Professional Documents
Culture Documents
Bidayah Mujtahid Kelas 6 Buku
Bidayah Mujtahid Kelas 6 Buku
الص الة تنقس م أوال وباجلمل ة إىل ف رض ،ون دب .والق ول احملي ط بأص ول ه ذه العب ادة
ينحصر
باجلملة يف أربعة أجناس ،أعين :أربع مجل:
اجلملة األوىل :يف معرفة الوجوب وما يتعلق به.
واجلمل ة الثاني ة :يف معرف ة ش روطها الثالث ،أع ين :ش روط الوج وب وش روط الص حة
وشروط التام والكال.
واجلملة الثالثة :يف معرفة ما تشتمل عليه من أفعال وأقوال ،وهي األركان.
واجلملة الرابعة :يف قضائها ومعرفة إصالح ما يقع فيها من اخللل وجربه ،ألنه قضاء ما
إذا
كان استدراكا ملا فات.
الجملة األولى :في معرفة وجوب الصالة
وه ذه اجلملة فيها أربع مس ائل هي يف معىن أصول هذا الباب :املس ألة األوىل :يف بيان
وجوهبا .الثاني ة :يف بي ان ع دد الواجب ات منه ا .الثالث ة :يف بي ان على من جتب .الرابع ة :م ا
متعمدا؟
ً الواجب عل من تركها
المسألة األولى :بيان وجوب الصالة
أما وجو هبا َفَبنِّي ٌ من الكتاب والسنة واإلمجاع ،وشهرة ذلك تغين عن تكلف القول فيه.
المسألة الثانية :عدد الواجبات من الصالة وأما عدد الواجب منها ففيه قوالن :أحدمها:
ق ول مال ك والش افعي ،واألك ثر ،وه و أن ال واجب هي اخلمس ص لوات فق ط ال غ ري .والث اين:
ق ول أي حنيف ة وأص حابه ،وه و أن ال وتر واجب م ع اخلمس .واختالفهم ه ل يس مى م ا ثبت
بالسنة واجبا أو فرضا ال معىن له؟
1
وسبب اختالفهم األحاديث املتعارضة .أما األحاديث اليت مفهومها وجوب اخلمس فقط
بل هي نص يف ذلك فمشهورة وثابتة ،ومن أبينها يف ذلك ما ورد يف حديث اإلسراء املشهور:
ِ ال لَ هُ موس ىْ :إر ِج ْع ِإ
ال:ك ،قَ َ ك اَل تُ ِطْي ُق ذَل َ
ك ،فَ ِإ َّن َُّأمتَ َ
ىل َربِّ َ
َ س قَ َ ُ ْ َ ض ِإىَل مَخْ ٍ
(َأنَّهُ لَ َّما َبلَ َغ الْ َف ْر ُ
ي) ،وح ديث األع راي س َو ِه َي مَخْ ُس ْو َن اَل يُبَ د ُ
َّل اْل َق ْو ُل لَ َد َّ مَخْ
َ ٌ ي ال َتع اىَل ِ :
(ه َ َ ق
َ ف
َ ، ه
ُ ت
ُ عْ
َفر ِ
اج َ
ات فِـي اْ َلي ْوِم
املشهور الذي سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم عن اإلسالم فقال له( :مَخْس ص لَو ٍ
ُ ََ
ِ
ع) ،وأما األحاديث اليت مفهومها وجوب علي غريها؟ قال( :اَل ،إاَّل َأ ْن تَطََّو ََواللَّْيلَة) ،قال :هل َّ
ال وتر ،فمنه ا ح ديث عم رو بن ش عيب عن أبي ه عن ج ده أن رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم
ص اَل ًة َو ِه َي الْ ِو ْت ُر فَ َح افِظُْوا َعلَْي َه ا) .وح ديث حارث ة بن حذاف ة ق ال: (إن اهلل قَ ْد َزا َد ُك ْم َ ق الَّ :
صاَل ٍة ِه َي َخْيٌر لَ ُك ْم ِم ْن مُحْ ِر
خرج علينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقالِ( :إ َّن اهلل ََأمَر ُك ْم بِ َ
ص اَل ِة الْعِ َش ِاء ِإىَل طُلُ ْو ِع الْ َف ْج ِر) ،وح ديث بَُريْ َد َة ِ الن ِ
َّع ِم َوه َي الْ ِو ْتَرَ ،و َج َعلَ َه ا لَ ُك ْم فْي َم ا َبنْي َ َ
َ
س ِمنَّا). َ ي
ْ ل
َ ف
َ ر
ْ
األسلمي :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال( :اْل ِو ْتر ح ٌّق ،فَمن مَل يوتِ
ُ َ َ ْ ْ ُْ
المسألة الثالثة :على من جتب الصالة
وأما على من جتب فعل املسلم البالغ ،وال خالف يف ذلك.
المسألة الرابعة :حكم تارك الصالة
عمدا وأمر هبا فأىب أن يصليها ال جحودا لفرضها ،فإن
وأما ما الواجب على من تركها ً
كفرا،
قوما قالوا :يقتل ،وقوما قالوا :يعزر وحيبس ،والذين قالوا يقتل :منهم من أوجب قتله ً
وه و م ذهب أمحد وإس حاق وابن املب ارك ،ومنهم من أوجب ه ح دًّا وه و مال ك والش افعي وأب و
حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حىت يصلي.
والسبب يف هذا االختالف اختالف اآلثار ،وذلك أنه ثبت عنه عليه الصالة والسالم أنه
انَ ،أو ِزنَا بع َد ِإحص ٍٍ ٍ ٍئ ِ ِ
انَْ ،أو َقْت ِل قال( :اَل حَي ُّل َد ُم ْام ِر ُم ْس ل ٍم ِإاَّل بِِإ ْح َدى ثَاَل ثُ :ك ْف َر َب ْع َد ِإمْيَ ْ َ ْ ْ َ
س) ،وروي عن ه علي ه الص الة والس الم من ح ديث بري دة أن ه ق ال( :اْ َلع ْه ُد الَّ ِذي س بِغَرْيِ َن ْف ٍ
َن ْف ٍ
2
الصالَةُ ،فَ َم ْن َتَر َك َها َف َق ْد َك َفَر) ،وحديث جابر عن النيب عليه الصالة والسالم أنه َبْيَننَا َو َبْيَن ُه ْم َّ
الصالَِة).
ال :الش ِّْر ُكِ -إاَّل َت ْر ُك َّ ِ
س َبنْي َ الْ َعْبد َو َبنْي َ الْ ُك ْف ِر ْ
َ-أو قَ َ قال :لَْي َ
3
الجملة الثانية :في الشروط
وهذه اجلملة فيها مثانية أبواب :الباب األول :يف معرفة األوقات .الثاين :يف معرفة األذان
واإلقام ة .الث الث :يف معرف ة القبل ة .الراب ع :يف س رت الع ورة واللب اس يف الص الة .اخلامس :يف
اشرتاط الطهارة من النجس يف الصالة .السادس :يف تعيني املواضع اليت يصل فيها من املواضع
ال يت ال يص ل فيه ا .الس ابع :يف معرف ة الش روط ال يت هي ش روط يف ص حة الص الة .الث امن :يف
معرفة النية وكيفية اشرتاطها يف الصالة.
10
المسألة الخامسة :وقت الصبح
واتفقوا على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وآخره طلوع الشمس ،إال ما
روي عن ابن القاس م وعن بعض أص حاب الش افعي من أن آخ ر وقته ا اإلس فار .واختلف وا يف
وقتها املختار .فذهب الكوفيون وأبو حيفة وأصحابه والثوري وأكثر العراقيني إىل أن اإلسفار
هبا أفضل ،وذهب مالك والشافعي وأصحابه وأمحد بن حنبل وأبو ثور وداود إىل أن التغليس هبا
أفضل.
وسبب اختالفهم :اختالفهم يف طريقة مجع األحاديث املختلفة الظواهر يف ذلك ،وذلك:
َأس َف ْرمُتْ َف ُه َو َْأعظَ ُم (َأس ِف ُروا باِ ُّ
لص ْب ِح ،فَ ُكلَّ َم ا ْ أن ه ورد عن ه من طري ق راف ع بن خ ديج أن ه ق الْ :
َأِلج ِر) .وروي عنه عليه الصالة والسالم أنه قال وقد سئل أي األعمال أفضل؟ قال« :الصَّاَل ةُ ْ
ص ِر ُ ص لِّي ُّ َّ ِ ِ هِت
ِّس اءُ
ف الن َ الص ْب َح َفَتْن َ َأِلول مْي َقا َ ا) ،وثبت عن ه علي ه الص الة والس المَ( :أنَّهُ َك ا َن يُ َ
س) ،وظاهر احلديث :أنه كان عمله يف األغلب مَتلَفِّع ٍ
ات مِب ُُر ْو ِط ِه َّن َما يُ ْعَرفْ َن ِم َن اْلغَلَ ِ ُ َ
القسم الثاني :من الفصل األول من الباب األول :أوقات الضرورة والعذر
فأما أوقات الضرورة والعذر فأثبتها كا قلنا فقهاء األمصار ،ونفاها أهل الظاهر ،وقد
تق دم س بب اختالفهم يف ذل ك .واختل ف ه ؤالء ال ذين أثبتوه ا يف ثالث ة مواض ع :أح دها :ألي
الص لوات توجد هذه األوق ات وأليه ا ال؟ .والث اين :يف ح دود ه ذه األوق ات .والث الث :يف من
هم أه ل الع ذر ال ذين رخص هلم يف ه ذه األوق ات ويف أحك امهم يف ذل ك ،أع ين :من وج وب
الصالة ومن سقوطها.
المسألة األولى :الصلوات اليت هلا أوقات ضرورة وعذر
اتف ق مالك والش افعي على أن هذا الوقت هو ألربع ص لوات :للظهر والعصر مشرت ًكا
بينهما ،واملغرب والعشاء كذلك ،وإمنا اختلفوا يف جهة اشرتاكها عل ما سيأيت بعد ،وخالفهم
أبو حنيفة فقال :إن هذا الوقت إمنا هو للعصر فقط ،وأنه ليس هاهنا وقت مشرتك.
11
وسبب اختالفهم يف ذلك هو :اختالفهم يف جواز اجلمع بني الصالتني يف السفر يف وقت
إحدامها على ما سيأيت بعد ،فمن متسك بالنص الوارد يف صالة العصر؛ أعين :الثابت من قوله
ص َر). الش ْم ِ ص ِر َقْب ل ُمغِْي ِ عليه الصالة والسالم(:من َأدر َك ر ْكعةً ِمن صاَل ِ
س َف َق ْد َْأد َر َك الْ َع ْ ب َّ َ ْ ع
َ ل
ْ ا ة َ ْ َْ َ َ ْ َ
ت
وفهم من ه ذا الرخص ة ،ومل جيز االش رتاك يف اجلم ع لقول ه علي ه الص الة والس الم( :اَل َي ُف ْو ُ
ُألخ َرى) .وملا سنذكره بعد يف باب اجلمع من حجج الفريقني، وقْت ٍ
ت اْ ْص اَل ة َحىَّت يَ ْد ُخ ُل َوقْ ُ
َ ُ َ
قال :إنه ال يكون هذا الوقت إال لصالة العصر فقط ،ومن أجاز االشرتاك يف اجلمع يف السفر؛
أيض ا ص احب ض رورة وع ذر ،فجع ل ه ذا ال وقت
ق اس علي ه أه ل الض رورات؛ ألن املس افر ً
مشرت ًكا للظهر والعصر واملغرب والعشاء.
المسألة الثانية :حدود أوقات الضرورة والعذر
اختلف مالك والشافعي يف آخر الوقت املشرتك هلما ،فقال مالك :هو للظهر والعصر من
بعد الزوال ،مبقدار أربع ركعات للظهر للحاضر وركعتني للمسافر إىل أن يبقى للنهار مقدار
أربع ركعات للحاضر ،أو ركعتني للمسافر ،فجعل الوقت اخلاص للظهر إمنا هو مقدار أربع
ركع ات للحاض ر بعد ال زوال ،وإم ا ركعت ان للمس افر ،وجع ل ال وقت اخلاص بالعص ر إم ا أربع
ركعات قبل املغيب للحاضر وإما إثنتان للمسافر؛ أعين :أنه من أدرك الوقت اخلاص فقط؛ مل
تلزمه إال الصالة اخلاصة بذلك الوقت إن كان ممن مل تلزمه الصالة قبل ذلك الوقت ،ومن أدرك
مع ا أو حكم ذل ك ال وقت وجع ل آخ ر ال وقت اخلاص لص الة
أك ثر من ذل ك أدرك الص التني ً
العص ر مق دار ركع ة قب ل الغ روب .وك ذلك فع ل يف اش رتاك املغ رب والعش اء ،إال أن ال وقت
اخلاص م رة جعل ه للمغ رب فق ال :ه و مقدار ثالث ركع ات قب ل أن يطلع الفج ر ،وم رة جعل ه
للصالة األخرية كما فعل يف العصر فقال :هو مقدار أربع ركعات وهو القياس ،وجعل آخر
هذا الوقت مقدار ركعة قبل طلوع الفجر.
واحدا ،وهو إدراك ركعة
حدا ًوأما الشافعي فجعل حدود أواخر هذه األوقات املشرتكة ً
أيض ا قبل انصداع الفجر وذلك
معا ،ومقدار ركعة ً
قبل غروب الشمس ،وذلك للظهر والعصر ً
12
مع ا ،وق د قي ل عن ه :مبق دار تكب رية؛ أع ين :أن ه من أدرك تكب رية قب ل غ روب
للمغ رب والعش اء ً
مع ا .وأما أبو حنيفة فوافق مال ًك ا يف أن آخر وقت
الش مس؛ فقد لزمته ص الة الظهر والعصر ً
العصر مقدار ركعة ألهل الضرورات عنده قبل الغروب ،ومل يوافق يف االشرتاك واالختصاص.
مع ا
وس بب اختالفهم -أع ين :مال ًك ا والش افعي :ه ل الق ول باش رتاك ال وقت للص التني ً
يقتض ي أن هلم ا وق تني :وقت خ اص مبا ووقت مش رتك؟ أم إمنا يقتض ي أن هلم ا وقتً ا مش رت ًكا
فقط؟ وحجة الشافعي :أن اجلمع إمنا دل على االشرتاك فقط ال على وقت خاص ،وأما مالك
فقاس االشرتاك عنده يف وقت الضرورة على االشرتاك عنده يف وقت التوسعة؛ أعىن :أنه ملا كان
لوقت الظهر والعصر املوسع وقتان ،وقت مشرتك ووقت خاص ،وجب أن يكون األمر كذلك
يف أوقات الضرورة ،والشافعي ال يوافقه على اشرتاك الظهر والعصر يف وقت التوسعة ،فخالفها
يف هذه املسألة إمنا ينبين .واهلل أعلم عل اختالفهم يف تلك األوىل فتأمله ،فإنه بني واهلل أعلم.
المسألة الثالثة :أهل العذر
وأما هذه األوقات ،أعين :أوقات الضرورة ،فاتفقوا عل أهنا ألربع( :للحائض) تطهر يف
ص ِّل( .وللمس افر) ي ذكر الص الة يف ه ذه
ه ذه األوق ات أو حتيض يف ه ذه األوق ات وهي مل تُ َ
األوق ات وه و حاض ر ،أو احلاض ر ي ذكرها فيه ا وه و مس افر( .والص يب) يبل غ فيه ا( ،والك افر)
يسلم.
واختلف وا يف املغمى علي ه فق ال مال ك والش افعي :ه و كاحلائض من أه ل ه ذه األوق ات؛
ألنه ال يقضي عندهم الصالة اليت ذهب وقتها .وعند أيب حنيفة أنه يقضي الصالة فيما دون
اخلمس ،ف إذا أف اق عن ده من إغمائ ه م ىت م ا أف اق قض ى الص الة .وعن د اآلخ ر أن ه إذا أف اق يف
أوقات الضرورة؛ لزمته الصالة اليت أفاق يف وقتها ،وإذا مل يفق فيها مل تلزمه الصالة ،وستأيت
مسألة املغمى عليه فيا بعد.
واتفقوا على أن املرأة إذا طهرت يف هذه األوقات إمنا جتب عليها الصالة اليت طهرت يف
وقتها ،فإن طهرت عند مالك وقد بقي من النهار أربع ركعات لغروب الشمس؛ فالعصر فقط
13
مع ا .وعن د الش افعي إن بقي ركع ة للغ روب؛
الزم ة هلا ،وإن بقي مخس ركع ات؛ فالص التان ً
مع ا ك ا قلن ا ،أو تكب رية على الق ول الث اين ل ه .وك ذلك األم ر عن د مال ك يف املس افر
فالص التان ً
الناس ي حيض ر يف ه ذه األوق ات ،أو احلاض ر يس افر ،وك ذلك الك افر يس لم يف ه ذه األوق ات؛
أعين :أنه تلزمهم الصالة ،وكذلك الصيب يبلغ.
الفصل الثاني من الباب األول :في األوقات المنهي عن الصالة فيها
وه ذه األوق ات اختل ف العلم اء منه ا يف موض عني :أح دمها :يف ع ددها .والث ان :يف
الصلوات اليت يتعلق النهي عن فعلها فيها.
المسألة األول :عدد األوقات املنهي عن الصالة فيها
اتف ق العلم اء على أن ثالث ة من األوق ات منهي عن الص الة فيه ا وهي :وقت طل وع
الشمس ،ووقت غروهبا ،ومن لدن تصلى صالة الصبح حىت تطلع الشمس .واختلفوا يف وقتني:
يف وقت الزوال ويف الصالة بعد العصر :فذهب مالك وأصحابه إىل أن األوقات املنهي عنها هي
أربع ة :الطل وع ،والغ روب ،وبع د الص بح ،وبع د العص ر ،وأج از الص الة عن د ال زوال .وذهب
الشافعي إىل أن هذه األوقات مخسة كلها منهي عنها إال وقت الزوال يوم اجلمعة فإنه أجاز فيه
الصالة ،واستثىن قوم من ذلك الصالة بعد العصر.
وس بب اخلالف يف ذلك أحد شيئني :إما معارضة أثر ألث ر ،وإما معارضة األثر للعمل
عن د من راعى العم ل -أع ين :عم ل أه ل املدين ة -وه و مال ك بن أنس ،فحيث ورد النهي ومل
يكن هناك معارض ال من قول وال من عمل اتفقوا عليه ،وحيث ورد املعارض اختلفوا.
أم ا اختالفهم يف وقت ال زوال فلمعارض ة العم ل في ه لألث ر ،وذل ك :أن ه ثبت من ح ديث
ص لِّي فِْي َه اَ ،وَأ ْن َن ْقُب ُر ثس ٍ
اعات َك ا َن َر ُس ْو ُل اهلل َيْن َهانَا َأ ْن نُ َ عقبة بن عامر اجلُ َهيِن ّ أنه قال( :ثَاَل ُ َ َ
ِ ِ ِئ ِ ِ فِيه ا موتَانَاِ :
س بَا ِز َغ ةً َحىَّت َت ْرتَف َعَ ،وحنْي َ َي ُق ْو ُم قَا ُم الظَّ ِهْي َر ِة َحىَّت مَت ْي َلَ ،وحنْي َ
ُ م
ْ الش
َّ ع
ُ ل
ُ ط
ْ ت
َ َ نْي ح ْ َ َْ
خرجه مسلم ،وحديث أي عبداهلل الصناحبي يف معناه ،ولكنه منقطع، ب) َّ ضيَّ ُق الشَّمس لِْلغُرو ِ تَ َ
ْ ُ ُْ
خرج ه مال ك يف موطئ ه .فمن الن اس من ذهب إىل من ع الص الة يف ه ذه األوق ات الثالث ة كله ا.
14
ومن الناس من استثىن من ذلك وقت الزوال ،إما بإطالق وهو مالك ،وإما يف يوم اجلمعة فقط
وهو الشافعي.
أم ا مال ك فألن العم ل عن ده باملدين ة ملا وج ده على الوق تني فق ط ومل جيده على ال وقت
الثالث -أعين :الزوال -أباح الصالة فيه ،وأعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل .وأما من مل
أثريا فبقي على أص له يف املن ع ،وق د تكلمن ا يف العم ل وقوت ه يف كتابن ا يف الكالم
ي ر للعم ل ت ً
الفقهي ،وهو الذي يدعى بأصول الفقه .وأما الشافعي فال صح عنده ما روى ابن شهاب عن
ثعلبة بن أيب مالك القرظي أهنم كانوا يف زمن عمر بن اخلطاب يصلون يوم اجلمعة حىت خيرج
عم ر ،ومعل وم أن خ روج عم ر ك ان بع د ال زوال على م ا ص ح ذل ك من ح ديث الطَّْن ِف َس ِة ال يت
ك انت تط رح إىل ج دار املس جد الغ ري ،ف إذا غش ي الطنفس ة كله ا ظ ل اجلدار خ رج عم ر بن
الص الَِة (َأن رس و َل ِ
اهلل صلى اهلل عليه وسلم َن َهى َع ِن َّ أيض ا عن أيب هريرةْ ُ َ َّ : اخلطاب مع ما رواه ً
س ِإاَّل َي ْو ُم اجْلُ ُم َع ِة) ،استثىن من ذلك النهي يوم اجلمعة ،وقوى
ُ م
ْ الش
َّ ل
ُ و
ْ ز
ُ ت
َ ىت
َّ ح
َ َّه ا ِ
ر َ الن ف
ُ ص
ْ
نِ
ه ذا األث ر عن ده العم ل يف أي ام عم ر ب ذلك وإن ك ان األث ر عن ده ض عي ًفا .وأم ا من رجح األث ر
الثابت يف ذلك فبقي على أصله يف النهي.
وأما اختالفهم يف الصالة بعد صالة العصر فسببه :تعارض اآلثار الثابتة يف ذلك ،وذلك
أن يف ذلك
حديثني متعارضني:
(َأن رس و َل ِ
اهلل صلى اهلل عليه وسلم َن َهى أحدها :حديث أيب هريرة املتفق على صحتهْ ُ َ َّ :
س). َّم ُ سَ ،و َع ِن الصَّاَل ِة َب ْع َد ُّ
الصْب ِح َحىَّت تَطْلُ ُع الش ْ َّم ُ
ب الش ْ ص ِر َحىَّت َت ْغ ُر ُ
ع ِن َّ ِ
الصالَة َب ْع َد الْ َع ْ َ
صاَل َتنْي ِ فِـي َبْييِت قَ ُّ
ط ِس ًّرا َواَل َعاَل نِيَ ٍة: ِ
(ما َتَر َك َر ُس ْو ُل اهلل َ
والثاي :حديث عائشة قالتَ :
ص ِر). َر ْك َعَتنْي ِ َقْب َل الْ َف ْج ِرَ ،و َر ْك َعَتنْي ِ َب ْع َد الْ َع ْ
ناسخا؛ ألنه
فمن رجح حديث أيب هريرة؛ قال باملنع ،ومن رجح حديث عائشة أو رآه ً
العمل الذي مات عليه الصالة وسلم قال باجلواز .وحديث أم سلمة يعارض حديث عائشة،
15
ِإ
َأت رسول اهلل يصلي ركعتني بعد العصر ،فسألته عن ذلك فقال ( :نَّهُ َأتَ ايِن نَ ٌ
اس وفيهَ :أنَّ َه ا َر ْ
الر ْكعَت ِ اللََّت ِ بع َد الظُّه ِر ومِم َّا هاتَ ِ ِم ْن َعْب ِدالْ َقْي ِ
ان). ْ َ َ س فَ َشغَلُ ْوىِن َع ِن َّ َ نْي نْي َ ْ
المسألة الثانية :يف الصلوات اليت يتعلق النهي عن فعلها فيها
اختلف العلماء يف الصالة اليت ال جتوز يف هذه األوقات :فذهب أبو حنيفة وأصحابه إىل
أهنا ال جيوز يف ه ذه األوق ات ص الة ب إطالق ،ال فريض ة مقض ية وال س نة وال نافل ة ،إال عص ر
يوم ه ،ق الوا :فإن ه جيوز أن يقض يه عن د غ روب الش مس إذا نس يه .واتف ق مال ك والش افعي أن ه
يقضي الصلوات املفروضة يف هذه األوقات .وذهب الشافعى إىل أن الصلوات اليت ال جتوز يف
هذه األوقات هي النوافل فقط اليت تفعل لغري سبب ،وأن السنن مثل صالة اجلنازة جتوز يف هذه
األوق ات ،ووافق ه مال ك يف ذل ك بع د العص ر وبع د الص بح -أع ين :يف الس نن ،وخالف ه يف ال يت
تفعل لسبب مثل ركعيت املسجد ،فإن الشافعي جييز هاتني الركعتني بعد العصر وبعد الصبح،
وال جييز ذلك مالك .واختلف قول مالك يف جواز السنن عند الطلوع والغروب .وقال الثوري
يف الص لوات ال يت ال جتوز يف ه ذه األوق ات :هي م ا ع دا الف رض ،ومل يف رق س نة من نف ل،
فيتحصل يف ذلك ثالثة أقوال :قول :هي الصلوات بإطالق .وقول :إهنا ما عدا الفروض سواء
ك انت س نةً أو نفاًل .وق ول :إهنا النف ل دون الس نن .وعلى الرواي ة ال يت من ع مال ك فيه ا ص الة
معا عند
اجلنائز عند الغروب قول رابع :وهو أهنا النفل فقط بعد الصبح والعصر ،والنفل والسنن ً
الطلوع والغروب.
وس بب اخلالف يف ذل ك اختالفهم يف اجلم ع بني العموم ات املتعارض ة يف ذل ك أع ين:
َأي ،وذل ك :أن عم وم قول ه علي ه الص الة وس لمِ( :إ َذا نَ ِس َي
ص بِ ٍَّأي خَيُ ُّ
ال واردة يف الس نةَ ،-و ٌّ
ص لِّ َها ِإ َذا ذَ َكَر َه ا) " يقتض ي اس تغراق جبمي ع األوق ات ،وقول ه يف أح اديث
الص اَل َة َف ْليُ َ
َأح ُد ُك ُم َّ
َ
أيضا عموم النهي يف هذه األوقاتَ :نهي رسو ُل صلى اهلل عليه وسلم ع ِن َّ ِ ِ
الصالَة فْي َها) .يقتضي ً َ َ َ ُْ
أجناس الصلوات املفروضات والسنن والنوافل ،فمىت محلنا احلديثني على العموم يف ذلك؛ وقع
16
بينها تعارض هو من جنس التعارض الذي يقع بني العام واخلاص ،إما يف الزمان ،وإما يف اسم
الصالة.
الجملة الثالثة من كتاب الصالة :في معرفة ما تشتمل عليه من أقوال وأفعال
وهي معرفة ما تشتمل عليه من األقوال واألفعال ،وهي األركان والصلوات املفروضة،
ختتلف يف هذين بالزيادة والنقصان ،إما من قبل االنفراد واجلاعة ،وإما من قبل الزمان ،مثل:
خمالفة ظهر اجلمعة لظهر سائر األيام ،وإما من قبل احلضر والسفر ،وإما من قبل األمن واخلوف،
وإم ا من قب ل الص حة واملرض ،ف إذا أري د أن يك ون الق ول يف ه ذه ص ناعيًّا وجاريًّا على نظ ام؛
فيجب أن يقال :أواًل فيما تشرتك فيه هذه كلها ،مث يقال :فيما خيص واحدة واحدة منها ،أو
يقال :يف واحدة واحدة منها؛ وهو األسهل ،وإن كان هذا النوع من التعليم يعرض منه تكرار
َّما ،وه و ال ذي س لكه الفقه اء ،وحنن نتبعهم يف ذل ك ،فنجع ل ه ذه اجلمل ة منقس مة إىل س تة
أبواب :الباب األول :يف صالة املنفرد احلاضر اآلمن الصحيح .الباب الثاين :يف صالة اجلماعة:
أع ين :يف أحك ام اإلم ام واملأموم يف الص الة .الب اب الث الث :يف ص الة اجلمع ة .الب اب الراب ع :يف
صالة السفر .الباب اخلامس :يف صالة اخلوف .الباب السادس :يف صالة املرض.
17
اختل ف العلم اء يف التكب ري على ثالث ة م ذاهب :فق وم ق الوا :إن التكب ري كل ه واجب يف
الصالة .وقوم قالوا :إنه كله ليس بواجب وهو شاذ .وقوم أوجبوا تكبرية اإلحرام فقط ،وهم
اجلمهور.
وسبب اختالف من أوجبه كله ومن أوجب منه تكبرية اإلحرام فقط :معارضة ما نقل
من قول ه ملا نق ل من فعل ه علي ه الص الة والس الم ،فأم ا م ا نق ل من قول ه :فح ديث أيب هري رة
َأس بِ ِغ
الص الََة فَ ْ
ت َّاملشهور أن النيب عليه الصالة والسالم قال للرجل الذي علمه الصالةِ( :إ َذا ََأر ْد َ
اسَت ْقبِ ِل الْ ِقْبلَةَ مُثَّ َكِّب ْر مُثَّ ا ْقَرْأ) ،فمفهوم هذا هو أن التكبرية األوىل هي الفرض فقط،
ض ْوءَ مُثَّ ْ
الْ ُو ُ
فرض ا لذكره له كما ذكر سائر فروض الصالة .وأما ما نقل ولو كان ما عدا ذلك من التكبري ً
من فعل ه :فمنه ا :ح ديث أيب هري رة :أن ه ك ان يص لي فيك رب كلم ا خفض ورف ع ،مث يق ول :إين
ألشبهكم صالة بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .ومنها :حديث ُمطَ ِّرف بن عبداهلل بن
ِّخري قال :صليت أنا وعمران بن حصني خلف علـي بن أيب طالب رضي اهلل عنه ،فكان إذا
الش ِّ
سجد كرب ،وإذا رفع رأسه من الركوع كرب ،فلما قضى صالته وانصر فنا أخذ عمران بيده،
فقالَ :أ ْذ َكَرىِن َه َذا َ
صاَل َة حممد صلى اهلل عليه وسلم.
المسألة الثانية :لفظ التكبري
ق ال مال ك :ال جيزئ من لف ظ التكب ري إال (اهلل أك رب) .وق ال الش افعي( :اهلل أك رب
وااهلل األكرب) اللفظان كالمها جيزئ .وقال أبو حنيفة :جيزئ من لفظ التكبري كل لفظ يف
معناه مثل :اهلل األعظم ،واهلل األجل.
وسبب اختالفهم :هل اللفظ هو املتعبد به يف االفتتاح أو املعىن؟ ،وقد استدل املالكيون
الص الَِة الطَّ ُه ْو ُرَ ،وحَتْ ِرمْيَُه ا التَّ ْكبِْي ُرَ ،وحَتْلِْيلُ َه ا
اح َّ ِ
والش افعيون بقول ه علي ه الص الة وس لم( :م ْفتَ ُ
َّسلِْي ُم) ،قالوا :واأللف والالم هاهنا للحصر ،واحلصر يدل على أن احلكم خاص باملنطوق به، الت ْ
وأنه ال جيوز بغريه ،وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا األصل ،فإن هذا املفهوم هو عنده من
18
باب دليل اخلطاب ،وهو أن حيكم للمسكوت عنه بضد حكم املنطوق به ،ودليل اخلطاب عند
أيب حنيفة غري معمول به.
المسألة الثالثة :دعاء التوجه
ذهب ق وم إىل أن التوج ه يف الص الة واجب ،وه و أن يق ول بع د التكب ري إم ا :وجهت
وجهي للذي فطر السماوات واألرض ،وهو مذهب الشافعي ،وإما أن يسبح وهو مذهب أيب
حنيف ة ،وإم ا أن جيم ع بينهم ا وه و م ذهب أيب يوس ف ص احبه .وق ال مال ك :ليس التوجي ه
بواجب يف الصالة وال بسنة.
وسبب االختالف :معارضة اآلثار الواردة بالتوجيه للعمل عند مالك ،أو االختالف يف
صحة اآلثار الواردة بذلك .قال القاضي :قد ثبت يف الصحيحني عن أيب هريرة :أن رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم كان يسكت بني التكرب والقراءة إسكاتة ،قال :فقلت :يا رسول اهلل ،بأيب
ِ
أنت وأمي؛ إسكاتك بني التكرب والقراءة ما تقول؟ قالَ( :أُق ْو ُل :اللَّ ُه َّم بَاع ْد َبْييِن َو َبنْي َ َخطَايَ َ
اي
ض ِم َن
اَأْلبيَ ُ
ب ْ
ِ ِ ِ
ت َينْي َ الْ َم ْش ِرق َوالْ َم ْغ ِرب ،اللّ ُه َّم َن ِّقيِن م َن اخْلَطَايَ ا َك َم ا يَُن َّقى الث َّْو ُ اع ْد َ َك َم ا بَ َ
اي بِالْ َم ِاء َوالَْث ْل ِج َوالَْبَر ِد).
َ اي
َ َطخَ ل
ْ
س ،اللّه َّم ا ْغ ِ
س الدنَ ِ ُ َّ
وقد ذهب قوم إىل استحسان سكتات كثرية يف الصالة .منها :حني يكرب .ومنها :حني
يف رغ من ق راءة أم الق رآن ،وإذا ف رغ من الق راءة قب ل الرك وع .وممن ق ال هبذا الق ول الش افعي
وأبو ثور واألوزاعي ،وأنكر ذلك مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه.
ت لَ هُ علي هوس بب اختالفهم :اختالفهم يف تص حيح ح ديث أيب هري رة أن ه ق الَ ( :ك انَ ْ
الصالََة ،و ِحنْي َ ي ْقرُأ فَاحِت َةَ الْ ِكتَ ِ
ابَ ،وِإ َذا َّ حالصالة والسالم س َكتَات فِـي صاَل تِِهِ :ح ي َكِّبر وي ْفتَتِ
َ ٌ
ََ َ نْي َ ُ ُ َ َ ُ َ
غ ِم َن اْ ِلقَراءَ ِة َقْب َل ُّ
الر ُك ْو ِع). َفَر َ
المسألة الرابعة :قراءة البسملة
الر ِحْي ِم) يف افتتاح القراءة يف الصالة ،فمنع ذلك مالك اختلفوا يف قراءة (بِس ِم ِ
اهلل الرَّمْح ِن َّ ْ
يف الص الة املكتوب ة جه ًرا ك انت أو س ًّرا ،ال يف اس تفتاح أم الق رآن وال يف غريه ا من الس ور،
19
وأج از ذل ك يف النافل ة .وق ال أب و حنيف ة والث وري وأمحد :يقرؤه ا م ع أم الق رآن يف ك ل ركع ة
س ًّرا .وق ال الش افعي :يقرؤه ا والب د يف اجله ر جه ًرا ويف الس ر س ًّرا ،وهي عن ده آي ة من فاحتة
الكتاب ،وبه قال أمحد وأبو ثور وأبو عبيد .واختلف قول الشافعي هل هي آية من كل سورة؟
مجيعا.
أم إمنا هي آية من سورة النمل فقط ،ومن فاحتة الكتاب؟ فروي عنه القوالن ً
وسبب اخلالف يف هذا آيل إىل شيئني:
أح) ))دهما :اختالف اآلث ار يف ه ذا الب اب .والث ان :اختالفهم :ه ل (بِس ِم ِ
اهلل ال رَّمْح ِن ْ
الر ِحْي ِم) آية من فاحتة الكتاب أم ال؟
َّ
فأما اآلثار اليت احتج هبا من أسقط ذلك ،فمنها :حديث ابن ُمغَ َّف ٍل قال« :مسعين أيب وأنا
الر ِحْي ِم) ،فقال :يا بىن إياك واحلدث ،فإىن صليت مع رسول صلى اهلل أقرأ (بِس ِم ِ
اهلل الرَّمْح ِن َّ ْ
عليه وسلم ايب بكر و عمر ،فلم أمسع رجالً منهم يقرؤهاء .قال أبو عمر بن عبدالرب :ابن مغفل
رج ل جمه ول .ومنه ا :م ا رواه مال ك من ح ديث أنس أن ه ق ال( :قمت وراء أيب بك ر وعم ر
وعثت ان رض ي اهلل عنهم ،فكلهم ك ان ال يق رأ بس م اهلل إذا افتتح وا الص الة .ق ال أب و عم ر :ويف
بعض الرواي ات أن ه ق ال :خل ف الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم فك ان ال يق رأ (بس م اهلل ال رمحن
الرحيم) فقال أبو عمر :إال أن أهل احلديث قالوا يف حديث أنس هذا :إن النفل فيه مضطرب
مرفوع ا إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ومرة
ً اضطرابًا ال تقوم به حجة ،وذلك أن مرة روي عنه
م يرف ع ،ومنهم من ي ذكر عثم ان ومن ال ي ذكره ،ومنهم من يق ول :فك انوا يق رءون (بس م اهلل
ال رمحن ال رحيم) ،ومنهم من يق ول :فك انوا ال يق رءون (بس م اهلل ال رمحن ال رحيم) .ومنهم من
يقول :فكانوا ال جيهرون (بيسم اهلل الرمحن الرحيم).
وأما األحاديث املعارضة هذا :فمنها حديث نُ َعْيم بن عبداهلل الْ ُم ْج ِمر قال :صليت خلف
أيب هري رة فق رأ (بس م اهلل ال رحن ال رجيم) قب ل أم الق رآن ،وقب ل الس ورة ،وك رب فـي احلفض
والرفع ،وقال :أنا أشبهكم بصالة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .ومنها :حديث ابن عباس:
اهلل ال رَّمْح ِن ال َّر ِحْي ِم) .ومنه ا :ح ديث أم
الس الَم َك ا َن يهج ر ِب بِس ِم ِ
ْ َْ َ ُ (َأن النَّيِب ّ َعلَْي ِه َّ
الص الَةُ َو َّ ُ َّ
20
الر ِحْي ِم ،احْلَ ْم ُد سلمة أهنا قالتَ ( :كا َن رسو ُل اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقرأ ِب بِس ِم ِ
اهلل الرَّمْح ِن َّ ْ َ ُْ
ب الْ َع الَ ِمنْي َ ) .ف اختالف ه ذه اآلث ار أح د م ا أوجب اختالفهم يف ق راءة (بس م اهلل ال رمحن ِ
هلل َر ِّ
الرحيم) يف الصالة.
والس ))بب الث ))اني :كم ا قلن ا ه و :ه ل (بس م اهلل ال رمحن ال رحيم) آي ة من أم الكت اب
وحدها ،أو من كل سورة؟ أم ليست آية ال من أم الكتاب وال من كل سورة؟ فمن رأى أهنا
آية من أم الكتاب أوجب قراءهتا بوجوب قراءة أم الكتاب عنده يف الصالة ،ومن رأى أهنا آية
من أول كل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة.
المسألة الخامسة :قراءة القرآن
هوا ،إال ش يًئا روي عن
اتف ق العلم اء على أن ه ال جتوز ص الة بغ ري ق راءة ال عم ًدا وال س ً
عم ر رض ي اهلل عن ه أن ه ص لى فنس ي الق راءة ،فقي ل ل ه يف ذل ك ،فق ال :كي ف ك ان الرك وع
والسجود؟ فقيل :حسن ،فقال :ال بأس إذا .وهو حديث غريب عندهم أدخله مالك يف موطئه
يف بعض الرواي ات ،وإال ش يًئا روي عن ابن عب اس أن ه ال يق رأ يف ص الة الس ر ،وأن ه ق ال( :قِ َرَأ
ت فِْي َم ا ِ
ت يِف ْ
ُأخ َرىَ ،فَن ْق َرُأ فْي َم ا َق َرَأ َونَ ْس ُك ُ
ٍ
ص لَ َوات َو َس َك َ
ِ
َر ُس ْو ُل اهلل صلى اهلل َعلَْي ه َو َس لَّ َم ِيف َ
ت) .وسئل هل يف الظهر والعصر قراءة؟ فقال ( :اَل ) .وأحذ اجلمهور حبديث خبابَ( :أنَّهُ َس َك َ
ِ
ص ِر) ،قيل :فبأي شيء كنتم تعرفون ذلك؟ قال: صلَّى اهلل َعلَْيه َو َسلَّ َم َكا َن َي ْقَرُأ فـِي الظُّ ْه ِر َوالْ َع ْ
َ
باض طراب لـخيته .وتعل ق الكوفي ون حبديث ابن عب اس يف ت رك وج وب الق راءة يف الركع تني
األخريتني من الصالة ،الستواء صالة اجلهر والسر يف سكوت النيب صلى اهلل َعلَْي ِه َو َس لَّ َم هاتني
الركعتني.
واختلفوا يف القراءة الواجبة يف الصالة ،فرأى بعضهم أن الواجب من ذلك أم القرآن ملن
حفظه ا ،وأن م ا ع داها ليس في ه ت وقيت ،ومن ه ؤالء من أوجبه ا يف ك ل ركع ة ،ومنهم من
أوجيها يف أكثر الصالة ،ومنهم من أوجبها يف نصف الصالة ،ومنهم من أوجبها يف ركعة من
الصالة ،وباألول قال الشافعي ،وهي أشهر الروايات عن مالك ،وقد روي عنه أنه إن قرأها يف
21
ركع تني من الرباعي ة أجزأت ه .وأم ا من رأى أهنا جتزئ يف ركع ة ،فمنهم احلس ن البص ري وكث ري
من فقهاء البصرة ،وأما أبو حنيفة فالواجب عنده إمنا هو قراءة القرآن أي آية اتفقت أن تقرأ،
وح د أص حابه يف ذل ك ثالث آي ات قص ار ،أو آي ة طويل ة مث ل آي ة ال دين .وه ذا يف الركع تني
األول يني .وأم ا يف األخ ريتني فيس تحب عن ده التس بيح فيهم ا دون الق راءة ،وب ه ق ال الكوفي ون.
واجلمهور يستحبون القراءة فيها كلها.
والسبب يف هذا االختالف تعارض اآلثار يف هذا الباب ،ومعارضة ظاهر الكتاب لألثر.
أما اآلثار املتعارضة يف ذلك ،فأحدها :حديث أيب هريرة الثابت :أن رجاًل دخل املسجد فصلى
مث ج اء فس لم على الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم ،ف رد علي ه الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم وق ال:
ِ
ص ِّل) ،فصلى مث جاء فأمره بالرجوع ،فعل ذلك ثالث مرات ،فقال: ك مَلْ تُ َ ص ِّل ،فَِإنَّ َ
(إرج ْع ،فَ َ
ْ
َأس بِ ِغ والذي بعثك باحلق ،ما أحسن غريه .فقال عليه الصالة والسالمِ( :إ َذا قُمت ِإىَل َّ ِ
الص الَة فَ ْ ْ َ
آن ،مُثَّ ْار َك ْع َحىَّت تَطْ َمِئ َّن َراكِ ًع ا،
ك ِمن اْل ُق ر ِ الْوضو ِء مُثَّ ِ ِ
اسَت ْقب ِل اْلقْبلَةَ فَ َكِّب ْر ،مُثَّ ا ْق َرْأ َم ا َتيَ َّس َر َم َع َ َ ْ
ْ ُ ُْ
اس ُج ْد ِئ ِ ِ ِئ ِ ِئ
اس ُج ْد َحىَّت تَطْ َم َّن َس اج ًدا ،مُثَّ ْارفَ ْع َحىَّت تَطْ َم َّن َجال ًس ا ،مُثَّ ْمُثَّ ْارفَ ْع َحىَّت َت ْعتَد َل قَا ًما ،مُثَّ ْ
اج ًدا ،مُثَّ ارفَع حىَّت تَست ِوي قَاِئما ،مُثَّ ا ْفعل َذلِ ِ حىَّت تَطْمِئ َّن س ِ
ك ُكلِّ َها).صاَل تِ َ
ك فـي َ َْ َ ْ ْ َ َْ َ ً َ َ َ
22
المسألة السادسة :ما يقوله يف الركوع والسجود
اتف ق اجلمه ور على من ع ق راءة الق رآن يف الرك وع والس جود حلديث علي يف ذل ك ق ال:
السالَم َأ ْن َأْقرَأ الْ ُقرآ َن راكِعا وس ِ ِ ِ
اج ًدا) ،قال الطربي :وهو حديث صحيح، َ ْ َ ً ََ ( َن َهايِن جرْبِ يْ ُل َعلَْيه َّ ُ
وبه أخذ فقهاء األمصار ،وصار قوم من التابعني إىل جواز ذلك ،وهو مذهب البخاري ،ألنه مل
يصح احلديث عنده ،واهلل أعلم.
واختلفوا :هل الركوع والسجود قول حمدود يقوله املصلى أم ال؟ فقال مالك :ليس يف
ذل ك ق ول حمدود .وذهب الش افعي وأب و حنيف ة وأمحد ومجاع ة غ ريهم إىل أن املص لى يق ول يف
ركوع ه :س بحان ريب العظيم ثالثً ا ،ويف الس جود س بحان ريب األع ل ثالثً ا ،على م ا ج اء يف
مخس ا يف ص الته ح ىت ي درك
ح ديث عقب ة بن ع امر .وق ال الث وري :أحب إيل أن يقوهلا اإلم ام ً
الذي خلفه ثالثة تسبيحات.
والس بب يف ه ذا االختالف معارض ة ح ديث ابن عب اس يف ه ذا الب اب حلديث عقب ة بن
ِ
ت َأ ْن َأْق َرَأعامر ،وذلك أن يف حديث ابن عباس أنه عليه الصالة و السالم قالَ( :أالََ ،وِإيِّن هُن ْي ُ
اجتَ ِه ُد ْوا فِْي ِه فِـي الس ُج ْو ُد فَ ْ اج ًدا ،فَ ََّأما ال ُّر ُك ْوعُ َف َعظِّ ُم ْوا فِْي ِه ال َّر َّ
بَ ،و ََّأما ُّ الْ ُق رآ َن راكِع ا َأو س ِ
ْ َ ً ْ َ
الد ِ ِ
اس ِم اب لَ ُك ْم) ،ويف حديث عقبة بن عامر أنه قال :ملا نزلت( :فَ َس بِّ ْح بِ ْ ُّعاءَ ،ف َقم ٌن َأ ْن يُ ْس تَ َح ََ
اج َعلُ ْو َه ا فِـي ُر ُك ْو ِع ُك ْم» وملا ن رلت: ك الْ َعظْي ِم) ،ق ال لن ا رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لمْ :
ربِّ َ ِ
َ
اج َعلُ ْو َها فِـي ُس ُج ْو ِد ُك ْم).
َألعلَى) قالْ : ك اْ ْ اس َم َربِّ َ
(سبِّ ِح َْ
وك ذلك اختلف وا يف ال دعاء يف الرك وع بع د اتف اقهم على ج واز الثن اء على اهلل ،فك ره
بَ ،و ََّأما الر َّالر ُك ْوعُ َف َع ِظ ُم ْوا فِْي ِه َّ(َأما ُّ
ذلك مالك حلديث علي أنه قال عليه الصالة والسالمَّ :
ُّع ِاء)َ .وقالت طائفة :جيوز الدعاء يف الركوع ،واحتجوا بأحاديث ِِ ِ
اجتَ ِه ُد ْوا فْيه فـي الد َ الس ُج ْو ُد فَ ْ
ُّ
الس الَ ُم َد َع ا يِف الُّر ُك ْو ِع)َ ،و ُه َو َم ذهب البخاري ،واحتج حبديث الص الَةُ َو َّ جاء فيهاَ( :أنَّهُ َعلَْي ِه َّ
ك اللّ ُه َّم َربَّنَا
(سْب َحانَ َ
عائشة قالت :كان النيب عليه الصالة والسالم يقول فـي ركوعه وسجردوُ :
23
َوحِب َ ْم ِد َك ،اللّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر يِل ) ،وأب و حنيف ة ال جييز ال دعاء يف الص الة بغ ري ألف اظ الق رآن ،ومال ك
والشافعي جييزان ذلك .والسبب يف ذلك اختالفهم فيه ،هل هو كالم أم ال؟
المسألة السابعة :التشهد
اختلف وا يف وج وب التش هد ويف املخت ار من ه ،ف ذهب مال ك وأب و حنيف ة ومجاع ة إىل أن
التشهد ليس بواجب ،وذهبت طائفة إىل وجوبه ،وبه قال الشافعي وأمحد وداود.
وسبب اختالفهم :معارضة القياس لظاهر اآلثار ،وذلك أن القياس يقتضي إحلاقه بسائر
األركان اليت ليست بواجبة يف الصالة ،التفاقهم عل وجوب القرآن ،وأن التشهد ليس بقرآن
فبجب ،وحديث ابن عباس أنه قال( :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يُ َعلِّ ُمنَ ا الت َ
َّش ُّه َد َك َم ا
الس ور َة ِمن الْ ُق ر ِ
آن) ،يقتض ي وجوب ه م ع أن األص ل عن د ه ؤالء أن أفعال ه وأقوال ه يف يُ َعلِّ ُمنَ ا ُّ ْ َ َ ْ
الصالة جبب أن تكون حممولة على الوجوب؛ حىت يدل الدليل على خالف ذلك ،واألصل عند
غريهم على خالف هذا ،وهو أن ما ثبت وجوبه يف الصالة مما اتفق عليه أو صرح بوجوبه فال
جيب أن يلحق به إال ما صرح به ونص عليه ،فهما كما ترى فصالن متعارضان.
وأما املختار من التشهد ،فإن مال ًكا رمحه اهلل اختار تشهد عمر رضي اهلل عنه الذي كان
الص لَوات ِ ِ هللِ َّ ،
َّحيَّات ِ
ِ
كالس الَ ُم َعلَْي َ
هللَّ ، ات َّ َ ُ ات هلل ،الطَّيِّبَ ُ
الزاكيَ ُ يعلمه الناس عل املنرب ،وهو :الت ُ
الص احِلِنْي َ ْ ، الس الَم ُعلَينَ ا وعلَى ِعب ِاد ِ ِ
َأش َه ُد َأ ْن اَل ِإل هَ ِإاَّل اهللُ اهلل َّ َأيُّ َه ا النَّيِب ُّ َو َرمْح َ ةُ اهلل َو َبَر َكاتُ هَُ َ َ ْ َ َّ ،
َأن حُمَ َّم ًدا َعْب ُدهُ َو َر ُس ْولُهُ .واختار أهل الكوفة -أبو حنيفة وغريه- َأش َه ُد َّ َو ْح َدهُ اَل َش ِريْ َ
ك لَهَُ ،و ْ
تش هد عبداهلل بن مس عود .ق ال أب و عم ر :وب ه ق ال أمحد وأك ثر أه ل احلديث ،لثب وت نقل ه عن
َّحيَّات ِ
ِ
ك َأيُّ َه ا
الس الَ ُم َعلَْي َ
اتَّ ، ات َوالطَّيِّبَ ُالص لَ َو ُ
هلل َو َّ رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو« :الت ُ
َأش َه ُد َأ ْن الَ ِإل هَ ِإالَّ اهللُ، الصالِ ِ الس الَم علَينَ ا وعلَى ِعب ِاد ِ ِ
ـحنْي َ ْ ، اهلل َّ النَّيِب ُّ َو َرمْح َ ةُ اهلل َو َبَر َكاتُ هَُ َ َ ْ َ ُ َّ ،
َأن حُمَ َّم ًدا َعْب ُدهُ َو َر ُس ْولُهُ) واختار الشافعى وأصحابه تشهد عبداهلل بن عباس الذي رواه َأش َه ُد َّ
َو ْ
عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يعلمنا التشهد كما
الس الَ ُم الص لَوات الطَّيِّب ات ِ
هللَّ ، ِ
ات َّ َ ُ َ ُ ات الْ ُمبَ َار َك ُ
يعلمن ا الس ورة من الق رآن ،فك ان يق ول( :التَّحيَّ ُ
24
الصالِ ِـحنْي َ َ ،أ ْش َه ُد َأ ْن اَل ِإلهَ ِإاَّل الساَل م علَينَا وعلَى ِعب ِاد ِ
اهلل َّ ِ
ك َأيُّ َها النَّيِب ُّ َو َرمْح َةُ اهلل َو َبَر َكاتُهَُ َ َ ْ َ ُ َّ ،
َعلَْي َ
َأن حُم َّم ًدا رسو ُل ِ
اهلل). اهللُ َو َّ َ َ ُ ْ
وس بب اختالفهم اختالف ظن وهنم يف األرجح منه ا ،فمن غلب على ظن ه رجح ان
حديث ما من هذه األحاديث الثالثة؛ مال إليه ،وقد ذهب كثري من الفقهاء إىل أن هذا كله
على التخي ري ك األذان ،والتكب ري على اجلن ائز ،ويف العي دين ،ويف غ ري ذل ك مما ت واتر نقل ه ،وه و
الصواب واهلل أعلم.
وقد اشرتط الشافعي الصالة عل النيب صلى اهلل عليه وسلم يف التشهد وقال :إهنا فرض
صلُّ ْوا َعلَْي ِه َو َسلِّ ُم ْوا تَ ْسلِْي ًما ،األحزاب .)٥ ٦ :ذهب إىل أن هذا ِ
لقوله تعاىل( :يَاَأيُّ َها الَّذيْ َن ََأمُن ْوا َ
التسليم هو التسليم من الص الة ،وذهب اجلمهور إىل أنه التسليم الذي يؤتى ب ه عقب الصالة
عليه.
وذهب قوم من أهل الظاهر إىل أنه واجب أن يتعوذ املتشهد من األربع اليت جاءت يف
احلديث من عذاب القرب ،ومن عذاب جهنم ،ومن فتنة املسيح الدجال ومن فتنة احمليا واملات،
آخ ِر تَ َش ُّه ِد ِه) ،ويف بعض
ألنه ثبت( :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َك ا َن يَتع َّوذُ ِمْنه ا فِـي ِ
َ ََ
َّش ُّه ِد اْ ِ
َألخرْيِ َف ْليََت َع َّو ْذ ِم ْن َْأربَ ِع) احلديث ،خرجه مسلم. َأح ُد ُك ْم ِم َن الت َ طرقهِ( :إ َذا َفَر َ
غ َ
المسألة الثامنة :التسليم
اختلفوا يف التسليم من الصالة ،فقال اجلمهور بوجوبه ،وقال أبو حنيفة وأصحابه :ليس
بواجب ،والذين أوجبوه منهم من قال :الواجب على املنفرد واإلمام تسليمة واحدة ،ومنهم من
قال :اثنتان .فذهب اجلمهور مذهب ظاهر حديث علي ،وهو قوله عليه الصالة والسالم فيه:
َّس لِْي ُم) ،ومن ذهب إىل أن ال واجب من ذل ك تس ليمتان ،فلم ا ثبت منَ( :أنَّهُ َعلَْي ِه ِ
(وحَتْلْيلُ َه ا الت ْ
َ
الساَل ُم َك ا َن يُ َس لِّ ْم تَ ْس لِْي َمَتنْي ِ ) .وذلك عند من محل فعله على الوجوب ،واختار مالك
الصالَةُ َو َّ
َّ
للم أموم تس ليمتني ولإلم ام واح دة ،وق د قي ل عن ه :إن املأموم يس لم ثالثً ا :الواح دة للتحلي ل،
والثانية لإلمام ،والثالثة ملن هو عن يساره.
25
وأما أبو حنيفة فذهب إىل ما رواه عبدالرمحن بن زياد اإلفريقي :أن عبدالرمحن بن رافع
وبك ر بن س وادة ح دثاه عن عبداهلل بن عم رو بن الع اص ق ال :ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه
آخ ِر ِِالرج ل فِـي ِ ِإ
ص اَل تُهُ) ،ق ال أب و ث َقْب َل َأ ْن يُ َس لِّ َم َف َق ْد مَتَّ ْ
ت َ َأح َد َ
ص الَته فَ ْ
َ س َّ ُ ُ
وس لم ( :ذَا َجلَ َ
عمر بن عبدالرب :وحديث على املتقدم أثبت عند أهل النقل؛ ألن حديث عبداهلل بن عمرو بن
العاص انفرد به اإلفريقي ،وهو عند أهل النقل ضعيف .قال القاضي :إن كان أثبت من طريق
النق ل فإن ه حمتم ل من طري ق اللف ظ ،وذل ك أن ه ليس ي دل على أن اخلروج من الص الة ال يك ون
لغري التسليم إال بضرب من دليل اخلطاب ،وهو مفهوم ضعيف عند األكثر ،ولكن للجمهور أن
يقولوا إن األلف والالم اليت للحصر أقوى من دليل اخلطاب يف كون حكم املسكوت عنه بضد
حكم املنطوق به.
المسألة التاسعة :القنوت
اختلف وا يف القن وت ،ف ذهب مال ك إىل أن القن وت يف ص الة الص بح مس تحب .وذهب
الشافعي إىل أنه سنة ،وذهب أبر حنيفة إىل أنه ال جبوز القنوت يف صالة الصبح ،وأن القنوت
إمنا موضعه الوتر .وقال قوم :بل يقنت يف كل صالة .وقال قوم :ال قنوت إال يف رمضان .وقال
قوم :بل يف النصف األخري منه .وقال قوم :بل يف النصف األول منه.
والسبب يف ذلك :اختالف اآلثار املنقولة يف ذلك عن النيب عليه الصالة والسالم ،وقياس
بعض الصلوات يف ذلك على بعض؛ أعين :اليت قنت فيها على اليت مل يقنت فيها .قال أبو عمر
بن عب دالرب :والقن وت بلعن الْ َك َف َر ِة يف رمض ان مس تفيض يف الص در األول اقت داءً برس ول اهلل
صلى اهلل عليه السالم يف دعائه على ِر ْع ٍل َوذَ ْك َوا َن ،والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة.
31
المسألة الخامسة :وضع اليدين إحدامها على األخرى
اختلف العلماء يف وضع اليدين إحدامها على األخرى يف الصالة ،فكره ذلك مالك يف
الفرض ،وأجازه يف النفل .ورأى قوم أن هذا الفعل من سنن الصالة وهم اجلمهور.
والس بب يف اختالفهم أن ه ق د ج اءت آث ار ثابت ة نقلت فيه ا ص فة ص الته علي ه الص الة
أيض ا أن الن اس ك انوا
والس الم ،ومل ينق ل فيه ا أن ه ك ان يض ع ي ده اليم ىن على اليس رى ،وثبت ً
أيض ا من صفة صالته عليه الصالة والسالم يف حديث أيب محيد.
يؤمرون بذلك ،وورد ذلك ً
فرأى قوم أن اآلثار اليت أثبتت ذلك ،اقتضت زيادة عل اآلثار اليت مل تنقل فيها هذه الزيادة،
وأن الزي ادة جيب أن يص ار إليه ا .ورأى ق وم أن األوجب املص ري إىل اآلث ار ال يت ليس فيه ا ه ذه
الزي ادة ،ألهنا أك ثر ،ولك ون ه ذه ليس ت مناس بة ألفع ال الص الة ،وإمنا هي من ب اب االس تعانة،
ول ذلك أجازه ا مال ك يف النف ل ومل جيزه ا يف الف رض ،وق د يظه ر من أمره ا أهنا هيئ ة تقتض ي
اخلضوع ،وهو األوىل هبا.
المسألة السادسة :النهوض من السجود
اخت ار ق وم إذا ك ان الرج ل يف وت ر من ص الته أال ينهض ح ىت يس توي قاع ًدا ،واخت ار
آخ رون أن ينهض من س جوده نفس ه ،وب األول ق ال الش افعي ومجاع ة ،وبالث اين ق ال مال ك
ومجاعة.
وسبب اخلالف أن يف ذلك حديثني خمتلفني :أحدها :حديث مالك بن احلويرث الثابت:
ض َحىَّت اهلل ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم يص لِّي ،فَ ِإ َذا َك ا َن يِف ِوتْ ٍر ِمن ِِ
(َأنَّه رَأى رس و ُل ِ
ص اَل ته مَلْ َيْن َه ْ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ َُ َ ُْ
يستَ ِو ِ
ي قَاع ًدا) .ويف حديث أيب محيد يف صفة صالته عليه الصالة والسالمَ( :أنَّهُ لَ َّما َرفَ َع َرْأ َس هُ َْ َ
ُألوىَل قَ َام َومَلْ َيَت َو َّر ْك) .فاخذ باحلديث األول الشافعي ،وأخذ الس ج َد ِة الثَّانِي ِة ِمن َّ ِ ِ
الر ْك َع ة اْ ْ َ َ م َن َّ ْ
بالثان مالك.
وكذلك اختلفوا إذا سجد :هل يضع يديه قبل ركبتيه ،أو ركبتيه قبل يديه؟ ومذهب
مالك وضع الركبتني قبل اليدين.
32
ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ِ
ت َر ُس ْو ُل اهلل َ (رَأيْ ُ
وسبب اختالفهم أن يف حديث ابن حجر قالَ :
ض َرفَ َع يَ َديْ ِه َقْب َل ُر ْكبََتْي ِه) ،وعن أيب هريرة أن النيب ِ ِ
ض َع ُر ْكبََتْي ه َقْب َل يَ َديْ هَ ،وِإذَا َن َه َ
ِإذَا َس َج َد َو َ
ض ْع يَ َديْ ِه َقْب َل ِ
َأح ُد ُك ْم فَالَ َيْب ُر ُك َك َم ا َيْب ُر ُك الْبَعْي ُرَ ،ولْيَ َ ِإ
عليه الصالة والسالم قال ( :ذَا َس َج َد َ
ُر ْكبََتْي ِه) ،وكان عبداهلل بن عمر يضع يديه قبل ركبتيه .وقال بعض أهل احلديث :حديث وائل
بن حجر أثبت من حديث أيب هريرة.
المسألة السابعة :السجود عل سبعة أعضاء
اتف ق العلم اء على أن الس جود يك ون على س بعة أعض اء :الوج ه والي دين والركب تني
ض ٍاء ،واختلفوا َأس ُج َد َعلَى َس ْب َع ِة ْ
َأع َ ت َأ ْن ْ
ِ
وأطراف القدمني ،لقوله عليه الصالة والسالمُ( :أم ْر ُ
فيمن سجد على وجهه ونقصه السجود على عضو من تلك األعضاء :هل تبطل صالته أم ال؟
فقال قوم :ال تبطل صالته؛ ألن اسم السجود إمنا يتناول الوجه فقط .وقال قوم :تبطل إن مل
يسجد على السبعة األعضاء للحديث الثابت.
ومل خيتلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه ،واختلفوا فيمن سجد
على أح دمها ،فق ال مال ك :إن س جد على جبهت ه دون أنف ه ج از ،وإن س جد على أنف ه دون
جبهت ه مل جيز ،وق ال أب و حنيف ة :ب ل جيوز ذل ك .وق ال الش افعي :ال جيوز إال أن يس جد عليه ا
مجيعا.
ً
وسبب اختالفهم :هل الواجب هو امتثال بعض ما ينطلق عليه االسم أم كله؟ ،وذلك
َأس ُج َد َعلَى َس ْب َع ِة
ت َأ ْن ْ
ِ
أن يف حديث النيب عليه الصالة والسالم الث ابت عن ابن عباسُ( :أم ْر ُ
ض ٍاء) فذكر منها الوجه.
َأع َ
ْ
فمن رأى أن ال واجب ه و بعض م ا ينطل ق علي ه االس م ،ق ال :إن س جد ع ل اجلبه ة أو
األن ف أج زأه .ومن رأى أن اس م الس جود يتن اول من س جد على اجلبه ة وال يتن اول من س جد
عل األنف؛ أجاز السجود على اجلبهة دون األنف ،وهذا كأنه حتديد للبعض الذي هو امتثاله،
هو الواجب مما ينطلق عليه االسم ،وكان هذا على مذهب من يفرق بني أبعاض الشيء ،فرأى
33
أن بعضها يقوم يف امتثاله مقام الوجوب وبعضها ال يقوم مقامه ،فتأمل هذا فإنه أصل يف هذا
الباب ،وإال جاز لقائل أن يقول :إنه إن مس من أنفه األرض مثقال خردلة مَتَّ سجوده.
وأم ا من رأى أن ال واجب ه و امتث ال ك ل م ا ينطل ق علي ه االس م ،ف الواجب عن ده أن
يسجد على اجلبهة واألنف .والشافعي يقول :إن هذا االحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله
فعل ه علي ه الص الة والس الم وبين ه ،فإن ه ك ان يس جد على األن ف واجلبه ة ،ملا ج اء منَ( :أنَّهُ
ات َو َعلَى َجْب َهتِ ِه َوَأنْ ِف ِه َأثَ َر الطِّنْي ِ َوالْ َم ِاء) ،فوجب أن يكون فعله
الص لَو ِ ف ِمن ٍ ِ
ص اَل ة م َن َّ َ
ص َر َ ْ َ
انْ َ
مفس راً للح ديث اجملم ل .ق ال أب و عم ر بن عب دالرب :وق د ذك ر مجاع ة من احلف اظ ح ديث ابن
عباس ،فذكروا فيه األنف واجلبهة .قال القاضي أبو الوليد :وذكر بعضهم اجلبهة فقط ،وكال
الروايتني يف كتاب مسلم ،وذلك حجة ملالك.
أيضا :هل من شرط السجود أن تكون يد الساجد بارزة وموضوعة على الذي
واختلفوا ً
يوض ع عليه ا الوج ه ،أم ليس ذل ك من ش رطه؟ فق ال مال ك :ذل ك من ش رط الس جود أحس به
شرط متامه .وقالت مجاعة :ليس ذلك من شرط السجود.
المسألة الثامنة :النهي عن اإلقعاء
اتف ق العلم اء على كراهي ة اإلقع اء يف الص الة ،ملا ج اء يف احلديث من النهيَ) :أ ْن يُ ْقعِ َي
ب) إال أهنم اختلفوا فيما يدل عليه االسم ،فبعضهم رأى أن ل
ْ ك
َ ل
ْ ا ى ع الرج ل يِف ص اَل تِِه َكم ا ي ِ
ق
ُ َ َ ُ َّ ُ ُ َ
اإلقع اء املنهي عن ه ه و جل وس الرج ل على أليتي ه يف الص الة ناص بًا فخذي ه مث ل إقع اء الكلب
والس بُ ِع ،وال خالف أن هذه اهليئة ليست من هيئات الصالة .وقوم رأوا أن معىن اإلقعاء الذي
َّ
هني عن ه ه و :أن جيع ل أليت ه على عقيب ه بني الس جدتني ،وأن جيلس ع ل ص دور قدمي ه ،وه و
مذهب مالك ،ملا روي عن ابن عمر أنه ذكر أنه إمنا كان يفعل ذلك؛ ألنه كان يشتكي قدميه.
وأما ابن عباس فكان يقول :اإلقعاء على القدمني يف السجود عل هذه الصفة هو سنة نبيكم،
خرجه مسلم.
34
وس بب اختالفهم ه و ت ردد اس م اإلقع اء املنهي عن ه يف الص الة بني أن ي دل على املع ىن
اللغ وي ،أو ي دل ع ل مع ىن ش رعي؛ أع ين :على هيئ ة خص ها الش رع هبذا االس م .فمن رأى أن ه
ي دل عل املع ىن اللغوي قال :هو إقع اء الكلب ،ومن رأى أنه ي دل على معىن ش رعي قال :إمنا
أري د ب ذلك إح دى هيئ ات الص الة املنهي عنه ا ،وملا ثبت عن ابن عم ر :أن قع ود الرج ل على
صدور قدميه ليس من سنة الصالة ،سبق إىل اعتقاده أن هذه اهليئة هي اليت أريد باإلقعاء املنهي
عنه .وهذا ضعيف ،فإن األساء اليت مل تثبت هلا معان شرعية جيب أن حتمل على املعىن اللغوي
حىت يثبت هلا معىن شرعى ،خبالف األمر يف األمساء اليت تثبت هلا معان شرعية ،أعين :أنه جيب
أن حيمل على املعاين الشرعية حىت يدل الدليل عل املعىن اللغوي ،مع أنه قد عارض حديث ابن
عمر يف ذلك حديث ابن عباس.
36
وأما أولئك فزعموا أنه ميكن أن حيمل حديث األعمى على نداء يوم اجلمعة ،إذ ذلك هو
النداء الذي جيب على من مسعه اإلتيان إليه باتفاق .وهذا فيه بعد ،واهلل أعلم؛ ألن نص احلديث
هو أن أبا هريرة قال :أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رجل أعمى ،فقال يا رسول اهلل ،إنه
ليس لـي قائد يقودين إىل املسجد ،فسأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يرخص له فيصلي
الص الَِة؟) ،فق ال :نعم ،ق ال: ِّداءَ بِ َّ
(ه ْل تَ ْس َم ُع الن َ
يـي بيت ه ،ف رخص ل ه ،فلم ا وىل دع اه ،فق الَ :
ب) .وظاهر هذا يبعد أن يفهم منه نداء اجلمعة ،مع أن اإلتيان إىل صالة اجلمعة واجب ِ
(فَ َأج ْ
على ك ل من ك ان يف املص ر وإن مل يس مع الن داء ،وال أع رف يف ذل ك خالفً ا .وع ارض ه ذا
َأن ِعْتب ا َن بن مالِ ٍ
ك َك ا َن َي ُؤ ُّم أيض ا حديث عتبان بن مالك املذكور يف (املوطأ) ،وفيه َّ َ ْ َ َ احلديث ً
ال لَِر ُس ْو ِل اهلل صلى اهلل عليه وسلمِ :إنَّهُ تَ ُك ْو ُن الظُّْل َم ةُ َوالْ َمطَ ُر َو َّ
الس ْي ُل َوَأنَا َأع َمىَ ،وَأنَّهُ قَ ََو ُه َو ْ
ص لَّى .فَ َج اءَهُ َر ُس ْو ُل اهلل صلى خَّتِ ِِ
ص ِّل يَا َر ُس ْو َل اهلل فـي َبْييِت َم َكانًا َأ ُذهُ ُم َ ص ِر ،فَ َ
ض ِر ْي ُر الْبَ َ
َر ُج ٌل َ
صلَّى فِْي ِه َر ُس ْو ُل اهلل ِ ٍِ
َأش َار لَهُ ِإىَل َم َكان م َن اْ َلبْيت فَ َ ُأصلِّ َي؟) فَ َ اهلل عليه وسلم فقالَ( :أيْ َن حُتِ ُّ
ب َأ ْن َ
صلى اهلل عليه وسلم).
وأما المسألة الثانية :من دخل على مجاعة وكان قد صلى
منفردا،
فإن الذي دخل املسجد وقد صل ال خيلو من أحد وجهني :إما أن يكون صلى ً
منفردا فقال قوم :يعيد معهم كل الصلوات إال
وإما أن يكون صلى يف مجاعة .فإن كان صلى ً
املغرب فقط ،وممن قال هبذا القول مالك وأصحابه .وقال أبو حنيفة :يعيد الصلوات كلها إال
املغرب والعصر .وقال األوزاعي .إال املغرب والصبح .رقال أبر ثور :إال العصر والفجر .وقال
الشافعي .يعيد الصلوات كلها ،وإن اتفقوا على إجياب إعادة الصالة عليه باجلملة حلديث بسر
بن حممد عن أبيه :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال له حني دخل املسجد ومل يصل معه:
ت بَِر ُج ٍل ُم ْس لِ ٍم؟) فق ال :بلى ي ا رس ول اهلل ،ولك ين ص ليت فـي ص ِّل َم َع الن ِ
َّاس؟ َألَ ْس َ ك تُ َ
(م ا لَ َ
َ
ِ
ت).صلَّْي َ َّاس َوِإ ْن ُكْن َ
ت قَ ْد َ ص ِّل َم َع الن ِ أهلي ،فقال عليه الصالة والسالمِ( :إ َذا جْئ َ
ت فَ َ
37
فاختلف الناس الحتال ختصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل :فمن محله على عمومه؛
أوجب علي ه إع ادة الص لوات كله ا ،وه و م ذهب الش افعي .وأم ا من اس تثىن من ذل ك ص الة
املغرب فقط؛ فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالك رمحه اهلل ،وذلك أنه زعم أن صالة
املغ رب هي وت ر ،فل و أعي دت ألش بهت ص الة الش فع ال يت ليس ت ب وتر؛ ألهنا ك انت تك ون
مبجم وع ذل ك س ت ركع ات ،فكأهنا ك انت تنتق ل من جنس ها إىل جنس ص الة أخ رى وذل ك
مبطل هلا .وهذا القياس فيه ضعف؛ ألن السالم قد فصل بني األوتار ،والتمسك بالعموم أقوى
من االستثناء هبذا النوع من القياس .وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادها يكون
قد أوتر مرتني ،وقد جاء يف األثر( :اَل ِو ْت َر ِان فِـي لَْيلَ ٍة) ،وأما أبو حنيفة فإنه قال :إن الصالة
الثانية تكون له نفاًل ،فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر ،وقد جاء النهي عن ذلك،
فخصص العصر هبذا القياس واملغ رب بأهنا وتر ،والوتر ال يعاد ،وهذا قياس جيد إن سلم هلم
الشافعي أن الصالة األخرية هلم نفل .وأما من فرق بني العصر والصبح يف ذلك؛ فألنه مل ختتلف
اآلثار يف النهي عن الصالة بعد الصبح ،واختلف يف الصالة بعد العصر كما تقدم ،وهو قول
األوزاعي.
وأم ا إذا ص لى ىف مجاع ة ،فه ل يعي د يف مجاع ة أخ رى؟ ف أكثر الفقه اء على أن ه ال يعي د،
منهم مال ك وأب و حنيف ة ،وق ال بعض هم :ب ل يعي د ،وممن ق ال هبذا الق ول أمحد وداود وأه ل
الظاهر.
والسبب يف اختالفهم :تعارض مفهوم اآلثار يف ذلك ،وذلك :أنه ورد عنه عليه الصالة
اع ٍة ِ ِ ِ ٍ
صاَل ةٌ فـي َي ْوم َمَّرَتنْي ِ ) ،وروي عنهَ( :أنَّهُ ََأم َر الَّذيْ َن َ
ص لُّ ْوا فـي مَجَ َ صلِّى َ
والسالم أنه قال( :اَل تُ َ
وأيضا فإن ظاهر حديث بُ ْس ٍر يوجب اإلعادة على كل مصل إذا َأ ْن يعِي ُدوا مع اجْل م ِ ِ ِ
اعة الثَّانيَة)ً ، ُ ْ ْ َ َ ََ َ
جاء املسجد فإن قوته قوة العموم ،واألكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص ال يقتصر
به على سببه ،وصالة معاذ مع النيب عليه الصالة والسالم مث كان يؤم قومه يف تلك الصالة فيه
دليل على جواز إعادة الصالة يف اجلماعة .فذهب الناس يف هذة اآلثار مذهب اجلمع ومذهب
38
ص ِّل
الرتجيح :أما من ذهب مذهب الرتجيح فإنه أخذ بعموم قوله عليه الصالة والسالم( :اَل تُ َ
اح َدةٌ فِـي َي ْوٍم َم َّرَتنْي ِ ) ومل يس تث ِن من ذل ك إال ص الة املنف رد فق ط لوق وع االتف اق
ص اَل ةٌ و ِ
َ َ
صلِّى َ
ص اَل ةٌ عليها.وأما من ذهب مذهب اجلمع فقالوا :إن معىن قوله عليه الصالة والسالم( :اَل تُ َ
اح َدةٌ فِـي َي ْوٍم َم َّرَتنْي ِ ) إمنا ذلك :أن ال يصلي الرجل الصالة الواحدة بعينها مرتني ،يعتقد يف
وِ
َ
كل واحدة منهما أهنا فرض ،بل يعتقد يف الثانية أهنا زائدة على الفرض ،ولكنه مأمور هبا .وقال
ق وم :ب ل مع ىن ه ذا احلديث إمنا ه و للمنف رد؛ أع ين :أن ال يص لى الرج ل املنف رد ص الة واح دة
بعينها مرتني.
الفصل الثاني :في معرفة شروط اإلمامة ،ومن أولى بالتقديم ،وأحكام اإلمام الخاصة به.
ويف هذا الفصل مسائل أربع:
المسألة األولى :بن هو إوي ياالمامة
اختلف وا فيمن أوىل باإلمام ة ،فق ال مال ك :ي ؤم الق وم أفقههم ال أق رؤهم ،وب ه ق ال
الشافعي ،وقال أبو حنيفة والثوري وأمحد :يؤم القوم أقرؤهم.
(ي ُؤ ُّم الْ َق ْو ُم
والسبب يف هذا االختالف اختالفهم يف مفهوم قوله عليه الصالة والسالمَ :
الس ن َِّة ،فَِإ ْن َك انُوا فِـي ُّ ِاهلل ،فَِإ ْن َك انُ ْوا فِـي الْ ِق َراءَ ِة َس َواءً فََأ ْعلَ ُم ُه ْم بِ ُّ
اب ِ َأْقرُؤ ُهم لِ ِكتَ ِ
الس نَّة َس َواءٌ ْ َ ْ
الر ُج َل فِـي فََأقْ ِد ُم ُه ْم ِه ْج َر ًة ،فَ ِإ ْن َك انُ ْوا فِـي اهْلِ ْج َر ِة َس َواءٌ ،فََأقْ َد ُم ُه ْم ِإ ْس اَل ًماَ ،واَل َي ُؤ ُّم َّ
الر ُج ُل َّ
ُس ْلطَانِِهَ ،والَ َي ْقعُ ْد فِـي َبْيتِ ِه َعلَى تَ ْك ِر َمتِ ِه ِإاَّل بِِإ ْذنِ ِه) .وه و ح ديث متف ق على ص حته .لكن
اختل ف العلم اء يف مفهوم ه :فمنهم من محل ه على ظ اهره وه و أب و حنيف ه .ومنهم من فهم من
وأيض ا
س من احلاجة إىل القراءةً ،
األقرإ هاهنا األفقه؛ ألنه زعم أن احلاجة إىل الفقه يف اإلمامة ََأم ُّ
فإن األقرأ من الصحابة كان هو األفقه ضرورة ،وذلك خبالف ما عليه الناس اليوم.
المسألة الثانية :إمامة الصيب
39
اختلف الناس يف إمامة الصيب الذي مل يبلغ احللم إذا كان قارئاً ،فأجاز ذلك لعموم (هذا
األثر) حديث عمرو بن سلمة( :أنه كان يؤم قومة وهو صيب ،ومنع ذلك قوم مطلق اً ،وأجازه
قوم يف النفل ،ومل جييزوه يف الفريضة ،وهو مروي عن مالك.
وسبب اخلالف يف ذلك :هل يؤم أحد يف صالة غري واجبة عليه من وجبت عليه؟ وذلك
الختالف نية اإلمام واملأموم؟
المسالة الثانية :إمامة الفاسق
اختلفوا يف إمامة الفاسق ،فردها قوم بإطالق ،وأجازها قوم بإطالق ،وفرق قوم بني أن
مقطوع ا به؛ أعاد الصالة
ً مقطوع ا به أو غري مقطوع به ،فقالوا :إن كان فسقه
ً ال يكون فسقه
املص لي وراءه أب ًدا ،وإن ك ان مظنون ا؛ اس تحبت ل ه اإلع ادة يف ال وقت ،وه ذا ال ذي اخت اره
ي تأواًل على املذهب ،ومنهم من فرق بني أن يكون فسقه بتأويل ،أو يكون بغري تأويل، اَألب َه ِر ُّ
ْ
مثل الذي يشرب النبيذ ،ويتأول أقوال أهل العراق ،فأجازوا الصالة وراء املتأول ،ومل جبيزوها
وراء غري املتأول.
وسبب اختالفهم يف هذا :أنه شيء مسكوت عنه يف الشرع ،والقياس فيه متعارض :فمن
رأى أن الفس ق ملا ك ان ال يبط ل ص حة الص الة ومل يكن حيت اج املألم وم من إمام ه إال ص حة
ص الته فق ط ،على ق ول من ي رى أن اإلمام حيم ل عن األم و م ،أج از إمام ة الفاس ق ،ومن ق اس
اإلمام ة على الش هادة واهتم الفاس ق أن يك ون يص ل ص الة فاس دة ،ك ا يتهم يف الش هادة أن
يكذب ،مل جيز إمامته ،ولذلك فرق قوم بني أن يكون فسقه بتأويل أو بغري تأويل ،وإىل قريب
مقطوعا
ً مقطوعا به أو غري مقطوع به؛ ألنه إذا كان
ً من هذا يرجع من فرق بني أن يكون فسقه
به فكأنه غري معذور يف تأويله ،وقد رام أهل الظاهر أن جييزوا إمامة الفاسق بعموم قوله عليه
(ي ُؤ ُّم الْ َق ْو ُم َأْق َرُؤ ُه ْم) ،ق الوا :فلم يس تثن من ذل ك فاس ًقا من غ ري فاس ق،
الص الة والس المَ :
واالحتج اج ب العموم يف غ ري املقص ود ض عيف ،ومنهم من ف رق بني أن يك ون فس قه يف ش روط
40
صحة الصالة ،أو يف أمور خارجة عن الصالة ،بناء على أن اإلمام إمنا يشرتط فيه وقوع صالته
صحيحة.
المسألة الرابعة :إمامة املرأة
اختلفوا يف إمامة املرأة ،فاجلمهور على أنه ال جيوز أن تؤم الرجال ،واختلفوا يف إمامتها
النساء :فأجاز ذلك الشافعي ،ومنع ذلك مالك ،وشذ أبو ثور والطربي ،فأجازا إمامتها على
اإلطالق.
وإمنا اتفق اجلمهور على منعها أن تؤم الرجال؛ ألنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر
أيضا ملا كانت سنتهن يف الصالة التأخري عن الرجال علم أنه ليس جيوز هلن التقدم
األول ،وألنه ً
َأخ ْر ُه َّن اهلل) ،ولذلك أجاز بعضهم إمامتها
ث َّ(َأخ ُر ْو ُه َّن َحْي ُ
عليهم ،لقوله عليه الصالة والسالمِّ :
أيض ا نقل ذلك عن بعض الصدر األول.
النساء إذ كن متساويات يف املرتبة يف الصالة ،مع أنه ً
ومن أج از إمامته ا فإمنا ذهب إىل م ا رواه أب و داود من ح ديث أم ورق ة( :أن رس ول اهلل ص لى
اهلل عليه وسلم َكا َن َي ُز ْو ُر َها فِـي َبْيتِ َها َو َج َع َل هَلَا ُمَؤ ذِّنًا يَُؤ ذِّ ُن هَلَاَ ،و ََأمَر َها َأ ْن َتُؤ ُّم َْأه ُل َدا ِر َها).
ويف هذا الباب مسائل كثرية ،أعين :من اختالفهم يف الصفات املشرتطة يف اإلمام تركنا
ذكرها ،لكو هنا مسكوتًا عنها يف الشرع .قال القاضي :وقصدنا يف هذا الكتاب إمنا هو ذكر
املسائل املسموعة ،أو ماله تعلق قريب باملسموع.
وأما أحكام اإلمام اخلاصة به :فإن يف ذلك أربعة مسائل متعلقة بالسمع :إحداها :هل
يؤمن اإلمام إذا فرغ من قراءة أم القرآن؟ أم املأموم هو الذي يؤمن فقط؟ .والثانية :مىت يكرب
تكب رية اإلح رام؟ .والثالث ة :إذا ارتج علي ه ه ل يفتح علي ه أم ال؟ .والرابع ة :ه ل جيوز أن يك ون
موضعه أرفع من موضع املأمومني؟.
فأما هل يؤمن اإلمام إذا فرغ من قراءة أم الكتاب :فإن مال ًكا ذهب يف رواية ابن القاسم
عن ه واملص ريني أن ه ال ي ؤمن ،وذهب مجه ور الفقه اء إىل أن ه ي ؤمن كاملأموم س واء ،وهي رواي ة
املدنيني عن مالك.
41
وسبب اختالفهم :أن يف ذلك حديثني متعارضي الظاهر:
أحدهما :حديث أيب هريرة املتفق عليه يف الصحيح أنه قال رسول اهللِ( :إ َذا ََّأم َن اِإْل َم ُام
فَ َِّأمُن ْوا).
أيضا أنه قال عليه الصالة والسالمِ :إ َذا والحديث الثان :ما خرجه مالك عن أبي هريرة ً
ب َعلَْي ِه ْم َو الَ الضَّالِّنْي َ َ :ف ُق ْولُْواِ :آمنْي َ ).
ضو ِ
ال اِْإل َم ُامَ ( :غرْيِ الْ َم ْغ ُ ْ
قَ َ
فأم ا احلديث األول فه و نص يف ت أمني اإلم ام .وأم ا احلديث الث اين فيس تدل من ه على أن
اإلمام ال يؤمن ،وذلك أنه لو كان يؤمن ملا أمر املأموم بالتأمني عند الفراغ من أم الكتاب قبل
أن يؤمن اإلمام؛ ألن اإلمام كما قال عليه الصالة والسالمِ( :إمَّنَا َج َع َل اِْإل َم ُام لُِي ْؤ مَتَّ بِ ِه) .إال أن
خيص هذا من أقوال اإلمام؛ أعين :أن يكون للمأموم أن يؤمن معه أو قبله ،فال يكون فيه دليل
على حكم اإلمام يف التأمني ،ويكون إمنا تضمن حكم املأموم فقط ،لكن الذي يظهر أن مال ًك ا
ذهب م ذهب ال رتجيح للح ديث ال ذي رواه ،يك ون الس امع ه و املؤمن ال ال داعي .وذهب
اجلمهور لرتجيح احلديث األول ،وألنه ليس فيه شيء من حكم اإلمام ،وإمنا اخلالف بينه وبني
احلديث اآلخر يف موضع تأمني املأموم فقط ،ال يف هل يؤمن اإلمام أو ال يؤمن ،فتأمل هذا.
أيض ا أن يت أول احلديث األول ب أن يق ال :إن مع ىن قول ه( :فَ ِإ َذا ََّأم َن فَ َِّأمُن ْوا) أي:
وميكن ً
فإذا بلغ موضع الت أمني ،وقد قي ل :إن الت أمني هو الدعاء وهذا ع دول عن الظاهر لش يء غري
ضو ِ
ب َعلَْي ِه ْم َو الَ مفهوم من احلديث إال بقياس :أعين :أن يفهم من قوله :فإذا قالَ ( :غرْيِ الْ َم ْغ ُ ْ
الضَّالِّنْي َ ) فَ َِّأمُن ْوا ،فإنه ال يؤمن اإلمام.
قوم ا قالوا :ال يكرب إال بعد متام اإلقامة ،واستواء الصفوف، وأما مىت يكرب اإلمام :فإن ً
وهو مذهب مالك والشافعي ومجاعة .وقوم قالوا :إن موضع التكبري هو قبل أن يتم اإلقامة،
واستحسنوا تكبريه عند قول املؤذن :قد قامت الصالة ،وهو مذهب أيب حنيفة والثوري وزفر.
اخلالف يف ذل ك :تع ارض ظ اهر ح ديث أنس وح ديث بالل .أم ا ح ديث أنس فق ال:
ِ
َأْقبَ َل علينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قبل أن يكرب فـي الصالة ،فقالَ( :أقْي ُم ْوا ُ
ص ُف ْوفُ ُك ْم،
42
اص ْوا ،فَِإىِّن ََأرا ُك ْم ِم ْن َو َر ِاء ظَ ْه ِري) ،وظاهر هذا أن الكالم منه كان بعد الفراغ من اإلقامة،
َوَتَر ُ
مثل ما روي عن عمر أنه كان إذا متت اإلقامة واستوت الصفوف حينئذ يكرب .وأما حديث
بالل فإن ه روي :أن ه ك ان يقبم للن يب ص لى اهلل علي ه وس لم ،فك ان يق ول ل ه :ي ا رس ول اهلل ال
تَ ْسبِ ْقيِن بآمني ،خرجه الطحاوي .قالوا :فهذا يدل على أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان
يكرب واإلقامة مل تتم.
وأم ا اختالفهم يف الفتح على اإلم ام إذا ارتج علي ه :ف إن مال ًك ا والش افعي وأك ثر العلم اء
أجازوا الفتح عليه ،ومنع ذلك الكوفيون.
وسبب اخلالف يف ذلك :اختالف اآلثار ،وذلك :أنه روي :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه
وس لم ت ردد فـي آي ة ،فال انص رف ق الَ( :أيْ َن ُأيَبٌَّ ،أمَلْ يَ ُك ْن فِـي اْل َق ْوِم؟) ،أي :يري د الفتح عي ه.
وروي عنه عليه الصالة والسالم أنه قال( :اَل َي ْفتَ ُح َعلَى اِإْل َم ِام) ،واخلالف يف ذلك يف الصدر
األول ،واملنع مشهور عن علي ،واجلواز عن ابن عمر مشهور.
قوم ا أجازوا أن يكون أرفع من موضع املأمومني ،وقوم منعوا
وأما موضع اإلمام :فإن ً
ذلك ،وقوم استحبوا من ذلك اليسري ،وهو مذهب مالك.
وسبب اخلالف يف ذلك حديثان متعارضان:
َّاس َعلَى الْ ِمْنرَبِ لُِي َعلِّ َم ُه ُم
َ ن ال ُُأم
ُّ مَال الس
َّ وَ ة
ُ ال
َ الص
َّ أح) ) ))دهما :احلديث الث ابتَ( :أنَّه علَي ِ
ه ُ َْ
الصالََةَ ،وِإنَّهُ َكا َن ِإذَا ََأر َاد َأ ْن يَ ْس ُج َد َنَز َل ِم ْن َعلَى الْ ِمْنرَبِ ).
َّ
والث))اني :م ا رواه أب و داود أن حذيف ة ََّأم الن اس ع ل دك ان ،فأخ ذ ابن مس عود بقميص ه
فجذبه .فلما فرغ من صالته قال :أمل تعلم أهنم كانوا ينهون عن ذلك ،أو ينهى عن ذلك؟.
وقد اختلفوا هل جيب عل اإلمام أن ينوي اإلمامة أم ال؟ فذهب قوم إىل أنه ليس ذلك
اهلل صلى اهلل عليه وسلم َب ْع َد ُد ُخ ْولِ ِه
ب رسو ِل ِِ ِإ
بواجب عليه؛ حلديث ابن عباسَ( :أنَّهُ قَ َام ىَل َجْن َ ُ ْ
الصالَِة) ،ورأى قوم أن هذا حمتمل ،وأنه ال بد من ذلك ،إذا كان حيمل بعض أفعال الصالة يِف َّ
فرضا أو نفالً عن املأمو مني.
عن املأمومني ،وهذا على مذهب من يرى أن اإلمام حيمل ً
43
الفصل الثالث :في مقام المأموم من اإلمام ،واألحكام الخاصة بالمأمومين
ويف هذا الباب خس مسائل:
المسألة األولى :موقف اإلمام واملأمومني
اتفق مجهور العلماء عل أن سنة الواحد املنفرد أن يقوم عن ميني اإلمام لثبوت ذلك من
ح ديث ابن عب اس وغ ريه ،وأهنم إن ك انوا ثالث ة س وى اإلم ام ق اموا وراءه ،واختلف وا إذا كان ا
اث نني س وى اإلم ام :ف ذهب مال ك والش افعي إىل أهنا يقوم ان خل ف اإلم ام .وق ال أب و حنيف ة
وأصحابه والكوفيون :بل يقوم اإلمام بينهما.
والسبب يف اختالفهم أن يف ذلك حديثني متعارضني:
ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه ِ ِ
ت َع ْن يَ َس ا ِر َر ُس ْول اهلل َ أح) ))دهها :ح ديث ج ابر بن عبداهلل ق ال( :قُ ْم ُ
ِ ِِ ِ
ض َأ ،مُثَّ َج اءَ َف َق َام َأد َاريِن َحىَّت َأقَ َاميِن َع ْن مَي ْين ه ،مُثَّ َج اءَ َج ابِْر بْ ُن َ
ص ْخ ٍر َفَت َو َّ َأخ َذ بِيَ دي فَ َ
َو َس لَّ َم ،فَ َ
َأخ َذ بَِأيْ ِد ْينَا مَجِ ْي ًعا فَ َد َف َعنَا َحىَّت قُ ْمنَا َخ ْل َفهُ). ِ ِ
َع ْن يَ َسا ِر َر ُس ْول اهلل َ
صلَّى اهلل َعلَْيه َو َسلَّ َم ،فَ َ
والحديث الثاني :حديث ابن مسعود أنه صلى بعلقمة واألسود فقام وسطهيا ،وأسنده
إىل الن يي ص لى اهلل علي ه وس لم ق ال أب و عم ر :واختل ف رواة ه ذا احلديث ،فبعض هم أوقف ه
وبعضهم أسنده ،والصحيح أنه موقوف.
وأما أن سنة املرأة أن تقف خلف الرجل أو الرجال إن كان هنالك رجل سوى اإلمام،
أو خلف اإلمام إن كانت وحدها ،فال أعلم يف ذلك خالفًا لثبوت ذلك من حديث أنس الذي
ص لَّى بِ ِه َوبِ ُِّأم ِه َْأو َخالَتِ ِه ،قال :فََأقَ َاميِن َع ْن مَيِْينِ ِه ِ
صلَّى اهللُ َعلَْيه َو َس لَّ َم َ خرجه البخاريَّ :
(َأن النَّيِب َّ َ
ت َأنَا َوالْيَتِْي ُم َو َراءَهُ َعلَْي ِه
ص َف ْف ُ
أيض ا مالك أنه قال( :فَ َ َوَأقَ َام الْ َم ْرَأَة َخ ْل َفنَ ا) ،والذي خرجه عنه ً
السالَ ُم َوالْ َع ُج ْو ُز ِم ْن َو َراِئنَا
الصالَةُ َو َّ
َّ
44
وس نة الواحد عند اجلمهور أن يق ف عن ميني اإلم ام ،حلديث ابن عباس حني ب ات عند
ميمونه ،وقال قوم :بل عن يساره .وال خالف يف أن املرأة الواحدة تصلي خلف اإلمام ،وأهنا
إن كانت مع الرجل صلى الرجل إىل جانب اإلمام واملرأة خلفه.
المسألة الثانية :الصف األول
ص الص فوف وتس ويتها؛
أمجع العلم اء على أن الص ف األول م رغب في ه ،وك ذلك ت َراَ ُّ
لثبوت األمر بذلك عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،واختلفوا إذا صلى إنسان خلف الصف
وحده :فاجلمهور على أن صالته جتزئ .وقال أمحد وأبو ثور ومجاعة :صالته فاسدة.
وس بب اختالفهم ،اختالفهم يف تص حيح ح ديث وابص ة وخمالف ة العم ل ل ه ،وح ديث
ِ ِئ
ف)َ ،و َك ا َن الشافعي يرى أن
الص ِّ
ف َّص الََة ل َق ا ِم َخ ْل َ
وابصة هر أنه قال عليه الصالة والالم( :اَل َ
ه ذا يعارض ه قي ام العج وز وح دها خل ف الص ف يف ح ديث أنس ،وك ان أمحد يق ول :ليس يف
ذل ك حج ة ،ألن سنة النساء هي القيام خل ف الرجال .وك ان أمحد كما قلنا يص حح حديث
وابصة ،وقال غريه :هو مضطرب اإلسناد ال تقوم به حجة .واحتج اجلمهور حبديث أيب بَ ْك َرةَ:
(ز َاد َك اهللُ
أنه ركع دون الصف فلم يأمره رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باإلعادة ،وقال لهَ :
ص اَ ،واَل َتعُ ْد) ،ول و محل ه ذا على الن دب مل يكن تع ارض؛ أع ين :بني ح ديث وابص ة ِ
ح ْر ً
وحديث أيب بكرة.
المسألة الثالثة :اإلسراع إىل الصالة
اختل ف الص در األول يف الرج ل يري د الص الة فيس مع اإلقام ة ،ه ل يس رع املش ي إىل
املس جد أم ال؟ خماف ة أن يفوت ه ج زء من الص الة؟ ف روي عن عم رو وابن مس عود أهنم ك انوا
يسرعون املشي إذا مسعوا اإلقامة .وروي عن زيد بن ثابت وأيب ذر وغريهم من الصحابة :أهنم
كانوا ال يرون السعي ،بل أن تؤتى الصالة بوقار وسكينة .وهبذا القول قال فقهاء األمصار،
الص الَِة فَاَل تَْأُت ْو َه ا َوَأْنتُ ْم تَش عُ ْو َنَ ،وْأُت ْو َه ا َو َعلَْي ُك ْم
ب بِ َّ
حلديث أيب هري رة الث ابتِ( :إ َذا ثُ ِّو َ
الس ِكْينَةُ).
َّ
45
ويشبه أن يكون اخلالف يف ذلك أنه م يبلغهم هذا احلديث ،أو رأوا أن الكتاب يعارضه
لقول ه تع اىل( :فَس تَبِ ُقوا اخْل ي ر ِ
الس ابُِق ْو َن-و ُألَِئ َ
ك الس ابُِق ْو َن َّ
ات ،البق رة .)١٤٨ :وقول هَ :و َّ ْ ْ َْ َ
ـفَر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم ،آل عم ران.)١٣٣ : الْم َقَّرب و َن ،الواقع ة )11-10 :وقول ه( :وس ا ِرعوا ِإىَل م ْغ ِ
َ ََ ُ ُ ُْ
وباجلمل ة فأص ول الش رع تش هد باملب ادرة إىل اخلري ،لكن إذا ص ح احلديث؛ وجب أن تس تثىن
الصالة من بني سائر أعمال القرب.
المسألة الرابعة :مىت ينهض للصالة
مىت يستحب أن يقام إىل الصالة ،فبعض استحسن البدء يف أول اإلقامة على األصل يف
وبعض عن د قول ه :ق د ق امت الص الة ،وبعض هم عن د :حي على الفالح،
ٌ ال رتغيب يف املس ارعة،
حدا كمالك رضي اهلل عنه ،فإنه وكل
وبعضهم قال :حىت يروا اإلمام ،وبعضهم مل حيد يف ذلك ً
ذل ك إىل ق در طاق ة الن اس .وليس يف ه ذا ش رع مس موع إال ح ديث أيب قت ادة أن ه ق ال علي ه
الص اَل ةُ فَاَل َت ُق ْو ُم ْوا َحىَّت َت َر ْويِن ) ،فإن صح هذا وجب العمل به،
ت َّالصالة والسالمِ( :إذَا ُأقِيم ِ
َْ
وإال فاملسألة باقية على أصلها املعفو عنه؛ أعين :أنه ليس فيها شرع ،وأنه مىت قام كل فحسن.
المسألة الخامسة :للداخل وراء اإلمام أن يركع دون الصف مث يدب راكعا
ذهب مال ك وكث ري من العلم اء إىل أن ال داخل وراء اإلمام إذا خ اف ف وات الركع ة ب أن
يرفع اإلمام رأسه منها إن متادى حىت يصل إىل الصف األول ،أن له أن يركع دون الصف األول
راكع ا ،وكره ذلك الشافعي ،وفرق أبو حنيفة بني اجلاعة والواحد ،فكرهه للواحد،
مث يدب ً
وأجازه للجماعة .وما ذهب إليه مالك مروي عن زيد بن ثابت وابن مسعود.
وس بب اختالفهم :اختالفهم يف تص حيح ح ديث أيب بك رة ،وه و :أن ه دخ ل املس جد
ورس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم يص لي بالن اس وهم رك وع ،فرك ع مث س عى إىل الص ف ،فال
انصرف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال( :م ِن َّ ِ
(ز َاد َك اهللُ
الساعي؟) قال أبو بكرة أنا ،قالَ : َ
صاَ ،واَل َتعُ ْد). ِ
ح ْر ً
46
الفصل الرابع :في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه اإلمام
وأمجع العلم اء على أن ه جيب على املأموم أن يتب ع اإلم ام يف مجي ع أقوال ه وأفعال ه إال يف
جالس ا ملرض عن د من أج از إمام ة اجلالس .وأم ا
قول ه :مسع اهلل ملن محده ،ويف جلوس ه إذا ص ل ً
اختالفهم يف قول ه :مسع اهلل ملن م ده ،ف إن طائف ة ذهبت إىل أن اإلم ام يق ول إذا رف ع رأس ه من
الرك وع :مسع اهلل ملن حده فق ط ،ويق ول املأموم :ربن ا ول ك احلمد فق ط ،ومن ق ال هبذا القول
مجيع ا :مسع اهلل
مالك وأبو حنيفة وغريها .وذهبت طائفة أخرى إىل أن اإلمام واملأموم يقوالن ً
معا اإلمام كسائر التكبري سواء .وقد روي عن
ملن محده ربنا ولك احلمد ،وأن املأموم يتبع فيها ً
مجيعا.
مجيعا ،وال خالف يف املنفرد :أعين أنه يقو هلما ً
أيب حنيفة أن املنفرد واإلمام يقو الهنما ً
وسبب االختالف يف ذلك حديثان متعارضان:
أحدها :حديث أنس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قالِ(:إمَّنَا َج َع َل اْإِل َم ُام لُِي ْؤ مَتَّ بِ ِه ،فَ ِإ َذا
ِ
ك احْلَ ْم ُد). ال مَسِ َع اهللُ ل َـم ْن مَحِ َدهُ َف ُق ْولُْواَ :ربَّنَا َولَ َ
َر َك َع فَ ْار َكعُواَ ،وِإذَا َرفَ َع فَ ْار َفعُواَ ،وِإذَا قَ َ
ص لَّى اهللُ َعلَْيهش َو َس لَّ َم َك ا َن ِإ َذا ا ْفتَتَ َح والح ) ))ديث الث ) ))اني :ح ديث ابن عم رَ« :أنَّهُ َ
ال :مَسِ َع ض اَ ،وقَ َ ِ الصالََةَ ،رفَ َع يَ َديْ ِه َح ْذ َو َمْن ِكَبْي ِهَ ،وِإ َذا َرفَ َع َرْأ َسهُ ِم َن ُّ
ك َأيْ ًالر ُك ْو ِع َر َف َع ُه َم ا َك َذل َ َّ
ِ
ك احْلَ ْم ُد). اهللُ ل َـم ْن مَحِ َدهَُ ،ربَّنَا َولَ َ
فمن رجح مفهوم حديث أنس قال :ال يقول املأموم :مسع اهلل ملن محده ،وال اإلمام :ربنا
ولك احلمد ،وهو من باب دليل اخلطاب ،ألنه جعل حكم املسكوت عنه خبالف حكم املنطوق
به .ومن رجح حديث ابن عمر قال :يقول اإلمام :ربنا ولك احلمد ،وجيب على املأموم أن يتبع
اإلمام يف قوله :مسع اهلل ملن حده ،لعموم قولهِ :إمَّنَا ُجعِ َل اِْإل َم ُام لُِيْؤ مَتَّ بِِه) ومن جبمع بني احلديثني
فرق يف ذلك بني اإلمام واملأموم.
واحلق يف ذل ك أن ح ديث أنس يقتض ي ب دليل اخلط اب أن اإلم ام ال يق ول :ربن ا ول ك
نص ا أن اإلمام يقول
احلمد ،وأن املأموم ال يقول :مسع اهلل ملن محده .وحديث ابن عمر يقتضي ً
ربنا ولك احلمد ،فال جيب أن يرتك النص بدليل اخلطاب؛ فإن النص أقوى من دليل اخلطاب.
47
وحديث أنس يقتضي بعمومه أن املأموم يقول :مسع اهلل ملن محده بعموم قولهِ( :إمَّنَا ُجعِ َل اِْإل َم ُام
لُِي ْؤ مَتَّ بِ ِه) ،وبدليل خطابه أال يقوهلا ،فوجب أن يرجح بني العموم ودليل اخلطاب ،وال خالف
أيض ا يف القوة والضعف ،ولذلك ليس
أن العموم أقوى من دليل اخلطاب ،لكن العموم خيتلف ً
يبعد أن يكون بعض أدلة اخلطاب أقوم من بعض أدلة العموم ،فاملسألة لعمري اجتهادية :أعين:
يف املأموم.
وأما المسألة الثانية :صالة القائم خلف القاعد
وهي صالة القائم خلف القاعد ،فإن حاصل القول فيها :أن العلماء اتفقوا على أنه ليس
هلل قَانِتِنْي َ ،البقرة:
للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا كان منفردا أو إماما لقوله تعاىل( :و ُقوم وا ِ
َ ُْْ ً ً ً
قاعدا على ثالثة صحيحا فصلى خلف إمام مريض ،يصلى ً ً .)٢٣٨واختلفوا إذا كان املأموم
أق وال :أح))دها :أن املأموم يص لي خلف ه قاع ًدا ،وممن ق ال هبذا الق ول أمحد وإس حاق ،والق))ول
قيام ا ،قال أبو عم ر بن عب دالرب :وعلى هذا مجاعة فقهاء األمصار:
الث))اني :أهنم يصلون خلفه ً
الشافعي وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر وأبو ثور وغريهم ،وزاد هؤالء فقال:
قيام ا وإن ك ان ال يق وى على الرك وع والس جود ب ل ي ؤمى إمياءًا .وروى ابن
يص لون وراءه ً
قعودا بطلت صالهتم ،وقد روى
قياما أو ً
القاسم :أنه ال جتوز إمامة القاعد ،وأنه إن صلوا خلفه ً
عن مالك أهنم يعيدون الصالة يف الوقت ،وهذا إمنا بين عل الكراهة ال على املنع ،واألول هو
املشهور عنه.
وس بب االختالف :تع ارض اآلث ار يف ذل ك ومعارض ة العم ل لآلث ار :أع ين :عم ل أه ل
املدينة عند مالك ،وذلك :أن يف ذلك حديثني متعارضني:
ِ
صلُّ ْوا ُقعُ ْو ًدا)، (وِإذَا َ
صلَّى قَاع ًدا فَ َ أحدهما :حديث أنس وهو قوله عليه الصالة والسالمَ :
1
جالس ا وصلى وراءه
ً وحديث عائشة يف معناه ،وهو :أنه صلى اهلل عليه وسلم صلى وهو شاك
1شاك أصله شاكى من السكاية وهو المرض ،أي أىه صلى هللا عليه وسلم صلى وهو مريض
48
قيام ا ،فأشار إليهم أن اجلسوا ،فلما انصرف قالِ( :إمَّنَا ُجعِ َل اِإْل َم ُام لُِي ْؤ مَتَّ بِ ِه ،فَ ِإذَا َر َك َع قوم ً
ِ
اجلُ ْو ًسا). صلُّ ْو ُ فَ ْار َكعُ ْوا َوِإذَا َرفَ َع فَ ْار َفعُ ْواَ ،وِإذَا َ
صلَّى َجال ًسا فَ َ
اهلل َخَر َج فِـي َمَر ِض ِه الَّ ِذي ُت ُويِّفَ ِمْن هُ ،فََأتَى (َأن رسو َل ِ
والحديث الثاني :حديث عائشةْ ُ َ َّ :
َأش َار ِإلَْي ِه َر ُس ْو ُل اهلل صلى صلِّي بِالن ِ ِئ ِ
استَْأ َخَر َأبُ ْو بَ ْك ٍر ،فَ َ
َّاس ،فَ ْ الْ َم ْسج َد َف َو َج َد َأبَا بَ ْك ٍر َو ُه َو قَا ٌم يُ َ
ب َأيِب بَ ْك ٍر ،فَ َك ا َن اهلل صلى اهلل عليه وسلم ِإىَل َجْن ِ اهلل عليه وسلم َأ ْن َكم ا َأنْت ،فَجلَس رس و ُل ِ
َ َ َ َ َ ُْ
صاَل ِة َأيِب بَ ْك ٍر)،صلُّ ْو َن بِ َ َّاس يُ َصاَل ة َر ُس ْول اهلل صلى اهلل عليه وسلمَ ،و َكا َن الن ُ
َأبو ب ْك ٍر يصلِّي بِ ِ ِ
َ ُْ َ ُ َ
ف ذهب الن اس يف ه ذين احلديثني م ذهبني :م ذهب النس خ ،وم ذهب ال رتجيح .فأم ا من
ذهب مذهب النسخ فإهنم قالوا :إن ظاهر حديث عائشة وهو :أن النيب عليه الصالة والسالم
مسمعا؛ ألنه ال جيوز أن يكون إمامان يف صالة واحدة ،وإن
ً كان يؤم الناس ،وأن أبا بكر كان
جالس ا ،فوجب أن يكون هذا من فعله
قياما ،وإن النيب عليه الصالة والسالم كان ً
الناس كانوا ً
ناسخا لقوله وفعله املتقدم.
عليه الصالة والسالم ،إذ كان آخر فعله ً
وأما من ذهب مذهب الرتجيح فإهنم رجحوا حديث أنس بأن قالوا :إن هذا احلديث قد
اضطربت الراوية عن عائشة فيه فيمن كان اإلمام ،هل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أو أبو
بكر؟ وأما مالك فليس له مستند من الساع؛ ألن كال احلديثني اتفقا عل جواز إمامة القاعد،
وإنا اختل ًف ا يف قيام املأموم أو قعوده ،حىت إنه لقد قال أبو حممد بن حزم :إنه ليس يف حديث
ودا ،وليس جيب أن ي رتك املنص وص علي ه لش يء م ينص
قيام ا وال قع ً
عائش ة أن الن اس ص لوا ال ً
عليه.
50
القراءة فيما أسر فيه اإلما وبالثاين قال أبو حنيفة ،وبالثالث قال الشافعي ،والتفرقه بني أن يسمع
أو ال يسمع هو قول أمحد بن حنبل.
والسبب يف اختالفهم :اختالف األحاديث يف هذا الباب وبناء بعضها على بعض ،وذلك
أن يف ذلك أربعة أحاديث:
أح ) ))دها :قول ه علي ه الص الة والس الم( :اَل ص اَل َة ِإاَّل بَِفاحِت َ ِة الْ ِكتَ ِ
اب) .وم ا ورد من َ
األحاديث يف هذا املعىن ما ذكرناه يف باب وجوب القراءة.
والثاني :ما روى مالك عن أيب هريرة :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم انصرف من
َأح ٌد آنًِف ا؟) ،فقال رجل :نعم أنا يا رسول ِ ِ
(ه ْل َق َرَأ َمعي مْن ُك ْم َ
صالة جهر فيها بالقراءة فقالَ :
اهلل ،فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمِ« :إيِّن َأُق ْو ُل َمالِـي ُأنَازِعُ اْل ُق ْرآ َن) ،فانتهى الناس عن
القراءة فيما جهر فيه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
والث))الث :ح ديث عُبَ َاد َة بن الص امت ق ال :ص لى بن ا رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم
صالة الغداة فثقلت عليه القراءة ،فتا الصرف قالِ( :إيِّن ََأرا ُك ْم َت ْق َرءُْو َن َو َراءَ اِْإل َم ِام) قلنا :نعم،
آن) .ق ال أب و عم ر :وح ديث عب ادة بن الص امت هن ا من رواي ة ق ال( :فَاَل َت ْفعلُ وا ِإاَّل بِ ُِّأم الْ ُق ر ِ
ْ َ ْ
مكحول وغريه متصل السند صحيح.
(م ْن َك ا َن لَ هُ ِإ َم ٌام
والح))ديث الرابع :حديث جابر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قالَ :
أيضا حديث خامس صححه أمحد بن حنبل ،وهو ما روي أنه قال ِ ِ
فَقَراءَتُهُ لَهُ قَراءَةٌ) ،ويف هذا ً
عليه الصالة والسالمِ( :إ َذا َقرَأ اِْإل مام فََأنْ ِ
صُت ْوا). َ َُ
فاختلف الناس يف وجه مجع هذه األحاديث .فمن الناس من استثىن من النهي عن القراءة
فيما جهر فيه اإلمام قراءة أم القرآن فقط ،على حديث عبادة بن الصامت ،ومنهم من استثىن
من عموم قوله عليه الصالة والسالم( :اَل صاَل ةَ ِإالَّ بَِفاحِت َ ِة الْ ِكتَ ِ
اب) املأموم فقط يف صالة اجلهر، َ
ملكان النهي الوارد عن القراءة فيما جهر فيه اإلمام يف حديث أيب هريرة أكد ذلك بظاهر قوله
تعاىل( :وِإذَا قُ ِرَئ اْل ُقـرَأ ُن فَاستَ ِمعوا لَه وَأنْ ِ
ص ُت ْوا لَ َعلَّ ُك ْم ُتْرمَحُ ْو َن) األعراف .٢٠٤ :وهذا إمنا ورد ْ ُْ ُ َ ْ َ
51
ىف الص الة ،ومنهم من اس تثىن الق راءة الواجب ة على املص ل املأموم فق ط س ًرا ك انت الص الة أو
مصريا إىل حديث جابر،
جهرا ،وجعل الوجوب الوارد يف القراءة يف حق اإلمام واملنفرد فقطً ،
ً
(وا ْقَرْأ َما
وهو مذهب أيب حنيفة ،فصار عنده حديث جابر خمصصا لقوله عليه الصالة والسالمَ :
ك َف َق ْط) ،ألنه ال يرى وجوب قراءة أم القرآن يف الصالة ،وإمنا يرى وجوب القراءة َتيَ َّس َر َم َع َ
مرفوع ا إال ج ابر اجْلُ ْع ِف َي ،وال حج ة يف ش يء مما
ً مطل ًق ا على م ا تق دم ،وح ديث ج ابر مل ي روه
فوعا عن جابر. ينفرد به .قال أبو عمر :وهو حديث ال يصح إال مر ً
الفصل السابع :في األشياء التي إذا فسدت لها صالة اإلمام يتعدى الفساد إلى
المأمومين
واتفقوا على أنه إذا طرأ عليه احلدث يف الصالة فقطع أن صالة املأمومني ليست تفسد.
واختلف وا إذا ص لى هبم وه و جنب وعلم وا ب ذلك بع د الص الة ،فق ال ق وم :ص الهتم ص حيحة،
وقال قوم :صالهتم فاسدة ،وفرق قوم بني أن يكون اإلمام عاملاً جبنابته أو ناسيًا هلا ،فقالوا :إن
كان عاملاً فسدت صالهتم ،وإن كان ناسيًا مل تفسد صالهتم ،وباألول قال الشافعي ،وبالثاين
قال أبو حنيفة ،وبالثالث قال مالك.
وسبب اختالفهم هل صحة انعقاد صالة املأموم مرتبطة بصحة صالة اإلمام ،أم ليست
مرتبطة؟ فمن مل يرها مرتبطة قال :صالهتم جائزة ،ومن رآها مرتبطة قال :صالهتم فاسدة ،ومن
الس اَل ُم َكَّبَر فِـي
فرق بني السهو والعمد قصد إىل ظاهر األثر املتقدم ،وهوَ( :أنَّهُ َعلَْي ِه الصَّاَل ةُ َو َّ
ب مُثَّ َر َج َع َو َعلَى ِج ْس ِم ِه آ َث ُر الْ َم ِاء) .فإن ات ،مُثَّ َ ِإ ِ ِ
َأش َار لَْيه ْم َأن ْام ُك ُث ْوا ،فَ َذ َه َ
الص لَو ِ ٍِ
ص اَل ة م َن َّ َ
َ
ظاهر هذا أهنم بنوا على صالهتم ،والشافعي يرى أنه لو كانت الصالة مرتبطة للزم أن يبدءوا
بالصالة مرة ثانية.
53
وأم ا ش روط اجلمع ة ف اتفقوا على أهنا ش روط الص الة املفروض ة بعينه ا؛ أع ين :الثماني ة
املتقدمة ما عدا الوقت واألذان ،فإهنم اختلفوا فيهما ،وكذلك اختلفوا يف شروطها املختصة هبا.
أم ا ال وقت ف إن اجلمه ور ع ل أن وقته ا وقت الظه ر بعين ه؛ أع ين :وقت ال زوال ،وأهنا ال
جتوز قبل الزوال ،وذهب قوم إىل أنه جيوز أن تصلى قبل الزوال وهو قول أمحد بن حنبل.
خرج ه والس بب يف ه ذا االختالف يف مفه وم اآلث ار ال واردة يف تعجي ل اجلمع ة مث ل م ا ّ
ص لَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َس لَّ َم ِ ِ
(ما ُكنَّا َنَتغَدَّى َعلَى َع ْهد َر ُس ْول اهلل َ البخاري عن سهل بن سعد أنه قالَ :
ص ِر ُف ْو َن َو َم ا لِْل ُج ْد َر ِان ِ ِ
َواَل نَقْي ُل ِإاَّل َب ْع َد اجْلُ ْم َع ة) .ومث ل م ا رويَ( :أنَّ ُه ْم َك انُ ْوا يُ َ
ص لُّ ْو َن َو َيْن َ
َأظْاَل ٌل) .فمن فهم من هذه اآلثار الصالة قبل الزوال أجاز ذلك ،ومن مل يفهم منها إال التكبري
فقط مل جيز ذلك ،لئال تتعارض األصول يف هذا الباب ،وذلك أنه قد ثبت من حديث أنس بن
(َأن النَّيِب َكا َن يص لِّي اجْل مع ِة ِح تَ ِ
وأيض ا فإهنا ملا كانت ب داًل من الظهر
س)ً ،ُ م
ْ الش
َّ ل
ُ ي
ْ ـم ُ َ ُ ُ َ نْي َ مالكَّ َّ :
وجب أن يكون وقتها وقت الظهر ،فوجب من طريق اجلمع بني هذه اآلثار أن حتمل تلك على
نصا يف الصالة قبل الزوال ،وهو الذي عليه اجلمهور.
التبكري ،إذ ليست ً
وأم ا األذان ف إن مجه ور الفقه اء اتفق وا على أن وقت ه ه و إذا جلس اإلم ام على املن رب،
واختلفوا هل يؤذن بني يدي اإلمام مؤذن واحد فقط أو أكثر من واحد؟ فذهب بعضهم إىل أنه
إمنا يؤذن بني يدي اإلمام مؤذن واحد فقط ،وهو الذي حيرم به البيع والشراء .وقال آخرون:
بل يؤذن اثنان فقط .وقال قوم :بل إمنا يؤذن ثالثة.
والس بب يف اختالفهم؛ اختالف اآلث ار يف ذل ك ،وذل ك أن ه روى البخ اري عن الس ائب
ِّداء ي وم اجْل مع ِة ِإذَا جلَس اِْإل م ام علَى الْ ِمْن ِ علَى عه ِد رس و ِل ِ
اهلل رَب َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُ َ بن يزي د أن ه ق الَ ( :ك ا َن الن َ ُ َ ْ ُ ُ ُ َ
ث ص لى اهلل علي ه وس لم وَأيِب ب ْك ٍر وعم رَ ،فلَ َّما َك ا َن زم ا ُن عثْم ا َن و َكث ر النَّاس زاد الن َ ِ
ِّداءَ الثَّال َ ََ ُ َ َ َُ ُ َ َ َ َ َ َُ َ
اهلل صلى الزور ِاء) .وروي أيضا عن السائب بن يزيد أنه قال( :مَل ي ُكن يوم اجْل مع ِة لِرس و ِل ِ
ْ َ ْ َْ ُ ُُ َ َ ُ ْ ً َعلَى َّ ْ َ
ِ
أيض ا عن سعيد بن املسيب أنه قالَ ( :ك ا َن اَْأل َذا ُن َي ْو ُم اهلل عليه وسلم ِإاَّل ُم َؤ ذِّ ٌن َواح ٌد) .وروى ً
اح ًدا ِحنْي َ خَي ْ ُر ُج اجْل مع ِة علَى عه ِد رس و ِل ِ
اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم وَأىِب ب ْك ٍر وعم ر َأ َذانً ا و ِ
َ َ َ َ َُ َ ُُ َ َ َ ْ َ ُ ْ
54
َّاس لِْل ُج ُم َع ِة) .وروى ابن
ُ ن ال َأ ي
َّ ه
َ ت
ََياَأْلو َل لِ
َّاس َف َز َاد اَْألذَا َن َّ ِإل
اْ َم ُامَ ،فلَ َّما َكا َن َز َما ُن ُعثْ َما َن َو َك ُث ُر الن ُ
(َأن الْم ذِّنِ َكانُوا يوم اجْل مع ِة علَى عه ِد رسو ِل ِ
اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثَاَل ثَةٌ). حبيبَ ُ َّ :ؤ نْي َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ ُ ْ
ف ذهب ق وم إىل ظ اهر م ا رواه البخ اري ،وق الوا :ي ؤذن ي وم اجلمع ة مؤذن ان .وذهب
َّاس َز َاد
آخ رون إىل أن املؤذن واح د فق الوا :إن مع ىن قول هَ ( :فلَ َّما َك ا َن َز َم ا ُن عُثْ َم ا َن َو َك ُث َر الن ُ
ث) ،أن الن داء الث اي ه و اإلقام ة ،وأخ ذ آخ رون مبا رواه ابن ح بيب ،وأح اديث ابن الن َ ِ
ِّداءَ الثَّال َ
حبيب عند أهل احلديث ضعيفة وال سيما فيما انفرد به.
وأم ا ش روط الوج وب والص حة املختص ة لي وم اجلمع ة ،ف اتفق الك ل على أن من ش رطها
اجلماعة ،واختلفوا يف مقدار اجلماعة ،فمنهم من قال :واحد مع اإلمام وهو الطربي ،ومنهم من
ق ال :اثن ان س وى اإلم ام ،ومنهم من ق ال :ثالث ة دون اإلم ام ،وه و ق ول أيب حنيف ة .ومنهم من
عددا ،ولكن
اشرتط أربعني ،وهو قول الشافعي وأمحد .وقال قوم :ثالثني .ومنهم من مل يشرتط ً
رأى أنه جيوز مبا دون األربعني .وال جيوز بالثالثة واألربعة ،وهو مذهب مالك ،وحدهم بأهنم
الذين ميكن أن تتقرى هبم قرية.
وسبب اختالفهم يف هذا :اختالفهم يف أقل ما ينطلق عليه اسم اجلمع ،هل ذلك ثالثة أو
أربع ة أو اثن ان ،وه ل اإلم ام داخ ل فيهم أم ليس ب داخل فيهم؟ وه ل اجلم ع املش رتط يف ه ذه
الص الة ه و أق ل م ا ينطل ق علي ه اس م اجلم ع يف غ الب األح وال ،وذل ك ه و أك ثر من الثالث ة
واألربعة؟.
فمن ذهب إىل أن الش رط يف ذلك هو أقل ما ينطلق علي ه اسم اجلمع ،وكان عنده أن
أقل ما ينطلق عليه اسم اجلمع اثنان ،فإن كان من يعد اإلمام يف اجلمع املشرتط يف ذلك؛ قال:
تقوم اجلمعة باثنني اإلمام وواحد ثان ،وإن كان ممن ال يرى أن يعد اإلمام يف اجلمع ،قال :تقوم
أيض ا عن ده أن أق ل اجلم ع ثالث ة ،ف إن ك ان ال يع د اإلم ام يف
ب اثنني س وى اإلم ام ،ومن ك ان ً
مجلتهم؛ قال :بثالثة سوى اإلمام ،وإن كان ممن يعد اإلمام يف مجلتهم وافق قول من قال :أقل
اجلم ع اثن ان ومل يع د اإلم ام يف مجلتهم .وأم ا من راعى م ا ينطل ق علي ه يف األك ثر والع رف
55
املستعمل اسم اجلمع؛ قال :ال تنعقد باالثنني وال باألربعة ومل حيد يف ذلك حدًّا ،وملا كان من
شرط اجلمعة االستيطان عنده حد هذا اجلمع بالقدر من الناس الذين ميكنهم أن يسكنوا على
قصريا إىل ما رويَّ :
(َأن َه َذا حدة من الناس ،وهو مالك رمحه اهلل .وأما من اشرتط األ ربعني ً
ت بِالن ِ ِ ٍ
َّاس). الْ َع َد َد َكا َن يِف َأول مُجْ َعة ُ
صلِّيَ ْ
فه ذا ه و أح د ش روط ص الة اجلمع ة ،أع ين :ش روط الوج وب وش روط الص حة ف إن من
مجيع ا ،أعين :أهنا شروط وجوب
الشروط ما هي شروط وجوب فقط ،ومنها ما جيمع األمرين ً
وشروط صحة.
وأما الشرط الثاىن وهو :االستيطان ،فإن فقهاء األمصار اتفقوا عليه التف اقهم على أن
اجلمعة ال جتب على مسافر .وخالف يف ذلك أهل الظاهر إلجياهبم اجلمعة على املسافر .واشرتط
أبو حنيفة املصر والسلطان مع هذا ،ومل يشرتط العدد.
وسبب اختالفهم يف هذا الباب :هو االحتمال املتطرق إىل األحوال الراتبة اليت اقرتنت
هبذه الص الة عن د فعل ه إياه ا ص لى اهلل علي ه وس لّم :ه ل هي ش رط يف ص حتها أو وجوهبا أم
ليست بشرط؟ وذلك أنه مل يصلها صلى اهلل عليه وس لّم إال يف مجاعة ومصر ومسجد جامع.
فمن رأى أن اق رتان ه ذه األش ياء بص الته م ا ي وجب ك و هنا ش رطًا يف ص الة اجلمع ة اش رتطها،
ومن رأى بعض ها دون بعض ،اش رتط ذل ك البعض دون غ ريه كاش رتاط مال ك املس جد وترك ه
اش رتاط املص ر والس لطان .ومن ه ذا الوض ع اختلف وا يف مس ائل كث رية من ه ذا الب اب ،مث ل
اختالفهم هل تقام مجعتان يف مصر واحد أو ال تقام؟
والس بب يف اختالفهم يف اش رتاط األح وال واألفع ال املقرتن ة هبا ه و :ك ون بعض تل ك
األح وال أش د مناس بة ألفع ال الص الة من بعض ،ول ذلك اتفق وا على اش رتاط اجلماع ة ،إذ ك ان
معلوما من الشرع أهنا حال من األحوال املوجودة يف الصالة ،ومل ير مالك املصر وال السلطان
ً
شرطًا يف ذلك ،لكونه غري مناسب ألحوال الصالة ،ورأى املسجد شرطًا لكونه أقرب مناسبة،
لق د اختل ف املت أخرون من أص حابه ه ل من ش رط املس جد الس قف أم ال؟ وه ل من ش رطه أن
56
تك ون اجلمع ة راتب ة في ه أم ال؟ وه ذا كل ه لعل ه تعم ق يف ه ذا الب اب ودين اهلل يس ر .ولقائ ل أن
يقول :إن هذه لو كانت شروطًا يف صحة الصالة ملا جاز أن يسكت عنها عليه الصالة والسالم
ِ وال أن ي رتك بياهنا لقول ه تع اىل( :لِتَُبنِّي َ لِلن ِ
َّاس َم ا نُ ِز َل ِإلَْي ِه ْم) النح ل ،٤٤ :ولقول ه تع اىل( :لتَُبنِّي ُ
اخَتلَ ُف ْوا فِْي ِـه) النحل ،٦٤ :واهلل املرشد للصواب. ِ
هَلُ ْم الَّذي ْ
57
المسألة األولى :الخطبة
هل هي شرط يف صحة الصالة وركن من أركاهنا أم ال؟ فذهب اجلمهور إىل أهنا شرط
وركن .وق ال ق وم :إهنا ليس ت بف رض ،ومجه ور أص حاب مال ك على أهنا ف رض إال ابن
املاجشون.
وسبب اختالفهم هو :هل األصل املتقدم من احتمال كل ما اقرتن هبذه الصالة أن يكون
من ش روطها أو ال يك ون؟ .فمن رأى أن اخلطب ة ح ال من األح وال املختص ة هبذه الص الة،
وخباص ة إذا ت وهم أهنا ع وض من الركع تني الل تني نقص تا من ه ذه الص الة ق ال :إهنا ركن من
أرك ان هذه الص الة وش رط يف ص حتها ،ومن رأى أن املقص ود منه ا ه و املوعظ ة املقص ودة من
سائر اخلطب ،رأى أهنا ليست شرط من شروط الصالة .وإمنا رفع اخلالف يف هذه اخلطبة :هل
اس َع ْوا
هي فرض أم ال؟ لكو هنا راتبة من سائر اخلطب ،وقد احتج قوم لوجو هبا بقوله تعاىل :فَ ْ
ِإىَل ِذ ْك ِر ِ
اهلل) اجلمعة .٩ :وقالوا :هو اخلطبة.
المسألة الثانية :مقدار الخطبة
واختلف الذين قالوا بوجوهبا يف القدر اجملزئ منها ،فقال ابن القاسم :هو أقل ما ينطلق
اسم خطبة يف كالم العرب من الكالم املؤلف املبتدإ حبمد اهلل .وقال الشافعي :أقل ما جيزئ من
قائم ا ،يفص ل إح دامها من األخ رى جبلس ة
ذل ك خطبت ان اثنت ان ،يك ون يف ك ل واح دة منهم ا ً
خفيفة ،حيمد اهلل يف كل واحدة منهما يف أوهلا ،ويصلي على النيب ،ويوصي بتقوى اهلل ويقرأ
شيًئا من القرآن يف األوىل ،ويدعو يف اآلخرة.
والس بب يف اختالفهم ه و :ه ل جيزئ من ذل ك أق ل م ا ينطل ق علي ه االس م اللغ وي؛ أو
االسم الشرعي؟ فمن رأى أن اجملزئ أقل ما ينطلق عليه االسم اللغوي مل يشرتط فيها شيًئا من
األقوال اليت نقلت عنه صلى اهلل عليه وس لّم فيها .ومن رأى أن اجملزئ من ذلك أقل ما ينطلق
عليه االسم الشرعي ،اشرتط فيها أصول األقوال اليت نقلت من خطبه صلى اهلل عليه وس لّم ،
أعين :األقوال الراتبة غري املبتذلة.
58
والسبب يف هذا االختالف أن اخلطبة اليت نقلت عنه فيها أقوال راتبة وغري راتبة :فمن
اعترب األقوال غري الراتبة وغلب حكمها قال :يكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه االسم اللغوي؛
أع ين :اس م خطب ة عن د الع رب .ومن اعت رب األق وال الراتب ة وغلب حكمه ا؛ ق ال :ال جيزئ من
ذلك إال أقل ما ينطلق عليه اسم اخلطبة يف عرف الشرع واستعماله.
وليس من شرط اخلطبة عند مالك اجللوس ،وهو شرط كما قلنا عند الشافعي ،وذلك أنه
من اعترب املعىن املعقول منه من كونه اسرتاحة للخطيب مل جبعله شرطًا ،ومن جعل ذلك عبادة
جعله شرطًا.
المسألة الثالثة :اإلنصات لإلمام
اختلفوا يف اإلنصات يوم اجلمعة واإلمام خيطب على ثالثة أقوال:
فمنهم من رأى أن اإلنصات واجب على كل حال وأنه حكم الزم من أحكام اخلطبة،
وهم اجلمه ور ومال ك والش افعي وأب و حنيف ة وأمحد بن حنب ل ومجي ع فقه اء األمص ار ،وه ؤالء
انقسموا ثالثة أقس ام :فبعضهم أجاز التشميت ورد الس الم يف وقت اخلطبة ،وبه قال الثوري
واألوزاعي وغ ريهم وبعض هم مل جيز رد الس الم وال التش ميت ،وبعض ف رق بني الس الم
والتشميت؛ فقالوا :يرد السالم وال يشمت.
والق ول الث اين مقاب ل الق ول األول ،وه و :أن الكالم يف ح ال اخلطب ة ج ائز إال يف حني
قراءة القرآن فيها ،وهو مروي عن الشعيب وسعيد بن جبري وإبراهيم النخعي.
والق ول الث الث :الف رق بني أن يس مع اخلطب ة أو ال يس معها ،ف إن مسعها أنص ت وإن مل
يسمع جاز له أن يسبح أو يتكلم يف مسألة من العلم ،وبه قال أمحد وعطاء ومجاعة ،واجلمهور
على أنه إن تكلم مل تفسد صالته .وروي عن ابن وهب أنه قال :من لغا فصالته ظهر أربع.
المسألة الرابعة :هل يصل ركعتني إذا دخل واإلمام خيطب
اختلفوا فيمن جاء يوم اجلمعة واإلمام على املنرب :هل يركع أم ال؟ فذهب بعض إىل أنه
ال يركع وهو مذهب مالك ،وذهب بعضهم إىل أنه يركع.
59
والسبب يف اختالفهم معارض ة القي اس لعموم األث ر ،وذل ك أن عموم قول ه عليه الصالة
َأح ُد ُك ْم الْ َم ْس ِج َد َف ْلَي ْر َك ْع َر ْك َعَتنْي ِ ) ،ي وجب أن يرك ع ال داخل يف املس جد ِإ
والس الم ( :ذَا َج اءَ َ
ي وم اجلمع ة وإن ك ان اإلم ام خيطب ،واألم ر باإلنص ات إىل اخلطيب ي وجب دليل ه أن ال يش تغل
بشيء مما يشغل عن اإلنصات وإن كان عبادة ،ويؤيد عموم هذا األثر ما ثبت من قوله عليه
ني َخ ِفْي َفَتنْي ِ ) ،خرجه
َأح ُد ُكم الْمس ِج َد واِْإل َم ُام خَي ْطُب َف ْلَير َك ْع ر ْك َعتَ ِ
ُ ْ َ
ِإ
الصالة والسالمَ ( :ذا َج اءَ َ ْ َ ْ َ
مس لم يف بعض روايات ه ،وأك ثر روايات ه :أن ال ين علي ه الص الة والس الم أم ر الرج ل ال داخل أن
َأح ُد ُك ْم) احلديث ،فيتط رق إىل ه ذا اخلالف يف :ه ل تقب ل زي ادة ِإ
يرك ع ،و مل يق لَ ( :ذا َج اءَ َ
ال راوي الواح د إذا خالف ه أص حابه عن الش يخ األول ال ذي اجتمع وا يف الرواي ة عن ه أم ال؟ ف إن
ص حت الزي ادة وجب العم ل هبا ،فإهنا نص يف موض ع اخلالف ،والنص ال جيب أن يع ارض
بالقياس ،لكن يشبه أن يكون الذي راعاه مالك يف هذا هو العمل.
المسألة الخامسة :ما يقرأ يف صالة اجلمعة
أك ثر الفقه اء على أن من س نة الق راءة يف ص الة اجلمع ة ق راءة س ورة اجلمع ة يف الركع ة
األوىل ملا تكرر ذلك من فعله عليه الصالة والسالم ،وذلك أنه خرج مسلم عن أيب هريرةَّ :
(َأن
رس و َل اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم َك ا َن ي ْق رُأ فِـي ال َّر َكع ِة اُألوىَل بِاجْل مع ِة ،وفِـي الثَّانِي ِة ِ
ب (ِإذَا َ ُُ َ َ َ ْ َ َ َ ُْ
َجاءَ َك الْ ُمنَافِ ُق ْو َن) ،وروى مالك أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشري :ماذا كان يقرأ به
(ه ْلب َرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم اجلمعة على أثر سورة اجلمعة؟ قالَ ( :ك ا َن ي ْق رُأ ِ
ََ
اش ي ِ
ث الْغَ ِ اك ح ِ
اس َم
(س بِّ ِح ْ
َ ب عنده قرأ وإن احلديث، هذا عل العمل مالك واستحب )، ة َ ُ ي
ْ د َأتَ َ َ
َألعلَى) كان حسنًا؛ ألنه مروي عن عمر بن عبدالعزيز ،وأما أبو حنيفة فلم يقف فيها
ك اْ ْ
َربِّ َ
شيًئا.
والسبب يف اختالفهم معارضة حال الفعل للقياس ،وذلك أن القياس يوجب أال يكون
هلا سورة راتبة كاحلال يف سائر الصلوات ،ودليل الفعل يقتضي أن يكون هلا سورة راتبة .وقال
اهلل صلى اهلل عليه وسلم َك ا َن َي ْق َرُأ فِـي
(َأن رس و َل ِ
خرج مسلم عن النعمان بن بشريْ ُ َ َّ :
القاضيَّ :
60
اش يَ ِة) ،ق ال :ف إذا
ث اْلغَ ِ ب (س بِّ ِح اس م ربِّك اَْألعلَى) و (ه ل َأتَ َ ِ
الْعِْي َديْ ِن وفِـي اجْل مع ِة ِ
اك َح ديْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُُ َ َ
اجتمع العيد واجلمعة يف يوم واحد قرأ هبما يف الصالتني ،وهذا يدل على أنه ليس هناك سورة
دائما.
راتبة ،وأن اجلمعة ليس كان يقرأ هبا ً
62