Professional Documents
Culture Documents
مفهوم الحرية
مفهوم الحرية
تقـــــــــديـم:
تعتبر الحرية قيمة سامية بالنسبة لإلنســان ،ســواء في وضــعه البشــري الوجــودي أو في حياتــه
السياسية أو في عالقته مع ذاته أو مع الغير فردا كان أو مجتمعا .و يدل لفظ الحريــة فلســفيا -كمــا هــو
معلوم لدينا سابقا -على قدرة الشخص على الفعل والتصرف وفق ما تمليه عليه إرادته.أو بمعنى آخــر
هي استقاللية الذات فكرا وسلوكا وعدم خضوعها ألي إكراهات أو حتميات .وعندما نتحدث عن الحرية
في المجــال األخالقي أو االجتمــاعي أو السياســي تصــبح هــذه الحريــة محــددة بمجموعــة من القواعــد
والضوابط قانونية كانت أو أخالقية .لهذا نجد مونتسكيو يعرف الحرية السياسية بأنها حق فعــل كــل مــا
تبيحه القوانين ،ونقول عادة على المستوى األخالقي أن الشخص حر ما لم يضر.
من هذا التعدد في دالالت مفهوم الحرية تنبثق اإلشـكالية الفلسـفية لهــذا الـدرس ،وهي إشــكالية يمكن
صياغتها كالتالي:
انخرط فكرنا اإلسالمي بفرقه الكالمية وفالســفته في إشــكال الفعــل اإلنســاني بين الحريــة
الحتمية ،وطرح هذا اإلشكال بصيغة :هل اإلنســان مخــير في أفعالــه أم أنــه مســير؟ جوابــا على
ذلك ،ذهبت فرقة الجبريـة بزعامـة الجهم بن صـفوان (وهي فرقـة تعتمــد على النقــل أكـثر منــه
على العقل) إلى القول بأن اإلنسان مجبر على أفعاله ،أي أنه مسير في حياته وال قدرة لــه على
خلق شيء ،فكل شيء يحدث بمشيئة هللا وحده .ومن بين ما تستدل به بهذه الفرقة قوله تعــالى
في ســورة األنفــال ،اآليــة ":17ومــا رميت إذ رميت ولكن هللا رمى" وقولــه تعــالى في ســورة
اإلنسان ،اآليــة ":30ومــا تشــاؤون إال أن يشــاء هللا إن هللا كــان عليمــا حكيمــا" .وعلى خالف
ذلك ،ترى فرقة المعتزلة بزعامة واصل بن عطــاء( وهي فرقــة ازدهــرت في العصــر العباســي،
وتعتمد على العقل وتعطيه األولوية على النقل) أن اإلنسان مخير وحر في أفعاله.
موقف الفيلسوف ابن رشد يأتي كنقد وتركيب لتصوري الجبرية والمعتزلــة ،فهــو يــرى أن
اإلنسان إذا كان مجبر على كل أفعاله وكانت أفعاله كلها تتم بمقتضــى المشــيئة واإلرادة اإللهيــة
كما قال الجهم بن صفوان ،فإن المسؤولية والتكليف ستسقط عن اإلنسان ،وسيصبح مثله مثــل
الجمادات .ويرى كذلك أن اإلنسان إذا كان حرا حرية تامة كما قال واصل بن عطــاء ،فهــذا يــدل
على وجود خالق لألفعال غير هللا ،وهذا غير صحيح .وبناء على هــذا يــرى ابن رشــد أن أفعــال
اإلنســان ليسـت جبريــة تمامــا وليسـت اختياريــة تمامـا ،أي أنــه ليس حـرا بشــكل مطلــق وليس
خاضعا بشكل مطلق ،بل إنه يجمع في أفعاله بين الجــبر واالختيــار .فعلى مســتوى عــالم اإلرادة
الــداخلي،األمــر فيــه مــتروك لإلنســان يختــار مــا يشــاء بحريــة تامــة .لكن على مســتوى العــالم
الخارجي فهو محكوم باألسباب والظروف التي قدرها هللا على العبــاد جميعــا ،وهي تســير وفــق
نظام محكم ومقدر سلفا ،وهذا ما يعرف باسم القضاء والقدر عند ابن رشد .فأفعالنــا ال تتم كمــا
يقول ابن رشد إال بتوافقها مع األسباب الخارجية .مثال ذلك":أني قد أعزم على الســفر في مــا،
أحدده بإرادتي واختيـاري ،لكن قـد تطـرأ ظـروف خارجيـة بدنيـة مثـل المـرض أو طبيعيـة مثـل
المطر تعطل سفري"
تركيب:
على ضوء ما درسته سابقا في محور الشــخص بين الحريــة والضــرورة ،وباستحضــار
هذا االنفتاح على الفكر اإلسالمي ،أنجز خالصة تركيبية مركزة للمحور