You are on page 1of 42

‫عمر بن الخطاب‬

‫ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول‬


‫محمد صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وأحد أشهر‬
‫األشخاص والقادة في التاريخ اإلسالمي وأمير‬
‫المؤمنين رضي‬

‫أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي‪ ،‬الُم لقب بالفاروق‪ ،‬هو ثاني الخلفاء الراشدين ومن كبار أصحاب الرسول‬
‫محمد‪ ،‬وأحد أشهر األشخاص والقادة في التاريخ اإلسالمي ومن أكثرهم تأثيًر ا ونفوًذ ا‪ ]1[.‬هو أحد العشرة المبشرين بالجنة‪،‬‬
‫ومن علماء الصحابة وز ّه ادهم‪ .‬تو ّلى الخالفة اإلسالمية بعد وفاة أبي بكر الصديق في ‪ 23‬أغسطس سنة ‪634‬م‪ ،‬الموافق للثاني‬
‫والعشرين من جمادى اآلخرة سنة ‪ 13‬هـ‪ ]2[.‬كان ابن الخّط اب قاضًي ا خبيًر ا وقد اشتهر بعدله وإنصافه الناس من المظالم‪،‬‬
‫سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين‪ ،‬وكان ذلك أحد أسباب تسميته بالفاروق‪ ،‬لتفريقه بين الحق والباطل‪.‬‬
‫ُع مر بن الخّط اب‬

‫تخطيط السم عمر بن الخّط اب مسبوق بلقبه الفاروق وملحوق بدعاء الرضا عنه‬

‫أبو حفص‪ ،‬الفاروق‪ ،‬أمير المؤمني ن



‫سيدنا عمر‬

‫مابين عامّي ‪ 586‬و‪590‬م تقريًبا‪ ،‬سنة ‪ 40‬ق‪.‬هـ‬ ‫الوالدة‬


‫مكة‪ ،‬تهامة‪ ،‬شبه الجزيرة العربية‬
‫‪ 7‬نوفمبر ‪644‬م‪ ،‬الموافق ‪ 26‬ذو الحجة ‪ 23‬هـ‬ ‫الوفاة‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬الحجاز‪ ،‬شبه الجزيرة العربية‬
‫اإلسالم‪ :‬أهل السنة والجماعة‪ ،‬اإلباضية‪ ،‬الدروز‪ ،‬الشيعة الزيدية‬ ‫مبجل(ة) في‬

‫المسجد النبوي‪ ،‬إلى جانب النبي محمد وأبو بكر الصديق‪ ،‬المدينة‬ ‫المقام الرئيسي‬
‫المنورة‬
‫أبوه‪ :‬الخّط اب بن نفيل بن عبد العزى‬ ‫النسب‬
‫أمه‪ :‬حنتمة بنت هاشم بن المغيرة‬
‫أشقاؤه‪ :‬زيد بن الخطاب‪ ،‬فاطمة بنت الخطاب‬
‫زوجاته‪ :‬قريبة بنت أبي أمية‪ ،‬وأم كلثوم مليكة بنت جرول‪،‬‬
‫وزينب بنت مظعون‪ ،‬وجميلة بنت ثابت‪ ،‬وعاتكة بنت زيد‪ ،‬وأم‬
‫حكيم بنت الحارث‪ ،‬وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب(‪)1‬‬

‫ذريته‪ :‬عبيد اهلل‪ ،‬زيد األكبر‪ ،‬زيد األصغر‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬حفصة‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن األكبر‪ ،‬أبو شحمة عبد الرحمن األوسط‪ ،‬عبد الرحمن األصغر‪،‬‬
‫عاصم‪ ،‬عياض‪ ،‬فاطمة‪ ،‬رقية‪.‬‬
‫هو مؤسس التقويم الهجري‪ ،‬وفي عهده بلغ اإلسالم مبلًغ ا عظيًم ا‪ ،‬وتوسع نطاق الدولة اإلسالمية حتى شمل كامل العراق‬
‫ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق األناضول وجنوب أرمينية وسجستان‪ ،‬وهو الذي أدخل القدس تحت حكم‬
‫المسلمين ألول مرة وهي ثالث أقدس المدن في اإلسالم‪ ،‬وبهذا استوعبت الدولة اإلسالمية كامل أراضي اإلمبراطورية‬
‫الفارسية الساسانية وحوالي ثلثّي أراضي االمبراطورية البيزنطية‪ ]3[.‬تجّلت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حمالته‬
‫المنظمة المتعددة التي وجهها إلخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوة‪ ،‬فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خالل أقل‬
‫من سنتين‪ ،‬كما تجّلت قدرته وحنكته السياسية واإلدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يوًم ا‬
‫أعراقها‪]4[.‬‬ ‫بعد يوم ويزداد عدد سكانها وتتنوع‬

‫بداية حياته‬

‫نسبه‬

‫اسم ُع مر بن الخّط اب بالخط العربي الثلث العثماني كما يظهر في آيا صوفيا بمدينة إسطنبول بتركيا‬

‫[‪]6‬‬
‫هو‪ :‬عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اهلل بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي[‪ ]5‬بن غالب‬
‫بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬العدوي‬
‫القرشي‪]7[.‬‬

‫وهو ابن ع ّم زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم‪ .‬وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب والذي كان قد سبق عمر إلى‬
‫[‪]8‬‬
‫اإلسالم‪ .‬ويجتمع نسبه مع الرسول محمد في كعب بن لؤي بن غالب‪.‬‬

‫أمه‪ :‬حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اهلل بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن‬
‫فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪.‬‬
‫وهي ابنة ع ّم كٍل من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل‪ ]9[.‬ويجتمع‬
‫نسبها مع النبي محمد في كالب بن مرة‪]6[.‬‬

‫نشأته‬

‫ولد بعد عام الفيل‪ ،‬وبعد مولد الرسول محمد بثالث عشرة سنة‪ ]10[.‬وكان منزل عمر في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال‬
‫له اليوم جبل عمر‪ ،‬وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر وبه منازل بني عدي بن كعب‪ ،‬نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم‬
‫بتعلم القراءة‪ .‬وعمل راعًي ا لإلبل وهو صغير‪ ،‬وكان والده غليًظ ا في معاملته‪ ]11[.‬وكان يرعى لوالده ولخاالت له من بني‬
‫مخزوم‪ .‬وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية‪ ،‬والشعر‪ .‬وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مجنة وسوق‬
‫ذي المجاز‪ ،‬فتعلم بها التجارة‪ ]12[،‬التي ربح منها وأصبح من أغنياء مكة‪ ،‬رحل صي ًف ا إلى بالد الشام وإلى اليمن في‬
‫الشتاء‪ ]13[،‬وكان عمر من أشراف قريش‪ ،‬وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش‪ ،‬فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه‬
‫سفيرًا‪ ،‬وإن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر رضوا به‪ ،‬بعثوه منافًر ا ومفاخًر ا‪ ]16[]15[]14[.‬نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية‬
‫والنساء‪]17[.‬‬ ‫الوثنية على دين قومه‪ ،‬كغيره من أبناء قريش‪ ،‬وكان مغرًم ا بالخمر‬

‫في عهد النبي محمد‬

‫معاداته للمسلمين‬

‫يتفق المؤرخون وعلماء الشريعة على أن النبي محمًد ا ُبعث سنة ‪610‬م وهو في األربعين من عمره‪ ،‬وكانت الدعوة اإلسالمية‬
‫في بداية عهدها دعوة سرّية‪ ،‬وبعد مضّي ثالث سنين من بعثته‪ُ ،‬أ ِم َر النبي بالجهر في دعوة الناس إلى اإلسالم‪ ،‬فعاداه‬
‫القرشيون ال سيما بعد أن بدأ ُي ح ّق ر من شأن آلهتهم؛ ُه بل والالت والعزى ومن شأن األصنام جميعها‪ .‬وهّب سادة قريش إلى‬
‫الدفاع عن معتقداتهم‪ ،‬وأخذوا يعتدون على المسلمين ويؤذونهم‪ .‬وكان عمر بن الخطاب من ألد أعداء اإلسالم وأكثر أهل‬
‫قريش أذى للمسلمين‪ ]18[،‬وكان غليظ القلب تجاههم فقد كان يعِّذ ب جارية له علم بإسالمها من أول النهار حتى آخره‪ ،‬ثم‬
‫يتركها نهاية األمر ويقول‪« :‬واهلل ما تركتك إال ماللًة »‪ ]19[،‬ومن شدة قسوته جّن د نفسه يتبع محمدا أينما ذهب‪ ،‬فكلما دعا‬
‫أحًد ا إلى اإلسالم أخافه عمر وجعله يفر من تلك الدعوة‪.‬‬

‫بعد أن أمر النبي محمد المسلمين في مكة بالهجرة إلى الحبشة جعل عمر يتخوف من تشتت أبناء قريش وانهيار أسس‬
‫القبيلة العريقة عندهم‪ ،‬فقرر الحيلولة دون ذلك بقتل النبي مقابل أن يقدم نفسه لبني هاشم ليقتلوه فتكون قريش قد‬
‫الجديد‪]20[.‬‬ ‫تخلصت مما يهددها به هذا الدين‬

‫إسالمه‬

‫كان عمر يخفي وراء تلك القسوة والشدة رقة نادرة‪ .‬تحكي هذا زوجة عامر بن ربيعة حليف بني عدي‪ ،‬وذلك حينما رآها عمر‬
‫وهي تعد نفسها للهجرة إلى الحبشة‪ ،‬فقال لها كلمة شعرت من خاللها برقة عذبة في داخله‪ ،‬وأحست بقلبها أنه من الممكن‬
‫أن يسلم عمر‪ ،‬وذلك أنه قال لها‪« :‬صحبكم اهلل»‪ ]21[]19[.‬لم تتوان زوجة عامر بن ربيعة في أن تخبر زوجها بما رأت من عمر‪،‬‬
‫فرد عليها بقوله‪« :‬أطمعت في إسالمه؟» قالت‪« :‬نعم»‪ .‬وألن االنطباعات األولى ما زالت محفورة في نفسه‪ ،‬رد عليها زوجها‬
‫الخطاب»‪]19[.‬‬ ‫بقوله‪« :‬فال يسلم الذي رأيِت حتى يسلم حمار‬

‫في هذه الفترة كان عمر بن الخطاب يعيش صراًع ا نفسًي ا حاًد ا‪ ،‬فقد حدثه قلبه بأن هؤالء الناس قد يكونون على صواب‪،‬‬
‫ورأى أن ثباتهم عجيب جًّد ا فيما يتعرضون له‪ ،‬وهم يقرؤون كالًم ا غريًب ا لم تسمع قريش بمثله من قبل‪ ،‬هذا إضافًة إلى أن‬
‫رئيسهم محمًد ا ليس عليه من الشبهات شيء‪ ،‬فهو الصادق األمين باعتراف أعدائه من القرشيين‪ ]19[.‬وفي الوقت نفسه‬
‫حدثه عقله بأنه سفير قريش‪ ،‬وقائد من قادتها‪ ،‬واإلسالم سيضّي ع كل هذا‪ ،‬فذلك الدين قسم مكة إلى نصفين‪ ،‬نصف يؤمن به‬
‫ونصف يحاربه‪ ،‬فمنذ ست سنوات والقرشيون يعانون المتاعب والمشاكل بسببه‪ ،‬ويدخلون في مناظرات ومحاورات‪]19[.‬‬

‫وفي غمار هذا الصراع الداخلي وألن من طبعه الحسم وعدم التردد‪ ،‬فقد قرر أن ينتهي من كل ما يؤرقه‪ ،‬وأراد أن يخلص‬
‫نفسه ويخلص مكة كلها ممن أحدث فيها هذه البدع وتلك المشاكل‪ ،‬فقرر أن يقوم بما فكر فيه كثير من مشركي قريش قبل‬
‫محمد‪]22[.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬لكنهم لم يفلحوا فيه‪ ،‬أال وهو قتل‬

‫وكان قد دفعه إلى أخذ هذا القرار ‪-‬أي ًض ا‪ -‬ما حدث قبل يومين من إهانة شديدة ألبي جهل في مكة على يد عم النبي‬
‫محمد حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬والذي أصبح على اإلسالم‪ ،‬وكان الدافع لذلك نابعًا من أن أبا جهل كان خال عمر بن الخطاب‪،‬‬
‫فرأى عمر أنه قد أصيب في كرامته تماًم ا كما أصيب أبو جهل‪ ،‬ورد االعتبار في حالة كهذه عند العرب يكون عادة بالسيف‪.‬‬
‫فسن سيفه وخرج من داره قاصًد ا النبي محمًد ا‪ ،‬وفي الطريق لقيه ُن َع يم بن عبد اهلل العدوي القرشي وكان من المسلمين‬
‫الذين أخفوا إسالمهم‪ ،‬فقال له‪« :‬أين تريد يا عمر؟»‪ ،‬فرد عليه قائال‪« :‬أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش‪،‬‬
‫وسفه أحالمها‪ ،‬وعاب دينها‪ ،‬وسب آلهتها فأقتله‪ ،».‬فلّم ا عرف أنه يتجه لقتل النبي قال له‪« :‬واهلل لقد غرتك نفسك‬
‫يا عمر‪ ،‬أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على األرض وقد قتلت محمدا ؟ أفال ترجع إلى أهل بيتك فتقيم‬
‫أمرهم؟ فإن ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو‪ ،‬وأختك فاطمة بنت الخطاب قد واهلل أسلما وتابعا محمًد ا على‬
‫دينه؛ فعليك بهما‪ ».‬فانطلق مسرًع ا غاضًب ا إليهما‪ ،‬فوجد الصحابي خباب بن األرت يجلس معهما يعلمهما القرآن‪ ]23[،‬فضرب‬
‫سعيًد ا‪ ،‬ثم ضرب فاطمة ضربة قوية شقت وجهها‪ ]23[،‬فسقطت منها صحيفة كانت تحملها‪ ،‬وحين أراد عمر قراءة ما فيها‬
‫أبت أخته أن يحملها إال أن يتوضأ‪ ،‬فتوضأ عمر وقرأ الصحيفة وإذ فيها‪  :‬طه‪َ   ‬م ا َأ ْنَز ْل َنا َع َلْي َك ا ْل ُق ْر آَن ِلَت ْش َق ى‪ِ   ‬إاَّل‬

‫‪َ  ‬لُه َم ا ِف ي الَّس َم ا َو اِت َو َم ا‬ ‫‪ ‬ا لَّر ْح َمُن َع َلى ا ْل َع ْر ِش اْس َت َو ى‪ ‬‬ ‫‪َ ‬ت ْن ِز ياًل ِم َّم ْن َخ َلَق اَأْلْر َض َو الَّس َم ا َو اِت ا ْل ُع اَل ‪ ‬‬ ‫َتْذ ِك َر ًة ِلَمْن َي ْخ َش ى‪ ‬‬
‫‪ ]24[،  ‬فاهتز عمر وقال‪« :‬ما هذا بكالم البشر» وأسلم من ساعته‪ ]25[،‬في ذلك‬ ‫َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا َو َم ا َت ْح َت ا لَّث َر ى‪ ‬‬ ‫ِف ي اَأْلْرِض‬
‫اليوم من شهر ذي الحجة من السنة الخامسة من البعثة‪ ]26[،‬وذلك بعد إسالم حمزة بن عبد المطلب بثالثة أيام‪ ]27[،‬وقد كان‬
‫خرج عمر بعد ذلك إلى دار األرقم‬ ‫الروايات‪]28[.‬‬ ‫يبلغ من العمر ما يقارب الثالثين سنة‪ ،‬أو بضًع ا وعشرين سنة‪ ،‬على اختالف‬
‫بن أبي األرقم حيث كان يجتمع النبي محمد بأصحابه وأعلن إسالمه هناك‪ ]23[.‬وفق المصادر اإلسالمية فقد استجاب اهلل‬
‫لدعوة النبي محمد‪ ،‬إذ قال‪« :‬اللهم أعز اإلسالم بأحد العمرين‪ ،‬عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام‪ .‬قال‪" :‬وكان‬
‫أحبهما إليه عمر"‪ »]29[.‬وكان قد سبق عمر إلى اإلسالم تسعة وثالثون صحابًي ا فكان هو متمًم ا لألربعين‪ ،‬فعن ابن عباس أنه‬

‫بقوله‬ ‫قال‪« :‬أسلم مع رسول اهلل ﷺ تسعة وثالثون رجًال‪ ،‬ثم إن عمر أسلم‪ ،‬فصاروا أربعين‪ ،‬فنزل جبريل‬
‫‪َ﴿ :‬ي ا َأ ُّي َه ا الَّن ِب ُّي َح ْس ُب َك اُهَّلل َو َم ِن اَّت َب َع َك ِم َن اْل ُم ْؤ ِم ِن يَن ﴾‪»]30[.‬‬

‫وفي رواية أخرى أن عمر أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة ‪-‬في السنة الخامسة للبعثة– أي أنه أسلم في السنة‬
‫السادسة للبعثة‪ .‬كما روي أن عمر قد أسلم قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بقليل في السنة الثالثة عشرة من البعثة‪ .‬حيث‬
‫ذكر بعض المؤرخين أن عمر أسلم بعد ‪ 40‬أو ‪ 45‬رجًال‪ ]31[،‬بينما كان كل المهاجرين من المسلمين الذين آخا النبي بينهم وبين‬
‫األنصار في المدينة المنورة ال يتجاوزون هذا العدد إال بقليل‪ ]32[،‬وعليه ُت ر ّج ح بعض الروايات أن عمر كان من أواخر من‬
‫أسلموا من المهاجرين حيث ذكر بعض المؤرخين أن عمر دنا من محمد في مكة وهو يصلي ويجهر بالقراءة فسمعه يقرأ في‬
‫صالته الجهرية بالمسجد الحرام آيتين من سورة العنكبوت‪َ   :‬و َم ا ُكْنَت َت ْت ُل و ِم ْن َق ْب ِلِه ِم ْن ِك َت اٍب َو اَل َتُخ ُّط ُه ِبَي ِم يِن َك ِإ ًذ ا اَل ْر َت اَب‬
‫وأسلم‪]33[.‬‬ ‫‪ ،  ‬فتأثر عمر‬ ‫‪َ ‬بْل ُه َو آَياٌت َب ِّي َناٌت ِف ي ُص ُد وِر ا َّل ِذ يَن ُأ وُت وا ا ْل ِع ْل َم َو َم ا َي ْج َح ُد ِب آَي اِت َنا ِإاَّل ا لَّظ ا ِلُم وَن ‪ ‬‬ ‫ا ْل ُم ْب ِط ُل وَن ‪ ‬‬
‫وقد كانت سورة العنكبوت آخر سورة نزلت في مكة قبل الهجرة إلى يثرب‪.‬‬

‫كان المسلمون قبل إسالم عمر وحمزة يخفون إيمانهم خوًف ا من تعرضهم لألذى‪ ،‬لقلة حيلتهم وعدم وجود من يدافع عنهم‪،‬‬
‫أما بعد إسالمهما فأصبح للمسلمين من يدافع عنهم ويحميهم‪ ،‬ال سيما أنهما كانا من أشد الرجال في قريش وأمنعهم‪ ،‬وكان‬
‫عمر يجاهر باإلسالم وال يخشى أحًد ا‪ ،‬فلم يرَض مثاًل عن أداء المسلمين للصالة في شعاب مكة بعيدين عن أذى قريش‪ ،‬بل‬
‫فضل مواجهة القوم بكل عزم‪ ،‬فقام وقال للنبي‪« :‬يا رسول اهلل ألسنا على الحق؟»‪ ،‬فأجابه‪« :‬نعم»‪ ،‬قال عمر‪« :‬أليسوا على‬
‫الباطل؟»‪ ،‬فأجابه‪« :‬نعم»‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪« :‬ففي َم الخفية؟»‪ ،‬قال النبي‪« :‬فما ترى يا عمر؟»‪ ،‬قال عمر‪« :‬نخرج فنطوف‬
‫بالكعبة»‪ ،‬فقال له النبي‪« :‬نعم يا عمر»‪ ]23[،‬فخرج المسلمون ألول مرة يكبرون ويهللون في صفين‪ ،‬صف على رأسه عمر بن‬
‫الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما النبي محمد‪ ،‬حتى دخلوا وصّل وا عند الكعبة‪ .‬ومن بعيٍد نظرت‬
‫قريش إلى عمر وإلى حمزة وهما يتقدمان المسلمين‪َ ،‬ف َع لْت وجوَه ُه م كآبة شديدة‪ ]34[،‬يقول عمر‪ « :‬فسماني رسول اهلل‬

‫الفاروق يومئ ٍذ »‪.‬‬ ‫ﷺ‬


‫كان إسالم عمر حدًث ا بارًز ا في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فقد قّو ى وجوده في صف المسلمين شوكتهم‪ ،‬وأصبح لهم من ُي دافع‬
‫عنهم ويحميهم من أذى من بقي على الوثنية‪ ،‬وُي الحظ فرحة المسلمين بإسالم عمر في عّد ة أقوال منسوبة إلى عدد من‬
‫الصحابة‪ ،‬منها ما قاله صهيب الرومي‪« :‬لما أسلم عمر ظهر اإلسالم‪ ،‬وُد عي إليه عالنية‪ ،‬وجلسنا حول البيت حلًق ا‪،‬‬
‫وطفنا بالبيت‪ ،‬وانتصفنا ممن غلظ علينا‪ ،‬ورددنا عليه بعض ما يأتى به»‪ ،‬وما قاله عبد اهلل بن مسعود‪« :‬ما كنا‬
‫نقدر أن نص ّلي عند الكعبة حتى أسلم عمر»‪ ،‬و‪«:‬ما زلنا أ َّز ة منذ أسلم عمر»‪]35[.‬‬
‫ِع‬

‫هجرته إلى المدينة وحياته فيها‬

‫أمر النبي محمد أتباعه بالهجرة إلى مدينة يثرب حوالي سنة ‪622‬م بعد أن أتاه وفد من أهلها وعاهدوه على األمان ودعوه إلى‬
‫أن يأتيهم ويسكن مدينتهم بعد أن آمن بدعوته أغلب أبنائها‪ .‬فهاجر معظم المسلمين إلى يثرب سًر ا خوًف ا من أن يعتدي‬
‫عليهم أحد من قريش‪ ،‬إال عمر وفق أشهر الروايات عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬حيث تنص أن عمر لبس سيفه ووضع قوسه‬
‫على كتفه وحمل أسهًم ا وعصاه القوية‪ ،‬وذهب إلى الكعبة حيث طاف سبع مرات‪ ،‬ثم توجه إلى مقام إبراهيم فصلى‪ ،‬ثم‬
‫قال لحلقات المشركين المجتمعة‪« :‬شاهت الوجوه‪ ،‬ال ُي رغم اهلل إال هذه المعاطس‪ ،‬من أراد أن تثكله أمه وييتم‬
‫ولده أو ُي رمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي»‪ ]37[]36[.‬فلم يتبعه أحد منهم إال قوم مستضعفون أرشدهم وعلمهم‬
‫ومضى‪
]39[]38[.‬وصل عمر يثرب التي ُس ميت المدينة المنورة ومعه ما يقارب العشرين شخ ًص ا من أهله وقومه‪ ،‬منهم أخوه‬
‫زيد بن الخطاب‪ ،‬وعمرو وعبد اهلل ولدا سراقة بن المعتمر‪ ،‬وخنيس بن حذافة السهمي القرشي زوج ابنته حفصة‪ ،‬وابن عمه‬
‫سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة‪ ]28[.‬ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر األوسي‪ .‬وكان قد سبقه‬
‫مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وبالل بن رباح وسعد وعمار بن ياسر‪.‬‬
‫رسم من القرن الرابع عشر ُي ظهر استسالم بني النضير إلى المسلمين‪ .‬كانت غزوة بني النضير إحدى أبرز الغزوات التي شارك فيها عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫وفي المدينة المنورة آخى النبي محمد بينه وبين أبي بكر‪ ]39[،‬وقيل عويم بن ساعدة األوسي‪ ]40[،‬وقيل عتبان بن مالك‬
‫الخزرجي‪ ]41[،‬وقيل معاذ بن عفراء الخزرجي‪ ]39[،‬وقال بعض العلماء أنه ال تناقض في ذلك الحتمال أن يكون الرسول قد‬
‫آخى بينه وبينهم في أوقات متعددة‪ ]42[.‬بقي المسلمون في المدينة بأمان طيلة سنة تقريًب ا‪ ،‬إذ ما لبثت قريش أن حشدت‬
‫جيًش ا لقتالهم‪ ،‬ووقعت بينها وبين المسلمين عّد ة معارك‪ ،‬وقد شهد عمر بن الخطاب كل الغزوات مع الرسول محمد وف ًق ا البن‬
‫الجوزي‪ ]43[،‬ففي غزوة بدر كان عمر ثاني من تكلم رًد ا على الرسول محمد عندما استشارهم قبل غزوة بدر بعد أبي بكر‪،‬‬
‫فأحسن الكالم ودعا إلى قتال المشركين‪ .‬وقد قتل عمر خاله العاص بن هشام في تلك الغزوة‪
.‬وفي غزوة أحد رد عمر على‬
‫نداء أبي سفيان حين سأل عمن قتل‪ ،‬وكان عمر من األشخاص الذين اعتقدوا أن محمًد ا قد قتل في تلك المعركة‪ ،‬ولّم ا عرف‬
‫أنه ما زال على قيد الحياة وقد احتمى بالجبل‪ ،‬أسرع إليه ووقف يدافع عن المسلمين ضد من يحاول الوصول إليهم من‬
‫القرشيين‪
]44[.‬في شهر ربيع األول سنة ‪ 4‬هـ‪ ]45[،‬شارك عمر في غزوة بني النضير بعد أن ه ّم يهود بني النضير بالغدر وقتل‬
‫النبي محمد‪ ،‬فنقضوا بذلك الصحيفة‪ ،‬فأمهلهم النبي محمد ‪ 10‬أيام ليغادروا المدينة‪ ]45[،‬فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم‪،‬‬
‫فحاصرهم النبي ‪ 15‬يوًم ا‪ ]45[،‬وقيل ‪ 6‬ليال‪ ]46[،‬ثم أجالهم عن المدينة فحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ‪ 600‬بعير‪،‬‬
‫[‪]48‬‬
‫فلحقوا بخيبر‪ ،‬وغنم المسلمون من أموالهم وما تركوه وراءهم‪
]47[.‬في عام ‪ 625‬تزوجت حفصة بنت عمر بالرسول محمد‪،‬‬
‫وبعد ذلك بعامين تقريًب ا‪ ،‬شارك عمر في غزوة الخندق كما قاتل في غزوة بني قريظة‪ ]49[،‬وشارك في صلح الحديبية سنة ‪628‬‬
‫بصفته شاهًد ا‪ ]49[،‬ويحكي عمر بن الخطاب مجيئه إلى النبي محمد غاضًب ا عند كتابة ذلك الصلح حيث تضمن شروطًا‬

‫مجحفة بحق المسلمين‪ ،‬فقال‪ « :‬فأتيت نبي اهلل‪ ،‬فقلت‪" :‬ألست نبي اهلل حق ًا؟"‪ ،‬قال‪" :‬بلى"‪ .‬قلت‪" :‬ألسنا على الحق‬
‫وعدونا على الباطل؟" قال‪" :‬بلى"‪ ،‬قلت‪" :‬فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟"‪ ،‬قال‪" :‬إني رسول اهلل ولست أعصيه‬
‫وهو ناصري"‪ .‬قلت‪" :‬أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟" قال‪" :‬بلى‪ .‬أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟"‬
‫قلت‪" : ‬ال"‪ .‬قال‪" :‬فإنك آتيه ومطوف به"»‪ .‬وأتى عمر أبا بكر وقال له مثل ما قال لمحمد‪ ،‬فقال له أبو بكر‪« :‬إنه لرسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره‪ ،‬فاستمسك بغرزه‪ ،‬فواهلل إنه على الحق»‪ ،‬وقال عمر‪« :‬ما‬
‫زلت أصوم وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كالمي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيًر ا»‪،‬‬
‫ولم تطب نفس عمر إال عندما نزل القرآن مبشرًا بفتح مكة‪ ]50[.‬وفي نفس السنة شارك عمر في غزوة خيبر‪ ،‬ثم انضم هو وأبو‬
‫بكر يصحبهم مائتا صحابي تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح‪ ،‬إلى الصحابي عمرو بن العاص الذي كان ُي قاتل القبائل العربّي ة‬
‫قاسية باألعداء‪]52[.‬‬ ‫الموالية للروم في شمال شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وذلك بعد أن طلب المدد من الرسول‪ ]51[،‬فأنزلوا هزيمة‬
‫عاد عمر إلى مكة مع باقي المسلمين بعد ‪ 8‬سنوات من الهجرة‪ ،‬فدخلوها فاتحين سنة ‪ ،630‬وخالل العام نفسه شارك في غزوة‬
‫حنين وحصار الطائف وغزوة تبوك‪ ،‬وُي قال أنه منح نصف ثروته لتسليح الجيش وإعداد العّد ة لتلك الغزوة األخيرة‪ .‬وفي عام‬
‫الوداع‪]54[.‬‬ ‫‪ 631‬أدى عمر الحج مع النبي محمد‪ ]53[،‬في حجة‬

‫وفاة النبي محمد‬

‫توفي النبي محمد يوم ‪ 7‬يونيو سنة ‪632‬م‪ ،‬الموافق ليوم ‪ 12‬ربيع األول سنة ‪ 11‬هـ‪ .‬ولّم ا شاع خبر انتقال الرسول إلى الرفيق‬
‫األعلى‪ ،‬اضطرب المسلمون اضطراًبا شديًد ا‪ ،‬وذهل بعضهم فلم يصدق الخبر وكان عمر منهم‪ ]55[،‬فقام يقول‪" :‬واهلل ما مات‬

‫رسول اهلل ﷺ"‪ ،‬فقد كان يعتقد بعدم موته تمام االعتقاد‪ ،‬حتى إنه قال في رواية أخرى‪« :‬واهلل ما كان يقع في نفسي إال‬
‫[‪]56‬‬
‫ذاك»‪ ،‬أي ال أعتقد إال أنه لم يمت فعًال‪ ،‬ثم قال عمر‪« :‬وليبعثنه اهلل فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات»‪.‬‬
‫وفي رواية ثانية يقول‪« :‬إن رجاًال من المنافقين يزعمون أن رسول اهلل ُت ُو ِّف ي‪ ،‬إن رسول اهلل ما مات‪ ،‬لكن ذهب‬
‫إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران‪ ،‬فغاب عن قومه أربعين ليلة‪ ،‬ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات»‪ ]56[.‬ظل‬
‫المسلمون على هذه الحالة يتمنون صدق كالم عمر‪ ،‬حتى جاء أبو بكر من السنح على دابته ونزل بباب المسجد ودخل بيت‬
‫عائشة‪ ،‬وكشف عن جثمان النبي محمد وجثى عليه ُي قبله ويبكي‪ ،‬ثم خرج إلى المسجد حتى أتى المنبر[‪ ]57‬فوجد عمر‬
‫يقول ما يقول‪ ،‬ويقسم على أن النبي لم يمت‪ ،‬فقال‪« :‬أيها الحالف على ِر ْس ِل ك»‪ ،‬وفي رواية أخرى قال له‪« :‬اجلس يا‬
‫عمر»‪ ]56[.‬فجلس عمر وجلس الناس‪ ،‬فتشهد أبو بكر وحمد اهلل وأثنى عليه ثم قرأ آية من آيات سورة آل عمران‪َ ﴿ :‬و َم ا ُم َح َّم ٌد‬
‫ِإَّال َر ُس وٌل َق ْد َخ َلْت ِم ْن َق ْب ِلِه ا لُّر ُس ُل َأَف ِإ ْن َم اَت َأ ْو ُق ِت َل اْن َق َلْب ُت ْم َع َلى َأ ْع َق اِب ُكْم َو َم ْن َي ْن َق ِل ْب َع َلى َع ِق َبْي ِه َف َلْن َي ُض َّر اَهلل َش ْي ًئ ا‬
‫َو َس َي ْج ِز ي اُهلل الَّش اِك ِر يَن ﴾‪ .‬وعندما تال أبو بكر الصديق هذه اآلية سمعها عمر والمسلمون كانهم لم يسمعوها من قبل‪ ،‬ثم تابع‬
‫يقول‪« :‬أال من كان يعبد محمًد ا فإن محمًد ا قد مات‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي ال يموت»‪ ]58[.‬وفي رواية‬
‫أهل السّنة‪ ،‬فإن عمر لما سمع كالم أبي بكر وأيقن حق اليقين أن الرسول قد مات‪ ،‬هوى على ركبتيه يبكي‪ ]55[،‬وفي هذه‬
‫النقطة قال عمر‪« :‬واهلل ما هو إال أن سمعت أبا بكر تالها‪ ،‬فُع ِق ْر ت حتى ما تقلني رجالي‪ ،‬وحتى أهويت إلى‬
‫[‪]56‬‬
‫األرض حين سمعته تالها‪ ،‬علمت أن النبي قد مات»‪.‬‬

‫في عهد أبي بكر الصديق‬

‫كان عمر بن الخطاب المساعد األول ألبي بكر الصِّد يق وساعده األيمن ومستشاره األساسي طوال خالفته‪ ]59[،‬وكان‬
‫مستشاره العسكري األبرز الذي ساعده في حروبه‪ ،‬ال سّي ما حروب الردة‪ ]60[.‬وقد قال أبو بكر الصديق مرة‪« :‬ما على ظهر‬
‫األرض رجل أحّب إلَّي من عمر»‪
.‬وقد كان أبو بكر يستشير عمر في تعيين القادة العسكريين وعزلهم‪ .‬فقد و َّلى أبو بكر مثًال‬
‫خالل فتح الشام الصحاب سعيد بن العاص األموي على الجيش الفاتح‪ ،‬غير أنه عزله بعدها قبل أن يبدأ السير‪ ،‬نظرًا‬
‫َّي‬
‫العتراض عمر الشديد عليه‪ .‬كما كان عمر عونًا كبيرًا له في وضع خططه العسكرية واالستراتيجية‪]61[.‬‬

‫وعندما اجتمَع األنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول ليبايعوا سعد بن عبادة خليفة من بعده‪ ،‬سمع عمر بن‬
‫الخطاب بذلك‪ ،‬فذهَب على الفور إلى أبي بكر الصديق[‪ ]63[]62‬وهو في منزل ا لَّر سول‪ ،‬وبلغه الخبر‪ ،‬وانض َّم إليهما أبو عبيدة‬
‫بن الجراح فساروا معًا إلى السقيفة‪ ]64[.‬وقال أبو بكر عندما دخل‪« :‬ما هذا؟»‪ ،‬فأجابوه «مّنا أمير ومنكم أمير»‪ ،‬فقال‪« :‬مّنا‬
‫األمراء ومنكم الوزراء»‪ .‬ثم عرض عليهم أحد مرافقيه لُي صَبح الخليفة فقال‪« :‬لقد رضيُت لكم أحد هذين الرجلين ‪ُ -‬ع َم ر‬
‫وأبي عبيدة أمين هذه األمة‪ ]65[.»-‬غير أن أحد األنصار قال بصوٍت عال‪« :‬أنا ُج َذ يلها المحنك وُع َذ ْي ُق ها المر َّج ب‪ ،‬مّنا أمير‬
‫حتى قام عمر وقال‪" :‬أّي كم يطيب نفسًا‬ ‫[‪]66‬‬
‫ومنكم أمير»‪ ،‬فتعالت األصوات واللغط‪ ،‬واختلف الناس فيمن سيكون الخليفة‪،‬‬

‫أن يخُلف َق َد َم ين قّد مهما النبي ﷺ؟"‪ ]65[،‬ث َّم قال ألبي بكر «ابسط يدك ألبايعك»‪ ،‬فبايعه عمر بن الخطاب‪ ]66[،‬وتبعه الناس‬
‫فبايعوه‪]65[.‬‬

‫لم يكن الجميع راضين عن القرار‪ ،‬إذ لم يرَض بعضهم بمبايعة غير علي بن أبي طالب‪ ،‬فقال الزبير‪« :‬ال أغمد سيفًا حتى ُي باَيع‬
‫علي»‪ ،‬فقال عمر‪« :‬خذوا سيفه واضربوا به الحجر»‪ .‬وقد تم َّكن عمر من دفع الكثير من األنصار إلى مبايعة أبي بكر‪ ]65[.‬وقد‬
‫خطَب الجمعة بأهل المدينة مرة فقال‪« :‬إنه بلغني أن قائًال منكم يقول‪ :‬لو مات أمير المؤمنين بايعُت فالًن ا‪ ،‬فال يغَّر َّن امرًأ أن‬
‫يقول‪ :‬إن بيعة أبي بكر كانت فتنة‪ ،‬فقد كان كذلك ولكّن اهلل وقى شَّر ها‪ ،‬وليس منكم من ُت قَط ع إليه األعناق مثل أبي بكر‪،‬‬
‫وإنه كان خيرنا حين توفَّي رسول اهلل»‪ ]67[.‬وقد كان لعمر بن الخطاب دوٌر كبير في معونة أبي بكر ببداية خالفته في تنظيم‬
‫[‪]68‬‬
‫أمور الدولة‪ ،‬وأخذ البيعة‪ ،‬وتثبيت الحكم‪.‬‬

‫كان من أولى وأكبر التحدَّي ات التي واجهت أبا بكر في خالفته حروب الردة‪ ،‬التي بدأت بامتناع بعض قبائل العرب عن أداء‬
‫الزكاة إلى الخليفة الجديد‪ ،‬وكانت البداية بقبائل قليلة مثل عبس وذبيان وغطفان‪ ،‬غير أن العدد ازداد الح ًق ا‪ ،‬فانتشرت‬
‫حركة الردة في أنحاء شبه الجزيرة العربية‪ ]69[.‬كما كثر مَّد عو النبوة‪ ،‬فكان منهم مالك ووكيع وسجاح‪ ،‬أما أقواهم وأكثرهم‬
‫نفوًذ ا فكان مسيلمة الكذاب‪ ]70[.‬وقد انقسم الصحابة في الرأي حول كي فَّي ة التعامل مع الوضع‪ ،‬فأشار عمر بن الخطاب‬
‫‪-‬وطائفة كبيرة من الصحابة‪ -‬على أبي بكر بعدم دخول الحرب معهم‪ ،‬والتنازل عن امتناعهم عن الزكاة‪ ،‬خصوصًا مع عدم‬
‫وجود قوة عسكرية تحمي المدينة من الهجمات‪ .‬غير أن أبا بكر أصَّر على موقفه بشدة‪ ،‬وقال‪« :‬واهلل لو منعوني عقاًال‬
‫[‪]71‬‬
‫(الحبل الذي يجُّر به البعير) لجاهدتهم عليه»‪.‬‬

‫انتهت حروب الردة بمعركة اليمامة‪ ،‬التي قتل فيها الكثير من الصَّح ابة‪ ]72[،‬من بينهم مئات من حفظة القرآن‪ ،‬وقد اختلَف‬
‫المؤرخون حول عددهم‪ ،‬فقال بعضهم أنه قتَل ‪ 500‬من حفظة القرآن في المعركة‪ ،‬وقال آخرون ‪ ]73[.700‬وقد فزَع عمر بن‬
‫الخطاب عندما سمَع بهذه األعداد‪ ،‬وخشَي أن ُي قَتل المزيد منهم في المعارك والحروب‪ ،‬فيضيع شيء من القرآن‪ ]74[.‬فأخبر‬
‫أبا بكٍر بمخاوفه‪ ،‬إذ جاءه وقال له‪« :‬إّن القتل استمّر ب ُق ّر اء القرآن‪ ،‬و إّن ي أخشى أن يستمّر القتل بال ُق ّر اء في المواطن‪،‬‬
‫فيذهب كثيٌر من القرآن‪ ،‬و إّن ي أرى أن تأمر بجمع القرآن»‪ ،‬غير أن أبا بكر تخ َّو ف من األمر وقال‪" :‬كيف تفعل شيئًا لم يفعله‬

‫رسول اهلل ﷺ؟"‪ ]75[.‬فرّد عمر قائاًل ‪« :‬أرى واهلل أنه خير»‪ ،‬وظّل يصّر ويحاور أبا بكر حتى اقتنع‪ ،‬فاستدعى زيد بن ثابت‬
‫األنصارّي وأمره بتو ّلي المهَّم ة‪ ]76[.‬وقد قال أبو بكر لزيد‪ « :‬إّن ك شاّب عاقل‪ ،‬ال نّت همك‪ ،‬وقد كنَت تكتب الوحي لرسول اهلل‪،‬‬
‫فتتَّب ع القرآن فاجمعه»‪ ،‬غير أن زيدًا تخ َّو ف من المهمة‪ ،‬وقال في وصف الحادثة‪« :‬فو اهلل لو كّل فوني نقل جبٍل من الجبال ما‬
‫كان أثقل علَّي مّم ا أمرني به من جمع القرآن ‪ -‬قلت‪ :‬كيف تفعالن شيئًا لم يفعله رسول اهلل؟»‪ ،‬ف كَّر ر أبو بكر‪« :‬هو واهلل خير»‪،‬‬
‫ولم يزل فيه حتى اقتنَع هو اآلخر‪ ،‬فذهَب وجمع القرآن في مصحف واحد‪ .‬وقد بقَي المصحف عند عمر بعد وفاة أبي بكر‪،‬‬
‫[‪]75‬‬
‫ثم انتقَل إلى ابنته حفصة‪.‬‬

‫وكان من بين من قتلوا في معركة اليمامة أخوه زيد بن الخطاب‪ ،‬وعندما جاءه ابنه عبد اهلل بعد المعركة ‪ -‬وكان يقاتل فيها‬
‫مع زيد ‪ -‬قال له عمر زاجرًا إياه‪« :‬أال هلكَت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حّي ! أال واريَت وجهك عني؟»‪ ،‬فأجابه‪« :‬سأَل اَهلل‬
‫دُت أن ُت اق إل فلم أعطها»‪]77[.‬‬
‫َّي‬ ‫َس‬ ‫الشهادة فأعُط يَه ا‪ ،‬و َج ِه‬
‫وبعد أن أصبح أبو بكر خليفة‪ ،‬قال مَّر ة لعمر وأبي عبيدة بن الجراح‪« :‬إنه البَّد لي من أعوان»‪ ،‬فقال عمر‪« :‬أنا أكفيك القضاء»‪،‬‬
‫والثاني قال‪« :‬أنا أكفيك بيت المال»‪ ]79[]78[.‬وظَّل عمر في سدة القضاء بالمدينة مدة سنة كاملة‪ ]78[،‬لم يختصم إليه أحد‬
‫خاللها‪ ،‬حتى جاء في يوم إلى أبي بكر طالبًا منه إعفاءه من القضاء‪ ،‬فسأله أبو بكر مستغربًا‪« :‬أمن مشقة القضاء تطلب‬
‫[‪]80‬‬
‫اإلعفاء يا عمر؟»‪ ،‬فأجابه عمر‪:‬‬

‫«ال يا خليفة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ولكن ال حاجة بي عند قوم مؤمنين‪ ،‬عرف كل منهم ما له‬
‫من حق‪ ،‬فلم يطلب أكثر منه‪ ،‬وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه‪ ،‬أحب كل منهم ألخيه ما يحب‬
‫لنفسه‪ ،‬إذا غاب أحدهم تفقدوه‪ ،‬وإذا مرض عادوه‪ ،‬وإذا افتقر أعانوه‪ ،‬وإذا احتاج ساعدوه‪ ،‬وإذا أصيب‬
‫عزوه وواسوه‪ ،‬دينهم النصيحة‪ ،‬وخلقهم األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ففيَم يختصمون؟ ففيَم‬
‫يختصمون؟»‬

‫مبايعته بالخالفة‬

‫تخطيط السم عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫عندما اشتَّد على أبي بكر مرض موته‪ ،‬جمع كبار الصحابة وقال لهم‪ « :‬إَّن ه قد نزل بي ما قد ترون‪ ،‬وال أظنني إال مِّي ًت ا‪ ،‬وقد‬
‫أطلق اهلل أيمانكم من بيعتي‪ ،‬وحّل َعنكم عقدي‪ ،‬ورَّد عليكم أمركم‪ ،‬ف أِّم روا عليكم من أحببتم‪ ،‬فإنكم إن أَّم رتم في حياة مني‬
‫كان أجدر أال تختلفوا بعدي»‪ .‬فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتع َّف فون‪ ،‬فيرى كل منهم في اآلخر قدرة أكبر على تولي‬
‫مسؤولية الخالفة‪ ،‬فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة‪« :‬أرنا يا خليفة رسول اهلل رأيك»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫[‪]81‬‬
‫«فأمهلوني حتى أنظر هلل ولدينه ولعباده»‪.‬‬

‫وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي عبد الرحمن بن عوف وقال له‪« :‬أخبرني عن عمر؟»‪ ،‬فأجابه‪« :‬إنه أفضل‬
‫من رأيك إال أّن فيه غلظة»‪ ،‬فقال أبو بكر‪« :‬ذلك ألنه يراني رفي ًق ا‪ ،‬ولو أفضي األمر إليه لترَك كثيًر ا مَّم ا هو عليه‪ ،‬وقد رَّم قُت ُه‬
‫فكنُت إذا غضبُت على رجل أراني الرضا عنه‪ ،‬وإذا لنُت له أراني الشّد ة عليه»‪ ]82[.‬ثم دعا عثمان بن ع ّف ان‪ ،‬وقاله له كذاك‪:‬‬
‫«أخبرني عن عمر»‪ ،‬فقال‪« :‬سريرته خير من عالنّي ته‪ ،‬وليس فينا مثله»‪ ،‬فقال أبو بكر لإلثنين‪« :‬ال تذكرا مَّم ا قلُت لكما شيئًا‪،‬‬
‫ولو تركته ما عدوُت عثمان‪ ،‬والخيرة له أن ال يلي من أموركم شيًئ ا‪ ،‬ولوددُت أّن ي كنُت من أموركم خلوًا وكنُت فيمن مضى‬
‫سلفكم»‪]83[.‬‬ ‫من‬

‫ثم جاء طلحة بن عبيد اهلل إلى أبي بكر وقال له غاضًب ا‪« :‬استخلفَت على الّناس عمر وقد رأيَت ما يلقى الناس منه وأنَت‬
‫معه‪ ،‬وكيف به إذا خال بهم وأنت ال ٍق رّبك فسائلك عن رعّي تك!»‪ ]82[،‬فقال أبو بكر‪« :‬أجلسوني» فأجلسوه‪ ،‬ثم أجابه‪« :‬أباهلل‬
‫[‪]60‬‬
‫تخّو فني! إذا لقيُت ربي فسألني قلُت ‪ :‬استخلفت على أهلك خير أهلك»‪.‬‬

‫‪ ،‬هذا ما ع ِه َد أبو بكر بن أبي‬ ‫وبعد ذلك استدعى أبو بكر عثمان بن عفان مجدًد ا‪ ،‬فقال له‪" :‬اكتب‪:‬‬
‫قحافة إلى المسلمين‪ ،‬أّم ا بعد‪ "...‬لكن أغمَي عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كالمه‪ ،‬فكتب عثمان‪« :‬أَّم ا بعد فإني قد‬
‫استخلفُت عليكم عمر بن الخّط اب ولم آلكم خيرًا»‪ .‬وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان‪« :‬اقرأ علّي »‪ ،‬فقرأ‬
‫عثمان‪ ،‬وعندما انتهى كَّب ر أبو بكر وقال‪« :‬أراك ِخ فَت أن يختلف الناس إن ُم ُّت في غشيتي؟»‪ ،‬قال‪« :‬نعم»‪ ،‬فقال‪« :‬جزاك اهلل‬
‫[‪]83‬‬
‫خيًر ا عن اإلسالم وأهله»‪.‬‬

‫وبعد أن كتَب العهد أمر أبو بكر أن ُي قَر أ على الناس‪ ،‬فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال عمر للناس‪:‬‬
‫«أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول اهلل‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإّن ه لم يألكم نصًح ا»‪ ،‬فهدأ الناس وتوَّق فوا عن الكالم‪ ،‬ولم‬
‫يعترضوا بعد سماع العهد‪ .‬ثم جاءهم أبو بكر وقال‪« :‬أترضون بما استخلفُت عليكم؟ فإني ما استخلفُت عليكم ذا قرابة‪،‬‬
‫و إّن ي قد استخلفُت عليكم عمَر فاسمعوا له وأطيعوا‪ ،‬فإني واهلل ما آلوت من جهد الرأي»‪ ،‬فرَّد الناس‪« :‬سمعنا وأطعنا»‪ .‬ثم‬
‫أحضر أبو بكر عمر وقال له‪ « :‬إّن ي قد استخلفتك على أصحاب رسول اهلل‪ ،‬صلى اهلل عليه وسلم»‪ ،‬ثم أوصاه بتقوى اهلل‪،‬‬
‫والنصائح‪]84[.‬‬ ‫وخطَب فيه خطبة قَّد َم له فيها الكثير من الوصايا‬

‫توّف ي أبو بكر بعد ذلك بأيام‪ ،‬وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائاًل ‪ « :‬إَّن ما َم َثل العرب مثل جمل آنف اَّت بَع قائده‬
‫الطريق!»‪]85[.‬‬ ‫فلينظر حيث يقوده‪ ،‬وأَّم ا أنا فورِّب الكعبة ألحملَّن كم على‬

‫فتح الشام‬

‫بدأ الفتح اإلسالمي للشام في عهد الخليفة أبي بكر الصديق‪ ،‬الذي قَّر ر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش خالد بن سعيد بن‬
‫العاص الُم عسكر في أرض تيماء‪ ،‬ف وَّز ع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة‪ ،‬وو َّج ه كًال منها إلى جزء مختلف من بالد‬
‫ٍّل‬
‫الشام‪ ،‬قوام ك منها حوالي ‪ 8,000‬مقاتل‪ .‬فكان الجيش األول بقيادة شرحبيل بن حسنة ووجهته وادي األردن في جنوبّي‬
‫الشام‪ ]86[،‬والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان ووجهته دمشق‪ ،‬والجيش الثالث بقيادة أبي عبيدة بن الجراح ووجهته‬
‫حمص‪ ،‬والجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص ووجهته فلسطين‪ ]87[.‬وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقّلين إن لم تكن‬
‫هناك حاجة لالجتماع‪ ،‬فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميرًا على المناطق التي يفتحها‪ ،‬أما إن اقتضت الضرورة‬
‫االجتماع فإن القائد سيكون أبا عبيدة بن الجراح‪ ]88[.‬لكن عندما بلغت الجيوش اإلسالمية الشام وجدت جيوشًا ضخمة جدًا‬
‫[‪]90‬‬
‫للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها‪ ]89[،‬فلَّم ا سمع المسلمون بذلك قَّر روا االتحاد‪ ،‬فاجتمعت جيوشهم باليرموك‪،‬‬
‫وطلبوا المزيد من المدد‪ ،‬فأمر أبو بكر خالدًا بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من العراق‪ ]91[.‬فسار خالد إليهم عبر‬
‫بادية الشام‪ ]92[،‬وفي طريقه هزم الغساسنة في معركة مرج راهط‪ ]93[،‬وفتح مدينة بصرى‪ ]94[.‬وبعد أن فتح خالد بصرى‪،‬‬
‫تو َّج ه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق‪ ،‬فحاصرها‪ ،‬لكن هنا وصلته أنباء حشد الروم في أجنادين‪ ،‬فانسحب وجمع‬
‫جيوشه كلها هناك‪ ،‬فبلغ عدد المسلمين ‪ 33.000‬مقاتل وبلغ عدد الروم ‪ ،100.000‬فدارت معركة أجنادين التي هزم فيها الروم‬
‫[‪]95‬‬
‫وقتل قائدهم وردان‪.‬‬

‫توفي أبو بكر خالل هذه المرحلة‪ ،‬وأعقبه عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد عن قيادة الجيوش الفاتحة‪ ]96[.‬فقد كان أبو‬
‫بكر قد عَّي ن خالدًا قائدًا عامًا لجيوش المسلمين في الشام‪ ،‬غير أن عمر لم يرَض بذلك لئال يفتتن به المسلمون النتصاراته‬
‫المتوالية على األعداء‪ ]97[،‬فكان من أول ما فعله عمر بعد توليه أمور الخالفة أن كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح يعلمه بوفاة‬
‫أبي بكر (ولم ُي عِل م خالدًا بذلك)‪ ]98[،‬وكان يريد عزل خالد على الفور‪ ،‬حتى أنه روَي عنه أنه قال في خالد‪« :‬ال يلي لي عماًل‬
‫أبًد ا»‪ .‬وبعدها أرسل عمر كتابًا آخر إلى أبي عبيدة ُي عِل مه فيه بعزل خالد عن قيادة الجيوش وتعيينه مكانه‪ ،‬لكَّن المؤرخين‬
‫اختلفوا حول متى بالضبط وصل إلى أبي عبيدة األمر بعزل خالد‪ ]97[.‬فيقول ابن إسحاق أن ذلك كان خالل حصار دمشق‬
‫في شهر رجب من سنة ‪ 14‬هـ‪ ،‬إال أن أبا عبيدة استحى فلم ُي علم خالدًا حتى انتهى الحصار وتم الفتح‪ ]99[،‬فيما يذهب سيف‬
‫بن عمر إلى أن ذلك كان خالل معركة اليرموك عندما كان القتال ال يزال محتدمًا بين الروم والمسلمين‪ ]100[،‬بينما قال‬
‫[‪]97‬‬
‫المدائني‪ ،‬أن أمر العزل جاء حين كان المسلمون يقاتلون الروم بالياقوصة في شهر رجب‪.‬‬

‫بعد ذلك تو َّج ه أبو عبيدة مع خالد لحصار دمشق‪ ،‬وتم ّكنا من فتحها‪ ]101[.‬في هذه األثناء وصلتهما أنباء تجُّم ع جيش كبير من‬
‫الروم في مدينة بعلبك‪ ،‬وأنه يسير جنوبًا إلى فلسطين للقاء جيشي عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة[‪ ]102‬المؤلفين من‬
‫‪ 5.300‬جندي‪ .‬فقرر أبو عبيدة وخالد السير إليهما بسرعة بجيشهما المؤلف من ‪ 27,000‬مقاتل‪ ]103[،‬وسبق خالد أبا عبيدة على‬
‫رأس ‪ 1,500‬فارس لضرورة السرعة‪ ]102[.‬اجتمعت جيوش المسلمين وجيوش الروم قرب موقع فحل جنوبي الشام‪ ،‬فدارت‬
‫بعض المفاوضات قبل المعركة‪ ،‬غير أنها لم تؤّد إلى شيء‪ .‬والتقى الجيشان في ‪ 28‬من ذي القعدة سنة ‪ 13‬هـ (‪ 23‬يناير ‪653‬‬
‫م)‪
]104[،‬حوالي ‪ 32,000‬من المسلمين[‪ ]102‬ضد ما بين ‪ 50,000‬و‪ 80,000‬من الروم‪ ]105[،‬وانتصر المسلمون نصرًا كبيرًا‪ ،‬وقال ابن األثير‬
‫عن المعركة «فكانت الهزيمة بفحل والقتل بالرداغ‪ ،‬فأصيب الروم وهم ثمانون ألفًا لم يفلت منهم إال الشريد»‪ ]101[.‬وبعد‬
‫ذلك و َّلى أبو عبيدة بعض قادته على دمشق وفلسطين واألردن‪ ،‬وسار مع خالد نحو حمص ففتحاها‪ ،‬ثم إلى سهل‬
‫[‪]107‬‬
‫البقاع‪ ]106[،‬وفتحا خالل ذلك مدينة بعلبك صلحًا‪.‬‬

‫عاد الروم إلى حشد جيش ضخم من ‪ 240,000‬مقاتل‪ ،‬هذه المرة في منطقة اليرموك باألردن‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪ 13‬هـ‪ ،‬وأما‬
‫المسلمون فقد كان عددهم ‪ ،27,000‬ومع التسعة آالف جندي الذين جاء بهم خالد ليصبحوا ‪ 36,000‬جندي‪ ]92[.‬ودارت هناك‬
‫معركة اليرموك الشهيرة‪ ،‬التي بدأت في الخامس من رجب سنة ‪ 15‬هـ‪ ]108[،‬واستمَّر ت مدة ‪ 6‬أيام كاملة‪ ]109[،‬انتهت أخيرًا‬
‫بهزيمة الروم ومقتل قائدهم باهان‪ ]110[.‬وقيل أن عدد قتلى الروم في اليرموك والياقوصة بعد طلوع الشمس عقب نهاية‬
‫[‪]108‬‬
‫آخر أيام المعركة كان ‪ 120.000‬قتيل‪ ،‬وأما المسلمون فحوالي ‪ 3.000‬قتيل‪.‬‬

‫بعد المعركة انقسمت جيوش المسلمين إلى أربعة ألوية مجددًا‪ ،‬فتولى كل لواء فتح منطقة من الشام‪ ]111[.‬فخرج يزيد بن‬
‫أبي سفيان من دمشق‪ ،‬لفتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت‪ ]111[،‬وخرج عمرو بن العاص من فلسطين ففتح نابلس وعمواس‬
‫وبيت جبرين ورفح[‪ ]112‬وعسقالن‪ ،‬وفتح شرحبيل ما تب ّق ى من األردن‪ ]113[.‬وأما أبو عبيدة وخالد فقد سارا إلى مدينة حمص‪،‬‬
‫فحاصراها وفتحاها مجددًا [‪( ]114‬حيث كانا قد تركاها وأعادا ألهلها الجزية خالل انسحابهما من تقُّد م جيوش الروم قبل‬
‫اليرموك)‪ ]115[،‬ثم أتبعاه بفتح حماة والالذقية‪ ]116[.‬وبعدها خاضوا مع الروم معركة قنسرين‪ ،‬وبعد أن انتصروا بها سارا إلى‬
‫[‪]118‬‬
‫حلب وفتحاها‪ ]117[،‬وأخيرًا فتحا أنطاكية في أقصى شمال الشام‪.‬‬
‫رسم إفرنجي ُي ظهر بناء مسجد عمر بالقدس بعد الفتح اإلسالمي‪.‬‬

‫مسجد عمر بن الخطاب في القدس‪ُ ،‬بني حيث صّلى عمر أثناء مكوثه في المدينة بعد فتحها‪.‬‬

‫بعد فتح رفح‪ ،‬تو َّج ه عمرو بن العاص بجيشه أخيرًا إلى القدس‪ ،‬ومكث يحاصرها طويًال‪ ،‬ثم كاد ييأس من فتحها نظرًا‬
‫لحصانتها الشديدة‪ ،‬فاستدعى أبا عبيدة‪ ،‬فجاءه ومعه المدد‪ ،‬ثم انض َّم إليهما شرحبيل من األردن‪ ،‬وأخيرًا جاء خالد من‬
‫قنسرين لينض َّم إلى الحصار[‪ ]119‬وطال الحصار شهورًا كثيرة دون جدوى‪ ،‬حتى قَّر ر واليها االستسالم أخيرًا‪ ،‬لكنه طلب‬
‫شرطًا أخيرًا‪ ،‬وهو أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب بنفسه إلى المدينة ويفتحها‪ ،‬فقال ألبي عبيدة‪« :‬نحن نصا ِلُح ك‪...‬‬
‫فأرسل إلى خليفتكم فيكون هو الذي يعطينا العهد‪ ،‬وهو يسامحنا ويكتب لنا األمان»‪ ]120[.‬فكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره‬
‫بذلك الشرط‪ ]121[،‬فاستشار عمر كبار الصحابة‪ ،‬غير أنهم اختلفوا‪ ،‬وانقسموا إلى فريقين أساسَّي ين‪ ،‬واحد على رأسه عثمان‬
‫بن عفان يرى عدم االستجابة وحصار المدينة حتى استسالمها‪ ،‬والثاني وعلى رأسه علي بن أبي طالب يرى أنه ما من ضير‬
‫في القبول‪ ]122[،‬وقد قَّر ر عمر االنحياز إلى رأي علٍّي والقبول بالعرض‪ .‬وتختلف الروايات التاريخية حول الهيئة التي جاء‬
‫عمر بها إلى القدس‪ ،‬فتقول بعضها أنه جاء على رأس جيش كبير‪ ،‬وتقول أخرى أنه كان يرتدي مالبس مرقعة ويركب جمًال‬
‫واحدًا يتناوب عليه مع غالم‪ ،‬فلَّم ا اقترب من المدينة كان دوره في المشي على األرض ومَّر على مخاضة‪ ،‬وعندما رآه والي‬
‫وعقَب‬
‫[‪]119‬‬
‫الروم دهش من منظره‪ ،‬كما تذكر روايات أخرى أنه جاء بمظهر عادٍّي ليس متفاخرًا وال متواضعًا أكثر من الالزم‪.‬‬
‫وصول عمر إلى المدينة تسَّل م مفاتيحها‪ ،‬ودخلها فاتحًا‪ ،‬فعقد مع أهلها الصلح وأعطاهم األمان‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪15‬‬
‫هـ‪ ]123[.‬وقد دخل عمر القدس في المساء‪ ،‬فلَّم ا دخل المسجد األقصى قال «لبيك الله َّم لبيك‪ ،‬بما هو أحب إليك»‪ ،‬ثم ذهب‬
‫[‪]124‬‬
‫إلى محراب داود وصَّلى فيه‪ ،‬ولم يلبث أن طلع الفجر‪ ،‬فأمر المؤذن بإقامة الصالة ثم تقَّد م وأَّم بالفاتحين‪.‬‬

‫فتح كامل العراق وفارس‬

‫معارك خالد بن الوليد في فتح العراق‪.‬‬

‫مسجد عمر بن الخطاب بدومة الجندل‪.‬‬


‫مَّه دت لفتح العراق وفارس غارات صغيرة كان يشُّن ها المثنى بن حارثة الشيباني عقَب انتهاء حروب الردة على أطراف‬
‫اإلمبراطورية الساسانية‪ ]125[.‬قَّر ر أبو بكر تسيير جيوش المسلمين إلى العراق لفتحها‪ ،‬ووضع خَّط ة مفادها أن ينطلق جيشان‬
‫إسالمَّي ان من جنوب وشمال العراق‪ ،‬فيطبقان عليها ويلتقيان بالحيرة التي كانت آنذاك تعد عاصمة البالد‪ ]126[.‬فكتب أبو بكر‬
‫إلى خالد بن الوليد في شهر محرم سنة ‪ 12‬هـ وهو باليمامة بعد أن فرغ من قتال مسيلمة الكذاب أثناء حروب الردة‪ ،‬وأمره‬
‫بالَّس ير إلى العراق‪ ]127[،‬وأال ُي كره أحدًا ممن قاتلوا معه في اليمامة على المجيء‪ ]128[.‬وبعد أن وصلت إلى خالد تعزيزات كثيرة‬
‫كان قد طلبها من أبي بكر‪ ،‬وصل إلى العراق ومعه ‪ 18,000‬جندّي ‪ ]127[.‬من جهة أخرى‪ ،‬أمر أبو بكر عياض بن غنم بالسير إلى‬
‫دومة الجندل‪ ]128[،‬فيأتي هو من الشمال وخالد من الجنوب‪ ،‬وُي طِب قان معًا على الحيرة‪ ]129[.‬وبدأ خالد بدخول العراق‪،‬‬
‫فخاَض معارك كثيرة متتالية ضَّد الفرس كان النصر حليفه فيها جميعًا‪ ،‬في ذات السالسل والمذار والولجة وُأ ليس‬
‫والمقّر ‪ ]130[،‬وأخيرًا‪ ،‬حاصر الحيرة وفتحها في شهر ربيع األول من سنة ‪ 12‬هـ نفسها‪ ]131[.‬وُف ِت َح ت األنبار تباعًا‪ ]132[،‬ثم التقى‬
‫خالد الفرس في معركة عين التمر التي ربحها خالل دقائق‪ ]133[.‬وأما عياض بن غنم فقد قضى في حصار دومة الجندل‬
‫نصف سنة تقريًب ا دون أن يتم َّكن منها‪ ،‬فجاءه خالد بعد فراغه من عين التمر‪ ،‬ودارت معركة دومة الجندل بينه وبين حامية‬
‫المدينة‪ ،‬التي انتهت بفتحها في ‪ 24‬من رجب سنة ‪ 12‬هـ‪ ]134[.‬كانت معركة الفراض آخر معركة لخالد بن الوليد في‬
‫[‪]137‬‬
‫العراق‪ ]136[]135[،‬وبعدها سار إلى الشام عقب تل ّق يه أمر أبي بكر بالتو ُّج ه إلى هناك لمساعدة المسلمين في معركة اليرموك‪.‬‬

‫ذهب خالد بنصف الجيش‪ ،‬وبقي النص الثاني في يد المثنى بن حارثة‪ ،‬الذي حَّل مكانه في القيادة‪ .‬وقد تزامن ذلك مع فتنة‬
‫في البالط الفارسّي خَّل فها مقتل شيرويه ملك الفرس بالمدائن‪ ]130[،‬وبدأ الملوك يتاولون على الدولة الفارسية فيخلعون‬
‫الواحد تلو اآلخر‪ ]138[.‬وفي هذا الوقت‪ ،‬أرسل أحد ملوك الفرس جيشًا لقتال المسلمين‪ ،‬فالتقى المثنى بن حارثة مع الجيش‬
‫الفارسي في موقعة بابل في ربيع األول سنة ‪ 13‬هـ‪ ،‬وانتصر على الفرس‪]130[.‬‬
‫لكن تغَّي ر ميزان القوى عندما قام وال فارسّي‬
‫ُي سَّم ى رستم بانقالب على أحد األكاسرة‪ ،‬منهيًا فترة االضطراب ومستبدًا بالحكم‪ ]130[.‬فخرج المثنى في أواسط سنة ‪ 13‬هـ‬
‫إلى المدينة‪ ،‬ليقابل أبا بكر ويحكي له عن أحوال ساحة القتال‪ ،‬ويطلب منه المدد والعون الستكمال الفتح‪ ]139[.‬غير أن‬
‫المثنى وصل المدينة وأبو بكر على فراش الموت‪ ،‬فلَّم ا حكى له ما أراده قال أبو بكر‪« :‬علَّي بعمر»‪ ،‬فجاء عمر‪ ،‬فأوصاه أبو‬
‫بكر بأن يندب الناس (يدعوهم إلى الخروج للقتال) مع المثنى كل يوم‪ ]140[.‬وتوف أبو بكر بعد تلك الحادثة بأيام‪]141[.‬‬
‫َّي‬

‫ما إن انتهى دفن أبو بكر حتى وقف عمر ومعه المثنى يخطب في الناس ويدعوهم إلى االنضمام لجيوش المسلمين لقتال‬
‫الفرس‪ ،‬فخطب فيهم في آخر ليلة وفاته قائًال‪« :‬الصالة جامعة»‪ ،‬فتجَّم ع من حوله الناس‪ ،‬لكن ما إن دعاهم إلى التطوع‬
‫للقتال حتى ت فَّر قوا مجددًا دون أن يجيبوا دعوته‪ ]142[.‬ثم حاوَل مجددًا بعد صالة الفجر‪ ،‬واستمَّر على تلك الحال ثالثة أيام‬
‫متتالية دون جدوى‪ ،‬حيث كان العرب يهابون الفرس بشدة ويخشونهم كثيرًا ‪ ]137[.‬ولَّم ا كان اليوم الرابع وقف المثنى في‬
‫المسجد النبوي‪ ،‬فخطَب فيهم‪ ،‬وحَّد ثهم عن ما حققه المسلمون من انتصارات على الفرس في العراق‪ ]142[،‬ثم قام عمر‬
‫وخطب بدوره‪ ،‬وهنا صاح رجل‪« :‬أنا لها!»‪ ،‬وكان أبو عبيد الثقفي‪ ،‬ثم بدأ الناس يتط َّو عون الواحد تلو اآلخر‪ ،‬حتى اجتمع‬
‫لدى عمر والمثنى ‪ 1,000‬رجل‪ ]143[.‬وتو َّلى أبو عبيد قيادة الجيش‪ ]137[،‬فيما سبقه المثنى وعاد مسرًع ا إلى جيوشه في‬
‫الحيرة‪ ]144[.‬اتجه أبو عبيد إلى العراق‪ ،‬وانتصر على الفرس في معركة النمارق والسقاطية وباقسثيا‪ ،‬التي دارت كُّل ها خالل‬
‫تسعة أيام فقط‪ ]145[.‬لكنه هزم في موقعة الجسر وقتل فيها‪ ،‬ولم ُي ن َق ذ جيش المسلمين إال وقفة المثنى على الجسر وهو‬
‫يقاتل الفرس‪ ،‬حتى عبر كل المسلمين إلى الجانب اآلخر‪ ]146[.‬أبيد نصف الجيش في المعركة‪ ،‬ولم يبقى منه سوى ‪2,000‬‬
‫مقاتل‪]145[.‬‬
‫ُأ رسل إلى عمر رسول يروي له أحداث الجبهة‪ ،‬وهو يخطب بالناس‪ ،‬فبكى وتأثر‪ ،‬وخطب فيهم ُي حِّم سهم‪ .‬ثم أعلن النفير‬
‫العام في الجزيرة العربية‪ ،‬وأخذ يتن َّق ل بين القبائل يحثها على التطوع للقتال‪ ،‬واجتمع له أخيرًا ‪ 4,000‬متطوع‪ ]145[،‬فأرسلهم‬
‫إلى العراق‪ ،‬وهناك خاض المثنى معركة البويب ضد جيش فارسي جرار قوامه ‪ 70,000‬جندي‪ ،‬وانتصر بها‪ .‬أرسل المثنى بعد‬
‫ذلك يطلب المزيد من المدد ألن الفرس بدأوا يحشدون للقتال‪ ،‬لكنه توفَّي بعد ذلك بفترة قصيرة‪ ،‬وكانت وصيته للقائد‬
‫الذي يخلفه‪« :‬ال تقاتل الفرس إال على أبواب الصحراء»‪ ]147[.‬وأعلَن النفير العام مجددًا‪ ،‬فأرسل عمر من يدعو إلى القتال إلى‬
‫كل أنحاء الجزيرة العربية‪ ،‬واجتمع له مجددًا ‪ 4,000‬مقاتل‪ ،‬جمعهم في مكان قرب المدينة يسمى صرار‪ ]148[.‬وبعد أن اجتمع‬
‫الرجال عند عمر‪ ،‬أخذ يفكر في من سيوليه قيادة الحملة إلى العراق‪ ،‬فاحتار كثيرًا‪ ،‬حتى وصله كتاب من سعد بن أبي‬
‫وقاص‪ ،‬حيث كان قد ُع ِّي ن لجمع الصدقات بنجد‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن عوف «وجدَته!»‪ ،‬قال عمر‪« :‬فمن؟»‪ ،‬قال‪« :‬األسد‬
‫عاديًا !»‪ ]149[،‬فكانت رسالة سعد تذكرة لعمر‪ ،‬بقائده سعد‪ ]150[.‬مشى عمر مع الحملة ووَّد ع الجنود وخطب فيهم‪ ،‬ثم أوصى‬
‫سعد بالتوقف في زرود ودعوة الناس للخروج معه‪ ]151[.‬وبينما وصل سعد زرود في شتاء سنة ‪ 14‬هـ‪ ]152[،‬أخذ عمر يوجه كل‬
‫طاقته للحشد للحرب‪ ،‬فأخذ يدور على قبائل العرب ويدعوها للقتال ويجمع الناس ويرسل اإلمدادات تباعًا إلى سعد‪ ،‬وأخذ‬
‫يستخدم كل الوجهاء والخطباء والشعراء لتحريض الناس على الفرس‪ ،‬وكان يقول خالل ذلك‪« :‬واهلل ألضربَّن ملوك العجم‬
‫بملوك العرب»‪ ]153[.‬وبعد أن التقت وتجَّم عت كل الجيوش واإلمدادات‪ ،‬بلغ قوام الجيش اإلسالمي المتجه إلى فارس ‪32,000‬‬
‫[‪]147‬‬
‫مقاتل‪ ،‬وهو أكبر جيش إسالمي يدخل بالد فارس حتى ذلك الحين‪.‬‬

‫بلغ تعداد قوات الفرس في المقابل ‪ 120,000‬رجل و‪ 70‬فيًال‪ ،‬وكان التقاء الجيشين في أرض القادسية‪ ]154[.‬سبقت المعركة بعض‬
‫المقابالت والمفاوضات بين رسل من المسلمين ورستم‪ ،‬غير أنها لم تؤد إلى شيء‪ ]155[،‬ثم اندلعت المعركة الفاصلة في‬
‫فتوحات فارس‪ ،‬المسَّم اة بمعركة القادسية‪ .‬استمَّر القتال أربعة أيام على أشده‪ ،‬فلما جاء اليوم الرابع قتل رستم وهزم‬
‫الفرس وكانت تلك نهاية المعركة‪ ]156[.‬وبلغ عدد قتلى الفرس بنهاية المعركة ‪ 40,000‬قتيل‪ ،‬وأما المسلمون فحوالي ‪6,000‬‬
‫قتيل‪]157[.‬‬

‫بعد القادسية‪ ،‬كانت جيوش المسلمين تقف على مسافة ‪ 30‬كيلومتًر ا فحسب من المدائن عاصمة الفرس‪ ،‬وبإبادتهم الجيش‬
‫الفارسّي في المعركة لم تبقى أي جيوش تحول بينهم وبين العاصمة‪ ]158[.‬ومكثوا فترة في القادسية‪ ،‬حتى جاءهم األمر من‬
‫عمر بالتوجه إلى المدائن‪ ]159[.‬حاصر سعد المدائن مدة شهرين‪ ،‬حتى استسلمت فدخلها المسلمون‪ ،‬وهرب كسرى الفرس‪،‬‬
‫ووجد المسلمون داخلها ثروات هائلة‪ ]160[.‬غير أن بقايا جيوش الفرس عادت للتجُّم ع في موقعين أساسَّي ين‪ ،‬هما جلوالء‬
‫وتكريت‪ ]161[،‬فانقسم المسلمون ثالثة جيوش حسب أوامر عمر‪ ،‬األول بقيادة هاشم بن عتبة الذي مني بالنصر في معركة‬
‫جلوالء وفتح حلوان‪ ]162[،‬والثاني بقيادة عبد اهلل بن المعتم الذي نجح في فتح تكريت والموصل‪ ،‬والثالث بقيادة عتبة بن‬
‫[‪]164‬‬
‫غزوان[‪ ]163‬الذي نجح في فتح األبلة وسائر األحواز‪.‬‬

‫بعد فتح جلوالء فَّر يزدجرد إلى مرو‪ ،‬وجعلها عاصمة الفرس الجديدة‪ ،‬وبدأ بحشد الجيوش من كل أصقاع فارس لوقف‬
‫[‪]167‬‬
‫تقدم المسلمين‪ ]166[]165[.‬وسار إليهم جيش المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن‪ ،‬والتقيا قرب مدينة نهاوند في سنة ‪ 21‬هـ‪،‬‬
‫حوالي ‪ 30,000‬رجل من المسلمين و‪ 150,000‬من الفرس‪ ]168[.‬وبعد يوم من القتال الحامي هزم الفرس وانتصر المسلمون نصرًا‬
‫كبيرًا‪ ،‬فأطلقوا على معركة نهاوند فتح الفتوح‪ ،‬حيث لم يجتمع الفرس بعدها أبدًا ‪ ]169[.‬ووصلت عمر أخبار الفتح فسَّر‬
‫سرورًا عظيمًا‪ ،‬غير أنه بكى عندما سمع بمقتل النعمان وصحابة آخرين خالل المعركة‪ ]168[.‬بعد نهاوند توالت فتوحات بالد‬
‫فارس‪ ،‬ففتحت همدان فأصبهان فالري فجرجان فطبرستان فأذربيجان فخراسان فكرمان فمكران فسجستان‪ .‬وبذلك كانت‬
‫[‪]171[]170‬‬
‫نهاية الدولة الساسانية وزوالها‪ ،‬وفتح المسلمين لجميع مناطقها السابقة‪.‬‬
‫عام الرمادة وطاعون عمواس‬

‫كانت سنة ‪639‬م الموافقة لعام ‪ 18‬هـ‪ ،‬سيئة على الدولة اإلسالمية التي تعرضت لنكبتين‪ :‬المجاعة في المدينة المنورة‬
‫والطاعون في بالد الشام‪ .‬وقيل حدث ذلك آخر سنة ‪ 17‬هـ الموافقة لذات العام الميالدي سالف الذكر‪ .‬ع ّم الجدب أرض‬
‫الحجاز واسودت األرض من قّلة المطر فمال لونها إلى الرمادي مدة تسعة أشهر فسميت «عام الرمادة»‪ .‬والتجأ المسلمون‬
‫إلى المدينة المنورة‪ ،‬فأخذ عمر بن الخطاب ُي خفف عنهم‪ ،‬وكتب إلى أبي موسى األشعري بالبصرة فبعث إليه قافلة عظيمة‬
‫تحمل البر وسائر األطعمات‪ ،‬ثم قِد م أبو عبيدة بن الجراح من الشام ومعه أربعة آالف راحلة تحمل طعاًم ا فوزعها على‬
‫[‪]172‬‬
‫األحياء حول المدينة المنورة‪ .‬فخفف ذلك من الضائقة بعد أن هلك كثير من المسلمين‪.‬‬

‫أما الطاعون فبدأ في عمواس‪ ،‬وهي قرب بيت المقدس‪ ،‬فُس مي «طاعون عمواس»‪ ]174[]173[،‬ثم انتشر في بالد الشام‪ .‬وكان‬
‫عمر بن الخطاب يهم بدخول الشام وقتها‪ ،‬فنصحه عبد الرحمن بن عوف بالحديث النبوي‪« :‬إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد‪،‬‬
‫فال تقدموا عليه‪ ،‬وإذا وقع وأنتم فيه فال تخرجوا فراًر ا منه»‪ ،‬فعاد عمر وصحبه إلى المدينة المنورة‪ .‬حاول عمر بن‬
‫الخطاب إخراج أبا عبيدة بن الجراح من الشام حتى ال ُي صاب بالطاعون فطلبه إليه‪ ،‬لكن أبا ُع بيدة أدرك مراده واعتذر عن‬
‫الحضور حتى يبقى مع جنده‪ ،‬فبكى عمر‪ .‬ويبدو أن الطاعون انتشر بصورة مريعة‪ ،‬عقب المعارك التي حدثت في بالد‬
‫الشام‪ ،‬فرغم أن المسلمين كانوا يدفنون قتالهم‪ ،‬فإن عشرات آالف القتلى من البيزنطيين بقيت جثثهم في ميادين القتال‬
‫من غير أن ُت دفن‪ ،‬حيث لم تجد جيوشهم المنهزمة دائًم ا الوقت الكافي لدفن القتلى‪ .‬استمر هذا الطاعون شهًر ا‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى وفاة خمسة وعشرين أل ًف ا من المسلمين وقيل ثالثين أل ًف ا‪ ،‬بينهم جماعة من كبار الصحابة أبرزهم‪ :‬أبو عبيدة بن الجراح‬
‫وقد ُد فن في «عمتا» وهي قرية بغور بيسان‪ ،‬ومعاذ بن جبل ومعه ابنه عبد الرحمن‪ ،‬ويزيد بن أبي سفيان‪ ،‬وشرحبيل بن‬
‫حسنة‪ ،‬والفضل بن العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وأبو جندل بن سهيل‪ ]176[]175[.‬وقيل أن الطاعون أصاب البصرة أي ًض ا فمات بشر‬
‫كثير‪.‬‬

‫وبعد انحسار طاعون عمواس‪ ،‬خرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة متجًه ا نحو بالد الشام عن طريق أيلة‪ .‬فلّم ا وصلها‬
‫قّس م األرزاق وسّم ى الشواتي والصوائف وسّد فروج الشام وثغورها‪ ،‬واستعمل عبد اهلل بن قيس على السواحل ومعاوية بن‬
‫أبي سفيان على جند دمشق وخراجها‪ .‬ثم قسم مواريث الذين ماتوا‪ ،‬بعد أن حار أمراء الجند فيما لديهم من المواريث‬
‫[‪]177‬‬
‫بسبب كثرة الموتى‪ .‬وطابت قلوب المسلمين بقدومه بعد أن كان العدو قد طمع فيهم أثناء الطاعون‪.‬‬

‫فتح مصر‬

‫كثرت األقوال حول السنة التي فتحت فيها مصر‪ ،‬فوردت في كتب التاريخ سنوات ‪ 16‬و‪ 20‬و‪ 21‬و‪ 22‬و‪ 25‬هـ‪ ،‬وقد كان ذلك‬
‫عندما سمح عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر بعد انتهائه من فتح الشام‪ ،‬وذلك بعد إلحاح طويل من‬
‫عمرو‪ ]182[]181[]180[]179[]178[.‬ودخل عمرو مصر على رأس ‪ 4,000‬رجل‪ ،‬فكان أول ما فتحه هو حصن الفرما بعد حصار دام شهرًا‪،‬‬
‫شمس‪]183[.‬‬ ‫ونفس األمر في بلبيس‪ ،‬ثم سار إلى أم دنين بعد أن أمده عمر بأربعة آالف آخرين‪ ،‬وانتصر قربها في معركة عين‬
‫[‪]184‬‬
‫ثم سار إلى حصن بابليون‪ ،‬أقوى الحصون الحدودية في مصر آنذاك‪ ]183[،‬وفرض عليه حصارًا دام نصف سنة كاملة‪.‬‬
‫وأخيرًا وبعد أن تسلق األسوار الزبير بن العوام‪ ،‬وفتح الحصن من الداخل تمكن المسلمون من دخوله‪ ،‬وُف ِتَح حصن‬
‫بابليون‪ ]185[.‬وبعد فتح الحصن بنى المسلمون مدينة الفسطاط قربه‪ ]186[.‬ثم سار عمرو إلى اإلسكندرية‪ ،‬وفرض عليها حصارًا‬
‫دام ثالثة شهور حتى ٌف ِت َح ت عنوة‪ ،‬وبفتح اإلسكندرية كان قد ت َّم فتح مصر‪ ،‬ووليها عمرو ثم عبد اهلل بن سعد بن أبي‬
‫[‪]187‬‬
‫السرح من بعده‪.‬‬
‫فتح برقة وطرابلس الغرب‬

‫بعد أن أت َّم عمرو بن العاص فتح اإلسكندرية سار إلى إقليم برقة‪ ،‬الواقع اليوم شرق ليبيا‪ .‬وأرسل بداية عقبة بن نافع‬
‫ليستطلع األوضاع ويعطيه تقريرًا عن المنطقة‪ ،‬ثم فتح برقة بسهولة وسرعة‪ ]188[،‬وصالح أهلها على جزية يدفعونها له‬
‫مقدارها ‪ 13,000‬دينار‪ ،‬وكان ذلك في سنة ‪ 22‬هـ‪ ]189[.‬ث َّم فَّر ق عمرو قواته وأرسلهم إلى مختلفة أجزاء برقة ومحيطها‪ ،‬فأرسل‬
‫عبد اهلل بن الزبير إلى مصراتة وعقبة بن نافع إلى زويلة (ثم عينه قائدًا لحامية برقة) وبسر بن أرطاة إلى ودان‪ ،‬فنجحوا في‬
‫فتح كل هذه المدن‪ ]190[.‬وأخيرًا سار عمرو إلى طرابلس الغرب وحاصرها لمدة شهر‪ ،‬غير أنه لم يتمكن من فتحها‪ ،‬حتى‬
‫تمكن بعض جنوده من اقتحام المدينة‪ ،‬ف فَّر الروم إلى سفنهم للهرب‪ ،‬ودخل جيشه المدينة وفتحها‪ ]191[.‬وفتحت معها‬
‫المناطق المحيطة بها مثل غريان والزاوية وسائر جبل نفوسة‪ ]188[.‬وبعد طرابلس سار عمرو إلى سبرة‪ ،‬ففتحها هي األخرى‪،‬‬
‫مصر‪]190[.‬‬ ‫وتم بذلك فتح ليبيا‪ ]191[.‬غير أن عمر لم يأذن له بالسير أكثر حتى إفريقية‪ ،‬فعاد عمرو إلى‬

‫إدارة الدولة‬

‫ُي عتبر عمر بن الخطاب أحد عباقرة السياسة واإلدارة في التاريخ اإلسالمي خصوًص ا والعالمي عموًم ا‪ ]4[.‬فقد اتسعت حدود‬
‫الدولة اإلسالمية خالل عهده اتساًع ا عظيًم ا جعله ُي قدم على إنشاء تنظيم إداري فّع ال البقائها متماسكة وموحدة‪ ،‬وقد‬
‫استتبع هذا األمر تنظيم وإنشاء عّد ة مرافق مهمة لم تعرفها العرب من قبل‪ ،‬أو عرفتها ولكن على نحو ضّي ق بسبب طبيعة‬
‫حياة الناس داخل شبه الجزيرة قبل الفتوح اإلسالمية‪ .‬ومن مآثر عمر بن الخطاب األخرى توسيعه وترميمه للمسجد الحرام‬
‫في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة‪ ،‬الستيعاب األعداد المتزايدة من الحجاج بعد أن اعتنق الكثير من رعايا الشام‬
‫[‪]192‬‬
‫والعراق ومصر وغيرها اإلسالم‪.‬‬

‫التنظيمات السياسية واإلدارية‬

‫اتسعت أقاليم الدولة اإلسالمية األولى‪ ،‬نتيجة انتشار المسلمين في األقاليم المتاخمة لشبه الجزيرة العربية‪ ،‬لذلك عمد عمر‬
‫بن الخطاب إلى تقسيم األمصار المفتوحة إلى خمس مناطق كبيرة تنقسم بدورها إلى واليات‪ ،‬وهي‪ :‬العراق (األحواز‪،‬‬
‫الكوفة‪ ،‬البصرة)‪ ،‬فارس (سجستان ومكران وكرمان‪ ،‬طبرستان‪ ،‬خراسان)‪ ،‬الشام (قسم قاعدته حمص‪ ،‬وقسم قاعدته دمشق)‪،‬‬
‫فلسطين (قسم قاعدته أيلة وقسم قادته الرملة)‪ ،‬أفريقية (صعيد مصر‪ ،‬مصر السفلى‪ ،‬غرب مصر‪ ،‬وصحراء ليبيا)‪ .‬أما في‬
‫شبه الجزيرة العربية فأبقى على تقسيمها كما فعل أبو بكر الصديق‪ ،‬واستمرت تضم اثنتي عشر والية‪ ،‬هي‪ :‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬الطائف‪ ،‬صنعاء‪ ،‬حضرموت‪ ،‬خوالن‪ ،‬زبيد‪ ،‬مرقع‪ ،‬الجند‪ ،‬نجران‪ ،‬جرش‪ ،‬والبحرين‪ ]193[.‬كما قّس م الخليفة‬
‫واليات الشام إلى مقاطعات عدة ُد عي كل منها ُج نًد ا‪ ،‬وهي‪ :‬جند قنسرين‪ ،‬جند دمشق‪ ،‬جند حمص‪ ،‬جند األردن‪ ،‬وجند‬
‫فلسطين‪ ]194[.‬وكان عمر يختار لكِّل إقليم والًي ا‪ ،‬وكان يختارهم ممن َي َت َو َّس م فيهم الصالح والم ْق درة على إدارة شؤون‬
‫الوالية‪ ،‬وال ِق يام بالمهام الُم ْل قاة على عوات ِق هم‪ .‬وكان عمر يوِص ي أولئك الُو الَة بُح ْس ن معاَم لة الرعية‪ ،‬وا لِّر ْف ق بهم‪ ،‬وعدم‬
‫ت ْكليفهم فوق طاقتهم‪ ،‬ويحملهم مسؤولية تْط بيق شرائع اإلسالم وُس ننه؛ فقال ُم َو ِّض ًح ا واجباِت هم‪« :‬أُّي ها الناس‪ ،‬إِّن ي واهلل‬
‫ما أرسل إليكم ع َّم اًال ليضربوا أبشاركم‪ ،‬وال ليأخذوا أْع شاركم؛ ولكن أرسلهم ليع ِّل موكم دينكم وُس ننكم‪ ،‬ف َم ن ُف عل‬
‫به شيٌء سوى ذلك‪ ،‬فليرفعه إلَّي ‪ ،‬فواَّل ذي نفس عمر بيده‪ ،‬ألقتّص َّن له منه»‪ ]195[.‬كذلك كان لعمر ُم ف َّو ضون رسمُّي ون‬
‫يساِف ُر ون إلى األمصار‪ ،‬ويراجعون أعمال الُو الة‪ ،‬وكان على رأس أولئك الم فِّت شين محمد بن مسلمة‪ ،‬وهو رجٌل حازم فائق‬
‫األمانة‪ .‬وحرًص ا منه على استقرار الُو الة‪ ،‬وعدم انشغالهم بأْم ٍر غير الوالية؛ فقد أ ْج رى عليهم مرتباٍت من ش أِن ها أن تعيَن هم‬
‫على الت فُّر غ لَع َم ِل هم المنوط بهم‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬أنه أ ْج رى على عمار ‪ -‬والي الكوفة ‪ -‬ستمائة درهم‪ ،‬له ولكاتبه ومؤِّذ نيه كَّل‬
‫شهر‪ ،‬وأ ْج رى على عثمان بن حنيف ُر بع شاة وخمسة دراهم كل يوم‪ ،‬مع عطائه ‪ -‬وكان خمسَة آالف درهم ‪ -‬وأ ْج رى على عبد‬
‫[‪]195‬‬
‫اهلل بن مسعود مائة درهم في كل شهر وربع شاة كل يوم‪.‬‬

‫ُي شير بعض المؤرخين إلى أن عمر بن الخطاب اتبع نظام المركزية اإلدارية في حكمه للدولة اإلسالمية‪ ،‬أي أن حكومته‬
‫[‪]195‬‬
‫المركزية القائمة في المدينة المنورة كانت تقوم وحدها بالوظيفة اإلدارية‪ ،‬دون مشاطرة الهيئات األخرى لها في ذلك‪.‬‬
‫فقيل أن ظروف الدولة اإلسالمية في عهد عمر فرضت أسلوَب المركزية في الحكم؛ بل إن عمر قد سلك أسل وًبا مركزًّي ا‬
‫متطِّر ًف ا‪ ،‬يكاد ال يوجد له مثيل في التاريخ‪ .‬وأن هيمنته في العاصمة لم تتوقف على األمور العسكرية فحسب؛ بل امتَّد ت‬
‫إلى الشؤون المدنَّي ة‪ ،‬ومن ذلك استئذان المسلمين الخليفَة في طريقة بناء المساكن في المدن الجديدة‪ ،‬وحرص الخليفة‬
‫على أن ُي حاط علًم ا بأقاليم الدولة التي لم يذهب إليها‪ ]195[.‬وقد رّد باحثون آخرون على هذا الرأي بقولهم أن كتب السيرة‬
‫والتاريخ كما حفظت كتًب ا يوِّج ه بها عمر عَّم اله وُق واده‪ ،‬ويتابع أعمالهم ‪ -‬فقد حفظت كذلك آثاًر ا يفِّو ض فيها عمُر الرأَي‬
‫لعَّم اله وقواده؛ لكي يتصرفوا في مواجهة المواقف‪ ،‬بما تقتضيه هذه المواقف‪ ]195[.‬ومن ذلك قوله لمحمد بن مسلمة‪« :‬إن‬
‫أكمل الرجال رأًي ا َم ن إذا لم يكن عنده عْه د من صاحبه‪ ،‬عمل بالحزم‪ ،‬أو قال به»‪ ،‬وقوله لمعاوية بن أبي سفيان‬
‫حين بَّي ن له أسباب اِّت خاذه مظاهَر الملك‪« :‬ال آمرك وال أنهاك»‪ ،‬ورُّد ه على أبي عبيدة حين استشاره في دخول الدروب خلف‬
‫العدو بقوله‪« :‬أنت الشاهد وأنا الغائب‪ ،‬وأنت بحضرة ع دِّو ك‪ ،‬وعيوُن ك يأتونك باألخبار»‪ ،‬إلى غير ذلك من النصوص‬
‫التي تدُّل على أن عمر بن الخطاب كان ينتهج المنهج الالمركزي في اإلدارة‪ ،‬وليس معنى ذلك أنه قد رفع يده كلية عن‬
‫الشرعية‪]195[.‬‬ ‫الواليات األخرى؛ بل إن من حقه وواجبه اإلشراَف على هذه الواليات ومراقبتها في الحدود‬

‫نقود فارسية من الطراز الذي كان شائًع ا في خالفة عمر بن الخطاب‪ُ .‬ن قشت على هذه النقود صورة آخر أكاسرة اإلمبراطورية الفارسية الساسانية‪،‬‬
‫وأضاف عمُر نقش البسملة عليها‪.‬‬

‫نشأت الدواوين في عهد عمر بن الخطاب نتيجة التساع الدولة اإلسالمية‪ ،‬واتصال المسلمين الفاتحين عن قرب باألنظمة‬
‫الفارسية والبيزنطية في األقاليم والتعرف على حضارتها‪ ،‬فانتقوا من بين ذلك ما وجدوه مالئًم ا لالقتباس‪ ،‬كما أبقوا على‬
‫الكثير من األنظمة اإلدارية التي ثبت لهم صالحيتها لتلك البالد‪ .‬وقد ا ْخ ُت لف في تحديد نشأة الديوان؛ فيحدده الطبري‬
‫بالعام الخامس عشر للهجرة‪ ،‬بينما يذكره الماوردي في األحكام السلطانية في العام العشرين‪ ]196[.‬ومن الدواوين التي‬
‫أوجدها عمر‪ :‬ديوان اإلنشاء‪ ،‬وهو ديوان الرسائل‪ ،‬ليكون بذلك أ ّو ل من وضع هذا الديوان في اإلسالم‪ ]197[،‬ثم أنشأ ديوان‬
‫العطاء وديوان الجند الذي سَّج ل فيه أسماء المقاتلين‪ ،‬ووجهتهم‪ ،‬ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم‪ ،‬وديوان الجباية الهادف إلى‬
‫إحصاء خراج البالد المفتوحة‪ ،‬وتنظيم اإلنفاق في الوجوه التي يجب اإلنفاق فيها‪ ]196[]195[،‬وذلك بعد أن وردت األموال‬
‫الكثيرة إلى المدينة المنورة مركز الدولة اإلسالمية بعد فتح الشام والعراق‪ ،‬فأشار خالد بن الوليد وقيل الهرمزان وقيل‬
‫الوليد بن هشام بن المغيرة بإنشاء مثل هذه الدواوين إلحصاء األموال وطريقة توزيعها‪ .‬وكان ذلك تمهيًد ا إلنشاء «بيت‬
‫المال» أو «ديوان األموال» الذي يمكن اعتباره بمثابة أول وزارة للمال في اإلسالم‪ .‬وقد اهت َّم عمر باألموال الواردة للدولة‪،‬‬
‫وكان حري ًص ا جًّد ا على المحافظة عليها‪ ،‬وإعطائها لمستحقيها‪ ،‬وقد كان يتعامل معها كما يتعامل والي اليتيم مع ماله‪ ،‬فال‬
‫يأخذ منه إال كما يأخذ أدنى رجل من المسلمين‪ .‬وأبقى عمر على النقود الذهبية والفضية التي كانت متداولة وعليها نقوش‬
‫مسيحية أو فارسية‪ ،‬لكنه أضاف إلى هذه النقود البيزنطية والفارسية كلمة «جائز» ليميزها عن النقود الزائفة‪ .‬ومع ذلك‬
‫يعتبر عمر أول من ضرب النقود في اإلسالم سنة ‪639‬م‪ ،‬الموافقة لسنة ‪ 18‬هـ‪ ،‬معتمًد ا النقش الفارسي وأضاف إليها «الحمد‬
‫[‪]198‬‬
‫هلل» وفي بعضها «ال إله إال اهلل» وعلى جزء منها اسم «عمر»‪.‬‬

‫كان البريد موجوًد ا منذ تأسيس الدولة في المدينة المنورة‪ ،‬حيث كان النبي محمد يبعث الرسل إلى الملوك واألمراء ومعهم‬
‫الكتب ممهورة بخاتمه‪ .‬وقد رّت ب عمر البريد بعد أن اتسعت هذه الدولة ليسهل عملية االتصال بين المدينة المنورة والعمال‬
‫وقادة الجيش في العراق وفارس والشام ومصر‪ ،‬فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان في الشام يحثه على استعمال النار في‬
‫اإلشارات لنقل الرسائل واألخبار وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقد لها‪ .‬وقّس م الطرق إلى محطات بريدية بين‬
‫[‪]199‬‬
‫الواحدة واألخرى مسافة اثني عشر ميًال‪ ،‬وفي كل منها الحرس والزاد والماء‪.‬‬

‫أما الخطوة األخيرة في تنظيمات عمر بن الخطاب اإلدارية‪ ،‬فكانت تكريس نظام الشورى‪ ،‬عمًال باألمر الديني في القرآن‪:‬‬
‫﴿ َو َأ ْم ُر ُه ْم ُش وَر ى َب ْي َن ُه ْم ﴾‪ ،‬و﴿ َو َش ا ِو ْر ُه ْم ِف ي اَألْم ِر ﴾‪ ،‬والتي كانت دعوة صريحة اللتزام المشورة‪ .‬وفي الحديث النبوي‪:‬‬
‫«اْس َت ِش ْر ‪َ ،‬ف ِإ َّن اْل ُم ْس َت ِش يَر ُم َع اٌن ‪َ ،‬و اْل ُم ْس َت َش اَر ُم ْؤ َت َمٌن »‪ ]200[،‬و«َم ا َس ِع َد َأ َح ٌد ِب َر ْأ ِي ِه َو ال َش ِق َي َم َع َم ُش وَرٍة »‪ ]201[،‬و«مشاورة‬
‫أهل الرأي ثم اتباعهم»‪ ]202[.‬لذلك تمسك عمر بن الخطاب بمبدأ الشورى‪ ،‬وفي ذلك يقول‪« :‬ال خير في أمر ُأ برم من غير‬
‫شورى»‪ ]203[،‬واتبع القرآن والسنة النبوية في ذلك‪ ،‬فأبقى إلى جانبه كبار الصحابة من المهاجرين واألنصار يستشيرهم في‬
‫كل مسألة ال يوجد فيها نص أو حديث‪ .‬وعلى هذا األساس منع هؤالء الصحابة من مغادرة المدينة المنورة إال بإذن وبأجل‬
‫محدد‪ ،‬وذلك ليتمكن من استشارتهم ولمساندته في دعم نظام الحكم القائم أساًس ا على الشورى‪ .‬وكان عمر يستشير‬
‫[‪]196‬‬
‫الرجال‪ ،‬وكان أي ًض ا يستشير النساء‪ ،‬حيث كان يقدم الشفاء بنت عبد اهلل العدوية في الرأي‪ ،‬ويرضى عن رأيها‪.‬‬

‫تنظيم الجيش‬

‫أدرك عمر بن الخطاب أهمية الجيش في نشر اإلسالم‪ ،‬لذلك أوجد فرًق ا نظامية ُت قّد ر كل منها بأربعة آالف فارس لترابط في‬
‫كل مصر من األمصار‪ ]204[.‬وهذا يعني تأسيس جيش نظامي ثابت ُي قّد ر بإثني وثالثين ألف فارس عدا المشاة والمتطوعين‪،‬‬
‫مما يكفل حماية الدولة‪ ،‬ونّظ م الرتب في الجيش مثل «أمير الجيش» على عشرة آالف أو تزيد‪ ،‬و«أمير الكردوس» على ألف‪،‬‬
‫و«القائد» على مئة‪ ]205[.‬كان العرب ُي شكلون قوام الجيش في بداية عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬ومع اتساع رقعة الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫انضم إليهم عدد من الفرس والروم والقبط الذين اعتنقوا اإلسالم‪ ،‬وعرف الجيش اإلسالمي خالل هذا العهد استخدام‬
‫أسلحة الحصار التي اقتبست عن الروم‪ ،‬ومنها المنجنيق وأبراج الحصار والدبابة وأكباش الدك‪ ]206[.‬وأصدر عمر أي ًض ا أمًر ا‬
‫بوجوب تعّل م الجنود ركوب الخيل والرماية والمشي حفاة والسباحة‪ ،‬وأنشأ مراكَز عسكر يٍة في المدينة والكوفة والبصرة‬
‫والموصل والفسطاط ودمشق واألردن وفلسطين‪ُ ،‬بنيت فيها ثكنات مخصصة إلقامة العساكر‪ ،‬كما ُش يدت اصطبالت كبيرة‬
‫يأوي كل منها قرابة أربعة آالف حصان مخصصة لدعم الجند عند الحاجة‪ .‬باإلضافة إلى المراكز العسكرية‪ ،‬أنشأ الخليفة‬
‫معسكرات في المدن الكبيرة واألماكن ذات األهمية االستراتيجية‪ .‬وكان عمر يكره ركوب البحر ونهى قادة الجيش عن‬
‫[‪]208‬‬
‫القتال فيه‪ ]207[،‬وقد قام بعزل العالء بن الحضرمي والي البحرين ألنه ركب البحر في اثني عشر أل ًف ا غازًي ا بالد فارس‪.‬‬
‫[‪]209‬‬
‫كما أنشأ عمر ديوان الجند وكفل للجنود معيشتهم ومعيشة عائالتهم‪ ،‬مقابل انصرافهم إلى أعمال الجندية‬

‫الشرطة واألمن‬

‫يعتبر عمر بن الخطاب أول من أنشأ حبًس ا خاًص ا بالمتهمين بعد أن كان هؤالء ُي عزلون في المسجد‪ ]210[،‬وُع رف هذا الحبس‬
‫باسم «السجن»‪ .‬كما كان أول من أدخل نظام العسس للتجول والمراقبة ليًال من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم‬
‫وتنفيذ األحكام ضد المذنبين‪ ،‬وُي عتبر هذا النظام بمثابة النواة التي قامت عليها فيما بعد «الشرطة»‪ ،‬ويتوالها صاحب‬
‫الشرطة‪ .‬وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬فهو أول عّس اس في اإلسالم‪ ،‬و«العسس» اسم مشتق‬
‫[‪]211‬‬
‫كما تورده بعض المصادر من «عَّس َي ُع ُّس َع َس سًا وَع ّس ًا َأ ي طاف بالليل»‪.‬‬

‫القضاء‬

‫ولم ُي همل عمر بن الخطاب القضاء‪ ،‬فكان يتو َّلى الفصل بين الناس‪ ،‬وتطبيق الحدود واألحكام‪ ،‬ولّم ا توَّس َع ِت الدولة واختلط‬
‫العرُب بسكان البالد المفتوحة‪ ،‬وازداَد ِت القضايا في هذه األمصار ‪ -‬تعَّذ ر على الخليفة النظُر فيها‪ ،‬وكذلك الوالة‪ ،‬فعمل عمر‬
‫بن الخطاب على فصل القضاء عن الوالية‪ ،‬وشرع في تعيين القضاة في البالد المفتوحة‪ ،‬فو َّلى أبا الدرداء قضاَء المدينة‪،‬‬
‫وشريًح ا الكندي قضاء الكوفة‪ ،‬وعثماَن بن أبي العاص قضاء مصر‪ ،‬وأبا موسى األشعري قضاء البصرة‪ ]195[،‬وقد أجرى عمر‬
‫عليهم الرواتب‪ ،‬فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر‪ ،‬وجعل لشريح مائَة درهم وم ْؤ نته من الحنطة‪.‬‬
‫وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق‪ ،‬وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاَة إلى العمل على تنفيذ أحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية بحذافيرها‪ ]195[.‬كما سن عمر لهؤالء القضاة دستورًا يسيرون على هديه في األحكام‪ ،‬وقد لبث هذا الدستور‬
‫[‪]213[]212‬‬
‫مرجعًا للقضاء‬

‫الحسبة‬

‫يرى بعض المؤرخين أن الِح سبة نشأْت في عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬حيث وضع ُأ سَس ها واختصاصاِت ها‪ ،‬وكان يقوم بها بنفسه‪،‬‬
‫ثم أوكلها إلى رجل‪ ،‬أطلق عليه لقب «المحتسب»‪ .‬بينما يرى آخرون أنها نشأت في عهد الرسول محمد‪ .‬والحسبة هي‬
‫وظيفة دينية من باب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين‪ُ ،‬ي َع ِّي ُن لذلك َم ْن يراه‬
‫أهًال له‪ .‬وكانت مهمة المحتسب تتمثل في‪ :‬مراعاة أحكام الَّش رع‪ ،‬وإقامة الشعائر الدينية‪ ،‬والمحافظة عليها‪ ،‬والنظر في‬
‫أرباب البهائم‪ ،‬ومراقبة َم ن يتصَّد ر لتفسير القرآن الكريم‪ ،‬والنظر في اآلداب العامة‪ ،‬وفي البيوع الفاسدة في السوق‪،‬‬
‫والموازين والمكاييل‪ ]195[.‬وبهذا فقد تعدت الحسبة معناها وهدفها الديني إلى واجبات عملية ماِّد َّية تَّت فق مع المصالح‬
‫[‪]214‬‬
‫العاَّم ة للمسلمين‪.‬‬

‫التقويم الهجري‬
‫كان النبي محمد قد أمر بالتأريخ بعد قدومه إلى يثرب‪ .‬وقد حدث هذا التأريخ منذ العام األول للهجرة‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫كان النبي ُي رسل الكتب الممهورة بخاتمه إلى الملوك واألمراء ورؤساء القبائل المختلفة‪ ]215[.‬وما فعله عمر بن الخطاب كان‬
‫منع الخالف حول التأريخ‪ ،‬ومما ُذ كر في سبب اعتماد عمر للتاريخ أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها‬
‫تاريخ‪ ،‬فجمع عمر الناس‪ ،‬فقال بعضهم‪" :‬أرخ بالمبعث"‪ ،‬وبعضهم‪" :‬أرخ بالهجرة"‪ ،‬فقال عمر‪" :‬الهجرة فرقت بين الحق‬
‫والباطل"‪ ،‬فأرخوا بها"‪ ،‬وذلك سنة سبع عشرة‪ ،‬فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان‪ ،‬فقال عمر‪" :‬بل بالمحرم فإنه منصرف‬
‫الناس من حجهم"‪ ،‬فاتفقوا عليه‪ ]216[.‬وفي رواية أخرى أن أحدهم رفع ص ًكا لعمر محله شهر شعبان‪ ،‬فقال‪« :‬أي شعبان‪،‬‬
‫الماضي أو الذي نحن فيه‪ ،‬أو اآلتي؟ ضعوا للناس شيئ ًا يعرفون فيه حلول ديونهم»‪ ،‬فُي قال إنه أراد بعضهم أن‬
‫يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم‪ ،‬كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ والية الذي بعده‪ ،‬فكرهوا ذلك‪ ،‬ومنهم من قال‪" :‬أرخوا‬
‫بتاريخ الروم من زمان اإلسكندر"‪ ،‬فكرهوا ذلك‪ ،‬وقال قائلون‪" :‬أرخوا من مولد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم"‪ ،‬وقال‬
‫آخرون‪" :‬من مبعثه عليه السالم"‪ ،‬وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل‬
‫أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث‪ .‬فاستحسن ذلك عمر والصحابة‪ ،‬فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول وأرخوا من أول‬
‫[‪]216‬‬
‫تلك السنة من محرمها‪.‬‬

‫اغتياله‬

‫رسٌم تخُي لي ِلعبد الرحمن بن أبي بكر وقد رأى الهرمزان وفيروز وجفينة النصراني ُق بيل مقتل عمر يتشاورون وقد سقط منهم خنجر ذو نصلين‪.‬‬
‫منظر أمامي لحجرة عائشة حيث دفن عمر بن الخطاب بجانب الرسول محمد وأبي بكر‪.‬‬

‫كان عدد من الفرس الذين بقوا على المجوسية يضمرون الحقد والكراهية لقائد الدولة اإلسالمية التي دحرت جيوشهم‬
‫وقضت على إمبراطوريتهم واسعة األطراف‪ ]217[،‬ففي شهر أكتوبر من سنة ‪ 644‬اتجه عمر ألداء الحج في مكة حيث ُي عتقد أن‬
‫مخططي االغتيال اتبعوه حتى جبل عرفة‪ ،‬حيث ُس مع صوت يهتف أن عمَر لن يقف مرة أخرى على الجبل‪ ،‬وفي رواية أخرى‬
‫شوهد رجل وهو يهتف أن هذا حج الخليفة األخير‪ ،‬وفي أخرى أن إحدى الجمرات أصابت رأس ابن الخطاب خالل الرجم‬
‫وُس مع صوت أحدهم يقول أنه لن يحج مجدًد ا‪ .‬وفي جميع األحوال‪ ،‬يتفق المؤرخون أنه بعد عودة عمر بن الخطاب إلى‬
‫المدينة المنورة طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي بخنجر ذات نصلين ست طعنات‪ ،‬وهو ُي صلي الفجر بالناس‪ ،‬وكان ذلك يوم‬
‫األربعاء ‪ 26‬ذي الحجة سنة ‪ 23‬هـ‪ ،‬الموافق لسنة ‪ 644‬م‪ ،‬ثم ُح مل إلى منزله والدم يسيل من جرحه وذلك قبل طلوع الشمس‪.‬‬
‫وحاول المسلمون القبض على القاتل فطعن ثالثة عشر رجًال مات منهم ستة‪ ،‬فلما رأى عبد الرحمن بن عوف ذلك ألقى رداًء‬
‫كان معه على أبي لؤلؤة فتعثر مكانه وشعر أنه مأخوذ ال محالة فطعن نفسه منتحًر ا‪ .‬وبذلك دفن أبو لؤلؤة فيروز الفارسي‪،‬‬
‫[‪]219[]218‬‬
‫أخبار المؤامرة والدوافع إليها‪ ،‬فاختلفت الروايات حسب ما يستنتجُه المؤرخون‪.‬‬

‫من أبرز الروايات واالستنتاجات التي قيلت حول حادثة اغتيال عمر بن الخطاب‪ ،‬أن األخير كان قد حّر م على المشركين‬
‫الذين بلغوا الحلم أن يدخلوا المدينة المنورة لما انطوت عليه قلوبهم من ضغائن وأحقاد ضد اإلسالم‪ ،‬ولكن المغيرة بن‬
‫شعبة عامله على الكوفة كتب إليه يطلب منُه اإلذن بدخول ُغ الم له اسمه فيروز‪ ،‬وُي كنى بأبي لؤلؤة‪ ،‬لينتفع به المسلمون‬
‫ألنه كان يتقن عدة صناعات فهو حداد ونجار ونقاش فوافق عمر‪ ،‬وذات يوم اشتكى أبو لؤلؤة لعمر أن المغيرة يفرض عليه‬
‫خرا ًج ا كبيًر ا‪ ،‬فلما سمع منه عمر قال له إن خراجك ليس بالكبير على ما تقوم به من أعمال‪ ،‬فاغتاَظ أبو لؤلؤة المجوسي من‬
‫ذلك‪ ،‬وأضمَر الشَر والحقد عدة أيام ثم ترجمه بطعن الخليفة‪ ]220[.‬ويستند القائلون بهذه الرواية إلى القصة التي تقول أن‬
‫عبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬وهو رجل صالح ثقة‪ ،‬شهد أنه رأى الهرمزان وفيروز وجفينة النصراني ليلة الحادث يتشاورون فلما‬
‫[‪]220‬‬
‫فوجئوا به اضطربوا وسقط منهم خنجر ذو نصلين وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر أنه نفس الخنجر الذي طعن به عمر‪.‬‬
‫أما الهرمزان فكان من ملوك المجوس الفرس على منطقة األحواز‪ ،‬وقد أسره المسلمون وعفا عمر عنُه بعد نكثه العهد مراًر ا‪،‬‬
‫وكان الحقد يمأل قلبه ألنه فقد ُم لكه‪ ،‬وعندما شعَر بالخطر أظهر اإلسالم‪ ،‬ولكن الناس كانوا يشكون في إسالمه‪ .‬وأما جفينة‬
‫النصراني فهو من مسيحيي الحيرة أرسله سعد بن أبي وقاص إلى المدينة ليعلم أبناءها القراءة والكتابة‪ ]220[.‬وقال بعض‬
‫المؤرخين أنه كان لليهود دور في المؤامرة‪ ،‬واستدلوا على ذلك بأن كعب األحبار‪ ،‬وكان يهودًي ا من أهل اليمن أسلم في عهد‬
‫عمر وأفاض على الناس من أخبار اإلسرائيليات‪ ،‬وترجع كثير من إسرائيليات التفسير لروايته‪ ،‬فلما جاء كعب هذا لعمر قبل‬
‫مقتله بثالثة أيام‪ ،‬فقال له‪« :‬يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثالثة أيام»‪ ،‬فقال عمر‪« :‬وما يدريك؟»‪ ،‬قال‪« :‬أجد‬
‫في كتاب اهلل عز وجل التوراة»‪ ،‬قال عمر‪« :‬اهلل! إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟»‪ ،‬قال‪« :‬اللهم ال ولكني‬
‫أجد صفتك وحليتك‪ ،‬وأنه قد فنى أجلك»‪ ]220[.‬وهذه الرواية إن صحت تجعل الكثير يشكون في كون كعب هذا خلع‬
‫في المؤامرة لكن هذه الرواية على األغلب لم تصح‪.‬‬

‫الشورى واستخالف خليفته‬

‫عم ر
‬ ‫أعضاء الشورى بعد وفاة‬

‫الختيار الخليفة الثالث‬

‫عثمان بن عفا ن

‫عبد الرحمن بن عو ف

‫علي بن أبي طالب

‫الزبير بن العوا م

‫سعد بن أبي وقا ص

‫طلحة بن عبيد ا هلل

‫مما ال شك فيِه أَن عمر بن الخطاب أثبَت مدى حكمتِه وهو على فراش الموت‪ ،‬عندما أرسى القاعدة األساسية في الحكم‪،‬‬
‫والتي دعا اإلسالم إليها على أساس مبدأ الشورى‪ .‬وكان عمر يفكر في البداية في أبي عبيدة بن الجراح أو سالم مولى أبي‬
‫حذيفة ولكنهما توفيا قبله وقال‪« :‬لو كان أبو عبيدة بن الجراح ح ًي ا استخلفته‪ ،‬فإن سألني ربي قلت‪" :‬سمعت‬
‫نبيك يقول‪ :‬أنه أمين هذه األمة"‪ ،‬ولو كان سالم مولى أبي ُح ذيفة حيا استخلفته‪ ،‬فإن سألني ربي قلت‪:‬‬
‫"سمعت نبيك يقول‪ :‬أن سال ًم ا شديد الحب هلل"»‪ ]221[،‬فقال له أحد المسلمين‪« :‬استخلف ابنك عبد اهلل»‪ .‬فقال‪ « :‬قاتلك‬
‫اهلل‪ ،‬واهلل ما أردت اهلل بذلك‪ ،‬ويحك ال إرب لنا في أموركم‪ ،‬ما حمدتها لنفسي فأرغبها لواحد من أهل بيتي‪ ،‬إن‬
‫كان خيًر ا فقد أصبنا منه‪ ،‬وإن كان شًر ا فحسب آل عمر أن ُي حاسب منهم رجٌل واحد وُي سأل عن أمر أمة محمد‪.‬‬
‫لقد أجهدت نفسي وحرمت أهلي‪ ،‬وإن نجوت ال علَّي وال لي‪ ،‬فإني إذا لسعيد‪».‬‬

‫بناًء على هذا أوصى عمر أن يكون األمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي محمد وهو عنهم راٍض وهم‪ :‬عثمان بن عفان‪،‬‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬طلحة بن عبيد اهلل‪ ،‬الزبير بن العوام‪ ،‬عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ]222[.‬ولم يذُكر عمر بن‬
‫الخطاب في الشورى‪ ،‬سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل‪ ،‬رغم أنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة‪ ،‬وذلك لكونِه ابن عمه‪ .‬كما‬
‫أمر بحضور ابنه عبد اهلل مع أهل الشورى ليشير بالنصح دون أن يكون له من األمر شيء‪ ،‬ثم أوصى صهيب بن سنان أن‬
‫يصلي بالمسلمين ثالثة أيام حتى تنقضي الشورى‪ ]223[.‬ماَت عمر بن الخطاب بعد ثالثة أيام من طعنِه ‪ ،‬وُد فن صباح يوم‬
‫األحد أول محرم سنة ‪ 24‬هـ‪ ،‬الموافق لسنة ‪ 644‬م‪ ،‬بالحجرة النبوية إلى جانب أبي بكر الصديق والنبي محمد‪ ،‬وكان عمره‬
‫خمًس ا وستين سنة‪ .‬وكانت خالفته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقيل عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين‬

‫ليلة‪ ]224[،‬وقد استطاع في هذه الفترة القصيرة أن ُي رسي قواعد الدولة اإلسالمية األولى التي أنشأها النبي محمد ﷺ‪.‬‬

‫وصية عمر للخليفة من بعده‬


‫أوصى عمر بن الخطاب الخليفة من بعده فقال‪«
:‬أوصيك بتقوى اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأوصيك بالمهاجرين ا ألَّو لين‬
‫خيًر ا‪ :‬أن تعرف لهم سابقتهم‪ .‬وأوصيك باألنصار خيًر ا؛ فاقبل من ُم حسنهم وتجاوز عن ُم سيئهم‪ .‬وأوصيك بأهل‬
‫األمصار خيًر ا؛ فإّن هم ردء العدو‪ ،‬وجباة األموال والفيء ال تحمل فيئهم إال عن فضٍل منهم‪ .‬وأوصيك بأهل‬
‫البادية خيًر ا؛ فإّن هم أصل العرب‪ ،‬وماّد ة اإلسالم‪ :‬أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم‪ ،‬فُت رَّد على فقرائهم‪.‬‬
‫وأوصيك بأهل ال ّذ ّم ة خيًر ا‪ :‬أن تقاتل من ورائهم‪ ،‬وال تكلفهم فوق طاقتهم‪ ،‬إذا أَّد وا ما عليهم للمؤمنين طوعا‪ ،‬أو‬
‫عن يد وهم صاغرون‪ .‬وأوصيك بتقوى اهلل وشدة الحذر منه‪ ،‬ومخافة مقته؛ أن يَّط لع منك على ريبة‪ .‬وأوصيك‬
‫أن تخشى اهلل في الناس وال تخشى الناس في اهلل‪ .‬وأوصيك بالعدل في الّر عية‪ ،‬والتفُّر غ لحوائجهم وثغورهم‪.‬‬
‫وال ُت ؤِث ر غنيهم على فقيرهم‪ ،‬فإّن ذلك ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬سالمٌة لقلبك وحٌّط لوزرك‪ ،‬وخيٌر في عاقبة أمرك‪ ،‬حّت ى‬
‫ُت فضى من ذلك إلى ّم ن يعرف سريرتك‪ ،‬ويحول بينك وبين قلبك‪ .‬وآمرك أن تشتَّد في أمر اهلل‪ ،‬وفي حدوده‬
‫ومعاصيه‪ ،‬على قريب الناس وبعيدهم‪ ،‬ثم ال تأخذك في أح ٍد الّر أفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه‪،‬‬
‫واجعل الناس سواّء عندك‪ ،‬ال تبالي على َم ْن وجب الحق‪ ،‬وال تأخذك في اهلل لومة الئم‪ .‬وإياك واألثرة والمحاباة‪،‬‬
‫فيما واّل ك اهلل مما أفاء اهلل على المؤمنين‪ ،‬فتُج ور وَت ِظ لم‪ ،‬وتحرم نفسك من ذلك ما قد وَّس عه اهلل عليك‪
.‬وقد‬
‫أصبحت بمنزلٍة من منازل الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإن اقترفت لدنياك عدال وعّف ة ع ّم ا بسط اهلل لك؛ اقترفت به إيماًن ا‬
‫ورضواًن ا‪ ،‬وإن غلبك عليه الهوى ومالت بك شهوة‪ ،‬اقترفت به ُس خط اهلل ومعاصيه‪ .‬وأوصيك أال ترخص لنفسك‬
‫وال لغيرك في ظلم أهل ال ّذ ّم ة‪ ،‬وقد أوصيتك وحضضتك ونصحت لك‪ ،‬ابتغي بذلك وجه اهلل والدار اآلخرة‪.‬‬
‫واخترت من داللتك ما كنت داًال عليه نفسي وولدي‪ ،‬فإن عملت بالذي وعظتك‪ ،‬وانتهيت إلى الذي أمرتك‪،‬‬
‫أخذت به نصي ًب ا واف ًي ا وحظا وافرا‪ .‬وإن لم تقبل ذلك ولم يه َّم ك‪ ،‬ولم تنزل معاظم األمور عند الذي يرضى به‬
‫اهلل عنك‪ ،‬يكن ذلك بك انتقاًص ا‪ ،‬ورأيك فيه مدخواًل ؛ ألن األهواء مشتركة‪ .‬ورأس كُّل خطيئة‪ ،‬والّد اعي إلى كل‬
‫هلكة إبليس‪ ،‬وقد أضَّل القرون السالفة قبلك فأوردهم الّن ار‪ ،‬ولبئس الثمن أن يكون حَّظ امرئ مواالة لعدّو اهلل‪،‬‬
‫والداعي إلى معاصيه! ثم اركب الحق وخض إليه الغمرات‪ ،‬وكن واعظا لنفسك‪ .‬وأناشدك اهلل لما ترحمت على‬
‫جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم‪ ،‬ورحمت صغيرهم‪ ،‬وو َّق رت عالمهم‪ .‬وال تضربهم فيذلوا‪ ،‬وال تستأثر عليهم‬
‫بالفيء فتغضبهم‪ ،‬وال تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم‪ ،‬وال تجِّم رهم في البعوث فتقطع نسلهم‪ ،‬وال‬
‫تجعل المال دولة بين األغنياء منهم‪ ،‬وال تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم‪ ،‬هذه وصيتي إياك‪ ،‬وأشهد‬
‫السالم‪]225[».‬‬ ‫اهلل عليك‪ ،‬وأقرأ عليك‬

‫ما بعد الحادثة‬

‫اجتمع أهل الشورى في بيت المسور بن مخرمة‪ ،‬وقيل في حجرة عائشة‪ ،‬وقيل في بيت المال‪ .‬ثم انحصر األمر بين ثالثة بعد‬
‫أن فّو ض الزبير ما يستحقه إلى علي‪ ،‬وفّو ض سعد ما له إلى عبد الرحمن‪ ،‬وترك طلحة حقه إلى عثمان‪ .‬ثم انخلع عبد‬
‫الرحمن بن عوف ليختار بين اثنين‪ :‬علي وعثمان‪ ،‬فأخذ يستشير المسلمين سًر ا وجهًر ا‪ ،‬فرادى ومثنى ومجتمعين‪ ،‬مدة ثالثة‬
‫أيام بلياليها‪ .‬ثم اجتمع المسلمون في المسجد‪ ،‬ووقف عبد الرحمن بن عوف تحت المنبر وبايع عثمان بن عفان ثم بايعه علي‬
‫‪644‬م‪]226[.‬‬ ‫بن أبي طالب والمسلمون في ‪ 3‬محرم سنة ‪ 24‬هـ‪ ،‬الموافق لسنة‬
‫شخصية عمر بن الخطاب‬

‫هيئته الخارجية‬

‫كان عمر بن الخطاب أبيض البشرة تعلوه حمرة‪ ،‬وقيل أنه صار أسمر في عام الرمادة حيث أصابته مع المسلمين مجاعة‬
‫شديدة‪ ]227[.‬وكان حسن الخدين‪ ،‬أصلع الرأس‪ .‬له لحية مقدمتها طويلة وتخف عند العارضيان وقد كان يخضبها بالحناء وله‬
‫شارب طويل‪ ]228[.‬وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء لشدة خشيته من اهلل‪ ]230[]229[،‬أما شاربه فقيل أنه كان طويًال من‬
‫أطرافه وقد روى الطبراني‪ ،‬قال‪« :‬حدثنا عبد اهلل بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا إسحق بن عيسى الطباع قال‪:‬‬
‫"رأيت مالك بن أنس وافر الشارب فسألته عن ذلك فقال حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد اهلل بن الزبير أن‬
‫عمر بن الخطاب كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ"»‪ ]231[.‬وكان طويًال جسيمًا تصل قدماه إلى األرض إذا ركب الفرس‬
‫يظهر كأنه واقف وكان أعسرًا سريع المشي‪.‬‬

‫علمه وموافقات القرآن له‬

‫كان عمر قد أوتي من العلم ما فاق به الكثير من الصحابة‪ ،‬وقد شهد له بذلك النبي محمد فقال‪« :‬بينا أنا نائم أوتيت‬
‫بقدح لبن فشربت حتى إني ألرى الري يخرج في أظفاري‪ ،‬ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب‪ ،‬قالوا‪ :‬فما أولته‬
‫يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬العلم»‪ ]232[.‬وقال أي ًض ا‪« :‬بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علَّي وعليهم ُق مص‪ ،‬فمنها ما يبلغ‬
‫الثدي‪ ،‬ومنها ما يبلغ دون ذلك‪ ،‬وُع رض علَّي عمر وعليه قميص اجتره‪ ،‬قالوا‪ :‬فما أولته يا رسول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫[‪]233‬‬
‫الدين»‪.‬‬

‫فقد كان عمر بن الخطاب فقيًه ا وكان عبقرًي ا ملهًم ا‪ ،‬متوقد الذكاء‪ ،‬سريع البديهة‪ ،‬وقد قال فيه عبد اهلل بن مسعود‪ :‬إني‬
‫ألحسب ُع مر قد ذهب بتسعة أعشار العلم‪ ،‬وقد رأى النبي فيه وفي أبي بكر رؤيا فقال‪َ« :‬ر َأ ْي ُت الَّن اَس اْج َت َم ُع وا‪َ ،‬ف َق اَم َأ ُبو‬
‫َب ْكٍر َف َن َز َع َذ ُن وًبا َأ ْو َذ ُن وَب ْي ِن ‪َ ،‬و ِف ي َنْز ِع ِه َض ْع ٌف َو اُهَّلل َي ْغ ِف ُر َلُه ‪ُ ،‬ث َّم َق اَم ُع َم ُر َف اْس َت َح اَلْت َغ ْر ًبا َف َأْر َو ى َف َلْم َأ َر َع ْب َق ِرًّي ا‬
‫َف‬
‫ِم َن الَّن اِس َي ْف ِر ي ْر َي ُه َح َّت ى َض َرَب الَّن اس ِب َع َط ٍن‬
‫»‪ ،‬والتي وقع تأويلها في خالفة عمر‪]234[.‬‬

‫وكان عمر يحرص على الزواج رغبًة في الولد وتكثير النسل‪ ،‬فكلما سرح واحدًة من نسائه األربع أو تموت يأتي بأخرى‬
‫مكانها‪ ،‬حتى بلغ عدد زوجاته أربع عشرة امرأة‪ ،‬وكان له من الولد عشرٌة من البنين وسبعٌة من البنات‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إني ألكره‬
‫نفسي على الِج ماع رجاء أن يخرج اهلل مني نسمًة تسبح اهلل‪ ]235[.‬ومن أعظم ما تميز به عمر نزول عدٍد من آيات القرآن‬
‫موافقًة لرأيه‪ ،‬فقد قال ابن عمر‪«:‬ما نزل بالناس أمٌر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر؛ إال نزل فيه القرآن على نحو ما‬
‫قال عمر»‪ ]236[.‬ومن اآليات التي نزلت موافقًة لرأى عمر ما أخبر به هو عن نفسه‪ ،‬فقال‪«:‬وافقت ربي في ثالث؛ قلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى‪ ،‬فنزلت‪َ :‬و اَّت ِخ ُذ وا ِم ْن َم َق اِم ِإْبَر اِه ي َم ُم َص ًّلى البقرة‪ .125 :‬وقلت‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬لو أمرت نساءك أن يحتجبن؛ فإنه يكلمهن البر والفاجر‪ ،‬فنزلت آية الحجاب‪ .‬واجتمع نساء النبي‬

‫في الغيرة عليه‪ ،‬فقلُت لهن‪ :‬عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواًج ا خيًر ا منكن‪ ،‬فنزلت هذه اآلية»‪ ]237[.‬ومن‬ ‫ﷺ‬
‫القضايا التي نزل فيها القرآن مواف ًق ا لرأي عمر قضية أسرى بدر؛ قال ابن عباٍس ‪ « :‬فلما أسروا اُألسارى قال رسول اهلل‬
‫ألبى بكٍر وعمر‪ :‬ما ترون في هؤالء اُألسارى؟ فقال أبو بكر‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬هم بنو العم والعشيرة‪ ،‬أرى أن‬ ‫ﷺ‬
‫تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوًة على الكفار‪ ،‬فعسى اهلل أن يهديهم لإلسالم‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬ما ترى يا‬
‫ابن الخطاب؟ فقال عمر‪ :‬ال واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬ما أرى الذى رأى أبو بكر‪ ،‬ولكنى أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم‪،‬‬
‫فتمكن عل ًّي ا من عقيل فيضرب عنقه‪ ،‬وتمكنني من فالن وهو نسيٌب لي فأضرب عنقه؛ فإن هؤالء أئمة الكفر‬

‫وصناديدها‪ ،‬فهوى رسول اهلل ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر‪ ،‬فلما كان من الغد جاء عمر فإذا رسول‬
‫اهلل وأبو بكٍر قاعدين يبكيان‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاًء‬

‫بكيت‪ ،‬وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬أبكي للذي عرض على أصحابك‪ ،‬من أخذهم‬
‫الفداء‪ ،‬لقد ُع رض عليا عذابهم أدنى من هذه الشجرة‪ ،‬وأنزل اهلل ‪َ  :‬م ا َكاَن ِل َن ِب ٍّي َأ ْن َي ُكوَن َلُه َأ ْس َر ى َح َّت ى‬
‫ُي ْث ِخ َن ِف ي اَأْلْرِض ُت ِريُد وَن َع َر َض الُّد ْن َي ا َو اُهَّلل ُي ِريُد اآْل ِخ َر َة َو اُهَّلل َع ِزيٌز َح ِك ي ٌم ‪َ   ‬لْو اَل ِك َت اٌب ِم َن اِهَّلل َس َب َق َل َم َّس ُكْم‬
‫ِف ي َم ا َأ َخ ْذ ُت ْم َع َذ اٌب َع ِظ ي ٌم ‪َ    ‬ف ُكُلوا ِم َّم ا َغ ِن ْم ُت ْم َح اَل اًل َط ِّي ًب ا َو اَّتُق وا اَهَّلل ِإَّن اَهَّلل َغ ُف وٌر َرِح ي ٌم ‪    ‬األنفال‪:‬اآليات‪67‬؛‬
‫سلول‪]239[.‬‬ ‫‪ ]238[.»69‬ووافق القرآن قول عمر في مسألة تحريم الخمر‪ ،‬وعدم الصالة على زعيم المنافقين عبد اهلل بن ُأ بى بن‬

‫في السياسة‬

‫الدولة اإلسالمية في ذروة اتساعها خالل عهد عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫ُي عتبر عمر بن الخطاب أحد أبرز عباقرة السياسة عبر التاريخ‪ ،‬وفي إحدى االستبيانات احتل المرتبة الثانية والخمسين ضمن‬
‫قائمة أكثر الشخصيات تأثيًر ا في تاريخ البشرية‪ ]240[.‬كان عمر ال يتعاطى السياسة خالل عهد النبي محمد‪ ،‬أما بعد وفاة‬
‫األخير‪ ،‬أظهر عمر حنكة وبراعة في شؤون السياسة‪ ،‬فكان له الفضل في جعل الكثير من الصحابة ُي بايعون أبا بكر بالخالفة‪،‬‬
‫وكان طيلة عهده يعاونه في شؤون الحكم وإدارة الدولة المتنامية يوًم ا بعد يوم‪ .‬وبعد وفاة أبو بكر ومبايعة عمر الخالفة‪،‬‬
‫استطاع أن يكسب تأييد الكثير من القبائل البدوية بعد أن أطلق سراح جميع سجنائهم الذين اعتقلوا خالل حروب الردة‪.‬‬
‫وكان لمهارته في الخطابة أثر كبير في ازدياد شعبيته بين الناس‪ ،‬وباألخص الطبقات الفقيرة والمحرومة في المجتمع‬
‫اإلسالمي الفتّي ‪ .‬أثبت عمر بن الخطاب كفائته في إدارة شؤون الدولة خالل عام القحط الذي وقعت البالد خالله في‬
‫مجاعة عظيمة‪ ،‬فتمكن بفضل اتباعه ألساليب فّع آلة ديناميكية من إنقاذ ماليين األشخاص من الموت‪ .‬وأكثر ما يشهد البن‬
‫الخطاب ببراعته في حكم الدولة‪ ،‬إنشائه لبنيان إداري متين تمكن بواسطته من حكم دولة مترامية األطراف ومتعددة‬
‫القوميات‪ ،‬وإبقائها متماسكة موحدة لفترة استمرت سنين طويلة بعد وفاته‪ ]241[،‬وكذلك إعجاب وتعّلق أبناء األراضي‬
‫المفتوحة حديًث ا به النتهاجه سياسة التسامح الديني التي يدعو إليها القرآن‪ ،‬مع أهل الكتاب خاصًة ‪ ،‬ولفرضه ضرائب‬
‫عليهم أقل مما كانوا يدفعونه للحكام الروم والفرس خالل العهد السابق لإلسالم‪ ،‬وإلبقائه عدد من ح ّكام الواليات من أهل‬
‫تلك البالد في مناصبهم‪ ،‬ولمنعه االقتتال بين الطوائف الدينية الكتابية‪ .‬وكان عمر بن الخطاب شديًد ا مع عمال الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فكان يوصيهم بأهالي األقاليم خيًر ا‪ ،‬فيروي الطبري أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال‪« :‬اللهم‬
‫إني أشهدك على أمراء األمصار‪ ،‬إني إنما بعثتهم ليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم‪ ،‬وأن يقسموا فيهم فيئهم‪،‬‬
‫وأن يعدلوا‪ ،‬فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي»‪ ]196[.‬وكان إذا استعمل العمال على األقاليم خرج معهم يشيعهم‬
‫ويوصيهم فيقول‪« :‬إني لم أستعملكم على أشعارهم وال على أبشارهم‪ ،‬وإنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم‬
‫الصالة‪ ،‬وتقضوا بينهم بالحق‪ ،‬وتقسموا بالعدل‪ ،‬وإني لم أسلطكم على أبشارهم وال أشعارهم‪ ،‬وال تجلدوا العرب‬

‫فتذلوها‪ ،‬وال تجمروها فتفتنوها‪ ،‬وال تغفلوا عنها فتحرموها‪ ،‬جردوا القرآن‪ ،‬وأقلوا من رواية محمد ﷺ وأنا‬
‫شريككم»‪]196[.‬‬

‫وكان عمر بن الخطاب ُي تابع أمور الدولة بنفسه على الدوام‪ ،‬فلم يكتفي بأن يحسن اختيار عماله‪ ،‬بل كان يبذل أقصى الجهد‬
‫لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم‪ ،‬وكان شعاره لهم‪« :‬خير لي‬
‫أن أعزل كل يوم والًي ا من أن أبقي ظالًم ا ساعة نهار»‪ .‬كما استمر يطلب منهم على الدوام أن يرسلوا وفًد ا من أهل البالد‬
‫ليسألهم عن بالدهم‪ ،‬عن الخراج المفروض عليهم ليتأكد بذلك من عدم ظلمهم‪ ،‬ويطلب شهادتهم‪ ]196[.‬ومن شّد ة حرصه‬
‫على إقامة العدل في البالد‪ ،‬ف ّكر قبل مقتله أن يجول على الواليات شخ صًّي ا لمراقبة العمال‪ ،‬ويتفقد أحوال الرعية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫«لئن عشت إن شاء اهلل ألسيرن في الرعية حوًال‪ ،‬فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني‪ ،‬أما عمالهم فال‬
‫يرفعونها إلّي ‪ ،‬وأما هم فال يصلون إلّي ‪ ،‬فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها‬
‫شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين‪ ،‬ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين»‪ ]196[.‬كما كان عمر بن‬
‫الخطاب يخشى انتشار كبار الصحابة في المناطق التي انتشر فيها اإلسالم حيث إغراء الدنيا بامتالك الضياع وافتتان‬
‫المسلمين بهم مما يوفر لكل منهم األرض والمال واألتباع فيكون لنفسه دولة داخل الدولة‪ ،‬فتضيع بذلك الخالفة وينقسم‬
‫المسلمون‪ .‬لذلك كان يقول لهم‪« :‬إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها»‪ ]242[.‬وكان هذا هو السبب وراء عزل عمر‬
‫لخالد بن الوليد بعد أن ُف تن الناس به وتحدثوا عن انتصاراته في الشام والعراق‪ ]243[،‬فتغّنى الشعراء بفعاله‪ ،‬فوهبهم خالد‬
‫من ماله وأغدق عليهم‪ ،‬ولّم ا بلغه أن الخليفة عزله‪ ،‬اتجه للمدينة المنورة للقاء عمر‪ ،‬محتًج ا على ما اعتبره ظلًم ا‪ ،‬إال أن عمر‬
‫أصر على قراره‪ ،‬وُن قل عنه أنه قال‪« :‬إني لم أعزل خالًد ا عن سخطة وال خيانة‪ ،‬ولكن الناس فتنوا به‪ ،‬فخفت أن‬
‫يوكلوا إليه وُي بتلوا به‪ .‬فأحببت أن يعلموا أن اهلل هو الصانع‪ ،‬وأال يكونوا بعرض فتنة‪»]246 []245[]244[.‬‬

‫عسكريته‬
‫السيف ذو الوشاح سيف عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫اشتهر عمر بن الخطاب بقوته البدنية الهائلة‪ ،‬فكان إذا ضرب أوجع‪ُ ،‬ي صارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم‪ ،‬وقد طغت‬
‫عليه هذه السمعة أكثر مما طغت عليه سمعته كمبارز بالسيف‪ ،‬لكن أكثر ما اشتهر به في كتب التاريخ كان استراتيجياته‬
‫العسكرية الباهرة‪ ،‬التي وضعته ضمن قائمة أبرز العسكريين في التاريخ‪ .‬لعب عمر وخالد بن الوليد دور أساسي في رسم‬
‫االستراتيجية العسكرية لجيوش المسلمين خالل حروب الردة‪ ،‬لكن عبقرية األول العسكرية لم تتجلى إال عام ‪636‬م عندما‬
‫تمكن من تفكيك الحلف الفارسي البيزنطي‪ ،‬بعد أن أبرم اإلمبراطور هرقل والشاه يزدجرد الثالث اتفاًق ا تعاهدا خالله على‬
‫السير مًع ا ومواجهة المسلمين عدوهم المشترك‪ .‬وقد استغل عمر بن الخطاب عدم مقدرة الشاه الفارسي على الوصول‬
‫بجيوشه في فترة متزامنة مع وصول جيش الروم‪ ،‬فهاجمهم ودفعهم إلى القتال وهم ما زالوا غير مستعدين‪ .‬وقد فعل‬
‫ذلك عبر دفعه بفرق صغيرة من الجنود إلى خطوط الجيش البيزنطي‪ ،‬واستمر يفعل ذلك حتى بدا للروم وكأن سيًال‬
‫متدف ًق ا من اإلمدادات يصل تباًع ا إلى المسلمين‪ ،‬فانقضوا عليهم على الرغم من ممانعة اإلمبراطور هرقل‪ ،‬فوقعوا في الفخ‬
‫الذي ُن صب لهم‪ ،‬وتم الفوز للمسلمين‪ .‬كذلك أقدم عمر على نقل قسم من جيش الشام إلى العراق حتى يلقى جحافل‬
‫الفرس إلى جانب جيش العراق‪ ،‬وقد أثبتت هذه الخطة مدى كفاءتها عندما أنزل جنود الشام المخضرمين هزيمة قاسية‬
‫بالفرس في معركة القادسية الحاسمة‪.‬‬

‫كان الستراتيجية عمر بن الخطاب وبعد نظره أثر كبير في فوز المسلمين خالل معركة حمص الثانية سنة ‪ 638‬م‪ ،‬عندما قام‬
‫مسيحيو الجزيرة الفراتية من العرب‪ ،‬بمهاجمة جناح الجيش اإلسالمي بمعاونة الروم‪ ،‬فأخذوا المسلمين على حين غّر ة ثم‬
‫ضربوا الحصار على المدينة‪ .‬فأمر عمر بتحريك جيش العراق وفتح بالد نصارى العرب الُم شاركين في الهجوم‪ ،‬أي الجزيرة‪،‬‬
‫لُي شتت قواتهم وُي فرقها‪ ،‬فهاجم المسلمون تلك البالد‪ ،‬مما جعل الُم حاصرين يلتفتون ناحية وطنهم للدفاع عنه‪ ،‬لكن عمَر‬
‫أرسل إلى سعد بن أبي وقاص قائد جيش العراق أن ُي رسل إلى حمص مدًد ا عسكرًي ا ليضغط على العدو وُي شتت قواتهم‬
‫أكثر فأكثر‪ ،‬وقد أقدم على قيادة فرقة عسكرية بنفسه وسار بها من المدينة المنورة إلى حمص‪ ،‬ولّم ا بلغ مسامع المحاصرين‬
‫قدوم تلك األعداد الهائلة من الجنود‪ ،‬انسحبوا عائدين إلى ديارهم‪ ،‬فتمكن المسلمون من الحفاظ على حمص وفتحوا قسًم ا‬
‫من بالد مابين النهرين وأرمينية‪.‬‬

‫ُي عد فتح جميع أراضي اإلمبراطورية الفارسية الساسانية أهم إنجازات عمر بن الخطاب العسكرية على اإلطالق‪ .‬كان عمر بن‬
‫الخطاب قد هادن الفرس بضع سنوات جعل خاللها من جبال زاغروس الحد الفاصل بين أراضي الدولة اإلسالمية‬
‫واإلمبراطورية الفارسية‪ ،‬وبعد أن استراح الجيش وعاود الجنود استعدادهم‪ ،‬أمر الخليفة بمهاجمة الفرس مجدًد ا‪ ،‬فتمكن‬
‫المسلمون من هزيمتهم الهزيمة الكبرى في معركة نهاوند‪ ،‬ثم انطلقوا يفتحون جميع المدن والقالع الحصينة‪ ،‬وكانت‬
‫إستراتيجية ابن الخطاب تتمثل في مهاجمة األهداف مراًر ا وتكراًر ا من عّد ة جوانب حتى تسقط‪ ،‬وقد تمكن من فتح تخوم‬
‫اإلمبراطورية عبر مهاجمته مركزها أوًال‪ ،‬فعزل بذلك أذربيجان وفارس الشرقية‪ ،‬ثم أصدر أوامره بالهجوم عليها‪ ،‬فسقطت‬
‫دون عناء كبير‪ ،‬ثم حّو ل أنظاره إلى سیستان وكرمان وفتحها‪ ،‬عازًال بذلك خراسان‪ .‬وفي المرحلة األخيرة من فتح فارس‪،‬‬
‫هاجم المسلمون خراسان وهزموا الفرس آخر هزيمة على ضفاف نهر جيحون‪ ،‬وهرب الشاه يزدجرد الثالث إلى آسيا‬
‫الوسطى‪]247[.‬‬

‫مواقفه وآراءه‬

‫رسٌم تخُي لي ِلُع مر بن الخَّط اب نائًم ا في ظل شجرة نخيل (لم ُت صَّو ر مالمحه احتراًم ا ) وقد ُأ حضر رسول الُف رس أمامه‪ُ .‬ت عد هذه إحدى أشهر الوقائع‬
‫التاريخَّي ة التي ُي ستدل فيها على ابتعاد ُع مر بن الخَّط اب عن اُألبهة ومعيشة الُم لوك‪.‬‬
‫يشتهر عمر بن الخّط اب عند أهل السنة والجماعة بكونه رجل مواقف‪ ،‬وصاحب أقوال وآراء بارزة ومهمة‪ ،‬فيرون أنه كان‬
‫دائم الرقابة هلل في نفسه وفي عماله وفي رعيته‪ ،‬بل إنه ليشعر بوطأة المسؤولية عليه حتى تجاه البهائم العجماء فيقول‪:‬‬
‫«واهلل لو أن بغلة عثرت بشط الفرات لكنت مسؤوًال عنها أمام اهلل‪ ،‬وأخاف أن يسألني اهلل عنها‪" :‬لماذا لم تفتح‬
‫لها الطريق يا عمر؟"»‪ ،‬ومن شّد ة شعوره بالمسؤولية عن رعيته‪ ،‬حلف لما اشتد الجوع بالناس في عام الرمادة أن ال يأتدم‬
‫بالسمن حتى يفتح على المسلمين عامه هذا‪ ،‬فصار إذا أكل خبز الشعير والتمر بغير أدم يقرقر بطنه في المجلس فيضع يده‬
‫عليه ويقول‪ « : ‬إن شئت قرقر وإن شئت ال تقرقر‪ ،‬مالك عندي أدم حتى يفتح اهلل على المسلمين»‪ .‬وكان عمر يأمر‬
‫قادته في الجهاد أال يغزوا بالمسلمين‪ ،‬وال ينزلوهم منزل هلكة‪ ،‬وقد خطب في والته في إحدى المرات فقال‪« :‬اعلموا أنه ال‬
‫‪ ،‬وال أعم من حلم إمام ورفيقه‪ ،‬وأنه ليس أبغض إلى اهلل وال أعم من جهل إمام وخرقه‪،‬‬ ‫حلم أحب إلى اهلل‬
‫واعلموا أنه من يأخذ بالعافية فيمن بين ظهرانيه يرزق العافية فيمن هو دونه»‪ ]196[.‬وبلغ من درجة شعوره‬
‫بالمسؤولية أنه لم يكن ينام إال قليًال‪ ،‬فكان ينعس وهو قاعد فقيل له‪« :‬يا أمير المؤمنين أال تنام؟»‪ ،‬فقال‪« :‬كيف أنام؟ إن‬
‫[‪]248‬‬
‫نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين‪ ،‬وإن نمت بالليل ضيعت حظي من اهلل عز وجل»‪.‬‬

‫يرى أهل السنة والجماعة أن عمَر كان رجًال إيجابًي ا‪ ،‬واإليجابية هي التفاعل مع األحداث‪ ،‬والتأثير في سيرها‪ ،‬وعدم‬
‫السكوت عن الفعل الشاذ‪ ،‬ومن هذا التعريف يستدلون على إيجابيته‪ ،‬فكان يأمر بالمعروف‪ ،‬وينهى عن المنكر‪ ،‬ويسعى‬
‫للتغيير بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬ما لم تتعارض مع دينه وعقيدته‪ ،‬ومن مظاهر إيجابيته عدم السكوت عن المشورة‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن ذلك مطل وًبا منه‪ ]249[.‬وكان كذلك رجًال متواضًع ا يعيش‪ ،‬كما أبا بكر قبله‪ ،‬وعثمان وعلي بعده‪ ،‬حياًة بعيدة عن األّب هة‬
‫والترف‪ ،‬وكان يصرف على نفسه بما يربحه من التجارة‪ ]250[،‬ولم يتخذ لنفسه قصًر ا أو ملبًس ا فاخًر ا‪ ،‬ولم يعش حياة الملوك‪،‬‬
‫ومن أبرز القصص التي ُي ستدل بها على ذلك‪ ،‬الرواية الشهيرة التي تقول أن رسوًال من الفرس اتجه إلى المدينة المنورة‬
‫ليرى كيف يعيش ملكها وكيف يتعامل مع شعبه‪ ،‬ولّم ا وصل واستدل على بيت الخليفة‪ ،‬وجده مبنًي ا من طين وعليه شعر‬
‫ماعز وضعه عمر لكي ال يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأوالده‪ ،‬ولّم ا سأل عن الخليفة‪ ،‬أشار الناس إلى رجل نائم‬
‫تحت ظل شجرة‪ ،‬وفي ثوبه عدد من الرقع‪ ،‬وبدون أي حراسة‪ ،‬فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى‬
‫فارس وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة‪« :‬حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر»‪ .‬كذلك يعتبر السّنة عمر‬
‫بن الخطاب أحد أكثر الرجال عدًال في التاريخ‪ ،‬ويؤكدون اعتقادهم بما ُن قل عن الرسول محمد من أحاديث‪ ،‬منها ما رواه‬

‫اإلمام أحمد بن حنبل بسنده َع ْن َأ ِب ي ُه َر ْي َر َة َق اَل ‪َ « :‬ق اَل َر ُس وُل اِهَّلل ﷺ‪ِ" :‬إَّن اَهَّلل َج َع َل اْلَح َّق َع َلى ِل َس اِن ُع َم َر‬
‫َو َق ْل ِب ِه "»‪ ]251[.‬وما ورد في موطأ اإلمام مالك بن أنس بسنده َع ْن َس ِع يِد ْب ِن ا ْل ُم َس َّي ِب ‪:‬‬

‫َمَر ْب َن ا ْل َخ َّط اِب ا ْخ َت َص َم ِإ َلْي ِه ُم ْس ِلٌم َو َي ُه وِد ٌّي ‪َ ،‬ف َر َأ ى ُع َمُر َأ َّن ا ْل َح َّق ِل ْلَي ُه وِد ِّي ‪َ ،‬ف َق َض ى َلُه ‪َ ،‬ف َق اَل َلُه ا ْلَي ُه وِد ُّي ‪َ " :‬و اِهَّلل‬ ‫‪  ‬إَّن ُع ‪ ‬‬

‫َل َق ْد َق َض ْي َت ِب ا ْل َح ِّق "‪َ .‬ف َض َرَب ُه ُع َمُر ْبُن ا ْل َخ َّط اِب ِب الِّد َّرِة ‪ُ ،‬ث َّم َق اَل ‪َ " :‬و َم ا ُي ْد ِر يَك ؟" َف َق اَل َلُه ا ْلَي ُه وِد ُّي ‪ِ" :‬إَّن ا َن ِج ُد َأ َّن ُه َلْي َس َق اٍض‬
‫َي ْق ِض ي ِب ا ْل َح ِّق ِإَّال َكاَن َع ْن َي ِم يِنِه َم َلٌك َو َع ْن ِش َم ا ِلِه َم َلٌك ُي َس ِّد َد اِنِه ‪َ ،‬و ُي َو ِّف َق اِنِه ِل ْل َح ِّق َم ا َد اَم َم َع ا ْل َح ِّق ‪َ ،‬ف ِإ َذ ا َتَر َك ا ْل َح َّق‬
‫‪ ‬‬ ‫[‪]252‬‬
‫َع َر َج ا َو َتَر َكاُه"‬
‫‪ ‬‬

‫ومن القصص األخرى التي وردت عن عدل عمر بن الخطاب‪ ،‬أن رجًال قبطًي ا أتاه يوًم ا من مصر يشكو إليه ضرب أحد أبناء‬
‫عمرو بن العاص البنه الذي كان يعمل في خدمته‪ ،‬عندما كانا يتسابقان على ظهر الخيل‪ ،‬معتمًد ا على سلطان والده عمرو‬
‫والي مصر‪ .‬فقرر الرجل رفع األمر إلى خليفة المسلمين الذي سمع بعدله مع الجميع‪ ،‬حتى يأخذ بحق ولده‪ ،‬ولّم ا تبين لعمر‬
‫صحة كالمه‪ ،‬كتب إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة بصحبة ابنه‪ ،‬فلما حضر الجميع أمامه‪ ،‬ناول عمر‬
‫الغالم القبطي سوًط ا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص‪ ،‬فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في‬
‫نفسه‪ .‬ثم قال له عمر‪« :‬لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ ألن الغالم إنما ضربك لسلطان أبيه»‪ ،‬ثم التفت إلى‬
‫عمرو بن العاص قائًال‪« :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟»‪ ]253[.‬يعّد أهل السّنة عمر أي ًض ا أحد أكثر‬
‫الرجال بعًد ا للنظر‪ ،‬ومن أشهر الروايات التي يستدلون بها على ذلك‪ ،‬تلك التي جاء فيها تصرفه عندما كان في زيارة لكنيسة‬
‫القيامة في القدس‪ .‬فبعد فتح المدينة‪ ،‬دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقد كنيسة القيامة‪ ،‬فلبى دعوته‪ ،‬وأدركته الصالة وهو‬
‫فيها فتلفت إلى البطريرك وقال له «أين أصلي؟»‪ ،‬فقال «مكانك صِل »‪ ،‬فقال‪« :‬ما كان لعمر أن ُي ص ّلي في كنيسة القيامة‬
‫فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجًد ا»‪ .‬وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته‬
‫وصلى‪ ]255[]254[.‬فيعتبرون أن عمر خاف من نشوب صراع بين المسلمين والمسيحيين على ملكية الكنيسة من بعده‪ ،‬وأن‬
‫يكون لهذا الصراع نتائج ال ُت حمد ُع قباها‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى تشويه صورة اإلسالم وأهله‪.‬‬

‫اللقب والكنية‬

‫الفاروق‬

‫لقبه «الفاروق» وكنيته «أبو حفص»‪ ،‬أما كنيته‪ ،‬فقد قيل أن الرسول محمد كّناه بذلك يوم بدر[‪ ]257[]256‬ويرجع سبب إطالق‬
‫المسلمين السّنة لقب «الفاروق» على عمر ابن الخطاب‪ ،‬ألنه حسب الروايات أنه أظهر اإلسالم في مكة وفّر ق بين الحق‬
‫والباطل‪ .‬وكان الناس يهابونه‪ ،‬فعندما آمن وجاء إلى الرسول في دار األرقم بن أبي االرقم قال له‪« :‬ألسنا على حق؟» قال‪:‬‬
‫«بلى» قال‪« :‬والذي بعثك بالحق لنخرجن»‪ .‬وخرج المسلمون في صفين صف يتقدمه حمزة بن عبد المطلب وصف يتقدمه‬
‫عمر فيعتبرون أن فرق اهلل به بين الكفر واإليمان‪ ]258[.‬وقيل أول من سماه بذلك النبي محمد‪ .‬فقد روى ابن عساكر في تاريخ‬
‫دمشق وأبو نعيم في حلية األولياء عن ابن عباس أنه قال‪:‬‬

‫«سألت عمر رضي اهلل عنه "ألي شيء سميت الفاروق؟" قال‪" :‬أسلم حمزة قبلي بثالثة أيام‪ ،‬ثم شرح اهلل‬
‫صدري لإلسالم"‪ ،‬فقلت‪" :‬اهلل ال إله إال هو له األسماء الحسنى‪ ،‬فما في األرض نسمة أحب إلي من نسمة‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم"‪ ،‬قلت‪" :‬أين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟" قالت أختي‪" :‬هو في‬
‫دار األرقم بن األرقم عند الصفا"‪ ،‬فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار‪ ،‬ورسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم في البيت‪ ،‬فضربت الباب فاستجمع القوم‪ ،‬فقال لهم حمزة‪" :‬مالكم؟" قالوا‪" :‬عمر"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"فخرج رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره فما تمالك أن وقع على ركبته"‪،‬‬
‫فقال‪" :‬ما أنت بمنته يا عمر؟" قال‪" :‬فقلت‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده الشريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدًا‬
‫عبده ورسوله"‪ .‬قال‪" :‬فكّب ر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد"‪ ،‬قال‪" :‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل ألسنا على‬
‫الحق إن متنا وإن حيينا؟" قال‪" :‬بلى‪ ،‬والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم"‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"فقلت‪ :‬ففيم االختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن"‪ ،‬فاخرجناه في صفين حمزة في أحدهما‪ ،‬وأنا في‬
‫اآلخر‪ ،‬له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد‪ ،‬قال‪" :‬فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة‬

‫يومئذ الفاروق‪ .‬وفرق اهلل بين الحق والباطل‪»]260[]259[".‬‬ ‫لم يصبهم مثلها فسماني رسول اهللﷺ‬
‫وروى الطبري في تاريخه‪ ،‬وابن أبي شيبة في تاريخ المدينة وابن سعد وابن األثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة عن‬
‫أبي عمرو ذكوان قال‪" «:‬قلت لعائشة‪" :‬من سمى عمر الفاروق؟" قالت‪ :‬النبي صلى اهلل عليه وسلم"‪»]26 3[]26 2[]26 1[.‬‬
‫وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق والمتقي الهندي في كنز العمال عن النزال بن سبرة قال‪« :‬وافقنا من علي يوًم ا أطيب‬
‫نفًس ا ومزاًج ا فقلنا يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال‪" :‬ذاك امرؤ سماه اهلل الفاروق فرق به بين‬
‫الحق والباطل"‪ »]26 6 []26 5[]26 4[.‬وقيل سماه به أهل الكتاب‪ .‬قال ابن سعد في الطبقات الكبرى‪ « :‬قال ابن شهاب‪" :‬بلغنا أن‬
‫أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق‪ ،‬وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم‪ ،‬ولم يبلغنا أن رسول اهلل‬
‫ذكر من ذلك شيئ ًا ولم يبلغنا"[‪ »]26 7‬وقيل سماه به جبريل عليه السالم‪ ،‬رواه البغوي‪]269[]268[.‬‬

‫أمير المؤمنين‬

‫على خالف مع الشيعة‪ ،‬يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب أول من ُس مي بأمير المؤمنين‪ ،‬فبعد وفاة النبي محمد خلفه أبو‬
‫بكر والذي كان ُي لقب بخليفة رسول اهلل كما يروي ذلك أهل السنة‪ .‬فلما توفي أبو بكر أوصى للخالفة بعده لعمر بن الخطاب‪،‬‬
‫فقيل لعمر «خليفة خليفة رسول اهلل»‪ .‬فاعترض عمر على ذلك قائًال‪ « :‬فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة‬
‫رسول اهلل فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء» فقال بعض‬
‫المؤمنين‪]270[.‬‬ ‫أصحاب الرسول‪« :‬نحن المؤمنون وعمر أميرنا»‪ .‬فُد عي عمر أمير‬

‫وروى البخاري في األدب المفرد والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز سأل‬
‫أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة‪ :‬لم كان أبو بكر يكتب‪ :‬من أبي بكر خليفة رسول اهلل‪ ،‬ثم كان عمر يكتب بعده‪ :‬من عمر بن‬
‫الخطاب خليفة أبي بكر‪ ،‬من أول من كتب‪ :‬أمير المؤمنين؟ فقال‪« :‬حدثتني جدتي الشفاء‪ ،‬وكانت من المهاجرات األول‪،‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه إذا هو دخل السوق دخل عليها‪ ،‬قالت‪" :‬كتب عمر بن الخطاب إلى عامل‬
‫العراقين‪ :‬أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين‪ ،‬أسألهما عن العراق وأهله‪ ،‬فبعث إليه صاحب العراقين بلبيد بن‬
‫ربيعة‪ ،‬وعدي بن حاتم‪ ،‬فقدما المدينة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد‪ ،‬ثم دخال المسجد فوجدا عمرو بن‬
‫العاص‪ ،‬فقاال له‪ :‬يا عمرو‪ ،‬استأذن لنا على أمير المؤمنين عمر‪ ،‬فوثب عمرو فدخل على عمر فقال‪ :‬السالم‬
‫عليك يا أمير المؤمنين‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬ما بدا لك في هذا االسم يا ابن العاص؟ لتخرجن مما قلت‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قدم لبيد بن ربيعة‪ ،‬وعدي بن حاتم‪ ،‬فقاال لي‪ :‬استأذن لنا على أمير المؤمنين‪ ،‬فقلت‪ :‬أنتما واهلل أصبتما اسمه‪،‬‬
‫وإنه األمير‪ ،‬ونحن المؤمنون"»‪ .‬فجرى الكتاب من ذلك اليوم‪ ]272[]271[.‬وقال الذهبي في «تاريخ اإلسالم ووفيات المشاهير‬
‫[‪]273‬‬
‫واألعالم»‪ :‬قال الزهري‪« :‬أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة»‪.‬‬

‫في حين يرى الشيعة على أن علي بن أبي طالب هو أول من لقب بأمير المؤمنين‪ ]275[]274[.‬وُي روى كذلك أن عبد اهلل بن‬
‫جحش األسدي هو أول من ُس مي بأمير المؤمنين في السرية التي بعثه فيها النبي محمد إلى نخلة حسب األحاديث‬
‫[‪]276‬‬
‫الصحيحة الواردة في كتب السنة‬

‫أزواجه وذريته‬
‫تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية واإلسالم وله ثالثة عشر ولًد ا‪ ]277[،‬أما نسائه فهن‪:‬‬

‫قبل اإلسالم‬
‫قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم المخزومية القرشية‪ ،‬أخت أم سلمة‪ ،‬بقيت قريبة على شركها‪ ،‬وقد تزوجها‬
‫عمر في الجاهلية‪ ،‬فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له‪ ،‬حتى نزلت اآلية‪َ  :‬يا َأ ُّي َه ا ا َّل ِذ يَن آَم ُن وا ِإ َذ ا َج اَء ُكُم‬
‫َتْر ِج ُع و ُه َّن ِإ َلى ا ْل ُكَّف ا اَل ُه َّن ِح ٌّل َل ُه ْم َو اَل‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِم َناُت ُم َه ا ِج َر اٍت َف اْم َت ِح ُن و ُه َّن اُهَّلل َأ ْع َلُم ِب ِإ يَم اِن َّن َف ِإ ْن َع ِلْم ُت ُم و ُه َّن ُم ْؤ ِم َناٍت َف اَل‬
‫ِر‬ ‫ِه‬
‫ْل‬ ‫اَل‬ ‫ُه ْم َي ِح ُّل وَن َل ُه َّن َو آُت و ُه ْم َم ا َأ ْن َف ُق وا َو اَل ُج َناَح َع َلْي ُكْم َأ ْن َت ْن ِك ُح و ُه َّن ِإ َذ ا آَت ْي ُت ُم و ُه َّن‬
‫ُأ ُج وَر ُه َّن َو ُت ْم ِس ُكوا ِب ِع َص ِم ا َكَو اِف ِر‬
‫َح ِك ي ٌم ‪ ،    ‬وذلك بعد صلح الحديبية‬ ‫َو اْس َأ ُل وا َم ا َأ ْن َف ْق ُت ْم َو ْلَي ْس َأ ُل وا َم ا َأ ْن َف ُق وا َذ ِل ُكْم ُح ْكُم اِهَّلل َي ْح ُكُم َب ْي َن ُكْم َو اُهَّلل َع ِل ي ٌم‬
‫فطّل قها ثم تزوجها معاوية بن أبي سفيان وكان مشركًا‪ ،‬ثم طلقها‪ .‬ولم يرد أنها ولدت لعمر‪.‬‬

‫أم كلثوم مليكة بنت جرول الخزاعية‪ :‬تزوجها في الجاهلية ولدت له زيًد ا‪ ،‬وعبيد اهلل‪ ،‬ثم طلقها بعد صلح الحديبية بعد‬
‫نزول اآلية‪﴿ :‬وال ُت َم ِّس ُكوا ِب ِع َص ِم ا ْل َكَو اِف ِر ﴾‪ ،‬فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشرًكا‪.‬‬

‫زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحية القرشية‪ :‬أخت عثمان بن مظعون‪ ،‬تزوجها بالجاهلية‬
‫في مكة‪ ،‬ثم أسلما وهاجرا مًع ا إلى المدينة المنورة ومعهما ابنهما عبد اهلل بن عمر‪ .‬وولدت له حفصة وعبد الرحمن وعبد‬
‫اهلل‪.‬‬
‫بعد اإلسالم‬
‫جميلة بنت ثابت بن أبي األقلح األوسية األنصارية‪ :‬وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي محمد‬
‫جميلة‪ ،‬تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولًد ا واحًد ا في العهد النبوي هو عاصم ثم طلقها عمر‪ .‬فتزوجت‬
‫بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر‪.‬‬

‫عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي العدوية القرشية‪ .‬وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين‬
‫بالجنة‪ ،‬زوجة عبد اهلل بن أبي بكر من قبله‪ ]278[،‬ولدت له ولًد ا واحًد ا هو عياض بن عمر‪ .‬تزوجت من الزبير بن العوام بعد‬
‫وفاة عمر‪.‬‬

‫أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم المخزومية القرشية‪ :‬كانت تحت عكرمة بن أبي جهل‪ ]279[،‬فقتل عنها في‬
‫معركة اليرموك‪ ،‬فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬فقتل عنها يوم مرج الصفر‪ ،‬فتزوجها عمر بن الخطاب‪ ،‬فولدت له‬
‫فاطمة بنت عمر‪.‬‬

‫أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية‪ .)1( :‬تزوجها وهي صغيرة السن‪ ،‬وذلك في السنة السابعة عشرة‬
‫زيد‪ ]281[،‬ورقية‪]282[.‬‬ ‫للهجرة‪ ]280[،‬وبقيت عنده إلى أن قتل‪ ،‬وهي آخر أزواجه‪ ،‬ونقل الزهري وغيره‪ :‬أنها ولدت لعمر‬

‫اآلراء والمواقف حول عمر‬


‫نظرة أهل السنة والجماعة‬

‫تخطيط السم عمر بن الخطاب على إحدى جدران آيا صوفيا‪.‬‬

‫منظر جانبّي آخر داخل آيا صوفيا يظهر فيه تخطيط اسم النبّي محمد وعمر بن الخطاب جنًب ا إلى جنب‪.‬‬

‫ُي عّد عمر بن الخطاب أحد أكثر الشخصيات تبجيًال عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬فيعتبرونه أحد أكثر الرجال ورًع ا وتقوى‪ ،‬ومن‬
‫أشد الصحابة حًب ا لإلسالم ودفاًع ا عنه وعن أهله‪ ،‬ومن أكثرهم إخالًص ا له‪ .‬وهم يقرون بصحة خالفته كما بصحة خالفة‬
‫باقي الخلفاء الراشدين‪ ،‬ويعتبر أهل السنة أن عمَر كان مثال القائد الصالح‪ ،‬فلم يتخذ عرًش ا ولم يعش حياًة مختلفة عن‬
‫حياة الناس العاديين ودائًم ا ما ف ّض ل مصلحة األمة اإلسالمية على مصلحته الشخصية‪ ،‬وإنه ثالث خير الناس لألمة بعد‬
‫الرسول محمد وأبي بكر [‪ ،]283‬وذلك نقًال عن علي بن أبي طالب‪ ،‬حيث روى البخاري في صحيحه والترمذي في السنن‬
‫والطبراني في المعجم األوسط‪ ،‬عن محمد بن الحنفية (وهو محمد بن علي بن أبي طالب) قال‪:‬‬

‫«قلت ألبي‪" :‬أي الناس خير بعد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم؟" قال‪" :‬أبو بكر"‪ .‬قلت‪" :‬ثم من؟" قال‪:‬‬
‫"ثم عمر"‪ .‬وخشيت أن يقول عثمان‪ ،‬قلت‪" :‬ثم أنت؟" قال‪" :‬ما أنا إال رجل من المسلمين"‪»]286[]285[]284[.‬‬

‫وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل عمر ومكانته‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫ما رواه البخاري ومسلم والنسائي والطبراني وأحمد وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال‪:‬‬

‫«أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال لعمر‪" :‬والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالًكا َف ّج ا إال‬
‫سلك َف ّج ا غير َف ّج ك"‪-‬حديث صحيح[‪»]290[]289[]288[]287‬‬

‫وروى البخاري عن أبي هريرة ومسلم عن عائشة أن الرسول قال‪:‬‬

‫«إنه كان قد كان فيما مضى قبلكم من األمم محدثون‪ ،‬وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن‬
‫الخطاب‪-‬حديث صحيح[‪»]292[]291‬‬

‫وروى الطبراني في الكبير (‪ )8813/9‬بإسناد حسن من طريق زائدة عن عاصم عن زر عن عبد اهلل بن مسعود قال‪:‬‬

‫«إذا ذكر الصالحون فحي هال بعمر‪ ،‬إن إسالمه كان نصًر ا‪ ،‬وإن إمارته كانت فتًح ا‪ ،‬وايم اهلل ما أعلم على‬
‫األرض شيًئ ا إال وقد وجد فقد عمر حتى العضاه‪ ،‬وايم اهلل إني ألحسب بين عينيه ملًكا يسدده ويرشده‪،‬‬
‫وايم اهلل إني ألحسب الشيطان يفرق منه أن يحدث في اإلسالم حدثا فيرد عليه عمر»‬

‫وعن طلحة بن عبيد اهلل قال‪« :‬ما كان عمر بأولنا إسالًم ا وال أقدمنا هجرة‪ ،‬ولكنه كان أزهدنا في الدنيا وأرغبنا‬
‫الفضائلي‪]293[.‬‬ ‫في اآلخرة»‪ ،‬خرجه‬

‫أحاديث مرفوعة‪:‬‬

‫َق اَل َر ُس وُل اِهَّلل َص َّلى اُهَّلل َع َلْي ِه َو َس َّل َم ‪ِ « :‬إ َّن ُه َلْم َي ُكْن َق ْب ِل ي َن ِب ٌّي ِإ اَّل َق ْد ُأ ْع ِط َي َس ْب َع َة ُر َف َق ا َء ُن َج َبا َء ُو َز َر ا َء ‪َ ،‬و ِإ ِّن ي ُأ ْع ِط يُت‬
‫َأ ْر َب َع َة َع َش َر‪َ :‬ح ْم َز ُة ‪َ ،‬و َج ْع َف ٌر ‪َ ،‬و َع ِل ٌّي ‪َ ،‬و َح َس ٌن ‪َ ،‬و ُح َس ْي ٌن ‪َ ،‬و َأ ُب و َب ْكٍر‪َ ،‬و ُع َم ُر ‪َ ،‬و ا ْل ِم ْق َد اُد ‪َ ،‬و َع ْب ُد اِهَّلل ْبُن َم ْس ُع وٍد ‪َ ،‬و َأ ُب و َذ ٍّر ‪،‬‬
‫[‪]295[]294‬‬
‫َو ُح َذ ْي َف ُة ‪َ ،‬و َس ْل َماُن ‪َ ،‬و َع َّم اٌر ‪َ ،‬و ِب اَل ٌل »‪.‬‬

‫نظرة الشيعة‬

‫ُت قسم وجهة النظر الشيعية حول عمر بن الخطاب إلى قسمين‪ :‬رأي الشيعة اإلثنا عشرية ورأي الشيعة الزيدية‪ .‬أما اإلثنا‬
‫عشرية فنظرتهم إلى ابن الخطاب نظرة سلبية‪ ،‬وهو عندهم منقلب خائن للنبي محمد‪ ،‬ومغتصب لحق علي بن أبي طالب في‬
‫خالفة المسلمين‪ ،‬وعند بعض المراجع فهو قاتل ابنة الرسول وزوجة اإلمام علي‪ ،‬فاطمة الزهراء‪ .‬وفي هذه الرواية أن عمَر‬
‫اتجه إلى دار فاطمة ليأتي بعلي والزبير بن العوام ليبايعا أبا بكر بالخالفة‪ ،‬فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار‪،‬‬
‫فلقيته فاطمة فقالت‪« :‬يا بن الخطاب‪ ،‬أجئت لتحرق دارنا؟» قال‪« :‬نعم‪ ،‬أو تدخلوا ما دخلت فيه األمة»‪ ]298[]297[]296[،‬وقد‬
‫أشار عدد من علماء الشيعة إلى أن عمر بن الخطاب أضرم النار في الدار وتعّر ض لفاطمة بالضرب بعد أن قاومته‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعلها تجهض حملها وتفارق الحياة بعد فترة‪ ]300[]299[،‬على أنهم اختلفوا في كيفية حصول ذلك على وجه الدقة‪ ]301[.‬كذلك‬
‫تعتبر االثنا عشرية أن أ ّو ل من ُل قب بالفاروق من قبل النبي محمد هو علي بن أبي طالب‪ ]302[.‬أما الزيدية فنظرتهم إلى عمر‬
‫بن الخطاب أكثر اعتداًال‪ ،‬فهم يقرون بصحة خالفته وال يسّب ونه‪ ،‬لكنهم يعتقدون على الرغم من ذلك أن اإلمام علًي ا أحق‬
‫بالخالفة‪ ،‬وذلك بناًء على مبدأ خالفة المفضول مع وجود األفضل‪ ]303[.‬وقد ورد في عدد من المراجع الشيعية أن عمر لما‬
‫حضرته الوفاة رفض تسمية أحًد ا من الستة قائاًل ‪« :‬واهَّلل ‪ ،‬ما يمنعني أن أستخلفك يا سعد إاّل شّد تك وغلظتك‪ ،‬مع‬
‫أّن ك رجُل حرٍب ! وما يمنعني منك يا عبد الرحمن إاّل أّن ك فرعون هذه اُالّم ة! وما يمنعني منك يا زبير إاّل أّن ك‬
‫مؤمن الرضى‪ ،‬كافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إاّل َنْخ وته وِك ْب ره‪ ،‬ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته!‬
‫وما يمنعني منك يا عثمان إاّل عصب ّي تك وح ّب ك قوَم ك وأه َلك! وما يمنعني منك يا علّي إاّل حرصك عليها! وإّن ك‬
‫أحرى القوم‪ ،‬إن ِّل يتها‪ ،‬أن تقيم على الحّق المبين‪ ،‬والصراط المستقيم»‪]305[]304[.‬‬
‫ُو‬

‫نظرة المسيحية‬

‫من المعروف أن الكنائس المسيحية الكاثوليكية واألرثوذكسية والبروتستانتية‪ ،‬ال تقدم رأًي ا في الشخصيات غير الدينية‪،‬‬
‫فموقفها ونظرتها محصورة في أنبياء ومؤسسي الديانات األخرى‪ ،‬أما أتباعهم وصحابتهم فال تبدي رأيها بهم غالًب ا‪ .‬غير أن‬
‫احتكاك المسلمين بالمسيحيين في الشام والعراق ومصر خالل عهد عمر بن الخطاب‪ ،‬ولجوء بعض رجال الدين النصارى‬
‫إليه شخصًي ا ليرفع ظلم الروم عن رعاياهم‪ ،‬جعل بعض المؤرخين المسيحيين يذكرون عمر بن الخطاب بالخير ويحيطونه‬
‫باالحترام والتبجيل‪ ]306[.‬ونقل البعض أمثال ميخائيل الكبير أّن رافضي مجمع خلقيدونية رددوا‪« :‬المجد لرّب النقمة الذي‬
‫نجانا على يد اإلسماعيليين من البيزنطيين»‪ ]307[،‬ويرى المؤرخ اليسوعي هنري المنس أن هذا التعاون والترحيب هو ما‬
‫يفّس ر السقوط السريع للشام والعراق البالغ عدد سكانها زهاء أربعة ماليين نسمة بفترة زمنية قصيرة وبعدد قليل نسبًي ا من‬
‫الجنود‪ ]308[.‬وكان لمنح عمر سكان إيلياء «القدس» عهًد ا بحماية أماكن عبادتهم وبتوفير األمان لهم وألموالهم وبحرية‬
‫ممارسة شعائرهم الدينية‪ ،‬مقابل دفع الجزية سنوًي ا لبيت المال‪ ،‬أثر في حصوله على احترام وحب المسيحيين الذين‬
‫[‪]309‬‬
‫عاصروه‪ ،‬والعديد من الذين تابعوا سيرته في األجيال الالحقة‪.‬‬

‫رأي الغرب‬
‫قال المؤرخ األمريكي واشنطن ايرفينجفي كتابه «محمد وخلفاؤه»‪:‬‬

‫‪  ‬إن ‪ ‬‬
‫تاريخ عمر بالكامل يظهر لنا أنه (عمر) كان ذو عقلّي ة فّذ ة‪ ،‬ونزاهة ثابتة صلبة‪ ،‬وعدالة صارمة‪ ،‬وكان أكثر من أي‬
‫أحد آخر هو المؤسس لإلمبراطورية اإلسالمية‪ ،‬مؤكدا ومن ّف ذا للوحي النبوي‪ ،‬مساعدا ومشاورا ألبي بكر خالل‬
‫فترة خالفته القصيرة‪ ،‬وواضعا ومؤسسا لألنظمة واللوائح التي تنظم إدارة القانون عبر حدود وأنحاء الفتوحات‬
‫اإلسالمية الممتدة بسرعة‪ ،‬وقد كانت (سياسة) اليد الصارمة التي تعامل بها مع قادة جيوشه األكثر شعبية في‬
‫خضم جيوشهم وفي أبعد مشاهد إنتصاراتهم‪ ،‬أعطت (هذه السياسة) دليال بارزا على قدرته االستثنائية على‬
‫الحكم‪.‬‬

‫من خالل بساطة عاداته وازدرائه لمظاهر البهاء والترف واألبهة‪ ،‬فقد اقتدى بمثال النبي وأبو بكر‪ .‬وقد سعى بشكل‬
‫مستمر ليؤثر ويحث قادة جيوشه على التحلي بهذه الصفات والسياسات‪ ،‬ففي رسائله لقادة الجيوش كان يقول‪:‬‬
‫"حذار من الترف الفارسي‪ ،‬سواء في المطعم او في الملبس والزموا عادات بالدكم البسيطة‪ ،‬وسينصركم اهلل‬
‫عليهم وسيفتح لكم‪ ".‬وقد كانت عقيدته القوية واقتناعه الراسخ بهذه السياسات هي التي جعلته يتشدد في‬
‫معاقبة ُكّل أسلوب متباه وإنغماس فاخر في ضّب اِط ه‪ .‬وباإلضافة لذلك‪ ،‬فإن المراسم المتّب عة (في وقته) تشير بالثناء‬
‫على قلبه باإلضافة إلى عقله‪ ،‬فقد نهى أن ُت باع أية امرأة وقعت في األسر وقد ُو لد لها طفل على أنها رقيق‪ ،‬وأما‬
‫عند توزيع األعطيات للمسلمين‪ ،‬من الغنائم أو من بيت المال‪ ،‬فقد قّس مها حسب حاجات وليس مميزات الطالبين‪،‬‬
‫وكان يقول‪" :‬اهلل أعطانا هذه األشياء الدنيوية لسّد احتياجاتنا‪ ،‬وليس لمكافأة فضائلنا‪ ،‬تلك المكافأة حسابها في‬
‫اآلخرة"‪]310[.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويقول المستشرق اإلسكتلندي وليم موير في كتابه «صعود وانحدار الخالفة»‪:‬‬

‫‪  ‬إن ‪ ‬‬
‫حياة عمر ال تتطلب الكثير إلظهار مالمحها‪ ،‬البساطة والواجب كانتا مبادءه التوجيهية‪ ،‬النزاهة والعدل‬
‫والتفاني كانت الميزات الرائدة في حكمه‪ ،‬وكانت تثقل كاهله مسؤولية الخالفة حتى أنه كان يقول‪" :‬يا ليت أمي‬
‫لم تلدني‪ ،‬او أني كنت قصبا من عشب بدال من ذلك"‪ .‬كان في صباه ذا مزاج ناري سريع اإلّت قاد‪ ،‬ومن ثم ُع رف بعد‬
‫ذلك في األيام القادمة خالل صحبته األولى لمحمد كالمحامي الصارم المتأهب للثأر‪ ،‬ومن ذلك نصيحته بأن يقتل‬
‫أسارى بدر‪ ،‬ولكن التقدم في العمر فضال عن كاهل المسؤولية قد خففت من حّد ته‪ ،‬وكان حّس ه بالعدالة قوّي ا‪.‬‬
‫وباستثناء ما وقع بينه وبين خالد بن الوليد من المشاحنات‪ ،‬فإنه لم يسَّج ل عليه أي عمل من الطغيان أو الظلم‪،‬‬
‫وحتى في مسألته مع خالد فإنما كانت معاملته له كخصم في الحق وليس ألهواء شخصية‪ .‬وكان اختياره لقادة‬
‫جيوشه خاليا من المحاباة والتفضيلية‪ ،‬وباستثناء عّم ار والمغيرة فإن اختياره كان دائما محظوظا‪.‬‬

‫إن القبائل والجماعات المختلفة في أنحاء اإلمبراطورية‪ ،‬والتي تمثل المصالح األكثر تنوعا‪ ،‬قد وضعت في نزاهته‬
‫الثقة المطلقة‪ ،‬وقد أبقت قبضته القوية على إنضباط القانون واإلمبراطورية‪ ...‬كان يجوب شوارع وأسواق‬
‫المدينة وسوطه بيده‪ ،‬جاهزا لمعاقبة المفترين فورا‪ ،‬وهكذا ظهر المثل "أن دّر ة عمر (سوطه) مهاب أكثر من سيف‬
‫غيره"‪ .‬ولكن مع كل هذا‪ ،‬فقد كان رقيق القلب‪ ،‬وسّج لت له أفعال من الشفقة والرحمة ال تعّد مثل مواساة وتخفيف‬
‫[‪]311‬‬ ‫حاجات األرامل واليتامى‪"..‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وفي كتاب «تاريخ أفول وسقوط الدولة الرومانية»‪ ،‬يقول المؤرخ اإلنجليزي إدوارد جيبون‪:‬‬

‫‪  ‬ومع ‪ ‬‬
‫ذلك فإن ع ّف ة تواضع عمر لم تكن بأقل مستوى من فضائل أبي بكر‪ ،‬كان طعامه (عمر) يتكون من مجرد التمر أو‬
‫الخبز‪ ،‬وكان شرابه الماء‪ .‬وكان يخطب بالناس وعليه ثوب مخّر ق في إثني عشر موضعا‪ .‬وقد رآه المرزبان (حاكم‬
‫مقاطعة فارسي) عندما أتى زائرا ليؤدي لعمر فروض الطاعة‪ ،‬رآه نائما مع الفقراء المعدمين في أحد طرقات‬
‫المدينة‪ .‬إن هذا التواضع والتسامح مقرونا بزيادة الدخل العام (للدولة) م ّكن عمر من توزيع األعطيات على‬
‫المؤمنين بشكل عادل ومنتظم متجاهال لمكافأة نفسه‪ .‬فمثال أعطى العباس عم الرسول أول وأعلى المخصصات‪،‬‬
‫حوالي خمس وعشرين ألف درهم‪ .‬وخصص خمسة آالف للمجاهدين األولين ممن شهدوا بدرا‪ ،‬أعطى للباقين من‬
‫أصحاب محمد ثالثة آالف درهم لكل منهم‪.‬‬

‫‪ ...‬خالل خالفته ومن سبقه (أبو بكر) فقد كان فاتحو الشرق هم عبيد اهلل المخلصون‪ ،‬كانت الثروات المجتمعة‬
‫مكّر سة للنفقات‪ ،‬للحرب والسالم‪ ،‬في مزيج حكيم من الغنيمة والعدالة‪ .‬حافظ هذا على اتحاد وانضباط أهل‬
‫الصحراء عن طريق سعادة نادرة كّو نت توازنا بين تنفيذ الحكم المطلق والحكم الجمهوري من خالل ثوابت‬
‫للكل‪]312[.‬‬ ‫متساوية‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫هوامش‬

‫‪ 1‬يختلف علماء السنة والشيعة في مسألة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب‪ ،‬إذ أن السّنة‬
‫يؤكدونها بينما الشيعة ينكرونها‪ .‬ووفق الرواية السنية فإن عمَر خطب أم كلثوم وهي صغيرة‪ ،‬فقيل له‪« :‬ما تريد إليها؟»‪،‬‬
‫قال‪" :‬إني سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪" :‬كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إال سببي ونسبي«‪ .‬وروى عبد اهلل بن‬
‫أسلم عن جده أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين أل ًف ا‪ .‬وبهذا فإن السّنة يعتقدون أن عمر تزوج بأم كلثوم حتى ُي صبح من‬
‫أنسباء النبي محمد‪ .‬ويروى أن عمَر قال لعلي‪ »:‬زوجنيها أبا حسن فإني أرصد من كرامتها ما ال يرصده أحد«‪ .‬قال‪ »:‬فأنا‬
‫أبعثها أليك‪ ،‬فإن رضيتها فقد زوجتها«‪ .‬قال‪ »:‬فبعثها إليه ببرد وقال لها‪« :‬قولي له هذا البرد الذي قلت لك»‪ ،‬فقالت له‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪« :‬قولي له قد رضيت اهلل عنك»‪ ،‬ووضع يده على ساقها فكشفها‪ ،‬فقالت‪« :‬أتفعل هذا؟ لوال أنك أمير المؤمنين‬
‫لكسرت أنفك»‪ ،‬ثم مضت إلى أبيها فأخبرته‪ ،‬وقالت‪« :‬بعثتني إلى شيخ سوء!» قال‪« :‬يا بنية إنه زوجك»‪ .‬ونقل الزهري‬
‫وغيره أنها ولدت لعمر زيًد ا‪ ،‬وقيل ولدت رقية‪ ]313[.‬أما الشيعة فقد ذهب عدد من علمائهم إلى أن أم كلثوم زوجة عمر‬
‫هي بنت جرول ألنه عند بعضهم أن أم عبيد اهلل بن عمر بن الخطاب هي أم كلثوم بنت جرول‪ .‬فقال قال ابن حبان‪:‬‬
‫«عبيد اهلل بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي أمه بنت حارثة بن وهب الخزاعي قتل يوم صفين وكان مع‬
‫معاوية»‪ ]314[،‬وقال ابن حجر‪« :‬عبيد اهلل بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمه أم كلثوم بنت جرول الخزاعية‬
‫وهو أخو حارثة بن وهب الصحابي المشهور ألمه ولد في عهد النبي»‪ ]315[.‬ويقول بعض علماء الشيعة أنه لو ُس ّل م‬
‫جدًال أن الزواج قد وقع فعمر ظاهره مسلم وعندهم يجوز تزويج المسلم‪ ،‬والزواج في نفسه ال يدل على شيء‪ ،‬وفي‬
‫كثير من األحيان الزواج ال يدل على الفضل والمحبة كما في زواج فرعون من آسية بنت مزاحم‪ ،‬فهي كانت مؤمنة‪ ،‬فإن‬
‫كانت الشريعة في تلك األزمنة تجّو ز زواج الكافر من المسلمة فيمكن القول بأن عمر مسلم ويجوز أن يتزوج من أم كلثوم‬
‫وهذا ال يدل على أي فضيلة‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬عندما رأى النبي لوط أن المصلحة المرتبطة بالشريعة تقتضي أن يطلب‬
‫[‪]316‬‬
‫من قومه وهم كفار‪ ،‬الزواج من بناته‪ ،‬طلب ذلك منهم‪.‬‬

‫مراجع‬

‫‪ .1‬أحمد‪ ،‬نذير‪ ،‬اإلسالم في التاريخ العالمي‪ :‬منذ وفاة النبي محمد ﷺ وحتى نشوب الحرب العالمية األولى‪ ،‬المعهد األمريكي للثقافة‬
‫والتاريخ اإلسالمي‪ ،2001 ،‬ص‪.ISBN 0-7388-5963-X .34 .‬‬

‫‪ .2‬الدولة العربية اإلسالمية األولى (‪ 41-1‬هـ ‪ 661-623 /‬م )‪ .‬الطبعة الثالثة ‪ 1995‬م‪ .‬دكتور عصام شبارو‪ .‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ‪-‬‬
‫لبنان‪ .‬صفحة‪279 :‬‬

‫‪.Hourani, p. 23 .3‬‬

‫نسخة محفوظة‬ ‫‪ .4‬المكتبة اليهودية الرقمية‪ :‬الخالفة اإلسالمية الراشدة (‪)https://www.jewishvirtuallibrary.org/the-caliphate‬‬


‫(‪https://web.archive.org/web/20170102065105/https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/History/Caliphate.html) 02‬‬
‫يناير ‪ 2017‬عل موقع وا باك مش ن‬

‫كتب ودراسات عنه‬


‫قادة فتح العراق والجزيرة (الطبعة الثالثة سنة ‪،)1977‬‬ ‫الكامل في التاريخ – المجلدان الثاني والثالث‪ ,‬ابن األثير (‪،)1979‬‬
‫محمود شيت خطاب‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬ ‫عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أبي الكرم الشيباني‪ ،‬دار‬
‫صادر‪{{ .‬استشهاد بكتاب}}‪ :‬تأكد من صحة قيمة |األول=‬
‫القادسية (الطبعة الثالثة سنة ‪ ،)1977‬أحمد عادل‬
‫كمال‪ ،‬دار النفائس‪.‬‬ ‫(مساعدة)‬

‫سقوط المدائن (الطبعة الثالثة سنة ‪ ،)1984‬أحمد‬ ‫الوجيز في الخالفة الراشدة (الطبعة األولى سنة ‪ ،)2006‬محمد‬

‫عادل كمال‪ ،‬دار النفائس‪.‬‬ ‫قباني‪ ،‬دار الفاتح ‪ -‬دار وحي القلم‪.‬‬

‫عبقرية عمر ‪ -‬المؤلف عباس محمود العقاد‪.‬‬ ‫عمر بن الخطاب‪ :‬الفاروق القائد (الطبعة الثانية سنة ‪،)1966‬‬
‫محمود شيت خطاب‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪.‬‬
‫نظرات في فقه الفاروق عمر بن الخطاب (‪http://w‬‬
‫‪ww.al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.ph‬‬ ‫عصر الّص ِّد يق (الطبعة األولى سنة ‪ ،)1983‬شبير أحم محمد علي‬

‫‪ -‬محمد محمد المدني‪.‬‬ ‫‪)p?file=018159.pdf‬‬ ‫الباكستاني‪ ،‬الدار السعودية‪.‬‬

‫مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (‪http://ww‬‬ ‫فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب (الطبعة األولى سنة‬

‫?‪w.al-mostafa.info/data/arabic/depot2/gap.php‬‬ ‫‪ ،)2002‬علي محمد محمد الصالبي‪ ،‬مكتبة الصحابة‪ ،‬مكتبة التابعين‪.‬‬

‫‪ -‬ابن الجوزي‪.‬‬ ‫‪)file=015332.pdf‬‬ ‫الطريق إلى دمشق (الطبعة الثالثة سنة ‪ ،)1985‬أحمد عادل كمال‪،‬‬

‫عمر بن الخطاب‪ :‬الوثيقة الخالده للدين الخالد (‪htt‬‬ ‫دار النفائس‪.‬‬

‫‪p://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.ph‬‬ ‫اليرموك والفتح العمري اإلسالمي للقدس (الطبعة األولى سنة‬


‫‪ -‬عبد الكريم الخطيب‪.‬‬ ‫‪)p?file=000946.pdf‬‬ ‫‪ ،)2002‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬

‫الفاروق عمر بن الخطاب (‪http://www.al-mostaf‬‬ ‫أكرم‪ ,‬آغا إبراهيم (‪ ،)1982‬سيف اهلل‪ :‬خالد بن الوليد‪ – ‬دراسة‬
‫‪a.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=i00084‬‬ ‫عسكرية تاريخية عن معاركه وحياته‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫‪ -‬محمد رضا‪.‬‬ ‫‪)9.pdf‬‬ ‫‪0195977149 ISBN‬‬

‫فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب أمير المؤمنين‬ ‫العقاد‪ ,‬عباس محمود (‪ ،)2002‬عبقرية خالد‪ ،‬دار نهضة مصر‪،‬‬
‫عمر بن الخطاب شخصيته وعصره (‪http://www.‬‬ ‫‪9771418734 ISBN‬‬
‫‪ -‬علي محمد‬ ‫‪)waqfeya.com/book.php?bid=5202‬‬
‫الطريق إلى المدائن (الطبعة السادسة سنة ‪ ،)1986‬أحمد عادل‬
‫الصالبي‪.‬‬
‫كمال‪ ،‬دار النفائس‪.‬‬
‫موسوعة فقه عمر بن الخطاب (‪http://www.waqfe‬‬
‫‪ -‬محمد رواس قلعه‬ ‫‪)ya.com/book.php?bid=3878‬‬
‫جي‪.‬‬

‫عبد الساتر‪ ،‬لبيب (‪ .)2003‬الحضارات‪ .‬دار المشرق‪،‬‬


‫بيروت‪ .‬ط ‪.16‬‬

‫عمر بن الخطاب والمشكالت االقتصادية المعاصرة‪ :‬البطالة‪ ،‬الربا والفائدة‪ ،‬التأمين‪ ،‬عجز الموازنة‪ ،‬مجدي عبد الفتاح‬
‫سليمان‪2003 ،‬م‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬

‫انظر أيًض ا‬
‫الخالفة الراشدة‬

‫بنو عدي‬

‫فاروق (اسم)‬

‫مسلسل عمر بن الخطاب‬

‫الحمالت العسكرية في عهد الخليفة عمر‬

‫وصالت خارجية‬

‫مجلوبة من «?‪https://ar.wikipedia.org/w/index.php‬‬
‫‪&oldid=59700633‬عمر_بن_الخطاب=‪»title‬‬


‬ ‫أضاف ‪ Karim185.3‬آخر تعديل قبل ‪ 21‬ساعات‬ ‫

You might also like