ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺗﺄﻟﻴﻒ
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر املﺎزﻧﻲ
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
إﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر املﺎزﻧﻲ
رﻗﻢ إﻳﺪاع ٢٠١٢ / ١٥٩٩٨
ﺗﺪﻣﻚ٩٧٨ ٩٧٧ ٦٤١٦ ٨١ ٩ :
ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ﻟﻠﻨﺎﴍ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
املﺸﻬﺮة ﺑﺮﻗﻢ ٨٨٦٢ﺑﺘﺎرﻳﺦ ٢٠١٢ / ٨ / ٢٦
إن ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻏري ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ آراء املﺆﻟﻒ وأﻓﻜﺎره
وإﻧﻤﺎ ﱢ
ﻳﻌﱪ اﻟﻜﺘﺎب ﻋﻦ آراء ﻣﺆﻟﻔﻪ
٥٤ﻋﻤﺎرات اﻟﻔﺘﺢ ،ﺣﻲ اﻟﺴﻔﺎرات ،ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﴫ ،١١٤٧١اﻟﻘﺎﻫﺮة
ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
ﻓﺎﻛﺲ+ ٢٠٢ ٣٥٣٦٥٨٥٣ : ﺗﻠﻴﻔﻮن+ ٢٠٢ ٢٢٧٠٦٣٥٢ :
اﻟﱪﻳﺪ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhindawi@hindawi.org :
املﻮﻗﻊ اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲhttp://www.hindawi.org :
ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف :ﺳﻴﻠڨﻴﺎ ﻓﻮزي.
ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺼﻮرة وﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﻐﻼف ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ ملﺆﺳﺴﺔ ﻫﻨﺪاوي
ﻟﻠﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ .ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق اﻷﺧﺮى ذات اﻟﺼﻠﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻤﻞ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻠﻤﻠﻜﻴﺔ
اﻟﻌﺎﻣﺔ.
Cover Artwork and Design Copyright © 2016 Hindawi
Foundation for Education and Culture.
All other rights related to this work are in the public domain.
ﺑﻘﻠﻢ ﻃﻪ ﺣﺴني
وﻧﴩﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻔﻜﺮوا إﻻ ﰲ ﳾءٍ واﺣﺪ ،ﻫﻮ ﻧﴩ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ إن اﻟﺬﻳﻦ ﻋُ ﻨُﻮا ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻫﺬه اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ْ
ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ،ﻻ ﻳﺮﻳﺪون إﻻ أن ﻳﻘﺮأ أﺑﻨﺎء اﻟﺸﻌﻮب اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ وأن ﻳﻨﺘﻔﻌﻮا ،وأن ﺗﺪﻋُ ﻮَﻫﻢ
ﻫﺬه اﻟﻘﺮاءة إﱃ اﻻﺳﺘﺰادة ﻣﻦ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ،واﻟﻄﻤﻮح إﱃ ﺣﻴﺎ ٍة ﻋﻘﻠﻴ ٍﺔ أرﻗﻰ وأﺧﺼﺐ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة
اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺤﻴﺎﻫﺎ.
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺟﻠﺴ ُﺖ ذات ﺻﺒﺎح ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﺻﻐرية ذات ﺷﺒﱠﺎك ﻋﺮﻳﺾ ﻳ ُِﻄ ﱡﻞ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وﻫﻲ ﻏﺮﻓﺔ ْ
ﺻﻴﻔﺎ وﺷﺘﺎءً ،وﰲ وﺳﻌﻲ — وأﻧﺎ ً أوﺛﺮﻫﺎ ﰲ أول اﻟﻨﻬﺎر ﻗﺒﻞ أن ﺗَﻌْ ﻠُ َﻮ اﻟﺸﻤﺲ وﻳُ ْﺮ َﻓﻊ اﻟﻨﻬﺎر،
ﻇ ﱡﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ أُدْﻋَ ﻰ إﱃ ﻗﺎﻋﺪ ﻋﲆ اﻟﻄﺎرﻗﺔ )اﻟﻜﻨﺒﺔ( — أن أُو َِارب اﻟﺸﺒﺎك ﻓﺄرى وﻻ أُرى .وأ َ
اﻟﻄﻌﺎم أو ﻳﺄﻧﻲ أن أﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻲ أو أﺧﺮج إﱃ ﻋﻤﲇ .وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳ َِﻄﻴﺐُ ﱄ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻠﻮس ﰲ
ﴢ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ أﻳﺎم اﻹﺟﺎزات أو اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ،أو ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻜﺴﻞ واﻟﻔﺘﻮر ،وﻣﺰﻳﺘﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﰲ ُر ْﻛﻦ َﻗ ِ ﱟ
— أو اﻟﺸﻘﺔ ﻋﲆ اﻷﺻﺢ — وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،وأَﻧﱢﻲ أﻛﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺮاﻫﺐ املﻨﻘﻄﻊ
ﰲ ﺻﻮﻣﻌﺘﻪ ،ﺳﻮى أﻧﻲ ﻻ أﺗﻌﺒﺪ إﻻ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﱃ َﺧ ْﻠﻖ ﷲ ﻣﻦ اﻟﻔﺮﺟﺔ ﺑني ﻣﴫاﻋَ ﻲ اﻟﺸﺒﺎك
اﻟﺨﺸﺒﻲ؛ وﺗﺘﻌﺪد املﻨﺎﻇﺮ ﺗﺤﺖ ﻋﻴﻨﻲ ،وﺗﺘﻨﻮع وﺗﺘﻮاﱃ ﻓﺘﻌﺠﺒﻨﻲ ،ﻓﻼ أ َ ْﺷﺒَﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ ،ﻓﻠﻮ
رﻛﺒﺘﻲ — ﻓﻤﺎ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺗﺮﺑﻊ ﻟﻬﻴﺾ ﱠ ﺷﺌْ ُﺖ — أو اﺳﺘﻄﻌْ ُﺖ — ﻟﻈﻠ ْﻠ ُﺖ ﻫﻜﺬا ﺟﺎﺛﻴًﺎ ﻋﲆ
ﰲ إﺣﺪى اﻟﺴﺎﻗني — إﱃ آﺧﺮ اﻟﻌﻤﺮ ،أو إﱃ أن ﻳﺮدﱠﻧﻲ اﻟﺴﻐﺐ ﻛﺨﺎدم اﺑﻦ اﻟﺮوﻣﻲ.
وﻗﺪ أﺻﺒﺤْ ُﺖ — ﻟﻄﻮل ﻣُﻘﺎﻣﻲ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ — أَﻋْ ِﺮف ُﻛ ﱠﻞ ﻣَ ْﻦ ﻳﻘﻒ — أو ﺗﻘﻒ —
اﻟﱰام اﻧﺘﻈﺎ ًرا ﻟﻘﺪوﻣﻪ؛ وﺑﻠﻎ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن اﻷﻣﺮ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﻋﲇ ﱠ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺣني أﻟﻘﻰ ﻋﲆ رﺻﻴﻒ ﱢ
ﺑﻌﻀﻬﻢ أو ﺑﻌﻀﻬﻦ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻓﺄ َ ُﻫ ﱡﻢ ﺑﺈﻟﻘﺎء اﻟﺘﺤﻴﺔ ،وأ َ ُر ﱡد ﻧﻔﴘ ﺑﺠﻬ ٍﺪ إﻳﺜﺎ ًرا ﻟﻠﺤﻴﻄﺔ؛
ﺿ ُﺖ ﻧﻔﴘ ﻋﻠﻴﻪَ ،ﻟﻤَ ﺎ و َِﺳﻌَ ﻨِﻲ أن أﻛﺒﺢ ﻧﻔﴘ ﻋﻦ اﻟﺘﻄﻔﻞ وﻟﻮﻻ أﻧﺎة اﻋْ ﺘَ ْﺪﺗُﻬﺎ ،واﺣﺘﺸﺎم ُر ْ
ﺑﺎﻟﺘﺤﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﻮم ﻳَﺒْﺪُون ﱄ ﻣﻦ ا َملﻌَ ِﺎرف؛ وﻻ أَﺑْﺪُو ﻟﻬﻢ إﻻ ﻏﺮﻳﺒًﺎ ﺳﻤﺠً ﺎ.
وﻟﺴﺖ أﻋﺮف ﻣَ ْﻦ ﻫﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺎروا إﺧﻮاﻧًﺎ ﱄ وﻫﻢ ﻻ ﻳﺪرون ،إﻻ ﻣﺎ ﻳُﻔِﻴﺪه
اﻟﻨﻈﺮ ،ﻋﲆ أﻧﻲ وأﻧﺎ أراﻋﻴﻬﻢ ،وأﺟﻌﻞ ﺑﺎﱄ إﱃ ﺛﻴﺎﺑﻬﻢ وﻣﺒﻠﻎ ﻋﻨﺎﻳﺘﻬﻢ ﺑﻬﺎ ،وﻣﺎ أراه ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻣﻦ
ﴐوﺑﻬﺎ ،وإﱃ ﺣﺮﻛﺎﺗﻬﻢ وﻣﺸﻴﺎﺗﻬﻢ وﻃﺮﻳﻘﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﻜﻼم ،وﺷﻤﺎﺋﻠﻬﻢ وﺳﻜﻮﻧﻬﻢ أو ﺿﺠﺮﻫﻢ ُ ُ
اﻟﱰام ،أو ﺣﺎل اﻟﺰﺣﺎم ﺑﻴﻨﻬﻢ وﺑني رﻛﻮﺑﻪ ،أﻗﻮل :إﻧﻲ وأﻧﺎ أراﻗﺒﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ إذا أﺑﻄﺄ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﱢ
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻻ ﻳﺸﻌﺮون ،ﻗﺪ أ َ ﱠﻟ ْﻔ ُﺖ ﻟﻜﻞ واﺣﺪ وواﺣﺪة ﻣﻨﻬﻢ ﻗﺼﺔ ،ﻓﻠﻮ َﺳﺄ َ ْﻟﺘَﻨِﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا أو ﻫﺬه ملﺎ
ْت وأﻧﺎ أذﻛﺮ ﻟﻚ اﺳﻤﻪ أو اﺳﻤﻬﺎ اﻟﺬي اﺧﱰﺗﻪ ،وأﴎد ﻋﻠﻴﻚ ﻣﺎ أﻋﺮﻓﻪ — ﺗَ َﻠﻌْ ﺜَﻤْ ُﺖ أو ﺗَ َﺮ ﱠدد ُ
ﺗﺨﻴﻼ — ﻋﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ أو ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ .وﻟﺴﺖ أﺟﺪ ﻣَ َﺸ ﱠﻘﺔ ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ ِ
ﺣﺎل ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء، ً ﻇﻨٍّﺎ أو
ُ
وﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﻋﴪا ﺷﺪﻳﺪًا ﰲ اﺧﺘﻴﺎر اﻷﺳﻤﺎء املﻮاﻓِ ﻘﺔ ﻟﻬﻢ ،أو اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ ً وﻟﻜﻨﻲ أﺟﺪ
وﻫﻴﺌﺎﺗﻬﻢ ،وﻣﺎ ﻳﺘﺒﺪى ﱄ ﻣﻦ أﺣﻮاﻟﻬﻢ .وﻫﺬا أ َ َﺷ ﱡﻖ ﻣﺎ أﺗﻜﻠﻒ .وأراﻧﻲ أﺣﺘﺎج أﺣﻴﺎﻧًﺎ أن أﻛﺘﺐ
ﺣﺮوف اﻟﻬﺠﺎء ﻋﲆ ورﻗﺔ ،ﺛﻢ أروح أؤﻟﻒ ﻣﻨﻬﺎ اﻷﺳﻤﺎء املﻄﻠﻮﺑﺔَ ،
وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ أرﴇ ﻋﻦ اﺧﺘﻴﺎري
ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺎب .وﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ أﻧﴗ ﻣﺎ َﺳﻤﱠ ﻴ ُْﺖ ﺑﻪ ﻫﺆﻻء ،ﻓﺄ َ ِﻛ ﱡﺪ ﺧﺎﻃﺮي وأﺟﻬﺪ ذاﻛﺮﺗﻲ ﻓﺘﺨﻮﻧﻨﻲ
وﻻ ﺗﺴﻌﻔﻨﻲ .وأُﺣِ ﱡﺲ ﻛﺄن ﻫﺆﻻء ﻟﻴﺴﻮا ﺑﺄﻧﺎس ﺣﻘﻴﻘﻴني ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻢ ﻣﻦ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت اﻟﺨﻴﺎل،
ﻷﻧﻬﻢ ﻻ أﺳﻤﺎء ﻟﻬﻢ أﻋﺮﻓﻬﻢ ﺑﻬﺎ ،أو أ ُ ْ
ﻃﻠ ُِﻘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ،واملﺮء ﺑﻐري اﺳﻢ ﻻ ﻳﻜﻮن ﰲ إﺣﺴﺎس
ً
ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﻘﻠﺐ وﻧﻈﺮ اﻟﻌﻘﻞ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻓﺮد ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﺎﺳﻢ ﻳﺴﺘﻘﻞ ﺑﻪ وﻳﻨﻔﺮد،
ﻣﺎ ﺑَ َﻠ َﻐ ْﺖ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة .أ َ َﻓ َﱰى اﻷﺣﺮف ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ﰲ اﺳﻢ ﻟﻬﺎ … ﻣﺎذا؟! ﻻ
أدري ،وﻟﻜﻨﻲ أذﻛﺮ أﺑﻴﺎﺗًﺎ ﻟﻠﻌﻘﺎد ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ» :ﻛﺄس ﻋﲆ ذﻛﺮى« ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
َﻗ ﺎﺗَ َﻞ اﻟ ﻠ ﻪ ﻋ ﺪاﺗ ﻲ َﻫ ﺎ ِﺗ ﻬَ ﺎ ﺑ ﺎﺳ ﻢ ﺣ ﺒ ﻴ ﺒ ﻲ
ﻓﻲ اﺳﻤﻪ ﻣﻦ ﻋﺰﻣ ِ
ﺎت آه ﻟ ﻮ ﺗ ﻌ ﻠ ﻢ ﻣ ﺎذا
ﺎتﻏ ﻴ ﺮﻫ ﺎ ﻓ ﻲ اﻟ ﻜ ﻠ ﻤ ِ أﺗ ﺮى اﻷﺣ ﺮف ﻓ ﻴ ﻪ
ﺮار اﻟﻠﻐ ِ
ﺎت ﺾ أﺳ ِ ﺑﻌ ُ ﺗُ ﻨ ْ ِﻜ ﺮ اﻟ ﺴ ﺤ ﺮ وﻫ ﺬا
ف اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻘﺎد ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ اﻷﺧري — وﻟﻌﻠﻪ ﺳﻘﻂ ﺳﻬﻮًا — ﺣني ﻧﴩ )وﻗﺪ ﺣَ ﺬَ َ
اﻷﺟﺰاء اﻷرﺑﻌﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ دﻳﻮاﻧﻪ ﰲ ﻣﺠﻠﺪ واﺣﺪ ﺳﻨﺔ (.١٩٢٨
وﻗﺪ أﺧﺬَ ْت ﻋﻴﻨﻲ اﻟﻴﻮم ﻓﺘﺎة أ ُ َﺳﻤﱢ ﻴﻬﺎ زﻛﻴﺔ — ﻻ أدري ملﺎذا — وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺒﺪو ﻋﲆ ﺣﺎل
ْت أن أراﻫﺎ ﰲ اﻟﺸﺘﺎء املﺎﴈ ﻏري ﺣﺎﻟﻬﺎ املﺄﻟﻮف ،ﻓﺈن ﻋﻬﺪي ﺑﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﻠﻤﻴﺬة ،وﻗﺪ اﻋْ ﺘَﺪ ُ
ﺗﺮﺗﺪي زي اﻟﺘﻠﻤﻴﺬات وﺗَﺤْ ِﻤﻞ ﺣﻘﻴﺒﺔ اﻟﻜﺘﺐ ،أﻣﺎ اﻟﻴﻮم ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻠﺒﺲ اﻟﺴﻮاد وﺗﺤﻤﻞ ﰲ ﻳﺪﻫﺎ
ﻣﻠﻔﻮﻓﺎ ﰲ ﺟﺮﻳﺪة ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﺄﻧﺎ أ ُ َرﺟﱢ ﺢ أن ﻳﻜﻮن أﺑﻮﻫﺎ ﻗﺪ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ اﻟﺪار اﻷﺧﺮى. ً ﺷﻴﺌًﺎ
ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ!
وﻗﺎﺗ َﻞ ﷲ ﻫﺬه املﻨﺎﻳﺎ و َرﻣْ ﻴَﻬﺎ ﺣﺒﺎت اﻟﻘﻠﻮب ﻋﲆ ﻋﻤْ ﺪ ،أو ﻋﻔﻮًا ،ﻓﺈن اﻷﻣﺮﻳﻦ ﺳﻴﱠﺎن. َ
َت ﻋﺎ ِﺋ َﻠﻬﺎ ،وأ َ ْ
ﺻﺒَﺤَ ْﺖ ﻻ ﻗِ ﺒَ َﻞ ﻟﻬﺎ وﻗﺪ ﺗَ َﺮ َﻛﺖ املﺪرﺳﺔ — وﻻ َﺷ ﱠﻚ — ﺑﻌﺪ أن َﻓ َﻘﺪ ْ
ﺑﻨﻔﻘﺎت اﻟﺘﻌﻠﻢ .وﻣﻦ ﻳﺪري؟ ﻣﺎذا ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻠﻴﻘﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻮ ﻛﺎن ﻗﺪ أﺗﻴﺢ ﻟﻬﺎ أن ﺗُﻮ ِ
َاﺻﻞ
8
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﴎﺗِﻬﺎ — ﺗﻜﻒ ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،وﻳﺴﻮء ﺣﺎل أ ُ ْ َ ﱡ اﻟﺪرس .وﻟﻜﻦ ﻣﺘﻮﺟﻬﻬﺎ أ َ َﺧ َﺬ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻬﻲ
ﻓﺈن اﻟﺜﻮب ﻳﺒﺪو رﺛٍّﺎ — ﻓﻴﺪﻓﻌﻬﺎ ﺷﻈﻒ اﻟﻌﻴﺶ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ؛ أي :ﻧﻌﻢ اﻟﻌﻤﻞ ،ﻓﺈﻧﻲ أراﻫﺎ
اﻟﱰام رﻗﻢ ٣وﺗﺮﻛﺐ اﻵﺧﺮ اﻟﺬي رﻗﻤﻪ ،٣٣وﻫﻮ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ إﻣﺒﺎﺑﺔ ،وﻫﻨﺎك وﰲ ﺗﺼﺪف ﻋﻦ ﱢ
املﻠﻔﻒ اﻟﺬي ﺗَﺤْ ِﻤﻠﻪ ﰲ ﻳَﺪ َِﻫﺎ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﻫﺬه اﻟﻘﺮﻳﺔ ﻣﺼﺎﻧﻊ ﺷﺘﻰ ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﺬا اﻟﴚء ﱠ
ﺗﺎر ًة ،وﺗﻀﻌﻪ ﺗﺤﺖ إﺑﻄﻬﺎ ﺗﺎر ًة أﺧﺮى ،رﻏﻴﻒ وإدام ﻟﻐﺬاﺋﻬﺎ .ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ! ﺻﺎرت اﻟﺘﻠﻤﻴﺬة
ﻄﻤَ ﻊاﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺧﺼﺐ ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺶ وﻟِني ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻄ ﱠﻠﻊ إﱃ ﻣ ُْﺴﺘَ ْﻘﺒَﻞ ﺣَ َﺴﻦ ،وﺗَ ْ
وﻫﻤﱡ ﻬﺎ اﻵن أن ﺗﻜﺴﺐ ِر ْز َﻗﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣُﻌَ ﱢﻠﻤﺔ أو ﻃﺒﻴﺒﺔ أو ﻣﺤﺎﻣﻴﺔ أو ﻏري ذﻟﻚ ،ﺻﺎرت َ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ، ور ْزق أﺧﻮاﺗﻬﺎ وأﻣﻬﺎ ً ﺑﻌﺮق اﻟﺠﺒني! أأﻗﻮلِ :ر ْز َﻗﻬﺎ؟ ﻛﻼ! ﺑﻞ ِر ْزﻗﻬﺎ ِ
أﺧﺎ ﻳﺴﺘﻌني ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻴﺴري اﻟﺬي ﺗَ ْﻜ ِﺴﺒﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن اﻋﺘﻤﺎده وﻟﻌﻞ ﻟﻬﺎ ً
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﷲ ﰲ ﻛﺴﻮة اﻟﻌﻴﺪ! ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ أن ﻓﺘﺎة ﻣﴫﻳﺔ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺴﻦ اﻟﻐﻀﺔ
أﻋﴪت ﺑﻤﻮت أﺑﻴﻬﺎ؟!ْ ﴎةﺗَ ُﺴ ﱡﺪ ﻣﺴﺪ اﻟﺮﺟﺎل وﺗَﻌُ ﻮ ُل أ ُ ْ َ
و َﻛ ﱠﺮ ْت ﺑﻲ اﻟﺬاﻛﺮة — وأﻧﺎ أ ُ َﻓ ﱢﻜﺮ ﰲ ﻫﺬا — إﱃ أﻳﺎم اﻟﻄﻠﺐ واﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،وﻛﻨﺖ ﺗﻠﻤﻴﺬًا
ﰲ املﺪرﺳﺔ اﻟﺨﺪﻳﻮﻳﺔ ،وﺑﻴﺘﻲ ﰲ ﺣﻲ اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ وﻃﺮﻳﻘﻲ إﱃ املﺪرﺳﺔ وﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ درب
اﻟﺠﻤﺎﻣﻴﺰ ،وﻛﺎن ﰲ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻳﻠﻴﻨﺎ أ ُ ْﴎة ﺣﺴﻨﺔ اﻟﺤﺎل — ﻋﲆ ﺧﻼﻓﻨﺎ — ﻟﻬﺎ ﻓﺘﺎة ﺗﺘﻌﻠﻢ
اﻟﺴ ِﻨﻴﱠﺔ ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺨﺮج ﻣﺆﺗﺰرة ،وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﻘﺮاء ﻣﻦ ﻳﺬﻛﺮ »اﻟﺤﱪة« اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﰲ املﺪرﺳﺔ ﱠ
اﻟﻠﻤﺎﻋﺔ ،واﻟﻨﻘﺎب اﻷﺑﻴﺾ ،ﻓﻬﺬا ﻛﺎن ﻣﺎ ﺗﻜﺘﴘ ﺑﻪ وﺗﺴﱰ ﻓﻮق ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ،ﻛﺄن اﻟﺜﻴﺎب ﻟﻢ
ﺗﻜﻦ ﺳﱰًا ﻛﺎﻓﻴًﺎ! وﻛﺎن اﻟﺨﺎدم ﻳﺨﺮج ﻣﻌﻬﺎ وﻳﺤﻤﻞ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻜﺘﺐ واﻟﻜﺮاﺳﺎت وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ
ِﻴﻖ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ أو ﻳﺠﻮز اﻷدوات ،وﻳﻨﺘﻈﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﺑﺎب املﺪرﺳﺔ ﻋﴫًا ﻟﻴﻌﻮد ﺑﻬﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻳَﻠ ُ
ﰲ ﺣﺎل ﻣﺎ ،أن ﺗﺴري ﻓﺘﺎة ﻧﺎﻫﺪ وﺣﺪﻫﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ .ﺛﻢ ﻣﺎت أﺑﻮﻫﺎ ،وﻟﻢ ﻳ َُﺨ ﱢﻠﻒ ﻷﴎﺗﻪ
ﻏري اﻟﺪﻋﻮات اﻟﺼﺎﻟﺤﺎت أن »ﻳﺴﱰﻫﺎ« ،ﻓﻠﻢ ﺗﺘﺨﻠﻒ اﻟﻔﺘﺎة ﻋﻦ املﺪرﺳﺔ وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻄﻊ ،ﻓﻘﺪ
راﺣﺖ اﻷم ﺗﺒﻴﻊ ﺣُ ِﻠﻴﱠﻬﺎ وﺗﻨﻔﻖ ﻋﲆ ﺑﻴﺘﻬﺎ وﻓﺘﺎﺗﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ ﻋﻄﻠﺖ ،ﻓﴩﻋﺖ ﺗﺒﻴﻊ ﻣﺎ ﺑﻬﺎ ﻏﻨًﻰ
ﻋﻨﻪ ﻣﻦ أﺛﺎث اﻟﺒﻴﺖ ،ورأت أن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻓﺎﺗﺨﺬت اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ﻟﻜﺴﺐ اﻟﺮزق وﺳﺪ اﻟﺨﻠﺔ،
ﴎا ،ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ ﻳُ ْﺮ ِﺳ ْﻠ َﻦ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺜﻴﺎب ﻓﺘﻔﺼﻠﻬﺎ وﺗﺨﻴﻄﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﻌﻞ ﻫﺬا ٍّ
ﴎﻫﺎ ،وﺧ ِﻄﺒَﺖ اﻟﻔﺘﺎةُ وﺗﺮدﱡﻫﺎ ،وﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ أﺣﺪ ﺳﻮى ﺧﺎﺻﺘﻬﺎ ﻣﻤﻦ ُﻫ ﱠﻦ ﻣﻮﺿﻊ ِ ﱢ
َ
ﻓﻌَ ﺠﱠ َﻠ ْﺖ ﺑﺰواﺟﻬﺎ واﺳﱰاﺣَ ْﺖ ِﻣ ْﻦ َﻫﻤﱢ ﻬﺎ ،وﻣَ َﻀ ْﺖ ﻫﻲ ﻋﲆ ﺳﻨﻨﻬﺎ ﺗﻜﺴﺐ ِر ْزﻗﻬﺎ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ً
ﻟﻴﻼ
ﻒ ﻋﻨﻪ وﺗُ ْﺨﻔِ ﻲ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻪ إذا ﺟﺎء ﺿﻴﻒ أو زارﻫﺎ ﻋﲆ ﺿﻮء ﻣﺼﺒﺎح اﻟﺒﱰول ،وﺗَ ُﻜ ﱡ
َ
ﻣﺨﺎﻓﺔ أن ﴎ َﻫﺎ ﻋﻦ ﻫﺆﻻء اﻷﻫﻞ أﺣﺪ ﻣﻦ اﻷﻫﻞ واﻷﺻﻬﺎر .إي ﻧﻌﻢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ْﺨﻔِ ﻲ ِ ﱠ
ﻳﺄﻧﻔﻮا وﻳﺴﺘﻨﻜﻔﻮا أو ﻳﻌﻴﺒﻮا أو ﻳﺸﻬﺮوا ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻌﻴﻨﻮﻧﻬﺎ ﺑﴚء ﻣﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺎﺗﻬﺎ
9
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺼ ِﺒﺢ ﻣُﻌَ ﱢﻠﻤَ ﺔ ،وﻟﻜﻦ أﻣﻬﺎ َﻓ ﱠﻀ َﻠﺖ اﻟﺰواج ،ﱠملﺎ ﺗﻮ ﱡد أن ﺗﻮاﻇﺐ ﻋﲆ اﻟﺪرس ﺣﺘﻰ ﺗﺘﺨﺮج وﺗُ ْ
ﺟﺎء اﻟﻜﻒء ،وﻗﺎﻟﺖ :إن ﻫﺬا املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻫﻮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻜﻞ ﻓﺘﺎة ،ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻺرﺟﺎء ،ﻓﻜﺎن
ﻣﺎ أرادت.
وﻟﻜﻦ أم »زﻛﻴﺔ« — إذا ﻛﺎن ﻟﻬﺎ أم — ﺗﻘﻌﺪ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻣﺮﺗﺎﺣﺔ راﺿﻴﺔ وﺗﻘﺬف ﺑﺒﻨﺘﻬﺎ
اﻟﺼﻐرية ﻋﲆ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﻌﻤﻞ وﺗﻜ ﱠﺪ وﺗﻌﻮد إﻟﻴﻬﺎ آﺧﺮ ﻛﻞ أﺳﺒﻮع ﺑﻌﴩات ﻣﻦ اﻟﻘﺮوش ،ﻟﻌﻠﻬﺎ
ﻛﻞ ﻣﺴﻜﺔ اﻷﴎة ﻣﻦ اﻟﺮزق.
وﻋﴗ أن ﺗﻜﻮن »زﻛﻴﺔ« ﻣﻐﺘﺒﻄﺔ ﻣﺒﺘﻬﺠﺔ ،وأﻛﱪ اﻟﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ أن اﻟﻄﺮﻳﻖ
ﻏﺎص ﺑﺎملﻌﺎﻃﺐ ،وأن اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻗﺎﺳﻴﺔ ﻻ ﺗَ َﱰ ﱠَﻓﻖ ﱞ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺣَ ﱠﻮ َﻟﺘْﻬَ ﺎ ﴏوف اﻷﻳﺎم إﻟﻴﻪ
ﺑﺄﺣﺪ ،ﻓﻠﻨﺴﺄل ﷲ ﻟﻬﺎ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺻﻐرية ﻏﺮﻳﺮة.
∗∗∗
آه زﻛﻴﺔ! ﻣﺎذا ﺟﺮى؟ إﻧﻬﺎ زﻛﻴﺔ وﻻ ﺷﻚ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗَﻌْ ِﺮف أن ﻫﺬا اﺳﻤﻬﺎ ﻋﻨﺪي ،وﻗﺪ
ﺧﻠﻴﻘﺎ أن أﻧﻔﺮ وأﺳﺘﻐﺮب إذا ﺗﺒﻴﻨ ْ ُﺖ ً ﻃﻠ َِﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأدﻋﻮﻫﺎ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻷﺣﺴﺒﻨﻲ أَﻟ ِْﻔ ُﺖ أن أ ُ ْ
ﻣﻌني، أن ﻟﻬﺎ اﺳﻤً ﺎ ﻏريه ،ﻓﺈن املﺮء ﻳﺄﻟﻒ أن ﻳﻌﺮف اﻟﴚء أو اﻹﻧﺴﺎن أو اﻟﺤﻴﻮان ِﺑﺎﺳ ٍﻢ ﱠ
وﻳُﻨْﻜِﺮ أن ﻳ َْﺴﻤَ ﻌَ ﻪ ﻳُﺪْﻋَ ﻰ ﺑﻐريه ،وﻳُﺤِ ﱡﺲ أن اﻻﺳﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻻ ﻳﻮاﻓﻘﻪ ،ﻛﺄن ﻧﺮى اﻣﺮأة ﰲ
رﺟﻼ ﰲ زي اﻣﺮأة .وﻣﺎ أﻇﻦ أن ﻫﺬا إﻻ ِﻣ ْﻦ ﻓِ ﻌْ ﻞ اﻟﻌﺎدة ،وﻟﻮ أن ﻓﺘًﻰ ﻋ ﱠﻮ َد ُه زي رﺟﻞ أو ً
ﻄﺎ ﻷَﻧ ْ َﻜ َﺮ واﺳﺘﻬﺠﻦ أن ﻳﺮى ﻏريه ﻳﻘﻮل :إﻧﻪ َﻛ ْﻠﺐ. ذَوُوه أن ﻳﺪﻋﻮ اﻟﻜﻠﺐ ﻗِ ٍّ
ﻗﻠﻴﻼ .ﻧَﻌَ ﻢ ﻫﻲ زﻛﻴﺔ ِﺑ َﻘﺪﱢﻫﺎ املﻤﺸﻮق واﺣﺘﺠْ ُﺖ إﱃ ﻧﻈﺎرﺗﻲ ﻷﺳﺘﺜﺒﺖ؛ ﻓﻘﺪ ﺳﺎء ﺑﴫي ً
ووَﺟْ ِﻬﻬﺎ اﻟﺼﺎﺑﺢ ودﻳﺒﺎﺟﺘﻬﺎ املﴩﻗﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا زﻛﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻻ ﻋَ ﻬْ َﺪ ﱄ ﺑﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ
ﺾ اﻟﺼﺪر ،وﻳﺄﺧﺬ ﺑﺎملﺨﻨﻖ ،وﻳَﻌْ ِﴫ اﻟﻘﻠﺐ، َﺧ َﻠﻌَ ﺖ اﻟﺴﻮاد ،وﺣﺴﻨًﺎ َﻓﻌَ َﻠ ْﺖ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻮن ﻳ َْﻘ ِﺒ ُ
ﻴﻘﻪ ﻋﲆ ﺑﺪﻧﻪ إﻧﺴﺎن ،وﻟﻮ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ إﱄ ﱠ َﻟﻨ َ َﻔﻴْﺘُﻪ ﻣﻦ اﻷرض وأ َ َرﺣْ ُﺖ وﻣﺎ أدري ﻛﻴﻒ ﻳ ُِﻄ ُ
اﻟﻨﺎس ِﻣ ْﻦ ﺛﻘﻠ ِِﻪ وﻣﻦ ﺳﻮء ﻣﺎ ﻳﻮﺣﻲ.
َت إﱃ اﻟﻘﺪﻳﻢ اﻟﺬي َت — ﻓﻴﻤﺎ أرى — أن ﻋﺎد ْ وﻟﻴﺲ ﺛﻮﺑﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺠﺪﻳﺪ ،ﻓﻤﺎ ﻋَ ﺪ ْ
ﻃ َﺮﺣَ ﺘْ ُﻪ إﱃ ﺣني ،وأﻛﱪ ﻇﻨﻲ أن ﻫﺬا اﻟﺬي اﺗﱠ َﺨﺬَﺗْ ُﻪ اﻵن ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎن املﻠﻮن ،وﻫﻮ ِﻣ ْﻦ َ
ً
واﺳﱰﺳﺎﻻ وﺗﺠﻠﻴﺔ .وﻟﺰﻛﻴﺔ ﺻ َﻠﺢ ﻣﺎ ﻳُ ْﻠﺒَﺲ ﰲ اﻟﺤَ ﱢﺮ واﻟﻴﺒﻮﺳﺔ ،وإن ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ْﻦ ﻛﺎﻟﺤﺮﻳﺮ ِر ﱠﻗﺔ أَ ْ
ﻣﺴﱰخ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗَﺠْ ﻤَ ﻊ ﻣ َُﻘﺪﱠﻣَ ﻪ َوﺗَ ْﺮ َﻓﻌﻪ وﺗﻠﻮﻳﻪ وﺗُﺜَﺒﱢﺘﻪ ﺑﺎملﺸﺎﺑﻚ ،وﺗَ َﺪ ُع ﻣﺎ ﻋﺪاه ٍ ٌ
أﺛﻴﺚ َﺷﻌ ٌﺮ
ﻣﺴﱰﺳﻼ ﻳَﻌْ ﺒ َُﺚ ﺑﻪ اﻟﻨﺴﻴﻢ إذا ﺷﺎء ،واﻟﻴﻮم أراﻫﺎ ﻗﺪ زادت ﻓﻔ ﱠﺮﻗﺘﻪ ﻋﻦ ﺷﻤﺎل ،وأﺣﺴﺒﻬﺎ
ً
10
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻃﺎ ﻣﻦ ﺣﺒﺔ ﻻ أدري ﻣﻦ أي ﻋﺎﻃﻼ ﻓﻌَ ﱠﻠ َﻘ ْﺖ ﰲ أُذُﻧﻬﺎ ﻗﺮ ً
ً د ََﻫﻨَﺘْ ُﻪ ﺑﴚء ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻠﻤﻊ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﻌﺮﻫﺎ ﺣﻠﻴﺔ ﻋﲆ ِﺻ َﻔﺔ اﻟﻮردة ،وﻣﻦ ﻳﺪري ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﻄﻴﱠﺒَﺖ ً
أﻳﻀﺎ. ﳾء ﻫﻲ ،وﻏﺮ َز ْت ﰲ َﺷ ِ
ﺻﺪ ََﻗ ْﺖ ﻓﺮاﺳﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒُﻌْ ﺪ وﻳﺪﻧﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﺘًﻰ ﻳَ ْﻜ ُﱪﻫﺎ ﺑﺤﻮاﱄ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮات — إذا َ
— وﻫﻮ ﰲ ﻗﻤﻴﺺ أﺑﻴﺾ وﴎاوﻳﻞ إﱃ اﻟﻘﺪﻣني ،وﻻ ﳾء ﰲ رأﺳﻪ املﺘﻠﺒﺪ اﻟﺸﻌﺮ ﻛﺄﻧﻪ
ﻣﺪﻫﻮن ﺑﺎﻟﺼﺎﺑﻮن ،وﻳﺒﺘﺴﻢ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﺘﻬﻠﻞ ﻣﺤﻴﺎﻫﺎ وﻳﺸﻴﻊ ﻓﻴﻪ اﻟ ِﺒ ْﴩ ،وﺗﻨﺪﻓﻊ ﻳﻤﻨﺎﻫﺎ وﺗﻤﺘﺪ
إﻟﻴﻪ ﺗﻨﺸﺪ املﺼﺎﻓﺤﺔ واملﻼﻣﺴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻳﺪﻳﻪ ﰲ ﺟﻴﺒﻪ وﻋﻴﻨﻪ ﰲ ﻋﻴﻨﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺮى راﺣﺘﻬﺎ
املﺒﺴﻮﻃﺔ ﻓﺘﺜﻨﻲ اﻷﺻﺎﺑﻊ وﺗﺴﱰﺧﻲ اﻟﻜﻒ وﺗﻤﻴﻞ وﺗﻤﴤ ﻋﲆ ﻣﻬﻞ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺖ
اﻹﺑﻂ اﻷﻳﴪ ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎرت ﻓﺘﺎﺗﻨﺎ ﺗَﺤْ ِﻤﻞ ﺣﻘﻴﺒﺔ أو ﻣﺜﺒﺘﺔ ﺣﻤﺮاء ﺑﻠﻮن ﺣﺬاﺋﻬﺎ ،وإﻧﻬﺎ ﻟﺤﺎﺋﻠﺔ
اﻟﻠﻮن ﺳﻮداؤه ﰲ ﻣﻮاﺿﻊ ﻣﻦ أﺛﺮ اﻷﺻﺎﺑﻊ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﳾء ﺟﺪﻳﺪ ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﺨﺬه
ﻓﺘﺎﺗﻨﺎ .وأﻳﻦ ﻳﺎ ﺗُ َﺮى ذﻫﺐ اﻟﺮﻏﻴﻒ املﻠﻔﻮف ﰲ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ؟ ﻟﻌﻠﻬﺎ د ﱠَﺳﺘْﻪ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﺒﺔ،
ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﻪ ﻣﻄﻮﻳٍّﺎ أو ﻣﺸﻄﻮ ًرا ﻧﺼﻔني ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎرت زﻛﻴﺔ — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﱄ —
ﻣﻠﻔﻮﻓﺎ ﰲ ﺟﺮﻳﺪة؛ ﻷﻧﻬﺎ اﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ً ﺗﺴﺘﺤﻲ أن ﺗُ َﺮى ﺑﻐري ﺣﻘﻴﺒﺔ ،وأن ﻳُ َﺮى ﻣﻌﻬﺎ ﻏﺬاؤﻫﺎ
اﻟﱰام .ﺗُ َﺮىﻈﻬﺎ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ — وﻫﻮ أول ﻣﻦ أراه ﻳُﺤَ ﺪﱢﺛﻬﺎ ﻋﲆ رﺻﻴﻒ ﱢ — أَﻳ َْﻘ َ
ﻣﻦ ﻳﻜﻮن؟ إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ،ﻓﻘﺪ ذَ َﻫﺐَ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻛﺒﺎرﻫﻢ وﺻﻐﺎرﻫﻢ إﱃ ﻣﻌﺎﻫﺪﻫﻢ وﻣﺪارﺳﻬﻢ،
ﻓﻘﺪ ﺟﺎ َو ْزﻧَﺎ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت ﻧﻬﺎرﻧﺎ ،وﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه ﺑﺎﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ ﻃﺎﻟﺐ أو
ُ
رأﻳﺖ ﻇﻒ ذاﻫﺐ إﱃ ﻣﺪرﺳﺘﻪ أو دﻳﻮاﻧﻪ؛ واﻷرﺟﺢ أﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻣَ ﺘْﺠَ ﺮ أو ﰲ ﻣﺼﻨﻊ ،وﻟﻮ ﻣﻮ ﱠ
َﻛ ﱠﻔﻴْﻪ ﻟﻜﺎن ﻣﻦ املﺤﺘﻤﻞ أن أرى ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺎ أﺳﺘﻌني ﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﻈﻦ واﻟﺘﺨﻤني .وﻫﻮ واﻗﻒ
ً
ﺗﻤﺜﺎﻻ، ﺼﻠُﺢَ أن ﻳﻜﻮنﻛﻤﺼﺒﺎح اﻟﻨﻮر اﻟﺬي إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ،ﻓﻠﻮﻻ أن ﺷﻔﺘﻴﻪ ﺗﺘﺤﺮﻛﺎن أﺣﻴﺎﻧًﺎ َﻟ َ
ﻇﻬْ ﺮﻫﺎ ﺣﻴﻨًﺎ وﺟﺎﻧﺒﻬﺎ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻫﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﰲ ﻣﻜﺎن ،وﻻ ﺗﺰال ﺗﺘﺤﺮك وﺗﺪور وﺗُﻮﻟِﻴﻪ َ
ﺣﻴﻨًﺎ آﺧﺮ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗَﻌْ ِﺮض ﻋﻠﻴﻪ ﻗﻮاﻣﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺰال ﻳﺪﻫﺎ ﺗﺮﺗﻔﻊ إﱃ َﺷﻌﺮﻫﺎ
ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻛﺄن ﺑﻬﺎ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،وﺗﻬﻮي إﱃ ﺛﻮﺑﻬﺎ ﻓﺘﺴﻮﻳﻪ ،وﺗﺮﺗﺪ إﱃ ً ﻣﺮة ،وﺗﻠﻤﺴﻪ ً
ملﺴﺎ
ﺣﺎﺟﺒﻴﻬﺎ ﻓﺘﻤﺴﺤﻬﻤﺎ ،وﻫﻮ ﺟﺎﻣﺪ ﻻ ﻳﻌري ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا ا ْﻟﺘﻔﺎﺗًﺎ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَ ْﻔﻌَ ﻠﻪ وﻫﻲ
وﺣﺪﻫﺎ ﻗﺒﻞ إﻗﺒﺎﻟﻪ.
ﻏﺎص وﻻ ﱞ اﻟﱰام اﻟﺬي ﻻ ﻳﺠﻲء ،أو ﻳﺠﻲء وﻻ ﻳﻘﻒ ،ﻷﻧﻪ وﻃﺎل وﻗﻮﻓﻬﺎ ﰲ اﻧﺘﻈﺎر ﱢ
ُﻣﺘﱠ َﺴﻊ ﻓﻴﻪ ﻟ َِﻘﺪَم؛ ﻓﺠَ ﻌَ َﻠ ْﺖ ﻋﻴﻨﻲ ﺗﺘﺤﻮل ﻋﻨﻬﻤﺎ إﱃ ﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﺛﻢ ﺗﻌﻮد إﻟﻴﻬﻤﺎ.
ﻓﺮأﻳﺖ ﻓﺘﻴﺎت وﻧﺴﺎء أﺧﺮﻳﺎت ﰲ ﺛﻴﺎب ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ اﻟﻨﺴﺞ واﻟﻄﺮاز واﻟﺘﻔﺼﻴﻞ واﻷﻟﻮان؛ ﻓﻘﻠﺖ
ﻟﻨﻔﴘ :إن أﻛﱪ اﻟﻈﻦ أن ﻓﺘﺎﺗﻨﺎ زﻛﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﻀﺖ اﻟﺴﻮاد وارﺗﺪت ﻫﺬا اﻟﺜﻮب املﻠﻮﱠن اﻟﺰاﻫﻲ
— ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻗِ ﺪ َِﻣﻪ — إﻻ ﻣﻦ أﺟﻞ … ﺗُ َﺮى ﻣﺎ اﺳﻤﻪ؟ ﻓ ْﻠﻨ ُ َﺴﻤﱢ ﻪ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ،وﻟﻮ ﻣﻦ ﺑﺎب
11
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﺧﺎ َﻟ َﻔ ْﺖ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﺧﺎه ﰲ وﻗﻔﺘﻬﺎ إﻃﻼق اﻟﻠﻔﻆ ﻋﲆ ﺿﺪه .ا ْﻛﺘَ َﺴ ْﺖ ﻫﺬا اﻟﺜﻮب ﻣﻦ أﺟﻠﻪَ ،
ﻃ َﻠ َﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺣَ ﱠﺮ َك ﻧﻔﺴﻬﺎ أو ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﺻﺢ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺳﻜﻮن اﻟﻄﺎﺋﺮ ،ﻷﻧﻪ َ
أن ﻳﻘﻮل ﻗﺎﺋﻞ ﰲ ﻋﴫﻧﺎ ﻫﺬا :إن اﻟﺜﻴﺎب إﻧﻤﺎ ﺗُﺘﱠ َﺨﺬ ملﻨﻔﻌﺘﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ — وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺛﻴﺎب
اﻟﻨﺴﺎء — ذات ﺻﻠﺔ وﺛﻴﻘﺔ ﺑﻤﻌﺎﻧﻲ اﻟﺠﻨﺲ .واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺗُ ْﻠ ِﻬﻢ املﺮأة اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ إﱃ اﺟﺘﺬاب
رﻫﻦ ﺑﻬﺬا .وﻟﻮ َﻛ ﱠﻔﺖ املﺮأة ﻋﻦ اﺟﺘﺬاب اﻟﺮﺟﻞ، اﻟﺮﺟﻞ؛ ﻷن ﻇﻬﻮر ﺟﻴﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ْ
ﻟﺨ َﻠﺖ اﻷرض ﻣﻦ ﻧﺴﻞ ﺣﻮاء وآدم ،وﻗﺪ ﻳُ ْﺆﺛِﺮ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻫﺬا وﻳﺮاه أَوْﱃ، أو ﻋَ ﺠَ َﺰ ْت ﻋﻨﻪَ ،
وﻟﻜﻦ ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺬﻫﺒًﺎ آﺧﺮ وﺣﻜﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺧﻔﺎءﻫﺎ أو ﻏﻤﻮﺿﻬﺎ ﻻ ﻳﺠﻴﺰ
ﻟﻨﺎ أن ﻧﻨﻜﺮﻫﺎ أو ﻧﺮﻓﻀﻬﺎ ،ﻓﻤﻦ املﻔﻬﻮم — واﻟﺼﻮاب إذن — أن ﺗَﺘَﺠَ ﻤﱠ ﻞ املﺮأة ﻟﻠﺮﺟﻞ،
أو ﺗﺘﱪج ﻟﻪ ﻋﲆ ﻗﻮل اﺑﻦ اﻟﺮوﻣﻲ ،وأﺣﺴﺐ أن ﻟﻮ ﻛﺎن اﻟﻌﺮي أﺟﻤﻞ وأوﻗﻊ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ
ﻟﺘﺠ ﱠﺮدَت املﺮأة ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗُﺪ ِْرك ﺑﻐﺮﻳﺰﺗﻬﺎ اﻟﺬﻛﻴﺔ ا ُمل ْﻠ ِﻬﻤﺔ أن اﻟﺴﱰ أ َ ْﻓﺘَﻦ.
أﻣﺎ ﻣﺒﻠﻎ اﻟﺴﱰ ﻓﺮاﺟﻊ ﻓﻴﻤﺎ أرى إﱃ ﺷﻌﻮر املﺮأة اﻟﺒﺎﻃﻦ ﺑﻨﻮع إﺣﺴﺎس اﻟﺮﺟﻞ ﺑﻬﺎ،
ﻄﻨَﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳ َْﺴﻬُ ﻞ وﻣﺒﻠﻎ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ إﱃ ﺗﺤﺮﻳﻚ ﻫﺬا اﻹﺣﺴﺎس واﺳﺘﺜﺎرﺗﻪ ،و ِﻓ ْ
ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﺘﺜﺎرﺗﻪ ﻣﻨﻬﺎ .وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :إﻧﻪ ﺑﻐري اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺠﻨﴘ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ ﻫﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ
إﱃ اﻟﺜﻴﺎب وﻻ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ »املﻮدة« ،وأﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺴﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳ ُِﺼﺒْ ُﻪ ﻣَ ْﺴﺦ
أو ﺷﺬوذ ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ ،ﺧﻠﻴﻖ أن ﻳﺴﺘﻤﻠﺢ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،وﻧﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ ْ
ﻈ ِﻬﺮ
وﻣﺤﺎﺳﻨَﻪ املﺨﺘﻠﻔﺔ ،أﻣﺎ اﻟﺸﺬوذ ﻓﻴﻐﺮي ﺑﺈﻳﺜﺎر ﻣﺎ ِ ُﻛ ﱠﻞ اﻟﻈﻬﻮر وﻻ ﺗَ ْﺴ ُﱰ ُﻛ ﱠﻞ اﻟﺴﱰ اﻟﻘ ﱠﺪ
ﺛ َ ُﻘ َﻠ ْﺖ وﻃﺄة اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ.
ﻳﻜﻦ ﻳَﻌْ ِﺮ ْﻓ َﻦ »املﻮدة«
وذَ َﻛ ْﺮ ُت وأﻧﺎ أدﻳﺮ ﻫﺬا املﻌﻨﻰ ﰲ ﻧﻔﴘ أن أﻣﻬﺎﺗﻨﺎ وﺟﺪﱠاﺗﻨﺎ ﻟﻢ ﱠ
ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺮﻓﻬﺎ ﺑﻨﺎت ﻫﺬا اﻟﻌﴫ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺨﻴﺎﻃﺎت ﻳَ ْﻜﺜ ُ ْﺮ َن ﰲ زﻣﺎﻧﻬﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺛﻴﺎﺑﻬﻦ —
ني ذﻟﻚ ﻋﲆ اﻷﻛﺜﺮ ،ﻻ ﻟﻔﻘﺮ ﺑﻬﻦ ،ﻓﻘﺪ ﺼﻞ وﺗﺨﺎط ﰲ اﻟﺒﻴﻮت ،و ُﻛ ﱠﻦ ُﻫ ﱠﻦ ﻳﺘﻮ ﱠﻟ ْ َ ﰲ اﻷﻏﻠﺐ — ﺗُ َﻔ ﱠ
ﻒ وأ َ ْر َﻏ َﺪ ﻋﲆ ﻗﻠﺔ املﺎل ﻧﺴﺒﻴًﺎ؛ ﺑﻞ ﻷن ﻫﺬا ﻛﺎن املﺄﻟﻮف ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻴﺎب ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﻴﺎة أ َ َﺧ ﱠ
أ َ ْﺷﺒَﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم — ﻣﻊ اﺧﺘﻼف ﰲ اﻷﻟﻮان واﻟﺘﻔﺼﻴﻞ — ﺑﺜﻴﺎب اﻟﺮاﻫﺒﺎت واملﻤﺮﺿﺎت؛
ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻓﻀﻔﺎﺿﺔ ،إﻻ ﰲ اﻟﻨﺪرة اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ،وﻏﺎﻳﺘﻬﺎ أن ﺗﺤﺠﺐ ﻻ أن ﺗُﺒْﺪِي وﺗُ ْ ِﱪز ،إﻻ ﻣﺎ ﻻ
ﻈﻬ ًﺮا ﻟﻠﺮﻏﺒﺔ ﰲ إﻇﻬﺎر أﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﺠﺴﻢ أو إﺧﻔﺎﺋﻬﺎ، ﺣﻴﻠﺔ ﰲ ﺳﱰه .و ﱠملﺎ ﻛﺎﻧﺖ »املﻮدة« ﻣَ ْ
وﻣﺮﺟﻌﻬﺎ إﱃ اﻟﺸﻌﻮر اﻟﺠﻨﴘ ،واﻟﻔﻄﻨﺔ إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺧﻠﻴﻖ أن ﻳﺴﺘﺜريه ،ﱠملﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻜﺬا
ﻳﻜﻦ ﻳَ ْﺮ َﻏﺒْﻦ ﰲ اﺳﺘﺜﺎرة ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر ﰲ ﻓﻬﻞ ﻳﺠﻮز ﻟﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :إن أﻣﻬﺎﺗﻨﺎ وﺟَ ﺪﱠاﺗﻨﺎ ﻟﻢ ﱠ
ﻳﻌﺮﻓ َﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻮﺳ ْﻠ َﻦ إﱃ ْ ﻛﻦ ﺟﺎﻫﻼت ﻻ رﺟﺎﻟﻬﻦ ،أو ﻟﻢ ﺗ ُﻜ ْﻦ ﺑﻬﻦ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،أو ﱠ
12
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ُﻮﺳﻌْ َﻦ آﻓﺎﻗﻪ وﻳُ ْﺮﺣِ ﺒْﻨﻪ .ﻻ أدري .وﻟﻌﻞ رﺟﺎﻟﻬﻦ ،أو ﻛﻴﻒ ﻳُﻌَ ﻤﱢ ْﻘ َﻦ ﻟﻬﻢ ﺷﻌﻮرﻫﻢ ﱠ
ﺑﻬﻦ وﻳ ِ
ﻏريي ْأﻗﺪر ﻣﻨﻲ ﻋﲆ اﻻﻫﺘﺪاء إﱃ وﺟْ ﻪ اﻟﺼﻮاب.
وآن ﻟﺰﻛﻴﺔ أن ﺗﺮﻛﺐ ،ﻓﺄ َ ْﻟ َﻘ ْﺖ ﻒ ﻫﺬه املﺮةَ ، ﻏﺎﺻﺎ ﻛﺎﻟﻌﺎدة ،وﻟﻜﻨﻪ و ََﻗ َ ٍّ وأ َ ْﻗﺒَ َﻞ ﱢ
اﻟﱰام
وﺷ ْﻜﺮ؛ ﻓﺄﻣﺎ اﻷﺳﻒ ﻓﻠﻔﺮاﻗﻪ ،وأﻣﺎ اﻷﻣﻞ ﻓﺄﺣﺴﺒﻪ إﱃ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻧﻈﺮة ﻓﻴﻬﺎ أ َ َﺳﻒ وأَﻣَ ﻞ ُ
ﰲ ﻟﻘﺎﺋﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وأﻣﺎ اﻟﺸﻜﺮ ﻓﻌﲆ ﻗﺪوﻣﻪ .ﻓﻤﺎ َرﻛِﺐَ ﻣﻌﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻋﺎد أدراﺟﻪ وﻳﺪاه
ﻣﺎ زاﻟﺘﺎ ﰲ ﺟﻴﺒﻴﻪ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺟﺎء ﻟﻴﻘﻒ ﻣﻌﻬﺎ ﻫﻨﻴﻬﺔ ،ﻓﻠﻤﺎذا ﻛﺎن ﻣﻨﻪ إذن ﻫﺬا املﺠﻬﻮد؟
أﻻ ﻳﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺒﺘﺴﻢ؟ أم ﻫﻮ أدﻫﻰ ﻣﻤﺎ ﻳﺒﺪو ،وﻳﺘﻜﻠﻒ اﻟﻔﺘﻮر ﻟﻴﻐﺮﻳﻬﺎ ﺑﻪ وﺑﺎﻹﻗﺒﺎل
ﻋﻠﻴﻪ وﻟﻴﺤﺮﻣﻬﺎ ﻓﺘﻄﻠﺐ.
ﺼﻐِ ﻲ ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ .ﻟﻮ و َِﺳﻌَ ﻨِﻲ أن آﺧﺬ ﺑﻴﺪﻫﺎ َﻟ َﻔﻌَ ْﻠﺖ ،وﻟﻜﻦ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﺜﻞ ﺳﻨﱢﻬﺎ َﻗ ﱠﻠﻤﺎ ﺗُ ْ
إﻻ ملﺎ ﻳﻬﺘﻒ ﺑﻪ ﺷﺒﺎﺑﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻳﺼﻔﻪ وﻳﺼﻮره وﻳﺰﻳﻨﻪ وﻳﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻗﻠﺒﻬﺎ اﻟﻐﺮﻳﺮ املﻄﻤﱧ
إﱃ اﻟﺨري ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ.
وﺗﺴﻌَ ﺪ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺣﻈﻮظ وأرزاق وﻗ َِﺴﻢ ،وﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ .أو ﻣﻦ ﻳﺪري! ﻓﻘﺪ ﺗُﻮ ﱠَﻓﻖ ْ
ﻣﻦ أوﻟﺌﻚ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﺴﻌﻴﺪات اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳَﺘَ َﻠ ﱠﻘ ْني وﻳَﺘَ َﻘﺒﱠ ْﻠﻦ ُﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﺗﺠﻲء ﺑﻪ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﺎﻟﺮﺿﺎ
واﻟﺸﻜﺮ … ﻟﻌﻞ وﻋﴗ!
∗∗∗
ﷲ ﻳﻠﻌﻨﻚ ﻳﺎ ﺷﻴﺦ! أﻣﺎ إﻧﻚ وﷲ ﻟﺨﺒﻴﺚ داﻫﻴﺔ ﻋﲆ ِﺻ َﻐﺮ ِﺳﻨﱢﻚ وﻏﻀﺎﺿﺘﻚ! ﺗﺠﻲء وﻋﲆ
ذراﻋﻚ ﻓﺘﺎة ﻣﻠﻴﺤﺔ ﻣﻨﻈﺮﻳﺔ ،ﺛﻢ ﻻ ﻳﺮﺿﻴﻚ إﻻ أن ﺗﻤﴤ ﺑﻬﺎ إﱃ ﺣﻴﺚ زﻛﻴﺔ واﻗﻔﺔ ﻋﲆ
اﻟﱰام ،وﺗﺒﺴﻂ ﻳﺪك وﺗﺤﺮك ﺷﻔﺘﻴﻚ ﻛﺄﻧﻚ ﺗﻘﻮل» :ﺻﺒﺎح اﻟﺨري« ،وﰲ ﻋﻴﻨﻴﻚ رﺻﻴﻒ ﱢ
— اﻟﻴﻮم — وﻣﻴﺾ اﻟ ِﺒ ْﴩ واﻟﴪور؟ وزﻛﻴﺔ ﺻﻐرية ﻏﺮﻳﺮة ،و ُﻛﻨ ْ ُﺖ أراﻫﺎ إﱃ اﻷﻣﺲ
اﻟﺪاﺑﺮ ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ إﻟﻴﻚَ ،ﻓ ِﺮﺣَ ﺔ ﺑﻚ ،وﻟﻜﻨﻚ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﺗﻔﺎﺟﺌﻬﺎ ﺑﻬﺬه اﻟﻔﺘﺎة ﻋﲆ ذراﻋﻚ،
ﴩ ُق ﺑﻪ دﻳﺒﺎﺟﺔ وﺟﻬﻚ ،ﻓﺘﻜﺎد ﺗﺸﻬﻖ املﺴﻜﻴﻨﺔ ،ﻓﻤﺎ ﺗَﻌَ ﱠﻠﻤَ ْﺖ وﺗﻔﺠﻌﻬﺎ ﺑﻬﺬا اﻟﴪور اﻟﺬي ﺗُ ْ ِ
ﻒ اﻹﻏﻀﺎء ،وﺗَ ْﻜﺘُﻢ ﻣﺎ ﻳﺘﺤﺮك ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻐرية وﻳ َُﺸ ﱡﻜﻬﺎ وﻳَﺨِ ُﺰﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ ﰲ أن ﺗَﺘَ َﻜ ﱠﻠ َ
ﻗﻠﺒﻬﺎ وﺟﺒﻴﻨﻬﺎ ،وﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﻟﻮﻧﻬﺎ »إﱃ ﺻﻔﺮة اﻟﺠﺎدي ﻋﻦ ﺣﻤﺮة اﻟﻮرد« وﺗﺨﺘﻠﺞ ﺷﻔﺘﺎﻫﺎ
اﺧﺘﻼﺟً ﺎ ﺑَﻴﱢﻨًﺎ وﻫﻲ ﺗُﺠَ ﺎﻫِ ﺪ أن ﺗُﺘَﻤْ ﺘِﻢ ﺑﻤﺎ ﻻ أﺣﺴﺒﻚ َﺳ ِﻤﻌْ ﺘَﻪ ِﻣ ْﻦ َر ﱢد اﻟﺘﺤﻴﺔ.
وﻳ َُﻀﺎﻋِ ﻒ أ َ َﻟ َﻢ زﻛﻴﺔ أﻧﻲ أراﻫﺎ اﻟﻴﻮم ﻋُ ِﻨﻴ َْﺖ ﺑﺘﻨﺴﻴﻖ َﺷﻌْ ﺮﻫﺎ ﻋﲆ ﻧﺴﻖ ﺟﺪﻳﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ
ﺼﺘَﻬﺎ و َﻟﻤﱠ ﺘْﻬﺎ ،وﻏﺮ َز ْت ﻓﻴﻬﺎ أﻳﻀﺎ ،وﺟَ ﻤَ ﻌَ ْﺖ ُﻗ ﱠ
ﺗُ َﻔ ﱢﺮﻗﻪ ﻋﻦ ﺷﻤﺎل ،ﻓﺰادت وﻓ ﱠﺮ َﻗﺘْﻪ ﻋﻦ ﻳﻤني ً
ﺼ َﻠ ُﻪ اﻟﻔﻴﻨﺎﻧﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ِﻣ ْﻦ َﻗﺒْ ُﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻋﲆ ﺻﻔﺔ اﻟﻮردة ،وﺿﻤﱠ ْﺖ ُﺧ َ
13
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
أﻳﻀﺎ ﺑﻬﻨﺪاﻣﻬﺎ ،ﺗﺮﺗﺪي ﺛﻮﺑًﺎ ﻄﺘْﻬﺎ ﺑﴩﻳﻂ أرﺟﻮاﻧﻲ .وأراﻫﺎ اﻟﻴﻮم ﻣﻌﻨﻴﺔ ً ﻣﺴﱰﺳﻠﺔ ،ورﺑ َ َ
ﻣﻦ ﻗﻄﻌﺘني؛ واﺣﺪة ﻣﻦ ﺧﺰ رﻗﻴﻖ أﺑﻴﺾ ﻛﺎﻟﻘﻤﻴﺺ ﻻ ﻳﺘﺠﺎوز اﻟﺨﴫ ،واﻷﺧﺮى ﺗﺒﺪأ ﻣﻦ
ﺣﻴﺚ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺗﻠﻚ ،وﺗﺸﺘﻤﻞ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺴﺎﻗني ،وﻫﻲ ﻣﻦ ﻗﻄﻦ وﻓﻴﻪ ﺧﻄﻮط ﺑﻴﺾ وﺣﻤﺮ.
وﻛﺎﻧﺖ وﻫﻲ واﻗﻔﺔ ﺗﺘﻠﻔﺖ وﻳﱰﻗﺮق ﻣﺎء اﻟﺸﺒﺎب ﰲ ﻣﺤﻴﱠﺎﻫﺎ اﻟﻨﻀري ،وﺗﺨﴙ — ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ
اﻟﱰام ﻗﺒﻞ أن ﺗُ ْﻘ ِﺒﻞ أﻧﺖ ،ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ا ْﻟﺘ َِﻔﺎﺗَﺎﺗُﻬﺎ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻤﺎ ﻳﴚ ﺑﺎﻻﺿﻄﺮاب — أن ﻳ ُْﻘ ِﺒﻞ ﱢ
واﻟﻘ َﻠﻖ ،وﺗﺮﺟﻮ — ﺣني ﺗﺮاك وﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﻚ ،وﺗﻠﻤﺲ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وﺷﻌﺮﻫﺎ — أن ﻳُ ْﻠ ِﻬﻤَ ﻚ ﷲ أن
ﴪﻫﺎ ﺑﺜﻨﺎء ﻋﲆ ﻫﻨﺪاﻣﻬﺎ وزﻳﻨﺘﻬﺎ وذوﻗﻬﺎ ،وإذا ﺑﻚ ﺗﺠﻲء ﺑﻔﺘﺎة ﻋﲆ ذراﻋﻚ! ﺗَ ْﻔﺘَﺢَ َﻓﻤَ َﻚ وﺗَ ُ ﱠ
وﻟﻮ اﻛﺘﻔﻴﺖ ﻣﻦ ﺗﺨﻴﻴﺐ أﻣﻠﻬﺎ ﺑﺈﻫﻤﺎل اﻟﺜﻨﺎء ﻋﲆ زﻳﻨﺘﻬﺎ ﻟﻚ ،أو إﺑﺪاء اﻹﻋﺠﺎب ﺑﺤﺴﻨﻬﺎ،
ﻟﺘَﻌَ ﱠﺰ ْت ﺑﺄن اﻟﺮﺟﺎل ﻫﻜﺬا أﺑﺪًا ،ﻋُ ﻤْ ٌﻲ أو ﺑُ َﻠﺪَاء أو ﺟﻬﻼء ،ﻻ ﻳُﺒ ِْﴫون ،وﻻ ﻳ َْﻔ ِﻄﻨُﻮن إﱃ
ﺑﻮاﻋﺚ املﺮأة ﻋﲆ اﻟﺘﺰﻳﻦ ،وﻻ ﻳﺪرون أن ﻫﺬا اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ ِﻣ ْﻠﺤُ ﻬﺎ وﺧﺒﺰﻫﺎ.
ِ
ﻣﺴﺘﺤﺴﻨﺔ ﺛﻢ ﻣَ ْﻦ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة ا َمل ﱠﺰاﺣﺔ ا ُمل َﻼﻋِ ﺒﺔ اﻟﻀﺎﺣﻜﺔ؟ ﻻ أرى زﻛﻴﺔ راﺿﻴﺔ ﻋﻨﻬﺎ أو
ﻟﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﺷﺰ ًرا وﺗَ ْﺰﻟِ ُﻘﻬﺎ ﺑﺒﴫﻫﺎ ،وﺗﻘﻴﺴﻬﺎ ِﻣ ْﻦ ﻓﺮﻋﻬﺎ إﱃ ﻗﺪﻣﻬﺎ ،ﺛﻢ ﺗُﻌْ ِﺮض
ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺗﺄﻧﻒ أن ﺗﺮاﻫﺎ.
واﻟﺒﻼء أن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻛﺜري ا َمل َﺮح ﰲ ﻫﺬا اﻟﺼﺒﺎح ﻋﲆ ﺧﻼف ﻋﺎدﺗﻪ ،وﻫﻮ ﺑﺎدي
ْت ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺈن اﻟﺤﻔﺎوة ﺑﺼﺎﺣﺒﺘﻪ اﻟﺠﺪﻳﺪة واﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻴﻬﺎ واﻟﻀﺤﻚ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻓﺈذا ُﻛﻨ ْ ُﺖ ﻗﺪ دَﻋَ ﻮ ُ
ﱄ اﻟﻌﺬر ،وﻣﺎ َﻓﻌَ ْﻠ ُﺖ ذﻟﻚ إﻻ ﺑﻠﺴﺎن زﻛﻴﺔ .وﻋﲆ أﻧﻲ ﻻ أﻇﻦ أن اﻟﻠﻌﻨﺔ ﺗﻨﻘﺼﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻳﺨﺪﻋﻨﻲ
ﻫﺬا اﻟﻘﻤﻴﺺ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻨﻈﻴﻒ ،وإﻧﻲ ﻷﺳﺘﻄﻴﻊ أن أرى — ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ — وﴐ زﻳﺖ
أو ﺷﺤﻢ ﻋﲆ إﺣﺪى ﺳﺎﻗﻲ اﻟﴪاوﻳﻞ ﻓﻮق ﻣﻮﺿﻊ املﻔﺼﻞ ،ﻓﺄﻛﱪ اﻟﻈﻦ أن ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ﺻﺎﻧﻊ
ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ إﺻﻼح اﻟﺴﻴﺎرات .واﻷرﺟﺢ أﻧﻪ ﺧﺮاط أو ﺣﺪاد ،ﻓﺈن ﻳﺪه ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ إﱃ
اﻟﺮﺳﻎ ،وﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن ﺣَ ﱡﺪ املﺨﺮﻃﺔ ﻗﺪ ﺟَ َﺮﺣَ ﻬﺎ أو و ََﻗﻌَ ْﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ املﻄﺮﻗﺔ.
واﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺴﻢ ﰲ ذﻫﻨﻲ ﻟﻌﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻫﻲ أﻧﻪ ﻳﺘﻴﻢ — أﻋﻨﻲ أن أﻣﻪ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﺖ
ﻋﻨﻪ — وﻳَ ْﻜ ُﱪ ﰲ وﻫﻤﻲ أن أﺑﺎه ﺗَ َﺰوﱠجَ أ ُ ْﺧﺘَﻬﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ ،ﻓﻌﺒﺪ املﻨﻌﻢ وأﺧﺘﻪ — ﻓﺈﻧﻲ أﺗﺨﻴﻞ
ﻟﻪ أﺧﺘًﺎ أﺻﻐﺮ ﻣﻨﻪ ﺳﻨٍّﺎ — ﻳﻌﻴﺸﺎن ﻣﻊ أﺑﻴﻬﻤﺎ وﺧﺎﻟﺘﻬﻤﺎ .وﺟﺎءت اﻟﺤﺮب ﻓﺄَﻳ َ َ
ْﴪ اﻟﺮﺟ ُﻞ
ﻄ ﱠﻠ َﻖ املﺴﻜﻴﻨﺔ واﺗﺨﺬ زوﺟﺔ ﻗﻠﻴﻼ وأ َ ْﻟ َﻔﻰ ﻧ َ ْﻔ َﺴﻪ ذا ٍ
وﻓﺮ »ﻧ ِْﺴ ِﺒ ﱟﻲ« ﻟﻢ ﻳَﻌْ ﻬَ ْﺪ ُه ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ،ﻓ َ ً
ﻄ ﱠﻠﻘﺔ ،واﻛﺘﻔﻰ ﺑﺄن ﻳﺒﻌﺚ إﻟﻴﻬﻢ ني ،وﺗﺮك وﻟﺪﻳﻪ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻟﺔ ا ُمل َ أﺧﺮى أﺻﺒﻰ وأﻧﻌﻢ وأ ْﻟ َ َ
ﺑﻨﺼﻒ رﻳﺎل ﰲ اﻟﻴﻮم ،ﻓﻬﻢ ﰲ ﺷﺪة ﻣﻦ اﻟﻌﻴﺶ ،ﻓﺎﺿﻄﺮ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ أن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻴﺪﻳﻪ
ﻓﺘﺨﻔﻒ ﻣﺎ ُﻫ ْﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﱢ ﻟﻜﺴﺐ ِر ْز ٍق آﺧﺮ؛ ﺳﺒﻌﺔ ﻗﺮوش أو ﻧﺤﻮﻫﺎ ﺗﻀﺎف إﱃ اﻟﻌﴩة
ﺿﻨﻮﻛﺔ .أﻣﺎ اﻷﺧﺖ ﻓﺒﻌﺜﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ ﺧﻴﺎﻃﺔ ﺗﺘﻌﻠﻢ ،وﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن ﺗﻜﺴﺐ ﺷﻴﺌًﺎ
14
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻳﻌني اﻷﴎة ﻋﲆ اﻟﻌﻴﺶ .وﻟﻌﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﺰال ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻴﺎﻃﺔ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻢ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﺈن اﻟﺨﻴﺎﻃﺎت
ﺿﻨﻴﻨﺎت ﻋﲆ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ،وﻋﴗ أن ﺗﻜﻮن ُﻛ ﱡﻞ ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻌﻪ ﻫﺬه اﻷﺧﺖ اﻟﺼﻐرية ﻫﻮ أن
ﺗﺨﺮج ﻟﻘﻀﺎء اﻟﺤﺎﺟﺎت؛ ﺗﺸﱰي اﻟﻠﺤﻢ واﻟﺨﴬ ﻟﻠﺨﻴﺎﻃﺔ واﻟﺒﻠﺢ ﺣني ﻳَ ُﻤ ﱡﺮ ﺑﺎﺋﻌﻪ ،وﺗﺬﻫﺐ
ﺑﺎﻟﺜﻴﺎب ا َملﺨِ ﻴﻄﺔ إﱃ اﻟﻜﻮﱠاء وﺗﻌﻮد ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻛﻴﱢﻬﺎ ،وﻻ ﺗﺰال ﻃﻮال ﻧﻬﺎرﻫﺎ ﻃﺎﻟﻌﺔ ﻧﺎزﻟﺔ،
داﺧﻠﺔ ﺧﺎرﺟﺔ ،ﺗُﺤَ ﺎدِ ث وﺗُ َﻀﺎﺣِ ﻚ ﻣﻦ ﺗﻠﻘﻰ ِﻣ ْﻦ َﺧﺪَم اﻟﺴﻜﺎن ،وﻳُﻤَ ِﺎزﺣﻬﺎ — وﻗﺪ ﻳ َُﻐ ِﺎزﻟﻬﺎ
— ﻏﻼم اﻟﻜﻮﱠاء أو اﻟﺠﺰار أو ﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ أﺻﺤﺎب اﻟﺪﻛﺎﻛني اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺎدت أن ﺗﺬﻫﺐ إﻟﻴﻬﺎ،
ﻄﻠُﺒﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﻠﻢ وﺗﻘﻒ ﰲ ﻣﻮﻋﺪ اﻻﻧﴫاف أو اﻟﻘﺪوم ﻣﻊ زﻣﻴﻼﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳَ ْ
أو اﻟﻔﻦ ،ﻓﺘﻘﺺ ﻛﻞ واﺣﺪة ﻣﻨﻬﻦ ﻋﲆ اﻷﺧﺮﻳﺎت ﻣﺎ ﺗﺮى أن ﺗﺒﻴﺤﻬﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺎرﺑﻬﺎ ،وﻛﻴﻒ
ﻃﻌَ ﻤَ ﻬﺎ ،وﺑﻤﺎذا ﻛﺎن ﻳﻮﺷﻚ أن ذَ َﻫﺒ َْﺖ إﱃ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻣﻊ ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻬﺎ ،وﺑﻤﺎذا أ َ ْﻛ َﺮﻣَ ﻬﺎ ،وﻣﺎذا أ َ ْ
ﻳَﻬُ ﻢﱠ .وﻳﺘﺒﺎ َد ْﻟ َﻦ اﻷﺧﺒﺎر؛ أﺧﺒﺎر املﻌﺎرف واﻟﺠريان وﺳﻜﺎن اﻟﻌﻤﺎرة وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻳ ََﻘ ُﻊ ﻟﻬﻦ
ﻄﻦ ﺑﺬﻛﺮ اﻟﺴﻴﺪات واﻷواﻧﺲ ني ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻳَ ْﻠ َﻐ ْ ﳾء ﻋﻨﻪ ،وﻳ َْﻐﺘَﺒ َْﻦ ﻣﻌﻠﻤﺘﻬﻦ ،وﻳﺬﻣُﻤْ ﻨﻬﺎ أو ﻳُﺜ ْ ِﻨ َ
ﺼ ْﻠ َﻦ ﺛﻴﺎﺑﻬﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﻌﻠﻤﺘﻬﻦ … وﻫﻜﺬا إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ — إن ﻛﺎن ﻟﻪ آﺧﺮ ﻳُﻌْ َﺮف. اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻳ َُﻔ ﱢ
وﻟﻨﺴ ﱢﻢ ﻫﺬه اﻷﺧﺖ — اﻟﺘﻲ ﻻ أﻋﺮف أن ﻟﻬﺎ وﺟﻮدًا — ﻓﺘﺤﻴﺔ .وﺑﻌﺪ ﻋﺎ ٍم أو ﻋﺎﻣني
ﻃﻼﻋً ﺎف ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﻣﻨﻲ وﻣﻨﻚ ،وأَﺣْ َﺴ َﻦ ا ﱢ ﺼ ِﺒﺢ ﻓﺘﺤﻴﺔ أَﻋْ َﺮ َ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ﰲ ﻫﺬه املﺪرﺳﺔ ﺗُ ْ
ﻋﲆ ﺑﻮاﻃﻨﻬﺎ وﺧﻔﺎﻳﺎﻫﺎ ،وأﺟﺮأ — ِﻣ ْﻦ أَﺟْ ِﻞ ذﻟﻚ — ﻋﲆ املﻐﺎﻣﺮة ﻓﻴﻬﺎ ،وأﺷﺪ اﺳﺘﻬﺎﻧﺔ
ﺑﻌﻘﺒﻰ اﻻﺟﱰاء ،وأﴎع اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻺﻏﺮاء.
اﻟﱰام ،واﻛﺘﻔﺖ ﻣﻦ ﺗﻮدﻳﻊ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑﻬﺰة رأس ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻻ ﺗﻜﺎد ﺗُ ْﻠﻤَ ﺢ، ورﻛﺒﺖ زﻛﻴﺔ ﱢ
ﻓﻠﻮﻻ أن ﻋَ ﻴْﻨِﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ ملﺎ ﺗَﺒَﻴﱠﻨ ْ ُﺖ أﻧﻬﺎ َﻫ ﱠﺰ ْت رأﺳﻬﺎ ،وﻟﻴﺖ ﻣﻦ ﻳﺪري ﻛﻴﻒ ﺗﺰاول ﻋﻤﻠﻬﺎ ﰲ
ﺻ ْﱪ رﺋﻴﺴﻬﺎ أو رﺋﻴﺴﺘﻬﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻫﺬا! وإﱃ أي ﺣﺪ ﺗﺨﻠﻂ وﺗﻐﻠﻂ ،وﻣﺎذا ﻳﺒﻠﻎ ِﻣ ْﻦ َ
وﺣﻠﻤﻬﺎ ﻣﻌﻬﺎ! وﻗﺎﺗَ َﻞ ﷲ اﻟﻐرية ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﻼء وداء ﻋﻴﺎء ،وﺳﺨﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﺑَﻌْ ﺪَﻫﺎ ﺳﺨﺎﻓﺔ —
ﰲ ﻧﻈﺮ اﻟﻌﻘﻞ — أﻣﺎ ﰲ إﺣﺴﺎس اﻟﻘﻠﺐ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﺮف — أﺣﺮ ﻧﺎر اﻟﺠﺤﻴﻢ أﺑﺮدﻫﺎ —
ﻋﲆ ﺣﺪ ﻗﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ ،وﻣﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أﺣﺪ أن ﻳﻘﻬﺮﻫﺎ إﻻ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﺸﺎﻗﺔ .وإﻧﻲ ﻷﻛﻮن
ﴍﻫﺎ ،وﻟﻜﻲ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أزﻋﻢ أﻧﻲ اﺳﺘﻄﻌﺖ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻛﺎذﺑًﺎ إذا زﻋﻤﺖ أن ﷲ وﻗﺎﻧﻲ َ ﱠ
آن ﻣﻌً ﺎ، ﻄﻒ ﻣﻦ ﺳﻮرﺗﻬﺎ ﰲ ٍ املﻌﺘﻤﺪة ﻋﲆ اﻟﻌﻘﻞ أن أ َ ْﻛﺘُﻤَ ﻬﺎ وأَﺣْ ﺠُ ﺒﻬﺎ وأ ُ َﻟ ﱢِ وﺑﺘﻐﻠﻴﺐ اﻹرادة
ﺧﻠﻴﻘﺎ أنً َﴪ ﱄ ﻣﺎ ﻛﺎن — ﻟﻮﻻ ذﻟﻚ — راﺣﺔ ،وﻳ ﱠ َ ً أﻳﻀﺎ ﺧﻼﻓﻬﺎ ،ﻓﺄﻓﺎدﻧﻲ ﻫﺬا ﻇ ِﻬﺮ ً وأن أ ُ ْ
ﻳﻜﻮن ﻋﺴريًا ،وأﺑﻘﻰ زﻣﺎﻣﻲ ﺑﻴﺪي.
15
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ْت إﻟﻴﻪ َ
وﻓﺘَﺤْ ﺘُﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ،واﻟﻜﻼم ﻓﻴﻪ ﻳﻄﻮل ﻓﻴَﺤْ ُﺴ ُﻦ وﻫﺬا ﺑﺎب ﰲ اﻟﻘﻮل اﺳﺘﻄﺮد ُ
أن أ ُ ْر ِﺟﺌَﻪ.
∗∗∗
ﺻﺎر أَﻣْ ﺮ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ أَﻋْ َﻘ َﺪ ﻣﻦ أن ﺗُ ْﻐﻨِﻲ ﰲ ﺣَ ﱢﻠﻪ ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬة ،وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﺮﺻﺪ
ْت أرى زﻛﻴﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﺧرية ،ﻓﻤﺎذا ﺻﻨﻊ ﷲ ﺑﻬﺎ ﻳﺎ ﺗﺮى؟ ﺣﻠﻮان .ﻓﻤﺎ ﻋُ ﺪ ُ
أﻫﻲ »ﻣﺮﻳﻀﺔ ﺣﺒٍّﺎ« ،أم ﻣﺰﻛﻮﻣﺔ ،أم َﻏ ﱠري َْت ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ﻟﺘُﻌْ ﻔِ ﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻣﻦ رؤﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ
اﻟﻐﺎدر ،اﻟﺬي ﻻ ﻳﺰال ﻳﺠﻲء ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﻔﺘﺎة ﺑﺎرﻋﺔ اﻟﺤﺴﻦ ﻋﲆ ذراﻋﻪ؟ أم ﺗَ َﺮ َﻛ ْﺖ ﻋﻤﻠﻬﺎ إﱃ
ﱠ
واﻧﺸﻘ ْﺖ ﺻﻨَﻌَ ْﺖ إذْ ﺗَ َﺨ ﱠﻠ َﻔﺖ اﻟﻴﻮم ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ،ﻓﻠﻮ أﻧﻬﺎ َرأ َ ْت ﻣﺎ أرى ﻟ َ
ﻄ ﱠﻘ ْﺖ ﺳﻮاه؟! وﺣﺴﻨًﺎ َ
ﻣﺮارﺗﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻐرية واﻟﻜﻤﺪ .ﻓﺈن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ اﻟﻴﻮم ﻣﺨﻠﻮق ﺟﺪﻳﺪ ﻻ ﻋَ ﻬْ َﺪ ﱄ ﺑﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻟﻘﺪ
ا ْرﺗَﺒ ُْﺖ ﰲ ِﺻﺪْق ﻓﺮاﺳﺘﻲ ،ﻓﻤَ ْﻦ ﱄ ﺑﻤﻦ ﻳﻌﻴﻨﻨﻲ ﻋﲆ اﻟﺘﻮﺟﺲ ﻋﻦ أﺧﺒﺎره ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺤريﻧﻲ.
ﻣﻦ أﻳﻦ ﺟﺎء ﺑﻬﺬه اﻟﺒﺬﻟﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ؟ ذَ َﻫﺐَ اﻟﻘﻤﻴﺺ اﻷﺑﻴﺾ وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺮ ﺑﻞ
ﻃ َﺮحَ اﻟﴪوال املﻠﻮث ﺑﺎﻟﺰﻳﺖ واﻟﺸﺤﻢ ،وﻫﺬا ﺛﻮب ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺻﻮف ﻻ ﻳﻘﻞ ﺛَﻤَ ُﻦ ﻗﻄﻦ ،و َ
ﻴﻖ وﻻ ﺳﻌﺔ ،وﻟﻮﻻ ﺼﻞ ﻋﲆ ﻗﺪه ،ﻓﻼ ِﺿ َ املﱰ ﻣﻨﻪ ﰲ أﻳﺎﻣﻨﺎ ﻫﺬه ﻋﻦ ﺛﻼﺛﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ،وﻫﻮ ﻣ َُﻔ ﱠ
أﻳﻀﺎ ﻏري ﻗﺪﻳﻢ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ َﻟ ُﻘ ْﻠ ُﺖ اﺳﺘﻌﺎره ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻪ ،وﻫﺬا اﻟﺤﺬاء اﻷﺳﻮد اﻟﻼﻣﻊ ﻳﺒﺪو ﱄ ً
ﺗﺜﻦ ﻣﻦ أَﺛ َ ِﺮ املﴚ ،وﻫﺬا اﻟﻨﻌﻞ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻟﻄﻴﻔﺔ ﻛﻬﻴﺌﺔ اﻟﻠﺴﺎن ،واﻟﺠﻠﺪ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻪ ﺗﺠﻌﱡ ﺪ أو ﱟ
أﻳﻀﺎ ﺛﻤﻴﻨﺔ ،ﻓﺄﻧﻰ ﻟﻪ ﻫﺬا ﻄﻂ اﻟﱪﱠاق ﻻ أﺷﻚ ﰲ أﻧﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ ،واﻟﺮﺑﻄﺔ ً اﻟﻘﻤﻴﺺ املﺨ ﱠ
اﻟﴩَط ،أم أَﻣﱠ ﻠُﻮا ث ﻛﺎرﻧﻴﺠﻲ وروﻛﻔﻠﺮ ﻣﻌً ﺎ؟! أم ﻫﻮ ﻣُﻬَ ﱢﺮب ﻣﺨﺪرات َﻏ َﻔ َﻞ ﻋﻨﻪ ﱡ ﻛﻠﻪ؟ أَو َِر َ
ﻟﻪ ﻟﻴﺨﺪﻋﻮه وﻳﻮﻗﻌﻮه ﰲ ﺣﺒﺎﺋﻠﻬﻢ؟!
أﻳﻀﺎ؟ إﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻪ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم وﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺎ ﺣﻜﺎﻳﺘﻬﺎ ً
ﻄ ْﺖ ﻋﻠﻴﻪ زﻛﻴﺔ وﺗَ َﺮ َﻛﺘْﻬﺎ ﻣﺤﻨﻘﺔ ﺗﺘﻘﻲ — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ — أن ﺗﻠﻘﺎه ﻣﺮة أﺧﺮى، وأﺳﺨ َ
وﻫﻲ — أي اﻟﺠﺪﻳﺪة — ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺔ أﺧﺮى ،وﻛﺄﻧﻲ ﺑﻬﺎ ﻣﻌﻠﻤﺔ أو ﻃﺒﻴﺒﺔ أو ﳾء ﻣﻦ
ﻟﺘﻮﻗ ًﺮا واﻋﺘﺰا ًزا ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إﻗﺒﺎﻟﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ وﺑﺸﺎﺷﺘﻬﺎ ﻟﻪ ﻫﺬا اﻟﻘﺒﻴﻞ ،ﻓﺈن ﻓﻴﻬﺎ ﱡ
وأُﻧْﺴﻬﺎ ﺑﻪ ،وﺗﻨﺎوُﻟﻬﺎ أﺻﺎﺑﻊ ﻳﴪاه ﺧﻔﻴﺔ وﻓ ْﺮﻛﻬﺎ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻬﺎ واﻟﻀﺤﻚ إﻟﻴﻪ ﺑﻌﻴﻨﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ
ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ وﺗﺤﺴﺐ أن ﻻ أﺣﺪ ﻳﺮاﻫﺎ ،وﻻ ﺗﺪري أﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺻﺪي ﻫﺬا أرﻗﺐ ﻛﻞ ﻗﻤﺮ ﻃﺎﻟﻊ
ﻣﻦ َﻓ َﻠﻚ »املﻴﺪان«.
أﻳﻀﺎ ﻧﻔﻴﺴﺔ ﻧﺎﻋﻤﺔ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ اﻟﻐﻼﻟﺔ اﻟﺮﻗﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُ ْﻠﺒَﺲ ﺗﺤﺖ اﻟﺜﻴﺎب ،وﻫﻲ
وﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ً
ﻗﻄﻌﺘﺎن ﻛﺬﻟﻚ؛ ﺻﺪار أﺑﻴﺾ ﻗﺼري اﻟﻜﻤني ،وﻓﻮق ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻘﻠﺐ ﻣﻨﻪ ،أو أﻋﲆ ً
ﻗﻠﻴﻼ،
16
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻒ ﻣﻊ اﻟﺮﻳﺢ، ﺣﺮﻓﺎن ﻳﺮﻣﺰان إﱃ اﺳﻤﻬﺎ ﺑﺨﻴﻮط ﺣﻤﺮ؛ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺠﻮل أزرق ﻫﻔﻬﺎف ﻳَﺨِ ﱡ
واﻟﺤﺬاء ﺳﻴﻮر ﺑﻴﺾ و ُز ْرق ،وإﺑﻬﺎم اﻟﻘﺪم ﺑﺎرز واﻟﻈﻔﺮ أﺣﻤﺮ .أﻣﺎ اﻟﺸﻌﺮ ﻓﻔﻴﻨﺎن ﻣﺴﱰﺳﻞ
ﻣﻨﺪﻳﻼ أَدَا َرﺗْ ُﻪ ﻛﻄﺮف اﻟﻌﻤﺎﻣﺔ .وأﻣﺎ اﻟﻮﺟﻪ واﻟﻘﺪ ﻓﻼ ً وﻗﺪ َﻟ ﱠﻔ ْﺖ ﻋﻠﻴﻪ — دون أن ﺗﻐﻄﻴﻪ —
ﻗِ ﺒَ َﻞ ﱄ ﺑﻮﺻﻔﻬﻤﺎ ،ﻓﺘﺨﻴﱠ ْﻞ ﻣﺎ ِﺷﺌْ َﺖ ﻋﲆ ﻫﻮاك ،واﻋﻠﻢ أﻧﻬﺎ اﺳﺘﻐﻨﺖ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ زﻳﻨﺔ
أﺧﺮى ،ﻓﻼ أﺣﻤﺮ ﻋﲆ اﻟﺸﻔﺘني ،وﻻ ﳾء ﻋﲆ اﻟﺨﺪﻳﻦ ،وﻫﻲ ﻓﻮق ذﻟﻚ رزان ،وإن ﻛﺎﻧﺖ
ﻏري ﻗﻠﻴﻠﺔ اﻟﻜﻼم أو اﻻﺑﺘﺴﺎم؛ وﻻ ﻛِﱪ ﺑﻬﺎ ،وﻻ ﺧﻔﺎء ﺑﺘﺤﺒﱡﺒﻬﺎ إﱃ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ — أو ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ
ﻫﻲ ﻋﲆ اﻷﺻﺢ.
َ
وﻣﺎ أﻇﻦ ﺑﻬﺎ إﻻ أﻧﻬﺎ وَﻗﻌَ ْﺖ ﻋﻠﻴﻪ أول ﻣﺎ وَﻗﻌَ ْﺖ ﰲ ﻏري ﻣﴫ ،ﻓﺈﻧﻲ أرى ﻋﲆ َ
ﻣُﺤَ ﻴﱠﺎﻫﺎ اﻟﺼﺎﺑﺢ ُﺳﻤْ ﺮة اﻟﻌﺎﺋﺪة ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﻴﻔﻬﺎ ﺑﺎﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ،وﻻ أﺳﺘﻜﺜﺮ،
ﺗﻴﴪ ﻟﻪ أن ﻳﻘﴤ أﻳﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺳﺎﺣﻞ ﺑﺤﺮ اﻟﺮوم؛ وﻣَ ْﻦ أو أﺳﺘﻐﺮب أن ﻳﻜﻮن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻗﺪ ﱠ
أدراﻧﻲ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ »اﺳﺘﺌﻤﺎرة« ﺳﻔﺮ — ذﻫﺎﺑًﺎ وإﻳﺎﺑًﺎ — ﰲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ؟ أﺑَﻌِ ﻴ ٌﺪ
أن ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ﻗﺮﻳﺐ ﰲ اﻟﺴﻜﺔ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻳﺠﻮد ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ؟ أو ﺻﺪﻳﻖ ﻳﺤﺮم ﻧﻔﺴﻪ وﻳﻌﻄﻴﻪ؟
وإﻧﻲ ﻷرى ﻟﻪ َﻗﻮام اﻟﺸﺎبﱢ املﻐﺮى ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ،ﻓﻠﻌﻠﻪ َﺳﺒﱠﺎح ﻣﺎﻫﺮ ،أو ﻻﻋﺐ ﻛﺮة ﺑﺎرع،
وﻫﻤﻲ أﻧﻪ َﻟﻘِ ﻴَﻬﺎ وﻋﴗ أن ﻳُﺬَ ﱢﻟﻞ ﻟﻪ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻳَﻌْ َ ِﱰض ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺴﻔﺮ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﻋﺐ .وﻳَ ْﻜ ُﱪ ﰲ ْ
ﰲ اﻟﻘﻄﺎر ،ﻓﺄﻋﺎﻧﻬﺎ ﻋﲆ ﳾء ،ﻛﻔﺘﺢ ﺷﺒﺎك أو إدارة ﻣﺮوﺣﺔ ،واﺗﺼﻞ ﺣﺒﻞ اﻟﻜﻼم ،وﻻﻧﺖ
اﻟﻨﻈﺮات ،و َر ﱠﻗﺖ اﻷﺻﻮات ،وﻛﺜﺮت اﻟﻨﻜﺎت .أو ﻟﻌﻠﻪ أَﻧ ْ َﻘﺬَ َﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﺮق ،ﻓﻌَ َﺮ َﻓ ْﺖ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻞ
ﻒ ﻟﻨﺠْ َﺪﺗِﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻟﻠﻤﺮأة ﺻﻨْﻌِ ﻪ ،أو أَﻋْ ﺠَ ﺒَﻬَ ﺎ ﰲ املﺎء ﻓﺘﻈﺎﻫﺮت ﺑﺎﻹﺷﻔﺎء ﻋﲆ اﻟﻐﺮق ﻟﻴَﺨِ ﱠ ُ
دروﺳﺎ ﰲ اﻟﺴﺒﺎﺣﺔ وﻫﻲ ﺗﺤﺴﻨﻬﺎ ﻛﺎﻟﺴﻤﻜﺔ ،وﻟﻢ ً ﻟﺤﻴﻠﺔ ،ﺛﻢ ذَ َﻫﺒ َْﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﻋﻠﻴﻪ
ﺺ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺴﺄﻟﻪ ﻣﻦ أﻧﺖ؟ وﻣﺎ ﻋﻤﻠﻚ؟ وا ْﻛﺘَ َﻔ ْﺖ ﺑﺄن ﺗَ ُﻘ ﱠ
وﺗﺎرﻳﺨﺎ .وأﺣﺴﺐ أن ﻧ َ ْﻔ َﺴﻪ ﻧﺎ َزﻋَ ﺘْﻪ أن ﻳﺼﺎرﺣﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺻﺎرﺣﺘﻪ، ً ﻣﺬ ﻋﺮﻓﺖ أن ﻟﻬﺎ ﺣﻴﺎة
ﺛﻢ أﺣﺠﻢ ﻣﺴﺘﺤﻴﻴًﺎ أن ﻳﻘﻮل إﻧﻪ ﺻﺎﻧﻊ ،وإﻧﻪ ﻳﻜﺴﺐ رزﻗﻪ ﺑﻌﺮق ﺟﺒﻴﻨﻪ و َﻛ ﱢﺪ ﻳﺪﻳﻪ ،ﻓﻌَ َﺪ َل
ﻋﻦ ﻫﺬا وأ َ َﺧﺬَ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ وﻣﺎ أﺟﺎد ﻣﻨﻬﺎ وﺑﻠﻎ ﻓﻴﻬﺎ ،وﺗَ َﺮ َﻛﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﺗﺘﻮﻫﻤﻪ
ﺷﻴﺌًﺎ ذا ﻗﻴﻤﺔ ،وﻫﻞ ﻳﻜﻮن راﻛﺐ اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﱃ إﻻ ذا ﺷﺄن؟! وإذا ﻛﺎن ﻗﺪ آﺛﺮ أن ﻳﻤﺴﻚ
إﺷﻔﺎﻗﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﺘﻰ ً ﻋﻦ اﻟﺘﺤﺪث ﻋﻦ آﻟﻪ وﻣﻘﺎﻣﻪ وﺟﺎﻫﻪ ،أﻓﻼ ﻳﺠﻮز أن ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ ﻣﻨﻪ
وﺟﺎﻫﺎ؟! إن ﻣﻨﻄﻖ املﺮأة ً ﻷن ﻳَﺬْ ُﻛﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﺪرك ﻣﻨﻪ أﻧﻬﺎ دوﻧﻪ ً
ﻣﺎﻻ ﻻ ﻳُ َﺮوﱢﻋﻬﺎ ،أو اﺗﻘﺎءً ْ
ﻋﺸﻘ ْﺖ ﻫﺬا اﻟﻔﺘﻰ ﻣﺎ ﰲ ذﻟﻚ رﻳﺐ ،ﻓﺈﻧﻲ َ ﻋﺠﻴﺐ ،وﻫﻮ أﻋﺠﺐ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﺣني ﺗﻌﺸﻖ .وﻗﺪ
أرى ﻣﻦ ﻣﺮﺻﺪي ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻊ اﻟﻈﻦ إﱃ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻟﻴﻘني.
17
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
إن ﺻﺎﺣِ ﺒَﺘَﻪ — و ْﻟﻨ ُ َﺴﻤﱢ ﻬﺎ ﻛﺮﻳﻤﺔ — ﺗُ ْﻘ ِﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ ط ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ،ﻓﻤﺎذا ﻳﺼﻨﻊ؟! ﱠ وﺗﻮ ﱠر َ
ﻣﺸﻐﻮﻓﺔ ﺑﻪ ،ﰲ ﺧﻔﺮ واﺳﺘﺤﻴﺎء؛ إي ﻧﻌﻢ ﻫﺬا واﺿﺢ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺧﻔﺮ ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺗﻜﺘﻢ ﺗﺤﺒﱡﺒﻬﺎ،
ﺑﻞ ﺗﻐ ﱡﺰﻟﻬﺎ ،وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻈﺮﻓﻬﺎ وﻳﺘﻤﻨﻰ ﻟﻮ اﺗﺼﻠﺖ أﺳﺒﺎﺑﻪ ﺑﺄﺳﺒﺎﺑﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺣﺎﺋﺮ ﻻ ﻳ ََﺴﻌُ ﻪ أن
ﻄﻬَ ﺎ ﺑﺎﻟﻜﺘﻤﺎن، ﻳﻜﺎﺷﻔﻬﺎ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ أَﻣْ ﺮه ﺑﻌﺪ أن ﺗﺮﻛﻬﺎ ﺗُ ْﺨﺪَع ،وﻣﺎ َﻛﺬَبَ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻏﺎ َﻟ َ
أﻳﻀﺎ أن وأﻃﻠﻖ ﻟﻬﺎ أن ﺗﺘﺨﻴﻞ ﻣﺎ ﺷﺎءت ﻣﻤﺎ ﻳﻘﻊ ﰲ اﻟﺮوع ﻣﻦ ﻇﺎﻫﺮه؛ وﻟﻴﺲ ﰲ وﺳﻌﻪ ً
ﻳﺴﺎﻳﺮﻫﺎ وﻳﻄﺎوﻋﻬﺎ وﻳﻠني ﰲ اﻟﻌﻨﺎن ﻟﻬﺎ ،ﻷﻧﻪ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ دوﻧﻬﺎ ﰲ ﻛﻞ ﳾء؛ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ واملﻘﺎم
وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ .ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺣ ﱠﺪﺛَﺘْﻪ — ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﻴﻞ إﱄ ﱠ — أﻧﻬﺎ ﻣﺨﻄﻮﺑﺔ ﻟﻘﺮﻳﺐ أو ﻏﺮﻳﺐ ،وﻟﻜﻦ
ﺧﻼﻓﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺗﺒﻐﻲ اﻟﺒﻘﺎء ﺑﺎﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﻫﻮ ﰲ أﺳﻴﻮط أو دﻣﻴﺎط، ً ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﺧﻄﻴﺒﻬﺎ
وﻳﻮﺳﻂ ﺑﻌﺾ أوﻻد اﻟﺤﻼل ﻟﻴﻨﻘﻞ إﱃ اﻟﻘﺎﻫﺮة ،وﻗﺪ ﺛ َ ُﻘ َﻞ ﱢ وﻻ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﺘﻄﺎﻣﻦ وﻳﺘﻮاﺿﻊ
ً
ﻫﺬا اﻟﺨﻼف ﻋﲆ ﻛﺎﻫﻞ ﺻﱪه ،ﻓ َﺮﺣَ َﻞ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻋﻤﻠﻪ ﻣﻌﻠﻨﺎ أﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﻌﻮد إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺴﺘﻘﺮ
ﻫﻲ ﻋﲆ رأي ﺣﺎﺳﻢ؛ ﻓﺈﻣﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻪ ﺣﻴﺜﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻋﻤﻠﻪ وإﻻ …
وﻫﻜﺬا ﺻﺎر اﻟﻠﻘﺎء ﰲ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻣﻴﺴﻮ ًرا ﺑﻐري ﺗﺤ ﱡﺮز ،وﻟﻜﻦ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﺑﻠﻴﺪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ
ﺑني ،وﺗﻌ ﱡﻠﻘﻬﺎ ﺑﻪ أوﺿﺢ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ .وﻟﻴﺲ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺒﻠﻴﺪ أو اﻟﺠﺎﰲ ﻣﻦ أن ﺣﺒﻬﺎ ﻟﻪ ﱢ
اﻟﺸﻤُﻮس ،وﻟﻜﻨﻪ ﺧﺎﺋﻒ ﺣﺎﺋﺮ ﻣﻀﻄﺮب ،أ َ ْﺧﻮَف ﻣﺎ ﻳﺨﺎف أن ﻳﻔﻀﺤﻪ ﷲ وﻳﻜﺸﻒ أو ﱠ
ﺳﱰه ،وﻟﻮﻻ أﻧﻪ ﺷﺪﻳﺪ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻨﻔﺴﻪ — وﻫﻮ أن أَﻣْ َﺮه ﺿﺌﻴﻞ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﻟﻴﻬﺎ — ملﺎ ﻋﺒﺄ
ﺧﻠﻴﻘﺎ أن ً وﻷ َ ْﻗﺪَم ﻏري ﺣﺎﻓﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ،وأَﻣْ ﺮﻫﺎ ﻫﻲ إﱃ ﷲ .ﻗﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﺷﻴﺌًﺎَ ،
ﻇﻨﱢﻬﺎ أﻧﻪ ﻏﺮﻳﺮ ،وأن ﺑﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﱪﰲ َ ﻳﻨﻔﺮﻫﺎ ﻣﻨﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ زادﻫﺎ رﻏﺒﺔ ﻓﻴﻪ ،وﺗﺸﺒﺜًﺎ ﺑﻪ ،و َﻛ ُ َ ﱢ
إﱃ ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪه وﻳَﻬْ ﺪﻳﻪ وﻳُﻌَ ﱢﻠﻤﻪ ﻓﻨﻮن اﻟﺤﻴﺎة ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮى ﻣﻨﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ
ﻣﻈﺎﻫﺮ »اﻟﺸﻘﺎوة« ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺤَ ﺪﱢث ﻧﻔﺴﻬﺎ أن ﻫﺬا إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻔﻮًا ،وأﻧﻪ ﻣﻦ وﺣﻲ
ﺻﺪﻳﻘﺎ ﰲ ﻣﺮﺗﺒﺔ اﻷخ اﻟﺸﻘﻴﻖ، ً اﻟﻔﻄﺮة ﻟﻴﺲ إﻻ ،وﻣﻦ أﺟْ ﻞ ﻫﺬا راﺣﺖ ﺗﻘﻮل ﻟﻪ إﻧﻬﺎ ﺗَﻌُ ﺪﱡه
ﻋﻔﻴﻔﺎ ﻻ ﺗﺮﺗﻘﻲ إﻟﻴﻪ اﻟﻈﻨﻮن ،وﺗﺴﺄﻟﻪ: ً ﺑﻞ ﺗُﻨ ْ ِﺰﻟﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ اﻟﺸﻘﻴﻖ وﺗُﺤِ ﺒﱡﻪ ﻛﺤﺒﻬﺎ ﻷﺧﻴﻬﺎ ،ﺣﺒٍّﺎ
»ﻣﻦ أﻧﺖ؟ أﻻ ﺗﺤﺒﻨﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ اﻷﺧﻮي؟« وﺗﺘﻤﻨﻰ أن ﺗﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﺤﺐ وﻟﻮ ﻣﻘﺮوﻧﺔ
ﻳﻨﺎز ُع ﻧ َ ْﻔﺴﻪ
ﺑﻬﺬا اﻟﻮﺻﻒ اﻟﺜﻘﻴﻞ ،ﻓﻴُﺘَﻤْ ﺘِﻢ وﻻ ﻳُ ِﺒني ،وﻳﺘﴬﱠ ج وﺟْ ﻬُ ﻪ وﻳﻀﻄﺮب ﻟﻜﺜﺮة ﻣﺎ ِ
ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﺗَﺠْ ﻬَ ﻠُﻬﺎ ،ﻓﺘﺤﻴﻞ ﻫﺬا ﻋﲆ ﺣﻴﺎء اﻟﻐﺮﻳﺮ.
أﻳﻀﺎ ،وﺗُﻌَ ﱢﺮﻓﻪ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ أو ﺗﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﻪ ،وﺗﻘﻮل ﻟﻬﻢ إﻧﻪ ﻛﺎن ﺧري وﺗﺪﻋﻮه إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ً
ﻣﻌﻮان ﻟﻬﺎ ﰲ اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ،وإﻧﻪ أﺳﺪى إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﻳﺎدي ﻣﺎ ﻻ ﻗﺪرة ﻟﻬﺎ وﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻋﲆ ٍ
ﴎﻫﻢ ﻳﺘﻌﺠﺒﻮن أو ﻳﻨﻜﺮون ،وﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺣﻴﻠﺘﻬﻢ؟ َر ﱢد ﺟﻤﻴﻠﻪ ،وﻳُ َﺮﺣﱢ ﺐ اﻟﻘﻮم ﺑﻪ ،وﻫﻢ ﰲ ِ ﱢ
ﻇﻔﺔ وﻟﻬﺎ ُﻣ َﺮﺗﱠﺐ ﺣﺴﻦ ،وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺮﺟﻮﱞ، ﻟﻘﺪ ﺷﺒ ْﱠﺖ ﻓﺘﺎﺗﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﻄﻮق ﺟﺪٍّا ،وﺻﺎرت ﻣﻮ ﱠ
18
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﺳﻌﻬﺎ أن ﺗﺴﺘﻘ ﱠﻞ إذا ﺷﺎءت ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ﺗﻌﻴﻨﻬﻢ ﺑﺒﻌﺾ ﻣﺎﻟﻬﺎ ،وﺗُﻌْ ﻨَﻰ ﺑﺄﺧﻮاﺗﻬﺎ ،أو ﻫﻲ وﰲ ْ
ﻄ ْﺖ ﻋﻦ ﻛﻮاﻫﻠﻬﻢ ﻋﺒﺌﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻬﺎ ِﺑﻨْﺖ ﻋَ ْﴫﻫﺎ ،وﻫﻢ أﺑﻨﺎء ﻋَ ْﴫﻫﻢ اﻟﺬي ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻗﺪ ﺣَ ﱠ
ﻣﺤﺘﻤﻼ ﻋﲆ اﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ً وﱃ ،وﺗﺨﻠﻔﻮا ﻋﻦ َر ْﻛﺒﻪ ﻓﺼﺎروا ﺑﺪﻋً ﺎ ﰲ اﻟﻌﴫ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﺷﺬوذًا ﱠ
وﱃ ﺳﻠﻄﺎن اﻵﺑﺎء ﻋﲆ ﺑﻨﻴﻬﻢ وﺑﻨﺎﺗﻬﻢ ،ﺑﻞ اﻧﻘﻠﺒﺖ اﻟﺤﺎل واﻧﻌﻜﺴﺖ اﻵﻳﺔ واﻹﻏﻀﺎء ،وﻗﺪ ﱠ
ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻮال ،ﻓﺼﺎر اﻟﺴﻠﻄﺎن ﻟﻠﺒﻨني واﻟﺒﻨﺎت ،واﻷﻣﺮ واﻟﻨﻬﻲ ﻟﻬﻢ ،وﻣﺎ ﻋﲆ اﻵﺑﺎء
إﻻ اﻟﺴﻤﻊ واﻟﻄﺎﻋﺔ راﺿني أو ُﻣ ْﻜ َﺮﻫني .وﻳﺮى اﻟﻘﻮم ﰲ اﺣﺘﺸﺎم ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ وﺣُ ْﺴﻦ أ َ َد ِﺑﻪ
آﺛﺮت ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،وﷲ ُ اﻟﻬﺎدي وﻫﻮ املﺴﺌﻮل ْ ﻄﻤْ ﺌِﻨﻬﻢ ،ﻓﻴَﺪَﻋُ ﻮن ِﺑﻨْﺘَﻬﻢ وﻣﺎ
وﺷﺪة ﺣﻴﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻳُ َ
اﻟﱰام أن ﻳﻘﻴﻬﺎ اﻟﻌﺜﺎر .ﺗُﺮى ﻛﻴﻒ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻲ أرى ﺑﺪاﻳﺘﻬﺎ ﻋﲆ رﺻﻴﻒ ﱢ
ﺗﺤﺖ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ! ﻟﻴﺲ ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻧﻬﺎﻳﺘﻬﺎ ﻋُ ْﴪ ،وﻟﻜﻨﻲ أوﺛﺮ أن أﻛﺒﺢ اﻟﺨﻴﺎل ﻋﻦ اﻻﺳﱰﺳﺎل
واﻟﱰﻳﺚ أﻳﺎﻣً ﺎ .وﻟﻜﻨﻲ ﰲ ﺣرية ِﻣ ْﻦ أَﻣْ ﺮ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ،أﻓﱰاﻧﻲ
أﺧﻄﺄت ﺣني ﺗَﻮ ﱠَﻫﻤْ ﺘُﻪ ﺻﺎﻧﻌً ﺎ؟ ﻻ أﻇﻦ! ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ﺳﻨﺮى.
∗∗∗
ﻄﺒﻬﻤﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم؟ ﺑﺮح اﻟﺨﻔﺎءُ وﻋَ َﺮ ْﻓﻨَﺎ زﻛﻴﺔ وﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ وﻣﻦ ﻳﻜﻮﻧﺎن؟ وﻣﺎ ﺧ ْ
وﻣﺎ أُوﺣِ َﻲ إﱄ ﱠ ﻫﺬا اﻟﻌﻠ ُﻢ وﻻ ﺗَ َﻠ ﱠﻘﻴْﺘُﻪ »ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة« ،وﻟﻜﻦ اﻟﻔﻀﻞ ﻟﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ اﻫﺘﺪﻳﺖ
ﻈ ﱠﻼ ﻛﻐريﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺧﻠﻖ ﷲ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻟ َ
ﱠ إﻟﻴﻪ وو ﱢُﻓ ْﻘ ُﺖ ﻟﻪ ،ﻓﻠﻮﻻ أﻧﻨﻲ ﺟَ ﻌَ ْﻠﺘُﻬﻤﺎ َﻗﻴْﺪ
ﺧﺎﺻﺎ .وﻻ أُﺗْ ِﺒﻊ اﻟﻨﻈﺮة إﻟﻴﻬﻢ ﻧﻈﺮة. ٍّ اﻟﺬﻳﻦ ﻻ أُﻋِ ريُﻫﻢ ا ْﻟﺘِﻔﺎﺗًﺎ
اﺗﻔﺎﻗﺎ وﻣﺼﺎدﻓﺔ أو ﻗﻀﺎءً ً وﻳﺒﺪو ﱄ وأﻧﺎ أﺗﺪﺑﺮ ﻫﺬا أن ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳ ََﻘ ُﻊ ﻟﻨﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻳﺠﻲء
وﻗﺪ ًرا إذا ﺷﺌﺖ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا أن اﻟﺤﻴﺎة ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻗﺎﻧﻮن أو ﻧﻈﺎم ،ﻓﺈن ُﺳﻨﱠﺘَﻬﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ
ﻣﻮاﻓﻘﺎ ﻟﻬﺬه اﻟﺴﻨﻦ ً أن ﻣﺎ »ﻳﺘﻔﻖ« أن ﻳ ََﻘ َﻊﻻ ﺗﺘﻐري ،وﻧﻈﺎﻣﻬﺎ ﻻ ﻳﻀﻄﺮب ،وإﻧﻤﺎ ﻣﻌﻨﺎه ﱠ
ﻳﻜﻮن ،وأﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺗﺠﻲء املﺼﺎدﻓﺔ ﻋﻔﻮًا ﺑﻐري ﻋﻤﺪ ،واﻟﺸﻮاﻫﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ إﺣﺼﺎء،
ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻠﺘﻤﺜﻴﻞ؛ وﺣَ ْﺴﺒُﻚ أن ﺗُ َﻔ ﱢﻜ َﺮ ﰲ وﺟﻮدك أﻧﺖ ،ﻓﻬﻞ ﻛﺎن إﻻ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺑﺤﺘًﺎ؟ وﻫﻞ
ﺟﺌﺖ إﱃ اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ ﻋﻔﻮًا؟ ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻻ ﺗﻜﻮن ،ﻟﻮﻻ أﻧﻪ اﺗﻔﻖ ﻣﺎ اﺗﻔﻖ ،ﻓﺄﻓﴣ
ذﻟﻚ إﱃ َﺧ ْﻠﻘِ ﻚ ،وﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻚ إﺧﻮة أو ﺑﻨﻮن ،ﻓﻜﺎن ﻫﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ
ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻷن أﺑﺎك ُﻗ ﱢﺪ َر ﻟﻪ أن ﻳﺘﺰوج ،وأن ﺗﻜﻮن َزوْﺟَ ﺘُﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺻﺎرت أﻣﻚ وأم إﺧﻮﺗﻚ،
وﻟﻮ ﺗَ َﺰوﱠجَ ﻏريﻫﺎ — وﻣﺎذا ﻛﺎن ﻳﻤﻨﻊ ذﻟﻚ ﻟﻮﻻ اﻟﻘﺪر — ﻟ ُﺮ ِز َق ﺳﻮاك أو َﻟﻤَ ﺎ ُر ِز َق أﺣﺪًا،
وملﺎ َﺧ َﺮﺟْ َﺖ أﻧﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﺎ َﻟ ْني.
19
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻳﺨﻄﺮ ﱄ ﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا أن ﺣﺐ املﺮء ﻹﺧﻮﺗﻪ ﻋﺎدة ﻟﻴﺲ إﻻ ،ﺣﺘﻰ ﺣﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﺒﻨﻴﻪ
ﻳﺒﺪو ﱄ ﻏري ﺣﺐ أﻣﻬﻢ ﻟﻬﻢ ،ﻓﻬﺬه ﻗﺪ ﺣَ ﻤَ َﻠﺘْﻬُ ﻢ وﺛ َ ُﻘ َﻠ ْﺖ ﺑﻬﻢ وو َﻟ َﺪﺗْﻬﻢ وأرﺿﻌﺘﻬﻢ ،ﻓﻠﻴﺲ
ﻳﺴﻌﻬﺎ إﻻ أن ﺗُﺤِ ﱠﺲ وﺗﺮى أﻧﻬﻢ ﺑﻌﻀﻬﺎ ،أﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﺄﻣﺮه ﻣﺨﺘﻠﻒ ،وﺷﻌﻮره ﺑﺄﺑ ﱠﻮﺗِﻪ ﻟﻬﻢ
ﻣﻌﻨﻮي ﻻ ﻣﺎدي ﻛﺸﻌﻮر اﻷم ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻦ ﺻﻠﺒﻪ ،وﻟﻌﻞ إﻳﺤﺎءه ﻟﻨﻔﺴﻪ أﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﺻﻠﺒﻪ،
وأﻧﻬﻢ ﺑﻌﻀﻪ ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳُﻌَ ﻤﱢ ﻖ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر وﻳﻘﻮﻳﻪ ،ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺎرب ﺷﻌﻮر اﻷم أو ﻳﻌﺎدﻟﻪ ،ﺛﻢ
ﻃ ﱠﻠ َﻘﻬﺎ ﺑﻌﺪ أن و َﻟ َﺪﺗْﻬﺎ رﺟﻼ ﻟﻪ ﺑﻨﺖ ﻣﻦ زوﺟﺔ َ ً ﺗﺠﻲء اﻟﻌﺎدة — وﻓِﻌْ ﻠُﻬﺎ ﻣﻌﺮوف .أَﻋْ ِﺮ ُ
ف
ﻟﻪ ﺑﻘﻠﻴﻞ ،ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳَ َﺮ ُﻫﻤﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻗﺪ َﻛ ُﱪَت اﻟﺒﻨﺖ وﻧﺎﻫﺰت اﻟﻌﴩﻳﻦ وﺗﺰوﱠﺟَ ْﺖ وأﺑﻮﻫﺎ
ﻻ ﻳﺮاﻫﺎ وﻻ ﻳ َْﺴﻤَ ُﻊ ﻣﻦ أﺧﺒﺎرﻫﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻛﺎن اﻻﺳﺘﻐﺮاب ﻫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ َﺷﻌُ َﺮ ﺑﻪ ملﺎ ﻋَ ِﻠ َﻢ أﻧﻬﺎ
ﻣﺎ زاﻟﺖ ﺣﻴﺔ ﺗُ ْﺮ َزق وأﻧﻬﺎ ﺗَ َﺰوﱠﺟَ ْﺖ ،وﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﻟﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ أن ﻳُﻌَ ﱢﺮﻓﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺑﺈﺧﻮﺗﻬﺎ — ﻓﺈن
ﻟﻪ زوﺟﺔ وأﺑﻨﺎء — ﺛﻢ أَﻣْ َﺴ َﻚ ،وﻗﺎل :إن اﻟﺨرية ﻓﻴﻤﺎ اﺧﺘﺎره ﷲ .وﻋﺎد إﱃ إﻏﻔﺎل أَﻣْ ِﺮﻫﺎ،
وﻋﻬﺪي ﺑﻪ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻤﻦ ﻳُﺒْﺪُون ﻏري ﻣﺎ ﻳ ُْﺨ ُﻔﻮن ،وﻟﻌﻠﻪ ﻳﺼﺒﻮ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺣني إﱃ ﺣني،
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺻﺒﻮة إﱃ ﻣﺠﻬﻮل ﻻ ﻳَﺤْ ُﺴﻦ أن ﻳﺘﺼﻮره؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳَﻌْ ﺘَ ْﺪ ُه ﻛﻤﺎ اﻋﺘﺎد
ﺑﻨﻴﻪ اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ َﺷﺒﱡﻮا ﰲ ﻛﻨﻔﻪ.
رﻓﻮ اﻟﺠﻮارب ﰲ وأﻋﻮد إﱃ زﻛﻴﺔ وﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻄﺮاد؛ ﻓﺄﻣﺎ زﻛﻴﺔ ﻓﻌﻤﻠﻬﺎ ْ
ﺑﻴﺖ ﻗﺪﻳﻢ ﰲ زﻗﺎق ﺿﻴﻖ ،وأَﺟْ ُﺮﻫﺎ ﻃﻔﻴﻒ ﻻ أدري ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻔﻴﻬﺎ ﻟﻄﻌﺎﻣﻬﺎ وﺣﺪﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ
ﺳﺘﺔ ﻗﺮوش ﻟﻴﺲ إﻻ ،ﻓﻠﺴﺖ أﺳﺘﻐﺮب ﻣﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﱄ ﻣﻦ أن ﺑﻌﺾ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ِﻣ ْﻦ ﻗﺪﻳ ِﻢ
ﺣﻼق — أﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ ﺻ َﻠﺤَ ﺘْ ُﻪ ﻋﲆ َﻗﺪ َﱢﻫﺎ .وأﻣﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻓﻐﻼم ﱠ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﺒﺲ أُﻣﱡ ﻬﺎ ،وﻗﺪ أ َ ْ
ﻒ ﻧﻔﺴﻪ ،وﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا ﻳﺘﺪ ﱠﻟﻞ ،ﻓﻴﻌﻤﻞ أﻳﺎﻣً ﺎ وﻳﺘﺒﻄﻞ أﻳﺎﻣً ﺎ — ﺑﻞ ﻫﻮ ﺣﻼق ﻓﻨﺎن ﻛﻤﺎ ﻳ َِﺼ ُ
ﺺ ﺷﻌﺮ اﻟﺴﻴﺪات وﺗﺼﻔﻴﻔﻪ و َﻛﻴﱡﻪ وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻣﻌﺮﻓﺔ — ﻋﲆ ﻫﻮاه — وﻓﻨﻪ ﻫﻮ َﻗ ﱡ
ﱄ ﺑﻪ ،وﻫﻮ ﰲ ﻫﺬا ﺑﺎرع ﺣﺎذق ﻻ ﻳُﺒَﺎرى وﻻ ﻳُﺠَ ﺎرى — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻛﺎن.
ﺑﺪﻳﻼ ﻣﻨﻪ؛ ﻓﺈذا ني ﻋﻨﻪ وﻳﺄﻧ َ ْﺴ َﻦ ﺑﻪ وﻳ ْﺮﺗَﺤْ َﻦ إﻟﻴﻪ وﻻ ﻳ َْﻘﺒَ ْﻠ َﻦ ً وﺧري ﻣﺎ ﻓﻴﻪ أن اﻟﺴﻴﺪات ﻳَ ْﺮ َ
ﺿْ َ
اﻧﴫَﻓ َﻦ ﻋﲆ أن ﻳَﻌُ ﺪ َْن ﺣني ﻳﺸﺎء أن ﻳﺠﻲء .وﻳﻘﻮل ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺪﻛﺎن: ْ ﻟﻢ ﻳ َِﺠ ْﺪﻧَﻪ ﰲ اﻟﺪﻛﺎن
وﻳﺆﺧ ْﺮن أﻓﺮاح املﺪﻳﻨﺔ ﱢ إن ﻫﺆﻻء اﻟﻨﺴﻮة أَﻣْ ُﺮ ُﻫ ﱠﻦ ﻋﺠﻴﺐ ،ﻓﺈﻧﻬﻦ ﻋﲆ اﺳﺘﻌﺪاد ﻷن ﻳُﻌَ ﱢ
ﻄ ْﻠﻦ
ﻛﻠﻬﺎ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﺠﻠﻮس ﺑني ﻳﺪﻳﻪ ﺣني ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻪ ﻫﻮ أن ﻳﻌﻤﻞ .وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ
أن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﺮى ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻣﻌﻪ ﺣﻴﻠﺔ ،وﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﲆ اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻪ؛ ﻷن ﰲ اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﻪ
ﺧﺮاب ﺑﻴﺘﻪ.
َ َ ُ
وﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻳﺤﺐ زﻛﻴﺔ ،وزﻛﻴﺔ ﺗﺤِ ﺒﱡﻪ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﻟﻬﻤﺎ ﻧﺎﻗﺔ وﺑﻌري ﻟﺘﺤَ ﺎﺑﱠﺎ ﻣﺜﻠﻬﻤﺎ ،وﻟﻜﻦ
وﻏ ْريَﺗﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗُ َﺴﻮﱢد ﻋﻴﺸﺘﻬﻤﺎ وﺗُﻨ َ ﱢﻐﺺ ﺣﺒﻬﻤﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺮﻣﻲ املﻘﺺ ،وﻳﱰك َﻏ ْريَﺗﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪَ ،
20
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
رﺟﻼ آﺧﺮ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ، اﻟﺪﻛﺎن وﻳﻬﻴﻢ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﰲ اﻟﺸﻮارع إذا ﺧﻄﺮ ﻟﻪ أﻧﻬﺎ رﺑﻤﺎ ﺗُﺤَ ﺎدِ ث ً
أو ﺣﺘﻰ ﺻﺎﺣﺐ املﺼﻨﻊ أو املﴩف ﻋﲆ ﻋﻤﻞ اﻟﺒﻨﺎت ﻓﻴﻪ ،ﺛﻢ ﻳﺬﻫﺐ إﱃ ﻣﺤﻄﺔ اﻟﱰام
اﻟﱰام ﻋﲆ ﻋﺎدﺗﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﻓﻴﻘﻠﻖ ﻟﻴﻨﺘﻈﺮﻫﺎ وﻫﻲ ﻋﺎﺋﺪة ،وﻳﺮاﻓﻘﻬﺎ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻳﺘﺄﺧﺮ ﱢ
وﻳﺴﺨﻂ وﻳﻀﻄﺮب ،وإن ﻛﺎن ﻳﻌﻠﻢ أن ﻻ ذﻧﺐ ﻟﻬﺎ ﰲ ﻫﺬا ،وﻳﺮوح ﻳﺮﻓﻊ ﻗﺪﻣً ﺎ وﻳﺤﻂ
ﻣﺘﻼﺣﻤني ،ﻓﻴ ُْﻐ ِﻤﺾ ِ اﻟﱰام واﻟﻨﺎس ﻓﻴﻪ ﻛﺎﻟﴪدﻳﻦ ،ﻣﺘﻼﺻﻘِ ني ﻗﺪﻣً ﺎ ﻛﺎﻟﺤﺼﺎن ،وﻳ ُْﻘ ِﺒﻞ ﱢ
ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﺌﻼ ﻳﺮاﻫﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﴩ ،وﻣﻦ ﻳﺪري؟ ﻗﺪ ﻳﻜﻮن ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺼﻘﻬﺎ ،وﻋﴗ أن ﻳﻠﻤﺤﻬﺎ
اﻟﱰام وﻳﺰاﺣﻢ اﻟﻨﺎزﻟني ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻓﻴﺘﻮﻫﻢ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﻟﺮﺟﻞ! وﺗَ ْﻐﻠِﺒﻪ اﻟﻐرية ﻓﻴﻨﺪﻓﻊ إﱃ ﺳﻠﻢ ﱢ
وﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﺑﻴﺪﻳﻪ ﻟﻴﻨﻈﺮ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻨﺜﺮ ﻛﻮﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻮرق ،وﺗﻜﻮن ﻫﻲ ﻗﺪ ﻧﺰﻟﺖ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى
أوﻻ ،ﺛﻢ ملﺎ أﻏﺮاه ﺑﻪ ودﻓﻌﻪ إﱃ ﺟﻨﻮن اﻟﻐرية ،وﺗﺪﻧﻮ ﻣﻨﻪ وﺗ ْﺮ ِﺑ ُﺖ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺪريِ ،ﻟﺘَﻌَ ِﺎﻣﻴﻪ ً
ﻋﲆ ﻛﺘﻔﻪ ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺤﺘﺎج أن ﺗﺠﺮه ﻣﻦ ذراﻋﻪ وﻫﻲ ﺗﻀﺤﻚ ،ﻓﻴﺘﺸﻬﺪ ،ﺛﻢ ﻳﻤﺸﻴﺎن وﻫﻮ
ﻄﺮق ﻣُﻌْ ِﺒﺲ. ُﻣ ْ
وﻳﺴﺄﻟﻬﺎ ﻓﺠﺄة» :أﻳﻦ ﻛﻨﺖ؟«
ﻓﺘﻀﺤﻚ وﺗﻘﻮل» :ﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺳﺆال! وأﻳﻦ أﻛﻮن إﻻ ﺣﻴﺚ ﺗَﻌْ َﻠﻢ؟! وأﻳﻦ ُﻛﻨ ْ َﺖ أﻧﺖ؟
وملﺎذا ﺗﺮ ْﻛ َﺖ اﻟﺪﻛﺎن؟ وﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﻌَ َﺮق املﺘﺼﺒﺐ؟!«
ﻈ ِﻠﻤُﻬﺎ، وﻳﻨﺘﻬﻲ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺘﻬﻲ داﺋﻤً ﺎ ﺑﺄن ﻳﺼﺎرﺣﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻛﺎن ،ﻓﺘﻘﻮل ﻟﻪ إﻧﻪ ﻳَ ْ
رﺟﻼ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ أو ﰲ املﺼﻨﻊ ﻛ ﱠﻠﻤَ ﻬﺎ ً وﺗﺴﺄﻟﻪ — ُﻣﻨْﻜِﺮة — ملﺎذا ﻳﺜﻮر إذا ﺗَ َ
ﺼﻮﱠر أن
اﻟﱰَام ﻟﺘﺠﻠﺲ؟ أﻻ ﺗﺸﻜﺮه؟ أم ﻳﻜﻮن أو َﻛ ﱠﻠﻤَ ﺘْﻪ؟ ﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻊ إذا ﻧَﻬَ َﺾ رﺟﻞ ﻋﻦ ﻣﻘﻌﺪه ﰲ ﱢ
ﻈ ِﻬﺮ اﻟﺘﺄﻓﻒ ﻣﻦ وﺟﻮده؟ ﻣﺎذا ﻳ ََﺴﻌُ ﻬﺎ ﻏري أن ﺗﺠﻴﺐ ﻄﺐ وﺗﺰوي وﺟﻬﻬﺎ وﺗُ ْ ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﺗُ َﻘ ﱢ
ﱧ رﺋﻴﺲ اﻟﻌﻤﻞ أو ﺻﺎﺣﺒﻪ إذا َﻛ ﱠﻠﻤَ ﻬَ ﺎ و َراﺟَ ﻌَ ﻬَ ﺎ؟ أﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﺨﻠﻮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻟﻴﻄﻤ ﱠ
وﻳﺴﻌﺪ؟
ﻈ ﱠﻞَﴪﻫﺎ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا ﻣﺒﻠﻎ َﻏ ْريَﺗﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺐ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗَ َ وﻳ ُ ﱡ
ﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺤﺐ ،ﻟﺘﺼﻔﻮ اﻟﺤﻴﺎة وﺗﻄﻴﺐ؛ أﻣﺎ ﻫﺬه اﻟﻐرية ﻓﻄﻮﻓﺎن أﺣﺪ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺄ ﱠﻟ ُ
ﺣﻼﻗﺎ ﻟﻠﺴﻴﺪات؟ أﻻ ﻳﻠﻤﺲ ﻛﻞ ﻳﻮم — ﺑﻞ ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ — ﺷﻌﻮرﻫﻦ؟ ً ﺟَ ِﺎرف .ﺛﻢ أﻟﻴﺲ ﻫﻮ
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻣﺸﻬﻮ ًرا أﻧﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣُﻌْ ﺠَ ﺒﺎت ﺑﺤﺬﻗﻪ وأﺳﺘﺎذﻳﺘﻪ؟ أﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻬﻦ واﺣﺪة ً أﻟﻴﺲ
َ
ﺼ ِﺒﻴﻪ إﻟﻴﻬﺎ؟ إﻧﻬﺎ أو َْﱃ ﺑﺎﻟﻐرية ،وأﺣﻖ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ اﻟﺪاﺋﻢ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻋُ ْﺮﺿﺔ ﻟﻠﻔﺘﻨﺔ ﰲ ﻛﻞ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗُ ْ
ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر ،وﻳﻀﺎﻋﻒ دواﻋﻲ اﻟﻘﻠﻖ أﻧﻬﻦ ﻧﺴﺎء ﻣﱰﻓﺎت ﻏﻨﻴﺎت ،واملﺎل وﺣﺪه
ﻓﺘﻨﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ إذا اﺟﺘﻤﻊ املﺎل واﻟﺤُ ْﺴﻦ؟! ﻓﻤﺎذا ﻳﻤﻨﻊ أن ﺗﺨﻄﻔﻪ ﻣﻨﻬﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ
ﻫﺆﻻء اﻟﻠﻮاﺗﻲ آﺗﺎﻫﻦ ﷲ ﻣﺎ ﺣُ ِﺮﻣَ ﺘْﻪ ﻫﻲ؟
21
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻳﺜﻘﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ﻓﺘﺒﻜﻲ ،واﻟﺪﻣﻮع ﻏﻮث ﻟﻠﻤﺮأة ،ﻓﻴﻨﻌﴫ ﻗﻠﺐ اﻟﻔﺘﻰ وﻳ ُْﻘ ِﺒﻞ
وﻳﺮق ،وﻳﻨﻘﴤ ﻳﻮﻣﺎن ﱡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﺴﺘﻌﻄﻔﻬﺎ وﻳﺴﺘﻐﻔﺮﻫﺎ ،وﺗَ ْﺴ ُﻜﻦ اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ وﻳﺼﻔﻮ اﻟﺠﻮ
أﺳﻌَ َﺪ ﺑﻨﺎت ﺣﻮاء ،وﻳﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻣﺜﺎل اﻟﺮﻗﺔ واﻟﺪﻣﺎﺛﺔ،
أو ﺛﻼﺛﺔ ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﻤﺎ زﻛﻴﺔ ْ
اﻟﱰام وﻫﻮ ﻳﻘﻮل» :ﺗﻔﻀﲇ ﻳﺎ ﻫﺎﻧﻢ!« رﺟﻼ ﻳ ُْﻔ ِﺴﺢ ﻟﻬﺎ ﻟﺘﻨﺰل ﻣﻦ ﱢ
وﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ ذﻟﻚ أن ﻳﺮى ً
ﻓﺘﺸﻜﺮه زﻛﻴﺔ ،ﻓﻼ ﻳﻤﺘﻌﺾ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ وﻻ ﻳﻐﻀﺐ ،ﺑﻞ ﻳﺒﺘﺴﻢ ﻟﻠﺮﺟﻞ وﻫﻮ ﻳﻤﺪ ﻟﻬﺎ ﻳﺪه
»ﻣ ْﺮ ِﳼ ﻳﺎ ﺑﻴﻪ!«
ﻟﺘﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻫﻲ ﻧﺎزﻟﺔ وﻳﻘﻮل ِ
ﻏري أﻧﻪ ﻻ دوام ﻟﴚء أو ﺣﺎل ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ.
∗∗∗
إي ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،ﻛﻞ ﳾء ﻳﺘﻐري ﰲ دﻧﻴﺎﻧﺎ ﻫﺬه ،وﻻ ﻳَﺜْﺒُﺖ ﻋﲆ ﺣﺎل ،ﻷن اﻟﺘﻐري ﻫﻮ ُﺳﻨﱠﺔ
ﱠ
وﻟﻜﻦ اﻟﺤﻴﺎة ،واﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺎ ﻳَﻌْ ِﺮ ُﻓﻪ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﻳَ َﺮ ْوﻧَﻪ ﻓﻴﺪرﻛﻮن أﻧﻪ ﻫﻮ ﻓﻼن اﻟﻔﻼﻧﻲ،
أﻧﺎس ﺗَﻌَ َﺎﻗﺒ َْﺖ ﻋﲆ ﺣَ ﻤْ ﻞ ﻫﺬا اﻻﺳﻢ .ﻋﻨﺪي إﻃﺎر ﻓﻴﻪ أرﺑﻊ ﺻﻮر ﻓﻼﻧًﺎ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ إﻻ ﻋﺪة ٍ
ﺻﻐرية ﱄ ،ﻣﺎ ﺗﺄﻣﱠ ْﻠﺘُﻬﺎ ﻗﻂ إﻻ ﺗَﻌَ ﺠﱠ ﺒ ُْﺖ ،ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳُﻌَ ﱠﺪ اﻷﺻﻞ اﻟﺬي أُﺧِ ﺬَ ْت ﻋﻨﻪ واﺣﺪًا؟
ﺻﺤﻴﺢ إن املﻼﻣﺢ واملﻌﺎرف ﺑﺎﻗﻴﺔ وﻣﺸﱰﻛﺔ ،وﻟﻜﻦ ﺗﻌﺒري اﻟﻮﺟﻪ ﻣﺨﺘﻠﻒ ،وأﺣﺴﺐ أﻧﻪ
ﻟﻮ رآﻫﺎ ﻏﺮﻳﺐ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻨﻲ ﻟﻜﺎن أول ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺻﻮرة ﻹﺧﻮة أﺷﻘﺎء ﻻ
ملﺨﻠﻮق واﺣﺪ .وﻟﺴﺖ أﻋﻨﻲ أن اﻷﻧﻒ ﰲ إﺣﺪاﻫﺎ أﻃﻮل ﻣﻨﻪ ﰲ اﻷﺧﺮى ،أو أن اﻟﺨﺪﻳﻦ ﻫﻨﺎ
أو ﻫﻨﺎك أﻛﺜﺮ اﻣﺘﻼءً ،ﻓﻠﻴﺲ ﺑﺎﱄ إﱃ ﻫﺬا ،وإﻧﻤﺎ أﻋﻨﻲ أن املﻌﺎﻧﻲ املﺮﺗﺴﻤﺔ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮه
اﻷرﺑﻌﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ وﻻ ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ ،وﻻ ﺣﺘﻰ ﻣﺘﻘﺎرﺑﺔ ،واملﻌﺎﻧﻲ ﻣﺼﺪرﻫﺎ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻓﻬﺎ
ﻫﻨﺎ أرﺑﻊ ﻧﻔﻮس اﻧْﺘَ َﻘ َﻠ ْﺖ ﺑﻬﺎ اﻷﺣﻮال ﻓﺼﺎرت إﱃ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف اﻟﺒ ﱢَني ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﺒﻌﺚ ﻋﻨﻬﺎ.
وﻗﺪ ﻗﻀﺖ زﻛﻴﺔ أﻳﺎﻣً ﺎ وﻫﻲ راﺿﻴﺔ ﻗﺮﻳﺮة اﻟﻌني ﺑﻤﺎ ﻓﺎء إﻟﻴﻪ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ
وأوﺟﺴﺖ ﺧﻴﻔﺔ ،ﻓﻘﺪ ْ ﻈﺮف ،وﺣُ ْﺴﻦ املﻌﺎﴍة وﺗ ْﺮك اﻟﻐرية اﻟﺬﻣﻴﻤﺔ ،ﺛﻢ َﻗﻠ َِﻘ ْﺖ ﻣﻦ اﻟﺮﻗﺔ واﻟ ﱡ
ريﺗِﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳﻤﻀﻬﺎ وﻳﺴﻮﱢد ﻋﻴﺸﻬﺎ وﻳﻨﺬرﻫﺎ ﺑﺎﻟﺸﻘﻮة ﻣﻌﻪ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻤﺎ، ﻛﺎن ﺷﻄﻄﻪ ﰲ َﻏ ْ َ
رﺟﻼً ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺠﺰع وﺗﻨﺪب ﺳﻮء ﺣﻈﻬﺎ ،وﺗﺘﺴﺎءل ﻋﻤﺎ ﺟَ ﻨَﺘْﻪ ﺣﺘﻰ ﻳ ُْﻘ َﺴ َﻢ ﻟﻬﺎ أن ﺗُﺤِ ﺐﱠ
ﻇﻨُﻮﻧًﺎ ﻻ ﻳَﻨ ْ َﻔ ﱡﻚ ﻳَﺘَ َﺨﻴﱠ ُﻞ ﺛﻢ ﻳﺨﺎل ،وﻟﻜﻦ اﻟﻐرية ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻈﻬﺮ ﺣﺐ ،ﻓﻔﻴﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﺮﺿﺎة وإن َ
ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ذﻟﻚ ﻛﺮﺑًﺎ وﺑﻼء .واﻵن ﻻ ﻏرية وﻻ ﺷﺒﻬﻬﺎ ،ﻓﻤﺎذا ﺣﺪث؟ ﻫﻞ ﻧﻀﺐ ا َملﻌِ ني؟
وﻓﱰ اﻟﺤﺐ؟ وﺗﺤﻮﱠل اﻟﻘﻠﺐ؟ ﻫﻞ اﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﲆ ﻫﻮاه إﺣﺪى اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻟﺠﻤﻴﻼت اﻟﻐﻨﻴﺎت
ﻳﺮاﻫﻦ ﻛﻞ ﻳﻮم ﰲ اﻟﺪﻛﺎن؟! أﻟﻴﺲ املﻌﻘﻮل إذا رأﻳﺖ ﻓﺘﺎة ﺟﻤﻴﻠﺔ ﺗﺄﺑﻰ ﻛﻞ اﻹﺑﺎء أن ﱠ اﻟﻠﻮاﺗﻲ
وﻗﻌﻪ ﰲ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﺘﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ،ﺣني ﺗُ ْﻘ ِﺒﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﻳﻠﻤﺲ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﻏريك ،أن ﻳﻐﺮك ذﻟﻚ وﻳﻄﻴﺐ ْ
22
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺑﺎﺷﺎ ﻣﴪو ًرا؟ وﺗﺤﺘﻔﻲ ﺑﻬﺎ وﺗُﻼﻃﻔﻬﺎ وﺗﻀﺤﻚ إﻟﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ ﻳﻜﻮن ﻫﺎﺷﺎ ٍّﺗﻘﺼﺪ إﱃ ﻏريكٍّ ،
ﻣﺎذا؟ ﻣﺎ املﺴﺎﻓﺔ ﺑني ﻫﺬا وﺑني اﻟﺤﺐ؟ إﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن أﻃﻮل ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻐﺮﻗﻪ ا ْﻟﺘﻘﺎء ﻧﻈﺮﺗني
ﰲ ﺻﻘﺎل املﺮآة!
َ
ورﻳﻌﺖ املﺴﻜﻴﻨﺔ َﻟﻤﱠ ﺎ دار ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ إﻣﻜﺎن ذﻟﻚ ،وأﺣَ ﱠﺴﺖ ﺑﺎﻟﻨﺎر ﰲ ﺻﺪرﻫﺎ واﻟﱪد ﰲ
أﻃﺮاﻓﻬﺎ ،وﺣﺎ َر ْت ﻣﺎذا ﺗﺼﻨﻊ ﻻﺗﱢﻘﺎء ﻫﺬه اﻟﻨﻜﺒﺔ أو َﻛ ْﺸﻒ اﻟﻐﻤﺔ ،ﺛﻢ ﺧﻄﺮ ﻟﻬﺎ وﻫﻲ ﺗﺘﻬﻴﺄ
ﺻﺪ ِْرﻫﺎ ﻻ أن ﰲ و ُْﺳﻌﻬﺎ أن ﺗَﻤْ ﺘَﺤِ ﻨﻪ ،ﻓﺈن ﻫﺬه اﻟﻈﻨﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﻠﺞ ﰲ َ ﻟﻠﻨﻮم ذات ﻟﻴﻠﺔ ﱠ
ﻄﺎق ،و َﻟ َﺨ ْريٌ ﻣﻨﻬﺎ أن ﺗﻴﺄس ،وﻣَ ْﻦ ﻳﺪري؟ ﻟﻌﻞ اﻻﻣﺘﺤﺎن اﻟﺬي اﺳﺘﻘﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻋَ ْﺰﻣﻬﺎ ﻳُﺤَ ﱢﺮك ﺗُ َ
اﻟﻨﺎر اﻟﺘﻲ ﻗﺎ َرﺑ َْﺖ أن ﺗﺨﻤﺪ.
و َﻟﻘِ ﻴَﺘْﻪ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﺑﻮﺟﻪ ﻻ ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻪ أﺛ ٌﺮ ﻣﻤﺎ َﻛﺎﺑَ َﺪﺗْ ُﻪ ﰲ ﻟﻴﻠﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،واﺑﺘﺴﻤﺖ إﻟﻴﻪ
ُﻣﺘَ َﻜ ﱢﻠﻔﺔ ،وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ إﻧﻪ ﻳﺤﺴﻦ ﺑﻪ أﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮ أ َ ْوﺑَﺘَﻬﺎ ﻫﺬا املﺴﺎء ﰲ ﻣﻮﻋﺪﻫﺎ ،ﻓﻘﺎل» :ﻃﻴﺐ،
ﻒ ﻗﻂ ﻋﻦ اﻧﺘﻈﺎر ﻋﻮدﺗﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺗُﺤِ ﺒﱢني« وﻟﻢ ﻳَﺒْ ُﺪ ﻋﻠﻴﻪ أﻧﻪ ﻋﺒﺄ ﺷﻴﺌًﺎ ،وإن ﻛﺎن ﻟﻢ ﻳَﺘَ َﺨ ﱠﻠ ْ
َت وﺗﺤﺎﻣَ َﻠ ْﺖ ﻋﲆ ﻣﺮة واﺣﺪة ﰲ ﺷﻬﻮر ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻓﻜﺎدت ﺗﻬﻮي إﱃ اﻷرض ،ﻏري أﻧﻬﺎ ﺗﺸ ﱠﺪد ْ
َ
ﻇﺮﻳﻔﺎ ﻟﻬﺎ دﻋﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻓﻘ ِﺒ َﻠ ْﺖ، ً ﻧﻔﺴﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﻳﻀﺎح :إن ﺟﺎ ًرا
وﺳﻴﺬﻫﺒﺎن ملﺸﺎﻫﺪة اﻟﴩﻳﻂ ﰲ ﺣﻔﻠﺔ املﺴﺎء ،ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺴﻨﻰ ﻟﻬﺎ أن ﺗَﺬْ َﻫﺐَ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﻬﻞ
ﺗﺮاﻫﺎ أﺧﻄﺄت؟ ﻓﻘﺎل :ﻻ ﻻ ﻻ ،إن اﻷﻣﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ،ﻓﻘﺪ أﺣﺴﻨﺖ ﻛﻞ اﻹﺣﺴﺎن ،وإﻧﻪ
ﻟﻴﴪه أن ﻳﺮاﻫﺎ ﺗﻨﻌﻢ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة.
اﻟﱰام» :آه! ﻛﺎن ﻣﺎ ﺧِ ْﻔ ُﺖ أن ﻳﻜﻮن! ﻓﻠﻴﺲ ﻫﺬا ﻋﻬﺪي ﻓﻘﺎﻟﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ وﻫﻲ ﺗ ْﺮ َﻛﺐ ﱢ
ﺑﻪ ،وﻛﻴﻒ ﻳﻄﻴﻖ — إذا ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺒﻨﻲ — أن ﻳﺘﺼﻮر أن أﻗﴤ ﺳﺎﻋﺘني وزﻳﺎدة إﱃ
ﺟﺎﻧﺐ ﺷﺎبﱟ ﻣﺜﻠﻪ ،وأن ﺗَ ْﻠﻤَ ﺲ ُر ْﻛﺒَﺘُﻪ ﺳﺎﻗﻲ ،أو ﻛﻔﻪ ﻛﻔﻲ ،وأن ﻧﺘﺴﺎﻣﺮ وﻧﺘﻀﺎﺣﻚ ﺣني
ﻳُﺘَﺎح ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ ،وﻗﺪ ﻧﺬﻫﻞ ﻋﻦ اﻟﺮواﻳﺔ ﺑﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ ،وأن ﻳﻘﻮم ﻫﺬا اﻟﺸﺎب ﻣﻘﺎﻣﻪ ،وﻳﻨﻮب
ﻋﻨﻪ ﰲ إﺑﻼﻏﻲ ﺑﻴﺘﻲ؟!«
َ َ
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك ﺷﺎبﱞ وﻻ رواﻳﺔ ،وإﻧﻤﺎ اﺧﺘﻠﻘ ْﺖ ﻫﺬا ﻟﺘﺜري ﻏ ْريﺗﻪ ،وﺗﻮﻗﻆ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي
ﻂ ﰲ اﻟﻨﻮم ،وﻟﻢ ﻳ ََﺴﻌْ ﻬَ ﺎ — وﻗﺪ َﻛﺬَﺑ َْﺖ — إﻻ أن ﺗُ ْﺆﺛِﺮ املﴚ ﻋﲆ اﻟﺮﻛﻮب ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﻟﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻳﻐ ﱡ
ﻃﺮﻳﻘﺎ أﻃﻮل ،وﺟﻌﻠﺖ إﱃ ﻫﺬا ،ﺗﺘﻠ ﱠﻜﺄ وﺗﻘﻒ أﻣﺎم ً ﻟﺘﺘﺄﺧﺮ ،وﻟﻢ ﺗَ ْﻜﺘَ ِﻒ ﺑﻬﺬا؛ ﺑﻞ اﺧﺘﺎرت
اﻟﺪﻛﺎﻛني ﺗﻨﻈﺮ وﻻ ﺗﺮى.
ﻃ َﺮ ْت رﻓﻴﻘﻬﺎ املﻮﻫﻮم، وﺳﺄﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻋﻦ اﻟﺮواﻳﺔ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ،ﻓﺄﺛْﻨ َ ْﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأ َ ْ
وﻓﻌَ ﻞ ﻛﻴﺖ وﻛﻴﺖ ،وأﺑﻰ أن ﻳﻌﻮد ﺑﻬﺎ إﻻ ﰲ ﺳﻴﺎرة، و َزﻋَ ﻤَ ْﺖ أﻧﻪ أ َ ْﻛ َﺮﻣَ ﻬﺎ َ ﱠ
وﴎﻫﺎ وﺗَﺤَ ﱠﻔﻰ ﺑﻬﺎ َ
ﻓﻘﺎل ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ» :ﺑﺮاﻓﻮ! ﻫﺬا ﺷﺎبﱞ ﻇﺮﻳﻒ وﻻ ﺷﻚ ،وإﻧﻪ ﻷﻫﻞ ملﺎ ﺗَﺬْ ُﻛ ِﺮﻳﻨﻪ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺨري
23
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وزﻳﺎدة ،وﻗﺪ اﻧﴩح ﺻﺪري اﻵن إذ ﻋَ َﺮ ْﻓ ُﺖ أﻧﻚ ﻣﴪورة« ،وأَﺣَ ﱠﺴ ْﺖ وﻫﻮ ﻳﻘﻮل ﻫﺬا أﻧﻬﺎ ﻻ
ﺗﺴﻤﻊ ﻛﻼﻣً ﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺘﻠﻘﻰ ﻃﻌﻨﺎت ﺧﻨﺠﺮ ﰲ ﺣﺒﺔ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،وﻛﺎد اﻟﺪﻣﻊ ﻳﻄﻔﺮ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ،
ﺻﺪ ِْره وراﺣﺖ ﺗﺒﻜﻲ ﺑﺄرﺑﻊ. ﻓﻠﻮﻻ اﻹﺑﺎء اﻟﺤﺮ ﻻرﺗﻤﺖ ﻋﲆ َ
اﻟﱰام ﺟﺎ ًرا ﻟﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ ،ﻳَﻌْ ِﺮﻓﻬﺎ وﺗَﻌْ ِﺮﻓﻪ ،ﻓﺤَ ﱠﺪﺛ َ ْﺖ
واﺗﻔﻖ ذات ﻣﺴﺎء أن ﻗﺎﺑَ َﻠ ْﺖ ﰲ ﱢ
وﺷﺠﱠ ﻌَ ﺘْﻪ ﺑﺎﻻﺑﺘﺴﺎم واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﲆ ﻧ َ ْﻔ ُﺴﻬﺎ أن ﷲ أرﺳﻠﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وأ َ ْﻗﺒَ َﻠ ْﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﺗﻮ ﱠدد ْ
َت إﻟﻴﻪَ ،
اﻟﱰام ﺻﺤْ ﺒَﺘﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻻ ﺗﺤﺴﻦ إﻻ املﺮأة أن ﺗﻔﻌﻞ ،وأدى ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻔﺘﻰ أُﺟْ ﺮة ﱢ اﻟﻄﻤﻊ ﰲ ُ
َﺧ َﻼ ﰲ ﺣﺪﻳﺚ اﺳﺘ ْﺪ َرﺟَ ﺘْﻪ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ دﻋﺎﻫﺎ إﱃ اﻟﺘﱠﻨ َ ﱡﺰه ﻣﻌﻪ ﻳﻮﻣً ﺎ ﻓﺸﻜ َﺮﺗْﻪ ُﺷ ْﻜﺮ املﺴﺘﺰﻳﺪ ،ود َ
ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ،ﻓﺎﺗﻔﻘﺎ ﻋﲆ ﻳﻮم اﻷﺣﺪ ﻷﻧﻪ ﻳﻮم راﺣﺘﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﺎ ﻋﲆ
ﻋﺎدﺗﻪ ﰲ املﺤﻄﺔ املﻌﻬﻮدة ،ﻓﻌَ ﱠﺮ َﻓﺘْﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺼﺪﻳﻖ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وأﺑ َﻠ َﻐﺘْﻪ ﻧﺒﺄ اﻟﺪﻋﻮة ﰲ ﻣﻮﻋﺪﻫﺎ،
َت ﻓﺴﺄ َﻟﺘْﻪ» :ﻣﺎ ﻗﻮﻟﻚ ﰲ أن ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻨﺎ؟« ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ وﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﺨﴙ أن وزاد ْ
ﺺ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ُﻣﺘْﻌَ ﺘَﻬﻤﺎ ﺑﻮﺟﻮده ،واﻋﺘﺬر ،وﻣﴙ ﻣﻌﻬﻤﺎ ﺧﻄﻮات ﺛﻢ اﺳﺘﺄذن ،واﻧﴫف ﱢ
ﻳﻨﻐ َ
ﻃ َﺮ ٍب .وﻟﻢ ﻳَﺒ َْﻖ ﰲ ﻧﻔﺲ زﻛﻴﺔ ﺷﻚ ﰲ أن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻗﺪ ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻣَ ِﺮﺣً ﺎ ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺮﻗﺺ ِﻣ ْﻦ َ ً
ﻄﺎ ﻟﺤﻘﻬﺎ، ﻣَ ﱠﻠﻬﺎ وﺳﻼﻫﺎ ،واﻋﺘﺎض ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮاﻫﺎ ،وﺣ ﱠﺰ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﺬا ،وﻋَ ﱠﺪﺗْﻪ ﻇﻠﻤً ﺎ ﻟﻬﺎ ،وﻏﻤ ً
أﻳﻀﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻨﻮي أن ﺗُﻨ ْ ِﺠﺰ وﻋْ ﺪَﻫﺎ ﻟﻠﻔﺘﻰ ﻓﺂﻟﺖ ﻟﺘﻔﻌﻞ، وﻏﺎﻇﻬﺎ واﺳﺘﺜﺎر ﻧ ِْﻘﻤَ ﺘﻬﺎ ً
وﻟﻴﻜﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن! أﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻣﴣ ﻋﻨﻬﺎ وﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﺸﻬﺪ ﻹﻋﻔﺎﺋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻳﺮﺗﻬﺎ ﺑﻀﻊ
ﺧﻄﻮات إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻬﺎ؟ وﻫﻞ ﺑﻘﻲ ﳾء ﻳﺪل ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﻌﺒﺄ ﺑﻬﺎ أو ﻳﻜﱰث ﻣﻤﺎ ﺗﻔﻌﻞ أو ﺗﱰك؟
إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳَﻌُ ْﺪ ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺣﻖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وأ َ ْﻛ َﱪ اﻟﻈﻦ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺘﻠﻬﻰ ﺑﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺤﺒﻬﺎ،
وﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﻓﺘﻨَﺘْﻪ ﻋﻨﻬﺎ إﺣﺪى ﻫﺎﺗﻴﻚ اﻟﻨﺴﻮة اﻟﻐﺰﻻت املﺘﺤﺒﺒﺎت إﱃ اﻟﺮﺟﺎل ،ﺑﺎرك
ﷲ ﻟﻪ ﻓﻴﻬﺎ أو ﻓﻴﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻓﻤﺎ ﻋﺎدت ﻫﻲ ﺗﺒﺎﱄ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ِﻣ ْﻦ أَﻣْ ِﺮه ،وإﻧﻬﺎ ﻟﺤﺮة اﻵن ﺑﻌﺪ
َﺼﺪ ُِﻓﻮن ﻋﻨﻬﺎ، ﺑﺎﻟﱰﻳﻜﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻘﺎﻫﺎ اﻟﺮﺟﺎل وﻳ ْ أن ﻧ َ َﻔ َﺾ ﻳﺪه ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬا اﻟﻨﻔﺾ ،وﻣﺎ ﻫﻲ ﱠ ِ
ﻋﻮﺿﺎ ﻋﻨﻪ ﻛﻤﺎ وَﺟَ ﺪَ. ً وﺳﱰﻳﻪ أﻧﻬﺎ ﻗﺎدرة ﻣﺜﻠﻪ ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻮان ،وواﺟﺪة
∗∗∗
اﻋﺘﺰﻣَ ْﺖ زﻛﻴﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺬي رأَﺗْﻪ ﻣﻦ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺔ املﺒﺎﻻة أن ﺗَ ْﺮ َﻛﺐ رأﺳﻬﺎ ،وﺗﻠﺞ ،ﻓﻤﺎ
ﺧﻤﺪت ﻧﺎر اﻟﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻠﻈﻰ ﻛﻨﺎر اﻟﺠﺤﻴﻢ ذات ْ ﺑﻘﻲ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺮى ﺣﻴﻠﺔ ،وﻗﺪ
وﺧﻤُﻮدﻫﺎ ﻫﻮ اﻟﺸﺎﻫﺪ ﻋﲆ أن ﺷﻌﻠﺔ اﻟﺤﺐ ﻗﺪ اﻧﻄﻔﺄت ،وأن ﻗﻠﺐ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺧﻼ، اﻟﻮﻗﻮدُ ،
واﻷرﺟﺢ أن ﺗﻜﻮن ﺳﻮاﻫﺎ ﻗﺪ ﺣَ ﱠﻠ ْﺖ ﻣﺤﻠﻬﺎ ،وﺗﺮﺑﱠﻌَ ْﺖ ﻣﺴﺘﻘِ ﺮة ﻣﻄﻤﺌﻨﺔ ،وﻻ ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻏري ﻫﺬا
ﻟﻔﺘﻮر ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ.
24
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
أن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻟﻢ ﻳ َُﻐ ﱢري وﻟﻢ ﻳَﻌُ ْﺪ ﻳﺮﺿﻴﻬﺎ ،ﺑﻞ ﻳﺴﺨﻄﻬﺎ وﻳﺴﺘﺜري ﺣﻨﻘﻬﺎ وﺣَ َﺮد ََﻫﺎ ﱠ
اﻟﱰام ،وﻻ ﻫﻮ ﻳﻔﻮﺗﻪ أن ﻳﻨﺘﻈﺮﻫﺎ ﻒ ﻋﻦ ﻣﺮاﻓﻘﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح إﱃ ﱢ ﻋﺎدﺗﻪ ﻣﻌﻬﺎ ،ﻓﻼ ﻫﻮ ﻳَ ُﻜ ﱡ
ﻋﻨﺪ إﻳﺎﺑﻬﺎ ﰲ املﺴﺎء ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﻼﻫﺎ واﻋﺘﺎض ﻣﻨﻬﺎ ﻏريﻫﺎ ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ؟ وﻣﺎ ﻟﻪ
ﻻ ﻳﺮﻳﺤﻬﺎ ﺑﺎﻟﻴﺄس ،وأﻣْ ﺮﻫﺎ إﱃ ﷲ؟ أﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻨﻜﺄ ﻟﻬﺎ اﻟﺠﺮح ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﺮﺗني؟ ﻫﻞ ُﻛﺘِﺐَ
ﻋﻠﻴﻬﺎ أن ﻻ ﻳﺰال ﻟﻬﺎ ﻣﻨﻪ ُﻣﺬَ ﱢﻛﺮ ﻻ ﻳﻐﻔﻞ وﻻ ﻳﱰﻛﻬﺎ ﺗﺘﻐﺎﻓﻞ وﺗﺘﺸﺎﻏﻞ وﺗﺘﻨﺎﻓﺲ وﺗﺘﻠﻬﱠ ﻰ؟
وﻻ ﻳﺴﻌﻬﺎ ﻛﻠﻤﺎ و ََﻗﻌَ ْﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻴﻨﻪ ورأت ﻫﺪوءه وﺳﻜﻴﻨﺔ ﻧﻔﺴﻪ ورﺿﺎه ﻋﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ إﻻ أن
ﺗﻘﻴﺲ ﻫﺬا إﱃ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَﻌْ ﻬَ ﺪ ﻣﻨﻪ ،وإﻧﻬﺎ َﻟ َﻘ ْﺴﻮَة أن ﻳُﻠ ِﺢﱠ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻤﺠﺎﻣﻠﺔ اﻟﺴﺎﱄ ﺑﻌﺪ َﻏ ْرية
املﺤﺐ اﻟﺜﺎﺋﺮ!
أﻳﻀﺎ ﻣﻌﻪ إﱃ اﻟﺴﻠﻮان، أم ﺗُ َﺮاه ﻳﺘﻌﻤﺪ ذﻟﻚ ﻟﻴﺤﻨﻘﻬﺎ ﻓﺘﻨﻔﺮ وﻳﻨﺘﻬﻲ أَﻣْ ﺮﻫﺎ ﻫﻲ ً
أو ﺣﺘﻰ إﱃ اﻟﺒﻐﻀﺎء؟ ﻫﻮ ﻋﺬاب ﻋﲆ اﻟﺤﺎﻟني ﻛﺎﺋﻨًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺮاده .و ََﻷَو َْﱃ ﺑﻪ وأرﻓﻖ ﺑﻬﺎ أن
ﻳَﺪَﻋَ ﻬﺎ وﺷﺄﻧﻬﺎ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻛﺘﺒﺪﻳﻞ ﺟﻠﻮد اﻟﻜﻔﺎر ﰲ ﺟﻬﻨﻢ ،وﺗﺠﺪﻳﺪﻫﺎ ﻛﻠﻤﺎ اﺷﺘﻮت واﺣﱰﻗﺖ
ﻟﻴﻈﻠﻮا ﰲ ﻋﺬاب أﻟﻴﻢ داﺋﻢ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ .وﺻﺎرت ﺗﺘﺄﺧﺮ ﻋﻦ ﻣﻮﻋﺪﻫﺎ ﻋﺎﻣﺪة ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮاه
اﻟﱰام ﻣ ُْﺴ ِﻨﺪًا ﻇﻬﺮه إﱃ ﻣﺼﺒﺎح اﻟﻨﻮر وﻳﺪاه ﰲ ﺟﻴﺒﻴﻪ ،ﻓﻤﺎ ﺑَ ِﻘﻴ َْﺖ واﻗﻔﺎ ﰲ ﻣﺤﻄﺔ ﱢ ﻛﻌﺎدﺗﻪ ً
ْﺧﻞ وﺗﻐﻴﺐ ﻟﻬﺎ ُﻗ ْﺪ َرة ﻋﲆ اﻻﺣﺘﻤﺎل .وﺗَ َﻠ ﱠﻜﺄ َ ْت ﻣﺮة أﻣﺎم دار اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ وﻧﺎ َزﻋَ ﺘْﻬﺎ ﻧﻔﺴﻬﺎ أن ﺗَﺪ ُ
ﰲ ﺟﻮﻓﻬﺎ ﺳﺎﻋﺘني ،وإن ﻛﺎﻧﺖ رواﻳﺔ ﻏري ﻋﺮﺑﻴﺔ ،واﺣﺘﻤﺎل َﻓﻬْ ﻤﻬﺎ ملﻮﺿﻮﻋﻬﺎ وﴎورﻫﺎ ﺑﻪ
ﺑﻌﻴﺪ ،واﺳﺘﻬﻮ َﻟ ْﺖ أن ﺗُﻨْﻔِ ﻖ ﰲ ﺳﺎﻋﺘني أُﺟْ َﺮة ﻳﻮﻣني ،وﺗَﻤَ ﻨ ﱠ ْﺖ أن ﻳَ ْﺮ ُزﻗﻬﺎ ﷲ ﺑﺮﺟﻞ ﻃﻴﺐ
واﺳﻊ اﻟﺮزق ،ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻬﺎ :ﺗﻌﺎﱄ ﻳﺎ ﺑﻨﺘﻲ ،ﻓﻘﺪ أﺟﺎب ﷲ ﺳﺆﻟﻚ ،وﺑﻌﺜﻨﻲ إﻟﻴﻚ ﻟﺘﺴﺘﻤﺘﻌﻲ
ﺑﻤﺎ ﺗﺸﺎﺋني .واﺳﺘﻬﺠَ ﻨ َ ْﺖ أن ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ ،وأﻧ ْ َﻜ َﺮ ْت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻧﻔﺴﻬﺎ،
أن» :وﻣﺎﻟﻪ! أﻧﻬﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻘﺒﻞ دﻋﻮة ﻣﻦ ﻏﺮﻳﺐ إﱃ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ أو ﻏريﻫﺎ ،وﻃﺎف ﺑﺮأﺳﻬﺎ ْ
وﻣﺎ ﺿري ذﻟﻚ؟! وﻣﺎذا أﺧﴙ؟ أَﺗُ َﺮاه ﻳﺄﻛﻠﻨﻲ؟« وأ َ ْﻟ َﻔ ْﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﺮ ﱡد وﺗﻘﻮل» :ﻋﻴﺐ ﻳﺎ زﻛﻴﺔ،
اﺧﺘﴚ! أﻧﺖ ﺑﻨﺖ ﻧﺎس ،وﻣﺎ ﻫﻜﺬا ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻨﺎت اﻟﻨﺎس! وﻣﺎذا أَﺑ َْﻘﻴ ِْﺖ ﻟﻠﺨﻠﻴﻌﺎت اﻟﻔﺎﺟﺮات؟«
واﺳﺘَﺤَ ْﺖ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺬي ﻳﺰﺟﺮﻫﺎ إﻧﺴﺎن ﺣﻘﻴﻘﻲ ،وﻫﺰت رأﺳﻬﺎ ،وﺳﻤﻌﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺗﻘﻮل ْ
ﺑﺼﻮت ﺧﺎﻓِ ٍﺖ» :ﻫﻮ ﺻﺤﻴﺢ؟ إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﻼم!« ٍ
َت وﺣَ ﱠﻮ َﻟ ْﺖ وَﺟْ ﻬَ ﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ،ﻓﻠﻮ رآﻫﺎ أﺣﺪ ﻟﻈﻦ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺄﻣﻞ اﻟﺼﻮرة وﺗﻨﻬﱠ ﺪ ْ
ﻄ ِﺮﻗﺔ ،وإذا ﻄ ْﺖ ﺧﻄﻮات وﻫﻲ ُﻣ ْ املﻨﺸﻮرة ﻋﲆ اﻟﺠﺪران ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻹﻋﻼن واﻟﺘﺸﻮﻳﻖَ ،
وﺧ َ
ﺑﺠﺎرﻫﺎ ﻳُﺪ ِْر ُﻛﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﻠﻬﺚ ﻣﻦ اﻟﻌﺪْو وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ» :أﻳﻦ ﻛﻨﺖ؟« ﻓﺄدارت إﻟﻴﻪ وﺟْ ﻬﻬﺎ وﻗﺎﻟﺖ
ﺑﺠﻔﻮة» :وأﻧﺖ ﻣﺎﻟﻚ!« وﺗَﻌَ ﺠﱠ ﺒ َْﺖ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ،وأَﺣَ ﱠﺴ ْﺖ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻔﺮح ﺑﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ رﻓﻴﻖ
ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ،وﻫﻮ ﺟﺎ ٌر ﻟﻬﺎ وﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻌﺮﻓﺔ ،ﻓﻼ ﻏﺮاﺑﺔ إذا ﻛﻠﻤﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﺛﻢ إﻧﻪ ﻫﻮ
25
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﺬي أرادت أن ﺗُ َﻜﺎ ِﻳﺪ ﺑﻪ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ وﺗﺴﺘﺜري َﻏ ْريَﺗﻪ ،ﻓﻤﺎ ﻟﻬﺎ ﺗﻤﺘﻌﺾ اﻵن إذ ﺗﺮاه؟ وﺣَ ﱠﺪﺛ َ ْﺖ
ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗَﺪَﻋَ ﻪ ﻳﺮاﻓﻘﻬﺎ إﱃ ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﻋﴗ أن ﻳﺮاه ﻣﻌﻬﺎ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻓﻴﻌﺮف
ﺑﺪﻳﻼ ،وأﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻳﺰﻫﺪ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺮﺟﺎل إذا ﻛﺎن ﻫﻮ ﻗﺪ َزﻫِ ﺪَ! َت ﻣﻨﻪ ً أﻧﻬﺎ وَﺟَ ﺪ ْ
ﻃ َﺮ َدﺗْﻪ ﻃﺮدًا ،ﻛﺄﻧﻪ ﻋﻤ ٌﻞ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ ،وﻛﺄﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻧﺤﱠ ْﺖ ﻫﺬا اﻟﺨﺎﻃﺮ و َ
وﻓﻮﺟﺊ اﻟﻔﺘﻰ ودﻫِ َﺶ وﺟَ ﻌَ َﻞ ﻳﻜﺮر» :أﻧﺎ ﻣﺎﱄ؟! أﻧﺎ ﻣﺎﱄ؟!«
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻧﻌﻢ ،ﻣﺎﻟﻚ أﻧﺖ! أﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن أﻣﴚ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ إﻻ وﺗﺸﻖ اﻷرض وﺗﻄﻠﻊ ﱄ
ﻛﺎﻟﻌﻔﺮﻳﺖ؟ ﳾء ﺑﺎرد!«
ﻓﺰادت دﻫﺸﺔ اﻟﻔﺘﻰ وﻣﺪ ﻳﺪه وﺗﻨﺎول ﻳﺪﻫﺎ وﺳﺄﻟﻬﺎ» :ﻣﺎذا ﺟﺮى؟ ﻣﺎذا ﻓﻌﻠﺖ؟«
ﻄﺒﺔ ﻣﺸﻤﺌﺰة وﻗﺎﻟﺖ» :ﻣﻦ ﻓﻀﻠﻚ اﺗﺮﻛﻨﻲ ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻓﺎﻧﺘﺰﻋﺖ ﻳﺪﻫﺎ ﻣﻨﻪ وﻫﻲ ﻣﻘ ﱢ
أﺣﺴﻦ«.
ﺑﻜﻒ وﻗﺎل» :ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺣﺴﻦ أو ﺑﺎﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻗﺒﺢ ،ملﺎذا؟ ﻣﺎذا ﺟﺮى؟« ﱟ ﻓﴬب ٍّ
ﻛﻔﺎ
ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺑﻪ ﻣﺮة أﺧﺮى» :ﻗﻠﺖ ﻟﻚ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي اﺗﺮﻛﻨﻲ! ﻣﺎﻟﻚ وﻣﺎﱄ؟ أﻣﺎ إن أﻣﺮك
ﻏﺮﻳﺐ! ﺻﺤﻴﺢ ﺛﻘﻴﻞ!«
َ َ ْ َ ْ
ﻮﺟ َﻞ ﺑﴬﺑﺔ أﻟﻘﺘ ُﻪ ﻋﲆ اﻷرض ،وﻧﻈ َﺮ ْت زﻛﻴﺔ ﻓﺈذاَ وﻫ ﱠﻢ اﻟﻔﺘﻰ ﺑﺎﻟﻜﻼم ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋُ ِ َ
َ ْ
ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﻳﺘﻬﻴﺄ ﻟﻺﺟﻬﺎز ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺠَ ﱠﺮﺗ ُﻪ ِﻣ ْﻦ ُﻛﻤﱢ ﻪ ،وﻫﻲ ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ وﻓ ِﺮﺣﺔ وﺧﺎﺋﻔﺔ واﺟﻔﺔ
وﺧ َﺮجَ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻤﺎ َزﻋَ ﻤَ ْﺖ أن اﻟﻔﺘﻰ ﻳ َْﻔﻌَ ﻞ، ﺷﻖ اﻷرض َ اﻟﻘﻠﺐ … ﻣﺘﻌﺠﺒﺔ ﻷن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﱠ
وﻓ ِﺮﺣﺔ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن وﻛﺎن آﺧﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻟﻬﺎ ﰲ ﺧﺎﻃﺮ أن ﺗﺮى ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻨﺎﺣﻴﺔَ ،
ﻣﺘﻠﻬﺒًﺎ ﻣﺘﻐري اﻟﻮﺟﻪ ﻛﻌﻬﺪﻫﺎ ﺑﻪ ﺣني ﺗﺄﻛﻞ َﻗ ْﻠﺒَﻪ اﻟﻐرية ،وﺧﺎﺋﻔﺔ ﻷﻧﻬﺎ َﺧ ِﺸﻴ َْﺖ أن ﻳﺼﻴﺐ
اﻟﻔﺘﻰ ﻣﻜﺮوه ﻓﻴﻘﻊ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ ﰲ ﺑﻠﻴﺔ.
َ
وﻣﻀ ْﺖ ﺑﻪ دون أن ﻳﺘﻠﻔﺖ أﺣ ٌﺪ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﱃ ذﻟﻚ اﻟﺬي وَﻗ َﻊ ﻋﲆ اﻷرض ﻛﺎﻟﺤﺠﺮ ،وﻟﻢ َ
وﻫ ﱠﻢ ﺑﺄن ﻳﻨﴫف ،ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ وﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: اﻟﱰام ،ﻓﺤﻴﺎﻫﺎ َ ﻂ ﱢ ﻳﺘﻜﻠﻤﺎ ﺑﴚء ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﺎ َﺧ ﱠ
»ﻣﺎﻟﻚ؟ ﻣﺎذا ﺟﺮى؟«
ﻗﺎل» :ﻻ ﳾء ،ﻟﻢ ﺗﻌُ ْﺪ ﺑﻚ ﺣﺎﺟﺔ إﱄ ،ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﺒﻘﺎﺋﻲ ﻣﻌﻚ«.َ
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ؟«
ﻗﺎل» :وﻣﺎ ﺳﺆاﻟﻚ ﻫﺬا! أ َ َﻟ ْﺴ ِﺖ ﻗﺪ ِﺑﻌْ ﺘِﻨﻲ؟«
ﻗﺎﻟﺖ» :أﻧﺎ ِﺑﻌْ ﺘُ َﻚ؟«
ﻗﺎل» :أَﻳﱡﻨَﺎ اﻟﺬي ﺑﺎع ﺻﺎﺣﺒﻪ إذن؟«
ﻓﻜﺎدت ﺗﺮﻗﺺ ﰲ اﻟﺸﺎرع ،و َﻛﺒَﺤَ ْﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،واﻗﱰﺣﺖ ﻋﻠﻴﻪ أن ﻳﺘﻤﺸﻴﺎ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ
ﻟﻴﺘﺴﻊ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﻠﻜﻼم …
26
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
رﺟﻼ ﻣﺠﺮﺑًﺎ،وﻻ ﻧﻄﻴﻞ ،وﻣﺎ اﻟﺪاﻋﻲ؟ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﺻﺔ ﻣﺎ ﻋَ ﻠِﻤْ ﺘُﻪ أن ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ اﺳﺘﺸﺎر ً
ﻓﻘﺎل اﻟﺤﻜﻴﻢ اﻟﻌﺎرف ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ وأﴎار اﻟﻨﻔﻮس :إﻧﻪ ﻣﺎ َﻗﺘَ َﻞ ﺣُ ﺐﱠ املﺮأة وﻻ ﻧ َ ﱠﻔ َﺮﻫﺎ ﻣﻦ
َرﺟُ ﻠِﻬﺎ ﻛﺸﺪة َﻏ ْريَﺗﻪ ،وإﻧﻪ ﻣﺎ ﻫﺎج ﺣﺮﻗﺎﺗﻬﺎ ﳾء ﻛﻘﻠﺔ املﺒﺎﻻة ،ﻣﻬﻤﺎ ﻳَ ُﻜ ْﻦ ﻣﺎ ﺗَ ْﻔﻌَ ﻞ أو ﻣﺎ
وراض ﻧ َ ْﻔ َﺴﻪ وﺗَﺤَ ﺎﻣَ َﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،ﺣﺘﻰ َﻛﺘَ َﻢ أﻧﻔﺎس َﻏ ْريَﺗﻪ املﺘﺄﺟﺠﺔ
َ ﻓﺼﺪ َﱠﻗﻪ ﻋﺒﺪ املﻨﻌﻢ
ﺗَ ْﱰُكَ .
ﺣﺎل ﻣﻦ اﻟﻔﺘﻮر املﻮﺻﻮف املﺮﺟﻮ اﻟﺨري ،ﻓﻜﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن ِﻣ ْﻦ أَﻣْ ِﺮﻫﻤﺎ ﻣﻌً ﺎ ﻟﻴﺒﺪو ﻟﺰﻛﻴﺔ ﻋﲆ ٍ
ﻣﺎ ﻳَﻌْ ِﺮف اﻟﻘﺎرئ.
ﻃ َﻠ َﻊ ﻓﺘﻔﺴريه أن ﺗَﺄ َ ﱡﺧﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﻮاﻋﻴﺪﻫﺎ أ َ ْزﻋَ ﺠﻪ ،وأﻃﺎر أﻣﺎ ﻛﻴﻒ َﺷ ﱠﻖ اﻷرض و َ
اﻟﻮﺻﻔﺔ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ،ﻓﺮاح ﻳﺘْﺒَﻌُ ﻬﺎ ﰲ ذﻫﺎﺑﻬﺎ وإﻳﺎﺑﻬﺎ وﻫﻲ ﻻ ﺗﺮاه.
∗∗∗
ﴢ ،ﻣﻌﺮوﺿﺔ ﰲ دﻛﺎن ،أو ﻋﲆ أﻳﺪي ﺑﺎﺋﻌﻴﻬﺎ اﻟﻄﻮاﻓني ﺑﻬﺎ ،أو ﺗﺤﺖ آﺑﺎﻃﻬﻢ ،ﻻ ﻳﺒﺪو ﱄ اﻟﻌِ ِ ﱡ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أﻋﻮاد ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﻣﻨﺠﻮر وﻣﺪﻫﻮن ﻣﺼﻘﻮل .وﻟﻜﻨﻬﺎ ﰲ أﻳﺪي ﻣﺘﺨﺬﻳﻬﺎ أو ﺣﺎﻣﻠﻴﻬﺎ،
أو املﺘﻮﻛﺌني ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺪبﱡ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺗﻜﺘﺴﺐ »ﺷﺨﺼﻴﺔ« وﺗﻨﻘﻠﺐ أﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻌﻨﻮان أو
اﻟﺸﺎرة أو اﻟﺮاﻳﺔ.
ْ
وأﻧﺎ أرى ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ — اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤَ ْﺖ ﱄ ﻛﺎملﺮض — ﻛﺜريﻳﻦ ﻳَﻐﺪُون وﻳَ ُﺮوﺣُ ﻮن،
ﺧﻄﻔﺎ وﻻ ﻳﺜﺒﺘﻮن ﻋﲆ اﻟﻨﻈﺮ ،ﻓﻼ ً وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أَﺟْ ﻌَ ﻞ ﺑﺎﱄ إﱃ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﺎﺑﻠﺔ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻤﺮون
ﻳﺘﺴﻨﻰ ﱄ أن أﺗﺪﺑﺮﻫﻢ ،إذ ﻛﺎن اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺒﺪو ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻔﻲ ،أو ﻻ ﻳ َُﺴ ﱢﻠﻢ
اﻟﱰام وﻳﺴﺄﻟﻮن ﷲ ﰲ ﺣﺘﻰ ﻳﻮدﱢع ،وﻣﻦ أﺟﻞ ﻫﺬا أُوﺛِﺮ اﻟﻮاﻗﻔني ﻋﲆ اﻟﺮﺻﻴﻒ ﻳﻨﺘﻈﺮون ﱢ
ﻄﻒ ﷲ َﻗ ْﻠﺐ ﺳﺎﺋﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻘﻒ رﻳﺜﻤﺎ ﻳَﺜِﺒُﻮن ﴎﻫﻢ أن ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺪم ،وأن ﻳُﻌَ ﱢ ِ ﱢ
ﻣﺘﺰاﺣﻤني ﻣﺘﺪاﻓﻌني إﱃ ُﺳ ﱠﻠﻤﻪ ،أو ﻳﺘﻌﻠﻘﻮن ﺑﴚء ﻓﻴﻪ ﺗَﺒْﻠُﻐﻪ اﻟﻴﺪ وﺗﺘﺸﺒﺚ ﺑﻪ.
ﻣﺘﻤﻬﻼ ،ﻛﺄﻧﻪ »ﺟﻤﻞ املﺤﻤﻞ« وﻳﻘﻒ ﰲ ً وﻳﺨﻠﻮ اﻟﺮﺻﻴﻒ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻳ ُْﻘ ِﺒﻞ ﱢ
اﻟﱰام ﻣﱰﻳﺜًﺎ
املﺤﻄﺔ ،دﻗﻴﻘﺔ ودﻗﻴﻘﺘني ،وﻟﻴﺲ ﺑﻪ إﻻ ﺳﺎﺋﻘﻪ وﺣﺎدِ ﻳﻪ أو َز ِاﻣ ُﺮه ،وﻛﺄﻧﻤﺎ ﻳﻘﻮل :ﻫﺎ أﻧﺎ ذا
راﻏﺐ ﰲ رﻛﻮب ،ﻓﺎﻟﻠﻬﻢ اﺷﻬﺪ! ﺣﺘﻰ إذا ﻣَ ﱠﻞ اﻟﻮﻗﻮف واﻟﺘﻠﻜﺆ، ٍ راﻛﺐ أو
ٍ ﻗﺪ و ََﻗ ْﻔ ُﺖ ،وﻣﺎ ﻣﻦ
واﻧﻄﻠﻘﺖ اﻟﺰﻣﺎرة ﺗﺪﻋﻮه إﱃ اﺳﺘﺌﻨﺎف اﻟﺴري ،أﻗﺒﻞ رﺟﻞ ﻳﻌﺪو ِﻟﻴُﺪ ِْر َﻛﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺴﺎﺋﻖ ﻳﻜﻮن َ
ﻗﺪ أﻋﻄﺎه ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﴎﻋﺔ ،ﻓﻴﻘﻒ املﺴﻜني وإﺣﺪى ﻗﺪﻣﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﺻﻴﻒ واﻷﺧﺮى
ُﴪاه ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻪ ،ورأﺳﻪ ﻣَ ﺜْﻨ ﱞِﻲ ،وﺻﺪره ﻛﺎﻟﺨﻀﻢ ﻳﻌﻠﻮ ﻋﲆ اﻷرض ،وﻳﻤﻨﺎه ﻋﲆ اﻟﻌﺼﺎ ،وﻳ ْ َ
وﻳﻬﺒﻂ ،وﻻ ﻗﺪرة ﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﺳﻮء ﺣﻈﻪ ،ﻣﻦ ﺷﺪة اﻹﻋﻴﺎء.
27
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻇﻬْ َﺮه وﻳﺴﻌﻰ املﺴﻜني إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮم ﻣﺼﺒﺎح اﻹﺿﺎءة اﻟﺬي ﺣُ ِﺠﺐَ ﺿﻮءه ،وﻳ ُْﺴﻨِﺪ َ
إﻟﻴﻪ ،وﻳﺘﻮﻛﺄ ﻋﲆ اﻟﻌﺼﺎ ﺑ ِﻜ ْﻠﺘَﺎ ﻳﺪﻳﻪ ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺰال ﻳﻨﻬﺞ ،وﻳﺠﻲء ﺗﺮام ﰲ إﺛﺮ ﺗﺮام ،ﻓﻼ
ﻒ ملﺎ ﻛﺎن ﻓﻴﻪ ﻣﻮﺿ ٌﻊ ﻳﻨﺤﴩ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ وﻻ ِﻃ ْﻔﻞ رﺿﻴﻊ. ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻛﺄﻧﻪ ﰲ ﺳﺒﺎق ،وﻟﻮ و ََﻗ َ
ﻓﺄﺗﻌﺠﺐ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻆ اﻟﺬي ﻳ ُْﺸ ِﺒﻪ »اﻟﺮﻓﻴﻖ املﺨﺎﻟﻒ«.
ﻣﺴﺘﻌﺠﻼ ﻓﻴﻌﻮﻗﻪ ﻛﻞ ﳾء ﻋﻤﺎ ﻳﻄﻠﺐ ،وﻳﻜﻮن ﰲ ﻓﺴﺤﺔ ِﻣ ْﻦ أَﻣْ ِﺮه ً ﻳﻜﻮن املﺮء
وو َْﻗﺘِﻪ ،ﻓﺈذا ﻛﻞ ﳾء ُﻣﻴ ﱠَﴪ ،وﻣﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻪ أو ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ،ﻣﻬﻴﺄ ﺣﺎﴐ .ﺧﺮﺟْ ُﺖ ﻣﺮة
ﺼﺪ — وﻟﻴﺲ ﱄ ﻣﻄﻠﺐ ﺳﻮى ﻫﺬه اﻟﺮﻳﺎﺿﺔ اﻟﻬﻴﻨﺔ ،ﻓﺒَ َﻠ ْﻐ ُﺖ أﺗﻤﴙ — ﻋﲆ ﻏري ُﻫﺪًى أو َﻗ ْ
ﻒ ،ﻓﺎﺷﱰﻳﺖ ﻣﺎ أﺑﻐﻲ ﻣﻦ اﻟﱰام وو ََﻗ َ ﻓﻤ ْﻠ ُﺖ إﻟﻴﻪ ،وﺟﺎء ﱢ
ﻣﺤﻄﺔ ﺗﺮام أﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﺋﻊ ﺳﺠﺎﻳﺮِ ،
واﻗﻔﺎ وﻣﺎ ﻓﻴﻪ ً اﻟﱰام ﻻ ﻳﺰال ْت ﻷﻋﱪ اﻟﺸﺎرع إﱃ اﻟﺮﺻﻴﻒ اﻵﺧﺮ ﻓﺈذا ﱢ اﻟﺴﺠﺎﻳﺮ ،وارﺗﺪد ُ
ٌ
ﺻﻮت ﻄﻊ ﺗﺮدﱡدِي إﻻ ْت :أأرﻛﺐ أم أﺗﻤﴙ! وﻟﻢ ﻳ َْﻘ َ راﻛﺐ واﺣﺪ ،ﺣﺘﻰ وﻻ ذﺑﺎﺑﺔ ،ﻓﱰ ﱠدد ُ
ﺧﺎص ﱞ ﻓﻀﺤِ ْﻜ ُﺖ و َر ِﻛﺒ ُْﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﴘ» :ﻫﺬا ﺗﺮا ٌم وإﻻ ﺗِﻤْ ِﴚ!« َ ﻳﻘﻮل ﱄ» :ﻣﺎ ﺗﺮﻛﺐ ﱠ
ﻳُ ِﻘ ﱡﻠﻨﻲ ،وﻟﻜﻦ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻳﺸﺎء ﻫﻮ ﻻ أﻧﺎ« وﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﺑﻐﻲ اﻟﺮﻛﻮب ﻟﻜﺎن اﻷرﺟﺢ أن ﻳﻜﻮن
ِﻒ.ﻏﺎﺻﺎ ،وأن ﻻ ﻳَﻘ َ
ٍّ
وأﻋﻮد إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻒ ﻣﻌﺘﻤﺪًا ﻋﲆ ﻋﺼﺎه ،ﻓﺄﻗﻮل :إﻧﻪ ﻛﻬﻞ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺼﺎ َر َﻓﻌَ ﺘْ ُﻪ
إﱃ اﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ املﺘﻬﺪﻣﺔ ،وﻟﻘﺪ رأﻳﺘﻪ ﻳﻌﺪو ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﺗﺰال ﻟﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﻮة ،وﻟﻜﻦ اﻟﻌﺼﺎ
أﺿﺎﻓﺖ إﱃ ِﺳﻨﱢﻪ وﻫﻮ واﻗﻒ ﻋﴩﻳﻦ ﻋﺎﻣً ﺎ.
ﻓﺎر َغ اﻟﻴﺪﻳﻦ ،ﻓﻼ ﺗﺨﺪﻋﻨﻲ ﺻﺒﻐﺎ ُﻣﺘْ َﻘﻨًﺎ ،أراه أﺣﻴﺎﻧًﺎ ِ ً ﺷﻴﺨﺎ ﻳﺼﺒﻎ َﺷﻌْ َﺮه ً وأﻋﺮف
ﻋﺼﺎ ﻗﺼرية ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ ﰲ أﻳﺪي ﻃﻠﺒﺔ ﻣﺪرﺳﺔ اﻟﺼﺒﻐﺔ وﻻ ﺗُ َﺰوﱢر ِﺳﻨﱠﻪ ،وأراه وﰲ ﻳﺪه ً
أﻳﻀﺎ؛ ﻷﻧﻪ اﻟﺒﻮﻟﻴﺲ ﺳﻮى أﻧﻬﺎ أﻏﻠﻆ ،ﻓﺈذا ﺑﻪ ﻗﺪ ارﺗَ ﱠﺪ ﺷﺎﺑٍّﺎ .ﻓﻴﻤﺎ أرى ،وﻓﻴﻤﺎ ﻳُﺤِ ﱡﺲ ﻫﻮ ً
ﻒ وأ َ َﺷ ﱠﺪ وﻃﺌًﺎ ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺄَﺗَﻌَ ﺠﱠ ﺐُ . ﻂ وأ َ َﺧ ﱠ ﻳﻜﻮن وﻫﻲ ﻣﻌﻪ أَﻧ ْ َﺸ َ
ﻋﺼﺎ ﻣﻔﻀﻀﺔ املﻘﺒﺾ ،ﻓﺄﻗﻮل ﻟﻨﻔﴘ :ﻫﺬا وأرى ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻣﺒﺎﻟ ًِﻐﺎ ﰲ اﻟﺘﺄﻧﻖ وﰲ ﻳﺪه ً
أﻳﻀﺎ، ﻓﺘًﻰ ُﻣ َﺪ ﱠﻟﻞ أو ﻣُﺤْ ﺪِث ﻧﻌﻤﺔ ،وﻻ اﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻴﻪ وﻻ ﺧري ﻓﻴﻪ ،واﻷﻏﻠﺐ أن ﻳﻜﻮن أﻣﻴٍّﺎ ً
وﻣﻌﻄﻔﺎ ،ﻓﺎﻋﺘﺎض ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺛﻴﺎب اﻷﻓﻨﺪﻳﺔ ،وأﺳﺎء اﺧﺘﻴﺎر اﻷﻟﻮان، ً وﻟﻌﻠﻪ ﻛﺎن ﻳﻠﺒﺲ ﺟﻠﺒﺎﺑًﺎ
َ
ﻇ ﱠﻞ ﰲ ﺟﻠﺒﺎﺑﻪ وﻣﻌﻄﻔﻪ ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻟﻌﺼﺎ أﺷﺒﻪ ﺑﻪ وأ ْﻟﻴَﻖ ،و َﻟﻤَ ﺎ ﻋﺪا ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أن ﻳﻜﻮن ﻣﻦ وﻟﻮ َ
»أوﻻد اﻟﺒﻠﺪ« اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﺮﺟﻮن ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه املﻼﺑﺲ ﺣني ﻳﺮﻳﺪون أن ﻳُﺤْ ﻴُﻮا اﻟﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﺴﻬﺮ،
وأن ﻳَ ِﺒﻴﺘُﻮا ﰲ »ﺧﻤﻮر وأﻣﻮر« ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل اﺑﻦ اﻟﺮوﻣﻲ ﰲ ﺻﻔﺔ اﻟﺘﺠﺎر.
28
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺳﻦ أﺧﺮى .وﻛﺬﻟﻚ أﻟﻮاﻧﻬﺎ وزﻳﻨﺘﻬﺎ واﻟﻌﺼﺎ ﻛﺎﻟﻠﺤﻴﺔ ﺗﻜﻮن أ َ ْﻟﻴَﻖ ﰲ ِﺳ ﱟﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﱟ
اﻟﺬوق
ِ أو ﻋﻄﻠﻬﺎ وﺣﺠﻮﻣﻬﺎ .وﻫﻲ ﺗُﻮَاﻓِ ﻖ اﻟﺬوق اﻟﻌﺎ ﱠم ﺣﻴﻨًﺎ وﺗﻨﺎﻓﻴﻪ ﺣﻴﻨًﺎ آﺧﺮ .ﻓﻤﺎ ﻟﻬﺬا
ﻣﺜﻼ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺴﺘﻐﺮﺑًﺎ أن ﺗﺮى َﺎت ،وإﻧﻪ ﻟﺪاﺋﻢ اﻟﺘﻐري واﻟﺘﻄﻮر .ﻓﻔﻲ اﻟﺠﻴﻞ املﺎﴈ ً ﺛَﺒ ٌ
ﴢ ،وﻻ ﻳَﺒْﺪُون إﻻ وﻫﻲ ﰲ أﻳﺪﻳﻬﻢ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ اﻟﺸﺒﺎن اﻷﻗﻮﻳﺎء اﻟﺨﻔﺎف ﻳﺘﺨﺬون اﻟﻌِ ِ ﱠ
ﻋﺼﺎ .وﻻ ﻋﺠﺐ، اﺧﺘﻠﻒ اﻟﺤﺎل ،وﺻﺎر اﻟﺬوق اﻟﻌﺎم ﻳَﻨْﻔﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﺮ اﻟﺸﺎب وﰲ ﻳﺪه ً
ﻓﺈن ﻣﻦ ﻳﻜﺘﻔﻲ ﻣﻦ املﻼﺑﺲ ﺑﻘﻤﻴﺺ ﻣﻔﺘﻮح اﻟﺠﻴﺐ ،ﻗﺼري اﻟ ُﻜﻤﱠ ني ،وﴎوال إﱃ ﻣﺎ ﻓﻮق
ﻋﺼﺎ؛ ﻷن ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﺼﺎ ﻻ ﻳﻮاﺋﻢ اﻟﺮﻛﺒﺔ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن إﻻ ﻣ ُْﺴﺘَﻬْ ﺠَ ﻦ املﻨﻈﺮ إذا اﺗﱠ َﺨﺬ ً
ﻫﺬه اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻴﺪ ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﻘﻮة واﻟﺠﻠﺪ واﻟﻨﺸﺎط واﻷﴎ واملﺮح.
َ
ﻋﺼﺎ ذات ﺗﺎرﻳﺦ ،وﻟﻢ ﺗَ ُﻜ ْﻦ ﻋﺼﺎي وﻻ ُﻛﻨ ْ ُﺖ اﺷﱰﻳﺘﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ أﻋَ ﺎ َرﻧِﻴﻬَ ﺎ وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﱄ ً
ﻴﻀ ْﺖ ﺳﺎﻗﻲ ،وﻛﺎن أﺧﻲ — وﻫﻮ أﻗﴫ ﻣﻨﻲ — أو ﻧﺰل ﱄ ﻋﻨﻬﺎ — ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﻌﻘﺎدَ ،ﻟﻤﱠ ﺎ ﻫِ َ
ﻋﺼﺎ أﻃﻮل ﻣﻨﻪ ،ﻓﺎﺳﺘﻌﺮﺗﻬﺎ ﻣﻨﻪ ﻷﺗﻮﻛﺄ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺗﻜﺎد ﻗﺎﻣﺔ — ﻳَﺘﱠﺨِ ﺬ ً
ﺗﺒﻠﻎ ﻛﺘﻔﻲ ،ﻓﺒﺎ َد ْﻟ ُﺖ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻘﺎد وﻫﻮ ﻣﺪﻳﺪ اﻟﻘﺎﻣﺔ ،ﻏري أن ﻋﺼﺎه ﻛﺎن ﻗﺼرية ﺗﺼﻠﺢ
ﻇ ﱠﻠ ْﺖ ﻣﻌﻲ ﺳﻨﻮات ﻃﻮﻳﻼت ،ﻋَ َﺮ َﻓﻬﺎ إﺧﻮاﻧﻲ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ،ﻟﻄﻮل ﻋﻬﺪي ﺑﺼﺤﺒﺘﻬﺎ، ﱄ دوﻧﻪ ،و َ
وﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻔﺎرﻗﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﻮم ،ﻛﻨﺖ أﺑﻘﻴﻬﺎ إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ،وﻛﻨﺖ رﺑﻤﺎ ﻧﺴﻴﺘﻬﺎ
ﻓﱰ ﱡد إﱄ ﱠ ﻛﺎﻟﺜﻮب اﻟﺬي ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ اﻟﺸﺎﻋﺮ: اﻟﱰام ،أو ﻣﻘﻬً ﻰ ،أو ﺑﻴﺖ ﺻﺪﻳﻖَ ُ ، ﰲ ﱢ
ﻟ ﻮ ﺑ ﻌ ﺜ ﻨ ﺎه وﺣْ َﺪ ُه ﻟ ﺘ ﻬ ﺪﱠى ﻃﺎل ﺗﺮداده إﻟﻰ اﻟ ْ
ﺮﻓﻮ ﺣﺘﻰ
ﺛﻢ اﺗﺨﺬت ﺑﻴﺘﻲ ﰲ ﺻﺤﺮاء اﻹﻣﺎم ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﻗﺮﻳﺔ اﻟﺒﺴﺎﺗني اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ
ْت ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﻗﺒﻴﻞ اﻟﺴﺤﻮر ،وإذا املﻌﺎدي ،ﻓﺎﺗﻔﻖ ﱄ ﰲ إﺣﺪى ﻟﻴﺎﱄ رﻣﻀﺎن أن ﻋُ ﺪ ُ
ﺿ ْﺨﻢ اﻟﺠﺜﺔ ﻫﺎﺋﻞ اﻷﻧﺤﺎء ،ﻛﺜﻴﻒ َﺷﻌْ ﺮ اﻟﺼﺪر واﻟﺬراﻋني واﻟﻮﺟﻪ واﻟﺮأس، ﺑﻤﺠﻨﻮن َ
ﱠ
واﺳﺘﺪق؛ ﻓﻼ ﻳﺜﻘﻞ ﻒﻳﺘﺼﺪى ﱄ ،و»أﻧﺎ« ﻛﻤﺎ ﻳَﻌْ ِﺮف اﻟﻘﺎرئ — أو ﻻ ﻳﻌﺮف — »ﻣَ ْﻦ َﺧ ﱠ
أرﺿﺎ وﻻ ﻳ َُﺴ ﱡﺪ ﻓﻀﺎءً« ،وﻛﺎن ﻫﺬا املﺠﻨﻮن ﻫﺎدﺋًﺎ ﰲ اﻟﻌﺎدة؛ ﻻ ﻳﺜﻮر وﻻ ﻳَﻤَ ﱡﺲ أﺣﺪًا ﺑﺴﻮء، ً
ﻒﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎر — ﰲ إدارة ﻃﺎﺣﻮن اﻟﺒﻦ ،ﻓﺈذا و ََﻗ َ وﻛﺎن اﻟﻌﻄﺎرون ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻪ — ً
َﺼﺪُر ﻋﻨﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﴍ ﻣﺎ ﻳ ْ أ َ ْﻟ َﻘﻮْا إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺮﻏﻴﻒ ﻓﻴ ْﻠﺘَ ِﻬﻤﻪ ﺛﻢ ﻳﺪور ﺑﺎﻟﻄﺎﺣﻮن ،وﻛﺎن َ ﱡ
ﰲ ﺑﺎب اﻷذى ،أن ﻳﺮى ﻓﺘﺎة ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ ﺟﺮة ﻣﺎء ﻛﺒرية ﻓﻴﺘﻨﺎوﻟﻬﺎ — اﻟﺠﺮة ﻻ اﻟﻔﺘﺎة
ﻓﺰﻋﺖ ،وﻟﻢُ ْ
دﻫﺸ ُﺖ ﺛﻢ — وﻳﻘﻠﺒﻬﺎ ﻋﲆ ﻓﻤﻪ ﻓﻴﺄﺗﻲ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ اﻋﱰض ﻃﺮﻳﻘﻲ
ْت ﺑﻨﻔﴘ ،وإذا ﺑﻪ ﻳَ ْﻜ ِﴪﻫﺎ ﻋﲆ رﻛﺒﺘﻪ، ﻳُﻤْ ِﻬ ْﻠﻨِﻲ؛ ﺑﻞ اﻧﺘﺰع ﻣﻨﻲ اﻟﻌﺼﺎ ﻓﱰ ْﻛﺘُﻬﺎ ﻟﻪ وﻧﺠﻮ ُ
29
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻛﻤﺎ ﻳَ ْﻜ ِﴪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﻮد اﻟﻘﺼﺐ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻏﻠﻴﻈﺔ ﻣﺘﻴﻨﺔ ،ﻓﺤﻤﺪت ﷲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﰲ
ﻳﺪﻳﻪ ﺑﺪﻟﻬﺎ!
∗∗∗
رﻣﻼ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻮم املﺤﻤﻞ، ﺟﻠﺴﺖ ﰲ ﺑﻜﺮة اﻟﺼﺒﺎح إﱃ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ أﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﻄﺮﻳﻖ وﻫﻮ ﻳ ُْﻔ َﺮش ً
وﻛﺎن اﻟﱪد ﺷﺪﻳﺪًا ،وﺑَ َﻠ َﻎ ِﻣ ْﻦ َﻗ ْﺴﻮﺗﻪ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﻧﻔﺦ ﰲ ﻳﺪيﱠ وأﻓﺮﻛﻬﻤﺎ وأﻧﺎ ﺧﻠﻒ اﻟﺰﺟﺎج،
ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻬﺆﻻء املﺴﺎﻛني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺠﺮﻓﻮن اﻟﺮﻣﻞ وﻳﻔﺮﺷﻮﻧﻪ وﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﺜﻴﺎب إﻻ ﻫﻼﻫﻴﻞ!
ودﺳ ْﺴ ُﺖ ﻧﻔﴘ ﰲ ﻟﺤﺎف ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻃﻴﻖ اﻟﻔﺮاش ﺑﻌﺪ أن أ َ ْﻓﺘَﺢَ ْت َ وﻟﻮ اﺳﺘﻄﻌْ ُﺖ ﻟﺮﻗﺪ ُ
ﻋﻴﻨﻲ ﻋﲆ ﻣﻄﻠﻊ ﻧﻬﺎر ﺟﺪﻳﺪ .وﻟﺴﺖ أﺗﺨﺬ املﻮاﻗﺪ ﻟﻠﺘﺪﻓﺌﺔ أو املﺮاوح ﻟﻠﺘﱪﻳﺪ؛ ﻷﻧﻲ أ َ ْﻛ َﺮ ُﻫﻬﺎ
وﻫﻨﺎن اﻟﻜﻴﺎن ،ﻓﻼ أزال ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ أﻗﻮل ﰲ اﻟﺼﻴﻒ :وﻳﲇ ﻣﻦ وأﺧﺸﺎﻫﺎ ،ﻓﺈﻧﻲ ﺿﻌﻴﻒ ْ
ﺳﻤﺎﺋﻤﻪ ،وﰲ اﻟﺸﺘﺎء :أﻻ ﺑُﻌْ ﺪًا ملﺸﺘﺎﺋﻲ! وﻻ أﺻﻨﻊ — ﻟﻘﻠﺔ ﻋﻘﲇ ﻣﻦ ﻓﺮط ﺧﻮﰲ — ﺷﻴﺌًﺎ
ﻄﻒ ﺑﻪ اﻟﻮﻗﺪة أو أدﻓﻊ ﺑﻪ اﻟﻘﺮة.أ ُ َﻟ ﱢ
وأﻃﻔﺎﻻ — ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ أو ﻧﺤﻮﻫﺎ ،ﻓﻴﺰدﺣﻢ ﺑﻬﻢ ً ً
رﺟﺎﻻ وﻧﺴﺎءً وﺳﻴ ُْﻘ ِﺒﻞ اﻟﻨﺎس —
وﺳﺘﻐﺺ اﻟﴩﻓﺎت واﻟﻨﻮاﻓﺬ ﱡ اﻟﻄﺮﻳﻖ ،ﻟﻴﺸﻬﺪوا ﻣﻮﻛﺐ املﺤﻤﻞ ،وإن ﻛﺎن ﻻ ﺟﺪﻳﺪ ﻓﻴﻪ،
ﺑﺎ ُمل ِﻄ ﱢﻠني وا ُمل ِﻄ ﱠﻼت ،وﺳﻴُﺪ ﱡَق ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺎﺑُﻨﺎ ﻓﻨﻔﺘﺤﻪ ،وﻳﺪﺧﻞ ﻣَ ْﻦ ﻧَﻌْ ﺮف وﻣَ ْﻦ ﻻ ﻧَﻌْ ﺮف،
وﻳﺤﺘ ﱡﻠﻮن ﴍﻓﺎﺗﻨﺎ وﻧﻮاﻓﺬﻧﺎ ﻟﻴﻨﻈﺮوا وﻳﻨﻌﻤﻮا .وﻗﺪ َﻗ َﻀﻴ ُْﺖ ﰲ ﻫﺬا املﺴﻜﻦ اﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻋﺎﻣً ﺎ
ﻃ َﺮ َق ﺑﺎﺑﻨﺎ ورﺟﺎ ﻣﻨﺎ أن ﻧﺄذن ﻟﻪ ﰲ اﻟﻔﺮﺟﺔ ،وﻟﻜﻦرﺟﻼ ﻏﺮﻳﺒًﺎ َ وزﻳﺎدة ،و َﻟ ْﺴ ُﺖ أَذْ ُﻛﺮ أن ً
املﺮأة ﺗﺠﱰئ وﺗُ ْﻘﺪِم ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳُﺤْ ِﺠ ُﻢ وﻳَﺠْ ﺒُﻦ ﻋﻨﻪ اﻟﺮﺟﻞ .وﻟﻢ أﺟﱰئ أﻧﺎ ﻗﻂ ﻋﲆ ﺳﺆال
ُ
وﻗﻠﺖ :أﺳﺄل واﺣﺪة ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﻄﺎرﻗﺎت اﻟﻐﺮﻳﺒﺎت ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ :ﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺠﱧ ﺑﻬﺎ!
اﻣﺮأﺗﻲ ،ﻓﻠﻌﻠﻬﺎ وﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﻨﺴﻬﻦ ﺗﺪري ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﻗﻂ أن ﺗﺠﻴﺒﻨﻲ ﺑﺄﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﺎ» :وﻫﻞ أﻧﺎ أﻋﺮف؟« ﻓﺄﺳﺄﻟﻬﺎ» :وﻟﻜﻦ ملﺎذا أرى اﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﺗﺨﻮﻧﻚ أﻧﺖ دوﻧﻬﻦ؟«
ﻓﺘﺴﺘﻐﺮب وﺗﺴﺄل» :ﻣﺎذا ﺗﻌﻨﻲ؟« ﻓﺄﻗﻮل» :أﻋﻨﻲ ملﺎذا ﻻ ﺗَ ُﺮدﱢﻳﻬﻦ ﻋﻦ ﺑﻴﺘﻚ ﻣﺎ دُﻣْ ِﺖ ﻻ
ﺗﻌﺮﻓﻴﻬﻦ؟« ﻓﺘﻘﻮل» :ﻳﺎ ﺧﱪ أﺑﻴﺾ! وﺑﺄي وﺟْ ﻪ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ؟« ﻓﺄﻗﻮل» :ﺑﻤﺜﻞ اﻟﻮﺟﻮه اﻟﺘﻲ
ﻄ ﱠﻔ ْﻠ َﻦ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ« ﻓﺘﻘﻮل» :ﻫﺬا ﳾء آﺧﺮ .إﻧﻬﻦ ﻻ ﻳﺴﺄﻟﻨﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﺳﻮى أن ﻳَﻘ ِْﻔ َﻦ ﰲ ﴍﻓﺔ ﻳَﺘَ َ
أو ﻧﺎﻓﺬة ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻀريﻧﺎ ﻫﺬا؟!«
ُ
ﻓﻼ أرى ﻓﺎﺋﺪة ﺗﺮﺟﻰ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻮار ﻓﺄ ْﻗ ِﴫ ،وأﺑﻘﻰ ﰲ ﻏﺮﻓﺔ ﻛﺘﺒﻲ ﻻ أﺑﺮﺣﻬﺎ ،وإذا
ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﺮوج ،أَو َ
ْﺻ ْﺪﺗُﻬﺎ ود ََﺳ ْﺴ ُﺖ ﻣﻔﺘﺎﺣﻬﺎ ﰲ ﺟﻴﺒﻲ .ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ اﺳﺘُﻌِ ريَ ﻣﻦ
ﻣﺎﺋﺔ ﻳﻤني وﻳﻤني أﻧﻬﺎ ﺳﺘﻌﻴﺪ اﻟﻜﺘﺎب ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻣني ﻛﺘﺒﻲ وﻟﻢ ﻳُ َﺮدﱠ! وﻣﺎذا ﺗﻘﻮل ملﻦ ﺗَﺤْ ﻠِﻒ ﻟﻚ َ
30
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻓﻬﺮﺳﺎ ،وﻟﺴﺖ أ ُ َﻗﻴﱢ ْﺪ ﻣﺎً ﺿ ْﻊ ﻟﻬﺎ اﺛﻨني ﻻ أﻛﺜﺮ؟! واملﺼﻴﺒﺔ أن ﻛﺘﺒﻲ ﻏري ُﻣ َﺮﺗﱠﺒﺔ ،وأﻧﻲ ﻟﻢ أ َ َ
ري ﰲ ﻫﺬا ،ﻓﺈﻧﻲ أﻧﺎ أﻧﴗ أن اﻟﻜﺘﺎب اﺳﺘﻌري ،واﻟﺬي ﻳﺴﺘﻌريه ﻳُ ْﺆﺛِﺮ ﻳﺆﺧﺬ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻷﻧﻪ ﻻ َﺧ ْ َ
رﺟﻼ، أن ﻳﻨﴗ أﻧﻪ ﻋﺎرﻳﺔ ﺗُ َﺮدﱡ .وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺧﺠﻞ ﻫﺬا اﻟﺨﺠﻞ ﺣني ﻳﻜﻮن ﻃﺎﻟﺐ اﻻﺳﺘﻌﺎرة ً
ﻓﻠﻤﺎذا ﻳﺎ ﺗُ َﺮى؟! أ َ ِﻷ َ ﱠن اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻨﺎ ﻻ ﻳﻄﻴﺐ ﻟﻪ أن ﻳَ َﺪ َع اﻣﺮأة — وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗَﻌْ ﻨِﻴﻪ — ﺗﻈﻦ
ﻆ ﺟﺎﰲ اﻟﻄﺒﺎع؟! وأﺣﺴﺐ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺪور ﰲ ﻧﻔﺴﻪ — وﻫﻮ ﻣﺪرك ﻟﺬﻟﻚ أو ﻏري أﻧﻪ ﻓ ﱞ
ُﻣﺪ ِْركٍ ،ﺳﻴﺎن — أن ﻛﻞ اﻣﺮأة ﺻﺪﻳﻘﺔ ﻣُﺤْ ﺘَﻤَ ﻠﺔ؛ أي إﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﰲ ﻳﻮم ﻣﻦ اﻷﻳﺎم ﺻﺪﻳﻘﺔ
ﻓﻤ ْﻦ ﺳﻮء اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﻴﻮم أن ﻳَ ُﺮدﱠﻫﺎ ردٍّا ﺳﻴﺌًﺎ .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣَ ﻨ ْ ِﻄﻖ اﻟﻌﻘﻞ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻪِ ،
ﻣَ ﻨْﻄﻖ اﻟﻄﺒﺎع ،ﻓﺈن ِﻣ ْﻦ ﻗِ ﱠﻠﺔ اﻟﻌﻘﻞ أن ﻳُ َﻜ ﱢﻠﻒ اﻟﺮﺟﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻨﺎء اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ ﻟﺼﺪاﻗﺔ ﻛﻞ اﻣﺮأة
أﻳﻀﺎ أن ﻳﺘﻮﻫﻢ أن املﺮاﺿﺎة ﻫﻲ اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ اﻟﺬي ﻻ ﺗﻤﻬﻴﺪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ،وﻣﻦ ﻗﻠﺔ اﻟﻌﻘﻞ ً
وأﻛﻔ َﻞ ﺑﺄن ﺗُﺒْﻠ َِﻎ اﻟﺮﺟﻞ ﺳﺆاﻟﻪ .ﻋﲆ أﻧﻲ ﻻ أدري ،ﻓﻤﺎ َ ﻏريه ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﺨﺸﻮﻧﺔ أ َ ْﻓﻌَ َﻞ
زاﻟﺖ املﺮأة — ﻓﻴﻤﺎ أرى — ﻟﻐ ًﺰا ﻣُﻌَ ﱠﻘﺪًا ﻻ ﺣﻞ ﻟﻪ.
ﻟﺼﺎ ﺗَ َﺴ ﱠﻮ َر وﻋﲆ ذِ ْﻛﺮ اﻟﻜﺘﺐ واملﻜﺘﺒﺔ أﻗﻮل :إن ِﻣ ْﻦ أ َ ْﻏ َﺮب ﻣﺎ و ََﻗ َﻊ ﱄ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،أن ٍّ
ﰲ ﻟﻴﻠﺔ ﺻﻴﻔﻴﺔ إﱃ ﻏﺮﻓﺔ ﻧﻮﻣﻲ ،وﺣﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻋﲆ املﺸﺠﺐ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻲ وﺛﻴﺎب اﻣﺮأﺗﻲ،
ِث ﺻﻮﺗًﺎ ﻋﺎﻗﻼ ،ﻓﻠﻢ ﻳُﺤَ ِﺎول أن ﻳﻔﺘﺢ ﺧﺰاﻧﺔ أو ﺻﻮاﻧًﺎ أو ﻏري ذﻟﻚ ،ﻟﺌﻼ ﻳُﺤْ ﺪ َ ً وﻛﺎن ﺣﻜﻴﻤً ﺎ
ف ﻣﺎ اﺗﻘﻰ وﻻ ﺑَﺎ َﻟ َﻎ ﰲ ﺣﺬره ،ﻓﻤﺎ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﳾء ﻧﺪﻓﻊ ﺑﻪ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻨﺎ — ﻓﻨﺴﺘﻴﻘﻆ ،وﻟﻮ ﻋَ َﺮ َ
ﺻﻨ َ َﻊ ﻟﻮ ُﻛﻨ ْ ُﺖ ﻏري ﻧﺎﺋﻢ، ﺧﻠﻴﻘﺎ أن أ َ ْ
ً ﻋﺼﺎ — وﻗﺪ ﺳﺄﻟﻨﻲ أﺧﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﺘﻰ وﻻ ً
ﻓﻜﺎن ﺟﻮاﺑﻲ اﻟﺬي ﻻ أﺗﺮدد ﻓﻴﻪ» :ﻛﻨﺖ أﺗﻨﺎوم!«
ﻋﲆ أن ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﺑﻴﺖ اﻟﻘﺼﻴﺪ ،وإﻧﻤﺎ ﺑﻴﺘﻪ أن اﻟﻠﺺ ﺗَ َﺮ َك ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ ﺟﻴﻮﺑﻲ ﻣﻦ أوراق
ﻓﺄﻛﱪ ُْت
ُﴩف ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﺠﺎءﻧﺎ ﺑﻬﺎ ﺣﺎرس املﺨﺒﺄ َ وﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻋﻨﺪ ﻣﺨﺒﺄ ﰲ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺬي ﻳ ْ ِ
ْت ﻟﻪ أﻧﻪ أﻟﻘﻰ ﺑﺎملﻔﺎﺗﻴﺢ واﻷوراق ﻋﲆ ﰲ اﻟﻠﺺ ﻫﺬا اﻟﺤﺮص ﻋﲆ ﻧَﺒْﺬ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﻔﻌﻪ ،وﺣَ ِﻤﺪ ُ
ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﱠملﺎ ﺗﺄﻣ ْﻠ ُﺖ املﻔﺎﺗﻴﺢ أ َ ْﻟ َﻔﻴْﺘُﻬﺎ ﻧﺎﻗﺼﺔ ،ﻓﻘﺪ أ َ َﺧﺬَ اﻟﻠﻌني ﻣﻔﺘﺎح ﺑﺎب
املﻜﺘﺐ اﻟﺬي ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻢ .ﻓﻬﻮ إذن ﻳﻨﻮي أن ﻳ َُﴩﱢﻓﻨﺎ ﺑﺰﻳﺎرة أﺧﺮى! وﺿﺤ ْﻜ ُﺖ وﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﱄ
ﻟﺺ ﻋﺎﻟِﻢ ،أو ﻣﻦ ﻫﻮاة اﻟﻜﺘﺐ ،وﻟﻢ ﻳ ََﺴﻌْ ﻨِﻲ إﻻ أن أﻏري اﻟﻘﻔﻞ. أن ﻟﻌﻠﻪ ﱞ
وأﻋﻮد إﱃ املﺤﻤﻞ اﻟﺬي اﺳﺘﻄﺮدت ﻋﻨﻪ ﻓﺄﻗﻮل :إﻧﻲ ﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﴘ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال» :ﻣﺎذا
زراﻓﺎت ووﺣﺪاﻧًﺎ ﻟﻴﻘﻔﻮا ﻋﲆ اﻟﺮﺻﻴﻔني املﺘﻘﺎﺑﻠني ﰲ اﻧﺘﻈﺎر ٍ ﺗﺮى ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﺪون
َ ْ
ﻣﻮﻛﺐ املﺤﻤﻞ إذا ﻋَ ِﻠﻤُﻮا أن ﺗﺎﺟ ًﺮا ﺳﻴُﺸﻨﻖ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺔ ﰲ ﻣﻴﺪان ﺑﺎب اﻟﺨﻠﻖ — وﻛﺎن ﻗﺪﻳﻤً ﺎ
ﻫﻮ املﻴﺪان اﻟﺬي ﻳ ُْﺸﻨَﻖ ﻓﻴﻪ ﻣَ ْﻦ ﻳُﺤْ َﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻹﻋﺪام ،وﻗﺪ رأﻳﺖ اﺛﻨني ﻣﻨﻬﻢ ﻳ ُْﺸﻨَﻘﺎن،
31
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻛﺎن أﺣﺪﻫﻤﺎ أﻋﻤﻰ — ﻟﺴﺒﺐ ﻣﻦ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﺘﻲ ﺗُ ِ
ﻮﺟﺐ اﻟﺸﻨﻖ؟ ﻫﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮون املﺤﻤﻞ
أو ﻳَﺨِ ﱡﻔﻮن إﱃ ﺑﺎب اﻟﺨﻠﻖ؟!«
وﻗﻠﺖ ﰲ ﺟﻮاب ﻫﺬا اﻟﺴﺆال :إن اﻷرﺟﺢ ﻋﻨﺪي أن ﻳﻬﺮﻋﻮا إﱃ ﺑﺎب اﻟﺨﻠﻖ ،ﻓﺈن ﻣﻮﻛﺐ
ﻈﺮ ﻣﺄﻟﻮف ،وإذا ﻣﺪ ﷲ ﰲ أَﺟَ ﻠ ِِﻬ ْﻢ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳَ َﺮ ْو ُه ﰲ ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺤﺞ املﺤﻤﻞ ﻣَ ﻨ ْ َ
ُﺸﺎﻫ َﺪﺗَﻪ ﻻ ﺗﻔﻴﺪﻫﻢ ﺷﻌﻮ ًرا أﻋﻤﻖ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﺘﻔﺎد ﻣﻦ اﻟﺤﻔﻼت اﻟﻌﺎﻣﺔ .أﻣﺎ ﺷﻨﻖ املﻘﺒﻞ ،ﺛﻢ إن ﻣ َ
أوﻻ ﻗﺪ اﻋﺘﺪى ﻋﲆ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺑﻘﺘﻞ واﺣﺪ رﺟﻞ ﰲ ﻣﻴﺪان ﻋﺎ ﱟم ﻓﻴُﺤَ ﱢﺮك ﻋﻮاﻃﻒ أﻋﻤﻖ ،ﻓﻬﻮ ً
ﻣﺜﻼ ،وﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻋﲆ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ وﻗﺎﻧﻮﻧﻬﺎ ،ﺛﻢ إﻧﻪ ﺑﻤﺎ اﺟﱰح ﻳُﻌَ ﱡﺪ — إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ — ﻣﻨﻬﺎ ً
ﺑﻤﻘﺪار ﻣﻦ اﻹﻋﺠﺎبٍ ﺛﺎﺋ ًﺮا ﻣﺘﻤﺮدًا ﻋﲆ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ،ﻓﻼ ﻳ ََﺴ ُﻊ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﻮادﻋﺔ إﻻ أن ﺗَ ْﺸﻌُ ﺮ
ﰲ ﴎﻳﺮة ﻧﻔﺴﻬﺎ — وﺣﺘﻰ ﻣﻦ ﻏري أن ﺗُﺪ ِْرك أﻧﻬﺎ ﺗﻌﺠﺐ — ﺑﻘﻮﱠﺗﻪ وﺑﺄﺳﻪ وﺟﺮأﺗﻪ .ﺛﻢ
إن َﺷﻨْﻖ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻈﻬﺮ ﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺳﻄﻮﺗﻪ ،ﻓﻬﻮ ﳾء رﻫﻴﺐ ﻟﻪ روﻋﺔ. ﱠ
وأﺧريًا أﺣﺴﺐ أن اﻟﺸﻨﻖ اﻟﻌﻠﻨﻲ ﻳﺜري وﻳﺪﻓﻊ إﱃ اﻟﺴﻄﺢ اﻟﺨﺸﻮﻧﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﰲ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ،
واﻟﻘﺴﻮة اﻟﻔﻄﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺠﺒﻬﺎ اﻟﺼﻘﻞ واﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﻨﻈﺎم ﰲ اﻟﻌﺎدة ،وﻗﺪ ﻳَﻌْ ِﺮف اﻟﻘﺎرئ
ﻒ وأ َ َﻗ ﱡﻞ رﺣﻤﺔ وأدﻧﻰ ﻣﺴﺘﻮًى ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻣﻦ أﺧ َﺸ ُﻦ وأَﻋْ ﻨ َ ُ
أن اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ — ﻛﺠﻤﺎﻋﺔ — ْ
اﻟﻔﺮد ،وﻗﺪ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ وأﻧﺖ وﺣﺪك أن ﺗﻌﺘﺪي ﻋﲆ ذﺑﺎﺑﺔ ،وﻗﺪ ﺗَ ْﺴ ُﻘﻂ ﻣﻐﺸﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻚ إذا
رأﻳﺖ دﺟﺎﺟﺔ ﺗُﺬْﺑَﺢ ،وﻗﺪ ﻻ ﻳﻄﺎوﻋﻚ ﻟﺴﺎﻧﻚ ﻋﲆ اﻟﺪوران ﺑﻜﻠﻤﺔ ﻧﺎﺑﻴﺔ ﺗﻘﻮﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ِﻷَﻋﺪى
أﻋﺪاﺋﻚ ،وﻟﻜﻨﻚ وأﻧﺖ ﰲ ﺟﻤﻬﻮر ﻛﺒري ﺗﻠﻔﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ اﻟﻌﺪوان ﺑﺎﻟﻠﺴﺎن واﻟﻴﺪ ﻋﲆ
ﻃﻮْع اﻟﺮوح اﻟﻌﺎم، ﻣﻦ ﻳﻌﺪﻳﻚ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺴﺨﻄﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺈن وﺟﻮد املﺮء ﰲ ﺟﻤﻬﻮر ﻳﺠﻌﻠﻪ َ
ﻓﻴﺼﺒﺢ اﻟﺘﻴﺎر اﻟﺴﺎري ﻫﻮ املﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻴﻪ ،ﻻ ﻋﻘﻠﻪ وﻻ إرادﺗﻪ .ﺛﻢ إن اﻧﺪﻣﺎﺟﻪ ﰲ ﺧﻠﻖ
ً
ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل ﻄﻤْ ﺌِﻨﻪ .وﻗﺪ رأﻳﺖ ﻣﺮ ًة ﻛﺜري ﻳﺸﺠﻌﻪ وﻳُﺬْﻫِ ﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﺨﻮف واﻟﺠﺒﻦ ،وﻳُ َ
ﻳﻌﺎﺑﺜﻮن اﻣﺮأة ﻣﺠﻨﻮﻧﺔ ﻣﻌﺎﺑ ًَﺜﺔ ﻏﻠﻴﻈﺔ ،وﻳ ُْﻀﺤِ ﻜﻬﻢ ُﴏَاﺧﻬﺎ وﻋﻮﻳﻠُﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﻬﺮف ﺑﻪ؛
َﺼﻨَﻊ اﻟﻘﻂ ﺑﺎﻟﻔﺄر ،ﻓﺰﺟ ْﺮﺗُﻬﻢ إذ ﻳﺠﺬﺑﻮن ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وﻳ ْﻠﻮُون ذراﻋﻴﻬﺎ ،وﻳﻔﻌﻠﻮن ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳ ْ
ﻓﻜﺎدوا ﻳﱰﻛﻮﻧﻬﺎ وﻳﻌْ ﻨُﻮن ﺑﻲ دوﻧﻬﺎ ،وأﺳﻤﻌﻮﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم أ َ ْﻓﺤَ ﺸﻪ وأ َ ْﻗﺒَﺤﻪ ،ﻓﻤﻀﻴﺖ
ﻋﻨﻬﻢ وأﻧﺎ أُﺣَ ﺪﱢث ﻧﻔﴘ أﻧﻪ ﻟﻮ َﻟﻘِ ﻴَﻬﺎ واﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻤﻔﺮده ﻟﻜﺎن اﻷﻗﺮب إﱃ اﻻﺣﺘﻤﺎل أن
ﻳَ ْﺮﺛِﻲ ﻟﺤﺎﻟﻬﺎ ،وأن ﻳﺠﻮد ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻣﻤﺎ أﻋﻄﺎه ﷲ.
ورأﻳﺖ اﻷﻋﻤﻰ ﻳ ُْﺸﻨَﻖ ﰲ ﺑﺎب اﻟﺨﻠﻖ ،وﻛﻨﺖ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻲ إﱃ املﺪرﺳﺔ ،ﻓﺈذا اﻟﻨﺎس
ﻳﻀﺤﻜﻮن وﻳﺼﻔﻘﻮن وﻳُﻨ َ ﱢﻜﺘﻮن ،وﻳﻘﺬﻓﻮن املﺴﻜني ﺑﻜﻞ ﺑﺬيء ﻣﻦ اﻟﻘﻮل ،ﺣﺘﻰ اﻟﻨﺴﺎء
زﻏﺮد َْن ﻳﻮﻣﺌﺬٍ ،و ُﻛ ﱠﻦ ﰲ ﻏري ﻫﺬا اﻟﺠﻤﻊ ﺧﻠﻴﻘﺎت أن ﻳَﺒْﻜِﻴﻨﻪ وﻳَﻨْﺪُﺑﻨﻪ.
32
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ورأﻳﺖ ﰲ ﻋﺮس ﻗﺪﻳﻢ — َﻗﺒْﻞ ﺟﻴﻞ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ — ﺷﺎﺑٍّﺎ ﻣﻦ أوﻻد اﻟﺒﻠﺪ ﻳﺘﺠﻤﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻔﻴﻒ
ﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻪ وﻳُﻌَ ﱡﺮوﻧﻪ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻪ — إﻻ اﻟﴪاوﻳﻞ — وﻛﺎﻧﺖ ﻟﻴﻠﺔ ﺷﺘﻮﻳﺔ ﺑﺎردة ،وﻳُ ْﺮ ِﻏﻤُﻮﻧﻪ ﻋﲆ
ﺣﺎﻓﻮن ﺑﻪ راﺻﺪون ﻟﻪ ،ﻳَﺤُ ﱡﻀﻮﻧﻪ ﻋﲆ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺘﺜﻨﱢﻲ واﻟﺘﻠﻮﱢي وﻳﺼﻔﻘﻮن، اﻟﺮﻗﺺ وﻫﻢ ﱡ
وﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻣﻦ اﻟﻐﻴﻆ واﻟﺨﺠﻞ ﻣﻤﺎ ﺻﺎر إﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻟﺔ ،وﺑﻘﻴﺔ اﻟﻨﺎس ﻳﻀﺤﻜﻮن وﻳﻘﻬﻘﻬﻮن
ﻈﺮوا ،وأﺻﺤﺎب اﻟﻌﺮس ﻋﺎﺟﺰون ﻋﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﻔﺘﻰ املﺴﻜني ،وأﻧﺎ أﺗﻌﺠﺐ وﻫﻢ و ُُﻗﻮف ِﻟﻴَﻨ ْ ُ
ﺟﻮاب
ٍ ﺳﺄﻟﺖ — إﱃُ ﺻﻨ َ َﻊ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﺤﻖ ذﻟﻚ؟ وﻻ أﻫﺘﺪي — ﻋﲆ ﻛﺜﺮة ﻣﺎ ﻟﻪ! ﻣﺎذا ﺗُ َﺮاه َ
ﻣﺮﻳﺢ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ أﺳﺄل ﻳﻘﻮل :وﷲ ﻻ أﻋﺮف! وﻣﺎ داﻋﻲ أن ﻳﻌﺮف؟ أﻟﻴﺲ ﺣَ ْﺴﺒُﻪ
ﻫﺬا املﻨﻈﺮ ا ُمل َﺴ ﱢﲇ؟!
وﺳﻤﻌﺖ وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻲ أﺻﻮات اﻟﺘﺼﻔﻴﻖ ،ﻓﻜﺎن ﻫﺬا إﻳﺬاﻧًﺎ ﺑﻤﺮور املﻮﻛﺐ،
اﻟﴩَط ،واﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻓﺎﻧﺘﻈ ْﺮ ُت دﻗﻴﻘﺔ ﺛﻢ ُﻗﻤْ ُﺖ إﱃ اﻟﻨﺎﻓﺬة أﻧﻈﺮ ،ﻓﺈذا اﻟﺸﺎرع ﻗﺪ ﺧﻼ إﻻ ﻣﻦ ﱡ
املﻮﺟﺔ وأَﻋْ َﻘﺐَ امل ﱠﺪ ﺟَ ْﺰ ٌر ،وﺳﻴُﻤَ ﱡﺪ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺮ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ
ُ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ وﺟْ ٌﻪ واﺣ ٌﺪ ﻳ ُِﻄ ﱡﻞ! اﻧﺤﴪت
ﻣﺮة أﺧﺮى وﻳ ُْﻘ ِﺒﻞ ﻣَ ﻮْﺟُ ﻪ ﻳَ ْﺮﺟُ ﻒ ﺣني ﻳﺆذِن املﻮﻛﺐُ ﺑﻌﻮدةٍ ،ﻓﻠﻨﻨﺘﻈﺮ.
∗∗∗
ﻃﻦ ،وإن أرى ﻣﻦ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺮﺻﻴﻒ ﺷﻌﻮﺑًﺎ ﺷﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﺪو ﱄ أﻧﻬﺎ ﺗَﺘَﻌَ ﺎ َرف أو ﺗَﺘَﻮَا َ
ﺣﻲ واﺣﺪ ،وﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُ ْﺸﺒﻪ ﺣﻴﺎة اﻵﺧﺮﻳﻦ ،ﻻ ﻛﺎﻧﺖ ﺗَﺘَﺠَ ﺎوَر ﰲ ﱟ
ﻄﻌَ ﻢ وﻻ ﰲ ﻣَ ْﻠﺒَﺲ ،وﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻨﺸﺪه إﻧﺴﺎن ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ وﻳﺒﻐﻴﻪ ﻣﻦ دﻧﻴﺎه .وأﻧﺎ إذ أﻧﻈﺮ ﰲ ﻣَ ْ
إﻟﻴﻬﺎ ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ أﻧﻲ أ َ ْرﺣَ ُﻞ إﱃ ﺑﻼد ﺑﻌﻴﺪة ،وإن ُﻛﻨ ْ ُﺖ َﻟ ْﻢ أَﺑْ َﺮحْ ﻣﻘﻌﺪي إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻨﺎﻓﺬة،
ً
ذرﻳﺔ ،آدم واﺣ ٌﺪ وﺣﻮاء ﻓﺴﺒﺤﺎن رﺑﻲ اﻟﺨﻼق! أ َ ُﻛ ﱡﻞ ﻫﺆﻻء املﺨﺘﻠﻔني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﺑَﻮ َْن أن ﻳﺄﺗﻠﻔﻮا
ﻣﻔﺮدة؟! ﻋﺠﻴﺐ ﻫﺬا! ﻋﲆ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ أﻋﺠﺐ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة إﻧﺴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ
أﺻﻞ واﺣﺪ .وﺗﺬﻛﺮت ﻗﻮل »ﻟﻦ ﻳﻮﺗﺎﻧﺞ« إﻧﻪ ﻳﺘﻌﺠﺐ ﻟﻠﻤﺮأة ﻛﻴﻒ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻤﴚ ﻋﲆ
وﺗﻘﺎوم ﻣﺎ ﻳﻐﺮﻳﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺟﺴﻤﻬﺎ ﺑﺎملﴚ ﻋﲆ أرﺑﻊ! ِ ﻗﺪﻣني اﺛﻨﺘني
وﺗﺬ ﱠﻛ ْﺮت ﻣﺎ ﺣَ ﺪﱠﺛﻨﻲ ﺑﻪ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻘﺎد ﻣﺮة أﻧﻪ ﻗﺮأ ﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ،ﻳﺮﺟﱢ ﺢ أن ﺗﻜﻮن
ﻄﺎ ﻋﲆ أﻧﺜﻰ ﺣﻴﻮان آﺧﺮ واﺗﺨﺬﻫﺎ ﻟﻪ ﻓﺴ َ اﻧﻘﺮﺿ ْﺖ ﻷﺳﺒﺎب ﺷﺘﻰ ذﻛﺮﻫﺎَ ، َ أﻧﺜﻰ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ
ﺑﺪﻳﻼ ﻣﻦ أﻧﺜﺎه؟ً
وﺗﺬﻛ ْﺮ ُت أﻧﻲ ﻟﻘﻴﺖ ﻣﺮة إﺣﺪى ﺑﻨﺎت ﺣﻮاء اﻟﺘﻲ ﻟﻌﻠﻬﺎ ﻣﻈﻠﻮﻣﺔ ،ﻓﺴﺄﻟﺘﻨﻲ» :إﱃ أﻳﻦ«؟
ﻗﻠﺖ» :إﱃ اﻷﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻘﺎد ،ﻓﻬﻞ ﻟﻚ ﰲ زﻳﺎرﺗﻪ ﻣﻌﻲ؟«
وﻛﻨﺖ أﻋﺮف أﻧﻬﺎ ﺗَﻌْ ِﺮﻓﻪ ِﻣ ْﻦ ُﻛﺘُﺒﻪ ﻓﻘﺎﻟﺖ» :وأﻧﺎ ﻫﻜﺬا؟«
33
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﺻ ﱠﻮﺑ َْﺖ ﻋﻴﻨﻬﺎ إﱃ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وأﺟﺎ َﻟﺘْﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ ،و َر َﻓﻌَ ْﺖ َﻛ ﱠﻔﻬَ ﺎ إﱃ ﺷﻌﺮﻫﺎ ﺗﺴﻮﻳﻪ.
ﻗﻠﺖ» :ﻣﺎ ﻟﻚ!«
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻻ زﻳﻨﺔ ،وﻻ ﺛﻴﺎب ﺟﻤﻴﻠﺔ ،وﺷﻌﺮي ﻣﻨﻔﻮش وﺷﻜﲇ ﻣﻠﺨﺒﻂ وﺣﺎﱄ اﻟﻴﻮم
ﺣﺎل«.
ﻗﻠﺖ» :ﺳﺒﺤﺎن ﷲ اﻟﻌﻈﻴﻢ! وملﺎذا ﺗﺨﺼﻴﻨﻲ أﻧﺎ دون ﺧﻠﻖ ﷲ ﺑﻤﺰﻳﺔ ﻫﺬه اﻟﻠﺨﺒﻄﺔ؟«
وﺗﻌﺠﺒ ُْﺖ ﻟﻠﻤﺮأة ،ملﺎذا ﺗُﻌْ ﻨَﻰ أول ﻣﺎ ﺗُﻌْ ﻨَﻰ ﺑﻤﻨﻈﺮﻫﺎ ،وﻛﻴﻒ ﺗﺒﺪو ﰲ ﻋني اﻟﺮﺟﻞ وﻻ
ﻳُﻌْ ﻨِﻴﻬﺎ أن ﻳُﻌْ ﺠَ ﺐ أول ﻣﺎ ﻳُﻌْ ﺠَ ﺐ ﺑﻌﻘﻠﻬﺎ ،أو أدﺑﻬﺎ ،أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﺮي ﻫﺬا املﺠﺮى،
رﺟﻼ أﺛﻨﻰ ﻋﲆ ﻋﻘﻞ اﻣﺮأة ﺟﻤﺎﻻ ﻫﻮ ﺣﺴﺒﻬﺎ … وﻟﻮ أن ً ً وﻻ ﺗﺮى ﰲ ﻫﺬا زﻳﻨﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻟﻬﺎ ،أو
ﴫ، َ َ
أو ﺳﻌﺔ اﻃﻼﻋﻬﺎ أو ﺣُ ْﺴﻦ أدﺑﻬﺎ أو ﺣﻜﻤﺘﻬﺎ ،أو ﺣ ْﺰﻣﻬﺎ ﰲ ﺗﺪﺑري أﻣﻮرﻫﺎ ،وأﻣْ َﺴ َﻚ وأ ْﻗ َ َ
َﴪﻫﺎ ،ﻓﻸﻧﻪ ﺛﻨﺎء واﻟﺴﻼم ،وﻛﻞ ﺛﻨﺎءٍ ﺣﺒﻴﺐٌ إﱃ آن ﻣﻌً ﺎ؛ ﻓﺄﻣﺎ أﻧﻪ ﻳ ُ ﱡ ﴪ َﻫﺎ ﻫﺬا وﺳﺎءﻫﺎ ﰲ ٍَﻟ َ ﱠ
اﻟﻨﻔﺲ وﻟﻮ ﻛﺎن ﺑﻐري اﻟﺤﻖ.
وال ﻣﻦ وﻻة اﻟﱰك اﻟﻘﺪﻣﺎء وراح ﻳﻤﺪﺣﻪ َ
رﺟﻼ أ ْﻗﺒَ َﻞ ﻋﲆ ٍﺣﺪﺛﻨﻲ ﺻﺪﻳﻖ ﻇﺮﻳﻒ أن ً
وﻳَﺬْ ُﻛﺮه ﺑﻜﻞ ﺧري ،وﻳﺒﺪئ وﻳﻌﻴﺪ ﰲ ِﺻ َﻔﺔ ﻋَ ﺪْﻟﻪ وﺷﺠﺎﻋﺘﻪ وﻣﺮوءﺗﻪ وﺳﺨﺎﺋﻪ وﻋﻘﻠﻪ وأدﺑﻪ
إن ُﻛ ﱠﻞ
ﻋﺎﻗﻼ —» :اﺳﻤﻊ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،ﱠ ً وﻋﻠﻤﻪ … إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل اﻟﻮاﱄ — وﻛﺎن ﻣﺠﺮﺑًﺎ
ووﻗﻌﻪ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ ﺣﻤﻴﺪ ،ﻓﺄَﻋِ ْﺪ ﻳﺎ ﺑﻨﻲ ،أَﻋِ ﺪْ ،وأ َ ِﻃ ْﻞ ﻛﻴﻒ ﻣﺎ ُﻗ ْﻠ َﺖ ﰲ ﱠ ﻛﺬب ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﺬﻳﺬْ ،
ﺷﺌﺖ!«
ْت ﻋﻨﻪ ﻓﺄﻗﻮل :وﻟﻜﻦ املﺮأة ﺧﻠﻴﻘﺔ أن ﻳﺴﻮءﻫﺎ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا وأﻋﻮد إﱃ ﻣﺎ اﺳﺘﻄﺮد ُ
املﺪح أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﺘﺪ إﱃ ﺛﻮﺑﻬﺎ وﺣُ ْﺴﻦ ﺗﻔﺼﻴﻠﻪ ﻋﲆ ﻗﺪﻫﺎ اﻟﺮﺷﻴﻖ وﺟﻤﺎل ﻟﻮﻧﻪ أو أﻟﻮاﻧﻪ،
ﻒ ﻋﻤﺎ وﺑﺮاﻋﺔ اﻻﻓﺘﻨﺎن ﰲ و َْﺷﻴﻪ ،أو إﱃ ﺣﺬاﺋﻬﺎ ود ﱠِﻗﺘِﻪ ،أو ﺟﻮرﺑﻬﺎ اﻟﺮﻗﻴﻖ اﻟﻨﺴﺞ اﻟﺬي ﻳ َِﺸ ﱡ
وﺷﻤﻬﺎ إن وﻃﻴﺒﻬﺎ ،أو ﺣﺘﻰ ْ ﺗﺤﺘﻪ ،أو ﺷﻌﺮﻫﺎ وﺗﺼﻔﻴﻔﻪ ،أو ﻋِ ْﻘﺪﻫﺎ أو ُﻗ ْﺮﻃﻬﺎ ،أو ﻋﻄﺮﻫﺎ ِ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﻦ ﻳﻮﺷﻤﻦ — ﻋﲆ ﻗِ ﱠﻠﺘ ِِﻬ ﱠﻦ.
وإﻧﻲ ﻷُد ِْرك أن ﻫﺬا راﺟﻊ إﱃ وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﰲ اﻷﺻﻞ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ أداة
ﻟﻠﻨﺴﻞ .وإن ﻛﺎن ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻨﻊ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﺎري اﻟﺮﺟﺎل ﰲ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻳﻌﺎﻟِﺠﻮن.
وﻟﻜﻦ ﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﲆ ﻣﺎذا؟ أﻟﻴﺲ ﻫﻮ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﲆ اﻻﺧﺘﻼف اﻷﺻﻴﻞ اﻟﺬي ﻳﻐﺮي ﺑﻌﺾ
آﺧﺮ؟ اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﺨﻠﻮق َ
وﺗﺤﺖ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ اﻟﻴﻮم ﻣﻌﺮض أزﻳﺎء وأذواق ،ﻓﺈﻧﻪ اﻷﺣﺪ ،واﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﻌﺎﴍة ،واﻟﻨﺴﺎء
ﻛﺜريات ﻋﲆ اﻟﺮﺻﻴﻒ ﰲ ﺣُ َﻠﻞ ﺷﺘﱠﻰ ،وﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ ﺻﻐرية أو ﺳﻼل ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ
اﻷرﺟﺢ ﻃﻌﺎم وﴍاب ،وﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﻦ أزواﺟُ ﻬُ ﻦ أو إﺧﻮﺗﻬﻦ أو أﺻﺪﻗﺎؤﻫﻦ ،وﻓﻴﻬﻦ اﻟﻌﺠﻮز
34
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺼﻒ ،وﻟﻜﻨﻬﻦ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﺣَ ْﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﻨﺔ ،وﻟﻴﺲ ﺑﻴﻨﻬﻦ ﻣﴫﻳﺔ إﻻ أن واﻟﺼﻐرية واﻟﻨ ﱠ َ
ﺗﻜﻮن ﻋﺎﺑﺮة ﺳﺒﻴﻞ ،وﻣﻦ أﻳﻦ ﺗﺠﻲء املﴫﻳﺔ وﻫﻲ ﻻ ﺗﺨﺮج إﻻ ﻟﻘﻀﺎء ﺣﺎﺟﺔ أو زﻳﺎرة
أو ﺳﻴﻨﻤﺎ أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،وﻻ ﺗُﺤْ ِﺴﻦ أن ﺗﻘﴤ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﺮاﺣﺔ أو ﻳﻮﻣﻬﺎ أو أﻳﺎﻣﻬﺎ إﻻ ﰲ
ﺑﻴﺘﻬﺎ ،وﰲ ﻣَ ﺒَﺎذِ ﻟِﻬﺎ؟ وﻣﻦ املﴫﻳﺎت ﻣﻦ َﻟ ْﺴ َﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺆﻻء ﻧﺎدرات ،واﻟﻨﺎدر ﻻ ﺣُ ْﻜ َﻢ
ﻟﻪ وﻻ ﻗﻴﺎس ﻋﻠﻴﻪ.
وﺗﺴﺎء ْﻟ ُﺖ — وﻋﻴﻨﻲ ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺤﺴﻨﺔ — ﻋﻦ املﴫﻳﺔ — ﰲ اﻷﻏﻠﺐ واﻷﻋﻢ —
ﻛﻢ دﻗﻴﻘﺔ أو ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻳﺮاﻫﺎ ﺑَﻌْ ﻠﻬﺎ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﻬﻨﺪام اﻟﺠﻤﻴﻞ؟ وﻗﻠﺖ ﰲ ﺟﻮاب ذﻟﻚ :إﻧﻲ
ً
رؤﻳﺔ اﻟﱰام أو اﻟﺒﺎﺋﻊ ﰲ دﻛﺎن ،أَﻋْ َﺮف ﺑﺜﻴﺎب املﺮأة ﻣﻦ زوﺟﻬﺎ ،وأﻃﻮل أﺣﺴﺐ أن ﻋﺎﻣﻞ ﱢ
ﻟﻬﺎ ﰲ زﻳﻨﺘﻬﺎ.
وإﻧﻬﺎ ملﺴﻜﻴﻨﺔ ﻣﻌﺬورة ،ﻓﻤﺎ ﻋَ ﻠِﻤَ ﻬَ ﺎ أﺣﺪ ﻏري ذﻟﻚ ،وﻟﻌﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﻗﺪوة ﻏري
أ ﱟم ﺟﺎﻫﻠﺔ.
ﻋَ َﺮ ْﻓ ُﺖ ﻓﺘﺎة ﺣﺮة ﻛﺮﻳﻤﺔ اﻷروﻣﺔ واملﻨﺒﺖ ،وإن ﻛﻨﺖ أﻧﺎ ﻻ أﺟﻌﻞ ﺑﺎﱄ إﱃ ﻫﺬه اﻷﺻﻮل
اﻟﺘﻲ ﻳَ ْﻜﺜُﺮ اﻟﻠﻐﻂ ﺑﻬﺎ ،وﻻ أﻋﺒﺄ ﺑﻬﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻻ أرى اﻟﻨﺎس إﻻ ﺳﻮاء ،وإن ﻛﺎﻧﻮا ﻳَﺒْﺪ َ
ُون
ﻃﺒﻘﺔ ﻓﻮق ﻃﺒﻘﺔ ،وﻳﻔﺮق ﺑني ً ﻣﺘﻔﺎوﺗني أﺷ ﱠﺪ اﻟﺘﻔﺎوت ،وأﻧﺎ ﻋﺪ ﱞو َﻟﺪُود ﻟﻜﻞ ﻣَ ْﻦ ﻳَ ْﺮ َﻓﻊ
اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻘﻮل :ﻫﺬا ﻛﺮﻳﻢ اﻷﺻﻞ ،وﻫﺬا ﻟﺌﻴﻤﻪ.
ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻨﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻔﺘﺎة املﴫﻳﺔ ﻋﴫﻳﺔ ﻣﺜﻘﻔﺔ ،وأﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻬﺎ ﻋﲆ
أﺣﺪث ﻃﺮاز ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن.
ﻴﺖ إﱃ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺰواﺟﻬﺎ — أو ﻋﲆ اﻷﺻﺢ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﻌﻘﺪ — ﻓﻘﺪ آﺛﺮ اﻟﻘﻮم ودُﻋِ ُ
— ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة — أن ﻳﺮﺟﺌﻮا ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺒﻨﺎء أو اﻟﺠﻠﻮة ﺣﺘﻰ ﻳُﻌِ ﺪﱡوا ﻟﻠﻔﺘﺎة ﻣﺎ ﺗُﺠَ ﻬﱠ ُﺰ ﺑﻪ
وﻳُﺤﺘﺎج إﻟﻴﻪ ﰲ وﺟﻬﺘﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ رأﻳﺖ ﻣﺎ ﻻ ﻳَﻨْﺪُر أن ﻳُ َﺮى ﻣﺜﻠﻪ؛ ذﻟﻚ
أﻧﻬﻢ َزوﱠﺟُ ﻮا اﻟﻔﺘﺎة ﻫﺬا اﻟﺸﺎب ﻋﲆ أن ﻳُ َﺰ ﱢوج ﻫﻮ أﺧﺎﻫﺎ أﺧﺘﻪ — ﺑﻐري ﻣﻬﺮ ﰲ اﻟﺤﺎﻟني
— وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻃﻌﺎم وﴍاب؛ ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺮﺟﺎل ﻓﻜﺎﻧﻮا ﰲ ﻏﺮﻓﺔ وَﺣْ ﺪَﻫﻢ ،وأﻣﺎ اﻟﻨﺴﺎء ﻓ ُﻜ ﱠﻦ ﰲ
ﻏﺮﻓﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﺎب ﺑني اﻟﻔﺮﻳﻘني ﻣﻔﺘﻮح ،وﻫﺆﻻء وأوﻟﺌﻚ ﻳﺘﺒﺎدﻟﻮن اﻟﻜﻼم واﻟﺘﺤﻴﺎت
َﺿﻌَ ْﺖ واﻟﻨﻜﺎت واﻟﻨﻈﺮات ،ﻓﻼ أدري ملﺎذا ﻛﺎن اﻟﻔﺼﻞ ،إﻻ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ أن اﻟﺮﺟﺎل و َ
أﻣﺎﻣﻬﻢ رواﻗﻴﺪ اﻟﴩاب وﺣُ ِﺮ َم اﻟﻨﺴﺎء ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ .ﻋﲆ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ أﺷﻌﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺑﻐﻤﺰة ﺧﻔﻴﻔﺔ،
ﻓﺄﻟﺘﻔﺖ ﻓﺈذا ﻓﺘﺎة ﺻﻐرية ﺗﺒﺘﺴﻢ ﱄ ،ﺛﻢ ﺗﺸﺐ — وإن ﻛﻨﺖ ﻗﺼريًا ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺮف اﻟﻘﺎرئ ﱡ
وﺗﻬﻤ ُﺲ ﰲ أذﻧﻲ أن ﻓﻼﻧﺔ أو ﻋﻼﻧﺔ ﺗﺮﺟﻮ أن أﺑﻌﺚ إﻟﻴﻬﺎ ﺧِ ْﻠﺴﺔ ﺑﻜﺄس، ِ أو ﻻ ﻳﻌﺮف —
وﻻ ﻣﻮﺟﺐ ﻟﻺﻃﺎﻟﺔ ،ﻓﺈن زﺟﺎﺟﺎت اﻟﴩاب ﻣﺎ ﻟﺒﺜ َ ْﺖ أن ﺻﺎرت ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻋﻼﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻏﺮﻓﺔ إﱃ
ﻏﺮﻓﺔ .وﻟﻌﻞ اﻟﺒﺎب ﻟﻮ ﻛﺎن ﻣﻮﺻﺪًا ملﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ َﻏﻨﺎء.
35
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻣَ ﱠﺮت ﺑﻲ اﻟﻌﺮوس ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﺘﺤﺪﺛﻨﺎ ﺣﻴﻨًﺎ ﰲ أﻣﻮر ﺷﺘﻰ ،إﱃ أن أﻓﴣ ﺑﻨﺎ اﻟﻜﻼم
إﱃ اﻷزواج ،ﻓﺨﻄﺮ ﱄ أن ﻫﺬه ﻓﺮﺻﺔ ﺗُ ْﻐﺘَﻨﻢ وﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ» :اﺳﻤﻌﻲ ﻳﺎ ﻋﺮوﺳﻨﺎ اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ،إﻧﻲ
أﻳﻀﺎ أَﻋْ َﺮف ﻣﻨﻪ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وأﺧﱪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻣﻦ دﻧﻴﺎه أﻛﱪ ﻣﻦ أﺑﻴﻚ ﺳﻨٍّﺎ ،وأﺣﺴﺒﻨﻲ ً
ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻣﻨﻲ؟ اﺣﺬري أن ﻳﺮاك زوﺟﻚ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ أو ﻇﻬ ًﺮا ً إﻻ اﻟﺒﻴﺖ واملﻘﻬﻰ ،ﻓﻬﻞ ﺗَ ْﻘﺒَﻠِني
أو ﻣﺴﺎءً — ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ﰲ أي ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻨﻬﺎر أو اﻟﻠﻴﻞ — ﰲ ﻣَ ﺒﺎذﻟﻚ أو ﰲ ﺛﻴﺎب
رﺛﺔ ،أو ﻏري ﺟﻤﻴﻠﺔ .ﻓﺈن ﺑﻴﺖ اﻟﺮﺟﻞ ﻣَ ْﻮﺋِﻠُﻪ ،وﻫﻮ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻲ ،ﻓﻼ ﺗﺤﻤﻠﻴﻪ
ﻋﲆ املﻘﺎ َرﻧﺔ ﺑني ﻣﺎ ﻳﺮاه ﰲ ﺑﻴﺘﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﺛﺎﺛﺔ ،وﻣﺎ ﺗﺄﺧﺬه ﻋﻴﻨﻪ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ
اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻔﺘﻨﺔ ،ﻓﻴُﻨْﻜِﺮ ﻣﻨﻚ ذﻟﻚ وﻳﻨﴫف ﻋﻨﻚ ،وﻳَ ْﺰﻫﺪ ﻓﻴﻚ ،وﺗﺘﻄﻠﻊ ﻋﻴﻨﻴﻪ إﱃ ﺳﻮاك.
واﺣﺮﴆ ﻋﲆ ﺗﺠﺪﻳﺪ ﻧﻔﺴﻚ ﻟﻪ ﺑﻜﻞ وﺳﻴﻠﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳَﻤَ ﱠﻞ ،ﻓﺈن املﻠﻞ ﴍﱡ آﻓﺔ .واملﻬﻢ أن ﻳﺠﺪ
ﻋِ ﻨْﺪَكِ و ِﻣﻨْﻚِ ُﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ،وﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻳﺨﻄﺌﻬﺎ أو ﻻ ﻳﻨﺎﻟﻬﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻪ وﻳﻀﻄﺮ أن
ﻳَﻨ ْ ُﺸﺪﻫﺎ ِ
ﺧﺎرﺟَ ﻪُ«.
وﻣﴣ ﻋﺎﻣﺎن ،وﻟﻢ أ َ َر وَﺟْ ﻬَ ﻬﺎ ﰲ ﺧﻼﻟﻬﻤﺎ ،ﺛﻢ زا َرﺗْﻨﻲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،وأﺧﱪَﺗْﻨﻲ أن ﻟﻬﺎ
ﰲ ﺑﻴﺖ أﺑﻴﻬﺎ أﻳﺎﻣً ﺎ ،وأﻧﻬﺎ »ﻏﺎﺿﺒﺔ« ،ﻓﺴﺄ ْﻟﺘُﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﺘﻠﻌﺜَﻤَ ْﺖ وﺗﻠﺠْ َﻠﺠَ ْﺖ ،ﻓﺄﻋﻔﻴﺘﻬﺎ
ﻣﻦ اﻟﺠﻮاب .ﻓﻘﺪ َﺧﻤﱠ ﻨ ْ ُﺖ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺟﻤﻠﺘﻪ ،وﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﻌﻤﻮم ،وﻗﻠﺖ ﻟﻬﺎ» :ﻫﻞ ﻋَ ِﻤ ْﻠ ِﺖ ﺑﻤﺎ
ﻧﺼﺤﺖ ﻟﻚ ﺑﻪ؟«
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻧﻌﻢ ،ﺑﺎﻟﺤﺮف«.
ﺗﺄﻓﻒ أو ﺗﱪﱡم ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ؟« ﻗﻠﺖ» :وﻻ ﺷﻜﻮى ﻟﻪ أو ﱡ
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻛﻼ«.
وﻗﻠﺖ» :وﺗﺤﺒﻴﻨﻪ وﻳﺤﺒﻚ؟«
ﻗﺎﻟﺖ» :ﻧﻌﻢ«.
ﻗﻠﺖ» :اﺳﻤﻌﻲ .ﻣﺎ أرى إذن إﻻ أﻧﻚ ﺗُ ْﻔ ِﺴﺪﻳﻦ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﺑﻌﻨﺎدك وﻗﻠﺔ ﻋﻘﻠﻚ .أﻟﻢ أﻗﻞ
َﻟﻚِ اﺣﺬري أن ﺗﺤﺮﻣﻴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﻴﻀﻄﺮ أن ﻳﻄﻠﺒﻪ ﺧﺎرج ﺑﻴﺘﻪ ،ملﺎذا ﺗﻘﺬﻓني ﺑﻪ إﱃ اﻟﺸﺎرع
ﻈﻚِ وأُﺛْﻘِ ﻞ ﻋﻠﻴﻚ ،ﻓﺈﻧﻲ وﺗﺤﻮﺟﻴﻨﻪ إﻟﻴﻪ؟ اﺳﻤﻌﻲ ﻣﻨﻲ وارﺟﻌﻲ إﻟﻴﻪ ،واﻋﺬرﻳﻨﻲ إذا ُﻛﻨ ْ ُﺖ أَﻋِ ُ
ﱡ
أﺿﻦ ﺑﻚ ﻋﲆ اﻟﺨﻴﺒﺔ«.
ﻗﺎﻟﺖ» :وﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن أرﺟﻊ وﻫﻮ ﻻ ﻳﺄﺗﻲ؟«
ﻗﻠﺖ» :آه .اﻟﻜﺮاﻣﺔ! ﻃﻴﺐ ﻳﺎ ﺳﺘﻲ .ﺳﺄﺟﻴﺌﻚ ﺑﻪ ﻓﺘﻬﻴﺌﻲ ﻟﻠﻘﺎﺋﻪ واﻟﺮﺟﻮع ﻣﻌﻪ ﺑﻼ
ﻛﻼم ،وﻛﻮﻧﻲ ﻟﻪ وﻣﻌﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ«.
36
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وأﺣﺴﺒﻬﺎ ﺳﻌﻴﺪة أو راﺿﻴﺔ ،ﻓﻤﺎ رأﻳﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وإن ﻛﻨﺖ أﺷﺘﺎق إﱃ املﻌﺮﻓﺔ؛ ﻓﺈﻧﻲ
أﺣﺲ أﻧﻲ ﻣﺴﺌﻮل ﻋﻨﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ؛ أ َ َﻟ ْﺴ ُﺖ ﻗﺪ ﻋَ ﱠﻠﻤْ ﺘُﻬﺎ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ؟!
∗∗∗
ﻣﺎذا وراء ﻫﺬا اﻟﻈﺎﻫﺮ اﻟﺬي ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ أو اﻟﺬي ﺗُﺪ ِْرﻛﻪ ﺣﻮاﺳﻨﺎ؟ أو ﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ
وراء ﻫﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻟﺘﻲ ﻧُﺤِ ﱡﺴﻬﺎ أو ﻧﺠﺘﻠﻴﻬﺎ؟ ﰲ ﻫﺬا ذَ َﻫﺒ ُْﺖ أﻓﻜﺮ ﻳﻮﻣً ﺎ ،وأﻧﺎ ﺟﺎﻟﺲ إﱃ
إن ﷲ — ﺟَ ﱠﻠ ْﺖ ُﻗ ْﺪ َرﺗُﻪ — ﻗﺪ َﺧ َﻠ َﻖ ﻟﻨﺎ ﻋﻴﻮﻧًﺎ ﺗُ ْﺸﺒﻪ ﻋﺪﺳﺔ آﻟﺔ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ :ﱠ
اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،وﻟﻮ ﺷﺎء ﻏري ذﻟﻚ ﻟﻜﺎن ﻟﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﻣﺎ أراد ،وﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻛﺎملﺠﻬﺮ
اﻟﺬي ﺗُ َﺮى ﺑﻪ اﻟﺠﺮاﺛﻴﻢ وﻣﺎ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﺒﺪﱠى ﻟﻌﻴﻮﻧﻨﺎ اﻟﻌﺎرﻳﺔ .وﻟﻮ َﻓﻌَ َﻞ — ﺟَ ﱠﻞ وﻋﻼ —
ذﻟﻚ ﻻﺧﺘﻠﻒ اﻟﻜﻮن ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺮى ﻋﻴﻮﻧُﻨﺎ ﺣﻴﻨﺌﺬٍ ،وﻟﻜﺎن ﻏري اﻟﺬي ﻧﺮاه اﻵن .وﻟﻮ ﺷﺎء ﻟﺠﻌﻞ
ﻓﺴ ِﻤﻌْ ﻨﺎ أﺻﻮاﺗًﺎ ﻛﺜرية ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻧُﺤِ ﱡﺲ اﻵن إﻻ اﻟﺴﻜﻮن اﻟﺘﺎم .وﻟﻜﺎن ﻟﻨﺎ آذاﻧًﺎ أﻗﻮى َ
ﺑﺤﻮاس أﺧﺮى ﻏري اﻟﺨﻤﺲ اﻟﺘﻲ آﺗﺎﻧﺎ إﻳﺎﻫﺎ ،و َر َز َﻗﻨﺎ ﻋﴩًا ﱠ ﻳﺴﻌﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ً
أﻳﻀﺎ أن ﻳُ َﺰ ﱢودَﻧﺎ
ﻣﺜﻼ ،ﻓﻨﺼﺒﺢ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ ،وﻧﺮﺗﻔﻊ ﺑﻔﻀﻠﻬﺎ ﻓﻮق ﻃﺒﻘﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ — ﻛﻤﺎ ﻧﻌﻬﺪﻫﺎ ﰲ أﻧﻔﺴﻨﺎ. ً
وذَ َﻫﺒ ُْﺖ أ ُ َﻓ ﱢﻜﺮ ﰲ ﻗﺼﻮر ﺣﻮاﺳﻨﺎ ،وﻗﻠﺔ ﺟﺪواﻫﺎ ،وﺧﻄﺄ ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ ،ﻓﻘﻠﺖ
ﻣﺜﻼ ﺳﻄﺤً ﺎ ﻣﺴﺘﻮﻳًﺎ ،وﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ — ﻋﲆ ﻓﺮط اﻟﺘﺤﺪﻳﻖ ﻟﻨﻔﴘ :إن اﻟﻌني اﻟﻌﺎرﻳﺔ ﺗﺮى ً
— أن ﺗﺘﺒني إﻻ أﻧﻪ أﻣﻠﺲ ﻧﺎﻋﻢ ﻣﺼﻘﻮل ،وﻟ ِﻜﻨﱠﺎ ﻟﻮ ﺟﺌﻨﺎ ﺑﻤﻴﻜﺮوﺳﻜﻮب ﻗﻮيﱟ ،وﻧ َ َ
ﻈ ْﺮﻧﺎ ﺑﻪ،
ﻣﺴﺘﻮ ذا ﺗﻼل وأودﻳﺔ، ٍ ً
ﻣﴬﺳﺎ وﻋ ًﺮا ﻏري ﻟﻮَﺟَ ﺪْﻧﺎ ﻫﺬا اﻟﺴﻄﺢ اﻟﺬي ﺑﺪا ﻟﻨﺎ ﻧﺎﻋﻤً ﺎ أﻣﻠﺲ،
ﻓﺄﻳﻬﻤﺎ أَو َْﱃ ﺑﺎﻟﺘﺼﺪﻳﻖ؟ اﻟﻌني املﺠﺮدة أم املﺠﻬﺮ اﻟﺬي ﻳﺮﻳﻨﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ أن ﻧﺮى .إﻧﻪ
ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻌﺎدﻳﺔ إﻻ أن ﻧﺄﺧﺬ ﺑﻤﺎ ﻧﺪرﻛﻪ ﺑﻬﺬه اﻟﺤﻮاس اﻟﻘﺎﴏة ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﺎ
أﻳﻀﺎ إﻻ أن ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺼﺤﺔ ﻣﺎ ﻛﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻋﻨﻪ اﻟﻌﻠﻢ ،وأن ﻧ ُ َﺴ ﱢﻠﻢ أن ﻟﻜﻞ ﳾء ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ً
وﺟﻬني :ﻇﺎﻫ ًﺮا؛ وﻫﻮ اﻟﺬي ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺤﻮاس أن ﺗَﻌْ ُﺪوَه ،وﺑﺎﻃﻨًﺎ أو ﺣﻘﻴﻘﺔ؛ وﻫﻮ اﻟﺬي
ﻳﻬﺪﻳﻨﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﺎ ﻧﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ ﻣﻦ أدوات اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ .ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﺪرك ﺳﻮى ﺟﺎﻧ ٍِﺐ ﻳﺴري
ﻣﺤﺪود ،ﺣني ﺗﻘﺘﴫ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺗﻔﻴﺪﻧﺎ اﻟﺤﻮاس ،وﻟﻴﺲ اﻟﺬي ﻧُﺪ ِْر ُﻛﻪ ﺑﺤﻮاﺳﻨﺎ — ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس
إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ وراء املﻈﻬﺮ — إﻻ ﻛﺎﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﻧﺮﺗﺪﻳﻬﺎ ،وﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﺗﻐﻄﻴﻨﺎ
وﺗﺤﺠﺒﻨﺎ .وﻣﺎ ﺗﺪﻟﻨﺎ اﻟﺤﻮاس إﻻ ﻋﲆ اﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻘﺮﻳﺐ املﺘﻨﺎوَل ،واملﺤﺠﻮب ﻋﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ،ﻓﻼ
ﻣﻔ ﱠﺮ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻧﻄﺎق وﻋْ ِﻴﻨَﺎ ﺟﻴﺪًا إذا أ َ َردْﻧﺎ أن ﻧﺪرك ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ.
وﺗﺬﻛ ْﺮ ُت وأﻧﺎ أﻓﻜﺮ ﰲ ﻫﺬا ﻣﺎ ﻛﺎن أﺳﺘﺎذﻧﺎ ﰲ املﺪرﺳﺔ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﻨﺴﺘﻐﺮﺑﻪ ،وﻧﺼﺪﻗﻪ
ﻷن إﺛﺒﺎﺗﻪ ﺳﻬﻞ؛ وذﻟﻚ أﻧﻪ إذا ﻛﺎن ﻗﻄﺎران ﻳﺠﺮﻳﺎن ﰲ اﺗﺠﺎه واﺣﺪ ،وﺑﴪﻋﺔ واﺣﺪة،
37
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻓﺈن اﻟﺮاﻛﺐ ﰲ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﻟﻴﻪ أن اﻟﻘﻄﺎر اﻵﺧﺮ ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﺣﺮﻛﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻠﻮ اﻛﺘﻔﻰ املﺮء
ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪه اﻟﻨﻈﺮ وﺣﺪه ﻟﻐﻠﻂ و َر ِﻛﺒَﻪ اﻟﻮﻫﻢ .ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ إذا ﻛﺎن املﻌﻮﱠل ﻋﲆ
ﻓﻴﻼ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻳﺪ أﺣﺪﻫﻢ ﻋﲆ اﻟﺤﻮاس وﺣﺪﻫﺎ .وﺷﺎﻫِ ُﺪ ذﻟﻚ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻌﻤﻴﺎن اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺎدﻓﻮا ً
إﺣﺴﺎﺳﻪ ﺑﺎﻟﻌﻀﻮُ ﺛﺎن ﻋﲆ ﺳﺎﻗﻪ … وﻫﻜﺬا ،وﻗﺎل ﻋﻨﻪ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ أﻓﺎده ﺧﺮﻃﻮﻣﻪ ،وﻳﺪ ٍ
اﻟﺬي َﻟﻤَ َﺴﻪُ.
وأﻧﻈﺮ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻷﺷﻴﺎء ﻓﺄراﻫﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ وﻻ ﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﺗﺘﻐري ،وأملﺴﻬﺎ وأﺗﺤﺴﺴﻬﺎ
ﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﺗﻌﺪوﻫﺎ! ً وأﺟﺴﻬﺎ ﻓﻼ أ َ ْﺧ ُﺮجُ ﺑﻐري ذﻟﻚ ،وﻻ ﻳﺨﺎﻟﺠﻨﻲ ﺷﻚ ﰲ اﺳﺘﻘﺮارﻫﺎ واﻟﺘﺰاﻣﻬﺎ
وﻟﻜﻦ اﻟﻌﻠﻢ ﻳﻘﻮل ﱄ :إن ﰲ ﻫﺬه اﻷﺟﺴﺎم اﻟﺘﻲ أراﻫﺎ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ،وإن ﻋﻨﺎﴏﻫﺎ
وإن ﻣﺎ ﻳ َُﺴﻤﱠ ﻰ »إﻟﻜﱰوﻧﺎت« ﻻ ﺗﻔﺘﺄ ﺗﺪور ،ﻓﻜﺄن ﻫﺬه اﻷﺟﺴﺎم املﺤﺠﻮﺑﺔ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ ﺗﺘﻨﻘﻞ ،ﱠ
أﻳﻀﺎ :إﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺎط داﺋﻢ ﴎﻳﻊ ،وﻳﻘﻮل اﻟﻌﻠﻢ ً املﺎدﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺘﻬﺎ ﺳﻮى ﻣﻴﺎدﻳﻦ ﻧ َ َﺸ ٍ
وﻫﻢ ﻄ َﻠﻖ ،وإن ﻣﺎ ﻳﺒﺪو أﻧﻪ ﺳﻜﻮن إﻧﻤﺎ ﻫﻮ ْ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻜﻮن ُﻣ ُْ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﻮن املﻬﻮل ﻛﻠﻪ
وﺧﻴﺎل .أو ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل أﻳﻨﺸﺘني :إن اﻟﺴﻜﻮن إﻧﻤﺎ ﻫﻮ »ﻣﻈﻬﺮ« ﺳﻜﻮن.
ﻓﻬﻨﺎك ﰲ ﻛﻞ ﳾء ﻋﻨﺎﴏ دوﱠارة أﺑﺪًا وﻋﻨﺎﴏ داﺋﻤﺔ اﻻﺧﺘﻼج ،ﺣﺘﻰ اﻟﻮﻋﻲ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ
ﻟﺨﺎﻃﺮ
ٍ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ ﻳﺰال ﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻦ اﻹﺣﺴﺎﺳﺎت واﻟﺨﻮاﻟﺞ واﻟﺨﻮاﻃﺮ .وﻟﻴﺲ
أو ﺧﺎﻟﺠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻮﺟﻮد إﻻ ﺑﺮﻫﺔ ﻗﺼرية ،واﻟﺨﻮاﻟﺞ ﺗﺘﻼﺣﻖ وﺗﺘﻮاﱃ ﺑﻜﺜﺮ ٍة ﻻ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ
ﻫﻨﻴﻬﺎت ﻻ ﺗَﻌْ ِﺮف ﻟﻬﺎ
ٌ ﻋَ ﺪﱞ ،وﻫﻲ ﺗُﻮ َﻟﺪ وﺗﻤﻮت ،ﻛﻤﺎ ﻳُﻮ َﻟﺪ اﻟﻨﺎس وﻳﻤﻮﺗﻮن ،ﺳﻮى أن آﺟﺎﻟﻬﺎ
ً
ﻗﻴﺎﺳﺎ زﻣﻨﻴٍّﺎ. — ﻟﻀﺂﻟﺘﻬﺎ —
ﺛﻢ ﻣﺎذا؟ ﻣﺎذا ﻳﺆدي ﺑﻨﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،أو ُﻗﻞ :اﻟﺘﻔﻜري
اﻟﻘﻮﻳﻢ املﻨﻬﺞ؟ إن ﺧﻮاﻃﺮﻧﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ وﺟﻮد ﺛﺎﺑﺖ أو ﺑﻘﺎء ،وﻫﻲ ﺗﺬﻫﺐ وﻳ َْﺨﻠُﻔﻬﺎ ﻏريﻫﺎ
ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺒﻬﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﻄﺎﺑﻘﻬﺎ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﺘﻮﻟﺪ إﺣﺴﺎﺳﻨﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻤﺮار .وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ً
أﻳﻀﺎ
ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﻮل :إن اﻟﻜﻮن ﻟﻴﺲ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺛﺒﺎت ،ﺑﻞ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻريورة ﻣﺴﺘﻤﺮة ،ﻷن اﻟﺤﺮﻛﺔ
ﺗﻐري ،ﻓﻬﺬا اﻟﻜﻮن اﻟﺬي ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﺛﺎﺑﺘًﺎ رﻛﻴﻨًﺎ ﻣﺘﻴﻨًﺎ وﻃﻴﺪًا ،ﻫﻮ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﱡ
ﺣﺮﻛﺔ ﺟﺎرﻳﺔ — ﺑﻬﺬا ﻳﻘﻮل اﻟﻌﻘﻞ وﺑﻐريه ﺗﻨﺒﺌﻨﺎ اﻟﺤﻮاس.
َ
وﻳﺨﻴﱠﻞ إﱃ ﻣﻦ ﻳَﺘَﺘَﺒﱠﻊ اﻟﻌِ ْﻠ َﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ أﻧﻪ ﺗﻨﺎ َو َل املﺎدة وﻓﺘَﺤَ ﻬَ ﺎ ﻓﺄ ْﻟﻔﺎﻫﺎ ﺧﺎوﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ
— ﻋﲆ ﻗﻮﻟﻪ — ﻟﻴﺴﺖ إﻻ إﻟﻜﱰوﻧﺎت ﺗﺘﺤﺮك وﻻ ﺗﻔﱰ .وﻣﺆدى ﻫﺬا أن اﻷرض اﻟﺘﻲ ﻧﻤﴚ
ﱠ
ﺣﻮاﺳﻨﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻧﺒﻨﻲ ﻓﻮﻗﻬﺎ وﻧﺰرﻋﻬﺎ وﻧﺄﻛﻞ ﺛﻤﺎرﻫﺎ وﻧﻨﻌﻢ ﺑﺨرياﺗﻬﺎ ،ﻓﻀﺎء ﻓﺎرغ ،وأن
اﻟﺘﻲ ﺗُﻮﻫِ ﻤﻨﺎ أﻧﻬﺎ ﻣﺎدة ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ .ذﻟﻚ أن اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳ َْﻘ ِﺴﻢ اﻟﺬرة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻨﻘﺴﻢ،
وﻳﻘﻮل :إﻧﻬﺎ »ﻣﻮﺟﺎت« .وﺗﺴﺄل :ﻣﻮﺟﺎت! ملﺎذا؟ ﻓﻴﺠﻴﺒﻚ اﻟﻌﻠﻢ :إﻧﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻟﻴﺴﺖ
38
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻣﻮﺟﺎت ملﺎدة ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﻮﺟﺎت ﻟﻨﺸﺎط .ﻓﻠﻴﺲ اﻟﻜﻮن إذن ﻣﺎدة ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎﻻت ﺗَﺤْ ﺪُث
وﺗَﺘَﻌَ َﺎﻗﺐ ،وﻧﺤﻦ ﻧﻌﻴﺶ ﰲ ﻛﻮن ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ »ﻗﻮة« داﺋﻤﺔ اﻟﺤﺮﻛﺔ ،وأَﻋْ ﺠَ ﺐُ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ
ﺗﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﺷﻴﺌًﺎ أو ﻣﺎدة.
ﻈﺎﻫِ ﺮه ﻫﻲ وﺗﺴﺄل ﻋﻦ »اﻟﻨﺸﺎط« ﻓﻼ ﺗﻬﺘﺪي إﻟﻴﻪ ﰲ ذاﺗﻪ ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮن ﻟﻚ :إن ﻣَ َ
اﻟﺼﻮت واﻟﺤﺮارة واﻟﻀﻮء … إﻟﺦ .أﻣﺎ اﻟﻨﺸﺎط ﻧﻔﺴﻪ ،اﻟﻨﺸﺎط املﺤﺾ ،ﻓﻤﺎ اﻫﺘﺪى إﻟﻴﻪ
ﻈﺎﻫِ َﺮه ﻣﻦ اﻟﺼﻮت أﺣﺪ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻴﺲ إﻻ ﻓﻜﺮة ،وﻣﺎ رآه اﻟﻌﻠﻤﺎء واﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ،وإﻧﻤﺎ رأوا ﻣَ َ
واﻟﺤﺮارة واﻟﻀﻮء … إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ ،إذ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻋﺠﺰوا إﱃ اﻵن ﻋﻦ ﻋَ ْﺰﻟﻪ وﺗﺠﺮﻳﺪه ،ﻓﻬﻮ
َﻓ ْﺮض ﻻ أﻛﺜﺮ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺒ ﱠﺪ ﻗﻂ.
وﻧﺤﺲ ﻓﺘﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﱡ واﻟﻨﺘﻴﺠﺔ؟ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺛ َ ﱠﻢ وﺟﻮد ﻣﺎدي ،وإﻧﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﻔﻜﺮ
ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ .وﻳﺮﻗﺪ اﻟﻌﻘﻞ واﻹﺣﺴﺎس ،ﻓﺘﺰول ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ .ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻮﺟﻮدة ﻣﺎ ﺑﻘﻲ اﻟﻌﻘﻞ
ﻛﻒ .وﻟﻴﺲ ﻟﴚء ﰲ دﻧﻴﺎﻧﺎ وﺟﻮد ﰲ ﻳﻘﻈﺔ ،وﻫﻲ ﺗﺨﺘﻔﻲ وﺗَ ْﻔﻘِ ﺪ وﺟﻮدﻫﺎ إذا ﻧﺎم اﻟﻌﻘﻞ أو ﱠ
ﻣﺴﺘﻘ ﱞﻞ ﻋﻦ ﻋﻘﻠﻨﺎ ،وﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺬاﺗﻬﺎ .وﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﻴﺴﻮر أن ﻧ َ ْﻔ ِﺼﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ
ﻧﺤﺲ وﻧﺮى ،وﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﳾء واﺣﺪ ﱡ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻋﻦ ذواﺗﻨﺎ ،وإﻧﻬﻤﺎ ملﻨﻔﺼﻼن ﻓﻴﻤﺎ
أو ﻣﺮﺗﺒﻄﺎن ،ﻳﻜﻮﻧﺎن ﻣﻌً ﺎ ،وﻳﺰوﻻن ﻣﻌً ﺎ ،وﻻ ﺑ ﱠَﺖ ﻟﻠﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳُﺤِ ﱠﺲ املﺮء
ﺑﻨﻔﺴﻪ وﺣﺪﻫﺎ ﻏري ﻣﻘﺮوﻧﺔ إﱃ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻬﺎ.
وﻻ داﻋﻲ ﻟﻠﻤﴤ ﰲ ﻫﺬا اﻟﴬب ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜري ،ﻓﺈﻧﻪ ﺧﻠﻴﻖ أن ﻳ ُِﻄري اﻟﻌﻘﻞ ،وﻳﻌﺼﻒ ﺑﺎﻟﻠﺐ.
وﻫﻞ ﻣﺆداه إﻻ أﻧﻚ ﻟﺴﺖ ﺑﴚء ،وأﻧﻚ ﻻ أﻛﺜﺮ وﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮ ﻧﺸﺎط ﻹﻟﻜﱰوﻧﺎت ،وﻻ
أﻳﻀﺎ … وﻟﻜﻨﻪ ﻋﲆ ﺛ َِﻘﻞ وﻃﺄﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ ﻳﻔﻴﺪﻧﺎ ﻓﻬﻤً ﺎ ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻗﺪ ﻳﻜﻮن أﻗﺮب أدري ﻣﺎذا ً
إﱃ اﻟﺼﺤﺔ ،أو ﻫﻮ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ أﺻﺢ ِﻣ ْﻦ َﻓﻬْ ﻢ اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻟﻬﺎ ،أو أﺣﺮى ﺑﺄن ﻳﴫﻓﻨﺎ ﻋﻦ اﻷﺧﺬ
ﺑﻤﺎ ذَ َﻫﺐَ إﻟﻴﻪ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺴﺎﺑﻘﻮن ﻣﻦ اﻵراء واﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻧ َ َﻘ َﻀﻬَ ﺎ املﺤﺪﺛﻮن ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ
أﻳﻨﺸﺘني ﺻﺎﺣﺐ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ .وﻗﺪ ﻳﺠﻲء ﻏريه ﻣﻦ ﺑﻌﺪه ﻓﻴﻬﺪم ﻣﺎ ﺑﻨﺎه ،وﻳﺤﺎول أن
ﻳﺴﺘﻈﻬﺮ ﺑﺮأي ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﺈن ﻋﻘﻮﻟﻨﺎ ﻣﺤﺪودة وﻧﻈﺮاﺗﻨﺎ ﻗﺎﴏة ،واﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ أﻣْ ﺮ اﺟﺘﻬﺎد ﰲ
اﻟﺘﻔﺴري واﻟﺘﻌﻠﻴﻞ.
∗∗∗
ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ اﻟﻔﺮﻧﴘ املﺸﻬﻮر »أﻧﺪرﻳﻪ ﻣﻮروا« رواﻳﺔ ﺑﺎرﻋﺔ ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ »ﻛﻠﻴﻤﺎ« ﻳﺼﻒ ﻓﻴﻬﺎ ﺣﻴﺎة
ﺼ ْﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ،
وﻧﻐ َ رﺟﻞ ﺗﺰوﱠجَ اﻣﺮأة أَﺣَ ﺒﱠﻬَ ﺎ ﻓﺄ َ َرﺗْﻪ اﻟﻨﺠﻮم ﰲ اﻟﻈﻬﺮ اﻷﺣﻤﺮ وﺳ ﱠﻮد ْ
َت ﻋَ ﻴ َْﺸﻪ ﱠ
39
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻃ ﱠﻠ َﻘﺘْﻪ وﻓﺎ َر َﻗﺘْﻪ ،وﻣﻀﺖ اﻷﻳﺎم ﻓﺄﺣﺐ ﻋﺠﻼ ﻳﻌﺒﺪه ﻣﻦ دون ﷲ ،ﺛﻢ َ ً وﺟَ ﻌَ َﻠ ْﺖ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻪ
ني ﻋﺮﻳﻜﺔ وأ َ ْﺳ َﻠ َﺲ ﻗﻴﺎدًا وأﻃﻮع ﰲ اﻟﻌﻨﺎن ،وﻛﺎن دأﺑﻬﺎ أن ﺗﺘﺤﺮى اﻣﺮأة أﺧﺮى ،وﻛﺎﻧﺖ أ َ ْﻟ َ َ
ﴪﺗَﻪ ،وﻻ ﺗﻔﻌﻞ إﻻ ﻣﺎ ﺗﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻳﺮﺿﻴﻪ وﻳﺮﻳﺤﻪ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﴢ ﻟﻪ ﻣﺮﺿﺎﺗﻪ وﺗﺘﻮﺧﻰ ﻣَ َ ﱠ
أﻣ ًﺮا أو ﺗُ َﺨﺎﻟِﻒ ﻟﻪ ﻣﺸﻴﺌﺔ ،وﻳﻘﻮل »ﻣﻮروا« :إن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ و َ
َﺿ َﻊ ﺑﻴﺎﻧًﺎ ﺑﻤﺎ ﻳُﺤِ ﺐﱡ وﻣﺎ ﻳَ ْﻜ َﺮ ُه
ﻣﻦ ﻫﺬه املﺮأة ،ﻓﻜﺘﺐ ﰲ ﻧﺎﺣﻴ ِﺔ ﻣﺎ ﻳُﺤِ ﺐﱡ :إﻧﻪ ﻣُﻌْ ﺠَ ﺐ ﺑﺈﺧﻼﺻﻬﺎ ووﻓﺎﺋﻬﺎ ﻟﻪ ،وﺗﻌ ﱡﻠﻘﻬﺎ ﺑﻪ
وﺣِ ْﺮﺻﻬﺎ ﻋﲆ راﺣﺘﻪ وﻫﻨﺎءﺗﻪ … إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳَ ْﻜ َﺮه ﻣﻨﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺸﻴﻄﻦ أﺣﻴﺎﻧًﺎ،
ﻈ ِﻬﺮ ﻟﻪ اﻟﺠﻔﻮة ،وﻻ ﺗﺜري َﻏ ْريَﺗﻪ ،وﻻ ﺗُﺤَ ﱢﺮك ﺣﺒﻪ اﻟﺬي وﻻ ﺗﺘﺪﻟﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻻ ﺗﻌﺬﱢﺑﻪ ،وﻻ ﺗُ ْ
ﻳُ ْﺮ ِﻛﺪه اﻟﻬﺪوء ،واﻟﺬي ﻳﻜﺎد ﻳﺄﺳﻦ ﻣﻦ ﻓﺮط اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ،وأﻧﻪ ﻳﺸﺘﻬﻲ أن ﺗﺜري َﻏ َﻀﺒَﻪ ﻣﺮة،
أﻳﻀﺎ ﻣﻤﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ املﺮأة أن ﺗﺘﺸﻴﻄﻦ ﺑﻪ أو ﺗﺒﻌﺜﻪ ﻋﲆ اﻟﺤﴪة أو اﻷﺳﻒ … إﱃ آﺧﺮ ﻫﺬا ً
وﺗﺮﻛﺐ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻣﻦ ﴐوب اﻟﻌﺒﺚ اﻟﺬي ﺗﻐﺮﻳﻬﺎ ﺑﻪ ﻃﺒﻴﻌﺘﻬﺎ إذا ﺳﺎﻋﻔﺘﻬﺎ اﻟﺪرﺑﺔ وﺳﻌﺔ
اﻟﺤﻴﻠﺔ.
وأﻇﻦ أن ﻫﺬا ﺗﺼﻮﻳﺮ ﺻﺎدق ﻟﺤﺎل اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة .وﻟﻌﻞ ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ اﻟﺬي وﺻﻔﻪ
ﻳﺤﻦ إﻟﻴﻪ وﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﱡ ِﻒ اﻟﺘﻌﺬﻳﺐ وﻃﺎل اﻋﺘﻴﺎده ﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﻬﻮ »ﻣﻮروا« ﰲ رواﻳﺘﻪ ﻗﺪ أَﻟ َ
ﻳُ َﺮوﱢض ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻟﺨﻠﻮ ﻣﻨﻪ ،ﻓﺈن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ﻻ ﻳﻠﺒﺚ أن ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺣﺰﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎدات،
وﻫﺬا ﻫﻮ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﺮق ﺑني اﻟﺸﺒﺎب واﻟﺸﻴﺨﻮﺧﺔ؛ ﻓﺈن اﻟﺸﺎبﱠ ﻻ ﻳﺰال ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا ﻟﻠﺘﺤﻮل
واﻟﺘﻨﻘﻞ ،وﻟﻜﻦ اﻟﻜﻬﻞ ﻳﻌﺠﺰ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﰲ اﻷﺣﻴﺎن اﻟﻜﺜرية .وأذﻛﺮ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ ذﻟﻚ أن أﻋﺼﺎﺑﻲ
ﻈﻤﺔ ﻋﲆ ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر .ﻓﺄﻧﺎ ﺣني أﻓﺘﺢ ﻋﻴﻨﻲ ﻷول ﻣﺮة ﰲ اﻟﺼﺒﺎح أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻨ ﱠ
ْت أن أَد ﱠُﺳﻬﺎ ﺗﺤﺖ اﻟﺒﺎﻛﺮ أﻋﻠﻢ أن اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ،وﻻ أﺣﺘﺎج أن أراﺟﻊ اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺪ ُ
ﻄ َﻠ ْﺖ ﻣﺮة اﻟﻮﺳﺎدة .وﻋﲆ ذِ ْﻛﺮ ذﻟﻚ أﻗﻮل :إن اﻟﻨﻮم ﻻ ﻳﻮاﺗﻴﻨﻲ اﻵن إﻻ ﻋﲆ د ﱠَﻗﺎﺗِﻬَ ﺎ .وﻟﻘﺪ ﺗﻌ ﱠ
واﺣﺘﺎﺟﺖ إﱃ اﻹﺻﻼح ﻓﺄ ُ ِﺻﺒ ُْﺖ ﺑﺎﻷرق .وﺑَ َﻠ َﻎ ﻣﻦ اﻧﺘﻈﺎم ﻋﺎداﺗﻲ ووﻗﻮﻋﻬﺎ ﰲ ﻣﻮاﻗﻴﺘﻬﺎ
وﺳﻊ ﻣﻦ ﺷﺎء أن ﻳﻀﺒﻂ ﺳﺎﻋﺘﻪ ﻋﲇﱠ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﻀﺒﻄﻮن املﻀﺒﻮﻃﺔ أن ﺻﺎر ﰲ ْ
ﺳﺎﻋﺎﺗﻬﻢ ﺣني ﻳَ َﺮو َْن »ﻛﺎﻧْﺖ« اﻟﻔﻴﻠﺴﻮف اﻷملﺎﻧﻲ وﻫﻮ ﺧﺎرج إﱃ رﻳﺎﺿﺘﻪ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ،وﻛﻞ
ً
ﻓﻴﻠﺴﻮﻓﺎ وﻻ ِﺷﺒْﻬَ ﻪ. ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻔ ْﺮق أﻧﻲ ﻟﺴﺖ
ْﺧ َﻞ ﰲ ﺑﺎب وأَذْ ُﻛﺮ أﻧﻲ ﻗﺮأت ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻗﺼﺔ ﻗﺪ ﻳﻈﻨﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎس أد َ
َ
ﺼﻠُﺢ ﺼﺪ ﺑﻬﺎ إﱃ املﺰاح ﻣﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﺎب اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺠﺎﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَ ْ املﺒﺎﻟﻐﺎت واﻟﺘﻬﻮﻳﻼت اﻟﺘﻲ ﻳ ُْﻘ َ
رﺟﻼ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ زوﺟﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ اﻟﻠﺴﺎن ﺟﺪٍّا، ً ﻟﻠﻤﻌﺎﻣﻞ .وﺗﻠﻚ — ﻋﲆ َﻗﺪْر ﻣﺎ أَﺗَﺬَ ﱠﻛﺮ — أن
ﺼﺒﱢﺤﻪ وﺗُﻤَ ﱢﺴﻴﻪ ﺑﺎﻟﻠﻌﻨﺎت واﻟﺸﺘﺎﺋﻢ ،واﻹﻫﺎﻧﺎت واﻟﺘﺄﻧﻴﺐ املﺮ ،واﻟﻄﻌﻦ اﻟﻮﺟﻴﻊ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗُ َ
واﻟﻘﺪح اﻟﺠﺎرح .وﻛﺎن ﰲ أول اﻷﻣﺮ ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ وﻳﺜﻮر ﻋﻠﻴﻪ ،وﻳﻬﻴﺞ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺮط
40
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻃ َﻮ َل ﺑﺎﻋً ﺎ ﰲ اﻟﺸﺘﻢ،ﺼﺐﱡ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ أ َ ْﻗ َﺪ َر ﻣﻨﻪ ،وأ َ ْ اﻷﻟﻢ ،ﻓﻴﺼﺐﱡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗَ ُ
ِﻒ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﺮ اﻷﻳﺎم؛ ﻣﺤﺼﻮﻻ ﰲ ﺑﺎب اﻟﺒﺬاء ،ﻓﺎﺳﺘﺨﺬى ،وأَﻟ َ ً وأﺻﱪ ﻋﲆ املﻮاﻇﺒﺔ ،وأوﻓﺮ
ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ﻻ ﻳﻮاﺗﻴﻪ اﻟﻨﻮم إﻻ ﻋﲆ ﺻﻮﺗﻬﺎ املﺘﺪﻓﻖ ﺑﱪاﻋﺎت اﻟﻬﺠﻮ ،وﻣﺒﺘﻜﺮات اﻟﺸﺘﻢ
واﻟﻘﺪح واﻟﻠﻌﻦ .ﺛﻢ ﺗَﻮ ﱠَﻓﺎﻫﺎ ﷲ ﺑﻌﺪ أرﺑﻊ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ،ﻓﺄ َ ْﻗﺒَ َﻞ ﻋﻠﻴﻪ
آﻟُ ُﻪ وإﺧﻮاﻧﻪ ﻳﻬﻨﺌﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﺠﺎة ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ اﻟﻄﻮﻳﻞ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﺗﻀﻌﻀﻊ واﻧﻬ ﱠﺪ ﻛﻴﺎﻧﻪ
ﱠض ﺑﻨﻴﺎﻧﻪ ،وﺗَﻠ َِﻔ ْﺖ ِﺻﺤﱠ ﺘُﻪ ،ﻓﺮاح ﻳَﻌْ ِﺮض ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ اﻷﻃﺒﺎء ﻓﻠﻢ ﻳُﺠْ ِﺪ ِه ﻋﻼﺟﻬﻢ ،وﻟﻢ وﺗﻘﻮ َ
ﺗﺆﺛﱢﺮ ﻓﻴﻪ ُﻣﻨَﻮﱢﻣَ ﺎﺗُﻬُ ﻢ .ﺛﻢ أﺷﺎر ﻋﻠﻴﻪ َﻟ ِﺒ ٌﻖ ذﻛﻲ ﻣﻦ أﺻﺪﻗﺎﺋﻪ ،أن ﻳﻠﺘﻤﺲ ﻟﻪ زوﺟﺔ ﻛﺎﻷوﱃ،
ﻓﺤﺎر اﻟﺮﺟﻞ ،وﻟﻢ ﻳَﺪ ِْر أﻳﻦ ﻳﺠﺪﻫﺎ.
وراح ﻳَﻨ ْ ُﺸﺪ ِﻃ ْﻠﺒَﺘَﻪ ﺑني اﻷراﻣﻞ ،إذ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻔﺘﻴﺎت اﻷﺑﻜﺎر — ﻟﻌﺪم ﺧﱪﺗﻬﻦ — ﻻ
ﻳﺼﻠﺤﻦ ﻟﻼﺿﻄﻼع ﺑﻬﺬه املﻬﻤﺔ اﻟﺠﺴﻴﻤﺔ .وأﺧريًا ﺟﺎءه ﺻﺎﺣﺐ ﻟﻪ ،وأﺑﻠﻐﻪ أن اﻣﺮأة ﻣﻦ
»اﻟﻄﺮاز اﻷول« ﺗُﻮ ﱢُﰲ زوﺟﻬﺎ ﻋﻨﻬﺎ أﻣْ ِﺲ ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺑﻬﺎ .ﻓﴩع ﻳﺘﻮدد إﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻢ ﺗَﻤْ ِﺾ ﺑﻀﻌﺔ
ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻻ ﻳﺒﻠﻐﻪ وﻫﻮ ﰲ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ .ﻓﺼﺎر ﻳﺤﻤﻞ ً أﺷﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﻓﺎز ﺑﻬﺎ .وﻟﻜﻨﻪ وَﺟَ َﺪ ﺻﻮﺗﻬﺎ
ﻛﺮﺳﻴﻪ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻳﺠﻠﺲ ﻗﺒﺎﻟﺘﻬﺎ ﻳﴩب ﻟﻌﻨﺎﺗﻬﺎ ،وﻳﻌﺐﱡ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻄﻮل ﺑﻪ ﻟﺴﺎﻧﻬﺎ ﻋﺐﱠ اﻟﻈﻤﺂن،
ﺿﻌﻴﻒ ﻟﺬﻟﻚ اﻟﺼﻮت اﻟﺰاﺧﺮ اﻟﺬي أ َ ْﺧ َﺮ َﺳﻪ ٍ ﻏري أﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ — ﻣﻊ اﻷﺳﻒ — ﺳﻮى ﺻﺪًى
املﻮت .وﻛﺎﻧﺖ املﺮأة ﺗﺒﺬل أﻗﴡ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻪ ﻃﻮﻗﻬﺎ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ أو ﻧﺤﻮ ذﻟﻚ ،ﺛﻢ ﺗﺤﺲ
ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ أو ﻣﺴﺘﺤﺜًﺎ ﻟﻬﺎ» :أﻧﺖ ً ﺑﺎﻟﻔﺘﻮر ﻓﺘُﻤْ ِﺴﻚ ،ﻓﻴﻔﺘﺢ اﻟﺮﺟﻞ املﺴﻜني ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻳﻘﻮل —
ﻫﻨﺎ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ؟«
ْ
ﻓﺘﻘﻮل» :وأﻳﻦ ُﻛﻨ َﺖ ﺗﺤﺴﺒﻨﻲ أﻳﻬﺎ اﻟﻐﺮ املﻐﻔﻞ؟«
ﻓﻴﻨﴩح ﺻﺪره وﻳﺒﺪو اﻟ ِﺒ ْﴩ واﻟﴪور ﰲ أﺳﺎرﻳﺮ وﺟْ ِﻬﻪ ،وﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺳﻴﻨﺎم ﰲ ﻟﻴﻠﺘﻪ
ُﺼ ٍﻎ إﻟﻴﻚ«. ﻧﻮﻣً ﺎ ﻫﻨﻴﺌًﺎ ،وﻳﻘﻮل ﻟﻬﺎ» :ﺗَ َﻜ ﱠﻠ ِﻤﻲ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻣ ْ
ْ
ي ﻣﺎ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺠﻮد ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻤﺎ وﻟﻜﻦ ﺑﱤ ﺳﻔﺎﻫﺘﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻗﺪ ﻧﺸﻔﺖ ،وﺑﻌﺪ َﻷ ِ
ﻳﻤﻸ رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺮاﻫﺎ ﺗﺴﻜﺖ ،ﻓﻴﻬﺰ رأﺳﻪ وﻳﻘﻮل ﻟﻨﻔﺴﻪ» :ﻛﻼ ،ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ
زوﺟﺘﻲ اﻷوﱃ — ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻟﻒ رﺣﻤﺔ ورﺣﻤﺔ — ُد ﱠرة ﻳﺘﻴﻤﺔ«.
وﻛﺎن إذا أراد اﻟﻨﻮم ﻻ ﻳﺰال ﻳﺴﺘﺤﺜﻬﺎ وﻳﺴﺘﺜريﻫﺎ ﻟﺘُ ِﺴﺢﱠ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺸﺘﻢ ،ﻓﻴﻘﻮل ﻟﻬﺎ
ﻣﺜﻼ ﺣني ﻳﺒﺪو ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻔﺘﻮر ،وﻳﺜﻨﻲ رأﺳﻬﺎ اﻟﻨﻌﺎس» :ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﻋﺰﻳﺰﺗﻲ ،إن ﺑﺎﱄ إﻟﻴﻚ .ﻟﻘﺪ ً
ُﻛﻨ ْ ِﺖ ﺗُﺤَ ﱢﺪﺛِﻴﻨَﻨِﻲ ﻋﻦ ﻓﻼﻧﺔ ،وﻛﻴﻒ ُﻛﻨ ْ ُﺖ أﺣﻤﻠﻖ ﰲ وﺟﻬﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻄﻌﺎم وﻻ أُﺣَ ﻮﱢل ﻧﻈﺮي
ﻋﻨﻬﺎ إﻋﺠﺎﺑًﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ«.
41
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻓﺘﻬﻴﺞ ﺑﻪ ﻓﺘﻤﻄﺮه ﺻﻴﱢﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻌﻨﺎت اﻟﺤﺮار اﻟﺘﻲ ﺗُﺤْ ِﻴﻲ ﻧﻔﺴﻪ وﺗُﻨْﻌِ ﺶ روﺣﻪ ،وﻟﻜﻦ
اﻟﺴﺤﺎﺑﺔ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُ ْﻘﻠِﻊ وﻳﻌﻮد إﱃ اﻟﺠﻮ ﺻﻔﺎؤه اﻟﺒﻐﻴﺾ ،وإﱃ اﻟﻠﻴﻞ ﻫﺪوءه
اﻟﺜﻘﻴﻞ ،وإﱃ ﻗﻠﺐ ذﻟﻚ املﺴﻜني ﺣﻨﻴﻨﻪ إﱃ ﻟﺴﺎن زوﺟﺘﻪ اﻷوﱃ ،وﺑﺬاءﺗﻬﺎ املﺤﺒﻮﺑﺔ ،ﻓﻴﻘﻮل:
»ﻫﻞ رأﻳﺖ ﻓﻼﻧﺔ ﰲ ﺛﻮﺑﻬﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ؟ ﺗﺎهلل ﻣﺎ أﺷﺪ اﻧﺴﺠﺎﻣﻪ ﻋﲆ ﻗﻮاﻣﻬﺎ اﻟﺮﺷﻴﻖ! ﻟﻘﺪ أ َ َﺧﺬَ ْت
ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻌﻬﺎ ﺣني َﺳ ﱠﻠﻤَ ْﺖ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺒﺎرﺣﺔ«.
ﺑﻨﻔﺲ ﻣﺘﻘﻄﻊ وﺻﻮت ﻣﺤﴩج ﻣﻦ ﻓﺮط اﻹﻋﻴﺎء ،ﻓريﻣﻴﻬﺎ ﺑﺂﺧﺮ ﺳﻬﻢ ﰲ ﻓﺘﻜﺮ ﻋﻠﻴﻪ َ
»أﺳ ِﻤﻌْ َﺖ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻼﻧﺔ ﻓﻴﻚ؟ ﻟﺸﺪ ﻣﺎ أﺿﺤ َﻜﺘْﻨﻲ وﷲ«. ﺟﻌﺒﺘﻪ وﻳﻘﻮلَ :
ﻓﺘﻔﺘﺢ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ وﺗﺴﺄﻟﻪ» :أﺿﺤ َﻜﺘْ َﻚ أﻳﻬﺎ اﻟﺨﺎﺋﻦ؟ أﺗﻘﻮل أﺿﺤ َﻜﺘْ َﻚ أﻳﻬﺎ اﻟﻜﻠﺐ؟«
ﻓﻴﺴﺘﺒﴩ وﻳﻘﻮل» :وﻛﻴﻒ ﻻ أﺿﺤﻚ وﻫﻲ ﺗﻘﻮل :إن ﻟﻚ وﺟﻬً ﺎ ﻛﺎﻟﴪدﻳﻨﺔ؟«
وﻳﻐﻤﺾ ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻳﺮﻫﻒ أذﻧﻴﻪ ﻟﺴﻤﺎع املﺸﺘﻬﻰ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎب وﻟﻴﺘﻘﻲ أﻣﻮاج اﻟﺒﺬاء
اﻟﻬﺎﺑﻄﺔ ﺑﺴﻮء اﻟﻘﻮل ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻘﻴﺔ اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﻣﻦ ُﻗ ﱠﻮﺗِﻬﺎ ﻻ ﺗﻠﺒﺚ أن ﺗﻨﻔﺪ ،ﻓﻴﺘﺤﴪ ﻋﲆ
ُﺼﻌﱢ ﺪ آﻫﺎﺗﻪ وﺗﺄوﱡﻫﺎﺗﻪ ﻋﲆ ﻣﺎ َﻓ َﻘ َﺪ ﺣني ﻣﺎﺗﺖ اﻟﻨﻌﻴﻢ اﻟﺬي زال ،وﻳﻈﻞ إﱃ اﻟﺼﺒﺎح أ َ ِر ًﻗﺎ ﻳ َ
ﻒ ﻣﻤﺎ ﺻﺎر إﻟﻴﻪ ﺑَﻌْ ﺪَﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻀﻴﻘﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳُﺤْ ِﺴﻦ ﱠ
وﻳﺘﺄﻓ ُ زوﺟﺘﻪ اﻷوﱃ،
اﻟﻨﺎس ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﺘﻢ املﺮﻳﺢ.
وﻫﺬا ﻣَ ﺜ َ ٌﻞ ُﺳ ْﻘﺘُﻪ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺳﺎﻋﻔﺘﻨﻲ اﻟﺬاﻛﺮة ﻛﺸﺎﻫﺪ ﻋﲆ ﻓِ ﻌْ ﻞ اﻟﻌﺎدة ،وﻛﻴﻒ ﺗﺜﺒُﺖ
ْ َ
ﻄﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻹﴎاف ﻫﻨﺎ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ، ً
إﴎاﻓﺎ وﺷﻄ ً وﺗﺘﺄﺻﻞ ﻣﻊ اﻟﺰﻣﻦ ،وﻻ ﺷﻚ أن ﻓﻴﻪ
ﺑﻞ املﺮاد ﺑﻪ اﻟﺘﻮﻛﻴﺪ .وأﻋﻮد اﻵن إﱃ »ﻣﻮروا« وﺻﺎﺣﺒﻪ اﻟﺬي ﺗﻀﺠﺮه اﻟﺮاﺣﺔ ،وﻳ ُْﺴﺌِﻤﻪ ﺧﻠﻮ
اﻟﺒﺎل ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻋﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺸﺘﻬﻲ أن ﺗﺘﺪﻟﻞ زوﺟﺘﻪ ﻋﻠﻴﻪ ،وﺗﺘﺸﻴﻄﻦ أﺣﻴﺎﻧًﺎ
ِﻟﺘُﻌْ َﻔﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﻛﻮد ،وﻟﺘﺒﻌﺚ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺤﺮﻛﺔ وﺗﺜري ﰲ ﻗﻠﺒﻪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة وﺣُ ﺒﱢﻬﺎ ﻣﻦ
ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻜﻔﺎح ،ﻓﺄﻗﻮل :إﻧﻲ أﻧﺎ ﻻ أﻧﻘﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﻢ ،وإن ﻛﻨﺖ ﻻ ﻳﺴﻌﻨﻲ
إﻻ اﻻﻋﱰاف ﺑﺄﻧﻲ أﻣ ﱡﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻃﻮل اﻟﻌﻬﺪ ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺷﺘﻬﻲ — ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺘﻬﻲ ﻫﻮ
— ﻋﺬابَ اﻟﻘﻠﺐ ووَﺟَ َﻊ اﻟﺮأس .وﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻮاﻗﻊ أن ﺷﻜﻮى ﺻﺎﺣﺒﻨﺎ ﻟﻴﺴﺖ
ﻃ َﻠﻌْ َﺖ ﻋﲆ ﴎﻳﺮﺗﻪ — ﻳﺸﻜﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻧﻔﺴﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﻓﺮدﻳﺔ ،وﻛﻞ رﺟﻞ — إذا ا ﱠ
ﻫﺬا ،وﻛﻞ اﻣﺮأة — إذا اﻃﻠﻌﺖ ﻋﲆ ﴎﻳﺮﺗﻬﺎ — ﻳﺪور ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎملﻠﻞ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺑُﻪ
أﻟﻮان اﻟﺤﻴﺎة وﺗَ َﻜ ﱡﺮرﻫﺎ وﻋَ ﺪَم ﺗَﻨَﻮﱡﻋﻬﺎ ،وﻟﻮ أَﻣْ َﻜ َﻦ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴﺔ — ﻣﻊ اﻟﻄﻮل
واﻻﺳﺘﻤﺮار — أﻛﺜﺮ ﺗﻨﻮﻋً ﺎ ،وأن ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ اﻻﻃﺮاد اﻟﺪاﺋﻢ ا ُمل ِﻤ ﱢﻞ ،وأن ﻳَﻌْ ﺘَ ِﻮ َر ﺻﻔﺤﺘﻬﺎ —
ﻂ وأَﺣْ َﻔ َﻞﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن وإﱃ اﻟﺤﺪ اﻟﻜﺎﰲ ﻓﻘﻂ — ﻣﻘﺪار ﻣﻦ اﻻﺿﻄﺮاب ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ أَﻧ ْ َﺸ َ
َت ﻣﻦ اﻟﺠﺪة ،ﻟﺼﺎرت أﻣﺘﻊ ،وﻟﻜﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺑﺄن ﺗﻜﻮن ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ،وﻳُ ْﻜ ِﺴﺒﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ َﻓ َﻘﺪ ْ
42
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
أﻫﻨﺄ؛ ﻷن دوام اﻟﺤﺎل اﻟﻮاﺣﺪ ﻳ ُْﻔ ِﴤ ﺑﻬﺎ إﱃ اﻟﺮﻛﻮد ،واﻟﺮﻛﻮد ﻳُﺒَ ﱢﻠﺪ اﻟﻨﻔﺲ وﻳ ُْﻔﻘِ ﺪُﻫﺎ اﻟﺸﻌﻮر
ِﻒ ﻋﻨﺪه ﺑﻨﻌﻴﻢ ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة ،وﻟﻜﻦ املﺼﻴﺒﺔ أﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻀﻊ ﺣﺪٍّا ﻟﻼﺿﻄﺮاب ﻳَﻘ ُ
ﻓﻠﺴ َﺖ ﺗﺄﻣﻦ أن ﺗﻄﻐﻰ ﻣَ ﻮْﺟَ ﺘُﻪ ﻓﺘﻐﺮق ﻓﻴﻬﺎ وﺗﺴﻮء اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ .ﻋﲆ أﻧﻪ ﻳﺠﺐ أن وﻻ ﻳﺘﻌﺪاهْ ،
ﻳﻜﻮن ﻣﻔﻬﻮﻣً ﺎ أن اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴﺔ ،ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة
ﻄ ِﺮد وﺗﺴﺘﻤﺮ ﻋﲆ وﺗرية واﺣﺪة ﺗﻜﻮن ﺑﺎﻋِ َﺚ ﻣﻼﻟﺔ و ِﻋ ﱠﻠ َﺔ ﻣﻦ املﻠﻞ واﻟﺴﺂﻣﺔ ،ﻓﺈن ﻛﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﺗَ ﱠ
ﺿﺠَ ﺮ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻳﻀﺠﺮ املﺮء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ؛ ﻻ ﻷن اﻟﻌﻤﻞ ﰲ ذاﺗﻪ ﻳﺜﻘﻞ ﻋﻠﻴﻪ ،ﺑﻞ ﻷﻧﻪ ﻳﺮى ﻧ َ ْﻔ َﺴﻪ َ
ﻋﻤﻼ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺘﻐري ،ﰲ أوﻗﺎت ﻻ ﻳﺬﻫﺐ ﻛﻞ ﻳﻮم إﱃ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ واﺣﺪ ،وﻳﺒﺎﴍ ً
ﺗﺨﺘﻠﻒ ،وﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻻ ﺗَﺘَﻨَﻮﱠع ،ﻓﺘﻨﺘﻔﺦ ﻣﺴﺎﺣﺮه وﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺰﻫﺪ وﻳُﺤِ ﱡﺲ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﻐﻴري
أﺳﻠﻮب ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻪ ،وﻫﺬه ﻫﻲ ﻣﺰﻳﺔ اﻹﺟﺎزات واﻟﺒﻌﺪ زﻣﻨًﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺬي ﻳﺰاوﻟﻪ املﺮء،
وﻟﻌﻞ ﺧري ﻣﺎ ﻳﻨﻔﻲ املﻠﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺰوﺟﻴﺔ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك إﺟﺎزات ﻟﻠﺰوﺟني ﻳﻘﻀﻴﺎﻧﻬﺎ
ﻣﻨﻔﺮدﻳﻦ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ ﺧﻠﻴﻖ أن ﻳﻜﻮن أ َ ْﺷﻮ ََق وأ َ ْﺷﺤَ ﺬَ ﻟﻠﺮﻏﺒﺔ ،وأَﺑْﻌَ َﺚ ﻋﲆ اﻟﺤﻨني إﱃ اﺳﺘﺌﻨﺎف
اﻟﺤﻴﺎة املﺸﱰﻛﺔ.
ﻋﲆ أن ﻋُ ْﻘﺪة اﻟﻌُ ﻘﺪ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة املﺸﱰﻛﺔ ﺑني اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه ،ﺑﻞ ﻣﺴﺄﻟﺔ َ
املﺨﻠﻮﻗ ْني ﻣﺨﺘﻠﻔﺎن ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺣﻴﺎﺗﻪ ووﻇﻴﻔﺘﻪ ﻓﻴﻬﺎ، َ أﺧﺮى؛ وﺗﻠﻚ أن
واﺧﺘﻼف اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﻳﺆدي إﱃ اﻻﺧﺘﻼف ﰲ أﺳﺎﻟﻴﺐ اﻟﺘﻔﻜري وﰲ اﺗﺠﺎه اﻟﺬﻫﻦ،
وﻣﻊ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف اﻟﺠﺴﻴﻢ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻔﻖ اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة وﻳَﺘَ َﻔ َ
ﺎﻫﻤَ ﺎ وﻳَﺘَ َﺴﺎﻳَ َﺮا ِﻟﻴ َْﺴﻌَ ﺪَا،
ﻄ ِﺮ َد ﺣﻴﺎﺗﻬﻤﺎ املﺸﱰﻛﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ﰲ ﻣﺠ ًﺮى واﺣﺪ .ﻓﻜﻴﻒ وﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗَ ﱠ
ﻳﺘﻴﴪ ذﻟﻚ؟
ﻫﺬه ﻫﻲ املﺴﺄﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل »ﻫﻤﻠﺖ« ،وﺣﻴﺎة اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺪارﻫﺎ ﻏﺮﻳﺰة املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ
اﻟﺬات؛ ﻷن ﻋَ ﻤَ َﻠﻪ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﻫﻮ اﻟﺴﻌﻲ واﻟﻜﻔﺎح واﻟﻨﻀﺎل ،وﻫﻮ ﻳﺴﺘﻬﺪف ﻟﻠﻤﺼﺎﻋﺐ
واملﻬﺎﻟﻚ واﻟﺘﻠﻒ واﻟﺒﻮار ،وﻻ ﻳﺴﻌﻪ إﻻ أن ﻳﻌﻤﻞ ﺟﺎﻫﺪًا ﻻﺗﱢﻘﺎء ﻣﺎ ﻳَﻌْ ِﺮض ﻟﻪ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻛﻤﺎ
املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ؛ ﻷن ﻋﻤﻠﻬﺎ داﺋﻢ َ ﻳﻌﻤﻞ ﺟﺎﻫﺪًا ﻟﻠﻜﺴﺐ واﻟﻔﻮز ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ َﻗ ِﻮﻳ َْﺖ ﻏﺮﻳﺰة
وﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﻏري ﻣﻨﻘﻄﻊ .وﻟﻠﻤﺮأة ﺣﻴﺎة أﺧﺮى ووﻇﻴﻔﺔ ﻏري ﻫﺬه — إﱃ اﻵن ﻋﲆ اﻷﻗﻞ —
ﻈ ﱠﻞ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺎﻣﺮة وأﻛﱪ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻬﻮد ﻓﻴﻪ إﻟﻴﻬﺎ ﻫﻮ ﺣِ ْﻔﻆ اﻟﻨﻮع واﻟﺤﺮص ﻋﲆ أن ﺗَ َ
ﺑﻨﺴﻞ أﺑﻴﻨﺎ آدم .وﻗﺪ ﺗُ َﺰ ِاول ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻳُ َﺰ ِاول اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺘﺴﻌﻰ وﺗﻜﺎﻓِ ﺢ وﺗﻨﺎﻓِ ﺲ ،وﺗَ ْﻜ ِﺴﺐ
املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻞ ،وﻣﻦ َ اﻟﺮزق وﺗﻘﻮم ﺑﺄَوَد اﻷﴎة ،وﻟﻜﻦ ﻋﻤﻠﻬﺎ اﻷﻛﱪ ﺳﻴﻈﻞ ﻫﺬه
ﻫﻨﺎ َﻗ ِﻮﻳ َْﺖ ﰲ املﺮأة ﻏﺮﻳﺰة املﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻮع ،وﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﻰ ﻫﺬا أن ﻏﺮﻳﺰة املﺤﺎﻓﻈﺔ
ﻋﲆ اﻟﻨﻮع ﳾء ﻻ ﻳَﻌْ ِﺮ ُﻓﻪ اﻟﺮﺟﻞ ،وإﻧﻤﺎ ﻣﻌﻨﺎه أن اﻟﻐﺮﻳﺰة اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻓﻴﻪ أﻗﻮى ﻣﻦ أﺧﺘﻬﺎ،
43
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻛﻤﺎ أن اﻟﻐﺮﻳﺰة اﻟﻨﻮﻋﻴﺔ ﰲ املﺮأة أﻗﻮى ﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺰة اﻟﻔﺮدﻳﺔ ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﴎ اﻻﺧﺘﻼف ﺑني
ﻈﺎﻫِ ﺮه اﻟﺠﺴﻤﻴﺔ ،ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻮ ﻣﻦ اﻷوﻫﺎم ،وﻟﻴﺲ اﻟﻘﻮل ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﺴني ،وﻫﻮ اﺧﺘﻼف ﻟﻪ ﻣَ َ
اﻵراء اﻟﺘﻲ ﺗَﺤْ ﺘَﻤﻞ اﻟﻨﻘﺾ وﺗﺘﺴﻊ ﻟﻠﻤﻜﺎﺑﺮة.
اﻵﺧﺮ؛ ﻈ ِﺮ ُﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ إﱃ َ اﺧﺘﻼف ﻣﺜﻠﻪ ﰲ ﻧ َ َ
ٍ وﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻳ ُْﻔ ِﴤ ﺣﺘﻤً ﺎ إﱃ
ﻣﺜﻼ ﻓﺄﻗﻮل :إن ﺣﺐ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻠﻤﺮأة ﻣﻌﻨﺎه أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﺧﺎﻟﺼﺔ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻟﻴَﻨْﻌَ ﻢ ﺑﻬﺎ ﴐب ً وأ َ ْ ِ
وﺣﺪه ،وﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎملﺘﻌﺔ املﺴﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻟﻬﺎ .أﻣﺎ ﺣﺐ املﺮأة ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻓﻤﻌﻨﺎه أﻧﻬﺎ َرأَﺗْﻪ —
أﺣﻖ رﺟﻞ ﺑﺄن ﻳﻌﻴﻨﻬﺎ ﻋﲆ أداء وﻇﻴﻔﺘﻬﺎ، َﺧﻞ ﻟﻠﻌﻘﻞ ﻫﻨﺎ — ﱠ ﺑﻐﺮﻳﺰﺗﻬﺎ ﻻ ﺑﻌﻘﻠﻬﺎ ،ﻓﻼ د ْ
أي :اﻹﺗﻴﺎن ﺑﻨﺴﻞ ﺻﺎﻟ ٍِﺢ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ وﺑﻘﺎؤﻫﺎ ﻋﺎﻣﺮة ﺑﻬﺬا اﻟﻨﺴﻞ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﻔﻜﺮ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﻤﺎ
ﻻ ﻳﻔﻜﺮ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ اﻷﻣﺮ؛ ﻷن اﻟﻌﻤﻞ واﻟﻮﺣﻲ ﻫﻨﺎ ﻟﻠﻐﺮﻳﺰة ﻻ ﻟﻠﻔﻜﺮ .ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ ﻳُﺤِ ﺐﱡ ﻧ َ ْﻔ َﺴﻪ
ﺣني ﻳﺤﺐ املﺮأة ،أﻣﺎ املﺮأة ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻠﺘﻀﺤﻴﺔ اﻟﻜﱪى ﺣني ﺗﺤﺐ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﻬﻮ ﻟﻬﺬا أﻧﺎﻧﻲ ﰲ
ُﻀﺤﱢ ﻴﺔ ﰲ ﺣﺒﻬﺎ ،وﻫﻲ ﺗﺤﺘﻤﻞ املﻜﺎره ﰲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺤﺐ؛ ﻷن ﺣﺒﻬﺎ ﺗﻀﺤﻴﺔ ﺣﺒﻪ ،وﻫﻲ ﻟﻬﺬا ﻣ َ
ﻛﱪى ،ﻓﺄَو َْﱃ ﺑﻬﺎ أن ﺗﺼﱪ ﻋﲆ اﻟﺘﻀﺤﻴﺎت اﻟﺼﻐﺮى.
أﻣﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻬﻮ ﻛﻤﺎ ُﻗ ْﻠ ُﺖ ،أﻧﺎﻧﻲ ﻓﻼ ﺻﱪ ﻟﻪ ﻋﲆ ﺗﻀﺤﻴﺔ ،وﻻ اﺣﺘﻤﺎل ﻣﻨﻪ ﻟﻌﺬاب
ﻛﺎر ٌه أو ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﺮاﺣﺔ؛ ﻷن ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣُ ﺒﱢﻪ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻪ أن ﻳﻔﻬﻢ ﻫﺬه إﻻ وﻫﻮ ِ
اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ ،وﻻ ﺗﺠﻌﻠﻪ ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا ﻟﻬﺎ .وأﻧﺎ أﺗﻜﻠﻢ ﻋﻦ اﻷﺻﻞ ﻻ ﻋﻤﺎ ﻳﻌﺮض ﻣﻦ اﻟﺸﺬوذ .وﻣ ِْﻦ
ﻫﻨﺎ ﻛﺎﻧﺖ املﺮأة أَو َْﰱ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ أﻏﺪر ،ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺸﺎﺋﻊ ﻻ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ .ﻓﺈن اﻟﻮﻓﺎء ﻣﻦ
اﻟﺮﺟﻞ إﻓﻼس ﻧﻔﴘ ،وﺧﻴﺎﻧﺔ ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻪ اﻟﺘﻲ ُﻓ ِﻄ َﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،أو اﻟﺘﻲ ﻧَﻤَ ْﺖ ﻓﻴﻪ ﺑﻔﻀﻞ أﺳﻠﻮب
ﺣﻴﺎﺗﻪ .وﻫﺬا ﻫﻮ اﻷﺻﻞ ،وﻟﺬﻟﻚ رأﻳﻨﺎ اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻳَﺘﱠﺨِ ﺬ املﺮأة واملﺮأﺗني
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺰوﺟﺎت أو ﻣَ ْﻦ ُﻫ ﱠﻦ ﰲ ﺣُ ْﻜ ِﻤ ِﻬ ﱠﻦ ،وﻟﻢ ﻧ َ َﺮ ً واﻟﺜﻼث واﻷرﺑﻊ ،وﺗﻜﻮن ﻟﻪ اﻟﺠﻮاري
املﺮأة ﺗﺘﺨﺬ ﻣﻦ اﻟﺮﺟﺎل — أﻋﻨﻲ اﻷزواج — اﺛﻨني أو ﺛﻼﺛﺔ أو أرﺑﻌﺔ ،إﻻ أن ﻳﻜﻮن ذﻟﻚ
ﴎا ،ﺑﻞ ﴎا وﺧﻔﻴﺔ وﻟﻌﻠﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻢ ﻳَ ُﻜ ْﻦ ﻳﺼﻨﻊ ﻫﺬا ٍّ ﺼﺎﺣِ ﺐ ﻏريه — ٍّ — أي أن ﺗُ َ
ﺟﻬ ًﺮا ،وﻛﺎن ﻳﻘﻴﻤﻬﻦ ﰲ ﺑﻴﺖ واﺣﺪ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺮأة ﺗَ ْﺮ َﴇ وﺗُﺬْﻋِ ﻦ وﺗﺴﻌﻰ ﺳﻌﻴﻬﺎ ﻟﺘﻜﻮن ﻫﻲ
ﻒ ﻋﻦ اﻻﺷﺘﻬﺎء واﻟﺘﻄﻠﻊ إﱃ ﻏري املﻮﺟﻮدات اﻷﺛرية املﺤﺒﻮﺑﺔ ﻻ اﻟﻮﺣﻴﺪة ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳَ ُﻜ ﱡ
واﻟﺘﱪم ﺑﺎملﻮﺟﻮدات ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﻗﻀﺎء اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ وﺣﻜﻢ اﻟﻔﻄﺮة — أو ﻣﺎ ﺻﺎر ﻛﺎﻟﻔﻄﺮة —
ﰲ اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة.
ُ
ﻓﺎﻟﻮﻓﺎء ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺮﺟﻞ ،أﻛﺬوﺑﺔ وﻣﻨﺎﻓﺎة ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ﻛﻤﺎ ﻗ ْﻠ ُﺖ ﻏري ﻣﺮة ،وﻟﻜﻨﻪ ﻓﻴﻤﺎ
ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎملﺮأة ،ﺻﺪق وإﺧﻼص ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ ،وﻣﻦ ﻫﻨﺎ إن املﺮأة ﻻ ﺗﺰال ﺗَﺘﱠ ِﻬﻢ اﻟﺮﺟﻞ ﺑﺎﻟﻐﺪر
44
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﻐ ْرية اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﺮأة ،وﻫﻲ واﻟﺘﺤﻮل واﻟﺘﻘﻠﺐ وﻗﻠﺔ اﻟﺜﺒﺎت ،وﻫﺬا ﻫﻮ ﺗﻔﺴري َ
ﻛﻐ ْريَﺗﻪﻈﻤَ ْﺖ؛ ﻷن ﻏرية اﻟﺮﺟﻞ ﻋﲆ املﺮأة ﻫﻲ َ َﻏ ْرية ﻻ ﺗُ َﻘﺎس إﻟﻴﻬﺎ َﻏ ْرية اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻬﻤﺎ ﻋَ ُ
ريﺗُﻪ َﺎل ﻣﺎ دون ذﻟﻚ ﻣﺒﺎﻻ ًة ﺗُﺬْ َﻛﺮَ ،
ﻓﻐ ْ َ ﻋﲆ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻚ ،ﻓﺈذا أ َ ِﻣ َﻦ أن ﻳﻀﻴﻊ ﻣﻠﻜﻪ ﻟﻢ ﻳُﺒ ِ
ﰲ اﻟﻜﻠﻴﺎت ﻻ ﰲ اﻟﺠﺰﺋﻴﺎت واﻟﺘﻮاﻓﻪ ،وﻟﻜﻦ َﻏ ْريَة املﺮأة ﻣﺮﺟﻌﻬﺎ إﱃ إدراﻛﻬﺎ — ﺑﻐﺮﻳﺰﺗﻬﺎ
اﻟﺬﻛﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗَﻬْ ﺪِﻳﻬﺎ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ — أن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺼﱪ ﻋﲆ اﻟﻮﻓﺎء ،وﻻ ﻳﻤﻠﻚ إﻻ أن
َﴫف ﻗﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ إﱃ ﻫﻨﺎك .ﻓﻜﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﻣﻨﻪ أو ﻟﻔﺘﺔ ﻳﺘﺤﻮﱠل وﻳﺘﻘ ﱠﻠﺐ ﰲ ﺣﺒﻪ ،وإﻻ أن ﻳ ْ ِ
ﻧﺬﻳﺮ ﻣﻨﻪ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﺑﻮﺷﻚ ﻫﺬا اﻟﺘﺤﻮل وﺑﻔﻘﺪان ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪه ﻣﻦ ﻣﻘﺎم وﻣﻨﺰﻟﺔ وإﻳﺜﺎر،
وﺑﻌﻮدﺗﻬﺎ واﺣﺪة ﻣﻦ ﻣﺌﺎت اﻵﻻف اﻟﻠﻮاﺗﻲ ﻻ ﻳﺒﺎﻟﻴﻬﻦ أو ﻳﺤﻔﻠﻬﻦ وﻻ ﻳُﺤِ ﱡﺴﻬﻦ أو ﻳ َْﻔ ِﻄ ُﻦ
إﱃ وﺟﻮدﻫﻦ .ﻓﻬﻲ ﻏرية ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻮد وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻮق واملﺰاﻳﺎ ،وﻟﺬﻟﻚ ﻻ
ﺗﻨﻔ ﱡﻚ ﻣﺸﺒﻮﺑﺔ ﻣﻀﻄﺮﻣﺔ.
ﻟﺘﻐري اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي د ََﻓ َﻊ ﺑﺎملﺮأة إﱃ ﻣﻴﺪان
وﻗﺪ ﻳﺘﻐري ﻛﻞ ﻫﺬا وﺗﺘﻘﺎرب اﻟﻄﺒﻴﻌﺘﺎن ﺗﺒﻌً ﺎ ﱡ
اﻟﺴﻌﻲ واﻟﻌﻤﻞ ،وﺣَ ﻤَ َﻠﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺸﺎرﻛﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺄﺛﺮ ﺑﻪ .وﻟﻜﻦ ﺣﺪوث ﻫﺬا
اﻟﺘﻐﻴري ﻳﺤﺘﺎج إﱃ أﺣﻘﺎب ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋِ ْﻠﻤُﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﷲ؛ وإﱃ أن ﻳَﺤْ ﺪُث ﻫﺬا اﻟﺘﻐﻴري ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ
اﻟﻮﻓﺎق ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑني اﻟﺮﺟﻞ واملﺮأة ،وﻳﺒﻘﻰ ﻋُ ْﴪﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻵن ،وﻣﺎ أﻇﻦ اﻟﺤﺐ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻳﻜﻮن
ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻵن ،ﺑﻞ ﻻ أدري ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﺤﺐ .ﻓﺈن اﻻﺧﺘﻼف ﻻ اﻟﺘﻮاﻓﻖ واﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﻫﻮ
اﻟﺬي ﻳﺠﺬب اﻟﺮﺟﻞ إﱃ املﺮأة ،وﻳﺠﺬب املﺮأة إﱃ اﻟﺮﺟﻞ ،ﻓﺈذا ﺻﺎرا ﺷﺒﻴﻬني وأﺻﺒﺤﺎ ِﻧ ﱠﺪﻳْﻦ
وﻗﺮﻳﻌَ ْني ،ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻨﺸﺄ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻳﻨﺸﺄ اﻵن؟!
وﻣﺸﻜﻠﺔ أﺧﺮى ﺟﺎءﻧﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺚ واﻟﺘﻄﻮر اﻟﺠﺪﻳﺪ ﰲ ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻨﺴني
وﻋﻼﻗﺎﺗﻬﻤﺎ .ﻓﺈن اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﺗُ ْﺮﺟﻰ ﻣﻊ اﻟﺤﺠﺎب ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﺴﻔﻮر واﻻﺧﺘﻼط ﻋﺴرية .ذﻟﻚ
أن املﺮأة ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗَ َﺮى إﻻ َرﺟُ ﻠﻬﺎ ،وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻻ ﻳﻜﺎد ﻳﺮى إﻻ اﻣﺮأﺗﻪ ،ﻓﺈذا رأى ﻏريﻫﺎ ﻟﻢ
ﻳَ َﻜ ْﺪ ﻳﺮى إﻻ اﻟﺜﻴﺎب اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ وﻣﺤﺠﻮﺑﺔ ﺗﺤﺘﻬﺎ؛ وﰲ وﺳﻌﻨﺎ أن ﻧﻘﻮل :ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل
— ﻣﻊ ﳾء ﻣﻦ اﻟﺘﺠﻮز ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﰲ اﻟﻘﻀﻴﺔ — إن اﻟﺮﺟﻞ ﻛﺎن ﻣﻘﺼﻮ ًرا ﻋﲆ اﻣﺮأﺗﻪ ،واملﺮأة
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻘﺼﻮرة ﻋﲆ َرﺟُ ﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻻﺧﺘﻼط واملﻌﺎﻳﺸﺔ وﻣﺎ ﻳﻨﻄﻮﻳﺎن ﻋﻠﻴﻪ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺎل
اﺧﺘﻠﻒ اﻵن ﺑﻌﺪ أن ﺑﺮزت املﺮأة ﺳﺎﻓﺮة ﺗﻐﴙ املﺠﺘﻤﻌﺎت ،وﺗﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﺮﺟﺎل ،وﺗﻜﻮن ﻣﻌﻬﻢ
وﻣﺜﻠﻬﻢ ،ﻓﺎﻟﺮﺟﻞ ﻳﺮى أﻣﺎﻣﻪ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮاه ،واملﺮأة ﻛﺬﻟﻚ .وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﰲ ﻧﻈﺮ املﺮأة
ﻣَ ﺜ َ َﻠﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻌﺮف ﺳﻮاه وﻟﻢ ﺗَﺒْ ُﻞ ﻏريه ،وﻟﻜﻨﻪ اﻵن ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن
ﻄﻠﻊ ،وﺗﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﰲ ﻛﻞ ﻄﻠﻊ ﻋﲆ ﺣﻴﺎة ﻏريه ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗَ ﱠ ﻣَ ﺜ َ َﻠﻬﺎ اﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻷﻧﻬﺎ ﺗَ ﱠ
45
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺣﺎل ،ﻏري أن ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﺗﻄﻤﻊ أﻣﺔ ﰲ ﺣﻴﺎ ٍة ﻛﺮﻳﻤﺔ أو ﻋﺰﻳﺰة ،أو ﻣﺎ ﺷﺌﺖ ﻏري ذﻟﻚ
ﻣﻌﻄﻼ ﻣﺤﻜﻮﻣً ﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ واﻻﺳﺘﻌﺒﺎد واﻟﺬل وﻋﺪم اﻟﻜﻔﺎءة ﻟﻠﺤﻴﺎة، ً إذا ﻛﺎن ﻧﺼﻔﻬﺎ
ﻣﻘﻀﻴٍّﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺤﺮﻣﺎن ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺣﻖ ﻛﻞ ﻣﻮﺟﻮد ،واﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺬي ﻫﻮ ﻣرياث
ﻃﺒﻴﻌﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن .ﺛﻢ إن اﻟﺤﺠﺎب ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ﻳَﺤْ ِﺮم املﺮأة اﻟﻔﺮص اﻟﻼزﻣﺔ ﻟﻔﻬﻢ
اﻟﺮﺟﻞ ،وﻫﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻔﻬﻤﻪ إﻻ إذا َد َر َﺳﺘْﻪ ،وﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ دراﺳﺘﻪ إﻻ ﺑﺎملﺨﺎ َﻟﻄﺔ
واملﻌﺎﴍة .ﻓﺈذا اﻣﺘﻨﻊ ذﻟﻚ — وﻫﻮ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻣﻊ اﻟﺤﺠﺎب — ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ أن املﺮأة ﺗﻜﻮنَ
ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﻻ ﺗﻔﻬﻤﻪ وﻻ ﺗَﻌْ ِﺮف ﻋﻨﻪ إﻻ أﻧﻪ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﺜﻠﻬﺎ وﻳﴩب ،ﺛﻢ ﻳﻠﺒﺲ ً ِ
ﺗﻌﺎﴍ ﻣﻜ ﱠﻠﻔﺔ أن
وﻳﺨﺮج إﱃ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺪري ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،ﻟﻴﻌﻤﻞ ﻣﺎ ﻻ ﺗﻌﺮف وﻣﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﻔﻬﻢ ﻋﲆ
وﺟﻪ ﺟَ ِﲇﱟ .وﻫﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﻄﺎ َﻟﺒﺔ ﺑﺄن ﺗُ ْﺮ ِﺿﻴَﻪ وﺗﺴﺎﻳﺮه وﺗﻮاﻓﻘﻪ ،وﺗﻜﻮن ﻣﻌﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ٍ
َ
ﰲ رأﻳﻪ ﻫﻮ ﻻ رأﻳﻬﺎ ﻫﻲ .أﻣﱠ ﺎ ﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮن ﻣﻌﻪ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻓﴚء ﻳَﻌْ َﻠﻤُﻪ ﻫﻮ دوﻧﻬﺎ ،وﻻ
ﻣﺤﺎﻻ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺤﺠﺎب ﻛﺎن ﻳﻘﴤ ﺑﻪ ﻣﻊ ذﻟﻚ. ً أدري ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻴﴪ ﻫﺬا ﻓﺈﻧﻲ أراه
املﺤﻘﻖ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﺋﺪة ﱠ ْت ﻋﻨﻬﺎ ﻓﺄﻗﻮل :إﻧﻬﺎ ﻋﲆ َﺧ َ
ﻄﺮﻫﺎ وأﻋﻮد إﱃ املﻘﺎ َرﻧﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺮد ُ
وﻣﺰﻳﺔ ﻣﺤﺘﻤﻠﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺧﻠﻴﻘﺔ أن ﺗَﺪ َْﻓﻊ اﻟﺮﺟﻞ إﱃ اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﻨﻘﺺ اﻟﺬي ﻓﻴﻪ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ
ﺧﻠﻴﻘﺔ ﺑﺄن ﺗﻐﺮي املﺮأة ﺑﺎﻛﺘﺴﺎب املﺰاﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺮاﻫﺎ ﰲ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻫﺬا ﻋﺎﻣ ُﻞ ُرﻗ ﱟِﻲ
رﺟﻼ ﻛﺎن أو اﻣﺮأة — ﻋﻨﺪه ﻣﻦ اﻟﻐﺮور ﻣﻘﺪار ً وﻻ ﺷﻚ .وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻼء أن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن —
ﻛﺎف ﺟﺪٍّا .وﻣﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ إﻻ وﻫﻮ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺧري ﻣﻦ ﻏريه وأ َ ْﻛﻤَ ُﻞ وأﺳﻤﻰ وأرﻗﻰ وأﺟﻤ ُﻞ ٍ
وأﻇﺮف … إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ ،وﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻗﺎد ٌر ﻋﲆ أن ﻳﻮﺣﻲ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد وﻳُﻠ ِﺢﱡ ُ
ﻧﻘﺼﺎ أو ﻋﻴﺒًﺎ وآ َﻟﻤَ ُﻪ اﻟﺸﻌﻮر
ً ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻪ ،ﺣﺘﻰ ﺗﺆﻣﻦ وﻳﻨﺘﻔﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ اﻟﺸﻚ ﻓﻴﻪ ،ﻓﺈذا أَﺣَ ﱠﺲ
ﱢﺿﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻳﺤﺎول أن ﻳُﻌَ ﻮ َ
ِ ﻳﺤﺎول أن ﻳﻌﺎﻟﺠﻪ ،ﺑﻞ راحَ
ِ ﺑﺬﻟﻚ ﻟﻢ
ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻣﺴﻠﻮب اﻟﻘﻮة ،ا ْﻟﺘَﻤَ َﺲ ﺳﻌﺔ اﻟﺤﻴﻠﺔ … وﻫﻜﺬا .وﻣﺎ دام ﻫﺬا اﻟﻐﺮور ﰲ
اﻹﻧﺴﺎن — وﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻣﻐﺮور — ﻓﺈﻧﻪ ﺧﻠﻴﻖ أن ﻳَﻤْ ﻨ َ َﻊ — إﱃ ﺣﺪ ﻛﺒري — ذﻟﻚ اﻟﻨﻔﻊ
اﻟﺬي أ َ َﴍ ُ
ْت إﻟﻴﻪ.
وﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬه إﻻ ﺑﻌﺾ ﻣﻌﻀﻼت املﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ وﻣﺎ ﺗﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ
املﺤرية .أﻣﺎ ﻛﻴﻒ ﺗُﻌَ ﺎ َﻟﺞ ﻓﴚء ﻻ أﻋﺮﻓﻪ ،وأﻛﱪ اﻟﻈﻦ — ﺑﻞ املﺤﻘﻖ — أن اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺗﻨﻈﻢ
ُﻮﺟﺐ ﻟﻠﺨﻮف ﻣﻦ ﻋﻮاﻗﺐ وﻓﻖ اﻷﺣﻮال وﻋﲆ اﻷﻳﺎم ،ﻓﻼ داﻋﻲ ﻟﻠﻘﻠﻖ وﻻ ﻣ ِ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ْ
ﻒ أﻣﻮ ًرا ﻻ داﻋﻲ ﻟﻠﻘﻠﻖ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺘﻬﺎ ،وﻻ ﻫﺬه املﺸﺎﻛﻞ .وﻗﺪ ﻳﺴﺄل ﺳﺎﺋﻞ :إذن ملﺎذا ﺗَ ِﺼ ُ
ﻓﺎرﻏﺎ.ً ﺧﻮف ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ ﻣﻨﻬﺎ؟ و َردﱢي ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال أن اﻷدﻳﺐ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﻜﻼم وﻟﻮ ﻛﺎن
46
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ُ
أﻟﺴﻨﺔ اﻟﻨﺎس ﺟﻤﻴﻌً ﺎ — ﻻ اﻷدﺑﺎء وﻟﻮ َﺧ َﻠﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﻼم اﻟﺬي ﻻ ﴐورة ﻟﻪ ﻟ َﻜ ﱠﻔ ْﺖ
وﺣﺪﻫﻢ — ﻋﻦ اﻟﺪوران ﺛﻼﺛًﺎ وﻋﴩﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ وﺗﺴﻌً ﺎ وﺧﻤﺴني دﻗﻴﻘﺔ وﺳﺒﻌً ﺎ وﺧﻤﺴني
ﺛﺎﻧﻴﺔ!
∗∗∗
أ َ ْﻟ َﻘﻴ ُْﺖ اﻟﻜﺘﺎب وذَ َﻫﺒ ُْﺖ أﻓﻜﺮ .وﺧري ﻣﺎ أﻋﺮﻓﻪ ﻟﻠﻜﺘﺐ ﻣﻦ املﺰﻳﺔ واﻟﻨﻔﻊ ﻫﻮ ﻫﺬا :أﻧﻬﺎ ﺗﻔﺘﺢ
ﱄ أﺑﻮاﺑًﺎ ﺟﺪﻳﺪة ﺗُ ْﻔ ِﴤ إﱃ رﺣﺎب واﺳﻌﺔ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﺨﻴﺎل .وﻛﺎن اﻟﻜﺘﺎب رواﻳﺔ
ﻋﻦ ﻋﴫ رﻳﺸﻠﻴﻮ ،وﻛﺎن ﻣﺪارﻫﺎ اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳ ُْﻔ َﺮغ ﻣﻨﻬﺎ .وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ وأﻧﺎ
ﺑﺤﻖ ﺧﺎﻟ َِﻖ ﻓﺮﻧﺴﺎ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ .وﻣﺎذا ﻛﺎن ﻣَ ﻠِﻜﻪ اﻟﻀﻌﻴﻒ أﺿﻄﺠﻊ» :ﻫﺬا رﺟﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﱟ
ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺼﻨﻊ ﺑﻐري ﻣﻌﻮﻧﺘﻪ؟ ﻻ ﳾء! وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﺎن رﻳﺸﻠﻴﻮ ﻏﺮض اﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ﻛﻠﻬﺎ.
وﻛﺎن اﻷﴍاف ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻳﻤﻘﺘﻮﻧﻪ وﻳﻜﻴﺪون ﻟﻪ ،إﻻ ﻣﻦ اﺻﻄﻔﺎﻫﻢ واﻧﺘﻔﻌﻮا ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ.
ﻟﺨﴪ ْت ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﻣﻦ َ وﻛﺎن َﻫ ﱡﻢ ﻫﺆﻻء اﻷﴍاف أن ﻳُﺤْ ِﺒﻄﻮا َﺳﻌْ ﻴَﻪ .وﻟﻮ أﻧﻪ ﻛﺎن أ َ ْﺧ َﻔ َﻖ
ﻳﺪري! إن اﻟﺬي ﻳﺮى اﻟﻨﺠﱠ ﺎ َر ﻳﻘﻄﻊ اﻷﺧﺸﺎب وﻳﻔﺼﻠﻬﺎ وﻳﻨﺠﺮﻫﺎ َﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺘﺨﻴﻞ
ﺗﺤﻒ ﺑﻬﺎ اﻷ ُ ْﴎة وﺗﺠﻠﺲ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻐﺘﺒﻄﺔ ﻣﴪورة .وﻟﻮ أن أﻟﻮاح ﱡ املﺎﺋﺪة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ
اﻟﺨﺸﺐ و َِﺳﻌَ ﻬﺎ أن ﺗَﻌْ َﻠ َﻢ أن ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻨﻬﺎ ﻫﺬه املﺎﺋﺪة اﻟﺠﻤﻴﻠﺔ اﻟﻨﺎﻓﻌﺔ ملﺎ و َِﺳﻌَ ﻬﺎ ﻣﻊ ذﻟﻚ
إﻻ أن ﺗَﺄ ْ َﻟﻢ ﻟِﻔِ ﻌْ ﻞ املﻨﺸﺎر واﻟﻔﺎرة وﻣﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﻣﻦ أدوات اﻟﻨﺠﺎرة وآﻻﺗﻬﺎ ،وﻣﻦ ﻳﺪري
أﻳﻀﺎ! ﻟﻌﻞ ﻫﺆﻻء اﻷﴍاف ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻮﻫﻤﻮن أن رﻳﺸﻠﻴﻮ ﻳﴘء إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ وﻻ ﻳُﺤْ ِﺴﻦ ،أو ً
أﻧﻬﻢ ﻫﻢ أ َ ْﻗ َﺪ ُر ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﻧ َ ْﻔﻌﻬﺎ و َر ْﻓﻊ ﺷﺄﻧﻬﺎ وإﻋﻼء ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ .وﻣﻦ اﻟﻌﺴري ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل أن
ﻳُﺪ ِْرك اﻟﻨﺎس اﻟﺨري ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻪ وﻗﺒﻞ أن ﻳَﺘِ ﱠﻢ وﻳَﺘﱠﺨِ ﺬ اﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﻳ َْﺴﻬُ ﻞ أن ﺗﺮاﻫﺎ
اﻟﻌني وﻳُﺪ ِْرﻛﻬﺎ اﻟﻔﻬﻢ!«
أﻳﻀﺎ» :وﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﻐﺎﻳﺔ ،أ َ َﻟ ْﻢ ﻳﺮﺗﻜﺐ رﻳﺸﻠﻴﻮ أﺧﻄﺎء وﻣﻈﺎﻟﻢ وﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ ً
وﺟﺮاﺋﻢ؟ وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻬﺎن ﺑﺬﻟﻚ ﻛﻠﻪ إذا َﺳﻠِﻤَ ْﺖ ﻟﻪ اﻟﻐﺎﻳﺔ اﻟﻜﱪى واﻃﻤﺄن إﱃ ﺗﺤﻘﻴﻘﻬﺎ .وﰲ
ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺨري ،ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﻨﻲ اﻟﻨﺎس اﻟﴩ! ﺑﻞ ﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﴩ ﻫﻮ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺨري!
وﻧﺤﻦ اﻵن ﻧﻘﻮل :إن رﻳﺸﻠﻴﻮ إﻧﻤﺎ أراد ﻣَ ﺠْ ﺪ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﻓﻤَ ْﻦ أدراﻧﺎ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻨﺸﺪ املﺠﺪ
اﻟﺸﺨﴢ! أﻗﻠﻴﻞ ﻫﺬا اﻟﺴﻠﻄﺎن اﻟﺬي ﺟَ ﻤَ َﻊ أﻋﻨﱠﺘﻪ ﰲ ﻳﺪﻳﻪ؟ ﻣﻦ اﻟﺬي ﻳ ََﺴﻌُ ﻪ أن ﻳﺠﺰم ﺑﺄن
ﺑﻮاﻋﺜﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،أو أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﺨﺼﻴﺔ؟ وﻣﺎ اﻟﺒﺄس ﻋﲆ
ﻛﻞ ﺣﺎل ﻣﻦ اﺧﺘﻼط اﻟﺒﻮاﻋﺚ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﺎﻟﺸﺨﺼﻴﺔ؟ أو ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻻ ﺗﺨﺘﻠﻂ؟ وﻛﻞ زﻣﻦ
47
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻣﺴﺎع ،ﺑﻌﻀﻬﺎ ﴍﻳﻒ واﻟﺒﻌﺾ ٍ وﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﻓﻴﻪ ﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ زﻣﻦ رﻳﺸﻠﻴﻮ … ﻣﻨﺎورات
وﺿﻴﻊ .وﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﺗﺤﻮج إﱃ اﻟﺪس واﻟﻮﻗﻴﻌﺔ ﰲ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﻮج إﻟﻴﻪ.
وﻣﺎ ﻫﺬه اﻷﺣﺰاب اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺮاﻫﺎ؟ أﻟﻴﺴﺖ ﺻﻮرة أﺧﺮى ﻟﻸﴍاف اﻟﺬﻳﻦ ﻋﻔﻰ
ﻋﲆ ﻋﻬﺪﻫﻢ اﻟﺰﻣﻦ ،واﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﻨﻔ ﱡﻜﻮن ﻳﻘﺘﺘﻠﻮن ﻋﲆ اﻟﺴﻠﻄﺎن واملﺠﺪ؟! واﻷﺣﺰاب
ﺗﻄﻠﺐ اﻟﺤﻜﻢ وﺗﺰﻋﻢ أﻧﻬﺎ إﻧﻤﺎ ﺗﺒﻐﻴﻪ ﻟﺘﺨﺪم ﺑﻼدﻫﺎ! وإﻧﻬﺎ ﻟﺼﺎدﻗﺔ وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎذﺑﺔ ً
أﻳﻀﺎ؛
ﻫﻲ ﺻﺎدﻗﺔ ﻷن ﻏﺮور اﻹﻧﺴﺎن ﻳَﺠْ ﻌَ ﻠُﻪ ﻳﺘﺼﻮر أﻧﻪ أ َ ْﻗﺪَر ﻣﻤﻦ ﻋﺪاه ،وﻷﻧﻪ ﻻ داﻋﻲ ﻷن
ﻳﻔﺮض املﺮء أن ﻫﺬا اﻟﺤﺰب أو ذاك إﻧﻤﺎ ﻳﻨﺸﺪ اﻟﺤﻜﻢ وﻳﺴﻌﻰ ﻟﻮﻻﻳﺔ اﻷﻣﺮ ﻟﻴﴘء ﻋﻤﺪًا،
ﻄﻐِ ﻦ ﻋﲆ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺮﻳﺪ — ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮل ُﻀ َ
ﺼﻢ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ﻛﻠﻬﺎ أو ﻣ ْ ﻓﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ إﻻ ﻋَ ُﺪ ﱞو أو َﺧ ْ
املﺘﻨﺒﻲ — أن ﻳﺮوي ُرﻣْ ﺤَ ﻪ ﻏري راﺣﻢ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎذﺑﺔ ﺣني ﺗﺰﻋﻢ أن ﻏﺎﻳﺘﻬﺎ اﻟﺨري ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ
ﺟﺎﻫﺎ أو ﺳﻠﻄﺎﻧًﺎ وﻻ ﻳﻌﻨﻴﻬﺎ أن ﺗﻨﻌﻢ ﺑﻤﺰاﻳﺎ اﻟﺤﻜﻢ .ﻋﲆ وﺣﺪﻫﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺒﻐﻲ ﻟﻨﻔﺴﻬﺎ ً
أن إرادة اﻟﺤﻜﻢ — ملﺎ ﻳﻔﻴﺪه ﻣﻦ املﺰاﻳﺎ — ﻻ ﺗﻨﻔﻲ اﻹﺧﻼص ﰲ إرادة اﻟﺨري ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ
واﻟﺼﺪق ﰲ دﻋﻮى اﻟﺘﻨﺰه ﻋﻦ املﺂرب اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ .ووَﺟْ ﻪ اﻟﺼﺪق واﻹﺧﻼص ﻫﻨﺎ أن اﻹﻧﺴﺎن
ﻳﻈﻞ ﻳﻠﻬﺞ ﺑﺨري اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﺣﻲ ذﻟﻚ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ،ﻓﻴﺼﺒﺢ وﻫﻮ ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺒﻐﻲ إﻻ
ض ﻋﻨﻪ .ﻓﺎﻟﺬي ﻫﺬا اﻟﺨري اﻟﻌﺎمﱠ .وأﻧﻪ ﻟﻮ ﺟﺎءه ﻫﻮ ﺧري ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﻜﻢ ﻟﺰﻫﺪ ﻓﻴﻪ وأَﻋْ َﺮ َ
ﻳُﺤِ ﱡﺴﻪ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻪ وﻳﻌﺮﻓﻪ ﻣﻦ ﻏﺎﻳﺎﺗﻪ ﻫﻮ ﻫﺬا اﻟﺨري ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ،واملﺴﺘﻮر ﻋﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﺑﻔﻌﻞ
اﻹﻳﺤﺎء ا ُملﻠِﺢﱢ ﻫﻮ املﺠﺪ اﻟﺸﺨﴢ واملﻄﺎﻣﻊ اﻟﺬاﺗﻴﺔ.
أن ﻟﻪ ﻣﺂرﺑﻪ وأن ﻳﻀﻌﻬﺎ ﻗﺒﺎﻟﺘﻪ، وﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻪ اﻹﻳﺤﺎء إﱃ ﻧﻔﺴﻪ أن ﻳُﺪ ِْرك ﱠ
وأن ﻳﺘﺤﺮى أن ﺗﻜﻮن وﺳﺎﺋﻠﻪ ﻣُﻌِ ﻴﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ وﻣﺆدﻳﺔ إﻟﻴﻬﺎ .وﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﻟﺠﺰم ﺑﴚء ،ﻓﺈن
اﻟﻨﻔﻮس ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺘﺒًﺎ ﺗُ ْﻘ َﺮأ ،وأﺻﺤﺎﺑﻬﺎ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺠﻬﻠﻮﻧﻬﺎ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻐريﻫﻢ؟! وﻗﺪ ﻳﻌني ﻋﲆ
اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ اﻟﻐري أن ﻳﺘﺪﺑﺮ املﺮء ﻧﻔﺴﻪ ،وﻳﻘﻴﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻟﻜﻦ ﻧﻔﺲ اﻹﻧﺴﺎن ﳾء ﱠ
ﻣﻌﻘ ٌﺪ
ﺟﺪٍّا ووﺟﻮﻫﻬﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .وﻻ أدري ﻛﻴﻒ ﺗﺒﺪو ﻧﻔﻮس اﻟﻨﺎس ﻟﻬﻢ؟ وﻟﻜﻦ اﻟﺬي أدرﻳﻪ أن
ﻧﻔﴘ ﺗﺒﺪو ﱄ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﻮﺟْ ٍﻪ ،ﻓﺄﻧﺎ أراﻫﺎ ﺗﺎرة ﺗَﻨ ْ ِﺰع إﱃ اﻟﺨري وﺗﺎرة أﺧﺮى ﺗَﺠْ ﻨَﺢ إﱃ اﻟﴩ.
وﺗﺼﻔﻮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺣﺘﻰ َﻟﻴَﻌْ ﺠَ ُﺰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ اﻷﻛﺪار واﻷﺣﻮال أن ﻳُﻌَ ﱢﻜ َﺮﻫﺎ.
ﻓﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻘﺎه ﻳﺼﻔﻮ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺧﻼط واﻷﻗﺬار .ﺛﻢ أراﻫﺎ ﺗﺮﺑ ﱡﺪ ﺣﺘﻰ َﻟﻴ َْﺴ َﻮ ﱡد ﰲ ﻋﻴﻨﻲ
ﻧﻮر اﻟﻀﺤﻰ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ أراه ﻣﻦ اﻟﻨﺎس أو أُﺣِ ﱡﺴﻪ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺘﻬﻢ ﻻ ﺗﺄوﻳﻞ ﻟﻪ إﻻ ﻋﲆ أﺳﻮأ
اﻟﻮﺟﻮه! وأﺣﺴﺐ أن اﻟﻨﺎس ﻣﺜﲇ؛ ﻓﻤﺎ أﻧﺎ ﺑﺒﺪع ﰲ اﻟﺨﻠﻖ .أرﻳﺪ أن أﻗﻮل :إن اﻟﺤﻜﻢ ﻋﲆ
اﻟﻐري ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ اﻟﻨﻔﺲ ﻻ ﻳُ ْﺆﻣَ ﻦ ﺧﻄﺆه وﻻ ﻳ ُْﻀﻤَ ﻦ ﺻﻮاﺑﻪ .وإن اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬي
ﺗﻐري َْت ﺣﺎﻟﺘﻚ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺗَﺠْ ﻌَ ﻞ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺤ ٍّﻜﺎ ﻟﻪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺒﺪو ﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﺳﻴﺌًﺎ ،ﻓﺈذا ﱠ
رأﻳﺘﻪ ﺣﺴﻨًﺎ ﻻ ﺳﻮء ﻓﻴﻪ .ﻓﻼ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ اﺗﺨﺎذ اﻟﻨﻔﺲ ﻣﻌﻴﺎ ًرا؛ ﻷن ﺣﺎﻻﺗﻬﺎ ﺗﺘﻌ ﱠﺪ ُد وﺗﺨﺘﻠﻒ.
48
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻛﻞ ﺣﺰب ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ أﺣﺰاب ﺷﺘﻰ ،وﻛﻞ ﻣَ ْﻦ ﻓﻴﻪ ﻳﻨﺸﺪ اﻟﱪوز واﻻرﺗﻘﺎء إﱃ
ﻳﺆﺧﺮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻘﻤﺔ ،واﻟﺤﺮب داﺋﺮة أﺑﺪًا ﺑﻼ ﻓﺘﻮر ،واﻟﺴﻼح ﻻ ﻳُ ْﻠ َﻘﻰ ﰲ ﻟﻴﻞ أو ﻧﻬﺎر .ﻓﻬﺬا ﱢ
وﻳﻘﺪﱢم ﻏريه ،وﻳَﺘﱠﺨِ ﺬ ﻣﻦ ﻣﻈﻬﺮ إﻧﻜﺎر اﻟﺬات وﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻜﻴﺪ ملﻨﺎﻓﺲ ﻟﻪ .وﻣﺎ ﻳ َُﻘﺪﱢم ﻏريه
ﻒ ﻋﻦ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻴﻪ واﻟﺸﻬﺎدة ﻟﻪ ﻟﻴﺠﻌﻠﻪ أ َ ْﻟ َ َ
ني ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ إﻻ ﻟﻴﻜﻮن آﻟﺔ ﰲ ﻳﺪه ،وﺗﺮاه ﻻ ﻳَ ُﻜ ﱡ
ﰲ ﻳﺪه ﻟﻔﺮط ﻣﺎ ﻳﴪه ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ،وﻳﻼزﻣﻪ وﻻ ﻳﻔﺎرﻗﻪ وﻻ ﻳﺪﻋﻪ ﻳﻐﻴﺐ ﻋﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻟﺤﻈﺔ
ﻟﻴﺄﴎه ﺑﻤﻈﻬﺮ اﻹﺧﻼص ،وﻟﻴﺼﺒﺢ وُﺟُ ﻮدُه إﱃ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻋﺎدة ﻟﻪ ،وﻟﻴﻤﻨﻊ أن ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ أُذُﻧِﻪ
َﻏ ْريُه .وﻳﺮى ﻏريه ﻫﺬا ﻓﻴﺴﺨﻄﻮن وﻳﺘﱪﻣﻮن وﻳﺘﺠﻪ َﺳﻌْ ﻴُﻬﻢ إﱃ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ،وﻗﺪ ﻳﺘﻌﻤﺪون
أن ﻳﻜﺘﻤﻮا اﻟﻨﺼﻴﺤﺔ واﻟﺮأي اﻟﺴﺪﻳﺪ ﻟﻴﺒﺪو ﺧﻄﻞ اﻟﺮﺟﻞ وﺻﺎﺣﺒﻪ .وﺗﺴﺄل ﻋﻦ اﻟﺨري اﻟﻌﺎم
ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ ﰲ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻓﻼ ﺗﺮاه ،وإﻧﻤﺎ ﺗﺮى ﻣﻨﺎﻓﺴﺎت وأﺣﻘﺎدًا ودﺳﺎﺋﺲ وﺳﻌﺎﻳﺎت ﻻ آﺧﺮ
ﻟﻬﺎ .وﺗﺴﺄل ﻋﻦ إرادة اﻟﺨري ﻣﺎذا ﺻﻨﻊ ﷲ ﺑﻬﺎ؟ ﻓﻼ ﺗﻜﺎد ﺗﺘﺒﻴﻨﻬﺎ .وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻫﻨﺎك ﻣﻊ ذﻟﻚ،
وإن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺠﺒﻬﺎ ﻫﺬه املﻨﺎﻓﺴﺎت وﻗﺪ ﺗﻀﻴﻌﻬﺎ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻷﺣﻴﺎن؛ ﻓﺈن ﻣﻦ ﺳﻮء اﻟﺤﻆ
— أو ﻣﻦ ﻳﺪري! ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن اﻟﺨِ َرية ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ — أن اﻟﺤﻴﺎة ﺗﻘﻮم ﻋﲆ اﻟﺘﻌﺎدي ﻻ اﻟﺘﻌﺎون.
وإﻧﻤﺎ ﻳﻀﻄﺮ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ اﻟﺘﻌﺎون ﻟﻴﻜﻮن أ َ ْﻗ َﺪ َر ﻋﲆ اﻟﻘﺘﺎل وأ َ ْﻗ َﺮبَ إﱃ اﻟﻈﻔﺮ؛ وﻟﻴﺲ ﰲ
ﴍ ِﴏْف ،وﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻳﻨﺘﺞ اﻵﺧﺮ .ﻋﲆ أن اﻟﺨري واﻟﴩ ﻣﺎ ﻫﻤﺎ؟ ﺾ وﻻ َ ﱞ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺧري ﻣَ ﺤْ ٌ
إن اﻷﻣﺮ ﻓﻴﻬﻤﺎ أَﻣْ ﺮ ﺗﻘﺪﻳﺮ راﺟﻊ إﱃ اﻷﺣﻮال اﻟﻌﺎرﺿﺔ .وﻣﺎ أ َ ْﻛﺜ َ َﺮ ﻣﺎ رأت اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻟﺨري ﰲ
ﳾء ﻣﺎ ﺛﻢ آﻣَ ﻨ َ ْﺖ ﺑﻌﺪ ﻗﻠﻴﻞ أو ﻛﺜري أﻧﻪ ﻛﺎن ﴍٍّا .واﻟﻌﻜﺲ ﻳﺤﺪث ً
أﻳﻀﺎ!«
وﻧﻬﻀﺖ وأﻧﺎ أﻗﻮل ﻟﻨﻔﴘ :إن ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ﻓﺎرﻏﺔ ،وﻛﻞ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻬﺎ ﺗﺪور ﻋﲆ
ﺷﺨﺼﻴﺔ رﻳﺸﻠﻴﻮ وﻣﻨﻪ ﺗَ ْﻜﺘَ ِﺴﺐ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ .وﻛﺬﻟﻚ اﻷﻣﻢ ﺗَ ْﻜﺘَ ِﺴﺐ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﺮد اﻟﺒﺎرز،
ﻻ ﻣﻦ املﻼﻳني اﻟﻜﺜرية اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺆ ﱠﻟﻒ ﻣﻨﻬﻢ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ .وﻟﻜﻨﻬﺎ — أﻋﻨﻲ
ﻇﻬَ َﺮ ﻋﻈﻴ ٌﻢ أو ﺑَ َﺮ َز رﺟ ٌﻞ إﻻ ﻫﺎﺟﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻷﺣﻘﺎد، اﻟﺮواﻳﺔ — ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻛﻞ ﻋﴫ .ﻓﻤﺎ َ
ﻀﻮﻧﻪ رﺟﻼ ﻳﺤﺒﻪ اﻟﻨﺎس أو ﻳُﺒْﻐِ ُ
رأﻳﺖ ً
َ وراح ﻳﺤﱰب ﺣﻮﻟﻪ وﺑﺴﺒﺒﻪ اﻷﻧﺼﺎر واﻷﺿﺪاد .وﻣﺘﻰ
ﻓﺎﻋﻠﻢ أﻧﻪ ﻛﺒري ،وﻟﻴﺲ أَﺗْ َﻔﻪ ﻣﻤﻦ ﻻ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ اﻟﻨﺎس إﻻ ﺑﺎﻻﺳﺘﺨﻔﺎف ،وﻻ ﻳﺤﺴﻮن ﻟﻪ ﻻ ﺣﺒٍّﺎ
ﻋﻈﻴﻤً ﺎ وﻻ ﻣﻘﺘًﺎ ﺷﺪﻳﺪًا.
∗∗∗
أراﻧﻲ ﰲ ﻫﺬه اﻷﻳﺎم ﻻ أﻛﺎد أﻋﺮف ﱄ رأﻳًﺎ ﰲ ﳾء ،ﻻ ﻷﻧﻲ َﻛ َﻔ ْﻔ ُﺖ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﻜري ،ﻓﻠﻌﻞ اﻷﻣﺮ
ﻣﴪﻓﺎ ﰲ اﻟﻨﻈﺮ واﻟﺘﺪﺑﺮ وﰲ ا ْﻟﺘﻤﺎس اﻟﻮﺟﻮه املﺨﺘﻠﻔﺔ ً ﻋﲆ ﺧﻼف ذﻟﻚ ،وﻋﴗ أن أﻛﻮن
ﻟﻸﻣﺮ اﻟﻮاﺣﺪ اﻟﺬي ﻳﻌﺮض ﱄ .وإﻧﻤﺎ ﺗﺮﺟﻊ ﺣريﺗﻲ إﱃ أن إﻃﺎﻟﺔ اﻟﻨﻈﺮ ﺗﻜﺸﻒ ﱄ ﻛﻞ ﻳﻮم
49
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻋﻦ ﺟﺪﻳﺪ ،وإﱃ أن ﺗﺪﺑﱡﺮ اﻟﻨﻮاﺣﻲ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺠﺰم ﻋﺴريًا وﺗﻐﺮي ﺑﺎﻟﱰدد وﺗﺪﻓﻊ إﱃ
ﺼﻴﻪ ﻟﻮﺟﻮﻫﻬﺎ وﺗﺄﻣﱡ ﻠﻪ ﰲ اﻟﺒﻮاﻋﺚ واﻻﺣﺘﻤﺎﻻت ﻗ ﱠﻞ ﺑﺘﱡﻪ اﻟﺸﻚ .وﻣَ ْﻦ ﻃﺎل و ْزﻧﻪ ﻟﻸﻣﻮر وﺗَ َﻘ ﱢ
أﻳﻀﺎ — ﻷن اﻟﻌﻤﻞ ﻳﺮاد ﻣﻨﻪ اﻟﻐﺎﻳﺔ ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﻣﻦ املﺠﺎزﻓﺔ واﻟﺘﻌﺮض ﻟﻌﻮاﻗﺐ — وﻋﻤﻠﻪ ً
اﻟﺨﻄﺄ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﻮاﺣﻲ .وﻛﻞ َرﺟُ ﻞ ﻋَ ﻤَ ٍﻞ ﻳﻀﻄﺮ إﱃ اﻷﺧﺬ ﺑﺎﻷرﺟﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮى ،وإﻻ ﺗَﻌَ ﺬﱠ َر
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻌﻤﻞ ،ﺑﻞ اﺳﺘﺤﺎل .ورﺟﺎل اﻟﺤﺮب واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ واملﺎل واﻟﺘﺠﺎرة وﻣﻦ إﻟﻴﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﻌﻬﻢ
إﻻ املﺨﺎﻃﺮة؛ ﻷن ﻏﺎﻳﺘﻬﻢ ﻟﻴﺴﺖ اﻻﻫﺘﺪاء إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﺑﻞ ﺑﻠﻮغ اﻟﻐﺮض .وﻛﺜريًا ﻣﺎ أراﻧﻲ
أﺳﺄل ﻧﻔﴘ — ﻟﻔﺮط ﻣﺎ أرى ﻣﻦ ﺗﺮددي وﺣريﺗﻲ» :ﻫﻞ أﺻﺒﺤْ ُﺖ ﻏري ﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﻌﻤﻞ؟« وﻻ
ﻳﴪﻧﻲ ذﻟﻚ ،ﻓﺄروح أﻗﻮل :إن ﻗﺪرة اﻟﻨﻔﺲ ﻋﲆ اﻟﺘﻜﻴﻒ ﻻ ﺣَ ﱠﺪ ﻟﻬﺎ ﻓﻴﻤﺎ أﻋﺮف ،وإن اﻟﻌﻤﻞ
اﻟﺬي ﻳﺤﻮج إﱃ ﴎﻋﺔ اﻟﺒﺖ واﻟﺠﺰم ﺑﻼ ﺗﺮدﱡد ﻳﻀﻄﺮ املﺮء إﱃ اﻟﻨﺰول ﻋﲆ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺗﻪ .وﻣﺎ
ﻈ ِﻬﺮﻫﺎ إﻻ اﻧﺘﻘﺎل اﻷﺣﻮال ﺑﻪ .وأﻧﺎ ﻣﻊ ﺗﺮددي أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﻮاﻫﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻼ ﻳُ ْ
وﺿﺒ ٍْﻂ وإﺣﻜﺎم .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺑني اﻵراء أراﻧﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ أﺗﴫف ﰲ ﻣﻮاﻗﻒ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﴪﻋﺔ َ
ﻣﻦ اﻟﺜﻨﺎء ﻋﲆ اﻟﻨﻔﺲ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﺬي أﻋﺮﻓﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ.
ُ
وﻣﻦ ﻃﻮل ﺣريﺗﻲ ﺑني اﻵراء أﺻﺒﺤْ ُﺖ أَﺛ ُِﻖ ﺑﺨﻄﺌﻲ وﻻ أﺛﻖ ﺑﺼﻮاﺑﻲ .وأ َﻗﺪﱢر اﻟﻀﻼل
ﰲ ﻛﻞ ﻣﺎ أﻧﺘﻬﻲ إﻟﻴﻪ ،وﻻ أﻃﻤﱧ إﱃ اﻟﺴﺪاد ﻓﻴﻪ ،وﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﻻ أزال أراﺟﻊ ﻧﻔﴘ ﰲ
ﺾ اﻟﻴﻮم ﻣﺎ أﺑﺮﻣْ ُﺖ ﺑﺎﻷﻣﺲ ،وﻟﻮﻻ أﻧﻲ ﻣﻌﺠﻞ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻲ ﻟﻜﺎن اﻷرﺟﺢ أن ﻛﻞ ﻗﻀﻴﺔ ،وأَﻧ ْ ُﻘ ُ
ﻣﺨﺎﻓﺔ أن أﻛﻮن ﻗﺪ أﺧﻄﺄت اﻟﺼﻮاب ﻓﻴﻪ .وأﻧﺎ أُﻋَ ﱢﺰي ﻧﻔﴘ — َ ﺑﺮأي
ٍ أُﺣْ ِﺠﻢ ﻋﻦ املﺠﺎﻫﺮة
ﻟﻮ أن ﰲ ﻫﺬا ﻋﺰاء — ﺑﻘﻮل وﻳﻨﺪل ﻫﻮملﺰ — ﻋﲆ ﻣﺎ أذﻛﺮ :إن اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ »ﻛﺰﻫﺮ« اﻟﻨﺮد ،ﻟﻬﺎ
أﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺟﻪ واﺣﺪ .ﻓﺈذا ُﻛﻨ ْ ُﺖ ﻗﺪ رأﻳ ُْﺖ وﺟﻬً ﺎ واﺣﺪًا دون ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻮﺟﻮه ﻓﺈن ﱄ اﻟﻌﺬر
ﻣﻦ ﻳﺮى وﺟﻮه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ؟ إذ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﺪا ﱄ … وأﻳﻦ ﰲ اﻟﻨﺎس ْ
ْت ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻄﺔ اﻟﻨﺎس آراء، وﻟﻬﺬه اﻟﺤرية ﻋﻠﻠﻬﺎ املﻌﻘﻮﻟﺔ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﻗﺪ و َِرﺛ ْ ُﺖ آراء ،وأ َ َﻓﺪ ُ
واﻛﺘﺴﺒ ُْﺖ ﻣﻦ اﻻﻃﻼع آراء ،وﻛﻨﺖ أ ُ َﺳ ﱢﻠﻢ ﺑﻤﺎ و َِرﺛ ْ ُﺖ واﻛﺘﺴﺒﺖ وأﻧﺎ ﰲ ﺳﻦ اﻟﺘﺤﺼﻴﻞ ،وﻛﻨﺖ َ
رﺑﻤﺎ ﻛﺎﺑَ ْﺮ ُت ﺑﺎﻟﺨﻼف ﻓﻴﻤﺎ أﺧﺬﺗﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺌﺘﻲ .أﻣﺎ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻓﻴﺪه ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ ﻓﻜﻨﺖ أﺗﻠﻘﺎه
ﺑﺎﻹﻛﺒﺎر واﻹﻗﺮار؛ ﻷﻧﻲ ﻟﻢ أﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﻬﺪﻳﻨﻲ أو ﻳﺮﺷﺪﻧﻲ .ﻓﻼ اﻟﺒﻴﺖ ﻛﺎن ﱄ ﻓﻴﻪ ﻫﺬا ا ُملﻌني،
وﻻ املﺪرﺳﺔ ﻛﻨﺖ أﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا املﻌﻠﻢ اﻟﺤﺎذق املﺮﺷﺪ .وﻇﻞ اﺣﱰاﻣﻲ ﻟﻠﻜﺘﺐ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻪ،
وﺷﻖ ﻋﲇ ﱠ ذﻟﻚ ﰲ أول اﻷﻣﺮ ،وﻛﻨﺖ ﻻ أﻛﺎد أﻃﻴﻖ أن ﱠ ﺣﺘﻰ اﺣﺘﺠْ ُﺖ ﰲ ﺳﻨﺔ أن أﺑﻴﻌﻬﺎ،
أدﺧﻞ اﻟﻐﺮﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺻﻮﺻﺔ ﻓﻴﻬﺎ .وﻇﻠ ْﻠ ُﺖ أﻳﺎﻣً ﺎ أُﺣِ ﱡﺲ ﻛﻠﻤﺎ ﻧﻈ ْﺮ ُت إﱃ اﻟﺮﻓﻮف
50
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ْت أﻗﺮب اﻟﻨﺎس إﱄ ﱠ وأﻋ ﱠﺰ ُﻫﻢ ﻋﲇﱠ ،وأﺷﻌﺮ أﻧﻲ ﻣ ُْﺸ ٍﻒ ﻋﲆ اﻟﺘﻲ َﺧ َﻠ ْﺖ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻧﻲ ﻓﻘﺪ ُ
اﻟﺒﻜﺎء إذا ﻟﻢ أُﺣَ ﻮﱢل ﻋﻴﻨﻲ ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺮﻓﻮف اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ.
ﴪﺗُﻪ ﺑﺎﻟﺒﻴﻊ ،وإﻧﻤﺎ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺎ أَﺗَﺤَ ﱠﴪ ﻋﻠﻴﻪ زﻳﻨﺘﻬﺎ وﻣﺎ أﺿﻌْ ﺘُﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺎل َﺧ ِ ْ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﴪة ﻋﲆ ﻓﻘﺪان أﺳﺎﺗﺬﺗﻲ وإﺧﻮاﻧﻲ .وﺑﻘﻴﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ زﻣﻨًﺎ ﻻ أ ُﻣ ﱡﺮ ﺑﻤﻜﺘﺒﺔ ﻋﺎﻣﺔ إﻻ
أﺣﺴﺴ ُﺖ أن ﻳﺪًا ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺗَ ْﻠ ِﻮي أﺣﺸﺎﺋﻲ وﺗُﺤَ ﺎول
ْ أ َ َﺷﺤْ ُﺖ ﺑﻮﺟﻬﻲ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﺮط اﻷﻟﻢ ،وإﻻ
أن ﺗﻘﺘﻠﻌﻬﺎ .وﻛﺎن ﻣﻦ ﻏﺮاﺋﺐ ﻣﺎ ﺣﺪث أﻧﻲ ﻟﺒﺜﺖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﻨﺔ ﻻ أﻗﺘﻨﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ،
ﺿﻴﱠﻌْ ُﺖ ﰲ ﻛﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻏريه .وﻣﻦ اﻟﻐﺮﻳﺐ أن ﻫﺬا ﻫﻮ ﻧﻔﺲ ﻛﺄﻧﻤﺎ َز ﱠﻫ َﺪﺗْﻨﻲ اﻟﺤﴪة ﻋﲆ ﻣﺎ َ
اﻹﺣﺴﺎس اﻟﺬي ﻋﺎﻧﻴﺘﻪ ملﺎ ﺗُﻮ ﱢُﻓﻴ َْﺖ زوﺟﺘﻲ ،ﻓﻘﺪ ﻇﻠﻠﺖ ﺳﻨﻮات ﻻ أﻃﻴﻖ أن أﻧﻈﺮ إﱃ وﺟﻪ
ﻃﺄَﺗﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻲ اﻟﻌﺎدة ،وﻛﻨﺖ ﰲ ﺧﻼل ذﻟﻚ ﻗﺪ اﺣﺘﺠﺖ أن وﺧ ﱠﻔ ْﺖ و ْ
اﻣﺮأة .ﺛﻢ ﻓﱰ اﻷﻟﻢ َ
أﻧﻈﺮ ﺑﻌﻴﻨﻲ وأﻓﻜﺮ ﺑﻌﻘﲇ ،ﻓﺄﻟﻔﻴﺘﻨﻲ أﺷ ﱡﻚ ﰲ ﻛﺜري ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺖ أ ُ َﺳ ﱢﻠﻢ ﺑﻪ وﻻ أﻛﺎﺑﺮ ﻓﻴﻪ ،وﻻ
وﺗﻐري اﻷﻣﺮ ﻓﺒﻌﺪ أن ﻛﻨﺖ آﺧﺬ اﻵراء ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺐ أو اﻟﻨﺎس ﱠ ﻳﺨﻄﺮ ﱄ أن أﻋﱰض ﻋﻠﻴﻪ!
ْت اﻻﺳﺘﻘﻼل ﰲ ْت آﺧﺬﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة ﺑﻼ واﺳﻄﺔ ،وأﻋﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ ﻋﻘﲇ ﺑﻼ ﻣﺆﺛﺮ ،ﻓﺎﻋﺘﺪ ُ ِﴏ ُ
اﻟﻨﻈﺮ واﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﻔﻜري ،وﺧﻼ ﺗﻔﻜريي وإﺣﺴﺎﳼ ﺷﻴﺌًﺎ ﻓﺸﻴﺌًﺎ ﻣﻦ ﺗﺄﺛري اﻟﻜﺘﺐ وﺳﻮاﻫﺎ،
وﺑﺮ َز ْت ﻧﻔﴘ ﺑﻌﺪ ﻃﻮل اﻟﺘﻀﺎؤل .ﺛﻢ أﺧﺬت أروﱢض ﻧﻔﴘ ﻋﲆ ا ْﻟﺘﻤﺎس اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻷﺧﺮى
اﻟﺘﻲ ﺗﺨﻔﻰ ﰲ اﻟﻌﺎدة ،ﻓﺼﺎرت وﺟﻮه اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﻌﺪد ﻓﻴﻤﺎ أرى ،وأﻟ ِْﻔ ُﺖ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺻﺎر
ﻫﺬا دﻳﺪﻧﻲ ﻣﻊ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺈذا رأﻳﺖ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ ﱄ ﻣﺎ ﻳﺴﻮءﻧﻲ ﺣﺎ َو ْﻟ ُﺖ أن أﺿﻊ ﻧﻔﴘ ﰲ
ﻣﻜﺎﻧﻪ ،وأن أﻧﻈﺮ إﱃ اﻷﻣﺮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻫﻮ ،وأن أﺗﻤﺜﻞ ﺑﻮاﻋﺜﻪ وإﺣﺴﺎﺳﺎﺗﻪ إﱃ آﺧﺮ ذﻟﻚ ،ﻓﻴﻨﺘﻬﻲ
اﻷﻣﺮ ﰲ اﻷﻏﻠﺐ ﺑﺄن أَﻋْ ﺬُ َر وﻻ أﻟﻮم .وﻳﺬﻫﺐ اﻷﻟﻢ أو اﻟﻐﻀﺐ أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ أﺛﺎر ﺻﺎﺣﺒﻲ
ﺑﻤﺎ ﺻﻨﻊ.
َ
ﺗﺮﻗﻴ ُْﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ أ ْر َﻓﻊُ ،ﻓﺼﺎر ﻧﻈﺮي إﱃ اﻟﻨﺎس ﻧﻈ ًﺮا إﱃ ﻣﺎدة ﺗُ ْﺪ َرس، ﺑﻞ ﱠ
َﴪ .وﻻ ﺷﻚ أن اﻟﻔﻌﻞ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﻳَﺤْ ُﺴﻦ َﺼﺪُر ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻮء أو ﻳ ُ ﱡ ﺎﴍ وﻳ ْ ﻻ إﱃ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎت ﺗُﻌَ َ
و َْﻗﻌُ ﻪ ﰲ اﻟﻨﻔﺲ ،وأن اﻟﺴﻮء ﻳﺆﻟﻢ أو ﻳ ُْﻐ ِﻀﺐ ،وﻟﻴﺲ ﻳ ََﺴﻌُ ﻨﻲ إﻻ أن أﺗﻠﻘﻰ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ
اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﺤﻤﺪ أو اﻟﺬم ،وﺑﺎﻟﺮﺿﺎ أو اﻟﺴﺨﻂ ،وﻟﺴﺖ ﺑﺈﻧﺴﺎن إذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا ﺷﺄﻧﻲ .وﻟﻜﻨﻲ
أﻋﻨﻲ أﻧﻲ ﻻ أﻋﺠﻞ ﺑﺎﻟﺬم واﻟﺴﺨﻂ ،وﻻ أﻧﺪﻓﻊ ﻣﻊ أول اﻟﺨﺎﻃﺮ؛ ﺑﻞ أراﺟﻊ ﻧﻔﴘ وأ ُ ِﺟﻴ ُﻞ
ﻋﻴﻨﻲ ﰲ اﻷﻣﺮ ﻷراه ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻏري اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﺎﻟﻌَ ﺘْﻨﻲ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻓﻴﺘﺤﻮل املﻮﺿﻮع
ِﻣ ْﻦ ﻋَ ﻤَ ٍﻞ أو ﻗﻮل ﺑﺎﻋﺚ ﻋﲆ اﻟﺮﺿﺎ أو اﻻﻣﺘﻌﺎض إﱃ ﻣﺎدة ﻟﻠﺘﻔﻜري ،وﺗﺬﻫﺐ ﻋﻨﻪ اﻟﺼﺒﻐﺔ
ﺻﻨ ْ َﻊ إﻧﺴﺎن أﺳﺎء أو أﺣﺴﻦ. اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ،ﻓﻜﺄﻧﻲ أﻣﺘﺤﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ وﻟﺴﺖ أ َ ِز ُن ُ
51
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻳ َُﺨﻴﱠﻞ إﱄ ﱠ اﻵن أﻧﻲ أﻋﻴﺶ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ،ﻓﻜﻞ ﻣﺎ أﻟﻘﺎه ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻦ ﺧري وﴍ ،وﻣﺎ
أ َ ِﺟ ُﺪﻧِﻲ أو أﺟﺪ ﺳﻮاي ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺪ وﻟﻬﻮ ،أَﺗَﻨَﺎ َوﻟُﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﻠﻴﻞ واﻟﺒﺤﺚ ﻷﺳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﻣﺎ
ﻳﺘﻴﴪ ﱄ اﺳﺘﺨﻼﺻﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ .ﺛﻢ أروح أﻗﻴﺴﻪ إﱃ ﺗﺠﺎرﺑﻲ اﻷﺧﺮى وأ ُ َﻗ ِﺎرن وأ ُ َﻗﺎ ِﺑﻞ،
وﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ أﻫﺘﺪي ،وﻛﺜريًا ﻣﺎ أﺿﻞ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺳﺄم وﻻ وﻻ أزال أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻳَﻬُ ﺪﱠﻧﻲ اﻟﺘﱠﻌَ ﺐَ .
أﺿﺠﺮ؛ ﻷن ﻫﺬا ﺻﺎر ﻣﺘﻌﺘﻲ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أﻋﺪل ﺑﻬﺎ ُﻣﺘَ َﻊ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻌﺪ أن وﺟﺪت ﻧﻔﴘ
وﻋﺜﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺘﻬﺎ ،واﻟﺤﻤﺪ هلل ﻋﲆ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﺗﻮﺟﱠ ﻊ وأذم اﻟﺪﻧﻴﺎ
ْت ﻧﻔﴘ ،وﻟﻜﺎن اﻷرﺟﺢ أن أﻇﻞ ﻛﺎﻟﺬي ﻳﻌﺒﺪ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ ،ﻓﻠﻮﻻ أﻧﻲ ﺑﻌﺖ ﻫﺬه اﻟﻜﺘﺐ ملﺎ وَﺟَ ﺪ ُ
أﺻﻨﺎﻣً ﺎ.
واﻟﺸﻚ ﺣرية وﻟﻜﻨﻪ ﺣﺮﻳﺔ .وﺳﻌﺔ اﻷﻓﻖ ﺧري ﻣﻦ ﺿﻴﻘﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎء اﻟﺬي
ﻳﻜﺎﺑﺪه املﺮء ﻣﻦ إرﺳﺎل اﻟﻌني وإدارﺗﻬﺎ ﰲ اﻟﻨﻮاﺣﻲ اﻟﺨﻔﻴﺔ أو اﻟﺒﻌﻴﺪة .وإﻧﻪ ﻟﻌﺬاب ،ﱠ
وإن
ﺟَ ﺪْواه ﻟﻘﻠﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﻘﻴﺎس إﱃ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺬي ﻳُﺒْﺬَل ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﺧري وأَﻣْ ﺘَﻊ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺠﺮ اﻟﺬي
وﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﻣﺘﻌﺘﻪ أﻧﻪ ﻳ ُِﺮﻳ َﻚ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺟﺪﻳﺪًا .وﻗﺪ ﻳﻜﻮن ْ ﻧﻈﺮ.
ﻳﺆدي إﻟﻴﻪ اﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺑﻼ ٍ
ﻣﺎ ﺗﻬﺘﺪي إﻟﻴﻪ وﺗﺤﺴﺒﻪ ﺟﺪﻳﺪًا ،ﻗﺪﻳﻤً ﺎ ﺟﺪٍّا ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،وﻟﻜﻦ املﺘﻌﺔ ﰲ اﻟﺠﻬﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻻ
ﰲ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ .واﻟﺸﺄن ﰲ ﻫﺬا ﻛﺎﻟﺸﺄن ﰲ اﻷﻟﻌﺎب اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ،ﻓﺈن اﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻐﻠﺒﺔ
واﻟﺘﻔﻮق أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﺮي ﻫﺬا املﺠﺮى ،وإﻧﻤﺎ اﻟﻌﱪة ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﺗُﻔِ ﻴﺪُه ﻣﻦ اﻟﺘﺪرﻳﺐ
وﻣﺎ ﺗﻜﺴﺒﻪ ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺬي ﺗﻨﻔﻘﻪ ﻓﻴﻬﺎ .وﻟﺬﺗﻬﺎ ﰲ ﻣﺰاوﻟﺘﻬﺎ ﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ
اﻟﻔﻮز ،وإن ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻮز ﻗﻴﻤﺘﻪ وﻣﺰﻳﺘﻪ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ُﻛ ﱠﻞ ﻣﺎ ﺗُ َﺰاوَل اﻷﻟﻌﺎب ِﻣ ْﻦ أَﺟْ ﻠﻪ.
وﻣﺘﻰ ﺻﺎر ﻛﻞ ﳾء ﻣﺎد ًة ﻟﻠﺪرس واﻟﺒﺤﺚ ﻓﻘﺪ ﺻﺎرت اﻟﺤﻴﺎة أَو َْﺳ َﻊ وأ َ ْرﺣَ ﺐَ ،وﺻﺎر
املﺮء ﻛﺄﻧﻪ ﻳُﺤَ ﱢﻠﻖ ﻓﻮﻗﻬﺎ وإن ﻛﺎن ﻳﺨﻮﺿﻬﺎ وﻳﻌﺎﻳﻨﻬﺎ .وﻫﺬا ﻣﺎ أ ُ َروﱢض ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻔﴘ اﻵن؛ أن
ﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻮﻗﻒ اﻟﻨﺎﻇﺮ املﺘﻔﺮج .ﻓﻜﺄﻧﻲ أﻛﺎﺑﺪ اﻟﺤﻴﺎة واﻟﻨﺎس ،وأن ﻳﺴﻌﻨﻲ ﻣﻊ ذﻟﻚ أن أَﻗِ َ
ُﴪ وﻳﺤﺰن ،وﻳﺠﺪ وﻳﻬﺰل، اﺛﻨﺎن ﻻ واﺣﺪ؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﻌﻴﺶ وﻳﺠﺮب ،وﻳ َْﺴﻌَ ﺪ وﻳﺸﻘﻰ ،وﻳ َ ﱡ
وﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻏريه ،وﺛﺎﻧﻴﻬﻤﺎ ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرب وﻳﻨﴩﻫﺎ أﻣﺎﻣﻪ ،وﻳَﻌْ ِﺮﺿﻬﺎ
ﻋﲆ ﻋﻘﻠﻪ وﻳﻘﺎرﻧﻬﺎ وﻳﻘﺎﺑﻠﻬﺎ وﻳﻔﺤﺼﻬﺎ ،وﻳﻀﻢ املﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻌﻀﻪ إﱃ ﺑﻌﺾ ،وﻳﺠﻤﻊ
ﻧﺎﻗﺼﺎ ﻟﻴﻤﻸ اﻟﻔﺮاغ وﻳﺴﺪ اﻟﺜﻐﺮة ،وﻳﺼﻨﻊ ً ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺄﺗﻠﻒ ،وﻳُﻌْ ِﻤﻞ ﺧﻴﺎﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮاه
ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻮم ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻊ اﻟﻜﻴﻤﺎﺋﻲ ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻪ اﻟﺬي ﻳُﺠْ ِﺮي ﻓﻴﻪ ﺗﺠﺎرﺑﻪ ،وﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﻮاﻗﻊ وﻻ
ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻣﺎ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻨﻪ .وﻫﺬا اﻻزدواج ﻋﺴري وﻻ ﺷﻚ ،وﻟﺴﺖ أﻃﻤﻊ أن أَﺑْﻠُﻎ ﻣﻨﻪ اﻟﻐﺎﻳﺔ وأوﰲ
ﻄ ِﻤﻌﻨﻲ ﰲ ﻋﲆ اﻷﻣﺪ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻃﻤﻊ أن أُو ﱠَﻓﻖ ﰲ ﺑﺎﺑﻪ إﱃ اﻟﻜﻔﺎﻳﺔ ﻣﻊ املﻮاﻇﺒﺔ واﻟﺼﱪ ،وﻳُ ْ
اﻟﻨﺠﺎح أن ﻛﻞ إﻧﺴﺎن ﻟﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺷﺨﺼﻴﺔ واﺣﺪة وإن ﻛﺎن ﻻ ﻳﺪري ذﻟﻚ.
52
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻳَﺜ ْ ُﻘﻞ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﺧﺎﻃﺮ واﺣﺪ ﻳﻜﺎد ﻳﺼﺪﻧﻲ ﻋﻦ املﻮاﻇﺒﺔ ،ﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﺪوى ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ؟
ﺑﺎﻃﻼ؟ آﺧﺮ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ ﻣﻌﺮوف .وﻫﻞ ﺛ َ ﱠﻢ ِﻣ ْﻦ آﺧِ ٍﺮ ﺳﻮى ً ﻣﺎ آﺧﺮ ﻫﺬا اﻟﻌﻨﺎء اﻟﺬي أراه
اﻟﻔﻨﺎء؟! وﻟﻜﻨﻲ أﻋﻮد ﻓﺄﻗﻮل ﻟﻨﻔﴘ :إن ﻫﺬا اﻵﺧِ ﺮ ﻻ آﺧِ َﺮ ﺳﻮاه؛ ﺳﻮاء ﺑَﺬَ َل املﺮء اﻟﺠﻬﺪ
ري ﻣﻦ اﻟﺴﻌﻲ .واﻟﺤﻴﺎة أن ﺗﺤﻴﺎ ،ﻻ وﺿ ﱠﻦ ﺑﻪ ،ﻓﻼ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺘﻘﺼري وﻻ َ
ﺿْ َ أم َﻗﻌَ َﺪ ﻋﻨﻪ َ
أن ﺗَﺠْ ُﻤ َﺪ وﺗﺮﻛﺪ وﺗﺄﺳﻦ .أﻣﺎ اﻟﺠﺪوى ﻓﻠﻤﺎذا أُﻋَ ﺬﱢب ﻧﻔﴘ ﺑﺎﻟﺴﺆال ﻋﻨﻬﺎ ،وﻣﺎ ﺟﺪوى أي
إن ﻛﻞ ﻣﺎ أﻋﺮﻓﻪ أﻧﻲ ﻣﻮﺟﻮد ،وأﻧﻲ وُﻫِ ﺒ ُْﺖ ﻗﺪرة ﻋﲆ اﻹﺣﺴﺎس واﻟﺘﻔﻜري، ﳾء ﰲ اﻟﺤﻴﺎة؟ ﱠ
ﻄﻞ ﻫﺬه املﻮاﻫﺐ وأُﺑ ِْﻄﻞ ﻋﻤﻠﻬﺎ؟ وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن أَﻧْﻌَ َﻢ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد وأﺗﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮر ﻓﻜﻴﻒ أُﻋَ ﱢ
ﻄﻞ ﻣﺎ أُﻋْ ِﻄ ُ
ﻴﺖ؟! وﻳَﻌْ ِﺮف اﻟﺠﺪوى ﻣﻦ أﻋﻄﺎﻧﻲ ،ﻓﻠﻨ َﺪ ْع ذﻟﻚ ﻟﻪ ﻓﻬﻮ أَﻋْ َﺮف ﺑﻪ. ﺑﻪ وأﻧﺎ أُﻋَ ﱢ
∗∗∗
»أﻻ ﺗﻌﺮﻓﻨﻲ ﻣﺎ ﻫﺬا اﻟﺠﺪﻳﺪ؟«
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻼﻣﻨﺎ ﰲ اﻷدب أو اﻟﻔﻨﻮن ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ املﺴﺎﻛﻦ واﻷﺣﻴﺎء ﻫﻲ ﻣﺪار اﻟﺤﺪﻳﺚ،
ﻧﺸﺎط اﺑﻦ اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وأﻧﺎ آﻧﺲ ﺑﻪ وأ َ ْﺳ ُﻜﻦ إﻟﻴﻪ، ِ وﻛﺎن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻨﺎﻫﺰ اﻟﺴﺘني ،وﻟﻜﻨﻪ ﰲ
َﴪﻧﻲ أن أﺟﻠﺲ ﺑني ﻳﺪﻳﻪ وأﺻﻐﻲ — أو ﻟﻌﻞ اﻷﺻﺢ أن أﻗﻮل أﻧﻈﺮ — إﱃ ﻋﺒﺎب ﺣﺪﻳﺜﻪ وﻳ ُ ﱡ
املﺘﺤﺪر ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳُﺬَ ﱢﻛ ُﺮﻧﻲ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ ،وﻳﺮوﻋﻨﻲ ﻣﺜﻠﻪ ﺑﻤﺜﻞ ﻓﻴﻀﻪ اﻟﺰاﺧﺮ.
ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ» :ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ،اﻟﻌﺎرف ﻻ ﻳُﻌَ ﱠﺮف ،وﻟﻜﻨﻲ أﺳﺘﺄذﻧﻚ ﰲ أن أﻗﻮل ﻟﻚ :إﻧﻜﻤﺎ ﺟﻴﻼن
— أﻧﺖ وﺑﻨﻮك — وﻣﻦ ﺣﻘﻚ أن ﺗﺘﱪم ﺑﻬﻢ وﺗﺴﺨﻂ ﻋﲆ ﻧﺰﻋﺘﻬﻢ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،وﺗﺴﺘﺴﺨﻒ
أﻳﻀﺎ أن ﻳﻀﺠﺮوا ﻣﻨﻚ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻄﺎ ِﻟﺒَﻬﻢ وﻏﺎﻳﺎﺗﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،أﻧﺖ ﺣﺮ ﰲ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﺣﻘﻬﻢ ً ﻣَ َ
ري ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺐ؛ ﻷن وﺟﻮﻫﻬﺎ اﺧﺘﻠﻔﺖ .وأﻇﻦ ﻏري ﻧ ْﺰﻋﺘﻚ ،وأن ﻳﻄﻠﺒﻮا ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎة َﻏ ْ َ ﻳﻨﺰﻋﻮن ْ
أن ﻫﺬا ﻋﺪل!«
َ
ﻓﺼﺎح ﺑﻲ» :ﻋﺪل؟! ﻛﻴﻒ ﺗﻘﻮل؟! أﻋَ ْﺪ ٌل أن ﻳ ُْﺨ ِﺮﺟُ ﻮﻧﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻲ وﻳﺤﻤﻠﻮﻧﻲ إﱃ ﱟ
ﺣﻲ
ﺼﻮﻧﻲ ﻋﻦ أﺣﺒﺎﺑﻲ وأﺻﺤﺎﺑﻲ وﻋُ َﴩَاء اﻟﺼﺒﺎ أﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻏﺮﻳﺐ ﻻ أﺷﻌﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﻮﺣﺸﺔ ،وﻳ ُْﻘ ُ
وأ َ ْﺧﺪَان اﻟﻌﻤﺮ ﻛﻠﻪ؟ ﻣﺎ ﻋَ ﻴْﺐُ ﺑﻴﺘﻨﺎ ﺑﺎهلل؟! إﻧﻲ ﻟﺴﺖ ﻣﺘﻌﻨﺘًﺎ .أﻧﺖ ﺗﻌﺮف ﺑﻴﺘﻨﺎ ﻓﻬﻞ ﻓﻴﻪ
ﻋﻴﺐ؟!«
واﺳ ٌﻊ وﺻﺤﻲ وأﺳﺒﺎب اﻟﺮاﺣﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﻮﻓﻮرة .ﻧﻌﻢ ﻗﻠﺖ» :ﻛﻼ ،وأﺷﻬﺪ أن ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ؛ ِ
ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ أﻋﱰف ﺑﺄﻧﻲ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ اﺑﻨﻚ ملﺎ ﻓﻌﻠﺖ إﻻ ﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﺑﻨﻮك؛ أي :ﻟﺨﺮﺟْ ُﺖ
ﻣﻨﻪ«.
ﻓﻘﺎل» :أﻧﺖ ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ؟ ﺣﺎﺷﺎ هلل! إﻧﻚ ﻋﺎﻗﻞ«.
53
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺗﻐري َْت وﺟﻮﻫﻬﺎ ،و َزﻣَ ﻦ ﻗﻠﺖ» :املﺴﺄﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻋﻘﻞ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻴﺎة ﱠ
اﺧﺘﻠﻔﺖ املﻄﺎﻟﺐ ﻓﻴﻪ«.
ﻗﺎل» :إﻧﻲ أﺟﺎدﻟﻬﻢ ﻛﻞ ﻳﻮم ،اﻟﻜﻼم ﰲ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻴﻨﻨﺎ …«
ﻗﻠﺖ» :وﻫﺬا أﺣﺴﻦ ،وَﺟَ ْﺪﺗُﻢ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﻟﻠﻜﻼم ﻻ ﺗَ ْﺨ َﺸﻮ َْن أن ﻳﻨﻀﺐ ﻣَ ﻌِ ﻴﻨُﻪ«.
ﻗﺎل» :اﺳﻤﻊ .إﻧﻲ رﺟﻞ ﻛﺒري ،وﻗﺪ أدﻳﺖ واﺟﺒﻲ ،و َرﺑﱠﻴ ُْﺖ أﺑﻨﺎﺋﻲ ،وﻫﻢ اﻵن رﺟﺎل
ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﲆ أﻧﻔﺴﻬﻢ وﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮن إﱄ ﱠ .ﻓ َﺮ ْﻏ ُﺖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ،وأﺣﺐ أن أﻗﴤ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ
وﻗ َﻀﻴ ُْﺖ ﻓﻴﻪ ﺧري ﻋﻤﺮي — ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ﰲ ﺑﻴﺘﻲ … ﺑﻴﺘﻲ أﻧﺎ؛ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺬي و َِرﺛْﺘُﻪ ﻋﻦ أﺑﻲ َ
ﺑﻞ ﻋﻤﺮي ﻛﻠﻪ — وﺣﻮﱄ ﺟرياﻧﻲ؛ أﻋﺮﻓﻬﻢ وﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻨﻲ ،وأﺳﺘﻄﻴﻊ أن أﺟﺪﻫﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ.
ﻟﻘﺪ رﻓﺴﻨﻲ ﺣﻤﺎر ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺄ ُ ْﻏ ِﻤ َﻲ ﻋﲇ ،ﻓﻠﻤﺎ أ َ َﻓ ْﻘ ُﺖ أ َ ْﻟ َﻔﻴْﺘُﻨﻲ ﰲ ﺑﻴﺘﻲ ﻋﲆ ﴎﻳﺮي .ﻫﻞ
ﺗﻌﺮف ﻣَ ْﻦ ﺣﻤﻠﻨﻲ؟ ﺟرياﻧﻲ؛ ﻋَ َﺮ َﻓﻨِﻲ أﻫﻞ اﻟﺤﻲ ﻓﺤﻤﻠﻮﻧﻲ إﱃ ﺑﻴﺘﻲ ،ﻟﻮ وﻗﻊ ﱄ ﻫﺬا ﰲ
اﻟﺤﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻧﻘﻴﻢ ﻓﻴﻪ اﻵن ﻟﺠﺎء اﻹﺳﻌﺎف وﺣﻤﻠﻨﻲ إﱃ املﺴﺘﺸﻔﻰ«.
ﻗﻠﺖ» :ﻣﻌﻘﻮل! أﻧﺖ ﺗُ َﻔ ﱢﻀﻞ أن ﻳﺤﻤﻠﻚ ﺟرياﻧﻚ وأﻫﻞ ﺣَ ﻴﱢﻚ إﱃ ﺑﻴﺘﻚ ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه
وﻟﻜﻦ ﺑﻨﻴﻚ ﻳ َُﻔ ﱢﻀﻠﻮن ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ أن ﻳُﺤْ ﻤَ ﻞ املﺮء إﱃ املﺴﺘﺸﻔﻰ ،زﻣﻨﻚ ﻟﻢ ﱠ اﻟﺤﺎﻟﺔ،
ﻄ ﱠري ﻣﻦ ﻳﻜﻦ ﻳَﻌْ ِﺮف املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ،ﻓﺄﻧﺖ ﺗُﻨْﻜِﺮﻫﺎ وﺗُ ْﺸﻔِ ﻖ ﻣﻦ أن ﺗُﺤْ ﻤَ ﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،وﻟﻌﻠﻚ ﺗَﺘَ َ
دﺧﻮل املﺴﺘﺸﻔﻰ ،وﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن اﺳﻢ املﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﻘﺮوﻧًﺎ ﰲ ذﻫﻨﻚ ﺑﻔﻜﺮة املﻮت .وﻟﻜﻦ
اﻟﺰﻣﻦ ﺗَ َﻐ ﱠري ،واﻟﺮأي ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﺧﺘﻠﻒ ،وأﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳُ ْﺆﺛِﺮون اﻟﻌﻼج ﰲ
ﻧﻘﺼﺎ ،واﻟﺬي ً ُوره املﺠﻌﻮﻟﺔ ﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﻼج ﰲ اﻟﺒﻴﻮت؛ ﻓﺎﻟﺬي ﺗَﻌُ ﺪﱡه أﻧﺖ ﻣﺰﻳﺔ ﻳﺮوﻧﻪ ُﻫ ْﻢ د ِ
َ
ﺗﺮاه أﻧﺖ ﴍٍّا ﻳﻌﺘﻘﺪون ﻫﻢ أﻧﻪ ﺧري ،وﻫﺬا ﺑﻌﺾ اﻟﻔ ْﺮق ﺑني اﻟﺰﻣﻨني«.
َﴬﻫﻢ ﻟﻮ ﺗﺮﻛﻮﻧﻲ أﻗﴤ اﻷﻳﺎم اﻟﺒﺎﻗﻴﺔ ﱄ ﻛﻤﺎ ﻗﺎل» :وﻟﻜﻨﻲ ﻛﱪت ﻳﺎ ﺳﻴﺪي .ﻣﺎذا ﻳ ُ ﱡ
أﺣﺐ؟«
ْ
ﻗﻠﺖ» :إﻧﻪ ﻻ ﻳﴬﻫﻢ ،وﺛ ِْﻖ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳَﺄﺑَ ْﻮ ُن ﻋﻠﻴﻚ وﻻ ﻳﻜﺮﻫﻮن ﻟﻚ أن ﺗﺤﻴﺎ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻋﲆ
ﻫﻮاك ،وﻟﻜﻦ ﺗﻴﺎر اﻟﺰﻣﻦ ﺣَ ﻤَ َﻠﻬُ ﻢ — وﺣَ ﻤَ َﻠﻚ ﻣﻌﻬﻢ — إﱃ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ وﻋﺪم
اﻟﺮﺿﺎ ،واﻟﺬﻧﺐ ﻟﻠﺰﻣﻦ ،ﻻ ﻟﻬﻢ!«
ﻗﺎل» :إﻧﻬﻢ ﻳﻀﺤﻜﻮن ﻣﻨﻲ ﺣني أﻗﻮل ﻟﻬﻢ :إن ﺑﻴﺘﻨﺎ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ املﺴﺎﺟﺪ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺳﺘﻄﻴﻊ
ﺑﻼ ﻋﻨﺎء أن أزور اﻟﺴﻴﺪة ﻧﻔﻴﺴﺔ أو اﻟﺴﻴﺪة زﻳﻨﺐ ،وأن أﺻﲇ املﻐﺮب ﰲ ﺳﻴﺪﻧﺎ اﻟﺤﺴني،
ﺛﻢ أﴍب اﻟﺸﺎي املﻐﺮﺑﻲ اﻟﺒﺪﻳﻊ ﻫﻨﺎك ﰲ ﻗﻬﻮة ﻣﻦ اﻟﻘﻬﻮات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،وأﻧﺘﻈﺮ ﺣﺘﻰ أﺻﲇ
اﻟﻌﺸﺎء ،ﺛﻢ أﻋﻮد إﱃ اﻟﺒﻴﺖ … ﻳﻀﺤﻜﻮن ﻳﺎ ﺳﻴﺪي وﻳﺠﻌﻠﻮن ﻫﺬا ﻣﻮﺿﻮﻋً ﺎ ﻟﻔﻜﺎﻫﺎﺗﻬﻢ ،ﻻ
ﻳﻌﺠﺒﻬﻢ إﻻ ﺟﺮوﺑﻲ وﺷﺎرع ﻋﻤﺎد اﻟﺪﻳﻦ واﻟﺴﻴﻨﻤﺎ …«
54
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻓﺮﻏ َﺖ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻚ أو ِﻣ ْﻦ واﺟﺒﻚ ﻓﻴﻬﺎ، ﻗﻠﺖ» :أﻧﺖ ﻣُﺤِ ﱞﻖ وﻫﻢ ﻏري ﻣﺨﻄﺌني ،ﻟﻘﺪ ْ
ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻔﺮغ ﻟﺮﺑﻚ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻫﻢ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻷﻣﺮ وأول ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﺤﻴﺎة ،وﻟﻜﻞ ﺣﻴﺎة
اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن إﻻ َ ِ
اﻟﺤﺎﻻت ض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳ ِﺔ ﺑﺪاﻳﺔ وﻧﻬﺎﻳﺔ ،وﻣﻦ اﻟﻌﻨﺖ أن ﺗَ ْﻔ ِﺮ َ
ﻣﺜﻼ؛ ﻷﻧﻚ ﻟﻢ ﺗَﻌْ ﺘَﺪْﻫﺎ ،إذ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﰲ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ .وأﻧﺖ ﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ً
زﻣﻨﻚ وﺟﻮد .وﻗﺪ ﻋِ ْﺸ َﺖ ﺑﻐريﻫﺎ أﻛﺜﺮ ﻋﻤﺮك ،ﻓﻔﻲ وﺳﻌﻚ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ أن ﺗﻌﻴﺶ ﺑﻘﻴﺔ اﻟﻌﻤﺮ
ﻣﻦ ﻏري أن ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻚ أن اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻻزﻣﺔ أو أﻧﻬﺎ ﻣﻠﻬﺎة ﻣﺴﺘﺤﺒﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻫﻢ ﻧ َ َﺸﺌُﻮا ﰲ
ِﻇ ﱢﻠﻬﺎ ،ﻓﺼﺎرت ﻣﻦ وﺟﻮه ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ املﺄﻟﻮﻓﺔ ،وأﺣﺴﺒﻬﻢ ﺣني ﺗﻌﻠﻮ ﺑﻬﻢ اﻟﺴﻦ وﻳ َْﻔ ُﺮﻏﻮن ﻣﻦ
أﻣﻮر اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻴﻈﻠﻮن ﻳﺬﻫﺒﻮن إﱃ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﺗَﺬْ َﻫﺐ أﻧﺖ اﻵن إﱃ املﺴﺎﺟﺪ ﻟﻠﻌﺒﺎدة ،وﻟﻦ
اﻧﴫاﻓﺎ ﻋﻦ ﺑﺎﻃﻠﻬﺎ أو اﺑﺘﻐﺎءً ﻟﺮﴇ ﷲ .وﻣﻦ ﻳﺪري ً ﻳﻜﻮﻧﻮا ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أ َ َﻗ ﱠﻞ زﻫﺪًا ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ أو
… ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ أﺷﻴﺎء ﺟﺪﻳﺪة ﻏري اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ ﻳﺮﺗﺎدﻫﺎ أﺑﻨﺎؤﻫﻢ ،ﻓﻴﻨﻜﺮ أﺑﻨﺎؤك ﻋﲆ
أﺣﻔﺎدك ﻫﺬا اﻟﺸﻐﻒ ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﺰﻣﻦ ،ﻛﻤﺎ ﺗُﻨْﻜِﺮ أﻧﺖ اﻟﻴﻮم ﻋﲆ ﺑﻨﻴﻚ َﻛ َﻠ َﻔﻬُ ﻢ
ﻃﻦ ﺑﺎﻟﺴﻴﻨﻤﺎ … ﻟﻜﻞ زﻣﻦ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ﺣﻜﻤﺔ ،وﻟﻜﻞ ﺟﻴﻞ روﺣﻪ … وﻳَﺤْ ُﺴﻦ ﺑﺎملﺮء أن ﻳُ َﻮ ﱢ
ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ«.
ُ
ﻗﺎل» :ﻧﻌﻢ ،ﻧﻌﻢ … إﻧﻲ ﻟﺴﺖ ﺟﺎﻣﺪًا وﻻ ﻣﺘﻌﻨﺘًﺎ ،ﺑﻞ أﻧﺎ أد ِْرك ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ«.
ﻗﻠﺖ» :إن اﻹدراك وﺣﺪه ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ،واملﻌﻮﱠل ﰲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻣﻮر ﻋﲆ اﻟﻌﺎدة ﻻ ﻋﲆ
اﻹدراك«.
ﺼ ﱠﻮ ْر أﻧﻲ ﻻ أﺷﻌﺮ ﺑﺮﻣﻀﺎن ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﻲ … ﻗﺎل» :ﺻﺤﻴﺢ … وﻟﻜﻨﻲ ﻣﻈﻠﻮم … ﺗَ َ
ﻳﺪق اﻟﺒﺎبَ ﻋﻠﻴﻨﺎ أﺣ ٌﺪ ﻟﻴﻮﻗﻈﻨﺎ ﻟﻠﺴﺤﻮر … وﻻ ﻧﺴﻤﻊ اﻟﻄﺒﻠﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻻ ﻧﺴﻤﻊ املﺪﻓﻊ ،وﻻ ﱡ
… وﻻ املﺆذن … ﻻ … ﻻ ﳾء ﻣﻦ ذﻟﻚ .وﻗﺪ اﺣﺘﺠﻨﺎ إﱃ املﻨﺒﻪ ﻟﻨﺴﺘﻴﻘﻆ ﻋﲆ ﺻﻮﺗﻪ
اﻟﺤﻖ أﻗﻮل ﻟﻚ :إﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻻ أﺷﻌﺮ أن ﻫﺬا ﻫﻮ ﱠ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﻮﺗﻨﺎ اﻟﺴﺤﻮر … ﺗﺼ ﱠﻮ ْر ﻫﺬا …
رﻣﻀﺎن ،وﻻ أﻛﺎد أﺻﺪق أن ﺻﻴﺎﻣﻲ ﻣﻘﺒﻮل! أﻫﺬا ﻫﻮ رﻣﻀﺎن؟! ﻣﻦ ﻳﻘﻮل ﻫﺬا؟ أﻳﻦ
اﻷوﻻد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻄﻮﻓﻮن ﺑﺎملﺼﺎﺑﻴﺢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺸﻤﻮع املﻮﻗﺪة؟ أﻳﻦ ﺻﻴﺤﺎت َﻓ َﺮﺣِ ﻬﻢ وﴎورﻫﻢ
ﺑﻠﻴﺎﱄ رﻣﻀﺎن … أﻳﻦ اﻟﺴﻬﺮات اﻟﻠﺬﻳﺬة … ﺳﻬﺮات اﻹﺧﻮان ﰲ اﻟﺒﻴﻮت … إﻧﻲ أُﺣِ ﱡﺲ ﰲ
ﻫﺬه اﻟﺸﻘﺔ اﻟﻀﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻜﻨﻬﺎ أﻧﻲ ﻳﺘﻴﻢ … ﺻﺤﻴﺢ!«
ﻗﻠﺖ» :أ َو َﻟ ْﺴ َﺖ ﻳﺘﻴﻤً ﺎ؟«
ﻗﺎل» :أﻋﻨﻲ أﻧﻲ أﺷﻌﺮ ﺑﻮﺣﺸﺔ … واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي ﻗﻠﻴﻞ ،وﻛﻨﺖ أرﺟﻮ أن ﻳﱰﻛﻮﻧﻲ
أﻗﻀﻴﻪ ﰲ ﺑﻴﺘﻲ ،وﺑﻌﺪ أن أﻣﻮت ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ أن ﻳﺼﻨﻌﻮا ﻣﺎ ﺷﺎءوا … وأﻇﻦ أن ﻫﺬا ﻋﺪل«.
55
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
أرﺑﻌﺔ ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ ٍ ٍ
ﺛﻼﺛﺔ أو ﻗﻠﺖ» :ﻋﺪل! ﻣَ ْﻦ ﻳﺪري؟ ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﺪل أن ﺗﻔﺮض ﻋﲆ
اﻟﺤﻴﺎة ﻻ ﻳﻮاﻓِ ُﻖ إﻻ واﺣﺪًا ﻫﻮ أﻧﺖ! رﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﻌﺪل أن ﺗﺤﺘﻤﻞ أﻧﺖ ﻣﺎ ﻳﻮاﻓﻖ اﻷرﺑﻌﺔ …
ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻫﺬا أﻗﺮب إﱃ اﻟﻌﺪل أو أﺷﺒﻪ ﺑﻪ ،ﻣﻦ ﻳﺪري ﻳﺎ ﺳﻴﺪي؟!«
ﻗﺎل» :إﻧﻲ أﻧﻈﺮ إﱃ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﻢ … ﻧﺤﻦ اﻵن ﻧﺨﴪ ﺧﻤﺴﺔ ﺟﻨﻴﻬﺎت ﻛﻞ ﺷﻬﺮ أﺟ ًﺮا
ﻟﻠﺴﻜﻨﻰ ،وﻟﻮ ﻛﻨﺎ ﰲ ﺑﻴﺘﻨﺎ ﻻﺳﺘﻄﻌﻨﺎ أن ﻧﻘﺘﺼﺪ ﻫﺬا املﺒﻠﻎ ،أو أن ﻧﻨﻔﻘﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻮ أَو َْﱃ
وأ َ ْﻟ َﺰم .أ َ َﻟ ْﺴ َﺖ ﺗﻮاﻓﻘﻨﻲ؟«
ﻗﻠﺖ» :ﺗﺴﺄﻟﻨﻲ اﻵن ،ﻓﺠﻮاﺑﻲ ﻧﻌﻢ! وﻟﻮ ﺳﺄ ْﻟﺘَﻨﻲ ﻗﺒﻞ ﻋﴩﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﻟﻜﺎن ﺟﻮاﺑﻲ ﻻ …
اﻟﺸﺒﺎب ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳُﻌْ ِﺠﺒﻪ ،ﻻ ﻣﺎ ﻳَﻨ ْ َﻔﻌﻪ .ﻳﻨﻔﻖ ﺑﻼ ﺣﺴﺎب؛ ﻷﻧﻪ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻔﻴﺾ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ،وﻻ
ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺘﺪﺑري واﻻﻗﺘﺼﺎد … ﻣﻠﻴﻮﻧري! ﻛﻴﻒ ﻳﺒﺎﱄ ﺑﺎﻟﻘﺮوش واملﻼﻟﻴﻢ؟!«
ﻗﺎل» :وﻟﻜﻦ أﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﻳﻔﻜﺮوا ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ وﻳُﻌِ ﺪﱡوا اﻟﻌﺪة ﻟﻠﻐﺪ؟«
ﻗﻠﺖ» :إن ﻫﺬا ﻳﻜﻮن أﺣﺠﻰ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺸﺒﺎب رأﺳﻪ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن؛ أﻋﻨﻲ أﻧﻪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
ﴢ اﻟﺴﻤﺎﻋﺔ ﻋﻦ أذﻧﻪ وﻳﻀﻌﻬﺎ ﻓﻼ ﻳﺴﻤﻊ إذا َﻫ ﱠﻢ ﺻﻮت اﻟﻨﺬﻳﺮ ﺑﺎﻟﻜﻼم اﻟﺜﻘﻴﻞ«. أن ﻳ ُْﻘ ِ َ
ﻗﺎل» :ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﻻ ﺗﻘﻞ ﻫﺬا ،إﻧﻪ ﺟﻨﻮن«.
»ﺻﺪﻗ َﺖ ،إﻧﻪ ﺟﻨﻮن ،وﻟﻜﻨﻪ ﺟﻨﻮن اﻟﻘﻮة ،واﻟﺸﺒﺎب ﻳﻨﻔﺾ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﻬﻤﻮم ْ ﻗﻠﺖ:
ﻛﻤﺎ ﺗﻨﻔﺾ ﻋﻦ ﺛﻴﺎﺑﻚ اﻟﱰاب ﺑﺄﺻﺒﻌﻚ ،ﺑﻼ ﻋﻨﺎء وﻻ اﻛﱰاث؛ ﰲ وﺳﻌﻪ ذﻟﻚ ﻷن ﻋﺒﺎب اﻟﻘﻮة
زاﺧﺮ ،واﻟﻌﻘﻞ ﻳﺠﻲء ﻣﻊ اﻟﻀﻌﻒ ،واﻟﺤﺴﺎب ﻟﻪ وﻗﺘﻪ؛ أواﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺤِ ﱡﺲ املﺮء ﺑﺄﻧﻪ ﺑﺪأ
ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ اﺳﺘﻄﺎع أن ﻳﻮﺻﺪ ﺑﻮاﺑﺎت اﻟﺨﺰان ﰲ ً ﻳُﻨْﻔِ ﻖ ﻣﻦ رأس ﻣﺎﻟﻪ ،ﻳﺎ ﺳﻴﺪي ﻫﻞ ﺗﻌﺮف
ﴍإﺑﺎن اﻟﻔﻴﻀﺎن؟ إﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺨﺰن وﻳﺘﻴﴪ اﻟﺘﺪﺑري ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻔﱰ ﻗﻮة املﺎء اﻟﺪاﻓﻖ وﻳُ ْﺆﻣَ ﻦ َ ﱡ
دﻗﻴﻖ ﰲ ﺷﺒﺎﺑﻚ؟«ٍ ﺑﺤﺴﺎب
ٍ اﻧﺪﻓﺎﻋﻪ ﻋﲆ ﻛﻴﺎن اﻟﺨﺰان ،ﻛﺬﻟﻚ اﻹﻧﺴﺎن؛ ﻫﻞ ﻛﻨﺖ ﺗُﻨْﻔِ ﻖ
ﻓﺄﻃﺮق ،ﻓﻘﻠﺖ» :إﻧﻚ ﺗﻨﴗ أﻧﻚ ﻛﻨﺖ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﻜﻬﻮل أن ﻳﺬﻛﺮوا ﻛﻴﻒ
ﻛﺎﻧﻮا ﰲ ﺷﺒﺎﺑﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻐﺮﻗﻬﻢ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺎﻟﺤﺎﴐ وﺣﺪه ﻟﻌَ ﺬَ ُروا«.
ﻗﺎل» :ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻚ ﻣﻮاﻓﻖ ﻋﲆ ﻇﻠﻤﻲ؟«
ﻃ ْﻘ ُﺖ اﻟﺤﻴﺎة ﻣﻌﻪ ﰲ َ
ﻣﻌﺎﴍﺗ ِِﻪ ،وﻻ أ َ
َ َ ﺻ َﱪ ُْت ﻋﲆ ﻗﻠﺖ» :اﺳﻤﻊ .ﻟﻮ ﻛﺎن أﺑﻲ ﺣﻴٍّﺎ ملﺎ َ
ﺑﻴﺖ واﺣﺪ وﺗﺤﺖ ﺳﻘﻒ واﺣﺪ ،ﻓﺄﺑﻨﺎؤك ﺧري ﻣﻨﻲ أﻟﻒ ﻣﺮة«.
ﻗﺎل» :إن ﻟﻚ أﺑﻨﺎء؟«
َ ُ
ﻗﻠﺖ» :ﻧﻌﻢ ،وﻻ أﺳﻒ وﻻ ﴎور ،وﺳﺄﻋْ ﻨَﻰ ﺑﺄن أدَﻋَ ﻬُ ْﻢ ﻳَﺤْ ﻴَﻮ َْن ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﺣﺪﻫﻢ وﻋﲆ
ﻫﻮاﻫﻢ ﺣني ﻳﺴﺘﻐﻨﻮن ﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺘﻜﺄة اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﻧﺎ«.
ﺿﻴﱢﻖ ﻋﲆ أﺑﻨﺎﺋﻲ؛ أﻧﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻛﺄﺧﻴﻬﻢ«. ﻗﺎل» :إﻧﻲ ﻻ أ ُ َ
56
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﺣﺴﺒُﻚ ﻣﻨﻬﻢ أﻧﻬﻢ أ َ ْﻛ َﺮم ﻣﻦ أن ﻳ َُﻀﻴﱢﻘﻮا
ْ ﻗﻠﺖ» :ﻟﻴﺲ ﰲ و ُْﺳﻌِ ﻚ أن ﺗُ َﻀﻴﱢﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ،
ﻋﻠﻴﻚ ،املﺜﻞ ﻳﻘﻮل :إﻧﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﺗﺄﺧﺬ زﻣﺎﻧﻚ وزﻣﺎن ﻏريك ،وﻟﻮ اﺳﺘﻄﺎع اﻹﻧﺴﺎن
ذﻟﻚ ملﺎ ﻛﺎن ً
ﻋﺪﻻ«.
ﻗﺎل» :ﺻﺤﻴﺢ .ﺑﺲ ﻣﺸﻮار ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺳﻴﺔ إﱃ اﻟﺴﻴﺪة!«
ﻗﻠﺖ» :أﻻ ﺗﻌﻠﻢ أن ﷲ ﺧﻠﻖ اﻟﱰام؟«
ﻗﺎل» :وﻟﻜﻨﻲ أﺣﺐ املﴚ؛ ﻣﻔﻴﺪ«.
ﻗﻠﺖ» :ﰲ وﺳﻌﻚ ﺑﻔﻀﻞ أﺑﻨﺎﺋﻚ أن ﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﺟﺪٍّا اﻵن ﻣﻦ املﴚ«.
ﻃ ﱠﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﺟﻴﺎل املﺘﺒﺎﻳﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ،وﻛ ﱞﻞ ﻟﻪ ﺗﻔﻜريه ﰲ ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻨﻲ إﱃ ﻧﺎﻓﺬﺗﻲ أ َ َ
اﻟﺤﻴﺎة.
∗∗∗
ﻫﻞ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﻳﻘﻮل اﻟﺸﺎﻋﺮ :إن ﻋني اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻋﻴﺐ ﻛﻠﻴﻠﺔ؟! ﻻ أدري ،ﻓﻘﺪ ﺻﺎر
ﻛﻞ ﳾء ﻳﺤريﻧﻲ ،وﻣﺎ ِﻣ ْﻦ أَﻣْ ﺮ إﻻ أراﻧﻲ ﻳﺒﺪو ﱄ ﻓﻴﻪ رأﻳﺎن أو ﻣﺬﻫﺒﺎن ،ﻟﻄﻮل ﻣﺎ ﻋَ ﱠﻮد ُ
ْت
ﻧﻔﴘ أن أﻧﻈﺮ إﱃ »اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻵﺧﺮ« ،ﻓﻠﻮ أﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻗﺎﺿﻴًﺎ ﻟﻈ ﱠﻠ ْﺖ أﺣﻜﺎﻣﻲ ﺗﺪور ﰲ ﻧﻔﴘ
ﺿﻴ َﱢﻖ اﻟﺼﺪر ﻓﺈن ﻣَ ْﻦ ﻛﺎن َ
وﻻ ﻳﺠﺮي ﺑﻬﺎ ﻟﺴﺎﻧﻲ أو ﻳﺨﻄﻬﺎ ﻗﻠﻤﻲ .وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﱰدد ،ﱠ
َﱰدﱠد ،وﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺆﺛﺮ اﻟﺤﺰم واﻟﺒﺖ وإن ﻛﺎن ﰲ ﺷﻚ ﻣﻦ ﻣﺘﻨﺒﱢﻪ اﻷﻋﺼﺎب ﻣﺜﲇ َﻗ ﱠﻠﻤَ ﺎ ﻳ َ َ
اﻟﺼﻮاب ﻛﺒري .وﻟﻜﻨﻤﺎ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺣﺐ املﻮازﻧﺔ واﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ إﻧﺼﺎف ﻛﻞ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ
اﻟﺮأي.
وﻗﺪ ﻗﻠﺖ ﻟﻨﻔﴘ وأﻧﺎ ﻗﺎﻋﺪ أﺗﺪﺑﺮ ﻗﻮل ﻫﺬا اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻟﻘﺪﻳﻢ :إن أﻋﻈﻢ اﻟﺮﺿﺎ رﺿﺎ املﺮء
أﻳﻀﺎ ،وأﺧﴙ أن أﻇﻞ ﻻ أدري ﻓﻼ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ .أم ﺗﺮى ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺮﺿﺎ؟ ﻻ أدري ً
أﺧﺮج ﺑﴚء أﺑﺪًا ،وﻟﻮ أﻧﻲ أُﻋْ ِﻄ ُ
ﻴﺖ ﻧ َ ْﻔﺲ إﻧﺴﺎن ﻏريي ملﺎ َﻗ ِﺒ ْﻠ ُﺖ ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻻ ﺗَ ْﺨ َﻔﻰ ﻋﲇ ﱠ
ﻋﻴﻮﺑﻲ وﻧﻘﺎﺋﴢ؛ ﻣﻦ ﻣﺎدﻳﺔ وأدﺑﻴﺔ وﻣﻦ ﺑﺪﻧﻴﺔ وﻧﻔﺴﻴﺔ أو ﻋﻘﻠﻴﺔ ،ﻓﺄﻧﺎ أﻋﻠﻢ أﻧﻲ … وﻟﻜﻦ
ﻫﻞ ﻣﻦ اﻟﴬوري أن أ َ ْﻓ َﻀﺢَ ﻧﻔﴘ وأﻫﺠﻮﻫﺎ إﱃ اﻟﻨﺎس؟ وﻣﻦ دﻻﺋﻞ اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻔﺲ
— ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻹﺣﺎﻃﺔ ﺑﻌﻴﻮﺑﻬﺎ ،واﻟﻔﻄﻨﺔ إﱃ ﻣﻮاﻃﻦ اﻟﻀﻌﻒ واﻟﻨﻘﺺ ﻓﻴﻬﺎ — أﻧﻲ
أﺳﺘﺨﻒ ﺑﻬﺬه اﻟﻌﻴﻮب ،وﻻ أﺑﺎﱄ أن أذﻛﺮﻫﺎ ،وﻻ أﻋﺒﺄ ﺷﻴﺌًﺎ إذا رأﻳﺖ اﻟﻨﺎس ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﱡ
أﻋﺮﻓﻬﺎ .وإﻧﻲ ﻷدرك ﺑﻌﻘﲇ أﻧﻬﺎ ﻧﻘﺎﺋﺺ وﻣﺬامﱡ ،وﻟﻜﻨﻲ أراﻧﻲ أَﺗﱠﺨِ ﺬ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻣﻦ املﻌﺎﻟﻨﺔ ﺑﻬﺎ
ﱡ
أﺳﺘﺨﻒ ﺑﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ،ﻟﻜﻨﻤﺎ أﺣﺎول ﺗﻬﻮﻳﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ﺣﺘﻰ ﻣﻔﺨﺮة وﻣَ ﺤْ ﻤَ ﺪة ،وﻟﺴﺖ
57
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻈﺎ ﺑﺤﺒﻲ ﻟﻨﻔﴘ ورﺿﺎي ﻋﻨﻬﺎ وﻏﺮوري ﺑﻬﺎ ،وﺣﺐ اﻟﻨﻔﺲ ﻇ ﱠﻞ ﻣﺤﺘﻔ ً وﻷ َ َﻻ ﻳُ ْﻜ ِﺮﺑُﻨﻲ أَﻣْ َﺮﻫﺎِ ،
ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﺤﻴﺎة.
ﻓﺼﻼ ﻷدﻳﺴﻮن اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ً ً
ﻣﻘﺎﻻ أو ُ
وﺗﺬ ﱠﻛ ْﺮ ُت وأﻧﺎ أ َﻗ ﱢﻠﺐ ﻫﺬا وأدﻳﺮه ﰲ رأﳼ
ﺼﻮﱠر ﻓﻴﻪ أن ﷲ — ﺟَ ﱠﻠ ْﺖ ُﻗ ْﺪ َرﺗُﻪ املﻌﺮوف — أم ﺗُ َﺮى ﻻ ﻳﻘﺮأه أﺑﻨﺎء اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ؟! — ﻳَﺘَ َ
— أَذِ َن ﻟﻠﻨﺎس أن ﻳﺨﻠﻌﻮا وﻳﺮﻣﻮا ﻣﺎ ﻻ ﻳُ ْﺮ ِﺿﻴﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ ،ﻓﻬﺬا َرﻣَ ﻰ أﻧﻔﻪ ،وذاك
أﻟﻘﻰ ﺑﺄذﻧﻴﻪ ،وأﺧﺮج اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﻴﻨﻴﻪ وﻗﺬف ﺑﻬﻤﺎ ،وﻧﺰع راﺑﻊ ﺳﺎﻗﻪ وﻃﺮﺣﻬﺎ … وﻫﻜﺬا،
ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت اﻷﻋﻀﺎء واﻟﺠﻮارح املﺮﻣﻴﺔ املﺰﻫﻮد ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻮﻣً ﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎ .وﻋﺎد ﷲ ﻓﺄَذِ َن ﻟﻬﻢ أن
ﺑﺪﻳﻼ ﻣﻤﺎ زﻫﺪ ﻓﻴﻪ ورﻣﺎهْ ،
ﻓﺄﻗﺒَﻠُﻮا ﻳ َُﻘ ﱢﻠﺒﻮن وﻳﺒﺤﺜﻮن، ً ﻳﻨﺘﻘﻲ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﻮم
َﺿﻌَ ُﻪ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻌﻀﻮ املﻨﺰوع ،ﺛﻢ ﻧﻈﺮوا ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ أﻧﻔﺴﻬﻢ وأ َ َﺧﺬَ ﻛﻞ واﺣﺪ ﻣﺎ أﻋﺠﺒﻪ وو َ
ﺑﺪﻳﻼ ﻣﻤﺎ ﻧﺰﻟﻮا ﻋﻨﻪ، ﺿﻮْا ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ،واﺳﺘﺒﺸﻌﻮا ﻣﺎ أﺧﺬوا ً ﻓﻠﻢ ﻳُﻌْ ِﺠﺒْﻬﻢ ﺣﺎﻟﻬﻢ ،وﻟﻢ ﻳَ ْﺮ َ
ﻓﺠﺄروا ﺑﺎﻟﺸﻜﻮى إﱃ ﷲ ﺗﻌﺎﱃ ،وﺗﻮﺳﻠﻮا إﻟﻴﻪ أن ﻳﺄذن ﰲ أن ﻳ َْﺴ َ ِﱰ ﱠد ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻢ أﻋﻀﺎءه
اﻷﺻﻠﻴﺔ .ﻓﺘﻘﺒﻞ ﷲ دﻋﺎءﻫﻢ رﺣﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺑﻬﻢ ،ﻓﻤﺎ أﴎع ﻣﺎ ﺧﻠﻌﻮا ﻣﺎ اﺳﺘﻌﺎروا ،واﺳﺘﻌﺎدوا
ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺨﻄﻮن ﻋﻠﻴﻪ وﻳﺘﱪﻣﻮن ﺑﻪ!
وﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ اﻟﺨﻴﺎﻟﻴﺔ ﺗﺪل ﻋﲆ أن املﺮء ﻻ ﻳﺴﻌﻪ إﻻ أن ﻳﻔﻄﻦ إﱃ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻧﻔﺴﻪ.
وﻟﻜﻦ إدراﻛﻪ ﻟﻌﻴﻮﺑﻪ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺤﺐ واﻹﻳﺜﺎر .وأﺣﺴﺐ أن ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻮﻧﻪ »ﻣﺮﻛﺐ
اﻟﻨﻘﺺ« أي :ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﺪاراة ﻋﻴﺐ ﻳﺜﻘﻞ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻪ ،وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻌﻮﻳﻀﻪ
ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى .واملﻘﺎرﻧﺔ واﻻﻣﺘﺤﺎن ﻫﻤﺎ ﺑﺎب املﻌﺮﻓﺔ ،وﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻳ َُﺴﻤﱠ ﻰ
»ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻨﻘﺺ« إﻻ ﺑﻌﺪ املﻌﺎﻧﺎة؛ أي :اﻻﻣﺘﺤﺎن واملﻘﺎرﻧﺔ ،وﻟﻮ اﻣﺘﻨﻌَ ْﺖ أﺳﺒﺎب املﻌﺎﻧﺎة
واملﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻏريه ملﺎ ﺷﻌﺮ املﺮء ﺑﻨﻘﺺ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ أو ﰲ ﺑﺪﻧﻪ ،وملﺎ أَﺣَ ﱠﺲ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ
وﺳﱰ اﻟﻌﻴﺐ ﺑﺎ ْﻟﺘﻤﺎس اﻟﺼﺤﺔ أو اﻟﻘﻮة ﰲ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮى. ْ ﻣﺪاواة اﻟﻨﻘﺺ
وأراﻧﻲ ﻻ ﺗَ ْﺨ َﻔﻰ ﻋﲇ ﱠ ﻋﻴﻮب أﺑﻨﺎﺋﻲ ،وﻫﻢ أﺣﺐ ﺧﻠﻖ ﷲ إﱄ ﱠ ﺑﻌﺪ ﻧﻔﴘ ،ﻛﻤﺎ ﻻ أﺣﺘﺎج
أن أﻗﻮل ،ﻓﻤﺎ أﻋﺪل ﺑﻨﻔﴘ أﺣﺪًا .وﻣﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ أﻣﻲ رﺣﻤﻬﺎ ﷲ ﺗﻘﻮل إذا رأﺗﻨﻲ
أﺷﻜﻮ أ ًملﺎ ،إﻧﻬﺎ ﺗُ ْﺆﺛِﺮ أن ﺗﻜﻮن ﻫﻲ املﺼﺎﺑﺔ ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ُﻛﻨ ْ ُﺖ أﺳﻤﻌﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮ ﷲ أن ﻳﺘﻮﻓﺎﻫﺎ
ﴎي ،وأَﻋْ ﺠَ ﺐُ ! ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻤﻨﻰ إﻧﺴﺎن أن ﻳﻤﻮت ﻗﺒﻞ ﻗﺒﲇ ،ﻓﺄُﻧْﻜِﺮ ﻫﺬا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ِ ﱢ
ﻏريه .ﻫﺬا إﺣﺴﺎس ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أَدﱠﻋِ ﻴﻪ .وﻟﻮ أﻧﻲ ُﺧ ﱢري ُْت أن أﻣﻮت ﻗﺒﻞ أوﻻدي أو أن
ﻧﻔﺎﻗﺎ وﺳﱰًا ﻟﻸﻧﺎﻧﻴﺔ ﻳﻤﻮت أوﻻدي ﻗﺒﲇ ملﺎ رآﻧﻲ أﺣﺪ أَﺗَ َﺮدﱠد أو أَﺗَ َﺨ ﱠري .ورﺑﻤﺎ أﻇﻬ ْﺮ ُت اﻟﱰدد ً
ﻧﻔﺎﻗﺎ وﻛﺬﺑًﺎ ﻋﲆ ﷲ واﻟﻨﺎس ،ﻻ أﻛﺜﺮ وﻻ أﻗﻞ. ً اﻟﺼﺎرﺧﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﻨﻲ إﻻ
وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺖ ﻧﻔﴘ :أﺗﺮى اﻟﺮﺟﻞ ﻏري املﺮأة؟ وأﻧﺎ أوﻣﻦ ﺑﺄن أﻣﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﻠﺼﺔ ﺻﺎدﻗﺔ
58
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﴪﻳﺮة ،وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﻠﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﺪل ﻋﻨﺪي ﻗﻼﻣﺔ ﻇﻔﺮ ﻣﻦ أﺻﻐﺮ أﺻﺒﻊ ﰲ رﺟﻠﻬﺎ،
ﻓﻬﻞ ﺗﺮاﻫﺎ ﻟﻮ أن اﻷﻣﺮ ﻛﺎن ﺟﺪٍّا ﻻ ﺗﱰدﱠد ﰲ إﻳﺜﺎري ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻬﺎ؟ ﻣﻦ ﻳﺪري؟ اﻟﺮﺟﻞ ﻏري
املﺮأة ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ،وﺷﻌﻮر اﻷب ﻏري ﺷﻌﻮر اﻷم .ﻫﻲ ﺣَ ﻤَ َﻠﺘْ ُﻪ ﺗﺴﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻋﲆ ﻗﻠﺒﻬﺎ ،ﻓﻬﻲ
ﺗُﺤِ ﱡﺲ أﻧﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎملﻌﻨﻰ اﻟﺤﺮﰲ ﻻ ﻣﺠﺎ ًزا ،وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﻣﺜﻞ ﻫﺬا اﻟﺸﻌﻮر،
ﻳﻌﺎن ﺷﻴﺌًﺎ وﻻ ﻳﺪري أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أن اﻣﺮأﺗﻪ ﺟﺎءﺗﻪ ﺑﻐﻼم أو ﺑﻨﺖ ،ﻗﺪ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻟﻪ ِ وﻫﻮ ﻟﻢ
ﺻﺪﱢق ﻫﺬا اﻹﻳﺜﺎر ﻣﻦ املﺮأة ،وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن رﻏﺒﺔ ﻓﻴﻪ أو ﻓﻴﻬﺎ؟ ﻓﺄﻧﺎ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أ ُ َ
أُ َ
ﺻﺪﱢق أن ﻳﻜﻮن اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺜﻠﻬﺎ إﻳﺜﺎ ًرا ﻻﺑﻨﻪ ﻋﲆ ﻧﻔﺴﻪ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤَ ﱡﺲ اﻟﺤﻴﺎة —
إﻻ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺴﺒﺔ ﻋﻨﺎﴏ اﻷﻧﻮﺛﺔ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ ﻛﺒرية.
وﻳﺤﴬﻧﻲ اﻵن ﺑﻴﺖ ُﻗ ْﻠﺘُﻪ ﻣﻦ ﻗﺼﻴﺪة ﻧﺴﻴﺘﻬﺎ ،وأﻇﻨﻪ ﻛﺎن ﺧﺘﺎم اﻟﻘﺼﻴﺪة ،وﻫﻮ:
ﻓﺄﺷﻬﺪ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﺐَ ﻳﻘﻀﻴﻪ ﻋﺎ َﻟ ُﻢ أﻻ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻓﻲ اﻷرض آﺧِ ﺮ أﻫﻠﻬﺎ
وﻋﻴﺐ اﻟﺒﻴﺖ ﰲ ﻧﻈﺮي أن ﻓﻴﻪ ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ واﺿﺤﺔ — ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﱄ — ذﻟﻚ أﻧﻲ ﻻ
أﺗﻤﻨﻰ أن أﻛﻮن آﺧﺮ ﻣﻦ ﻳﺒﻘﻰ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻷرى ﻛﻴﻒ ﻳﻔﻨﻰ اﻟﻌﺎ َﻟﻢ؛ ﺑﻞ ﻷﻧﻲ ﻻ أرﻳﺪ أن أﺗﺮك
اﻟﺪﻧﻴﺎ! ﻓﺈذا ﻛﺎن ﻻ ﺑﺪ ِﻣ ْﻦ ﺗَ ْﺮﻛﻬﺎ واﻟﺨﺮوج ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻠﺘﺨﺮب ﻗﺒﲇ ،أو ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﻮﺗﻲ ﻫﻮ اﻹﻳﺬان
ﺑﺨﺮاﺑﻬﺎ واﻣﱢ ﺤﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ .وﻟﻢ أﺳﺘﻄ ْﻊ وأﻧﺎ أَﻧ ْ ِﻈ ُﻢ اﻟﺒﻴﺖ أن أﺧﺘﺰن ﻛﻞ ﻫﺬا ﰲ َﺷ ْ
ﻄﺮ
واﺣﺪ ،ﻓﺠﺎء اﻟﺒﻴﺖ ﻏري دﻗﻴﻖ ﰲ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺎ ﰲ ﻧﻔﴘ.
وﻗﺪ أﺣﺒﺒﺖ ﻣﺮات ﻛﺜرية — ﻻ ﻋﺪاد ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ — ﻓﺈﻧﻲ أﺑﺪًا ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﰲ ﱠ اﻷﺳﺘﺎذ
اﻟﻌﻘﺎد:
ﺑ ﻴ ﻦ ﺣُ ﺐﱟ ﻋ ﻔ ﺎ وﺣُ ﺐﱟ ﺟ ﺪﻳ ِﺪ أﻧﺖ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ داﺋﻢ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ
ﻄﻮل إﻻ ﺳﺎﻋﺔ أو ﺳﺎﻋﺘني أو ﻟﻴﻠﺔ أو ﻟﻴﻠﺘني واﻟﺴﺒﺐ ﰲ ذﻟﻚ أن ﻋُ ﻤْ ﺮ اﻟﺤﺐ ﻋﻨﺪي ﻻ ﻳَ ُ
ﺗﻤﻨﻴﺖ ﻋﲆ ﷲ أن ﻳﻬﺒﻨﻲ اﻟﻘﺪرةُ — إﱃ أن أَﻣَ ﱠﻞ واﻟﺴﻼم — وﻣﺎ ﻣﻦ واﺣﺪة أَﺣْ ﺒَﺒْﺘُﻬﺎ إﻻ
ﺻﻠِﺢَ ﺑﻌﺾ ﻣﺎ ﻻ أرﴇ ﻋﻨﻪ ،ﻓﺄﻣﻸ ﻫﺬه اﻟﺴﺎق وأدﻳﺮﻫﺎ ،وأﻋﺎﻟﺞ اﻟﱰﻫﻞ اﻟﺬي ﻳﺒﺪو ﱄ ﰲ ﻷُ ْ
ﻣﺜﻼ أو اﻟﺮدﻓني ،وأﺻﻠﺢ اﻷﻧﻒ ،وأﺧﻔﻒ اﻟﻨﺘﻮء اﻟﺬي ﰲ أرﻧﺒﺘﻪ ،وأرﺳﻢ اﻟﺤﺎﺟﺒني اﻟﺜﺪﻳني ً
أﻳﻀﺎ ﻋﻼﺟﻲ رﺳﻤً ﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻳﻜﻮن أ َ ْﻗ َﺮبَ إﱃ ذوﻗﻲ ،وأراﺑﻲ ﰲ اﻟﺘﻨﺎﺳﺐ ،وأﻋﺎﻟﺞ ﻧﻔﺴﻬﺎ ً
ﻟﺒﺪﻧﻬﺎ … وﻫﻜﺬا إﱃ آﺧﺮه ،ﻓﻤﺎ ﺑﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻹﻃﺎﻟﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻻﻋﱰاض ﻋﲆ ﺧﻠﻖ
59
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﷲ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ ،ﺣﺎﺷﺎ وﻛﻼ ،وإﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻦ اﺷﺘﻬﺎء اﻟﻜﻤﺎل ﻛﻤﺎ أﺗﺼ ﱠﻮ ُره ،وﻻ ﻛﻤﺎل ﰲ
اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ اﻷﺳﻒ!
ﻄﺮه اﻷول ،ﻓﻤﺎ ﻣﻦ َﺼﺪُق ﰲ َﺷ ْ
ﺻﺪ ََق اﻟﺸﺎﻋﺮ ﰲ اﻟﺸﻄﺮ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳ ْ وﻗﺪ َ
ﺷﻚ ﰲ أن ﻋني اﻟﺴﺨﻂ ﺗُﺒْﺪِي املﺴﺎوئ .وﺛ َ ﱠﻢ ﻋﻴﻮن أﺧﺮى ﻛﺜرية ﺗﺒﺪي املﺴﺎوئ ﻏري ﻋني
اﻟﺴﺨﻂ ،وﰲ و ُْﺳﻌِ ﻨَﺎ أن ﻧﺘﺴﺎﻣﺢ ﻣﻊ اﻟﺸﺎﻋﺮ املﺴﻜني ،وأن ﻧﻘﻮل :إﻧﻪ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻌني اﻟﺴﺨﻂ
اﻟﻘ ْﴫ وﻻ اﻟﺘﺨﺼﻴﺺ. ﻛﻞ ﻋني ﺗﺒﺪي املﺴﺎوئ ،وإﻧﻪ ﻟﻢ ﻳ ُِﺮد َ
ﻄ َﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ؟« واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أﻧﻲ وأﺳﺄل ﻧﻔﴘ وأﻧﺎ أﻛﺘﺐ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ» :ﻣﺎذا أ َ ْﺧ َ
ْت أن أﻛﺘﺐ ﻛﻼﻣً ﺎ ﻓﺤﴬﻧﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﻴﺖ ،ﻓﻤﺎ أﻛﺜﺮ اﻟﻜﻼم اﻟﻔﺎرغ، ﻻ أدري ﺳﻮى أﻧﻲ أرد ُ
وﻣﺎ أﴎﻋﻪ إﱃ اﻟﻠﺴﺎن!
∗∗∗
ُﺼﺒﱢﺤُ ﻨﻲ وﻟﺪاي ﺑﺎﻟﺴﺆال ﻋﻦ »اﻟﺨﺮوف« :أﻳﻦ؟ وﻣﺘﻰ ﻳﺠﻲء؟ واﻟﺠﻮاب ﺳﻬﻞ، ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻳ َ
وﻓﻴﻪ ملﻦ ﺷﺎء اﻻﻗﺘﻨﺎع ﻣَ ْﻘﻨَﻊ ،ﻓﺈﻧﻲ أُوﺛِﺮ أن ﻳﺠﻲء ﰲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻷﺧرية ،ﻓﻼ ﻳﻘﴤ ﰲ
ﺿﻴﺎﻓﺘﻲ إﻻ ﺑﻀﻊ ﺳﺎﻋﺎت ،ﺛﻢ ﻳﺼﺒﺢ وﻗﺪ أراﺣﺘﻨﺎ ﻣﻨﻪ اﻟﺴﻜﺎﻛني املﺴﻨﻮﻧﺔ واﻟﺴﻮاﻃري
اﻟﺤﺎﻣﻴﺔ .وﻟﻜﻦ اﻟﻄﻔﻞ ﻃﻔﻞ ،وﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﻌﻘﻮل أن ﺗﻄﺎﻟﺒﻪ ﺑﺄن ﻳﺸﺐﱠ ﻋﻦ اﻟﻄﻮق ﻗﺒﻞ
ْت ﻋﻠﻴﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﱠ
اﻟﻐﺾ ،وأﻓﺴﺪ َ اﻷوان .وﻟﻮ َﻓﻌَ ْﻠ َﺖ ﻵذﻳ َْﺖ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ اﻟﻨﻀريةَ ،
وﻗﻤَ ﻌْ َﺖ ﺻﺒﺎه
ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ .وﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻲ اﻟﻄﻔﻞ ﻣﻦ ﺧﺮوف اﻟﻌﻴﺪ أﻧﻪ ﻳَ ْﻠﻌَ ﺐ ﺑﻪ وﻳَﺘَ َﺴ ﱠﲆ ﺑﺄن ﻳﺴﻤﻌﻪ
ذﻳﻼ ﻳﺸﺪه ﻣﻨﻪ ،وأذﻧًﺎ ﻣﺴﱰﺧﻴﺔ ﻳﻀﻊ ﻳﻘﻮل» :ﻣﺎء« ،وأن ﻳﺮاه ﻳَﻬُ ﱡﻢ ﺑﺄن ﻳﻨﻄﺢ ،وأن ﻟﻪ ً
ﻋﻨﻴﻔﺎ .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺨﻄﺮ ﱄ وأﻧﺎ أﺗﺪﺑﺮ ﺣﺎل اﻷﻃﻔﺎل، ً ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺸﺔ ﻓﻴﻬﺰ اﻟﺨﺮوف رأﺳﻪ ﻫ ٍّﺰا
وﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻋﻨﻬﻢ ،أن اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ رﺣﻤﺔ ،وأن ﻛﻞ ﺻﻔﺎت اﻟﺨري ﰲ اﻹﻧﺴﺎن
ﺗﻜ ﱡﻠﻒ .أَﻋْ ِﻂ اﻟﻄﻔﻞ ﻋﺼﻔﻮ ًرا وﻻ ﺗَ ُﻘ ْﻞ ﻟﻪ ﺷﻴﺌًﺎ ،وﻻ ﺗُﻨَﺒﱢﻬْ ُﻪ إﱃ واﺟﺐ اﻟﺮﻓﻖ ،واﻧﻈﺮ ﻣﺎذا
ﻳﺼﻨﻊ.
أﻃﻔﺎﻻ ،ﻓﻨﺤﻦ ﻧﻌﺮف ﻣﺎ ﻳﺼﻨﻌﻮن ،وﻻ ﻧَﺠْ ﻬَ ﻞ أﻧﻬﻢ ﻳﺮﺑﻄﻮن ِرﺟْ ﻞ ً وﻗﺪ ﻛﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ
ُﺼﺪﱢﻗﻮن ذﻟﻚ اﻟﻌﺼﻔﻮر ﺑﺨﻴﻂ وﻳﻠﻌﺒﻮن ﺑﻪ ،وﻻ ﻳُﺪ ِْر ُﻛﻮن أﻧﻬﻢ ﻳﻌﺬﺑﻮﻧﻪ ،وﻻ ﻳﻜﺎدون ﻳ َ
ﺿﻌْ َﻔﻪ .وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻘﺪْح ﰲ اﻹﻧﺴﺎن أن ﻧﻘﻮل: ﺣني ﺗﻨﺒﻬﻬﻢ إﻟﻴﻪ وﺗﻨﺎﺷﺪﻫﻢ أن ﻳﺮﺣﻤﻮا َ
إن ﻛﻞ ﺻﻔﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎت اﻟﺨري ﻓﻴﻪ ﺗُ ْﻜﺘَ َﺴﺐ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ واﻟﺘﺪرﻳﺐ واﻟﺘﻠﻘني .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن
اﻹﻧﺴﺎن ﰲ اﻷﺻﻞ ﻟﻴﺲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﺮف ﺧريًا وﻻ ﴍٍّا ،وإﻧﻤﺎ ﻳَﻌْ ِﺮف أﻧﻪ
ﻳﻄﻠﺐ اﻟﴚء أو ﻳﻨﻔﺮ ﻣﻨﻪ ﻣﺪﻓﻮﻋً ﺎ إﱃ ذﻟﻚ ﺑﻐﺮاﺋﺰه .وﻟﻮ ﺗُ ِﺮ َك وﺷﺄﻧﻪ ﺑﻼ ﺗﻬﺬﻳﺐ أو ﺗﺜﻘﻴﻒ
60
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺻﻨ َ َﻊ إﻻ ﻣﺎ ﺗُ ْﻐ ِﺮﻳﻪ ﺑﻪ ﻫﺬه اﻟﻐﺮاﺋﺰ ،وﻻ ﺗَ َﺮ َك إﻻ ﻣﺎ ﺗُ ْﻐ ِﺮﻳﻪ ﺑﱰﻛﻪ ﻫﺬه اﻟﻐﺮاﺋﺰ أو ْ
ﺻﻘ ٍﻞ َﻟﻤَ ﺎ َ
ﴪ ﰲ ﺗﺼﻮﱡر ﻫﺬا وﻻ ﻣﺸﻘﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺤﻴﻮان أﻳﻀﺎ ،ﻛﺎﻟﺤﻴﻮان اﻷﻋﺠﻢ ﺳﻮاء ﺑﺴﻮاء .وﻻ ﻋُ ْ َ ً
أﻣﺎﻣﻨﺎ ،وﻋﻠﻴﻪ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻧﻘﻴﺲ ﺑﻼ ﺧﻮف ﻣﻦ اﻟﻐﻠﻂ .وﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻘﻮل ﻏري ﻫﺬا ﻓﻬﻮ ﻻ
ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻌﻘﻠﻪ ،ﺑﻞ ﺑﻬﻮاه ،وﺑﺸﻌﻮر اﻻﺳﺘﻨﻜﺎف اﻟﺸﺨﴢ ﻣﻦ أن ﻳﻜﻮن ﻫﻮ ﺣﻴﻮاﻧًﺎ ﻛﺎﻟﻘﻂ
واﻟﺨﺮوف واﻟﺜﻮر واﻟﺤﺼﺎن واﻟﺤﻤﺎر واﻟﺬﺋﺐ واﻟﺜﻌﻠﺐ … إﻟﺦ … إﻟﺦ .وﻻ ﻣﺤ ﱠﻞ ﻟﻼﺳﺘﻨﻜﺎف
واﻷﻧﻔﺔ ،ﻓﻤﺎ ﻧﺘﻜﻠﻢ إﻻ ﻋﻦ اﻷﺻﻞ … ﻻ ﻋﲆ ﻣﺎ أﺻﺎرﻧﺎ إﻟﻴﻪ اﻟﺘﻬﺬﻳﺐ واﻟﺼﻘﻞ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎ
ﻋﲆ ﻣﻦ ﺷﺎء أن ﻳﻌﺮف ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺼﻘﻞ واﻟﺘﻬﺬﻳﺐ إﻻ أن ﻳﺘﺪﺑﺮ ﻣﺎ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﺣني
ﻄﻔﻬﻢ وأﺳﻠﺴﻬﻢ ﻃﺒﺎﻋً ﺎ وأ َ ْﻟﻴَﻨِﻬﻢ ْﺧ ْﻞ ﻋﲆ أ َ َر ﱢق اﻟﻨﺎس وأ َ ْﻟ َﺗﺠﻤﺢ ﺑﻪ ﻋﻮاﻃﻔﻪ وﺷﻬﻮاﺗﻪ ،اد ُ
ﻄﻤْ ُﻪ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﻟﻄﻤﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﺗُﺪِﻳﺮ ﻋﺮﻳﻜﺔ وﻫﻮ ﰲ ﻣﺠﻠﺴﻪ ﺑني إﺧﻮاﻧﻪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳُﻮ ﱢَﻗ ُﺮوﻧﻪ ،وا ْﻟ ُ
اﻟﺮأس وﺗُ ِﻄري اﻟﻌﻘﻞ ،واﻧﻈﺮ ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ ﻫﺬا اﻹﻧﺴﺎن املﻬﺬﱠب اﻟﺮﻗﻴﻖ ،وﺗﺄﻣﱠ ْﻞ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ
ﻣﻦ ﺻﻘﻠﻪ ودﻣﺎﺛﺘﻪ .وﻗ ِْﺲ ﻋﲆ ﻫﺬا ﺳﺎﺋﺮ ﻣﺎ ﺗُﺤْ ِﺪﺛُﻪ اﻹﺣﺴﺎﺳﺎت واﻟﻌﻮاﻃﻒ اﻟﻌﻨﻴﻔﺔ.
ﺑﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻗﺪ ﺑَ ﱠﺰ ﻛﻞ ﺣﻴﻮان ﰲ اﻟﻬﻤﺠﻴﺔ واﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ؛ ﻷن ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﻣﻮاﺳﻢ
ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻴﺲ إﻻ ،ﻳﻔﻌﻠﻪ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺑﺈرادﺗﻪ ،ﻻ ﻃﻮﻋً ﺎ ﻟﻠﻐﺮﻳﺰة ﺑﻤﺠﺮدﻫﺎ .واﻟﺴﺒﺎع
ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ ٍ ﺟﻤﺎﻋﺎت أﺧﺮى؛ أرﻳﺪ أن أﻗﻮل :إن ٍ ٌ
ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺜﻼ ﻻ ﺗُ َﻘﺎ ِﺗ ُﻞ
اﻟﻀﺎرﻳﺔ ً
اﻟﻬ َﺮ َرة ﺟﻤﺎﻋﺎت أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺬﺋﺎب ،وﻻ اﻟﻜﻼب ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ،وﻻ اﻷﺳﻮد ،وﻻ ِ ٍ اﻟﺬﺋﺎب ﻻ ﺗُ َﻘﺎﺗِﻞ
… إﱃ آﺧﺮ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ،وﻟﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن وﺣﺪه ﻣﻦ ﺑني اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ اﻟﺬي
ﻧ ُ َﺴﻤﱢ ﻴﻪ اﻟﺤﺮب.
وﻣﺎ اﻟﻔﺮق — ﺑﺎهلل — ﺑني اﻓﱰاس اﻷﺳﺪ ﺑﻘﺮة ﻣﺴﻜﻴﻨﺔ أو ﻏريﻫﺎ ،وﺑني ذَﺑْﺤﻨﺎ ﻟﻸﺑﻘﺎر
اﻟﻔ ْﺮق أن اﻟﺤﻴﻮان ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﺑﺄﺳﻨﺎﻧﻪ وأﻇﺎﻓﺮه واﻟﺨﺮاف واﻟﻌﺠﻮل؟ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ ﻣﻦ َ
ﻣﻄﺒﻮﺧﺎ .ﻓ ْﺮق ﰲ ً وﻧﺤﻦ ﻧﻔﻌﻠﻪ ﺑﺎﻟﺴﻜني؛ وﻫﻮ ﻳﺄﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﱰس ﻧﻴﺌًﺎ وﻧﺤﻦ ﻧﺄﻛﻠﻪ ﻧﻴﺌًﺎ أو
ف ﻣﻦ اﻟﺤﻴﻮان ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ اﻻﻓﱰاس ،وأ َ ْﻗ َﺪ ُر اﻟﺸﻜﻞ ﻻ ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ واﻟﺠﻮﻫﺮ .وﻧﺤﻦ ﺑﻌ ُﺪ أَﻋْ َﺮ ُ
ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﺗﺬوﱡق ﻟﺬﱠاﺗﻪ …!
وأﻗﻮل ﻟﻠﺼﺒﻲ اﻟﺬي ﻳُﻠ ِﺢﱡ ﻋﲇ ﱠ ﺑﻄﻠﺐ اﻟﺨﺮوف ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻴﺪ ﺑﺄﺳﺒﻮع ﻋﲆ اﻷﻗﻞ» :إﻧﻪ
ﻟﻠﺬﺑﺢ ،أﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟ وﻟﻦ ﻧﺬﺑﺤﻪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻓﻤﺎ ﺣﺎﺟﺘﻨﺎ ﺑﻪ اﻵن«.
ﻓﻴﻌﱰف وﻳﻘﻮل» :وﻟﻜﻦ ﻳﺎ ﺑﺎﺑﺎ« وﻻ ﻳ ُْﺴﻌِ ُﻔﻪ وﺟْ ٌﻪ — ﻻ — ﻟﻼﻋﱰاض ،ﻓﻴُﺘَﻤْ ﺘِﻢ ،ﺛﻢ
ﻳﻤﴤ ﻓﻴﻘﻮل» :ﻛﻞ اﻟﻨﺎس اﺷﱰوا اﻟﺨﺮﻓﺎن«.
أﻳﻀﺎ ﻣﺜﻠﻬﻢ، وﻗﻔﺎ ﻋﲆ اﻷﻃﻔﺎل ،وأﻧﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﻜﺒﺎر ً ﻓﻴﺨﻄﺮ ﱄ أن ﻫﺬا املﻨﻄﻖ ﻟﻴﺲ ً
ﺣﺎﺻﻼ ﻋﻠﻴﻪ .وﻣﻦ أﻣﺜﺎﻟﻨﺎُ » :ﻛ ْﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺒﻚ ً ﻳﺴﻮء اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻨﺎ أن ﻳُﺤْ َﺮم ﻣﺎ ﻳﺮى ﻏريَه
61
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺑﻌﻀﺎ وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻨﺴﺎء .واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ﰲ اﻟﻨﺴﺎء وا ْﻟﺒ َْﺲ ﻣﺎ ﻳﻌﺠﺐ اﻟﻨﺎس« واﻟﺮﺟﺎل ﻳ َُﻘ ﱢﻠﺪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ً
وﻫ ﱠﻦ ﻋﻠﻴﻪ أﺟﺮأ وﺑﻪ أﺷﺪ ﻋﻨﺎﻳﺔ ،وﺗﺄﻣﱠ ْﻞ ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ املﺮأة وﺗﻘﻴﺴﻬﺎ وﺗﺪﻳﺮ ﻋﻴﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮُ ،
ﴏاﺣﺔ ﰲ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ وﺗﻔﺼﻴﻠﻬﺎ ،وﻓﻴﻤﺎ ﻋﲆ وﺟﻬﻬﺎ ﻣﻦ أﺻﺒﺎغ ،وﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺼﻔﻴﻒ ﺷﻌﺮﻫﺎ
وﺗﺮﺟﻴﻠﻪ …
وﻗﻠﺖ ﻟﻐﻼﻣﻲ» :وﻟﻜﻦ أﻳﻦ ﻧﻀﻊ اﻟﺨﺮوف املﺤﱰم؟ ﰲ اﻟﴩﻓﺔ؟«
ﻓﻘﺎل ﺑﻼ ﺗﺮدﱡد» :وﻟِ َﻢ ﻻ؟! ﻣﺎ املﺎﻧﻊ؟«
َﺿﻊ اﻟﺨﺮوف ﰲ اﻟﴩﻓﺔ أو ﻋﲆ ﴎﻳﺮ اﻟﻨﻮم أو ﰲ ﺧﺰاﻧﺔ آه ،ﻣﺎ املﺎﻧﻊ ﻋﻨﺪه ِﻣ ْﻦ و ْ
اﻟﺜﻴﺎب؟ إن اﻟﻼﺋﻖ وﻏري اﻟﻼﺋﻖ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻳﻜﺘﺴﺐ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﻬﺎ واﻹدراك ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﻠﻎ
اﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ واﻋﺘﻴﺎد اﻟﺨﻀﻮع ﻟﻬﺎ .واﻟﺠﻬﻞ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ واﻟﻌﺎدات ﻳُﻌْ ﻔِ ﻲ اﻹﻧﺴﺎن
ﻣﻦ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻣﺮاﻋﺎﺗﻬﺎ ،ﻓﺎﻟﺮﻳﻔﻲ اﻟﺬي ﻻ ﻳَﻌْ ِﺮف ﻋﺎدات املﺪن ﻻ ﻳﺒﺎﱄ أن ﻳﻔﻌﻞ
ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﰲ ﻗﺮﻳﺘﻪ اﻟﺼﻐرية ،وﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻪ أﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳ َْﻀﺤَ ﻚ ﻣﻨﻪ اﻟﻨﺎس أو ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ
إﱃ اﻻﺳﺘﻨﻜﺎر واﻟﺴﺨﻂ .واﻟﻄﻔﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺎﻟﺮﻳﻔﻲ اﻟﺬي ﻳﺠﻲء إﱃ اﻟﻘﺎﻫﺮة أو
ﻳﺬﻫﺐ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ أو ﻟﻨﺪن وﻫﻮ ﺟﺎﻫﻞ ﺑﺘﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺤﻀﺎرة ﻓﻴﻬﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻐﺮب أن ﻳُ ْﺮﺑَﻂ
اﻟﺨﺮوف ﰲ اﻟﴩﻓﺔ ،أو ﻳﺮوح وﻳﺠﻲء ﰲ ﺣﺠﺮة اﻻﺳﺘﻘﺒﺎل ،أو ﻳﻨﺎم ﻋﲆ اﻟﴪﻳﺮ ،أو ﻳﺄﻛﻞ
ﺑﺮﺳﻴﻤﻪ ﰲ املﻜﺘﺒﺔ .ﺑﻞ اﻟﻄﻔﻞ ﻳﺠﺪ ﰲ ﻫﺬا ﻣﺘﻌﺔ ﻧﺎدرة ،وﻳ ُْﻀﺤِ ﻜﻪ ﺟﺪٍّا أن ﻳﺮى اﻟﺨﺮوف
وﺣﺴﺒُﻪ ﺑﺎﻋﺜًﺎ ﻋﲆ اﻟﻀﺤﻚ وﻣﺪﻋﺎة ﻟﻠﺘﺴﻠﻴﺔ أن ْ ﻳﺄﻛﻞ اﻟﱪﺳﻴﻢ اﻟﺬي ﻳﻀﻌﻪ ﻟﻪ ﻋﲆ املﻜﺘﺐ،
ﻫﺬا ﺧﻼف املﺄﻟﻮف.
وﻗﻠﺖ» :وﻟﻜﻦ ﻳﺎ أﺧﻲ أﻳﻦ ﻳﻨﺎم ﺧﺮوﻓﻚ اﻟﻔﺎﺿﻞ؟«
ﻓﻀﺤﻚ وﻗﺎل» :ﻣﻌﻲ ،ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ«.
ً
ﻣﻮاﻓﻘﺎ. ﻓﺼﻔﻖ أﺧﻮه
وﰲ اﻟﻌﺎم املﺎﴈ واﻟﺬي َﻗﺒْ َﻠﻪ أذﻛﺮ أن ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻠﻌﻴﻨني ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺴﺘﻴﻘﻈﺎن ﰲ اﻟﺒﻜﺮة
املﻄﻠﻮﻟﺔ وﻳﻮﻗﻈﺎﻧﻲ أو ﻳﺰﻋﺠﺎﻧﻲ ﻋﲆ اﻷﺻﺢ ،وﻳﻄﻠﺒﺎن أن أﻧﻬﺾ ﻷَﺣْ َﴬ ذﺑْﺢ اﻟﺨﺮوف؛
وﻛﻨﺖ أﺣﺘﺎل ﺣﺘﻰ أﻗﺼﻴﻬﻤﺎ ﻋﻨﻲ وأ ُ ْﻗﻨِﻌﻬﻤﺎ ﺑﱰﻛﻲ ﻷﻧﺎم ،وﻛﻔﻰ ﺑﻬﻤﺎ ﺷﻬﻮدًا ﻟﻠﻤﺬﺑﺤﺔ …
وأَﺣَ ُﺪ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻐﻼﻣني ﻳﺴﻘﻢ وﻳﻤﺮض إذا و ََﻗﻌَ ْﺖ ﻋﻴﻨﻪ ﻋﲆ ﻗﻄﺮة دم ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺸﻬﺪ
وﺳ ْﻠﺨﻪ وﻳﺮى دﻣﻪ ﻳﺴﻴﻞ ﻓﻼ ﻳﻀﻄﺮب وﻻ ﻳﺘﺄﻟﻢ وﻻ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﺳﻮء ،ﺑﻞ ﻳﻌﻮد
ذﺑﺢ اﻟﺨﺮوف َ
ﻣﻦ ﻫﺬه »اﻟﻔﺮﺟﺔ« ﻣﻨﴩح اﻟﺼﺪر ﻗﺮﻳﺮ اﻟﻌني ،وﻳﻈﻞ أﻳﺎﻣً ﺎ ﻳﺘﺤﺪث ﺑﻬﺎ وﻳﺼﻒ ﻣﺎ ﻛﺎن
ﻓﻴﻬﺎ.
62
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻗﻄﺮة دم واﺣﺪة ﻣﻦ ِﺳ ﱟﻦ ﺳﻘﻄﺖ ﰲ ﻓﻤﻪ ﺗﺪﻳﺮ رأﺳﻪ وﺗﻐﺜﻲ ﻧﻔﺴﻪ ،وﺗﺼﺪه ﻋﻦ
َﴪه! وﻫﻮ ﻛﺎﻣﻼ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ،وﻣﻞء ﻃﺸﺖ ﻣﻦ دم اﻟﺨﺮوف ﻳ ُْﻔ ِﺮﺣﻪ وﻳ ُ ﱡ
ً اﻟﻄﻌﺎم واﻟﻠﻌﺐ ﻳﻮﻣً ﺎ
ﻏﻼم ﻳُﺤْ ِﺰﻧﻪ أن ﻳﺴﻤﻊ أﺣﺪًا ﻳﺘﻮﺟﻊ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺒﺎﱄ أ َ َﻟ َﻢ اﻟﺨﺮوف وﻗﺸﻌﺮﻳﺮﺗﻪ »وﻣﺎءاﺗﻪ«
اﻟﺴ ﱢﻜني؛ وﻫﻮ ﰲ اﻟﻌﺎدة ﻳﺄﺑﻰ أن ﻳﺄﻛﻞ ﻟﺤﻢ ﺣﻴﻮان ﺣني ﻳﻘﻴﺪه اﻟﺠﺰار وﻳﻀﻊ ﻋﲆ رﻗﺒﺘﻪ ﱢ
ﻄﻊ ﰲ املﻄﺒﺦ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻳﺮى َﺳ ْﻠﺦ اﻟﺨﺮوف ﻓﻼ ﺗﺘﺤﺮك ﺷﻌﺮة ﰲ رأﺳﻪ؛ أو ﻃري إذا رآه ﻳ َُﻘ ﱠ
وﻳﺮى اﻟﺴﺎﻃﻮر ﻳﻬﻮي ﻋﲆ ﺟﺴﻤﻪ وﻳﻘﻄﻌﻪ ﻓﻼ ﻳﺸﻌﺮ ﺑ ُﺪو ٍَار وﻻ ﻳﺼﺪه ﻫﺬا ﻋﻦ اﻷﻛﻞ.
ﻛﻼ ،ﻟﻢ أﺧﻄﺊ ﺣني ﻗﻠﺖ :إن ﻣَ ْﻦ ﻳﻼﺣﻆ اﻷﻃﻔﺎل ﻻ ﻳ ََﺴﻌُ ﻪ إﻻ أن ﻳﻘﻮل :إن اﻹﻧﺴﺎن
ﻻ أﻛﺜﺮ وﻻ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﻮان ،وإﻧﻪ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻌﺮف ﴍٍّا أو ﺧريًا ،وإﻧﻤﺎ ﻳﻌﺮف ﻏﺮاﺋﺰ
ﻳﻄﻴﻌﻬﺎ؛ وﻣﺎ اﻟﺨري واﻟﴩ إﻻ وﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﻣﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﺑﻌﺪ
أن ارﺗﻘﻰ ﻋﻘﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﻋﻘﻞ اﻟﺤﻴﻮان.
∗∗∗
ﻗﻠﺖ ﻟﺼﺪﻳﻘﻲ وﻧﺤﻦ ﺧﺎرﺟﻮن ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ — أو ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻛﻨﺎ داﺧﻠني ﻓﻤﺎ أذﻛﺮ اﻵن» :ﻳﺎ أﺧﻲ،
ﺟﻴﻼ آﺧﺮأﺣﺴﺐ أن ﻣﻦ اﻟﺨﺴﺎرة ﻋﻠﻴﻨﺎ أﻧﻨﺎ ُﺧﻠ ِْﻘﻨَﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن ،وﻟﻮ ﺗﺄﺧﺮ ﺑﻨﺎ اﻟﺤﻆ ً
ﺧﻠﻴﻘﺎ أن ﻳﻜﻮن أﻃﻴﺐ وأرﻏﺪ ،ﻓﺈن ﻫﺬا ﻋﴫ اﻧﺘﻘﺎل ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻓﻴﻪ اﻷﻣﻮر ً ﻟﻜﺎن ﻋﻴﺸﻨﺎ
ﻋﲆ ﺣ ﱟﺪ ﻣ ُِﺮﻳﺢ«.
ﻓﻮاﻓ َﻖ ،واﺳﺘﻄﺮدﻧﺎ إﱃ ﺣﺪﻳﺚ آﺧﺮ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻇﻠ ْﻠ ُﺖ أ ُ َﻓ ﱢﻜ ُﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻓﺒﺪا ﱄ أﻧﻲ أﺧﻄﺄت. َ
وﻻ ﻧﻜﺮان أن زﻣﻨﻨﺎ ﻫﺬا زﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎل ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﺣﺎ ُل ﻛﻞ زﻣﺎن ،ﻓﻤﺎ ﺗﻠﺰم أﻣﻮر اﻟﺤﻴﺎة
ﴫ اﻧﺘﻘﺎل.ﻋﴫ ﻋَ ْ ُ
ﺣﺪٍّا ﺗﻨﺘﻬﻲ إﻟﻴﻪ ،وﻻ ﺗﻜﻮن ﻗﻂ ﻋﲆ ﺣﺎل ﻻ ﻳﺘﻐري أو ﻳﺘﺒﺪل ،وﻛﻞ ْ ٍ
واﻟﺘﺤﻮل ﻫﻮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺤﻴﺎة؛ ﻓﻼ وﻗﻮف وﻻ رﺟﻮع ﻷن ﻫﺬا وذاك ﻣﺴﺘﺤﻴﻼن ﰲ اﻟﺤﻴﺎة.
أﺣﺴﺴﻨَﺎ ﻣﺎ ﻧُﺤِ ﱡﺴﻪ اﻵن ﻣﻦ أﻧﻨﺎ ﰲ ﻋﴫ ْ وﻟﻮ ﻛﻨﺎ ُﺧﻠ ِْﻘﻨَﺎ ﰲ زﻣﻦ ﻏري ﻫﺬا — ﻗﺒﻠﻪ — ﻟﻜﻨﺎ
وﻗﻠﻘﺎ وﻗﻴﻮدًا ﻛﺜرية ﺗﺜﻘﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ،وﻧﻌﺘﻘﺪ أن اﻧﺘﻘﺎل ،وأﻧﻨﺎ ﻧﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺟﺮاء ذﻟﻚ اﺿﻄﺮاﺑًﺎ ً
اﻷﻳﺎم ﺳﺘﺼﺪﻋﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس وﺗﻌﻔﻴﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ ،و َﻟﺘَﻮ ﱠَﻫﻤْ ﻨَﺎ أن اﻟﻨﺎس ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﻴﻜﻮﻧﻮن أﺳﻌﺪ
ﻋﻴﺸﺎ وأﻛﺜﺮ ﺣﺮﻳﺔ وأﻗﻞ ﺷﻌﻮ ًرا ﺑﺎﻟﺘﻘﻠﻘﻞ واﻻﺿﻄﺮاب ،واﻟﺤرية ﺑني اﻟﻘﺪﻳﻢ املﺸﻨﻮء وأرﻏﺪ ً
اﻟﺬي ﻳﺘﺰﻟﺰل ،واﻟﺠﺪﻳﺪ املﺄﻣﻮل اﻟﺬي ﺑَﺪ ْ
َت ﺑﺸﺎﺋﺮه.
وﺣﴬﻧﻲ وأﻧﺎ أﻓﻜﺮ ﰲ ﻫﺬا ﻣﺜﺎ ٌل ﻗﺮﻳﺐ ،ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﰲ اﻟﺠﻴﻞ اﻟﺬي ﻣﴣ ﻧﺴﺨﻂ ﻋﲆ
اﻟﺤﺠﺎب وﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺑني اﻟﺮﺟﺎل واﻟﻨﺴﺎء ،وﻛﺎﻧﺖ ﺑﺸﺎﺋﺮ اﻟﺴﻔﻮر ﻗﺪ ﺑَﺪ ْ
َت،
وﻟﻜﻦ أَﻣَ َﻠﻨَﺎ ﻳﻮﻣﺌ ٍﺬ ﰲ إدراك ﻋَ ﻬْ ﺪه واﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑﻪ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻌﻠﻮ ﺑﻨﺎ اﻟﺴﻦ وﺗﻔﱰ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ
63
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
وﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ ﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻟﻨﺎ ﺑﻌﻴﺪًا .وﻗﺪ أدر ْﻛﻨَﺎ زﻣﻦ اﻟﺴﻔﻮر ﺑﺄﴎع ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ
ﻧﺘﺼﻮر ،ووﺛﺒْﻨَﺎ إﻟﻴﻪ ﰲ أوﺟﺰ ﻣﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧ ُ َﻘﺪﱢر ،وﻗﺒﻞ أن ﺗﺮﺗﻔﻊ أﺳﻨﺎن وﻳﻨﻀﺐ ﻣَ ﻌِ ني اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ
ﻓﻴﻨﺎ ،ﻏري أﻧﱠﺎ ﺑﻌﺪ أن ِﴏْﻧﺎ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺎل اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﻛﻨﺎ ﻧﺤﻠﻢ ﺑﻪ ،وﻧﺘﻄﻠﻊ إﻟﻴﻪ ،وﻧﺘﺨﻴﻞ
ض وﻟﻢ ﻧ َ ْﻘﻨﻊ .وﻟﺴﻨﺎ اﻵن ﰲ ﺣﺎﴐﻧﺎ ﻧﻨﻈﺮ إﱃ أن اﻟﺤﻴﺎة ﺳﺘﻜﻮن أﻫﻨﺄ وأﻃﻴﺐ ،ﻟﻢ ﻧ َ ْﺮ َ
ﻣﺎ ﻛﺎن ،ﺑﻞ ﻧﺤﻦ ﻧﻨﻈﺮ إﱃ ﺗﻴﺎر اﻟﺰﻣﻦ واﺗﺠﺎﻫﻪ ،وﻧﻘﻮل :إﻧﻪ ﻳﻨﺤﺪر إﱃ ﺳﺎﺣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ
ﺿﺒْﻂ اﻟﻨﺴﻞ .واﻟﺸﺠﺮة — ﻛﻤﺎ ﻻ أﺣﺘﺎج ف اﻹﻧﺴﺎن َ أوﺳﻊ وأرﺣﺐ ،وﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻋَ َﺮ َ
أن أﻗﻮل — ﺗُﻌْ َﺮف ﺑﺜﻤﺮﻫﺎ ،ﻓﺤﻴﺚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺛﻤﺮة ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻠﻤﺮء أن ﻫﻨﺎك ﺷﺠﺮة ،ﻓﻬﻲ
ﻏري ﻣﻮﺟﻮدة ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ،وإن ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻫﻨﺎك.
ﻻ … ﻟﻢ ﻧﺨﴪ ﺑﺄن ُﺧﻠ ِْﻘﻨﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﺎن؛ وﻟﻴﺴﺖ اﻟﻌﻠﺔ أﻧﻨﺎ ﻣﻮﺟﻮدون ﰲ زﻣﺎن
دون آﺧﺮ ،ﺑﻞ اﻟﻌﻠﺔ أن اﻟﻌﻤﺮ إﱃ اﻧﺘﻬﺎء ،وأن اﻟﺤﻴﺎة إﱃ ﻧﻔﺎد ،ﻛﺎﺋﻨًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺰﻣﻦ اﻟﺬي
ﺣﴪات ﻋﲆ ﻣﺎ ﻋﴗ أن ﻳﻜﻮن اﻟﻐﻴﺐ ﻣﻨﻄﻮﻳًﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ٍ ﻧﺤﻦ ﻓﻴﻪ؛ وﻻ ﺧري ﰲ ﺗﻘﻄﻴﻊ اﻟﻨﻔﺲ
َ
ﴫ َﻫﻤﱠ ﻪ ﻋﲆ ﺣﺎﴐه ،ﻓﺈﻧﻪ ﻫﻮ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳُﻀﻴﱢﻊ ﻛﻞ ﳾء وأﺣﺠﻰ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎن أن ﻳ ُْﻘ ِ َ
ﺿﻴﱠﻌَ ﻬﺎ .وﻣﻬﻤﺎ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﺗﺴﺎع ﻧﻄﺎق اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﺈن ﺣﻴﺎة اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻻ إذا ﻫﻮ َ
ﺗﻨﺘﻈﻢ إﻻ ﺑﺎﻟﻘﻴﻮد واﻟﺤﻮاﺟﺰ واﻷﺳﺪاد .وﺳﺘﻈﻞ ﻫﻨﺎك ﻗﻴﻮد ﻣﻦ ﴐوب ﺷﺘﻰ.
ُ
وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻣﺎذا ﻳﻨﻘﺼﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ زﻣﺎﻧﻨﺎ ﻫﺬا؟ أﻟﺴﻨﺎ ﻧﺼﻨﻊ ﻣﺎ ﻧﺤﺐ ﻛﻤﺎ ﻧﺤِ ﺐﱡ
وأﻏﻼﻻ ﻏري ﻗﻠﻴﻠﺔ أو ﻫﻴﻨﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻘﻴﻮد ﻫﻲ ً وﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﺐ؟ وﻻ ﺷﻚ أن ﻫﻨﺎك ﻗﻴﻮدًا
اﻟﺘﻲ ﺗُ ْﻜ ِﺴﺐ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻄﻌﻢ وﺗﻔﻴﺪﻫﺎ املﺰﻳﺔ واﻟﻔﻀﻴﻠﺔ .وﻟﺴﺖ أُﺣَ ِﺎول أن أُﻋَ ﱢﺰي ﻧﻔﴘ ﺑﻬﺬا
ﻒ. اﻟﻜﻼم أو أﻏﺎﻟﻄﻬﺎ ﺑﻪ ،ﺑﻞ أﻧﺎ أوﻣﻦ ﺑﺄن اﻷﻣﺮ ﻛﻤﺎ أﻗﻮل واﻟﺤﺎل ﻋﲆ ﻣﺎ أ َ ِﺻ ُ
ض ﻃﺮﻳﻘﻪ اﻷﺳﺪاد ،وﻟﻢ ﻳَﻤْ ﻨَﻌْ ُﻪ ﺼ ﱠﻮ ْر أن املﺎء املﺘﺤﺪر ﻣﻦ اﻟﺠﺒﺎل أو ﻏريﻫﺎ ﻟﻢ ﺗَﻌْ َ ِﱰ ْ وﺗَ َ
ﳾء أن ﻳﻈ ﱠﻞ ﻳﺘﺪﻓﻖ وﻳﻨﺘﴩ ﻋﲆ وﺟْ ﻪ اﻷرض ﺣﺘﻰ ﻳﺬﻫﺐ أو ﻳﻨﺘﻬﻲ إﱃ اﻟﺒﺤﺮ ،أﻛﺎن ﻣﻦ
ﻣﺜﻼ؟ وﻗﺪ ﻻ ﺗﻜﻮن ﺛ َ ﱠﻢ ﺣﺎﺟﺔ إﱃ اﻟﺒﺤرية ،وﻗﺪ ﺗﺤﺘﺎج املﻤﻜﻦ ﰲ ﻇﻨﻚ أن ﺗﺘﻜﻮن ﺑﺤرية ً
اﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﰲ وﻗﺖ ﻣﺎ إﱃ ﻣَ ﺤْ ﻮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﻮد ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻻ ﻳﺆﺛﺮ ﰲ اﻟﻘﻀﻴﺔ ،وﻻ ﻳﻨﻔﻲ أن
اﻟﺒﺤرية إﻧﻤﺎ ﺗﺘﻜﻮن ﺑﻔﻀﻞ اﻷﺳﺪاد اﻟﺘﻲ ﻳﻠﻘﺎﻫﺎ املﺎء وﻫﻮ ﻳﺠﺮي.
واﻟﻄﻴﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗُﺤَ ﱢﻠﻖ ﰲ اﻟﺠﻮ وﺗﻨﻘﻠﻨﺎ إﱃ ﺣﻴﺚ ﻧﺤﺐ ،وﺗُ َﻘ ﱢﴫ املﺴﺎﻓﺎت ،وﺗﻄﻮي
اﻷﺑﻌﺎد ،واﻟﺘﻲ ﻧَﻌُ ﺪﱡﻫﺎ ﻣﻦ آﻳﺎت ﻫﺬا اﻟﻌﴫ ،ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻟﻮﻻ ﻣﻘﺎوﻣﺔ
اﻟﻬﻮاء ﻟﺪﻓﻊ املﺤﺮك؟ ﺑﻞ ﻛﻴﻒ ﻛﺎن ﻳﺘﺴﻨﻰ أن ﺗﺘﺤﺮك ﻟﻮﻻ ﻫﺬه املﻘﺎوﻣﺔ؟! وﻟﺴﺖ أﻋﺮف
ﺷﻴﺌًﺎ ﰲ ﻫﺬه املﺴﺎﺋﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﺈﻧﻲ ِﻣ ْﻦ أﺟﻬﻞ ﺧﻠﻘﻪ — ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ وﺗﻌﺎﱃ وﺗَﻨ َ ﱠﺰ َه ﻋﻦ اﻟﻌﺒﺚ
— وﻟﻜﻨﻲ ا ْﻟﺘَ َﻔ ﱡﺖ إﱃ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻳﻮﻣً ﺎ وﻛﻨﺖ ﰲ ﻃﻴﺎرة ،وإﻧﺎ ﻓﻴﻬﺎ ملﴪورون ﻣﻐﺘﺒﻄﻮن ﺑﻬﺬا
64
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﺘﺤﻠﻴﻖ .وإذا ﺑﻬﺎ ﺗﺴﻘﻂ ﻛﺎﻟﺤﺠﺮ ﻣﺎﺋﺔ وﺧﻤﺴني ﻗﺪﻣً ﺎ — ﻋﲆ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﱄ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ —
وﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﻴﻬﺔ ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻗِ َﴫﻫﺎ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﻗﴗ ﻣﺎ ﺟﺮﺑﺖ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻲ،
أﺣﺴﺴ ُﺖ أن ﻗﻠﺒﻲ ﺻﺎر ﰲ ﺣﻠﻘﻲ ِﻣ ْﻦ ﻓِ ﻌْ ﻞ اﻟﺴﻘﻮط املﻔﺎﺟﺊ ﻻ ﻣﻦ اﻟﺨﻮف ،ﻓﻤﺎ ْ ﻓﻘﺪ
اﺗﺴﻊ اﻟﻮﻗﺖ ﻟﺨﻮف أو رﺟﺎء .ﺛﻢ ﻋﺎدت اﻟﻄﻴﺎرة ﻓﻤﻀﺖ ﺑﻨﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ ،و َﻛ ﱠﺮ ْت إﱃ ِﻣﺜْﻞ
ْت أﻧﴗ أن أﺳﺄل ﻋﻦ اﻻرﺗﻔﺎع اﻷول ،ﻓﻠﻢ أﻓﻬﻢ ﺳﺒﺐ ﻫﺬه اﻟﺴﻘﻄﺔ املﺰﻋﺠﺔ؛ ﻓﻠﻤﺎ ﻧﺰﻟﻨﺎ ِﻛﺪ ُ
ْت إﱃ اﻟﻄﻴﺎر ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪ: اﻟﴪ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﺪث ،وﻟﻜﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮت ﺑﻌﺪ أن ﻣﺸﻴﺖ ﺧﻄﻮات ،ﻓﺎرﺗﺪد ُ
أﺣﺴﺴ َﺖ ﺷﻴﺌًﺎ؟ ﻗﻠﺖ :ﻛﻴﻒ ﻻ ْ ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﻟﻘﺪ ﺳﻘﻄﻨﺎ ﰲ اﻟﻬﻮاء ،ﻓﻤﺎ ﺳﺒﺐ ذﻟﻚ؟ ﻗﺎل :ﻫﻞ
ﻓﺮاﻏﺎ .ﻗﻠﺖ :ﻛﻴﻒ؟! واﺳﺘﻐﺮﺑ ُْﺖ ،ﱠ َ
ﻓﺒني ﺻﺎدﻓﻨَﺎ ً
ْ أُﺣِ ﱡﺲ وﻗﺪ ﻛﺎدت أﻧﻔﺎﳼ ﺗﺘﻘﻄﻊ؟ ﻗﺎل :ﻟﻘﺪ
ﱄ أن ﺑﻌﺾ ﻃﺒﻘﺎت اﻟﺠﻮ ﺗﺨﻠﻮ — ﻷﺳﺒﺎب ﺷﺘﻰ ﻧﺴﻴﺘُﻬﺎ — ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء ،ﻓﺘﺼﺒﺢ ﻓﺎرﻏﺔ،
َﺧ َﻠﺖ اﻟﻄﻴﺎرة ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﺮاغ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ أن ﺗﺠﺘﺎزﻫﺎ؛ ﻷن اﻟﻬﻮاء ﻫﻮ اﻟﺬي ﻳﻌﻴﻨﻬﺎ ﻓﺈذا د َ
ﺑﻤﻘﺎوﻣﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﻄريان ،وﻟﻬﺬا ﺗﺴﻘﻂ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﺎرﻏﺔ ﻓﻴﺘﻴﴪ ﻟﻬﺎ أن
ﺗﻤﴤ ﰲ ﻃرياﻧﻬﺎ ،وذَ َﻛ َﺮ ﱄ أن املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺻﺎدﻓﻨﺎﻫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ أﻛﱪ ﻣﺎ ﻟﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻔﺮاغ
ﻣﺬ رﻛﺐ ﻃﻴﺎرة.
وﻗﺪ ﻋَ ﻠ َِﻖ ﺑﺬﻫﻨﻲ ﻫﺬا ودار ﰲ ﻧﻔﴘ ﻣﻦ ﻳﻮﻣﺌﺬٍ ،ﻓﺄﺿﻔﺘﻪ إﱃ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮف ﻣﻦ ﻓﻀﻞ
اﻟﺤﻲ ﻣﻘﺎوَﻣﺔ .وﻛﻴﻒ ﱡ املﻘﺎوَﻣﺔ ،ﺑﻞ ﴐورﺗﻬﺎ ،ﻓﺈﻧﻲ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ ﺗﺼﻮﱡر ﺣﻴﺎة ﻻ ﻳﻠﻘﻰ ﻓﻴﻬﺎ
ﺗﻜﻮن ﻳﺎ ﺗُ َﺮى ﻫﺬه اﻟﺤﻴﺎة إذا أﻣﻜﻦ أن ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻴﺎة ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ؟ ﻻ أدري ،وﻻ أﺣﺴﺐ
أن أﺣﺪًا ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺰﻋﻢ أن ﰲ وﺳﻌﻪ ﺗﺨﻴﱡﻠﻬﺎ … ﻣﺎذا ﻳَﺪ َْﻓﻊ ﻓﻴﻬﺎ إﱃ اﻟﻌﻤﻞ وﻳ ُْﻐ ِﺮي
ﺑﺎﻟﺴﻌﻲ ،وﻳﺒﻌﺚ ﻋﲆ اﻟﻄﻤﻮح؟ اﻟﺤﺐ اﻟﺬي ﻫﻮ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ إﱃ ﺣِ ْﻔﻆ اﻟﻨﻮع ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ،ﻛﻴﻒ
ﻳﻜﻮن ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ وﻻ ﻣﻘﺎوَﻣﺔ ﻫﻨﺎك وﻻ ﻋﺎﺋﻖ وﻻ ﺻﻌﺎب ،وﻻ ﻋﺮاﻗﻴﻞ وﻻ ﺣﻮاﺟﺰ ﻣﻦ اﻟﻌﺮف أو
اﻟﻘﺎﻧﻮن أو ﻏري ذﻟﻚ؟ أﺗﺮاه ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻬﻮًا وﻋﺒﺜًﺎ وﻣَ ْﺴ َﻼة؟ وﻛﻴﻒ ﺗﻜﻮن ﻟﻪ ﻟﺬة اﻟﻠﻬﻮ وﻣﺘﻌﺔ
أﺻﻼ؟ أم ﺗﺮى ﻳﻨﺤﻂ ﻓﻴﻨﻘﻠﺐ ﻣﺠﺮد رﻏﺒﺔ ً اﻟﻌﺒﺚ وﻣﺰﻳﺔ اﻟﺘﺴﲇ وﻫﻮ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻮﺟﺪ
ﻋﺎرﺿﺔ واﺷﺘﻬﺎء زاﺋﻞ ﺑﺰوال دواﻋﻴﻪ اﻟﻮﻗﺘﻴﺔ؟ وﻛﻴﻒ ﺗﻨﺸﺄ اﻟﺮﻏﺒﺔ؟ وﻣﺎذا ﻳﺸﺤﺬ اﻟﺸﻬﻮة
وﻻ ﳾء ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ املﻮاﻧﻊ؟!
ود َِع اﻟﺤﺐ واﻧﻈﺮ ﰲ ﻏريه واﺳﺄل ﻧﻔﺴﻚ ،ﻣﺎذا ﻋﺴﺎك أن ﺗﻄﻠﺐ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ وﻻ ﻋُ ْﴪ ﻫﻨﺎك
وﻻ ﻋﻨﺎء وﻻ ﺧﻮف ﻣﻦ ﺣﺮﻣﺎن؟ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻋﻘﺒﺔ ﻫﻨﺎك وﻻ ﺻﻌﻮﺑﺔ وﻻ ﻣﻘﺎوَﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﻮال أو
اﻟﺤﻆ أو اﻟﻨﺎس أو اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ،أو ﻏري ذﻟﻚ ﻣﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺑﻪ املﻘﺎوَﻣﺔ.
وﻳﻄﻮل ﺑﻲ اﻟﻜﻼم إذا أﻧﺎ أﺣﺒﺒﺖ أن أﺗﻘﴡ وﺟﻮه ﻫﺬا اﻷﻣﺮ .وﻣﺎ اﻟﺪاﻋﻲ إﱃ اﻹﻃﺎﻟﺔ
ﴪ أﺣ ٌﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ﺑﺄن ُﺧﻠ َِﻖ ﰲ واملﺴﺄﻟﺔ واﺿﺤﺔ .ﻛﻼ ،ﻟﻢ أﺧﴪ ﺑﺄن ُﺧﻠ ِْﻘ ُﺖ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺰﻣﻦ ،وﻻ َﺧ ِ َ
65
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
زﻣﻨﻪ؛ وإﻧﻤﺎ ﻳﻨﻈﺮ اﻹﻧﺴﺎن إﱃ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻄﻴﻊ وﻳﻘﻴﺴﻪ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻲ ﻓريى ا ْﻟﺒَﻮ َْن ﻋﻈﻴﻤً ﺎ
واﻟﺒﻌﺪ ﻛﺒريًا واملﺴﺎﻓﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑني املﻄﻠﻮب واملﻮﺟﻮد ،ﻓﻴﺘﻮﻫﻢ أن ذﻟﻚ إﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﻜﺬا؛ ﻷن
ﺣﻘﻴﻘﺎ أن ﻳﻜﻮن أَﻣَ ﻠُﻪً ﰲ اﻟﺰﻣﻦ ﻋﻴﺒًﺎ وﰲ أﺣﻮاﻟﻪ ﻓﺴﺎدًا ،وأﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎن ﰲ زﻣﻦ آﺧﺮ ﻟﻜﺎن
ﺗﻮﻓﻴﻘﺎ .وﻫﺬا و َْﻫﻢ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ،ﻓﺈن رﻏﺎﺋﺐ اﻹﻧﺴﺎن ﰲ أي ٍ
زﻣﻦ ً وﺳﻌْ ﻴُﻪ أﻋﻈﻢ أﻗﺮب ً
ﻣﻨﺎﻻ َ
ﺼﻮﱢر أﻣْ ﺮ أ َ ْﻛﺜ َ ُﺮ ﻣﻤﺎ ﻳَﺒْﻠُﻎ وﻳَﻨَﺎل .واﻟﺬي ﻳﺴﻤﺢ ﻟﺮﻏﺒﺘﻪ ﺑﺄن ﺗﻄﻐﻰ إﱃ ﻫﺬا اﻟﺤﺪ ﺣﺘﻰ َﻟﺘُ َ
اﻟﺤﻴﺎة ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ املﻘﻠﻮب ،ﺗﻜﻮن ﺷﻬﻮﺗﻪ أﻗﻮى ﻣﻦ إدراﻛﻪ أو إرادﺗﻪ أو أﻋﺼﺎﺑﻪ إذا
ﺷﺌﺖ.
∗∗∗
وﺟﺪت ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أﻧﻲ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أُﺣِ ﺐﱠ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻳﺪ املﺮأة ﻣﻦ اﻟﺮﺟﻞ .وﻟﺴﺖ أﻋﻨﻲ أﻧﻲ
ﻋﻤﻼ ﻏري ذﻟﻚ ،ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺐ اﻟﻄﻌﺎم اﻟﺠﻴﺪ ﻋﺎﺟﺰ ﻋﻦ اﻟﺤﺐ ،ﻓﻤﺎ أﻋﺮف ﱄ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ ً
ﱠ
واﻟﺼﺪِﻳﻖ املﻮاﻓﻖ اﻟﺬي ﻻ واﻟﴩاب اﻟﻠﺬﻳﺬ واﻟﻨﻮم اﻟﻬﻨﻲء واﻟﺮاﺣﺔ اﻟﺘﺎﻣﺔ ،وأﺣﺐ اﻟﻜﺘﺐ
ﻳُﻨ َ ﱢﻐﺺ اﻟﺤﻴﺎة ﻋﲆ ﺻﺎﺣﺒﻪ ﺑﻄﻮل املﺨﺎﻟﻔﺔ وﻛﺜﺮة املﻜﺎﺑﺮة ودوام اﻟﺸﺬوذ .وأﺣﺐ أﺷﻴﺎء
ﻛﺜرية ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أُﺣْ ِﺼﻴﻬﺎ ،وﻟﻜﻨﻲ أﺣﺐ ﻧﻔﴘ ،وﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺒﻼء اﻷﻛﱪ .وﻟﻴﺲ ﻫﻮ ﺑﺒﻼء
ْت اﻟﺤﻖ ،وﻟﻜﻦ املﺮأة ﺗﺮاه ﻛﺬﻟﻚ .وﻋﻨﺪﻫﺎ أﻧﻚ ﺗﺒﻴﻊ ﻧﻔﺴﻚ ﺣني ﺗﺤﺒﻬﺎ .وﻻ ﺑﺄس إذا أرد ُ
وﺗﻜﻒ ﻋﻨﻪ .وﻫﻞ ﻳُﻌْ َﻘﻞ
ﱠ ﺑﺄن ﻳﺒﻴﻊ املﺮء ﻧﻔﺴﻪ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻟﻜﻦ ﺑﻴﻌﻬﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻠﺰم أن ﺗﱰك ﺣﺒﻬﺎ
أن ﺗﻔﻴﺾ ﺑﺤﺒﻚ ﻋﲆ اﻟﻨﺎس واﻷﺷﻴﺎء وﻻ ﺗﺨﺺ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺒﻌﺾ ﻫﺬا »اﻟﻔﻴﻀﺎن«؟ ﻏري أن
ﻏري املﻌﻘﻮل ﻋﻨﺪك ﻫﻮ املﻌﻘﻮل ﻋﻨﺪﻫﺎ ،واﻟﺬي ﻻ ﻳﺠﻮز ﺧﻼﻓﻪ وﻻ ﺻﱪ ﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺳﻮاه،
ﻓﻬﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ ذﻟﻚ ﺗﺴﻮﱢد ﻋﻴﺸﻚ وﺗﺮﻳﻚ اﻟﻨﺠﻮم ﰲ اﻟﻈﻬﺮ اﻷﺣﻤﺮ.
ﻋﲆ أن اﻟﺮﺟﻞ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺨﻔﻲ ﺣﺒﻪ ﻟﻨﻔﺴﻪ أو ﻳﻤﻮ َﱢﻫﻪ وﻳﺴﱰه ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺠﺒﻪ؛ وﻻ
ﴪا ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬا ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ،وﻻ ﻳﺰال ﻳﻌﺰو أﻋﻤﺎﻟﻪ إﱃ ﺑﻮاﻋﺚ أﺧﺮى أﻇﻦ أن ﰲ ﻫﺬا ﻋُ ْ ً
ﻣﺜﻼ ﻳﺄﻛﻞ ﻻ ﻷﻧﻪ ﻳﺸﺘﻬﻲ اﻟﻄﻌﺎم؛ ﺑﻞ ﻷن ﻣﻦ ﻳﻈﻨﻬﺎ أﴍف وأﺳﻤﻰ ﻣﻦ ﺣﺐ اﻟﻨﻔﺲ ،ﻓﻬﻮ ً
واﺟﺒﻪ أن ﻳﺤﺮص ﻋﲆ أن ﻳﻈﻞ ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ ﺧﺪﻣﺔ اﻟﻨﻮع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ؛ وﻗ ِْﺲ ﻋﲆ ﻫﺬا .ﻏري
ﻣﺜﻼ أن ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ أن ﻫﻨﺎك ﻣﺎ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ َﺳ ْﱰه وﻛﺘﻤﺎﻧﻪ أو ﺗﻤﻮﻳﻬﻪ ،إذ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ ً
أن ﺗﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻴﻤني وأن ﺗﺮوح ﺗﺰﻋﻢ أﻧﻚ إﻧﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺸﻤﺎل ،ﻓﺈن اﺗﺠﺎه اﻟﻌني ﻻ
ﻳﺨﻔﻰ ،وﻟﻔﺘﺔ اﻟﻮﺟﻪ ﻻ ﻣﻐﺎﻟﻄﺔ ﻓﻴﻬﺎ .ﻓﺈذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﻈﺮة إﱃ اﻣﺮأة وأﻧﺖ ﻣﻊ أﺧﺮى ﻓﺎﻟﻮﻳﻞ
ً
ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻨﻚ. ﻟﻚ وﻟﺴﺖ
ﻗﺎﻟﺖ ﱄ ﻣﺮة إﺣﺪاﻫﻦ وأﻧﺎ ﻣﻌﻬﺎ — وﻗﺪ رأت ﻋﻴﻨﻲ ﺗﺪور» :ﺑﺺ ﻫﻨﺎ« ،وﺟﺬﺑﺘﻨﻲ ﻣﻦ
ذراﻋﻲ ،ﻓﻘﻠﺖ وأﻧﺎ ﻣﺴﺘﻐﺮب» :وملﺎذا ﻻ أﺑﺺ ﻫﻨﺎك؟« ﻗﺎﻟﺖ» :ﻛﺪه!« ﺑﻬﺬا اﻹﻳﺠﺎز اﻟﺬي ﻻ
66
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻳﻔﻴﺪ ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻓﻘﻠﺖ» :ﻛﺪه ﻳﻌﻨﻲ ﻣﺎذا؟« ﻗﺎﻟﺖ» :ﻛﺪه!« وﻟﻢ ﺗَ ِﺰدْ ،ﻓﻀﺎق ﺻﺪري ،ﻓﻘﺪ ﻋﺠﺰت
ﴎ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ا ُملﺘْﻌِ ﺐ أو ﺣِ ْﻜﻤﺘﻪ ،وﻗﻠﺖ» :ﻳﺎ ﺳﺘﻲ ،إن ﷲ ﻗﺪ ﺧﻠﻖ ﻋﻴﻨﻲ ﻣﺘﺤﺮﻛﺔ
أن أﻓﻬﻢ ِ ﱠ
ﻏري ﺛﺎﺑﺘﺔ ،ﻓﻜﻴﻒ أ ُ ْﻟ ِﺰﻣﻬﺎ اﻟﺜﺒﺎت؛ ﺛﻢ ﻫﺒﻴﻨﻲ اﺳﺘﻄﻌﺖ ذﻟﻚ ﻓﻠﻤﺎذا أﺗﻜﻠﻔﻪ؟«
ﻓﻘﺎﻟﺖ» :ﻋﻴﺐ«.
ﻓﺼﺤﺖ» :ﻋﻴﺐ؟ ﻳﺎ ﺧﱪ أﺳﻮد!«
ﻓﻘﺎﻟﺖ» :ﻻ ﻳﻠﻴﻖ أن ﺗﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ«.
ﻃﻮﻳﻼ ،ﻓﻬﻞ ﺗﺴﻤﺤني ﺑﺄن ً ﻓﻔﻬﻤﺖ ،وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻗﺘﻨﻊ وﻗﻠﺖ» :إن ﱄ ﻋﲆ ﻫﺬا ردٍّا
ﺗﺴﻤﻌﻴﻪ؟«
ﻗﺎﻟﺖ ﺑﺘﻬ ﱡﻜﻢ» :ﻧﻌﻢ ﻳﺎ ﺳﻴﺪي …«
ﻓﺘﺠﺎ َو ْز ُت ﻋﻦ ﻟﻬﺠﺔ اﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ،إذ ﺣﺴﺒﻲ ﻣﻮﺿﻮع واﺣﺪ ﻟﻠﺨﻼف ،وﻗﻠﺖً :
»أوﻻ ،ملﺎذا
ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻔﺘﻴﺎت ﻟﻨﺎ ﻣﻌﺎﴍ اﻟﺮﺟﺎل ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ إذا ُﻛ ﱠﻦ ﻻ ﻳ ُِﺮد َْن أن ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﻦ أﺣﺪ؟ ﺛﺎﻧﻴًﺎ
ﻈﻬَ ْﺮ َن ﰲ ﺣﻔﻞ ﻣﻦ اﻟﺰﻳﻨﺔ إذا ﻛﺎن ﻻ ﻳﺮﺿﻴﻬﻦ أن ﻳﺪﻳﺮ اﻟﺮﺟﺎل — وﻫﺬا أﻫﻢ — ملﺎذا ﻳَ ْ
ﻓﻴﻬﻦ ﻋﻴﻮﻧﻬﻦ؟ ﺛﺎﻟﺜًﺎ — وﻫﺬا ﻫﻮ اﻷﻫﻢ — ﺑﺄي وﺟْ ﻪ أﻟﻘﻰ ﷲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ إذا ﻛﻨﺖ
ﺾ ﻋﻴﻨﻲ وأﺗﻜﻠﻒ اﻟﻌﻤﻰ وﻻ أﻧﻈﺮ إﱃ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺗﻪ اﻟﺘﻲ أَﺑْﺪَﻋَ ﻬَ ﺎ؟ وﻗﺪ َﺧ َﻠ َﻖ ﱄ ﻋﻴﻨني ﻓﻼ أ ُ ْﻏ ِﻤ ُ
ﻋُ ﺬْ َر ﱄ ،ورزﻗﻨﻲ ﻏري ذﻟﻚ وﺳﺎﺋ َﻞ اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ إدراك ﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺠﻤﺎل ﰲ ﺧﻠﻘﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ!
أﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﻣﻤﺎ ﻳ ُْﺨ ِﺠﻠﻨﻲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ أﻧﻪ ﺗﻌﺎﱃ ﺧﻠﻘﻨﻲ ﺑﺼريًا ﻓﺂﺛ َ ْﺮ ُت اﻟﻌﻤﻰ،
ﻓﻔ ﱠﻀ ْﻠ ُﺖ اﻟﺠﻬﻞ واﻟﺒﻼدة؟ … وأﺧريًا — ﻻ آﺧ ًﺮا — ﻣﺎ اﻟﴬر ﻋﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل وﻣُﺤِ ٍّﺴﺎ ُﻣﺪ ِْر ًﻛﺎ َ
ﻈ ْﺮ ُت إﻟﻴﻬﺎ؟ ﻫﻞ أﻧﺎ أ َ َﻛ ْﻠﺘُﻬﺎ ﺑﻌﻴﻨﻲ؟ ﻫﻞ ﴪ ْت اﻟﻔﺘﺎة اﻟﺘﻲ ﻧ َ َ ﻣﻦ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﻨﺎس؟ ﻣﺎذا َﺧ ِ َ
ﺼ ْﺖ ﺷﻴﺌًﺎ؟ إﻧﻲ أراﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻜﺲ ﻗﺪ زادت ،ﻧﻌﻢ زادت ،ملﺎذا ﺗﻨﻈﺮﻳﻦ إﱄ ﱠ ﻫﻜﺬا؟ ﻫﻞ ﻧ َ َﻘ َ
إﺣﺴﺎﺳﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻣﺆﻳﱢﺪًا ﻹﺣﺴﺎﺳﻬﺎ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ، ً ﻄ ْﻘ ُﺖ ﻛﻔ ًﺮا؟ أﻗﻮل ﻟﻚ :زادت ﻷﻧﻬﺎ اﺳﺘﻔﺎدت ﻧَ َ
وﻟﻮ ُﻛﻨ ْ ُﺖ ﻟﻢ أﻧﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺧﻠﻴﻘﺔ أن ﻳﺴﺎورﻫﺎ اﻟﺸﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﺗُﺤِ ﱡﺲ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ أو ﺗﻌﺘﻘﺪ،
ﻓﺄﻧﺎ ﻗﺪ أ َ َﻓ ْﺪﺗُﻬﺎ راﺣﺔ اﻟﺒﺎل واﻃﻤﺌﻨﺎن اﻟﺨﺎﻃﺮ ،وإﻧﻲ ﻟﺠﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻋﲆ ﻫﺬا ،ﻻ اﻟﻠﻮم«.
ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺑﻲ ﺑﻌﺪ ﻃﻮل اﻟﺼﻤﺖ» :ﻃﻴﺐ ،اﺳﻜﺖ ﺑﻘﻰ«.
ﻗﻠﺘﻦ :ﻃﻴﺐ ،اﺳﻜﺖ ﱠ ﺿ ِﺠﺮ» :ﻫﻜﺬا أَﻧْﺘُ ﱠﻦ ﻳﺎ ﻧﺴﺎء؛ إذا أﻋْ َﻮ َزﺗْ ُﻜ ﱠﻦ اﻟﺤﺠﺔ ﻓﻘﻠﺖ — وأﻧﺎ َ
ﺑﻘﻰ! وﻟﻜﻨﻲ ﻻ أﻧﻮي أن أﺳﻜﺖ »ﺑﻘﻰ« ،ﻓﻘﺪ ُﻣ ﱢﺮن ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻋﲆ اﻟﺪوران ،وأﻧﺎ أُﺣِ ﱡﺲ اﻟﻴﻮم
أﻧﻲ أوﺷﻚ أن أﻗﻮل ﻛﻼﻣً ﺎ ﺑﺪﻳﻌً ﺎ …«
ﻓﺼﺎﺣﺖ ﺑﻲ» :أﻧﺎ ﻣﻌﻚ ،ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﻏريي؟«
67
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﻓﻘﻠﺖ — وﻗﺪ َﻓ ِﻬﻤْ ُﺖ» :آه! ﻫﺬه ﻫﻲ املﺴﺄﻟﺔ ،ﻗﻮﱄ ﻫﺬا ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺢ ﻳﺎ ﺳﺘﻲ ،ﻧﻌﻢ أﻧﺖ
ﻣﻌﻲ … وإﻧﻚ ﻟﺤﺴﺒﻲ ﻣﻦ ﻋﺎ َﻟﻢ اﻟﺠﻤﺎل واﻟﻔﺘﻨﺔ ،وﻟﻮ و َِﺳﻌَ ﻨِﻲ ﻏري ﻫﺬا ملﺎ ﻛﻨﺖ ﺣﺴﺒﻲ،
وﻟﻜﻨﻲ ﻗﺎﻧِﻊ ﻏري ﻣﺘﺬﻣﱢ ﺮ؛ ﻏري أﻧﻚ — ﻣﻊ اﻷﺳﻒ — ﻟﺴﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺴﺎء ،وأﻧﺖ ﺗُ ْﻐﻨِني ﻋﻦ
ِﺟﻨ ْ ِﺴﻚ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،وﻟﻜﻨﻚ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌني أن ﺗُ ْﻐﻨِﻲ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺠﻨﺲ ﰲ ﻛﻞ ﺣني ،وﻟﻴﺲ ذﻧﺒﻲ
أﻧﻚ ﻗﺎﴏة«.
ﻓﻘﺎﻃﻌﺘْﻨﻲ ﺻﺎﺋﺤﺔ» :ﻗﺎﴏة؟ … أﺷﻜﺮك«.
ﻗﻠﺖ» :ﻧﻌﻢ ،ﻗﺎﴏة ﻋﻦ اﺧﺘﺰال ﺟﻨﺴﻚ ﰲ ﺷﺨﺼﻚ اﻟﻮاﺣﺪ«.
ﻓﺄﺑ َْﺖ أن ﺗﺴﻤﻊ ﻣﻨﻲ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﻠﺖ» :ﻻ ﺣﻮل وﻻ ﻗﻮة إﻻ ﺑﺎهلل! اﻷﻣﺮ هلل … َﺳ َﻜﺘﻨﺎْ
ﻳﺎ ﺳﺘﻲ ،ﻓﻠﻌﻠﻚ ﻣﴪورة«.
وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﴪورة وﻟﻢ ﺗَ ْﻐﻔِ ْﺮﻫﺎ ﱄ ﻗﻂ ،وأﻧﺎ أﻗﻮل :ﺗﻐﻔﺮﻫﺎ ﺑﻐري ﺗﻌﻴني أو
ﺗﺒﻴني ،ﻷﻧﻲ وﷲ ﻻ أدري إﱃ ﻫﺬه اﻟﺴﺎﻋﺔ أي ﳾء أ َ ْﻏ َﻀﺒَﻬَ ﺎ وأﺛﺎر ﻧ ِْﻘﻤَ ﺘﻬﺎ ﻋﲇﱠ.
َث ﻣﺮة أن ﻛ ﱠﻠ َﻔﺘْﻨﻲ أن أﺷﱰي ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻛﻬﺔ ،وﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻬﺎ ﺗﺤﺐ اﻟﺠﻮاﻓﺔ ﺣﺒٍّﺎ ﺟﻤٍّ ﺎ، وﺣَ ﺪ َ
ﻓﺎﻧﺘﻘﻴﺖ ﺣﺒﺎت ﻃﻴﺒﺔ اﻟﺮاﺋﺤﺔ ذﻛﻴﺔ اﻟﻌﺒﻖ ،واﺷﱰﻳﺖ ﻟﻬﺎ ﻓﺎﻛﻬﺔ أﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ اﻟﺠﻮاﻓﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ املﻬﻤﺔ واﻟﺘﻲ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻜﻼم ،وذﻫﺒﺖ ﺑﺤِ ﻤْ ِﲇ إﻟﻴﻬﺎ ودﺧ ْﻠ ُﺖ ﺑﻪ ﺣﺠﺮة اﻻﻧﺘﻈﺎر،
وﻗﻠﺖ ﻟﺨﺎدﻣﺘﻬﺎ» :ﻗﻮﱄ ﻟﺴﻴﺪﺗﻚ ﺻﺒﺎح اﻟﺨري ﻳﺎ ﻧﻮر اﻟﻌﻴﻮن ،ﻟﻘﺪ ﺣﴬ ﺳﻴﺪك وﻧ ﱡِﻦ ﻋﻴﻨﻚ
أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ — وﻣﻌﻪ ﺣِ ﻤْ ﻞ ﺑﻌري ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻓﺔ ،ﺑﻞ ﻣﻦ أﺑﺪع اﻟﻴﻤﻨﻰ — واﻟﻴﴪى ً
أﻧﻮاﻋﻬﺎ«.
ﻃ ﱠﻠ ْﺖ ﺗﻠﻚ ﻣﻦ ﺑﺎب ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ — ﺑﻮﺟﻬﻬﺎ ﻓﻘﻂ — ﻓﺬﻫﺒَﺖ اﻟﺨﺎدﻣﺔ وأﺑْ َﻠ َﻐﺘْﻬﺎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ،ﻓﺄ َ
وﺻﺎﺣﺖ وﻫﻲ َﻓ ِﺮﺣَ ﺔ» :ﺻﺤﻴﺢ؟ ﺟﻮاﻓﺔ .ﺣﻠﻮة؟!«
وأﺧ َﺮﺟْ ُﺖ واﺣﺪة و َر َﻓﻌْ ﺘُﻬﺎ ﺑني أﺻﺎﺑﻌﻲ ،وأ َ َد ْرﺗُﻬﺎ أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻬﺎ، ﻓﻔﺘَﺤْ ُﺖ اﻟﻜﻴﺲ ْ َ
ﺣﺎﻻ ،دﻗﻴﻘﺔ واﺣﺪة« ،ود َ
َﺧ َﻠ ْﺖ. »ﺣﺎﻻً ،
ً ﻓﺎﺑﺘﺴﻤﺖ اﺑﺘﺴﺎﻣﺔ اﻟﴪور وﻗﺎﻟﺖ:
وﺑﻘﻴﺖ أﻧﺎ أﺗﻤﴙ ﰲ اﻟﺤﺠﺮة ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﲇ املﺮء ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻲ ﻛﺘﺎب ُ
أﻗﺮأه وأزﺟﻲ ﺑﻪ اﻟﻔﺮاغ ،ﻓﺠﻌﻠﺖ أﻗﻮم وأﻗﻌﺪ ،وأﻧﻈﺮ ﺗﺎرة ﰲ املﺮآة ،وأﻣﺴﺢ اﻟﻄﺮﺑﻮش
أﻳﻀﺎ ،ﻣَ َﺴﺤْ ﺘُﻪ ﻣﺮﺗنيﺗﺎرة أﺧﺮى ،وأﻧﻔﺾ ﻋﻨﻪ ﻣﺎ ﻋَ ﻠ َِﻖ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﱰاب ،وﻣَ َﺴﺤْ ُﺖ اﻟﺤﺬاء ً
ﺣﺘﻰ ﺻﺎر ِﺟ ْﻠﺪُه ﻛﺎملﺮآة ،وﺣﺘﻰ ﺣَ ﱠﺪﺛَﺘْﻨﻲ ﻧﻔﴘ أن أﺧﻠﻌﻪ وأﻧﻈﺮ إﱃ وﺟﻬﻲ ﻓﻴﻪ ،وﻟﻜﻨﻲ
ُ
ورﻓﻌﺖ ﺧِ ْﻔ ُﺖ أن ﺗﺪﺧﻞ ﻋﲇ ﱠ وأﻧﺎ أﻓﻌﻞ ذﻟﻚ ،وﺗﺄﻣ ْﻠ ُﺖ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺬي ُﻛ ِﺴﻴ َْﺖ ﺑﻪ اﻟﻜﺮاﳼ،
وﺟﺴﺴﺘُﻬﺎ وﻓﺮ ْﻛ ُﺖ َوﺑَ َﺮﻫﺎ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻲ ،ﺛﻢ ﻟﻢ أ َ ِﺟ ْﺪ ﺷﻴﺌًﺎ آﺧﺮ أﺻﻨﻌﻪ ﰲ ﻫﺬه ْ ﻃﺮف اﻟﺴﺠﺎدة
ﻛﺮﳼ ﻛﺒري وﺛري ،واﺿﻄﺠﻌْ ُﺖ وﰲ ﻣﺄﻣﻮﱄ إذا ﻧِﻤْ ُﺖ أن ﻻ ﺗﻮﻗﻈﻨﻲ ﱟ اﻟﻐﺮﻓﺔ ،ﻓﺎﻧﺤﻄ ْ
ﻄ ُﺖ ﻋﲆ
68
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
ﺣني ﺗﺪﺧﻞ .وﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أَﻧَﻢْ؛ ﻷن راﺋﺤﺔ اﻟﺠﻮاﻓﺔ اﻟﺬﻛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﻮﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺴﻴﺖ اﻟﻜﻴﺲ
اﻟﺬي ﻫﻲ ﻓﻴﻪ ﻣﻔﺘﻮﺣً ﺎ ﻓﺘﺴﻮﱠر إﱃ أﻧﻔﻲ أرﻳﺠُ ﻬﺎ ،وﻣﻸ ﺻﺪري وأدار رأﳼ ،ﻓﺄﺣﺴﺴﺖ
اﺧ ِﺰ َك ﻳﺎ ﺷﻴﻄﺎن« ﻏري ْت ﻋﲆ اﻟﻠﺠﺎم وﻗﻠﺖ» :اﻟﻠﻬﻢ ْ ﻄ ُﺖ ﻧﻔﴘ وﺷﺪد ُ ﺑﺎﻟﺠﻮع ،وﻟﻜﻨﻲ ﺿﺒ ْ
أن اﻟﺸﻴﻄﺎن ﺷﺪﻳﺪ اﻟﻐﻮاﻳﺔ ﻗﻮي اﻟﻔﺘﻨﺔ ،ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻘﻮل ﱄ» :وﻣﺎ ﺣﺒﺔ واﺣﺪة ﺗﺄﻛﻠﻬﺎ ﻓﺘُﻨِﻴﻢ
ﻓﻶﻛ ْﻞ ﺣﺒﺔ واﺣﺪة ﺑﻬﺎ ﻫﺬه اﻟﺜﻌﺎﻟﺐ اﻟﺘﻲ ﺗُﻤَ ﱢﺰق أﺣﺸﺎءك؟« ﻓﻘﻠﺖ» :وﷲ ﻟﻘﺪ ﺻﺪق اﻟﻠﻌني! ْ
ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻓﺔ اﻟﻠﺬﻳﺬة ،ﺛﻢ إن ﻫﺬا ﻋﺪل؛ أَﺣْ ِﻤﻠُﻬﺎ وأُﺣْ َﺮﻣُﻬﺎ! وأﻛﻮن ﻛﺎﻟﻌﻴﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻟﻮن :إﻧﻬﺎ
ﻳﻘﺘﻠﻬﺎ اﻟﻈﻤﺄ وﻫﻲ ﺗﺤﻤﻞ املﺎء ﻋﲆ ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺮب ،أو ﻛﺎﻟﺤﻤﺎر اﻟﺬي ﻳﺤﻤﻞ أﺳﻔﺎ ًرا؟«
ْت ﻳﺪي إﱃ اﻟﻜﻴﺲ وأﻧﺎ ﻳﻘﻈﺎن ﻛﻨﺎﺋﻢ ،وﺗﻨﺎ َو ْﻟ ُﺖ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻏري أن أﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ، وﻣﺪد ُ
وﻃﺎﺑﺖ اﻟﺠﻮاﻓﺔ ﰲ ﻓﻤﻲ ،ﻓﺄﻗﺒ ْﻠ ُﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ آ ُﻛ ُﻞ وآ ُﻛ ُﻞ — وﻟﻜﻦ ﺑﻐري اﺣﺘﻔﺎل وﷲ — وإذا
ﻒ ﰲ وﺳﻂ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﺆﻫﻠﺔ ﻣﺮﺣﱢ ﺒﺔ ﺑﺎﺳﻄﺔ ﻳﺪﻫﺎ ﻟﻠﺴﻼم ،ﺛﻢ إذا ﺑﻬﺎ ﺗَﻘِ ُ ﺑﺼﺎﺣﺒﺘﻨﺎ ﺗﺪﺧﻞ ﱢ
َ
اﻟﻔﺴﻴﺤﺔ وﻋﻴﻨﻬﺎ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﺟﺪٍّا ﻋﲇ ﱠ ﻓﻠﻢ أ ْﺳﺘَ ْﻐ ِﺮبْ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻓﻤﻲ ﻣﺤﺸﻮٍّا وأﺳﻨﺎﻧﻲ ﺗﻌﻤﻞ
داﺋﺒﺔ ﻛﺎﻟﻠﻴﻞ واﻟﻨﻬﺎر .وﺗﻨﺒﱠﻬْ ُﺖ إﱃ واﺟﺒﻲ ﺣني رأﻳﺘﻬﺎ ﺗﺤﻤﻠﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،ﻓﺒﻠﻌْ ُﺖ ً
ﻄ ُﺖ ﻋﻨﻘﻲ ﻟﻴ َْﺴﻬُ ﻞ اﻻﻧﺰﻻق — أﻋﻨﻲ اﻟﺒﻠﻊ — واﻧﺤﻨﻴﺖ ﻋﲆ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﰲ ﻓﻤﻲ ﺑﴪﻋﺔ ،وﻣﻄ ْ
ﴎﻫﺎ ﺑﻪ — أﻋﻨﻲ ﺑﺎﻟﺠﻮاﻓﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﻴﻪ — وإذا ﺑﻪ ﻳﻨﻄﺒﻖ اﻟﻜﻴﺲ ﻷﺗﻨﺎوﻟﻪ وأ ُ َﻗﺪﱢﻣﻪ إﻟﻴﻬﺎ وأ َ ُ ﱡ
ﺑني ﻳﺪيﱠ ﻷﻧﻪ ﻓﺎرغ!
ﺑﺎل أن آ ُﻛ َﻞ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻟﺠﻮاﻓﺔ؛ وﻟﻮ أن واﻟﺤﻖ أﻗﻮل إﻧﻲ ﺑ ُِﻬ ﱡﺖ ﻓﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺨﻄﺮ ﱄ ﰲ ٍ
َ َ
وأﺷﻔﻘ ُﺖ ﻋﲆ ﻧﻔﴘ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺬي ﻟﻢ أ ُﻛ ْﻦ أﺣْ َﺴﺐُ أن ْ إﻧﺴﺎﻧًﺎ راﻫﻨﻨﻲ أن أﻓﻌﻞ ﻟﻔﺰﻋْ ُﺖ،
ﴎﻧﻲ ﻫﺬا ﰲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑﻮاﻋﺚ اﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻋﲆ ً
اﺗﻔﺎﻗﺎ ،وﻗﺪ َ ﱠ ﱄ ﻗﺪرة ﻋﻠﻴﻪ و ََﻗ َﻊ
ﺻﺤﺘﻲ ،وﻛﺎن ﺟﺪﻳ ًﺮا ﺑﻬﺎ أن ﺗﻬﻨﺌﻨﻲ وﺗﻔﺮح ﱄ ،ﻓﺈن اﻟﺠﻮاﻓﺔ ﻛﺜرية وﻫﻲ ﰲ اﻟﺴﻮق أﻛﻮام
ْ
وﺟﻤﺖ ﻋﻈﻴﻤﺔ ،واﻟﺠﻴﺪ اﻟﻄﻴﺐ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻘﻠﻴﻞ ،وﺛﻤﻨﻪ ﳾء ﺗﺎﻓﻪ ﻻ ﻳ َْﺴﺘَﺤِ ﱡﻖ اﻟﺬﱢ ْﻛﺮ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ
ووﻗﻔ ْﺖ ﻻ ﺗﺘﺤﺮك ،ﻛﺄﻧﻤﺎ ُﺳﻤﱢ َﺮ ْت إﱃ اﻷرض ،ﻓﺄزﻋﺠﻨﻲ ذﻟﻚ وﺧِ ْﻔ ُﺖ َ ﻳﺎ أﺧﻲ ،ﻻ أدري ملﺎذا،
ْ َ
أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ أﺻﺎﺑﻬﺎ ﳾء — ﻻ ﻗ ﱠﺪ َر ﷲ — وأﻗﺒﻠ ُﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺳﺄﻟﻬﺎ ﻋﻤﺎ ﺟﺮى ﻟﻬﺎ ،ﻓﻠﻤﺎ
أﻓﺎﻗﺖ أﺷﺎرت ﺑﻴﺪﻫﺎ — دون أن ﺗﺘﻜﻠﻢ — أن :اذﻫﺐ ،اذﻫﺐ وﻻ ﺗُ ِﺮﻧِﻲ وَﺟْ ﻬَ ﻚ .ﻓﺎﺳﺘﻐﺮﺑ ُْﺖ
أن ﺗﻠﻘﺎﻧﻲ ﺑﻬﺬه اﻟﺠﻔﻮة ﺑﻌﺪ ذاك اﻟﱰﺣﻴﺐ واﻟﺘﺄﻫﻴﻞ واﻟ ِﺒ ْﴩ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻔﻴﺾ ﺑﻪ وَﺟْ ﻬُ ﻬﺎ
وﻫﻲ ﻣ ُِﻄ ﱠﻠﺔ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺑني ﻣﴫاﻋﻲ اﻟﺒﺎب ،وﺗﻤﻨﱠﻴ ُْﺖ ﻟﻮ أﻧﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ أﺑﺪًا ووﺟﻬﻬﺎ ﺑني املﴫاﻋني
ﻟﻴﺒﻘﻰ ﱄ ِﺑ ْﴩﻫﺎ وﺣﻼوة اﺑﺘﺴﺎﻣﻬﺎ.
69
ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻓﺬة
اﻟﺤﻖ إﻧﻲ ﻻ أﻓﻬﻢ اﻟﻨﺴﺎء ،وﻫﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻧﺖ أن ﺗﻔﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﻔﺴﺪ اﻟﺤﺎل وﺗﻘﻊ
اﻟﻨﱠﺒْﻮة ﺑني رﺟﻞ واﻣﺮأة ﻣﻦ أﺟﻞ أ ُ ﱠﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﻓﺔ ﺛﻤﻨﻬﺎ ﺑﻀﻌﺔ ﻗﺮوش! إن ﻛﻨﺖ ﺗﻔﻬﻢ ﻫﺬا
ﻓﺈﻧﻲ أﺣﺴﺪك وأدﻋﻮ ﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﻮﻓﻴﻖ إن ﺷﺎء ﷲ.
70
You might also like
- هكذا خلقت محمد حسين هيكلDocument224 pagesهكذا خلقت محمد حسين هيكلRazeus Selamanya100% (1)
- أديب ل طه حسينDocument109 pagesأديب ل طه حسينiman zoormanNo ratings yet
- ماجدولينDocument146 pagesماجدولينAksel Ait IchouNo ratings yet
- سارة PDFDocument120 pagesسارة PDFرضا محمد رضاNo ratings yet
- تأملات فكرية وفلسفيةDocument106 pagesتأملات فكرية وفلسفيةlarbighorfaNo ratings yet
- شرح ديوان المتنبي-البرقوقيDocument1,624 pagesشرح ديوان المتنبي-البرقوقيMohamedNo ratings yet
- 81918319Document78 pages81918319art & lifeNo ratings yet
- العبراتDocument136 pagesالعبراتomranyasir408No ratings yet
- إمراة من كمبو كديسDocument82 pagesإمراة من كمبو كديسحذيفة نايرNo ratings yet
- امرأة من كمبو كديسDocument82 pagesامرأة من كمبو كديسmohammedeltyebNo ratings yet
- مملكة العذارىDocument86 pagesمملكة العذارىtarekhimaya6No ratings yet
- زينبDocument194 pagesزينبDR-Miftahur Elbanjari MANo ratings yet
- هكذا يموتون - قصص لـ فكرية شحرةDocument131 pagesهكذا يموتون - قصص لـ فكرية شحرةsoltygirl16No ratings yet
- وهج الظهيرةDocument74 pagesوهج الظهيرةمحمد زاويNo ratings yet
- إعجاز القرآن والبلاغة النبويةDocument260 pagesإعجاز القرآن والبلاغة النبويةHafidz FidzNo ratings yet
- الكتب تسقي العقولDocument66 pagesالكتب تسقي العقولMohamed BenNo ratings yet
- أقوى من الحبDocument99 pagesأقوى من الحبSouadAg100% (1)
- أولاد حارتناDocument348 pagesأولاد حارتناkirelous atiaNo ratings yet
- مخيلة الخندريسDocument104 pagesمخيلة الخندريسMuddathir Adam AhmedNo ratings yet
- شرح ديوان المتنبيDocument1,624 pagesشرح ديوان المتنبيMaher ShabanNo ratings yet
- المنفلوطي - المجلد الأولDocument540 pagesالمنفلوطي - المجلد الأولAziz MirzoNo ratings yet
- المنفلوطي - المجلد الأولDocument540 pagesالمنفلوطي - المجلد الأولAziz MirzoNo ratings yet
- المنفلوطي - المجلد الأولDocument540 pagesالمنفلوطي - المجلد الأولAziz MirzoNo ratings yet
- أبو نواسDocument150 pagesأبو نواسMjNo ratings yet
- 3 قصص حب قصيرة رومانسية قبل النوم مشاعر واحاسيس دافئة وصادقةDocument4 pages3 قصص حب قصيرة رومانسية قبل النوم مشاعر واحاسيس دافئة وصادقةal9tretyNo ratings yet
- حياة الرافعيDocument262 pagesحياة الرافعيHasan NosirNo ratings yet
- الحجاب - مصطفى لطفي المنفلوطيDocument25 pagesالحجاب - مصطفى لطفي المنفلوطيSeif15No ratings yet
- Kotobati - رواية مجبرونDocument209 pagesKotobati - رواية مجبرونdrenahmadyacoubNo ratings yet
- سيدة القصورDocument91 pagesسيدة القصورAirbus330 Airbus330No ratings yet
- رحلة ابن فطومةDocument86 pagesرحلة ابن فطومةMarwan SoubhNo ratings yet
- سارةDocument120 pagesسارةAmir IbrahimNo ratings yet
- الأرواح المتمردةDocument72 pagesالأرواح المتمردةTaghred FaredaNo ratings yet
- همس الجنونDocument218 pagesهمس الجنونRahma BelNo ratings yet
- مع المتنبيDocument318 pagesمع المتنبيreemalihdNo ratings yet
- الشوارد1Document307 pagesالشوارد1mani hamaNo ratings yet
- النبيDocument88 pagesالنبيSaad BerrezzoukNo ratings yet
- أولاد حارتناDocument348 pagesأولاد حارتناbeboobaiNo ratings yet
- Julia Diaries2Document72 pagesJulia Diaries2Jana SFNo ratings yet
- الباريسية الحسناءDocument95 pagesالباريسية الحسناءElFouad100% (1)
- 80841409Document274 pages80841409art & lifeNo ratings yet
- النبيDocument88 pagesالنبيidalenjamalNo ratings yet
- العبراتDocument136 pagesالعبراتlediju yahyaNo ratings yet
- العبراتDocument136 pagesالعبرات7ou7ou.arNo ratings yet
- مقالات ابراهيم اصلان بالأهرام كاملة PDFDocument185 pagesمقالات ابراهيم اصلان بالأهرام كاملة PDFmagdyzoneNo ratings yet
- أسرار مصرDocument136 pagesأسرار مصرHiyouji ForoyaNo ratings yet
- خواطر حمارDocument95 pagesخواطر حمارؤآللهہ حہبہيہتہكہNo ratings yet
- خواطر حمارDocument95 pagesخواطر حمارRazNo ratings yet
- أنا العقادDocument210 pagesأنا العقادمضاويNo ratings yet
- حاء ل بثينة العيسىDocument138 pagesحاء ل بثينة العيسىmido0130% (1)
- أراء الدكتور شبلي شميلDocument41 pagesأراء الدكتور شبلي شميلammari aminNo ratings yet
- قصة خيالية قصيرة قصة البطة القبيحة قصص للأطفال قبل النومDocument5 pagesقصة خيالية قصيرة قصة البطة القبيحة قصص للأطفال قبل النومal9tretyNo ratings yet
- أشعب ملك الطفيليينDocument84 pagesأشعب ملك الطفيليينkemedja.abdellah197No ratings yet
- مكتبة كتوباتي - الأمعاء كنزك في بطنكDocument230 pagesمكتبة كتوباتي - الأمعاء كنزك في بطنكLootus FlowerNo ratings yet
- لماذا يحب الرجال العاهرات ؟ - 52969Document110 pagesلماذا يحب الرجال العاهرات ؟ - 52969dilovans23No ratings yet
- دعاء الكروان - طه حسين - ط مؤسسة هنداويDocument136 pagesدعاء الكروان - طه حسين - ط مؤسسة هنداويAshraf HassanNo ratings yet
- النبي جبران خليل جبرانDocument29 pagesالنبي جبران خليل جبرانAnonymous 2sIIi6M100% (1)
- حي بن يقظانDocument56 pagesحي بن يقظانأبو حذيفة عبد الكريم الجزائريNo ratings yet
- 1- سميرDocument16 pages1- سميرArch WorldNo ratings yet
- 83118 Issue-229 كتاب لماذا ينفرد الإنسان بالثقافةDocument267 pages83118 Issue-229 كتاب لماذا ينفرد الإنسان بالثقافةdr.haniNo ratings yet
- أموال الموتىDocument234 pagesأموال الموتىArch WorldNo ratings yet
- العلم والفرضيةDocument347 pagesالعلم والفرضيةArch WorldNo ratings yet
- أموال الموتىDocument234 pagesأموال الموتىArch WorldNo ratings yet
- الزمان ابعاده وبنيتهDocument176 pagesالزمان ابعاده وبنيتهArch WorldNo ratings yet
- الرسالة الاخيرةDocument66 pagesالرسالة الاخيرةArch WorldNo ratings yet
- علم الأحياء الجزيئيDocument152 pagesعلم الأحياء الجزيئيArch WorldNo ratings yet
- ٢- أرض أوز المدهشةDocument290 pages٢- أرض أوز المدهشةArch WorldNo ratings yet
- نشأة الفلسفة العلميةDocument278 pagesنشأة الفلسفة العلميةArch WorldNo ratings yet
- موعد الافطارDocument114 pagesموعد الافطارArch WorldNo ratings yet
- نسرين تتعلم السباحةDocument24 pagesنسرين تتعلم السباحةArch WorldNo ratings yet
- الله و الدماغDocument336 pagesالله و الدماغArch WorldNo ratings yet
- يد الامDocument66 pagesيد الامArch WorldNo ratings yet
- هكذا قرأت العمارة ٤ عمارتنا و عمارة الاخرDocument229 pagesهكذا قرأت العمارة ٤ عمارتنا و عمارة الاخرArch WorldNo ratings yet
- عمارة واحدة ام عمائر متعددة ٣Document311 pagesعمارة واحدة ام عمائر متعددة ٣Arch World100% (1)
- عالمات اوروبيات في الكيمياءDocument338 pagesعالمات اوروبيات في الكيمياءArch WorldNo ratings yet
- هكذا قرأت العمارة ٢ طريق نتاج العمارة ضد عمارةDocument247 pagesهكذا قرأت العمارة ٢ طريق نتاج العمارة ضد عمارةArch WorldNo ratings yet
- هكذا قرأت العمارة ١ مقدمة في قراءة العمارةDocument225 pagesهكذا قرأت العمارة ١ مقدمة في قراءة العمارةArch WorldNo ratings yet
- من هو المخترع الاول العمارة ام الانسانDocument87 pagesمن هو المخترع الاول العمارة ام الانسانArch WorldNo ratings yet
- 5b4zky8 PDFDocument196 pages5b4zky8 PDFMiri MeriemNo ratings yet
- 38- الايديولوجيا محمد رضا خاكي قراملكي سلسلة مصطلحات معاصرة موقع المكتبة.نتDocument266 pages38- الايديولوجيا محمد رضا خاكي قراملكي سلسلة مصطلحات معاصرة موقع المكتبة.نتArch WorldNo ratings yet
- نسرين عند عمتها لمياءDocument24 pagesنسرين عند عمتها لمياءArch WorldNo ratings yet
- محطات معمار في عمارة الاخرDocument177 pagesمحطات معمار في عمارة الاخرArch WorldNo ratings yet
- هكذا قرأت العمارة ٣ رسالة العمارة في نتاج العمارةDocument231 pagesهكذا قرأت العمارة ٣ رسالة العمارة في نتاج العمارةArch WorldNo ratings yet
- نسرين تركب الدراجةDocument24 pagesنسرين تركب الدراجةArch WorldNo ratings yet
- نسرين مريضةDocument24 pagesنسرين مريضةArch WorldNo ratings yet
- ٢- التابوت المغلقDocument386 pages٢- التابوت المغلقArch WorldNo ratings yet
- ٤-القتل في منطقة كينجفيشر هيلDocument352 pages٤-القتل في منطقة كينجفيشر هيلArch WorldNo ratings yet
- ٣- لغز الأرباع الثلاثةDocument358 pages٣- لغز الأرباع الثلاثةArch WorldNo ratings yet
