You are on page 1of 2

‫مجزوءة األخالق‪ /‬مفهوم الحرية‬

‫ذ‪ .‬محمد الركراكي‪ /‬ثانوية ‪:‬سيدي أحمد بناصر‬

‫تقـــــــــديـم‪:‬‬

‫تعتبر الحرية قيمة سامية بالنسبة لإلنســان‪ ،‬ســواء في وضــعه البشــري الوجــودي أو في حياتــه‬
‫السياسية أو في عالقته مع ذاته أو مع الغير فردا كان أو مجتمعا‪ .‬و يدل لفظ الحريــة فلســفيا‪ -‬كمــا هــو‬
‫معلوم لدينا سابقا‪ -‬على قدرة الشخص على الفعل والتصرف وفق ما تمليه عليه إرادته‪.‬أو بمعنى آخــر‬
‫هي استقاللية الذات فكرا وسلوكا وعدم خضوعها ألي إكراهات أو حتميات‪ .‬وعندما نتحدث عن الحرية‬
‫في المجــال األخالقي أو االجتمــاعي أو السياســي تصــبح هــذه الحريــة محــددة بمجموعــة من القواعــد‬
‫والضوابط قانونية كانت أو أخالقية‪ .‬لهذا نجد مونتسكيو يعرف الحرية السياسية بأنها حق فعــل كــل مــا‬
‫تبيحه القوانين‪ ،‬ونقول عادة على المستوى األخالقي أن الشخص حر ما لم يضر‪.‬‬

‫من هذا التعدد في دالالت مفهوم الحرية تنبثق اإلشـكالية الفلسـفية لهــذا الـدرس‪ ،‬وهي إشــكالية يمكن‬
‫صياغتها كالتالي‪:‬‬

‫هل الفعل اإلنساني فعل حر أم أنه خاضع للحتمية؟‬ ‫‪‬‬


‫ما عالقة الحرية باإلرادة؟‬ ‫‪‬‬
‫وكيف تتحدد عالقة الحرية بالقانون؟‬ ‫‪‬‬

‫المحور األول‪ :‬الحرية والحتمية‪:‬‬


‫الحرية والحتمية مفهومان متضادان‪ ،‬فاألول يعني غياب اإلكـراه والجـبر‪ .‬في حين يـدل الثــاني‬
‫على الخضوع والجبر واإللزام والضرورة‪ .‬ويحيل لفظ الحتمية بدقة على مبدأ علمي يقــول أن الظــواهر‬
‫الطبيعيــة مشــروطة في حــدوثها بأســباب ضــرورية وثابتــة‪ ،‬ويمكن التنبــؤ بهــا عنــد معرفــة القــوانين‬
‫المتحكمة فيها( الترابط الضــروري بين األســباب والنتــائج‪ /‬مثال ارتفــاع درجــة حــرارة المــاء الى ‪100‬‬
‫يؤدي حتما إلى تبخره)‪ .‬وعندما نطبق مبدأ الحتمية على اإلنسان مثــل بــاقي الظــواهر واألشــياء نصــبح‬
‫في تناقض مع تمتع اإلنسان بــإرادة حــرة تجعلــه قــادرا على اختيــار أفعالــه‪ .‬من هنــا يمكننــا بلــورة أول‬
‫إشكال وهو كالتالي‪ :‬ما طبيعة الفعل اإلنساني؟ هل هو فعــل حــر ونــابع من إرادة الشــخص المســتقلة أم‬
‫أنه فعل خاضع للحتمية ومشروط بأسباب ثابتة كباقي الظواهر الطبيعية و الموجودات األخرى؟‬

‫المواقف العلمية والفلسفية‪:‬‬


‫راجع(ي) هذه المواقف الثالثة في درس الشخص‪ /‬المحور الثالث‪ :‬الشخص بين الضرورة‬
‫والحرية‬ ‫‪ -1‬موقف اسبينوزا‬
‫موق سارتر‬ ‫‪-2‬‬
‫موقف عبد هللا العروي‬ ‫‪-3‬‬
‫و ك‪ .‬بوبر‬ ‫‪-4‬‬
‫موقف ابن رشد ونقده للفرق الكالمية(الجبرية والمعتزلة)‬ ‫‪-5‬‬

‫انخرط فكرنا اإلسالمي بفرقه الكالمية وفالســفته في إشــكال الفعــل اإلنســاني بين الحريــة‬
‫الحتمية‪ ،‬وطرح هذا اإلشكال بصيغة‪ :‬هل اإلنســان مخــير في أفعالــه أم أنــه مســير؟ جوابــا على‬
‫ذلك‪ ،‬ذهبت فرقة الجبريـة بزعامـة الجهم بن صـفوان (وهي فرقـة تعتمــد على النقــل أكـثر منــه‬
‫على العقل) إلى القول بأن اإلنسان مجبر على أفعاله‪ ،‬أي أنه مسير في حياته وال قدرة لــه على‬
‫خلق شيء‪ ،‬فكل شيء يحدث بمشيئة هللا وحده‪ .‬ومن بين ما تستدل به بهذه الفرقة قوله تعــالى‬
‫في ســورة األنفــال‪ ،‬اآليــة ‪ ":17‬ومــا رميت إذ رميت ولكن هللا رمى" وقولــه تعــالى في ســورة‬
‫اإلنسان‪ ،‬اآليــة ‪ ":30‬ومــا تشــاؤون إال أن يشــاء هللا إن هللا كــان عليمــا حكيمــا"‪ .‬وعلى خالف‬
‫ذلك‪ ،‬ترى فرقة المعتزلة بزعامة واصل بن عطــاء( وهي فرقــة ازدهــرت في العصــر العباســي‪،‬‬
‫وتعتمد على العقل وتعطيه األولوية على النقل) أن اإلنسان مخير وحر في أفعاله‪.‬‬
‫موقف الفيلسوف ابن رشد يأتي كنقد وتركيب لتصوري الجبرية والمعتزلــة‪ ،‬فهــو يــرى أن‬
‫اإلنسان إذا كان مجبر على كل أفعاله وكانت أفعاله كلها تتم بمقتضــى المشــيئة واإلرادة اإللهيــة‬
‫كما قال الجهم بن صفوان‪ ،‬فإن المسؤولية والتكليف ستسقط عن اإلنسان‪ ،‬وسيصبح مثله مثــل‬
‫الجمادات‪ .‬ويرى كذلك أن اإلنسان إذا كان حرا حرية تامة كما قال واصل بن عطــاء‪ ،‬فهــذا يــدل‬
‫على وجود خالق لألفعال غير هللا‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ .‬وبناء على هــذا يــرى ابن رشــد أن أفعــال‬
‫اإلنســان ليسـت جبريــة تمامــا وليسـت اختياريــة تمامـا‪ ،‬أي أنــه ليس حـرا بشــكل مطلــق وليس‬
‫خاضعا بشكل مطلق‪ ،‬بل إنه يجمع في أفعاله بين الجــبر واالختيــار‪ .‬فعلى مســتوى عــالم اإلرادة‬
‫الــداخلي‪،‬األمــر فيــه مــتروك لإلنســان يختــار مــا يشــاء بحريــة تامــة‪ .‬لكن على مســتوى العــالم‬
‫الخارجي فهو محكوم باألسباب والظروف التي قدرها هللا على العبــاد جميعــا‪ ،‬وهي تســير وفــق‬
‫نظام محكم ومقدر سلفا‪ ،‬وهذا ما يعرف باسم القضاء والقدر عند ابن رشد‪ .‬فأفعالنــا ال تتم كمــا‬
‫يقول ابن رشد إال بتوافقها مع األسباب الخارجية‪ .‬مثال ذلك‪":‬أني قد أعزم على الســفر في مــا‪،‬‬
‫أحدده بإرادتي واختيـاري‪ ،‬لكن قـد تطـرأ ظـروف خارجيـة بدنيـة مثـل المـرض أو طبيعيـة مثـل‬
‫المطر تعطل سفري"‬

‫تركيب‪:‬‬
‫على ضوء ما درسته سابقا في محور الشــخص بين الحريــة والضــرورة‪ ،‬وباستحضــار‬
‫هذا االنفتاح على الفكر اإلسالمي‪ ،‬أنجز خالصة تركيبية مركزة للمحور‬

You might also like