Professional Documents
Culture Documents
(*)
د .نورة بنت سعد القحطاين
لقد أصبحت املدارس حمل عمليات تنمر يومية ،وأصبح انتشار ظاهرة التنمر فيها أمرآ أثبتته العديد من
الدراسات على مستوى العامل ،ففي دراسة لكوي ) (Coy ,2001بعنوان "التنمر يف املدارس "كشفت نتائجها أنه
يهرب يوميا حوايل ( )001.111طالبا من املدارس بسبب التنمر الذي يالقونه من زمالئهم.
كما كشفت دراسة مسحية إليرلينغ ( )Erling , 2002بعنوان "التنمر :أعراض كئيبة وأفكار انتحارية
"أجويت على (8122تلميذا نروجييا يف املستوى الثامن عن أن الطلبة ممن ميارسون التنمر وكذلك ضحاايهم قد حصلوا
على درجات أعلى بدرجة ملفتة للنظر يف مقياس األفكار االنتحارية.
ويف دراسة لليند وكنر ى ( )Lind & Kerrney, 2004واليت أجريت يف نيوزلندا ،اتضح أن حوايل ()% 06
من الطالب قد تعرضوا لشكل ،أو آخر من ممارسات التنمر ،كما وأشارت دراسة أدامسكي وراين (Rayan, 2008
& )Adamskiاليت أجريت يف والية الينوي ابلوالايت املتحدة إىل أن أكثر من () % 51من الطالب قد تعرضوا
حلاالت التنمر ،ويف إيرلندا أوضحت دراسة ملينتون ( )Minton, 2010أن تعرض الطالب ملشاكل التنمر بنسبة
( )%65من طالب املرحلة االبتدائية و ( )% 60.4من طالب املرحلة املتوسطة .أما دراسة تينينبايوم
( )Tenenbaumاليت أجريت عام 8100م بعنوان "اسرتاتيجيات املواجهة حلاالت التنمر يف الصفوف من الرابع إىل
الثامن "فقد كشفت نتائجها عن أن املواجهة القائمة على الرتكيز على املشكلة كان النوع الذي غالبا ما مت استخدامه من
قبل الضحااي.
ويعود تنامي االهتمام بظاهرة التنمر يف املدارس ،وتطور الدراسات حوهلا إىل عدد من األسباب منها كما يرى
مسيث ( (Smith, 8111اآلاثر املدمرة هلذه الظاهرة وخاصة على بعض الطلبة مما أدى هبم إىل االنتحار أو إىل
التفكنر فيه ،وإىل وعي األهايل ابلظاهرة ،وضغطهم على املدارس لوقفه ،وعلى وسائل اإلعالم للتوعية هبا.
(*) أستاذ أصول الرتبية املساعد بقسم السياسات الرتبوية -كلية الرتبية-جامعة امللك سعود ،اململكة العربية السعودية.
432
ولقد خطت الدراسات العلمية والرتبوية على الصعيد احمللى والعريب يف السنوات األخنرة املاضية خطوات متقدمة
حنو االهتمام بظاهرة التنمر يف املدارس ،حيث كشفت دراسة للدوسري عن أن التنمر متمثال يف االعتداء على اآلخرين
أو على ممتلكاهتم قد احتل النسبة األعلى لدى طالب منطقة الرايض بنسبة (( )% 65.8الدوسري 8116 ،م).
كما كشفت دراسة القحطاين ،بعنوان "التنمر بني طالب وطالبات املرحلة املتوسطة يف مدينة الرايض :دراسة مسحية
واقرتاح برامج التدخل املضادة مبا يتناسب مع البيئة املدرسية "عن أن نسبة الطالب والطالبات يف املرحلة املتوسطة الذين
يتعرضون للتنمر مرة أو مرتني خالل األشهر املاضية تصل إىل (( )% 60.5القحطاين ،)8112 ،وعن العديد من
العوامل املسببة النتشار التنمر املدرسي وأشكاله بني اجلنسني ،وخصائص كل من الطالب املتنمر والطالب املتنمر عليه،
واآلاثر السلبية على أطراف العالقة .كما أوصت الدراسة بتبين برانمج دان ألويس ملنع التنمر يف املدارس (Olwues's
) ،Bulying Prevention Programوتطبيقه على مستوى املدارس ابململكة العربية السعودية والفصول واملستوى
الفردي أيضا ملواجهة هذه الظاهرة والتقليل من آاثرها على املتورطني فيها.
كما توصلت إمساعيل يف دراستني أجرهتما يف عام (8101م) تبحث األوىل منها يف املتغنرات النفسية لدى
ضحااي التنمر يف املرحلة االبتدائية إىل أن هناك عالقة ارتباطية موجبة ودالة عند مستوى ( )1.10بنب ضحااي التنمر
ومتغنرات الدراسة (حالة ومسة القلق ،تقدير الذات ،األمن النفسي ،الوحدة النفسية) ،وعند مستوى ( )1.15بني
ضحااي التنمر املدرسي واألمن النفسي املنخفض ،وىف الدراسة الثانية اليت تبحث يف فعالية العالج ابلقراءة يف خفض
التنمر املدرسي لدى األطفال إىل مدى فعالية العالج ابلقراءة يف خفض التنمر لدى األطفال يف املدارس (إمساعيل،
.)8101
وتتناول هذه الورقة برتكيز شديد التنمر يف املدارس وما يتعلق به من أبعاد مهمة ،معتمدة على بعض الدراسات
العلمية احلديثة لوصف واقعه يف البيئة املدرسية ،ومستعينة ابألشكال والرسوم التوضيحية ،لتنتهي بعرض أحدث الربامج
العاملية للتدخل ومنع التنمر يف املدارس ،وكذلك املمارسات يف اجملال على الصعيد احمللي.
432
يعرف دان ألويس النروجيي (-)Dan Olweusاألب املؤسس لألحباث حول التنمر يف املدارس – التنمر
املدرسي ( ) School bullingأبنه " :أفعال سالبة متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر إبحلاق األذى بتلميذ آخر ،تتم
بصورة متكررة ،وطوال الوقت ،وميكن أن تكون هذه األفعال السالبة ابلكلمات مثال :ابلتهديد ،التوبيخ ،اإلغاضة
والشتائم ،وميكن أن تكون ابالحتكاك اجلسدي كالضرب والدفع والركل ،وميكن أن تكون كذلك بدون استخدام
الكلمات أو التعرض اجلسدي مثل التكشنر ابلوجه أو اإلشارات غنر الالئقة ،بقصد وتعمد عزله من اجملموعة أو رفض
االستجابة لرغبته ".
ويلفت ألوبس ( )Olweus & Sue,2002 ,النظر إىل أنه كي بصنف الوضع أبنه تنمر البد أن يكون هناك
عدم توازن يف الطاقة أو القوة (عالقة قوة غنر متماثلة)؛ مبعىن آخر أن الطالب الذين يتعرضون ألفعال سلبية يعانون
بصفة عامة من صعوبة الدفاع عن أنفسهم ،وال حيلة هلـم أمام الطالب الذين يتسببون يف مضايقتهم .أما حينما ينشأ
خالف بني طالبني متساويني تقريبا من انحية القوة اجلسدية والطاقة النفسية ،فإن ذلك ال يسمى تنمرا ،وكذلك احلال
ابلنسبة حلاالت اإلاثرة واملزاح بني األصدقاء ،غنر أن املزاح الثقيل املتكرر ،مع سوء النية واستمراره ابلرغم من ظهور
عالمات الضيق واالعرتاض لدى الطالب الذي بتعرض له ،يدخل ضمن دائرة التنمر.
432
خصائص التنمر:
يف بيئة التنمر املدرسي غالبا ما يكون ضحية التنمر طالبا وحيدا يتعرض للمضايقة من جمموعة تتكون من إثنني
أو ثالثة من الطالب يتزعمهم "قائد سليب "؛ لكن هناك نسبة هامة من الضحااي ترتاوح ما بني ()% 41-% 81
أفادوا أبهنم تعرضوا للتنمر من قبل طالب منفردين ).(Barton, 2003
وميكن تصنيف السلوك العدواين أبنه تنمر عندما حتكمه ثالثة معاينر هي:
التنمر هو اعتداء متعمد رمبا يكون جسداي أو لفظيا أو بشكل غنر مباشر. (أ)
التنمر يعرض الضحااي العتداءات متكررة ،وخالل فرتات ممتدة من الوقت. ( ب)
التنمر حيدث داخل عالقة شخصية مييزها عدم التوازن يف القوة سواء كان حقيقيا أو معنواي؛ وهذه القوة تنبع (ج)
من منطلق القوة اجلسمانية أو من منطلق نفسي مع األطفال ذوي التأثنر الكبنر على أقراهنم فتظهر بني املتنمرين
والضحية.
ومما هو شائع ومعروف عن التنمر يف املدارس والذي أثبتت الدراسات عدم صحته (Ballard , et al.,
):1999
االعتقاد أبن التنمر جزء من منو التالميذ االجتماعي ،ومجيعهم جيتازونه. -0
اعتقاد الكثنرين أن املتنمرين ضعاف وغنر آمنني داخليا ،وأهنم يتصرفون خبشونة من اخلارج لتغطية مشاعرهم -6
احلقيقية.
432
خصائص املتنمر:
تعمد األذى (فاملتنمر جيد لذة يف توبيخ الضحية أو حماولة السيطرة عليها ،ويتمادى -8
الفرتة والشدة (استمرار التنمر ومعاودته على فرتات طويلة ،ودرجة التنمر حمطمة الحرتام الذات لدى الضحية). -6
وبوجه عام مييل املتنمرون إىل أن يكونوا مغرورين وأقوايء ومقبولني من أقراهنم ،ويتميزون خاصة برغبتهم يف
السيطرة على اآلخرين عن طريق استخدام العنف .ويظهرون القليل من التعاطف جتاه ضحاايهم .كما ويتميز املتنمر أبنه
حماط مبتنمرين أو أتباع سلبيني ،وهؤالء ال يبدؤون ابلضرورة ابلسلوك العدواين ولكنهم يشاركون فيه ،ويقدموا الدعم
والتشجيع للمتنمر ،وموافقتهم ترفع من إحساس املتنمر بذاته ومكانته ،وجيعل سلوك التنمر مستمرا (Ballard , et al.,
).1999
ويوضح الشكل التوضيحي التايل (دائرة التنمر) الثقافة االجتماعية املعززة لسلوك التنمر ،واملشاركات وردود
كما ويتصف الضحااي أبن لديهم تقدير منخفض للذات ،وعدد فليل من األصدقاء ،وإحساس ابلفشل ،وسلبية
وقلق وضعف وفقدان ثقة ابلنفس .ومعظمهم أضعف جسداي من أقراهنم مما جيعلهم عرضة هلجمات املتنمرين .وألهنم
عاجزين عن تكوين عالقات مع أقراهنم فهم مييلون للعزلة يف املدرسة ،مما جيعلهم يشعرون ابلوحدة واإلمهال .كما
وخيشون الذهاب للمدرسة مما يعيق قدرهتم على الرتكيز ،وخيلق أداءا دراسيا يرتاوح بني اهلامشية والضعف ،مع الوجود
الدائم للتهديد ابلعنف مما يشعرهم ابالفتقار إىل األمان ،األمر الذي ينتج عنه األعراض البدنية والنفسية لديهم
الضرب والركل ابلقدم واللكم بقبضة اليد واخلنق والقرص والعض ...
ابلكالم.
األخرى.
فسحة املدرسة
احلصص
دورات املياه
يف املداخل
آثار التنمر:
يشمل التنمر يف املدارس الضحااي ،واملتنمرين أنفسهم ،والتالميذ املتواجدين أثناء موقف التنمر؛ وكل هذه
اجملموعات الثالث تتأثر بوقف التنمر )(Crabarino, 2003, ،(Lipson, 2001) ،(Bulach,et aL, 2002
يشكل معتادو التنمر على اآلخرين يف املدارس يف سنوات حياهتم األوىل أربعة أضعاف من ينتكسون ويرتكبون
جرائم خطنرة نسبيا حسب سجالت اإلجرام الرمسية ،وذلك مقارنة بغنرهم من الطالب العاديني .لذلك البد من األخذ
بعني االعتبار من حيتمل أن يصبح متنمرا أو أن ميارس التنمر ضد الغنر ،لوقف سنره يف هذا املسلك غنر االجتماعي
وإعادة توجيهه للتصرف على النحو املقبول اجتماعيا ). (Olweus & Sue, 2002
424
ميكن أن يتأثر التالميذ ابلتنمر إما بشكل مباشر أو غنر مباشر ،وهذه اآلاثر تتنوع من املشاكل الصحية
والنفسية للفرد إىل تبين ورعاية قيم اجتماعية عدوانية ،وتبين ثقافة التنمر ابلنسبة جملتمع املدرسة ككل (Juvonen,
2001).
يعزو ابحثو علم النفس الرتبوي سلوك التنمر إىل عدة عوامل تتمثل يف الشكل التايل:
ومن الدراسات األجنبية احلديثة اليت تناولت التنمر املدرسي ممثلة ابلشكل التايل:
423
422
ومن الدراسات األجنبية احلديثة اليت تناولت التنمر اإللكرتوين ممثلة ابلشكل التفصيلي التايل:
يشكل ضحااي التنمر جمموعة كبنرة من التالميذ الذين تتجاهلهم املدرسة إىل حد كبنر ،وكثنر من هؤالء يكونون
هدفا للمضايقات لفرتة طويلة من الزمن ،بل لعدة سنوات يف الغالب .لذلك فإنه من حقوق الطفل األساسية وكما
حددهتا سياسات األمم املتحدة أن يشعر الطفل ابألمان يف املدرسة ،وأن يعفى من االضطهاد واإلذالل املتعمد واملتكرر
422
الذي يشتمل عليه التنمر لذلك قال جيب على أي تلميذ أن خيشى الذهاب للمدرسة خوفا من املضايقات واإلهانة ،وأال
ولقد أعدت وصممت العديد من برامج التدخل العاملية ملنع التنمر يف املدارس واالسرتاتيجيات املضادة له واليت
أثبتت من خالل تطبيقها قدرهتا على مواجهة املشكلة لكافة األطراف املتورطة يف موقف التنمر .ومن أشهر هذه الربامج
العاملية للتدخل ومنع التنمر املدرسي ،والذي يعد من أكثر الربامج مشوال يف مواجهة هذه الظاهرة:
برانمج دان ألويس ملنع التنمر املدرسي*Olweus Bulling Prevention Program :
يقدم هذا الربانمج إطارا واضحا لإلداريني واملعلمني وأولياء األمور ميكن تطبيقه على املستوى الوطين والعاملي،
كذلك وعلى امتداد خمتلف املراحل الدراسية وعلى مستوى املدرسة والفصل الدراسي والطالب أنفسهم .ويتحقق
بتكاتف وتضافر جهود اإلدارة واملدرسني وأولياء األمور ،والطالب ،وجبهود املختصني ابجملال من خارج املدرسة ،مع
ضمان احلصول على التزامهم ابملساعدة يف إيقاف التنمر .وميتد مدى تطبيقه من العام للعام لقياس مدى فعاليته يف
التقليل من انتشار ظاهرة التنمر والتخفيف من حدة آاثرها (القحطاين.* )8112 ،
* للتوسع أنظر دراسة الدكتوراه للباحثة القحطاين ،نورة سعد ( 8112م)" :التنمر بني طالب وطالبات املرحلة
املتوسطة يف مدينة الرايض :دراسة مسحية واقرتاح برامج التدخل املضادة مبا يتناسب مع البيئة املدرسية " ،كلية الرتبية:
وميثل الشكل التايل الربامج العاملية واالسرتاتيجيات ملنع التنمر على مستوى املدارس:
422
وسيتم تناول برانجمني من هذه الربامج ملنع التنمر املدرسي ابلتوضيح ،أوال:
422
واثنيا:
ومن املمارسات اليت طبقت على الصعيد احمللي ملنع التنمر املدرسي يف اململكة العربية السعودية:
422
422
ختاما:
يقتضي التخلص من التنمر املدرسي ابلطبع ضرورة ترسيخ أسس بيئة آمنة داعمة وراعية اجتماعيا ،والعمل على
ترسيخ مفهوم الوائم والتفاهم واالحرتام املتبادل يف املدرسة ويف مجيع الفصول الدراسية .عالوة على تقدمي املساعدة الالزمة
للطالب على الصعيد الفردي وأسرته وجمتمعه ابلنفع ،وهذا لن يتم إال بنهج كل مدرسة ملقاربة عالجية متكاملة تعمل
على إشراك املدرسني واإلداريني ،واآلابء ،وشبكات الدعم االجتماعي ،ابإلضافة إىل الطالب املتنمر نفسه حلل املشكلة،