Professional Documents
Culture Documents
Ibrahim Nasrallah's Essay (Pages 21-24)
Ibrahim Nasrallah's Essay (Pages 21-24)
General Supervision
Talal Saad Alrumaidhi
Editor in chief
Aisha Al-Fajri
Advisory Body
Dr. Faisal Al-Qahtani
Dr. Sabah Al-Swifan
The Editor,
Al Bayan Magazine
P.O.Box: 34043 Audilyia - Kuwait
Code: 73251 - Fax: +965 22510603
Tel.: (Magazine) +965 22518286 - 22518282 - 22510602
42 عبداإلله عبدالقادر .............................. > إسماعيل فهد إسماعيل« ..نخلة عطاء دائم»
46 عبدالكريم المقداد ..... > إسماعيل فهد إسماعيل ..نصف قرن من التجريب والمغامرة
58 عبده خال ................................................................. > هل حقاً رحل إسماعيل؟
62 علي المقري ................................. > إسماعيل فهد إسماعيل ...إمكانيات روائية
66 د .غانم النجار .............................................................. > إسماعيل ..وعرس الرحيل
ال فرق في أن تعرف األديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل على الواقع أو
من خالل كتاباته ،فهو واحد ال ينفصل كشخص أو ككاتب.
بإمكانك أن تتعرف إلى سلوك وأخالقيات وشخص هذا المبدع سواء
التقيت به أو اكتفيت بالقراءة له .فهو ال يمتلك ازدواجية بين ما يؤمن به
على أرض الحقيقة ،وبين ما يكتبه في أعماله األدبية .ربما كان هذا أحد
أهم أسباب محبة الناس له ممن عرفوه عن كثب أو ممن قرأوا أعماله التي
انغمست باإلنسانية إلى الدرجة التي أصبحت كونية في طرحها تالمس
شغاف اإلنسان أينما كان هذا اإلنسان.
وميز معه مرحلة جديدة من تميز األديب الراحل إسماعيل ،يرحمه اهللّ ،
الرواية في الكويت .فقبل فترة السبعينيات-التي ظهر فيها إسماعيل فهد
إسماعيل -لم تكن الرواية الكويتية قد أخذت مالمح واضحة ،إلى الدرجة
التي اختلف فيها النقاد على نشأة الرواية ،هل هي في عام 1948من خالل
عمل األديب فرحان راشد الفرحان "آالم صديق" ،أم هي تبدأ من خالل عمل
األديب عبداهلل خلف "مدرسة من المرقاب" في عام .1962إلى أن جاءت
أعمال إسماعيل فهد إسماعيل لترسم خريطة علمية جديدة للرواية ،وهو ما
شهد له به العديد من النقاد ومؤرخي الرواية في الكويت.
هذا التميز يتطلب عدة مؤشرات ،حقق منها الراحل شرطين أساسيين،
األول يكمن في البناء الفني الظاهري للرواية ،فكتب وفق أسس علمية من
السرد والحوار والوصف وبناء الشخصيات وتصاعدها .أما األمر الثاني
فيتمثل في المضمون الروائي لديه ،فقد خرج عن النمط االجتماعي في
آلية الطرح حتى وإن ظل تحت سقفه ،ثم فتح نوافذ األفكار على آفاق أشد
ً
اتساعا من خالل معالجته لعذابات اإلنسان ليس في الواقع االجتماعي فقط،
بل وفي السجون والمعتقالت ،وربما استثمر ببراعة تجارب شخصية له في
هذا المجال.
عندئذ بدأت أعمال إسماعيل فهد إسماعيل تلفت األنظار وقد ساعده
في ذلك طبيعة الزمن في بداياته ،حيث كانت األقطار العربية تعيش تحوالت
سياسية واجتماعية كبيرة ونشطت التيارات بمختلف اتجاهاتها اليمينية
واليسارية والقومية وغيرها ..كان ثمة حراك متقد في فترة السبعينيات
والثمانينيات ،وبدأت الساحة العربية تتحول إلى ميدان صراعات بين
ً
منحازا بشكل فج ألحد التيارات ،ولكن إسماعايل فهد إسماعيل لم يكن
حتى وإن وضع أفكاره التي يؤمن بها في كتاباته ،إال أنه وضعها بشكل تنويري
وليس بتشنج سياسي.
ً
محركا للعمل ً
أيضا بأنه كان تميزت حياة إسماعيل فهد إسماعيل
الثقافي بشكل فردي ،فقد كان بمفرده بمثابة مؤسسة ثقافية يغذي الشباب
ً
ثقافيا، باألفكار ويحثهم ويشجعهم على الكتابة ،وجعل من مكتبه منتدى
وكان الراعي للكثير من المواهب الشبابية التي وصل أصحابها إلى مراحل
ً
وعالميا. ً
عربيا متقدة
كان ،يرحمه اهلل ،غزير اإلنتاج ومتعدد االتجاهات األدبية ،فقد اهتم بكثير
من أنواع اإلبداع كالمسرح والفنون وغيرها.
وإذا تفرد مجلة البيان في هذا العدد صفحات لمسيرة الراحل وشهادات
أدبية ونقدية بحقه ،فهو ال شك يستحق أكثر ،وهو ما نعول عليه من المؤسسات
ً
بصمة للرواية الكويتية في سجل األدب األخرى أن تولي اهتمامها ألديب وضع
العربي والعالمي ،لذلك صحيح أننا نشعر بفقده إال أننا ال نشعر بغيابه.
السيرة الذاتية
إسماعيل فهد إسماعيل
❐ امتهن الكتابة اإلذاعية والتلفزيونية. ❐ إسماعيل فهد إسماعيل.
❐ تفرغ للكتابة األدبية والدراسات النقدية. ❐ ولد في العراق عام ١٩٤٠م .وعاش ومات
في الكويت
❐ فاز بجائزة الدولة التشجيعية في مجال
❐ روائي وقاص وناقد.
الرواية عام ١٩٨٩م عن عمله (النيل الطعم
❐ حاصل على البكالوريوس -المعهد العالي
والرائحة).
للفنون المسرحية عام ١٩٧٩م.
❐ فاز بجائزة الدولة التشجيعية في مجال
ً
مدرسا بمدرسة المتنبي المتوسطة. ❐ عمل
الدراسات اللغوية واألدبية والنقدية عام
❐ رئيس قسم الوسائل السمعية في إدارة
٢٠٠٢م عن كتابه (علي السبتي شاعر في التقنيات التربوية بوزارة التربية.
الهواء الطلق). ❐ موجه فني في إدارة النشاط المدرسي
❐ فاز بجائزة الدولة التقديرية عام ٢٠٠٤م. ووزارة التربية.
بها في عيشه وأهل بيته وأصدقائه وكتاباته كأن بعضنا مرصود لمهمة بعينها ،وحدها
وجميع كتبه .أفكار ُتعلي من شأن اإلنسان، تحتل أيامه ،ووحدها ترسم ّ
وتلون لوحة عيشه
وتنادي بحياة الحرية والسالم والديمقراطية، طوال عمره .وهذا شأن إسماعيل ،لم يكن
ّ
وتصر على حق اإلنسان المطلق بعيش كريم، الفكر والقراءة والكتابة في يوم ما ترف ّ
يمر
وتناضل إلى جانب حق المرأة ،وحق الطفل، به ،وال هو هواية ،وال نزوة ،بل بدا وكأنه منذور
وحق الفقير ،وحق المغترب ،وحقوق كل منْ ً
فشيئا صار ً
وشيئا رس ٌل لها،
وم َ لمهمة ّ
مقدسة ُ
ُيداس على حقوقهم .هكذا تشرب وعي وروح الفكر والقراءة والكتابة ،رتم لحظة عيشه،
إسماعيل بهذه األفكار اإلنسانية ،دون النظر ومذاقه وطعمه وحلوه ومره.
إلى جنس ولون وعقيدة وجنسية اآلخر ،وهكذا ً
قارئا للقصص الطفل الذي بدأ حياته
نذر عمره ،وراح يناضل قراءة وكتابة ليفهما شب
والحكايا في «ديوان» أبيه ،ما لبث أن َّ
ً
مشيرا إليها. ً
عاليا عبر كتاباته أكثر ويصرخ ً
ومتأمال بما حوله من أفكار ونظريات، ّ
متلفتا
عام ،1965انطلق إسماعيل فهد إسماعيل وما لبثت أيادي فكر الخير واإلنسان والمساواة
يحلق عبر مجموعته القصصية األولى «البقعة ّ أن أحاطت به وأحاط بها .أغرته واستمالته
الداكنة» ،لكن حضوره العربي األكبر ِول َد مع والمست روحه .لذا حملها في قلبه ،وراح يبشر
شكل إسماعيل فهد إسماعيل ،عبر ممارسته ّ ميالد روايته «كانت السماء زرقاء»،1970 ،
لحياته اليومية ،ظاهرة إبداعية إنسانية كويتية قدمه الشاعر المصري الكبير صالح يوم ّ
عربية ،وكان وصل الكويت األجمل بكل ّكتاب ً
منشورا عبدالصبور ،ويوم صارت روايته،
ً
مشرقا من ً
وجها وفناني الوطن العربي ،وكان إبداعيا تتناقله األيدي على طول وعرض ً
وجوه الكويت ،وقبلة لكل من يأتي لزيارتها. تكرس إسماعيل أقطار الوطن العربي ،ويومها ّ
مساء األحد 23 ،سبتمبر ،2018وفي ً
عربيا ،يكتب إلى ً
روائيا ً
كاتبا فهد إسماعيل
قدمتهالظهور األخير إلسماعيل فهد إسماعيلّ ، جانب معاناة اإلنسان المطلق.
في أمسية الملتقى الثقافي ،في بيتيً ،
قائال: الكتابة ،وكأي ممارسة بشرية ،بقدر ما
«نلتقي اليوم مع «صندوق أسود آخر» تخلص لها تخلص إليك ،وألن إسماعيل أخلص
الرواية األخيرة لألستاذ إسماعيل فهد لكتاباته إخالص العاشق الوله ،فإنها ظلت
إسماعيل». ترافقه بحنو حضورها طوال عمره .وهذا ما
يومها قاطعني الصديق الدكتور سليمان انعكس على تنوع كتابات إسماعيل بين؛ القصة
ً
محتجا بلطفه: العسكري والرواية والمسرح والنقد والسيرة ،وهذا ما
انعكس أكثر على غزارة إنتاجه ،بثالثة وأربعين
«ال تقل الرواية األخيرة ،فمؤكد أن جعبة
كتاباً ،خلفها بعده ،لتبقى حاضرة تشير إليه،
إسماعيل فيها الكثير من الكتابات».
وتكون وصله المتجدد والباقي بأجيال وأجيال
بعدها بيوم واحد ،وفي فجر الثالثاء 25 تأتي من بعده.
سبتمبر ،2018انتقلت روح إسماعيل فهد
إلى جانب عشقه للقراءة والكتابة ،فإن
إسماعيل لبارئها.
ً
عاشقا لصداقة اإلنسان ،لذا إسماعيل كان
أخي دكتور سليمان ،ال أدري ما الذي وعرفُعرف على طول وعرض الوطن العربيُ ،
أنطقني في تلك الليلة بتلك العبارة! ولم أكن أكثر في وطنه الكويت ،بوصفه بؤرة إبداع
أدري أن ال «صندوق أسود آخر» ستكون هي ووصل إنساني لكل من يقترب منه.
آخر هدايا إسماعيل من صندوق عمره للقارئ،
منْ يعرف إسماعيل فهد إسماعيل ،فإنه
ً
قائال: لكني وكما تذكر ختمت األمسية
يعرف ً
حتما كيف أنه فتح قلبه وروحه قبل بيته
«مؤكد أن إسماعيل فهد إسماعيل سيبقى ومكتبه ،منذ شبابه ومرورا بكل مراحل حياته،
ما بقي الحرف والكتابة والقراءة». ً
ومكتبا وملتقى لجميع األصدقاء ليكون ً
بيتا
سالم لروحك الطيبة
ٌ األحبة بكل األعمار واألفكار والتوجهات
يا خالي الغالي. والهوايات واألصوات والهمس والبوح .لذا
ماكان يدفعه إليه إال رغبته في اإلمساك «الشياح» تمأل روحي ومشاهد منها ال
بكل مايستطيع من هذا العالم بقدرة أنساها أثناء الحصار في منطقة الشياح
الفنان الواثق أن العالم في يده مهما كبر والمدهش أنها كانت أول رواية عن الحرب
واتسع .في يده وهو في عالمه الخاص األهلية اللبنانية وتأتي من غريب ذهب
منعزل عن منغصات الحياة اليومية .وكنت صدفة لمعايشة أحوال الالجئين بطلب
أتساءل وأنا أقرأ هل عاش إسماعيل فهد من ياسر عرفات كما قرأت وقتها لكن
إسماعيل في مصر كما عاش في لبنان الدنيا ذهبت إلى الخراب الذي حوصر
بعض الوقت حين كتب «الشياح» حتى يكون فيه ،فكانت الرواية التي جعلت الصدفة
لديه كل هذا الصدق واإلحساس بالمكان في قراءتها كاتبها وكتاباته تمشي معي،
والزمان في كل مفرداتهما وهو يكتب فليس في الرواية هتاف وإن امتالت بأزيز
عن حقبة تاريخية في زمن المماليك .ال القنابل .مؤكد إن ما جذب إسماعيل
أعرف ولم أسأله أبدا لكن هو الصدق هو التجربة لكنه أيضا مشغول بقضايا
الفني .إسماعيل يقدم -وقدم -الدرس اإلنسان العربي .لقد ذهبت إلي رواياته
عما يستقر عميقاأن الكاتب ال يكتب إال َّ األخرى السابقة ثم الالحقة وعرفت ذلك.
في روحه .إنه اليكتب من أجل الكتابة وال رأيته كتب عن العراق «كانت السماء زرقاء»
من أجل تراكم األعمال .فسواء فعل الزمن قبل الشياح بسنوات ليس ألنه مولود في
ذلك أم لم يفعله فالكتابة الصادقة تبقى العراق فقط ،لكن ألنه يماهي بين اإلنسان
مر عليها الزمن.
مهما َّ العربي في ورطته التي ال تزال .اإلنسان
ثم ياتي غزو العراق للكويت ليكتب العربي الذي قد يكون لبنانيا أو فلسطينيا
سباعيته «إحداثيات زمن العزلة» وتأخذ أو مصريا أو عراقيا مع اختالف األرض
الكويت المساحة األكبر هو الذي كتب عنها والمفردات أو من أي وطن ،فهو موجود
من قبل روايات مثل «الطيور واألصدقاء» محاصر في زنزانة أو في هزيمة «لف
و«خطوة في الحلم» وال يبدو إسماعيل الحادثة »67ويغامر مغامرة كبيرة تليق
بعيدا عن الحياة في الكويت رغم انشغاله بكاتب كبير فيكتب «ثالثية النيل يجري
ببالد أخرى .لقد انكفأ يكتب عن وطن شماال» في مصر وزمن مصري وصراع
يستحق الحياة .وتتالى روايات إسماعيل المماليك وثورات المصريين وهو عمل
وحده جبال من الجمال والمغامرة .استقر كان بها ناجي العلي وظهر بها حنظلة
في روحي ريادته للكتابة الروائية ليس في رسومه في نهاية الستينات وبداية
ألنه األسبق في الكويت لكن ألنه يبدع السبعينات .وتستمر الروائع فتأتي «في
منها معابد للقراء والك َّتاب أيضا بمعرفته حضرة العنقاء والخل الوفي» فندخل
العميقة بان الحكاية ليست مجرد انهمار في عالم «البدون» في الكويت فهنا بطل
للموضوعات لكنها أبنية في الفضاء من الرواية الذي ينتمي لهذه الفئة يروي البنته
بشر وأحداث ورؤى خفية .في كتاباته حياته ومعاناته باعتباره من هذه الفئة وما
هموم كبيرة باألمة العربية والكويت في مر به من ظلم وعسف وسجن ومعاملة من َّ
قلبها لكن في كتاباته كما قلت وكما يعرف اآلخرين في الحياة وإجباره علي االنضمام
كل ناقد أو قارئ جاد لألدب مغامرات في إلى الجيش الشعبي العراقي بعد غزو
التشكيل والبناء واإلمساك بالمثير من الكويت فيهرب هو البدون وينضم الي
الموضوعات واألحداث .كما كان يفعل صفوف المقاومة الكويتية .وغير ذلك
محمود درويش في الشعر كان هو يفعل كثير من األحداث المثيرة.
في الرواية .محمود درويش مجدد كبير
إسماعيل فهد إسماعيل في األصل
في شكل القصيدة وروحه تهفو إلى قضايا
متخرج من المعهد العالي للفنون
اإلنسان الكبرى رغم أن حمله ثقيل بقضايا
المسرحية ومن ثم يكتب عن مسرح سعد
الوطن وكذلك كان يفعل إسماعيل فهد
اهلل ونوس ويكتب عن القصة العربية في
إسماعيل .آخر مرة قابلته أول هذا العام
الكويت معاصرته الكاتبة الكبيرة ليلى
في الكويت .أهداني رواية «السبيليات»
العثمان وعن كتابات حداثية أخرى في
و «علي عهدة حنظلة» وانتظرت أن أراه
الكويت وال يكتفي باإلبداع .ولقد وصل
مرة أخرى في القاهرة أو الكويت لكنه
مرة إلى القائمة الطويلة ثم القصيرة
أسرع في الخروج من هذا العالم القاتل
هو الذي بنى لنا عوالم حافلة بالجمال لجائزة البوكر وفاز بجائزة العويس األدبية
رغم أي قسوة في مفرداتها .كنت أتمنى هو الجدير بكل الجوائز.
أن أكتب هذه الكلمات في حياته .لكن هذا تابعت قراءة إسماعيل فهد إسماعيل
العالم قاتل كل يوم. ورأيته في كل رواية قرأتها يقيم لنفسه
ّ
(الشياح) إلسماعيل فهد حين سمعت بصدور رواية
إسماعيل ،كنت في صحراء المملكة العربية السعودية،
أعمل مد ِّرسا ،كنت شابا صغيرا ،وتلك كانت أول أسفاري.
من عاش هناك في تلك الفترة ،يعرف ما الذي يعنيه أن
تسمع بصدور كتاب تحبه ،لكنك ال ،ولن تستطيع الوصول
إليه ،فالمنطقة التي تعمل فيها بعيدة جدا عن أقرب
مدينة كبيرة إليها ،جدة ،وهذه مدينة ال تراها سوى مرتين،
حين تصل ،وحين تغادر .أي في بداية السنة الدراسية وفي
❋
بقلم :إبراهيم نصر اهلل نهايتها .كما أن األمر الصعب هو أن تجد رواية مثل ّ
الشياح،
إن استطعت الوصول إلى أي مدينة مثل جدة.
األردني ،كنت أكتب رواية عن الخليج، أن متابعة أخبار تلك الحرب لم تكن
ِّ
والسل وهموم شعبه ،وقسوة الحرب هينة ،فقد كنا معزولين تماما عنّ
والمالريا في تلك الصحراء ،في الوقت الصحافة واألخبار اإلذاعية ،إذ لم نكن
الذي كان فيه إسماعيل يكتب عن قسوة نستطيع التقاط البث نهارا ،وفي بعض
الحرب ومعاناة اللبنانيين والفلسطينيين األحيان كنا نستطيع التقاط حشرجاته
في تلك السنوات السوداء! ليال بصعوبة بالغة ،في تلك الليالي التي
هي مفارقة عذبة ،أن يحتضن كل منا لم يكن يضيء عتمتها إال الفانوس ،حيث
قضايا اآلخر ويدافع عنها ،بعيدا عن هذا ال وجود للكهرباء.
الضيق الذي بات يضرب حياتنا العربية كنت بدأت التحضير لكتابة روايتي
اليوم ،ويتوالد فيه األعداء من رحم األمة األولى براري ُ
الح َّمى ،ومن المفارقة
الواحدة. الجميلة في ذلك الزمان ،أنني الفلسطيني
أوطان وقضايا كثيرة ،من فلسطين ،إلى جمال ناجي ،الراحل ،الحاضر ،كتب
العراق ،إلى مصر ،إلى لبنان ،والكويت، لي إهداء على الصفحة األولى ،وكأنه
وسواها.. ّ
الشياح :أخي العزيز إبراهيم نصر مؤلف
تلك كانت صورة مختلفة للمثقف اهلل ..في غربتك .مع تحياتي وأشواقي..
النادر الذي ال يعزل نفسه في مكان ما، جمال ناجي.
مهما ّاتسع ذلك المكان ،وهذا النموذج كان ولعل جمال ،حين كتب ذلك ،كان يحس
حاضرا بقوة في السبعينيات من القرن بأن هذا الكتاب كتابه أيضا ،وليس كتاب
الماضي بصورة ملفتة ،حيث كنا نجد، إسماعيل وحده ،لمجرد أنه كتب الكتاب،
في صفوف الثورة الفلسطينية ،العراقي فالقضية التي في داخله كانت قضية
والمصري والسوري واللبناني والسوداني جمال أيضا.
والجزائري والكويتي والسعودي ..وسواهم كان ذلك أول لقاء لي بكتابات
من بقية وطننا العربي الذي كان كبيرا ،أو إسماعيل فهد إسماعيل ،وقد حافظت
هكذا رسمنا صورته! إضافة إلى مثقفين على ذلك اللقاء دائما ،بحيث أنني لم
من أنحاء كثيرة من هذا العالم. ُ
حملتها معي، ّ
أتخل عن تلك النسخة التي
ّ
يعتز المرء بريادة إسماعيل في مجال عندما انتهت السنة الدراسية ،عائدا إلى
كتابة الرواية ،في الكويت ،لكن الريادة عمان ،مودِّ عا تلك الصحراء باستقالتي
ليست دائما ُحك َم ٍ
قيمة إن لم تكن هذه من عملي ،ألنهي بعد ذلك رواية براري
الريادة معززة بإضافات نوعية للفن الح ّمى ،و ُينهي جمال رواية :الطريق إلى
ُ
الذي يقدِّ م فيه الكاتب مساهماته ،وقد بلحارث ،وينشرها قبلي.
كانت مسيرة إسماعيل حافلة بكل جديد، حين اقتربت من عالم الراحل
ّ
ويسجل له ،أنه كان صاحب عزيمة كبيرة، إسماعيل فهد إسماعيل أكثر ،إسماعيل
أتاحت له أن يقدم الكثير من األعمال الذي غادرنا هذا العام ،وجدت أنه مثل
األدبية الجميلة. ذلك الفتى العربي القديم الذي قال:
لم ألتق بإسماعيل ،رغم كل ذلك الزمن أو ِّزع جسمي في جسوم كثيرة .فقد كان
الطويل ،ورغم أنني نشرت أوائل قصائدي إسماعيل يو ِّزع جسمه وروحه أيضا في
الرواية البانورامية ،زرت الكويت للمرة في الكويت( :مجلة النهضة) التي كان
األولى في حياتي ،عام ،2016لكن يديرها ابن حيفا ،الصحفي الالمع عبد
الفرصة لم تكن سانحة للقاء إسماعيل، الشيتي ،حتى قبل أن أصدر ديواني اهلل ّ
معلقا بين لقاء بكتاباتهوهكذا بقيت ّ األول ،وروايتي األولى ،كما أن أول حوار
مستمر ،ورغبة في اللقاء به ،لم تتحقق.
ٍّ صحفي كان معي ،كان في صحيفة الرأي
ال أعرف إن كان جمال ناجي ،في العام الكويتية ،وفي ذلك الحوار ،قلت ،ما
العالم اآلخر ،قد أخبر إسماعيل فهد كان إسماعيل ُيط ِّبقه عمليا :نحن ال نقف
إسماعيل ،بقصة إرساله لتلك الرواية لي، مع فلسطين ألننا فلسطينيون أو عرب،
وذلك اإلهداء الذي كتبه ،كما لو أنه هو يومي لضمير
ّ ولكن ألن فلسطين امتحان
مؤلفها ،ومعجزة وصول رواية في زمن لم العالم.
تكن فيه األخبار قادرة على اجتياز األثير، بعد ربع قرن من ذلك الزمان ،تلقيت
لكنني آمل أن يكون قد فعل. طردا من إسماعيل ،بعد سالمات متبادلة
وبعد ..من (قصيدة قديمة): بيننا كان يحملها األصدقاء .كان الطرد
ّ
يضم عددا من رواياته ،أما الغريب ،فإن
كل ما أبصر ْت ُه المرايا لها ّ
ّ
الشياح لم تكن من بينها ،مع أن الفرصة
ُ
يعبر هذي ّ
وظل َك لم يعدْ غير ّ
ظلي لم تسنح ألقول له قصتها .أما األمر الذي
ُّ
الط ُر ْق ال أعده مصادفة ،فهو أن يختار إسماعيل
زمنين
ِ نترج ُل في
َّ ههنا هذه الرواية بالذات ،بعد 42عاما من
صدورها ،من بين كل أعماله ،لتمثله،
ً
صدفة يا (صديقي) وال فال نلتقي
في زمن حروبنا األهلية اآلن ،لتنشر هذا
ْ
نفترق!!
العام ضمن سلسلة كتب الفائزين بجائزة
الفصول
ِ ونطير غريبين عب َر ُ سلطان العويس!
ساكن ُأل ْ
فق ومن أ ٍفق ٍ
ُ
..وبعد ثمان وثالثين سنة ،من وصول
كح ْل ٍم كل ما أبصر ْت ُه المرايا ّ
تجلى قليالً ُ ّ ّ
(الشياح) لي ،في تلك الصحراء، رواية
ْ
احترق ومثل ال َف َر ِاش الرواية الجميلة ،ذات اإليقاع السريع،
ً
تماما عن الواقع الكويتي آنذاك. البعيد
صحيح ّأن إسماعيل فهد إسماعيل ٌ
ورائد للسرد المتقدم في الكويت،
ٌ مؤس ٌس
ِ
وهذه نقطة تم ُّيز بال أدنى شك .لكنها،
ً
حالة ُ
تشكل في ذاتها في الوقت نفسه،
«حِر َجة»؛ إذ تستدعي من قارئه مقارنته َ
مع ِسواه من مجايليه العرب ونصوصهم
األوسع) ،وتحديد موقعه َ (المرجعيات
ّ
الخاصة. على خريطة أكبر من خارطته
مؤسس ورائد ،ومن جهة ٌ فهو من جهة
أخرى ِ«فرعٌ » من شجرة ليس من الجائز،
ً
منفردا بنفسه أو الممكن ،قطعه ومعاينته
ً
معزوال عن بقية الفروع.
خمس
َ كتب إسماعيل فهد إسماعيل
وعشرين رواية خالل 78سنة من حياته
( ،)2018-1940ومجموعتين قصصيتين،
وثالث مسرحيات ،وخمس دراسات ،إلخ.
ّ
محطات في رحلة الكتابة مر بعدة
أي أنه َّ
دارس معاينته من
ٍ المتنوعة ينبغي لكل
خاللها.
وإنها ،في نظري ،لمهمة واجبة ألنها
عربي
ّ ضرورية من أجل إنصاف كاتب
«مخضرم» سنكون قد انتفصنا من تجربته
إذا حصرناه و»حاصرناه» داخل الدائرة
الجغرافية لبلده ،غافلين عن الخريطة
األرحب التي ينتمي إليها.
كأي مراهق أحمق كان البد أن أضع لو استفتى أبوفهد محبتنا لما تركنا
مسلمات وقواعد خائبة ال معنى لها .أنت وذهب.
بال تجارب تذكر ،وليس لديك حكمة، لكنه قرر وحده ،أزعج طمأنينتنا أنه باق
ً
أحكاما على لكن البد أن تحاول أن تطلق ما بقي حبه في قلوبنا .وفي هدوء انسحب.
الحياة .قلت لصاحب المكتبة «ال يوجد
كاتب ناجح له اسم شهرة ثالثيّ .
الكتاب عرفته ألول مرة في منتصف
ً
دائما لهم أسماء ثنائية». الناجحون ً
مراهقا يكتشف األدب التسعينيات .كنت
تحت سماء الخرطوم الحارة .أجمع ما
إلى صاحب المكتبة في إشفاق.نظر ّ
يتبقى من مصروفي المدرسي وأغوص في
ً
ساذجا. لقد عرف يومها كم كنت
ً
باحثا عن المتعة. مكتبات الكتب المستعملة
❏❏❏ تعثرت برواية «كانت السماء زرقاء».
❋ كاتب سوداني.
من جائزة الملتقى للقصة القصيرة .وفي كانت رواية صغيرة .ويبدو ثمن
دعوة غداء بمنزل األديب طالب الرفاعي ً
مناسبا لميزانية طالب يدخر استعارتها
وجدتني أمام الرجل بسمته الهادئ القرش فوق القرش (وقتها كان النظام
والكاب الذي يميزه. النقدي السوداني قد تغير إلى الدينار،
كان فيه شيء مألوف كأب طوته الغربة قبل أن يعود أدراجه مرة أخرى إلى
ً
دهرا ثم عاد للديار. الجنيه والقرش) .لكن ماذا أفعل مع اسم
الكاتب الثالثي؟
يتحرك ببطء ،ال يشكو ،لكنك تلمح
أثر المرض عليه .جلست إلى جانبه مرشدي -صاحب المكتبة ،الذي
على أريكة وتحدثنا كأننا نواصل حكايات عرفني على جابرييل جارثيا ماركيز
سابقا في المنتصف دون أن ً تركناها وعبدالرحمن منيف وواسيني األعرج
نكملها .اآلن كحميمين نواصل ما تركناه علي أن أقرأها.
وتشينو أتشيبي -أصر ّ
ً
منقطعا .حكيت له قصتي مع رواية «كانت ً
ملحا حتى تخيلت أنه سيمنحنيها كان
السماء زرقاء» ،ابتسم وحكى لي عن ً
صريحا .أخبرني أني أحمق. ً
مجانا .كان
روايتي «الكونج». ال يمكنني أن أنفي إبداع معاوية محمد
نور وعرفات محمد عبداهلل ويحيى
كان صديقي سعود السنعوسي قد
الطاهر عبداهلل وغيرهم لمجرد أني
أرسل لي قبلها بشهور صورة إلسماعيل
ً
حكما ما في قررت كمراهق أن أطلق
فهد يحمل روايتي «الكونج» .نشرتها ً
فورا
لحظة بال معنى.
بفخر على صفحتي بفيس بوك ،ثم رجعت
أسأل سعود عن مناسبتها. ً
مدحورا ،ومعها رواية حملت الرواية
لنجيب محفوظ (وهو اسمه المركب،
❏❏❏
ً
ثنائيا يوافق نظريتي التي ً
اسما فليس
وصفتها ً
كثيرا لو سأظلم الرواية تبنيتها قبل دقائق).
قرر ذلك فقط أنها فتنتني .ربما بسببها
أن يقتل المراهق األحمق الذي كنته ❏❏❏
«األسماء إلى األبد نظريته البلهاء عن في ديسمبر 2016التقيته وجها لوجه.
الثالثية». كنت أزور الكويت ألول مرة بدعوة كريمة
أعترف أني جلست في مجالس نميمة لم تكن مجرد رواية فاتنة ،إنما كانت
كثيرة .ورأيتها عارية أكثر مما يحصي ً
فتحا .كأنما أكتشف األدب للمرة األولى.
عقلي .لكن ما مرت سيرة إسماعيل فهد ً
عطشا لرواية عدت إلى المكتبة
إسماعيل إال مكللة بالمحبة ومزدانة بالمدح أخرى .قيل لي أن له رواية أخرى اسمها
المخلص. «الحبل» ،لكنها غير موجودة .استعارها
كل من عرفه أحبه .وكل من مدحه شدد أحدهم .فاستعرت «كانت السماء زرقاء»
على أنه كان الداعم الدائم لكل كاتب جديد. مرة أخرى.
كان يفرح ّ
بالكتاب الصغار كأنه يكتبهم! لم أقرأ «الحبل» إال بعد سنوات.
سألت سعود السنعوسي عن الصورة ً
شماال». و«النيل يجري
التي أرسلها لي .لماذا فجأة من ال مكان ً
دائما بالنسبة لي الساحر لكنه ظل
صورة إلسماعيل فهد يحمل روايتي األولى؟ فجر « كانت السماء زرقاء» .لم تكنالذي ّ
عرفت أنه طالعها وأثنى عليها .ثم أحب ً
عالما لم أعرفه مجرد رواية ،لكنها كانت
ً
ففعال. هو وسعود أن يبهجاني بالصورة، من قبل.
ً
شهرا ويوم التقيته بعدها بأحد عشر ❏❏❏
في ضيافة األديب طالب الرفاعي حدثني ً
خافتا ،كموسيقى هادئة في كان صوته
عنها حديث المعجب وأنا مذبذب بين التيه معرض لوحات .ال يتكلم بلهجة حاسمة.
ً
خجال. ً
فخرا والموت يقول رأيه كأنه يتساءل .كنت في البداية
❏❏❏ أقع في الفخ وأجيبه بنعم .ثم فطنت انه
ال يسأل ،لكنه رجل متواضع ينطق الحكمة
ظللت لشهور أنتظر عودة رواية
الصافية.
«الحبل» إلى مكتبة االستعارة ،لكن من
اقتنصها ضن بها على غيره ،فذهب بها ❏❏❏
إلى غير رجعة. النميمة هي مقبالت جلسات ّ
الكتاب.
فيما بعد سأجدها في سور األزبكية وكلما كانت الجلسة خاصة كلما كانت
بالقاهرة ،وأشتريها بال فصال .ثم أعثر ً
وعريا. ً
تخففا النميمة أكثر
ربما ظلم اإلنسان العظيم الذي كأنه على الجزء الثاني من «النيل يجري
الكاتب العبقري. ً
شماال» في منزل أحد أقاربي فتتلبسني
روح الفرزدق .كان همام بن غالب إذا
يوم ُنعي إلينا كان النائحون يبكون ً
أبا
أعجبه بيت من الشعر لشاعر ناشئ ذهب
ً
روحا حلوة نقصت من الحياة. رحل عنهم. إليه وقال له «أنا أولى بهذا البيت منك».
ً
عبقريا ككتابته .لذلك أوجعنا كان حضوره ثم ينشده في قصيدة له غير هياب .قلت
ذهابه وكتاباته خالدة. ألقاربي وأنا أحمل الرواية «أنا أولى بها
سنفتقده مع بقاء السبيليات والعصف منكم» .فمنحونيها عن طيب خاطر.
في وداع
إسماعيل فهد إسماعيل ( ٢٠١٨ - ١٩٤٠م)
فقد كان هذا ديدنه منذ السبعينيات كان الفقيد نجم التجمعات واألمسيات
من القرن الماضي في تشجيع ورعاية وع ّراب شبابها
الثقافية أين ما توجه َ
ُ
الكتاب الناشئين واحتضانه لهم ،فهو ُ
الجدد ومثقفيها .احتضن المبدعين
الشجرة التي يستظل بها المبدعون وأخذ بيدهم وشجعهم ووجههم الوجهة
في الكويت كما قال عنه الروائي طالب األدبية الصحيحة لعالم القصة والرواية.
❋ باحث كويتي.
رائد الرواية الكويتية دون منازع وأحد الرفاعي ،وأبو الرواية في الكويت كما
أعالمها البارزين في الكويت والعالم قال عنه آخرون.
العربي .اتصف بالدماثة والتواضع ُ
وحسن له طريقته المتميزة في صياغة ُ
الجمل
الخلق. وتركيب التعابير وسردها بأسلوب متميز
ومدهش.
كنفاني (ماذا تبقى لكم) تجربتان متميزتان أخذ إسماعيل فهد إسماعيل موقعه
في إبراز شكل التداعي في الرواية في المقدمة ،هو رائد ،مجرب ،نظرة
الحديثة ،وجاءت رواياته التالية لتكمل متسعة األفق ،إنسانية ،حضور دائم حفر
مسار التجارب ،هو إذن رائد مجرب. بعمق وأصالة المجرى الرئيسي للرواية
في الكويت ،وكانت هذه الريادة بحد
وهو أيضا صاحب نظرة فاحصة
ذاتها تكفي وتزيد ليصبح اسمه علما من
للمجتمع من حوله ،يتجاوز ما هو ظاهر األعالم .ولكن هذه الريادة جاءت متسلحة
في الصورة لينفذ إلى المسكوت عنه، بوعي متقدم في فن الرواية ،فقد المس
ويغوص في دروب الفئات المقصية أحدث التجارب الروائية في الساحة
من المجتمع وينبش مبرزا معاناتها في العربية ،فجاءت روايته األولى (كانت
أقفاصها ،مفككا لغتها المشتركة. السماء زرقاء) لتقف بجوار رواية غسان
❋ كاتب كويتي.
منتصف السبعينيات ليكتب كتاب (القصة وهو أيضا صاحب نظرة متسعة،
في الكويت). فتجربته تتجاوز التمترس عند المجاور
ويبقى بعد ذلك قول كثير عنه ،ألم يختر له ،ولكنه يتجاوزها إلى ما هو أشمل،
(الفعل) عنوانا لدراسته عن المسرح!؟ إلى األمة في شمول معناها وامتدادها،
فهو الفعل ونقيضه عند سوفوكليس ،وهو فكما كتب عن العراق مد مساحة كلماته
أيضا :الكلمة والفعل عن سعد اهلل ونوس. إلى حيث يكون النبض مشتعال ،فكتب عن
لبنان وعن مصر ،فكان روائيا عربيا حقا.
لقد كان (الفعل) هو ديدن إسماعيل
ويأتي دور إسماعيل فهد إسماعيل
الذي ال يتوانى ،لكل هذا نقول:
المبادر ،والمبادرة هنا خطوة تحاول سد
هذ هو إسماعيل فهد إسماعيل رائد، أي نقص أو تلبية حاجة ثقافية ملحة،
مجرب ،نظرة متسعة األفق ،إنسانية، ولما كان فن القصة فنا جديدا ،وتاريخه
حضور دائم ،مبادر ،ثاقب النظرة. ال يزال في حاجة إلى أن ُت ْلقى عليه
لذا سيبقى اسمه حاضرا مشعا حينما أضواء كاشفة ،فثمة نقص في الرؤية
نؤرخ لألدب في الكويت. التاريخية لهذا الفن ،لذا بادر مبكرا في
ذلك ً
قارئا كان يحبه ويعرفه. أما أولهما «بروست» فقد عاش ومات
وأذكر أنني كتبت عندئذ ..إن قصة ولم يكد يفطن إليه إال القليل من القراء،
االطلنطيد قصة خيالية ،إحدى قصص بينما حظي «بيير بنوا» في مطالع حياته
الحب والهوى الجارف ،التي يذهب فيها بالمجد الباذخ .ولكن كل يوم مضى بعد
الخيال إلى أوسع مداه. بزوغ النجمين كان يضيف إلى «بروست»
تدور أحداثها في أرض ال يعرفها ً
جديدا ،ويسلب من «بيير بنوا» لقاء ً
قارئا
لكني في األعوام األخيرة أسجل بضعة البشر ،مكتوبة بأسلوب أنيق ساحر ،ولكنه
ظواهر لعل أولها التحول الكبير في منهج في الوقت ذاته بسيط ،وليست لها جذور
الروائي العظيم نجيب محفوظ .وثانيهما ممدودة في المجتمع ألن قارة االطلنطيد
قراءتي لثالثة أعمال روائية جديدة أود مكان ساحر مهجور من العالم.
أن أشير إليها كإشارات إلى أدب القرن وهي رواية تخضع لألسس التقليدية
العشرين .وثالثهما ما يعتمل في صدور لبناء القصة .الشخصيات ،والحبكة ،ثم
الروائيين والقصاصين الجدد من أزمات الحل ،وتصف األشخاص من ظاهرهم
يعبرون عنها أحيانا باإلبداع وأحيانا أخرى ً
جذابا. ً
جميال وصفا
بالسخط والجدل العنيف.
ولكن ..من قال أن الرواية أصبحت اآلن
أما األعمال الثالثة التي أشرت إليها تخضع لألسس التقليدية؟
فهي رواية «رجال في الشمس» لغسان
كنفاني ،و»سداسية األيام الستة» إلميل إن رواية القرن العشرين تختلف عن
اختالفا ً
بينا في ً رواية القرن التاسع عشر
حبيبي ،ثم هذه الرواية الصغيرة الجديدة
إلسماعيل فهد إسماعيل. بنائها الفني ،وفي تناولها الروائي على حد
سواء.
ً
اسما وإسماعيل فهد إسماعيل قد يبدو
جديدا على كثير من القراء العرب ،وقد كان نعم ..إن شقة الخالف الواسعة بين
ً
جديدا بالنسبة لي حتى لقيته .إذ زارني الرواية التقليدية والرواية المعاصرة ،رغم
قادما من الكويت إلى القاهرة في عمل أننا في أدبنا العربي ال
يتصل بالتربية والتعليم اللذين يمارسهما، نستطيع حتى اآلن أن نقول أن لنا
وقضينا ساعة نثرثر ،ثم دفع إلي بعملين ً
طموحا إلى تجاوز اآلفاق التقليدية إلى آفاق
من أعماله .مجموعة قصصية ،ورواية جديدة ،فما زال معظم أدبنا الروائي ينبع
ألقرأهما ،وأحدثه عن رأيي فيهما. من منطق «الحدوتة» وهو في سبيل ذلك
وكانت الرواية مفاجأة كبيرة لي .فهذه يعني بوصف ظاهر األشخاص ..مالمحهم
رواية جديدة كما أتصور .رواية القرن وسيماهم ،ويهتم بما يجري فوق سطح جبل
العشرين .قادمة من أقصى المشرق العربي، الجليد ال بما يعتمل في أعماقه الراسخة
حيث ال تقاليد لفن الرواية ،وحيث ما زالت في قاع البحر.
الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان .ولم يكن ومنذ عشر سنوات كان األمر أوضح.
وهو هارب إلى الفراغ المجهول .وهو سر دهشتي هو ذلك فحسب ،بل لعل ذلك
ً
أحالما ،ويبشر ليس ً
بطال رومانتيكيا يحمل لم يدهشني إال بعد أن أدهشتني الرواية
بالخير والمحبة ويتمتع بهذا الخداع الذي ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم،
يدلس به البعض على نفوسهم حين يزعمون وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة
أن العالم يحتويهم ألنهم مالئكة في هيئة والفكر المتغلغل كله في ثناياها.
بشر ،وشموع منيرة تحرق نفسها لتضيء إن الرواية الحديثة بناء فني عسير.
لآلخرين .بل أن لهذا البطل انحداراته فقد تكون الرواية التقليدية واضحة الحدود
المسنة ،أو على األصح انحداراته اإلنسانية، سهلة المعالم .فما على الروائي إال أن يبدأ
وربما كان الصراع الذي يدور في باطنه بتقديم شخصياته ،ثم يتأزم بينها موقف من
هو صراع بين نفسه ونفسه ..بين النفس المواقف ،لكي ينحل بعد ذلك ً
حال ينبع من
الغارقة في حمأة التجربة والنفس المتطلعة باطن الرواية.
للبراءة ..بين النفس المثقلة باألغالل بمجرد
أن وطأت األرض ،وبين النفس الطامحة إلى أما الرواية الحديثة فهي مغامرة
الحرية األثيرية ،ولكن البطل يعلم من خالل دائمة ،واكتشاف متجدد ،وبحث ال ينقطع
هذه الرحلة أن عليه أن يالمس األرض ،وأن عن المنهج واألسلوب .إن الشخصية ال
ً
نظاما ،ومن كثيف يخرج من زحمة الفوضى تولد ناضجة ،ولكنها تولد في كل لحظة،
ً
بصيصا من نور. الظالم وتتكشف عن مدار صفحات الرواية،
وتتصارع مع باطنها ،لتزداد غنى تضيفه
يحمل بطلنا ماضيه كما يحمل زميله على العمل الفني.
الهارب ..أحد الجالدين والضحايا في
الوقت ذاته ..صرعى االنقالبات المقنعة ورواية «كانت السماء زرقاء» إلسماعيل
بالشعارات الثورية التي اجتاحت بعض فهد إسماعيل رواية مفصلة ونافذة األثر
أجزاء وطننا العربي ..قاتل ومقتول. في الوقت ذاته.
إنه يخوض رحلة الهرب هو اآلخر ،ولكن أنهما رحلتان يخوضهما البطل نحو عمق
الرصاصة تستقر في مؤخرته فتقعده الحياة .رحلتان مشوبتان بالمعاناة والتوسخ
ليعاني سكرات الموت بعد أن أذاقها والعذاب .ولكنهما رحلتان ضروريتان.
ً
تماما.. لآلخرين .وهو مثل ماضي البطل فالبطل هارب ،ال يدري أيهرب من قدره أو
ملوث يطمح إلى النظافة .خادع ومخدوع. من الطين الذي ساخت فيه قدماه منذ أن
الدم يلوث كال منهما .أما هذا الهارب فهو وطأتا أرض الحياة.
ذيله .فإذا به يبعث أثر موقف ما أو حادثة ملوث بدم المجتمع ،بينما تلوث بطلنا بدم
ما ،ويعود إلى ذهن البطل ووجدانه بكل البراءة ذاتها.
قوته وعرامته .هذا البعد هو الذي اكتسبته ً
كثيرا حقا أن نلخص ً من الصعب
الرواية من كشوف علم النفس ،ومن قوانين من األعمال الفنية ،وبخاصة إذا كانت
ً
مباحا، ً
سهال التداعي .ولكنه ليس كسبا قد اجتازت رحلة التقليدية إلى مرحلة
بل لعله من أصعب األمور أن يحكم الكاتب المعاصرة .وفي روايتنا هذه نستحكم
منطق التداعي. الصعوبة ،فالخطان أو الحبالن مفتوالن
وفي رواية «كانت السماء زرقاء» يتبدى بحذق وإحكام بنفس درجة الحذق واإلحكام
ً
عفويا اقتدار الكاتب الذي يوشك أن يكون التي نجدها في االنتقاالت بين الماضي
على استغالل منطق التداعي ،وعلى جدل والحاضر ..بين ما يعيشه البطل في حياته
حبلي الماضي والحاضر في حبل واحد. ما يعيشه في تذكاراته .هذه النقالت التي
ً
وأخيرا فإن هذه الرواية من أهم الروايات تخضع لإلبهام كما تخضع للتصميم والتي
التي صدرت في أدبنا العربي حتى اآلن. تستوقفنا في أدب فرجينيا وولف ووليم
ً
كثيرا، وهي لن تمتع القارئ المتعجل فولكنر.
ولكنها بال شك ستزعج القارئ المخلص إن الذكرى هي البعد الرابع الذي أضافه
الرصين وتدفعه إلى التفكير ،بل وتصبح القرن العشرين إلى الرواية .فلقد كانت
ثقال على ضميره ،يظل هذا الثقل حتى ً هناك ثالثة أبعاد للرواية .أولهما الزمن
يستطيع شرقنا العربي أن يتجاوز آفاقه الذي تدور فيه .وثانيهما أحساس الرواية
ً
وإشراقا وحرية المعتمة إلى آفاق أكثر ً
نورا بالمجتمع والتاريخ ،وثالثهما الرؤية الواسعة
ونظافة. المستعرضة التي تتناول نماذج عدة من
إن الكاتب الذي يكتب ليمتع الناس عليه األشخاص .ونستطيع أن نجد شواهد ذلك
اآلن أن يكتب ليهزهم ويزعجهم. على الترتيب في أعمال تولستوي وديكنز
لقد تعودنا أن يكتب الكاتب للناس ،ثم وبلزاك.
حاول بعض ّ
الكتاب أن يكتبوا مع الناس. أما البعد الرابع وهو الذكرى ..هو
فلنجرب اآلن أن نكتب ضدهم .وهذه العودة بعمق إلى ماضي الشخصيات أو
الرواية هي إحدى عالئم التحول الكبيرة ما طوته من صفحات حياتها في أعماق
الواضحة. ضميرها ،وظنت أن النسيان قد سحب عليه
❋
بقلم :عبداإلله عبدالقادر
ّ
السياب الذي هو أشير إلى بدر شاكر إسماعيل فهد إسماعيل العربي
اآلخر ُولد في بساتين أبي الخصيب الكويتي العراقي ،هل من تسميات
ً
أيضا في جنوب البصرة ،وهنا أشير أخرى لهذا المبدع ،الذي أجده مثل
إلى طيبة أهل هذه البقعة ..فكلما نخلة معمرة إال أن رطبها ال ينقطع.
نسافر مع شط العرب حتى مصبه في وإسماعيل ليس من البصرة فحسب،
الفاو ،تزداد طيبة الناس ،وال عجب أن بل من بقعة خصبة معروفة بخصبها
نكتشف هذه الطيبة في رائحة إسماعيل لعلي هنا
ّ وما أنتجته من مبدعين،
❋ كاتب عراقي.
الفلسطينيين والمخيمات ،برزت في وأخالقه وهدوئه ،وهو المملوء بكل ما
روايته «ملف الحادثة .»67 في اإلنسان من أحاسيس وعواطف
تداعيات الحرب األهلية اللبنانية وأعصاب.
وما نتج عنها من تشوهات في الحياة سيرته لم تكن خافية على أحد ،بل
اللبنانية العامة ،برزت بشكل واضح في ظهرت في أعماله ورواياته وهو يقدم
رواية «الشياح». ً
أنماطا إنسانية بسيطة في مجملها، لنا
التناقضات في المجتمع الكويتي ومهمشة في معظمها ،ومأساوية في
وأزمة العمالة اآلسيوية ،ظهرت في حياتها ،بل عبثية كما هو الواقع الذي
ً
«بعيدا عن هنا». رواياته المختلفة مثل عاشته ،فهي شخصيات تعاني من
الغربة واالغتراب في عالم متناقض
أما مصر ،فقد اختار لها الفترة
ال يدعو إال إلى اإلحباط والعجز،
المملوكية إبان الحملة الفرنسية،
السلطة من والهروب االنسحاق
وهو ما تجلى في ثالثية «النيل يجري
الديكتاتورية ،واالعتقال وما يجره من
ً
شماال» ،وغيرها..
تعذيب وافتقار إلى روح العدالة ،بل
إذن ،فرحيل هذه القامة العمالقة
العدالة ذاتها ظهرت في رواياته التي
في الرواية العربية خسارة ..والخسارة
كانت تصور الفترة العراقية في حياته
ً
جديدا له ،إنما تكمن في أننا لن نقرأ
أمثال ما يحدث اليوم ،المستنقعات
عزاؤنا أن أعماله ورواياته حية بيننا،
الضوئية ،وغيرها.
وسنكتشف بين الحين واآلخر ما حققه
هذا الروائي الخليجي ،الذي سجل كذلك لم ينس فترة االعتقاالت في
اسمه بين الروائيين العرب الكبار عن عهد عبد الكريم قاسم ،التي تجسدت
جدارة وإبداع ،وستظل أجيال بعد في السجين كاظم عبيد كما في روايته
من الثابت أنها ستظل حية عبر سنوات والظلم االجتماعي والهروب القسري،
طويلة ،فنصوصه الروائية متفتحة وكل هذا لم يضطره لترك فنية السرد،
على آليات متعددة في أسلوبه وسرده إنه مبدع في زمن صعب اإلبداع فيه،
وإيقاعه ،وتتعدى إلى بعض الفنون مثلما صعبت الحياة وتشعبت وسائل
البصرية وبنية السيناريو ولغة مكثفة اضطهاد البشر ،وزادت قسوة الظروف
تعتمد على االختزال اللغوي في بنية السياسية واالقتصادية والحياتية ،والتي
الجملة والتصوير الفانتازي ،ولعل تلك عانى منها إسماعيل مثل غيره من أبناء
األجيال تكتشف المزيد مما استطعنا جيله ،الذين قدر لهم أن يعيشوا في زمن
نحن أصدقاؤه وقراء رواياته اكتشافها ومكان ما عاش به الروائي أو حتى هذا
الوطن الكبير الذي يمتد من الماء إلى والتعرف عليها.
ً
ضيقا إلنسان يحلم لم يستطع الحضور إلى دبي الستالم الماء ،إال أنه ظل
جائزته بعد أن فاز بجائزة سلطان بن بالحرية والحياة.
عام 1965ولم تنشر إال في العام ،1970 لقد كان إسماعيل الفهد على مدار نحو
وبدت كخطوة أولى في طريق طويل من نصف قرن األخلص للرواية واألغزر إنتاجا
الجرأة والتجريب .ومثلما انفتحت رواياته ً
وتجريبا ،إذ ترك نحو خمس وثالثين رواية
فكريا على القضايا العربية ،انفتحت على ً
وعددا من المؤلفات في مجال المسرح
التجريب الفني من أوسع أبوابه. والنقد والقصة القصيرة .وما ّ
ميزه أنه لم
لم يكن تيار الوعي ،والنبش في دواخل يبدأ مقلدا ،بل مجربا ومغامرا منذ روايته
الشخوص عبر التداعي والمونولوج قد األولى (كانت السماء زرقاء) التي كتبها
❋ كاتب سوري مقيم في الكويت.
معظم نصوص رواياته فهي المحاوالت عرف في الرواية العربية آنذاك إال على
الدائبة لمسرحة الرواية من خالل االتكاء نطاق ضيق ،ومع ذلك وجدنا إسماعيل
الكبير على الحوار .كما ال يمكن التغاضي الفهد يعتمده في أولى رواياته (كانت
تقصده اعتماد لغة مغايرة عمادها عن ّ السماء زرقاء) .وأبرز دليل على حداثة
الحذف واالختصار واالستغناء عن أدوات هذه التقنية والخوف من بلبلة القارئ
الربط والتأكيد وحروف الجر ،وقد غدت الذي لم يكن قد اعتادها هو طريقة طباعة
هذه التقنيات كما سنرى أهم مرتكزات ميزت (التداعي) فيها بحروفالرواية التي ّ
تجربته الروائية. غامقة ،بينما أبقت على غيره بحروف
- 1الحوار عادية فاتحة .وقد ّثبت الكاتب ذلك في
مالحظة له وردت في هامش الصفحة
يشغل الحوار الجزء األكبر من نص
الرابعة والعشرين من الرواية( :من أجل
رواية (كانت السماء زرقاء)((( حيث يتقزم
زيادة اإليضاح عملنا على أن يكتب التداعي
السرد ،ويتراجع أمام سطوة الحوار الذي
الذي يرد ذهن البطل والتداعي الذي يرد
انقسم إلى قسمين :حوار مباشر يجري
عن طريقه بحروف بارزة).
بين البطل والضابط الجريح ،وحوار
مستعاد يتداعى إلى ذاكرة البطل ليكشف ليس هذا فحسب ،بل أبرزت الرواية
مذاك تقنية فنية أثيرة رافقت الكاتب ّ
جزئيات مهمة من الحكاية ،ويلقي الضوء
بشكل ال مباشر على ماضي البطل في جل رواياته ،أال وهي تقنية التقطيع
والمخاضات التي عملت على إيصاله إلى السينمائي /المونتاج /التي أحالت النص
خطية التصاعد ّ إلى مشاهد كسرت
الوضع الراهن .حاضر وماض يتواشجان
فيحمالن الحكاية على جناحي الحوار. الزمني الكرونولوجي للحكاية ،فتناثرت
أجزاؤها على تلك المشاهد ،وبات على
تبدأ الرواية من نهاية الحكاية المتمثلة
القارئ أن يجتهد قليال للملمتها وإعادة
بفشل البطل في الهروب من العراق إلى
تركيبها .كما برزت في هذه الرواية تقنية
إيران بعد رصد قوة خفر السواحل قارب
أسلوبية صارت فيما بعد عالمة بارزة
التهريب الذي كان يستقله وعدد من
في سرد الكاتب ،وهي تقنية االختصار
الهاربين ،حيث تم القبض على مجموعة على مستويات التراكيب والزمان والمكان
1970 ((( (كانت السماء زرقاء) ،دار العودة ،بيروت والشخوص .أما التقنية األبرز التي مخرت
أما الحوارات المباشرة بينه وبين منهم بينما نجا هو والضابط الجريح .بهذا
الضابط ،فتمتد متقطعة على طول الرواية الحاضر تبدأ الرواية ،ويبدأ حوار متقطع
ال يفصل بينها إال الحوارات المستعادة بينه بينهما يهيئه السرد بتحديد وتوصيف
وبين ذات الثوب األزرق ،وبينه وبين زوجته. المكان الذي وصاله والحال التي آال إليها.
وفي أغلب األحيان ال تأتي الحوارات ومن خالل الحوار المباشر بينهما تطفر
صافية ،بل مترافقة مع سرد وصفي يعكس كلمة ،أو ينتأ مشهد عبر البيئة المحيطة،
الحال الظاهرية للبطل أحيانا ،والحال فتنفتح ذاكرة البطل على مشهد من الماضي
الباطنية في أحايين أخرى. يعيد رصف جزء من الحكاية .فعندما رأى
الحال ذاتها تتجسد في رواية (الحبل)
((( الضوء األزرق (نقل عينيه عن األضواء
الصادرة في العام ،1972فالتداعي هو سيد الحمراء التي تعلو خزانات النفط إلى ضوء
الموقف حيث تبدأ الحكاية من النهاية على أزرق بعيد) ،تذكر اللقاء الذي جمعه بذات
غرار (كانت السماء زرقاء) ،وبالتالي يتكفل الثوب األزرق عند األريكة الخشبية الملقاة
تيار الوعي في تنسيل أجزاء الحكاية عبر إلى جانب الشارع ،فاستحضر الحوار الذي
ذاكرة البطل «كاظم عبيد» ،فتأتي في دار بينهما (من الصفحة 26إلى الصفحة
أغلب األحيان على شكل حوار تصاحبه .)32وفي الصفحة التالية (حانت منه
إشارات سردية تعكس اإلحساس الداخلي التفاتة إلى خلف « الشمس تشرق من
للشخصية .وليس حاضر البطل إال رد إيران» وابتسم بغباء) .هذه االبتسامة
فعل على ماضيه الذي يتكفل المونولوج أعادته إلى ابتسامة صاحبه الذي كان
باستحضاره على شكل مشاهد ال تحفل يجالسه على األريكة الخشبية (صاحبه
بالتتالي الزمني للحكاية ،ما يفرض على ابتسم -أيضا -عندما ألقى بجسده
القارئ تجميعها وإعادة منتجتها لبناء على األريكة الخشبية) ،فاستحضر
الحكاية ككل .ففي لحظة حاضرة تستعيد الحوار الذي دار بينهما .وخالل حواره
ذاكرته الحوار الذي جرى بينه وبين ضابط الحاضر والمباشر مع الضابط الجريح
األمن حين مداهمة شقته (ص ،)32وعبر يتفوه بعبارة (أفيون األسف) ،فيفتح
التداعي يتذكر عودته إلى مقر عمله بعد هذا (األسف) ذاكرته على واقعة طالقه
خروجه من السجن وحواره مع المسؤول لزوجته ،وحواره مع ذات الرداء األزرق
1972 ((( (الحبل) ،دار العودة ،بيروت حول ذلك ( ،)64 - 62وهكذا.
سيجارة .ينفث الدخان بنفاد صبر. الكبير (ص ،)48وحين يتذكر حادثة عودته
المحقق :أنت عنيد وبليد! من الكويت إلى العراق يتداعى أمامه مشهد
توقيفه عند الحدود (ص.)62
المتهم... :
وتكاد هيمنة الحوار في رواية (ملف
يد المحقق تمتد إلى المذياع الصغير الحادثة ((()67أن تدخلها في خانة
أمامه .يدير المفتاح. المسرحية ،فالكاتب لم يكتف بأن يبتلع
المذياع :لكن وسائل دفاعنا الجوي الحوار الرواية كلها ،بل عمد إلى تأثيث
استطاعت أن تجبر الطائرات المغيرة على خشبة المسرح قبل صعود الشخصيات
الفرار...الخ ص )8-7 المتحاورة ،فحدد الزمان والمكان
والحالة قبل الدخول في كل مشهد من
وفي بعض األحيان يأتي الحوار
مشاهد الرواية( :الزمان :اآلن .المكان:
خالصا ،عاريا من أي إشارات سردية غرفة تحقيق ،مع المحقق األول .الحالة:
كالحوار الذي يدور بين المتهم والشرطي استجواب ص ( ،)7المكان :غرفة تحقيق،
الذي يصحبه لمواجهة الكلب البوليسي مع المحقق الثاني .الحالة :استجواب ص
ً
استعاديا ً
وأحيانا يكون الحوار (ص .)24 ( ،)15المكان :سيارة جيب ،مع الشرطي.
تستدعيه الذاكرة عبر المونولوج ،ويأتي الحالة :حوار ص ( ،)23المكان :صالة
مدعما بإشارات سردية خاطفة تكشف واسعة ،مع الكلب .الحالة :على حافة
دخيلة البطل( :قلبي يحدثني - :ابتعد!! الهذيان ص )34وهكذا.
لكن األنين المفجوع :آآه ..آآ ...فكان أما الحوارات التي تلت سيناريوهات
قرارا سريعا :ألقترب ..وأرى! قلبي يعود إعداد المسرح فانقسمت إلى حوارات
يحدثني - :االبتعاد أفضل ...الخ ص )50 مباشرة ،وأخرى استعادية عبر تيار الوعي.
ويتنوع الحوار في رواية (الطيور وحتى ال يغيب السارد تماما ويقع الكاتب
واألصدقاء)((( التي ال يتجاوز زمنها في فخ المسرح الخالص عمد إلى تأثيث
زمن سهرة فنية تقام في أحد الفنادق الحوار باإلشارات السردية الشارحة
ويحضرها البطل وصديقته ،ومجموعة والموجهة:
ِّ والواصفة
من التجار ،وعدد من الفنانين ،حيث يغص (المحقق يطبق الملف بعصبية .يخرج
1996 ((( (الطيور واألصدقاء) ،دار المدى ،دمشق ط1996 ،3 ((( (ملف الحادثة ،)67دار المدى ،دمشق،
سيجارة .تمد يدك إلى علبة سجائرك. المتن بمشاهد حوارية مختلفة تدور بين
العلبة تقترن بوجه صديق آخر كان قد أفراد كل فئة من هذه الفئات ،إضافة
تداعى في مخيلتك قبل قليل « ...سأكتب إلى حوارات برقية بين فئات أخرى من
لهذا اللحن شعرا جديرا به!»ّ .
صرح بلهجة الحضور .وبينما يكون الحوار حاضرا
تنم عن اإلصرار .كنتم في إحدى رحالتكم وصريحا في وسطي التجار والفنانين ،نقع
الخلوية .ساعتها ضحكتم جميعا « .موعد على حوارات استعادية تتداعى عبر ذاكرة
عرقوبي!» ص .)31-30 البطل ،وتأتي في ثنايا الحوار المباشر
و ُيقصي الحوار السرد إلى حد بعيد والمتقطع بينه وبين صديقته المنسجمة
في رواية (يحدث أمس)((( أيضا ،فتبدو بأجواء الحفل ،وكالعادة تأتي ملفوفة بغاللة
الغلبة له بال منازع .وعلى طريقته األثيرة سردية تصف وتؤشر وتنضح الدواخل:
1997 ((( (يحدث أمس) ،دار المدى ،دمشق (الذكرى تقترن برغبة عارمة لتدخين
ليرتضي السرد بدوره الثانوي الذي رأيناه وكاشف .ففي سياق تحضير سعود ودالل
في الروايات سالفة الذكر ،فالرواية تتخذ لالحتفال بالذكرى الثانية لزواجهما في
من الفانتازيا أفقا لها ويتجسد ذلك ً
(بعيدا إلى هنا)((( تخاطب دالل زوجها:
بظهور حرامي بغداد (حمدون بن حمدي)
( -سعود!
أيام الحكم العباسي لطالب جامعي يعد
رسالة بعنوان (بواعث العجب في حياة تلفظت اسمه كمن ينبهه.
أشهر لصوص العرب) ،فيتواصل الحوار مقتضيات التحضير!
بين الشخصيتين من بداية الرواية حتى أضافت مؤنبة ،لتختم تعتبه:
نهايتها ،ليستحضر أحوال ومكانة وآليات
عمل اللصوص في ذلك العصر ،مع بعض يفترض بك تعيش عصرك!
اإلحاالت على العصر الحالي. «قول األمر الواقع ،أو التسليم به»
- 2المونتاج ص.)8
ظهر ولع إسماعيل الفهد بتقنية وحين تدخل الخادمة المتهمة كوماري
المونتاج السينمائي منذ روايته األولى غرفة حجز النساء:
(كانت السماء زرقاء) ،إذ عمد إلى تجزئة
مرحبا
الحكاية وتوزيعها على مشاهد يتبدل معها
الزمان والمكان ،وال يعني تتابعها التتابع استقبلنك بحفاوة زمالة مفترضة.
الحكائي الكرونولوجي .فهذا مشهد يتابع ليس ما يدعوك للجزع!
الزمن الحاضر ،يليه آخر ينفتح على
هونت عليك إحداهن .استفهمتك
الماضي .وذاك مشهد ينير العالم الخارجي
مالطفة:
للشخصية والحدث ،يتبعه آخر يغوص في
العالم الداخلي ،وفي مكان آخر مختلف جريمتك؟ ...ص.)63-62
تماما وهكذا .وقد رافقت هذه التقنية في (الكائن الظل)((( يتعملق الحوار
الكاتب في أغلب رواياته بعد ذلك حتى ويتصدى لحمل الرواية بأغلبها ،كتقنية
غدت من أبرز التقنيات السردية عنده. رئيسة وركيزة أساسية في بنائها الفني،
ففي (كانت السماء زرقاء) يباشر 2001 ((( (بعيدا إلى هنا) ،دار المدى ،دمشق
الكاتب الرواية بمشهد البطل وقد نجا 2001 ((( (الكائن الظل) ،دار المدى ،دمشق
تظهر هذه التقنية بجالء أكبر في رواية من خفر السواحل ووصل الشاطئ ،حيث
(ملف الحادثة ،)67حيث يتم االنتقال صادف أرضا محاطة بأسالك شائكة وقد
من مشهد إلى آخر عبر التهيئة لدخول علق زميله الضابط بها .وفي المشهد
المشهد باالستعانة بتقنية السيناريو التي التالي يعود إلى الوراء ليتذكر حادثة
تحدد المكان والزمان والحالة مسبقا اكتشاف خفر السواحل لزورقهم (كانت
قبل تصوير المشهد .هذا تماما ما فعله الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل
الكاتب بحرصه على التمهيد للمشهد عندما وقعت الحادثة .النوتي قال :سأعبر
بترسيمة سيناريو ،فنقرأ في بداية الرواية، بكم شط العرب قبل الفجر بقليل ...ص
وقبل بدء المشهد( :الزمان :اآلن .المكان: .)20ويعود إلى الوراء أكثر في المشهد
غرفة تحقيق ،مع المحقق األول .الحالة: التالي ليصور اجتماع الهاربين في كوخ في
استجواب ص .)7وفي المشهد التالي ناحية (السيبة) استعدادا لركوب الزورق
نقرأ( :المكان :غرفة تحقيق ،مع المحقق (لست منهم .تمتم بدهشة عندما وقعت
الثاني .الحالة :استجواب ص .)15وفي عيناه على الوجوه التي يربو عددها على
مشهد آخر نقرأ( :المكان :سيارة جيب ،مع العشرين ...ص .)21بعد ذلك يقتطع
الشرطي .الحالة :حوار ص ،)23وتتوالى لنا من الماضي مشهد لقاء البطل بذات
الترسيمات والمشاهد حتى آخر الرواية. الرداء األزرق (كان ثوبها أزرق ضيقا يبرز
وبحكم المكان الوحيد الذي تدور مفاتن صدرها وفخذيها .حدث ذلك
فيه أحداث رواية (الطيور واألصدقاء)، قبل يومين ...ص .)24وهكذا ،تتوالى
وهو قاعة كبيرة في فندق يقام فيه حفل المشاهد لتبرز لنا لوحات حكائية تنوس
فنيّ ،
يسخر الكاتب تقنية المشهد لتوسيع بين الحاضر والماضي ،فمشهد يصوره
نطاق الرؤية وإلقاء الضوء على الشرائح مع الضابط الجريح ،وآخر مع ذات الثوب
المختلفة الحاضرة لهذا الحفل وتنوع األزرق ،وثالث مع زوجته ،ورابع مع صديقه
اهتماماتها .تبدأ الرواية بمشهد تقديم على األريكة الخشبية ..الخ ،ويحدث كل
الحفل ،يليه مباشرة مشهد يضم شخصين ذلك وفق مسار حكائي متعرج يفرض على
يسأل أحدهما اآلخر عن التذاكر( :أظنك القارئ تجميع المشاهد إلعادة صياغتها
عانيت ريثما حصلت على تذكرتك؟... حسب التتابع الزمني للحدث الحكائي ،ال
بكم اشتريتها؟...وأنت؟ ..بطاقة شرف تتابع المشاهد.
يكن قد ...فسارعت إلى مخزون التمر السينمائي ومسرحة الرواية ،بل تجرأ أكثر
..ص ( ،)20سيدي ...رحالتي ...لم وغامر في اللعب على اللغة في محاولة
تكن ...ص .)71وفي رواية (بعيدا إلى هنا) حثيثة ومتواصلة لجعلها تقنية من تقنيات
حيث (دقائق ...بعدها ..البيت ص،)7 البناء الفني الروائي ،ونقلها من قطبها
(نقودنا التي ادخرناها لتغطية مصاريف االعتيادي في التوصيل النفعي المباشر
سفرتنا بالكاد ...ص( ،)14النوم ... إلى كون مشبع بالتأويل والدالالت ،وقد
يستعصي ...غالبا ..ص ( ،)64أبي ... ظهر ذلك منذ روايته األولى (كانت السماء
السرطان ...عملية جراحية ...ص .)71 زرقاء) ،وتطور أكثر فأكثر في رواياته
وهو ما نقع عليه كذلك في رواية (الكائن الالحقة .ففي الرواية األولى نقرأ( :اقفز!!
الظل) إذ (لم أتشكك بقواي العقلية ألن ..األسالك! ص ( ،)8مادامت ...فألكن
الظواهر الحسية المصاحبة ...ص ،)21و ...ص ( ،)26كل شيء ...حتى الهدف
(نضيع ألف دينار ذهبا! ...هذا عدا ... الذي رميت ...من جراء كسب ...ص.)73
ص ،)29و(لو أن متنفذي عصرنا ...ص ويظهر ذلك بجالء أكثر في رواية (ملف
،)45و(تعني أن ال ...ص.)74 الحادثة )67حيث نقرأ( :عندما ...عليك
وما ّ
ميز أسلوبه أكثر هو الخرق اللغوي ...تسكت ...ص( ،)13أنا ...أنتم ...لو
الذي اتخذه كالزمة تتكرر في عدد من ...ص ( ،)18هو مجرد كلب ...صحيح هو
رواياته بغض النظر عن مسوغه النحوي، كبير ...لكنه بالرغم ...يا إلهي! ص .)35
فقد عمد في كثير من جمله إلى االستغناء ونرى الكاتب يمارس الحذف المتعمد في
عن أدوات الربط وحروف الجر وأدوات رواية (الطيور واألصدقاء) ( :ليست مشكلة
التأكيد ،إضافة إلى استئناسه استخدام ..أستطيع وأنا أغادر الحفلة ...ص ،)13
األفعال بشكل تعاقبي دون أي فاصل أو و(مناسبة سعيدة ...أنت مدعو ...وإن
رابط .ومن السهل على القارئ مالحظة شئت يمكنك أن ...ص .)74
ذلك في روايات عديدة للمؤلف ،كأن نقرأ الوظائف ذاتها في الـتأويل ،واستحضار
في رواية (يحدث أمس)( :كان يعشق يجيء العالم الداخلي للشخصية ،وتكثيف المعنى
يزورها يوم الخميس ص ،)8و(يؤلمه يتركه تحملها النقاط في الجمل المبتورة الواردة
هكذا ملقى على ظهره ص ،)30و(من أين في رواية (يحدث أمس) مثل( :لو أن
له ،وهو يهم يدلف باب الهوى ..ص،)45 السيارة ...ص ( ،)11طعام الغداء لم
الشخصية تقدم نفسها بنفسها دون و(يجب يكون عند مستوى المسؤولية ص
وسيط ،فتنقل ما يجيش في داخلها إلى .)91
القارئ مباشرة عبر شاشة ال يراها غيره. مثل هذه التراكيب نلمسها في (بعيد
إنه خطاب غير منطوق بالنسبة للشخصية
إلى هنا) حيث (بادرت دعوت أصدقاءنا
صاحبة المونولوج ،وغير مسموع بالنسبة ّ
الخلص ص ،)13و(كنت أحرص أحفظ
للشخصيات األخرى في الرواية .خطاب
جواهري هناك ص ،)20و(إصراره يوليك
الذات تحميه ضفيرتان مزدوجتان ،ويحمله
رعايته ص .)74وفي (الكائن الظل) نقرأ:
المتن كشاشة عرض ال يراها إال المتلقي.
(عاد همس بجديته إياها ص ،)8و(حرص
تمكن الكاتب بهذه الطريقة من خلقّ
الرجل يلتفت يمنة ويسرة ص ،)35و(أدريني
تواز بين العالمين الخارجي والداخلي جازفت سايرت لصا ..ص .)113كما نقع
للشخصية ،فتساوق الظاهر والباطن (((
على مثل هذه التراكيب في رواية (مسك)
جنبا إلى جنب ،ما ضاعف من حدة التوتر إذ نقرأ( :تنبهت أمسكت ّأنة أوشكت تفلت
الدرامي ،وفتح الباب واسعا أمام القارئ منك ص ،)15و(مادمنا عقر دارهم ص
للتمعن بالصورة كاملة .وقد ظهر اهتمام ،)30و(سارعوا وفروا له سيارة باص
الكاتب بهذه التقنية منذ روايته األولى
صغيرة ص.)97
(كانت السماء زرقاء) ،حيث رأينا البطل
- 4المونولوج المباشر
يفرغ ما بداخله مباشرة مع كل احتكاك
له بالخارج ،ودون أي تمهيد من الراوي. كان من الطبيعي أن يشغل المونولوج
فحين يسمع من يأمره (اركض) نجده حيزا واسعا في أغلب روايات إسماعيل
يحدث نفسه «عليهم اللعنة ص ،»17 فهد إسماعيل التخاذه من تيار الوعي
وحين يطلب منه الضابط الجريح (اقفز)، تقنية سردية حميمة طالما اتكأ عليها،
نسمعه يسارر نفسه «أنا ال أعرفه ص ،»18 لكن ما يلفت االنتباه أنه تحيز إلى النوع
وعندما يسمع (عشرون منهم في الزورق.. المباشر من المونولوج في مغامرة هدفت
نوتي الزورق اعترف ..هرب منهم ثالثة .. إلغاء الحاجز بين القارئ والشخصية،
ص ،)19نراه يتفطن ً
«إذا ..أنا أحد الثالثة واالستغناء عن الراوي في كثير من األحيان
ص »19وهكذا. كصلة وصل بين االثنين .لقد صارت
ً
أيضا في (ملف الحادثة نصادف ذلك 2009 ((( (مسك) ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،بيروت
❋
بقلم :عبده خال
فرصة القتراب القلب من القلب ،والكلمات قبل هذا الوضع بيومين أو ثالثة ،كنت
من الحروف ،والضحكات من الفرح.. أسترجع الذكريات من خالل الصور ،فثمة
مؤتمرات أو ندوات تلتقي فيها باألصدقاء
كان يقول لي الصديق سعيد الكفراوي
الكتاب والذين ال تجدهم إال من خالل
مادام هناك متسع من األرض فسوف
إبداعاتهم ،فيكون التواصل من خالل
نلتقي ..ونشطت المؤتمرات العربية
القراءة هو المبتدئ ..وكنت أقلب ذلك
واجتذبت العشرات من الكتاب وكان ثمة األلبوم الحاوي لكثير من اللقاءات في
حلم يلوح أن عالمنا العربي مقدم على المحافل األدبية ،لتصادف عيناي وجوه
تصميم من أجل تخطى خيبات اآلمال األصدقاء الذين ربطتنا الكتابة قبل اللقاء،
وتثبيت مجاديف القوارب المبحرة ،فهل كثير من األدباء يعرفون بعضهم من خالل
كان ذلك مجرد سراب؟ ما يكتبون ،وتصبح أي مناسبة ثقافية
❋ كاتب سعودي.
وليس على مستوى التقدم والتحضر، في زمن قصير نزل بنا العذاب ،وكأننا
فجبروت الحاضر يمنعك التفوه بما كنت أمة كفرت فحاق بنا سوء المنقلب إلى نهاية
تقوله في الماضي القريب ،وغدا عالمنا ليس لها نهاية ،فما أن أطل الربيع العربي
العربي كسجادة تطوى ألن تتكوم على بثوراته حتى وجدنا أقدامنا ترسب في
بعضها ..هذه هي الحسرة التي انتابتني وحل الزب ،ودولنا تتقطع كندف القطن،
وأنا أركض ببصري في وجوه األصدقاء من وأحالمنا تتبخر في إناء سلطت عليه نار
العالم العربي إذ أن هناك من األصدقاء موقدة ،زمن جذب الدمار لألمة تعاني
خرجوا بحثا عن لجوء آمن ،فالثورة التي من دمار ،فجاءت الثورة وقد كانت حلما
طالبوا بها أخرجتهم من ديارهم وهدمت لكل كاتب من أجل االنتقال من الرخاوة
كل شيء من الحلم إلى وحدة الوجود. والمالمح الغائمة إلى مستقبل واضح
أغلقت األلبوم على صورة جمعت بيني التقاسيم يكون فيه اإلنسان هو القاسم
وبين الصديقين إسماعيل فهد إسماعيل المشترك ،وأن تكون الحرية هي السارية
وطالب الرفاعي حينما كنا في مؤتمر التي يلجأ إليها كل محب للحياة وللعمل..
الرواية بالقاهرة.. كانت أحالم المثقفين بالثورة هي
كان ذلك المؤتمر هو اللقاء األول صناعة المستقبل إال أن ثورات الربيع
بالروائي الجميل إسماعيل فهد إسماعيل، العربي كانت تحمل راية العودة إلى الماضي
وعادة في المؤتمرات تتشكل مجاميع تأنس وقد أغلقت بوابات المستقبل لذا تبرأ من
كان يفقه أبجديات الثورات الظالمية،
بعضها لبعض ،فيلتقون و ُيسرون سويا،
وكان أول مهام تلك الثورات تقويض مراكز
وكنت محظوظا بلمتنا التي جمعت أدباء
الثقافة العربية وترك بالدنا العربية تذب
من معظم الدول العربية.
انهياراتها باسترحام الالجئين في الدخول
ولم أكن على علم أنني سوف أستيقظ إلى دوائر األمن المحدودة التي تقبل بهم..
من نومي على خبر رحيل إسماعيل فهد دخلنا في زمن الموت ،موت كل شيء ودفن
إسماعيل ..لم أكن على علم بهذا!. األحالم التي كنا نتحرك بها وفيها..
هناك من يسقط فيسقط بعضك. حسرة تجمعها من أطراف األرض
أصعب قول يمكن قوله في حالة كلما أيقنت أن أمتك ماضيها أفضل من
الفقد... حاضرها ،وهذا على المستوى المعيشي
عمق الجرح ،والجسد يتطوح ويذرف يوميا يرحل الماليين ،واحد منهم يترك
اآلهات من غير االفصاح أن القاتل هو ابن يدك لينزل في المحطة األخيرة ،ينزل من
القلب ،وأصعب غير وداع وكأن الحياة بحر غزير المياه،
شيء عندما يثور على جسدك عضو وإذا تنبهت لفقد عزيز تستشعر أن الحياة
من أعضائك ،أو أن يقترب إليك الفناء من نفس وانقضى..
خالل أنفاسك.. استيقظت ذات صباح ألجد فاجعة تنبىء
كان احتالل الكويت هو المشهد الدرامي عن رحيل الصديق الروائي إسماعيل فهد
لرواية كتبت بدايتها بذلك االحتالل ،ولمن إسماعيل ،كان الخبر يؤكد أن إسماعيل قد
واصل قراءة الواقع العربي سوف يتأكد لوح بتحية الوداع ..فهل نمسك الراحلين
أن احتالل الكويت كان بداية لرواية تهشم عبر تجاويف مخيلتنا فال يغدرونها أبدا،
مراكز التنوير وتلقى برايات الحضارة وهذا ما يحد مع من تحب ،تبقيه طيفا
للوحل وتستقدم وحوشا لعصر الظالم.. اليغادر تجاويف مخيلتك حتى إذ اشتقت
تلك البداية الرواية الواقعية كان إليه تسل طيفه لتحدثه أو تسترجع ما قال
فضاءها الكويت ،وأذكر أنني كتبت حينها في زمن من األزمان.
تشابه االحتالل لدولتين عربيتين إحداهما وقد كان أول لقاء بيني وبين هذا الروائي
احتالل صهيوني واآلخر قومي عربي. الكبير والذي يعد مؤسس الرواية الكويتية
هذا االستهالل القهري من خالل الحديثة من خالل قراءة رواية (الحبل) وفي
االحتالل نهضت النفوس فنا ومساندة أي مسيرتي األدبية حملته مع من حملت على
فعل يعيد للكويت حريتها ،وقد اشتعلت أنه كاتب متميز يمنحك شعور االلتصاق
مصابيح الفن واألدب للتبشير بالعودة ،ومع باألرض والقضايا اإلنسانية ،ومع كارثة
العودة ،كانت مراحل االحتالل مادة خصبة احتالل الكويت كانت الكلمات واألحالم
للروائي إسماعيل فهد إسماعيل ألن يكتب القومية تتساقط ،واألذهان تتعارك لمعرفة
سباعيته الروائية (إحداثيات زمن العزلة)، ماذا حدث ولماذا؟
وأذكر أنني داومت على قراءتها في ثالثة إن احتالل الكويت كانت الطعنة األولى
أيام متالزمة.. التي تغلغلت في الخاصرة ،ولم يكن من
هناك تحرك الروائي في طريق مباشر الممكن استيعاب
أحدها يتواصل الحب والذكريات عن من غير اعوجاج لكي يقول ويشرح ما حدث
الرحالت والمؤتمرات السابقة ،ومع متخليا عن فنيات الكتابة التي تكتب في
صبيحة إحدى األيام كنت مصلوبا بخبر حالة االسترخاء ،سباعية روائية لم تترك
الرحيل اآلن ليس من شيء سوى خيط جانبا إال ووقفت عليه كتسجيل شاهدة
كتابية عما حدث.
ذكريات يمتد بيني وبين قلب إسماعيل،
التقينا على أرصفة العالم العربي ننشد وتواصلت القراءات في رواياته ،ولم
الخير والعدل والمساواة..كانت أيام قصيرة تكن العالقة الشخصية قائمة إال من خالل
قارئ وكاتب ،ومع توالي األيام التقيت به
ً
اطمئنانا بأنه اليزال متفرقة إال أن هناك
في مهرجان الرواية بالقاهرة ،واكتشفت
يكتب ويحلم ..اآلن ال أملك إال خيط ذكرى
إنسانية ذلك الكاتب ،فإذا به يفوق رواياته
أجمعه مع خبر عاصف وسؤال مرتج:
إبداعا ،وتواصلت لقاءات المهرجانات
-هل ً
حقا رحل إسماعيل؟ والمؤتمرات العربية وكلما كنا نلتقي في
وفي قراءة أعماله نستكشف إمكانيات وإذا كان إسماعيل قد أكد منذ
سردية كثيرة للكتابة كالعودة إلى التاريخ البداية على أهمية وجود «دور اجتماعي»
من أجل امتحان أحداث وحيوات ما زالت فصل في ما بعد قوله لألدب ،فإنه قد ّ
مؤثرة أو مشابهة ألحوال تالية ومعاصرة، بأن األدب قد يكون له هذا الدور ،ولكن
ً
شماال -البدايات» مثل رواية «النيل يجري من المهم أن ال ينطلق من أيديولوجية
والتي يتناول فيها تواجد نابليون في موجهة له .وقد عرف أو سلطة سياسية ِّ
مصر ،ورواية «النيل :الطعم والرائحة» عن الكاتب التزامه اإلنساني في حياته
مداخال في ذلك بين حوليات المؤرخ ً ً
أيضا ،إلى جانب التزامه األدبي ،إذ ذكر
الجبرتي واألحوال المعيشة كما يراها. في مقابلة صحافية معه ّأنه كان يستقبل،
وهناك رواية «الكائن الظل» التي تذهب في منزله بالكويت ،األدباء والسياسيين
إلى الماضي في تخيل فانتازي لتستدعي المضطهدين من قبل السلطة العراقية
أشهر اللصوص في التاريخ العربي .ولعل في منتصف سبعينيات القرن الماضي،
أبرز رواياته األخيرة «الظهور الثاني البن
ويقوم بتقديمهم إلى سفير اليمن الجنوبي
لعيون» ( )2015تبرز اشتغال الكاتب
(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)
بمقاربات األحداث التاريخية ،فمحمد
الذي ربطته عالقة صداقة معه ،ليمنحهم
ابن لعيون هو شاعر غزل نبطي عاش
جوازات سفر يمنية تمكنهم من المغادرة
في أوائل القرن التاسع عشر (ت ،)1831
إلى محطة أخرى.
ولد في منطقة ما كان يسمى حينها بنجد
والحجاز ثم انتقل إلى البصرة ومنها إلى ال تخلو معظم روايات إسماعيل فهد
الكويت وتوفي فيها إثر إصابته بالطاعون؛ إسماعيل من ذكر السجن أو اإلشارة إليه،
ً
مزارا لمحبي اللهو حيث تداولت كان قبره وهو باستمرار يتفحص محنة اإلنسان مع
الكثير من القصص حول حياته وأشعاره السلطة وإداراتها المتعددة التي تحوله
وزوار قبره ومن ذلك أنه أوصى أن يدفن ّ إلى كائن هش وهامشي ،مثل «مستنقعات
على قارعة طريق يعبرن منه النساء ،وقد ضوئية»« ،الحبل»« ،الضفاف األخرى»،
أدى ذلك إلى هدم قبره مع ظهور الطالئع ً
«بعيدا إلى هنا» و»طيور «يحدث أمس»،
ّ
المتطرفة التي األولى لكتائب الوهابية التاجي».
الكتف ،وكانوا يقولون لي :روح يا الكويتي، بدأت في االنتشار على مستوى الجزيرة
تعال يا الكويتي ،ومنذ وصلت الكويت ال العربية والخليج ،وحاولت أن تقصي كل
يوجد لدي حتى دشداشة في البيت ،وقد مظاهر الحياة االجتماعية التي تخالف
صاروا يقولون لي :تعال يا العراقي ،روح تعاليم المذهب الجديد .ويداخل الكاتب
يا العراقي». بين قصة لعيون التي تقدمه الرواية بشكل
ويتجلى ارتباط الكاتب بالمكان فنتازي يظهر معه كل دورة حياتية ّ
وقصة
العراقي في معظم رواياته حتى تلك التي إنشاء أول مستشفى أمريكي في الكويت
كتبها إثر غزو النظام العراقي للكويت عام 1913من خالل طبيب بريطاني.
(أغسطس ،)1990فإنها بقيت في إطار هناك إمكانية سردية أخرى يمكن
الحدث العراقي .وهنا نجد إسماعيل القول إنها مدوية وملحة في المجتمع
ُ
شعرت مرة فهد إسماعيل يقولّ :
«أول ّ الكويتي وهي إشكالية فئة البدون وتحقق
أنني كويتي ،مائة في المائة ،كان في المواطنة ،وقد تناولها عبر روايته «في
ّأول ساعة من االحتالل» .ولهذا كتب حضرة العنقاء والخل الوفي» ()2012
سباعية روائية أسماها «إحداثيات زمن حيث يبرز فيها إشكالية الهوية واالنتماء
العزلة» تناول فيها يوميات االحتالل وما للوطن وتحقق الذات الفردية مع مفارقات
صاحبه من مقاومة وتبعات منشغال بذلك األحداث الجارية ،وهذا الصراع الهوياتي
بمشكلة عامة أدت إلى انتزاع الكثيرين خبره الكاتب حين ولد ونشأ في البصرة،
من وطنهم .وهي إمكانية سردية إضافية هوية مغايرة للمكان،جنوب العراق ،حامال ّ
ضمن اإلمكانيات التي يقدمها إسماعيل تنتمي لعائلته ،حيث كانوا ينادونه بالكويتي،
للكتابة .ويبرز في هذه اإلمكانية الرصد وإذ هاجر إلى موطن أبيه األصلي الكويت
اليومي والتوثيق لألحداث وردود األفعال بعد اكتساب عادات ولهجة المجتمع
عليها متداخلة مع ما تعيشه الشخصيات، فإنهم صاروا ينادونه بالعراقي، العراقي ّ
عبر وسائل إعالمية مختلفة ،تصبح معها حسب قوله في لقاء أدبي «حين ُ
كنت
قابلة أو مدعاة للتأمل والتحليل. في البصرة في نهاية الخمسينات وأوائل
ما بقي هنا ،في الحديث عن تجربة الستينيات من القرن الماضيُ ،
كنت ألبس
إسماعيل فهد إسماعيل وإمكانياته دشداشة ونعال نجدي ،وأضع الغترة على
من تقنيات عدة كالتداعي وتعدد األصوات السردية من خالل هذا المنحى ،هو
والسرد بصوت واحد وتقطيع المشاهد أهمية اإلشارة إلى انشغال الكاتب بهاجس
واستخدام ضمير الغائب (هو) والمخاطب الشكل الفني للرواية منذ روايته األولى
(أنت) وتداخل األزمنة والسرد بطرق «كانت السماء زرقاء» وواصل هذا الشغف
لغوية تركيبية عدة؛ وهو منحى بحاجة إلى في كثير من الروايات مثل»مسك»« ،سماء
قراءة أوسع. نائية»« ،عندما رأسك في طريق واسمك
هكذا ،فإن إمكانية الرواية عند في طريق آخر» والتي تداخل فيها مع
إسماعيل فهد إسماعيل هي إمكانية قصائد للشاعر قاسم حداد وصوال إلى
حياة ،في أي وجهة مضت أو على أي رواياته الثالث األخيرة.
حال كانت. وفي هذه الروايات استفاد إسماعيل
المشاعر .كم كان سعيدا جذال ،وكأنه فهل اختار إسماعيل تلك األمسية
يقول واآلن آن أوان الرحيل. االحتفالية بروايته األخيرة كجزء غير
ظاهر من نهاية الرواية ،أم أن تلك األمسية
مضيف الملتقى األديب طالب الرفاعي
المفعمة بالحب والمحبين له وإلبداعه،
ذكر في تقديمه أننا نلتقي مع الرواية
قد اختارته ،لقاء وداع .في أمسية عرس
األخيرة إلسماعيل ،اعترض أحد الحضور
الرحيل ،تمكنا من البوح بمشاعرنا علنا
"التقل الرواية األخيرة ،بل قل آخر رواية".
تجاهه .على المستوى الشخصي عبرت
فاتضح لنا بعد يومين فقط أنها حقا كانت
له عن امتناني على كرمه ومحبته .يقال،
الرواية األخيرة. إن أحببتم فبوحوا بمشاعركم لمن تحبون،
في أمسية عرس الرحيل ،تم توزيع نسخ فقد يرحلون فجأة دون أن يعلموا عن تلك
❋ كاتب كويتي.
والسطوة عندنا بقهرهم ،ويستمتعون الرواية ،ولم تتبق نسخة لي ،فوعدوني
بمعاناتهم بسادية محزنة .لماذا يفرح بإرسال نسخة لي الحقا ،وبقيت نسخة
بعض أصحاب السلطة والنفوذ بقهر د.ابتهال ،المليئة بالتعليقات ،فأخذها
الضعفاء مع أن القوة بيدهم؟ إسماعيل ،وخط عليها إهداء لي سيبقى
عرفت إسماعيل ككاتب ،على أيقونة .كان ذلك هو اإلهداء األخير.
الورق ،قبل أن أعرفه كشخص ،منذ مشروع إسماعيل فهد إسماعيل منذ
روايته األشهر "كانت السماء زرقاء" زمن طويل ،كان انتصارا للمهمشين،
في السبعينيات وماتالها .كان محلال "يحنو عليهم" ويقدمهم على من عداهم
ومشخصا األبعاد اإلنسانية للبشر ،مبحرا من أصحاب النفوذ والسطوة ويشخصنهم
فيها ،بأسلوبه الرشيق المميز ،منتصرا ويجد لهم التبريرات .وهكذا كانت روايته
للمظلوم ،محترما عقلك ،محترما ذاته. األخيرة عن مهمشي الكويت ،البدون،
توطدت عالقتنا وتعمقت خالل فترة الذين يتفاخر بعض أصحاب النفوذ
بجسده ،إال أنه باق معنا برواياته وفكره الغزو ،فكانت محطته خلية نحل ،وكنا
اإلنساني .كما أنه باق بجيل مبدع من نتبادل األفكار والرؤى واآلراء ،لكيفية
الشباب الكتاب الذي كان إسماعيل لهم التصدي للغزاة ،و لما بعد الغزو .سألته
أبا حقيقيا وهو ماتردد ،في تلك األمسية ذات مرة "ذكرت في روايتك السباعية
الوداعية ،حفلة عرس الرحيل. عن الغزو تفاصيل كثيرة ألحاديث جرت
في تلك األمسية استثارتني فكرة كتابة بيننا ،كنت قد نسيتها ،فهل هي الذاكرة
إسماعيل فهد إسماعيل جزء ثان لروايته الفوالذية" ابتسم،واخرج القلم ملوحا به،
"في حضرة العنقاء والخل الوفي" والتي وقال "بل كنت أدون كل شيء ،ما إن ينتهي
دخل فيها أبوفهد للمرة الثانية محطة اللقاء بيننا ،أسجل مادار ،وأحتفظ به،
غائرة كموضوع البدون .لماذا جزء ثان؟ ألني كنت أرى فيك مشروع رواية ،وأكثر،
أجاب ،ال أعلم ،استهواني الموضوع ،أو صمت ،ولم
ُّ وهذا ماحدث" .فاجأني،
لبسني ولبسته. أعقب" .على طريقة إسماعيل" .وبالتالي
جاءت الرواية التسجيلية "إحداثيات زمن
بدورها قدمت د.ابتهال الخطيب،
العزلة" كأكبر وأهم عمل روائي عن الغزو
أطروحة نقدية في الرواية ،أبدعت
مما يحق لنا أن نطلق على إسماعيل صفة
واستفزت إسماعيل فكريا .لم تتحفز
أديب المقاومة ضمن صفات أخرى.
كعادتها ،عندما يذكر موضوع البدون،
بل ارتكزت على أداء أكاديمي رصين، عبر حقب متتالية كانت تصلني منه
ففتحت الشهية لمزيد من العمق في روايات قبل النشر كمخطوطات إلبداء
الرؤية ،واستثارة للحاضرين ،الذين الرأي ،وبالذات في الجانب المعلوماتي،
اعتادوا المباشرة في الطرح ،هذه المرة فقد كان إسماعيل ،حريصا ،دقيقا في
كانت مختلفة ،ربما الدم األكاديمي البارد، مايكتب .اختلفنا أحيانا ،ولكنه كان خالفا
الذي نتقنه في مثل هذه المحطات. على شاكلة الخالف بين غيمة كبرى
أبدى إسماعيل إعجابا في ماطرحته ظليلة ،كإسماعيل وغيمة صغرى على أين
ابتهال" ،فاجأتني بقراءتها للرواية سيهبط المطر.
واكتشافها لقضايا أكثر مما توقعت أو عندما يرحل كاتب وأديب بقامة
قصدت" .في الكثير من األحوال ،هناك إسماعيل فهد إسماعيل ،فهو يرحل عنا
أن أحدا منا فكر في ذلك ،ولكن هذا هو من يكتب وهناك من يكذب ،والكاتب
إسماعيل الغيره .وبعد التحرير اتصل بي الصادق ،ينسى صدقه ،ألنه اليتصنعه،
ذات مرة من خارج الكويت ،حيث قضى فهو جزء من ممارسته الطبيعية ،وسلوكه
سنوات يحرث أوراق ويوميات سجلها، االعتيادي ،أما الكاتب المتصنع" ،فأمره
ليحدثني عن مشروعه العظيم عن الغزو. أمر" حسب لميعة عباس عمارة ،وهو
هي رواية تسجيلية أو السباعية بعنوان يدرك جيدا أين كذب .إسماعيل هو
الفت "إحداثيات زمن العزلة" لتكون سفرا كاتب صادق ،اليدرك صدقه ،واليتصنعه،
جامعا لتجربتنا خالل الغزو .بلحظاته، الفكرة تجرك أحيانا إلى محطات غير
بتفاصيله التي عايشناها سويا بدقة وروح معلومة ،حتى لك ككاتب ،ربما اتضح ذلك
إسماعيل المتحركة. في فقرات "حذف بمعرفة الرقيب".
أمسية زادها جماال الحضور الملتزم األجواء كانت حميمية ،أكثر منها أدبية
والمحب لفن إسماعيل ،بداية طيبة أو فنية ،والحضور كان يعاني من حب معلن
للملتقى الثقافي ،وخالص الشكر لطالب إلسماعيل ،فاق الظروف العادية ،عدد
الرفاعي وعائلته الكريمة. من الشباب المبدعين عبروا عن ذلك
تمت األمسية يوم األحد ٢٣سبتمبر الحب صراحة ودون مواربة وبحشرجة
وبعد أقل من يومين ،جاءنا الخبر الصادم وبدموع أو شبه دموع .من جانبي ،كنت
برحيل إسماعيل ،وكأنه قد خطط ً
جميال ،يذكرك بما أرى والزلت إسماعيل
للرحيل ،وكأنه قد نسج نهاية الرواية عن نسيت أحيانا ،وينسيك ويسرح بك حيث
البدون ،بعذاباتهم الظاهرة والمستترة، التدري أحيانا أخرى.
وكأنها كانت أمسية لعرس الرحيل ،وسط إبان الغزو كان يتعامل مع ذلك الواقع
األصدقاء والمحبين .ومع أن الموت البائس وكأنه يكتب رواية ،لم أكن أعلم
حق ،والراد لقضاء اهلل ،إال أنني ،ألمر ذلك ،على الرغم من لقاءاتنا المتكررة في
ما ،ال أشعر ،بأن إسماعيل قد رحل عنا، ظروف بالغة الخطورة" ،الحذر ضروري،
فحضوره في الذهن كما حضوره في والمسؤولية الملقاة على عاتقنا كبيرة".
المشاعر ،والحضور في الذهن ربما أكثر كان يسجل كل صغيرة وكبيرة ،لكل حدث،
تركيزا وعمقا. ولكل شخص .علمت ذلك الحقا ،ال أظن
1
ُ
تعبت من رثاء األصدقاء، الحق أنني
عقاب،
ٌ أرقبهم وهم يذهبون ،وفي هذا
ال يحتمل ،على االستمرار في العيش.
جزء مني ،لكأني
ٌ ٌ
صديق ماتَ كلما رحل
ً
موجودا عندما يدركني الموت. لن أكون
❋
بقلم :قاسم حداد نستحق ذلك.
3 2
ً
أجياال مختلفة شبابه الجوهري يجعل ُ
تعرفت عليه ،أوائل السبعينات، منذ
تنجذب لمجاورته ،حتى إنه ،عندما كان إسماعيل سمة بالغة الداللة لكل زيارة
ّ
تجمع اللقاءات الثقافية األهلية بدأ أقوم بها للكويت .وكلما التقيت به ّ
شد
في الكويت في االنفراط ،كان الجميع ً
قائال بروح دعابته من أزري وهمس لي
بحب يليق به وبهم
يتوازعونه لملتقياتهم ٍ الحميمة« :ال تحاول ،لن تموت قبلي».
ً
جميعا ،وكان يحسن االحتفاظ بالمسافة حسبته يمازحني ويجامل خيانات
الرحيمة لكل األصدقاء ،تلك ميزة الجسد ،حسب تعبير (ممدوع عدوان).
ثقافي يقترح أشكال
ٍ كويت
أسس لها في ٍ لكنه كان يعرف أنه يكنز الصداقات لئال
الفعاليات على عموم المنطقة بال هوادة. يذهب فقير الوفاض.
❋ كاتب بحريني.
5
لم يتردد في لحظة االختيار :ضد
العسف مع الحرية .هذا الموقف هو
ظهير كتابته وأدبه. 4
لذلك يمكننا الثقة أنه لم يزل يسهم في أوائل السبعينيات ،كان إسماعيل
في صقل الموقف اإلنساني الذي ظل يقول(« :كانت) السماء زرقاء» ،فماذا
األدب يذهب إليه طوال التاريخ البشري. سيقول اآلن فيما يكتب نصوصه حتى
الكلمة /الحرية. األيام األخيرة قبل رحيله؟
كل أصدقائي وأحبائي وكل من عرفني لم أتماسك بعد يا إسماعيل فالكالم
وأحبني؟. ثقيل ال تنطق به الروح وال اللسان.
ً
دائما) سنلتقي في أمسيات أخرى. ّ
أحسه بعد موت أمي وأبي وأحباب
وسافرت .وجاءني ذلك الحلم قبل وأصدقاء كثر .يا وجعي يا إسماعيل
ّ
سيظل بعد فراقك وجع كالمدْ ية
وفاتك بيوم.
ً
غائصا في قلبي حتى أموت.
❏❏❏
رأيتني وحيدة أمشي في مكان مهجور هل تعلم يا إسماعيل كم أنا حزينة
معتم تنتشر فيه الصخور وجذوع أشجار ونادمة أنني سافرت دون أن أودعك،
عارية وسعف نخيل يابس ،مشيت خائفة كانت آخر مكالمة قصيرة يوم السبت
ً
رطبا ً
مفتوحا ً
قبرا من الفراغ فلمحت ألعتذر أنني لن أحضر ليلة ملتقى
ً
خاليا ورأيت حمامة بيضاء صغيرة األحد المقامة لالحتفال بروايتك
معلقة فوق القبر ال تحط وال تطير وال األخيرة .ج ْل ْ
جلت ضحكتك وقلتَ :
ُ
وصحوت وقلبي ُ
فزعت تأتي بأي حركة. سافري يا جميلتي (هكذا كان يخاطبني
بعيدة؟ّ .
قررت أن أترك المؤتمر وأعود يرتجف رجفات ال تهدأ وبدأ تشاؤمي!
ألراك حتى وإن كنت في ثالجة الموتى ترى من سيموت؟ عسى أال يكون أحد
قبل دفنك لكن لم أجد إال رحلة متأخرة من أوالدي ،لم يخطر ببالي أنك أنت من
ووصلت الساعة الثالثة والنصف بعد سيموت ،لقد كان القبر قبرك ،والحمامة
منتصف الليل .لم أفقد األمل اتصلت روحك المعلقة بين األرض والسماء.
ً
باكرا ورجوته أن يأخذني بأبي مازن في الصباح ونحن في صالة المؤتمر
إليك فقال إن األمر صعب فقد غسلوك ّ
رن الهاتف وعادة ال أرد لكني نظرت إلى
وكفنوك .آخ يا خيبة أملي ،ترحل دون أن شاشة الهاتف كان المتصل أبو مازن
أراك وأقبلك قبالت الوداع وأهمس لك (الكاتب محمد جواد) ثم اتصال ّ
مرتين
إنني أحببتك طول عمري وسأظل. ً
سابقا). من صديقتي بروانة (زوجته
ُم ّت يا إسماعيل ..يامن كنت لي تطالبني صديقتي ثريا البقصمي بالرد،
وظالُ .م ّت يا من كنت خيمتي
ً ً
شمسا قلت لن أرد ،هذا بالتأكيد خبر سيئ عن
التي أفر إليها بفرحي وحزني وأسراري إسماعيل ربما هو في المستشفى بحالة
التي ال يعرفها أحد سواكَِ .فل َمنْ أفر خطرة لكن قلبي كان يحدس بغير ذلك.
اآلن؟. أحاول أن أزيح الفكرة المشؤومة وأبرر
ً
يوما أن بيني وبينه حنون .لم أشعر التي تعزيني بك.
حواجز من أي نوع ،صار بالنسبة لي آه يا إسماعيل كيف تموت وأنا
ً
بعيدا عن إليه حتى البحر الذي كان كان رفيق سفر مريح ،أذكر رحلتي
سكنه ألنه كان يعرف أنني أحب صديقي معه إلى الفلبين كانت الرحلة طويلة
البحر .قضينا الوقت نكتب ونقرأ ونحن في الدرجة الثانية وحين وصلنا
ونتجول ونجلس في المقاهي لنستلذ إلى شقته األنيقة قلت له احجز لي طريق
بأكل (الهولوهولو) واآليس كريم .نضحك العودة بالدرجة األولى .بقيت معه عشرة
من القلب ونستعيد ذكريات حلوة ونغني أيام من أجمل أيام عمري.
األغاني العراقية القديمة التي نحبها. كان يعشق السينما وكنت ال أحبها
سافرت معه ومع صديقنا الروائي وأرفض أن أصحبه ،قلت له اذهب
طالب الرفاعي أكثر من سفرة إلى مصر ّ
بشدة أن يتركني وحدك ،لكنه يرفض
ودمشق زرنا أصدقاءنا ،زرنا حلب التي وحدي .لقد حرمته من هوايته وكان
عشقناها ودعانا الشاعر نزيه أبو عفش يسهر في الليل على أفالم التلفزيون.
إلى بلدته صافيتا وكم كانت الرحلة سافرت قبله ،أوصلني إلى المطار،
وهنية ال ُتنسى .ذكريات كثيرة
ّ ممتعة دخلت بعد أن ودعته وأنا كالبلهاء أقف
موشومة في القلب وتالفيف الذاكرة في صفوف الدرجة الثانية والطابور
وألبومات الصور. طويل ومزدحم ،وفجأة سمعت صوته
يا إسماعيل :مع من سأسافر من بقربي فلم أتمالك وبكيت وسألته :كيف
بعدك ّ
وأي سفر ستكون له لذة بغير دخلت؟ قال دبرت األمر مع الضابط
وجودك؟ ولمن أشتري األفيال التي كنتَ حين رأيتك تقفين في صفوف الدرجة
ُتحبها وأحمل بعضها إليك ولمن سأقدم الثانية وأنت في األولى ،أخذني من يدي
الحلوى ومع من سأشرب القهوة ُ
الم ّرة وهو يضحك من غبائي ضحكته العالية
والشاي بال سكر؟. المعهودة احتضنته وشكرته وتفارقنا.
❏❏❏ ً
مكانا إال وأخذني عشرة أيام لم يترك
ً
وداعا يا زرقة ً
وداعا يا أغلى الناس. في إحدى لقاءاتي األخيرة معه قال لي:
قررت أن أهاجر إلى تايلند سأشتري ً
بيتا
عينيك الصافيتين كالبحر والسماء.
هناك وسأستقبلك فيه .لكنه هاجر إلى حيث
ً
وداعا يا ً
وداعا يا قلبك الذي أحبني،
لن يعود وترك لي الوجع .وحتى هذه اللحظة
حبيب القلب. التي أكتب فيها عنه تقهرني دموعي.
ومعادَ الت
َصدَ مات ُ
في تجربة إسماعيل فهد إسماعيل الروائية
ذوقه السردي ،بفعل التمرد والقلق من الواضح إن روح التحدي والتمرد،
والحلم بمكان بديل ،واالستجابة نمت ببطء وثبات في شخصية المؤلف
ْ
المباشرة لتأثير السينما والمسرح ً
ارتدادا على نشأة عائلية السارد،
والفن التشكيلي( .صرح إسماعيل قاسية ،وقمع اجتماعي سلطوي شديد.
المطول إلى
َّ بهذا التأثير في حديثه ً
جماليا ً
ذوقا كما أن سرديته اكتسبت
ُ
األزمة طالب الرفاعي) .أفضت ً
وسينمائيا ،في زمن «المقهى» ً
مسرحيا
المنقسم،
ِ الشعورية الداخلية للبطل َ
توضع في وجه الحميم ،قبل أن
ورغبة الذات في الخروج من دائرة التحديات واللجوء خارج الحدود /إلى
(األقفاص المشتركة) إلى استعمال بلد ثان .وقد انعكس هذا الذوق ً
أوال
أسلوب التداعي الحر ،واالستعانة في مجموعتيه القصصيتين (البقعة
باألحالم السينمائية للخروج إلى الداكنة) و(األقفاص واللغة المشتركة)
فضاء التجربة المحوطة باألخطار قبل انتقاله إلى الشكل الروائي.
والمصائر المنفردة .وسا َد هذا الشعور تحولت «اللغة المشتركة» في القصص
كان الراحل إسماعيل فهد إسماعيل (التحدي والتغيير) أكثر من غيرها .إال
أنني أعتقد ّ
بأن زمن األحالم األبيض
قد استوفى معظم مراحل استراتيجيته
واألسود ،قد وجد امتداده في أكثر من
الروائية ،عندما دهمه الموت؛ وبقي
ُ
الهوية خالله وجودَها مكان ِّ
حققت
على قرائه أن يستعيدوا تلك المراحل
األمثل ،وراء مرحلة االنقسام والعزلة.
ويعيدوا اكتشافها ،في ضوء متغيرات
المشهد الروائي العربي واتساع رؤيته انفصل إسماعيل فهد إسماعيل
النقد أن يشير بقوة إلى أهم اختراعين والتحق بنسق الذات المتأملة شعو َرها
إلى ذلك سيدمن إسماعيل فهد الدغدغة ،كان قد راح يشغلني في روايات
إسماعيل تصدير روايته بمالحظة أو إسماعيل ،وأول ذلك هو بناء المشهد
مقدمة أو إشارة أو كلمة .ففي صدر رواية ً
أفعاال أو أن من مفردات ،يندر أن تكون
(الحبل) تحدد المالحظة األولى «أن ً
جمال .ومن ذلك في رواية (الحبل) تشكل
األحداث تدور عام ،»1962بينما ّ
تنص هذا المثال« :حدوة الحصان .النجار.
الثانية على أنه «من أجل زيادة اإليضاح المسامير .أمه .أبوه .الحبل .الخشبة
ارتأينا أن نكتب السرد بحروف بارزة،
الناتئة .الصعود .النزول .الدم .وجه
أما الحوار والتداعي فقد كتب بحروف
أمه الملطخ بدماء كفه» وكذلك« :العمل.
عادية» .والكاتب بذلك يسلك مسلك
الشرطة الكويتية .الشرطة العراقية.
غسان كنفاني وعبد الرحمن مجيد
الحبل .المأجور .العرق .الحارس .رأس.
الربيعي وغادة السمان ...أي مسلك
الجامعة .التقاعد .المال السجن» .وسوف
ً
طباعيا آنئذ بالتمييز
الموضة التي درجت ٍ
يغدو هذا (اللعب) عالمة فارقة لكتابة
بين مستويات الكتابة ،والعناية بخاصة
إسماعيل الروائية ،وحيث تؤدي اللعبة
بمستوى الالوعي أو الالشعور أو التداعي
مهمة أو أكثر ،فهي ترمي بالمفردات التي
ً
وجريا على نهج فوكنر ً
توخيا للحداثة
تعنون ما سيدور في المشهد التالي أو
وأضرابه .ومما يسجل إلسماعيل فهد
إسماعيل منذ رواية (الضفاف األخرى ـ الفقرة التالية أو الفصل التالي من أحداث
)1973مالعبته للضمائر الثالثة (المتكلم أو حوار ،أو ما سيمور من مشاعر .تلك
ـ المخاطب ـ الغائب) ً
معا في المقطع مهمة أولى ،وثمة مهمة ثانية تتمثل في أن
السردي الواحد .على أن آخرين سيلعبون تلخص المفردات ما سبق أن دار أو مار.
هذه اللعبة ،كما سيلعبون لعبة الحروف وقد يكون على اللعبة أن تنهض بالمهمتين
البارزة والحروف العادية في طباعة األولى والثانية ً
معا.
حصة أكبر ،وإذا بالفضاء الفلسطيني الرواية .غير أن اجتماع هاتين اللعبتين
المندغم بالفضائين اللبناني والمصري، مع لعبة بناء المشهد من مفردات ،هو ما
ً
متقدا في رواية (النيل الطعم يحضر سيبدأ برسم الحداثة الخاصة بروايات
ً
ومخاطبا يومنا السياسي فيما والرائحة) إسماعيل فهد إسماعيل ،وهو ما سيتعزز
صورت الرواية من اإلرهاب واالغتيال بلعبة أخرى فأخرى كما سنرى ،فإذا
والديكتاتورية ،وباإلرهاب الحداثي ً
دوما. بالعالم الروائي إلسماعيل فهد إسماعيل
ً
فمدماكا ،ورواية فرواية، ً
مدماكا ينهض
إلى أبعد مما تقدم في رواية (النيل
وفي مركزه ذلك الفرد المثقف اليساري
الطعم والرائحة) تذهب رواية (النيل
ً المناضل في حزب سري أو منظمة سرية.
شماال :النواطير) ،وذلك في يجري
وقد كان إسماعيل بهذا وحده يبهرني كما
لعبة التناص مع الجبرتي الذي تلقبه
يبهر جيلي ممن صدعت هزيمة حزيران
الرواية بمؤرخ الشعب ،كما تلقب مراد
ـ يونيو ( 1967ريعان شبابهم) ،فكيف إذا
بك ببطل الشعب .وقد ّ
نص الكاتب في
أضفنا غواية إسماعيل الحداثية لمن كان
ً
«تشبثا باألمانة مستهل الرواية على أنه
مثلي يخطو خطاه األولى على درب كتابة
ً
ومنعا لاللتباس ،وبما أن الجبرتي شارك
الرواية؟
ً
مرغما ـ في كتابة هذه الرواية ،فقد ـ
جرى االتفاق على أن يوضع كالمه بين ❏❏❏
ً
ونشدانا ً
تمييزا له عما عداه: هاللين ً
روائيا فضاء
ً إذا كان العراق يبدو
لتفاصيل دقيقة أغفل الجبرتي ذكرها، ً
أثيرا إلسماعيل فهد إسماعيل ،ومنذ
اقتضى الرجوع إلى المستشرق لوتسكي البداية ،فالكاتب سيدأب على تنويع هذا
في كتابه الهادف (تاريخ األقطار العربية الفضاء ،فإذا لبيروت حصتها (رواية
الحديث)». الشياح) وإذا بمصر تنافس الكويت على
مشروع زواجه جراء غدر صاحب الشرطة في لعبة أخرى مع التاريخ تشبك بينه
به واإلجهاز عليه .وقد أدركت هذه اللعبة وبين الراهن ،تمضي رواية إسماعيل
للغة الرواية تعددها ،وإن يكن بدرجة أدنى فهد إسماعيل (الكائن الظل) إلى أخبار
ً
شماال: مما تحقق في رواية (النيل يجري اللصوص وأشعارهم في األدب العربي
النواطير) ،بينما يضارع التعدد اللغوي مثال قصة حمدون ً القديم ،فيستل
في رواية (يحدث أمس) ما تحقق منه في بن حمدي اللص البغدادي الذي ُ ِقت َل
هذه الرواية. ً
توسيطا ،ولتتابع ما كان قد توقف من
الكويت ،وصار فيها المدير العام لشركة وقد افتتحت رواية (يحدث أمس)
صيانة أنابيب البترول .وبعد سبع سنوات ً
غالبا في بإشارة من المؤلف ـ كالعهد
يعود الرجل إلى قريته باب الهوى من سوار افتتاح الرواية ـ إلى أنها «ليست تسجيلية.
البصرة ،فإذا بصرخة (قف) تستقبله ،وإذا وألنها كذلك أجازت لنفسها اختالق بعض
بالمعتقل ينتظره ،فالثورة كانت قد قامت المسميات والوقائع بما يناسب مرونة
الزمن الروائي» .ويعجل هذا االفتتاح
في ،1958/7/14وأمن الثورة يستبه بهذا
باللعب حين ّ
ينص على أن «الزمن الفعلي
ً
حامال عمالت شتى وجواز سفر. العائد
لألحداث عامة زمن عظيم وال شك ،وليس
❏❏❏
ببال هذه الرواية أن تسئ إليه» .وقد عادت
إذا كانت كل رواية من روايات الرواية إلى خمسينيات القرن الماضي حين
ً
قدرا إسماعيل فهد إسماعيل تحمل غادر بطلها سليمان يوسف العراقي إلى
أو أكبر من عالمات الحداثة الروائية السوري سهيل ابراهيم .ومن هذه
الخاصة بهذا الكاتب ،ففي كل رواية المقدمة تنداح المتناصات الشعرية
ترجح عالمة من ذلك ،أو أكثر .هكذا في الرواية ،مثلما انداحت في روايات
شتى للكاتب ،فازدانت بأسماء أمل ّ بدا الحفر في التاريخ في رواية (النيل
شماال :النواطير) بينما بدت دنقل وعلوي الهاشمي وعبد الكريم
ً يجري
المسرحة مميزة في (ملف الحادثة كاصد وسواهم ،كما ازدانت بمتناصات
.)67وكما بدا التكثيف الزمني في غير شعرية ،منها من ذكرنا (الجبرتي)،
األيام الثالثة لرواية (النيل الطعم ومنها في رواية (خطوة في الحلم) مما
الرائحة) سيبدو في رواية (الطيور كتب مصطفى أبو لبدة.
مملة يقاوم فيها الرجل الملل بالتداعي الروائية إلسماعيل فهد إسماعيل تحت
وبالغرق في دخيلته بينما تستمرئ عنوان (التجريب) ،وتتقاطع مع التجربة
المرأة انبهارها بالغناء .وعلى نحو الروائية الحداثية العربية بعامة ،وهذا
أبهى يأتي هذا التكثيف في رواية ما تؤشر إليه لعبة التناص في روايات
(خطوة في الحلم) التي تستغرق حفلة إسماعيل ً
مثال ،كما يؤشر إليه فعل تيار
ً
أيضا) ،وعبرها تقدم الوعي ،أو التعدد اللغوي ...ومن هنا راقصة (سهرة
حيوات السارد وزوجته وصديقه الفنان كان إلسماعيل فهد إسماعيل موقعه
التشكيلي وزوجته ورجلي المباحث .المميز في صدارة المشهد العربي طوال
وقد وسم الكاتب هذه الرواية بـ العقود األربعة الماضية ،وبغياب سباعيته
(مشروع رواية) وجعل لها مقدمة (إحداثيات من الزلة) ،فكيف إذن لو
مقتطفة من قصيدة (مقدمة) للشاعر حضرت؟
❋
بقلم :واسيني األعرج
الصالح ،الحامي (في المعتقد الشعبي) كنت عندما أجد فسحة بعد ترجمة
لقريتي :سيدي بوجنان .كانت المكتبة مؤثثة مقاالت الزمالء الفرانكفونيين ،أستغل
بالكتب المفيدة .كنت قد فكرت في كتابة بعض الوقت للقراءة أو الكتابة .وكعادتي ال
شيء في بحثي األساسي في الليسانس، يمكنني ّ
أال أزور مكتبة المدينة الواقعة في
عن جورجي زيدان والتاريخ .كنت دائما وسط أهم شارع في المدينة .كان يشتغل
أسمع من أستاذ األدب الحديث أن جورجي بها رجل طيب ،عمي العاصمي ،هكذا كنا
زيدان شوه التاريخ اإلسالمي وهو ما لم نناديه .مثقف ومحب للكتب وكلما جاءه
أكن متفقا معه فيه ،على الرغم من حداثة جديد نبهني إليه .وكثيرا ما كان يحجزه لي
سني .فقد قرأته كامال بمتعة .لم أشعر في على الرغم من حداثة سني ،عشرون سنة
أي لحظة من اللحظات ،بأي نفور .عندما تقريبا .فوق هذا ،هو أحد أحفاذ الولي
❋ كاتب جزائري.
الروايات والمجموعات القصصية التي صبحت على عمي عبرت عتبة المكتبةّ ،
كانت قد صدرت وقتها .قبل أن أقرأه الحقا العاصمي وسألته عن جديد المكتبة .قال
بشكل كامل .ذهبت إلى جريدة الجمهورية، بال تردد :كنت أفكر فيك وأنا أقرأ كاتبا
مكان عملي ،بدأت أورق الكتب .لفتت اسمه إسماعيل فهد ،يبدو لي أنه عراقي،
انتباهي روايته األولى «كانت السماء زرقاء»، أعجبني كثيرا .ليس سطحيا .يتوغل في
بشكل خاص ال أدري لماذا؟ على الرغم من أعماق شخصياته بقوة تجعلنا نقتنع بها.
أنها كانت كلها قصيرة نسبيا .كانت بدايتها ثم أطلعني على كنوزه التي حدثني عنها،
ممتعة .لغتها مدهشة .من هذه الناحية في عمق المكتبة .لم أكن أعرف شيئا
كان إسماعيل مايسترو ،لألسف تخلى عن الكاتب الذي ذكره لي عمي العاصمي
عن هذه اللغة الحقا .شيء ما في رواية الذي نبهني إلى سلسلة روايات إسماعيل
كانت السماء زرقاء أخذ بمجامعي وأسرني فهد إسماعيل .ورغم إمكاناتي المادية
كليا .غير كنت قد قرأت قبلها بفترة المتواضعة ،فقد أخذتها كلها بال تردد:
وجيزة رواية «ما تبقى لكم» لغسان كنفاني. - 1البقعة الداكنة -قصص -بيروت
فشعرت كأن هناك شيئا مشتركا بينهما .1965
في الشعرية العميقة والتركيز ،واالقتصاد
- 2كانت السماء زرقاء -رواية -بيروت
اللغوي ،والحدث السياسي الذي ال يخاف
.1970
أبدا .وعندما بدأت أدخل في النص جاء
من يسرق مني متعة االندماج في النص. - 3المستنقعات الضوئية -رواية -بيروت
رئيس التحرير .قال بحب وخجل ،وتلك .1971
عادته مع الجميع :واسيني هناك فنانان - 4الحبل -رواية -بيروت .1972
برازيليان جاءا إلى الجزائر أريدك أن
- 5الضفاف األخرى -رواية -بيروت
تغطي الحدث .ليس بعيدا عن مقر
.1973
الجريدة .أبعث معك المصور .هو رهن
إشارتك .اكتب لنا شيئا عنهما .جاءا عن - 6ملف الحادث - 67رواية -بيروت
طريق سفارتهما التي اتصلت بالجريدة. .1974
يعرضان في مركز الفنون بالمدينة .حزنت - 7األقفاص واللغة المشتركة -قصص
ألني أديت واجب الترجمة وكان يفترض -بيروت .1974
في الرحلة القاسية عبر البراري الخالية أن أكون حرا متفرغا بالخصوص بعدما
والوديان والسبخات النتنة والمياه اآلسنه، اندمجت مع رواية إسماعيل األولى.
في لحظة الهروب ،كان قويا .قضيت انصعت لألوامر .كان اللقاء معهما جميال.
الليلة كلها سهرانا مع الرواية .أعتقد حتى واستفدت من تقنيتيهما بشكل جميل.
الخامسة فجرا .لم أنم إال ساعة واحدة وطلبت من المصور أن يأخذ بورتري لكل
قبل أن أركض نحو باص الحي الجامعي واحد منهما لنشرهما في الجريدة .ثم أن
باتجاه جامعة السينيا .كانت عيناي متعبتين يركز على بعض اللوحات التي استجابت
ومتورمتين من قلة النوم ،لكني كنت أشعر للمالحظات التي سألت عنها الرسامين
بلذة غير مسبوقة .كيف حدث ذلك؟ ما التشكيليين .وكتبت مقالتي الصغيرة في
السر؟ أول نص أقرأه له إلسماعيل .كان المقهى في بار دافئ مقابل للجريدة ،بينما
كل شيء منظما بشكل دقيق مثل الپوزل، كان المصور قد ذهب لتحميض الصور في
وفي مكانه الطبيعي .أكاد أتذكر هذه الجريدة .أنهيت المقالة .ثم وركضت نحو
الحركة وهذا الركض لدرجة اللهاث وراء الجمهورية .كان القسم الثقافي قد فرغ
الكاتب وأبطاله الهاربين« :أحس باألشواق تقريبا من الحركة .سلمت المقالة لرئيس
تأخذ بثيابه «أركض» ال زالت تدوي في التحرير وانسحبت كمن له موعد مع حبيبة
أذنيه ،هو يركض ،حياته كلها سلسلة من ال يريد أن يخطئه .فرحة داخلية ال تقا َوم.
الركض المتواصل ،هو هارب ،هارب من ركضت نحو ساحة الحرية في وهران،.
كل شيء ،حتى من نفسه .قبل ساعات وركبت باصات الخط ٧باتجاه حي
حاول عبور الحدود بمعية أكثر من عشرين اللوز .حيث الحي الجامعي العائلي الذي
ً
شخصا .كانت الساعة تقارب الثانية بعد كنت أقيم فيه .دخلت إلى غرفتي محمال
منتصف الليل عندما وقعت الحادثة. بأعمال إسماعيل فهد إسماعيل .صيدي
النوتي قال :سأعبر بكم شط العرب الثمين من مكتبة المدينة .وانهمكت من
ً
مقدما. قبل الفجر بقليل .سآخذ النقود جديد في قراءة كانت السماء زرقاء .أقرأ
أنزلكم وراء مصافي النفط »...على الرغم وأعض على شفتي السفلى كيف لم أعرف
من أن الرواية مبنية على إيقاع واحد، من قبل كاتبا بهذه العظمة والقوة؟ تكونت
الركض ،فال ملل أبدا .تكاد تكون قصة لدي قناعة إني أخيرا عثرت على كاتبي.
مكثفة في أسلوبها وأحداثها .لكن الذي كل ما وصفه في كانت السماء زرقاء،
في رواية كانت السماء زرقاء .لهذا قلت منحها اتساعا أكبر هو كونها مبنية على
إلسماعيل أول ما التقيت به في الكويت، رحلتين يخوضهما البطل مرغما بحثا عن
في منتداه األسبوعي :حبيبي إسماعيل الحياة ودرءا للموت البليد .ال خيار له إال
لك الكثير من الحق والفضل ،في شهادة خوضهما إن هو أراد لحياته مستقبال آخر.
الليسانس التي تحصلت عليها بفضل بحث ويشكل الهروب فيها ،ليس فقط منجاة
قمت به عن كانت السماء زرقاء. للكاتب ولكن ثيمة حقيقية تنبني عليها
استمرت هذه الرواية زمنا طويال في سرعة اللغة وعدم ميلها للتفاصيل الزائدة
ذاكرتي الروائية أيضا .عندما كتبت روايتي والمترادفات التي تثقل النص السريع في
األولى بالمعنى األدبي والفني في نهايات حركيته .وفي الهروب تصل المعاناة إلى
السبعينيات :الوقائع (وقائع من أوجاع سقفها لدرجة تنتابنا الرغبة في إيقاف
رجل غامر صوب البحر) كانت رواية الروائي عن تعذيب أبطاله .هذا ما شعرت
إسماعيل حاضرة فيها بعمق ،والتناص به وأنا أقرأ يومها الرواية بال توقف .وكأن
معه قويا .لم أدرك هذا إال الحقا .فقد أي توقف كان سيؤدي بي إلى الهالك.
اخترت تيمة الهروب .هروب سجينين من تظهر بوضوح ،في الرواية ،قدرة أسماعيل
السجن المركزي في المدينة .وكل المدينة على اللعب بتيار الوعي كما يشاء .نحن
تتم في هذه المدارات .ومن خالل لحظة باستمرار نعيش لحظة الهروب وقسوتها
الهرب التي استوعبت حوالي األربعمائة ووديانها ومجاريها واالرتحال ليال ،ونعيش
صفحة كانت روح إسماعيل األدبية في اللحظة نفسها داخل البطل السري،
حاضرة ومعها فيلم اسمه الهروب كنت الهارب من موت أكيد باتجاه مبهم افترض
قد رأيته وقتها .ال يمكن للكاتب أن يتنصل النجاة فيه .هذه الخلفية الداخلية تضيء
من األشياء الجميلة وكما يقول جيرار لنا المصاير السابقة واألحالم الممكنة
جينيت :البشرية في النهاية ال تكتب إال لبطل الرواية .لم أتخلص من تلك الرواية
نصا واحدا .ونقضي العمر الكتابي كله طوال حياتي .وعلى من أني قرأت إسماعيل
في محو ما يشبه الكتاب اآلخرين الذين في كليته الروائية ،فقد ظلت :كانت السماء
شكلوا لنا ذاكرة تقنية وموضوعاتية ،ولكن زرقاء هي طريقي الدائم نحو إسماعيل.
في الوقت نفسه ننشئ ما يشبهنا ليكون فقد جعلني سلطانها ألغي بحث تخرجي
اإلبداع لنا ،ويعبر عن جهدنا الخالق الذي عن جورجي زيدان وأعوضه بآليات السرد
بإسماعيل في مكتبه ومكان عمله ،أو في يرفض أن يكون ظال مقلدا لما مر عليه
بيته الجميل الذي يشبه متحفا بفيض من كتب دخلت عميقا في نسيجه اللغوي
مقتنياته ولوحاته .عزائي الكبير أني رأيت والفكري والسردي .لهذا أقول دائما ،ليس
جزءا من أهله القريبين إلى قلبه ،الجيل تواضعا ولكن حقيقة ،أدين إلسماعيل فهد
الذي ظل إسماعيل يراهن عليه بكل قواه. إسماعيل فيما أنا عليه اليوم إبداعيا.
مجموعة من الشباب األوفياء لمعلمهم قلتها له في حياته في لقاء عام في الكويت
األول الذي لم يدخر أي جهد لمساعدتهم خجلتني يا رجل .وأقولهالدرجة أن قالّ :
والدفع بهم إلى األمام في ساحة أدبية حية اليوم وقد أصبح روحا حية انتقلت نحو
ورثهم الحبال تقبل بأنصاف المواهبّ . الديمومة باندماجها بأرواحنا أبدا.
والخير والتواضع وجدية اإلبداع واإلصرار كم كان غيابه مؤلما في زيارتي األخيرة
على الحق والحق دوما. للكويت (أكتوبر .)٢٠١٨كلما ذهبنا نحو
طوبى لتلك الروح السخية التي لم بلد ركضنا نحو من نحبهم ومن يعنون لنا
يأخذ منها الموت إال خارجها ،وفشل في الشيء الكثير .كان دائما في الصفوف
أن يسرق داخلها ألنه منحها لنا بسخاء األمامية .أراه بحركاته الخجولة .كان من
العاشق الكبير :كتبه. الصعب علي أن أرى الكويت دون اللقاء
تنويه واعتذار
ورد في العدد السابق ( - 581شهر ديسمبر)
خطأ بتعريف الشاعرة القديرة
ندى يوسف الرفاعي
والتعريف الصحيح :هي «شاعرة كويتية»
مع االعتذار للشاعرة والقراء