You are on page 1of 43

‫كالم خمتصر حول الرجعة‬

‫‪1‬‬
‫(حبوث يف املفهوم والدليل)‬

‫مساحة الشيخ حيدر السندي(حفظه اهلل)‬

‫‪ 1‬كان يف األصل حوارية أجريت بتاري خ ‪1433‬ـه يف قرية الطرف يف ذكرى مولد صاحب العرص‬
‫عل الرستم (حفظه هللا تعاىل)‪ ،‬تقرير األستاذ عسى‬
‫(عليه السالم) ‪ ،‬أدارها فضيلة الشيخ ي‬
‫البجحان(حفظه هللا)‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف اخللق طراً حممد وآله‬

‫الطاهرين ‪ ،‬وبعد‪..‬‬

‫المقدم‪ :‬أبارك لكم ذكرى ميالد سيدنا وموالنا المقتدى بقية هللا األعظم‬
‫ٍ‬
‫محمد (صلى هللا عليه وآله)‪ ،‬إمامنا الحجة‬ ‫وبقية هللا في األرضين سمي النبي‬
‫القائم المنتظر المهدي (عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬ورد عن رسول هللا‬
‫(صلى هللا عليه وآله)‪ ..." :‬ومن مات وليس في عنقه بيعةٌ‪ ،‬مات ميت ًة‬
‫جاهلي ًة"‪ ،2‬وفي رو ٍ‬
‫اية أخرى عن إمامنا أبي محمد العسكري (عليه السالم)‪:‬‬
‫"‪ ...‬وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميت ًة جاهلي ًة"‪ ،3‬كما ورد عن‬
‫اإلمام أبي عبدهللا الصادق (عليه السالم)‪...." :‬يازرارة إن ادركت ذلك الزمان‬
‫فلزم ــــــ فأدم ــــــ هذا الدعاء‪ :‬اللهم عرفني نفسك‪ ،‬فإنك إن لم تعرفني نفسك‬
‫لم أعرف نبيك‪ ،‬اللهم عرفني رسولك‪ ،‬فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف‬

‫‪ 2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلمارة‪ ،‬باب األمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفت وتحذير الدعاة إىل‬
‫الكفر‪ ،‬ح ‪.1851‬‬

‫العامل‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،16‬باب تحريم تسمية المهدي (عليه السالم) وسائر‬
‫ي‬ ‫‪ 3‬الشيخ الحر‬
‫األئمة (عليهم السالم) وذكرهم وقت التقية وجواز ذلك مع عدم الخوف‪ ،‬ح ‪( .23‬موقع المكتبة‬
‫الشيعية)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫حجتك‪ ،‬اللهم عرفني حجتك‪ ،‬فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن‬
‫ديني‪.4"....‬‬

‫من خالل هذه الروايات وغيرها تتضح أهمية معرفة الحجة في كل ٍ‬


‫زمان‪،‬‬
‫وأهمية معرفة إمام الزمان ومعرفة من تكون له البيعة في كل ٍ‬
‫زمان‪ ،‬ألن عدم‬
‫المعرفة يفضي إلى الموت على الجاهلية أو الضالل عن الدين ‪ ،‬وهنا تكمن‬
‫خطورة الجهل بالحجج‪ ،‬فطريق الهدى واالستقامة منحصرة في المعرفة‪ ،‬ومن‬
‫أهم األمور التي ال بد من معرفتها معرفة خصوصيات القائم المنتظر‬
‫وخصوصيات عصره (عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬ومن أهم تلك‬
‫الخصوصيات عقيدة الرجعة التي يكثر السؤال حولها وحول تفاصيلها‪ ،‬و لذا‬
‫ٍ‬
‫فاضل من فضالء المنطقة وهو جناب‬ ‫جئنا في هذا الحوار إلى ساحة عال ٍم‬
‫العالمة الشيخ حيدر السندي (حفظه هللا تعالى)‪ ،‬الذي هو أستاذ في الحوزة‬
‫علما مختزًنا إال وبثه غيرة‬
‫العلمية باألحساء‪ ،‬وهو من الكرماء بعلمهم فال يترك ً‬
‫منه على أبناء دينه ومذهبه من خالل كتبه ومن خالل محاضراته القيمة‪ ،‬وال‬
‫تلوح في األفق شبهة إال تصدى لها بعلمه وحكمته‪ ،‬فهو كما قال الشاعر‪:‬‬

‫ّ‬
‫‪، 4‬الشيخ الصدوق‪ ،‬كمال الدين وتمام النعمة‪ ،‬ج ‪ ،2‬باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمد‬
‫ّ‬
‫وأنه الثان ر‬ ‫ّ‬
‫عش من األئمة عليهم‬ ‫ي‬ ‫النص عل القائم عليه السالم وذكر غيبته‪،‬‬ ‫عليهما السالم من‬
‫أكب الغفاري‪ ،‬مؤسسة ر‬
‫اإلسالم‬
‫ي‬ ‫النش‬ ‫عل ر‬ ‫عن بتصحيحه وتحقيقه األستاذ ي‬ ‫السالم‪ ،‬ح ‪ .24‬ي‬
‫التابعة لجماعة المدرست بقم المقدسة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1429 ،‬ـه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫معي وإذا ما لمته لمته وحدي‬ ‫كريم متى أمدحه أمدحه والورى‬

‫مفهوم الرجعة ‪:‬‬

‫الوقفة األول‪ :‬االستنارة األولى حول موضوع الرجعة ‪ ،‬و نعرضها بين‬
‫يدي سماحتكم بتقديم األسئلة التالية‪ :‬ما هو تعريف الرجعة؟ ومتى تكون؟ وهل‬
‫هي من األمور الحتمية أم ال؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬روي عن اإلمام الصادق (صلوات هللا وسالم‬


‫أحد من المؤمنين قتل إال يرجع حتى يموت‪ ،‬وال يرجع‬
‫عليه) أنه قال‪" :‬ليس ٌ‬
‫محضا"‪.5‬‬
‫ً‬ ‫محضا أو محض الكفر‬
‫ً‬ ‫إال من محض اإليمان‬

‫بخصوص مفهوم الرجعة يمكننا أن نذكر ثالثة مفاهيم ‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫المفهوم األول‪ :‬ـ وهو المفهوم الذي عليه قاطبة الشيعة (أعزهم هللا‬
‫تعالى)ـ و هو‪ :‬عود جملة من الذين انتقلوا من عالم الدنيا إلى هذه النشأة‬
‫الدنيوية‪ ،‬وذلك بأن تعود أرواحهم إلى أبدانهم ويخرجون من قبورهم إن كانوا قد‬
‫قبروا‪ ،‬فهي بعث آخر يكون فيه عود لألرواح إلى األبدان‪ ،‬وال تكون الرجعة‬
‫لجماعة خاص ٍة وهم الذين‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شخص مات وانتقل عن هذه النشأة‪ ،‬وإنما‬ ‫لكل‬

‫‪ 5‬الشيخ المجلى‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،53‬باب ّ‬


‫الرجعة‪ ،‬ح ‪( .30‬موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪4‬‬
‫محضا‪ ،‬أي‪ :‬الذي بلغ في اإليمان‬
‫ً‬ ‫محضا أو محضوا الكفر‬
‫ً‬ ‫محضوا اإليمان‬
‫ٍ‬
‫خاصة‪ ،‬وأما المستضعف‬ ‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫خاصا أو الذي تسافل في الكفر وبلغ إلى‬
‫شأوا ً‬
‫ً‬
‫وذو اإليمان الضعف المتزلزل فإنه ال يعود بعد موته‪.‬‬

‫لماذا العود؟‬

‫ذكر علماؤنا أنه إلظهار حق أهل البيت (سالم هللا تعالى عليهم) بإظهار‬
‫است ْض ِعفوا‬ ‫ِ‬
‫دولتهم ومكنتهم على كوكب األرض‪َ  ،‬ون ِريد أَن َّنم َّن َعَلى َّالذ َ‬
‫ين ْ‬
‫ِ‬ ‫ِفي ْاألَْر ِ‬
‫ين‪ ،6‬ورسول هللا (صلى هللا عليه‬ ‫ض َوَن ْج َعَله ْم أَئ َّم ًة َوَن ْج َعَلهم اْل َو ِارِث َ‬
‫مستضعفا واألئمة (عليهم السالم) من بعده كانوا مستضعفين‪،‬‬
‫ً‬ ‫وآله) كان‬
‫ويريد الباري (تبارك وتعالى) أن يمن عليهم بأن يجعل الغلبة لهم‪ ،‬وال تتحقق‬
‫ٍ‬
‫شخص على كوكب األرض بالمعنى الحقيق والدقيق إال‬ ‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫الوراثة لكل‬
‫جميعا‪ ،‬فإذا تحققت دولة اإلمام الحجة (صلوات هللا وسالمه عليه)‬
‫ً‬ ‫بعودهم‬
‫تتحقق وراثة‪ ،‬ولكن وراثة تتمثل في وجود اإلمام المهدي (عجل هللا تعالى‬
‫فرجه الشريف) الذي هو يمثل ذاته الشريفة‪ ،‬ويمثل الذوات الطاهرة لرسول هللا‬
‫(صلى هللا عليه وآله) واألئمة السابقين (صلوات هللا وسالمه عليهم) على نحو‬
‫النيابة‪ ،‬فهو (عليه السالم) نائب عنهم يقوم مقامهم‪ ،‬وهو بوجوده (عجل هللا‬
‫تعالى فرجه الشريف) يحقق نحو وراثة وغلبة‪ ،‬ولكن بعود رسول هللا (صلى هللا‬

‫‪ 6‬سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬


‫‪5‬‬
‫عليه وآله وسلم) واألئمة السابقين أنفهسم (عليهم السالم) تتحقق الوراثة ٍ‬
‫بنحو‬
‫ٍ‬
‫مستضعف‬ ‫أجلى وب ٍ‬
‫مظهر أتم‪ ،‬والباري سبحانه وتعالى يريد أن يجعل ذلك لكل‬
‫ٍ‬
‫مستضعف منهم‪ ،‬كما قد يستظهر من اآلية الكريمة‪.‬‬

‫وبيانا لغايتها بقوله‪:‬‬


‫ً‬ ‫وقد أعطى الشيخ (رحمه هللا تعالى) تعر ًيفا للرجعة‬
‫"يرجع نبينا وأئمتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من األمم‬
‫السابقة والالحقة‪ ،‬إلظهار دولتهم وحقهم"‪. 7‬‬

‫وفي مقابل هذا المفهوم الذي عليه اإلمامية (أعزهم هللا تبارك وتعالى)‪،‬‬
‫يوجد مفهومان آخران ‪ ،‬وقد ذهب إليهما بعض علمائنا وهما‪:‬‬

‫المفهوم الثاني‪ :‬أن الرجعة تعني رجعة دولة الحق التي تتحقق بيد موالنا‬
‫صاحب العصر والزمان (عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬وليس المقصود بها‬
‫عود أرواح بعض األموات إلى أبدانهم ورجوعهم إلى عالم الدنيا‪.‬‬

‫وقد تصدى السيد المرتضى (رحمة هللا تعالى عليه) لهذا الرأي‪ ،‬وقال في‬
‫رسائله ما نصه‪" :‬وال دليل يقتضي ثبوت الرجعة إال ما بيناه من إجماع‬

‫الطوس‪ ،‬رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية)‪ ،‬مسألة ‪ ،36‬ص ‪.250‬‬‫ي‬ ‫‪ 7‬الشيخ‬
‫ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض‬ ‫جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ‬
‫الباج الطر ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم‬ ‫ر‬
‫الطوس‪ ،‬تحقيق إبراهيم بهادري‪ ،‬مؤسسة النش‬ ‫والشيخ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411 ،‬ـه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫اإلمامية"‪ ،8‬أي أن روايات الرجعة ليس روايات ظنية من حيث الداللة لتكون‬
‫هي عمدة األدلة فيمكننا أن نحمل معانها على رجوع الدولة‪ ،‬وإنما عمدة األدلة‬
‫أيضا‬
‫في مسألة الرجعة االجماع ‪ ،‬وعلماؤنا كما اتفقوا على لفظ الرجعة‪ ،‬اتفقوا ً‬
‫على معناها وأنه‪ :‬عود بعض األموات بعود أرواحهم إلى ابدانهم‪.‬‬

‫المفهوم الثالث‪ :‬أن الرجعة ليست بمعنى عود األروح إلى األبدان‪ ،‬وإنما‬
‫بمعنى ظهور األرواح في هذه النشأة‪ ،‬وذلك بأن يرى المؤمنون أرواح النبي‬
‫(صلى هللا عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السالم)‪ ،‬وأرواح من محض اإليمان‬
‫محضا‪ .‬وهذه المفهوم ينبني على ما‬
‫ً‬ ‫محضا وكذلك أرواح من محض الكفر‬
‫ً‬
‫يعبر عنه في اصطالح الصوفية بالتمثل‪ ،‬ولذا نحتاج إلى عرض هذا المعنى‬
‫ٍ‬
‫بشيء من اإليضاح‪.‬‬

‫مفهوم التمثل عند الصوفية‪:‬‬

‫يملك اإلنسان نوعين من الحواس هما‪ :‬الحواس الظاهرية ـ ـ ـ كالبصر‬


‫والسمع واللمس ـ ـ والحواس الباطنية‪ ،‬وتنقسم الحواس الباطنية إلى أقسا ٍم‪ ،‬وما‬
‫يعنينا منها هو حاسة تسمى بالحس المشترك‪ ،‬ويقصد بها‪ :‬شيء في نفس‬
‫اإلنسان تجتمع فيه الصور التي تأتي من خالل الحواس الظاهرية‪ ،‬فنحن إذا‬

‫الشيف المرتض‪ ،‬رسائل المرتض‪ ،‬ج ‪ ،3‬مسألة يف الرجعة من جملة الدمشقيات ص ‪.138‬‬ ‫‪ 8‬ر‬
‫(موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫نظرنا إلى شجرٍة نأخذ صورة منها ‪ ،‬والجهاز الذي يلتقط هذه الصورة يسمى‬
‫بالحس المشترك‪ ،‬ثم يوجد جهاز بعد هذه الجهاز يسمى بالخيال‪ ،‬وهو حافظة‬
‫الصور الحسية ‪ ،‬فإذا اغمضنا العينان تبقى صورة الشجرة‪ ،‬وال تزول من‬
‫أذهاننا‪ ،‬ألن هذه الصورة تبقى في قوى حافظة تأخذ من الحس المشترك تسمى‬
‫بقوة الخيال‪.‬‬

‫والحس المشترك كما يمكن أن يأخذ صورة بواسطة الحواس الخارجية‬


‫صور من العوالم‬
‫ًا‬ ‫أيضا ـ ـ ـ أن يأخذ‬
‫ويقوم بحفظها في الخيال‪ ،‬فإنه بإمكانه ـ ـ ـ ً‬
‫المجردة عن المادة ويمثلها بهيئة صورة حسية‪ ،‬وهذا النحو كما في رؤية عزيز‬

‫ان َيأْكله َّن َسْب ٌع ِع َج ٌ‬


‫اف َو َسْب َع‬ ‫ال اْل َملِك ِإ ِني أََر ٰى َسْب َع َبَقَر ٍ‬
‫ات ِس َم ٍ‬ ‫مصر ‪َ ‬وَق َ‬
‫ات‪ ، ،9‬فإنه رأى صو اًر حسية ففسرها نبي هللا‬ ‫سنب َال ٍت خ ْض ٍر َوأ َخَر َيا ِب َس ٍ‬
‫سنين ٍ‬
‫رخاء تتبعها‬ ‫(تبارك وتعالى) يوسف (على نبينا وآله وعليه السالم) بسبع ٍ‬
‫سبع سنين عجاف‪ ،‬وهذا التفسير تحقق في المستقبل‪ ،‬وهذا يعني أن ملك‬
‫مصر تمثل في حسه المشترك األمر الغيبي المستقبلي والذي هو بعد في‬
‫مجردا‬ ‫وجودا‬ ‫ٍ‬
‫مادية‪ ،‬حيث كان وجود هذا األمر‬ ‫عالم اللوح تقدير ‪ ،‬ورآه بصورٍة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متجسدا في عالم المادة ‪ ،‬وإنما سوف يتحقق في‬
‫ً‬ ‫فوق عالم المادة لم يتحقق‬
‫ٍ‬
‫خيال ال واقع له بل هو تمثل لحقائق‪ ،‬كما‬ ‫المستقبل‪ .‬هذا التمثل ليس مجرد‬

‫‪ 9‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬


‫‪8‬‬
‫وحَنا َف َت َمَّث َل َل َها َب َشًار َس ِوًّيا‪ ،10‬فالملك‬
‫في قوله تعالى‪َ  :‬فأَْرَسْلَنا ِإَلْي َها ر َ‬
‫حقيقته حقيقة مجردة ملكوتيه ولكنه ظهر ـ ـ ـ كما يقول الصوفية في الحس‬
‫المشترك لمريم (عليها السالم) ـ ـ ـ ـ بصورة ٍ‬
‫بشر ٍ‬
‫سوي‪.‬‬

‫قال العالمة الطباطبائي (رحمه هللا) ‪" :‬كثي اًر ما ورد ذكر التمثل في‬
‫الروايات‪ ،‬وأما في الكتاب فلم يرد ذكره إال في قصة مريم في سورتها قال‬
‫تعالى‪ " :‬فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بش ار سويا اآلية ‪ 17‬من السورة‪،‬‬
‫واآليات التالية التي يعرف فيها جبريل نفسه لمريم خير شاهد أنه كان حال‬
‫تمثله لها في صورة بشر باقياً على ملكيته‪ ،‬ولم يصر بذلك بش اًر‪ ،‬وإنما‬
‫ظهر في صورة بشر وليس ببشر بل ملك ‪ ،‬وإنما كانت مريم تراها في صورة‬
‫بشر‪ .‬فمعنى تمثله لها كذلك ظهوره لها في صورة بشر ‪ ،‬وليس عليها في‬
‫نفسه بمعنى أنه كان في ظرف إدراكها على صورة بشر‪ ،‬وهو في الخارج‬
‫عن إدراكها على خالف ذلك‪ .‬وهذا هو الذي ينطبق على معنى التمثل اللغوي‬
‫فإن معنى تمثل شئ لشئ في صورة كذا هو تصوره عنده بصورته وهو هو‬
‫ال صيرورة الشيء شيئاً آخر‪ ،‬فتمثل الملك بش اًر هو ظهوره لمن يشاهده في‬
‫صورة اإل نسان ال صيرورة الملك إنساناً‪ ،‬ولو كان التمثل واقعاً في نفسه وفي‬
‫الخارج عن ظرف االدراك كان من قبيل صيرورة الشيء شيئاً آخر وانقالبه‬

‫‪ 10‬سورة مريم‪ ،‬اآلية ‪.17‬‬


‫‪9‬‬
‫إليه ال بمعنى ظهوره له كذلك‪ .‬واستشكل أمر هذا التمثل بأمور مذكورة في‬
‫التفسير الكبير وغيره‪ .‬أحدها‪ :‬أن جبريل شخص عظيم الجثة حسبما نطقت‬
‫به األخبار فمتى صار في مقدار جثة اإل نسان فإن تساقطت أجزاؤه الزائدة‬
‫على مقدار جثه اإل نسان لزم أن ال يبقى جبريل‪ ،‬وإن لم تتساقط لزم تداخلها‬
‫وهو محال‪...‬وأجيب ‪ ..‬بأنه ال يمتنع أن يكون لجبريل أجزاء أصلية قليلة‬
‫وأجزاء فاضلة ويتمكن باألجزاء من أن يتمثل بش اًر هذا على القول بأنه‬
‫جسم‪ ،‬وأما على القول بكونه روحانياً فال استبعاد في أن يتدرع تارة بالهيكل‬
‫العظيم وأخرى بالهيكل الصغير‪.‬‬

‫وأنت ترى أن أول الشقين في الجواب كأصل االشكال مبنى على كون‬
‫التمثل تغي اًر من المتمثل في نفسه وبطالن صورته األولى وانتقاله إلى صورة‬
‫أخرى‪ ،‬وقد تقدم أن التمثل ظهوره في صورة ما وهو في نفسه بخالفها‪.‬‬
‫واآلية بسياقها ظاهرة في أن جبريل لم يخرج بالتمثل عن كونه ملكاً ‪ ،‬وال‬
‫صار بش اًر في نفسه ‪ ،‬وإنما ظهر لها في صورة البشر فهو كذلك في ظرف‬
‫إدراكها ال في نفسه وفي الخارج عن ظرف إدراكها‪ ،‬ونظير ذلك نزول‬
‫المالئكة الكرام في قصة البشارة بإسحاق وتمثلهم إلبراهيم ولوط (عليهما‬
‫السالم) في صورة البشر ‪ ،‬ونظيره ظهور إبليس في صورة سراقة بن مالك‬
‫يوم بدر‪ ،‬وقد أشار تعالى إليه في سورة األنفال اآلية وقد كان سراقة يومئذ‬
‫بمكة‪ .‬وفي الروايات من ذلك شيء كثير‪ ،‬كتمثل إبليس يوم الندوة للمشركين‬
‫‪10‬‬
‫في صورة شيخ كبير‪ ،‬وتمثله يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج‪ ،‬وتمثله‬
‫ليحيى (عليه السالم) في صورة عجيبة‪ ،‬ونظير تمثل الدنيا لعلي (عليه‬
‫السالم) في صورة مرأة حسناء فتانة كما في الرواية‪ ،‬وما ورد من تمثل‬
‫المال والولد والعمل لل نسان عند الموت‪ ،‬وما ورد من تمثل األعمال لل نسان‬
‫في القبر ويوم القيامة‪ .‬ومن هذا القبيل التمثالت المنامية ‪ ،‬كتمثل العدو في‬
‫صورة الكلب أو الحية أو العقرب وتمثل الزوج في صورة النعل وتمثل العالء‬
‫في صورة الفرس والفخر في صورة التاج إلى غير ذلك‪ .‬فالمتمثل في أغلب‬
‫هذه الموارد ـ كما ترى ـ من المعاني التي ال صورة لها في نفسها وال شكل‪،‬‬
‫وال يتحقق فيها تغير من صورة إلى صورة وال من شكل إلى شكل كما عليه‬
‫بناء االشكال والجواب"‪.11‬‬

‫و أصحاب المفهوم الثالث للرجعة يطبقون هذه الفكرة حيث يقولون‪ :‬إن‬
‫األرواح ال تعود إلى أبدانها ليكون لها وجود مادي بعد أن انفصلت عن الوجود‬
‫المادي‪ ،‬وإنما األرواح تظهر في نفوس المؤمنين المعاصرين لإلمام الحجة‬
‫(صلوات هللا وسالمه عليه) أو الذين يعيشون بعد ارتحال اإلمام المهدي‬
‫‪12‬‬
‫(عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬وذكر الشهيد المطهري في كتابه (المعاد)‬

‫تفسب المبان ج‪ 14‬ص ‪.38 37‬‬ ‫‪11‬‬

‫ّ‬
‫‪ 12‬الشهيد مطهري‪ ،‬سلسلة أصول الدين (المعاد مداخالت فكرين بت الشيخ مطهري والمهندس‬
‫ر‬
‫والنش والتوزي ع‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫بازركان) ترجمة جواد عل ّ‬
‫كسار‪ ،‬دار الحوراء للطباعة‬ ‫ي‬
‫‪11‬‬
‫قول بعض العلماء بهذه النظرية ‪ ،‬كالفيض الكاشاني‪ ،‬والشاه آبادي أستاذ‬
‫السيد الخميني (أعلى هللا تعالى درجاتهم)‪ ،‬وكذلك يرى هو أن هذا التصور هو‬
‫التصور الصحيح‪.‬‬

‫أصحاب المفهومين األخيرين على اختيار مفهو ٍم ٍ‬


‫آخر‬ ‫والذي حمل‬
‫مغاير لما عليه قاطبة المذهب ودلت عليه روايات الرجعة هو بعض الشبهات‬
‫الضعيفة والتي ال تصمد أمام النقد‪ ،‬ومنها استحالة التناسخ ولزومه من القول‬
‫بعود األرواح إلى األبدان الملكية ‪ ،‬و نحن تعرضنا لذلك مفصالً في أبحاث‬
‫المعاد ‪ ،‬وبينا عدم االستحالة ‪ ،‬وبالتالي ال توجب هذه الشبهات رفع اليد عما‬
‫تدل عليه الروايات ‪ ،‬وعليه اإلجماع كما نقلنا عن السيد المرتضى (أعلى هللا‬
‫تعالى مقامه)‪.‬‬

‫وأما مراحل الرجعة فإن الرجعة مفهوم عام ينطوي تحته مراحل ثالث‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬رجوع بعض األموات إلى الدنيا في أيام اإلمام الحجة‬
‫(صلوات هللا وسلمه عليه)‪.‬‬

‫وقد دلت بعض الروايات على خروج بعض األموات مع اإلمام بقية هللا‬
‫(عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬فقد روي عن اإلمام الصادق (صلوات هللا‬
‫وسالمه عليه)‪" :‬يكر مع القائم ثالث عشرة امرأة"‪ ،13‬وفي رو ٍ‬
‫اية أخرى عن‬

‫‪ 13‬ر‬
‫الطبي‪ ،‬محمد بن جرير‪ ،‬دالئل اإلمامة‪ ،‬ص ‪( .484‬موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫اإلمام الصادق (عليه السالم)‪" :‬يخرج القائم (عليه السالم) من ظهر الكوفة‬
‫رجال‪ ،‬خمسة عشر منهم من قوم موسى الذين كانوا‬
‫مع سبعة وعشرين ً‬
‫يهدون بالحق وبه يعدلون‪ ،‬وسبعة من أهل الكهف‪ ،‬ويوشع بن نون‪،‬‬
‫وسلمان‪ ،‬وأبا دجانة األنصاري‪ ،‬والمقداد‪ ،‬ومالك األشتر‪ ،‬فيكونون بين يديه‬
‫وحكاما"‪.14‬‬
‫ً‬ ‫أنصار‬
‫ًا‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬تقع في أواخر أيام دولة اإلمام المهدي (عليه السالم)‪.‬‬

‫اإلمام الحسين ‪ ،‬وبعده أمير المؤمنين (سالم هللا تعالى‬ ‫فإنه يرجع‬
‫عليهما)‪ ،‬و روى المعلى بن خنيس وزيد الشحام "عن أبي عبدهللا (عليه‬
‫السالم) قال‪ :‬سمعناه يقول‪ :‬أول من تكر في رجعته الحسين بن علي عليه‬
‫‪،15‬‬
‫وفي الرواية عن أبي جعفر (عليه السالم) قال‪" :‬قال الحسين‬ ‫السالم‪"...‬‬

‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب التاسع يف‬


‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬
‫ي‬ ‫‪ 14‬الحر‬
‫جملة من األحاديث المعتمدة يف اإلخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغبهم من الرعية‪،....‬‬
‫المحالن‪ ،‬المطبعة العلمية بقم‬ ‫السوىل‬
‫وأشف عل طبعه الحاج السيد هاشم ر‬ ‫ح ‪ .27‬صححه ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المقدسة‪.‬‬
‫ر‬
‫العاش‪ ،‬يف‬ ‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب‬
‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬ ‫‪ 15‬الحر‬
‫ي‬
‫ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم‬
‫السالم‪ ،‬ح ‪.106‬‬
‫‪13‬‬
‫(عليه السالم) ألصحابه قبل أن يقتل‪ ... :‬فأكون أول من ينشق األرض‬
‫عنه‪ ،‬فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا"‪.16‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬يعود فيها النبي (صلى هللا عليه وآله) وجميع األئمة‬
‫(عليهم أفضل الصالة والسالم)‪.‬‬

‫ففي الرواية عن اإلمام علي بن الحسين (عليهما السالم)‪ :‬في قوله‬


‫ُّك ِإَل ٰى َم َع ٍاد‪ ،17‬قال‪:‬يرجع‬
‫آن َلَراد َ‬ ‫تعالى‪ِ :‬إ َّن َّال ِذي َفَر َ‬
‫ض َعَلْي َك اْلقْر َ‬
‫إليكم نبيكم وأمير المؤمنين واألئمة عليهم السالم"‪.18‬‬

‫الوقفة الثانية‪:‬‬

‫المقدم ‪ :‬كيف يمكن التوفيق بين ماذكرتم من مراحل مع ما ورد عن أمير‬


‫المؤمنين (صلوات هللا وسالمه عليه)‪" :‬العجب كل العجب بين جمادى‬

‫ر‬
‫العاش‪ ،‬يف ذكر جملة‬ ‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب‬ ‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬من الهجعة ر‬ ‫‪ 16‬الحر‬
‫ي‬
‫من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم السالم‪ ،‬ح ‪.95‬‬

‫‪ 17‬سورة القصص‪ ،‬اآلية ‪.85‬‬


‫ر‬
‫العاش‪ ،‬يف‬ ‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب‬
‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬ ‫‪ 18‬الحر‬
‫ي‬
‫ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم‬
‫السالم‪ ،‬ح ‪.75‬‬
‫‪14‬‬
‫ورجب"‪ ،19‬ومع المعروف أن الظهور العلني أو مايعبر عنه بالقيام يكون في‬
‫اليوم العاشر من شهر محرم الحرام؟‬

‫ٍ‬
‫منافاة بين هذه الرواية وبين تحقق‬ ‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬ال يوجد أي‬
‫المرحلة األولى من الرجعة‪ ،‬فإذا ظهر اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه‬
‫الشريف) يكر معه ويظهر معه بعض الموتى‪ ،‬أما متى يظهرون؟ هل في‬
‫اليوم األول مع قيامه (عليه السالم)؟ أم بعد سنة أو سنتين؟ فهذا مما ال تتكفل‬
‫الروايات بيانه على نحو القطع واليقين‪ ،‬فيمكن أن يخرج اإلمام المهدي‬
‫(صلوات هللا وسالمه عليه) في اليوم العاشر وبعد سنة قبيل شهر رمضان‬
‫تتحق المرحلة األولى من الرجعة أو بعد أكثر من سنة‪ ،‬فاإلمام الحجة (عجل‬
‫هللا تعالى فرجه الشريف) كما في بعض الروايات يملك سبع سنين‪ ،‬وفي بعض‬
‫الروايات ثمان وفي أخرى تسع وفي أخرى يملك أربعين سنة وكل سنة كعشر‬
‫سنوات‪ ،‬فاإلمام (عليه السالم) يحكم مدة طويلة وفي هذه المدة يمكن أن‬
‫تتحقق المرحلة األولى من الرجعة‪ ،‬ثم يمر وقت وتحقق المرحلة الثانية في‬
‫أواخر حياته (عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪.‬‬

‫دليل الرجعة و موقعها يف سلم املعارف‪:‬‬


‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب التاسع يف‬
‫عامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬ ‫ي‬ ‫‪ 19‬الحر ال‬
‫جملة من األحاديث المعتمدة يف اإلخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغبهم من الرعية‪،....‬‬
‫ح ‪.131‬‬
‫‪15‬‬
‫الوقفة الثالثة‪:‬‬

‫المقدم ‪ :‬هناك من يركز على أن مايجب االعتقاد به هو ضروريات‬


‫المذهب والدين‪ ،‬فيكفي أن نعتقد أن األئمة (عليهم السالم) منصوبون من قبل‬
‫هللا (عز وجل) بالنص وأما بقية االعتقادات كالوالية التكوينية أو الرجعة فهذا‬
‫مما ال يجب االعتقاد به‪ ،‬في هذه الوقفة نآمل من سماحتكم بيان أدلة الرجعة‬
‫وهل يجب االعتقاد بها؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬هذا السؤال يتناول أمرين ال بد أن نفصل بينهما‪،‬‬


‫وهما‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬هل الرجعة ثابتة؟ وهل يوجد دليل قطعي على ثبوتها أم ال؟‬

‫قطعي على أنها‬


‫ٍ‬ ‫األمر الثاني‪ :‬على تقدير ثبوت الرجعة ووجود ٍ‬
‫دليل‬
‫حق‪ ،‬فهل الرجعة من العقائد التي يجب فيها فعل خاص يعبر عنه بالتدين أو‬
‫اإليمان؟‬

‫أدلة إثبات الرّجعة‪:‬‬

‫إذا جئنا عند األمر األول المتعلق بالحديث حول وجود دليل على ثبوت‬
‫الرجعة‪ ،‬فإن الجواب عن سؤال دليلها هو ‪ :‬نعم توجد أدلة على ثبوتها ‪ ،‬وهي‬
‫ٍ‬
‫متعددة كما يلي‪:‬‬ ‫على أقسا ٍم‬
‫‪16‬‬
‫القسم األول‪ :‬آيات القرآن الكريم‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬األخبار والروايات‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬نص علمائنا باإلجماع على ثبوت الرجعة‪.‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬الدليل العقلي‪.‬‬

‫داللة القرآن على الرجعة ‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬آيات القرآن الكريم‪ :‬يمكننا تصنيف آيات القرآن الكريم إلى‬
‫صنفين هما‪:‬‬

‫الصنف األول‪ :‬اآليات التي تثبت الرجعة بشكل عا ٍم ـ ـ أصل الرجعة ـ ـ‬


‫وتثبت وقوع إعادة بعض األراح إلى األبدان بعد موتها‪ ،‬ولو في الزمن السابق‪،‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬

‫َخ ِ‬
‫اوَي ٌة َعَل ٰى‬ ‫‪ -1‬قوله (عز وجل)‪ :‬أ َْو َك َّال ِذي َمَّر َعَل ٰى َقْرَي ٍة َو ِهي‬
‫َ‬
‫ِم َائ َة َعامٍ ث َّم‬ ‫َّللا‬
‫َم َاته َّ‬ ‫ِ‬ ‫ال أََّن ٰى ي ْحِيي َٰه ِذ ِه َّ‬
‫َّللا َب ْع َد َم ْوت َها َفأ َ‬ ‫عر ِ‬
‫وش َها َق َ‬
‫َب َع َثه‪.20‬‬

‫‪ 20‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.259‬‬


‫‪17‬‬
‫وس ٰى َلن ُّن ْؤ ِم َن َل َك َح َّت ٰى َنَرى‬
‫‪ -2‬قول هللا (تبارك وتعالى)‪َ :‬وِإ ْذ قْلت ْم َيا م َ‬
‫اعَقة َوأَنت ْم َتنظرو َن ‪ ‬ث َّم َب َع ْثَناكم ِمن َب ْع ِد‬ ‫الص ِ‬
‫َخ َذ ْتكم َّ‬
‫َّللا َج ْهَرًة َفأ َ‬‫َّ َ‬
‫َم ْوِتك ْم َل َعَّلك ْم َت ْشكرو َن‪.21‬‬

‫اض ِربوه ِبَب ْع ِض َها َك َٰذلِ َك ي ْحِيي َّ‬


‫َّللا اْل َم ْوَت ٰى‬ ‫‪ -3‬قوله (جلت أسماؤه)‪َ :‬فقْلَنا ْ‬
‫آي ِات ِه َل َعَّلك ْم َت ْع ِقلو َن‪.22‬‬
‫َوي ِريك ْم َ‬

‫ين َخَرجوا ِمن ِدَي ِارِه ْم َوه ْم‬ ‫ِ‬


‫‪ -4‬قول هللا (جل شأنه)‪ :‬أََل ْم َتَر ِإَلى َّالذ َ‬
‫َّللا َلذو َف ْض ٍل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحَياه ْم إ َّن َّ َ‬
‫َّللا موتوا ث َّم أ ْ‬
‫ال َلهم َّ‬ ‫وف َح َذَر اْل َم ْوت َفَق َ‬ ‫أل ٌ‬
‫اس َال َي ْشكرو َن‪.23‬‬ ‫الن ِ‬‫اس َوَٰل ِك َّن أَ ْك َثَر َّ‬
‫الن ِ‬
‫َعَلى َّ‬

‫وف‪ ،‬وكلمة (ألوف)‬


‫وعندما نالحظ هذه اآلية نقف عند كلمة ‪َ ‬وه ْم أل ٌ‬
‫صيغة منتهى الجموع‪ ،‬حيث هناك فرق بين كلمتي ( آالف) و (ألوف) ‪،‬‬
‫فآالف جمع ألف ‪ ،‬وألوف جمع آالف‪ ،‬أي‪ :‬إن الذين أماتهم هللا (تبارك‬
‫وتعالى) كانت أعدادهم كثيرة ‪ ،‬ثم أحياهم‪.‬‬

‫هذه اآلية ترتبط ببني إسرائيل‪ ،‬وأنهم قوم نبي هللا (تبارك وتعالى) حزقيل‬
‫كما ذكر ذلك بعض مفسري العامة ـ ـ ـ كالقرطبي وابن كثير ـ ـ ـ وقد وقعت فيهم‬

‫‪ 21‬سورة البقرة‪ ،‬اآليتان ‪.56 55‬‬

‫‪ 22‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬

‫‪ 23‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.243‬‬


‫‪18‬‬
‫الرجعة‪ ،‬ووقعت على ألوف منهم‪ ،‬وقد روت كتب القوم في روايات معتبرة‬
‫عن النبي (صلى هللا عليه وآله وسلم) قوله‪" :‬ليأتين على أمتي ما أتى على‬
‫بني إسرائيل حذو النعل بالنعل"‪..." ،24‬لتركبن سنن من كان قبلكم"‪ ،25‬فهل‬
‫يخ ما أن ألوًفا من أمة النبي (صلى هللا عليه وآله وسلم) ماتوا ثم‬
‫قرأتم في تار ٍ‬
‫رجعوا؟ هذا األمر لم يقع ‪ ،‬فإ ًذا ال بد أن يقع ‪ ،‬وهذا ما ننتظره في آخر‬
‫الزمان‪.‬‬

‫دفع شبهة التناسخ‪:‬‬

‫ٍ‬
‫جملة من الشبهات التي‬ ‫هذا الصنف من اآليات الكريمات ينفعنا في دفع‬
‫أثيرت حول الرجعة‪ ،‬ومنها شبهة التناسخ التي أجمع المسلمون على بطالنها‪،‬‬
‫بدن إلى ٍ‬
‫بدن‪،‬‬ ‫وحقيقة التناسخ هي‪ :‬عود األرواح إلى األبدان وانتقال الروح من ٍ‬
‫واستمرار ذلك إلى األبد ‪ ،‬و هذه الشبهة تقول بامتناع الرجعة؛ ألن الرجعة‬
‫قائمة على رجوع األرواح إلى األبدان‪.‬‬

‫‪ 24‬البمذي‪ ،‬محمد بن عسى‪ ،‬جامع البمذي‪ ،‬أبواب اإليمان‪ ،‬باب ما جاء يف افباق هذه األمة‪ ،‬ح‬
‫بإشاف ومراجعة فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ‪ ،‬إصدرات وزارة الشؤون‬ ‫‪ .2641‬ر‬
‫السالم ر‬
‫للنش والتوزي ع‪،‬‬ ‫اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬دار ّ‬
‫الطبعة الثانية‪1421 ،‬ـه ‪2000‬م‪.‬‬

‫‪ 25‬البمذي‪ ،‬محمد بن عسى‪ ،‬جامع البمذي‪ ،‬أبواب الفت‪ ،‬باب ماجاء لب ر‬


‫كت ست من كان قبلكم‪،‬‬
‫ح ‪..2180‬‬
‫‪19‬‬
‫وأول جو ٍ‬
‫اب على هذه الشبهة هو الجواب النقضي بهذه اآليات‬
‫المباركات‪ ،‬والتي تدل على عود األرواح إلى األبدان في األمم السابقة‪ ،‬فال بد‬
‫عقال ـ ـ ـ ـ كما هو رأي جملة من علمائنا منهم‬
‫محاال ً‬
‫ً‬ ‫أن نقول‪ :‬إما التناسخ ليس‬
‫الشيخ البهائي ‪،‬والعالمة المجلسي (رحمة هللا تعالى عليهما) وغيرهما وهو‬
‫عقال ‪ ،‬ولكن عود األرواح إلى األبدان في هذه‬
‫الحق ـ ـ ـ ـ وإما التناسخ مستحيل ً‬
‫النشأة ليس من التناسخ‪ ،‬فالتناسخ المستحيل هو انتقال الروح بعد خروجها من‬
‫عقال‪ .‬نعم‪،‬‬
‫محاال ً‬
‫ً‬ ‫البدن إلى ٍ‬
‫بدن آخر‪ ،‬و أما عودها إلى نفس البدن فليس‬
‫ٍ‬
‫أبدان إلى ما ال نهاية بحيث ينكر المعاد‬ ‫التناسخ بمعنى انتقال األرواح إلى‬
‫الرجعة‪،‬‬
‫هو باطل شرًعا ‪ ،‬وهذا المعنى ليس هو المعنى الذي ينطبق على َ‬
‫والصحيح أنه ال يوجد دليل عقلي على استحالة التناسخ ‪ ،‬والتناسخ الباطل هو‬
‫الذي يتنافى مع عقيدة المعاد فحسب‪.‬‬

‫مباشر‪ ،‬أي‪ :‬تتعلق‬


‫ًا‬ ‫طا‬
‫الصنف الثاني‪ :‬اآليات التي ترتبط بالرجعة ارتبا ً‬
‫بالرجعة التي نؤمن بها ‪ ،‬وليس مطلق عود الروح إلى البدن ولو كان في األمم‬
‫السابقة‪ ،‬فهي تتحدث عن عود الروح إلى البدن في أمة النبي األكرم (صلى‬
‫هللا عليه وآله وسلم)‪ ،‬وهذا الصنف يتمثل في عدة آيات منها‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -1‬قوله (تبارك وتعالى)‪َ  :‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا ِم َّمن ي َك ِذب‬
‫وزعو َن‪ ،26‬و قد استدل بهذه اآلية األئمة (صلوات هللا وسالمه‬ ‫آي ِاتَنا َفه ْم ي َ‬
‫ِب َ‬
‫عليهم) فعن "ابن أبي عمير‪ ،‬عن حماد يعني ابن عثمان عن أبي عبد هللا‬
‫(عليه السالم) قال‪ :‬ما يقول الناس في هذه اآلية ‪َ ‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة‬
‫َف ْو ًجا‪‬؟ قلت‪ :‬يقولون إنها في القيامة‪ ،‬قال‪ :‬ليس كما يقولون إنها في‬

‫الرجعة‪ ،‬أيحشر هللا في القيامة من كل أم ٍة ً‬


‫فوجا ويدع الباقين؟ إنما آية‬
‫َح ًدا‪ ،28"27‬واستدل بها السيد الحميري‬ ‫ِ ِ‬
‫القيامة ‪َ ‬و َح َشْرَناه ْم َفَل ْم ن َغادْر مْنه ْم أ َ‬
‫في مجلس المنصور العباسي كما نقل ذلك العالمة المجلسي (رحمة هللا تعالى‬
‫عليه)‪..." :‬فقال سوار‪ :‬يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة‪ ،‬ويتناول‬
‫الشيخين بالسب والوقيعة فيهما‪ ،‬فقال السيد‪ :‬أما قوله إني أقول بالرجعة‪،‬‬
‫فإني أقول بذلك على ما قال هللا تعالى‪َ  :‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا ِم َّمن‬
‫موضع آخر‪َ  :‬و َح َشْرَناه ْم َفَل ْم ن َغ ِادْر‬
‫ٍ‬ ‫وزعو َن‪ ،‬وقد قال في‬‫آي ِاتَنا َفه ْم ي َ‬ ‫ِ‬
‫ي َكذب ِب َ‬
‫خاص"‪.29‬‬ ‫ِ‬
‫عام واآلخر ٌ‬ ‫َح ًدا‪ ‬فعلمنا أن ههنا حشرين أحدهما ٌ‬ ‫مْنه ْم أ َ‬

‫‪ 26‬سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬

‫‪ 27‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬

‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب التاسع يف‬


‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬
‫ي‬ ‫‪ 28‬الحر‬
‫جملة من األحاديث المعتمدة يف اإلخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغبهم من الرعية‪،....‬‬
‫ح ‪.22‬‬

‫المجلى‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،53‬ص ‪( .131‬موقع مكتبة الشيعة)‪.‬‬


‫ي‬ ‫‪ 29‬العالمة‬
‫‪21‬‬
‫و اآلية الشريفة تفيد أن هللا (سبحانه وتعالى) سوف يحشر جماع ًة‬
‫خاص ًة ‪ِ ‬من ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا‪ ‬و(من) تفيد التبعيض‪ ،‬بينما الحشر الذي نؤمن به‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقع في يوم القيام يكون لجميع األمم وليس لبعضهم ‪َ ‬وَي ْوَم ن َسير اْلجَب َ‬
‫ال‬
‫ِ ِ‬ ‫َوَتَرى ْاألَْر َ‬
‫َح ًدا‪ ،‬وهذا يدل على أن اليوم‬ ‫ض َب ِارَزًة َو َح َشْرَناه ْم َفَل ْم ن َغادْر مْنه ْم أ َ‬
‫األول في قوله (تبارك وتعالى) ‪َ ‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا‪ ‬يختلف عن‬
‫ض‬ ‫ال َوَتَرى ْاألَْر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليوم الثاني في قوله (سبحانه وتعالى) ‪َ ‬وَي ْوَم ن َسير اْلجَب َ‬
‫َب ِارَزًة‪ ،‬وهذا ماروي عن اإلمام الباقر (صلوات هللا وسالمه عليه)‪" :‬أيام هللا‬
‫ثالث ٌة‪ :‬يوم يقوم القائم‪ ،‬ويوم الكرة ويوم القيامة"‪ ،30‬فهناك قيامة صغرى ‪،‬‬
‫وهي يوم ظهر اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه الشريف)‪ ،‬وقيامة وسطى‬
‫وهي ‪‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا‪ ،‬وهناك قيامة كبرى وهي ‪َ ‬و َح َشْرَناه ْم‬
‫َح ًدا‪( ،‬فحشرناهم) هنا عامة تشمل جميع الخلق‪ ،‬وال‬ ‫ِ ِ‬
‫َفَل ْم ن َغادْر مْنه ْم أ َ‬
‫محضا أو محض الكفر‬ ‫خاصة ‪ ،‬أو بمن محض اإليمان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بجماعة‬ ‫تختص‬
‫ً‬
‫محضا‪.‬‬
‫ً‬

‫َحَياك ْم ث َّم‬ ‫‪ -2‬قول هللا (عز وجل)‪َ  :‬كيف َت ْكفرو َن ِب َّ ِ‬


‫َم َو ًاتا َفأ ْ‬
‫اَّلل َوكنت ْم أ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ي ِميتك ْم ث َّم ي ْحِييك ْم ث َّم ِإَلْي ِه تْر َجعو َن‪ ،31‬فقد كنتم أمواتًا قبل ولوج الروح فأحياكم‬

‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب التاسع يف‬


‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬
‫ي‬ ‫‪ 30‬الحر‬
‫جملة من األحاديث المعتمدة يف اإلخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغبهم من الرعية‪،....‬‬
‫ح ‪.3‬‬

‫‪ 31‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬


‫‪22‬‬
‫هللا (تبارك وتعالى) ‪ ،‬ثم يميتكم ‪ ،‬ثم يحيكم‪ ،‬فتحصل حياة بعد الموت ثم بعد‬
‫هذه الحياة يحصل البعث األكبر ‪ِ‬إَلْي ِه تْر َجعو َن‪.‬‬

‫َحَيْي َتَنا ا ْثَن َتْي ِن‬


‫َم َّتَنا ا ْثَن َتْي ِن َوأ ْ‬
‫‪ -3‬قوله (جلت أسماؤه)‪َ  :‬قالوا َرَّبَنا أ َ‬
‫يل‪.32‬‬ ‫وج ِمن َس ِب ٍ‬
‫اع َتَرْفَنا ِبذنوبَِنا َف َه ْل ِإَل ٰى خر ٍ‬
‫َف ْ‬

‫وقد رد الشيخ المفيد (رحمه هللا) قول البعض بأن المقصود من اإلماتة‬
‫مرتين هو الموت قبل ولوج الروح‪ ،‬فاإلنسان أول ما وجد كان نطف ًة تمر‬
‫بمراحل ‪ ،‬ثم ولجته الروح‪ ،‬فقبل ولوج الروح هو األماتة األولى‪ ،‬ثم حصل‬
‫اإلحياء‪ ،‬ثم حصلت اإلماتة و دفن الناس في قبورهم ‪ ،‬وحصل بعد ذلك‬
‫اإلحياء في يوم القيامة‪ ،‬فذكر الشيخ المفيد (أعلى هللا تعالى مقامه) عدم‬
‫صحة هذا المعنى وأنه ال تساعد عليه اللغة العربية؛ ألن اإلماتة ال تكون إال‬
‫ٍ‬
‫حيا ‪ ،‬ثم إذا سلبت عنه الحياة يصدق عنوان‬ ‫عن حياة‪ ،‬فال بد أن يكون المرء ً‬
‫اإلماتة‪ ،‬أما أن يخلق بال ٍ‬
‫حياة فهذه ال يسمى إماتة‪( ،‬فأمتنا اثنين) يفيد أننا‬
‫أحياء ‪ ،‬ثم أمتنا‪ ،‬ثم أعدت إلينا الحياة‪ ،‬ثم أمتنا‪ ،‬وبعد اإلماتة الثانية‬
‫ً‬ ‫كنا‬
‫تحصل عملية الرجوع إلى هللا (سبحانه وتعالى) في البعث األكبر‪.‬‬

‫داللة القرآن على الرجعة ‪:‬‬

‫‪ 32‬سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬


‫‪23‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬األخبار والروايات‪:‬‬

‫جدا ومتواتر كما نص علماؤنا األعالم‪،‬‬


‫لروايات في الرجعة كثيرة ً‬
‫فالشيخ يقول‪" :‬يرجع نبينا وأئمتنا المعصومون في زمان المهدي مع جماعة‬
‫من األمم السابقة والالحقة‪ ،‬إلظهار دولتهم وحقهم‪ ،‬وبه قطعت المتواترات‬
‫من الروايات واآليات لقوله تعالى ‪َ ‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا‪.33"‬‬

‫مؤمن‬
‫ٌ‬ ‫ويقول العالمة المجلسي (رحمة هللا تعالى عليه)‪" :‬وكيف يشك‬
‫بحقية األئمة األطهار عليهم السالم فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي‬
‫نيف وأربعون من الثقات العظام‪ ،‬والعلماء األعالم‪ ،‬في‬
‫صريح‪ ،‬رواها ٌ‬
‫ٍ‬ ‫حديث‬
‫ٍ‬
‫شئ‬
‫اتر ففي أي ٍ‬
‫أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ‪ ...‬وإذا لم يكن مثل هذا متو ًا‬
‫يمكن دعوى التواتر‪ ،‬مع ما روته كافة الشيعة خل ًفا عن ٍ‬
‫سلف"‪.34‬‬

‫وقال السيد عبدهللا شبر (قدس سره)‪" :‬وليست األخبار الواردة في‬
‫سندا‬
‫عددا وأوضح ً‬
‫الصراط والميزان ونحوهما مما يجب اإلذعان به أكثر ً‬
‫وأصرح دالل ًة وأفصح مقال ًة من أخبار الرجعة‪ ،‬وإختالف خصوصياتها ال‬

‫الطوس‪ ،‬رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية)‪ ،‬مسألة ‪ ،36‬ص ‪.250‬‬
‫ي‬ ‫‪ 33‬الشيخ‬
‫ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض‬ ‫جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ‬
‫الباج الطر ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم‬ ‫ر‬
‫النش‬ ‫مؤسسة‬ ‫بهادري‪،‬‬ ‫اهيم‬
‫ر‬ ‫إب‬ ‫الطوس‪ ،‬تحقيق‬ ‫والشيخ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411 ،‬ـه‪.‬‬

‫المجلى‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،53‬ص ‪( .123‬موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬


‫ي‬ ‫‪ 34‬العالمة‬
‫‪24‬‬
‫يقدح في حقيقتها كوقوع االختالف في خصوصيات الصراط والميزان‬
‫إجماال وأن بعض المؤمنين وبعض‬
‫ً‬ ‫ونحوهما‪ ،‬فيجب اإليمان بأصل الرجعة‬
‫الكفار يرجعون إلى الدنيا وإيكال تفاصيلها إليهم عليهم السالم‪ ،‬واألحاديث‬
‫في رجعة أمير المؤمنين والحسين متواترٌة معنى‪ ،‬وفي باقي األئمة قريب ٌة من‬
‫ً‬
‫التواتر"‪.35‬‬

‫وكتب السيد نعمة هللا الجزائري (رحمة هللا تعالى عليه) ً‬


‫كتابا لم يصل‬
‫إلينا أو لعله مخطوط لم يطبع ـ ـ ـ ـ فأنا لم أقف عليه ولكنه مذكور في كتاب‬
‫الذريعة ـ ـ ـ ـ و جمع فيه قرابة خمسمائة رواية في الرجعة‪ ،‬وكذلك كتب السيد‬
‫كتابا بعنوان (تفريج الكربة في اثبات الرجعة)‬
‫محمود الكاظمي (قدس سره) ً‬
‫أيضا‪ ،‬ثم جاء الشيخ الحر العاملي (أعلى هلل تعالى‬
‫وجمع فيه خمسمائة رواية ً‬
‫درجاته) وكتب كتابه النفيس (اإليقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) جمع‬
‫فيه ستمائة وعشرين رواية‪ ،‬وهذا العدد الضخم من الروايات ال يفيد التواتر فقط‬
‫بل هو فوق حد التواتر‪.‬‬

‫استعراض بعض روايات البحار‪:‬‬

‫ّ‬
‫األعلم‬
‫ي‬ ‫‪ 35‬ر‬
‫شب‪ ،‬السيد عبدهللا‪ ،‬حق اليقت يف معرفة أصول الدين‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،337‬مؤسسة‬
‫للمطبوعات‪ ،‬ببوت لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1418‬ـه ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫تعرض العالمة المجلسي(شكر هللا سعيه) في كتاب البحار في الجزء ‪53‬‬
‫لما يتعلق بظهور اإلمام الحجة (عليه السالم) و الرجعة ‪ ،‬وفي الباب ‪29‬‬
‫استعرض ‪ 160‬رواية ‪ ،‬وذكر عبارته المتقدمة ‪ ،‬وبحث في كتاب مشرعة‬
‫البحار روايات هذا الباب في فصول ‪ ،‬و انتهى إلى أن قال ‪" :‬ال يحتمل كذب‬
‫جميع الروايات ‪ ،‬نعلم اجماالً بصدور جملة منها من أئمة أهل البيت (عليهم‬
‫السالم) فنقول برجوع جمع من الناس األموات والمقتولين في زمن‬
‫القائم(عليه السالم) ‪ ،‬وقد ادعي عليه االجماع أيضاً ‪ ،‬ومن قال برجوع أمير‬
‫المؤمنين بل وبرجوع الحسين (عليهما السالم) ال نراه ملوماً ومبالغاً ‪ ،‬وهذا‬
‫المقدار من دون الخوض في تفاصيل الموضوع مسلم ‪ ،‬وثابت من‬
‫األخبار"‪.36‬‬

‫تربية املؤمن عل اإلقرار بالرجعة ‪:‬‬

‫ولو تأملنا في زيارات األئمة (صلوات هللا وسالمه عليهم) لوجدنا فيها‬
‫التأكيد وبكثرٍة على مسألة الرجعة مما يرشدنا أن اإلقرار بالرجعة قد جعل‬
‫علميا في روايات أهل البيت (عليهم السالم)‪ ،‬ومن شواهد ذلك‪:‬‬
‫نامجا ً‬
‫بر ً‬

‫‪ 36‬ر‬
‫مشعة البحار ‪ :‬ج ‪ 2‬ص ‪.240 239‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -1‬زياة النبي (صلى وآله عليه وآله الطاهرين) وآله الطاهرين (صلوات‬
‫هللا وسالمه عليه) في يوم الجمعة المروية عن إمامنا الصادق (عليه‬
‫مقر برجعتكم‪ ،‬ال أنكر هلل‬
‫السالم)‪ ...." :‬إني من القائلين بفضلكم‪ٌ ،‬‬
‫قدرًة‪ ،‬وال أزعم إال ما شاء هللا"‪.37‬‬

‫‪ -2‬زيارة األربعين ‪":‬وبإيابكم موقن"‪.‬‬

‫‪ -3‬زيارة اإلمام الحسين عن اإلمام الصادق (عليهما السالم)‪" :‬إني من‬


‫المؤمنين برجعتكم‪ ،‬ال أنكر هلل قدرًة"‪.‬‬

‫مصدق برجعتكم"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مؤمن بإيابكم‪،‬‬
‫‪ -4‬الزيارة الجامعة‪ٌ " :‬‬

‫‪ -5‬زياة أبي الفضل العباس (عليه السالم)‪" :‬إني بكم وبإيابكم من‬
‫المؤمنين"‪.38‬‬

‫ر‬
‫العاش‪ ،‬يف‬ ‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب‬
‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬ ‫‪ 37‬الحر‬
‫ي‬
‫ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم‬
‫السالم‪ ،‬ح ‪.2‬‬

‫بالبهان عل الرجعة‪،‬‬
‫العامل‪ ،‬يف كتابه اإليقاظ من الهجعة ر‬
‫ي‬ ‫‪ 38‬أورد ذلك وغبه الكثب الشيخ الحر‬
‫البابت الثامن والعا رش‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫دليل اإلمجاع ‪:‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬نص علمائنا باإلجماع على ثبوت الرجعة‪ ،‬وممن نص‬
‫على ذلك من علمائنا األعالم (أعلى هللا تعالى كلماتهم)‪:‬‬

‫ـ ـ ـ الشيخ الصدوق (قدس سره) في االعتقادات حيث قال‪" :‬اعتقادنا في‬


‫حق"‪.39‬‬
‫الرجعة أنها ٌ‬

‫ـ ـ الشيخ المفيد (أعلى هللا تعالى منازله) في أوائل المقاالت حيث أفاد‪:‬‬
‫"وقد جاء القرآن بصحة ذلك وتظاهرت به األخبار‪ ،‬واإلمامية بأجمعها عليه‬
‫إال شذا ًذا منهم تأولوا ما ورد فيه مما ذكرناه على وجه يخالف ما‬
‫وصفناه"‪.40‬‬

‫ـ ـ السيد المرتضى (رحمة هللا تعالى عليه) في رسائله حيث قال‪" :‬وال دليل‬
‫يقتضي ثبوت الرجعة إال ما بيناه من إجماع اإلمامية"‪.41‬‬

‫‪ 39‬الصدوق‪ ،‬محمد بن عل بن بابويه القم‪ ،‬االعقتادات‪ ،‬باب االعتقاد ف ّ‬


‫الرجعة‪ .‬قم المقدسة‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫إيران‪ ،‬تحقيق مؤسسة اإلمام الهادي عليه السالم‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1435 ،‬ـه‪.‬‬

‫‪ 40‬النعمان‪ :‬محمد بن محمد (المفيد)‪ ،‬أوائل المقاالت‪ ،‬القول يف الرجعة‪ ،‬ص ‪ .78‬المؤتمر‬
‫العالم بمناسبة الذكرى األلفية لوفاة الشيخ المفيد‪ ،‬تحقيق الشيخ إبراهيم األنصاري‪ ،‬مطبعة‬
‫ي‬
‫مهر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1413‬ـه‪.‬‬

‫الشيف المرتض‪ ،‬رسائل المرتض‪ ،‬ج ‪ ،3‬مسألة يف الرجعة من جملة الدمشقيات ص ‪.138‬‬ ‫‪ 41‬ر‬
‫(موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫أمهية دليل اإلمجاع‪:‬‬

‫اإلجماع دليل مهم في إثبات مسائل الدين لم؟ ألنه ينبني على الدليل الرياضي‬
‫المعروف بـحساب االحتماالت‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬

‫إذا ذهب عالم من العلماء إلى القول برأي ما‪ ،‬فهذا يعطي قيمة احتمالية‬
‫ومتخصصا وانتهى إلى‬ ‫ٍ‬
‫معتبر عليه‪ ،‬فإذا كان العالم ورًعا ودقيًقا‬ ‫لوجود ٍ‬
‫دليل‬
‫ً‬
‫أي‪ ،‬فسوف نقول‪ :‬ال يمكن أن ينتهي إلى هذا الراي من دون أن يعتمد على‬ ‫رٍ‬
‫ٍ‬
‫دليل بل ال بد أن يكون عنده دليل‪ ،‬ثم إذا انضم إليه مثله فإن قيمة احتمال أن‬
‫مصيبا للواقع ترتفع‪ ،‬فإذا رأينا كل العلماء يطبقون على ر ٍ‬
‫أي‬ ‫ً‬ ‫يكون ذلك الدليل‬
‫ما مع جاللة قدرهم وخبرتهم وورعهم وتقواهم فإننا ال نملك إال أن نقطع‬
‫بمطابقة ما انتهوا إليه للدليل المعتبر أو أنهم تلقوا هذا الرأي عن المعصومين‬
‫(صلوات هللا وسالمه عليهم)‪.‬‬

‫ويمكننا تقريب الفكرة أكثر بالمثال التالي‪ :‬إذا ما اتفق مرؤسون في‬
‫مؤسسة ما على قرٍار ما‪ ،‬فإن اتفاقهم كاشف عن رأي المدير‪ ،‬فإذا رأينا في‬
‫مثال أن الكل ـ ـ ـ األساتذة والمنستبين والطالب ـ ـ يقولون بوجود قرٍار من‬
‫مدرسة ً‬
‫ٍ‬
‫شخص للمدرسة ال يرتدي الزي الرسمي‪ ،‬فسوف‬ ‫مدير المدرسة بمنع دخول أي‬
‫فعال‪ ،‬وإال لما اتفق هؤالء على نقل هذا القرار‪،‬‬
‫صادر ً‬
‫ًا‬ ‫ار‬
‫نقطع بأن هناك قرًا‬

‫‪29‬‬
‫واألمر كذلك في اجماعات العلماء ‪ ،‬فإجماعهم يكشف بحساب االحتمال‬
‫الرياضي عن وجود ٍ‬
‫دليل‪.‬‬

‫الدليل العقلي على الرجعة قراءة نقدية‪:‬‬

‫عقلي على الرجعة‪،‬‬ ‫القسم الرابع‪ :‬ذهب البعض العلماء للقول بوجود ٍ‬
‫دليل ٍ‬
‫ٍ‬
‫متعددة‬ ‫ٍ‬
‫صياغات‬ ‫بالغا بهذه المسألة ونقل‬
‫وقد اهتم بعض المتأخرين اهتماما ً‬
‫للدليل العقلي على ضرورة وقوع الرجعة‪ ،‬وبالنسبة لي فإنه يوجد عندي تحفظ‬
‫عقلي على ضرورة وجود الرجعة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كدليل‬ ‫على جميع الصياغات التي ذكرت ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫معتبر من العقل يثبت ضروروة وجود الرجعة‪.‬‬ ‫فلم أقف على ٍ‬
‫دليل‬

‫عقلي ذكر على ضرورة وجود الرجعة هو الدليل‬


‫ٍ‬ ‫لعل أفضل ٍ‬
‫دليل‬
‫المصاغ في مقدمتين هما‪:‬‬

‫المقدمة األولى‪ :‬أن اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه الشريف) سوف‬
‫يرتحل‪ ،‬وسيبقى الناس بعده‪ ،‬والجنس البشري لن ينقرض بارتحال اإلمام‬
‫الحجة (عليه السالم)‪.‬‬

‫المقدمة الثانية‪ :‬أن العقل يقول بلزوم وجود إما ٍم في كل ٍ‬


‫زمان فال بد من‬
‫ٍ‬
‫حجة ومعصو ٍم‪ ،‬والروايات تؤيد هذا المعنى فعن اإلمام الصادق‬ ‫وجود‬

‫‪30‬‬
‫‪42‬‬
‫و الخليفة‬ ‫إمام لساخت"‬
‫(صلوات هللا وسالمه عليه)‪" :‬لو بقيت األرض بغير ٍ‬
‫قبل الخليقة ‪ ،‬فال بد بعد ارتحال اإلمام المهدي (صلوات هللا وسالمه عليه)‬
‫من وجود معصو ٍم‪ ،‬والمعصومون فقط أربعة عشر (عليهم السالم) فإ ًذا ال بد‬
‫احد منهم‪ ،‬إذ العقل يحكم بلزوم رجوع و ٍ‬
‫احد منهم‪.‬‬ ‫من رجوع و ٍ‬

‫ٍ‬
‫جهات هي‪:‬‬ ‫ولكن هذه الصياغة محل ٍ‬
‫تأمل من‬

‫الجهة األولى‪ :‬إن المقدمة األولى ليست مقدم ًة عقلي ًة‪ ،‬فكيف يدرك العقل‬
‫أن الجنس البشري لن ينقرض بارتحال اإلمام الحجة (عجل هللا تعالى فرجه‬
‫الشريف)؟! إن العقل يجيز أن ينهي الباري (عز وجل) حياة الناس على هذا‬
‫الكوكب بعد شهادة اإلمام الحجة (عليه السالم)‪ ،‬وكون هذه المقدمة ليست‬
‫عقليا‪.‬‬ ‫مقدم ًة عقلي ًة تطبل كون الدليل ً‬
‫دليال ً‬

‫الجهة الثانية‪ :‬إن المقدمة الثانية ليست عقلي ًة كذلك‪ ،‬فالعقل يقول من‬
‫ٍ‬
‫حجة معصو ٍم‪ ،‬ولكن العقل ال يقول‬ ‫باب وجوب اللطف ‪ :‬إنه ال بد من وجود‬
‫معصوما (صلوات هللا وسالمه‬
‫ً‬ ‫بالبدية أن يكون الحجة من األربعة عشر‬
‫عليهم) حتى يقال بضرورة تحقق الرجعة‪ ،‬فإن هللا (تبارك وتعالى) بإمكانه أن‬
‫معصوما في آخر الزمان من غير هؤالء األطهار (عليهم السالم)‪.‬‬
‫ً‬ ‫يوجد‬

‫ّ‬
‫أن األرض ال تخلو من حجة‪ ،‬ح ‪( .10‬موقع المكتبة الشيعية)‪.‬‬ ‫الكاف‪ ،‬ج ‪،1‬باب‬
‫ي‬ ‫الكلين‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ 42‬الشيخ‬
‫‪31‬‬
‫الجهة الثانية ‪ :‬إنما يجب وجود إمام في كل زمان إذا توقف غرض هللا‬
‫تعالى على وجود اإلمام ‪ ،‬كما في كل زمان توجد فيه رسالة سماوية يراد بها‬
‫الهداية‪ ،‬والعقل يحتمل أن هللا تعالى بعد رفع اإلمام الحجة (عليه السالم) يرفع‬
‫الشريعة خذالناً لمن يطلع عليهم يوم القيامة‪ ،‬لسوء يكونون عليه ‪ ،‬فتعجل لهم‬
‫عقوبة ‪ ،‬فال يتحقق موضوع حكم العقل بلزوم وجود اإلمام ‪ ،‬وال كاشف عن‬
‫خالف هذا من عقل‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ :‬أن العمدة في إثبات الرجعة هو آيات القرآن الكريم‪،‬‬


‫ورويات أهل البيت (صلوات هللا وسالمه عليه) واإلجماع‪.‬‬

‫جالء الرّجعة يف مذهبنا‪:‬‬

‫يمكننا استجالء إثبات وضوح مسألة الرجعة في مذهب أهل البيت‬


‫ٍ‬
‫ثالثة وهي‪:‬‬ ‫(صلوات هللا وسالمه عليه) من خالل أمور‬

‫مالحظة كتب امللل والنحل للمخالفني‬

‫األمر األول‪ :‬مالحظة كتب الملل والنحل للمخالفين ‪ ،‬فقد تحدثت كتب‬
‫الملل والنحل من المخالفين عن مذهب أهل البيت (صلوات هللا وسالمه عليه)‪،‬‬
‫مثل كتاب الفرق بين الفرق للبغدادي‪ ،‬والملل والنحلل للشهرستاني‪ ،‬ومقاالت‬
‫اإلسالميين ألبي الحسن األشعري‪ ،‬ونصوا على أن من عقائد الشيعة القول‬
‫‪32‬‬
‫بالرجعة‪ ،‬مما يدلنا على وضوح نسبتها إلى مذهب أهل البيت (عليهم السالم)‬
‫إلى الحد الذي جعل المخالفين الذين تحدثوا عن مذهب أهل البيت (صلوات‬
‫هللا وسالمه عليهم) يذكرون الرجعة كجزٍء ال يتج أز من عقائدهم‪ ،‬بل ذكر‬
‫بعضهم كونها عقيدة حتى لبعض الفرق التي تنتسب إلى التشيع‪ ،‬ولكنها‬
‫انحرفت مثل فرقة الناووسية أو الفرقة الواقفية‪.‬‬

‫وقد عقد أبو الحسن األشعري ً‬


‫بابا في القول في الرجعة ‪ ،‬وقسم فيه‬
‫الشيعة إلى قسمين فقال‪" :‬واختلف الروافض في رجعة األموات إلى الدنيا قبل‬
‫القيامة‪ ،‬وهم فرقتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬يزعمون أن األموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب‪ ،‬وهذا‬
‫شيء إال ويكون في‬
‫ٌ‬ ‫قول األكثر منهم‪ ،‬وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل‬
‫قوما من بني إسرائيل بعد الموت‪،‬‬
‫هذه األمة مثله‪ ،‬وإن هللا سبحانه قد أحيا ً‬
‫فكذلك يحيي األموات في هذه األمة ويردهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬وهم أهل الغلو‪ ،‬ينكرون القيامة واآلخرة‪ ،‬ويقولون ليس قيامة‬
‫وال آخرة‪.43"...‬‬

‫‪43‬‬
‫عل بن إسماعيل‪ ،‬مقاالت اإلسالميت واختالف المصلت‪ ،‬ص ‪ .46‬ي‬
‫عن‬ ‫أن الحسن ي‬
‫األشعري‪ ،‬ر ي‬
‫بتصحيحه هلموت ريب‪ ،‬دار ر‬
‫النش فرانز شتايز بفسسبادن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1400 ،‬ـه ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫فمن ال يؤمن بالمعاد وينسب إلى التشيع ال يؤمن بالرجعة‪ ،‬وأما الذي‬
‫يؤمن بالمعاد فقد اتفقت كلمته على الرجعة‪ ،‬وهذا يعني أن أبا الحسن األشعري‬
‫يقول إن إجماع الشيعة اإلمامية على ثبوت الرجعة حيث أنهم يقولون بالمعاد‬
‫بأجمعهم‪.‬‬

‫مالحظة تراجم رجال الشيعة يف كتب اجلرح والتعديل‬

‫األمر الثاني‪ :‬مالحظة تراجم رجال الشيعة في كتب الجرح والتعديل‪:‬‬

‫لقد تعرض علماء العامة في كتب الجرح والتعديل لرجال الشيعة‪ ،‬وجملة‬
‫من رجال الشيعة المعرفوين قد قدحوا وجرحوا في مصنفات العامة ألنهم‬
‫يقولون بالرجعة‪ ،‬مثل جابر بن يزيد الجعفي‪ ،‬وداوود بن يزيد األودي‪ ،‬والحارث‬
‫بن حصير األزدي واألصبغ من بناته‪ ،‬قال العقيلي‪" :‬أصبغ بن بناتة‬
‫‪44‬‬
‫أيضا عن جابر الجعفي‪:‬‬
‫الحنظلي‪ ،‬كوفي‪ ،‬كان يقول بالرجعة" ‪ ،‬وقال ً‬
‫جرير يقول‪ :‬جابر الجعفي‪ ،‬لم أكتب عنه‪ ،‬وكان يؤمن بالرجعة‪،‬‬
‫ًا‬ ‫"‪...‬سمعت‬
‫‪...‬حدثنا سفيان بن عيينه قال‪ :‬أتيت جابر الجعفي فسمعت منه الكالم يعني‬

‫‪44‬‬
‫العقيل‪ ،‬محمد بن عمرو بن حماد‪ ،‬كتاب الضعفاء‪ ،‬ج ‪ ،1‬رقم ‪ ،160‬ص ‪ .147‬تحقيق حمدي‬‫ي‬
‫بن عبدالمجيد السلف‪ ،‬المملكة العربية السعودية الرياض‪ ،‬دار الصميع ر‬
‫للنش والتوزي ع‪ ،‬الطبعة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫األوىل‪1420 ،‬ـه ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫اإليمان بالرجعة"‪ ،45‬فهؤالء من أصحاب األئمة (صلوات هللا وسالمه عليهم)‪،‬‬
‫ومع ذلك نص على أنهم يؤمنون بالرجعة‪.‬‬

‫مالحظة مصنفات الشيعة‬

‫األمر الثالث‪ :‬مالحظة مصنفات الشيعة‪ :‬التتبع في مصنفات الشيعة‬


‫ٍ‬
‫جملة‬ ‫وخاصة المعاصرين لزمن األئمة (صلوات هللا وسالمه عليه) يوقفنا على‬
‫من المصنفات المخصصة إلثبات عقيدة الرجعة‪ ،‬وقد تتبعت في كتاب رجال‬
‫ضا فهرست الشيخ الطوسي (رحمة هللا تعالى عليهما) فظفرت‬ ‫النجاشي وأي ً‬
‫ٍ‬
‫تسعة كتبت قبل سنة ‪ 460‬للهجرة ـ ـ ـ قبيل أواسط القرن الخامس ـ ـ ـ‬ ‫ٍ‬
‫بكتب‬
‫وبعض هذه المصنفات ألصحاب األئمة (عليهم السالم) مثل الفضل بن‬
‫شاذان‪ ،‬فقد قال الشيخ النجاشي عنه‪" :‬وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين‬
‫تابا وقع إلينا منها‪.... :‬كتاب الرجعة"‪.46‬‬
‫ك ً‬

‫‪45‬‬
‫العقيل‪ ،‬محمد بن عمرو بن حماد‪ ،‬كتاب الضعفاء‪ ،‬ج ‪ ،1‬رقم ‪ .240‬تحقيق حمدي بن‬ ‫ي‬
‫عبدالمجيد السلف‪ ،‬المملكة العربية السعودية الرياض‪ ،‬دار الصميع ر‬
‫للنش والتوزي ع‪ ،‬الطبعة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫األوىل‪1420 ،‬ـه ‪2000‬م‪.‬‬

‫مصنف الشيعة المشتهر ب (رجال‬ ‫عل بن العباس‪ ،‬فهرست أسماء‬ ‫ر‬ ‫‪46‬‬
‫ي‬ ‫النجاس‪ ،‬أحمد بن ي‬
‫ي‬
‫اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم‬ ‫النش‬ ‫ر‬
‫النجاس)‪ ،‬باب الفاء‪ ،‬رقم ‪ ،840‬ص ‪ .306‬مؤسسة ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الزنجان‪ ،‬الطبعة السادسة‪1418 ،‬ه‬
‫ي‬ ‫المقدسة‪ ،‬تحقيق الحجة السيد موس الشبب ّي‬
‫‪35‬‬
‫ومن األمور التي نقلها علماؤنا أن كتب الشيعة التي كتبها أصحاب‬
‫األئمة عرضت على األئمة (سالم هللا تعالى عليهم)‪ ،‬حيث عرضت على‬
‫اإلمامين الرضا والعسكري (صلوات هللا وسالمه عليهما)‪ ،‬وبعض الكتب‬
‫عرضت على السفراء الخاصيين (رضوان هللا تعالى عليهم)‪ ،‬ولم ينقل عن إما ٍم‬
‫أنه قدح في الروايات الدالة على الرجعة‪ ،‬بل األمر على العكس من ذلك‪ ،‬فإن‬
‫الروايات المنقولة عنهم في الرجعة فوق حد التواتر‪ ،‬وقد تقدم أن الشيخ الحر‬
‫العاملي (رحمة هللا تعالى عليه) نقل ستمائة وعشرين رواية‪ ،‬وهذا يدل أن‬
‫الرجعة عقيدة واضحة ال تقبل التشكيك في مذهب أهل البيت (صلوات هللا‬
‫وسالمه عليهم)‪.‬‬

‫هل الرّجعة من العقائد؟‬

‫في مقام الجواب عن ذلك نقول‪ :‬نعم‪ ،‬هي من العقائد عند أغلب علمائنا‬
‫(أعلى هللا تعالى كلماتهم)‪ ،‬فالشيخ (رحمه هللا) يقول‪" :‬يرجع نبينا وأئمتنا‬
‫المعصومون في زمان المهدي مع جماعة من األمم السابقة والالحقة‪،‬‬
‫إلظهار دولتهم وحقهم‪ ،‬وبه قطعت المتواترات من الروايات واآليات لقوله‬
‫تعالى ‪َ ‬وَي ْوَم َن ْحشر ِمن ك ِل أ َّم ٍة َف ْو ًجا‪ ،‬فاالعتقاد به واجب"‪ ،47‬ومما يدلنا‬

‫الطوس‪ ،‬رسالة العقائد الجعفرية (خمسون مسألة اعتقادية)‪ ،‬مسألة ‪ ،36‬ص ‪.250‬‬
‫ي‬ ‫‪ 47‬الشيخ‬
‫ابلى وتليه رسالتان للسيد المرتض‬ ‫جواهر الفقه للفقيه القاض الشيخ عبدالعزيز بن ّ‬
‫الباج الطر ي‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫‪36‬‬
‫على أنها من العقائد جملة من الروايات التي تقدم نقل بعضها فيما تقدم‪،‬‬
‫كعبائر الزيارات التي فيها‪" :‬مقر برجعتكم" "وبإيابكم موقن"‪ ،‬ويقول اإلمام‬
‫الصادق (عليه السالم)‪" :‬ليس منا من لم يؤمن بكرتنا" ‪.48‬‬

‫الفرق بني العقائد املطلقة والعقائد املعلّقة‪:‬‬

‫و توقف بعض علمائنا في كون الرجعة من العقائد‪ ،‬ولكن ينبغي أن نلفت‬


‫ٍ‬
‫هامة وهي‪ :‬أن مسألة الرجعة لو كانت من العقائد‬ ‫ٍ‬
‫نقطة‬ ‫نظر األخوة الكرام إلى‬
‫ـ ـ كما هو رأي أغلب علمائنا ـ ـ فهي من العقائد المعلقة على حصول العلم بها‪،‬‬
‫وليست من العقائد المطلقة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫باختصار فنقول‪:‬‬ ‫ونوضح هذا المعنى‬

‫هناك فرق بين ثبوت القضية وبين كون القضية عقيدة‪ ،‬ف ً‬
‫مثال نحن نعلم‬
‫أن فروع الدين ليست من العقائد ‪ ،‬كوجوب الصالة ووجب الحج‪ ،‬بينما مسألة‬
‫اإلمامة من العقائد‪ ،‬فاإلمامة مسألة يجب فيها التدين واالعتقاد ‪ ،‬أي‪ :‬طلب‬
‫فيها فعل قلبي خاص يعبر عنه باإليمان أو بالتدين‪ ،‬وأما الحج فلم يطلب فيه‬

‫اإلسالم التابعة لجماعة المدرست بقم‬ ‫والشيخ الطوس‪ ،‬تحقيق إبراهيم بهادري‪ ،‬مؤسسة ر‬
‫النش‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المقدسة‪ ،‬الطبعة األوىل‪1411 ،‬ـه‪.‬‬
‫ر‬
‫العاش‪ ،‬يف‬ ‫بالبهان عل الرجعة‪ ،‬الباب‬
‫العامل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة ر‬ ‫‪ 48‬الحر‬
‫ي‬
‫ذكر جملة من األخبار المعتمدة الواردة يف اإلخبار بالرجعة لجماعة من األنبياء واألئمة عليهم‬
‫السالم‪ ،‬ح ‪.1‬‬
‫‪37‬‬
‫هذا الفعل القلبي الخاص وإنما طلب فيه العمل ‪ ،‬وهو أن يقوم اإلنسان بأداء‬
‫النسك الخاص الذي يعبر عنه بالحج‪ ،‬فليست كل قضية ثابتة هي قضية‬
‫عقدية ‪ ،‬وإال لكان وجود مدينة واشنطن من العقائد ؛ ألنها قضية ثابتة‪ ،‬ولكان‬
‫وجود إبليس من العقائد ؛ ألنه قضية ثابتة ‪ ،‬وعلى نحو القطع واليقين‪.‬‬

‫ٍ‬
‫خاص‬ ‫قلبي‬ ‫و إذا كانت الرجعة من العقائد‪ ،‬أي يوجد فيها طلب ٍ‬
‫لفعل ٍ‬
‫يسمى باإليمان ـ ـ كما عليه أغلب علمائئا ـ ـ فهل هي من العقائد المطلقة؟ ـ ـ ـ أي‬
‫يجب على العالم والجاهل على ٍ‬
‫حد سواء أن يعتقدا بها‪ ،‬كما هو األمر في‬
‫االعتقاد بوجود هللا (سبحانه وتعالى) وبنبوة النبي األكرم (صلى هللا عليه‬
‫ٍ‬
‫إنسان أن يعتقد بهما قام عنده الدليل أم ال ـ ـ ـ أم أن‬ ‫وآله)‪ ،‬حيث يجب على كل‬
‫الرجعة من العقائد المشروطة بالعلم (العقائد المعلقة ) وهي التي إذا علم‬
‫اإلنسان بها يجب عليه أن يعتقد ‪ ،‬وأما إذا لم يعلم بها فال يجب عليه أن يعتقد‬
‫بها؟ و قال بعض العلماء ‪ :‬إنه على تقدير ثبوت كون الرجعة من العقائد فهي‬
‫من العقائد المعلقة على حصول العلم بها‪ ،‬فإن قام عند المؤمن دليل وجب‬
‫مطالبا باالعتقاد بها‪ ،‬والدليل على ذلك‬
‫ً‬ ‫عليه أن يعتقد بها‪ ،‬وإال ال يكون‬
‫ضرورة الدين ‪ ،‬فما أكثر الناس الغافلين عن الرجعة أو من قامت شبهة عندهم‬
‫منعت من االيمان بها أو ألزمت تفسيرها بغير معناها ‪ ،‬ومع ذلك يوجد تسالم‬
‫على إيمانهم‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أجوبة أسئلة احلضور ‪:‬‬

‫السؤال األول‪ :‬ما هي أهم الكتب التي تحدثت في عقيدة الرجعة بالمستوى‬
‫الذي يناسب فئة الشباب؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬الرجعة كما تقدم قطعية ـ ـ أصل ثبوتها قطعي ـ ــ‪،‬‬
‫أما تفاصيل الرجعة فليست بأجمعها قطعية‪ ،‬وبالتالي فإن من يريد أن يبحث‬
‫في روايات الرجعة ال بد أن يكون ًا‬
‫قادر على التمييز بين الخبر الصحيح‬
‫والخبر الضعيف‪ ،‬كما أنه ال بد أن يكون ًا‬
‫قادر على التمييز بين الخبر الذي‬
‫يفيد االطمئنان أو يفيد ما فوق االطمئنان ـ ـ ـ وهو اليقين ـ ـ ـ و بين الخبر الذي ال‬
‫ٍ‬
‫أصولية وهي هل خبر‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫مجتهدا في‬ ‫يفيد إال الظن‪ ،‬ثم عليه أن يكون‬
‫ً‬
‫الواحد حجة في غير األحكام الشرعية والتي منها تفاصيل الرجعة أم ال؟‬

‫لهذا يكون التعامل مع روايات الرجعة متاحاً لخصوص المتخصص‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عامة بمعرفة أجواء‬ ‫ٍ‬
‫ثقافة‬ ‫نعم‪ ،‬إذا أرد اإلنسان المؤمن الحصول على‬
‫كثير ما‬
‫الرجعة بشكل عا ٍم‪ ،‬ومعرفة الروايات الورادة فيها بشكل عا ٍم فيفيده ًا‬
‫كتبه العالمة المجلسي (رحمه هللا) في (بحار ألنوار) ‪ ،‬والحر العاملي(رحمه‬
‫‪39‬‬
‫أيضا الشيخ‬
‫هللا) في (اإليقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) وما كتبه ً‬
‫أحمد بن زيد الدين األحسائي (رحمه هللا) وغيرهم‪.‬‬

‫محضا) يشمل األنبياء‬


‫ً‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬هل قول الرواية (محض اإليمان‬
‫السابقين كذلك؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬نعم يشملهم‪ ،‬ولكن هذا السؤال يرجعنا إلى ما‬
‫ذكرناه في جواب السؤال الثاني ‪ ،‬فإن شمول ( من محض اإليمان) لألنبياء‬
‫بالظهور ‪ ،‬حيث إن داللته إطالقية ‪ ،‬وهي ظنية ‪ ،‬ال قطعية ‪ ،‬فلو قال اآلمر‬

‫ـ مثالً ـ ‪( :‬أكرم زيد و عمرو ‪ ،‬وخالد و ‪ )...‬وذكر األسماء يكون الكالم داالً‬
‫على الشمول لزيد بالصراحة ‪ ،‬ولكن لو قال ( أكرم العلماء ) وسكت ‪ ،‬فإنه‬
‫يدل كالمه على طلب اكرام زيد إذا كالن عالماً ‪ ،‬ولكن ليس صراحة ‪ ،‬و إنما‬
‫باإلطالق و نحتمل عدم إرادة إكرام زيد‪ ،‬غير أن الظهور حجة عقالئية لتنجيز‬
‫وجوب االكرام ‪ ،‬وبالتالي ال بد من بحث حجية الظهور الظني في المعرف‬
‫ككون (من محض اإليمان) ظاهر الشمول لألنبياء‪ ،‬ثم البت في مسألة‬
‫ثبوت رجعتهم(عليهم السالم) بهذا الدليل ‪.‬‬

‫وهذا الكالم يجري في تفاصيل الرجعة الثابتة بأخبار اآلحاد الظنية ‪ ،‬مثالً‬
‫ورد رجوع كل إمام مع أهل عصره ‪ ،‬و رجوع قوم مع القائم ـ كما ذكرنا ـ و‬
‫رجوع كثير من األنبياء ـ وأن اإلمام الحسين (عليه السالم) يغسل القائم (عليه‬

‫‪40‬‬
‫السالم) ‪ ،‬و يرجع مع سبعين نبياً أو مع إسماعيل صادق الوعد ‪ ،‬وال بد في‬
‫كل هذه الطوائف من دراسة كل طائفة لمعرفة وجود اطمئنان أو يقين ‪ ،‬أو‬
‫خبر صحيح على تقدير عدم وجود ما يفيد ما هو فوق الظن ‪ ،‬ثم بحث حجية‬
‫الظن في ذلك‪ ،‬فهذا هو البحث العلمي الصناعي ‪ ،‬وال ينبغي التعويل على أي‬
‫خبر موجود في أي كتاب‪.‬‬

‫السؤال الثالث‪ :‬كيف ال يدل لزوم وجود حجية على رجعة أهل‬
‫البيت(عليهم السالم) وهم حجج هللا تعالى ؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬الحديث هو هل أن العقل يحكم بلزوم رجعتهم‬


‫على هللا (تبارك وتعالى) أم ال؟‬

‫إن العقل يقول بال بدية وجود ٍ‬


‫حجة‪ ،‬ولكن هل يشترط في الحجة أن يكون‬
‫أحد المعصومين األربعة عشر(صلوات هللا وسالمه عليه)؟ هنا العقل ال يحكم‬
‫بلزوم وال بدية ذلك‪ ،‬لذا قلنا هذه الصياغة ليست صياغة عقلية تنتهي إلى‬
‫عقلي مقدماته بمجموعها عقلية وتامة في نفس الوقت‪ ،‬فالرجعة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بدليل‬ ‫اليقين‬
‫دليلها من الشارع المقدس ‪ ،‬ولوال إخباره لما استطاع العقل أن يحكم بشيء‬
‫فيها‪.‬‬

‫وذكرنا أن بعض الباحثين المتأخرين اعتنى عناي ًة كبيرًة بهذا البحث وذكر‬
‫مثال‪ :‬لكي تنتقل الروح من عالم الدنيا إلى عالم اآلخرة ال‬
‫صياغات كثيرًة منها ً‬
‫ً‬
‫‪41‬‬
‫تاما إال إذا بلغت‬
‫انفصاال ً‬
‫ً‬ ‫تاما‪ ،‬وال تنفصل‬
‫انفصاال ً‬
‫ً‬ ‫بد أن تنفصل عن البدن‬
‫رتب ًة خاص ًة من االستكمال وهذا ال يكون إال إذا رجعت الروح إلى البدن مرًة‬
‫أخرى في هذه النشأة‪ ،‬وهذا الكالم نحن ال نرى عقولنا تدركه‪ ،‬وهو مجرد‬
‫دعوى ال بينة وال مبينة‪ ،‬فالمسألة تنحصر في إخبار الشارع المقدس‪ ،‬وفي‬
‫إخبار الشارع غنى عن مثل هذا التطويالت التي تأخذ من عمر اإلنسان ومن‬
‫ً‬
‫وقته مع وجود الدليل القطعي الوارد عن أهل بيت العصمة (صلوات هللا‬
‫وسالمه عليهم) الذي يحسم المسألة‪.‬‬

‫محضا‪ ،‬فهل‬
‫ً‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬ما ذكرته الرواية برجوع من محض الكفر‬
‫يكون في هذه الرجوع فرصة له للتوبة؟‬

‫جواب سماحة الشيخ‪ :‬هذا سؤال جميل‪ ،‬ولقد طرح الشيخ أحمد بن زين‬
‫ٍ‬
‫إشكاالت على‬ ‫الدين األحسائي (رحمه هللا) في بداية كتابه في الرجعة تسعة‬
‫الرجعة وناقشها‪ ،‬ومن ضمنها اإلشكال الذي يقول‪ :‬إن من محض الكفر‬
‫محضا انتقل إلى البرزخ ورأى المالئكة وحساب المالئكة‪ ،‬وعذاب البرزخ‪،‬‬
‫ً‬
‫فكيف يعود إلى الدنيا ويحارب أهل الحق مع مارأه من اآليات والدالئل‬
‫والبراهين الواضحات؟‬

‫والجواب على هذا السؤال بالنقض والحل‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫أما بالنقض‪ :‬فإن القرآن الكريم أخبر عن المجرمين أنهم ‪َ ‬وَل ْو رُّدوا َل َعادوا‬
‫لِ َما نهوا َعْنه‪ ،49‬فبماذا يجيب المشكل فيهم فإننا سوف نأخذ جوابه و نجيب‬
‫في مسألة الرجعة‪.‬‬

‫أما بالحل‪ :‬فيمكن أن تحصل حاالت النسيان لهم‪ ،‬أو تبقى تصوراتهم‬
‫وكأنها مجرد رؤية عابرة‪ ،‬نظير ما يراه اإلنسان في عالم الرؤيا ‪ ،‬ويتذكره بعد‬
‫وقت‪ ،‬فال يكون له ذلك التأثير القوي على نفسه‪ ،‬والتاريخ قائم على أن‬
‫المجرمين كفرعون أروا من آيات هللا (عز وجل) اآليات الكبيرة ومع ذلك‬
‫محضا‬
‫ً‬ ‫أصروا على الباطل‪ ،‬فليس من المستبعد أن يكون من محض الكفر‬
‫محارًبا ألهل الحق بعد رجعته إلى الدنيا‪.‬‬

‫احلمد هلل رب العاملني‬

‫‪ 49‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.28‬‬


‫‪43‬‬

You might also like