Professional Documents
Culture Documents
4 فصل 1
4 فصل 1
يعترب احلق يف احلياة الشخصية جوهر وأساس حقوق اإلنسان وحرياته األساسية ،وهو من أبرز
احلق وق اللص يقة بشخص ية اإلنس ان ،لكن أص بح ه ذا احلق يف اآلون ة األخ رية أك ثر عرض ة لإلنته اك
لذلك وجب توفري محاية قانونية واسعة مستمدة من الدساتري والقوانني الوضعية واملواثيق الدولية.1
وعليه ميكن تقسيم اإلطار املفاهيمي إىل مبحثني ،ماهية محاية احلق يف احلياة الشخصية (املبحث
األول) والتطور الدويل والداخلي حلماية احلياة الشخصية (املبحث الثاين).
1ميمون خ يرة" ،اإلطار القانوين للحق يف احلياة اخلاصة يف نط اق الق انون الدويل" ،جملة الدراس ات القانونية املقارنة ،اجمللد،06
العدد ،01كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة حسيبة بن بوعلي ،الشلف ،2020 ،ص.571
5
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
يعترب حتديد ماهية احلق يف احلياة الشخصية من املواضيع البالغة األمهية نظرا لإلشكاالت الرئيسية
ال يت يطرحها،1ورغم ذل ك مل ي رد تعريف ا ل ه يف مجي ع التش ريعات ألهنا فك رة مرن ة ومبهم ة يش وهبا
غموض ليس هلا حدود ثابتة ،مما يعكس صعوبة بيان ماهية احلق يف محاية احلياة الشخصية.2
مل تقتص ر ماهي ة احلق يف محاي ة احلي اة الشخص ية على معرفته ا فق ط وإمنا تتع داها ملعرف ة التبي ان
الذي طغى على جل عناصره سواء تعلق بطبيعته القانونية اليت إختلفت بني من يرى بأنه حق ملكية
ومن يرى أنه حق شخصي ،إضافة إىل ما يتميز به من خصائص وما يتمتع به من مظاهر وهذا ما
جعله خمتلفا عن باقي احلقوق األخرى.3
ولدراس ة ماهي ة احلق يف محاي ة احلي اة الشخص ية إقتض ى األم ر تقس يم ه ذا املبحث إىل مطل بني
تضمن األول مفهوم احلق يف محاية احلياة الشخصية وطبيعته القانونية ،واملطلب الثاين مظاهر احلق يف
محاية احلياة الشخصية وخصائصها.
إن الق انون مل ينص على تعري ف احلق يف محاي ة احلي اة الشخص ية ب ل نص على محايته ا فق ط،
حيث أن الفقه الفرنسي إنتقد هذا النهج ألنه كان من الضروري معرفة مضمون هذه احلماية أو حملها
قبل التطرق إىل هذه احلماية.4
1زيتوني محمد كمال ،جرمية املساس باحلياة اخلاصة وطرق مكافحتها ،مذكرة لنيل شهادة املاسرت يف احلقوق فرع :قانون اجلنائي
والعلوم اجلنائية ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة عبد احلميد بن باديس ،مستغامن،2019 ،ص.11
2شميشم رشيد" ،احلق يف احلياة اخلاصة" ،جملة العلوم القانونية واإلجتماعية ،العدد ،12كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة حيىي
فارس املدية ،2018 ،ص.161
3بن حيدة محمد ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف التشريع اجلزائري ،رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه يف القانون ،كلية احلقوق
والعلوم السياسية ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان ،2017 ،ص.41
4شميشم رشيد ،مرجع سابق ،ص.161
6
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
إن مفهوم احلق يف احلياة الشخصية متطور خيتلف حسب عادات وتقاليد كل جمتمع والظروف
اخلاصة بكل شخص ونظام احلكم ،فبالرغم من قدم فكرة احلق يف إحرتام احلياة اخلاصة فاملالحظ أن
هذا املفهوم ال يزال بعيدا على أن يكون حمال لإلتفاق.1
لكن ه ذا ال يع ين وج ود عدي د من احملاوالت الفقهي ة والقانوني ة إلجياد تعري ف ج امع م انع ل ه،
واليت نصت أيضا على إقرار هذا احلق وكفالة محايته من أي اعتداء مادي أو معنوي أو مساس به.2
مما سبق سنتطرق إىل تعريف احلق يف محاية احلياة الشخصية يف فرعني ،أوهلما التعريف اإلجيايب،
و ثانيهما التعريف السليب.
ذهب ج انب من الفق ه األم ريكي من تعري ف احلق يف اخلصوص ية 3بأن ه احلق يف اخلل وة أي ح ق
اإلنسان يف البقاء بعيدا عن احلياة اإلجتماعية يف عزلة دون إزعاج من اآلخرين ،وأول من نادى بفكرة
اخللوة الفقيه القاضي كويل coolyإذ أن تعريف احلق يف احلياة اخلاصة لقى قبوال من جانب الفقه
األمريكي ،إذ عرف الفقيه نيزر nizerهذا احلق قائال":هو حق اإلنسان يف أن يعيش مبفرده جمهوال
1محمد حسن قاسم ،احلياة القانونية حلياة العامل اخلاصة يف مواجهة بعض مظاهر التكنولوجيا احلديثة ،ط ،01منشورات احلليب
احلقوقية بريوت ،لبنان ،2011 ،ص.10
2زيتوني محمد كمال ،املرجع السابق ،ص.11
3اخلصوصية يف اللغة يعرب عن حال اإلنفراد الذي هو نقيض العموم فيقال إختص باألمر أي إنفرد به ،أما إصطالحا فتعرف أهنا
حالة إختصاص وإنفراده بشؤونه دون الغري سواء كان ذلك اإلنفراد حق اإلطالع أو النقل للغري أو التصرف يف الشأن اخلاص،
انظر :نفس املرجع ص.13
7
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
ومن ح ق الش خص أن يعيش بعي دا عن أنظ ار الن اس وعن القي ود اإلجتماعي ة 4،مبع ىن أن ه جيوز للف رد
العيش منفردا دون احلاجة لعالقات خاصة وتدخل خارجي.
وهو ماعرب عنه الربوفيسور ألن ويسنت westin allenبتعريفه للخصوصية أهنا إنسحاب إرادي
ومؤقت من اجملتمع إىل العزلة ،أو العيش يف حالة من اإلنغالق والتحفظ يف وسط جمموعة أكرب.1
أم ا فيم ا خيص تعري ف الفقي ه فريي ه Didier ferrierإىل "أن احلي اة اخلاص ة هي جمموع ة
2
احلاالت واألدوار الصادرة عن الفرد حبرية ،واليت ال تربطه بأي إلتزام يف مواجهة اآلخرين".
ويعرفها الفقيه األمريكي جون شاتوك chattuek johnبقوله"تعين احلياة اخلاصة أن يعيش
الفرد حرا ممارسا ألنشطة خاصة حىت ولو كان سلوكه على مرأى من الناس ،فهو يرتدي ما حيلو له
ويظهر هبيئة تتميز هبا شخصيته.3
ومن أش هر تعريف ات احلق يف اخلصوص ية التعري ف ال ذي وض عه معه د الق انون األم ريكي ال ذي
يعرف اخلصوصية عن طريق املساس هبا بقوله أن كل شخص ينتهك بصورة جديدة ودون وجه حق
شخص آخر يف أن ال تصل أموره وأحواله إىل علم الغري وأن ال تكون صورته عرضة ألنظار اجلمهور
يعترب مسؤوال أمام املعتدى عليه.4
4علي أحم د عب د الزع بي ،ح ق اخلصوص ية يف الق انون اجلن ائي ،ط ،01املؤسس ة احلديث ة للكت اب ناش رون ،ط رابلس ،لبن ان ،2006 ،ص
.119
1رح ال عب د الق ادر ،احلماي ة اجلزائري ة للح ق يف اخلصوص ية ،دراس ة مقارت ة بني الش ريعة اإلس المية والق انون اجلزائي اجلزائ ري،
أطروحة لنيل الدكتوراه يف العلوم اإلسالمية ،ختصص شريعة وقانون ،كلية العلوم اإلنسانية والعلوم اإلسالمية ،جامعة امحد بن بلة،
وهران ،2015 ،ص.42
2آيت سيدهم يحيى ،احلياة اخلاصة يف ظل التطور التكنولوجي ،مذكرة لنيل شهادة املاجستري ،ختصص قانون اإلعالم كلية احلقوق
والعلوم السياسية ،جامعة جياليل ليابس ،سيدي بلعباس ،2015 ،ص.17
3بن س عيد ص برينة ،محاي ة احلق يف حرم ة احلي اة اخلاص ة يف عه د التكنولوجي ا ،أطروح ة لني ل ش هادة دكت وراه العل وم يف العل وم
القانونية ختصص :قانون دستوري ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة احلاج خلضر ،باتنة،2015 ،ـ ص.74
4جغالل نغم ،محاية املشرع اجلزائري للحق يف حرمة احلياة اخلاصة ،مذكرة لنيل شهادة املاسرت يف احلقوق ختصصه :القانون اجلنائي
والعلوم اإلجرائية ،كلية القوق والعلوم السياسية ،جامعة أكلي حمند أوحلاج ،البويرة ،2019 ،ص.09
8
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
وعلى غرار الفقه األمريكي سلك نظريه الفرنسي طريقا مماثال فالعميد جان كاربونييه Jean
carbonnierيرتجم بصفة أساسية مقتضاه أن يرتك اإلنسان هادئا دون ما يعكر حياته من قبل
الغري ،هذا اهلدوء الذي يشكل القيمة النفسية احملمية يشمل مظاهر متعددة ومتنوعة.1
باإلضافة إىل الفقه املصري الذي ال تقل وجهته عن اآلراء اليت قبله ،حيث تناول رمسيس هبنام
ramsès bahnamتعري ف احلي اة اخلاص ة وحرمته ا بقول ه ي راد باحلي اة اخلاص ة لإلنس ان قي ادة
اإلنسان لنفسه يف الكون املادي احمليط به.2
ف احلق يف احلي اة اخلاص ة مينح الف رد محاي ة كامل ة س واء من الناحي ة النفس ية أو اجلس دية فك ل ش خص
مسؤول عن نفسه وجسده وال جيوز للغري التدخل فيهما وإال اعترب ذلك إنتهاكا حلرمة احلياة اخلاصة.
باإلضافة إىل األستاذ الدكتور فتحي أمحد سرور الذي قال أن حرمة احلياة اخلاصة هي قطعة
غالي ة من كي ان اإلنس ان ال ميكن إنتزاعه ا من ه ،وإال حتول إىل أداة ع اجزة عن الق درة على اإلب داع
اإلنشائي ،فاإلنسان حبكم الطبيعة له أسراره الشخصية ومشاعره الذاتية وخصائص املتميزة وال ميكن
لإلنسان أن يتمتع هبذه املالمح إال يف مناخ حيفظهما ويهيئ هلا لسبل البقاء.3
فاحلق يف اخلصوصية يعين أنه ليس ألحد أن يقتحم على غريه عامل أسراره وأن يدعه يف سكينة
ينعم باأللفة دون تطفل من قبل اآلخرين.4
واحلياة اخلاصة تعين حجب الغري عن اإلطالع على خصوصياته وجعل ذلك يف إطار السرية.5
ومنه ميكن تقسيم هذا التعريف إىل 03أفكار رئيسية وهي :السرية ،األلفة والسكينة.1
يذهب الفقيه مارتن martinإىل تعريف احلياة اخلاصة وبالطبع إستنادا إىل فكرة السرية بأهنا
"احلياة املنعزلة أو اجملهدات واحلياة السرية والشخصية الالصقة أو احلياة الداخلية و الروحية وتلك اليت
يعيشها اإلنسان خلف بابه املوصد".2
فب الرغم من العالق ة الوطي دة بني اخلصوص ية والس رية ف إن ه ذه األخ رية ال حتم ل نفس مع ىن
اخلصوصية كما تقيد معناها وتضيقه ،فاخلصوصية هي أوسع بكثري وجماهلا واسع ،أما فيما خيص فكرة
الس كينة يعرفه ا ج انب أخ ر ويقص د هبا ح ق الف رد يف العيش ول و ج زءا من حيات ه بعي دا عن ت دخل
الغري ،فلإلنسان احلق يف محاية خصوصياته من أي تدخل أو إعتداء يقع عليها.3
فالقضاء الفرنسي قام باإلعتداد بفكرة األلفة بصفة أساسية وإعتبارها مصطلح مرادف للحياة
اخلاصة ،و حيصر الفقيه روجي نريسون Nerson rogerفكرة احلياة يف إطار األلفة بقوله أهنا أقل
ح يز يك ون لك ل ش خص أن حيتف ظ ب ه لتف ادي تع دي األخ رين ،أو كم ا يص فه األس تاذ س افاتيه
savatierأهنا احلديقة املغلقة لأللفة ،وعرف كابان األلفة أهنا كل مايتعلق خبصوصية الشخص،4
فبالرغم من جوهرية هذا العنصر إال أنه يعترب مرادفا للسرية أو السكينة.5
ويرى البعض من الفقه أن احلياة اخلاصة ماهي إال مزيج من العناصر السابقة (السرية ،السكينة،
األلف ة) ،وعرفه ا بأهنا النط اق ال ذي يك ون للم رء يف إط ار اإلنس حاب عن اآلخ رين هبدف حتقي ق
السكينة والسرية يف احلياة اخلاصة.6
ومن هنا ميكن القول أن هذه التعريفات املضيقة لفكرة احلق يف احلياة اخلاصة غامضة وال ميكن
اإلعتماد عليها ،حبيث مت ربطها مبجموعة من األفكار ،وبصفة عامة كل التعريفات مل تعطي تعريف
عام للحياة اخلاصة والقول بأنه حق يستعصي على التعريف ،وهذا ما جعل الفقه يبحث عن تعريف
سليب للحياة اخلاصة.1
تعترب احلياة اخلاصة هي كل ما ال يعد من احلياة العامة للفرد واحلياة غري العامة وغري العلنية،
فاحلق يف حرمة احلياة اخلاصة هو احلق يف حياة غري عامة ،فهذا يسهل تعريف احلياة العامة لكنه يؤكد
أولوية احلياة اخلاصة ومحايتها وحظر املساس هبا ،فعدم تعريف هذه األخرية يعد إحرتاما هلا فال جيوز
التعم ق فيه ا ،وعلي ه فاحلي اة العام ة تع ين حتدي د اجملال ال ذي جيوز أن يك ون حمال حلب إس تطالع الن اس
عليه على سبيل اإلستثناء.2
فالفرد يقضي وقتا أطول يف حياته العامة مع اجلمهور ،مقارنة بالوقت الذي يقضيه بنفسه أي
يف حياته اخلاصة ،حىت بالنسبة ألوقات الفراغ معظم الناس يقضوهنا يف أماكن عامة ،أي أن جانب
من نش اطه يك ون عام ا حتت مسع وبص ر اآلخ رين ،ه ذا بالنس بة لألش خاص املش هورين فليس على
الشخص التضرر من نشر هذا اجلانب من حياته ،3ويدلل أنصار هذا اإلجتاه بأن القضاء الفرنسي اعترب
احلياة املهنية للفنان تدخل يف عداد حياته العامة.4
وه ذا ي دفعنا ملعرف ة معي ار التفرق ة بني احلي اة العام ة واخلاص ة ،ومعرف ة عناص ر احلي اة العلني ة
إلستبعاد ما خيرج منها ،وإعتباره من قبل احلياة اخلاصة،1فاحلد الفاصل بني احلياة العامة واحلياة اخلاصة
يكمن يف فكرة الشعور باحلياء إجتاه ألفة حياته ،فحيثما يشعر اإلنسان باحلياء يبدأ نطاق احلياة اخلاصة
وتنتهي احلياة العامة.2
فهذا املعيار فضفاض ومبهم حيتاج إيضاح ،فقد جلأ أنصار هذا اإلجتاه إىل أن احلياة العامة هي
احلياة اإلجتماعية هبا يدخل اإلنسان يف عالقات مع غريه مثل احلياة احلرفية وحياة اجملتمع و بإختصار
احلياة اخلارجية لإلنسان أي خارج باب منزله.3
وميكن القول أن احلياة العامة للفرد تشمل احلياة السياسية كتأدية اخلدمة العسكرية أو ممارسة
حق التصويت.4
ومن خالل مراجع ة الص ور الس ابقة املكون ة ملفه وم احلي اة العام ة جند أهنا من املس لمات وحمل
خالف ،فاحلي اة املهني ة واحلرفي ة وك ذلك أوق ات الف راغ هي من ص ور احلي اة اإلنس ان اخلاص ة ،فيم ا
خيص الشهرة مهما بلغت ال جيوز نشر األمور الشخصية دون قيد أو شرط ويف ذلك إنتهاكا حلرمة
حياة الشخص املشهور.5
ويتض ح من خالل م ا تق دم أن ه ذا اإلجتاه الس ليب معيب ألن ه وض ع حدودا فاص لة بني احلي اة
العامة واحلياة اخلاصة ،وهذا األمر مستحيل ألن معايري التمييز بينهما متطورة وختتلف إىل حد يفقدها
فاعليتها يف حتديد جماالت التداخل والتناسق بينهما.6
فال ميكن فصل احلياة العامة عن اخلاصة ،فكل منها فكرة مرنة حتتاج تغيري وجتديد ويرتبطان
إرتباطا وثيقا هذا ما زاد األمر تعقيدا .فليس من السهل الفصل بينهما وترك األمر للقضاء.
مل يكن تعريف احلق يف احلياة اخلاصة املسألة الوحيدة اليت إختلف حوهلا الفقهاء بل إمتد ذلك
إىل الطبيعة القانونية هلذا احلق ،فقد شغلت هذه املسألة بال الفقه والقضاء،لذا كان من الالزم تدخل
العديد من التشريعات يف كثري من النظم القانونية القدمية واحلديثة حول حتديد الطبيعة القانونية للحق
يف احلياة الشخصية ملعرفة النتائج اليت تتولد عنه ،فمنهم من إعتربه حقا ومنهم من إعتربه رخصة.1
فبالنسبة للرأي األول،إنقسم إىل إجتاهني ،األول إعترب احلق يف احلياة اخلاصة حق ملكية ،والثاين إعتربه من
احلقوق الشخصية،2وهذا ما سنتطرق إليه يف الفرع باإلضافة إىل معرفة األشخاص املعنيني هبذا احلق.
أسس هذا اإلجتاه رأيه على أساس فكرة احلق يف الصورة ،4لكوهنا ختضع ملا خيضع له حق امللكية
من أحكام ،فكانت الفكرة السائدة آنذاك أن لإلنسان حق ملكية على جسده وشكله جزء من هذا
اجلسد والصورة ما هي إال جتسيد هلذا الشكل ،ومن مث تعممت الفكرة لتشمل حق اخلصوص بكافة
مظاهره.5
وأس س الفقي ه الفرنس ي إدملان Edelmanرأي ه ب القول أن احلق يف احلي اة اخلاص ة يع د من
قبيل حق امللكية.1
وي رتتب على ح ق ملكي ة الش خص على جس ده 03أم ور فل ه ح ق التص رف واإلس تعمال
وإإلستغالل جلسده وصورته ،ومنه جواز بيع صورته وتغيري مالحمه ،كأن يصبغ شعره ،أو حيلفه أو
يبيع ه ،فوفق ا للقواع د العام ة يف الق انون املدين ال ذي خيول للمال ك ح ق اإلس تعمال واإلس تغالل
والتصرف املطلق يف ملكيته.2
فمادام الشخص مالك جلسده فله حق التصرف فيه ،وهذه األحكام تنطبق أيضا على الصورة،
اليت هي جزء من كيان الفرد ،وهذا ما أكده السنهوري بقوله حق ملكية الشيء هو حق اإلستئثار
بإستعماله وإستغالله وبالتصرف فيه على وجه دائم وكل ذلك يف حدود القانون ،3وينطبق ذلك على
ما نص عليه القانون املدين يف املادة .4674
وينب ين على ذلك عدم جواز تصوير الشخص أو إستغالل صورته إال برضاه حىت ولو كان
ذلك الشخص يف مكان عام.
فمن حق الشخص رفع دعوى وقف اإلعتداء الواقع على حرمة حياته اخلاصة دون احلاجة
إىل إثبات الض رر املادي واملعن وي الذي أنتجه هذا اإلعت داء ،وذلك إعماال حلق املالك على امللكية،
وأن هذا احلق غري قابل للتقادم.5
فالقانون اإلجنليزي أنكر إستقاللية احلق يف اخلصوصية وإعتربها ملك خاص لصاحبه ،وال تقل
أمهية عن ملكية اإلنسان ملنزله ومالبسه إذ ال جيوز املساس هبا.1
واحملاكم الفرنسية 2يف مرحلة معينة إعتربت احلق يف اخلصوصية من قبيل حق امللكية ،وهذا ما ذهبت
إلي ه حمكم ة الس ني التجاري ة ال يت قض ت بأن ه "ملا ك ان لك ل ش خص أن يتمت ع و أن يس تعمل ص ورته
مبقتضى ماله عليها من حق ملكية مطلق ،فإن أحدا غريه ال ميلك مكنة التصرف فيه دون موافقته.3
وكرس أنصار هذا اإلجتاه محاية سرية الرسائل واخلطابات بإعتبار أن لصاحب اخلطاب حق
ملكية عليه حبيث تتكون بني املرسل واملرسل إليه.4
إن اإلختالف بني احلق يف احلي اة اخلاص ة واحلق يف امللكي ة أك ثر من التش ابه ويظه ر ه ذا
اإلختالف مثال يف مميزات كل منهما ،فال يستطيع أن يكون للشخص حق ملكية على جسده ،إذن
فالصورة ليست حمل ملكية لعدم انفصاهلا عن الشخص ذاته ،فهذا احلق العيين يفرتض وجود هذا احلق
وموض وعه ،فه ذا اإلجتاه ت أثر ب آراء قدمية (الق انون الروم اين) وتعت رب الفك رة خاطئ ة وأدخ ل احلق يف
خصوصية ضمن حق امللكية حىت ال خيلق تقسيمات جديدة.5
الرأي الراجح يف فرنسا 6يرى أن حق اخلصوصية تشابه مع احلق الشخصي أكثر من تشاهبه
مع احلق العيين وهذا ما نصت عليه املادة 09من القانون املدين الفرنسي.7
وتع رف ه ذه احلق وق بأهنا تل ك احلق وق ال يت تنص ب على مقوم ات وعناص ر الشخص ية يف
خمتل ف مظاهره ا الطبيعي ة واملعنوي ة والفردي ة و اإلجتماعي ة ،حبيث تع رب عم ا للش خص من س لطات
خمتلفة واردة على هذه املقومات وعلى تلك العناصر بقصد تنمية هذه الشخصية ومحايتها من إعتداء
الغري بإعتبارها عناصر مكونة لشخصية املرء.3
ويف حالة اإلعتداء على هذا احلق كان لزاما اللجوء إىل القضاء دون إثبات لضرر أو خطأ ويف
ذلك محاية قوية هلذا احلق.4
فاحلماية القانونية تكون قوية هنا أكثر من أن ترتك للمسؤولية املدنية أي بإثبات خطأ وضرر
وعالقة سببية ،وذلك يوفر محاية الحقة غري فعلية عن طريق الوقاية من أي إنتهاك.5
6كروش عقيلة ،احلماية القانونية حلرمة احلياة اخلاصة ،مذكرة مكملة لنيل شهادة املاسرت يف احلقوق ،ختصص :قانون جنائي ،كلية
احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة حممد بوضياف ،املسيلة ،2021 ،ص.06
7املادة 09من الق انون الم دني الفرنسي تنص على أن ":لك ل ف رد احلق يف إح رتام حيات ه اخلاص ة ،جيوز للقض اة دون اإلخالل
بالتعويض عن األضرار اليت حلقت هبم ،أن يصفوا أي تدابري مثل احلراسة واإلستيالء وغريها ،ملنع أو وضع حد لغز اخلصوصية ،قد
تك ون ه ذه الت دابري إذا ك انت هن اك على وج ه الس رقة ليك ون أم ر يف ملخص".مت اإلطالع عليه ا بت اريخ 15/03/2020على
الساعة 09:00يف املوقع:
Site.eastlaws.com
3بن سعيد صبرينة ،مرجع سابق ،ص.22
4هشماوي آسية ،مرجع سابق ،ص.155
5جالد سليم ،املرجع السابق ،ص.47
16
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
ومن ه نس تنتج أن ه ذه احلق وق الشخص ية ال ميكن اإلس تغناء عنه ا ،فق د أولت أمهي ة للج انب
املعنوي لكيان اإلنس ان باإلض افة إىل من ع التطف ل على من ل ه ح ق يف اخلصوص ية وجند أن ه ذا ال رأي
الراجح الذي جلأ إليه كال من الفقه الفرنسي واملصري.1
إن املشرع اجلزائري إنتهج نفس منهاج نظريه املصري 2و الفرنسي ،فاملادة 47من القانون
املدين اجلزائري نصت صراحة على اإلعرتاف باحلقوق اللصيقة أو املالزمة لصفة اإلنسان وأقر لكل
من ينتهك أو يتعدى على هذه احلقوق التعويض ،وللشخص الذي له احلق يف اخلصوصية طلب وقف
اإلعت داء دون احلاج ة إلثب ات ،ففي ذل ك محاي ة للكي ان املعن وي لإلنس ان ،حيث تنص املادة 47من
الق انون املدين" :لك ل من وق ع علي ه إعت داء غ ري مش روع يف ح ق من احلق وق املالزم ة للشخص ية أن
يطلب وقف هذا اإلعتداء والتعويض عما يكون قد حلقه من ضرر".3
وب النظر إىل املادتني 28/01من الق انون املدين ن رى أن املش رع ق ام حبماي ة بعض من ه ذه
احلق وق ك احلق يف اإلس م واللقب ،تنص املادة 28/01من نفس الق انون" :جيب أن يك ون لك ل
شخص لقب وإسم فأكثر ولقب الشخص يلحق أوالده.4"...
واملادة 48من نفس الق انون "لك ل من نازع ه الغ ري يف إس تعمال إمسه دون م ربر ،ومن إنتح ل
الغري إمسه أن يطلب وقف هذا اإلعتداء والتعويض عما يكون قد حلقه من ضرر".1
وك ذلك م ا ج اء يف ق انون العقوب ات اجلزائ ري ال ذي رتب اجلزاء اجلن ائي على املس اس
باخلصوصية دون احلاجة إىل توافر الضرر ،هذا ما ورد يف املواد 299-298-296اليت جتيز للمعين
عليه اللجوء إىل القضاء لوقف اإلعتداء أو منعه مع التعويض.2
كم ا ذكرن ا س ابقا أن القاع دة العام ة هي أن ح ق اخلصوص ية من احلق وق اللص يقة بشخص ية
الفرد ،ومنه فالشخص الطبيعي هو األساس يف هذه احلماية وهذا ما أقره التشريع.
1املرجع نفسه.
2املادة 299-298-296من ق انون العقوب ات الجزائ ري ،الب اب الث اين اخلاص باجلناي ات واجلنح ض د األف راد ،القس م اخلامس
املتعل ق باإلعت داء على ش رف وإعتب ار األش خاص وإفش اء األس رار.األم ر رقم 66/156املؤرخ يف 8يونيو،1966يتض من ق انون
العقوبات ،ج.ر.ج.ج ،عدد ،49صادر يف11يونيو ،1966معدل و متمم
املادة " : 296يعد قذفا كل إدعاء بواقعة من شأهنا املساس بشرف وإعتبار األشخاص أو اهليئة املدعى عليها به أو إسنادها إليهم أو
إىل تلك اهليئة .ويعاقب على نشر هذا اإلدعاء أو ذلك اإلسناد مباشرة أو بطريق إعادة النشر حىت ولو مت ذلك على وجه التشكيك
أو إذا قص د ب ه ش خص أو هيئ ة دون ذك ر ااإلس م ولكن ك ان من املمكن حتدي دها من عب ارات احلديث أو الص ياح او التهدي د أو
الكتابة أو املنشورات أو الالفتات .أو اإلعالنات موضوع اجلرمية".
املادة " :298يعاقب على القذف املوجه إىل األفراد باحلبس من شهرين إىل ستة أشهر وبغرامة من 25000دج إىل 50000
دج أو بإحدى هاتني العقوبتني ،ويعاقب على القذف املوجه إىل شخص أو أكثر بسبب انتمائه إىل جمموعة عرقية أو مذهبية أو إىل
دين معني ب احلبس من ش هر إىل س نة وبغرام ة من 10000إىل 100000أو بإح دى ه اتني العقوب تني فق ط إذا ك ان الغ رض ه و
التحريض على الكراهية بني املواطنني أو السكان".
املادة " : 299يعاقب على السب املوجه إىل فرد أو عدة أفراد باحلبس من شهر إىل ثالثة أشهر وبغرامة مالية من 10000دج إىل
25000دج ويضع صفع الضحية حدا للمتابعة اجلزائرية".
18
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
فالبحث يف نطاق اخلصوصية من حيث األشخاص يقوم أساسا على احلماية اليت يوفرها القانون
لإلنسان ،ومن هذا املنرب تثور العديد من التساؤالت ،حول ما إذا كان للشخص اإلعتباري 1واألسرة
حق التمتع هبذه احلماية ،2وهذا ما سنحاول دراسته.
اإلجتاه املنكر لتمتع الشخص املعنوي باحلق يف محاية احلياة الشخصية :إن األشخاص املعنوية أو
اإلعتبارية وفقا للمادة 49من القانون املدين هي "الدولة الوالية ،البلدية ،املؤسسات العمومية ذات
الط ابع اإلداري ،الش ركات املدني ة والتجاري ة ،اجلمعي ات واملؤسس ات ،الوق ف ،ك ل جمموع ة من
أشخاص أو أموال مينحها القانون شخصية قانونية" ،3فقد ذهب كل من الفقيهني الفرنسيني ليندون
وفرييه ،أن محاي ة احلق يف اخلصوصية تك ون للش خص الط بيعي فق ط دون الشخص املعن وي وال ميكن
مد هذه احلماية له ،فكما ذكرنا سابقا أن احلق خصوصية من احلقوق اللصيقة بشخصية اإلنسان فمن
مثَّ فهو ال يثبت إال للشخص الطبيعي.4
فاملشرع الفرنسي إعرتف هبذا احلق يف قانون 17يوليو 1970الذي حيمي احلقوق الفردية للمواطنني.5
1لتأكيد هذا املعىن راجع قرار احملكمة العليا رقم 161815بتاريخ 25/12/1996يف قضية (ش.م.ع) ضد فريق (ب) إذ جاء
أن "من املقرر قانونا أن الشخص اإلعتباري يتمتع جبميع احلقوق إال ما كان منها مالزما لصفة اإلنسان ،وذلك يف احلدود اليت
يقررها القانون" انظر ،بشاتن صفية ،ص.160
2جالد سليم ،مرجع سابق ،ص.60
3األمر رقم ،58-75املتضمن القانون املدين ،مرجع سابق.
4أشرف توفيق شمس الدين ،الصحافة واحلماية اجلنائية للحياة اخلاصة ،ط ،1دار النهضة العربية ،مصر ،2007 ،ص.36
5علي أحمد عبد الزعبي ،مرجع سابق ،ص.152
19
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
فهذه احلماية املقررة إال لشخص بشري وآدمي فاإلختالف بني الشخص املعنوي والشخص
الطبيعي يكون يف الكيان املادي ،ويعلل البعض هذا املوقف أن الشخص الطبيعي هو املخاطب هبذه
احلماية دون غريه ،وهذا ما أكدت عليه معظم النصوص الدستورية والقوانني.1
فاملادة 309مك رر من ق انون العقوب ات املص ري نص ت على محاي ة احلي اة الشخص ية للمواط نني،2
واملادة 45من الدستور املصري ورد فيها أن موضوع احلماية هو احلياة اخلاصة للمواطنني.3
فكلمة مواطن تطلق على الشخص الطبيعي عادة ،فرغم متتع الشخص املعنوي باجلنسية فال
يطلق عليه كلمة مواطن.4
ففي املادة 39من الدس تور اجلزائ ري إس تعمل املش رع عب ارة "تض من للدول ة ع دم انته اك حرم ة
اإلنسان 1."...وهذا دليل قاطع لعدم متتع الشخص املعنوي هبذا احلق.
وباإلض افة إىل م ا يثبت ذل ك املادة 50من الق انون املدين اجلزائ ري بقول ه "يتمت ع الش خص
اإلعتباري جبميع احلقوق إال ما كان مالزما لصفة اإلنسان وذلك يف احلدود اليت يقررها القانون.2"...
فمن الواض ح أن الش خص املعن وي ال يتمت ع ب احلقوق اللص يقة بشخص يته ك احلق يف األس رة
وحقوق عائلية وعاطفية وسياسية.
وبالنس بة للم ادة 303مك رر من ق.ع.ج فق د بني املش رع أن للش خص املعن وي مس ؤولية مدني ة،
عن دما يتعل ق األم ر جبرائم اإلعت داء على الش رف وإعتب ار األش خاص وعلى حي اهتم اخلاص ة وإفش اء
األسرار.3
فنطاق محاية الشخص املعنوي تدخل يف قوانني أخرى كقانون الشركات التجارية أو بصفة
عامة القوانني اليت تنظم األحكام املتعلقة بالشخصية املعنوية ،فقد ذهب بعض الفقهاء يف فرنسا إىل أن
األس رار الص ناعية والتجاري ة ال ت دخل يف نط اق احلماي ة القانوني ة للحي اة اخلاص ة ،فمن يتجس س على
ه ذه األس رار أو يس جل مكاملات ذات ط ابع ص ناعي أو جتاري ال يع د منتهك ا للحي اة اخلاص ة ،فعن د
1األمر رقم ،442-20املؤرخ يف 30ديسمرب ،2020يتضمن التعديل الدستوري ،جريدة رمسية للجمهورية اجلزائرية ،عدد
،82املؤرخة يف 30ديسمرب .2020
2األمر رقم 58-75يتضمن القانون املدين ،مرجع سابق.
3املادة 303مكرر من قانون رقم 23-06مؤرخ يف 20ديسمرب ،2006يتضمن قانون العقوبات ،جريدة رمسية للجمهورية
اجلزائرية ،عدد،84صادر يف24ديسمرب ،2006معدل ومتمم .تنص على" :يعاقب باحلبس من ( )6أشهر إىل ثالث ( )3سنوات
وبغرامة من 50.000دج إىل 300000دج،كل من تعمد املساس حبرمة احلياة اخلاصة لألشخاص بأية تقنية كانت وذلك:
-بالتقاط أو تسجيل أو نقل مكامات أو أحاديث خاصة أو سرية ،بغري إذن صاحبها أو رضاه.
-التقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص يف مكان خاص ،بغري إذن صاحبها أو رضاه.
يعاقب على الشروع يف إرتكاب اجلنحة للنصوص عليها يف هذه املادة بالعقوبات ذاهتا املقررة للجرمية التامة .ويضع صفح الضحية
حدا للمتابعة اجلزائية".
21
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
تسجيل مكاملة جتارية ال يعد إنتهاك حلرمة احلياة اخلاصة ألن معظم العالقات والعقود تربم عن طريق
اهلاتف ،وال ميكن إعتبارها جرمية.1
إن للش خص املعن وي نفس حق وق الش خص الط بيعي إس تنادا إىل فك رة التفرق ة بني ألف ة احلي اة
اخلاصة و احلياة اخلاصة ،فالشخص املعنوي يتمتع بألفة احلياة اخلاصة إال أن ذلك ال مينعه من أن تكون
له حياة خاصة متمثلة يف سرية األعمال ،فال جيوز اإلعتداء على حرمة األشخاص املعنوية شرط أن
يكون الغرض منه إضرار الشخص أو احلصول على منفعة.2
فمصطلح مواطن ال يشكل عقبة يف سبيل اإلعرتاف للشخص املعنوي باحلق يف احلياة اخلاصة،
ألن الفق ه وقض اء الق انون ال دويل اخلاص إس تقر على متت ع الش خص املعن وي باجلنس ية مث ل الش خص
الطبيعي فكل من يتمتع باجلنسية يعترب مواطنا سواء كان الشخص طبيعي أو معنوي.3
ف إذا ك ان للش خص الط بيعي احلق يف اإلس م والش رف جيب أن يك ون ل ه احلق يف محاي ة حيات ه
اخلاصة مثله مثل الشخص الطبيعي.4
ففي بلجيكا ذهب معظم الفقهاء إىل أن للشخص املعنوي احلق يف محاية حياته اخلاصة وهذا
ما أكدته جلنة خرباء حقوق اإلنسان باجمللس األورويب اليت قررت لألشخاص القانونية واهليئات التمتع
مبثل هذا احلق.5
ومن وجه ة نظ ري أن الش خص املعن وي ليس ل ه احلق يف محاي ة حيات ه اخلاص ة مث ل الش خص
الط بيعي بس بب اإلختالف ات بينهم ا ،وق د ذكرن ا س ابقا أن ح ق اخلصوص ية ه و من احلق وق املالزم ة
لشخص ية اإلنس ان فال دخ ل للش خص املعن وي وال ميكن ه التمت ع هبذه احلماي ة وأهم دلي ل م ا ج اء ب ه
املشرع اجلزائري يف نصوصه.
إن الكشف عن خصوصيات أحد أطراف األسرة يعد إعتداءا على اخلصوصية ،1فاألمور العائلية
3
للش خص ت دخل يف نط اق حيات ه اخلاص ة .ألهنا عنص ر مهم بالنس بة له ،2وق د قض ت أح د احملاكم
بتاريخ 13جوان 1975باحلياة اخلاصة للعائلة حبيث قام صحفي بنشر احلياة اخلاصة لزوجة حمامي
قائال أهنا كانت متزوجة من رجل شرطة معروف حمرتف اجلرم فصل من عمله ولقي حتفه من طرف
أح د اجملرمني ،فقام ال زوج برفع دعوى أم ام القض اء مطالب ا ب التعويض ألن يف ذلك إعت داء على حق
األسرة.4
كما قضت حمكمة باريس اإلبتدائية 5بأن الكشف عن احلياة العاطفية لفتاة ال يعترب ذلك إعتداء
على حرمة حياهتا اخلاصة فقط ،بل يشمل اإلعتداء على خصوصية أسرهتا.
23
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
ولتحقق ذلك جيب أن يكون الشخص املعتدى عليه غري راض عن ذلك حىت يستطيع أحد
األفراد املطالبة بالتعويض ،أما إذا قبل الزوج نشر خصوصيات زوجته أو إبنه ففي هذه احلالة املساس
باحلياة اخلاصة لبقية أفراد األسرة ال يتحقق ألنه حق فردي.1
إن املشرع اجلزائري مل ينص صراحة يف مواده على مدى متتع األسرة باحلق يف اخلصوصية وترك
األمر للقضاء ،رغم محايته لألسرة يف الدستور يف املادة ،71إذ أهنا حتظى حبماية الدولة واجملتمع.2
إال أن تفاص يل محاي ة احلي اة اخلاص ة لألس رة قاس ها بوق وع الض رر يف املادة 124من الق انون
املدين بقول ه "ك ل فع ل أي ا ك ان يرتكب ه الش خص خبطئ ه ويس بب ض رار للغ ري يل زم من ك ان س ببا يف
حدوثه بالتعويض".3
فإذا وقع إعتداء على أحد أفراد األسرة وثبت ميكن اللجوء إىل القضاء واملطالبة بالتعويض ،فليس
لشخص أن ينوب عن شخص أجنيب عنه ويطلب التعويض فإن ذلك ال يتحقق إال ألفراد أسرته.
ينف رد احلق يف احلي اة اخلاص ة على غ ريه من احلق وق جبمل ة من اخلص ائص و املم يزات ،و دل ك
جلمع ه بني اجلانب املادي و املعن وي للشخص ية ،مما جعل ه يغطي جانب ا واس عا من احلق وق إض افة إىل
1
متتع عناصره باحلرمة و متيزها بطابع السرية
إن املظاهر اليت يرد عليها احلق يف احلياة اخلاصة قد تتعلق جبسم اإلنسان أو كيانه املعنوي.2
فهي مجلة من العناصر ميكن جتسيدها يف فرعني فاألول يتعلق بالكيان املادي لإلنسان ،والفرع
الثاين يتعلق بالكيان املعنوي لإلنسان.
تعرف بأهنا املظهر اخلارجي الذي متارس فيه احلياة اخلاصة بشكل مادي ملموس ،3واملتمثلة يف
املسكن واملكان اخلاص ،احملادثات الشخصية (اخلاصة) وكذا املراسالت اخلاصة.
-1حرمة المسكن.
يعد املسكن من قالع احلرية الشخصية ففيه يسرتيح اإلنسان وميارس حياته الفردية بكل حرية
وأم ان ،1ف املنزل ه و املق ر املمت از لألنش طة األس رية وحيت اج إلي ه ك ل إنس ان ملمارس ة أنش طة تع د من
صميم احلياة اخلاصة ،2فهو القلعة احلصينة للفرد طبقا لتعريف كاربونيه 3ففي املادة 48من الدستور
اجلزائري 4إعرتف املشرع اجلزائري حبرمة املسكن بقوله" :تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة املسكن،
ال تف تيش إال مبقتض ى الق انون ،ويف إط ار احرتام ه ،ال تف تيش إال ب أمر مكت وب ص ادر عن الس لطة
القضائية املختصة".
فاملشرع اجلزائري أعطى للمسكن أمهية كبرية ألنه أساس احلياة اخلاصة وأقر محايته مبجموعة
من الضمانات القانونية منها التفتيش ،فال يكون هذا األخري إال بشروط وإال إعترب اإلجراء باطال.
ومن مثة فاملسكن هو املكان الذي يسكنه الفرد وحده والذي ال يدخله غريه دون إذنه حىت
ولو كان ساكنا بشكل مؤقت أو دائم.5
1عص ام أحم د البهجي ،محاي ة احلق يف احلي اة اخلاص ة يف الش ريعة اإلس المية والق انون املدين ،دار الفك ر اجلامعي ،اإلس كندرية،
،2014ص.277
2عصام أحمد البهجي ،احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان واملسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.284
3نبيل إبراهيم سعد ،اجلمال مصطفى ،النظرية العامة للقانون( :القاعدة القانونية ،احلق) ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت ،لبنان،
،2002ص.447
4األمر رقم ،442-20املتضمن التعديل الدستوري ،مرجع سابق.
5بن سعيد صبرينة ،مرجع سابق ،ص.51
26
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
وه ذا م ا أك ده املش رع اجلزائ ري من خالل املادة 355من ق انون العقوب ات بقول ه "يع د م نزال
مسكونا كل مبىن أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو منتقل مىت كان ُمعِ دًّا للسكن ،وإن مل يكن
مسكونا وقتذاك وكذا توابعه مثل :األحواش و حضائر الدواجن وخمازن الغالل واإلسطبالت واملباين
اليت توجد بداخلها مهما كان إستعماهلا حىت ولو كانت حماطة بسياج خاص داخل سياج أو السور
العمومي" .1فكل مكان مهما كانت طبيعته وكان معدا للسكن رغم عدم توفر اإلمكانيات فيه يعد
منزال مسكونا.
فلم يشرتط الفقه أن تكون حيازة املسكن مشروعة إذ يتمتع باحلماية مالك العقار أو مغتصبه ، 2
فك ل مس كن أي ا ك انت ص فته أو م دة إقامته س واء ك انت مش روعة أو غ ري مش روعة حيظى حبماي ة
قانونية ،3فقد أضفى القانون محاية لألماكن اخلاصة كمكتب حمامي أو غرفة فندق نظرا إلتصال ذلك
حبياة مالكها اخلاصة.4حىت ولو كان يقيم فيها الشخص فرتة حمدودة من اليوم كعيادة الطبيب أو إقامة أو
مستشفيات.5
فلكل مسكن حرمة ومحاية قانونية ،والطبيعة القانونية لصاحبه ال هتم هذا بالنسبة ملستأجر غرفة
فندق فيعترب مسكن خاص للمستأجر دون األخذ مبدة اإلقامة ،وكل املوجودون يف املسكن هلم احلق
يف احلرمة ،فال جيوز املساس هبذه احلرية إال بإذن صاحبها وإذا رضي هذا األخري بذلك سقطت احلرمة.6
1األم ر رقم 156-66م ؤرخ يف 8يوني و ،1966يتض من ق انون العقوب ات ،جري دة رمسية للجمهوري ة اجلزائري ة ،ع دد،49
صادر يف 11يونيو ،1966معدل ومتمم.
2بن سعيد صبرينة ،مرجع سابق ،ص.51
3محمد باهي أبو يونس ،احلماية القضائية املستعجلة للحرية األساسية( :دراسة لدور قاضي األمور املستعجلة اإلدارية يف محاية
احلرية األساسية وفقا لقانون املرافعات اإلدارية الفرنسي اجلديد) ،دار اجلامعة اجلديدة ،اإلسكندرية ،2008 ،ص.55
4عاقلي فضيلة ،مرجع سابق،ص .338
5جغالل نغم ،مرجع سابق ،ص.26
6يوسف الشيخ يوسف ،محاية احلق يف حرمة األحاديث اخلاصة ،دراسة مقارنة يف تشريعات التنصت وحرمة احلياة اخلاصة ،ط
،01دار الفكر العريب ،مصر ،القاهرة ،ص.64
27
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
هي إتص ال بني شخص ني أو أك ثر مباش رة أو غ ري مباش رة ع رب اهلاتف أو أي وس يلة إتص ال
أخرى بني شخصني ،فيطمئن لعدم وجود طرف آخر يسمع احملادثة وحيكي أسراره.1
فاحملادثات الشخصية تعد أهم عنصر من عناصر احلق يف اخلصوصية لذا وجب أن تكون سرية وأن
يكون الفرد حرا بشأن أحاديثه ،2فقد حرمت معظم الدول على محاية هذا احلق وحذرت كل إتصال
صادر عن أشخاص معينني يهدد أمنها وسالمتها باخلطر وهذا ما ورد يف قانون العقوبات اللبناين.3
وأخذ املش رع اجلزائ ري بنفس الكالم يف املادتني 303واملادة 303مكرر01من قانون العقوبات،4
فبمجرد التنصت يعد ذلك إنتهاكا حلرمة احلياة اخلاصة بصرف النظر عن مكان املكاملة ،5ومن جانب
1عصام أحمد البهجي ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف الشريعة اإلسالمية والقانون املدين،مرجع سابق ،ص.173
2بس مة معن محم د ث ابت ،محاي ة ح ق اإلنس ان يف اخلصوص ية يف ظ ل ث ورة اإلتص االت ،ط ،1دار الكتب القانوني ة ،مص ر،
اإلمارات ،2016 ،ص.46
3خلف اهلل زهرة ،مرجع سابق ،ص.50
4املادة 303من األم ر ،66/156المتض من ق انون العقوب ات ،مرج ع س ابق .تنص على ":ك ل من يفض أو يتل ف رس ائل أو
مراسالت موجهة إىل الغري و ذلك بسوء نية و يف غري احلاالت املنصوص عليها ويف املادة 137يعاقب باحلبس من شهر إىل سنة
وبغرامة من 25000دج إىل 100000دج أو بإحدى هاتني العقوبتني فقط".
املادة 303مكرر ،1األمر رقم ،23/ 06المتضمن قانون العقوبات .تنص على ":يعاقب بالعقوبات املنصوص عليها يف املادة
السابقة كل من إحتفظ أو وضع أو مسح بأن توض ع يف متناول اجلمه ور أو الغري أو إستخدم بأية وسيلة كانت التس جيالت أو
الصور أو الوثائق املتحصل عليها بواسطة أحد األفعال املنصوص عليها يف املادة 303مكرر من هذا القانون.عندما ترتكب اجلنحة
املنص وص عليه ا يف الفق رة الس ابقة عن طري ق الص حافة تطب ق األحك ام اخلاص ة املنص وص عليه ا يف الق وانني ذات العالق ة لتحدي د
األشخاص املسؤولني .يعاقب على الشروع يف ارتكاب اجلنحة املنصوص عليها يف هذه املادة بالعقوبات ذاهتا املقررة للجرمية التامة
ويضع صفح للضحية حدا للمتابعة اجلزائية".
5شمالل عبد العزيز " ،حرمة احلياة اخلاصة بني احلماية وضرورة الوقاية من الفساد" ،اجمللة األكادميية للبحث القانوين ،اجمللد ،12
العدد ،03كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة العريب بن مهيدي ،ام البواقي ،اجلزائر ،2021 ،ص.302
28
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
آخر ميكن لسلطات الدولة أيضا مراقبة احملادثات وتسجيلها هبدف كشف احلقيقة يف حالة إرتكاب
بعض اجلرائم اخلاصة املنظمة منها ،وإما األفراد يلجؤون إىل هذه الوسائل إلثبات حقوقهم.1
مما سبق ميكن القول أن احملادثات الشخصية من أهم حقوق اإلنسان وخصوصياته اليت حتظى
حبماي ة قانوني ة فال جيوز التنص ت عليه ا أو تس جيلها دون إذن ص احبها ألن ذل ك يعت رب غ ري مش روع
يعاقب عليه القانون ،لكن هناك إستثناءات فإذا قامت الدولة مبراقبة احملادثات إلكتشاف مالبسات
اجلرائم ،فإن ذلك خيرج من نطاق التجرمي واعتباره مشروعا.2
-3حرمة المراسالت:
يقصد باملراسالت كافة الوسائل املكتوبة املرسلة بالربيد أو بواسطة رسول خاص وال عربة
لش كل املراس لة ق د تك ون خطاب ا أو برقي ة أو تلكس ،وليس هن اك أي ة ش روط فيم ا يتعل ق ب الظرف
املوضوعة به الرسالة فقد يكون مغلقا أو مفتوحا أو يكون عبارة عن بطاقة مكشوفة طاملا أن الواضح
من قصد املرسل عدم إطالع الغري عليه لغري متييز3أ ،أما املشرع اجلزائري عرفها يف املادة 9فقرة 6
من ق انون الربي د واملواص الت الس لكية والالس لكية بأهنا "ك ل إتص ال جمس د يف ش كل كت ايب يتم ع رب
خمتلف الوسائل املادية اليت مت ترحيلها إىل العنوان املشار إليه من طرف املرسل نفسه أو بطلب منه وال
تعترب الكتب واجملالت واجلرائد واليوميات كمادة مرسلة" ، 4غري أنه وبسبب ما شهده العامل من تطور
علمي يف جمال اإلتص االت و اإلس تعمال الكث ري لله اتف النق ال و األن رتنيت ،ك ان لزام ا على املش رع
مواكب ة التط ور ،ل ذلك مت إلغ اء املرس وم ( )2000/03وص در ب دال من ه الق انون 18/04احملدد
للقواعد العامة املتعلقة بالربيد و اإلتصاالت اإللكرتونية.5
1بن عمارة بلقاسم،مرجع سابق ،ص.28
2خلف اهلل زهرة ،مرجع سابق ،ص.99
3جالد سليم" ،أثر الظروف اإلستثنائية يف احلياة اخلاصة لألفراد يف التشريع اجلزائري" ،جملة البحوث يف احلقوق والعلوم السياسية،
ع ،06جامعة وهران ،اجلزائر ،2017 ،ص274
4الق انون رقم 03-2000املؤرخ يف 05أوت ،2000يتض من الربي د واملواص الت الس لكية والالس لكية ،جري دة رمسية
للجمهورية اجلزائرية ،عدد ،48صادر يف 06أوت .2000
القانون رقم 18/04املؤرخ يف 10ماي ،2018يتضمن القواعد العامة املتعلقة بالربيد واإلتصاالت اإللكرتونية ،ج.ر.ج.ج 5
،ع ،27صادر يف 13ماي ،2018انظر :مكيد نعيمة ،بن سامل رضا " ،ضمانات محاية سرية املراسالت واإلتصاالت اهلاتفية
29
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
واألساس القانوين إلحرتام سرية الرسالة هو اعتبارها مسألة مرتبطة بشخصية املرسل وكيانه
األديب ،1فللمرس ل إلي ه ح ق اإلنتف اع بالرس الة دون املس اس خبصوص ية املرس ل أو الغ ري ،ففيه ا ت ودع
أسرار متعلقة باملرسل أو املرسل إليه أو الغري.2
أما بالنسبة لإلستثناءات على األصل العام يف حفظ حرمة وسرية املراسالت هي:
أ-عالقة األبوة :األب هو الويل الطبيعي على أوالده القصر و يتحمل املسؤولية املدنية عن
األفع ال الض ارة ال يت حتدث ألوالده وه و مس ؤول جنائي ا عن إمهاهلم ،فيح ق لألب مراقب ة الرس ائل
اليت يرسلها أوالده أو ترد إليهم.3
ب-عالقة الزوجية :األصل العام هو حفظ األسرار الزوجية أو اإلنفصال ،إال يف حالة ما
إذا رفع أحدمها دعوى بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على آخر كإستثناء.4
وأص بحت القاع دة يف الق انون هي إمكاني ة تق دمي رس الة تتض من وق ائع تتص ل باحلي اة اخلاص ة
للقضاء إلثبات مصلحة مشروعة يف دعوى الطالق أما األصل ال جيوز فتح رسائل الزوج ولكل منهما
حياته اخلاصة.5
-4الذمة المالية:
يقصد هبا جمموعة ما للشخص من حقوق وواجبات مالية ويعد الكشف عنها دون موافقته
إعت داءا على حرم ة حيات ه اخلاص ة وذل ك ش أنه ش أن رقم الض ريبة املفروض ة والعملي ات املالي ة ال يت
واإللكرتوني ة على الص عيدين ال دويل والوط ين" ،دف اتر البح وث العلمية ،اجملل د ،09ع ،2كلي ة احلق وق والعل وم السياس ية ،جامع ة
البليدة ،02اجلزائر ،2021 ،ص.74
1عصام أحمد البهجي ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان واملسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.290
2علي أحمد عبد الزعبي ،مرجع سابق ،ص.180
3محم ود أحم د طه ،التع دي على ح ق اإلنس ان يف س رية إتص االته الشخص ية بني التج رمي املش روعية ،ط ،2دار النهض ة العربي ة،
(دون مكان النشر) ،1999 ،ص.216
4نفس املرجع ،ص.218
5عاقلي فضيلة ،مرجع سابق،ص .346
30
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
يباشرها الشخص الطبيعي فإن الكشف عنها يشكل إعتداءا مينعه القانون الفرنسي ،1إذ جيب إحرتام
الذم ة املالي ة وع دم نش رها أو إفش ائها وه ذا م ا ذهبت إلي ه حمكم ة النقض الفرنس ية يف 28م اي
.21991
حبيث جيب التفرق ة بني مرتب ات م وظفي احلكوم ة والقط اع الع ام حبيث تتخ ذ ه ذه األخ رية
بق وانني ول وائح منش ورة يف اجلري دة الرمسية وم ىت أعلنت فق دت حقه ا يف اخلصوص ية ،أم ا مرتب ات
موظفي القطاع اخلاص ال تنشر للكافة و حتتفظ خبصوصيتها ،كما إعترب رئيس اإلحتاد الوطين لعمال
الرتبية والتكوين أن الفعل الذي قامت به وزارة الرتبية املتمثل يف الكشف عن رواتب موظفي قطاع
الرتبية على صفحات اجلرائد يعترب إنتهاكا حلرمة حياهتم اخلاصة ألن النشر كان تفصيلي.3
ف إذا نش رت معلوم ة ذات طبيع ة مالي ة لش خص دون أن حتت وي أي إش ارة إىل حيات ه أو
شخصيته فإن ذلك ال يعد إعتداء على حرمته اخلاصة ،4وهذه األحكام إستثناءا للمبدأ الفرنسي وهو
عدم جواز الكشف عن الذمة املالية حىت ولو كان بنسبة قليلة.5
أم ا بالنس بة للق انون اجلزائ ري فق د نص على محاي ة الذم ة املالي ة يف اجملال املص ريف من خالل
ق انون النق د والق رض رقم 603/11يف املادة 117من ه بقول ه "خيض ع للس ر امله ين حتت طائل ة
العقوب ات املنص وص عليه ا يف ق انون العقوب ات :ك ل عض و جملس إدارة وك ل حماف ظ حس ابات وك ل
ش خص يش ارك أو ش ارك بأي ة طريق ة ك انت يف تس يري بن ك أو مؤسس ة مالي ة أو ك ان أح د
مستخدميها."...
1عصام أحمد البهجي ،احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان واملسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.312
2نفس املرجع ،ص.312
3بن حيدة محمد ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف التشريع اجلزائري ،مرجع سابق،ص.142
4عماد حمدي حجازي ،مرجع سابق ،ص.168
5الموسوس عتو ،مرجع سابق ،ص.74
6األم ر 03/11املؤرخ يف 26أوت ،2003يتض من ق انون النق د والق رض ،جري دة رمسية للجمهوري ة اجلزائري ة ،ع دد،52
الصادر بتاريخ 27أوت ،2003املعدل واملتمم.
31
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
واإلس تثناءات ال واردة على ه ذه القاع دة م ا ج اء ب ه الق انون رقم 105/01املتعل ق بالوقاي ة من
تبييض األموال وحتويل اإلرهاب ومكافحتها ،وألزمت املادة 219منه على املؤسسات املالية اإلخطار
عن أي شبهة خاصة حبساب مودع لديها .باإلضافة إىل إستثناء آخر يف املادة 04من قانون مكافحة
الفساد رقم 306/01اليت تنص على إلزام املوظف العام بكتابة إقرار خاص مبمتلكاته خلدمة الصلح
العام ولعدم تبديد وإختالس أموال مؤسسات عمومية اليت سيديروهنا.4
تق وم الشخص ية اإلنس انية على مقوم ات معنوي ة و قيم أساس ية كالش رف و اإلعتب ار ،الس معة
والكرام ة ،املعتق دات واألفك ار واملش اعر ،وينبغي اإلع رتاف لك ل ش خص حبق وق معين ة على ه ذه
املقومات لتأديتها وتتنوع هذه احلقوق املتعلقة بسالمة الكيان املعنوي للشخص كما يأيت.5
إن احلق يف السمعة أو احلق يف الشرف واإلعتبار هو املكانة اليت تكون للشخص يف اجملتمع،
وال يت تتخ د بن اء عليه ا تق دير الن اس وإح رتامهم ل ه فه و من احلق وق اللص يقة باإلنس ان ،وال يت تتص ل
بوج وده كإنس ان بص رف النظ ر عن املرك ز اإلجتم اعي ال ذي يتمت ع ب ه وال خيل و نظ ام ق انوين من
محايتها.1
فالشرف :هو جمموعة من الصفات اليت تتوفر يف الشخص ويتوقف عليها مركزه األديب واليت
ساهم يف حتديد الوضع اإلجتماعي للفرد يف البيئة اليت يعيش فيها مثل :الصدق واألمانة.2
أم ا اإلعتب ار :فه و املظه ر اخلارجي للش رف ،وه و من الص فات العقلي ة واملعنوي ة ال يت ت دخل يف
تقدير الشخص وهي درجات ختتلف من فرد آلخر تبعا للمركز اإلجتماعي واملكانة اإلجتماعية اليت
حيتلها.3
وهذا ما نصت عليه املادة 17من امليثاق الدويل للحقوق املدنية والسياسية 4على محاية شرف
األفراد وإعتبارهم من اهلجوم واإلعتداء الغري قانوين عليهم.
أما املشرع اجلزائري إعتربمها أحد احلقوق اللصيقة بشخصية اإلنسان يف املادة 47من القانون
املدين 5بقوله "لكل من وقع عليه إعتداء غري مشروع يف حق من احلقوق املالزمة لشخصيته أن يطلب
وقف هذا اإلعتداء مع تعويض عما يكون قد حلقه من ضرر" ،فاملشرع اجلزائري أضاف إىل ذلك
جرمية البالغ الكاذب أو الوشاية الكاذبة فهي أخبار غري صحيحة تستوجب عقاب من تستند إليه.6
1عماد حمدي حجازي ،مرجع سابق ،ص.193
2الموسوس عتو ،مرجع سابق ،ص.85
3خالد مصطفى فهمي ،املسؤولية املدنية للصحفى،دراسة مقارنة ،ط ،01دار الفكر اجلامعي،اإلسكندرية ،2012 ،ص.312
4العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ،1966 ،انضمت إليه اجلزائر مبوجب املرسوم الرئاسي رقم ،67-89املؤرخ يف
16ماي 1989املنشور يف ج.ر ،ع ،20املؤرخ يف 17ماي .1989تنص املادة 17منه" :ال جيوز تعريض أي شخص ،على
حنو تعسفي أو غري قانوين للتدخل يف خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسالته ،وال ألي محالت غري قانونية متس شرفه أو
مسعته ،من حق كل شخص أن حيميه القانون من مثل هذا التدخل".
5أمر ،58-75المتضمن القانون المدني السالف الذكر.
6جالد سليم ،مرجع سابق ،ص.96
33
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
ف التمييز بني احلق يف اخلصوص ية واحلق يف الش رف واإلعتب ار ض روري لبي ان ح دود احلق يف
اخلصوصية ،فمن حيث الفعل املكون جلرمية القذف ،يكون واحد يف بعض األحيان.1
وهذا ما ذهبت إليه احملاكم الفرنسية بالقول أن املدعى فقد عقله نتيجة اآلالم النفسية اليت يعاين
منها يف حياته العاطفية بعد اإلعتداء على السمعة واخلصوصية يف آن واحد.2
كم ا تتش ابه أوج ه احلماي ة املدني ة ال يت قرره ا الق انون املدين لك ل من احلقني ،فللقاض ي وق ف
اإلعتداء وتعويض املتضرر.3
ومن ضوابط التمييز بني احلقني أن اجلرائم اليت متس الشرف واإلعتبار تعد جرائم نتيجة تتطلب
أن يلحق الفعل أذى باحلق حمل احلماية ،بعكس جرائم املساس باحلياة اخلاصة فهي جرائم اخلطر ،ال
يشرتط أن حيقق الفعل أذى باحلق حمل احلماية.4
ومن ناحي ة أخ رى يتطلب الق انون إلرتك اب ج رائم متس باحلي اة اخلاص ة وس ائل جتس س معين ة
عكس جرائم املساس بالشرف واإلعتبار اليت مل يشرتط فيها مثل هذه الوسائل ،واملشرع اجلزائري ال
يعت د بص حة الوق ائع املس ندة غ ري أن ه يستش ف من بعض الق رارات احملكم ة العلي ا أهنا متي ل إىل األخ ذ
بصحة واقعة كسبب إلباحة القذف.5
-2اآلراء السياسية:
1محمدي بدر الدين ،املسؤولية املدنية الناشئة عن املساس باحلق يف احلياة اخلاصة ،مرجع سابق ،ص .175
2نبيل إبراهيم سعد ،اجلمال مصطفى ،مرجع سابق ،ص.236
3محمدي بدر الدين ،املسؤولية املدنية الناشئة عن املساس باحلق يف احلياة اخلاصة ،مرجع سابق ،ص.176
4أشرف توفيق شمس الدين ،مرجع سابق ،ص.41
5زروقي محمد ،احلماي ة القانوني ة للح ق يف الش رف واإلعتب ار ،م ذكرة مقدم ة لن ل ش هادة املاجس تري يف احلق وق ،ف رع :ق انون
اإلعالم ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة جياليل ليابس ،سيدي بلعباس ،2015 ،ص.15
34
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
وهي آراء املواطن غري املعلنة يف األحزاب السياسية القائمة حيث يكفلها القانون محاية متمثلة يف
السرية ،حبيث ال جيوز الكشف عنها دون رأي صاحبها ،وإال اعترب ذلك إعتداءا على حق املواطن يف
حياته اخلاصة.1
فتثور املشكلة حينما حياول الشخص إخفاء رأيه السياسي يف مسألة معينة ،حيث ذهبت حمكمة
النقض الفرنس ية إىل أن ه يعت رب ماس ا ب احلق يف اخلصوص ية نش ر ص ورة ش خص وه و ميس ك ببطاق ة
التصويت بصورة تكشف عمن صوت له وإذا أدخل على التصوير مونتاج بغري حقيقة الوضع.2
كما ذهبت حمكمة تولوز أن التصويت السري من األمور اليت تدخل يف احلياة اخلاصة للفرد فال
جيوز كشفها إال برضاه.3
حيث يرى جانب من الفقه إىل ضرورة التفرقة بني اآلراء السياسية ،اليت تدخل يف نطاق احلياة
اخلاص ة ،واآلراء السياس ية ال يت ت دخل يف نط اق احلي اة اخلاص ة ،واآلراء السياس ية ال يت ال تعت رب ض من
عناصر احلياة اخلاصة ،فاألوىل واجبة احلماية تتعلق بالتصويت يف اإلنتخابات ،أما الثانية تفرض فيها
العالنية ،تتعلق باإلنتماء إىل حزب معني وبالتايل جيوز الكشف عنها.4
ينف رد احلق يف اخلصوص ية على غ ريه من احلق وق جبمل ة من اخلص ائص واملم يزات ال يت فرض تها
بعض املعطي ات ال يت يتمت ع هبا ،بداي ة جبمع ه بني اجلانب املادي واملعن وي للشخص ية مما جعل ه يغطي
جانبا واسعا من احلقوق ،كما أضفى عليه متتع عناصره باحلرمة و طابع السرية وتأثره بالقيم الدينية
واألخالقية والعالقات والتقاليد اليت حتكم اجملتمعات والنظام السياسي الذي تسري عليه طابع النسبية.1
السر هو صفة تصبغ على موقف أو مركز أو خرب أو عمل مما يؤدي إىل وجود رابطة تتصل
هبذا املوقف أو املركز أو اخلرب إىل من له حق العلم به ،وبالنسبة ملن يقع عليه اإللتزام بعدم إفشائه.2
ولقد انقسم الفقه إىل إجتاهني عند حتديده لعالقة احلياة اخلاصة بالسرية فاإلجتاه األول يذهب
إىل ضرورة الفصل بني احلياة اخلاصة والسرية ،أما اإلجتاه الثاين يذهب إىل الربط بينهما.
يرى حسام الدين األهواين أنه ال جيوز اخللط بني اخلصوصية والسرية ألن لكل منهما معىن،
فاخلصوصية تتوسط السر والعلن فحماية احلياة اخلاصة تعين محاية السر ،لكن ميكن أن يكون ما هو
خصوصي ولكن ال يكون سرا يف نفس الوقت ،4فاإلسم ال يعترب سرا لكن رغم ذلك يدخل يف نطاق
احلياة اخلاصة ،كما أن الكشف عن السر خيرجه إىل العلن ويستحيل مع ذلك أن يرجع سرا .كما أن
احلي اة اخلاص ة هي مل ك لص احبها ميكن ه الكش ف عنه ا ،أم ا الس رية فيحظ ر الق انون اإلعالن عنه ا أو
الكشف عنها.5
يربط ون بني احلق يف اخلصوص ية والس رية فمنهم من وض عوا احلق يف الس رية حمل احلق يف
اخلصوص ية ولك ل ش خص احلق يف س رية خصوص ياته ،دون أن تك ون معلن ة للجمي ع ،أو عرض ة ألن
تلوكها ألسنة الناس ،لعيش حياة هادئة بعيدة عن النشر والعالنية.1
وي رى بعض الفق ه أن احلي اة اخلاص ة ت دخل يف نط اق الس رية من قب ل أس رار املخ ابرات
واإلتصاالت وأسرار املهنة.2
وأبرز مثال :الواقعة اليت حدثت يف مصر قبل 15ماي 1971حيث مت اإلعتداء على سرية
احملادث ات أو املك اتب اخلاص ة ويف ذل ك إعت داء على خصوص ية املواط نني حيث ق اموا حبرق امللف ات
السرية وأشرطة صور وأحاديث دون علم أصحاهبا ،إلزالة آثار هذا العدوان.3
فاخلصوص ية والس رية كال دائرتان تقاطع ا يف اخلصوص ية اإلنس انية يف دائ رة اخلصوص ية وس رية
احلياة اخلاصة يف دائرة السرية دون أن يتطابقا ،ومنه فالسرية جزء جوهري يف محاية احلياة اخلاصة.4
1عصام أحمد البهجى ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان و املسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.106
2املرجع نفسه ،ص.107
3صبرينة بن سعيد ،مرجع سابق ،ص.73
4مجادي نعيمة ،احلق يف اخلصوصية بني احلماية اجلزائية والضوابط اإلجرائية للتحقيق ،دراسة مقارنة ،أطروحة مقدمة لنيل شهادة
الدكتوراه يف العلوم ،ختصص :علوم قانونية فرع القانون اإلجرائي ،كلية احلقوق والعلوم السياسية،جامعة جياليل ليابس ،سيدي
بلعباس ،2019 ،ص.76
37
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
إن فكرة احلياة اخلاصة تعترب مرنة ونسبية حتكمها عادات وتقاليد وأعراف اجملتمع الذي يعيش
فيه اإلنسان ،فهذه العادات ختتلف من جمتمع آلخر ومن زمن آلخر ،بل أهنا ختتلف أيضا من شخص
آلخر ،ومن خالل هذا سنبني نسبية احلق يف اخلصوصية من حيث املكان والزمان واألشخاص.5
إن مفه وم احلي اة اخلاص ة يت أثر حبس ب املك ان من مك ان آلخ ر داخ ل الدول ة نفس ها ،ألن ه لك ل
جمتمع ظروف وعادات خمتلفة ،فاحلياة اخلاصة يف الريف ختتلف عن حياة املدينة ،فأصل القرى لقلة
عددهم وتعارفهم وصيانة حلياهتم اخلاصة ميتنعون عن اإلعتداء على خصوصيات الغري.2
أم ا اجملتم ع يف املدين ة فالعالق ة بينهم ش به منعدم ة ،وهبذا يتغ ري دور الع رف والتقالي د بينهم
وختتل ف أص وهلم ،فيفع ل ك ل واح د م ا يش اء كالتجس س على خصوص يات الن اس ،باإلض افة إىل
الظ روف اإلقتص ادية ال يت أعطت جماال للتجس س والتلص ص على اآلخ رين ،حيث يس كن أه ل املدين ة
بنايات شاهقة متالصقة ،وهبذا يسهل اإلعتداء على احلياة اخلاصة لآلخرين.3
باإلضافة إىل العامل الديين الذي يعترب من معايري جتسيد نسبية احلق يف احلياة اخلاصة لألفراد
من بلد آلخر ،فالدين يوسع دائرة اخلصوصية يف الدول األساسية ألنه دين التسامح ومنع التجسس
والنميمة عكس البلدان الغري مسلمة.4
هذا إىل جانب القيم األخالقية يف بعض الدول اليت أقرت الزواج القائم بني الرجل واملرأة وبني
الرجل والرجل ،واملرأة واملرأة فهذا يقلص احلق يف اخلصوصية.5
كم ا أن دائ رة احلي اة اخلاص ة تتس ع وتض يق حس ب نظ ام احلكم الس ائد ففي النظم اإلش رتاكية
والديكتاتوري ة ،احلق يف اخلصوص ية يك اد ينعم بعكس النظم الليربالي ة ال يت حترتم حق وق وحري ات
الفرد.1
يف زمن التكنولوجي ا حيرر األف راد من بعض الض غوطات اإلجتماعي ة املرتبط ة بالع ادات
والتقالي د ،وخ رجت بعض املس ائل من اخلصوص يات إىل العمومي ات ،ه ذا م ا أدى إىل تط ور مفه وم
احلق يف احلي اة اخلاص ة ع رب ال زمن ،كم ا أن طبيع ة البش ر ت ؤثر يف إختالف نط اق احلق يف اخلصوص ية
فمنهم من يفضل العزلة أو اإلبتعاد ،ومنهم من ال يبايل ويسمح للغري بالتطلع على أسراره.2
فبظه ور التقني ة العالي ة للتص وير ب دأ احلديث عن محاي ة الص ورة وبتط ور وس ائل اإلتص ال ب دأ
احلديث عن التنص ت والتجس س ،وبظه ور تقني ة املعلوماتي ة احلديث ة ب دأ احلديث عن هوي ة األش خاص
ومعلوماهتم وبياناهتم ،بعدما احلماية كانت تقتصر على السكن واملراسالت.3
مهما تغريت الع ادات والتقاليد عرب ال زمن واملكان إال أن أحكام الش ريعة اإلسالمية ال تتغري
ألهنا ثابت ة كتح رمي التجس س والتطف ل على اآلخ رين ونش ر ع وراهتم ،ووقت أن ج اءت الش ريعة
اإلسالمية مل تكن خصوصيات الناس مكشوفة.4
من أصحاب احلق يف احلياة اخلاصة احملكوم عليه بعقوبات مقيدة للحرية والشخصيات املشهورة
والفرد العادي ومن املؤكد أن مظاهر احلياة اخلاصة ونطاقها خيتلف من شخص إىل آخر.1
وف ق احملك وم علي ه يف حرم ة حيات ه اخلاص ة إنتقص ت فأص بحت مراس الته ت راقب وزيارات ه
حمدودة 2وإتص االته مراقب ة ،هلذا ذهبت احملكم ة العلي ا يف و.م.أ إىل الق ول" :أن الس جني يس لم ك ل
حقوق ه الدس تورية عن د بواب ة الس جن ذل ك أن حقوق ه تتالش ى بس بب حاج ات والبيئ ة يف الس جن".
وق ول حمكم ة اإلس تئناف بفلوري دا أن" :تس جيل وض بط حمادث ات املس جونني بالفي ديو يع د ض بطا
وتفتيشا صحيحا حيث أن السجني ليس له توقع معقول من اخلصوصية يف السجن وبالتايل ليست له
محاية دستورية للخصوصية".3
وميكن الق ول أن نط اق احلي اة اخلاص ة لألش خاص ختتل ف وفق ا ل درجات ش هرهتم فاإلنس ان
العادي ال يتعرض لنشر وقائع خاصة به وال يتم املساس حبرمة حياته اخلاصة ،كما انه يتمتع حبرية
كاملة بعيدا عن تطفل الغري ،على عكس الشخصيات العامة اليت تكون جماال خصبا للنشر من مجيع
وس ائل اإلعالم ،وعل ة ذل ك املكان ة والش هرة ال يت تتمت ع هبا ه ذه الشخص يات واتص اهلا ب اجلمهور
واهتمام اجلميع بتتبع أخبارهم.4
1عصام أحمد البهجى ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان و املسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.137
2املادة 83من القانون رقم 05/04املؤرخ يف 6فرباير 2005املتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة اإلدماج اإلجتماعي
للمحبوسني ،جريدة رمسية للجمهورية اجلزائرية ،ع ،12الصادر يف 13فرباير .2005
3صبرينة بن سعيد ،مرجع سابق ،ص83
4مجادي نعيمة،مرجع سابق ،ص.67
40
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
لقد مت اجلمع بني احلرية واخلصوصية يف املؤمتر املنعقد يف استوكهومل حيث عُ ّرفت اخلصوصية
بأهنا" :احلق الذي يكون الفرد حرا وان يرتك العيش كما يريد مع أدىن حد للتدخل اخلارجي" ،1من
ه ذا التعري ف يتض ح م دى توس يع دائ رة احلق يف اخلصوص ية لدرج ة أص بحت تش مل معظم احلري ات
الشخصية ،وهبذا يتضح اخللط بني احلرية الشخصية واحلق يف اخلصوصية".2
فاحلري ة هي أن يكون الش خص ق ادرا على التص رف يف كاف ة ش ؤون نفس ه و يف ك ل م ا يتعل ق
بذات ه آمن ا من اإلعت داء علي ه يف نفس ه أو عرض ه أو مال ه أو أي ح ق من حقوق ه ،على أن يك ون يف
تصرفه عدوان على الغري.3
إن احلري ة ش رط للحي اة اخلاص ة وليس ت ركن ا فيه ا مث ل الرك وع يف الص الة رغم ا أن ه ليس
عنصرا أو ركنا إال أنه شرط لصحة الصالة.1
حيث يرى األستاذ عبد اللطي ف مهيم أن احلق يف اخلصوصية يلتقي مع احلق يف احلرية ،حبيث
أن ك ل منهم ا ميكن أن يك ون حق ا على مس توى الق انون اخلاص أو الع ام ،ويض يف أن احلق يف
اخلصوصية هي جزء من احلرية الفردية ،فرغم إلتقائها ال يعين ذلك أهنما نفس الشيء ،فاحلرية نطاقها
أوسع واحلق يف اخلصوصية عنصر من احلق يف احلرية".2
إن موض وع حق وق اإلنس ان وحريات ه األساس ية ق د ش غل ب اب البش رية وحظي بإهتم ام دويل
كب ري ،ك ون اإلنس ان ه و حمور ك ل نش اط ،فاإلهتم ام ب ه يع د إهتم ام بك ل عناص ر التنمي ة ،وتتص در
احلقوق املدنية كل احلقوق األخرى ،واليت يتصدرها هي األخرى احلق يف محاية احلياة الذي يعد أساس
ممارسة سائر احلقوق.3
وقد جتسد اإلهتمام باحلق يف محاية احلياة بصدور اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان الذي عمل
على تك ريس حق وق اإلنس ان على املس توى ال دويل مث تلي ه العدي د من اإلتفاقي ات واملواثي ق الدولي ة
والدساتري الوطنية ،وهذا ما سنتناوله يف هذا املبحث.
1عصام أحمد البهجى ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف ضوء حقوق اإلنسان و املسؤولية املدنية ،مرجع سابق ،ص.177
2املرجع نفسه ،ص.177
3طاهير رابح" ،محاية احلق يف احلياة يف إطار ميثاق األمم املتحدة" ،جملة العلوم القانونية واإلدارية ،العدد ،07كلية احلقوق والعلوم
السياسية ،جامعة جياليل ليابس ،سيدي بلعباس ،اجلزائر ،2016 ،ص.135
42
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
مما الش ك في ه أن اإلتفاقي ات العاملي ة و اإلقليمي ة و املؤمترات ق د إهتمت إهتمام ا بالغ ا ب احلق يف
احلياة اخلاصة ،فعلى الدول اإللتزام بإحرتام قواعدها ،كما أكدت املؤمترات تلك احلماية بالنص عليها
صراحة يف توصياهتا.1
يقوم النظام الدويل أساسا على تعزيز و إحرتام حقوق اإلنسان و احلريات األساسية للجميع ،و
عليه سنتكلم أوال عن احلماية الدولية اليت شرعت مبقتضى ميثاق األمم املتحدة ،و ثانيا عن محاية أقل
إتساعا ،ألن هلا طابعا إقليميا.2
ميكن القول أن اإلتفاقيات الدولية و القرارات الصادرة عن هيئة األمم املتحدة تعد أهم املصادر
بالنس بة حلماي ة حق وق اإلنس ان ،ويعت رب إلتزام ا قانوني ا يف ك ل م رة يك ون فيه ا مص دره إتفاق ا دولي ا،
وكانت الدولة طرفا فيه ،وعليه سندرس أهم االتفاقيات الدولية حلماية احلق يف احلياة اخلاصة.3
هذا امليثاق ،يف مقدمتها اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان ، 1أصدرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة الذي
نص يف مواده على محاية اإلنسان من اإلعتداء عليه أو املساس بكرامته.2
يتكون ه ذا اإلعالن من 30م ادة مسخرة للحفاظ على احلقوق األساس ية لإلنسان أساسها
حرم ة احلي اة اخلاص ة ،ه ذا م ا ورد يف املادة 12من ه "ال جيوز تع ريض أح د لت دخل تعس في يف حيات ه
اخلاص ة أو يف ش ؤون أس رته أو مس كنه أو مراس الته ،وال حلمالت متس ش رفه ومسعته ولك ل ش خص
احلق يف أن حيميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك احلمالت".3
فرغم اإلختالف الفقهي حول إلزامية اإلعالن فإن املستقر أن مبادئه أصبحت مصدر أساسي للدول
حلماية حقوق اإلنسان وحرياته األساسية ومرجعا لكل ما خيص مسألة حقوق اإلنسان يف مجيع بلدان
العامل،كما كرستها أغلب الدساتري فقد حتولت نصوص هذا اإلعالن إىل قانون إتفاقي دويل".4
1اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،إعتمد ونشر مبوجب قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة 217ألف (د ،)3-املؤرخ يف 10
كانون األول (ديسمرب) ،1948مت تبنيه بقصر شابوا بباريس.
2طاهير رابح ،مرجع سابق ،ص.145
3حقوق اإلنسان ،جمموعة صكوك الدولية األمم املتحدة ،نيويورك ،1988 ،ص.01
4نواف كنعان ،حقوق اإلنسان يف اإلسالم واملواثيق الدولية والدساتري العربية،ط،01إثراء للنشر والتوزيع،األردن،2008،ص.99
5إعتمد وعرض للتوقيع عليه والتصديق مبوجب قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة 2200ألف (د )29-املؤرخ يف 16ديسمرب
،1966دخل حيز التنفيذ يف 23مارس ،1976صادقت عليه 168دولة ووقعت عليها من غري تصديق 74دولة حسب آخر
إحصائيات ،2014انظر ،موقع ويكيبيديا.
6يوسف الشيخ يوسف ،مرجع سابق ،ص.79
44
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
نص ت املادة 17من اإلتفاقي ة على أن ه" :ال جيوز الت دخل بش كل تعس في أو غ ري ق انوين يف
خصوص يات أح د أو بعائلت ه أو بيت ه أو مراس اله ،كم ا ال جيوز التع رض بش كل غ ري ق انوين لش رفه أو
مسعته ،ولكل شخص احلق يف محاية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التعرض".1
وهبذا النص تكون اإلتفاقية قد إعرتفت حبق اإلنسان يف حرمة حياته اخلاصة وحرمة كل صور
اإلعتداء عليها سواء وقع من جانب األفراد أو من قبل السلطات احلكومية.2
رأت بعض ال دول ال يت هتتم حبق وق اإلنس ان و احلري ات العام ة لألف راد ،بإص دار جمموع ة من
االتفاقي ات ال يت تل زم دول األعض اء ب إحرتام القواع د ال واردة فيه ا ،ومن ه س نتطرق إىل دراس ة ه ذه
اإلتفاقيات اإلقليمية على رأسها اإلتفاقية األوروبية واإلتفاقية األمريكية حلقوق اإلنسان.4
ك ان ألوروب ا دور يف إنش اء تنظيم إقليمي حلماي ة حق وق اإلنس ان حيث أنش أت ال دول
األوروبية،5
1ص وادقية ه اني" ،محاي ة احلق يف اخلصوص ية" ،جمل ة البح وث والدراس ات القانوني ة والسياس ية ،الع دد ،03كلي ة احلق وق والعل وم
السياسية ،جامعة سعد حلب ،البليدة ،اجلزائر( ،دون سنة النشر) ،ص.90
2الموسوس عتو ،مرجع سابق ،ص.46
3إنض مت إليه ا اجلزائ ر مبوجب المرس وم الرئاس ي رقم ، 89/67املؤرخ يف 16م اي ،1989تض منت اإلنض مام إىل العه د
الدويل اخلاص باحلقوق اإلقتصادية و اإلجتماعية و الثقافية ،و العهد الدويل اخلاص باحلقوق املدنية و السياسية ،ج.ر.ج.ج ،عدد
،20املؤرخ يف 17ماي .1989
4عاقلي فضيلة ،مرجع سابق ،ص .31
5ك ل من النمس ا ،بلجيك ا ،ق ربص ،ال دامنارك ،فرنس ا ،اليون ان ،أيس لندا ،إيطالي ا ،لكس مبورغ ،ال نرويج ،هولن دا ،أملاني ا الغربي ة،
اململكة املتحدة ،سويسرا ،تركيا.
45
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
لقد جسدت هذه اإلتفاقية حق اإلنسان يف اخلصوصية يف املادة 8منها على" :
-1أن لكل شخص احلق يف إحرتام حياته اخلاصة وحياته العائلية ومسكنه ومراسالته.
-2ال جيوز للسلطة العامة أن تتعرض ملمارسة هذا احلق وفقا للقانون ومبا تليه الضرورة يف جمتمع
دميقراطي لصاحل األمن القومي وسالمة اجلمهور أو الرفاء اإلقتصادي للبالد ملنع اإلضطراب أو اجلرمية
أو محاية الصحة أو اآلداب أو محاية حقوق اآلخرين وحرياهتم".2
ويالح ظ من ه ذه املادة أن محاي ة احلي اة اخلاص ة واملس كن واملراس الت تق رر لك ل األف راد يف
الدول األطراف يف هذه اإلتفاقية و إمتد ذلك حىت إىل األشخاص عدميي اجلنسية أو غري األطراف .3
حبيث أن مباشرة هذا احلق من قبل السلطات العامة ال يكون إال بالقدر الذي ينص القانون عليه.4
وما مييز هذه اإلتفاقية أهنا وضعت آلية حلمايتها من أي إعتداء من خالل اإلجراءات اخلاصة
5
التنفيذي ة ح ىت ض د ال دول ،وتنف ذ ه ذه اإلج راءات عن طري ق اللجن ة األوروبي ة حلق وق اإلنس ان
واحملكمة األوروبية حلقوق اإلنسان.6
كفلت اإلتفاقية األمريكي ة حلق وق اإلنس ان ال يت وقعت بني ال دول األمريكي ة يف س ان خوسيه
ع ام 1969وأص بحت ناف ذة يف 1978-07-18ح ق اخلصوص ية الفردية ،1وال يت أك دت على
تعزي ز إط ار املؤسس ات الدميقراطي ة ونظ ام احلري ة الشخص ية والعدال ة اإلجتماعي ة ،بن اءا على إح رتام
حقوق اإلنسان األساسية ومنها محاية حقه يف إحرتام حرمة حياته اخلاصة.2
وتتمثل هيئات محاية حقوق اإلنسان يف النظام األمريكي يف اللجنة األمريكية حلقوق اإلنسان
واحملكم ة األمريكي ة حلماي ة حق وق اإلنس ان ،ف األوىل تق وم بفتح الش كاوى وإص دار الق رارات امللزم ة
جلميع دول األطراف يف اإلتفاقية ،بينما الثانية تنظر يف القضايا وتصدر أحكاما ملزمة.3
ويف نفس السياق أدرجت اإلتفاقية األمريكية حلقوق اإلنسان لسنة 1969يف مادهتا 11بأنه:
أنشأت اجلامعة العربية عام ،1945حبيث كانت نصوص امليثاق خالية من كل إشارة مباشرة
إىل حقوق اإلنسان ،إال أهنا أولت إهتماما هبذه احلقوق بعد إعتمادها املعاهدة الثقافية العربية مت ميثاق
العمل العريب ،1ويف عام 1968أنشأت اجلامعة جلنة إقليمية عربية دائمة حلقوق اإلنسان وهي جلنة
حكومية يكون لكل دولة ممثل فيها على أن يعني جملس جامعة ورئيسها.2
ومن أهم أعم ال ه ذه اللجن ة مش روع امليث اق الع ريب حلق وق اإلنس ان ال ذي إعتمدت ه جملس
اجلامعة عام 1994وهو يتضمن عدة آليات وقد أبدت الدول العربية العديد من التحفظات شأنه
وهو مل يدخل حيز التنفيذ بعد.3
إال أن ه ذا امليث اق الص ادر يف 1994مل يتماش ى م ع املع ايري الدولي ة حلق وق اإلنس ان ،حيث
عقدت اللجنة العربية الدائمة حلقوق اإلنسان صورتني إستثنائيتني لتحديث امليثاق مث وضع مشروع
حديث للميثاق يف 14/01/2004صادق عليه مؤمتر القمة العريب املنعقد بتونس ،لكنه مل يدخل
حيز التفيذ واجلدير باملالحظة اجلزائر وقعت عليه يف .402/08/2004
أما نصيب احلق يف احلياة اخلاصة من هذا امليثاق tقد ورد يف نص املادة 21منه بقوله":
-ال جيوز تعويض أي شخص على حنو تعسفي أو غري قانوين التدخل يف خصوصيات أو شؤون
أسرته أو بيته أو مراسالته أو للتشهري ميس شرفه أو مسعته.
-من حق كل شخص أن حيميه القانون يف مثل هذا التدخل أو املساس".
إنعقدت جمموعة من املؤمترات على الصعيد الدويل إهتمت بدراسة احلق يف محاية احلياة اخلاصة
س واء على املس توى الع املي أو اإلقليمي ،و علي ه س نعرض لكن من ه ذين الن وعني من املؤمترات
الدولية ،مع حتديد ما نتج عنهما من توصيات تتعلق هبذا احلق.1
أصبح موضوع احلق يف احلياة اخلاصة من أولويات األسرة الدولية ورمسياهتا وتأكيدا على تثبيت
هذا اإلهتمام عقدت عدة مؤمترات دولية على الصعيد العاملي بشأن هذا احلق ،خاصة بعد اإلنتهاكات
2
اليت أصبح يتعرض هلا بصفة متزايدة و خطرية.
-1مؤتمر طهران:
إنعُقد هذا املؤمتر يف طهران يف الفرتة املمتدة من 22أفريل إىل 13ماي سنة ،1968وقد
نظر يف املشكالت املتصلة باألنشطة اليت تطل ع هبا األمم املتحدة من أجل تعزي ز حقوق اإلنسان
وحرياته األساسية و تشجيع إحرتامها ، 3و على ر أسها احلق يف اخلصوصية الفردية.
و يعد هذا املؤمتر باكورة جهد األمم املتحدة يف ميدان محاية احلياة اخلاصة يف مواجهة التقدم التقين
ومحاية األفراد وحرياهتم من خطر التعدي عليها ،واإلنتهاك الذي يعرتض حقوق األفراد وحرياهتم
5
اليت جيب أن تكون حمل إنتباه متواصل،4وأن محاية األسرة والطفل تظل شاغال للمجتمع الدويل.
49
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
و ق د إختذ ه ذا املؤمتر ع دة ق رارات منه ا الق رار احلادي عش ر ال ذي تبن اه املؤمتر باإلمجاع يف
12ماي ،1968وهو القرار الذي يهدف إىل محاية حق اإلنسان يف حياته اخلاصة الذي يتضمن
إحرتام السرية بالنسبة ألساليب التسجيل ومحاية الشخصية اإلنسانية وإستخدام اإللكرتونيات اليت
ت ؤثر على حق وق الش خص،وبش كل أعم الت وازن ال ذي جيب توطي ده بني التق دم العلمي
1
والتكنولوجي وبني التقدم العقلي والروحي و الثقايف و املعنوي لإلنسانية.
-2مؤتمر مونتريال:
عُقد هذا املؤمتر الدويل خالل العام الدويل حلقوق اإلنسان يف مونرتيال بكندا سنة ،1968فبعد
دراس ته ملدى ت أثري التكنولوجي ا احلديث ة على ح ق الف رد يف خصوص ياته ،فق د أوص ى بض رورة العناي ة
بتل ك األخط ار الناجتة عن التط ورات احلديث ة و ال يت تنته ك اخلصوص ية مث ل اإللكرتوني ات ،وعلى
اهليئ ات الغ ري احلكومي ة و املهن القانوني ة مواجه ة اخلط ر بع دم قب ول أدل ة اإلثب ات املتحص لة بالوس ائل
االلكرتوني ة ،مث ل :أجه زة كش ف الك ذب و التس جيل على األش رطة ،و الت أثري بإس تخدام العق اقري
2
الطبية و إستخدام آلة تصوير خفية.
إنعق د ه ذا اإلجتم اع يف ب اريس يف الف رتة املمت دة من 19إىل 23ج انفي س نة ،1970و ق د
صرح املساعد مدير "املسرت سودو" خبصوص إهتمام هيئة اليونسكو ب احلق يف اخلصوصية و أن هذا
احلق تع ددت املش كالت املتص لة ب ه ،و تعارض ت احلي اة اخلاص ة م ع املص لحة العام ة ،و من ال واجب
التوازن بينهما.1
و ميكن إس تخالص ع دة مالحظ ات بع د دراس ة اجملتمعني ملوض وع محاي ة احلق يف احلي اة
اخلاصة يف املادة 12من اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان من بينها ،أنه ال ميكن إعطاء تعريف جامع
للحق يف احلياة اخلاصة ألهنا مسألة نسبية ،من غري املمكن الفصل بني الفرد والبيئة اإلجتماعية ،وعلى
الفرد التنازل عن حقه يف احلياة اخلاصة من أجل املصلحة العامة ،واحلماية الالزمة للحق يف اخلصوصية
2
بعد اإلتساع تدخل الدولة يف إطار التطور التكنولوجي.
ذهب م ؤمتر رج ال الق انون يف س توكهومل يف م اي 1967إىل أن احلق يف محاي ة احلي اة اخلاص ة
يعين حق الفرد يف أن يعيش حياته مبنأى عن األفعال اآلتية :التدخل يف حياة أسرته أو منزله ،التدخل
يف كيان ه الب دين أو العقلي أو حريت ه األخالقي ة أو العام ة ،اإلعت داء على ش رفه ومسعته ،وض عه حتت
األض واء الكاذب ة ،إذاع ة وق ائع تتص ل حبيات ه اخلاص ة ،إس تعمال إمسه أو ص ورته ،التجس س والتلص ص
واملالحقة ،التدخل يف املراسالت ،سوء إستخدام وسائل اإلتصال اخلاصة املكتوبة أو الشفوية ،إفشاء
املعلومات املتحصلة حبكم الثقة واملهنة.3
1محمدي بدر الدين ،املسؤولية املدنية الناشئة عن احلق يف احلياة اخلاصة ،مرجع سابق ،ص 50
2قحم وص ن وال" ،احلماي ة الدولي ة يف حرم ة احلي اة اخلاص ة ض من التط ورات التكنولوجي ة احلديث ة" ،اجملل ة العربي ة لألحباث
والدراسات يف العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،اجمللد،13العدد ،4خمرب قانون األسرة ،جامعة اجلزائر ، 2021 ،01ص . 473
3الش افعي محم د البش ير ،ق انون حق وق اإلنس ان مص ادره وتطبيقات ه الوطني ة والدولي ة ،ط ، 4منش أة املع ارف ،اإلس كندرية،
، 2007ص 157ـ 158
51
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
تبنت منظم ة الوح دة اإلفريقي ة يف ع ام 1981امليث اق اإلف ريقي حلق وق اإلنس ان والش عوب
بإمجاع دوهلا اخلمس ني ،وأص بح امليث اق ناف ذا يف 21أكت وبر 1986بتص ديق 30دول ة من دول
1
األعضاء يف املنظمة واليت أصبحت طرفا يف هذه املعاهدة ،وملزمة مبراعاة أحكامها.
وقد أقر امليثاق احلقوق األساسية ،كحق اإلنسان يف احلياة وسالمة شخصه وبدنه واإلعرتاف
2
بشخصيته القانونية ،وحظر اإلستغالل وحرمان الشخص من ممارسة حريته.
كما تضمن امليثاق النص صراحة على أنه " :ال جيوز إنتهاك حرمة جسد اإلنسان ،فمن حقه
احرتام حياته وسالمة شخصها البدنية واملعنوية ،وال جيوز حرمانه من هذا احلق تعسفا " ،كما نصت
املادة 12على أن ":احلي اة اخلاص ة لك ل إنس ان حرم ة وتش مل خصوص يات األس رة وحرم ة املس كن
وسرية املراسالت وغريها من سبل املخابرة اخلاصة وال جيوز املساس هبا إال يف حدود القانون " ،3كما
4
جيوز اإلشارة أن اجلزائر صادقت على هذا امليثاق سنة .1987
لقد نظم املشرع اجلزائري احلق يف محاية احلياة اخلاصة يف كل الدساتري املتالحقة والتشريعات
املختلفة ،حيث إعتربه حقا وواجبا وقيدا على العديد من احلقوق األخرى ،ومل يقف عند هذا احلد
بل أكد على أمهيته بإستحداث وتعديل العديد من النصوص القانونية اليت إنصب مضموهنا وجوهرها
5
على محايته.
1علوان عبد الكريم،الوسيط يف القانون الدويل العام (:الكتاب الثالث حقوق اإلنسان)،ط،1دار الثقافة،عمان ،2006،ص164
2ساسي سالم الحاج ،املفاهيم القانونية حلقوق اإلنسان عرب الزمان واملكان ،ط ، 3دار الكتاب اجلديدة املتحدة ،بريوت ،لبنان،
، 2004ص 335ـ . 336
3عاقلي فضيلة ،مرجع سابق ،ص .46
4المرسوم رقم 87ـ 37املؤرخ يف 3فيفري ،1987يتضمن اإلنضمام إىل امليثاق اإلفريقي حلقوق اإلنسان والشعوب ،جريدة
رمسية للجمهورية اجلزائرية ،عدد ،06املؤرخ يف 4فيفري .1987
5بن حيدة محمد ،محاية احلق يف احلياة اخلاصة يف التشريع اجلزائري ،مرجع سابق ،ص . 95
52
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
الف رع األول :اإلع تراف الدس توري والم دني ب الحق في حماي ة الحي اة الشخص ية في الق انون
الجزائري.
إن الدستور أوىل أمهية للحياة الشخصية و بيان ذلك ما جاء يف نصوصه ،أما املشرع املدين مل
يتكلم صراحة عن احلياة الشخصية و محايتها.
ميكن القول أن حرمة احلياة اخلاصة يف اجلزائر قد حظيت يف بعض تطبيقاهتا بأول محاية دستورية
بصدور أول دستور للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية املستقلة سنة 1963وذلك من خالل
نص املادة 14اليت جاء فيها " ال جيوز اإلعتداء على حرمة املسكن ويضمن حفظ سري املراسلة جلميع
1
. املواطنني "
مث ج اء دس تور 1976ينص ص راحة على حرم ة حي اة املواطن اخلاص ة يف املادة 49فق رة
01بقوهلا " :ال جيوز انتهاك حرمة حياة املواطن اخلاصة وال شرفه والقانون يصوهنا " ،كما نص يف
الفقرة 02على بعض الصور بقوله " :سرية املراسالت واملواصالت اخلاصة بكل أشكاهلا مضمونة "،
ومن ذلك أيضا ما نصت عليه املادة 50من نفس الدستور " :تضمن الدولة حرمة املسكن ،ال تفتيش
إال مبقتضى القانون ويف حدوده،ال تفتيش إال بأمر مكتوب صادر عن السلطة القضائية املختصة ".2
أما الدستور الث الث للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية ،والذي صادق عليه الشعب
اجلزائري سنة ،1989فهو اآلخر مل يغفل النص على كثري من املواد اليت من شأهنا محاية حرمة احلياة
اخلاصة ،فقد نص يف املادة 33على أن ":تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة اإلنسان وحيظر أي عنف
بدين أو معنوي" 1واملادة 34أن ":القانون يعاقب على املخالفات املرتكبة ضد احلقوق واحلريات
وعلى كل ما ميس سالمة اإلنسان البدنية واملعنوية".
باإلض افة إىل املادة 60من نفس الدس تور " :ميارس ك ل واح د مجي ع حريات ه ،يف إط ار إح رتام
احلقوق املعرتف هبا للغري يف الدستور ،وال سيما إحرتام احلق يف الشرف وسرت احلياة اخلاصة ،ومحاية
األسرة والشبيبة والطفولة.
أما دستور ، 21996يعد مطابقا لدستور 1989ما عدا تغيري يف ترقيم املواد.
أما الدستور األخري للجمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية لسنة ،32020فقد أوىل إهتماما
حبرم ة احلي اة الشخص ية مثل ه مث ل الدس اتري ال يت س بقته ،و ذل ك من خالل نص املادة 38من نفس
الدس تور أن" :احلق يف احلي اة لص يق باإلنس ان ،حيمي ه الق انون ،و ال ميكن أن حيرم أح د من ه إال يف
احلاالت اليت حيددها القانون".4
املالح ظ أن الق انون املدين اجلزائ ري مل يتض من أي إش ارة ص رحية إىل احلق يف حرم ة احلي اة
اخلاصة ،ورغم ذلك ميكننا أن جند يف نص املادة 47من القانون املدين ما يصلح سندا إلقرار احلق يف
حرمة احلياة اخلاصة ومحايته مدنيا وإن كان ذلك بشكل غري مباشر، 5حيث نصت املادة 47منه ":
1ـ دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية سنة ،1989الصادر مبوجب املرسوم الرئاسي رقم 18/ 89املؤرخ يف
28فيفري ،1989ج.ر.ج.ج ،عدد ،09الصادرة يف 1مارس .1989
2دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة ،1996الصادر مبوجب املرسوم الرئاسي رقم ،438-96املؤرخ يف
07ديسمرب ،1996معدل و متمم.
3دستور ج.ج.د.ش لسنة ،2020الصادر مبوجب املرسوم رقم ،442-20مرجع سابق.
4األمر رقم ،442-20المتضمن التعديل الدستوري ،مرجع سابق.
5محمدي بدر الدين ،املسؤولية املدنية الناشئة عن املساس باحلق يف احلياة اخلاصة ،مرجع سابق ،ص .95
54
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
لك ل من وق ع علي ه إعت داء غ ري مش روع يف من احلق وق املالزم ة لشخص يته أن يطلب وق ف ه ذا
اإلعتداء مع التعويض عما يكون قد حلقه من ضرر".1
باإلضافة إىل املادة 48من نفس القانون اليت تنص على محاية احلق يف اإلسم وهو أحد عناصر
احلق يف احلياة اخلاصة اليت نصت ":لكل من نازعه الغري يف إستعمال إمسه دون مربر ومن إنتحل الغري
2
إمسه أن يطلب وقف هذا اإلعتداء والتعويض عما يكون قد حلقه من ضرر" .
الف رع الث اني :إع تراف ق انون العقوب ات وق انون اإلج راءات الجزائي ة ب الحق في حماي ة الحي اة
الشخصية في التشريع الجزائري.
جند أن كال من قانون العقوبات و قانون اإلجراءات اجلزائية نصا على محاية احلياة اخلاصة ،و هذا ما
سندرسه يف هذا الفرع.
بعد إعرتاف الدستور حبرمة احلياة اخلاصة بالشكل املبني سابقا ،قرر محاية القانون هلا بصفة
صرحية ،هكذا قام املشرع العقايب بإسم هذه احلماية الدستورية وتدعيما هلا بتجرمي اإلعتداء عليها،
وإقامة مسؤولية الشخص املعتدي عليها وكذلك مسؤولية الدولة.
حيث نص املش رع اجلزائ ري من خالل الق انون 06ـ 23املع دل واملتمم لق انون العقوب ات
عدد من املواد القانونية اليت جاءت يف التعديل على احلق يف محاية احلياة اخلاصة بشكل عام ،وقرر
محاي ة قانوني ة من خالل عقوب ات جزائي ة ،تق ع على ك ل من ميس الغ ري يف ه ذا احلق ،3ومن أهم املواد
اليت جاءت يف التعديل واملتعلقة باحلق يف حرمة احلياة اخلاصة هي:
املادة 137من نفس القانون تنص على " :كل موظف أو عون من أعوان الدولة أو مستخدم
أو من دوب عن مص لحة الربي د يق وم بفض أو إختالس أو إتالف رس ائل مس لمة إىل الربي د أو يس هل
فض ها أو إختالس ها أو إتالفه ا ،يع اقب ب احلبس من ثالث ة أش هر إىل مخس س نوات ،وبغرام ة من
30000دج إىل 500000دج ،و يع اقب بالعقوب ة نفس ها ك ل مس تخدم أو من دوب يف مص لحة
ال ربق خيتلس أو يتل ف برقي ة أو ي ذيع حمتواه ا ،ويع اقب اجلاين فض ال عن ذل ك باحلرم ان من كاف ة
الوظائف أو اخلدمات العمومية من مخس إىل عشر سنوات".1
كم ا نص ت املادة 303من ق انون العقوب ات على أن " :ك ل من يفض أو يتل ف رس ائل أو
مراسالت موجهة إىل الغري وذلك بسوء نية ويف غري احلاالت املنصوص عليها ويف املادة ،137يعاقب
ب احلبس من س تة أش هر إىل س نة وبغرام ة من 25000دج إىل 100000دج أو بإح دى ه اتني
العقوبتني فقط ".
باإلض افة إىل نص املادة 303مك رر من نفس الق انون " :يع اقب ب احلبس من س تة أش هر إىل
ثالث ة س نوات وبغرام ة من 50000دج إىل 100000دج ك ل من تعم د املس اس باحلي اة اخلاص ة
لألشخاص بأية تقنية كانت وذلك:
1ـ بإلتقاط أو تسجيل أو نقل مكاملات أو أحاديث خاصة أو أسرية بغري إذن صاحبها أو رضاه.
2ـ بإلتقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص يف مكان خاص ،بغري إذن صاحبها أو رضاه.
3محمدي بدر الدين ،املسؤولية املدنية الناشئة عن املساس باحلق يف احلياة اخلاصة ،مرجع سابق ،ص .92
1األمر رقم 66ـ ،156يتضمن قانون العقوبات ،مرجع سابق.
56
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
يع اقب على الش روع يف ارتك اب اجلنح ة املنص وص عليه ا يف ه ذه املادة بالعقوب ات ذاهتا املق ررة
للجرمية التامة ،ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة اجلزائية ".1
كما نصت املادة 303مكرر 01من نفس القانون ":يعاقب بالعقوبات املنصوص عليها يف
املادة السابقة كل من إحتفظ أوضع أو مسح بأن توضع يف متناول اجلمهور أو الغري ،أو إستخدام بأية
وسيلة كانت ،التسجيالت أو الصور أو الوثائق املتحصل عليها بواسطة أحد األفعال املنصوص عليها
يف املادة 303مكرر من هذا القانون.
عن دما ت رتكب اجلنح ة املنص وص عليه ا يف الفق رة الس ابقة عن طري ق الص حافة ،تطب ق األحك ام
اخلاصة املنصوص عليها يف القوانني ذات العالقة ،لتحديد األشخاص املسؤولني.
يع اقب على الش روع يف ارتك اب اجلنح ة املنص وص عاليه ا يف املادة بالعقوب ات ذاهتا املق ررة
للجرمية التامة.
ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة اجلزائية ".2
املادة 65مكرر 1 5و 10من قانون اإلج راءات اجلزائية ، 2تأيت بإستثناء يتمثل يف إمكانية
اإلطالع أو نسخ املراسالت السلكية والالسلكية لضرورات التحري يف اجلرمية املتلبس هبا أو التحقيق
احلصر. اإلبتدائي يف جرائم حمددة على سبيل
و هذه اجلرائم هي املخدرات واجلرمية املنظمة أو تبييض األموال أو اإلرهاب أو جرائم الفساد،
وذلك دون موافقة املعين لكن بإذن من وكيل اجلمهورية وإعتربت الفقرة األخرية من املادة 11من
نفس القانون احلماية القانونية للحق يف احلياة اخلاصة ومراعاهتا ضمن األسرار اليت جيب احملافظة عليها،
من خالل ضرورة اإللتزام بكتمان السر املهين يف إجراءات التحقيق والتحري لكل شخص يساهم يف
ذل ك ،وحث ممث ل النياب ة أو ض ابط الش رطة مبراعاهتا عن دما يطل ع ال رأي الع ام بالقض ية ال يت يش وهبا
3
الغموض نتيجة معلومات غري صحيحة أو غري كاملة أو لوضع حد لإلخالل بالنظام العام .
1األمر رقم 66ـ ، 155املؤرخ يف 8يونيو ،1966يتضمن قانون اإلجراءات اجلزائية ،اجلريدة الرمسية للجمهورية اجلزائرية،
عدد 46الصادرة يف 29يوليو ،تتضمن املادة 65مكرر 05منه ":إذا اقتضت ضرورة التحري يف اجلرمية املتلبس هبا أو التحقيق
االبتدائي يف جرائم املخدرات أو اجلرمية املنظمة العابرة للحدود الوطنية أو اجلرائم املاسة بأنظمة املعاجلة اإللية للمعطيات أو جرائم
تب ييض املوال أو اإلره اب أو اجلرائم املتعلق ة بالتش ريع اخلاص بالص رف وك ذا ج رائم الفس اد ،جيوز لوكي ل اجلمهوري ة املختص أن
يأذن مبا يلي:
ـ إعرتاض املراسالت اليت تتم عن طريق وسائل االتصال السلكية والالسلكية.
ـ وضع الرتتيبات التقنية ،دون موافقة املعنيني ،من أجل إلتقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكالم املتفوه به بصفة خاصة أو سرية من
طرف شخص أو عدة أشخاص يف أماكن خاصة أو عمومية أو التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص يتواجدون يف مكان خاص.
ـ يسمح اإلذن املسلم بغرض وضع الرتتيبات التقنية بالدخول إىل احملالت السكنية أو غريها ولو خارج املواعيد احملددة يف املادة
47من هذا القانون وبغري علم أو رضا األشخاص الذين هلم حق على تلك األماكن.
ـ تنفذ العمليات املأذون هبا على هذا األساس حتت املراقبة املباشرة لوكيل اجلمهورية املختص.
ـ يف حالة فتح حتقيق قضائي ،تتم العمليات املذكورة بناء على إذن من قاضي التحقيق وحتت مراقبته املباشرة.
2ـ تنص املادة 65مكرر 10من نفس املرجع على ":يهدف أو ينسخ ضابط الشرطة القضائية املأذون له أو املناب املراسالت أو
الصور أو احملادثات املسجلة واملقيدة يف إظهار احلقيقة يف حمضر يودع بامللف.
تنسخ و ترتجم املكاملات اليت تتم باللغات األجنبية ،عند اإلقتضاء ،مبساعدة مرتجم يسخر هلذا الغرض".
3تنص المادة 11من نفس املرج ع على أن " :تكون إجراءات التحقيق والتح ري س رية ،ما مل ينص الق انون على خالف ذل ك،
ودون إضرار حقوق الدفاع.
58
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
كما جند أن هناك بعض األدلة ال جيوز األخذ هبا يف اإلثبات يف املواد اجلزائية ،و هذا ألن األخذ
هبا خيل حبق ال دفاع ال ذي ه و ح ق مق دس ،هلذا ق ام املش رع اجلزائ ري بإس تبعادها و ع دم األخ ذ هبا
كوسيلة من وسائل اإلثبات ،حيث نصت يف هذا الصدد املادة 217من ق.إ.ج.ج املع دل و املتمم
على م ا يلي ":ال يس تنبط ال دليل الكت ايب من املراس لة املتبادل ة بني املتهم و حمامي ه" ،1و بالت ايل ميكن
الق ول بأن ه ال ميكن الرك ون على رس الة ق ام بإرس اهلا املتهم إىل حمامي ه يع رتف فيه ا أن ه ق ام بإرتك اب
اجلرمية كدليل ضده إلثبات اجلرمية ضده.
ـ ك ل ش خص يس اهم يف ه ذه اإلج راءات مل زم بكتم ان الس ر امله ين بالش روط املبين ة يف ق انون العقوب ات وحتت طائل ة العقوب ات
املنصوص عليها فيه.
ـ غري أنه تفاديا النتشار معلومات غري كاملة أو غري صحيحة أو لوضع حدا لإلخالل بالنظام العام ،جيوز ملمثل النيابة العامة دون
سواه أن يطلع الرأي العام بعناصر موضوعية مستخلصة من اإلجراءات على أن ال تتضمن أي تقييم لإلهتامات املتمسك هبا ضد
األشخاص املتورطني".
1األمر رقم ،155-66املتضمن قانون اإلجراءات اجلزائية ،مرجع سابق.
59
اإلطار المفاهيمي للحق في حماية الحياة الشخصية: الفصل األول:
ولقد أصبح احلق يف محاية احلياة الشخصية حيتل مكانة خاصة على الصعيد الدويل بتكريس جل
الصكوك الدولية له بإبراز مظاهره و حتديد القيود الواردة عليه ،إال أن ما يؤخذ على املشرع اجلزائري
ه و ع دم إعرتاف ه ب احلق يف محاي ة احلي اة اخلاص ة مبوجب نص ق انوين موح د ،وإمنا ورد تكريس ه يف
نصوص قانونية متفرقة مما أضفى غموضا على املظاهر و العناصر اليت تندرج ضمنه.
كما يضمن هذا احلق العديد من املظاهر اليت حتفظ للفرد إنسانيته وتصون له كرامته كاحلق يف
الشرف و اإلعتبار واحلق يف حرمة املسكن واحملادثات واملراسالت اخلاصة.
60