You are on page 1of 63

‫فضائل‬

‫عشر ذي احلجة‬

‫للشيخ‪/‬‬
‫عبد العزيز بن مرزوق الطريفي‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪1440‬هـ ‪2019 -‬م‬

‫اسم املؤلف‪ :‬عبد العزيز بن مرزوق الطريفي‪.‬‬


‫عنوان الكتاب‪ :‬فضائل عشر ذي احلجة‪.‬‬
‫املوضوع الرئيسي‪ :‬فضل العشر األوائل من ذي احلجة‪.‬‬
‫عدد الصفحات‪ 62 :‬صفحة‪.‬‬
‫قياس الصفحات‪ 20 × 14 :‬سم‪.‬‬
‫بيانات النشر‪ :‬سوريا ‪ /‬مكتبة أجماد‪.‬‬
‫* مت تنسيق الكتاب وتصفيفه وإعداد بيانات الفهرسة األولية‬
‫من قبل مكتبة أجماد‪.‬‬

‫‪‬‬

‫مقدمة الناشر‬

‫يسر مكتبة أجماد أن تقدم لطلبة العلم هذا الكتيب‬


‫العلمي املتميز‪ ،‬للشيخ احملدث‪ /‬عبد العزيز الطريفي ‪-‬فرج‬
‫اهلل عنه‪ ،-‬والذي يتحدث فيه الشيخ عن «فضائل عشر‬

‫ذي احلجة»‪ ،‬والكتاب أصله حماضرة علمية للشيخ‪ ،‬وهي‬


‫منشورة صوتية ومفرغة على االنرتنت‪ ،‬وعمل مكتبة أجماد‬
‫فيها هو تنسيقها مبا يناسب الطباعة وتوفريها لروادها من‬
‫طلبة العلم يف الشمال السوري احملرر‪.‬‬
‫‪‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على‬
‫نبينا حممد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إىل‬
‫يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن اهلل ‪ ‬قد أكرم هذه األمة مبواسم للخريات‪ ،‬وقد‬
‫نوع اهلل جل وعال يف هذه األيام من جهة‪:‬‬
‫‪ -‬زمنها‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك من جهة مدهتا‪.‬‬
‫‪ -‬ومن جهة تباين فضلها‪.‬‬
‫واهلل ‪ ‬جيعل فضله كما يريد وكما يشاء ‪ ،‬ومن‬
‫هذا ما جعله اهلل جل وعال من الفضل لعشر ذي احلجة‬
‫‪-‬كما هو يف عنوان جملس هذا اليوم‪:-‬‬
‫{يف فضائل عشر ذي احلجة}‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪5‬‬
‫جعل اهلل ‪ ‬يف هذه األيام مجلة من الفضائل جليلة‬
‫القدر‪ ،‬لو تأملها اإلنسان الوجد فضل اهلل ‪ ‬وسعته‬
‫عظيمة‪ ،‬فاهلل جال وعال جعل هذه األيام متطاولة من‬
‫جهة املدة؛ وذلك تركيبا ملا يتوافق مع نفوس البشر‪ ،‬فإن‬
‫النفوس تل؛ فلهذا نوع اهلل جل وعال يف األزمنة الفاضلة‬
‫من جهة التباين؛ فجعلها يف األشهر‪ ،‬وكذلك رمبا يف‬
‫األيام‪ ،‬أو رمبا أيضا يف الساعات‪ ،‬فكان فضل اهلل جل‬
‫وعال ورمحته على هذه األمة ظاهرة من هذا الوجه‪.‬‬
‫وكذلك من جهة أنواع الفضل؛ فثمة عبادات يف‬
‫الصيام ويف ذكر اهلل ويف الصالة ويف الصدقة ويف الزكاة؛‬
‫فهي متنوعة من جهة العمل‪ ،‬وهذا فضل اهلل ‪ ‬جيعله‬
‫حيث يشاء‪ ،‬فجعل اهلل ‪ ‬الصالة يف الليل أفضل من‬
‫النهار من جهة التطوع املطلق‪ ،‬وجعل الذكر يف أزمنة‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪6‬‬

‫أفضل من غريه‪ ،‬وجعل الصالة أفضل من غريها يف بعض‬


‫األزمنة دون بعض‪.‬‬
‫كذلك أيضا فيما يتعلق باألرحام؛ فجعل اهلل الصلة‬
‫لبعضهم تتباين عن بعض‪.‬‬
‫كذلك يف بعض البلدان العبادة أفضل من عبادة يف‬
‫بلد آخر‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫وهذا لتنوع العبادة حىت يتوافق مع تنوع األزمنة ومع‬
‫تنوع النفوس وتشوفها؛ فبعض النفوس تيل إىل الصالة‪،‬‬
‫وبعض النفوس تيل إىل الذكر‪ ،‬وبعض النفوس لديها‬
‫املال فتميل إىل اإلنفاق‪ ،‬فجعل اهلل ‪ ‬ذلك التنوع رمحة‬
‫بالناس‪ ،‬فمن كان مييل إىل نوع من العبادة وآتاه اهلل ‪‬‬
‫رزقا على حنو معني فإنه جيد منفذا له يضعه من أمور‬
‫اخلري‪ ،‬وهذا فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪7‬‬
‫وحنن يف هذا اجمللس نتكلم على عشر ذي احلجة من‬
‫جهة ما ورد فيها يف كتاب اهلل ‪ ‬وكذلك يف سنة‬
‫رسول اهلل ‪.‬‬
‫إذا أردنا أن نتأمل النصوص الواردة يف كتاب اهلل ويف‬
‫كالم رسول اهلل ‪ ‬جند أن يف ذلك قدرا وافرا من‬
‫النصوص‪ ،‬مما لو أراد اإلنسان أن حيصيه لتعذر عليه‬
‫ذلك؛ من جهة إحصاء األجر يف املرفوع واملوقوف‪،‬‬
‫وكذلك أيضا ما جاء يف عمل املتعبدين؛ فإن هذا من‬
‫األمور املستفيضة اليت لو أراد اإلنسان أن جيمعها لفاته‬
‫نصيب وافر من املرفوع أو املوقوف‪ ،‬وكذلك أيضا من‬
‫أعمال املتعبدين وكذلك تعظيمهم هلذه األيام العشر‪.‬‬
‫اهلل ‪ ‬جعل هذه العشر فاضلة‪ ،‬وبني فضلها مجملة‬
‫من األحكام‪ ،‬والذي يظهر ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن هذه العشر‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪8‬‬

‫فاضلة حىت قبل اإلسالم‪ ،‬وقد ذكر اهلل ‪ ‬هذه العشر‬


‫يف كتابه العظيم يف عدة مواضع‪.‬‬
‫من هذه املواضع قول اهلل جل وعال‪( :‬ﮖ ﮗ‬

‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬

‫ﮠ) [األعراف‪ ،]142 :‬فضل اهلل تعاىل قد كان يف‬


‫‪ ،‬وقد جاء تفسري ذلك عن غري‬ ‫هذه األيام ملوسى‬
‫واحد من املفسرين‪ ،‬أن املراد هبذه األربعني هي شهر ذي‬
‫القعدة وعشر من ذي احلجة‪ ،‬وأمت اهلل ‪ ‬على موسى‬
‫ذلك الفضل يف هذه العشر وكلمه اهلل جل وعال فيها‪.‬‬
‫جاء تفسري ذلك عن غري واحد من املفسرين؛ كما‬
‫جاء هذا عن عبد اهلل بن عباس فيما رواه ابن جرير‬
‫الطربي من حديث عثمان عن عطاء عن عبد اهلل بن‬
‫عباس‪ ،‬وكذلك جاء عن جماهد بن جرب؛ فيما رواه ابن‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪9‬‬
‫أيب جنيح وليث وغريهم‪ ،‬عن جماهد بن جرب؛ أنه قال يف‬
‫قول اهلل جل وعال‪( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬

‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)‪ .‬قال‪:‬‬
‫هي ثالثون ذو القعدة وعشر من ذي احلجة‪ ،‬فكلم اهلل‬
‫جل وعال موسى يف هذه العشر وأتها عليه يف يوم‬
‫النحر‪ ،‬وهو هذا اليوم الذي يعيد فيه الناس ويذحبون‬
‫وينحرون فيه أضاحيهم‪ ،‬وهذا فضل اهلل ‪ ‬على نبيه‬
‫موسى وعلى بين إسرائيل‪.‬‬
‫بل إن اهلل جل وعال قد أقسم هبذه الليايل؛ كما جاء‬
‫يف سورة الفجر قول اهلل جل وعال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬

‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الفجر‪ .]3 - 1 :‬جاء عن‬


‫غري واحد من املفسرين أن املراد بالعشر هنا هي عشر‬
‫ذي احلجة‪ ،‬جاء ذلك عن غري واحد من املفسرين‪ ،‬كما‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪10‬‬

‫فسره بذلك مسروق بن األجدع؛ فإنه قال‪ :‬إن العشر‬


‫هنا هي عشر ذو احلجة‪ ،‬كما رواه ابن جرير الطربي عنه‬
‫من حديث أيب إسحاق عن مسروق بن األجدع أنه قال‬
‫يف قول اهلل جل وعال‪( :‬ﭓ ﭔ ﭕ) إن املراد‬
‫بذلك هي عشر ذو احلجة ووافقه على هذا التأويل غري‬
‫واحد من املفسرين‪ ،‬وروي هذا عن عبد اهلل بن عباس‬
‫فإنه جاء عنه من عدة وجوه‪.‬‬
‫وذكر اهلل ‪- ‬وهذا املوضع الثالث‪ -‬يف كتابه‬
‫العظيم عشر ذي احلجة يف قول اهلل جل وعال‪:‬‬
‫(ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‪ .‬جاء عن غري‬
‫واحد من املفسرين أن املراد هبذه األيام‪ :‬هي عشر ذو‬
‫احلجة؛ كما فسره هبذا مجاعة؛ فقد فسره جماهد بن جرب‪،‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪11‬‬
‫وكذلك سعيد‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬وجاء عن عبد اهلل بن عباس‬
‫أيضا؛ كما علقه البخاري عنه يف كتابه الصحيح‪.‬‬
‫(ﭻ‬ ‫وجاء يف ذلك أيضا يف قول اهلل جل وعال‪:‬‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‪ ،‬فمعلوم أن هذا‬
‫اليوم هو يوم عرفة‪ ،‬وهو اليوم التاسع من ذي احلجة‪،‬‬
‫وهو من هذه األيام‪ ،‬بل هو آكدها وأشرفها وأعظمها‬
‫عند اهلل ‪ ،‬وقد جاء عن غري واحد من املفسرين أنه‬
‫هو يوم احلج األكرب وهو أفضل أيام السنة‪ ،‬كما يأيت‬
‫بيانه بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬وقد جاء ذلك مستفيضا عن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬يف بيان يوم من أيام هذه العشر‪ ،‬سواء بفضل‬
‫يوم عرفة أو بفضل يوم النحر أو بفضلها على سبيل‬
‫العموم‪ .‬جاء يف ذلك نصوص كثرية‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪12‬‬

‫أفضل األيام وأشرفها ما دل الدليل يف كالم اهلل ‪‬‬


‫على فضله وجاللة قدره‪ ،‬كما يف عشر ذي احلجة‪.‬‬
‫شرع اهلل ‪ ‬للعباد فيها مجلة من األحكام ما أطلق‬
‫اهلل ‪ ‬يف ذلك من سائر العمل؛ كما جاء يف حديث‬
‫عبد اهلل بن عباس كما يف الصحيح‪ ،‬قال النيب ‪﴿ :‬مَا‬

‫مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فِيهِنَّ أَحَبُّ مِنْ هَذِهِ األَيَّامِ العَشْرِ﴾‪ ،‬قالوا‪ :‬وال الهاد‬

‫يف سبيل اهلل؟‪ ،‬قال‪﴿ :‬وال اجلِهَادُ فِي سَبِيلِ اهللِ‪ ،‬إِال رَجُلٌ خَرَجَ‬

‫بِمَالِهِ ونَفْسِهِ ولَم يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ﴾‪ .‬وهذا أصح شيء جاء‬
‫يف هذا الباب عن النيب ‪ ‬يف فضل هذه األيام العشر‪.‬‬
‫ويأيت يف هذا ما جاء يف كالم اهلل ‪ ‬ما تقدمت‬
‫اإلشارة إليه‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪13‬‬
‫وينبغي أن نعلم أن من عالمات التفضيل ما كان‬
‫لنيب‬
‫لنيب‪ ،‬مث كان ي‬
‫فضال لسائر األمم‪ ،‬أو كان فضال ي‬
‫بعده‪ ،‬فإذا جاء الفضل متكررا فإن هذا من أمارات‬
‫فضله على غريه‪ ،‬فالفضل إذا جاء عاما آكد من الفضل‬
‫إذا جاء خاصا ألمة من األمم؛ وهلذا جعل اهلل ‪ ‬مجلة‬
‫من األيام الفاضلة كيوم عرفة‪ ،‬وكذلك يوم النحر‪،‬‬
‫وكذلك عشر ذي احلجة وغري ذلك على سبيل العموم‪،‬‬
‫جعلها اهلل ‪ ‬فاضلة لكثري من األنبياء‪ ،‬وقد جاءت‬
‫عشر ذي احلجة يف األشهر احلرم؛ وهي أشهر احلج‪ ،‬وقد‬
‫جعل اهلل ‪ ‬هلا منزلة رفيعة ليست لغريها‪.‬‬
‫* ومن وجوه فضلها‪:‬‬
‫أن اهلل ‪ ‬شرع فيها مجلة من العبادات ال تكون يف‬
‫غريها من األيام‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪14‬‬

‫فشرع اهلل ‪ ‬فيها النسك؛ وهو احلج؛ وهو ركن من‬


‫أركان اإلسالم‪ ،‬فإن اهلل ‪ ‬أمر عباده باحلج‪ ،‬واحلج كما‬
‫ال خيفى له أيام وله مواقيت زمانية‪ ،‬وهذه املواقيت‬
‫الزمانية هي أشهر احلج آخرها عشر ذي احلجة‪ ،‬فجعل‬
‫اهلل ‪ ‬خاتة احلج هو يوم النحر‪ ،‬وهو آخر أيام عشر‬
‫ذي احلجة‪ ،‬وهذا من أمارات فضلها‪.‬‬
‫كذلك أيضا‪ :‬أنه موضع للذبح والنحر‪ ،‬وهو للصدقة‬
‫أيضا‪ ،‬والذبح والنحر شرعه اهلل ‪ ‬للناس كافة؛ سواء‬
‫كان اإلنسان متلبسا بنسك من سائر أنواع النسك‪،‬‬
‫سواء كان معتمرا أو كان حاجا على أي أنواع األنساك‪،‬‬
‫مفردا أو قارنا أو متمتعا‪ ،‬فإنه يشرع له أن ينحر هديه؛‬
‫وهلذا نقول‪ :‬إن آكد مواضع النحر هو يوم التحر؛ وذلك‬
‫لدخوله يف عشر ذي احلجة‪ ،‬ومن أخره بعد ذلك صح‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪15‬‬
‫عنه هذا الذبح؛ ألن الذبح يكون يف أيام التشريق على‬
‫الصحيح من أقوال العلماء‪ ،‬ومن العلماء من جتاوز يف‬
‫ذلك وقال‪ :‬ي رخص ملا بعدها‪ ،‬وهذا قول له وجهه أيضا‪،‬‬
‫وقد جاء عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪﴿ :‬أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ‬

‫وَشُرْبٍ﴾‪ ،‬واملراد بذلك أهنا موضع لتناول طعام‬


‫األضاحي‪ ،‬فينحر اإلنسان هديه‪ ،‬وينحر اإلنسان‬
‫أضحيته يف هذه األيام؛ وهلذا نقول إن آكد األيام هو‬
‫يوم النحر؛ لدخوله يف عشر ذي احلجة‪ ،‬وأما إذا خرج‬
‫عن ذلك فهو يف زمن مفضول وليس يف الزمن الفاضل‪،‬‬
‫وإذا أراد اإلنسان أن يؤخر طعام أضحيته‪ ،‬فإن األفضل‬
‫له أن ينحرها يف اليوم األول‪ ،‬مث يؤخر تناوله لذلك‬
‫الطعام بعد ذلك حىت يتحقق له الفضل يف هذا األمر‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪16‬‬

‫وكذلك من فضل اهلل ‪ ‬على عباده يف هذا أن‬


‫جعل هذه األيام موضعا للصيام‪ ،‬وآكد هذا الصيام هو‬
‫صيام يوم عرفة؛ كما جاء عن رسول اهلل ‪ ‬ويأيت‬
‫الكالم عليه بإذن اهلل‪.‬‬
‫ويشرع لإلنسان أيضا أن يصوم عشر ذي احلجة إال‬
‫يوم النحر؛ فإنه حيرم صيامه لكونه عيدا‪.‬‬
‫وأما األيام الباقية ‪-‬اليوم التاسع وما قبله‪ -‬فإنه يشرع‬
‫لإلنسان أن يصومه‪ ،‬وكان السلف يصومون ذلك‪ ،‬بل‬
‫إنه آكد من صيام ستة أيام من شوال‪ ،‬والظاهر يف هذا‬
‫أن العلماء ال خيتلفون من الصدر األول‪ ،‬وكذلك ظاهر‬
‫كالم األئمة األربعة أهنم ال خيتلفون يف استحباب صيام‬
‫عشر ذي احلجة إال احملرم‪ ،‬وأما بالنسبة لستة أيام من‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪17‬‬
‫شوال فلديهم خالف يف ذلك‪ ،‬كما هو معلوم عن‬
‫‪.‬‬ ‫اإلمام مالك‬
‫كذلك أيضا فإين ال أحفظ عن أحد من الصحابة‬
‫أنه كان يصوم ستة أيام من شوال‪ ،‬وأما ما جاء‬
‫يف عشر ذي احلجة فقد ثبت هذا عن غري واحد‪ .‬ثبت‬
‫هذا عن عمر بن اخلطاب‪ ،‬وجاء أيضا عن عبد اهلل بن‬
‫موهب‪ ،‬وجاء عن مجاعة من الفقهاء‪ ،‬وجاء يف ذلك‬
‫أيضا مما يعضد هذا ويؤكده أن النيب ‪ ‬جعل التعبد هلل‬
‫يف هذه العشر على اإلطالق آكد من التعبد يف غريها‬
‫من األيام‪ ،‬وهذا دليل عام؛ فإن مقتضى التفضيل هلذه‬
‫األيام تفضيل العمل فيها‪ ،‬وإال فهي إذا كانت مفضلة‬
‫بلحظاهتا وساعاهتا‪ ،‬ومل يكن للعمل ثة فضال عن غريه‪،‬‬
‫مل يكن ثة معىن ملقصود الشرع بتفضيل العمل فيها‪ ،‬كما‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪18‬‬

‫هو ظاهر يف قول النيب ‪﴿ :‬مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِىل‬

‫اهللِ مِنْ هَذِهِ األَيَّامِ العَشْرِ﴾؛ بل إهنم حينها ذكروا الهاد يف‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬
‫أن النيب أراد العموم يف سائر‬ ‫فهم الصحابة‬
‫األعمال‪ ،‬فذكروا له الهاد يف سبيل اهلل ليستبينوا‪ :‬هل‬
‫العموم قد أريد به؛ ألهنم حيفظون مجلة من الفضائل من‬
‫األعمال‪ ،‬هل هي أفضل منها أم ال؟‪.‬‬
‫فبني النيب ‪ ‬أنه أراد العموم بعينه‪ ،‬وبعض العلماء أو‬
‫بعض الشراح يقولون‪ :‬إن الفضل املراد بذلك هو تفضيل‬
‫عام‪ ،‬ال يعين ذلك هو تفضيل على األعيان!‬
‫نقول‪ :‬هذا لو كان مطلقا ألمكن القول به‪ ،‬لو كان‬
‫التفضيل مطلقا من النيب ‪ ‬من غري سؤاله عن الهاد‪،‬‬
‫فلما سأل الصحابة عن الهاد دل على أهنم ذكروا‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪19‬‬
‫أفضل األعمال العملية اليت يعمل هبا اإلنسان بعد أركان‬
‫اإلسالم‪ ،‬فيتقرب إىل اهلل ‪ ‬هبا‪ ،‬فبني أن األعمال يف‬
‫األيام العشر أفضل منها مجميع أنواعها؛ وهلذا نقول‪ :‬إن‬
‫العمل يف هذه األيام العشر هي آكد من سائر أيام السنة‬
‫‪-‬طبعا واملراد بذلك التطوع والتنفل‪ -‬وأما الواجبات فلها‬
‫أعمال بأزمنة مقدرة‪ ،‬فليس لإلنسان أن يقول‪ :‬إن‬
‫الصيام يف هذه العشر تنفال آكد وأعظم من صيام‬
‫رمضان يف رمضان‪ ،‬فهذا ليس مبراد‪ ،‬فإن املراد بذلك هو‬
‫يف النوافل؛ هلذا نأخذ من ذلك مجلة من املعاين‪:‬‬
‫‪ -‬أن قيام الليل يف العشر أفضل من غريه‪.‬‬
‫‪ -‬وأن الصيام يف هذه األيام العشر أفضل من الصيام‬
‫يف غريها‪ ،‬فيكون أفضل من صيام االثنني واخلميس‪،‬‬
‫وثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬وأفضل من الصيام الذي‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪20‬‬

‫يصومه اإلنسان ويكثر من ذلك؛ سواء صام شهر اهلل‬


‫احملرم أو صيام شعبان‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬هلذا نقول‪ :‬إن الصيام‬
‫يف هذه العشر أفضل من غريها‪ ،‬لظاهر النص عن النيب‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬؛ ألنه أراد العموم ملا سأله أصحابه‬
‫* ومن مقتضيات ومعاين التفضيل‪:‬‬
‫أن النيب ‪ ‬جعل فيها حمرتزات ومنهيات يف بعض‬
‫األعمال‪ ،‬فالزمن واملكان الذي يقع فيه هني بفعل من‬
‫األفعال آكد من غريه؛ فإن هذا تعظيم له‪ ،‬ومكة أعظم‬
‫من غريها ألهنا حرم‪ ،‬فيحرم أن ينفر صيدها‪ ،‬وكذلك أن‬
‫يعضد شوكها‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬وكذلك أيضا حيرم أن يلحد‬
‫اإلنسان فيها بشيء من الذنوب‪ ،‬وكلما عظم ذنبه يف‬
‫احلرم عظم جرمه عند اهلل ‪‬؛ وهذا املعىن الصحيح يف‬
‫معىن اإلحلاد يف احلرم‪ :‬أنه يشمل سائر الذنوب‪ ،‬وكلما‬
‫عظمت عظمت عند اهلل جل وعال العقوبة‪ ،‬واهلل جل‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪21‬‬
‫وعال جيعل العقوبة مساوية لذلك العمل‪ ،‬وال يقال إن‬
‫اإلنسان إذا أذنب ذنبا يسريا يف احلرم يعاقبه اهلل ‪ ‬كما‬
‫يعاقب من ارتكب جريرة عظيمة‪ ،‬ولكن اهلل ‪ ‬يزيده‬
‫عقابا مما لو كان يف غري احلرم‪ ،‬وإمنا قلنا يف هذه العشر‬
‫أهنا آكد وأفضل من غريها ألن اهلل ‪ ‬حث فيها على‬
‫العمل بذاهتا‪ ،‬وهنى عن أعمال فيها‪ ،‬فإذا اجتمعت يف‬
‫زمن معني أو يف مكان معني؛ دل على عظمته‪.‬‬
‫* وما ينهى عنه يف هذه العشر‪:‬‬
‫األخذ من الشعر واألظفار ملن أراد أن يضحي؛ فإن‬
‫النيب ‪ ‬بني أن من أراد أن يضحي فرأ هالل ذو‬
‫احلجة فعليه أن ميسك عن أن يأخذ شيئا من شعره‬
‫وظفره حىت يضحي‪ ،‬وهذا دليل على فضل هذه األيام‬
‫العشر‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪22‬‬

‫‪ ،‬أن رسول اهلل‬ ‫جاء يف ذلك حديث أم سلمة‬


‫‪ ‬قال‪﴿ :‬مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ وَرَأَي هِاللَ عَشْرِ ذِي احلِجَّةِ فَال‬

‫يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ﴾‪ .‬هذا احلديث رواه اإلمام مسلم‪،‬‬


‫وقد أعله بعض الن قاد؛ أعله الدارقطين بالوقف‪ ،‬واإلمام‬
‫مييل إىل صحته بالرفع؛ وهلذا أخرجه يف‬ ‫مسلم‬
‫كتابه الصحيح‪.‬‬
‫اختلف العلماء يف النهي عن النيب ‪ ‬يف ذلك؛‬
‫اختلفوا فيه من جهة علته‪ ،‬واختلفوا فيه أيضا من جهة‬
‫حكمه‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العلماء عامة يرون أن األفضل لإلنسان أن‬
‫ميسك‪ ،‬وأما جواز ذلك؛ فذهب بعض العلماء إىل جواز‬
‫ذلك وهو قول أيب حنيفة‪ ،‬وذهب بعض العلماء إىل‬
‫التحرمي‪ ،‬وهذا ذهب إليه مجاعة من الفقهاء‪ ،‬وهو قول‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪23‬‬
‫سعيد بن املسيب وربيعة بن أيب عبد الرمحن ‪-‬ربيعة‬
‫إىل حترمي‬ ‫الرأي‪ -‬وإسحاق وداود واإلمام أمحد‬
‫األخذ من الشعر والظفر ملن أراد أن يضحي‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬قالوا‪ :‬بأنه يكره‪ ،‬وهذا القول ذهب إليه‬
‫‪ ،‬وذهب إليه اإلمام مالك يف رواية‬ ‫اإلمام الشافعي‬
‫عنه‪.‬‬
‫وأما بالنسبة ملن ي منع من ذلك‪ ،‬فهو الذي يباشرها‪.‬‬
‫مبعىن‪ :‬أن اإلنسان إذا أراد أن يضحي هو بنفسه ال‬
‫تسك زوجته وال ميسك أبناهه وحنو ذلك‪ ،‬ألنه هو الذي‬
‫يريد أن يضحي‪.‬‬
‫إذا أراد اإلنسان أن يضحي وأناب غريه‪ ،‬فإن غريه‬
‫ميسك عنه‪ ،‬فاإلنسان مثال إخوة يف منزل واحد ويقوم‬
‫بأداء األضحية عنهم واحد يقوم بذحبها‪ ،‬فهؤالء اخلمسة‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪24‬‬

‫قد أنابوا واحدا منهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬يا فالن هذي أضاحينا‬


‫قم بشرائها وحنرها والتصدق فيها‪ ،‬فإن الذي يقوم‬
‫باإلمساك هو الذي يتوىل هذا الشأن وليس املنيبون؛‬
‫وهلذا النيب ‪ ‬ذكر من أراد أن يضحي‪ ،‬ومل حيفظ أن‬
‫أزواجه أمسكن عن ذلك‪ ،‬مع أنه يضحي عنهن‪ ،‬وهو‬
‫نائب عنهن ‪ ،‬وكذلك أيضا فإن النيب ‪ ‬كما يف‬
‫البخاري ملا بعث هبديه إىل مكة قالت عائشة‪( :‬مل‬
‫ميسك عما ميسك عنه احلاج)‪ ،‬فمع أنه اشرتاه بنفسه‬
‫‪ ،‬لكنه جعل الذي يأخذه معه إىل مكة ويقوم بنحره‬
‫والتصدق به واألكل منه شخصا آخر هو الذي ميسك‪،‬‬
‫والنيب ‪ ‬ال ميسك عن شيء من ذلك‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪25‬‬
‫أما بالنسبة للعلة يف ذلك‪ ،‬فللعلماء يف ذلك خالف‪:‬‬
‫منهم قال‪ :‬التشبه باحلاج‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬التعظيم هلذه األيام‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬أن يرجع اإلنسان إىل فطرته وفيه من‬
‫البذاذة والشعث ما يشارك فيه احلاج‪ ،‬والشعور مبا‬
‫يشعرون به من بذاذة وشعث وحنو ذلك‪ ،‬وهذه علل‬
‫يذكرها العلماء‪ ،‬وهي من مواضع االجتهاد يف هذا‪.‬‬
‫كذلك أيضا فإنه يستحب لإلنسان يف هذه األيام‬
‫العشر اإلكثار من الصالة‪ ،‬وللصالة يف غريها فضل‪ ،‬وما‬
‫يفعله اإلنسان معتادا من عبادة يف غري العشر يتأكد‬
‫ويعظم أجره يف العشر؛ فمثال‪ :‬اإلنسان الذي يؤدي‬
‫النواقل املطلقة‪ ،‬أو يؤدي حتية املسجد‪ ،‬أو سنن‬
‫الرواتب‪ ...‬أو غري ذلك‪ ،‬فإهنا أعظم أجرا من غريها‪،‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪26‬‬

‫فهذا هو ما تقتضيه قواعد الشريعة‪ ،‬فإن الفضل إذا جاء‬


‫للنوافل املطلقة وهي أعظم من غريها‪ ،‬فإنه يكون يف‬
‫املقيدة من باب أوىل‪.‬‬
‫وهل يقال‪ :‬إهنا تضاعف أكثر من ذلك أم تعظم؟‪.‬‬
‫ال يثبت يف املضاعفة نص عن النيب ‪ ،‬وإمنا صح‬
‫النص يف تعظيمها‪ ،‬والدليل على هذا ما جاء يف حديث‬
‫عبد اهلل بن عباس أن النيب ‪ ‬قال‪﴿ :‬مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ فِيهِنَّ‬

‫أَحَبُّ﴾‪ ،‬جاء يف لفظ‪﴿ :‬أَعْظَمُ﴾‪.‬‬


‫إذا الصحيح يف ذلك التعظيم‪ ،‬وليس املضاعفة؛ وهلذا‬
‫نقول‪ :‬إن الفريضة على ما هي عليه مما شرعه اهلل جل‬
‫وعال‪ ،‬واألمر يف ذلك على التعظيم‪ ،‬وال يكون ذلك‬
‫تضعيفا‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪27‬‬
‫وقد جاءت مجلة من األخبار يف تضعيف العبادة يف‬
‫العشر‪:‬‬
‫جاء يف حديث عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وجاء يف حديث‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬وجاء أيضا يف حديث رجل من بين‬
‫خمزوم‪ ،‬وهذه كلها معلولة‪.‬‬
‫قد جاء يف حديث سعيد بن جبري عن عبد اهلل بن‬
‫أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :‬ما من أيام‬ ‫عباس‬
‫العمل فيه من أحب إىل اهلل من هذه األيام العشر‪،‬‬
‫فأكثروا فيهن من التهليل‪ ،‬والتكبري وذكر اهلل‪ ،‬والصالة‬
‫والصيام فإن صيام يوم أعظم من صيام سنة‪ ،‬أو كصيام‬
‫سنة)‪ .‬وهذا احلديث منكر‪.‬‬
‫وقد جاء عند البيهقي من حديث أنس بن مالك‪،‬‬
‫ورواه البيهقي أيضا من حديث األوزاعي عن رجل من‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪28‬‬

‫بين خمزوم عن رسول اهلل ‪ ،‬ولكنه قد جعل العمل‬


‫عمل اليوم بألف ويوم عرفة بعشرة آالف‪ .‬وهذا خرب‬
‫منكر؛ فإن األوزاعي رواه فقال‪ :‬أخربين به رجل من بين‬
‫خمزوم عن رسول اهلل ‪ .‬وإسناده جمهول؛ وهلذا نقول‪:‬‬
‫إن التضعيف للعمل يف عشر ذو احلجة ال يثبت فيه عن‬
‫النيب ‪ ‬خرب‪ ،‬والثابت يف ذلك التعظيم؛ وذلك ألنه‬
‫مقتضى احملبة يف قوله‪﴿ :‬أَحَبُّ﴾‪ ،‬وكذلك مقتضى‬

‫التعظيم‪ ،‬أو هو ظاهر التعظيم يف قوله‪﴿ :‬أَعْظَمُ عِنْدَ اهللِ مِنْ‬

‫هَذِهِ األَيَّامِ الْعَشْرِ﴾‪.‬‬


‫وكذلك أيضا من وجوه التعظيم‪ :‬أن الزمن أو املكان‬
‫إذا جاء فيه حث أو حض على أعمال متعددة‪ ،‬فكلما‬
‫كثرت أنواع األعمال دل على فضل هذا الزمن أو فضل‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪29‬‬
‫هذا املكان‪ ،‬وقد جاء الفضل عموما عن النيب ‪‬‬
‫باألعمال يف قوله‪﴿ :‬الْعَمَلُ فِيهِنَّ﴾‪.‬‬

‫ويف قوله‪﴿ :‬الْعَمَلُ﴾؛ "ال" لالستغراق؛ فيكون شامال‬


‫لسائر أنواع األعمال الظاهرة والباطنة‪ ،‬هي أعظم عند‬
‫اهلل ‪ ،‬وجاء مفصال ذلك يف معىن الذكر‪ ،‬كذلك أيضا‬
‫الصدقة من النحر‪ ،‬كذلك أيضا الصيام‪ ،‬وغري ذلك‪...‬‬
‫أما بالنسبة لذكر اهلل جل وعال يف هذه العشر؛ فقد‬
‫جاء يف كالم اهلل ‪ ‬األمر بذكر اهلل ‪ ‬يف أيام‬
‫معلومات؛ وهي‪ :‬عشر ذي احلجة‪ ،‬أما أمر النيب ‪ ‬يف‬
‫ذلك فال يثبت عن النيب ‪ ‬أنه أمر باإلكثار من ذكر‬
‫اهلل‪ ،‬وجاء يف ذلك مجلة من األحاديث‪ ،‬ولكن كلها‬
‫معلولة‪ ،‬ويكفي يف هذا ظاهر القرآن يف األمر بذكر اهلل‬
‫يف هذه األيام املعلومات‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪30‬‬

‫وهلذا نقول‪ :‬إن عدم ورود شيء عن النيب ‪ ‬صحيح‬


‫يف األمر بالذكر يف هذه األيام‪ ،‬إمنا هو لظهور ذلك يف‬
‫القرآن؛ فإن األمر إذا كان مستفيضا ويعمل به الناس‪،‬‬
‫فإن النصوص يف ذلك تقل؛ وهلذا حكي اإلمجاع عن‬
‫يف استحباب ذكر اهلل ‪ ‬يف هذه‬ ‫الصحابة‬
‫األيام‪ ،‬وعلى سبيل التخصيص بالتكبري فيها‪ ،‬وقد نقل‬
‫اإلمجاع على ذلك مجاعة من العلماء ويأيت اإلشارة إليه‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬
‫هذه األيام العشر فيها مجلة من األعمال اليت جاءت‬
‫خمصصة بالدليل يف كالم رسول اهلل ‪ ،‬أو كذلك أيضا‬
‫‪.‬‬ ‫يف عمل الصحابة‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪31‬‬
‫نأخذ من هذه األعمال‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الصيام‪:‬‬
‫والصيام يدخل يف عموم احلديث‪ .‬يف حديث عبد اهلل‬
‫بن عباس من باب أوىل‪.‬‬
‫ألن أعظم األعمال اليت يعملها اإلنسان هي ما كان‬
‫من أركان اإلسالم اخلمسة؛ كما جاء يف حديث عبد‬
‫اهلل بن عمر‪﴿ :‬بُنِيَ اإلِسْالمُ عَََ خَمْ ٍٍ ‪ ...‬وَحَجِّ الْبَيْتِ﴾‪،‬‬
‫فإذا جاءت النصوص باألمر بالعمل الصاحل مطلقا وبيان‬
‫فضله؛ ينظر إىل أفضل األعمال على الدوام‪ ،‬فهو‬
‫أفضلها يف هذا الزمن‪ ،‬فيكون دخوله حينئذ من باب‬
‫أوىل‪ ،‬وإذا قلنا إن النيب ‪ ‬قال‪﴿ :‬مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهِنَّ﴾‪.‬‬
‫فإذا مل تدخل أركان اإلسالم فيها‪ ،‬فال ينبغي أن يدخل‬
‫يف هذا الباب شيء؛ وهلذا نقول‪ :‬إهنا تدخل يف ذلك‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪32‬‬

‫أصالة لفضلها‪ .‬وأما من جهة صوم النيب ‪‬؛ فقد روي‬


‫يف ذلك عدة أحاديث‪:‬‬
‫‪ -‬رو اإلمام أمحد يف كتاب املسند‪ ،‬وكذلك أبو‬
‫داود يف كتابه السنن‪ ،‬من حديث هنيدة بن خالد عن‬
‫أمه ‪-‬وجاء يف رواية عن زوجه‪ -‬أن النيب ‪ ‬كان يصوم‬
‫العشر‪ .‬يعين عشر ذي احلجة‪ .‬وإسناده ضعيف؛ للجهالة‬
‫يف إسناده‪.‬‬
‫‪ -‬ورو الرتمذي يف كتابه السنن من حديث قتادة‬
‫عن سعيد بن املسيب ‪-‬ورواية قتادة عن سعيد بن‬
‫املسيب منكرة؛ كما نص على ذلك غري واحد من‬
‫احلفاظ‪.-‬‬
‫ومل يثبت عن النيب ‪ ‬أنه صام يف العشر‪ ،‬وعدم‬
‫الثبوت ال يدل على العدم‪ ،‬فإنك إذا قلت‪ :‬إن فالنا ال‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪33‬‬
‫أدري أين هو؛ ال يعين ذلك أنه ليس يف داره أو ال يعين‬
‫أنه ليس يف مكة‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬
‫أهنا قالت‪( :‬ما‬ ‫أما ما جاء يف حديث عائشة‬
‫رأيت رسول اهلل ‪ ‬صائما العشر قط)‪ .‬فإن هذا قد رواه‬
‫اإلمام مسلم يف صحيحه من حديث األعمش عن‬
‫‪ ،‬وقد أعل‪ .‬أعله‬ ‫إبراهيم عن األسود عن عائشة‬
‫الدارقطين باإلرسال؛ فإنه رواه سفيان عن األعمش عن‬
‫إبراهيم عن األسود مرسال‪ ،‬والصواب يف ذلك الوصل؛‬
‫فإن أكثر أصحاب األعمش يروونه موصوال‪ ،‬وإىل هذا‬
‫تعاىل‪ ،‬فأخرجه يف كتابه موصوال‪ ،‬ونفي‬ ‫مال مسلم‬
‫رهيتها النيب ‪ ‬صام يف العشر حيمل على‬ ‫عائشة‬
‫ظاهره‪ ،‬وإن كان ال يدل على النفي على اإلطالق‪،‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪34‬‬

‫ولكن يقال‪ :‬إن األغلب من حال النيب ‪ ‬أنه مل يصم‪،‬‬


‫وإمنا مل يصم النيب ‪ ‬ألمور منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن النيب ‪ ‬رمبا كان هذا الفضل الذي شرعه اهلل‬
‫‪ ‬جاء متأخرا‪ ،‬والنيب ‪ ‬انشغل يف هذه العشر حبجه‬
‫أن تبني أن النيب ‪ ‬مل يصم‬ ‫‪ ،‬وأرادت عائشة‬
‫قبل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك أيضا‪ :‬رمبا مل يصم النيب ‪ ‬إشفاقا على‬
‫أمته؛ فإن النيب ‪ ‬يشفق عليهم ولو كان حيب الصوم‪.‬‬
‫النيب ‪ ‬أفطر وهو صائم الفريضة يف السفر‪ ،‬وظاهر‬
‫حاله أنه يريد الصيام‪ ،‬ولكن ملا رأ املشقة باألمة أفطر‬
‫‪ ‬إبقاء ورمحة هبم‪.‬‬
‫هلذا نقول‪ :‬إن عدم ثبوت الصيام عن النيب ‪ ،‬مع‬
‫ثبوت األمر بذلك واحلث على العمل على سبيل العموم‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪35‬‬
‫ال يعين عدم أفضلية الصيام يف هذه العشر‪ .‬وقد كان‬
‫يصوم هذه العشر‪ ،‬بل يؤخر‬ ‫عمر بن اخلطاب‬
‫قضاء رمضان إليها‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل أن عمر بن‬
‫اخلطاب مل جيعل قضاء رمضان يف شوال‪ ،‬وذلك لفضل‬
‫العشر على شوال‪.‬‬
‫كذلك جاء يف املصنف من حديث عبد اهلل بن‬
‫قال‪( :‬إين أريد أن أأخر‬ ‫وهب أنه سأل أبا هريرة‬
‫قضاء رمضان إىل عشر ذي احلجة فأصوم‪ ،‬قال‪ :‬اقض مث‬
‫صم العشر)‪ .‬يعين‪ :‬ال جتعل قضاءك يف هذه العشر‪ ،‬وإمنا‬
‫اقض قبل ذلك‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪36‬‬

‫وهذا فيه مجلة من املعاين منها‪:‬‬


‫‪ -1‬أهنم كانوا يصومون يف هذه العشر‪ ،‬واألمر‬
‫معروف لديهم‪ ،‬بل إهنم يؤخرون القضاء هلذه العشر حىت‬
‫يدركوا القضاء مع صيام هذه العشر‪ ،‬وهذا فيه إشارة إىل‬
‫فضل القضاء وفضل الصيام يف هذه العشر‪.‬‬
‫* ومن آكد الصيام‪:‬‬
‫صيام يوم عرفة‪ ،‬وهو اليوم التاسع من ذي احلجة‪،‬‬
‫وهو أفضل األيام على اإلطالق‪ ،‬وقد جاء يف فضله‬
‫جمموعة من األحاديث عن النيب ‪ ،‬واهلل ‪ ‬يباهي‬
‫مالئكته يف هذا اليوم‪ ،‬الجتماع الناس يف يوم عرفة‬
‫وجميئهم اهلل ‪ ‬شعثا غربا يف مثل هذا املوضع‪ ،‬يسألون‬
‫اهلل ‪ ‬الرمحة واملغفرة؛ فإن هذا يوم عظيم‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪37‬‬
‫جاء ذلك عن رسول اهلل ‪ ،‬كما رو اإلمام مالك‬
‫والبيهقي من حديث طلحة بن عبيد اهلل أنه قال‪﴿ :‬مَا رُئِيَ‬

‫الشَّيْطَانُ أَحْقَرُ وَال أَدْحَرُ وَال أَْْيَُُ مِنْ هَذَا اليَوْم؛ لِمَا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ‬

‫اهلل ‪ ‬تَتَنَزَّلُ وَُْفْرَانِهِ لِعِبَادِهِ﴾‪ ،‬وهذا فيه إشارة لفضل هذا‬


‫اليوم على سائر األيام مبا فضله اهلل ‪ ‬به‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ما جاء عن النيب ‪ ‬من أنه يكفر‬
‫سنتني؛ سنة ماضية وسنة باقية‪ ،‬واملراد بالسنتني هي‪ :‬اثنا‬
‫عشر شهرا ماضيا واثنا عشر شهرا قادما‪ ،‬فعدة األشهر‬
‫عند اهلل ‪ ‬اثنا عشر شهرا‪ ،‬وليس املراد بذلك هي‬
‫السنوات باهلجرية وحنو ذلك؛ ألهنا ال تعرف سنوات‬
‫هجرية يف زمن النيب ‪ ،‬فإن عدة الشهور عند اهلل اثنا‬
‫عشر شهرا يف كتاب اهلل‪ ،‬فالعرب كانت تعرف السنة‬
‫باثين عشر شهرا تدور‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وليس هلا أول‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪38‬‬

‫وهلذا نقول‪ :‬إهنا تكفر بعددها؛ اثنا عشر شهرا بعد‬


‫ذلك واثنا عشر شهرا قبل ذلك‪ ،‬وهلذا يقول أبو بكر بن‬
‫العريب‪( :‬ال يعرف أن حمرم أول السنة ال يف الاهلية وال‬
‫فجعله أول‬ ‫يف اإلسالم‪ ،‬حىت جاء عمر بن اخلطاب‬
‫السنة؛ هلجرة رسول اهلل ‪ ‬فيه)‪.‬‬
‫ويوم عرفة يصام ملن مل يكن حاجا‪ ،‬أما من كان‬
‫حاجا‪ ،‬فهل يصوم يوم عرفة أم ال؟‪.‬‬
‫هذا من مواضع اخلالف‪ ،‬كره ذلك مجاعة من‬
‫العلماء‪ ،‬وجاء يف ذلك حديث أيب هريرة أن النيب ‪ ‬كره‬
‫أن يصام يوم عرفة بعرفة‪ ،‬وهو حديث مضعف‪.‬‬
‫يف البخاري أهنا كانت تصوم‬ ‫وجاء عن عائشة‬
‫عرفة بعرفة‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪39‬‬
‫والسنة أن يصوم اإلنسان يوم عرفة يف غري عرفة‪ ،‬ولو‬
‫رأي قدرة يف ذلك وأراد أن يقتدي مبا جاء عن عائشة‬
‫يف هذا‪ ،‬فإن هذا مما يستحسنه غري واحد من‬
‫العلماء‪ ،‬ولو أفطر أقو له يف ذلك‪ ،‬فإن هذا هو‬
‫األمثل؛ ألن مثل هذا املوضع حيتاج إىل تفرغ اإلنسان‬
‫بالدعاء واالبتهال والتضرع هلل ‪ ،‬وهذا هو آكد من‬
‫غريه‪ ،‬فإن اإلنسان إذا صام وجد يف نفسه ضعفا‪ ،‬خاصة‬
‫وأنه قد ذهب إىل عرفة وهو ممسك من ليلة عرفة من‬
‫طلوع الفجر؛ فإنه سيصل إليها متعبا ورمبا ال يستطيع‬
‫الدعاء وحنو ذلك‪.‬‬
‫نقول‪ :‬األفضل يف ذلك أن اإلنسان إذا كان يستطيع‬
‫أن جيتهد يف الدعاء وذكر اهلل ‪ ‬على حد لو كان‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪40‬‬

‫طاعما سواء بسواء؛ فإنه يصوم ملا جاء يف بعض اآلثار‬


‫يف هذا‪.‬‬
‫وإذا كان يضعف‪ ،‬وهذا هو األغلب‪ .‬نقول‪ :‬إن‬
‫تكفري الذنوب الوارد ملن كان بعرفة؛ تكفري لسائر‬
‫الذنوب كلها؛ ليس لسنتني‪ ،‬وإمنا لعمر اإلنسان كله‪،‬‬
‫فليس لإلنسان أن يضعف نفسه‪ ،‬رغبة بأجر حمدد‪،‬‬
‫ويرتك األجر األعظم‪ ،‬فيضعف عن املقصود‪ ،‬وهذا ينبغي‬
‫لإلنسان أن يكون فقيها يف أمثال هذه األمور‪ ،‬وال يقدم‬
‫أمرا مفضوال على أمر فاضل‪ ،‬وينظر اإلنسان يف حاله‪،‬‬
‫وهلذا نقول‪ :‬اإلنسان يف ذلك هو أدر حباله‪ ،‬والنيب ‪‬‬
‫مل يصم بعرفة‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للتعريف يف يوم عرفة ومجع الناس يف يوم‬
‫عرفة يف املساجد ليذكروا اهلل ‪ ‬يف مثل هذا اليوم مث‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪41‬‬
‫خيطب فيهم أحد املسلمني‪ .‬فنقول‪ :‬هذا وإن ثبت عن‬
‫بعض الصحابة إال أنه مل يثبت عن النيب ‪ ‬أنه حث‬
‫فعلوا ذلك وال‬ ‫عليه وال أيضا أن اخللفاء الراشدين‬
‫حثوا عليه‪ ،‬ومل يكن معروفا مستفيضا عند أصحاب‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬وأمثل ما جاء يف ذلك عن عبد اهلل بن‬
‫عباس‪ ،‬وعمرو بن حريث‪.‬‬
‫وال حرج على اإلنسان أن يلزم املسجد يف يوم عرفة‬
‫بالذكر واالبتهال والتضرع هلل ‪ ،‬فإن هذا مما ال بأس‬
‫به؛ ألنه زمن فاضل وزمن جليل‪ ،‬وهو قد أشرف‬
‫اإلنسان على ختم هذه العشر‪ ،‬فال حرج عليه أن يكثر‬
‫من ذكر اهلل ‪ ‬يف مثل هذا املوضع‪ ،‬مرابطا يف‬
‫املسجد‪ ،‬وكذلك أيضا ال حرج على املرأة يف بيتها أن‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪42‬‬

‫تتخذ هلا موضعا للصالة تبتهل وتتضرع هلل ‪ ،‬فإن هذا‬


‫من األمور اليت تستحسن‪.‬‬
‫* ومن األعمال يف هذه العشر‪:‬‬
‫الذكر؛ ويذكر اهلل ‪ ‬مجميع أنواع الذكر‪ ،‬ويكثر‬
‫اإلنسان من ذلك؛ سواء كان االستغفار والتهليل‬
‫والتحميد والتكبري وغريها‪.‬‬
‫آكد ذلك‪ :‬التكبري؛ ملاذا؟‪ .‬ألنه عمل النيب ‪،‬‬
‫كذلك عمل أصحابه‪.‬‬
‫والتكبري يف أيام العشر على نوعني‪:‬‬
‫‪ -1‬تكبري مطلق‪.‬‬
‫‪ -2‬وتكبري مقيد‪ .‬وهذا حمل إمجاع عندهم وهو الذي‬
‫عليه العمل واستفاض‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتكبير المطلق‪ :‬فإن هذا التكبري يكون‬
‫من دخول العشر‪ ،‬يكرب اإلنسان يف ذلك إىل صالة‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪43‬‬
‫العصر من آخر أيام التشريق؛ وذلك لظاهر قول اهلل جل‬
‫وعال‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‪ .‬هذه‬
‫األيام مبجرد دخوهلا ‪-‬واليوم يطلق على الليل والنهار‪،‬‬
‫فإنه إذا أطلق اليوم واقرتن معه الليل فإنه خيص به النهار‪،‬‬
‫وإذا أطلق من غري عطف الليل عليه فإنه يشمل الليل‬
‫والنهار‪ ،‬خبالف الليلة‪ ،‬إذا قيل‪ :‬ليلة‪ ،‬فإنه ال يدخل فيها‬
‫النهار‪ ،‬وإمنا تكون من غروب الشمس إىل طلوع الفجر‪،‬‬
‫وأما إذا قيل اليوم فإن النهار والليل داخالن فيه‪.-‬‬
‫والتكبري املطلق هو يف كل حلظة ويف كل ساعة‪،‬‬
‫ويتأكد يف حال شهود الناس‪ ،‬يعين‪ :‬يف املساجد ويف‬
‫الطرقات‪ ،‬ويف األسواق‪ ،‬وحنو ذلك يذكر اإلنسان اهلل‬
‫‪ ‬ويكثر‪ ،‬وهذا عمل الصحابة؛ رو أبو بكر املروزي‬
‫وعلقه البخاري من حديث محيد عن أيب هريرة وعبد اهلل‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪44‬‬

‫أهنما كانا ميشيان يف السوق فيكربان‬ ‫بن عمر‬


‫ويكرب الناس بتكبريمها‪.‬‬
‫ويف هذا إشارة إىل أهنا قصدا اخلروج إىل السوق‬
‫للتكبري حىت يكرب الناس بتكبريمها‪ ،‬واملراد بذلك أن الناس‬
‫‪ ،‬فكربوا‬ ‫تذكروا التكبري بتكبري هذين الصحابيني‬
‫معها‪ ،‬وليس املراد بذلك أن يكون ترديدا مجاعيا‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للتكبير المقيد‪ :‬فإنه يكون بعد صالة‬
‫الفجر من يوم عرفة إىل صالة العصر من آخر أيام‬
‫التشريق‪ ،‬وهو اليوم الثالث عشر‪ ،‬إذا صلى العصر يكرب‪،‬‬
‫مث بعد ذلك ينتهي‪.‬‬
‫هل ميسك عن التكبري املطلق؟‪ ،‬مبعىن أنه ال يكرب بعد‬
‫هذه الصالة؟‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪45‬‬
‫نقول‪ :‬ال ميسك عن ذلك إىل غروب الشمس‪ ،‬وإذا‬
‫غربت الشمس وصلى املغرب ال يكرب‪ ،‬وإمنا انتهى‬
‫التكبري املقيد بصالة العصر؛ ألنه ينتهي بآخر أيام‬
‫التشريق‪ .‬وإمنا كان هذا موضع للتكبري؛ لقول النيب عليه‬
‫الصالة والسالم‪﴿ :‬هَذِهِ األَيَّامُ ‪-‬يعين أيام التشريق‪ -‬أَيَّامُ‬

‫التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اهللِ﴾‪.‬‬


‫وهلذا نقول‪ :‬إن ذكر اهلل ‪ ‬على سبيل العموم ‪-‬‬
‫وآكده التكبري‪ -‬هو يف هذه األيام‪.‬‬
‫أما صيغ التكبير‪ :‬فهذا أمر يتفرع عما تقدم‪ ،‬إذا قلنا‬
‫إن النيب ‪ ‬مل يثبت عنه األمر بالتكبري يف هذه األيام‬
‫العشر‪ ،‬فباألوىل مل يثبت عنه صيغة ‪ ‬يف هذه األيام‬
‫العشر‪ ،‬وإمنا الوارد يف ذلك عن مجاعة من الصحابة‪،‬‬
‫جاء هذا عن عبد اهلل بن عباس‪ ،‬وسلمان الفارسي‪،‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪46‬‬

‫وعبد اهلل بن مسعود‪ ،‬وغريهم من أصحاب رسول اهلل‬


‫‪ :‬أهنم كانوا يكربون‪ .‬والتكبري يف ذلك أن يقول‪( :‬اهلل‬
‫أكرب اهلل أكرب ال إله إال اهلل واهلل أكرب)‪ .‬وهذا أشهر أنواع‬
‫التكبري‪.‬‬
‫وإذا كرب جمردا من غري ذكر احلمد هلل وال إله إال اهلل‪،‬‬
‫فال حرج يف ذلك‪ ،‬سواء كان يكرب مرة واحدة‪ ،‬أو مرتني‬
‫أو ثالثا‪ ،‬فكل ذلك ال بأس به‪.‬‬
‫وإذا كب ر مرتني وثالثا‪ ،‬فهذا هو اآلكد‪ ،‬فإنه جاء يف‬
‫بعض الوجوه عن عبد اهلل بن مسعود وسلمان‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫(اهلل أكرب اهلل أكرب اهلل أكرب ال إله إال اهلل واهلل أكرب)‪.‬‬
‫وإن قال مرتني فيقول‪( :‬اهلل أكرب اهلل أكرب)‪ .‬ال جيعلها‬
‫ثالثا‪.‬‬
‫فإنه ي ن وع يف ذلك وال حرج عليه‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪47‬‬
‫وينبغي أن حتيا هذه السنة يف املساجد‪ ،‬وينبغي أيضا‬
‫أن حتيا يف املنازل والبيوت عند األبناء واألزواج واخلدم‪،‬‬
‫وكذلك أيضا يف الطرقات واألسواق‪ ،‬يف حال ذهاب‬
‫اإلنسان‪ ،‬وال حرج على اإلنسان أن يكرب قصدا عند‬
‫الناس ليسمعوه بنية أن يكربوا بتكبريه‪ ،‬كما صنع أبو‬
‫هريرة وابن عمر‪ ،‬وليس هذا من الرياء وإمنا هو من إحياء‬
‫السنة‪ ،‬فهذا إذا هو من السنن اليت ي علم هبا اإلنسان لرياه‬
‫الناس ويقتدوا به‪ ،‬فهو من األمور اليت يشرع فيها الماعة‬
‫من غري مواطأة‪ ،‬ككثري من األحكام اليت يشرع فيها‬
‫الماعة يفعلها اإلنسان عالنية وتتأكد يف حقه ويراه‬
‫الناس يف ذلك‪ ،‬كمسألة شهود املساجد‪ ،‬وكمسألة‬
‫االعتكاف‪ ،‬وال يقول اإلنسان‪ :‬أبتعد عن أنظار الناس‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪48‬‬

‫وأعتكف يف مكان ال يراه‪ ،‬فالنيب ‪ ‬اعتكف يف موضع‬


‫يراه الناس‪.‬‬
‫كذلك صالة الماعة‪ ،‬واللوس حىت اإلشراق‪،‬‬
‫والتسبيح والتهليل يف أدبار الصلوات ورفع الصوت يف‬
‫ذلك‪ ،‬كما جاء يف حديث عبد اهلل بن عباس قال‪( :‬كنا‬
‫ن عرف انقضاء صالة النيب ‪ ‬بالتكبري)؛ يعين أهنم يكب ر‬
‫بعضهم مع بعض وير ويسمع بعضهم بعضا‪ ،‬وهذا من‬
‫أمور إحياء السنن‪ ،‬وغري ذلك من العبادات اليت يشرع‬
‫فيها الهر‪.‬‬
‫وثمة مسألة وهي‪ :‬التكبري املقيد يكون أدبار‬
‫الصلوات‪ ،‬هل يقدم على ذكر الصالة أم ال؟‪ .‬أيهما‬
‫يقدم؟‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪49‬‬
‫معلوم أن اإلنسان إذا سلم ينشغل عادة بذكر‬
‫الصالة؛ االستغفار ثالثا‪ ،‬مث التهليل والتكبري والتحميد‬
‫وقراءة الكرسي‪ ،‬على قول مجاعة من العلماء‪ ،‬كذلك‬
‫أيضا سورة الفلق وسورة الناس وغري ذلك‪.‬‬
‫فهل يقدم التكبري عليها أم ال؟‪.‬‬
‫نقول‪ :‬إنه ال حيفظ يف هذا شيء عن النيب ‪ ،‬وال‬
‫‪،‬‬ ‫شيء منضبط بني واضح صريح عن الصحابة‬
‫وإمنا جاء أهنم يكربون أدبار الصلوات‪ ،‬فلو كرب اإلنسان‬
‫قبل الذكر أو بعده فاألمر يف ذلك مما ال بأس به‪ ،‬ولو‬
‫قدم ذكر الصالة على عجل باعتباره ألصق هبا فإن هذا‬
‫هو األقرب‪ ،‬إال إذا كان اإلنسان يريد أن حييي سنة‪،‬‬
‫فبعض الناس مثال يقوم وال يعرف التكبري‪ ،‬فرييد أن‬
‫يكرب‪ ،‬فال حرج عليه حينئذ‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪50‬‬

‫وذكر اهلل ‪ ‬فيما عدا التكبري ‪-‬من االستغفار ومحد‬


‫اهلل وشكره وغري ذلك‪ -‬هذا أيضا مما يدخل يف ذكر اهلل‬
‫جل وعال‪ ،‬ولكن ما جاء يف عمل الصحابة مما خيصص‬
‫اإلطالق يف قول اهلل ‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ)‪.‬‬
‫فيذكروا اهلل ‪ ‬بالتكبري خاصة‪ ،‬وي ن وعوا أيضا يف غريه‬
‫من األذكار‪.‬‬
‫كذلك أيضا مما ينبغي اإلشارة إليه من األعمال يف‬
‫هذه العشر هو اهلدي؛ أن يرسل اإلنسان هبديه إىل‬
‫مكة‪ ،‬وأن ينحر هديه هناك ولو مل يكن حاجا‪ ،‬والنحر‬
‫يف هذه العشر يكون يف يوم النحر وهو آخر أيام‬
‫التشريق‪ ،‬ينحر اإلنسان كما جاء عن النيب ‪ ،‬وعلى‬
‫الصفة اليت أرادها ‪ ،‬والكالم يف ذلك مما يطول يف‬
‫صفة النحر‪ ،‬وإنا نتكلم على فضل النحر‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪51‬‬

‫جاء عنه ‪ ‬أن أفضل احلج‪﴿ :‬العَجُّ والثَّجُّ﴾‪ ،‬واملراد‬


‫بالعج هو‪ :‬ذكر اهلل ‪ ،‬يقول‪ :‬فالن يعج بصوته‪ ،‬وأما‬
‫بالنسبة للثج فهو‪ :‬النحر‪ ،‬أي يثج ثجا‪ ،‬يعين الدم يثج‪،‬‬
‫أي‪ :‬يسيل يف األرض‪ ،‬وهذا هو أفضل أنواع احلج‪ ،‬وهي‬
‫جمتمعة يف يوم النحر‪ .‬قد ال يذهب اإلنسان إىل احلج‬
‫فينبغي له أن يبعث هبديه‪ ،‬إما أن يساق مع احلاج‪ ،‬وإما‬
‫أن يبعث أحدا يف مكة ويعطيه ماال فيقول له‪ :‬احنر يل‬
‫يف يوم النحر كبشا أو بدنة أو بقرة وحنو ذلك‪ ،‬فهذا هو‬
‫من هدي النيب ‪ ‬كما جاء يف البخاري‪ ،‬من حديث‬
‫أن النيب ‪ ‬كان يبعث هبديه إىل‬ ‫عروة‪ ،‬عن عائشة‬
‫مكة وال ميسك عما ميسك عنه احملرم‪ .‬وجاء يف رواية‪:‬‬
‫(ال ميسك عما ميسك عنه احلاج)؛ هلذا من هذه‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪52‬‬

‫األعمال‪ :‬النحر‪ ،‬وهلذا يتأكد لإلنسان أن يبعث‬


‫باهلدي‪.‬‬
‫ومن أراد أن يضحي‪ ،‬فهل يقال‪ :‬يستحب له أن‬
‫يبعث هبديه هناك؟‪.‬‬
‫نقول‪ :‬إذا أراد أن يضحي ببدنه ويبعث هبديه هناك‬
‫فإن األمر حسن‪ ،‬ولو بعث اإلنسان هبديه هناك ومل‬
‫يضح أيضا فإن هذا أيضا ال بأس به‪ ،‬يعين‪ :‬جيعل‬
‫أضحيته هناك مع احلاج فإن هذا ال حرج فيه‪.‬‬
‫أن النيب ‪ ‬يف ظاهر‬ ‫ويظهر يف كالم عائشة‬
‫السياق أنه بعث واكتفى ‪.‬‬
‫وأما احلاج إذا أراد أن يذهب وأراد أن يضحي هناك‪،‬‬
‫هل يوصي أحدا خلفه أن ينحر أضحيته؟‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪53‬‬
‫نقول‪ :‬ال يوصي أحدا ألنه معه هديه‪ ،‬خبالف لو ترك‬
‫زوجه وأوالده خلفه وحنو ذلك‪ ،‬فهؤالء يضحون‬
‫ألنفسهم‪ ،‬فيدع هلم ما يضحون به إن استطاع‪.‬‬
‫وأما بالنسبة للحاج مجميع أنساكه‪ :‬املفرد والقارن‬
‫واملتمتع‪ .‬القارن واملتمتع جيب عليه اهلدي‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للمفرد فإنه يستحب له أن يهدي‪ ،‬بل إن املعتمر الذي‬
‫يعتمر من غري هدي يستحب له أن يهدي يف أي زمن‬
‫من األزمنة‪ .‬النيب ‪ ‬ملا ذهب يف زمن احلديبية للعمرة‬
‫‪ ،‬وأراد العمرة باالتفاق‪ ،‬وساق معه اهلدي‪ ،‬وهذا من‬
‫السنن املهجورة اليت يدعها كثري من الناس (اهلدي‬
‫للمعتمر)‪ ،‬بل من الناس من يذهب يعتمر عمرا كثرية‬
‫جدا؛ رمبا سنوات متتابعة‪ ،‬وال حيفظ من عمله أنه‬
‫أهد ‪ ،‬وهذا من السنن اليت كان النيب ‪ ‬يفعلها‪.‬‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪54‬‬
‫* ومن السنن يف هذه العشر‪:‬‬
‫االعتمار‪ .‬أي‪ :‬يعتمر اإلنسان يف هذه العشر‪،‬‬
‫واالعتمار يف عشر ذي احلجة‪ ،‬ويف شهر ذو القعدة‬
‫أيضا أفضل من االعتمار يف غريها‪ ،‬ويظهر يل ‪-‬واهلل‬
‫أعلم‪ -‬أنه أيضا أفضل من االعتمار يف رمضان‪،‬‬
‫واالعتمار يف العشر األوىل من ذي احلجة أفضل من‬
‫االعتمار بعد ذلك‪ ،‬رو ابن جرير الطربي يف كتابه‬
‫التفسري‪ ،‬من حديث أيب يعقوب‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمر‬
‫أنه قال‪( :‬ألن أعتمر يف العشر أحب إيل من أن أعتمر‬
‫يف العشرين)‪ .‬يعين يف العشر األوىل أحب إليه من‬
‫االعتمار فيما بعد ذلك؛ ألن العشر أفضل من غريها‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لالعتمار يف ذو القعدة وذو احلجة‪،‬‬
‫نقول‪ :‬إذا كان اإلنسان أراد اعتمارا فقط‪ ،‬فإن االعتمار‬
‫يف ذو القعدة أفضل؛ وذلك أن النيب ‪ ‬عمره كلها‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪55‬‬
‫كانت يف أشهر احلج؛ ثالث منها يف ذو القعدة‪ ،‬وعمرة‬
‫اليت كانت مع حجه ‪ ،‬ومل يعتمر النيب ‪ ‬يف رمضان‪،‬‬
‫وهذا التواطؤ والتتابع عنه ‪ ‬يف قصد شهر ذي القعدة‬
‫دليل على فضله‪ ،‬وأما ما جاء عن النيب ‪ ‬يف الصحيح‪:‬‬
‫﴿عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً﴾‪ ،‬أو ﴿حَجَّةً مَعِي﴾‪ ،‬هذا يف‬
‫كالم النيب ‪ ‬هو يف تفضيل للعمرة يف رمضان يف ذاهتا‪،‬‬
‫وذلك فضل هلا خاص؛ ال تفضيال هلا على غريها‪ ،‬فإذا‬
‫جاء فضل لعبادة من العبادات يف ذاهتا هو فضل هلا‬
‫خبصوصها‪ ،‬ليس تفضيال هلا على غريها‪ ،‬والنيب ‪ ‬إذا‬
‫قال قوال وفعل فعال‪ ،‬نقول‪ :‬إذا كان الفعل قد تواطأ عليه‬
‫‪ ‬وتكرر منه فإنه آكد من قول حث عليه ومل يعمل‬
‫به‪ ،‬وإذا قال قوال وعمل به فإن هذا آكد من عمل عمله‬
‫‪‬؛ ألن ذلك مجع بني القول والعمل؛ هلذا نقول‪ :‬إن‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪56‬‬

‫األفضل يف ذلك لإلنسان أن يعتمر يف ذو القعدة‪ ،‬وإن‬


‫اعتمر يف رمضان فهو أمر حسن أيضا‪ ،‬ويف كل فضل‬
‫وخري؛ اعتمر يف رمضان ويف غريه من أيام السنة‪ ،‬فالعمرة‬
‫ليس هلا حد يف مجيع أيام السنة‪ ،‬وإمنا اخلالف عند‬
‫العلماء يف أيام احلج يف يوم عرفة وأيام التشريق‪ ،‬هل‬
‫اإلنسان يعتمر فيها؟‪.‬‬
‫جاء يف ذلك الكراهة عن أيب حنيفة وحنو ذلك؛ ألن‬
‫أيام احلج ينبغي لإلنسان أن يتفرغ يف ذلك ألعمال‬
‫احلج‪.‬‬
‫* ومن األمور الفاضلة‪:‬‬
‫أنه ينبغي لإلنسان أن يعلم أن ما جاء فيه الفضل‬
‫خبصوصه يف غري هذه األيام العشر فإنه آكد يف ذلك‪،‬‬
‫فإذا كان اإلنسان بارا بأبيه وأمه فينبغي أن يكثر يف هذه‬
‫العشر‪ ،‬وإذا كان من أهل الصدقة فينبغي أن يكثر‪ ،‬وإذا‬
‫فضائل عرش ذي احلجة‬
‫‪57‬‬
‫كان من أهل الذكر فينبغي أن يكثر‪ ،‬وإذا كان خيتم مثال‬
‫يف ثالث أو يف عشر ينبغي أن يزيد يف ختم القرآن؛ ألن‬
‫هذه األعمال وهذه األيام هي آكد من غريها من جهة‬
‫العمل‪.‬‬
‫نكتفي هبذا القدر‪ ،‬وأسأل اهلل ‪ ‬يل ولكم التوفيق‬
‫والسداد واإلعانة وأن جيعلنا ممن ينتفع مبا يقول ويسمع‪.‬‬

You might also like