Professional Documents
Culture Documents
حرية التعبير عن الرإي PDF
حرية التعبير عن الرإي PDF
1
مقدمة :
يعتبر موضوع حرية التعبير عن الرأي من الموضوعات التي إسترعت إهتمـام البـاحثين
وإنشـغاالتهم ،وسـاعد علـى ذلـك تعـدد منافـذ اإلتصـال وتنـوع وسـائله وكثرتها ،خاصـة مـع
التطـور التكنولـوجي الحاصـل في مجـال اإلتصـاالت ،وهكـذا أصـبح للـرأي المسـموع أو
المكتـوب األثـر الكبـير في حيـاة النـاس ،فالواحـد منا يصبح ويمسي على مضامين التعبير حتى
غدا جزء من حياتنا .و تعد حريـة التعبـير عن الرأي المـدخل الحقيقـي ُ لممارسـة الكثـير مـن
الحريـات الحقـوق العامـة الفكريـة والثقافيـة وغيرهـا ،كمـا تعتـبر مـن أهـم الحريـات اإلنسانية
على اإلطالق ،ألنها تمثل الجانب المعنوي أو الروحي للفـرد ،وتسـمح بتكـوين آرائـه و أفكـاره
في شتى القضايا ،وبالشكل الذي يمليه عليـه ضـميره أو وجدانـه وغـدت مـن األصـول
الدسـتورية الثابتـة في كـل بلـد ديمقراطـي متحضـر . 1كمـا تعـد مـن الـدعامات األساسـية
والعمـود الفقـري الـتي تقـوم عليـه النظم الديمقراطية وأحد الشروط األساسية لتقدم المجتمع
وتطوره.
ويقصـد بها قـدرة الفـرد علـى التعبـير عـن آرائـه وأفكـاره بحريـة تامـة بغـض النظـر عـن
الوسـيلة الـتي يستخدمها سواء هي الصحف ،أو المجالت ،أو الكالم المباشـر كالخطـب ،أو
عـن طريـق اإلذاعـة أو التلفزيــون ،أو الســينما أو األنترنــت ونظــرا لـلـدور األساســي الــذي
تلعبــه حريــة التعبــير عن الرأي بصــفة خاصــة كإحـدى صـور الحريـات الفكريـة في تكـوين
الشخصـية اإلنسـانية وإبـراز مالمحهـا وخصائصـها ،كونها تعتـبر المـرآة الحقيقيـة العاكسـة
لشخصـية اإلنسـان تميـزه عـن غـيره مـن الكائنـات الحيـة ،حيـث ال يمكـن الفصل بين شخص
اإلنسان وحقه في التعبير عن آرائه كما يريـد ،كمـا تعتـبر معيـارا لقيـاس الديمقراطيـة السـائدة
في ذلـك المجتمـع ،فـال يمكـن إعتبـار مجتمـع مـا بأنـه ديمقراطـي دون أن يـؤمن درجـة عالية
من الحماية للتعبير عن الفكر ،بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في ذلك التعبير.2
2
تمثل حـــرية الـرأي والتعبــــير ركيـزة أساسـية مـن ركـائز الديمقراطيـة ،وهـي ضـمانة
أساسـية للديمقراطيـة وأحد مظاهرها األكثر بروزا ،نتيجة لتحقيقها للعديد من الفوائد العملية التي
تعود علـى المجتمـع بأسـره بإعتبارهــا وســيلة لرقابــة الشــعب علــى حكامــه ،حريــة التعبــير
عن الرأي آداة المجتمـع لتحقيــق آمالــه وأهدافــه ،باإلضافة إلى أنها وسيلة لرد الطغيان
ومقاومـة الظلـم .لـذالك أقرتها كافـة اإلعالنـات العالميـة واإلقليميـة لحقوق اإلنسان واإلتفاقيات
الدولية والدساتير والتشريعات الوضعية ،إذ بدون حرية التعبير عن الرأي مـن الممكـن أن تنتهك
الحريات األخرى وتضيع ،وال يستطيع الفـرد الـدفاع عنهـا .وحيـث أن الـدين اإلسـالمي هـو
ديـن حيـاة وخاتمـة الشـرائع السـماوية وأكملهـا فقـد بـدأ كـامال منـذ عصـر المصـطفى( ص )
فقـد أهـتم بحرية التعبير عن الرأي وصاغها في أفضل نظام وأكمله.
وتســـــتمد قــوانين المنظــــمة لصــور مظــــاهر حريــة التعبـــير عن الرأي أساســــها مــن
الدســــتور واإلتفاقيــات الدولية ،وبناء على ذلك ال تستطيع مصادرة الحريات العامــــــــة ،من
دون مخالفــة الدســتور والقــانون الـدولي .والواقــع أن مفـــاهيم مثـل حريـة اإلعـــالم
واإلتصـــال والوصــــول إلى المعلومـة وحريـة الصـحافة ،جاءت ثمارا طبيعية للمبدأ األساسي
الخاص بحرية الرأي والتعبير إذ أصـبح هـذا المبـدأ بـديهيا ،ال ينـازع فيــه أحــد ،في إطــار
اإلعــالن العــالمي لحقــوق اإلنســان والعهــد الــدولي للحقــوق المدنيــة والسياســية وإتفاقيـات
دو ليـة وعالميـة وإقليميـة أخـرى .ونـادرا مـا يوجـد دسـتور مـن دسـاتير دول العـالم ينكـر
حريـة التعبير عن الرأي صراحة.
غير أن تقرير حرية التعبير عن الرأي وتسجيلها في المواثيق واإلعالنات أو في ديباجة الدساتير
أو في صـلب الدسـتور اليمكـن أن يبقـى حـبرا علـى ورق مـا لم تتـوفر الضـمانات الـتي تكفـل
ممارسـة حريـة التعبـير عن الرأي من الناحية الواقعية .3كما أن حرية التعبير عن الرأي ال
تعني الفوضى وال يتصور قيـام مجتمـع صـحي وآمـن يسـتطيع أي فرد فيه أن يعبر بالمطلق
كما يشاء ،ومتى شاء وكيفما شـاء ،فـال معـنى إذا للحريـة المطلقـة والخاليـة من المسؤولية ،
وال مجال للعبث والفوضوية التي ال تلتزم حدود الشـرع والقـانون ،فمراعـاة هـذه األخـيرة
يحفـظ للحريـة نقاءهـا وجمالهـا ،وال تـترك ُُ مجـاال لسـوء إسـتعمالها أو إسـتعمالها بمـا
يضـر بمصـلحة المجتمـع ككل .لهذا نجد القانون الدولي لحقوق اإلنسان لم يترك هذا الحق على
إطالقه بل قيـده بمجموعـة مـن القيود ،وذلك لحماية النظـام العـام والصـحة العامـة واألمـن
القـومي وحقـوق األخـرين وحريـاتهم ،4كما أخذت معظم الدول بفكرة جواز تقييد هذا الحق
: 3خالد مصطفى فھمي ،حریة الرأي والتعبیر ،دار الفكر الجامعي ،ط2112 ، 2م ،ص.32
: 4راغب الحلو ،حریة اإلعالم والقانون ،دار الجامعة الجدیدة ،ط ، ، 1مصر ، 2112 ،ص .24
3
وهو ما ذهب إليـه المشـرع الجزائـري مـن خـالل وضـع قـوانين ونصـوص تشـريعية مـن أجـل
تنظـيم حريـة التعبـير عن الرأي وبصـورة خاصـة ضـمن قـانون اإلعـالم وقـوانين خاصة
وقانون العقوبات في حال تجاوز القوانين الناظمة لها.
تم تقسـيم البحـث إلى فصـلين تناولنـا في الفصـل األول مفهـوم حريـة التعبير عن الرأي واألساس
القانوني لها حيث تم التطرق في المبحث األول لمفهوم حرية التعبير عن الرأي و في المبحث
الثـاني تم التطـرق فيـه لألسـاس القـانوني لهـا ،أمـا في الفصـل الثـاني فتناولنـا فيـه مـدى تـأثير
المواثيـق الدوليـة في مجــال حريــة التعبــير عن الرأي حيــث تم التطــرق في المبحــث األول
لضــمانات الدوليــة والوطنية المكفولة في مجال حرية التعبير عن الرأي أما المبحث الثاني تم
التطرق فيه للقيود القانونية لحرية التعبير عن الرأي.
4
الفصل االول
5
الفصل األول :مفهوم حرية التعبير عن الرأي وأساسها القانوني
تعتبر حرية التعبير عن الرأي من أهم حقوق اإلنسان التي جاءت بها التشريعات الدولية
والوطنية بإعتبارهـا ركيـزة أساسـية مـن ركـائز الديمقراطيـة ،وهـي ضـمانة أساسـية
للديمقراطيـة و أحـد مظـاهر أكثـر بـروزا في أي دولـة نظـرا لـدور الـذي تلعبـه في الرقابـة
علـى سـلطات الدولـة ،وال يقتصـر مضـمون حريـة التعبـير عن الرأي علـى الحريـات
المرتبطـة بـاإلعالم بـل يمتـد ليشـمل حريـة اإلجتمـاع والتعلـيم والمعتقـد الـديني ،وهـي كلهـا
صـور من صور حرية التعبير ،لذالك أقرا الدساتير والتشريعات الوضعية وكافة اإلعالنات
العالمية واإلقليمية لحقوق اإلنسان واإلتفاقيات والمواثيـق الدوليـة ،كمـا أقرهـا الـدين اإلسـالمي
وصـاغها في أفضـل نظـام ،لهـذا سـوف نتنـاول قـي هـذا الفصـل مفهـوم حريـة التعبـير عن
الرأي مـن خـالل المبحـث األول واألسـاس القـانوني لحرية التنعبير عن الرأي من خالل
المبحث الثاني.
6
المبحث األول :مفهوم حریة التعبیر عن الرأي
تعـد حريـة التعبـير عن الرأي بمثابـة العمـود الفقـري للحريــات الفكريـة ،ذلـك أنـه إذا كـان
مـن حــق اإلنسـان أن يفـكر فيما يكــتنفه من شـؤون ،وما يقع تحــت إدراكه من ظواهر ،وأن
يأخذ بما يهديه إليه ،ويكـون عقيدته الداخلية فكريا بصـورة مــستقلة ومختـارة ،فـإن حقـه هـذا
يبقـى ناقصـا إذا لم يـتمكن مـن التعبــير عن أفكـاره وأرائـه بنقلـها من مرحلتها الداخلــية إلى
حيز الوجـود الخــارجي ،إلعـالم الكافـة بـها ســواء أكان ذلك في أحــاديثه في المجالس
الخـاصة أو العامة ،أو في خطـبه ودروسه ،أو في كتـاباته ومقاالته ،أو حتى في تمثيله ،وإذا
تمكن اإلنسان من ذلك فعندها يصبح متمتعا بحرية التعبير.
ولدراسـة مفــهوم هذا المصطلح "حرية التعبير عن الرأي " سنتناو له مـن خـالل ماهيــة حريـة
التعبـير عن الرأي في المطلـب األو ل ،وفي المطلب الثاني سنتناول فيه حرية التعــبير عن
الرأي في القانون الوضعي.
المطلب األول :ماهیة حریة التعبیر عن الرأي
سـيتم التطـرق في هـذا المطلـب إلى تحديـد معـنى حريـة التعبـير عن الرأي ونطاقهـا في
الشـريعة اإلسـالمية في الفـرع األول وأهميتها وخصائصها في الفرع الثاني.
الفرع األول :تحدید معنى حریة التعبیر عن الرأي
يســتدعي دراســة تحديــد معــنى حريــة التعبــير عن الرأي ،الوقـــوف علــى المعــنى
اللغــــوي للمصــطلحين "الحريــة " و"التعبير" قبل التطرق للتعريف اإلصـطالحي وذلـك وفقا
لمايلي:
البند األول :حریة التعبیر لغة
أوال :المعنى اللغوي للحریة:
جــاء في لسـان العـرب إلبـن منظـور :الحر بالضم نقيض العبد ،والجمع:احرار ،والحرة نقيض
االمة وحرره :اعتقه ،وتحرير الولد :اٍفراده لطاعة هللا عزوجل وخدمة المسجد 1لقوله سبحانه
ت ام َرأَت ِعم َرانَ َرب إِني نَ َذرت لَكَ َما فِي بَطنِي م َح َّررًا فَتَقَبَّل ِمني ُ إِنَّكَ أَنتَ
وتعالى " :إِذ قَالَ ِ
2
ال َّس ِميع ال َعلِيم "
: 1إبن منظور ( ابو الفضل جمال الدین محمد بن مكرم ،لسان العرب ، 42 .دار صار ( ،د-ط) بیروت ،لبنان (،د-ت) ،ص.181
: 2سورة آل عمران ،األیة 3
7
قال الزجاج 3معلقا على هذه االية الكريمة ":هذا قول إمراة عمران ومعنـاه جعلتـه خادمـا يخـدم
في متعبداتك وكان هذا جائز لهم .ولخص التهانوي 4سائر معاني الحرية في اللغة العربية في كلم
ةواحدة هي "الخلص" . 5فالحريــة إذا نقـــيض العبوديــة ،وهــي أطيــب كــل شــيء ،وهــي
اإلنفــراد لطاعــة هللا عزوجل ،أو هي الشيء الطيب الخالص الحسـن الـذي اليضـاهيه شــيء
في حســنه وال جودته والرقته ،وإذا اضفنا لفظ الحر لإلنسان فهو االنسان الطيب النفس الكريم ،
الذي حرر نفسه من كل رق وعبودية سوى هللا عزوجل.
وقـد ورد في مجموعـة السياسـة إن الحريـة لغويـا تعـني إنعـدام القيـود القمعيـة أو الزجريـة
فالحريـة هنـا هـي الصـفة الـتي تعطـي لـبعض األفعـال البشـرية الـتي يقـوم ـا اإلنسـان بـدون
ضـغط أو إكـراه ،وعـن ســابق قــصد وتصـور وتصــميم ،كمـا أنها نقـيض العــبودية
والتـــبعية ،ومـن هـذا المنطلـق يصــبح الكـالم عـن الحرية مرتبط بالضرورة بشبكة معقدة من
المفاهيم مثل المسؤولية ،القدرة على إتـخاذ القرار ،القدرة.
البند الثاني :حریة التعبیر إصطالحا
أوال :المعنى اإلصطالحي للحریة
هي الخالص من القيود والرق والظلم و اإلستبداد ،ومنح الفرد القـدرة علـى اإلختيـار ،وأن
يفعـل مـا يشـاء وقتمـا شـاء ،ويعرفهـا الـدكتور مصـطفى خالـد فهمـي إن الحريـة هـي قـدرة
اإلنسـان علـى فعـل مـا يريد في حدود إحترام القانون وعدم اإلضرار باألخرين .فهي ليست
حرية مطلقة ولكنها مقيدة بحقوق األخرين.
وقـد وضـع اإلعـالن الفرنسـي لحقـوق اإلنسـان أول مفهـوم حـديث لكلمـة الحريـة فوصـفها بأـا :
بأن يفعل اإلنسان ما يشاء شريطة أال يضر بغيره .
وللحرية معنيان :أولهما سلبي ،واألخر إيجابي ،األول :ينصرف إلى المعنى الخلـو مـن
القيـود ،ومؤدي ذلك أن يفعل اإلنسان كل ما يريد ،على أنـه يسـتحيل قبـول الحريـة ـذا المعـنى
السـلبي الـذي يؤدي الى الهمجية و اإلضـطراب ،فالحريـة بـال ضـوابط بعـير شـارد ،
والضـوابط تضـمن اسـتقرار اتمـع وإحترام قواعده ،وحماية مصالحه المشتركة.
والــثانـــــي :يتمـــثل في إســـتقالل اإلرادة ،وهـــو يرتكـز علـــى حريـــة الــــشخص فـــي
التعبـير عـن ذاته .ولكي تتـوافر الحريـة ـذا المعـنى اإليجـابي فـال بـد أن ـيء الدولـة المنـاخ
َّ : 3الز ََجاج :ھو ابوإسحاق ابراھیم بن محمد بن السري بن سھل الزجاج البغدادي (241ه311-ه223 ،م)
: 4التھانوي :ھو كاتب وعالم ھندي ،صاحب موسوعة كشاف إصطالحات الفنون .توفي بعد 1158ه
1745/م.
: 5التھانوي محمد حامد بن علي ،كشاف إصطالحات الفنون والعلوم ،ج ، 1تحقیق :دحروج علي ،
ترجمة :الخالدي عبد هللا ،مكتبة لبنان ناشرون ،ط ، 1بیروت ،لبنان ، 1226 ،ص .641
8
الـالزم مـن خـالل وضـع القواعـد القانونيـة الـتي تكفـل ممارسـة هـذه الحريـة بصـفة عامـة
وحريـة التعبـير بصـفة خاصـة فـال معنى الحديث عن الحرية إذا كان السهل إهدارها والعدوان
1
عليها .
كما عرفت على أنها القـدرة علـى اإلختيـار الحـر ،وهـي القـدرة علـى أن يفعـل اإلنسـان مايشـاء
وكيـف يشــاء ،أمــا قانونــا ،فهــي إلتــزام الســلطة بعــدم التعــرض لألفــراد في مجــاالت
معينــة و محــددة ،وتلتــزم كذالك بحماية األفراد في ممارسة حقوقهم في هذا المجال .1
ثانیا :المعنى اإلصطالحي للتعبیر
يعني اإلعراب والتبيين بالكالم أو بالكتابة ،أو اإلفصاح عما في النفس بأي وسيلة كانت. 2
البند الثالث :حریة التعبیر و نطاقها في الشریعة اإلسالمیة
أوال :حریة التعبیر في الشریعة اإلسالمیة
ُ لقد حدد اهللا تبارك وتعالى معاني التفكير في الكثير من اآليـات الكريمـة ومـن ذلـك قولـه
ت َواألَر ِ
ض َو َما تغنِي اآليَات َوالنُّذر عَن قَو ٍم ال يؤ ِمنونَ ". عزوجل " ق ِل انظروا َما َذا فِي ال َّس َم َ
اوا ِ
نشئ النَّشأَةَ اآل ِخ َرةَ ُ إِ َّن ض فَانظروا َكيفَ بَدَأَ الخَ ل َ
ق ُ ث َّم َّ
هللا ي ِ ويقول ايضا "قل ِسيروا فِي األَر ِ
3
َّ
هللاَ َعلَى كل َشي ٍء قَ ِدير".4
والحـث علـى التعبـير هـو بدايـة الطريـق لـدعوة إلى التعبـير عنـه ،وهـو كـذالك دعـوة إلى
إيفـاد الـرأي بهدف تحقــيق الخـير والرشــاد وضـمن الوجــهة السلــيمة ، 5وفي ذلـك دليـل
واضــح عـلى أن التــعبير عــن الرأي ليس حقا من حقوق اإلنسان وحسب ،بل فريضة فرضها
اهللا على عباده.
2
ولمـا كـان التعبـير عـن الـرأي هـو حصـيلة التفكـير ،والتفكـير في الطبيعـة نشـاط عقلـي ،وهـو
كغـيره مـن األنشـطة البشـرية متعـدد المسـالك ،متشـعب الـدروب يمكـن أن يتجـه لتعبـير كمـا
يمكـن أن يتجـه الى النشر تبعا لنية صاحبه ،ومن أجل ذلك كان التعبير عن الرأي موضع
1
توجيه ومناط تكليف.
وعلــى هــذا األســاس جــاءت مختلــف التعــاريف ،ومعــنى ذلــك أن التعــاريف الــتي
أوردهــا بعــض الفقهــاء والمفكــرين اإلســالميين إلتزمــت في مجملهــا حــدود الشــرع ،وفي
هــذا اإلتجــاه يقــول العالمــة التونسـي الطـاهر بـن مخـافور "وأمـا حريـة األقـوال فهـي
2
التصـريح بـالرأي واإلعتقـاد في اإلذن الشـرعي"
رجح في القلب بعد فكر وتأمـل
وفي اإلطار نفسه عرف التعبير عن الرإي بانه "االفصاح عما ي َ
لمعرفـة وجـه الصواب وإستخراج حال العافية من األحكام الشرعية واألمور الدنيوية .3
وعرفهـا الـدكتور يوسـف القرضـاوي بأـا " رفـع األغـالل عـن اإلنسـان وخالصـه مـن كـل
سـيطرة ترهبه ،أو تعوقه ،أو تتحكم في فكره أو وجدانه أو إرادته أو حركته سواء كانـت
السـيطرة سياسـية أو دينية أو إجتماعية ،حيث يتصرف و هو يشعر باإلطمئنـان واألمـن
واإلسـتقالل الـذاتي فيمـا يأخـذ أو يدع .وعرفها أيضا بأا "حرية المواطن في أن يفكر ويعبر عن
تفكيره باألساليب المشروعة ،وحريتـه في نقد األوضاع واألنظمة واإلتجاهـات والتصـرفات
دون أن يخشـى علـى نفسـه و أهلـه مـن مخالـب اإلرهـاب والتعـذيب ،واإلضـطهاد ...وهـي
حريتـه في إلقـاء خطـاب عـام أو عقـد نـدوة مفتوحـة ،أو تـأليف كتــاب يحمــل رأيــه ونقــده ،
وإصــدار صــحيفة التســيطر عليهــا الحكومــة بنفســها أو بواســطة حزبها السياسي إو
4
االقتصادي"
: 1الشمراني خالد بن عبدهللا بن دایل ،التعبیر عن الرأي ،مركز التأصیل لدراسات والبحوث ،ط ،2جدة ،المملكة العربیة
السعودیة 1432 ،ه 2111 ،م ،ص.526
: 2إبن عاشور محمد الطاھر ،مقاصد الشریعة اإلسالمیة ( .تحقیق المیساوي (محمد الطاھر) ،دار ،النفائس ،ط ، 1عمان ،األردن
1421 ،ه 2111 ،م.
: 3الشمراني خالد بن عبدهللا بن دایل ،المرجع السابق ،ص.24
: 4القرضاوي یوسف ،الحلول المستوردة وكیف جنت على أمتنا ،مكتبة وھبة ،ط ، 5القاھرة ،مصر 1413 ،ه1223 -م ،
ص ، 211ص.212
11
وعرفهـا مجمـع الفقـه اإلسـالمي في دورتـه التاسـعة عشـر المنعقـدة بالشـارقة بأـا " تمتـع
اإلنسـان بكامـل إرادته في الجهر بما يراه صوابا أو محققا النفع لهوللمجتمع ،سواء تعلق بالشؤون
1
الخاصة أو القضايا العامة "
إن مايالحظ على تعريفات حرية التعبير من المنظار اإلسالمي أنها تتـميز بدخول ضابطين
كبـيرين عليهما ويتلخص هذا الضابطين في األتي:
1ـــــ أن يكون التعبير مما يسمح به الشرع ،فال يجوز الخـوض فيمـا هـو خـارج عـن حـدود
علمـه وطاقتـه ،كالخوض في الغيبيات والقول بغير علم ،كمـا يجـب اإلحـتراز بمـا يخـالف
العقائـد واألحكـام الثابتـة في اإلسالم بالنصوص القطعية والتي المجال فيها لتأويل.
2ـــأن يكون التعبير محققا نفعا عاما أو خاصا ،بحيث يجـب اإلبتعـاد عـن األراء واألقـوال
واألفعـال الـتي تؤدي إلى الوقوع في المفسدة أو اإلضرار باألخرين ،ومما الفائدة منه كاللغو
وباطل الكالم وكل سلوك اليفيد الفرد والمجتمع.
وممـا يجـدر ذكـره في هـذا المقـام أن حريـة التعبـير ليسـت مقتصـرة علـى األراء الـتي يصـل
إليهـا الفـرد بواسـطة النظـر وتفكـيره الشخصـي ،بـل يشـمل أيضـا األراء الـتي يتلقاهـا اإلنسـان
عـن غـيره ويقتنـع ـا ويعبر عن قبولـه ـا ،ويسـعى لنشـرها وإقنـاع النـاس ـا ،فهـذا أيضـا يمكـن
إدراجـه ضـمن حريـة التعبـير عن الرإي. 2
: 1القرارات والتوصیات ،المجمع الفقھ اإلسالمي الدولي ،في الدورة التاسعة عشر ،المنعقدة في إمارة الشارقة ،اإلمارات العربیة
المتحدة ،من (1إلى 5جمادى األولى 1431ه ) ،الموافق ل ( ( 31-26افریل 2112م قرار رقم (( 176ص. 3
: 2النجار عبد المجید ،دور حریة الرأي في الوحدة الفكریة بین المسلمین .المعھد العالمي للفكر اإلسالمي ،ط ، 1فرجینیا ،الوالیات
المتحدة األمریكیة 1413 ،ه 1222 ،م
11