You are on page 1of 35

‫‪0‬‬

‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫فصول من اذلاكرة العمانية‬
‫(‪)2‬‬ ‫اإلصدار السابع والعرشون‬

‫ُ‬
‫اذلاكرة العمانية يف‬

‫حمض قضايئ‬
‫ر‬
‫من دفرت أحاكم القايض أيب زكريا‬

‫بقلم‬
‫‪1‬‬

‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫سلسلة‪ :‬فصول من اذلاكرة العمانية‬
‫احللقة اثلانية‬
‫ُ‬
‫حمض قضايئ من دفرت أحاكم القايض أيب زكريا‬
‫ر‬ ‫يف‬ ‫مانية‬ ‫اذلاكرة الع‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة‬


‫الطبعة الرقمية األول‬
‫رجب ‪1443‬ـه‪ /‬فرباير (شباط) ‪2022‬م‬

‫حمبوب للنشــــــر الرقم‬


‫ُ‬
‫مسقط‪ /‬سلطــــنة عمان‬
‫الربيـــد اإللكـــــرتوين‪:‬‬
‫‪mahboub.pd@gmail.com‬‬
‫‪2‬‬

‫ُ‬
‫اذلاكرة العمانية يف‬

‫حمض قضايئ‬
‫ر‬
‫من دفرت أحاكم القايض أيب زكريا‬
‫‪3‬‬

‫فهرس املحتويات‬
‫‪4‬‬ ‫تمهيد‬ ‫•‬
‫‪5‬‬ ‫ذاكرة األحداث والظواـهر‬ ‫•‬
‫‪11‬‬ ‫ذاكرة األعالم‬ ‫•‬
‫‪13‬‬ ‫ذاكرة الزمان‬ ‫•‬
‫‪15‬‬ ‫ذاكرة املاكن‬ ‫•‬
‫‪17‬‬ ‫ذاكرة املصطلحات واملفاـهيم‬ ‫•‬
‫‪20‬‬ ‫ذاكرة ألفاظ احلضارة‬ ‫•‬
‫‪22‬‬ ‫ذاكرة العلوم واملعارف‬ ‫•‬
‫‪24‬‬ ‫ذاكرة املصادر واملراجع‬ ‫•‬
‫‪25‬‬ ‫نص املحض املخطوط‬ ‫•‬
‫‪4‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم ىلع رسول اهلل‪،‬‬
‫وىلع آهل وصحبه ومن وااله‬

‫• تمهيد‪:‬‬
‫َ‬ ‫هذه الورقة ابلحثية(‪ )1‬تتناول ًّ‬
‫نادرا‪َ ،‬و َرد يف اجلزء اثلامن والعرشين‬
‫نصا ً‬
‫ٌ‬
‫من كتاب (بيان الرشع)(‪ )2‬يف أحاكم القضاء‪ ،‬وهو عبارة عن حمرض قضايئ‬
‫َ َ‬
‫ك َم به َ‬
‫أيام‬ ‫من دفرت أحاكم القايض أيب زكريا حيىي بن سعيد (ت‪472‬ه)‪ ،‬ح‬
‫ٌ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫أقامتها امرأة ىلع‬ ‫بدعوى‬ ‫اكن بزنوى‪ ،‬يف القرن اخلامس اهلجري‪ .‬يتعلق‬
‫صداق عليه‪ ،‬وعيَّنت وكيال هلا يُقيم‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫زوجها اهلالك تطالب فيها بما ل َ َ‬
‫ه‬
‫ٍ‬
‫ادلعوى‪ ،‬فسمع منه القايض‪ ،‬ثم استدىع ورثة الزوج اهلالك‪ ،‬واستدىع‬
‫ً‬
‫شهودا ىلع عقد انلاكح اذلي بينهما‪.‬‬

‫(‪ )1‬أصل هذه املادة‪ :‬ورقة بحثية قدمت يف ندوة القايض أيب زكريا؛ التي عقدها املنتدى األديب يومي الثالثاء‬
‫واألربعاء ‪ 13‬و‪ 14‬ربيع األول ‪1438‬هـ‪ 13 /‬و‪ 14‬ديسمرب ‪2016‬م باملركز الثقايف يف نزوى‪ ،‬ونرشت‬
‫يف الكتاب الذي ضم حصاد الندوة بعنوان‪ :‬قراءات يف فكر القايض أيب زكريا حييى بن سعيد‪ .‬ط‪:1‬‬
‫‪1441‬هـ‪2019 /‬م‪ .‬املنتدى األديب‪ /‬سلطنة عامن‪ .‬وعدّ لت صياغته هنا‪ ،‬وزدته فوائد كثرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬بيان الرشع؛ تأليف‪ :‬حممد بن إبراهيم الكندي (ت‪508‬هـ)‪ .‬اجلزء الثامن والعرشون‪ .‬ط‪1408 :1‬هـ‪/‬‬
‫‪1988‬م‪ .‬وزارة الرتاث القومي والثقافة‪ /‬سلطنة عامن‪ .‬ص‪ .114‬ونقله أيضا الشيخ السعدي يف اجلزء‬
‫السادس والثالثني من قاموس الرشيعة (ط‪1436 :1‬هـ‪2015 /‬م‪ .‬مكتبة اجليل الواعد‪ -‬مسقط‪/‬‬
‫سلطنة عامن)‪ .‬وهذا النص من خبايا زوايا املوسوعات الفقهية العامنية‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫ُ‬
‫ومما يلفت االنتباه يف املحرض‪ :‬اتلفاصيل ادلقيقة اليت يُوردها القايض‬
‫بشأن اسم املدعية‪ ،‬واسم املدىع عليه‪ ،‬وأسماء الشهود وتوثيقهم‪ ،‬وتفاصيل‬
‫الصداق العاجل واآلجل‪ ،‬وبعض ُصور احلياة االجتماعية اليت اكن يعيشها‬
‫ْ ُ‬
‫تفريع يَذكر الرأي الفقيه‪ ،‬ويناقش أدتله‪ ،‬وينص‬
‫ٍ‬ ‫انلاس آنذاك‪ .‬وهو يف لك‬
‫مسواغت ترجيحه‪.‬‬‫ّ‬ ‫ىلع‬
‫وحتاول هذه الورقة أن ترصد – من ثنايا هذا املحرض – صورة املجتمع‬
‫العماين قبل ألف سنة‪ ،‬وتستقرئ معالم اذلاكرة العمانية جبميع عنارصها‬
‫َ‬
‫وحقوهلا‪ ،‬ويه أنموذج تطبييق الستخالص اذلاكرة العمانية من ن ٍّص واحد‪.‬‬

‫• ذاكرة األحداث والظواـهر‪:‬‬


‫َ ْ‬
‫يدور املحرض القضايئ(‪ )3‬حول دعوى َرف َعتها‪ :‬فاطمة بنت حممد بن‬
‫زياد بن أمحد‪ ،‬ىلع زوجها اهلالك‪ :‬أمحد بن حممد بن خادل‪ ،‬تطالب فيها‬
‫ّ‬ ‫َ ُ‬
‫بصداق ف َر َضه هلا ولم يؤده إيلها حىت مات‪ .‬ويبدأ املحرض بدخول وكيل‬
‫فاطمة‪ :‬حممد بن موىس‪ ،‬لريفع ظالمتها إىل القايض‪ .‬فطابله القايض بابلينة‬
‫ىلع صحة واكتله‪ ،‬فشهد هل بذلك‪ :‬أبو يلع احلسن بن أمحد بن حممد بن‬
‫عثمان‪ ،‬وأبو عبد اهلل حممد بن سعيد‪ ،‬وقد حرضا بني يدي القايض‪.‬‬

‫وثيقة املحرض بحد ذاهتا موضوع مقرتح للتحقيق والدراسة‪ ،‬وقد أرفقت هبذه الورقة صورة كاملة‬ ‫(‪)3‬‬

‫إلحدى خمطوطاته‪ ،‬تعود إىل القرن العارش‪ ،‬وأرشت إىل نسخ أخرى‪ .‬وال بد من األخذ يف احلسبان أن‬
‫زمان تدوينه يرقى إىل نحو ِ‬
‫ألف سنة‪ ،‬وخمطوطاته متأخرة؛ ما يستلزم إنعام النظر عند قراءته‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬
‫فلما َص َّحت الواكلة عند القايض سأل الوكيل عن اهلالك املدىع عليه‬
‫ُ َّ َ‬ ‫ً‬ ‫احلق للمرأة‪ ،‬أهل ورثة أم ال؟ فذكر أن هل ً‬
‫المدىع هلا‪،‬‬ ‫ودلا بالغا‪ ،‬وزوجة غري‬
‫ً‬
‫وأوالدا أيتاما‪ .‬فأمر القايض بإحضار الودل ابلالغ فقط‪ ،‬والزوجة األخرى‪ ،‬وأن‬
‫َّ َ‬ ‫ٌ‬
‫يُقام لأليتام وكيل عنهم‪ .‬ثم شهد الشهود أن اهلالك املدىع عليه مات وترك‬
‫ُ َّ‬
‫(المدعيَة)‪ ،‬وزوجة أخرى‪،‬‬ ‫من الورثة زوجتني‪ :‬إحداهما فاطمة بنت حممد‬
‫وأربعة أوالد‪ ،‬منهم ودل ذكر بالغ‪ ،‬وابلاقون أيتام غري باليغ احللم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهنا بدأت املرافعة‪ ،‬فأحرض الوكيل حممد بن موىس شاه َديْن ىلع صحة‬
‫دعوى مولكته بالصداق‪ ،‬فشهدا أن أمحد بن حممد بن خادل اهلالك‪ ،‬قد تزوج‬
‫فاطمة بنت حممد بن زياد‪ ،‬ىلع‪:‬‬
‫نقد اعجل‪ ،‬وآجل‪ ،‬وهو قميص حرير‪ ،‬وقميص كتان‪ ،‬وفوطة‪ ،‬ومقنعة‪،‬‬
‫ر‬
‫مثاقيل ذهب‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وملحفة‪ ،‬وأربعمئة درهم نقرة‪ ،‬يؤدي منها سبعة‬
‫وخلخالني‪ ،‬ودملوجني وزنهما مئة درهم نقرة‪ ،‬وابلايق مؤجل عليه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وىلع‪ :‬صداق آجل‪ ،‬وهو أربعون خنلة‪ ،‬من خنل ف ْرق‪ ،‬وقبل هلا بذلك‪.‬‬
‫كما شهد الشاهدان أنهما ال يَعلمان أنه برئ من مجيع هذا الصداق‬
‫اعجله وآجله‪ ،‬وال من يشء منه‪ ،‬إىل أن مات‪ ،‬وال يعلمان أن زوجته‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫(املدعية) صار إيلها هذا الصداق‪ ،‬وال يشء منه بعد موته‪ ،‬إىل أن أديت هذه‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫ويف بعض النسخ املخطوطة‪ :‬تسعة‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬


‫‪7‬‬

‫ثم أقبل القايض ىلع الودل ابلالغ‪ ،‬والزوجة األخرى‪ ،‬ووكيل األيتام‪،‬‬
‫فسأهلم إن اكنت دليهم حجة ينكرون بها شيئا من ذلك‪ ،‬فقال مجيعهم‪ :‬ال‬
‫َ‬ ‫ً ُ ّ‬
‫حجة نلا يف ذلك‪ .‬ثم أرسل ثقة يَلف الزوجة املدعية بصحة دعواها‬
‫ُ‬
‫وتصديق الشاهدين ىلع ما قااله‪ ،‬فحلفت وأقرت به‪ .‬ثم طلب وكيل فاطمة‬
‫ّ‬
‫إحضار رجل إىل جملس احلكم‪ ،‬يديع عليه أن عنده شيئا مما ترك أمحد بن‬
‫حممد بن خادل اهلالك‪ ،‬فحرض الرجل‪ ،‬وسأهل القايض فأنكر‪ ،‬واستحلفه يمينا‬
‫ُّ‬
‫أنه ما عنده يشء مما اديع عليه‪ ،‬فحلف‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثم إن الوكيل أحرض رجال آخر يَديع عليه مثل األول‪ ،‬فأقر الرجل‬
‫اآلخر بذلك‪ ،‬واعرتف أن دليه من مال اهلالك‪ :‬ثوب حرير‪ ،‬وقميصا ومقنعة‪،‬‬
‫وعبية‪ .‬فقىض القايض بالقميص واملقنعة للمدعية فاطمة بنت حممد‪ ،‬ألنهما‬
‫من مجلة املنصوص عليهما يف صداقها املستحق هلا‪ ،‬ولم ير أن يكم بنحو‬
‫ذلك يف ثوب احلرير والعبية؛ ألنه ليس للحاكم أن يقيض ملن صح هل حق‬
‫العروض من ماهل‪ ،‬وأما الويص فله ذلك‪.‬‬ ‫ىلع هالك شيئا من ُ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫وتنفيذا للحكم أمر القايض أن يُنادى ىلع ثوب احلرير والعبية يف‬
‫ّ‬
‫جمتمع انلاس‪ ،‬بشهادة شهو ٍد ىلع املناداة‪ ،‬ثم قبض ثمن املبيع وسلمه للمرأة‬
‫املدعية عوض ما صح هلا من ادلراهم ىلع زوجها اهلالك‪.‬‬
‫هذه خالصة القضية‪ ،‬ويه احل َ َدث الرئيس اذلي يدور حوهل املحرض‬
‫القضايئ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫َ‬ ‫ٌ َ َ‬
‫أمرا الفتًا‪ .‬وليس يف ن ّص‬ ‫ُ‬
‫وقوعه‪ ،‬فصار ً‬ ‫أما الظاهرة فيه َح َدث تك َّر َر‬
‫رصده يف هذا اجلانب‪ ،‬غري أن اذلي لفت انتبايه‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كثري مما يمكن‬ ‫املحرض‬
‫أمران‪ :‬األول‪ :‬ظاهرة رسد األسماء دون نسبة‪ .‬فلو راجعنا أسماء األعالم‬
‫ً‬
‫مجيعا ختلو من أي نسب ٍة لقبيلة‪ ،‬أو بدل‪ ،‬أو‬ ‫املرسودة يف املحرض لوجدناها‬
‫ً‬ ‫صنعة‪ ،‬أو ما شابهها‪ .‬فهل هذا ٌ‬
‫أمر مقصود يف دفاتر األحاكم؛ حفاظا ىلع‬
‫جار ىلع‬ ‫هو‬ ‫أو‬ ‫الواضحة؟‬ ‫أسمائهم‬ ‫إلفشاء‬ ‫ا‬ ‫خصوصيات املتخاصمني‪ ،‬وجتنُّبً‬
‫ٍ‬
‫العمانية القديمة من إغفال اتلاريخ‪ ،‬وإهمال‬ ‫ما اعتدناه يف املصادر ُ‬

‫األنساب؟‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫واألمر اثلاين‪ :‬ظاهرة غالء املهور‪ .‬وأنا أحتفظ هنا ىلع اتلعبري بـ‬
‫(الغالء) حىت أحتقق من صحته‪ ،‬واألمر يستديع الرجوع إىل انلوازل‬
‫ْ‬
‫الفقهية القريبة من ذلك العرص ملعرفة مهر المثل آنذاك‪ .‬غري أن انلظرة‬
‫األوىل إىل قيمة املهر املفروض للمدعية تشري إىل ارتفاع قيمته‪ ،‬وإذا أعدنا‬
‫انلظر فيه جند أنه يشتمل ىلع مال منقول وغري منقول‪ .‬أما املنقول فمنه ما‬
‫ْ‬ ‫هو اعجل وآجل‪ ،‬وهو قميص حرير‪ ،‬وقميص َكتَّان‪ ،‬وفُ َ‬
‫وطة‪ ،‬ومقنَ َعة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫حفة‪ ،‬وأربعمئة درهم نق َرة‪ ،‬يُ َؤدي منها اعجال‪ :‬سبعة مثاقيل ذهب‪،‬‬ ‫ومل‬
‫ُُْ َْ‬ ‫َ ْ َ َْ‬
‫وجني وزنهما مئة درهم نقرة‪ ،‬وابلايق مؤجل عليه(‪ .)5‬وأما‬ ‫وخلخالني‪ ،‬ودمل‬
‫َ‬
‫غري املنقول فلكه صداق آجل‪ ،‬وهو أربعون خنلة‪ ،‬من خنل ف ْرق‪.‬‬

‫غاص هبا دون‬


‫املكاييل واملوازين يف الرتاث العامن مفتقرة إىل بحث مستقل واستقراء واسع‪ ،‬والرتاث ٌّ‬ ‫(‪)5‬‬

‫تفسري واضح هلا أو تقدير‪ ،‬وال ختلو كتب اجلوابات والنوازل العامنية من رشوح عارضة لبعض الفقهاء‪،‬‬
‫‪9‬‬

‫وال أعلم أحد ا من علامئنا السابقني أفردها بكتاب أو رسالة‪ .‬وللشيخ حممد بن شامس البطايش‬
‫(ت‪1420‬هـ) رشح خمترص لـ (مصطلحات العمالت واألوزان واملكاييل واملسافات) أحلقه ولده الشيخ‬
‫حارث بن حممد البطايش بتحقيقه لكتاب‪ :‬متهيد قواعد اإليامن (ط‪1431 :1‬هـ‪2010 /‬م‪ .‬مكتبة الشيخ‬
‫حممد بن شامس البطايش‪ /‬سلطنة عامن‪ .‬مج‪ /14‬ص‪ .355‬ويمكن االستفادة من مؤلفات أخرى‬
‫ودراسات يف هذا الباب لالستضاءة هبا؛ مثل‪ :‬األوزان واألكيال الرشعية؛ تأليف‪ :‬أيب العباس أمحد بن‬
‫عيل املقريزي (ت‪845‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬سلطان بن هليّل املسامر‪ .‬ط‪1428 :1‬هـ‪2017 /‬م‪ .‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية‪ -‬بريوت‪ /‬لبنان‪ .‬و‪ :‬إثبات ما ليس منه بدّ َمل م ْن أراد الوقوف عىل حقيقة الدينار والدرهم والصاع‬
‫واملدّ ؛ تأليف‪ :‬أيب العباس أمحد العز ِ ّيف السبتي (ت‪1236‬هـ)‪ .‬ختريج ودراسة‪ :‬حممد الرشيف‪ .‬ط‪:1‬‬
‫‪1420‬هـ‪1999 /‬م‪ .‬املجمع الثقايف‪ -‬أبوظبي‪ /‬اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬ومن الدراسات املعارصة‪:‬‬
‫املكاييل واألوزان والنقود العربية؛ تأليف‪ :‬حممود اجللييل (ت ‪ 20‬ذي احلجة ‪1432‬هـ‪ 16 /‬نوفمرب‬
‫‪2011‬م)‪ .‬ط‪1426 :1‬هـ‪2005 /‬م‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪ -‬بريوت‪ /‬لبنان‪ .‬وكتب املهندس‪ :‬غالب‬
‫حممد كر ّيم ملحقا باملوازين واملكاييل واألطوال؛ يف آخر كتاب‪ :‬إفادة السادة الع َمد بتقرير معان نظم‬
‫ال ُّز َبد؛ تأليف‪ :‬حممد بن أمحد بن عبد الباري األهدل (ت‪1298‬هـ)‪ .‬ط‪1426 :1‬هـ‪2006 /‬م‪ .‬دار‬
‫املنهاج‪ -‬جدة‪ /‬اململكة العربية السعودية‪ .‬ص‪ 713‬فام بعدها‪ .‬ويمكن االستئناس باملعاجم االقتصادية‬
‫العامة‪ ،‬مثل‪ :‬معجم املصطلحات املالية واالقتصادية يف لغة الفقهاء؛ تأليف‪ :‬نزيه محّاد‪ .‬ط‪1429 :1‬هـ‪/‬‬
‫‪2008‬م‪ .‬دار القلم‪ -‬دمشق‪ /‬سورية‪ .‬و‪ :‬قاموس املصطلحات االقتصادية يف احلضارة اإلسالمية؛ تأليف‪:‬‬
‫حممد ِعامرة‪ .‬ط‪1430 :1‬هـ‪2009 /‬م‪ .‬دار السالم‪ -‬القاهرة‪ /‬مرص‪ .‬والوثائق االجتامعية والسجالت‬
‫اإلدارية مظنَّة لكثري من هذه املصطلحات التي تتغري دالاللتها من زمن آلخر‪ .‬انظر مثاال عليها يف كتاب‪:‬‬
‫املصطلحات احلضارية يف مكة املكرمة من خالل بعض الكتب والوثائق املكية من القرن التاسع اهلجري‬
‫حتى منتصف القرن الرابع عرش؛ تأليف‪ :‬حسام بن عبد العزيز مكّاوي‪ .‬ط‪1437 :1‬هـ‪2016 /‬م‪ .‬مركز‬
‫تاريخ مكة املكرمة‪ /‬اململكة العربية السعودية‪ .‬ومن املفيد جدا أن يفرد حمققو الكتب فهرسا ملثل هذه‬
‫املصطلحات‪ ،‬مثل ما نراه يف كتاب‪ :‬املواعظ واالعتبار يف ذكر اخلطط واآلثار؛ للمقريزي (ت‪845‬هـ)‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫ولو غضضنا الطرف عن املال املنقول‪ ،‬وقلنا إن قيمته معقولة ليس‬


‫ّ‬
‫فيها مغاالة؛ فكم نقدر قيمة املال غري املنقول‪ ،‬وهو أربعون خنلة؟ ثم إن‬
‫الرجل تويف ولم يمهر زوجته شيئًا من ذلك لكه‪ ،‬واملحرض ال يسعفنا بتفاصيل‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معرسا فما ادلايع إىل أن‬ ‫معرسا‪ ،‬فإن اكن‬ ‫مورسا أو‬ ‫عن حال الرجل أكان‬
‫ً‬
‫مورسا فأين ذهبت أمواهل حىت‬ ‫يفرض ىلع نفسه هذا املهر الطائل؟ وإن اكن‬
‫(‪)6‬‬
‫لم يبق لزوجته إال قميص ومقنعة؟!‬

‫ط‪1434 :2‬هـ‪2013 /‬م‪ .‬مؤسسة الفرقان للرتاث اإلسالمي‪ -‬لندن‪ /‬اململكة املتحدة‪ .‬املجلد األخري‬
‫ص‪.812‬‬
‫مقادير املهور يف الرتاث العامن موضوع جدير باالستقراء والبحث‪ ،‬وفيه ثمرات عديدة‪ ،‬منها‪ :‬ثمرة‬ ‫(‪)6‬‬

‫البحث الفقهي والقضائي‪ ،‬والذاكرة االقتصادية يف عامن‪ ،‬وأنواع العمالت واملكاييل واملقاييس‬
‫املستعملة‪ ،‬واملالبس والثياب‪ ،‬ومتاع البيت وآنيته‪ ...‬إىل آخره‪ .‬ونقلت يف اجلزء األول من كتايب (أمايل‬
‫ونصه‪:‬‬
‫مدونا صدْ ر خمطوط الضياء (رقم ‪ 1008‬يف دار املخطوطات العامنية)؛ ُّ‬ ‫الرتاث) تقييد صداق َّ‬
‫«معرفة ما تز َّوج عليه راشد بن سليامن بن خليل جلليلة بنت حممد بن خليل‪ :‬تز َّوجها [بـ] ـع ْرش ِة مثاقيل‪،‬‬
‫ِ‬
‫الس ْحتـ[ـن]‪ ،‬واملتزوج له والده سليامن‬ ‫رش ِهبا من املاء‪ ،‬جوار صداقات وادي َّ‬
‫ومئة وعرشين نخلة‪ ،‬مع ْ‬
‫عيش [ليلة االثنني] الثنتي ع ْرش[ة] ليلة إِ ْن بقيت من شهر‬
‫بن خليل بحق الوكالة‪ .‬وكانت هذه الشهادة َّ‬
‫مجادى اآلخرة سنة سبع وثامن مئة من اهلجرة النبوية عىل صاحبها أفضل الصالة والسالم‪ .‬شهد بذلك‪:‬‬
‫حممد بن عبد اهلل بن صالح‪ .‬شهد بذلك‪ :‬بغسان بن خنبش [اخلنبيش؟]‪ .‬شهد بذلك‪ :‬نارص بن سعيد بن‬
‫أيب راشد‪ .‬شهد بذلك شوال بن سليامن‪ .‬شهد خنبش بن سعيد‪ .‬وكتب خطه بيده وعن الشهود نارص‬
‫م‬
‫ومطبوعه‪ -‬اجلزء األول؛‬ ‫وقراءات يف جديد الرتاث العامن خمطوطمه‬
‫ٌ‬ ‫نظرات نقدية‬
‫ٌ‬ ‫بيده»‪ .‬أمايل الرتاث؛‬
‫بقلم‪ :‬سلطان بن مبارك بن محد الشيباين‪ .‬ط‪1436 :1‬هـ‪2015 /‬م‪ .‬ذاكرة عامن‪ -‬مسقط‪ /‬سلطنة عامن‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫• ذاكرة األعالم‪:‬‬
‫مما سبق رسده من أحداث القضية نرى أن املحرض يدور حول‬
‫الشخصيات اتلايلة‪:‬‬
‫القايض‪ :‬وهو الشيخ أبو زكريا يىي بن سعيد‪.‬‬
‫املدعية‪ :‬فاطمة بنت حممد بن زياد‪.‬‬
‫املدىع عليه‪ :‬أمحد بن حممد بن خادل‪.‬‬
‫وكيل املدعية‪ :‬حممد بن موىس‪.‬‬
‫الشهود‪ :‬أبو يلع احلسن بن أمحد بن حممد بن عثمان‪ ،‬وأبو عبد اهلل‬
‫َ‬
‫ً‬
‫مرارا ىلع مجلة أمور‪.‬‬ ‫حممد بن سعيد‪ ،‬وقد شه َدا‬
‫ُ‬
‫زوجة املدىع عليه األخرى‪ :‬لم ت َس َّم‪.‬‬
‫أبناء املدىع عليه‪ :‬أربعة‪ ،‬أكربهم سعيد (وهو ابلالغ من بينهم)‪ ،‬وثالثة‬
‫أيتام غري باليغ احللم‪ ،‬لم يسموا يف املحرض‪.‬‬
‫ُ‬
‫وثمة آخرون جمهولون ذكروا يف املحرض دون تسمية‪ ،‬منهم أناس‬
‫ِّ‬
‫استعان بهم القايض كوكيل األيتام‪ ،‬واملحلف‪ ،‬واثلقة املنادي‪ ،‬ومنهم‬
‫الرجالن املدىع عليهما أن عندهما شيئا من أموال اهلالك‪.‬‬
‫ُ َ‬
‫وإطالق األعالم ىلع مجيع هؤالء فيه نوع جتَ ُّو ٍز؛ ألنهم ليسوا ممن اشتهر‬
‫أثرا علميًّا‪ ،‬سوى القايض أيب زكريا يىي بن‬ ‫وكرث السؤال عنه‪ ،‬أو ممن أثّر ً‬

‫سعيد‪ .‬وتقييد األسماء يفيد يف معرفة املتداول منها يف املحيط العماين‬


‫آنذاك‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ّ‬
‫وشدين اسم الشاهد األول‪ :‬أبو يلع احلسن بن أمحد بن حممد بن عثمان‪،‬‬
‫فهو يتفق اتفاقا لكيًّا – يف الكنية واالسم األول واثلاين واثلالث والرابع‬
‫َُ‬ ‫والزمان واملاكن ‪ -‬مع الفقيه القايض أيب يلع احلسن بن أَ ْ َ‬
‫محد بن حم َّمد بن‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اين(‪ ،)7‬لكننا ال جند يف ن ِّص املحرض إشارة إىل تميزيه‬ ‫عثمان العقري َّ ْ‬
‫الزن َو ّ‬
‫إغفال مثل هذه األوصاف ٌ‬ ‫ُ‬
‫أمر‬ ‫بوصف الشيخ أو الفقيه أو القايض‪ ،‬فهل‬
‫ً‬
‫متعمد يف السجالت القضائية؛ لكون انلاس سواسية أمام القضاء دون تميزي‬
‫ٌ‬
‫بينهم؟ أو الشاهد رجل آخر غري القايض تشابهت أسماؤهم(‪)8‬؟‬

‫ترجح‬ ‫ِ‬
‫ورد تاريخ وفاة أيب ع ّيل القايض يف سرية ابن َمداد يوم اجلمعة ‪ 6‬ذي القعدة ‪576‬هـ‪ .‬وهو تاريخ َّ‬ ‫(‪)7‬‬

‫عندي تصحيفه‪ ،‬ويغلب عىل ظني أن صوابه‪ :‬سنة ست سنني ومخسمئة سنة (= ‪506‬هـ)‪ .‬أو أن تكون يد‬
‫الكاتب سبقتْه إىل كتابة «مخسمئة» وهو يريد «أربعمئة»‪ ،‬فيكون صواب العبارة‪ :‬سنة ست وسبعني‬
‫وأربعمئة سنة (=‪476‬هـ)‪ .‬وعندي أدلة عىل هذا الظن‪ ،‬ذكرهتا يف مقال قيد النرش عن ابن النرض‪.‬‬
‫تشابه األسامء مبحث لطيف يف املتفق واملفرتق من األلفاظ؛ عني به علامء املسلمني قديام‪ ،‬وأفردوا له‬ ‫(‪)8‬‬

‫مؤلفات‪ ،‬ومن طرائفه وغرائبه هذا اخلرب الذي ساقه ياقوت احلموي يف كتابه‪( :‬معجم البلدان) عند حديثه‬
‫عن (النهروان) يف أرض العراق‪ ،‬وأعالم املنتسبني إليها‪« :‬قال أبو عبد اهلل احلميدي‪ :‬قرأت بخط أيب‬
‫الفرج املعاف بن زكرياء النهرواين القايض قال‪ :‬حججت سنة‪ ،‬فكنت بِ ِمنى أيام التشـريق؛ إذ سمعت‬
‫مناديا ينادي‪ :‬يا أبا الفرج‪ .‬فقلت يف نفسـي‪ :‬لعله يريدين‪ .‬ثم قلت‪ :‬يف الناس خلق كثري ممن يكنى أبا‬
‫الفرج‪ ،‬فلعله يريد غريي‪ ،‬فلم أ ِجبْه‪ .‬فلام رأى أنه ال جييبه أحد نادى‪ :‬يا أبا الفرج املعاف‪ ،‬فهممت أن‬
‫أجيبه‪ ،‬ثم قلت‪ :‬يتفق من يكون اسمه املعاف وكنيته أبو الفرج‪ ،‬فلم أجبه‪ .‬فرجع ونادى‪ :‬يا أبا الفرج املعاف‬
‫بن زكرياء النهرواين‪ ،‬فقلت‪ :‬مل يبق ٌّ‬
‫شك يف مناداته إياي إذ ذكر اسمي وكنيتي واسم أيب وما أ ْنسب إليه‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬ها أنا ذا ما تريد؟ فقال‪ :‬وم ْن أنت؟! فقلت‪ :‬أبو الفرج املعاف بن زكرياء النهرواين‪ ،‬قال‪ :‬فلعلك‬
‫من هنروان الرشق؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬نحن نريد هنروان الغرب‪ .‬فعجبت من اتفاق االسم والكنية واسم‬
‫‪13‬‬

‫• ذاكرة الزمان‪:‬‬
‫هنا ثغرة يف املحرض تتمثل يف إغفال تدوين زمان كتابته‪ ،‬أو زمان وقوع‬
‫ّ‬ ‫القضية‪ .‬وهذا ٌ‬
‫أمر مهم اكن سيقدم نلا معلومة تارخيية مفيدة حول حياة‬
‫َ ََْ‬
‫الع َمليَّة‪ ،‬وال ندري هل أغفل القايض نفسه كتابة اتلاريخ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫القايض أيب زكريا َ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫ساقط من الن َسخ اليت وصلتنَا؟‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أو هو‬

‫األب وما أنسب إليه‪ ،‬وعلمت أن باملغرب موضعا يعرف بالنهروان غري هنروان العراق»‪( .‬معجم‬
‫البلدان؛ تأليف‪ :‬ياقوت بن عبد اهلل احلموي‪ .‬ط‪1397 :1‬هـ‪1977 /‬م‪ .‬دار صادر‪ -‬بريوت‪ /‬لبنان‪.‬‬
‫مج‪ /5‬ص‪ .)327‬ومن لطائف هذا الباب عند العامنيني ما ورد يف وثيقة مياه بعض أفالج نزوى من‬
‫شهادة للفقيهني املتعارصين يف القرن الثاين عرش‪ :‬سليامن بن حممد بن سليامن بن حممد بن بلعرب السليامين‬
‫النزوي‪ ،‬وسليامن بن حممد بن سليامن بن حممد بن بلعرب الكندي النزوي‪ ،‬وقد كتب كالمها االسم‬
‫اخلاميس له‪ ،‬فلام اطلع الشيخ سعيد بن بشري الصبحي عىل شهادتيهام قال لصاحب الورقة‪ :‬قل للشيخني‬
‫يميزا بني اسميهام ليكونا شاهدين‪ .‬فكتب األول‪ :‬الذي هو من بني حممد بن سليامن‪ ،‬وكتب الثاين‪ :‬الذي‬
‫هو من بني كندة (النمري؛ مجع وترتيب‪ :‬حممد بن عبد اهلل السيفي‪ .‬ط‪1430 :1‬هـ‪2009 /‬م‪ .‬دون بيانات‬
‫النرش‪ .‬ج‪ /4‬ص‪ .)55‬ومن ذلك‪ :‬ما ورد يف خمطوط (بداية اإلمداد) املكتوب بقلم مؤلفه الشيخ سليامن‬
‫ِ‬
‫سعود‬ ‫ِ‬
‫العزيز‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الغالف‪« :‬هدية مني لألخِ‬ ‫الشيخ سعود عىل ِ‬
‫ظهر‬ ‫ف َّ‬‫بن حممد الكندي؛ إذ كتب ابن املؤل ِ‬

‫حمم ِد ِ‬
‫بن أمحد‬ ‫بن َّ‬ ‫بن عامر الكندي‪ ،‬وكتبه العبد الفقري هللِ أخوه‪ :‬سعود بن سليامن ِ‬ ‫بن مجعة ِ‬
‫بن سليامن ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اجلمعة ‪17‬‬ ‫األو ِل ‪1352‬هـ»‪ .‬وامل ْه ِدي هو‪ :‬الشيخ سعود الكندي (املولود ليلة‬ ‫ِ ِ‬
‫الكندي بيده‪ ،‬يف ‪ 10‬ربيع َّ‬
‫ُّ‬
‫الكندي (املولود ‪ 3‬صفر‬
‫ُّ‬ ‫توف سنة ‪1387‬هـ)‪ .‬واملهدى إليه هو س ِميُّه َّ‬
‫الشيخ سعود‬ ‫رجب ‪1329‬هـ‪ ،‬وامل َّ‬
‫احلج ِة ‪1434‬هـ)‪ ،‬وكالمها كان قاضيا فقيها‪ .‬ومن هذه البابة‪ :‬الفقيهان‬ ‫َّ‬ ‫‪1331‬هـ‪ ،‬واملتو َّف ‪ 26‬ذي‬
‫املتعارصان‪ :‬سامل بن مخيس العربي‪ ،‬وسامل بن مخيس املحليوي؛ اتفق اسمها واسم أبيهام وزماهنام‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫واحد منهام ألف كتابا بعنوان‪« :‬فواكه البستان»!!‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫ً‬
‫حتديدا‪ ،‬ويف‬ ‫وىلع لك حال فالقضية واقعة يف القرن اخلامس اهلجري‬
‫انلصف اثلاين منه ىلع وجه اتلقريب‪ ،‬ألن القايض أبا زكريا – كما هو معلوم‬
‫‪ -‬اعرص من األئمة‪ :‬اإلمام راشد بن سعيد ايلحمدي (ت‪445‬ه) واإلمام‬
‫اخلليل بن شاذان اخلرويص (ت بني ‪475 -470‬ه)‪ ،‬وربما اعرص اإلمام‬
‫يلع بن ُسلَيْ َمان بن َراشد اخل َ ُر ّ‬
‫ويص (ت‪ 513‬ـهتقريبًا) واكنت وفاته‬ ‫َراشد بن َ ّ‬
‫سنة ‪472‬ه‪.‬‬
‫َْ‬
‫ومن ثنايا املحرض نلمس استمرار القضية وقتا طويال‪ ،‬فلم جتر‬
‫ُ‬
‫أحداثها مجيعا دفعة واحدة‪ ،‬بل اكنت يف مدد زمنية متباعدة‪ ،‬تؤكدها‬
‫ُ‬
‫عبارات املحرض‪ ،‬إذ نرى وكيل املدعية بعد عرض دعواه ىلع القايض يطلب‬
‫إحضار ورثة املدىع عليه‪ ،‬فلما وافق القايض ىلع إحضارهم خرج الوكيل‬
‫ُ‬
‫من جملس احلكم «فغاب ما شاء اهلل»‪ ،‬ثم رجع بهم‪ .‬وكذلك ملا طالب الوكيل‬
‫َّ‬
‫بإحضار رجل يَديع عليه أن عنده شيئا من مرياث اهلالك‪« ،‬فخال ما شاء‬
‫اهلل‪ ،‬ثم أحرضه إىل جملس احلكم»‪ .‬وحني حكم القايض باستحقاق‬
‫املدعية القميص واملقنعة‪ ،‬أمر مناديًا ينادي عليهما يف السوق ليُسلم‬
‫املدعية قيمتهما‪ ،‬فغاب املنادي ما شاء اهلل‪ ،‬ثم رجع بالقيمة‪.‬‬
‫وهذا اتلباعد بني أحداث القضية يدل ىلع حرص القايض ىلع تدوين‬
‫لك جمرياتها‪ ،‬وتوثيق مجيع تفاصيلها‪ ،‬ثم َض ِّمها يف حمرض واحد منسوق‬
‫جمموع‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫• ذاكرة املاكن‪:‬‬
‫أول عبارة وردت يف املحرض يه قول القايض‪« :‬بينما أنا بزنوى يف‬
‫ماكبدة أحاكمها‪ ،‬ومعاناة أمورها‪ »...‬ومنها نعلم يقينًا أن أبا زكريا قد توىل‬
‫القضاء يف نزوى‪ ،‬وأن القضية وقعت بها‪ ،‬ويه عبارة رصية تؤكد ذلك‪.‬‬
‫وهذا يعيد ابلحث يف مسألة انتماء أيب زكريا املاكين‪ ،‬فأغلب املصادر تذكر‬
‫ُّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫أنه ن ْزوي‪ ،‬ون َعتَته مصادر أخرى ‪ -‬اكلشيخ الساليم يف (اللمعة املرضية)(‪- )9‬‬
‫بـ «اهلجاري» نسبة إىل هجار؛ إحدى قرى وادي بين خروص يف العوايب‪ ،‬أو‬
‫غريها‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم هل اكن قضاؤه بزنوى تويلة من حاكم أو إمام‪ ،‬أم اكن يكابد‬
‫أحاكمها ويعاين أمورها من تلقاء نفسه؟ ومىت اكن ذلك؟ وهل دام زمنا‬
‫طويال؟ هذه أسئلة أطرحها وال أجد هلا إجابات دقيقة‪.‬‬
‫وليس يف تفاصيل املحرض إشارة أخرى إىل نزوى أو حوائرها أو‬
‫أسواقها سوى ما ورد يف الشهادة بالصداق اآلجل أنه «أربعون خنلة‪ ،‬من خنل‬
‫َ‬
‫فرق»‪ .‬و«ف ْرق» إحدى بدلات نزوى‪ ،‬وإيلها يُنسب اإلمام اتلابيع أبو الشعثاء‬
‫ِق َّ ْ‬ ‫َ‬
‫الزنو ّي‪.‬‬ ‫الف ْر ّ‬ ‫جابر بن زيد األزدي‬

‫اللمعة املرضية من أشعة اإلباضية؛ تأليف‪ :‬نور الدين الساملي (ت‪1332‬هـ)‪ .‬ط‪1435 :1‬هـ‪/‬‬ ‫( ‪)9‬‬

‫‪2014‬م‪ .‬ذاكرة عامن‪ -‬مسقط‪ /‬سلطنة عامن‪ .‬ص‪.134‬‬


‫‪16‬‬

‫ُ‬
‫وفيما يتعلق حبضور املاكن يف آثار أيب زكريا وجدت إشارتني تارخييتني؛‬
‫عهد‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫قريب‬ ‫اإلشارة األوىل يف (احلل واإلصابة) البن َو َّصاف( ‪ ،) 10‬وهو‬
‫بالقايض أيب زكريا‪ ،‬وربما أدرك زمانه‪ ،‬قال‪« :‬قال القايض أبو زكريا يذكر‬
‫ُّ ْ َ ْ َ (‪ُ َ )11‬‬
‫وقعة نزوى وحماربة الرتك أهلها ؛ يصف الرتك وشدة بأسهم‪:‬‬
‫احلرب ُ َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ُش ٌب‬ ‫َ‬ ‫رسادق ُه ْم إن يَص ُد ُروا‬
‫َّ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫املداعسا‬ ‫عودت َها‬ ‫ت ْر ٌك‬ ‫َّ‬
‫عليهن‬
‫ٌ‬ ‫َ ْ ً‬ ‫ً‬ ‫َ َ ُ‬
‫ورجال سوابغ‬ ‫خيال‬ ‫رسابيل ُه ْم‬
‫ترى منهم األحداق إن ش ْم َ‬
‫ت آنسا»(‪.)12‬‬

‫نسخة مكتبة السيد حممد بن أمحد البوسعيدي؛ رقم ‪ ،315‬الورقة ‪.71‬‬ ‫(‪)10‬‬

‫الرتك؛ يف النصف الثاين منه حتديدا‪.‬‬


‫من الغموض الذي يشوب القرن اخلامس اهلجري يف عامن‪ :‬وقعة ُّ‬ ‫(‪)11‬‬

‫فاإلمام الساملي يف حتفة األعيان (ص‪ )299‬يذكر أن الرتك خرجوا عىل عامن أيام اخلليل بن شاذان‪ ،‬وعبارة‬
‫ابن و َّصاف أعاله تؤكد هذا اخلروج‪ ،‬وتنص عىل وقعة رشسة بينهم وبني أهل نزوى‪ .‬ووجدت يف ديوان‬
‫الشاعر الغزي – نسبة إىل غزَّ ة بفلسطني – قصيدتني يمتدح فيهام السالجقة الرتك وغزوهم لِعامن‪ ،‬وخيص‬
‫منهم باملدح‪« :‬أبا عبد اهلل مكرم بن العالء‪ ،‬ويذكر ما أوقعه يف اخلوارج من احلرب التي جرت يف البحر‪،‬‬
‫وظفره هبم»‪ ،‬وهو ما يفيد دوام احلرب طويال‪ ،‬أو وقوعها أكثر من مرة‪ ،‬تارة يف الرب وأخرى يف البحر‪.‬‬
‫والقضية تستدعي مزيد بحث وحتقيق‪ .‬انظر‪ :‬ديوان الغزي؛ أيب إسحاق إبراهيم بن عثامن بن حممد الكلبي‬
‫األشهبي (‪523 -441‬هـ)‪ .‬حتقيق ودراسة‪ :‬عبد الرزاق حسني‪ .‬ط‪1429 :1‬هـ‪2008 /‬م‪ .‬مركز مجعة‬
‫املاجد للثقافة والرتاث‪ -‬ديب‪ /‬اإلمارات العربية املتحدة‪ .‬ص‪.335 ،330‬‬
‫وهذا النص يفيد شاعر ّية أيب زكريا أيضا‪.‬‬ ‫(‪)12‬‬
‫‪17‬‬

‫اإلشارة اثلانية يف خمطوطة القطعة السادسة من (خزائن اآلثار) للشيخ‬


‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫البَرشي(‪« :)13‬وجدت خبط القايض أيب زكريا يىي بن سعيد‪ :‬سألين رجل من‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خرجت عن أهلها ويه ُحبْل‪ ،‬فوجدها أهلها‬
‫ْ‬ ‫ناحية خنل بالرستاق عن امرأة‬
‫ٌ‬
‫وصب ىلع صدرها‪ ،‬ولم يُعلم أنه ودلها أو ال‪ ،‬وال حرضها أحد‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قد ماتت‬
‫فرفع ّ‬
‫إل أنه يوجد يف كتب أيب حممد خبطه أن‬ ‫فأجبتُه‪ :‬أن ال يلحق الودل بها‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫فعجبت من‬ ‫الودل يلحق نسبه بها‪ ،‬وال يلحق نسب زوجها اذلي محلت منه‪.‬‬
‫ُ‬
‫لقيت أبا بكر أمحد بن حممد ابن أيب بكر السعال‪ ،‬فحفظ فيها‬ ‫ذلك‪ ،‬حىت‬
‫أنه ال يلحقها وال يلحق زوجها»‪ .‬وأبو بكر السعال من أعالم نزوى‬
‫املعارصين للقايض أيب زكريا‪.‬‬

‫• ذاكرة املصطلحات واملفاـهيم‪:‬‬


‫أما االصطالحات واملفاهيم اليت حفل بها املحرض فكثرية‪ ،‬أوهلا‬
‫ُ‬
‫مجاعة ُّ‬
‫الص ُ‬
‫حف املضمومة‪ .‬كذا قال‬ ‫«ادلفرت»‪ ،‬وهو ‪ -‬بفتح ادلال وكرسها –‬
‫ون َق َل عن اجلوهري قوهل‪« :‬ادلفرت واحد َّ‬
‫ادلفاتر‪ ،‬ويه‬
‫َ‬
‫يف لسان العرب‪،‬‬
‫الكراريس»(‪ .)14‬وقال العالمة العوتب يف الضياء‪« :‬ويقال للكراسة‪ :‬دفرت‪ .‬وال‬

‫حمفوظة يف مكتبة اإلمام نور الدين الساملي؛ رقم ‪ .9‬واملسألة بعينها موجودة يف اجلزء السادس‬ ‫( ‪) 13‬‬

‫واخلمسني من بيان الرشع‪.‬‬


‫مكرم بن عيل ابن منظور (ت‪711‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل عيل الكبري‪،‬‬
‫(‪ )14‬لسان العرب؛ تأليف‪ :‬حممد بن ّ‬
‫وحممد أمحد حسب اهلل‪ ،‬وهاشم حممد الشاذيل‪ .‬ط‪1401 :1‬هـ‪1981 /‬م‪ .‬دار املعارف‪ -‬القاهرة‪ /‬مرص‪.‬‬
‫مج‪ /2‬ص‪.1393‬‬
‫‪18‬‬

‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ِّ ُ‬
‫ادلفرت»(‪َ .)15‬و َو َرد هذا اللفظ يف الرتاث‬
‫ُ‬ ‫حدث‬ ‫أعرف هل اشتقاقا‪ .‬وقيل‪ :‬نعم الم‬
‫َ‬
‫اين يف أبواب القضاء‪ ،‬باعتباره من أدوات القايض اليت تالزمه‪ ،‬ويُقيّد‬ ‫ُ‬
‫الع َم ّ‬
‫فيها تفاصيل أحاكمه وأقضيته‪ .‬قال يف اجلزء اثلامن والعرشين من بيان‬
‫الرشع‪« :‬املستحب للحاكم املبتل بأمور انلاس يف األحاكم أن يأخذ أمره‬
‫ْ‬
‫باالحزتام‪ ،‬وأن يقيد يف دفرته ُحك َم لك ما جرى عليه من األحاكم؛ يلكون‬
‫حجة ىلع اخلصوم يف مراجعتهم بلعضهم يف االختصام»‪ .‬وقال يف موضع آخر‪:‬‬
‫«وينبيغ للحاكم إذا استحلفه ُ‬
‫أحد اخلصمني لآلخر أن يثبته يف دفرته؛ ئلال‬
‫يرجع يستحلفه مرة أخرى‪ ،‬فإن سأهل اخلصم أن يشهد هل‪ ،‬ويكتب هل؛ فعليه‬
‫باب اكمل –‬‫ذلك»(‪ .)16‬ويف اجلزء السادس واثلالثني من قاموس الرشيعة ٌ‬

‫وهو ابلاب اثلالث واثلالثون ‪ -‬فيما يكتبه احلاكم ويثبته يف دفرت أحاكمه‬
‫مما قطعه من األحاكم(‪.)17‬‬
‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫«المد َرة»‪ ،‬وهو اصطالح ُعماين يعنُون به ورقة‬ ‫ثاين املصطلحات‪ :‬لفظ‬
‫صغرية يبعثها القايض أو احلاكم ملن يريد حضوره إىل جملس احلكم‪،‬‬
‫َ‬
‫يكتب فيها‪ :‬يا فالن أجب الرشع الرشيف‪ .‬وللمدرة أحاكم مبثوثة يف كتب‬

‫(‪ )15‬الضياء؛ تأليف‪ :‬أيب املنذر سلمة بن مسلم العوتبي (ق‪5‬هـ)‪ .‬حتقيق‪ :‬احلاج سليامن بن إبراهيم بابزيز‬
‫الوارجالين‪ ،‬وداود بن عمر بابزيز الوارجالين‪ .‬ط‪1436 :1‬هـ‪2015 /‬م‪ .‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫الدينية‪ /‬سلطنة عامن‪.298 /2 .‬‬
‫بيان الرشع ‪.208 /28‬‬ ‫(‪)16‬‬

‫انظر‪ :‬ألف باء املخطوطات العامنية؛ بقلم‪ :‬سلطان بن مبارك الشيباين‪ .‬ط‪1439 :1‬هـ‪2018 /‬م‪.‬‬ ‫(‪)17‬‬

‫ذاكرة عامن‪ -‬مسقط‪ /‬سلطنة عامن‪ .‬ص‪.157‬‬


‫‪19‬‬

‫الفقه‪ ،‬هل يكتبها القايض ابتداء؟ أم بطلب من أحد املتخاصمني؟ وما‬


‫صيغتها؟ وماذا ىلع من عىص مدرة القايض؟‬
‫ويف نص املحرض وردت اإلشارة إيلها يف موضعني‪ :‬أوهلما يف إحضار‬
‫ورثة املدىع عليه «فطلب الوكيل مين مدرة إلحضارهم يلحتج عليهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولتشهد ابلينة ىلع أعيانهم يف جملس احلكم‪ ،‬فأمرت بتسليم مدرة إيله‪،‬‬
‫بإحضار بالغيهم»‪ .‬واثلاين‪ :‬يف إحضار الرجل املدىع عليه أن عنده شيئا من‬
‫ً‬
‫مال اهلالك «ثم إن وكيل فاطمة حرضن منتصفا من رجل ادىع أن عنده‬
‫شيئا مما ترك أمحد بن حممد بن خادل اهلالك‪ ،‬وطلب املدرة حبضوره‪ ،‬فدفعتُها‬
‫إيله»(‪.)18‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫تعبري عن القضية املتنازع‬ ‫وثالث املصطلحات‪« :‬احل ُكومة»‪ ،‬ويه‬
‫َ ْ‬ ‫عليها ُ‬
‫وحكم القايض فيها‪ .‬واإلشارة إيلها َو َردت يف آخر املحرض عند قوهل‪:‬‬
‫«وهذا ما اكن من أمر احلكومة اليت دخلنا فيها»‪ .‬ومجيع هذه االصطالحات‬
‫ِّ‬
‫السابقة اصطالحات فقهية رشعية متعلقة بالقضاء‪.‬‬
‫واستوقفين مصطلح «املثنوية» الوارد يف املحرض‪ ،‬ولم أكن أعرف معناه‪،‬‬
‫حاضا يف كتب الفقه كثريا؛ خاصة يف أبواب األيمان‪ ،‬وهو بمعىن‬ ‫ً‬ ‫ثم رأيتُه‬
‫َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ َّ‬ ‫َ َْ ٌ َُْ َ‬
‫ري ذات مثنوية‪ :‬أي غري حمللة‪.‬‬ ‫االستثناء‪ ،‬قال يف لسان العرب‪« :‬وحلفة غ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُْ َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َُ ٌ‬ ‫َُ ُ‬
‫يها ثنيا َوال ثن َوى‪َ ،‬وال ثنيَّة َوال َمثنَو َّية َوال‬ ‫يقال‪َ :‬حلف فالن يَمينًا لي َس ف‬
‫َ َ‬ ‫َّ ّ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ٌ َ ُ َ َ ُ ُّ ُ‬ ‫ُ ُّ ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫والرد؛ ألن احل َالف إذا‬ ‫استثنَاء‪ ،‬لكه َواحد‪َ ،‬وأ ْصل هذا لكه م َن اثلَّ ْين والكف‬

‫انظر‪ :‬ألف باء املخطوطات العامنية؛ ص‪.293‬‬ ‫(‪)18‬‬


‫‪20‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ريه َف َق ْد َر َّد َما قَ َ ُ‬
‫اهل ب َمشيئةَ‬ ‫اَّلل َغ ْ َ‬
‫اء َّ ُ‬ ‫اَّلل َال أفعل َك َذا َو َك َذا إ َّال أن ي َ َش َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫قال‪ :‬و‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫اَّلل َغ ْ َ‬
‫ري ُه‪ .‬واثلِّنْوة‪ :‬اال ْستثْنَ ُ‬ ‫َّ‬
‫اء‪ .‬واثلُّنيَان‪ ،‬بالض ِّم‪ :‬اال ْس ُم م َن اال ْستثنَاء‪َ ،‬وكذلك‬
‫ْ‬
‫اثلَّن َوى»(‪.)19‬‬

‫• ذاكرة ألفاظ احلضارة‪:‬‬


‫ٌ‬
‫يشء‬ ‫أول ما يلفت يف ّ‬
‫نص املحرض أنه مكتوب بلغة رصينة‪ ،‬ليس فيها‬
‫والعبث‪ ،‬تدل ىلع شخصية منظمة‪ ،‬ترسد احلدث تلو احلدث تبَ ً‬
‫ااع‬ ‫من احلشو َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ًْ‬
‫واضحا دقيقا‪ ،‬وال ختلو أحيانا من صبغة أدبية مجيلة‪.‬‬ ‫رسدا‬
‫ويستفتح نص املحرض بتصوير مشهد دخول الوكيل ىلع جملس‬
‫احلكم‪« :‬بينما أنا بزنوى يف ماكبدة أحاكمها‪ ،‬ومعاناة أمورها‪ ،‬إذ أتاين رجل‬
‫يلع‪ ،‬وقال‪ :‬أنصفين لفاطمة بنت حممد بن زياد‬‫َمثَ َل بني يدي‪ ،‬وأقبل بوجهه ّ‬
‫بن أمحد‪ ،‬من أمحد بن حممد بن خادل اهلالك‪.»....‬‬
‫ُ‬
‫ثم يعقبه بتعليقه عليه‪« :‬فنظرت يف دعواه‪ ،‬فوجدتها صحيحة العرفان‪،‬‬
‫جلية الربهان‪ ،‬توجب استماع مقاتله‪ ،‬وانلظر يف مراجعته»‪ .‬ويذكر تايلًا‬
‫ُ‬
‫«فقبلت شهادتهما ملوضع‬ ‫شهادة الشاهدين‪ ،‬ثم يعقبها باتلعليق عليها‪:‬‬
‫عداتلهما‪ ،‬وصحة عبارتهما»‪ ،‬ويستمر ىلع هذا النسق يف تفصيل األحداث‬
‫وفرزها وعرض جمرياتها بلغة واضحة‪.‬‬

‫(‪ )19‬لسان العرب؛ مادة‪ :‬ثني‪ .‬وانظر‪ :‬معجم مصطلحات أصول الفقه؛ تأليف‪ :‬قطب مصطفى سانو‪ .‬ط‪:2‬‬
‫‪1423‬هـ‪2002 /‬م‪ .‬دار الفكر‪ -‬دمشق‪ /‬سورية‪ .‬ص‪.51‬‬
‫‪21‬‬

‫ومن االصطالحات االجتماعية واالقتصادية الواردة يف املحرض‪:‬‬


‫ُ‬
‫الف َ‬
‫وطة؛‬ ‫األلفاظ املنصوص عليها يف تعيني املهر‪ ،‬كألفاظ املالبس من حنو‪:‬‬
‫َُ ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫ويه ثوب غليظ قصري يُؤت َز ُر به‪ .‬والمقنَعة؛ ويه ما تغ ِّطي به املرأة رأ َسها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫والملحفة؛ ويه اللباس اذلي فوق سائر اللباس من دثار الربد وحنوه؛ وك‬
‫َ َ ْ‬ ‫يشء َّ‬
‫حفت به(‪.)20‬‬ ‫تغطيت به فقد اتل‬
‫ْ‬
‫ومنها ألفاظ العمالت‪ ،‬اكدلراهم انلُّق َرة‪ ،‬وانلقرة‪ :‬يه القطعة املذابة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫جمتمعا منهما‪ .‬والعالقة بني انلقرة‬ ‫من اذلهب والفضة‪ .‬وقيل‪ :‬انلقرة ما ُسبك‬
‫والسبيكة العموم واخلصوص‪ ،‬إذ انلقرة أعم من السبيكة(‪ .)21‬ويُفهم من نص‬
‫املحرض أن املقصود هو وزن أربعمئة درهم نقرة‪ ،‬بديلل اتلفصيل بعدها أنه‬
‫يؤدي منها‪ :‬سبعة مثاقيل ذهب‪ ،‬وخلخالني‪ ،‬ودملوجني وزنهما مئة درهم‬
‫نقرة‪ ،‬وابلايق مؤجل عليه‪.‬‬

‫(‪ )20‬انظر تفصيل معاين هذه األلفاظ يف‪ :‬املعجم العريب ألسامء املالبس‪ ،‬يف ضوء املعاجم والنصوص املوثقة‬
‫من اجلاهلية حتى العرص احلديث؛ إعداد‪ :‬رجب عبد اجلواد إبراهيم‪ .‬ط‪1423 :1‬هـ‪2002 /‬م‪ .‬دار‬
‫اآلفاق العربية‪ -‬القاهرة‪ /‬مرص‪ .‬ص‪ .452 ،408 ،364‬وانظر أيضا‪ :‬معجم الكلامت املصطلحية يف‬
‫لسان العرب (الطب‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والعامرة‪ ،‬واجلغرافية واجليولوجية والفلك‪ ،‬والصناعة والتقانة)؛ إعداد‪:‬‬
‫ممدوح حممد خسارة‪ .‬ط‪1428 :1‬هـ‪2007 /‬م‪ .‬مطبوعات جممع اللغة العربية بدمشق‪ -‬سورية‪.‬‬
‫ص‪ .687‬ومل أعرف مصطلح «العبية»‪ ،‬ولعلها‪ :‬العباءة‪ .‬أو نوع آخر من األلبسة‪.‬‬
‫املوسوعة الفقهية ج‪ /41‬ص‪( .144‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ -‬الكويت‪ .‬الطبعة األوىل‬ ‫(‪)21‬‬

‫‪1423‬هـ‪2002 /‬م)‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫ومثل ذلك اإلشارة إىل انلخيل‪ ،‬وكونها من املال الشائع اذلي يعتاش به‬
‫الص ُدقات‪ .‬وهذه األلفاظ جديرة بالوقوف عليها‬ ‫انلاس‪ ،‬ذللك تُفرض يف َّ‬

‫لرصد مفاهيمها يف احلياة االجتماعية آنذاك‪.‬‬

‫• ذاكرة العلوم واملعارف‪:‬‬


‫يفل نص املحرض بتفاصيل كثرية عن تقايلد القضاء وما جيري يف‬
‫جمالس احلكم‪ ،‬من حنو تسجيل القضايا يف دفرت األحاكم‪ ،‬وإحضار الشهود‪،‬‬
‫وطريقة االستماع إىل الشهود‪ ،‬وكتابة املدرة الستداعء من يُراد حضوره‬
‫ملجلس احلكم‪ ،‬وصيغ اتلحليف( ‪ ،) 22‬واإلشهاد‪ ،‬واإلقرار‪ ،‬واملناداة ىلع‬
‫األموال‪.‬‬

‫(‪ )22‬أستحرض يف هذا املقام ما ذكره قطب األئمة رمحه اهلل يف (رشح النيل) يف باب الدَّ عاوى؛ قال‪« :‬وكان‬
‫أهل عامن ُيلفون املنْكِر‪ ،‬ويقول له احلاكم‪ :‬قل‪ :‬واهللِ الذي ال إله إال هو العزيز املقتدر الرمحن الرحيم‪،‬‬
‫السحاب ومن ِْزل الكتاب‪ ،‬قابل التوب شديد العقاب‪ ،‬ماحي اآلثار وباتر األعامر‪ ،‬قاصم اجلبابرة‬ ‫ِ‬
‫منْشئ ّ‬
‫ِ‬
‫الرجل كذا‬ ‫باس ِم ِه كاذبا أ ْخذ عزيز مقتدر؛ ما ع َّيل ِهلذا‬
‫ومد ّمر الفراعنة واألكارسة‪ ،‬الذي يأخذ م ْن حلف ْ‬
‫وكذا درمها أو نحو ذلك‪ ،‬وإ ْن كنت حانثا يف ذلك ينْتقم اهلل من احلانثني بنكال الدنيا وعذاب اآلخرة‪.‬‬
‫اسمه‬
‫وجدْ ته منقوال من خط الفاضل ابن الشيخ مخيس بن سعيد العامين صاحب املنهاج‪ ،‬وابنه املذكور ْ‬
‫نارص بن مخيس بن سعيد‪ ،‬جاء إىل جربة وقعد فيها أياما‪ ،‬وكتب هذه املسألة»‪ .‬انظر‪ :‬رشح النيل وشفاء‬
‫العليل؛ تأليف‪ :‬قطب األئمة احممد بن يوسف اطفيش (ت‪1332‬هـ)‪ .‬ط‪1393 :2‬هـ‪1973 /‬م‪.‬‬
‫النارشون‪ :‬مكتبة اإلرشاد‪ -‬جدة‪ /‬اململكة العربية السعودية‪ .‬دار الفتح‪ -‬بريوت‪ /‬لبنان‪ .‬دار الرتاث‬
‫العريب‪ -‬ليبيا‪ .‬مج‪ /13‬ص‪.354‬‬
‫‪23‬‬

‫ويف هذا الشأن يقول‪« :‬وال جيوز أن يكون املنادي إال ثقة؛ ألنه مأمون‬
‫ٌ‬
‫وأمني من‬ ‫ىلع ما اغب من أحاكم القايض‪ ،‬وهو شعبة من أحاكم القايض‪،‬‬
‫ً‬
‫أمنائه؛ فال يكون إال ثقة مأمونا ىلع ما دخل فيه‪ ،‬واغب عن احلاكم من‬
‫أمره‪ ،‬وأما إذا اكن املنادي غري ثقة؛ فال يقبل قوهل إنه قد نادى‪ ،‬وبلغ املال‬
‫عدل‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كذا وكذا؛ ألن هذا دعوى من املنادي‪ ،‬إال أن يشهد ىلع ندائه شاهدا‬
‫ويرضه الشاهدان يف مواقف انلداء‪ ،‬ومواقف العطاء‪ ،‬حىت ال يغيب من أمر‬
‫ٌ‬
‫يشء إال عرفاه كم أعطى بنداء املال‪ ،‬وىلع كم استقر ثمنه وما‬ ‫املنادي‬
‫بلغ‪ ،‬فإذا صح هذا بشهادة الشاهدين بعلمهما بفعل املنادي‪ ،‬ورفعا ذلك إىل‬
‫احلاكم؛ جاز هل ىلع هذا الوجه إذا اكن املنادي غري ثقة»‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫«فراجعنا يف ذلك‬ ‫ويشري أحيانا إىل االستعانة بأناس حوهل يشاورهم‪:‬‬
‫ُ‬
‫«فنظرت يف ذلك أنا َ‬
‫وم ْن حرضن من‬ ‫انلظر‪ ،‬وشاورنا أهل الفقه وابلرص»‪،‬‬
‫ُ‬
‫الصاحلني»‪« ،‬وشاورت من حرضن من الصاحلني من أهل ابلرص باألحاكم»‪.‬‬
‫ويأخذ باالحتياط أحيانا‪« :‬فلما رأينا أسالفنا قد اختلفوا يف ذلك؛ أحببنا أن‬
‫نتوثق ألنفسنا‪ ،‬وحنتاط‪« ،»...‬فهذا ما رأيناه‪ ،‬وشاورنا فيه أهل الصدق‪،‬‬
‫ورجونا فيه إصابة احلق ىلع االستحاطة‪ ،‬واملبالغة يف طلب انلجاة إن شاء‬
‫اهلل»‪.‬‬
‫ومما يمزي هذا املحرض تفصيل القايض أيب زكريا للك جزئية من‬
‫ُ‬
‫اتلنظري الفقيه هلا‪ .‬فهو حريص ىلع‬ ‫جزئياته‪ ،‬واتلعقيب عليها من حيث‬
‫ْ‬
‫إتبَاع لك خط وة يقوم بها بتأصيلها الفقيه‪ ،‬ورأي العلماء فيها‪ ،‬وما هو‬
‫‪24‬‬

‫َ ََ‬
‫ورسد آراء فقهية مهمة للك من‪ :‬مسعدة بن تميم‪،‬‬ ‫األرجح عنده واملعمول به‪.‬‬
‫وسليمان بن عثمان‪ ،‬وأيب قحطان اهلجاري‪ ،‬وموىس بن يلع‪ ،‬وحممد بن‬
‫موىس‪ ،‬وحممد بن حمبوب‪ ،‬وأيب املؤثر‪ ،‬وأيب احلواري‪.‬‬
‫واخلالصة أن هذا املحرض من أطول املحاض القضائية املأثورة عن‬
‫ً‬
‫قضاة ُعمان املتقدمني‪ ،‬ومن أغزرها مادة علمية‪ ،‬وثروة فقهية‪ ،‬وذاكرة‬
‫عمانية‪ ،‬ومن أكرثها تفصيال وحتريرا‪ .‬وهو ٌ‬
‫أثر مهم‪ ،‬يضاف إىل آثار أيب زكريا‬
‫العلمية يف هذا املجال‪.‬‬

‫• ذاكرة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫بيان الرشع؛ تأيلف‪ :‬حممد بن إبراهيم الكندي (ت‪508‬ه)‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫اجلزء اثلامن والعرشون‪ .‬ط‪1408 :1‬ه‪1988 /‬م‪ .‬وزارة الرتاث القويم‬
‫واثلقافة‪ /‬سلطنة عمان‪ .‬ص‪.114‬‬
‫بيان الرشع؛ تأيلف‪ :‬حممد بن إبراهيم الكندي (ت‪508‬ه)‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫اجلزء اثلامن والعرشون‪ .‬خمطوط حمفوظ يف دار املخطوطات العمانية؛ برقم‬
‫‪ . 4031‬انلاسخ‪ :‬مجعة بن خلف بن أيب احلسن بن حممد بن عمر املعويل‬
‫«نسبا والسمائيل سكنا واإلبايض مذهبا»‪ .‬بتاريخ‪ :‬األحد ‪ 24‬ذي احلجة‬
‫ُ ً‬
‫‪951‬ه‪( .‬وانظر نسخا أخرى للجزء نفسه يف دار املخطوطات حتت األرقام‬
‫اتلايلة‪،2244 ،1506 ،1505 ،606 ،551 ،488 ،453 ،418 ،346 :‬‬
‫‪.)4192 ،3865 ،3712 ،3517‬‬
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34

You might also like