطتها ابتكار شفرة معلوماتية تأخذ بعين االعتبار ما يستدعي تقييد ذلك التنفيذ‪،‬‬
‫وبالتالي يمكن ل طراف فيما بعد اللجوء إلى القضاء المختص لتأكيد حقوقهم من أجل توقيف‬
‫آلية التنفيذ الذاتي‪ ،‬وعند الضرورة الحصول على تعويض نتيجة الضرر الحال بهم جراء‬
‫ذلك‪.430‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإنه كمحصلة لما سبق‪ ،‬فمن الجدير أن يفهم مصطلح الذكاء المرتبط بالعقد‪ ،‬على‬
‫أنه إلى حد ما مبالغ فيه‪ ،‬حيث إنه إذا كان تنفيذ العقد يقوم بشكل ذاتي مباشرة‪ ،‬إال أن الحقيقة‬
‫هي كون اآللة ال تقوم سوى باتباع أوامر موجهة لها قصد تنفيذ عمل ما كما لو تعلق األمر‬
‫بعمل من أعمال السخرة‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬فاآللة لن تقوم بتنفيذ إال ما تمت برمجتها عليه‬
‫من قبل األطراف دون زيادة أو نقصان‪ ،‬أو بحسب ما نعته أحد الفقهاء‪" ،‬فالعقد الذكي ليس‬
‫له من قدرات ما يمكنه من تدبير ما هو غير متوقع أو حتى استشعار ما هو طارئ"‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.817‬‬


‫‪364‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬رهانات العقود الذكية بشأن جزاءات عدم تنفيذ االلتزام التعاقدي‬

‫إن العقود الذكية في جانب من جوانبها المتعددة يمكن اللجوء إليها بغرض تضمينها‬
‫جزاءات عند االخالل بأداء التزام قائم على عاتق أحد طرفي العقد‪ ،‬من ذلك مثال تعليق‬
‫التزويد بالخدمة كجزاء لعدم الوفاء بالمقابل‪ ،‬أو بتفعيل تلقائي لشرط ذي طبيعة جزائية يطبق‬
‫بشكل تلقائي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فإن الطابع التلقائي والذي مبدئيا ال يمكن مراجعته‪ ،‬وأيضا التعليمات‬
‫المدمجة في سلسلة البلوك تشين‪ ،‬ال يتناسب وما يطبع قوانين االلتزامات والعقود من‬
‫ضرورات المرونة بحسب التوجهات المعاصرة‪ ،‬إذ أنه بالفعل من غير الممكن بحسب الوضع‬
‫الحالي للتقنية إمكانية إدماج بعض االشتراطات التي لها طبيعة غير موضوعية في شكل‬
‫مشفر داخل سلسلة الكتل‪ ،‬كما هو الحال مثال بالنسبة لمبدأ المالءمة‪ ،‬ومثاله حالة وقوع خطأ‬
‫مادي بخصوص أداء المدين لثمن كراء السيارة مع وجود نقص في المبلغ ال يتجاوز سنتيمات‬
‫معدودة‪.‬‬

‫فتبعا للحالة السالفة‪ ،‬فسيتم ايقاف اشتغال السيارة عن بعد تبعا للتعليمات المدمجة أصال‬
‫في ع قد كرائها الذكي‪ ،‬مع العلم أن سلسلة الكتل الحاضنة لهذا العقد ال مكان فيها كتقنية‬
‫لالعتبارات الذاتية وبالتالي تقرير ما مدى تأثير ذلك النقص في وجيبة الكراء على تنفيذ عقد‬
‫كراء ككل‪ .‬وبالتالي وفي نفس السياق‪ ،‬فإن البرنامج المعلوماتي لن يكون باستطاعته‬
‫بالضرورة تقدير مدى تناسب ذلك الفارق البسيط في المبلغ والجزاء المترتب عنه‪ ،‬لذلك‬
‫فاشتراط مبدأ المالءمة يعد أساسيا للجوء إلى تطبيق الجزاء عند عدم أداء االلتزام‪ .‬وفي الحالة‬
‫التي يطرح فيها نزاع أمام القضاء على نحو ما سلف‪ ،‬فإن هذا األخير في الغالب سيعتبر أن‬
‫اإلجراء الذي تم تفعيله ‪-‬وهو هنا التوقيف التلقائي للسيارة عن بعد ‪ -‬في مواجهة المدين ال‬
‫يتوافق والمتطلبات القانونية‪ ،‬ومن تم يمكن التكهن هنا بداهة أنه سيحكم بفسش العقد في مواجهة‬
‫الدائن وتحميله تبعات ذلك الفسش بما فيه من ضرورة تعويض المدين عن الضرر الذي لحقه‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫ونتيجة لما سبق‪ ،‬يمكن القول أن العقود الذكية تجسد نظرة جد متحررة للعالقات التعاقدية‬
‫من أجل التقليل من التكاليف و الحد من المعيقات األخرى التي يمكن أن تنشأ عن التدخل‬
‫البشري‪ ،431‬وذلك في انتظار إيجاد الحلول المالئمة لباقي الصعوبات التي تعترض باقي‬
‫األسئلة المستعصية‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إن انتشار تقنية البلوك تشين بشكل متسارع نظرا للمزايا العديدة التي توفرها في مجال‬
‫المعامالت والتصرفات و مجاالت التدبير بشكل عام‪ ،‬قد دفع و بشكل متزايد العديد من‬
‫التشريعات إلى وضع قوانين تأخذ استعمال هذه التقنية في بعض المجاالت ذات الصبغة‬
‫المالية‪ ،‬ولعل ذلك سيكون حافزا لدفع الجهات المعنية والمختصين في مجال هذه التقنية إلى‬
‫التعاون مع رجال القانون بغرض وضع معايير وبروتوكوالت تمكن من تنزيل تطبيقاتها‬
‫بشكل سلس و بناء على أرض الواقع‪ ،‬في مجاالت كثيرة وتجاوز المعيقات التي تجعل من‬
‫هذه التقنية كما لو كانت تترعرع خارج مجال القانون‪.‬‬

‫وهكذا وفي هذا اإلطار‪ ،‬وعلى سبيل المثال نجد المكتب التابع لالتحاد األوروبي الخاص‬
‫بالملكية الفكرية قد شرع في القيام بدراسات وبحوث حول إمكانية تقنين سلسلة الكتل هاته‪،‬‬
‫وأيضا اتجهت المفوضية األوروبية إلى إقامة مرصد خاص بتتبعها‪ ،‬إضافة إلى العديد من‬
‫المؤسسات الدولية التي تقوم بإنشاء ووضع معايير دولية لتطبيقها المتمثل في العقود الذكية‪.‬‬

‫ونتيجة لكل ذلك‪ ،‬يتضح أنها مسألة وقت فقط قبل أن يتمكن القانون من تجاوز العقبات‬
‫المحتملة أمام تعميم استخدام تقنية البلوك تشين والقبول بالعقود الذكية و منحها الحجية الكاملة‬
‫وفق شروط تضمن تماميتها‪ ،‬ولو كان ذلك في مجاالت معينة و استثنائها من مجاالت أخرى‬
‫تبعا لمدى مرونة التشريع الوطني الخاص بكل دولة على حدة بهذا الشأن لكن من منظور‬
‫دولي يبتغي انسجام‪ ،‬و ذلك قياسا على ما هو عليه الحال بالنسبة لما تم بخصوص اعتماد‬

‫‪431‬‬ ‫‪Yves POULET, Hervé JACQUEMIN, op.cit. p.817‬‬


‫‪366‬‬
‫القانون النموذجي للتجارة االلكترونية و القانون النموذجي للتوقيعات االلكترونية من قبل لجنة‬
‫ال‪ ، UNICTRAL‬اللذان مهدا الطريق ألغلب التشريعات الوطنية في اعتماد مقتضيات‬
‫قانونية تعترف بالعقد االلكتروني؛ وبالتالي تالئم تشريعاتها مع معايير ومبادئ هاذين‬
‫القانونين في القبول برسائل البيانات و التوقيعات االلكترونية‪ ،‬و هنا يجب األخذ بعين االعتبار‬
‫على سبيل القياس خصوصيات العقود الذكية‪.‬‬

‫و في نفس اإلطار دائما‪ ،‬وبخصوص الموقع الذي نحتله نحن كدول تشكل أمة يجمعها‬
‫مصير واحد ضمن هذه التحوالت السريعة والمتسارعة‪ ،‬وضرورة اندماجنا في صلب هذه‬
‫التحوالت و المتغيرات التي منها بالطبع ما يشمل الجانب القانوني المواكب من خالل مالءمة‬
‫القوانين العربية ذات الصلة‪ ،‬وخصوصا الرائدة منها في مجال األخذ بالتكنولوجيات الحديثة‬
‫في مجال المعامالت والتصرفات القانونية في أشكال إلكترونية‪ ،‬وأخص بالذكر هنا دوال مثل‬
‫اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬فإن هذه الضرورة هي حاجة ملحة وليس لنا بديل عنها‪ ،‬ألنه إذا‬
‫كانت دول العالم ستستفيد من استخدام هذه التقنية واستغالل ما تزخر به من فرص كبيرة‬
‫واعدة للتنافسية االقتصادية والمالية‪ ،‬ففي المقابل إذا لم نقم نحن بذلك‪ ،‬فإن الفرق بيننا وبين‬
‫هذه الدول سيكون كمثل ذلك الفرق بين اإلنسان و الخلية وحيدة النواة‪ ،‬وهو ما دفعنا لإلسهام‬
‫بهذا البحث والخروج بالتوصيات اآلتية ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬دعوة التشريعات الرائدة في مجال سلسلة الكتل والعقود الذكية إليجاد تنظيم قانوني‬
‫يبتغي االنسجام وتوحيد المبادئ والمعايير الدنيا التي توحد القوانين الوطنية بهذا الخصوص‪،‬‬
‫وذلك بالتنسيق مع المنظمات المعنية األخرى وعلى رأسها لجنة األونسيترال‪ .‬وفي هذا الشأن‬
‫وعلى الرغم من أن هذه األخيرة قد أسست للعقود الذكية من خالل إعدادها ألحكام تمكن من‬
‫استخدامها تضمنتها اتفاقية األمم المتحدة المتعلقة باسـتخدام الخطابات اإللكترونية في العقود‬
‫الدولية‪ ،‬وقانون األونسيترال النموذجي بشــأن السجالت اإللكترونية القابلة للتحويل‪ ،‬وكذا‬
‫تماشي العقود الذكية مع مبادئ القانون النموذجي للتجارة االلكترونية وكذا القانون النموذجي‬
‫للتوقيعات اإللكترونية‪ ،‬وخاصة مبدأي الحياد التقني والمعادلة الوظيفية‪ .‬إال أننا نرى بأن‬
‫‪367‬‬
‫النصوص القانونية السابقة الذكر ال ترقى لما هو مطلوب من االعتراف الكلي بالعقود الذكية‬
‫لمزاياها العديدة‪ ،‬وال تستجيب لخصوصياتها وخصوصيات تقنية البلوك تشين؛ مما يستوجب‬
‫صوغ أحكام قانونية إضافية تخص المعامالت عبر سلسلة الكتل‪ ،‬وباقي التطبيقات الخاصة‬
‫بهذا النوع من العقود الموصوفة بالذكية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬دعوة البنوك المركزية لالنفتاح على تقنيات سلسلة الكتل وعدم الوقوف ضدا على‬
‫تطبيقاتها المتمثلة في العمالت الرقمية والعقود الذكية‪ ،‬وذلك بتكليف لجان تعنى بدراسة هذه‬
‫التقنيات من وجهة نظر التنظيم والتأطير القانوني الميسر الشتغالها ضمن مجاالت القانون و‬
‫ليس خارجه‪ ،‬حتى يتسنى لها اإلجابة عن التساؤالت الجوهرية المتعلقة بمالءمة المقتضيات‬
‫القانونية لها‪ ،‬وعن الطبيعة القانونية ل موال الرقمية‪ ،‬وآثار العمالت الرقمية على السياسات‬
‫النقدية للدول‪ ،‬وأيضا باقي اإلشكاالت الخاصة باالستعماالت المختلفة للعقود الذكية‪ ،‬وهنا‬
‫نثمن ما اتخذته مؤخرا السلطات النقدية في بلدنا من إحداث لجنة ضمن مؤسسة بنك المغرب‬
‫لمعالجة ظاهرة العمالت الرقمية و األكيد أن ذلك سيمتد لظاهرة األصول الرقمية " ‪digital‬‬
‫‪ "assets‬المرتبطة بالعقود الذكية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أمام تزايد االهتمام العالمي بسلسلة الكتل والعقود الذكية‪ ،‬فإننا نوصي بإجراء المزيد‬
‫من البحوث والدراسات وعدم االكتفاء بمشاهدة التغيرات الرقمية في العالم؛ وهو ما يمر‬
‫أساسا عبر جامعاتنا ومعاهدنا العليا‪ ،‬التي ينبغي أن تضع برامج دراسية وتوجيهات تصب‬
‫نحو دراسة الجوانب القانونية لسالسل الكتل والعقود الذكية وباقي التطبيقات ذات الصلة‪،‬‬
‫وإيجاد حلول للصعوبات التي تعيق تطورها ضمن مجال القانون وليس بقاءها خارجه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬إلى جانب اإلطار القانوني المنظم للعقود الذكية‪ ،‬ينبغي رصد الوسائل التقنية‬
‫والبنيوية الالزمة لتوفير مناخ مناسب يمكن هذه العقود من التطور واالنتشار بشكل منظم‪،‬‬
‫فاستعمال سلسلة الكتل في عالم المال و األعمال و اإلدارة يتطلب توفير البنى التحتية الالزمة‬
‫من األجيال التقنية المناسبة والمواكبة لهذه التكنولوجيات ونخص بالذكر هنا اإلسراع بولوج‬

‫‪368‬‬
‫الجيل الخامس لشبكات االتصال‪ ،‬باإلضافة إلى ضرورات المواكبة عبر التكوينات والتكوينات‬
‫المستمرة ذات الصلة بها لفائدة الفاعلين والمتدخلين في مجاالتها‪ ،‬و كذلك التحفيز و التشجيع‬
‫للبحوث العلمية المشتغلة في إطارها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬دعوة المشرعين إلى تجاوز المفاهيم التقليدية المرتبطة بنظرية العقد‪ ،‬من أركانه‪،‬‬
‫وإثباته وتنفيذه‪ ،‬ألنها إذا لم يتم تحيينها بحسب المتطلبات المفروضة تبعا للتحوالت المتسارعة‬
‫التي يعرفها العالم اليوم‪ ،‬فإنها ستصبح بالتأكيد في ظل بروز هذه التقنيات الحديثة معيقة لما‬
‫تختزله هذه األخيرة من فرص واعدة لنماء المجتمعات البشرية‪ ،‬وفي هذا اإلطار دائما فإن‬
‫العديد من الركائز التي ينبني عليها العقد من قبيل تالقي اإليجاب والقبول‪ ،‬تنفيذ العقد بحسن‬
‫نية‪ ،‬توثيق العقد وتوفير الثقة ألطرافه وغيرها من المفاهيم أصبح من الضروري إيجاد بدائل‬
‫لها وذات فعالية في ظل العقد الذكي‪ ،‬وسلسلة الكتل كمنصة حاضنة له‪.‬‬

‫وفي األخير وبالمجمل‪ ،‬فإننا لن نكل من التذكير دائما أنه بالنسبة لنا كباحثين في هذا‬
‫المجال وما يستتبعه ذلك من مسؤوليات جسام‪ ،‬فإن مسايرة األلفية الثالثة في التحوالت‬
‫التكنولوجية التي تعرفها بالنسبة ل مم ال يتم إال من خالل المفاتيح الرقمية للمعلومة‪ ،‬وهذه‬
‫المفاتيح وإن لم يتم تشغيلها من جانبنا جميعا وبالسبق‪ ،‬فإننا وعلى الرغم من كونسـنا سنحصل‬
‫على تلك المعلومة‪ ،‬وبأي شكل من األشكال وهلل الحمد‪ ،‬لكن كمستهلكين لها فقط ال قدر هللا‪.‬‬
‫ولعل من المفاتيح الرقمية للمعلومة تلك مبادرات علمية على غرار هذا المؤتمر الواعد بإذن‬
‫هللا‪ ،‬والمنظم من قبل جامعة اإلمام مالك للشريعة والقانون بدولة االمارات العربية المتحدة‬
‫الشقيقة‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫اليوم الثاني‪2021 / 4 / 16 :‬‬

‫جلسة المؤتمر الثالثة (‪)3:30 – 2:00‬‬

‫محور الجلسة‪ :‬التقنيات الحديثة في مجاالت القانون العام‬

‫فهرس البحوث‬

‫البحوث‪:‬‬

‫‪ -1‬سبل استشراف مجاالت صناعة النص التشريعي وفق التطورات التقنية الحديثة‬

‫أد‪ .‬إبراهيم بن داوود (كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الجفلة ‪ -‬الجزائر) ‪15 ..........‬‬

‫‪ -2‬الثوابت والمتغيرات في التشريعات المالية في ضوء التقنيات الحديثة – دراسة مقارنة‬

‫د‪ .‬قبس حسن عواد (كلية الحقوق بجامعة الموصل – جمهورية العراق) ‪45...................‬‬

‫‪ -3‬سلسلة الكتل (البلوك تشين) ودورها في الحد من جريمة غسل األموال‬

‫د‪ .‬محمد سعيد عبد العاطي محمد (جامعة نايف العربية للعلوم األمنية بالمملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬وكلية الحقوق بجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية) ‪71.......................‬‬

‫‪ -4‬انعكاسات التقنيات الحديثة على فعالية المعامالت اإلدارية – دراسة تأصيلية تحليلية‬
‫مقارنة بين القانون المصري والتجارب الرائدة في دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫د‪ .‬محمد عوض فرج عبد العزيز (كلية الحقوق بجامعة الزقازيق – مستشار ورئيس نيابة‬
‫إدارية ‪ -‬جمهورية مصر) ‪137 ..................................................................‬‬

‫‪370‬‬
‫اليوم الثاني‪2021 / 4 / 16 :‬‬

‫جلسة المؤتمر الرابعة (‪)5:15 – 3:45‬‬

‫محور الجلسة‪ :‬التقنيات الحديثة في مجاالت القانون الخاص‬

‫فهرس البحوث‬

‫البحوث‪:‬‬

‫‪ -1‬الطبيعة القانونية للعقود الذكية في ضوء تقنيات (البلوك تشين)‬

‫د‪ .‬أيمن محمد سيد مصطفى األسيوطي (أستاذ القانون الخاص المنتدب بجامعة حلوان –‬
‫جمهورية مصر) ‪187 ...........................................................................‬‬

‫‪ -2‬تكنولوجيا سلسلة الكتل (البلوك تشين) في القانون الدولي الخاص – حقائق ومقترحات‬

‫د‪ .‬هايدي عيسى حسن علي حسن (كلية الحقوق بجامعة القاهرة – جمهورية مصر) ‪229 ...‬‬

‫‪ -3‬تقنية (البلوك تشين) وحجيتها في إثبات العقود الذكية – دراسة فقهية مقارنة بقانون‬
‫اإلمارات العربية المتحدة‬

‫د‪ .‬أحمد عيد عبد الحميد إبراهيم (جامعة األزهر – جمهورية مصر) ‪277 ...................‬‬

‫‪( -4‬البلوك تشين) والمالءمة القانونية للعقود الذكية‬

‫د‪ .‬عمر أنجوم (أستاذ القانون الخاص ‪ -‬جامعة ابن زهر – أكادير – المملكة المغربية)‬
‫‪325 ..............................................................................................‬‬

‫‪371‬‬

You might also like