You are on page 1of 4

‫تحليل نص فلسفي‬

‫تحليل ‪:‬‬

‫مع نشأة فلسفة اللوغوس ( العقل) بدأ الفكر الفلسفي يتأمل الكون والموجودات كما‬
‫سيهتم بعد ذلك بالذات اإلنسانية عبر الغوص في مجال الوضع البشري باعتباره مجاال فريدا‬
‫يؤطر الذات البشرية في نختلف ابعادها لعل ابرزها البعد الذاتي المتمثل في مفهوم الشخص‬
‫الذي ظل محطة اهتمام العديد من التصورات واالتجاهات الفلسفية الى يومنا هذا‬
‫لكونه ذات شائكة ننظر اليه من العديد من الزوايا وقد نقول انه ذات واعية عاقلة كما‬
‫يمكن ان تكون ذات حرة وقد نقول انها ذات فاقدة للحرية كما يحمل داخله العديد من‬
‫القضايا التي جعلت الفكر الفلسفي يغوص فيها من اجل فهمها وتفكيكها ‪ ،‬وموضوع‬
‫هذا النص ال يخرج عن هذا الطرح الفلسفي إذ يتأطر داخل المجال االشكالي لهذا‬
‫المفهوم وبالتحديد ضمن قضية الشخص بين الضرورة والحرية التي تجعلنا نفكر‬
‫جليا في إشكاليته التي يثيرها هذا النص ألنه يبحث في مدا إمكانية اعتبار الشخص‬
‫كائن طبيعي وخاضع لقوانين الطبيعة وتتحدد هذه االشكالية في عمق فلسفي يحاول‬
‫نفي حرية الشخص واخضاعه للضرورات واالكراهات وهذه االشكالية تقودنا الى‬
‫نسج خيوط التفلسف بدورنا عبر طرح العديد من التساؤالت الموجهة لتحليل‬
‫والمناقشة‪:‬‬
‫ما الشخص؟ وما الحرية؟ وما الضرورة؟ وما العالقة بينهما؟ وهل يمكن ان نعتبر‬
‫الشخص حر؟ وهل حرية مطلقة ام نسبية؟ ام انه شخص خاضع لمجموعة من‬
‫الضرورات والحتمية التي تفقده حريته؟ وهل يمكن ان يتجاوز الشخص هذه‬
‫اإلكراهات والتعالي عنها ام انه ملزمة لشخص طول حياته؟‬

‫يدافع صاحب النص على اطروحة جوهرية مفادها أن الشخص كائن طبيعي‬
‫وخاضع لقوانين الطبيعي ومعنى ذلك انه خاضع لضرورة اي انه ذات فاقدة للحرية‪،‬‬
‫ألن الشخص بهذا المعنى غير قادر على التحكم في تكوينه او تصرفاته او افعاله بل‬
‫هي نتاج مجموعة من االكراهات ويقدم الن صاحب النص مثال سواء احس الشخص‬
‫بالعطش او خاف من الموت بسبب السم في الماء فافي الحالتين معا الشخص خاضع‬
‫للضرورة ‪ ،‬كما انه في حالة غير الشخص رايه وقرار شراب الماء رغم عن السم‬
‫فكذلك انه خاضع لضرورة وهكذا يخلص بنا صاحب النص الى فكرة مهمة فالشخص‬
‫رغم قدرته على االختيار فهذا ال يعني انه حر ألنه اقصى ما يمكن فعله هو مقاومة‬
‫رغابته في بعض االحيان كخوف من العواقب‪ ،‬لذلك يقول صاحب النص إن تصرفات‬
‫االشخاص ال تكون حرة بل هي دائما نتاج سلسلة من الضرورات‪.‬‬
‫يقوم هذا النص على بنية مفاهيم متنوعة شكل مفهوم الشخص أساسها في عالقته‬
‫بمفاهيم محورية التي تشكله كالضرورة والحرية ‪ ،‬فالشخص حسب منظور صاحب‬
‫النص هو ذات فاقدة لإلرادة واالختيار والفعل وهو كائن طبيعي وخاضع لقوانين‬
‫الطبيعة وبالتالي هو كائن ال ننظر اليه بكونه حر ويرتبط بمفهوم الضرورة حيث تشير‬
‫إلى أن كل ما في الكون بما في ذلك اإلنسان‪ ،‬ال يخرج عن طبيعته التي خلق عليها‪.‬‬
‫وهكذا فالضرورة مجموعة من المحددات التي تجبر الشخص على الفعل واالمتناع‬
‫على الفعل سواء كانت بيولوجية او نفسية او اجتماعية‪ ،‬والضرورة نقيض الحرية‪.‬‬
‫وهي استقاللية الذات فكرا وتصرفا وعدم خضوعها ألية إكراهات وحتميات خارجية‪.‬‬
‫والحرية هي إمكانية الفرد بدون ضغط أو جبر خارجي على االختيار بين مختلف‬
‫اإلمكانيات الموجودة‪ .‬والعالقة التي تجمع بين المفاهيم هي عالقة تعارض وصراع‬
‫الن مفهوم الضرورة ال يمكن أن يلتقى مع مفهوم الحرية في تشكيل اختيارات وافعال‬
‫ورغبات الشخص واذ وجدا احداهم فمعناه نفي لألخر‪.‬‬
‫ولتدعيم اطروحته اتبع صاحب النص مسلكا حجاجيا اعتمد فيه عدة اليات حجاجية‬
‫من ابرزها اسلوب التعريف حيت اعتبر الشخص كائن طبيعي وخاضع لقوانين‬
‫الطبيعة ثم نجد اسلوب الشرح والتفسير الن صاحب النص وضح بشكل جلي كيف ان‬
‫الشخص ليست له حرية وأنه خاضع لمجموعة من الضرورات‪ ،‬حيث وظف لذلك‬
‫اسلوب المثال برغبة الشخص في شرب الماء بدافع العطش او الخوف من الموت‬
‫بدافع السم في الحالتين معا فهو مدفوع بالضرورة‪ .‬ثم نجد اسلوب التوكيد " إن‬
‫العطش يدفعني‪ "....‬وبعده يحضر االستدراك " ولكن قد يتم االعتراض‪ "...‬لبين لنا‬
‫سواء اشرب الشخص الماء ام امتنع على ذلك فإنه خاضع للضرورة‪ ،‬ايضا يتكرر‬
‫نفس االمر في الفقرة االخيرة من النص بتوظيف اسلوب التوكيد بقدرة الشخص على‬
‫التفكير في العواقب‪ ،‬ليأتي االستدراك من جديد بعدم قدرة الشخص دائما فالتفكير في‬
‫عواقب افعاله‪ .‬لبين لنا صاحب النص انه في جميع االحوال أن الشخص خاضع‬
‫للضرورات وغير قادر على التحكم فيها وبالتالي فاقد للحرية‪.‬‬
‫اذ كانت األطروحة المتضمنة في النص تراهن على ان الشخص خاضع لمجموعه من‬
‫الضرورات واالكراهات فإلى اي حد يمكن القبول بهذه األطروحة كجواب على‬
‫االشكال؟ اال يمكن االعتراض عليها بالقول رغم ذلك ان الشخص ذاتا حره قادره على‬
‫تجاوز هذه االكراهات والتعالي عنها؟‬
‫كل ما تقدم من افكار وحجج يبرهن على ان لألطروحة قيمة فلسفيه وتكتسي واهميه بالغه‬
‫امتدت عبر تاريخ الفلسفة الحديثة حيث انها تدافع على منظورها االقراب الى الواقع بكون‬
‫الشخص في مجمل تصرفاته وافعاله إنه فاقد للحرية وخاضع للمجموعة من الضرورات لكونه‬
‫من االساس كائن طبيعي بالفطرة وقد تتحكم هذه الضرورات فيه ذاته بالرفض او القبول‬
‫بالحب او االكراه وهكذا قيمة هذه االطروحة تبرز بشكل اكبر حين وظف صاحب النص امثلة‬
‫تلمس افعالنا في الواقع الذي نعيشه فسواء شعرنا بالعطش او الجوع او االلم او الخوف من‬
‫الموت فهي عناصر ال يمكن ان نتحكم فيها او نغيرها‪ ،‬هكذا فصراخ الطفل الرضيع في منتصف‬
‫الليل معناه ان هناك ضرورة ولدت معه وهي الشعور بالجوع وفي جميع االحوال ننظر الى‬
‫انفسنا بكوننا نتائج لمجموعة من الضرورات واإلكراهات‪ ،‬وهذا ما تؤكده العلوم اإلنسانية ألنها‬
‫تكشف عن كون اإلنسان محكوم بسلسلة من الحتميات تشرط سلوكاته وتتحكم فيها بصورة‬
‫مطلقة‪ ،‬فاإلنسان من هذا المنظور يكون خاضعا الحتميات سيكولوجية او سوسيولوجية او‬
‫بيولوجية‪ ،‬وفي هذا السياق يمكن استحضار تصور الفيلسوف باروخ اسبنوزا الذي يعتبر أن‬
‫القول بالحرية هو مجرد وهم ناتج عن الجهل باألسباب الحقيقية المحددة إلفعال اإلنسان ‪ ،‬أي‬
‫أن االنسان ال يمتلك حرية إختيارته وسلوكاته و ال يفعلها وفق إرادته بل أن جل سلوكاته‬
‫وأفعاله نتيجة لميل وهوى جسدي ‪ ،‬وإعتقاد الناس بالحرية هو مجرد وهم شائع ومعنى هذا أن‬
‫الشخص حر فقط على المستوى التنظيري‬

‫ولكن على الرغم من اهميه األطروحة وغناها وتنوع افكارها وامتدادها الفلسفي اال‬
‫انها اغفلت مجموعه من الجوانب يمكن ان نناقشها كحدود لهذه األطروحة حيث ال‬
‫يمكن القول ان الشخص دائما خاضعا لمجموعه من االكراهات والضروريات‬
‫والحتميات ألننا من هذا المنظور ننفي كون الشخص ذات واعيه عاقله قادره على‬
‫الفعل والتميز بين الصواب والخطأ كما ان االعتراف بان الشخص خاضع للضرورات‬
‫واالكراهات معناه أن الشخص منظور اليه من هذا الجانب مثله مثل باقي الكائنات‬
‫الموجود في العالم ألنها هي الوحيدة المحكومة بمجموعة من الغرائز والضرورات‬
‫كالجوع والعطش‪ ...‬كما انه االنتصار بالقول أن الشخص خاضع للمجموعة من‬
‫الضرورات هذا معناه اننا نعفي الشخص عن كل افعاله وسلوكاته سواء كانت ايجابيه‬
‫ام سلبيه فهل نقول ان الشخص حين يرتكب جريمة قتل انها ناتج عن ضرورة واكراه‬
‫ونعفيه من تحمل مسؤوليه جريمته ‪ ،‬واجب علينا ايضا النظر الى الشخص بكونه‬
‫ذات حر لها العديد من االختيارات وقادرة على تجاوز المشروطات بناء ذاتها والتحكم‬
‫في تصرفاتها ‪ ،‬وفي هذا االطار وتدعيم لكون الشخص ذات حرة يمكن استحضار تصور‬
‫الفيلسوف‪ .‬سارتر الذي يرفض أن تكون الماهية سابقة عن الوجود إلنه يعتبر أن الوجود‬
‫سابق عن الماهية أي أن اإلنسان يوجد اوال تم يصنع ما يشاء إنه مشروع يتميز بالتعالي على‬
‫عالم الطبيعة ‪ ،‬فحسب سارتر فالحرية هي ماهية اإلنسان وإنه حر حرية مطلقة وبالتالي‬
‫مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله‪.‬‬
‫من خالل ما سبق من تحليل ومناقشة لهذا الموضوع نرى ان االطروحة تراهن‬
‫على ان الشخص كائن طبيعي وخاضع لقوانين الطبيعي ومعنى ذلك انه خاضع‬
‫لضرورة اي انه ذات فاقدة للحرية وهي إشكالية معقدة يصعب الحسم فيها وتتطلب‬
‫مقاربات فلسفية متنوعة من حيث إتجاهاتها ومرجعياتها وحالتنا على نقاش فلسفي‬
‫بقي مفتوحا ‪ ،‬وقد ترأس النقاش اتجاهان االول يؤكد على ان الشخص خاضع‬
‫لمجموعة من الضرورات اي ال يمتلك حرية إختيارته وسلوكاته و ال يفعلها وفق إرادته في‬
‫حين االتجاه الثاني يؤكد على أن فالحرية هي ماهية اإلنسان وإنه حر حرية مطلقة وبالتالي‬
‫مسؤول مسؤولية كاملة عن أفعاله‪ .‬وفي ظل هذا الجدل القائم بين المواقف الفلسفية‬
‫نخلص إلى انه من جهة اولى ان ننظر للشخص على انه ذات حر قادرة على الفعل مسؤولة‬
‫عن افعالها قانونيا واخالقيا وهذه المحددات تستوجب ان يكون الشخص ذات حرة ولكن من‬
‫جهة ثانية قد ننظر اليه على أساس انه خاضعة لمجموعة من اإلكراهات والضروريات سواء‬
‫كانت اجتماعية او بيولوجيا او نفسية او ثقافية او سياسية‪ ...‬التي تحد من امكانية الشخص‬
‫وتجعله مقيد بها وهذه هي ضرورة العيش في كل مجال‪ . .‬ويبقى االشكال الذي يطرح‬
‫نفسه فاألخير ‪ :‬اذ لم نستطيع حل هذه االشكالية؟ فكيف تتحدد عالقة الشخص‬
‫بالغير ؟‬

You might also like