Professional Documents
Culture Documents
Wa0082.
Wa0082.
يتأطر التصور السارتري حول إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية ضمن الفلسفة
الوجودية ( )1التي تتأسس على مبدأ رئيسي هو أسبقية الوجود على الماهية ( )2ولعل المبدأ
السائد في السابق هو اإلقرار بأسبقية الماهية على الوجود ،أي ان اإلنسان به طبيعة بشرية هي ما
يصاغ عليها اإلنسان وهي ما يتسم به كل إنسان أو يشترك في صفاتها مع غيره من البشر" .وتأكيد
سارتر على اسبقية الوجود على الماهية يفيد أن اإلنسان يوجد أوال وال يمكن تعريفه بأي شيء ثم
يتحدد بعد ذلك -أي بعد وثبته نحو الوجود -باألفعال التي يؤديها ،وعليه فإنه يصنع دون انقطاع
ماهيته طالما أن الحرية -وفق هذا المنظور السارتري -متأصلة في الوجود البشري.
لكن هل تأكيد سارتر على حرية اإلنسان هو إنكار لإلكراهات والضغوط الممارسة عليه؟ أهو
انتصار لحرية إنسانية مطلقة؟ وإن كانت العوائق واإلكراهات "واقع ال يرتفع" فما الذي يسوغ
الحديث عن حرية إنسانية؟
إن اإلقرار بحرية اإلنسان ال يعني أن يحصل اإلنسان على ما يريد بل أن يصمم على أن يريد،
فحرية اإلنسان تضعه في مواجهة مواقف ال يملك إال أن يتخذ قرارات بشأنها ( )3في شكل فعل أي
إحداث تأثير في الواقع و بناء مشروع واعتماد وسائل لتحقيقه ،بصرف النظر عن نجاح وفشل المشروع.
صحيح أن الشخص قد يسلك -في بعض األحيان -كما لو كان مفتقدا للحرية في شكل هروب أو تخف
وراء ما يعفيه من تحمل المسؤولية كالقدر و الحتميات وكذا العواطف و االنفعاالت ،بيد أن اإليمان
بهذه األعذار الواهية و االمتثال إلغراء الهروب من الحرية يدخل اإلنسان فيما يسميه سارتر ،سوء
الطوية La mauvaise foiأي تجربة الكذب على الذات التي ال تخلو من حرية)4(.
إن اإلنسان /الشخص قد ال يختار جسده وال انتماءه الجغرافي ،كما قد يكون محاطا بحواجز
تعترض سبيل تحقيق مشاريعه المستقبلية ،إال أن حريته تتجسد في هذا السعي إلى تجاوز ذاته
باستمرار طالما أنه ليس نتاجا لترا كمات ماضيه الطفولي وإرثه النزوي الغريزي الالشعوري (نقد
لمنظور التحليل النفسي -انظر موقف فرويد) كما أنه ليس حصيلة للحتميات االجتماعية
واالقتصادية والتاريخية (نقد تصور دوركايم وماركس وهيجل) فاإلنسان يتحدد بحريته أي ما يريد
أن يكونه على اعتبار أنه مشروع مستقبلي ينتزع نفسه باستمرار من ماضيه وحاضره ويضفي الداللة
والمعنى على الوضعيات التي يحياها.
نخلص إلى القول – وفق المنظور السارتري -ان اإلنسان ليس إنسانا إال بحريته إنها الخاصية
المالزمة له على نحو قسري( ،)5خاصيةوإن كانت تسمو به عن عالم األشياء إال أنها تجعله ملتزما
ومسؤوال مسؤولية كاملة تجاه ذاته وتجاه اإلنسانية قاطبة.
" -1شددت الوجودية على حرية اإلنسان ووضعتها فوق كل المعاني األخرى فاعتمادا عليها ستتسنى له معرفة نفسه ()...فينبغي أال يفهم اإلنسان بلغة
الجواهر الساكنة ،أو على أنه من الميسور أن يرد إلى قوانين علية تنطبق على الطبيعة برمتها (المذهب الوضعي) أو ككائن يمكن إدراجه تحت تصورات
كلية(المثالية) وهكذا يكون ما يعنيه تصور اإلنسان كوجود في الواقع هو تصوره كإمكانات أو صيرورة والمعنى الحرفي ألن "توجد" هو أن تبرز وتبزغ وتختار
وتعلو على القوى المؤثرة فيك ،ال أن تكون مربوطا ربطا تاما بالماضي ،فالوجود يشير إلى المس تقبل" فرانكلين باومر "الفكر األوربي الحديث :االتصال
والتغير في األفكار من 1600إلى "1950ج 4ص39
" -2لكن الوجودية ( )...تعلن في وضوح وجالء تامين ( )...أنه يوجد على األقل مخلوق واحد قد تواجد قبل أن تتحدد معالمه وتبين وهذا المخلوق هو
اإلنسان ( )...بمعنى أن وجوده كان سابقا على ماهيته" ج.ب سارتر :الوجودية مذهب إنساني ص 15-14
- 3قصة الجدار لسارتر تجسد عبر شخصياتها المركزية الثالث أن امكانية االختيار مالزمة للكائن االنساني امام كل الدوائر الجحيمية ،فعلى الرغم من كون
وضعية هذه الشخصيات واحدة ( انتظار تطبيق االعدام فجرا) اال ان مواقفهم متباينة توزعت بين الخوف الشديد المتعلق بالطفل الصغير خوان الذي
اعتقل بدال عن أخيه الثوري ،واالنشغال باآلخر /الغير من طرف طوم الثوري ،بدل التفكير بأنانية في مصير الذات ،أما الشخصية الثالثة المسماة بابلو
فاتسمت بالمحافظة على الهدوء ورفض الخضوع لمساومة الضباط المطالبين بالكشف عن مكان وجود الصديق رامون غري.
" -4إن كل إنسان يتخفى وراء عواطفه وانفعاالته يحملها المسؤولية كلها .إن كل إنسان يدعي أن القدر أو الحتمية تسيطر عليه ،كل إنسان يهرب من
حريته وال يتحمل مسؤولية اختياره كاملة كل إنسان يلقي التبعة على مختلف العوامل ،كل إنسان من هذا النوع هو سيء الطوية ( )...إن سوء الطوية ال
يعدو أن يكون في جوهره كذبا و خداعا ألنه يخفي حرية االلتزام الكاملة" ج.ب.سارتر
" -5إن االختيار ممكن وهو الشيء الذي ال نستطيع إال أن نفعله .إنني أستطيع دوما أن أختار و عندما ال أختار فإنني ال أكون في الواقع إال قد اخترت أال
أختار" ج.ب.سارتر