You are on page 1of 2

‫تصور سارتر (مرجعية فلسفية وجودية)‪.

‬‬
‫يتأطر التصور السارتري حول إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية ضمن الفلسفة‬
‫الوجودية (‪ )1‬التي تتأسس على مبدأ رئيسي هو أسبقية الوجود على الماهية (‪ )2‬ولعل المبدأ‬
‫السائد في السابق هو اإلقرار بأسبقية الماهية على الوجود‪ ،‬أي ان اإلنسان به طبيعة بشرية هي ما‬
‫يصاغ عليها اإلنسان وهي ما يتسم به كل إنسان أو يشترك في صفاتها مع غيره من البشر"‪ .‬وتأكيد‬
‫سارتر على اسبقية الوجود على الماهية يفيد أن اإلنسان يوجد أوال وال يمكن تعريفه بأي شيء ثم‬
‫يتحدد بعد ذلك ‪ -‬أي بعد وثبته نحو الوجود‪ -‬باألفعال التي يؤديها ‪ ،‬وعليه فإنه يصنع دون انقطاع‬
‫ماهيته طالما أن الحرية ‪ -‬وفق هذا المنظور السارتري‪ -‬متأصلة في الوجود البشري‪.‬‬

‫لكن هل تأكيد سارتر على حرية اإلنسان هو إنكار لإلكراهات والضغوط الممارسة عليه؟ أهو‬
‫انتصار لحرية إنسانية مطلقة؟ وإن كانت العوائق واإلكراهات "واقع ال يرتفع" فما الذي يسوغ‬
‫الحديث عن حرية إنسانية؟‬

‫إن اإلقرار بحرية اإلنسان ال يعني أن يحصل اإلنسان على ما يريد بل أن يصمم على أن يريد‪،‬‬
‫فحرية اإلنسان تضعه في مواجهة مواقف ال يملك إال أن يتخذ قرارات بشأنها (‪ )3‬في شكل فعل أي‬
‫إحداث تأثير في الواقع و بناء مشروع واعتماد وسائل لتحقيقه ‪ ،‬بصرف النظر عن نجاح وفشل المشروع‪.‬‬
‫صحيح أن الشخص قد يسلك ‪ -‬في بعض األحيان ‪ -‬كما لو كان مفتقدا للحرية في شكل هروب أو تخف‬
‫وراء ما يعفيه من تحمل المسؤولية كالقدر و الحتميات وكذا العواطف و االنفعاالت ‪ ،‬بيد أن اإليمان‬
‫بهذه األعذار الواهية و االمتثال إلغراء الهروب من الحرية يدخل اإلنسان فيما يسميه سارتر‪ ،‬سوء‬
‫الطوية‪ La mauvaise foi‬أي تجربة الكذب على الذات التي ال تخلو من حرية‪)4(.‬‬

‫إن اإلنسان ‪/‬الشخص قد ال يختار جسده وال انتماءه الجغرافي‪ ،‬كما قد يكون محاطا بحواجز‬
‫تعترض سبيل تحقيق مشاريعه المستقبلية‪ ،‬إال أن حريته تتجسد في هذا السعي إلى تجاوز ذاته‬
‫باستمرار طالما أنه ليس نتاجا لترا كمات ماضيه الطفولي وإرثه النزوي الغريزي الالشعوري (نقد‬
‫لمنظور التحليل النفسي‪ -‬انظر موقف فرويد) كما أنه ليس حصيلة للحتميات االجتماعية‬
‫واالقتصادية والتاريخية (نقد تصور دوركايم وماركس وهيجل) فاإلنسان يتحدد بحريته أي ما يريد‬
‫أن يكونه على اعتبار أنه مشروع مستقبلي ينتزع نفسه باستمرار من ماضيه وحاضره ويضفي الداللة‬
‫والمعنى على الوضعيات التي يحياها‪.‬‬
‫نخلص إلى القول – وفق المنظور السارتري‪ -‬ان اإلنسان ليس إنسانا إال بحريته إنها الخاصية‬
‫المالزمة له على نحو قسري(‪ ،)5‬خاصيةوإن كانت تسمو به عن عالم األشياء إال أنها تجعله ملتزما‬
‫ومسؤوال مسؤولية كاملة تجاه ذاته وتجاه اإلنسانية قاطبة‪.‬‬
‫‪" -1‬شددت الوجودية على حرية اإلنسان ووضعتها فوق كل المعاني األخرى فاعتمادا عليها ستتسنى له معرفة نفسه (‪)...‬فينبغي أال يفهم اإلنسان بلغة‬
‫الجواهر الساكنة‪ ،‬أو على أنه من الميسور أن يرد إلى قوانين علية تنطبق على الطبيعة برمتها (المذهب الوضعي) أو ككائن يمكن إدراجه تحت تصورات‬
‫كلية(المثالية) وهكذا يكون ما يعنيه تصور اإلنسان كوجود في الواقع هو تصوره كإمكانات أو صيرورة والمعنى الحرفي ألن "توجد" هو أن تبرز وتبزغ وتختار‬
‫وتعلو على القوى المؤثرة فيك‪ ،‬ال أن تكون مربوطا ربطا تاما بالماضي‪ ،‬فالوجود يشير إلى المس تقبل" فرانكلين باومر "الفكر األوربي الحديث ‪ :‬االتصال‬
‫والتغير في األفكار من ‪1600‬إلى ‪ "1950‬ج ‪ 4‬ص‪39‬‬

‫‪" -2‬لكن الوجودية (‪ )...‬تعلن في وضوح وجالء تامين (‪ )...‬أنه يوجد على األقل مخلوق واحد قد تواجد قبل أن تتحدد معالمه وتبين وهذا المخلوق هو‬
‫اإلنسان (‪ )...‬بمعنى أن وجوده كان سابقا على ماهيته" ج‪.‬ب سارتر‪ :‬الوجودية مذهب إنساني ص ‪15-14‬‬
‫‪ - 3‬قصة الجدار لسارتر تجسد عبر شخصياتها المركزية الثالث أن امكانية االختيار مالزمة للكائن االنساني امام كل الدوائر الجحيمية‪ ،‬فعلى الرغم من كون‬
‫وضعية هذه الشخصيات واحدة ( انتظار تطبيق االعدام فجرا) اال ان مواقفهم متباينة توزعت بين الخوف الشديد المتعلق بالطفل الصغير خوان الذي‬
‫اعتقل بدال عن أخيه الثوري‪ ،‬واالنشغال باآلخر ‪ /‬الغير من طرف طوم الثوري‪ ،‬بدل التفكير بأنانية في مصير الذات‪ ،‬أما الشخصية الثالثة المسماة بابلو‬
‫فاتسمت بالمحافظة على الهدوء ورفض الخضوع لمساومة الضباط المطالبين بالكشف عن مكان وجود الصديق رامون غري‪.‬‬
‫‪" -4‬إن كل إنسان يتخفى وراء عواطفه وانفعاالته يحملها المسؤولية كلها‪ .‬إن كل إنسان يدعي أن القدر أو الحتمية تسيطر عليه‪ ،‬كل إنسان يهرب من‬
‫حريته وال يتحمل مسؤولية اختياره كاملة كل إنسان يلقي التبعة على مختلف العوامل ‪ ،‬كل إنسان من هذا النوع هو سيء الطوية (‪ )...‬إن سوء الطوية ال‬
‫يعدو أن يكون في جوهره كذبا و خداعا ألنه يخفي حرية االلتزام الكاملة" ج‪.‬ب‪.‬سارتر‬
‫‪" -5‬إن االختيار ممكن وهو الشيء الذي ال نستطيع إال أن نفعله‪ .‬إنني أستطيع دوما أن أختار و عندما ال أختار فإنني ال أكون في الواقع إال قد اخترت أال‬
‫أختار" ج‪.‬ب‪.‬سارتر‬

You might also like