Professional Documents
Culture Documents
1
(حبوث يف املفهوم والدليل)
1كان يف األصل حوارية أجريت بتاري خ 1433ـه يف قرية الطرف يف ذكرى مولد صاحب العرص
عل الرستم (حفظه هللا تعاىل) ،تقرير األستاذ عسى
(عليه السالم) ،أدارها فضيلة الشيخ ي
البجحان(حفظه هللا).
1
بسم اهلل الرمحن الرحيم
احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف اخللق طراً حممد وآله
الطاهرين ،وبعد..
المقدم :أبارك لكم ذكرى ميالد سيدنا وموالنا المقتدى بقية هللا األعظم
ٍ
محمد (صلى هللا عليه وآله) ،إمامنا الحجة وبقية هللا في األرضين سمي النبي
القائم المنتظر المهدي (عجل هللا تعالى فرجه الشريف) ،ورد عن رسول هللا
(صلى هللا عليه وآله) ..." :ومن مات وليس في عنقه بيعةٌ ،مات ميت ًة
جاهلي ًة" ،2وفي رو ٍ
اية أخرى عن إمامنا أبي محمد العسكري (عليه السالم):
" ...وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميت ًة جاهلي ًة" ،3كما ورد عن
اإلمام أبي عبدهللا الصادق (عليه السالم)...." :يازرارة إن ادركت ذلك الزمان
فلزم ــــــ فأدم ــــــ هذا الدعاء :اللهم عرفني نفسك ،فإنك إن لم تعرفني نفسك
لم أعرف نبيك ،اللهم عرفني رسولك ،فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف
2صحيح مسلم ،كتاب اإلمارة ،باب األمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفت وتحذير الدعاة إىل
الكفر ،ح .1851
العامل ،وسائل الشيعة ،ج ،16باب تحريم تسمية المهدي (عليه السالم) وسائر
ي 3الشيخ الحر
األئمة (عليهم السالم) وذكرهم وقت التقية وجواز ذلك مع عدم الخوف ،ح ( .23موقع المكتبة
الشيعية).
2
حجتك ،اللهم عرفني حجتك ،فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن
ديني.4"....
ّ
، 4الشيخ الصدوق ،كمال الدين وتمام النعمة ،ج ،2باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمد
ّ
وأنه الثان ر ّ
عش من األئمة عليهم ي النص عل القائم عليه السالم وذكر غيبته، عليهما السالم من
أكب الغفاري ،مؤسسة ر
اإلسالم
ي النش عل ر عن بتصحيحه وتحقيقه األستاذ ي السالم ،ح .24ي
التابعة لجماعة المدرست بقم المقدسة ،الطبعة الخامسة1429 ،ـه.
3
معي وإذا ما لمته لمته وحدي كريم متى أمدحه أمدحه والورى
الوقفة األول :االستنارة األولى حول موضوع الرجعة ،و نعرضها بين
يدي سماحتكم بتقديم األسئلة التالية :ما هو تعريف الرجعة؟ ومتى تكون؟ وهل
هي من األمور الحتمية أم ال؟
المفهوم األول :ـ وهو المفهوم الذي عليه قاطبة الشيعة (أعزهم هللا
تعالى)ـ و هو :عود جملة من الذين انتقلوا من عالم الدنيا إلى هذه النشأة
الدنيوية ،وذلك بأن تعود أرواحهم إلى أبدانهم ويخرجون من قبورهم إن كانوا قد
قبروا ،فهي بعث آخر يكون فيه عود لألرواح إلى األبدان ،وال تكون الرجعة
لجماعة خاص ٍة وهم الذين
ٍ ٍ
شخص مات وانتقل عن هذه النشأة ،وإنما لكل
لماذا العود؟
ذكر علماؤنا أنه إلظهار حق أهل البيت (سالم هللا تعالى عليهم) بإظهار
است ْض ِعفوا ِ
دولتهم ومكنتهم على كوكب األرضَ ،ون ِريد أَن َّنم َّن َعَلى َّالذ َ
ين ْ
ِ ِفي ْاألَْر ِ
ين ،6ورسول هللا (صلى هللا عليه ض َوَن ْج َعَله ْم أَئ َّم ًة َوَن ْج َعَلهم اْل َو ِارِث َ
مستضعفا واألئمة (عليهم السالم) من بعده كانوا مستضعفين،
ً وآله) كان
ويريد الباري (تبارك وتعالى) أن يمن عليهم بأن يجعل الغلبة لهم ،وال تتحقق
ٍ
شخص على كوكب األرض بالمعنى الحقيق والدقيق إال ٍ
شخص الوراثة لكل
جميعا ،فإذا تحققت دولة اإلمام الحجة (صلوات هللا وسالمه عليه)
ً بعودهم
تتحقق وراثة ،ولكن وراثة تتمثل في وجود اإلمام المهدي (عجل هللا تعالى
فرجه الشريف) الذي هو يمثل ذاته الشريفة ،ويمثل الذوات الطاهرة لرسول هللا
(صلى هللا عليه وآله) واألئمة السابقين (صلوات هللا وسالمه عليهم) على نحو
النيابة ،فهو (عليه السالم) نائب عنهم يقوم مقامهم ،وهو بوجوده (عجل هللا
تعالى فرجه الشريف) يحقق نحو وراثة وغلبة ،ولكن بعود رسول هللا (صلى هللا
وفي مقابل هذا المفهوم الذي عليه اإلمامية (أعزهم هللا تبارك وتعالى)،
يوجد مفهومان آخران ،وقد ذهب إليهما بعض علمائنا وهما:
المفهوم الثاني :أن الرجعة تعني رجعة دولة الحق التي تتحقق بيد موالنا
صاحب العصر والزمان (عجل هللا تعالى فرجه الشريف) ،وليس المقصود بها
عود أرواح بعض األموات إلى أبدانهم ورجوعهم إلى عالم الدنيا.
وقد تصدى السيد المرتضى (رحمة هللا تعالى عليه) لهذا الرأي ،وقال في
رسائله ما نصه" :وال دليل يقتضي ثبوت الرجعة إال ما بيناه من إجماع
الطوس ،رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية) ،مسألة ،36ص .250ي 7الشيخ
ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ
الباج الطر ي ر ي
اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم ر
الطوس ،تحقيق إبراهيم بهادري ،مؤسسة النش والشيخ
ي ي
المقدسة ،الطبعة األوىل1411 ،ـه.
6
اإلمامية" ،8أي أن روايات الرجعة ليس روايات ظنية من حيث الداللة لتكون
هي عمدة األدلة فيمكننا أن نحمل معانها على رجوع الدولة ،وإنما عمدة األدلة
أيضا
في مسألة الرجعة االجماع ،وعلماؤنا كما اتفقوا على لفظ الرجعة ،اتفقوا ً
على معناها وأنه :عود بعض األموات بعود أرواحهم إلى ابدانهم.
المفهوم الثالث :أن الرجعة ليست بمعنى عود األروح إلى األبدان ،وإنما
بمعنى ظهور األرواح في هذه النشأة ،وذلك بأن يرى المؤمنون أرواح النبي
(صلى هللا عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السالم) ،وأرواح من محض اإليمان
محضا .وهذه المفهوم ينبني على ما
ً محضا وكذلك أرواح من محض الكفر
ً
يعبر عنه في اصطالح الصوفية بالتمثل ،ولذا نحتاج إلى عرض هذا المعنى
ٍ
بشيء من اإليضاح.
الشيف المرتض ،رسائل المرتض ،ج ،3مسألة يف الرجعة من جملة الدمشقيات ص .138 8ر
(موقع المكتبة الشيعية).
7
نظرنا إلى شجرٍة نأخذ صورة منها ،والجهاز الذي يلتقط هذه الصورة يسمى
بالحس المشترك ،ثم يوجد جهاز بعد هذه الجهاز يسمى بالخيال ،وهو حافظة
الصور الحسية ،فإذا اغمضنا العينان تبقى صورة الشجرة ،وال تزول من
أذهاننا ،ألن هذه الصورة تبقى في قوى حافظة تأخذ من الحس المشترك تسمى
بقوة الخيال.
قال العالمة الطباطبائي (رحمه هللا) " :كثي اًر ما ورد ذكر التمثل في
الروايات ،وأما في الكتاب فلم يرد ذكره إال في قصة مريم في سورتها قال
تعالى " :فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بش ار سويا اآلية 17من السورة،
واآليات التالية التي يعرف فيها جبريل نفسه لمريم خير شاهد أنه كان حال
تمثله لها في صورة بشر باقياً على ملكيته ،ولم يصر بذلك بش اًر ،وإنما
ظهر في صورة بشر وليس ببشر بل ملك ،وإنما كانت مريم تراها في صورة
بشر .فمعنى تمثله لها كذلك ظهوره لها في صورة بشر ،وليس عليها في
نفسه بمعنى أنه كان في ظرف إدراكها على صورة بشر ،وهو في الخارج
عن إدراكها على خالف ذلك .وهذا هو الذي ينطبق على معنى التمثل اللغوي
فإن معنى تمثل شئ لشئ في صورة كذا هو تصوره عنده بصورته وهو هو
ال صيرورة الشيء شيئاً آخر ،فتمثل الملك بش اًر هو ظهوره لمن يشاهده في
صورة اإل نسان ال صيرورة الملك إنساناً ،ولو كان التمثل واقعاً في نفسه وفي
الخارج عن ظرف االدراك كان من قبيل صيرورة الشيء شيئاً آخر وانقالبه
وأنت ترى أن أول الشقين في الجواب كأصل االشكال مبنى على كون
التمثل تغي اًر من المتمثل في نفسه وبطالن صورته األولى وانتقاله إلى صورة
أخرى ،وقد تقدم أن التمثل ظهوره في صورة ما وهو في نفسه بخالفها.
واآلية بسياقها ظاهرة في أن جبريل لم يخرج بالتمثل عن كونه ملكاً ،وال
صار بش اًر في نفسه ،وإنما ظهر لها في صورة البشر فهو كذلك في ظرف
إدراكها ال في نفسه وفي الخارج عن ظرف إدراكها ،ونظير ذلك نزول
المالئكة الكرام في قصة البشارة بإسحاق وتمثلهم إلبراهيم ولوط (عليهما
السالم) في صورة البشر ،ونظيره ظهور إبليس في صورة سراقة بن مالك
يوم بدر ،وقد أشار تعالى إليه في سورة األنفال اآلية وقد كان سراقة يومئذ
بمكة .وفي الروايات من ذلك شيء كثير ،كتمثل إبليس يوم الندوة للمشركين
10
في صورة شيخ كبير ،وتمثله يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج ،وتمثله
ليحيى (عليه السالم) في صورة عجيبة ،ونظير تمثل الدنيا لعلي (عليه
السالم) في صورة مرأة حسناء فتانة كما في الرواية ،وما ورد من تمثل
المال والولد والعمل لل نسان عند الموت ،وما ورد من تمثل األعمال لل نسان
في القبر ويوم القيامة .ومن هذا القبيل التمثالت المنامية ،كتمثل العدو في
صورة الكلب أو الحية أو العقرب وتمثل الزوج في صورة النعل وتمثل العالء
في صورة الفرس والفخر في صورة التاج إلى غير ذلك .فالمتمثل في أغلب
هذه الموارد ـ كما ترى ـ من المعاني التي ال صورة لها في نفسها وال شكل،
وال يتحقق فيها تغير من صورة إلى صورة وال من شكل إلى شكل كما عليه
بناء االشكال والجواب".11
و أصحاب المفهوم الثالث للرجعة يطبقون هذه الفكرة حيث يقولون :إن
األرواح ال تعود إلى أبدانها ليكون لها وجود مادي بعد أن انفصلت عن الوجود
المادي ،وإنما األرواح تظهر في نفوس المؤمنين المعاصرين لإلمام الحجة
(صلوات هللا وسالمه عليه) أو الذين يعيشون بعد ارتحال اإلمام المهدي
12
(عجل هللا تعالى فرجه الشريف) ،وذكر الشهيد المطهري في كتابه (المعاد)
ّ
12الشهيد مطهري ،سلسلة أصول الدين (المعاد مداخالت فكرين بت الشيخ مطهري والمهندس
ر
والنش والتوزي ع ،ص .84 بازركان) ترجمة جواد عل ّ
كسار ،دار الحوراء للطباعة ي
11
قول بعض العلماء بهذه النظرية ،كالفيض الكاشاني ،والشاه آبادي أستاذ
السيد الخميني (أعلى هللا تعالى درجاتهم) ،وكذلك يرى هو أن هذا التصور هو
التصور الصحيح.
وأما مراحل الرجعة فإن الرجعة مفهوم عام ينطوي تحته مراحل ثالث:
المرحلة األولى :رجوع بعض األموات إلى الدنيا في أيام اإلمام الحجة
(صلوات هللا وسلمه عليه).
وقد دلت بعض الروايات على خروج بعض األموات مع اإلمام بقية هللا
(عجل هللا تعالى فرجه الشريف) ،فقد روي عن اإلمام الصادق (صلوات هللا
وسالمه عليه)" :يكر مع القائم ثالث عشرة امرأة" ،13وفي رو ٍ
اية أخرى عن
13ر
الطبي ،محمد بن جرير ،دالئل اإلمامة ،ص ( .484موقع المكتبة الشيعية).
12
اإلمام الصادق (عليه السالم)" :يخرج القائم (عليه السالم) من ظهر الكوفة
رجال ،خمسة عشر منهم من قوم موسى الذين كانوا
مع سبعة وعشرين ً
يهدون بالحق وبه يعدلون ،وسبعة من أهل الكهف ،ويوشع بن نون،
وسلمان ،وأبا دجانة األنصاري ،والمقداد ،ومالك األشتر ،فيكونون بين يديه
وحكاما".14
ً أنصار
ًا
المرحلة الثانية :تقع في أواخر أيام دولة اإلمام المهدي (عليه السالم).
اإلمام الحسين ،وبعده أمير المؤمنين (سالم هللا تعالى فإنه يرجع
عليهما) ،و روى المعلى بن خنيس وزيد الشحام "عن أبي عبدهللا (عليه
السالم) قال :سمعناه يقول :أول من تكر في رجعته الحسين بن علي عليه
،15
وفي الرواية عن أبي جعفر (عليه السالم) قال" :قال الحسين السالم"...
المرحلة الثالثة :يعود فيها النبي (صلى هللا عليه وآله) وجميع األئمة
(عليهم أفضل الصالة والسالم).
الوقفة الثانية:
ر
العاش ،يف ذكر جملة بالبهان عل الرجعة ،الباب العامل ،محمد بن الحسن ،من الهجعة ر 16الحر
ي
من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم السالم ،ح .95
ٍ
منافاة بين هذه الرواية وبين تحقق جواب سماحة الشيخ :ال يوجد أي
المرحلة األولى من الرجعة ،فإذا ظهر اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه
الشريف) يكر معه ويظهر معه بعض الموتى ،أما متى يظهرون؟ هل في
اليوم األول مع قيامه (عليه السالم)؟ أم بعد سنة أو سنتين؟ فهذا مما ال تتكفل
الروايات بيانه على نحو القطع واليقين ،فيمكن أن يخرج اإلمام المهدي
(صلوات هللا وسالمه عليه) في اليوم العاشر وبعد سنة قبيل شهر رمضان
تتحق المرحلة األولى من الرجعة أو بعد أكثر من سنة ،فاإلمام الحجة (عجل
هللا تعالى فرجه الشريف) كما في بعض الروايات يملك سبع سنين ،وفي بعض
الروايات ثمان وفي أخرى تسع وفي أخرى يملك أربعين سنة وكل سنة كعشر
سنوات ،فاإلمام (عليه السالم) يحكم مدة طويلة وفي هذه المدة يمكن أن
تتحقق المرحلة األولى من الرجعة ،ثم يمر وقت وتحقق المرحلة الثانية في
أواخر حياته (عجل هللا تعالى فرجه الشريف).
األمر األول :هل الرجعة ثابتة؟ وهل يوجد دليل قطعي على ثبوتها أم ال؟
إذا جئنا عند األمر األول المتعلق بالحديث حول وجود دليل على ثبوت
الرجعة ،فإن الجواب عن سؤال دليلها هو :نعم توجد أدلة على ثبوتها ،وهي
ٍ
متعددة كما يلي: على أقسا ٍم
16
القسم األول :آيات القرآن الكريم.
القسم األول :آيات القرآن الكريم :يمكننا تصنيف آيات القرآن الكريم إلى
صنفين هما:
َخ ِ
اوَي ٌة َعَل ٰى -1قوله (عز وجل) :أ َْو َك َّال ِذي َمَّر َعَل ٰى َقْرَي ٍة َو ِهي
َ
ِم َائ َة َعامٍ ث َّم َّللا
َم َاته َّ ِ ال أََّن ٰى ي ْحِيي َٰه ِذ ِه َّ
َّللا َب ْع َد َم ْوت َها َفأ َ عر ِ
وش َها َق َ
َب َع َثه.20
هذه اآلية ترتبط ببني إسرائيل ،وأنهم قوم نبي هللا (تبارك وتعالى) حزقيل
كما ذكر ذلك بعض مفسري العامة ـ ـ ـ كالقرطبي وابن كثير ـ ـ ـ وقد وقعت فيهم
ٍ
جملة من الشبهات التي هذا الصنف من اآليات الكريمات ينفعنا في دفع
أثيرت حول الرجعة ،ومنها شبهة التناسخ التي أجمع المسلمون على بطالنها،
بدن إلى ٍ
بدن، وحقيقة التناسخ هي :عود األرواح إلى األبدان وانتقال الروح من ٍ
واستمرار ذلك إلى األبد ،و هذه الشبهة تقول بامتناع الرجعة؛ ألن الرجعة
قائمة على رجوع األرواح إلى األبدان.
24البمذي ،محمد بن عسى ،جامع البمذي ،أبواب اإليمان ،باب ما جاء يف افباق هذه األمة ،ح
بإشاف ومراجعة فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ،إصدرات وزارة الشؤون .2641ر
السالم ر
للنش والتوزي ع، اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ،المملكة العربية السعودية ،دار ّ
الطبعة الثانية1421 ،ـه 2000م.
20
-1قوله (تبارك وتعالى)َ :وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا ِم َّمن ي َك ِذب
وزعو َن ،26و قد استدل بهذه اآلية األئمة (صلوات هللا وسالمه آي ِاتَنا َفه ْم ي َ
ِب َ
عليهم) فعن "ابن أبي عمير ،عن حماد يعني ابن عثمان عن أبي عبد هللا
(عليه السالم) قال :ما يقول الناس في هذه اآلية َ وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة
َف ْو ًجا؟ قلت :يقولون إنها في القيامة ،قال :ليس كما يقولون إنها في
وقد رد الشيخ المفيد (رحمه هللا) قول البعض بأن المقصود من اإلماتة
مرتين هو الموت قبل ولوج الروح ،فاإلنسان أول ما وجد كان نطف ًة تمر
بمراحل ،ثم ولجته الروح ،فقبل ولوج الروح هو األماتة األولى ،ثم حصل
اإلحياء ،ثم حصلت اإلماتة و دفن الناس في قبورهم ،وحصل بعد ذلك
اإلحياء في يوم القيامة ،فذكر الشيخ المفيد (أعلى هللا تعالى مقامه) عدم
صحة هذا المعنى وأنه ال تساعد عليه اللغة العربية؛ ألن اإلماتة ال تكون إال
ٍ
حيا ،ثم إذا سلبت عنه الحياة يصدق عنوان عن حياة ،فال بد أن يكون المرء ً
اإلماتة ،أما أن يخلق بال ٍ
حياة فهذه ال يسمى إماتة( ،فأمتنا اثنين) يفيد أننا
أحياء ،ثم أمتنا ،ثم أعدت إلينا الحياة ،ثم أمتنا ،وبعد اإلماتة الثانية
ً كنا
تحصل عملية الرجوع إلى هللا (سبحانه وتعالى) في البعث األكبر.
مؤمن
ٌ ويقول العالمة المجلسي (رحمة هللا تعالى عليه)" :وكيف يشك
بحقية األئمة األطهار عليهم السالم فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي
نيف وأربعون من الثقات العظام ،والعلماء األعالم ،في
صريح ،رواها ٌ
ٍ حديث
ٍ
شئ
اتر ففي أي ٍ
أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ...وإذا لم يكن مثل هذا متو ًا
يمكن دعوى التواتر ،مع ما روته كافة الشيعة خل ًفا عن ٍ
سلف".34
وقال السيد عبدهللا شبر (قدس سره)" :وليست األخبار الواردة في
سندا
عددا وأوضح ً
الصراط والميزان ونحوهما مما يجب اإلذعان به أكثر ً
وأصرح دالل ًة وأفصح مقال ًة من أخبار الرجعة ،وإختالف خصوصياتها ال
الطوس ،رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية) ،مسألة ،36ص .250
ي 33الشيخ
ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ
الباج الطر ي ر ي
اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم ر
النش مؤسسة بهادري، اهيم
ر إب الطوس ،تحقيق والشيخ
ي ي
المقدسة ،الطبعة األوىل1411 ،ـه.
ّ
األعلم
ي 35ر
شب ،السيد عبدهللا ،حق اليقت يف معرفة أصول الدين ،ج ،2ص ،337مؤسسة
للمطبوعات ،ببوت لبنان ،الطبعة األوىل 1418ـه 1997م.
25
تعرض العالمة المجلسي(شكر هللا سعيه) في كتاب البحار في الجزء 53
لما يتعلق بظهور اإلمام الحجة (عليه السالم) و الرجعة ،وفي الباب 29
استعرض 160رواية ،وذكر عبارته المتقدمة ،وبحث في كتاب مشرعة
البحار روايات هذا الباب في فصول ،و انتهى إلى أن قال " :ال يحتمل كذب
جميع الروايات ،نعلم اجماالً بصدور جملة منها من أئمة أهل البيت (عليهم
السالم) فنقول برجوع جمع من الناس األموات والمقتولين في زمن
القائم(عليه السالم) ،وقد ادعي عليه االجماع أيضاً ،ومن قال برجوع أمير
المؤمنين بل وبرجوع الحسين (عليهما السالم) ال نراه ملوماً ومبالغاً ،وهذا
المقدار من دون الخوض في تفاصيل الموضوع مسلم ،وثابت من
األخبار".36
ولو تأملنا في زيارات األئمة (صلوات هللا وسالمه عليهم) لوجدنا فيها
التأكيد وبكثرٍة على مسألة الرجعة مما يرشدنا أن اإلقرار بالرجعة قد جعل
علميا في روايات أهل البيت (عليهم السالم) ،ومن شواهد ذلك:
نامجا ً
بر ً
36ر
مشعة البحار :ج 2ص .240 239
26
-1زياة النبي (صلى وآله عليه وآله الطاهرين) وآله الطاهرين (صلوات
هللا وسالمه عليه) في يوم الجمعة المروية عن إمامنا الصادق (عليه
مقر برجعتكم ،ال أنكر هلل
السالم) ...." :إني من القائلين بفضلكمٌ ،
قدرًة ،وال أزعم إال ما شاء هللا".37
مصدق برجعتكم".
ٌ مؤمن بإيابكم،
-4الزيارة الجامعةٌ " :
-5زياة أبي الفضل العباس (عليه السالم)" :إني بكم وبإيابكم من
المؤمنين".38
ر
العاش ،يف بالبهان عل الرجعة ،الباب
العامل ،محمد بن الحسن ،اإليقاظ من الهجعة ر 37الحر
ي
ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم
السالم ،ح .2
بالبهان عل الرجعة،
العامل ،يف كتابه اإليقاظ من الهجعة ر
ي 38أورد ذلك وغبه الكثب الشيخ الحر
البابت الثامن والعا رش.
27
دليل اإلمجاع :
القسم الثالث :نص علمائنا باإلجماع على ثبوت الرجعة ،وممن نص
على ذلك من علمائنا األعالم (أعلى هللا تعالى كلماتهم):
ـ ـ الشيخ المفيد (أعلى هللا تعالى منازله) في أوائل المقاالت حيث أفاد:
"وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به األخبار ،واإلمامية بأجمعها عليه
إال شذا ًذا منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما
وصفناه".40
ـ ـ السيد المرتضى (رحمة هللا تعالى عليه) في رسائله حيث قال" :وال دليل
يقتضي ثبوت الرجعة إال ما بيناه من إجماع اإلمامية".41
40النعمان :محمد بن محمد (المفيد) ،أوائل المقاالت ،القول يف الرجعة ،ص .78المؤتمر
العالم بمناسبة الذكرى األلفية لوفاة الشيخ المفيد ،تحقيق الشيخ إبراهيم األنصاري ،مطبعة
ي
مهر ،الطبعة األوىل 1413ـه.
الشيف المرتض ،رسائل المرتض ،ج ،3مسألة يف الرجعة من جملة الدمشقيات ص .138 41ر
(موقع المكتبة الشيعية).
28
أمهية دليل اإلمجاع:
اإلجماع دليل مهم في إثبات مسائل الدين لم؟ ألنه ينبني على الدليل الرياضي
المعروف بـحساب االحتماالت ،وبيان ذلك:
إذا ذهب عالم من العلماء إلى القول برأي ما ،فهذا يعطي قيمة احتمالية
ومتخصصا وانتهى إلى ٍ
معتبر عليه ،فإذا كان العالم ورًعا ودقيًقا لوجود ٍ
دليل
ً
أي ،فسوف نقول :ال يمكن أن ينتهي إلى هذا الراي من دون أن يعتمد على رٍ
ٍ
دليل بل ال بد أن يكون عنده دليل ،ثم إذا انضم إليه مثله فإن قيمة احتمال أن
مصيبا للواقع ترتفع ،فإذا رأينا كل العلماء يطبقون على ر ٍ
أي ً يكون ذلك الدليل
ما مع جاللة قدرهم وخبرتهم وورعهم وتقواهم فإننا ال نملك إال أن نقطع
بمطابقة ما انتهوا إليه للدليل المعتبر أو أنهم تلقوا هذا الرأي عن المعصومين
(صلوات هللا وسالمه عليهم).
ويمكننا تقريب الفكرة أكثر بالمثال التالي :إذا ما اتفق مرؤسون في
مؤسسة ما على قرٍار ما ،فإن اتفاقهم كاشف عن رأي المدير ،فإذا رأينا في
مثال أن الكل ـ ـ ـ األساتذة والمنستبين والطالب ـ ـ يقولون بوجود قرٍار من
مدرسة ً
ٍ
شخص للمدرسة ال يرتدي الزي الرسمي ،فسوف مدير المدرسة بمنع دخول أي
فعال ،وإال لما اتفق هؤالء على نقل هذا القرار،
صادر ً
ًا ار
نقطع بأن هناك قرًا
29
واألمر كذلك في اجماعات العلماء ،فإجماعهم يكشف بحساب االحتمال
الرياضي عن وجود ٍ
دليل.
عقلي على الرجعة، القسم الرابع :ذهب البعض العلماء للقول بوجود ٍ
دليل ٍ
ٍ
متعددة ٍ
صياغات بالغا بهذه المسألة ونقل
وقد اهتم بعض المتأخرين اهتماما ً
للدليل العقلي على ضرورة وقوع الرجعة ،وبالنسبة لي فإنه يوجد عندي تحفظ
عقلي على ضرورة وجود الرجعة،
ٍ ٍ
كدليل على جميع الصياغات التي ذكرت ،
ٍ
معتبر من العقل يثبت ضروروة وجود الرجعة. فلم أقف على ٍ
دليل
المقدمة األولى :أن اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه الشريف) سوف
يرتحل ،وسيبقى الناس بعده ،والجنس البشري لن ينقرض بارتحال اإلمام
الحجة (عليه السالم).
30
42
و الخليفة إمام لساخت"
(صلوات هللا وسالمه عليه)" :لو بقيت األرض بغير ٍ
قبل الخليقة ،فال بد بعد ارتحال اإلمام المهدي (صلوات هللا وسالمه عليه)
من وجود معصو ٍم ،والمعصومون فقط أربعة عشر (عليهم السالم) فإ ًذا ال بد
احد منهم ،إذ العقل يحكم بلزوم رجوع و ٍ
احد منهم. من رجوع و ٍ
ٍ
جهات هي: ولكن هذه الصياغة محل ٍ
تأمل من
الجهة األولى :إن المقدمة األولى ليست مقدم ًة عقلي ًة ،فكيف يدرك العقل
أن الجنس البشري لن ينقرض بارتحال اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه
الشريف)؟! إن العقل يجيز أن ينهي الباري (عز وجل) حياة الناس على هذا
الكوكب بعد شهادة اإلمام الحجة (عليه السالم) ،وكون هذه المقدمة ليست
عقليا. مقدم ًة عقلي ًة تطبل كون الدليل ً
دليال ً
الجهة الثانية :إن المقدمة الثانية ليست عقلي ًة كذلك ،فالعقل يقول من
ٍ
حجة معصو ٍم ،ولكن العقل ال يقول باب وجوب اللطف :إنه ال بد من وجود
معصوما (صلوات هللا وسالمه
ً بالبدية أن يكون الحجة من األربعة عشر
عليهم) حتى يقال بضرورة تحقق الرجعة ،فإن هللا (تبارك وتعالى) بإمكانه أن
معصوما في آخر الزمان من غير هؤالء األطهار (عليهم السالم).
ً يوجد
ّ
أن األرض ال تخلو من حجة ،ح ( .10موقع المكتبة الشيعية). الكاف ،ج ،1باب
ي الكلين،
ي 42الشيخ
31
الجهة الثانية :إنما يجب وجود إمام في كل زمان إذا توقف غرض هللا
تعالى على وجود اإلمام ،كما في كل زمان توجد فيه رسالة سماوية يراد بها
الهداية ،والعقل يحتمل أن هللا تعالى بعد رفع اإلمام الحجة (عليه السالم) يرفع
الشريعة خذالناً لمن يطلع عليهم يوم القيامة ،لسوء يكونون عليه ،فتعجل لهم
عقوبة ،فال يتحقق موضوع حكم العقل بلزوم وجود اإلمام ،وال كاشف عن
خالف هذا من عقل.
األمر األول :مالحظة كتب الملل والنحل للمخالفين ،فقد تحدثت كتب
الملل والنحل من المخالفين عن مذهب أهل البيت (صلوات هللا وسالمه عليه)،
مثل كتاب الفرق بين الفرق للبغدادي ،والملل والنحلل للشهرستاني ،ومقاالت
اإلسالميين ألبي الحسن األشعري ،ونصوا على أن من عقائد الشيعة القول
32
بالرجعة ،مما يدلنا على وضوح نسبتها إلى مذهب أهل البيت (عليهم السالم)
إلى الحد الذي جعل المخالفين الذين تحدثوا عن مذهب أهل البيت (صلوات
هللا وسالمه عليهم) يذكرون الرجعة كجزٍء ال يتج أز من عقائدهم ،بل ذكر
بعضهم كونها عقيدة حتى لبعض الفرق التي تنتسب إلى التشيع ،ولكنها
انحرفت مثل فرقة الناووسية أو الفرقة الواقفية.
األولى :يزعمون أن األموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب ،وهذا
شيء إال ويكون في
ٌ قول األكثر منهم ،وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل
قوما من بني إسرائيل بعد الموت،
هذه األمة مثله ،وإن هللا سبحانه قد أحيا ً
فكذلك يحيي األموات في هذه األمة ويردهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
والثانية :وهم أهل الغلو ،ينكرون القيامة واآلخرة ،ويقولون ليس قيامة
وال آخرة.43"...
43
عل بن إسماعيل ،مقاالت اإلسالميت واختالف المصلت ،ص .46ي
عن أن الحسن ي
األشعري ،ر ي
بتصحيحه هلموت ريب ،دار ر
النش فرانز شتايز بفسسبادن ،الطبعة الثالثة1400 ،ـه 1980م.
33
فمن ال يؤمن بالمعاد وينسب إلى التشيع ال يؤمن بالرجعة ،وأما الذي
يؤمن بالمعاد فقد اتفقت كلمته على الرجعة ،وهذا يعني أن أبا الحسن األشعري
يقول إن إجماع الشيعة اإلمامية على ثبوت الرجعة حيث أنهم يقولون بالمعاد
بأجمعهم.
لقد تعرض علماء العامة في كتب الجرح والتعديل لرجال الشيعة ،وجملة
من رجال الشيعة المعرفوين قد قدحوا وجرحوا في مصنفات العامة ألنهم
يقولون بالرجعة ،مثل جابر بن يزيد الجعفي ،وداوود بن يزيد األودي ،والحارث
بن حصير األزدي واألصبغ من بناته ،قال العقيلي" :أصبغ بن بناتة
44
أيضا عن جابر الجعفي:
الحنظلي ،كوفي ،كان يقول بالرجعة" ،وقال ً
جرير يقول :جابر الجعفي ،لم أكتب عنه ،وكان يؤمن بالرجعة،
ًا "...سمعت
...حدثنا سفيان بن عيينه قال :أتيت جابر الجعفي فسمعت منه الكالم يعني
44
العقيل ،محمد بن عمرو بن حماد ،كتاب الضعفاء ،ج ،1رقم ،160ص .147تحقيق حمديي
بن عبدالمجيد السلف ،المملكة العربية السعودية الرياض ،دار الصميع ر
للنش والتوزي ع ،الطبعة ي ي
األوىل1420 ،ـه 2000م.
34
اإليمان بالرجعة" ،45فهؤالء من أصحاب األئمة (صلوات هللا وسالمه عليهم)،
ومع ذلك نص على أنهم يؤمنون بالرجعة.
45
العقيل ،محمد بن عمرو بن حماد ،كتاب الضعفاء ،ج ،1رقم .240تحقيق حمدي بن ي
عبدالمجيد السلف ،المملكة العربية السعودية الرياض ،دار الصميع ر
للنش والتوزي ع ،الطبعة ي ي
األوىل1420 ،ـه 2000م.
مصنف الشيعة المشتهر ب (رجال عل بن العباس ،فهرست أسماء ر 46
ي النجاس ،أحمد بن ي
ي
اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم النش ر
النجاس) ،باب الفاء ،رقم ،840ص .306مؤسسة ر
ي ي
الزنجان ،الطبعة السادسة1418 ،ه
ي المقدسة ،تحقيق الحجة السيد موس الشبب ّي
35
ومن األمور التي نقلها علماؤنا أن كتب الشيعة التي كتبها أصحاب
األئمة عرضت على األئمة (سالم هللا تعالى عليهم) ،حيث عرضت على
اإلمامين الرضا والعسكري (صلوات هللا وسالمه عليهما) ،وبعض الكتب
عرضت على السفراء الخاصيين (رضوان هللا تعالى عليهم) ،ولم ينقل عن إما ٍم
أنه قدح في الروايات الدالة على الرجعة ،بل األمر على العكس من ذلك ،فإن
الروايات المنقولة عنهم في الرجعة فوق حد التواتر ،وقد تقدم أن الشيخ الحر
العاملي (رحمة هللا تعالى عليه) نقل ستمائة وعشرين رواية ،وهذا يدل أن
الرجعة عقيدة واضحة ال تقبل التشكيك في مذهب أهل البيت (صلوات هللا
وسالمه عليهم).
في مقام الجواب عن ذلك نقول :نعم ،هي من العقائد عند أغلب علمائنا
(أعلى هللا تعالى كلماتهم) ،فالشيخ (رحمه هللا) يقول" :يرجع نبينا وأئمتنا
المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من األمم السابقة والالحقة،
إلظهار دولتهم وحقهم ،وبه قطعت المتواترات من الروايات واآليات لقوله
تعالى َ وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا ،فاالعتقاد به واجب" ،47ومما يدلنا
الطوس ،رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية) ،مسألة ،36ص .250
ي 47الشيخ
ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ
الباج الطر ي
ر ي
36
على أنها من العقائد جملة من الروايات التي تقدم نقل بعضها فيما تقدم،
كعبائر الزيارات التي فيها" :مقر برجعتكم" "وبإيابكم موقن" ،ويقول اإلمام
الصادق (عليه السالم)" :ليس منا من لم يؤمن بكرتنا" .48
ٍ
باختصار فنقول: ونوضح هذا المعنى
هناك فرق بين ثبوت القضية وبين كون القضية عقيدة ،ف ً
مثال نحن نعلم
أن فروع الدين ليست من العقائد ،كوجوب الصالة ووجب الحج ،بينما مسألة
اإلمامة من العقائد ،فاإلمامة مسألة يجب فيها التدين واالعتقاد ،أي :طلب
فيها فعل قلبي خاص يعبر عنه باإليمان أو بالتدين ،وأما الحج فلم يطلب فيه
اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم والشيخ الطوس ،تحقيق إبراهيم بهادري ،مؤسسة ر
النش
ي ي
المقدسة ،الطبعة األوىل1411 ،ـه.
ر
العاش ،يف بالبهان عل الرجعة ،الباب
العامل ،محمد بن الحسن ،اإليقاظ من الهجعة ر 48الحر
ي
ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم
السالم ،ح .1
37
هذا الفعل القلبي الخاص وإنما طلب فيه العمل ،وهو أن يقوم اإلنسان بأداء
النسك الخاص الذي يعبر عنه بالحج ،فليست كل قضية ثابتة هي قضية
عقدية ،وإال لكان وجود مدينة واشنطن من العقائد ؛ ألنها قضية ثابتة ،ولكان
وجود إبليس من العقائد ؛ ألنه قضية ثابتة ،وعلى نحو القطع واليقين.
ٍ
خاص قلبي و إذا كانت الرجعة من العقائد ،أي يوجد فيها طلب ٍ
لفعل ٍ
يسمى باإليمان ـ ـ كما عليه أغلب علمائئا ـ ـ فهل هي من العقائد المطلقة؟ ـ ـ ـ أي
يجب على العالم والجاهل على ٍ
حد سواء أن يعتقدا بها ،كما هو األمر في
االعتقاد بوجود هللا (سبحانه وتعالى) وبنبوة النبي األكرم (صلى هللا عليه
ٍ
إنسان أن يعتقد بهما قام عنده الدليل أم ال ـ ـ ـ أم أن وآله) ،حيث يجب على كل
الرجعة من العقائد المشروطة بالعلم (العقائد المعلقة ) وهي التي إذا علم
اإلنسان بها يجب عليه أن يعتقد ،وأما إذا لم يعلم بها فال يجب عليه أن يعتقد
بها؟ و قال بعض العلماء :إنه على تقدير ثبوت كون الرجعة من العقائد فهي
من العقائد المعلقة على حصول العلم بها ،فإن قام عند المؤمن دليل وجب
مطالبا باالعتقاد بها ،والدليل على ذلك
ً عليه أن يعتقد بها ،وإال ال يكون
ضرورة الدين ،فما أكثر الناس الغافلين عن الرجعة أو من قامت شبهة عندهم
منعت من االيمان بها أو ألزمت تفسيرها بغير معناها ،ومع ذلك يوجد تسالم
على إيمانهم.
38
أجوبة أسئلة احلضور :
السؤال األول :ما هي أهم الكتب التي تحدثت في عقيدة الرجعة بالمستوى
الذي يناسب فئة الشباب؟
جواب سماحة الشيخ :الرجعة كما تقدم قطعية ـ ـ أصل ثبوتها قطعي ـ ــ،
أما تفاصيل الرجعة فليست بأجمعها قطعية ،وبالتالي فإن من يريد أن يبحث
في روايات الرجعة ال بد أن يكون ًا
قادر على التمييز بين الخبر الصحيح
والخبر الضعيف ،كما أنه ال بد أن يكون ًا
قادر على التمييز بين الخبر الذي
يفيد االطمئنان أو يفيد ما فوق االطمئنان ـ ـ ـ وهو اليقين ـ ـ ـ و بين الخبر الذي ال
ٍ
أصولية وهي هل خبر ٍ
مسألة مجتهدا في يفيد إال الظن ،ثم عليه أن يكون
ً
الواحد حجة في غير األحكام الشرعية والتي منها تفاصيل الرجعة أم ال؟
ٍ
عامة بمعرفة أجواء ٍ
ثقافة نعم ،إذا أرد اإلنسان المؤمن الحصول على
كثير ما
الرجعة بشكل عا ٍم ،ومعرفة الروايات الورادة فيها بشكل عا ٍم فيفيده ًا
كتبه العالمة المجلسي (رحمه هللا) في (بحار ألنوار) ،والحر العاملي(رحمه
39
أيضا الشيخ
هللا) في (اإليقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) وما كتبه ً
أحمد بن زيد الدين األحسائي (رحمه هللا) وغيرهم.
جواب سماحة الشيخ :نعم يشملهم ،ولكن هذا السؤال يرجعنا إلى ما
ذكرناه في جواب السؤال الثاني ،فإن شمول ( من محض اإليمان) لألنبياء
بالظهور ،حيث إن داللته إطالقية ،وهي ظنية ،ال قطعية ،فلو قال اآلمر
ـ مثالً ـ ( :أكرم زيد و عمرو ،وخالد و )...وذكر األسماء يكون الكالم داالً
على الشمول لزيد بالصراحة ،ولكن لو قال ( أكرم العلماء ) وسكت ،فإنه
يدل كالمه على طلب اكرام زيد إذا كالن عالماً ،ولكن ليس صراحة ،و إنما
باإلطالق و نحتمل عدم إرادة إكرام زيد ،غير أن الظهور حجة عقالئية لتنجيز
وجوب االكرام ،وبالتالي ال بد من بحث حجية الظهور الظني في المعرف
ككون (من محض اإليمان) ظاهر الشمول لألنبياء ،ثم البت في مسألة
ثبوت رجعتهم(عليهم السالم) بهذا الدليل .
وهذا الكالم يجري في تفاصيل الرجعة الثابتة بأخبار اآلحاد الظنية ،مثالً
ورد رجوع كل إمام مع أهل عصره ،و رجوع قوم مع القائم ـ كما ذكرنا ـ و
رجوع كثير من األنبياء ـ وأن اإلمام الحسين (عليه السالم) يغسل القائم (عليه
40
السالم) ،و يرجع مع سبعين نبياً أو مع إسماعيل صادق الوعد ،وال بد في
كل هذه الطوائف من دراسة كل طائفة لمعرفة وجود اطمئنان أو يقين ،أو
خبر صحيح على تقدير عدم وجود ما يفيد ما هو فوق الظن ،ثم بحث حجية
الظن في ذلك ،فهذا هو البحث العلمي الصناعي ،وال ينبغي التعويل على أي
خبر موجود في أي كتاب.
السؤال الثالث :كيف ال يدل لزوم وجود حجية على رجعة أهل
البيت(عليهم السالم) وهم حجج هللا تعالى ؟
وذكرنا أن بعض الباحثين المتأخرين اعتنى عناي ًة كبيرًة بهذا البحث وذكر
مثال :لكي تنتقل الروح من عالم الدنيا إلى عالم اآلخرة ال
صياغات كثيرًة منها ً
ً
41
تاما إال إذا بلغت
انفصاال ً
ً تاما ،وال تنفصل
انفصاال ً
ً بد أن تنفصل عن البدن
رتب ًة خاص ًة من االستكمال وهذا ال يكون إال إذا رجعت الروح إلى البدن مرًة
أخرى في هذه النشأة ،وهذا الكالم نحن ال نرى عقولنا تدركه ،وهو مجرد
دعوى ال بينة وال مبينة ،فالمسألة تنحصر في إخبار الشارع المقدس ،وفي
إخبار الشارع غنى عن مثل هذا التطويالت التي تأخذ من عمر اإلنسان ومن
ً
وقته مع وجود الدليل القطعي الوارد عن أهل بيت العصمة (صلوات هللا
وسالمه عليهم) الذي يحسم المسألة.
محضا ،فهل
ً السؤال الرابع :ما ذكرته الرواية برجوع من محض الكفر
يكون في هذه الرجوع فرصة له للتوبة؟
جواب سماحة الشيخ :هذا سؤال جميل ،ولقد طرح الشيخ أحمد بن زين
ٍ
إشكاالت على الدين األحسائي (رحمه هللا) في بداية كتابه في الرجعة تسعة
الرجعة وناقشها ،ومن ضمنها اإلشكال الذي يقول :إن من محض الكفر
محضا انتقل إلى البرزخ ورأى المالئكة وحساب المالئكة ،وعذاب البرزخ،
ً
فكيف يعود إلى الدنيا ويحارب أهل الحق مع مارأه من اآليات والدالئل
والبراهين الواضحات؟
42
أما بالنقض :فإن القرآن الكريم أخبر عن المجرمين أنهم َ وَل ْو رُّدوا َل َعادوا
لِ َما نهوا َعْنه ،49فبماذا يجيب المشكل فيهم فإننا سوف نأخذ جوابه و نجيب
في مسألة الرجعة.
أما بالحل :فيمكن أن تحصل حاالت النسيان لهم ،أو تبقى تصوراتهم
وكأنها مجرد رؤية عابرة ،نظير ما يراه اإلنسان في عالم الرؤيا ،ويتذكره بعد
وقت ،فال يكون له ذلك التأثير القوي على نفسه ،والتاريخ قائم على أن
المجرمين كفرعون أروا من آيات هللا (عز وجل) اآليات الكبيرة ومع ذلك
محضا
ً أصروا على الباطل ،فليس من المستبعد أن يكون من محض الكفر
محارًبا ألهل الحق بعد رجعته إلى الدنيا.