You are on page 1of 97

‫ا‬

‫ع‬ ‫وا‬ ‫لر‬


‫دد‬ ‫ئي‬
‫مم‬ ‫‪..‬‬
‫إسم تاز‬
‫اع خا‬
‫يل ص‬
‫فهد عن‬ ‫مجـلـة أدبــيـة ثــقــافـــيــة شــــهـريــة‬
‫س‬ ‫إ‬
‫م‬ ‫تصـدر عن رابطة األدباء الگويتيني‬
‫اع‬
‫يل‬
‫الـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد ‪ 582‬ي ـ ـنـ ــايـ ــر ‪2019‬‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪..‬‬


‫حياة كتابة باقية‬
‫مجلة «البيان» مجلة أدبية ثقافية‪ ،‬تصدر عن رابطة‬
‫األدباء يف الگويت‪ ،‬وتعنى بنشر األعمال اإلبداعية‬
‫والبحوث والــدراســات يف مجاالت اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ويتم النشر فيها وفق القواعد التالية‪:‬‬ ‫ال ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدد ‪ 582‬يـ ـن ــاي ــر ‪2019‬‬
‫‪ - 1‬أن ت ـكــون املـ ــادة خــاصــة مبجلة الـبـيــان وغير‬
‫مـــجلـــــة أدبيــة ثقافيـة شهـرية‬
‫منشورة أو مرسلة إلى جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ - 2‬املــواد املرسلة تكون مطبوعة ومدققة لغويا‬
‫تصدر عــــن رابطــــة األدبــــاء الگويتيني‬
‫ومرفقة باألصل إذا كانت مترجمة‪.‬‬
‫صدر العدد األول يف أبريل (‪)1966‬‬
‫‪ - 3‬يفضــل إرس ـ ـ ـ ــال المـ ـ ــادة محملة على ‪CD‬‬
‫أو باإليميل‪.‬‬ ‫اإلشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراف الـ ـ ـ ـع ـ ـ ــام‬
‫‪ - 4‬م ــواف ــاة امل ـج ـلــة بــال ـس ـيــرة ال ــذات ـي ــة لـلـكــاتــب‬
‫طــال ســـعد الرميضــي‬
‫مشتملة على االسم الثالثي والعنوان ورقم‬
‫الهاتف ورقم احلساب املصريف‪.‬‬
‫رئ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ــس ال ـتـ ـ ـح ـ ــريـ ـ ـ ــر‬
‫تعبر عن آراء أصحابها فقط‪.‬‬ ‫‪ - 5‬املواد املنشورة ّ‬
‫‪ - 6‬مكافأة النشر ‪ 100‬يورو‪ ،‬ويسقط حق املطالبة‬ ‫عــــائــــشــــة الـــفـــجـــري‬
‫بها يف حال عدم استالمها بعد ‪ 6‬أشهر‪.‬‬
‫ال ـه ـي ـئــة االس ـت ـش ــاري ــة‬
‫د‪ .‬فيصـــل القحطانـــي‬
‫ث ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــدد‬
‫د‪ .‬صــــباح الســـــويفان‬
‫فلسا‪،‬‬
‫الگويت‪ 500 :‬فلس‪ ،‬البحرين‪ً 750 :‬‬
‫قطر‪ 8 :‬رياالت‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ 8 :‬دراهم‪،‬‬
‫س ـگ ــرت ـي ــر ال ـت ـح ــري ــر‬
‫سلطنة عمان‪ :‬ريال واحد‪ ،‬السعودية‪ 8 :‬رياالت‪ ،‬األردن‪:‬‬
‫دينار واحد‪ ،‬سورية‪ 50 :‬ليرة‪ ،‬مصر‪ 3 :‬جنيهات‪،‬‬ ‫عــــدنـــــــان فـــــــــــرزات‬
‫املغرب‪ 10 :‬دراهم‪.‬‬
‫الـ ـ ـت ـ ــدقـ ـ ـي ـ ــق ال ـ ـل ـ ـغـ ــوي‬
‫االشـتــراك السنوي‬
‫خــلــيــــل الـســـــــالمــــة‬
‫لألفراد يف الگويت‪ 10 :‬دنانير‬
‫دينارا أو ما يعادلها‬
‫ً‬ ‫لألفراد يف اخلارج‪15 :‬‬ ‫اإلخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراج الـ ـ ـفـ ـ ـن ـ ــي‬
‫كويتيا‬ ‫دينارا‬ ‫للمؤسسات والوزارات يف الداخل‪20 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مــــحــــمــــد اخلـــطـــيـــب‬
‫كويتيا‬
‫ً‬ ‫دينارا‬
‫ً‬ ‫للمؤسسات والوزارات خارج الكويت‪25 :‬‬
‫أو ما يعادلها‬
‫موقع رابطة األدباء على اإلنترنت‬
‫امل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬ ‫‪www.alrabeta.org‬‬
‫رئيس حترير مجلة البيان‬ ‫البريد اإللكتروني‬
‫ص‪.‬ب ‪ 34043‬العديلية ‪ -‬الگويت‪ ،‬الــرمــز البريــدي ‪73251‬‬ ‫‪elbyankw@gmail.com‬‬
‫هـاتــف املجــلة‪+965 22518286 :‬‬
‫هاتف الرابطة‪22518282 / 25106022 :‬‬ ‫‪elbyan@hotmail.com‬‬
‫فاگس‪22510603 :‬‬ ‫وزارة اإلعالم ‪ -‬مطبعة حكومة دولة الگويت‬
Al Bayan
LITERARY MAGAZINE ISSUED
BY KUWAITI WRITERS' ASSOCIATION
(582) January 2019

General Supervision
Talal Saad Alrumaidhi

Editor in chief
Aisha Al-Fajri

Advisory Body
Dr. Faisal Al-Qahtani
Dr. Sabah Al-Swifan

Correspondence Should be Addresses to:

The Editor,
Al Bayan Magazine
P.O.Box: 34043 Audilyia - Kuwait
Code: 73251 - Fax: +965 22510603
Tel.: (Magazine) +965 22518286 - 22518282 - 22510602

2019 ‫ ي ـن ــاي ــر‬582 ‫ال ـ ـعـ ــدد‬ 2


‫احملتوى‬
‫‪5‬‬ ‫گلمة البيان‬ ‫<‬
‫‪6‬‬ ‫الـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ــان‬ ‫‪........................................................‬‬ ‫> نشعر بفقده وال نشعر بغيابه‬

‫عدد خاص عن الروائي الراحل‬


‫‪9‬‬ ‫<‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫‪10‬‬ ‫‪...................................‬‬ ‫> السيرة الذاتية‪ ..‬إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫‪12‬‬ ‫طالب الرفاعي‬ ‫‪.................................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬حياة كتابة باقية‬
‫‪16‬‬ ‫إبراهيم عبد المجيد‬ ‫‪...........................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬هذه المعابد للقراء‬
‫‪20‬‬ ‫إبراهيم نصر اهلل‬ ‫‪.............‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل وحكاية اللقاء‪ ..‬في الصحراء‬
‫‪24‬‬ ‫الحبيب السالمي‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬أول روائي كويتي قرأت له ‪....................‬‬ ‫>‬
‫‪26‬‬ ‫إلياس فركوح‬ ‫‪..............................................‬‬ ‫> كيف نقرأ إسماعيل فهد إسماعيل؟‬
‫‪28‬‬ ‫ّ‬
‫حمور زيادة‬ ‫‪...........‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬أيموت من بضاعته المحبة؟‬
‫‪32‬‬ ‫خالد سالم األنصاري‬ ‫‪.....................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬رائد الرواية في الكويت‬
‫‪36‬‬ ‫د‪ .‬سليمان الشطي‬ ‫‪.....................................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬الكلمة والفعل‬
‫> شهادة الشاعر صالح عبدالصبور‬
‫‪38‬‬ ‫صالح عبدالصبور‬ ‫رواية «كانت السماء زرقاء» رواية القرن العشرين ‪.........................‬‬

‫‪42‬‬ ‫عبداإلله عبدالقادر‬ ‫‪..............................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪« ..‬نخلة عطاء دائم»‬
‫‪46‬‬ ‫عبدالكريم المقداد‬ ‫‪.....‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل ‪ ..‬نصف قرن من التجريب والمغامرة‬
‫‪58‬‬ ‫عبده خال‬ ‫‪.................................................................‬‬ ‫> هل حقاً رحل إسماعيل؟‬
‫‪62‬‬ ‫علي المقري‬ ‫‪.................................‬‬ ‫> إسماعيل فهد إسماعيل‪ ...‬إمكانيات روائية‬
‫‪66‬‬ ‫د‪ .‬غانم النجار‬ ‫‪..............................................................‬‬ ‫> إسماعيل‪ ..‬وعرس الرحيل‬

‫‪3‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫‪70‬‬ ‫قاسم حداد‬ ‫‪...........................................................‬‬ ‫> إسماعيل‪ ..‬طرح النقد عليه‬
‫‪72‬‬ ‫ليلى العثمان‬ ‫‪.....................................................................‬‬ ‫> في غياب الخل الوفي‬
‫‪78‬‬ ‫محمد خضير‬ ‫َصدَمات ُ‬
‫ومعادَالت في تجربة إسماعيل فهد إسماعيل الروائية ‪....‬‬ ‫>‬
‫‪84‬‬ ‫نبيل سليمان‬ ‫برازخ في العالم الروائي إلسماعيل فهد إسماعيل ‪.........................‬‬ ‫>‬
‫‪90‬‬ ‫واسيني األعرج‬ ‫حبيب في القلب وفي الذاكرة الروائية ‪....‬‬
‫ٌ‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫>‬

‫‪96‬‬ ‫محطات قلم‬ ‫<‬


‫‪96‬‬ ‫طالل سعد الرميضي‬ ‫‪.......................................................‬‬ ‫> رحـيـل والـد األجـيـال الـروائـيـة‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪4‬‬


‫كلمة البيان‬
‫كلمة البيان‬

‫نــشــعــر بــفــقــده وال نــشــعــر بــغــيــابــه‬

‫ال فرق في أن تعرف األديب الراحل إسماعيل فهد إسماعيل على الواقع أو‬
‫من خالل كتاباته‪ ،‬فهو واحد ال ينفصل كشخص أو ككاتب‪.‬‬
‫بإمكانك أن تتعرف إلى سلوك وأخالقيات وشخص هذا المبدع سواء‬
‫التقيت به أو اكتفيت بالقراءة له‪ .‬فهو ال يمتلك ازدواجية بين ما يؤمن به‬
‫على أرض الحقيقة‪ ،‬وبين ما يكتبه في أعماله األدبية‪ .‬ربما كان هذا أحد‬
‫أهم أسباب محبة الناس له ممن عرفوه عن كثب أو ممن قرأوا أعماله التي‬
‫انغمست باإلنسانية إلى الدرجة التي أصبحت كونية في طرحها تالمس‬
‫شغاف اإلنسان أينما كان هذا اإلنسان‪.‬‬
‫وميز معه مرحلة جديدة من‬ ‫تميز األديب الراحل إسماعيل‪ ،‬يرحمه اهلل‪ّ ،‬‬
‫الرواية في الكويت‪ .‬فقبل فترة السبعينيات‪-‬التي ظهر فيها إسماعيل فهد‬
‫إسماعيل‪ -‬لم تكن الرواية الكويتية قد أخذت مالمح واضحة‪ ،‬إلى الدرجة‬
‫التي اختلف فيها النقاد على نشأة الرواية‪ ،‬هل هي في عام ‪ 1948‬من خالل‬
‫عمل األديب فرحان راشد الفرحان "آالم صديق"‪ ،‬أم هي تبدأ من خالل عمل‬
‫األديب عبداهلل خلف "مدرسة من المرقاب" في عام ‪ .1962‬إلى أن جاءت‬
‫أعمال إسماعيل فهد إسماعيل لترسم خريطة علمية جديدة للرواية‪ ،‬وهو ما‬
‫شهد له به العديد من النقاد ومؤرخي الرواية في الكويت‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪6‬‬


‫كلمة البيان‬

‫هذا التميز يتطلب عدة مؤشرات‪ ،‬حقق منها الراحل شرطين أساسيين‪،‬‬
‫األول يكمن في البناء الفني الظاهري للرواية‪ ،‬فكتب وفق أسس علمية من‬
‫السرد والحوار والوصف وبناء الشخصيات وتصاعدها‪ .‬أما األمر الثاني‬
‫فيتمثل في المضمون الروائي لديه‪ ،‬فقد خرج عن النمط االجتماعي في‬
‫آلية الطرح حتى وإن ظل تحت سقفه‪ ،‬ثم فتح نوافذ األفكار على آفاق أشد‬
‫ً‬
‫اتساعا من خالل معالجته لعذابات اإلنسان ليس في الواقع االجتماعي فقط‪،‬‬
‫بل وفي السجون والمعتقالت‪ ،‬وربما استثمر ببراعة تجارب شخصية له في‬
‫هذا المجال‪.‬‬
‫عندئذ بدأت أعمال إسماعيل فهد إسماعيل تلفت األنظار وقد ساعده‬
‫في ذلك طبيعة الزمن في بداياته‪ ،‬حيث كانت األقطار العربية تعيش تحوالت‬
‫سياسية واجتماعية كبيرة ونشطت التيارات بمختلف اتجاهاتها اليمينية‬
‫واليسارية والقومية وغيرها‪ ..‬كان ثمة حراك متقد في فترة السبعينيات‬
‫والثمانينيات‪ ،‬وبدأت الساحة العربية تتحول إلى ميدان صراعات بين‬
‫ً‬
‫منحازا بشكل فج ألحد‬ ‫التيارات‪ ،‬ولكن إسماعايل فهد إسماعيل لم يكن‬
‫حتى وإن وضع أفكاره التي يؤمن بها في كتاباته‪ ،‬إال أنه وضعها بشكل تنويري‬
‫وليس بتشنج سياسي‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫كلمة البيان‬

‫ً‬
‫محركا للعمل‬ ‫ً‬
‫أيضا بأنه كان‬ ‫تميزت حياة إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫الثقافي بشكل فردي‪ ،‬فقد كان بمفرده بمثابة مؤسسة ثقافية يغذي الشباب‬
‫ً‬
‫ثقافيا‪،‬‬ ‫باألفكار ويحثهم ويشجعهم على الكتابة‪ ،‬وجعل من مكتبه منتدى‬
‫وكان الراعي للكثير من المواهب الشبابية التي وصل أصحابها إلى مراحل‬
‫ً‬
‫وعالميا‪.‬‬ ‫ً‬
‫عربيا‬ ‫متقدة‬
‫كان‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬غزير اإلنتاج ومتعدد االتجاهات األدبية‪ ،‬فقد اهتم بكثير‬
‫من أنواع اإلبداع كالمسرح والفنون وغيرها‪.‬‬
‫وإذا تفرد مجلة البيان في هذا العدد صفحات لمسيرة الراحل وشهادات‬
‫أدبية ونقدية بحقه‪ ،‬فهو ال شك يستحق أكثر‪ ،‬وهو ما نعول عليه من المؤسسات‬
‫ً‬
‫بصمة للرواية الكويتية في سجل األدب‬ ‫األخرى أن تولي اهتمامها ألديب وضع‬
‫العربي والعالمي‪ ،‬لذلك صحيح أننا نشعر بفقده إال أننا ال نشعر بغيابه‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪8‬‬


‫عدد خاص عن الروائي الراحل‬

‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬


‫إشراف‪ :‬أ‪ .‬طالب الرفاعي‬
‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫السيرة الذاتية‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫❐ امتهن الكتابة اإلذاعية والتلفزيونية‪.‬‬ ‫❐ إسماعيل فهد إسماعيل‪.‬‬
‫❐ تفرغ للكتابة األدبية والدراسات النقدية‪.‬‬ ‫❐ ولد في العراق عام ‪١٩٤٠‬م‪ .‬وعاش ومات‬
‫في الكويت‬
‫❐ فاز بجائزة الدولة التشجيعية في مجال‬
‫❐ روائي وقاص وناقد‪.‬‬
‫الرواية عام ‪١٩٨٩‬م عن عمله (النيل الطعم‬
‫❐ حاصل على البكالوريوس ‪ -‬المعهد العالي‬
‫والرائحة)‪.‬‬
‫للفنون المسرحية عام ‪١٩٧٩‬م‪.‬‬
‫❐ فاز بجائزة الدولة التشجيعية في مجال‬
‫ً‬
‫مدرسا بمدرسة المتنبي المتوسطة‪.‬‬ ‫❐ عمل‬
‫الدراسات اللغوية واألدبية والنقدية عام‬
‫❐ رئيس قسم الوسائل السمعية في إدارة‬
‫‪٢٠٠٢‬م عن كتابه (علي السبتي شاعر في‬ ‫التقنيات التربوية بوزارة التربية‪.‬‬
‫الهواء الطلق)‪.‬‬ ‫❐ موجه فني في إدارة النشاط المدرسي‬
‫❐ فاز بجائزة الدولة التقديرية عام ‪٢٠٠٤‬م‪.‬‬ ‫ووزارة التربية‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪10‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫❐ النيل الطعم والرائحة ‪ -‬رواية صدرت عام‬ ‫من أعماله األدبية‬


‫‪١٩٨٩‬م‪.‬‬ ‫❐ البقعة الداكنة ‪ -‬مجموعة قصص قصيرة‬
‫❐ إحداثيات زمن العزلة ‪ -‬رواية طويلة من‬ ‫صدرت ‪١٩٦٥‬م‪.‬‬
‫❐ كانت السماء زرقاء ‪ -‬رواية صدرت عام‬
‫سبعة أجزاء‪ ،‬صدرت عام ‪١٩٩٦‬م‪ ،‬ترصد‬
‫‪١٩٧٠‬م‪.‬‬
‫وتوثق‪ ،‬بأسلوب روائي‪ ،‬أحداث االحتالل من‬
‫❐ المستنقعات الضوئية ‪ -‬رواية صدرت عام‬
‫الغزو إلى التحرير‪.‬‬
‫‪١٩٧١‬م‪.‬‬
‫❐ القصة العربية في الكويت ‪ -‬دراسة طبع‬ ‫❐ الحبل ‪ -‬رواية صدرت عام ‪١٩٧٢‬م‪.‬‬
‫‪١٩٧٧‬م‪.‬‬ ‫❐ الضفاف األخرى ‪ -‬رواية صدرت ‪١٩٧٣‬م‪.‬‬
‫❐ الكائن الظل ‪ -‬رواية صدرت عام ‪١٩٩٩‬م‪.‬‬ ‫❐ ملف الحادثة ‪ - ٦٧‬رواية صدرت عام‬
‫‪١٩٧٤‬م‪.‬‬
‫❐ سماء نائية ‪ -‬رواية صدرت عام ‪٢٠٠٠‬م‪.‬‬
‫❐ األقفاص واللغة المشتركة ‪ -‬مجموعة‬
‫❐ للحديث بقية ابن زيدون ‪ -‬مسرحية طبعت‬ ‫قصص صدرت عام ‪١٩٧٤‬م‪.‬‬
‫عام ‪٢٠٠٨‬م‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الشياح ‪ -‬رواية صدرت عام ‪١٩٧٦‬م‪.‬‬ ‫❐ ‬
‫❐ ما ال يراه النائم ‪ -‬مجموعة قصصية صدرت‬ ‫❐ خطوة في الحلم ‪ -‬رواية صدرت عام‬
‫عام ‪٢٠٠٩‬م‪.‬‬ ‫‪١٩٨٢‬م‪.‬‬
‫❐ الطيور واألصدقاء ‪ -‬رواية صدرت عام‬
‫❐ عندما رأسك في طريق واسمك في طريق‬
‫‪١٩٨٢‬م‪.‬‬
‫أخرى ‪ -‬صدرت عام ‪٢٠١١‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫شماال (البدايات) ‪ -‬رواية‬ ‫❐ النيل يجري‬
‫❐ في حضرة العنقاء والخل الوفي ‪ -‬رواية‬ ‫ً‬
‫شماال‬ ‫صدرت عام ‪١٩٨٢‬م‪ .‬النيل يجري‬
‫صدرت عام ‪٢٠١٢‬م‪.‬‬ ‫(النواطير) ‪ -‬رواية صدرت عام ‪١٩٨٣‬م‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‬


‫حياة كتابة باقية‬
‫كنا‪ ،‬المرحوم إسماعيل فهد إسماعيل وأنا‪ ،‬في زيارة‬
‫لبيت الصديق المرحوم الشاعر العربي الكبير عبدالرحمن‬
‫األبنودي حين أهديته نسخة من كتابي «إسماعيل فهد‬
‫إسماعيل‪ ..‬كتابة الحياة وحياة الكتابة»‪ ،‬وبعد أن تصفح‬
‫األبنودي الكتاب‪ ،‬خاطبني بلهجته المصرية المحببة‪:‬‬
‫«دا عمنا إسماعيل عايش بين الكتابة والكتابة‪».‬‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬طالب الرفاعي‬

‫الرجال أصدقاء أبي‪ ،‬ودون إرادتي ّ‬


‫تولدت‬ ‫نعم‪ ،‬لقد عاش إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫عالقتي بالحرف والكلمة والقراءة والكتاب‪».‬‬ ‫(‪ )2018-1940‬منذ طفولته وحتى أيامه‬
‫ً‬
‫مرارا وفي أكثر من‬ ‫هذا ما قاله إسماعيل‬ ‫يوما أن أرسم‬ ‫األخيرة بين الكتب‪ .‬ولو ُق ّدر لي ً‬
‫لقاء ومحفل‪.‬‬ ‫ً‬
‫بستانا‬ ‫لوحة تشكيلية لحياة إسماعيل‪ ،‬لرسمت‬
‫هي القدرية ساقت الطفل الموهوب والذكي‬ ‫ً‬
‫جالسا بينها‪.‬‬ ‫مليئا بالكتب‪ ،‬وجعلت إسماعيل‬‫ً‬
‫إسماعيل إلى الحرف والكلمة والقراءة والكتابة‪،‬‬ ‫تفتح وعي إسماعيل على أهمية القراءة‬ ‫ّ‬
‫وهو إسماعيل ذلك الصبي والشاب عاشق‬ ‫أصر عليه والده‬
‫َّ‬ ‫وهو في سن مبكرة‪ ،‬حين‬
‫المغامرة وصخب جديد الحياة‪ ،‬ما لبث أن‬ ‫الضرير أن يتعلم القراءة‪ ،‬وأن يقرأ له‪ ،‬لألب‬
‫وزاه وجميل‬
‫أدرك أن القراءة والكتابة ثوب المع ٍ‬ ‫وأصدقائه‪ ،‬قصص «ألف ليلة وليلة»‪.‬‬
‫يقدمه لآلخر‪ ،‬ويخطو به على درب الحياة‪.‬‬‫ّ‬ ‫ً‬
‫قارئا في جمع‬ ‫ُ‬
‫وجدت نفسي‬ ‫«دون إرادتي‬
‫❋ كاتب كويتي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪12‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫بها في عيشه وأهل بيته وأصدقائه وكتاباته‬ ‫كأن بعضنا مرصود لمهمة بعينها‪ ،‬وحدها‬
‫وجميع كتبه‪ .‬أفكار ُتعلي من شأن اإلنسان‪،‬‬ ‫تحتل أيامه‪ ،‬ووحدها ترسم ّ‬
‫وتلون لوحة عيشه‬
‫وتنادي بحياة الحرية والسالم والديمقراطية‪،‬‬ ‫طوال عمره‪ .‬وهذا شأن إسماعيل‪ ،‬لم يكن‬
‫ّ‬
‫وتصر على حق اإلنسان المطلق بعيش كريم‪،‬‬ ‫الفكر والقراءة والكتابة في يوم ما ترف ّ‬
‫يمر‬
‫وتناضل إلى جانب حق المرأة‪ ،‬وحق الطفل‪،‬‬ ‫به‪ ،‬وال هو هواية‪ ،‬وال نزوة‪ ،‬بل بدا وكأنه منذور‬
‫وحق الفقير‪ ،‬وحق المغترب‪ ،‬وحقوق كل منْ‬ ‫ً‬
‫فشيئا صار‬ ‫ً‬
‫وشيئا‬ ‫رس ٌل لها‪،‬‬
‫وم َ‬ ‫لمهمة ّ‬
‫مقدسة ُ‬
‫ُيداس على حقوقهم‪ .‬هكذا تشرب وعي وروح‬ ‫الفكر والقراءة والكتابة‪ ،‬رتم لحظة عيشه‪،‬‬
‫إسماعيل بهذه األفكار اإلنسانية‪ ،‬دون النظر‬ ‫ومذاقه وطعمه وحلوه ومره‪.‬‬
‫إلى جنس ولون وعقيدة وجنسية اآلخر‪ ،‬وهكذا‬ ‫ً‬
‫قارئا للقصص‬ ‫الطفل الذي بدأ حياته‬
‫نذر عمره‪ ،‬وراح يناضل قراءة وكتابة ليفهما‬ ‫شب‬
‫والحكايا في «ديوان» أبيه‪ ،‬ما لبث أن َّ‬
‫ً‬
‫مشيرا إليها‪.‬‬ ‫ً‬
‫عاليا عبر كتاباته‬ ‫أكثر ويصرخ‬ ‫ً‬
‫ومتأمال بما حوله من أفكار ونظريات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫متلفتا‬
‫عام ‪ ،1965‬انطلق إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫وما لبثت أيادي فكر الخير واإلنسان والمساواة‬
‫يحلق عبر مجموعته القصصية األولى «البقعة‬ ‫ّ‬ ‫أن أحاطت به وأحاط بها‪ .‬أغرته واستمالته‬
‫الداكنة»‪ ،‬لكن حضوره العربي األكبر ِول َد مع‬ ‫والمست روحه‪ .‬لذا حملها في قلبه‪ ،‬وراح يبشر‬

‫‪13‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫شكل إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬عبر ممارسته‬ ‫ّ‬ ‫ميالد روايته «كانت السماء زرقاء»‪،1970 ،‬‬
‫لحياته اليومية‪ ،‬ظاهرة إبداعية إنسانية كويتية‬ ‫قدمه الشاعر المصري الكبير صالح‬ ‫يوم ّ‬
‫عربية‪ ،‬وكان وصل الكويت األجمل بكل ّكتاب‬ ‫ً‬
‫منشورا‬ ‫عبدالصبور‪ ،‬ويوم صارت روايته‪،‬‬
‫ً‬
‫مشرقا من‬ ‫ً‬
‫وجها‬ ‫وفناني الوطن العربي‪ ،‬وكان‬ ‫إبداعيا تتناقله األيدي على طول وعرض‬ ‫ً‬
‫وجوه الكويت‪ ،‬وقبلة لكل من يأتي لزيارتها‪.‬‬ ‫تكرس إسماعيل‬ ‫أقطار الوطن العربي‪ ،‬ويومها ّ‬
‫مساء األحد‪ 23 ،‬سبتمبر ‪ ،2018‬وفي‬ ‫ً‬
‫عربيا‪ ،‬يكتب إلى‬ ‫ً‬
‫روائيا‬ ‫ً‬
‫كاتبا‬ ‫فهد إسماعيل‬
‫قدمته‬‫الظهور األخير إلسماعيل فهد إسماعيل‪ّ ،‬‬ ‫جانب معاناة اإلنسان المطلق‪.‬‬
‫في أمسية الملتقى الثقافي‪ ،‬في بيتي‪ً ،‬‬
‫قائال‪:‬‬ ‫الكتابة‪ ،‬وكأي ممارسة بشرية‪ ،‬بقدر ما‬
‫«نلتقي اليوم مع «صندوق أسود آخر»‬ ‫تخلص لها تخلص إليك‪ ،‬وألن إسماعيل أخلص‬
‫الرواية األخيرة لألستاذ إسماعيل فهد‬ ‫لكتاباته إخالص العاشق الوله‪ ،‬فإنها ظلت‬
‫إسماعيل‪».‬‬ ‫ترافقه بحنو حضورها طوال عمره‪ .‬وهذا ما‬
‫يومها قاطعني الصديق الدكتور سليمان‬ ‫انعكس على تنوع كتابات إسماعيل بين؛ القصة‬
‫ً‬
‫محتجا بلطفه‪:‬‬ ‫العسكري‬ ‫والرواية والمسرح والنقد والسيرة‪ ،‬وهذا ما‬
‫انعكس أكثر على غزارة إنتاجه‪ ،‬بثالثة وأربعين‬
‫«ال تقل الرواية األخيرة‪ ،‬فمؤكد أن جعبة‬
‫كتاباً‪ ،‬خلفها بعده‪ ،‬لتبقى حاضرة تشير إليه‪،‬‬
‫إسماعيل فيها الكثير من الكتابات‪».‬‬
‫وتكون وصله المتجدد والباقي بأجيال وأجيال‬
‫بعدها بيوم واحد‪ ،‬وفي فجر الثالثاء ‪25‬‬ ‫تأتي من بعده‪.‬‬
‫سبتمبر ‪ ،2018‬انتقلت روح إسماعيل فهد‬
‫إلى جانب عشقه للقراءة والكتابة‪ ،‬فإن‬
‫إسماعيل لبارئها‪.‬‬
‫ً‬
‫عاشقا لصداقة اإلنسان‪ ،‬لذا‬ ‫إسماعيل كان‬
‫أخي دكتور سليمان‪ ،‬ال أدري ما الذي‬ ‫وعرف‬‫ُعرف على طول وعرض الوطن العربي‪ُ ،‬‬
‫أنطقني في تلك الليلة بتلك العبارة! ولم أكن‬ ‫أكثر في وطنه الكويت‪ ،‬بوصفه بؤرة إبداع‬
‫أدري أن ال «صندوق أسود آخر» ستكون هي‬ ‫ووصل إنساني لكل من يقترب منه‪.‬‬
‫آخر هدايا إسماعيل من صندوق عمره للقارئ‪،‬‬
‫منْ يعرف إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬فإنه‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫لكني وكما تذكر ختمت األمسية‬
‫يعرف ً‬
‫حتما كيف أنه فتح قلبه وروحه قبل بيته‬
‫«مؤكد أن إسماعيل فهد إسماعيل سيبقى‬ ‫ومكتبه‪ ،‬منذ شبابه ومرورا بكل مراحل حياته‪،‬‬
‫ما بقي الحرف والكتابة والقراءة‪».‬‬ ‫ً‬
‫ومكتبا وملتقى لجميع األصدقاء‬ ‫ليكون ً‬
‫بيتا‬
‫سالم لروحك الطيبة‬
‫ٌ‬ ‫األحبة بكل األعمار واألفكار والتوجهات‬
‫يا خالي الغالي‪.‬‬ ‫والهوايات واألصوات والهمس والبوح‪ .‬لذا‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪14‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫‪15‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل ‪..‬‬


‫هذه المعابد للقراء‬

‫في الخامس والعشرين من سبتمبر‬


‫على خبر وفاة إسماعيل‬ ‫َّ‬ ‫الماضي نزل‬
‫فهد إسماعيل كالصاعقة‪ .‬أعرف أن‬
‫الموت لم ولن يستثني أحدا‪ ،‬لكن أن‬
‫تظل عمرك تقرأ لكاتب وتحبه ال تدرك‬
‫أبدا أن السنين التي تمر تترك أثرها‬
‫عليه خاصة حين يكون كاتبا مجددا‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬إبراهيم عبد املجيد‬ ‫وال يكف عن التجديد في شكل الكتابة‬
‫وموضوعاتها‪ .‬الكاتب نفسه الذي يفعل‬
‫ذلك ال يدرك مرور األيام فالكتابة والفن‬
‫عموما هي عالمه الشاب المتمرد الذي‬
‫أذكر أني قرأتها في ليلة واحدة بفعل‬
‫ينتقل إلي الورق أو اللوحة أو الفيلم أو‬
‫تدفق لغتها وتراكم وانهمار أحداثها أثناء‬
‫غيرها‪ .‬هذا اإلحساس عند الكاتب أو‬
‫الحرب األهلية اللبنانية التي بدأت عام‬
‫الفنان ينتقل إلي القارئ حين يقرأ له‬
‫‪ .1975‬لم أكن قرأت له من قبل كما قلت‬
‫أو يشاهد له عمال مدهشا‪ .‬هكذا كان‬
‫رغم أنه كتب الكثير قبلها‪.‬‬
‫إحساسي بإسماعيل فهد إسماعيل دائما‬
‫بقدر ماقرأت بعد «الشياح» من أعمال‬ ‫منذ قرأت له منذ سنوات طويلة رواية‬
‫شعرية وقصصية عن حرب لبنان ظلت‬ ‫«الشياح» وكانت أول رواية أقرأها له‪.‬‬
‫❋ كاتب مصري‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪16‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ماكان يدفعه إليه إال رغبته في اإلمساك‬ ‫«الشياح» تمأل روحي ومشاهد منها ال‬
‫بكل مايستطيع من هذا العالم بقدرة‬ ‫أنساها أثناء الحصار في منطقة الشياح‬
‫الفنان الواثق أن العالم في يده مهما كبر‬ ‫والمدهش أنها كانت أول رواية عن الحرب‬
‫واتسع‪ .‬في يده وهو في عالمه الخاص‬ ‫األهلية اللبنانية وتأتي من غريب ذهب‬
‫منعزل عن منغصات الحياة اليومية‪ .‬وكنت‬ ‫صدفة لمعايشة أحوال الالجئين بطلب‬
‫أتساءل وأنا أقرأ هل عاش إسماعيل فهد‬ ‫من ياسر عرفات كما قرأت وقتها لكن‬
‫إسماعيل في مصر كما عاش في لبنان‬ ‫الدنيا ذهبت إلى الخراب الذي حوصر‬
‫بعض الوقت حين كتب «الشياح» حتى يكون‬ ‫فيه‪ ،‬فكانت الرواية التي جعلت الصدفة‬
‫لديه كل هذا الصدق واإلحساس بالمكان‬ ‫في قراءتها كاتبها وكتاباته تمشي معي‪،‬‬
‫والزمان في كل مفرداتهما وهو يكتب‬ ‫فليس في الرواية هتاف وإن امتالت بأزيز‬
‫عن حقبة تاريخية في زمن المماليك‪ .‬ال‬ ‫القنابل‪ .‬مؤكد إن ما جذب إسماعيل‬
‫أعرف ولم أسأله أبدا لكن هو الصدق‬ ‫هو التجربة لكنه أيضا مشغول بقضايا‬
‫الفني‪ .‬إسماعيل يقدم ‪-‬وقدم‪ -‬الدرس‬ ‫اإلنسان العربي‪ .‬لقد ذهبت إلي رواياته‬
‫عما يستقر عميقا‬‫أن الكاتب ال يكتب إال َّ‬ ‫األخرى السابقة ثم الالحقة وعرفت ذلك‪.‬‬
‫في روحه‪ .‬إنه اليكتب من أجل الكتابة وال‬ ‫رأيته كتب عن العراق «كانت السماء زرقاء»‬
‫من أجل تراكم األعمال‪ .‬فسواء فعل الزمن‬ ‫قبل الشياح بسنوات ليس ألنه مولود في‬
‫ذلك أم لم يفعله فالكتابة الصادقة تبقى‬ ‫العراق فقط‪ ،‬لكن ألنه يماهي بين اإلنسان‬
‫مر عليها الزمن‪.‬‬
‫مهما َّ‬ ‫العربي في ورطته التي ال تزال‪ .‬اإلنسان‬
‫ثم ياتي غزو العراق للكويت ليكتب‬ ‫العربي الذي قد يكون لبنانيا أو فلسطينيا‬
‫سباعيته «إحداثيات زمن العزلة» وتأخذ‬ ‫أو مصريا أو عراقيا مع اختالف األرض‬
‫الكويت المساحة األكبر هو الذي كتب عنها‬ ‫والمفردات أو من أي وطن‪ ،‬فهو موجود‬
‫من قبل روايات مثل «الطيور واألصدقاء»‬ ‫محاصر في زنزانة أو في هزيمة «لف‬
‫و«خطوة في الحلم» وال يبدو إسماعيل‬ ‫الحادثة ‪ »67‬ويغامر مغامرة كبيرة تليق‬
‫بعيدا عن الحياة في الكويت رغم انشغاله‬ ‫بكاتب كبير فيكتب «ثالثية النيل يجري‬
‫ببالد أخرى‪ .‬لقد انكفأ يكتب عن وطن‬ ‫شماال» في مصر وزمن مصري وصراع‬
‫يستحق الحياة‪ .‬وتتالى روايات إسماعيل‬ ‫المماليك وثورات المصريين وهو عمل‬

‫‪17‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وبعيدا عن الصداقة فإسماعيل يمسك‬ ‫فهد إسماعيل «الشمس في برج الحوت‬


‫دائما بتجليات البشر غير المتوافقين‬ ‫«وقيد األشياء» و«األبابليون» و«والعصف»‬
‫مع ماحولهم‪ ،‬الباحثين عن زمن أفضل‪.‬‬ ‫و«السبيليات» و«علي عهدة حنظلة» و«في‬
‫إنه يعيد هنا حكاية المناضل الذي واجه‬ ‫حضرة العنقاء والخل الوفي» وغيرها‪.‬‬
‫الظلم وجيوشه بالرسم فواجهه الظلمة‬ ‫أكثر من عشرين رواية إلسماعيل‪.‬‬
‫بالرصاص ويحيي شخصية حنظلة مع‬ ‫في على عهدة حنظلة يستعيد‬
‫مبدعها فتتكلم مع البطل وهو على فراش‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل من العنوان‬
‫الموت في الوقت الذي تتبعثر فيه في‬ ‫الفنان الفلسطيني صاحب شخصية‬
‫الرواية لمحات كبيرة من حياة ناجي‬ ‫حنظلة في رسومه الكاريكاتورية التي ال‬
‫العلي‪ .‬الذي وهو في غيبوبة الموت يحيي‬ ‫تزال تلخص حياتنا وتشغلها كما شغلتها‬
‫إسماعيل ومعه حنظلة الحياة من حوله‬ ‫من قبل‪ .‬مرت ثالثون سنة على قتل‬
‫بدءا من أصدقائه إلى الصراع العربي‬ ‫ناجي العلي ويستحضره هنا إسماعيل‬
‫الفلسطيني إلى الحياة في الكويت حين‬ ‫فقد كانا صديقين في الكويت وخارجها‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪18‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وحده جبال من الجمال والمغامرة‪ .‬استقر‬ ‫كان بها ناجي العلي وظهر بها حنظلة‬
‫في روحي ريادته للكتابة الروائية ليس‬ ‫في رسومه في نهاية الستينات وبداية‬
‫ألنه األسبق في الكويت لكن ألنه يبدع‬ ‫السبعينات‪ .‬وتستمر الروائع فتأتي «في‬
‫منها معابد للقراء والك َّتاب أيضا بمعرفته‬ ‫حضرة العنقاء والخل الوفي» فندخل‬
‫العميقة بان الحكاية ليست مجرد انهمار‬ ‫في عالم «البدون» في الكويت فهنا بطل‬
‫للموضوعات لكنها أبنية في الفضاء من‬ ‫الرواية الذي ينتمي لهذه الفئة يروي البنته‬
‫بشر وأحداث ورؤى خفية‪ .‬في كتاباته‬ ‫حياته ومعاناته باعتباره من هذه الفئة وما‬
‫هموم كبيرة باألمة العربية والكويت في‬ ‫مر به من ظلم وعسف وسجن ومعاملة من‬ ‫َّ‬
‫قلبها لكن في كتاباته كما قلت وكما يعرف‬ ‫اآلخرين في الحياة وإجباره علي االنضمام‬
‫كل ناقد أو قارئ جاد لألدب مغامرات في‬ ‫إلى الجيش الشعبي العراقي بعد غزو‬
‫التشكيل والبناء واإلمساك بالمثير من‬ ‫الكويت فيهرب هو البدون وينضم الي‬
‫الموضوعات واألحداث‪ .‬كما كان يفعل‬ ‫صفوف المقاومة الكويتية‪ .‬وغير ذلك‬
‫محمود درويش في الشعر كان هو يفعل‬ ‫كثير من األحداث المثيرة‪.‬‬
‫في الرواية‪ .‬محمود درويش مجدد كبير‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل في األصل‬
‫في شكل القصيدة وروحه تهفو إلى قضايا‬
‫متخرج من المعهد العالي للفنون‬
‫اإلنسان الكبرى رغم أن حمله ثقيل بقضايا‬
‫المسرحية ومن ثم يكتب عن مسرح سعد‬
‫الوطن وكذلك كان يفعل إسماعيل فهد‬
‫اهلل ونوس ويكتب عن القصة العربية في‬
‫إسماعيل‪ .‬آخر مرة قابلته أول هذا العام‬
‫الكويت معاصرته الكاتبة الكبيرة ليلى‬
‫في الكويت‪ .‬أهداني رواية «السبيليات»‬
‫العثمان وعن كتابات حداثية أخرى في‬
‫و «علي عهدة حنظلة» وانتظرت أن أراه‬
‫الكويت وال يكتفي باإلبداع‪ .‬ولقد وصل‬
‫مرة أخرى في القاهرة أو الكويت لكنه‬
‫مرة إلى القائمة الطويلة ثم القصيرة‬
‫أسرع في الخروج من هذا العالم القاتل‬
‫هو الذي بنى لنا عوالم حافلة بالجمال‬ ‫لجائزة البوكر وفاز بجائزة العويس األدبية‬
‫رغم أي قسوة في مفرداتها‪ .‬كنت أتمنى‬ ‫هو الجدير بكل الجوائز‪.‬‬
‫أن أكتب هذه الكلمات في حياته‪ .‬لكن هذا‬ ‫تابعت قراءة إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫العالم قاتل كل يوم‪.‬‬ ‫ورأيته في كل رواية قرأتها يقيم لنفسه‬

‫‪19‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‬


‫وحكاية اللقاء‪ ..‬في الصحراء‬

‫ّ‬
‫(الشياح) إلسماعيل فهد‬ ‫حين سمعت بصدور رواية‬
‫إسماعيل‪ ،‬كنت في صحراء المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫أعمل مد ِّرسا‪ ،‬كنت شابا صغيرا‪ ،‬وتلك كانت أول أسفاري‪.‬‬
‫من عاش هناك في تلك الفترة‪ ،‬يعرف ما الذي يعنيه أن‬
‫تسمع بصدور كتاب تحبه‪ ،‬لكنك ال‪ ،‬ولن تستطيع الوصول‬
‫إليه‪ ،‬فالمنطقة التي تعمل فيها بعيدة جدا عن أقرب‬
‫مدينة كبيرة إليها‪ ،‬جدة‪ ،‬وهذه مدينة ال تراها سوى مرتين‪،‬‬
‫حين تصل‪ ،‬وحين تغادر‪ .‬أي في بداية السنة الدراسية وفي‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬إبراهيم نصر اهلل‬ ‫نهايتها‪ .‬كما أن األمر الصعب هو أن تجد رواية مثل ّ‬
‫الشياح‪،‬‬
‫إن استطعت الوصول إلى أي مدينة مثل جدة‪.‬‬

‫فما بالك حينما يتعلق األمر برواية عن‬ ‫ُ‬


‫كتبت إلى صديقي الروائي الراحل‬
‫الحرب األهلية اللبنانية والفلسطينيين‪،‬‬ ‫جمال ناجي‪ ،‬وكان قد عاد إلى عمان‪،‬‬
‫واألطراف التي انخرطت أو أشعلت تلك‬ ‫بعد سنتين أمضاهما في المنطقة نفسها‬
‫الحرب‪.‬‬ ‫أدرس فيها‪ ،‬طالبا منه أن ُيرسل‬
‫التي كنت ّ‬
‫لم أكن أعرف أن إسماعيل كان‬ ‫إلي الرواية‪ ،‬مع علمي أن وصولها يبدو‬
‫ّ‬
‫هناك‪ ،‬في لبنان‪ ،‬متط ِّوعا في صفوف‬ ‫مهمة مستحيلة؛ ألن رسائل أهلنا لم تكن‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ .‬والحقيقة‪،‬‬ ‫تصلنا قبل مرور شهرين على إرسالها‪،‬‬
‫❋ كاتب فلسطيني‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪20‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫األردني‪ ،‬كنت أكتب رواية عن الخليج‪،‬‬ ‫أن متابعة أخبار تلك الحرب لم تكن‬
‫ِّ‬
‫والسل‬ ‫وهموم شعبه‪ ،‬وقسوة الحرب‬ ‫هينة‪ ،‬فقد كنا معزولين تماما عن‬‫ّ‬
‫والمالريا في تلك الصحراء‪ ،‬في الوقت‬ ‫الصحافة واألخبار اإلذاعية‪ ،‬إذ لم نكن‬
‫الذي كان فيه إسماعيل يكتب عن قسوة‬ ‫نستطيع التقاط البث نهارا‪ ،‬وفي بعض‬
‫الحرب ومعاناة اللبنانيين والفلسطينيين‬ ‫األحيان كنا نستطيع التقاط حشرجاته‬
‫في تلك السنوات السوداء!‬ ‫ليال بصعوبة بالغة‪ ،‬في تلك الليالي التي‬
‫هي مفارقة عذبة‪ ،‬أن يحتضن كل منا‬ ‫لم يكن يضيء عتمتها إال الفانوس‪ ،‬حيث‬
‫قضايا اآلخر ويدافع عنها‪ ،‬بعيدا عن هذا‬ ‫ال وجود للكهرباء‪.‬‬
‫الضيق الذي بات يضرب حياتنا العربية‬ ‫كنت بدأت التحضير لكتابة روايتي‬
‫اليوم‪ ،‬ويتوالد فيه األعداء من رحم األمة‬ ‫األولى براري ُ‬
‫الح َّمى‪ ،‬ومن المفارقة‬
‫الواحدة‪.‬‬ ‫الجميلة في ذلك الزمان‪ ،‬أنني الفلسطيني‬

‫‪21‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أوطان وقضايا كثيرة‪ ،‬من فلسطين‪ ،‬إلى‬ ‫جمال ناجي‪ ،‬الراحل‪ ،‬الحاضر‪ ،‬كتب‬
‫العراق‪ ،‬إلى مصر‪ ،‬إلى لبنان‪ ،‬والكويت‪،‬‬ ‫لي إهداء على الصفحة األولى‪ ،‬وكأنه‬
‫وسواها‪..‬‬ ‫ّ‬
‫الشياح‪ :‬أخي العزيز إبراهيم نصر‬ ‫مؤلف‬
‫تلك كانت صورة مختلفة للمثقف‬ ‫اهلل‪ ..‬في غربتك‪ .‬مع تحياتي وأشواقي‪..‬‬
‫النادر الذي ال يعزل نفسه في مكان ما‪،‬‬ ‫جمال ناجي‪.‬‬
‫مهما ّاتسع ذلك المكان‪ ،‬وهذا النموذج كان‬ ‫ولعل جمال‪ ،‬حين كتب ذلك‪ ،‬كان يحس‬
‫حاضرا بقوة في السبعينيات من القرن‬ ‫بأن هذا الكتاب كتابه أيضا‪ ،‬وليس كتاب‬
‫الماضي بصورة ملفتة‪ ،‬حيث كنا نجد‪،‬‬ ‫إسماعيل وحده‪ ،‬لمجرد أنه كتب الكتاب‪،‬‬
‫في صفوف الثورة الفلسطينية‪ ،‬العراقي‬ ‫فالقضية التي في داخله كانت قضية‬
‫والمصري والسوري واللبناني والسوداني‬ ‫جمال أيضا‪.‬‬
‫والجزائري والكويتي والسعودي‪ ..‬وسواهم‬ ‫كان ذلك أول لقاء لي بكتابات‬
‫من بقية وطننا العربي الذي كان كبيرا‪ ،‬أو‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬وقد حافظت‬
‫هكذا رسمنا صورته! إضافة إلى مثقفين‬ ‫على ذلك اللقاء دائما‪ ،‬بحيث أنني لم‬
‫من أنحاء كثيرة من هذا العالم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫حملتها معي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أتخل عن تلك النسخة التي‬
‫ّ‬
‫يعتز المرء بريادة إسماعيل في مجال‬ ‫عندما انتهت السنة الدراسية‪ ،‬عائدا إلى‬
‫كتابة الرواية‪ ،‬في الكويت‪ ،‬لكن الريادة‬ ‫عمان‪ ،‬مودِّ عا تلك الصحراء باستقالتي‬
‫ليست دائما ُحك َم ٍ‬
‫قيمة إن لم تكن هذه‬ ‫من عملي‪ ،‬ألنهي بعد ذلك رواية براري‬
‫الريادة معززة بإضافات نوعية للفن‬ ‫الح ّمى‪ ،‬و ُينهي جمال رواية‪ :‬الطريق إلى‬
‫ُ‬
‫الذي يقدِّ م فيه الكاتب مساهماته‪ ،‬وقد‬ ‫بلحارث‪ ،‬وينشرها قبلي‪.‬‬
‫كانت مسيرة إسماعيل حافلة بكل جديد‪،‬‬ ‫حين اقتربت من عالم الراحل‬
‫ّ‬
‫ويسجل له‪ ،‬أنه كان صاحب عزيمة كبيرة‪،‬‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل أكثر‪ ،‬إسماعيل‬
‫أتاحت له أن يقدم الكثير من األعمال‬ ‫الذي غادرنا هذا العام‪ ،‬وجدت أنه مثل‬
‫األدبية الجميلة‪.‬‬ ‫ذلك الفتى العربي القديم الذي قال‪:‬‬
‫لم ألتق بإسماعيل‪ ،‬رغم كل ذلك الزمن‬ ‫أو ِّزع جسمي في جسوم كثيرة‪ .‬فقد كان‬
‫الطويل‪ ،‬ورغم أنني نشرت أوائل قصائدي‬ ‫إسماعيل يو ِّزع جسمه وروحه أيضا في‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪22‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الرواية البانورامية‪ ،‬زرت الكويت للمرة‬ ‫في الكويت‪( :‬مجلة النهضة) التي كان‬
‫األولى في حياتي‪ ،‬عام ‪ ،2016‬لكن‬ ‫يديرها ابن حيفا‪ ،‬الصحفي الالمع عبد‬
‫الفرصة لم تكن سانحة للقاء إسماعيل‪،‬‬ ‫الشيتي‪ ،‬حتى قبل أن أصدر ديواني‬ ‫اهلل ّ‬
‫معلقا بين لقاء بكتاباته‬‫وهكذا بقيت ّ‬ ‫األول‪ ،‬وروايتي األولى‪ ،‬كما أن أول حوار‬
‫مستمر‪ ،‬ورغبة في اللقاء به‪ ،‬لم تتحقق‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫صحفي كان معي‪ ،‬كان في صحيفة الرأي‬
‫ال أعرف إن كان جمال ناجي‪ ،‬في‬ ‫العام الكويتية‪ ،‬وفي ذلك الحوار‪ ،‬قلت‪ ،‬ما‬
‫العالم اآلخر‪ ،‬قد أخبر إسماعيل فهد‬ ‫كان إسماعيل ُيط ِّبقه عمليا‪ :‬نحن ال نقف‬
‫إسماعيل‪ ،‬بقصة إرساله لتلك الرواية لي‪،‬‬ ‫مع فلسطين ألننا فلسطينيون أو عرب‪،‬‬
‫وذلك اإلهداء الذي كتبه‪ ،‬كما لو أنه هو‬ ‫يومي لضمير‬
‫ّ‬ ‫ولكن ألن فلسطين امتحان‬
‫مؤلفها‪ ،‬ومعجزة وصول رواية في زمن لم‬ ‫العالم‪.‬‬
‫تكن فيه األخبار قادرة على اجتياز األثير‪،‬‬ ‫بعد ربع قرن من ذلك الزمان‪ ،‬تلقيت‬
‫لكنني آمل أن يكون قد فعل‪.‬‬ ‫طردا من إسماعيل‪ ،‬بعد سالمات متبادلة‬
‫وبعد‪ ..‬من (قصيدة قديمة)‪:‬‬ ‫بيننا كان يحملها األصدقاء‪ .‬كان الطرد‬
‫ّ‬
‫يضم عددا من رواياته‪ ،‬أما الغريب‪ ،‬فإن‬
‫كل ما أبصر ْت ُه المرايا لها‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشياح لم تكن من بينها‪ ،‬مع أن الفرصة‬
‫ُ‬
‫يعبر هذي‬ ‫ّ‬
‫وظل َك‬ ‫لم يعدْ غير ّ‬
‫ظلي‬ ‫لم تسنح ألقول له قصتها‪ .‬أما األمر الذي‬
‫ُّ‬
‫الط ُر ْق‬ ‫ال أعده مصادفة‪ ،‬فهو أن يختار إسماعيل‬
‫زمنين‬
‫ِ‬ ‫نترج ُل في‬
‫َّ‬ ‫ههنا‬ ‫هذه الرواية بالذات‪ ،‬بعد ‪ 42‬عاما من‬
‫صدورها‪ ،‬من بين كل أعماله‪ ،‬لتمثله‪،‬‬
‫ً‬
‫صدفة يا (صديقي) وال‬ ‫فال نلتقي‬
‫في زمن حروبنا األهلية اآلن‪ ،‬لتنشر هذا‬
‫ْ‬
‫نفترق!!‬
‫العام ضمن سلسلة كتب الفائزين بجائزة‬
‫الفصول‬
‫ِ‬ ‫ونطير غريبين عب َر‬ ‫ُ‬ ‫سلطان العويس!‬
‫ساكن ُأل ْ‬
‫فق‬ ‫ومن أ ٍفق ٍ‬
‫ُ‬
‫‪ ..‬وبعد ثمان وثالثين سنة‪ ،‬من وصول‬
‫كح ْل ٍم‬ ‫كل ما أبصر ْت ُه المرايا ّ‬
‫تجلى قليالً ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(الشياح) لي‪ ،‬في تلك الصحراء‪،‬‬ ‫رواية‬
‫ْ‬
‫احترق‬ ‫ومثل ال َف َر ِاش‬ ‫الرواية الجميلة‪ ،‬ذات اإليقاع السريع‪،‬‬

‫‪23‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬أول روائي كويتي قرأت له‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل هو أول روائي‬


‫كويتي قرأته‪ .‬لم أكن أعرف شيئا عن األدب‬
‫الكويتي عندما حدث هذا‪ .‬كان ذلك في‬
‫أوائل الثمانينيات وكنت ال أزال طالبا في‬
‫كلية اآلداب في تونس‪ .‬كنت قد نشرت‬
‫قصصا قصيرة وشرعت في كتابة روايتي‬
‫األولى «جبل العنز»‪ .‬ال أدري كيف وقعت‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬احلبيب الساملي‬ ‫روايته «المستنقعات الضوئية» بين يدي‪.‬‬
‫عنوانها هو أول ما شد انتباهي ودفعني‬
‫سواء في بنياتها أو في ثيماتها‪ .‬ومناخاتها‬ ‫إلى قراءتها‪ .‬بدا لي جميال وخاصة خارجا‬
‫ال تحيل إلى بلده الكويت فحسب وإنما إلى‬ ‫عن المألوف ومختلفا تماما عن عناوين‬
‫بلدان عربية أخرى أيضا مثل لبنان والعراق‬ ‫الروايات العربية التي قرأتها آنذاك‪.‬‬
‫ومصر‪ .‬روايات يمتزج فيها الماضي‬ ‫التهمتها في وقت قصير‪ .‬أدركت أني أمام‬
‫بالحاضر والسياسي بالثقافي والمحلي‬ ‫كاتب متميز قدير له لغة جميلة وحديثة‬
‫وقادرة على التقاط أدق تفاصيل الحياة‪.‬‬
‫باإلنساني وتطرح األسئلة التي تؤرق‬ ‫وهذا ما كنت أبحث عنه آنذاك‪ .‬أعجبت‬
‫العربي وتعكس همومه وهو يواجه مشكالت‬ ‫أيضا بعدم سقوطه في «مستنقع» البالغة‬
‫الهوية وعالقتها بالحداثة‪ .‬ومنذ تلك الفترة‬ ‫السائدة واستسالمه لإلنشائية الغنائية‬
‫لم يتغير رأيي في إسماعيل فهد إسماعيل‪.‬‬ ‫التي كانت (وال تزال) تثير إعجاب العديد‬
‫واآلن أعتبره واحدا من أهم كتاب الرواية‬ ‫من النقاد‪ .‬وفيما بعد قرأت له روايات‬
‫في العالم العربي‪.‬‬ ‫أخرى‪ .‬روايات على قدر كبير من التميز‬
‫❋ كاتب تونسي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪24‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫‪25‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫كيف نقرأ إسماعيل فهد إسماعيل؟‬

‫تشكل واقعة الكتابة داخل مجتمع يخلو من ُك ّتاب‬


‫ّ‬
‫حالة مزدوجة تستوجب التأمل‪:‬‬
‫فهي من جهة تعني «الحرية» ‪ -‬إذ ينطلق كاتبها متخفياً‬
‫يختص بالمكان ُي ْلزمه َ‬
‫الح َذر والمواكبة‬ ‫ّ‬ ‫أدبي‬
‫إرث ّ‬ ‫أي ٍ‬‫من ّ‬
‫ـوالحذو‪ ،‬وبالتالي تبقى كتابته َس َفراً «مرتبكاً » بنسبة أو‬
‫بأخرى‪ ،‬يصبو إلى األمام ملتفتاً للوراء في الوقت نفسه!‬
‫وعي منه أو بوعي‪ ،‬غير أنه غير قادر على‬ ‫ُ‬
‫يفعل هذا دون ٍ‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬إلياس فركوح‬ ‫المحلية الحاضرة في ُك ٍّل من الذاكرة‬‫ّ‬ ‫إلغاء مرجعيته‬
‫الشخصية ورفوف مكتبته الماثلة أمام عينيه!‬

‫أرض بال العبين ِسواه!‬ ‫األحادي ُ‬


‫الح ّر على ٍ‬ ‫لكنَّ حالة االنطالق وسط مجتمع ال‬
‫هذا هو إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬أو‬ ‫وجود فيه لمرجعية خاصة به‪ ،‬ال تعني‬
‫هكذا أعاينه من مكاني هنا‪ ،‬ومنذ قراءاتي‬ ‫«االنفالت» من المرجعيات األخرى‬
‫األولى له بداية سبعينيات القرن الماضي‪.‬‬ ‫التي استن َد إليها الكاتب‪ ،‬والتي شكلت‬
‫ً‬
‫وخاصة‬ ‫ً‬
‫عراقيا‪،‬‬ ‫كنت ّ‬
‫أظنه‬ ‫ففي ذاك الزمن ُ‬ ‫ً‬
‫متأثرا‬ ‫َ‬
‫تحرك في مداراته‬ ‫ً‬
‫خصبا‬ ‫فضاء‬
‫ً‬
‫في روايته األولى «كانت السماء زرقاء»‬ ‫ً‬
‫ومصطفا إلى ِجوار أقرانه‬ ‫بمعطياته‪،‬‬
‫لسبب راسخ في ذاكرتي ِقوامه‬ ‫ٍ‬ ‫(‪)1970‬؛‬ ‫من ُك ّتاب في مجتمعات أخرى أ ْو َسع من‬
‫تصدى لها بالكتابة‪،‬‬‫ّ‬ ‫«الموضوعة» التي‬ ‫ً‬
‫سهال‬ ‫ً‬
‫أمرا‬ ‫مجتمعه‪ ،‬وذات تقاليد ليس‬
‫ذات ال ُبعد السياسي أو ما يحيل عليه‪،‬‬ ‫التعامل معها بـ»منطق» االنفالت! أو اللعب‬
‫❋ كاتب أردني‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪26‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ً‬
‫تماما عن الواقع الكويتي آنذاك‪.‬‬ ‫البعيد‬
‫صحيح ّأن إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫ٌ‬
‫ورائد للسرد المتقدم في الكويت‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫مؤس ٌس‬
‫ِ‬
‫وهذه نقطة تم ُّيز بال أدنى شك‪ .‬لكنها‪،‬‬
‫ً‬
‫حالة‬ ‫ُ‬
‫تشكل في ذاتها‬ ‫في الوقت نفسه‪،‬‬
‫«حِر َجة»؛ إذ تستدعي من قارئه مقارنته‬ ‫َ‬
‫مع ِسواه من مجايليه العرب ونصوصهم‬
‫األوسع)‪ ،‬وتحديد موقعه‬ ‫َ‬ ‫(المرجعيات‬
‫ّ‬
‫الخاصة‪.‬‬ ‫على خريطة أكبر من خارطته‬
‫مؤسس ورائد‪ ،‬ومن جهة‬ ‫ٌ‬ ‫فهو من جهة‬
‫أخرى ِ«فرعٌ » من شجرة ليس من الجائز‪،‬‬
‫ً‬
‫منفردا بنفسه‬ ‫أو الممكن‪ ،‬قطعه ومعاينته‬
‫ً‬
‫معزوال عن بقية الفروع‪.‬‬
‫خمس‬
‫َ‬ ‫كتب إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫وعشرين رواية خالل ‪ 78‬سنة من حياته‬
‫(‪ ،)2018-1940‬ومجموعتين قصصيتين‪،‬‬
‫وثالث مسرحيات‪ ،‬وخمس دراسات‪ ،‬إلخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫محطات في رحلة الكتابة‬ ‫مر بعدة‬
‫أي أنه َّ‬
‫دارس معاينته من‬
‫ٍ‬ ‫المتنوعة ينبغي لكل‬
‫خاللها‪.‬‬
‫وإنها‪ ،‬في نظري‪ ،‬لمهمة واجبة ألنها‬
‫عربي‬
‫ّ‬ ‫ضرورية من أجل إنصاف كاتب‬
‫«مخضرم» سنكون قد انتفصنا من تجربته‬
‫إذا حصرناه و»حاصرناه» داخل الدائرة‬
‫الجغرافية لبلده‪ ،‬غافلين عن الخريطة‬
‫األرحب التي ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬أيموت من بضاعته المحبة؟‬

‫«سأحيا ألن ثمة أناس قليلين أحب أن‬


‫أبقى معهم أطول وقت ممكن»‬
‫الطيب صالح‬

‫❋‬ ‫بقلم‪ّ :‬‬


‫حمور زيادة‬

‫كأي مراهق أحمق كان البد أن أضع‬ ‫لو استفتى أبوفهد محبتنا لما تركنا‬
‫مسلمات وقواعد خائبة ال معنى لها‪ .‬أنت‬ ‫وذهب‪.‬‬
‫بال تجارب تذكر‪ ،‬وليس لديك حكمة‪،‬‬ ‫لكنه قرر وحده‪ ،‬أزعج طمأنينتنا أنه باق‬
‫ً‬
‫أحكاما على‬ ‫لكن البد أن تحاول أن تطلق‬ ‫ما بقي حبه في قلوبنا‪ .‬وفي هدوء انسحب‪.‬‬
‫الحياة‪ .‬قلت لصاحب المكتبة «ال يوجد‬
‫كاتب ناجح له اسم شهرة ثالثي‪ّ .‬‬
‫الكتاب‬ ‫عرفته ألول مرة في منتصف‬
‫ً‬
‫دائما لهم أسماء ثنائية»‪.‬‬ ‫الناجحون‬ ‫ً‬
‫مراهقا يكتشف األدب‬ ‫التسعينيات‪ .‬كنت‬
‫تحت سماء الخرطوم الحارة‪ .‬أجمع ما‬
‫إلى صاحب المكتبة في إشفاق‪.‬‬‫نظر ّ‬
‫يتبقى من مصروفي المدرسي وأغوص في‬
‫ً‬
‫ساذجا‪.‬‬ ‫لقد عرف يومها كم كنت‬
‫ً‬
‫باحثا عن المتعة‪.‬‬ ‫مكتبات الكتب المستعملة‬
‫❏❏❏‬ ‫تعثرت برواية «كانت السماء زرقاء»‪.‬‬
‫❋ كاتب سوداني‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪28‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫من جائزة الملتقى للقصة القصيرة‪ .‬وفي‬ ‫كانت رواية صغيرة‪ .‬ويبدو ثمن‬
‫دعوة غداء بمنزل األديب طالب الرفاعي‬ ‫ً‬
‫مناسبا لميزانية طالب يدخر‬ ‫استعارتها‬
‫وجدتني أمام الرجل بسمته الهادئ‬ ‫القرش فوق القرش (وقتها كان النظام‬
‫والكاب الذي يميزه‪.‬‬ ‫النقدي السوداني قد تغير إلى الدينار‪،‬‬
‫كان فيه شيء مألوف كأب طوته الغربة‬ ‫قبل أن يعود أدراجه مرة أخرى إلى‬
‫ً‬
‫دهرا ثم عاد للديار‪.‬‬ ‫الجنيه والقرش)‪ .‬لكن ماذا أفعل مع اسم‬
‫الكاتب الثالثي؟‬
‫يتحرك ببطء‪ ،‬ال يشكو‪ ،‬لكنك تلمح‬
‫أثر المرض عليه‪ .‬جلست إلى جانبه‬ ‫مرشدي ‪ -‬صاحب المكتبة‪ ،‬الذي‬
‫على أريكة وتحدثنا كأننا نواصل حكايات‬ ‫عرفني على جابرييل جارثيا ماركيز‬
‫سابقا في المنتصف دون أن‬ ‫ً‬ ‫تركناها‬ ‫وعبدالرحمن منيف وواسيني األعرج‬
‫نكملها‪ .‬اآلن كحميمين نواصل ما تركناه‬ ‫علي أن أقرأها‪.‬‬
‫وتشينو أتشيبي ‪ -‬أصر ّ‬
‫ً‬
‫منقطعا‪ .‬حكيت له قصتي مع رواية «كانت‬ ‫ً‬
‫ملحا حتى تخيلت أنه سيمنحنيها‬ ‫كان‬
‫السماء زرقاء»‪ ،‬ابتسم وحكى لي عن‬ ‫ً‬
‫صريحا‪ .‬أخبرني أني أحمق‪.‬‬ ‫ً‬
‫مجانا‪ .‬كان‬
‫روايتي «الكونج»‪.‬‬ ‫ال يمكنني أن أنفي إبداع معاوية محمد‬
‫نور وعرفات محمد عبداهلل ويحيى‬
‫كان صديقي سعود السنعوسي قد‬
‫الطاهر عبداهلل وغيرهم لمجرد أني‬
‫أرسل لي قبلها بشهور صورة إلسماعيل‬
‫ً‬
‫حكما ما في‬ ‫قررت كمراهق أن أطلق‬
‫فهد يحمل روايتي «الكونج»‪ .‬نشرتها ً‬
‫فورا‬
‫لحظة بال معنى‪.‬‬
‫بفخر على صفحتي بفيس بوك‪ ،‬ثم رجعت‬
‫أسأل سعود عن مناسبتها‪.‬‬ ‫ً‬
‫مدحورا‪ ،‬ومعها رواية‬ ‫حملت الرواية‬
‫لنجيب محفوظ (وهو اسمه المركب‪،‬‬
‫❏❏❏‬
‫ً‬
‫ثنائيا يوافق نظريتي التي‬ ‫ً‬
‫اسما‬ ‫فليس‬
‫وصفتها‬ ‫ً‬
‫كثيرا لو‬ ‫سأظلم الرواية‬ ‫تبنيتها قبل دقائق)‪.‬‬
‫قرر ذلك‬ ‫فقط أنها فتنتني‪ .‬ربما بسببها‬
‫أن يقتل‬ ‫المراهق األحمق الذي كنته‬ ‫❏❏❏‬
‫«األسماء‬ ‫إلى األبد نظريته البلهاء عن‬ ‫في ديسمبر ‪ 2016‬التقيته وجها لوجه‪.‬‬
‫الثالثية»‪.‬‬ ‫كنت أزور الكويت ألول مرة بدعوة كريمة‬

‫‪29‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أعترف أني جلست في مجالس نميمة‬ ‫لم تكن مجرد رواية فاتنة‪ ،‬إنما كانت‬
‫كثيرة‪ .‬ورأيتها عارية أكثر مما يحصي‬ ‫ً‬
‫فتحا‪ .‬كأنما أكتشف األدب للمرة األولى‪.‬‬
‫عقلي‪ .‬لكن ما مرت سيرة إسماعيل فهد‬ ‫ً‬
‫عطشا لرواية‬ ‫عدت إلى المكتبة‬
‫إسماعيل إال مكللة بالمحبة ومزدانة بالمدح‬ ‫أخرى‪ .‬قيل لي أن له رواية أخرى اسمها‬
‫المخلص‪.‬‬ ‫«الحبل»‪ ،‬لكنها غير موجودة‪ .‬استعارها‬
‫كل من عرفه أحبه‪ .‬وكل من مدحه شدد‬ ‫أحدهم‪ .‬فاستعرت «كانت السماء زرقاء»‬
‫على أنه كان الداعم الدائم لكل كاتب جديد‪.‬‬ ‫مرة أخرى‪.‬‬
‫كان يفرح ّ‬
‫بالكتاب الصغار كأنه يكتبهم!‬ ‫لم أقرأ «الحبل» إال بعد سنوات‪.‬‬
‫سألت سعود السنعوسي عن الصورة‬ ‫ً‬
‫شماال»‪.‬‬ ‫و«النيل يجري‬
‫التي أرسلها لي‪ .‬لماذا فجأة من ال مكان‬ ‫ً‬
‫دائما بالنسبة لي الساحر‬ ‫لكنه ظل‬
‫صورة إلسماعيل فهد يحمل روايتي األولى؟‬ ‫فجر « كانت السماء زرقاء»‪ .‬لم تكن‬‫الذي ّ‬
‫عرفت أنه طالعها وأثنى عليها‪ .‬ثم أحب‬ ‫ً‬
‫عالما لم أعرفه‬ ‫مجرد رواية‪ ،‬لكنها كانت‬
‫ً‬
‫ففعال‪.‬‬ ‫هو وسعود أن يبهجاني بالصورة‪،‬‬ ‫من قبل‪.‬‬
‫ً‬
‫شهرا‬ ‫ويوم التقيته بعدها بأحد عشر‬ ‫❏❏❏‬
‫في ضيافة األديب طالب الرفاعي حدثني‬ ‫ً‬
‫خافتا‪ ،‬كموسيقى هادئة في‬ ‫كان صوته‬
‫عنها حديث المعجب وأنا مذبذب بين التيه‬ ‫معرض لوحات‪ .‬ال يتكلم بلهجة حاسمة‪.‬‬
‫ً‬
‫خجال‪.‬‬ ‫ً‬
‫فخرا والموت‬ ‫يقول رأيه كأنه يتساءل‪ .‬كنت في البداية‬
‫❏❏❏‬ ‫أقع في الفخ وأجيبه بنعم‪ .‬ثم فطنت انه‬
‫ال يسأل‪ ،‬لكنه رجل متواضع ينطق الحكمة‬
‫ظللت لشهور أنتظر عودة رواية‬
‫الصافية‪.‬‬
‫«الحبل» إلى مكتبة االستعارة‪ ،‬لكن من‬
‫اقتنصها ضن بها على غيره‪ ،‬فذهب بها‬ ‫❏❏❏‬
‫إلى غير رجعة‪.‬‬ ‫النميمة هي مقبالت جلسات ّ‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫فيما بعد سأجدها في سور األزبكية‬ ‫وكلما كانت الجلسة خاصة كلما كانت‬
‫بالقاهرة‪ ،‬وأشتريها بال فصال‪ .‬ثم أعثر‬ ‫ً‬
‫وعريا‪.‬‬ ‫ً‬
‫تخففا‬ ‫النميمة أكثر‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪30‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ربما ظلم اإلنسان العظيم الذي كأنه‬ ‫على الجزء الثاني من «النيل يجري‬
‫الكاتب العبقري‪.‬‬ ‫ً‬
‫شماال» في منزل أحد أقاربي فتتلبسني‬
‫روح الفرزدق‪ .‬كان همام بن غالب إذا‬
‫يوم ُنعي إلينا كان النائحون يبكون ً‬
‫أبا‬
‫أعجبه بيت من الشعر لشاعر ناشئ ذهب‬
‫ً‬
‫روحا حلوة نقصت من الحياة‪.‬‬ ‫رحل عنهم‪.‬‬ ‫إليه وقال له «أنا أولى بهذا البيت منك»‪.‬‬
‫ً‬
‫عبقريا ككتابته‪ .‬لذلك أوجعنا‬ ‫كان حضوره‬ ‫ثم ينشده في قصيدة له غير هياب‪ .‬قلت‬
‫ذهابه وكتاباته خالدة‪.‬‬ ‫ألقاربي وأنا أحمل الرواية «أنا أولى بها‬
‫سنفتقده مع بقاء السبيليات والعصف‬ ‫منكم»‪ .‬فمنحونيها عن طيب خاطر‪.‬‬

‫واألبابيليون ودوائر االستحالة‪ .‬ستظل‬ ‫❏❏❏‬


‫عبقريته األدبية خالدة بيننا‪ّ .‬‬
‫لكنا سنفتقد‬ ‫لو كانت المحبة تحيي لما جرؤ الموت‬
‫حضوره العبقري‪ ،‬تواضعه الخالب‪ ،‬أدبه‬ ‫أن يمس أبوفهد‪.‬‬
‫الجم‪ ،‬ومالمح األب الذي طوته الغربة‬ ‫ألن المحبة خلود فإن الموت لن يغيب‬
‫ً‬
‫دهرا ثم عاد للديار‪.‬‬ ‫أبو فهد‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫في وداع‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل (‪ ٢٠١٨ - ١٩٤٠‬م)‬

‫رائد الرواية في الكويت‬

‫فنان مرهف‪ ،‬بمثابة‬ ‫شاعر مبدع أو ٍ‬


‫برحيل أديب كبير أو ٍ‬
‫شرخ عميق في هرم الثقافة‪ .‬فمثل هؤالء المبدعين َق َّل أن‬
‫يجود الزمان بمثلهم إال بمرور عقود طويلة؛ ولكن عزاءنا‬
‫فيما تركوا من أعمال إبداعية خالدة ال تنتهي بانتهاء‬
‫مسيرة حياتهم‪ ،‬بل تظل شاهدة تروي لألجيال عبر األجيال‬
‫ما أبدع ُك ّل في مجاله وتألق فيه وتربع على عرشه‪.‬‬
‫ومن هؤالء أستاذ القصة والرواية األديب الراحل‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬خالد سالم األنصاري‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل عليه رحمة اهلل ورضوانه‪.‬‬

‫فقد كان هذا ديدنه منذ السبعينيات‬ ‫كان الفقيد نجم التجمعات واألمسيات‬
‫من القرن الماضي في تشجيع ورعاية‬ ‫وع ّراب شبابها‬
‫الثقافية أين ما توجه َ‬
‫ُ‬
‫الكتاب الناشئين واحتضانه لهم‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬
‫الجدد‬ ‫ومثقفيها‪ .‬احتضن المبدعين‬
‫الشجرة التي يستظل بها المبدعون‬ ‫وأخذ بيدهم وشجعهم ووجههم الوجهة‬
‫في الكويت كما قال عنه الروائي طالب‬ ‫األدبية الصحيحة لعالم القصة والرواية‪.‬‬

‫❋ باحث كويتي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪32‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫رائد الرواية الكويتية دون منازع وأحد‬ ‫الرفاعي‪ ،‬وأبو الرواية في الكويت كما‬
‫أعالمها البارزين في الكويت والعالم‬ ‫قال عنه آخرون‪.‬‬
‫العربي‪ .‬اتصف بالدماثة والتواضع ُ‬
‫وحسن‬ ‫له طريقته المتميزة في صياغة ُ‬
‫الجمل‬
‫الخلق‪.‬‬ ‫وتركيب التعابير وسردها بأسلوب متميز‬
‫ومدهش‪.‬‬

‫«كانت السماء زرقاء»‬ ‫تمتاز معظم أعماله بتناول المعاناة‬


‫اإلنسانية والنفسية للمضطهدين والمهمشين‬
‫كانت روايته الثانية «كانت السماء‬
‫داخل المجتمع‪.‬‬
‫زرقاء» والتي صدرت عام ‪١٩٧٠‬م نقلة‬
‫عرفته منذ ثمانينيات القرن الماضي‪،‬‬
‫كبيرة في كتاباته‪ ،‬وحازت على إعجاب‬
‫وتابعت بعض أعماله الروائية قبل ذلك‪،‬‬
‫الناقدين والقراء‪ ،‬وتخطت شهرتها حدود‬
‫فشدني أسلوبه في الكتابة وطرحه غير‬‫ّ‬
‫وطنه الكويت‪ .‬فكتب عنها األستاذ الكبير‬
‫المألوف لدى ُكتاب القصة والرواية خالل‬
‫ً‬
‫قائال‪« :‬كانت‬ ‫صالح عبدالصبور ّ‬
‫وقدم لها‬
‫تلك الفترة‪ ،‬وبعد ذلك أصبحت تجمعنا‬
‫الرواية مفاجأة كبيرة لي‪ ،‬فهذه الرواية‬
‫لقاءات وجلسات في أمسيات رابطة‬
‫جديدة كما أتصور رواية القرن العشرين‬
‫األدباء‪.‬‬
‫قادمة من أقصى المشرق العربي حيث ال‬
‫تقاليد لفن الرواية حيث مازالت الحياة‬
‫تحتفظ للشعر بأكبر مكان‪ .‬ولم يكن ِسر‬ ‫حياته العملية واألدبية‬
‫دهشتي هو ذلك فحسب‪ ،‬بل لعل ذلك لم‬ ‫حاصل على بكالوريوس أدب ونقد من‬
‫يدهشني إال بعد أن أدهشتني الرواية‬ ‫المعهد العالي للفنون المسرحية في دولة‬
‫ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم‪.‬‬ ‫الكويت‪ .‬عمل في مجال التدريس لفترة‪،‬‬
‫وبمقدار اللوعة والحب والعنف والفكر‬ ‫موجها ً‬
‫فنيا في إدارة النشاط المدرسي‬ ‫ً‬ ‫ثم‬
‫المتغلغل في ثناياها‪.‬‬ ‫وإدارة الوسائل التعليمية‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫‪ - ١٣‬إحداثيات زمن العزلة ‪ -‬رواية‬ ‫أعماله‬


‫طويلة من سبعة أجزاء‪ ،‬ترصد وتوثق‬ ‫له الكثير من القصص والروايات‬
‫أحداث االحتالل العراقي من الغزو‬ ‫واألعمال المسرحية‪ ..‬ما بين قصة‬
‫إلى التحرير‪.‬‬
‫ورواية ومسرح ِوسير ذاتية ونقد وعمل‬
‫‪ - ١٤‬الكائن الظل ‪ -‬رواية ‪١٩٩٩‬م‪.‬‬ ‫درامي منذ عام ‪ ١٩٦٥‬وحتى آخر عمل له‬
‫‪ - ١٥‬سماء نائية ‪ -‬رواية ‪٢٠٠٠‬م‪.‬‬ ‫قبيل وفاته وهي‪:‬‬
‫‪ - ١٦‬ما ال يراه النائم ‪ -‬مجموعة قصصية‬ ‫‪ - ١‬البقعة الداكنة ‪ -‬قصص ‪١٩٦٥‬م‪.‬‬
‫‪٢٠٠٩‬م‪.‬‬ ‫‪ - ٢‬كانت السماء زرقاء ‪ -‬رواية ‪١٩٧٠‬م‪.‬‬
‫‪ - ١٧‬في حضرة العنقاء والخل الوفي ‪-‬‬ ‫‪ - ٣‬الحبل ‪ -‬رواية ‪١٩٧٢‬م‪.‬‬
‫رواية ‪٢٠١٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٤‬الضفاف األخرى ‪ -‬رواية ‪١٩٧٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ١٨‬عندما رأسك في طريق واسمك في‬ ‫‪ - ٥‬األقفاص واللغة المشتركة ‪ -‬قصص‬
‫طريق آخر ‪٢٠١١ -‬م‪.‬‬ ‫‪١٩٧٤‬م‪.‬‬
‫‪ - ١٩‬القصة العربية في الكويت ‪ -‬دراسة‬ ‫‪ - ٦‬ملف الحادثة ‪ - ٦٧‬رواية ‪١٩٧٥‬م‪.‬‬
‫‪١٩٧٧‬م‪.‬‬
‫‪ - ٧‬الطيور واألصدقاء ‪ -‬رواية ‪١٩٧٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٢٠‬للحديث بقية ابن زيدون ‪ -‬مسرحية‬
‫‪ - ٨‬خطوة في الحلم ‪ -‬رواية ‪١٩٨٢‬م‪.‬‬
‫‪٢٠٠٨‬م‪.‬‬
‫‪ّ -٩‬‬
‫الشياح ‪ -‬رواية ‪١٩٧٦‬م‪.‬‬
‫‪ - ٢١‬الظهور الثاني البن لعبون ‪٢٠١٥ -‬م‪.‬‬
‫ً‬
‫شماال ‪ -‬البدايات ‪-‬‬ ‫‪ - ١٠‬النيل يجري‬
‫‪ - ٢٢‬السبيليات ‪ -‬رواية ‪٢٠١٥‬م‪.‬‬
‫رواية ‪١٩٨٢‬م‪.‬‬
‫‪ - ٢٣‬مبدعون مغايرون ‪٢٠٠٦ -‬م‪.‬‬ ‫ً‬
‫شماال ‪ -‬النواطير ‪-‬‬ ‫‪ - ١١‬النيل يجري‬
‫‪ - ٢٤‬طيور التاجي ‪ -‬رواية‪.‬‬ ‫رواية ‪١٩٨٣‬م‪.‬‬
‫‪ - ٢٥‬مسك ‪ -‬رواية‪.‬‬ ‫‪ - ١٢‬النيل الطعم والرائحة ‪ -‬رواية‬
‫‪ - ٢٦‬صندوق أسود آخر في الكويت‪.‬‬ ‫‪١٩٨٩‬م‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪34‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وفاته‬ ‫الجوائز التي حصل عليها‬

‫يشاء القدر أن يوافيه أجله بعد‬ ‫‪ - ١‬جائزة الدولة التشجيعية‪ ،‬في‬


‫مجال الرواية عن كتابه النيل الطعم‬
‫يومين من حضوره ندوة لمناقشة آخر‬
‫والرائحة ‪١٩٨٩‬م‪.‬‬
‫رواية له وهي‪ :‬صندوق أسود آخر‬
‫‪ - ٢‬جائزة الدولة التشجيعية ‪ -‬في‬
‫في الكويت‪ ،‬وذلك في ‪ ٢٥‬سبتمبر‬ ‫مجال الدراسات اللغوية والنقدية عام‬
‫الكويت‬ ‫فقدت‬ ‫وبذلك‬ ‫‪٢٠١٨‬م‪.‬‬ ‫‪٢٠٠٢‬م عن كتابه‪ :‬علي السبتي شاعر في‬
‫ً‬
‫مهما من أعالم‬ ‫ً‬
‫علما‬ ‫والحركة األدبية‬ ‫الهواء الطلق‪.‬‬
‫األدب والثقافة‪.‬‬ ‫‪ - ٣‬جائزة الدولة التقديرية ‪ -‬عام ‪٢٠٠٤‬م‪.‬‬

‫‪35‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ..‬الكلمة والفعل‬

‫تكثر مداخل القول عندك حينما‬


‫تتحدث عن الذين لهم في نفسك وعقلك‬
‫تقدير كبير‪ ،‬وإسماعيل فهد إسماعيل‬
‫واحد من هؤالء؛ يجمعني معه جيل‬
‫واحد كان مشغوال بحفر أساس البدايات‪،‬‬
‫وإنضاج تجربتها‪ ،‬وانفتاحها على كل‬
‫جديد‪.‬‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬د‪ .‬سليمان الشطي‬

‫كنفاني (ماذا تبقى لكم) تجربتان متميزتان‬ ‫أخذ إسماعيل فهد إسماعيل موقعه‬
‫في إبراز شكل التداعي في الرواية‬ ‫في المقدمة‪ ،‬هو رائد‪ ،‬مجرب‪ ،‬نظرة‬
‫الحديثة‪ ،‬وجاءت رواياته التالية لتكمل‬ ‫متسعة األفق‪ ،‬إنسانية‪ ،‬حضور دائم حفر‬
‫مسار التجارب‪ ،‬هو إذن رائد مجرب‪.‬‬ ‫بعمق وأصالة المجرى الرئيسي للرواية‬
‫في الكويت‪ ،‬وكانت هذه الريادة بحد‬
‫وهو أيضا صاحب نظرة فاحصة‬
‫ذاتها تكفي وتزيد ليصبح اسمه علما من‬
‫للمجتمع من حوله‪ ،‬يتجاوز ما هو ظاهر‬ ‫األعالم‪ .‬ولكن هذه الريادة جاءت متسلحة‬
‫في الصورة لينفذ إلى المسكوت عنه‪،‬‬ ‫بوعي متقدم في فن الرواية‪ ،‬فقد المس‬
‫ويغوص في دروب الفئات المقصية‬ ‫أحدث التجارب الروائية في الساحة‬
‫من المجتمع وينبش مبرزا معاناتها في‬ ‫العربية‪ ،‬فجاءت روايته األولى (كانت‬
‫أقفاصها‪ ،‬مفككا لغتها المشتركة‪.‬‬ ‫السماء زرقاء) لتقف بجوار رواية غسان‬
‫❋ كاتب كويتي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪36‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫منتصف السبعينيات ليكتب كتاب (القصة‬ ‫وهو أيضا صاحب نظرة متسعة‪،‬‬
‫في الكويت)‪.‬‬ ‫فتجربته تتجاوز التمترس عند المجاور‬
‫ويبقى بعد ذلك قول كثير عنه‪ ،‬ألم يختر‬ ‫له‪ ،‬ولكنه يتجاوزها إلى ما هو أشمل‪،‬‬
‫(الفعل) عنوانا لدراسته عن المسرح!؟‬ ‫إلى األمة في شمول معناها وامتدادها‪،‬‬
‫فهو الفعل ونقيضه عند سوفوكليس‪ ،‬وهو‬ ‫فكما كتب عن العراق مد مساحة كلماته‬
‫أيضا‪ :‬الكلمة والفعل عن سعد اهلل ونوس‪.‬‬ ‫إلى حيث يكون النبض مشتعال‪ ،‬فكتب عن‬
‫لبنان وعن مصر‪ ،‬فكان روائيا عربيا حقا‪.‬‬
‫لقد كان (الفعل) هو ديدن إسماعيل‬
‫ويأتي دور إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫الذي ال يتوانى‪ ،‬لكل هذا نقول‪:‬‬
‫المبادر‪ ،‬والمبادرة هنا خطوة تحاول سد‬
‫هذ هو إسماعيل فهد إسماعيل رائد‪،‬‬ ‫أي نقص أو تلبية حاجة ثقافية ملحة‪،‬‬
‫مجرب‪ ،‬نظرة متسعة األفق‪ ،‬إنسانية‪،‬‬ ‫ولما كان فن القصة فنا جديدا‪ ،‬وتاريخه‬
‫حضور دائم‪ ،‬مبادر‪ ،‬ثاقب النظرة‪.‬‬ ‫ال يزال في حاجة إلى أن ُت ْلقى عليه‬
‫لذا سيبقى اسمه حاضرا مشعا حينما‬ ‫أضواء كاشفة‪ ،‬فثمة نقص في الرؤية‬
‫نؤرخ لألدب في الكويت‪.‬‬ ‫التاريخية لهذا الفن‪ ،‬لذا بادر مبكرا في‬

‫‪37‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫شهادة الشاعر صالح عبدالصبور‬


‫(‪)١‬‬
‫رواية «كانت السماء زرقاء» رواية القرن العشرين‬

‫كتبت منذ سنوات عشر مقاالت بعنوان «البحث عن القرن‬


‫العشرين» وكان دافعي إلى كتابته قراءتي آنئذ لنعي الروائي‬
‫الفرنسي «بيير بنوا» في الصحف الفرنسية‪ ،‬واستطراد‬
‫الصحيفة الناعية في ذلك الوقت‪ ،‬وأظنها «الليترفرانسيز»‬
‫إلى اإلشارة إلى أن نجمين قد ظهرا في فن الرواية في وقت‬
‫واحد تقريباً في فرنسا‪ ،‬أما أولهما فهو «مارسيل بروست»‬
‫صاحب رواية «البحث عن الزمن الضائع» وثانيهما «بيير‬
‫بنوا» صاحب رواية «االطلنطيد» وقد ُترجمت هذه الرواية‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬صالح عبدالصبور‬
‫إلى العربية منذ خمسة وعشرين عاماً تقريباً ‪.‬‬

‫ذلك ً‬
‫قارئا كان يحبه ويعرفه‪.‬‬ ‫أما أولهما «بروست» فقد عاش ومات‬
‫وأذكر أنني كتبت عندئذ‪ ..‬إن قصة‬ ‫ولم يكد يفطن إليه إال القليل من القراء‪،‬‬
‫االطلنطيد قصة خيالية‪ ،‬إحدى قصص‬ ‫بينما حظي «بيير بنوا» في مطالع حياته‬
‫الحب والهوى الجارف‪ ،‬التي يذهب فيها‬ ‫بالمجد الباذخ‪ .‬ولكن كل يوم مضى بعد‬
‫الخيال إلى أوسع مداه‪.‬‬ ‫بزوغ النجمين كان يضيف إلى «بروست»‬
‫تدور أحداثها في أرض ال يعرفها‬ ‫ً‬
‫جديدا‪ ،‬ويسلب من «بيير بنوا» لقاء‬ ‫ً‬
‫قارئا‬

‫(‪ )1‬كتب هذه الشهادة في شهر مايو ‪1970‬م‪.‬‬


‫❋ شاعر مصري‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪38‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫لكني في األعوام األخيرة أسجل بضعة‬ ‫البشر‪ ،‬مكتوبة بأسلوب أنيق ساحر‪ ،‬ولكنه‬
‫ظواهر لعل أولها التحول الكبير في منهج‬ ‫في الوقت ذاته بسيط‪ ،‬وليست لها جذور‬
‫الروائي العظيم نجيب محفوظ‪ .‬وثانيهما‬ ‫ممدودة في المجتمع ألن قارة االطلنطيد‬
‫قراءتي لثالثة أعمال روائية جديدة أود‬ ‫مكان ساحر مهجور من العالم‪.‬‬
‫أن أشير إليها كإشارات إلى أدب القرن‬ ‫وهي رواية تخضع لألسس التقليدية‬
‫العشرين‪ .‬وثالثهما ما يعتمل في صدور‬ ‫لبناء القصة‪ .‬الشخصيات‪ ،‬والحبكة‪ ،‬ثم‬
‫الروائيين والقصاصين الجدد من أزمات‬ ‫الحل‪ ،‬وتصف األشخاص من ظاهرهم‬
‫يعبرون عنها أحيانا باإلبداع وأحيانا أخرى‬ ‫ً‬
‫جذابا‪.‬‬ ‫ً‬
‫جميال‬ ‫وصفا‬
‫بالسخط والجدل العنيف‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬من قال أن الرواية أصبحت اآلن‬
‫أما األعمال الثالثة التي أشرت إليها‬ ‫تخضع لألسس التقليدية؟‬
‫فهي رواية «رجال في الشمس» لغسان‬
‫كنفاني‪ ،‬و»سداسية األيام الستة» إلميل‬ ‫إن رواية القرن العشرين تختلف عن‬
‫اختالفا ً‬
‫بينا في‬ ‫ً‬ ‫رواية القرن التاسع عشر‬
‫حبيبي‪ ،‬ثم هذه الرواية الصغيرة الجديدة‬
‫إلسماعيل فهد إسماعيل‪.‬‬ ‫بنائها الفني‪ ،‬وفي تناولها الروائي على حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫ً‬
‫اسما‬ ‫وإسماعيل فهد إسماعيل قد يبدو‬
‫جديدا على كثير من القراء العرب‪ ،‬وقد كان‬ ‫نعم‪ ..‬إن شقة الخالف الواسعة بين‬
‫ً‬
‫جديدا بالنسبة لي حتى لقيته‪ .‬إذ زارني‬ ‫الرواية التقليدية والرواية المعاصرة‪ ،‬رغم‬
‫قادما من الكويت إلى القاهرة في عمل‬ ‫أننا في أدبنا العربي ال‬
‫يتصل بالتربية والتعليم اللذين يمارسهما‪،‬‬ ‫نستطيع حتى اآلن أن نقول أن لنا‬
‫وقضينا ساعة نثرثر‪ ،‬ثم دفع إلي بعملين‬ ‫ً‬
‫طموحا إلى تجاوز اآلفاق التقليدية إلى آفاق‬
‫من أعماله‪ .‬مجموعة قصصية‪ ،‬ورواية‬ ‫جديدة‪ ،‬فما زال معظم أدبنا الروائي ينبع‬
‫ألقرأهما‪ ،‬وأحدثه عن رأيي فيهما‪.‬‬ ‫من منطق «الحدوتة» وهو في سبيل ذلك‬
‫وكانت الرواية مفاجأة كبيرة لي‪ .‬فهذه‬ ‫يعني بوصف ظاهر األشخاص‪ ..‬مالمحهم‬
‫رواية جديدة كما أتصور‪ .‬رواية القرن‬ ‫وسيماهم‪ ،‬ويهتم بما يجري فوق سطح جبل‬
‫العشرين‪ .‬قادمة من أقصى المشرق العربي‪،‬‬ ‫الجليد ال بما يعتمل في أعماقه الراسخة‬
‫حيث ال تقاليد لفن الرواية‪ ،‬وحيث ما زالت‬ ‫في قاع البحر‪.‬‬
‫الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان‪ .‬ولم يكن‬ ‫ومنذ عشر سنوات كان األمر أوضح‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وهو هارب إلى الفراغ المجهول‪ .‬وهو‬ ‫سر دهشتي هو ذلك فحسب‪ ،‬بل لعل ذلك‬
‫ً‬
‫أحالما‪ ،‬ويبشر‬ ‫ليس ً‬
‫بطال رومانتيكيا يحمل‬ ‫لم يدهشني إال بعد أن أدهشتني الرواية‬
‫بالخير والمحبة ويتمتع بهذا الخداع الذي‬ ‫ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم‪،‬‬
‫يدلس به البعض على نفوسهم حين يزعمون‬ ‫وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة‬
‫أن العالم يحتويهم ألنهم مالئكة في هيئة‬ ‫والفكر المتغلغل كله في ثناياها‪.‬‬
‫بشر‪ ،‬وشموع منيرة تحرق نفسها لتضيء‬ ‫إن الرواية الحديثة بناء فني عسير‪.‬‬
‫لآلخرين‪ .‬بل أن لهذا البطل انحداراته‬ ‫فقد تكون الرواية التقليدية واضحة الحدود‬
‫المسنة‪ ،‬أو على األصح انحداراته اإلنسانية‪،‬‬ ‫سهلة المعالم‪ .‬فما على الروائي إال أن يبدأ‬
‫وربما كان الصراع الذي يدور في باطنه‬ ‫بتقديم شخصياته‪ ،‬ثم يتأزم بينها موقف من‬
‫هو صراع بين نفسه ونفسه‪ ..‬بين النفس‬ ‫المواقف‪ ،‬لكي ينحل بعد ذلك ً‬
‫حال ينبع من‬
‫الغارقة في حمأة التجربة والنفس المتطلعة‬ ‫باطن الرواية‪.‬‬
‫للبراءة‪ ..‬بين النفس المثقلة باألغالل بمجرد‬
‫أن وطأت األرض‪ ،‬وبين النفس الطامحة إلى‬ ‫أما الرواية الحديثة فهي مغامرة‬
‫الحرية األثيرية‪ ،‬ولكن البطل يعلم من خالل‬ ‫دائمة‪ ،‬واكتشاف متجدد‪ ،‬وبحث ال ينقطع‬
‫هذه الرحلة أن عليه أن يالمس األرض‪ ،‬وأن‬ ‫عن المنهج واألسلوب‪ .‬إن الشخصية ال‬
‫ً‬
‫نظاما‪ ،‬ومن كثيف‬ ‫يخرج من زحمة الفوضى‬ ‫تولد ناضجة‪ ،‬ولكنها تولد في كل لحظة‪،‬‬
‫ً‬
‫بصيصا من نور‪.‬‬ ‫الظالم‬ ‫وتتكشف عن مدار صفحات الرواية‪،‬‬
‫وتتصارع مع باطنها‪ ،‬لتزداد غنى تضيفه‬
‫يحمل بطلنا ماضيه كما يحمل زميله‬ ‫على العمل الفني‪.‬‬
‫الهارب‪ ..‬أحد الجالدين والضحايا في‬
‫الوقت ذاته‪ ..‬صرعى االنقالبات المقنعة‬ ‫ورواية «كانت السماء زرقاء» إلسماعيل‬
‫بالشعارات الثورية التي اجتاحت بعض‬ ‫فهد إسماعيل رواية مفصلة ونافذة األثر‬
‫أجزاء وطننا العربي‪ ..‬قاتل ومقتول‪.‬‬ ‫في الوقت ذاته‪.‬‬
‫إنه يخوض رحلة الهرب هو اآلخر‪ ،‬ولكن‬ ‫أنهما رحلتان يخوضهما البطل نحو عمق‬
‫الرصاصة تستقر في مؤخرته فتقعده‬ ‫الحياة‪ .‬رحلتان مشوبتان بالمعاناة والتوسخ‬
‫ليعاني سكرات الموت بعد أن أذاقها‬ ‫والعذاب‪ .‬ولكنهما رحلتان ضروريتان‪.‬‬
‫ً‬
‫تماما‪..‬‬ ‫لآلخرين‪ .‬وهو مثل ماضي البطل‬ ‫فالبطل هارب‪ ،‬ال يدري أيهرب من قدره أو‬
‫ملوث يطمح إلى النظافة‪ .‬خادع ومخدوع‪.‬‬ ‫من الطين الذي ساخت فيه قدماه منذ أن‬
‫الدم يلوث كال منهما‪ .‬أما هذا الهارب فهو‬ ‫وطأتا أرض الحياة‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪40‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ذيله‪ .‬فإذا به يبعث أثر موقف ما أو حادثة‬ ‫ملوث بدم المجتمع‪ ،‬بينما تلوث بطلنا بدم‬
‫ما‪ ،‬ويعود إلى ذهن البطل ووجدانه بكل‬ ‫البراءة ذاتها‪.‬‬
‫قوته وعرامته‪ .‬هذا البعد هو الذي اكتسبته‬ ‫ً‬
‫كثيرا‬ ‫حقا أن نلخص‬ ‫ً‬ ‫من الصعب‬
‫الرواية من كشوف علم النفس‪ ،‬ومن قوانين‬ ‫من األعمال الفنية‪ ،‬وبخاصة إذا كانت‬
‫ً‬
‫مباحا‪،‬‬ ‫ً‬
‫سهال‬ ‫التداعي‪ .‬ولكنه ليس كسبا‬ ‫قد اجتازت رحلة التقليدية إلى مرحلة‬
‫بل لعله من أصعب األمور أن يحكم الكاتب‬ ‫المعاصرة‪ .‬وفي روايتنا هذه نستحكم‬
‫منطق التداعي‪.‬‬ ‫الصعوبة‪ ،‬فالخطان أو الحبالن مفتوالن‬
‫وفي رواية «كانت السماء زرقاء» يتبدى‬ ‫بحذق وإحكام بنفس درجة الحذق واإلحكام‬
‫ً‬
‫عفويا‬ ‫اقتدار الكاتب الذي يوشك أن يكون‬ ‫التي نجدها في االنتقاالت بين الماضي‬
‫على استغالل منطق التداعي‪ ،‬وعلى جدل‬ ‫والحاضر‪ ..‬بين ما يعيشه البطل في حياته‬
‫حبلي الماضي والحاضر في حبل واحد‪.‬‬ ‫ما يعيشه في تذكاراته‪ .‬هذه النقالت التي‬
‫ً‬
‫وأخيرا فإن هذه الرواية من أهم الروايات‬ ‫تخضع لإلبهام كما تخضع للتصميم والتي‬
‫التي صدرت في أدبنا العربي حتى اآلن‪.‬‬ ‫تستوقفنا في أدب فرجينيا وولف ووليم‬
‫ً‬
‫كثيرا‪،‬‬ ‫وهي لن تمتع القارئ المتعجل‬ ‫فولكنر‪.‬‬
‫ولكنها بال شك ستزعج القارئ المخلص‬ ‫إن الذكرى هي البعد الرابع الذي أضافه‬
‫الرصين وتدفعه إلى التفكير‪ ،‬بل وتصبح‬ ‫القرن العشرين إلى الرواية‪ .‬فلقد كانت‬
‫ثقال على ضميره‪ ،‬يظل هذا الثقل حتى‬ ‫ً‬ ‫هناك ثالثة أبعاد للرواية‪ .‬أولهما الزمن‬
‫يستطيع شرقنا العربي أن يتجاوز آفاقه‬ ‫الذي تدور فيه‪ .‬وثانيهما أحساس الرواية‬
‫ً‬
‫وإشراقا وحرية‬ ‫المعتمة إلى آفاق أكثر ً‬
‫نورا‬ ‫بالمجتمع والتاريخ‪ ،‬وثالثهما الرؤية الواسعة‬
‫ونظافة‪.‬‬ ‫المستعرضة التي تتناول نماذج عدة من‬
‫إن الكاتب الذي يكتب ليمتع الناس عليه‬ ‫األشخاص‪ .‬ونستطيع أن نجد شواهد ذلك‬
‫اآلن أن يكتب ليهزهم ويزعجهم‪.‬‬ ‫على الترتيب في أعمال تولستوي وديكنز‬
‫لقد تعودنا أن يكتب الكاتب للناس‪ ،‬ثم‬ ‫وبلزاك‪.‬‬
‫حاول بعض ّ‬
‫الكتاب أن يكتبوا مع الناس‪.‬‬ ‫أما البعد الرابع وهو الذكرى‪ ..‬هو‬
‫فلنجرب اآلن أن نكتب ضدهم‪ .‬وهذه‬ ‫العودة بعمق إلى ماضي الشخصيات أو‬
‫الرواية هي إحدى عالئم التحول الكبيرة‬ ‫ما طوته من صفحات حياتها في أعماق‬
‫الواضحة‪.‬‬ ‫ضميرها‪ ،‬وظنت أن النسيان قد سحب عليه‬

‫‪41‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪..‬‬


‫«نخلة عطاء دائم»‬

‫علي أن أكتب عن مبدع‬ ‫أصعب ما ّ‬


‫صديق رحل عنا جسداً ‪ ،‬مع كل إيماني‬
‫بأنه بقي حياً معنا من خالل ما تركه لنا‬
‫من إبداعات ال تنسى‪..‬‬

‫❋‬
‫بقلم‪ :‬عبداإلله عبدالقادر‬

‫ّ‬
‫السياب الذي هو‬ ‫أشير إلى بدر شاكر‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل العربي‬
‫اآلخر ُولد في بساتين أبي الخصيب‬ ‫الكويتي العراقي‪ ،‬هل من تسميات‬
‫ً‬
‫أيضا‬ ‫في جنوب البصرة‪ ،‬وهنا أشير‬ ‫أخرى لهذا المبدع‪ ،‬الذي أجده مثل‬
‫إلى طيبة أهل هذه البقعة‪ ..‬فكلما‬ ‫نخلة معمرة إال أن رطبها ال ينقطع‪.‬‬
‫نسافر مع شط العرب حتى مصبه في‬ ‫وإسماعيل ليس من البصرة فحسب‪،‬‬
‫الفاو‪ ،‬تزداد طيبة الناس‪ ،‬وال عجب أن‬ ‫بل من بقعة خصبة معروفة بخصبها‬
‫نكتشف هذه الطيبة في رائحة إسماعيل‬ ‫لعلي هنا‬
‫ّ‬ ‫وما أنتجته من مبدعين‪،‬‬
‫❋ كاتب عراقي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪42‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫‪43‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الفلسطينيين والمخيمات‪ ،‬برزت في‬ ‫وأخالقه وهدوئه‪ ،‬وهو المملوء بكل ما‬
‫روايته «ملف الحادثة ‪.»67‬‬ ‫في اإلنسان من أحاسيس وعواطف‬
‫تداعيات الحرب األهلية اللبنانية‬ ‫وأعصاب‪.‬‬
‫وما نتج عنها من تشوهات في الحياة‬ ‫سيرته لم تكن خافية على أحد‪ ،‬بل‬
‫اللبنانية العامة‪ ،‬برزت بشكل واضح في‬ ‫ظهرت في أعماله ورواياته وهو يقدم‬
‫رواية «الشياح»‪.‬‬ ‫ً‬
‫أنماطا إنسانية بسيطة في مجملها‪،‬‬ ‫لنا‬
‫التناقضات في المجتمع الكويتي‬ ‫ومهمشة في معظمها‪ ،‬ومأساوية في‬
‫وأزمة العمالة اآلسيوية‪ ،‬ظهرت في‬ ‫حياتها‪ ،‬بل عبثية كما هو الواقع الذي‬
‫ً‬
‫«بعيدا عن هنا»‪.‬‬ ‫رواياته المختلفة مثل‬ ‫عاشته‪ ،‬فهي شخصيات تعاني من‬
‫الغربة واالغتراب في عالم متناقض‬
‫أما مصر‪ ،‬فقد اختار لها الفترة‬
‫ال يدعو إال إلى اإلحباط والعجز‪،‬‬
‫المملوكية إبان الحملة الفرنسية‪،‬‬
‫السلطة‬ ‫من‬ ‫والهروب‬ ‫االنسحاق‬
‫وهو ما تجلى في ثالثية «النيل يجري‬
‫الديكتاتورية‪ ،‬واالعتقال وما يجره من‬
‫ً‬
‫شماال»‪ ،‬وغيرها‪..‬‬
‫تعذيب وافتقار إلى روح العدالة‪ ،‬بل‬
‫إذن‪ ،‬فرحيل هذه القامة العمالقة‬
‫العدالة ذاتها ظهرت في رواياته التي‬
‫في الرواية العربية خسارة‪ ..‬والخسارة‬
‫كانت تصور الفترة العراقية في حياته‬
‫ً‬
‫جديدا له‪ ،‬إنما‬ ‫تكمن في أننا لن نقرأ‬
‫أمثال ما يحدث اليوم‪ ،‬المستنقعات‬
‫عزاؤنا أن أعماله ورواياته حية بيننا‪،‬‬
‫الضوئية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وسنكتشف بين الحين واآلخر ما حققه‬
‫هذا الروائي الخليجي‪ ،‬الذي سجل‬ ‫كذلك لم ينس فترة االعتقاالت في‬

‫اسمه بين الروائيين العرب الكبار عن‬ ‫عهد عبد الكريم قاسم‪ ،‬التي تجسدت‬

‫جدارة وإبداع‪ ،‬وستظل أجيال بعد‬ ‫في السجين كاظم عبيد كما في روايته‬

‫أجيال تقرأ إلسماعيل فهد إسماعيل‪،‬‬ ‫«الحبل»‪.‬‬

‫وتكتشف به الجديد في الرواية التي‬ ‫القضية الفلسطينية وواقع الالجئين‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪44‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫من الثابت أنها ستظل حية عبر سنوات والظلم االجتماعي والهروب القسري‪،‬‬
‫طويلة‪ ،‬فنصوصه الروائية متفتحة وكل هذا لم يضطره لترك فنية السرد‪،‬‬
‫على آليات متعددة في أسلوبه وسرده إنه مبدع في زمن صعب اإلبداع فيه‪،‬‬
‫وإيقاعه‪ ،‬وتتعدى إلى بعض الفنون مثلما صعبت الحياة وتشعبت وسائل‬
‫البصرية وبنية السيناريو ولغة مكثفة اضطهاد البشر‪ ،‬وزادت قسوة الظروف‬
‫تعتمد على االختزال اللغوي في بنية السياسية واالقتصادية والحياتية‪ ،‬والتي‬
‫الجملة والتصوير الفانتازي‪ ،‬ولعل تلك عانى منها إسماعيل مثل غيره من أبناء‬
‫األجيال تكتشف المزيد مما استطعنا جيله‪ ،‬الذين قدر لهم أن يعيشوا في زمن‬
‫نحن أصدقاؤه وقراء رواياته اكتشافها ومكان ما عاش به الروائي أو حتى هذا‬
‫الوطن الكبير الذي يمتد من الماء إلى‬ ‫والتعرف عليها‪.‬‬
‫ً‬
‫ضيقا إلنسان يحلم‬ ‫لم يستطع الحضور إلى دبي الستالم الماء‪ ،‬إال أنه ظل‬
‫جائزته بعد أن فاز بجائزة سلطان بن بالحرية والحياة‪.‬‬

‫صديقي إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫علي العويس الثقافية في حقل الرواية‬


‫ً‬
‫كبيرا بين وابن مدينتي الذي فقدته‪ ،‬بل أخي‬ ‫ً‬
‫فراغا‬ ‫ألسباب صحية‪ّ ،‬‬
‫وولد‬
‫ً‬
‫كثيرا واالستماع‬ ‫الفائزين إذ ظهرت قامته التي غابت عن الذي سأحن إليه‬
‫األعين‪ ،‬وعاشت في القلوب بل برز إنجازه له عبر الهاتف وسيلتنا للحديث‪ ،‬بعد‬
‫الروائي الذي لم يتحدد في جغرافية أن تقطعت بنا السبل األخرى‪ ،‬سأظل‬
‫ً‬
‫ومكثرا‪ ،‬حاول‬ ‫ً‬
‫جادا‬ ‫ً‬
‫عربيا‬ ‫ً‬
‫روائيا‬ ‫واحدة‪ ،‬إنما تعددت أحداث رواياته ما بين أذكره‬
‫البصرة والعراق وإيران والكويت ولبنان أن ينوع في عطائه بين الواقع واألفكار‬
‫ومصر‪ ،‬بل ما بين السجون والمخيمات المجردة والفلسفة‪ ..‬والخالصة أن‬
‫والمصانع والفالحين‪ ،‬وكل ذلك ارتبط أعماله جديرة بالدراسة المعمقة‬
‫ً‬
‫مركزا على والتحليل الجاد في إطار بعد نقدي‬ ‫داخل النسيج الروائي‪،‬‬
‫االغتراب والغربة واالضطهاد السياسي حديث‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل ‪..‬‬


‫نصف قرن من التجريب والمغامرة‬

‫رحل عن عالمنا في الخامس والعشرين من سبتمبر‬


‫الفائت رائد الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫(‪ ،)2018 - 1940‬الذي يعتبر مؤسسها الحقيقي من خالل‬
‫االنتقال بها من مجرد حكاية إلى أفق الرواية كفن متكامل‬
‫تشكل الحكاية عنصرا من عناصره ليس إال‪ .‬واألكثر أنه‬ ‫ّ‬
‫تمكن ومنذ أوائل سبعينيات القرن العشرين من أن يحجز‬ ‫ّ‬
‫مكانا في صدارة المشهد الروائي ال في الكويت فقط‪ ،‬بل‬
‫في الوطن العربي ككل‪ ،‬فقد تجاوز الهامش منذ البداية‪،‬‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬عبدالكرمي املقداد‬ ‫ووقف في خانة الند مع الروائيين العرب البارزين‪ ،‬ولكن ما‬
‫الذي أكسبه هذه المكانة وأعطاه ذلك الحضور؟‬

‫عام ‪ 1965‬ولم تنشر إال في العام ‪،1970‬‬ ‫لقد كان إسماعيل الفهد على مدار نحو‬
‫وبدت كخطوة أولى في طريق طويل من‬ ‫نصف قرن األخلص للرواية واألغزر إنتاجا‬
‫الجرأة والتجريب‪ .‬ومثلما انفتحت رواياته‬ ‫ً‬
‫وتجريبا‪ ،‬إذ ترك نحو خمس وثالثين رواية‬
‫فكريا على القضايا العربية‪ ،‬انفتحت على‬ ‫ً‬
‫وعددا من المؤلفات في مجال المسرح‬
‫التجريب الفني من أوسع أبوابه‪.‬‬ ‫والنقد والقصة القصيرة‪ .‬وما ّ‬
‫ميزه أنه لم‬
‫لم يكن تيار الوعي‪ ،‬والنبش في دواخل‬ ‫يبدأ مقلدا‪ ،‬بل مجربا ومغامرا منذ روايته‬
‫الشخوص عبر التداعي والمونولوج قد‬ ‫األولى (كانت السماء زرقاء) التي كتبها‬
‫❋ كاتب سوري مقيم في الكويت‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪46‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫معظم نصوص رواياته فهي المحاوالت‬ ‫عرف في الرواية العربية آنذاك إال على‬
‫الدائبة لمسرحة الرواية من خالل االتكاء‬ ‫نطاق ضيق‪ ،‬ومع ذلك وجدنا إسماعيل‬
‫الكبير على الحوار‪ .‬كما ال يمكن التغاضي‬ ‫الفهد يعتمده في أولى رواياته (كانت‬
‫تقصده اعتماد لغة مغايرة عمادها‬ ‫عن ّ‬ ‫السماء زرقاء)‪ .‬وأبرز دليل على حداثة‬
‫الحذف واالختصار واالستغناء عن أدوات‬ ‫هذه التقنية والخوف من بلبلة القارئ‬
‫الربط والتأكيد وحروف الجر‪ ،‬وقد غدت‬ ‫الذي لم يكن قد اعتادها هو طريقة طباعة‬
‫هذه التقنيات كما سنرى أهم مرتكزات‬ ‫ميزت (التداعي) فيها بحروف‬‫الرواية التي ّ‬
‫تجربته الروائية‪.‬‬ ‫غامقة‪ ،‬بينما أبقت على غيره بحروف‬
‫‪ - 1‬الحوار‬ ‫عادية فاتحة‪ .‬وقد ّثبت الكاتب ذلك في‬
‫مالحظة له وردت في هامش الصفحة‬
‫يشغل الحوار الجزء األكبر من نص‬
‫الرابعة والعشرين من الرواية‪( :‬من أجل‬
‫رواية (كانت السماء زرقاء)((( حيث يتقزم‬
‫زيادة اإليضاح عملنا على أن يكتب التداعي‬
‫السرد‪ ،‬ويتراجع أمام سطوة الحوار الذي‬
‫الذي يرد ذهن البطل والتداعي الذي يرد‬
‫انقسم إلى قسمين‪ :‬حوار مباشر يجري‬
‫عن طريقه بحروف بارزة)‪.‬‬
‫بين البطل والضابط الجريح‪ ،‬وحوار‬
‫مستعاد يتداعى إلى ذاكرة البطل ليكشف‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل أبرزت الرواية‬
‫مذاك تقنية فنية أثيرة رافقت الكاتب‬ ‫ّ‬
‫جزئيات مهمة من الحكاية‪ ،‬ويلقي الضوء‬
‫بشكل ال مباشر على ماضي البطل‬ ‫في جل رواياته‪ ،‬أال وهي تقنية التقطيع‬
‫والمخاضات التي عملت على إيصاله إلى‬ ‫السينمائي‪ /‬المونتاج‪ /‬التي أحالت النص‬
‫خطية التصاعد‬ ‫ّ‬ ‫إلى مشاهد كسرت‬
‫الوضع الراهن‪ .‬حاضر وماض يتواشجان‬
‫فيحمالن الحكاية على جناحي الحوار‪.‬‬ ‫الزمني الكرونولوجي للحكاية‪ ،‬فتناثرت‬
‫أجزاؤها على تلك المشاهد‪ ،‬وبات على‬
‫تبدأ الرواية من نهاية الحكاية المتمثلة‬
‫القارئ أن يجتهد قليال للملمتها وإعادة‬
‫بفشل البطل في الهروب من العراق إلى‬
‫تركيبها‪ .‬كما برزت في هذه الرواية تقنية‬
‫إيران بعد رصد قوة خفر السواحل قارب‬
‫أسلوبية صارت فيما بعد عالمة بارزة‬
‫التهريب الذي كان يستقله وعدد من‬
‫في سرد الكاتب‪ ،‬وهي تقنية االختصار‬
‫الهاربين‪ ،‬حيث تم القبض على مجموعة‬ ‫على مستويات التراكيب والزمان والمكان‬
‫‪1970‬‬ ‫((( (كانت السماء زرقاء)‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‬ ‫والشخوص‪ .‬أما التقنية األبرز التي مخرت‬

‫‪47‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أما الحوارات المباشرة بينه وبين‬ ‫منهم بينما نجا هو والضابط الجريح‪ .‬بهذا‬
‫الضابط‪ ،‬فتمتد متقطعة على طول الرواية‬ ‫الحاضر تبدأ الرواية‪ ،‬ويبدأ حوار متقطع‬
‫ال يفصل بينها إال الحوارات المستعادة بينه‬ ‫بينهما يهيئه السرد بتحديد وتوصيف‬
‫وبين ذات الثوب األزرق‪ ،‬وبينه وبين زوجته‪.‬‬ ‫المكان الذي وصاله والحال التي آال إليها‪.‬‬
‫وفي أغلب األحيان ال تأتي الحوارات‬ ‫ومن خالل الحوار المباشر بينهما تطفر‬
‫صافية‪ ،‬بل مترافقة مع سرد وصفي يعكس‬ ‫كلمة‪ ،‬أو ينتأ مشهد عبر البيئة المحيطة‪،‬‬
‫الحال الظاهرية للبطل أحيانا‪ ،‬والحال‬ ‫فتنفتح ذاكرة البطل على مشهد من الماضي‬
‫الباطنية في أحايين أخرى‪.‬‬ ‫يعيد رصف جزء من الحكاية‪ .‬فعندما رأى‬
‫الحال ذاتها تتجسد في رواية (الحبل)‬
‫(((‬ ‫الضوء األزرق (نقل عينيه عن األضواء‬
‫الصادرة في العام ‪ ،1972‬فالتداعي هو سيد‬ ‫الحمراء التي تعلو خزانات النفط إلى ضوء‬
‫الموقف حيث تبدأ الحكاية من النهاية على‬ ‫أزرق بعيد)‪ ،‬تذكر اللقاء الذي جمعه بذات‬
‫غرار (كانت السماء زرقاء)‪ ،‬وبالتالي يتكفل‬ ‫الثوب األزرق عند األريكة الخشبية الملقاة‬
‫تيار الوعي في تنسيل أجزاء الحكاية عبر‬ ‫إلى جانب الشارع‪ ،‬فاستحضر الحوار الذي‬
‫ذاكرة البطل «كاظم عبيد»‪ ،‬فتأتي في‬ ‫دار بينهما (من الصفحة ‪ 26‬إلى الصفحة‬
‫أغلب األحيان على شكل حوار تصاحبه‬ ‫‪ .)32‬وفي الصفحة التالية (حانت منه‬
‫إشارات سردية تعكس اإلحساس الداخلي‬ ‫التفاتة إلى خلف « الشمس تشرق من‬
‫للشخصية‪ .‬وليس حاضر البطل إال رد‬ ‫إيران» وابتسم بغباء)‪ .‬هذه االبتسامة‬
‫فعل على ماضيه الذي يتكفل المونولوج‬ ‫أعادته إلى ابتسامة صاحبه الذي كان‬
‫باستحضاره على شكل مشاهد ال تحفل‬ ‫يجالسه على األريكة الخشبية (صاحبه‬
‫بالتتالي الزمني للحكاية‪ ،‬ما يفرض على‬ ‫ابتسم ‪ -‬أيضا ‪ -‬عندما ألقى بجسده‬
‫القارئ تجميعها وإعادة منتجتها لبناء‬ ‫على األريكة الخشبية)‪ ،‬فاستحضر‬
‫الحكاية ككل‪ .‬ففي لحظة حاضرة تستعيد‬ ‫الحوار الذي دار بينهما‪ .‬وخالل حواره‬
‫ذاكرته الحوار الذي جرى بينه وبين ضابط‬ ‫الحاضر والمباشر مع الضابط الجريح‬
‫األمن حين مداهمة شقته (ص ‪ ،)32‬وعبر‬ ‫يتفوه بعبارة (أفيون األسف)‪ ،‬فيفتح‬
‫التداعي يتذكر عودته إلى مقر عمله بعد‬ ‫هذا (األسف) ذاكرته على واقعة طالقه‬
‫خروجه من السجن وحواره مع المسؤول‬ ‫لزوجته‪ ،‬وحواره مع ذات الرداء األزرق‬
‫‪1972‬‬ ‫((( (الحبل)‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بيروت‬ ‫حول ذلك (‪ ،)64 - 62‬وهكذا‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪48‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫سيجارة‪ .‬ينفث الدخان بنفاد صبر‪.‬‬ ‫الكبير (ص ‪ ،)48‬وحين يتذكر حادثة عودته‬
‫المحقق‪ :‬أنت عنيد وبليد!‬ ‫من الكويت إلى العراق يتداعى أمامه مشهد‬
‫توقيفه عند الحدود (ص‪.)62‬‬
‫المتهم‪... :‬‬
‫وتكاد هيمنة الحوار في رواية (ملف‬
‫يد المحقق تمتد إلى المذياع الصغير‬ ‫الحادثة ‪ ((()67‬أن تدخلها في خانة‬
‫أمامه‪ .‬يدير المفتاح‪.‬‬ ‫المسرحية‪ ،‬فالكاتب لم يكتف بأن يبتلع‬
‫المذياع‪ :‬لكن وسائل دفاعنا الجوي‬ ‫الحوار الرواية كلها‪ ،‬بل عمد إلى تأثيث‬
‫استطاعت أن تجبر الطائرات المغيرة على‬ ‫خشبة المسرح قبل صعود الشخصيات‬
‫الفرار‪...‬الخ ص ‪)8-7‬‬ ‫المتحاورة‪ ،‬فحدد الزمان والمكان‬
‫والحالة قبل الدخول في كل مشهد من‬
‫وفي بعض األحيان يأتي الحوار‬
‫مشاهد الرواية‪( :‬الزمان‪ :‬اآلن‪ .‬المكان‪:‬‬
‫خالصا‪ ،‬عاريا من أي إشارات سردية‬ ‫غرفة تحقيق‪ ،‬مع المحقق األول‪ .‬الحالة‪:‬‬
‫كالحوار الذي يدور بين المتهم والشرطي‬ ‫استجواب ص ‪( ،)7‬المكان‪ :‬غرفة تحقيق‪،‬‬
‫الذي يصحبه لمواجهة الكلب البوليسي‬ ‫مع المحقق الثاني‪ .‬الحالة‪ :‬استجواب ص‬
‫ً‬
‫استعاديا‬ ‫ً‬
‫وأحيانا يكون الحوار‬ ‫(ص ‪.)24‬‬ ‫‪( ،)15‬المكان‪ :‬سيارة جيب‪ ،‬مع الشرطي‪.‬‬
‫تستدعيه الذاكرة عبر المونولوج‪ ،‬ويأتي‬ ‫الحالة‪ :‬حوار ص ‪( ،)23‬المكان‪ :‬صالة‬
‫مدعما بإشارات سردية خاطفة تكشف‬ ‫واسعة‪ ،‬مع الكلب‪ .‬الحالة‪ :‬على حافة‬
‫دخيلة البطل‪( :‬قلبي يحدثني‪ - :‬ابتعد!!‬ ‫الهذيان ص ‪ )34‬وهكذا‪.‬‬
‫لكن األنين المفجوع‪ :‬آآه ‪ ..‬آآ ‪ ...‬فكان‬ ‫أما الحوارات التي تلت سيناريوهات‬
‫قرارا سريعا‪ :‬ألقترب ‪ ..‬وأرى! قلبي يعود‬ ‫إعداد المسرح فانقسمت إلى حوارات‬
‫يحدثني‪ - :‬االبتعاد أفضل ‪ ...‬الخ ص ‪)50‬‬ ‫مباشرة‪ ،‬وأخرى استعادية عبر تيار الوعي‪.‬‬
‫ويتنوع الحوار في رواية (الطيور‬ ‫وحتى ال يغيب السارد تماما ويقع الكاتب‬
‫واألصدقاء)((( التي ال يتجاوز زمنها‬ ‫في فخ المسرح الخالص عمد إلى تأثيث‬
‫زمن سهرة فنية تقام في أحد الفنادق‬ ‫الحوار باإلشارات السردية الشارحة‬
‫ويحضرها البطل وصديقته‪ ،‬ومجموعة‬ ‫والموجهة‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫والواصفة‬
‫من التجار‪ ،‬وعدد من الفنانين‪ ،‬حيث يغص‬ ‫(المحقق يطبق الملف بعصبية‪ .‬يخرج‬
‫‪1996‬‬ ‫((( (الطيور واألصدقاء)‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‬ ‫ط‪1996 ،3‬‬ ‫((( (ملف الحادثة ‪ ،)67‬دار المدى‪ ،‬دمشق‪،‬‬

‫‪49‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫سيجارة‪ .‬تمد يدك إلى علبة سجائرك‪.‬‬ ‫المتن بمشاهد حوارية مختلفة تدور بين‬
‫العلبة تقترن بوجه صديق آخر كان قد‬ ‫أفراد كل فئة من هذه الفئات‪ ،‬إضافة‬
‫تداعى في مخيلتك قبل قليل‪ « ...‬سأكتب‬ ‫إلى حوارات برقية بين فئات أخرى من‬
‫لهذا اللحن شعرا جديرا به!»‪ّ .‬‬
‫صرح بلهجة‬ ‫الحضور‪ .‬وبينما يكون الحوار حاضرا‬
‫تنم عن اإلصرار‪ .‬كنتم في إحدى رحالتكم‬ ‫وصريحا في وسطي التجار والفنانين‪ ،‬نقع‬
‫الخلوية‪ .‬ساعتها ضحكتم جميعا‪ « .‬موعد‬ ‫على حوارات استعادية تتداعى عبر ذاكرة‬
‫عرقوبي!» ص ‪.)31-30‬‬ ‫البطل‪ ،‬وتأتي في ثنايا الحوار المباشر‬
‫و ُيقصي الحوار السرد إلى حد بعيد‬ ‫والمتقطع بينه وبين صديقته المنسجمة‬
‫في رواية (يحدث أمس)((( أيضا‪ ،‬فتبدو‬ ‫بأجواء الحفل‪ ،‬وكالعادة تأتي ملفوفة بغاللة‬
‫الغلبة له بال منازع‪ .‬وعلى طريقته األثيرة‬ ‫سردية تصف وتؤشر وتنضح الدواخل‪:‬‬
‫‪1997‬‬ ‫((( (يحدث أمس)‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‬ ‫(الذكرى تقترن برغبة عارمة لتدخين‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪50‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫باب الهوى؟!‬ ‫يبني إسماعيل الفهد نص الرواية بأسلوب‬


‫يرددها السائق كما األحجية المستغلقة‪.‬‬ ‫تيار الوعي‪ ،‬فيبدأ الحكاية من نهاياتها‪،‬‬
‫ابتسامة متفهمة ترتسم على فم سليمان‪،‬‬ ‫ثم يسلس القياد للتداعي للعودة إلى‬
‫يعود يوضح‪:‬‬ ‫البدايات بشكل متعرج ال خطي‪ ،‬فتنبثق‬
‫جزئيات الحكاية من خالل حوارات‬
‫قرية صغيرة ملحقة بقرية السبيليات‪.‬‬
‫مباشرة ومستعادة‪ ،‬مصحوبة بسرد‬
‫األحجية وقد استغلقت على السائق‬ ‫مقتصد‪ ،‬يصف ويشرح ويكشف‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫أكثر‪:‬‬ ‫تنسج الرواية خيوطها الحكائية بالحوار‬
‫السبيليات؟! ‪ ...‬ص‪.)10‬‬ ‫ال بالسرد‪ .‬فمن السجن المغلق الذي‬
‫انتهت إليه الشخصيات الرئيسة الثالث‬
‫وحين يصل السجن يبادره الموقوف‬
‫تحملنا الحوارات إلى الفضاء الحياتي‬
‫حاكم سلطان‪:‬‬
‫المفتوح في الخارج‪ ،‬فنتعرف من خالل‬
‫(‪ -‬أنت غريب على البلد‪.‬‬ ‫بوحها المباشر‪ ،‬أو المحمول على جناحي‬
‫قالها بتقريرية دالة‪ ،‬واستطرد‪:‬‬ ‫الذاكرة‪ ،‬على الحيوات الماضية لكل منهم‪،‬‬
‫والظروف المحيطة التي أوصلتهم إلى‬
‫‪ ..‬والدليل أنك تصرفت برعونة‪.‬‬
‫هذا السجن‪.‬‬
‫اللهجة التقريرية ال تهدف تهين بقدر‬
‫يقودنا الحوار منذ الصفحة األولى‬
‫ما تهدف تؤكد‪.‬‬
‫للرواية وال يدعنا إال مع طي الصفحة‬
‫رعونة!!‬ ‫األخيرة منها‪ ،‬لكن تبقى للسرد مهمته‬
‫النعت يعبر إلى ذاكرة سليمان يحفزها‬ ‫المقتضبة في التوجيه وكشف الحال‬
‫أكثر ‪ ...‬ص‪.)43‬‬ ‫الداخلية والخارجية للمتحاورين‪ ،‬ويتضح‬
‫المعالجة ذاتها نراها في روايتي (بعيدا‬ ‫ذلك منذ البداية من خالل حوار سليمان‬
‫إلى هنا) و(الكائن الظل)‪ ،‬ففي حين‬ ‫يوسف العائد من الكويت إلى البصرة بعد‬
‫يفترش الحوار مساحات واسعة من نص‬ ‫غياب دام سبع سنوات مع السائق الذي‬
‫األولى‪ ،‬نراه يطغى على نص الثانية حتى‬ ‫أوصله إلى القرية‪:‬‬
‫يكاد يحيلها إلى مسرحية‪ .‬وفي الروايتين‬ ‫(‪ -‬المكان الذي أقصده هو قرية باب‬
‫كموجه وواصف‬‫ّ‬ ‫يبقي الكاتب على السرد‬ ‫الهوى‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ليرتضي السرد بدوره الثانوي الذي رأيناه‬ ‫وكاشف‪ .‬ففي سياق تحضير سعود ودالل‬
‫في الروايات سالفة الذكر‪ ،‬فالرواية تتخذ‬ ‫لالحتفال بالذكرى الثانية لزواجهما في‬
‫من الفانتازيا أفقا لها ويتجسد ذلك‬ ‫ً‬
‫(بعيدا إلى هنا)((( تخاطب دالل زوجها‪:‬‬
‫بظهور حرامي بغداد (حمدون بن حمدي)‬
‫(‪ -‬سعود!‬
‫أيام الحكم العباسي لطالب جامعي يعد‬
‫رسالة بعنوان (بواعث العجب في حياة‬ ‫تلفظت اسمه كمن ينبهه‪.‬‬
‫أشهر لصوص العرب)‪ ،‬فيتواصل الحوار‬ ‫مقتضيات التحضير!‬
‫بين الشخصيتين من بداية الرواية حتى‬ ‫أضافت مؤنبة‪ ،‬لتختم تعتبه‪:‬‬
‫نهايتها‪ ،‬ليستحضر أحوال ومكانة وآليات‬
‫عمل اللصوص في ذلك العصر‪ ،‬مع بعض‬ ‫يفترض بك تعيش عصرك!‬
‫اإلحاالت على العصر الحالي‪.‬‬ ‫«قول األمر الواقع‪ ،‬أو التسليم به»‬
‫‪ - 2‬المونتاج‬ ‫ص‪.)8‬‬
‫ظهر ولع إسماعيل الفهد بتقنية‬ ‫وحين تدخل الخادمة المتهمة كوماري‬
‫المونتاج السينمائي منذ روايته األولى‬ ‫غرفة حجز النساء‪:‬‬
‫(كانت السماء زرقاء)‪ ،‬إذ عمد إلى تجزئة‬
‫مرحبا‬
‫الحكاية وتوزيعها على مشاهد يتبدل معها‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وال يعني تتابعها التتابع‬ ‫استقبلنك بحفاوة زمالة مفترضة‪.‬‬
‫الحكائي الكرونولوجي‪ .‬فهذا مشهد يتابع‬ ‫ليس ما يدعوك للجزع!‬
‫الزمن الحاضر‪ ،‬يليه آخر ينفتح على‬
‫هونت عليك إحداهن‪ .‬استفهمتك‬
‫الماضي‪ .‬وذاك مشهد ينير العالم الخارجي‬
‫مالطفة‪:‬‬
‫للشخصية والحدث‪ ،‬يتبعه آخر يغوص في‬
‫العالم الداخلي‪ ،‬وفي مكان آخر مختلف‬ ‫جريمتك؟‪ ...‬ص‪.)63-62‬‬
‫تماما وهكذا‪ .‬وقد رافقت هذه التقنية‬ ‫في (الكائن الظل)((( يتعملق الحوار‬
‫الكاتب في أغلب رواياته بعد ذلك حتى‬ ‫ويتصدى لحمل الرواية بأغلبها‪ ،‬كتقنية‬
‫غدت من أبرز التقنيات السردية عنده‪.‬‬ ‫رئيسة وركيزة أساسية في بنائها الفني‪،‬‬
‫ففي (كانت السماء زرقاء) يباشر‬ ‫‪2001‬‬ ‫((( (بعيدا إلى هنا)‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‬
‫الكاتب الرواية بمشهد البطل وقد نجا‬ ‫‪2001‬‬ ‫((( (الكائن الظل)‪ ،‬دار المدى‪ ،‬دمشق‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪52‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫تظهر هذه التقنية بجالء أكبر في رواية‬ ‫من خفر السواحل ووصل الشاطئ‪ ،‬حيث‬
‫(ملف الحادثة ‪ ،)67‬حيث يتم االنتقال‬ ‫صادف أرضا محاطة بأسالك شائكة وقد‬
‫من مشهد إلى آخر عبر التهيئة لدخول‬ ‫علق زميله الضابط بها‪ .‬وفي المشهد‬
‫المشهد باالستعانة بتقنية السيناريو التي‬ ‫التالي يعود إلى الوراء ليتذكر حادثة‬
‫تحدد المكان والزمان والحالة مسبقا‬ ‫اكتشاف خفر السواحل لزورقهم (كانت‬
‫قبل تصوير المشهد‪ .‬هذا تماما ما فعله‬ ‫الساعة تقارب الثانية بعد منتصف الليل‬
‫الكاتب بحرصه على التمهيد للمشهد‬ ‫عندما وقعت الحادثة‪ .‬النوتي قال‪ :‬سأعبر‬
‫بترسيمة سيناريو‪ ،‬فنقرأ في بداية الرواية‪،‬‬ ‫بكم شط العرب قبل الفجر بقليل‪ ...‬ص‬
‫وقبل بدء المشهد‪( :‬الزمان‪ :‬اآلن‪ .‬المكان‪:‬‬ ‫‪ .)20‬ويعود إلى الوراء أكثر في المشهد‬
‫غرفة تحقيق‪ ،‬مع المحقق األول‪ .‬الحالة‪:‬‬ ‫التالي ليصور اجتماع الهاربين في كوخ في‬
‫استجواب ص ‪ .)7‬وفي المشهد التالي‬ ‫ناحية (السيبة) استعدادا لركوب الزورق‬
‫نقرأ‪( :‬المكان‪ :‬غرفة تحقيق‪ ،‬مع المحقق‬ ‫(لست منهم‪ .‬تمتم بدهشة عندما وقعت‬
‫الثاني‪ .‬الحالة‪ :‬استجواب ص ‪ .)15‬وفي‬ ‫عيناه على الوجوه التي يربو عددها على‬
‫مشهد آخر نقرأ‪( :‬المكان‪ :‬سيارة جيب‪ ،‬مع‬ ‫العشرين ‪ ...‬ص ‪ .)21‬بعد ذلك يقتطع‬
‫الشرطي‪ .‬الحالة‪ :‬حوار ص‪ ،)23‬وتتوالى‬ ‫لنا من الماضي مشهد لقاء البطل بذات‬
‫الترسيمات والمشاهد حتى آخر الرواية‪.‬‬ ‫الرداء األزرق (كان ثوبها أزرق ضيقا يبرز‬
‫وبحكم المكان الوحيد الذي تدور‬ ‫مفاتن صدرها وفخذيها‪ .‬حدث ذلك‬
‫فيه أحداث رواية (الطيور واألصدقاء)‪،‬‬ ‫قبل يومين ‪ ...‬ص ‪ .)24‬وهكذا‪ ،‬تتوالى‬
‫وهو قاعة كبيرة في فندق يقام فيه حفل‬ ‫المشاهد لتبرز لنا لوحات حكائية تنوس‬
‫فني‪ّ ،‬‬
‫يسخر الكاتب تقنية المشهد لتوسيع‬ ‫بين الحاضر والماضي‪ ،‬فمشهد يصوره‬
‫نطاق الرؤية وإلقاء الضوء على الشرائح‬ ‫مع الضابط الجريح‪ ،‬وآخر مع ذات الثوب‬
‫المختلفة الحاضرة لهذا الحفل وتنوع‬ ‫األزرق‪ ،‬وثالث مع زوجته‪ ،‬ورابع مع صديقه‬
‫اهتماماتها‪ .‬تبدأ الرواية بمشهد تقديم‬ ‫على األريكة الخشبية ‪ ..‬الخ‪ ،‬ويحدث كل‬
‫الحفل‪ ،‬يليه مباشرة مشهد يضم شخصين‬ ‫ذلك وفق مسار حكائي متعرج يفرض على‬
‫يسأل أحدهما اآلخر عن التذاكر‪( :‬أظنك‬ ‫القارئ تجميع المشاهد إلعادة صياغتها‬
‫عانيت ريثما حصلت على تذكرتك؟‪...‬‬ ‫حسب التتابع الزمني للحدث الحكائي‪ ،‬ال‬
‫بكم اشتريتها؟‪...‬وأنت؟ ‪ ..‬بطاقة شرف‬ ‫تتابع المشاهد‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الخادمة للمرة األولى إلى الكويت‪ ،‬واستقبال‬ ‫ص ‪ .)12-11‬ويتوالى التقطيع السينمائي‬


‫الزوجين لها في المطار‪ .‬ثم تتوالى مشاهد‬ ‫في الرواية‪ ،‬فتارة يأخذنا إلى حديث بين‬
‫التحقيق مع الخادمة‪ ،‬يتخللها مشهد تعاقد‬ ‫تاجرين يحضران الحفل (‪ ...‬ال يمكن أن‬
‫كوماري مع مكتب العمالة في كولومبو‬ ‫نبقى صامتين إلى ما ال نهاية إزاء قانون‬
‫للعمل في الكويت ‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫إيجارات متخلف ‪ ...‬ص‪ ،)23‬وفي أخرى‬
‫في (الكائن الظل) يحيلنا الكاتب إلى‬ ‫إلى حديث بين فنانين في القاعة (قررت‬
‫السينما مباشرة‪ ،‬ويضعنا أمام شاشة‬ ‫أسند دور البطولة في المسلسل التلفزيوني‬
‫سينمائية موازية تعرض لنا عددا من‬ ‫القادم لفنانتنا المبدعة فالنة ‪ ...‬ص ‪.)25‬‬
‫المشاهد التي عاشها حرامي بغداد‬ ‫هذا عدا المشاهد المتقطعة التي ترصد‬
‫حمدون حمدي في العصر العباسي‪ ،‬إذ‬ ‫ما يدور بين البطل وصديقته‪ ،‬وبين البطل‪،‬‬
‫ترتسم على جدار غرفة الطالب شاشة‬ ‫الذي يظهر عليه الملل وعدم االنسجام‬
‫سينمائية تعرض المعركة التي دارت بين‬ ‫مع أجواء الحفل‪ ،‬ومخيلته التي تتداعى‬
‫جند األمين وجيش المأمون في واقعة‬ ‫الستحضار أحداث ماضية من حياته‬
‫حسم الخالفة بعد هارون الرشيد وفرار‬ ‫(انظر الصفحات ‪.)37 - 31 - 30‬‬
‫إبراهيم بن المهدي‪ ،‬أخو هارون الرشيد‪،‬‬ ‫ً‬
‫(بعيدا إلى هنا) تتوالى مجموعة‬ ‫وفي‬
‫إلى بيت أحد اللصوص الذي تكفل بإخفائه‬ ‫من المشاهد ّ‬
‫لتكون اللوحة العامة للرواية‪،‬‬
‫(ص ‪ ،)30-26‬ثم تعرض لحادثة معن بن‬ ‫يكون كل مشهد جزءا من اللوحة‬ ‫حيث ّ‬
‫زائدة والسياف مسرور (ص ‪،)39-35‬‬ ‫التي ال تتكامل إال باالنتهاء من رصف تلك‬
‫فمشهد اللقاء األخير بين حمدون وعشيقته‬ ‫المشاهد فيها‪ .‬ففي البداية يطالعنا مشهد‬
‫فتنة (ص ‪ ،)55 52-‬وواقعة احتضار مالك‬ ‫اعتزام دالل االحتفال بالذكرى الثانية‬
‫بن الريب في خان على مشارف خرسان‬ ‫لزواجها من سعود‪ ،‬واضطرار سعود شراء‬
‫وكتابته قصيدته األخيرة‪ ،‬وأخيرا مشهد‬ ‫هدية ثمينة لها بالمناسبة تمثلت بعقد‬
‫إعدام بن حمدي (‪.)120-105‬‬ ‫مرصع بالماس البلجيكي‪ .‬وفي المشهد‬
‫‪ - 3‬اللغة‬ ‫التالي نفاجأ بضياع العقد واحتدام الجدل‬
‫قصر إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫لم َي ُ‬ ‫بين الزوجين عن كيفية ضياعه‪ ،‬والتلميح‬
‫مغامرته في التجريب على التقنيات‬ ‫إلى إمكانية أن تكون الخادمة «كوماري» قد‬
‫السردية الجديدة كتيار الوعي والمونتاج‬ ‫سرقته‪ .‬يعقب ذلك مشهد يرصد وصول‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪54‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫يكن قد ‪ ...‬فسارعت إلى مخزون التمر‬ ‫السينمائي ومسرحة الرواية‪ ،‬بل تجرأ أكثر‬
‫‪ ..‬ص ‪( ،)20‬سيدي ‪ ...‬رحالتي ‪ ...‬لم‬ ‫وغامر في اللعب على اللغة في محاولة‬
‫تكن ‪...‬ص‪ .)71‬وفي رواية (بعيدا إلى هنا)‬ ‫حثيثة ومتواصلة لجعلها تقنية من تقنيات‬
‫حيث (دقائق ‪ ...‬بعدها ‪ ..‬البيت ص‪،)7‬‬ ‫البناء الفني الروائي‪ ،‬ونقلها من قطبها‬
‫(نقودنا التي ادخرناها لتغطية مصاريف‬ ‫االعتيادي في التوصيل النفعي المباشر‬
‫سفرتنا بالكاد ‪ ...‬ص‪( ،)14‬النوم ‪...‬‬ ‫إلى كون مشبع بالتأويل والدالالت‪ ،‬وقد‬
‫يستعصي ‪ ...‬غالبا ‪ ..‬ص ‪( ،)64‬أبي ‪...‬‬ ‫ظهر ذلك منذ روايته األولى (كانت السماء‬
‫السرطان ‪ ...‬عملية جراحية‪ ...‬ص ‪.)71‬‬ ‫زرقاء)‪ ،‬وتطور أكثر فأكثر في رواياته‬
‫وهو ما نقع عليه كذلك في رواية (الكائن‬ ‫الالحقة‪ .‬ففي الرواية األولى نقرأ‪( :‬اقفز!!‬
‫الظل) إذ (لم أتشكك بقواي العقلية ألن‬ ‫‪ ..‬األسالك! ص ‪( ،)8‬مادامت ‪ ...‬فألكن‬
‫الظواهر الحسية المصاحبة ‪ ...‬ص‪ ،)21‬و‬ ‫‪ ...‬ص ‪( ،)26‬كل شيء ‪ ...‬حتى الهدف‬
‫(نضيع ألف دينار ذهبا! ‪ ...‬هذا عدا ‪...‬‬ ‫الذي رميت ‪ ...‬من جراء كسب ‪ ...‬ص‪.)73‬‬
‫ص ‪ ،)29‬و(لو أن متنفذي عصرنا ‪ ...‬ص‬ ‫ويظهر ذلك بجالء أكثر في رواية (ملف‬
‫‪ ،)45‬و(تعني أن ال ‪ ...‬ص‪.)74‬‬ ‫الحادثة ‪ )67‬حيث نقرأ‪( :‬عندما ‪ ...‬عليك‬
‫وما ّ‬
‫ميز أسلوبه أكثر هو الخرق اللغوي‬ ‫‪ ...‬تسكت ‪ ...‬ص‪( ،)13‬أنا ‪ ...‬أنتم ‪ ...‬لو‬
‫الذي اتخذه كالزمة تتكرر في عدد من‬ ‫‪ ...‬ص ‪( ،)18‬هو مجرد كلب ‪ ...‬صحيح هو‬
‫رواياته بغض النظر عن مسوغه النحوي‪،‬‬ ‫كبير ‪ ...‬لكنه بالرغم ‪ ...‬يا إلهي! ص ‪.)35‬‬
‫فقد عمد في كثير من جمله إلى االستغناء‬ ‫ونرى الكاتب يمارس الحذف المتعمد في‬
‫عن أدوات الربط وحروف الجر وأدوات‬ ‫رواية (الطيور واألصدقاء) ‪( :‬ليست مشكلة‬
‫التأكيد‪ ،‬إضافة إلى استئناسه استخدام‬ ‫‪ ..‬أستطيع وأنا أغادر الحفلة ‪ ...‬ص ‪،)13‬‬
‫األفعال بشكل تعاقبي دون أي فاصل أو‬ ‫و(مناسبة سعيدة ‪ ...‬أنت مدعو‪ ...‬وإن‬
‫رابط‪ .‬ومن السهل على القارئ مالحظة‬ ‫شئت يمكنك أن ‪ ...‬ص ‪.)74‬‬
‫ذلك في روايات عديدة للمؤلف‪ ،‬كأن نقرأ‬ ‫الوظائف ذاتها في الـتأويل‪ ،‬واستحضار‬
‫في رواية (يحدث أمس)‪( :‬كان يعشق يجيء‬ ‫العالم الداخلي للشخصية‪ ،‬وتكثيف المعنى‬
‫يزورها يوم الخميس ص ‪ ،)8‬و(يؤلمه يتركه‬ ‫تحملها النقاط في الجمل المبتورة الواردة‬
‫هكذا ملقى على ظهره ص ‪ ،)30‬و(من أين‬ ‫في رواية (يحدث أمس) مثل‪( :‬لو أن‬
‫له‪ ،‬وهو يهم يدلف باب الهوى ‪ ..‬ص‪،)45‬‬ ‫السيارة ‪ ...‬ص ‪( ،)11‬طعام الغداء لم‬

‫‪55‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الشخصية تقدم نفسها بنفسها دون‬ ‫و(يجب يكون عند مستوى المسؤولية ص‬
‫وسيط‪ ،‬فتنقل ما يجيش في داخلها إلى‬ ‫‪.)91‬‬
‫القارئ مباشرة عبر شاشة ال يراها غيره‪.‬‬ ‫مثل هذه التراكيب نلمسها في (بعيد‬
‫إنه خطاب غير منطوق بالنسبة للشخصية‬
‫إلى هنا) حيث (بادرت دعوت أصدقاءنا‬
‫صاحبة المونولوج‪ ،‬وغير مسموع بالنسبة‬ ‫ّ‬
‫الخلص ص‪ ،)13‬و(كنت أحرص أحفظ‬
‫للشخصيات األخرى في الرواية‪ .‬خطاب‬
‫جواهري هناك ص ‪ ،)20‬و(إصراره يوليك‬
‫الذات تحميه ضفيرتان مزدوجتان‪ ،‬ويحمله‬
‫رعايته ص ‪ .)74‬وفي (الكائن الظل) نقرأ‪:‬‬
‫المتن كشاشة عرض ال يراها إال المتلقي‪.‬‬
‫(عاد همس بجديته إياها ص ‪ ،)8‬و(حرص‬
‫تمكن الكاتب بهذه الطريقة من خلق‬‫ّ‬
‫الرجل يلتفت يمنة ويسرة ص‪ ،)35‬و(أدريني‬
‫تواز بين العالمين الخارجي والداخلي‬ ‫جازفت سايرت لصا ‪ ..‬ص‪ .)113‬كما نقع‬
‫للشخصية‪ ،‬فتساوق الظاهر والباطن‬ ‫(((‬
‫على مثل هذه التراكيب في رواية (مسك)‬
‫جنبا إلى جنب‪ ،‬ما ضاعف من حدة التوتر‬ ‫إذ نقرأ‪( :‬تنبهت أمسكت ّأنة أوشكت تفلت‬
‫الدرامي‪ ،‬وفتح الباب واسعا أمام القارئ‬ ‫منك ص ‪ ،)15‬و(مادمنا عقر دارهم ص‬
‫للتمعن بالصورة كاملة‪ .‬وقد ظهر اهتمام‬ ‫‪ ،)30‬و(سارعوا وفروا له سيارة باص‬
‫الكاتب بهذه التقنية منذ روايته األولى‬
‫صغيرة ص‪.)97‬‬
‫(كانت السماء زرقاء)‪ ،‬حيث رأينا البطل‬
‫‪ - 4‬المونولوج المباشر‬
‫يفرغ ما بداخله مباشرة مع كل احتكاك‬
‫له بالخارج‪ ،‬ودون أي تمهيد من الراوي‪.‬‬ ‫كان من الطبيعي أن يشغل المونولوج‬
‫فحين يسمع من يأمره (اركض) نجده‬ ‫حيزا واسعا في أغلب روايات إسماعيل‬
‫يحدث نفسه «عليهم اللعنة ص ‪،»17‬‬ ‫فهد إسماعيل التخاذه من تيار الوعي‬
‫وحين يطلب منه الضابط الجريح (اقفز)‪،‬‬ ‫تقنية سردية حميمة طالما اتكأ عليها‪،‬‬
‫نسمعه يسارر نفسه «أنا ال أعرفه ص ‪،»18‬‬ ‫لكن ما يلفت االنتباه أنه تحيز إلى النوع‬
‫وعندما يسمع (عشرون منهم في الزورق‪..‬‬ ‫المباشر من المونولوج في مغامرة هدفت‬
‫نوتي الزورق اعترف ‪ ..‬هرب منهم ثالثة ‪..‬‬ ‫إلغاء الحاجز بين القارئ والشخصية‪،‬‬
‫ص‪ ،)19‬نراه يتفطن ً‬
‫«إذا ‪ ..‬أنا أحد الثالثة‬ ‫واالستغناء عن الراوي في كثير من األحيان‬
‫ص‪ »19‬وهكذا‪.‬‬ ‫كصلة وصل بين االثنين‪ .‬لقد صارت‬
‫ً‬
‫أيضا في (ملف الحادثة‬ ‫نصادف ذلك‬ ‫‪2009‬‬ ‫((( (مسك)‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪56‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫«النساء شأنهن ‪ ..‬خلوتهن ص‪« ،»16‬لو كنت‬ ‫الشرطي المته َم على‬


‫ُ‬ ‫يطلع‬
‫‪ ،)67‬فحين ِ‬
‫في بلدي ص‪« ،»30‬لو أن الزمن جمد في‬ ‫أنه سيفك قيده حتى ال يشك به الكلب‬
‫اللحظة! ص ‪« ،»76‬كأني أعرفه ‪ّ ..‬توي!‬ ‫البوليسي‪ ،‬يفاجأ فيسائل ذاته‪ »:‬وهل يشك‬
‫ص‪ .»97‬وكذا الحال في (الكائن الظل)‬ ‫الكلب؟! ص ‪ ،»29‬وعندما يجد الضحية‬
‫على الرغم من طغيان الحوار عليها‪« :‬لو أن‬ ‫ملقى على األرض تتملكه الحيرة‪« :‬هل‬
‫شجاعتي لم تخني ص‪« ،»14‬الغلبة لمن؟!‬ ‫أنفذ بجلدي ‪ ..‬هل أبقى لمساعدته ص‬
‫ص‪« ،»26‬أنى لي أتآلف والذي يحدث؟!‬ ‫‪ .»51‬األمر ذاته في (الطيور واألصدقاء)‬
‫ص‪« ،»39‬من أين يتأتى الفهم؟! ص‪.»71‬‬ ‫إذ ينسحب البطل إلى عالمه الداخلي‬
‫ونجد األسلوب نفسه في رواية (مسك)‪:‬‬ ‫بعيدا عن عالم الحفل الفني الضاج أمامه‬
‫«التخلي العقالني أو الغدر‪ ..‬أيهما؟!‬ ‫وحوله‪ ،‬فيسائل ذاته‪ « :‬ترى من الزائف‬
‫ص‪ « ،»10‬تراه تساءل عن طبيعة الرائحة‬ ‫فينا؟ ‪ ..‬الزمان أم أنا؟! ص‪ ،»17‬وحين‬
‫العطرية الصادمة؟! ص‪« ،»29‬هل بإمكانه‬ ‫يتذكر أحد أصدقائه يتساءل‪« :‬لماذا‬
‫تخليه عن ذاته؟! ص ‪.. »59‬الخ‪.‬‬ ‫هذا الصديق بالذات؟! ص‪ ،»29‬وعندما‬
‫تلح عليه مرافقته في الحفل أن يشاركها‬
‫يبقى أن ألفت النظر إلى أن هذه‬
‫استمتاعها يضيق بها وبعالمها‪« :‬ما أكثر‬
‫المرتكزات األسلوبية في روايات إسماعيل‬
‫رغباتها؟! ص ‪.»46‬‬
‫فهد إسماعيل قد وجدت أول متنفس لها‬
‫في مجموعته القصصية األولى (البقعة‬ ‫ويعرض البطل في (يحدث أمس)‬
‫الداكنة)‪ ،‬التي نشرها في العام ‪ ،1965‬أي‬ ‫على شاشة القارئ الكثير من هواجسه‬
‫قبل خمس سنوات من نشر روايته األولى‬ ‫وصراعاته الداخلية‪« :‬ماذا لو أن السيارة‬
‫(كانت السماء زرقاء)‪ ،‬إذ يمكن وبكل سهولة‬ ‫‪ ...‬ص ‪ ،»11‬و»حتى لو ناموا‪ ..‬المفتاح‬
‫رصد تعلقه بتقنيات المونتاج والمونولوج‬ ‫االحتياطي لباب البيت معي‪ ..‬ص‪،»20‬‬
‫والحوار وبتر الجمل في تلك المجموعة‪،‬‬ ‫و»لو أعرف ما يريدونه!! ص ‪ ،»29‬و» من‬
‫لكن بعيدا عن الخرق اللغوي الذي يبدو‬ ‫المقصود بنحن؟ ‪ ...‬من المقصود بأنتم؟!‬
‫أنه لم يكن قد تجرأ على دخول مغامرته‬ ‫ص ‪ ،»69‬و»التعاطف وارد ‪ ..‬أم ماذا؟!‬
‫آنذاك(((‪.‬‬ ‫ص‪.115‬‬
‫كما نقع على كثير من ذلك في (بعيدا‬
‫((( لالستزادة ينظر‪( :‬مالمح الحركة القصصية في الكويت)‪،‬‬
‫عبدالكريم المقداد‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب ‪2007‬‬ ‫إلى هنا) مثل‪« :‬ترانا‪..‬إذن‪..‬ص ‪،»10‬‬

‫‪57‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫هل حقًا رحل إسماعيل؟‬

‫ذات صبيحة غامقة أفقت متملمال‪،‬‬


‫مبقيا على خدر تمدد بين أطرافي‪ ،‬ولم‬
‫أكن راغبا في مغادرة الفراش لو ال أني كنت‬
‫ملتزما بتقديم مقالة صحفية وكان علي‬
‫إرسالها ‪ -‬قبل موعد نشرها بساعات‪ -‬وقد‬
‫تجاوز الوقت من غير أن أفعل ذلك ‪.‬‬

‫❋‬
‫بقلم‪ :‬عبده خال‬

‫فرصة القتراب القلب من القلب‪ ،‬والكلمات‬ ‫قبل هذا الوضع بيومين أو ثالثة‪ ،‬كنت‬
‫من الحروف‪ ،‬والضحكات من الفرح‪..‬‬ ‫أسترجع الذكريات من خالل الصور‪ ،‬فثمة‬
‫مؤتمرات أو ندوات تلتقي فيها باألصدقاء‬
‫كان يقول لي الصديق سعيد الكفراوي‬
‫الكتاب والذين ال تجدهم إال من خالل‬
‫مادام هناك متسع من األرض فسوف‬
‫إبداعاتهم‪ ،‬فيكون التواصل من خالل‬
‫نلتقي‪ ..‬ونشطت المؤتمرات العربية‬
‫القراءة هو المبتدئ‪ ..‬وكنت أقلب ذلك‬
‫واجتذبت العشرات من الكتاب وكان ثمة‬ ‫األلبوم الحاوي لكثير من اللقاءات في‬
‫حلم يلوح أن عالمنا العربي مقدم على‬ ‫المحافل األدبية‪ ،‬لتصادف عيناي وجوه‬
‫تصميم من أجل تخطى خيبات اآلمال‬ ‫األصدقاء الذين ربطتنا الكتابة قبل اللقاء‪،‬‬
‫وتثبيت مجاديف القوارب المبحرة‪ ،‬فهل‬ ‫كثير من األدباء يعرفون بعضهم من خالل‬
‫كان ذلك مجرد سراب؟‬ ‫ما يكتبون‪ ،‬وتصبح أي مناسبة ثقافية‬
‫❋ كاتب سعودي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪58‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وليس على مستوى التقدم والتحضر‪،‬‬ ‫في زمن قصير نزل بنا العذاب‪ ،‬وكأننا‬
‫فجبروت الحاضر يمنعك التفوه بما كنت‬ ‫أمة كفرت فحاق بنا سوء المنقلب إلى نهاية‬
‫تقوله في الماضي القريب‪ ،‬وغدا عالمنا‬ ‫ليس لها نهاية‪ ،‬فما أن أطل الربيع العربي‬
‫العربي كسجادة تطوى ألن تتكوم على‬ ‫بثوراته حتى وجدنا أقدامنا ترسب في‬
‫بعضها‪ ..‬هذه هي الحسرة التي انتابتني‬ ‫وحل الزب‪ ،‬ودولنا تتقطع كندف القطن‪،‬‬
‫وأنا أركض ببصري في وجوه األصدقاء من‬ ‫وأحالمنا تتبخر في إناء سلطت عليه نار‬
‫العالم العربي إذ أن هناك من األصدقاء‬ ‫موقدة‪ ،‬زمن جذب الدمار لألمة تعاني‬
‫خرجوا بحثا عن لجوء آمن‪ ،‬فالثورة التي‬ ‫من دمار‪ ،‬فجاءت الثورة وقد كانت حلما‬
‫طالبوا بها أخرجتهم من ديارهم وهدمت‬ ‫لكل كاتب من أجل االنتقال من الرخاوة‬
‫كل شيء من الحلم إلى وحدة الوجود‪.‬‬ ‫والمالمح الغائمة إلى مستقبل واضح‬
‫أغلقت األلبوم على صورة جمعت بيني‬ ‫التقاسيم يكون فيه اإلنسان هو القاسم‬
‫وبين الصديقين إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫المشترك‪ ،‬وأن تكون الحرية هي السارية‬
‫وطالب الرفاعي حينما كنا في مؤتمر‬ ‫التي يلجأ إليها كل محب للحياة وللعمل‪..‬‬
‫الرواية بالقاهرة‪..‬‬ ‫كانت أحالم المثقفين بالثورة هي‬
‫كان ذلك المؤتمر هو اللقاء األول‬ ‫صناعة المستقبل إال أن ثورات الربيع‬
‫بالروائي الجميل إسماعيل فهد إسماعيل‪،‬‬ ‫العربي كانت تحمل راية العودة إلى الماضي‬
‫وعادة في المؤتمرات تتشكل مجاميع تأنس‬ ‫وقد أغلقت بوابات المستقبل لذا تبرأ من‬
‫كان يفقه أبجديات الثورات الظالمية‪،‬‬
‫بعضها لبعض‪ ،‬فيلتقون و ُيسرون سويا‪،‬‬
‫وكان أول مهام تلك الثورات تقويض مراكز‬
‫وكنت محظوظا بلمتنا التي جمعت أدباء‬
‫الثقافة العربية وترك بالدنا العربية تذب‬
‫من معظم الدول العربية‪.‬‬
‫انهياراتها باسترحام الالجئين في الدخول‬
‫ولم أكن على علم أنني سوف أستيقظ‬ ‫إلى دوائر األمن المحدودة التي تقبل بهم‪..‬‬
‫من نومي على خبر رحيل إسماعيل فهد‬ ‫دخلنا في زمن الموت‪ ،‬موت كل شيء ودفن‬
‫إسماعيل‪ ..‬لم أكن على علم بهذا‪!.‬‬ ‫األحالم التي كنا نتحرك بها وفيها‪..‬‬
‫هناك من يسقط فيسقط بعضك‪.‬‬ ‫حسرة تجمعها من أطراف األرض‬
‫أصعب قول يمكن قوله في حالة‬ ‫كلما أيقنت أن أمتك ماضيها أفضل من‬
‫الفقد‪...‬‬ ‫حاضرها‪ ،‬وهذا على المستوى المعيشي‬

‫‪59‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫عمق الجرح‪ ،‬والجسد يتطوح ويذرف‬ ‫يوميا يرحل الماليين‪ ،‬واحد منهم يترك‬
‫اآلهات من غير االفصاح أن القاتل هو ابن‬ ‫يدك لينزل في المحطة األخيرة‪ ،‬ينزل من‬
‫القلب‪ ،‬وأصعب‬ ‫غير وداع وكأن الحياة بحر غزير المياه‪،‬‬
‫شيء عندما يثور على جسدك عضو‬ ‫وإذا تنبهت لفقد عزيز تستشعر أن الحياة‬
‫من أعضائك‪ ،‬أو أن يقترب إليك الفناء من‬ ‫نفس وانقضى‪..‬‬
‫خالل أنفاسك‪..‬‬ ‫استيقظت ذات صباح ألجد فاجعة تنبىء‬
‫كان احتالل الكويت هو المشهد الدرامي‬ ‫عن رحيل الصديق الروائي إسماعيل فهد‬
‫لرواية كتبت بدايتها بذلك االحتالل‪ ،‬ولمن‬ ‫إسماعيل‪ ،‬كان الخبر يؤكد أن إسماعيل قد‬
‫واصل قراءة الواقع العربي سوف يتأكد‬ ‫لوح بتحية الوداع‪ ..‬فهل نمسك الراحلين‬
‫أن احتالل الكويت كان بداية لرواية تهشم‬ ‫عبر تجاويف مخيلتنا فال يغدرونها أبدا‪،‬‬
‫مراكز التنوير وتلقى برايات الحضارة‬ ‫وهذا ما يحد مع من تحب‪ ،‬تبقيه طيفا‬
‫للوحل وتستقدم وحوشا لعصر الظالم‪..‬‬ ‫اليغادر تجاويف مخيلتك حتى إذ اشتقت‬
‫تلك البداية الرواية الواقعية كان‬ ‫إليه تسل طيفه لتحدثه أو تسترجع ما قال‬
‫فضاءها الكويت‪ ،‬وأذكر أنني كتبت حينها‬ ‫في زمن من األزمان‪.‬‬
‫تشابه االحتالل لدولتين عربيتين إحداهما‬ ‫وقد كان أول لقاء بيني وبين هذا الروائي‬
‫احتالل صهيوني واآلخر قومي عربي‪.‬‬ ‫الكبير والذي يعد مؤسس الرواية الكويتية‬
‫هذا االستهالل القهري من خالل‬ ‫الحديثة من خالل قراءة رواية (الحبل) وفي‬
‫االحتالل نهضت النفوس فنا ومساندة أي‬ ‫مسيرتي األدبية حملته مع من حملت على‬
‫فعل يعيد للكويت حريتها‪ ،‬وقد اشتعلت‬ ‫أنه كاتب متميز يمنحك شعور االلتصاق‬
‫مصابيح الفن واألدب للتبشير بالعودة‪ ،‬ومع‬ ‫باألرض والقضايا اإلنسانية‪ ،‬ومع كارثة‬
‫العودة‪ ،‬كانت مراحل االحتالل مادة خصبة‬ ‫احتالل الكويت كانت الكلمات واألحالم‬
‫للروائي إسماعيل فهد إسماعيل ألن يكتب‬ ‫القومية تتساقط‪ ،‬واألذهان تتعارك لمعرفة‬
‫سباعيته الروائية (إحداثيات زمن العزلة)‪،‬‬ ‫ماذا حدث ولماذا؟‬
‫وأذكر أنني داومت على قراءتها في ثالثة‬ ‫إن احتالل الكويت كانت الطعنة األولى‬
‫أيام متالزمة‪..‬‬ ‫التي تغلغلت في الخاصرة‪ ،‬ولم يكن من‬
‫هناك تحرك الروائي في طريق مباشر‬ ‫الممكن استيعاب‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪60‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أحدها يتواصل الحب والذكريات عن‬ ‫من غير اعوجاج لكي يقول ويشرح ما حدث‬
‫الرحالت والمؤتمرات السابقة‪ ،‬ومع‬ ‫متخليا عن فنيات الكتابة التي تكتب في‬
‫صبيحة إحدى األيام كنت مصلوبا بخبر‬ ‫حالة االسترخاء‪ ،‬سباعية روائية لم تترك‬
‫الرحيل اآلن ليس من شيء سوى خيط‬ ‫جانبا إال ووقفت عليه كتسجيل شاهدة‬
‫كتابية عما حدث‪.‬‬
‫ذكريات يمتد بيني وبين قلب إسماعيل‪،‬‬
‫التقينا على أرصفة العالم العربي ننشد‬ ‫وتواصلت القراءات في رواياته‪ ،‬ولم‬
‫الخير والعدل والمساواة‪..‬كانت أيام قصيرة‬ ‫تكن العالقة الشخصية قائمة إال من خالل‬
‫قارئ وكاتب‪ ،‬ومع توالي األيام التقيت به‬
‫ً‬
‫اطمئنانا بأنه اليزال‬ ‫متفرقة إال أن هناك‬
‫في مهرجان الرواية بالقاهرة‪ ،‬واكتشفت‬
‫يكتب ويحلم‪ ..‬اآلن ال أملك إال خيط ذكرى‬
‫إنسانية ذلك الكاتب‪ ،‬فإذا به يفوق رواياته‬
‫أجمعه مع خبر عاصف وسؤال مرتج‪:‬‬
‫إبداعا‪ ،‬وتواصلت لقاءات المهرجانات‬
‫‪ -‬هل ً‬
‫حقا رحل إسماعيل؟‬ ‫والمؤتمرات العربية وكلما كنا نلتقي في‬

‫‪61‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‪...‬‬


‫إمكانيات روائية‬

‫بدأ إسماعيل فهد إسماعيل (‪- 1940‬‬


‫‪ )2018‬حياته األدبية في ستينيات القرن‬
‫العشرين مع موجة األدب الملتزم‪ ،‬التي‬
‫تصرح بأن «األديب موقف»‪ ،‬يقول‪،‬‬‫ّ‬ ‫كانت‬
‫عبر إنتاجه األدبي‪ ،‬رأيه عما يجري حوله‬
‫من أحداث‪ ،‬هي في الغالب سياسية‪.‬‬
‫شكل هذا المنحى في الكتابة أبرز‬ ‫لهذا ّ‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬علي املقري‬ ‫مالمح اإلنتاج األدبي وقتها‪ ،‬بما في ذلك‬
‫الكتابات ذات النزعات القلقة التي جاءت‬
‫(‪ )1971‬والحبل (‪ ،)1972‬مع اهتمام خاص‬ ‫بعد حرب ‪ ،1967‬إذ بدت وكأنها امتداد‬
‫بشكل الكتابة الروائية ومحاولة ربط‬ ‫لهذه الموجة بانعكاسها النتكاسات‬
‫الجانب الفني باإلشكاليات المطروحة‪،‬‬ ‫وخيبات التطلعات القومية والوطنية‪،‬‬
‫إال أن هذا الجانب لم يصمد طويال‬ ‫ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫شكل إسماعيل‪ ،‬الذي ولد في البصرة‬
‫وبدا الجانب السياسي‪/‬األيديولوجي‬ ‫ثم انتقل إلى موطنه الكويت‪ ،‬في معظم‬
‫أحد مالمح الكتابة الالحقة كما في‪:‬‬ ‫إنتاجه صورة لهذه التحوالت‪ .‬هكذا‬
‫الضفاف األخرى (‪ ،)1973‬ملف الحادثة‬ ‫يمكن قراءة أعماله األولى‪ :‬كانت السماء‬
‫‪ )1975( 67‬والشياح (‪.)1975‬‬ ‫زرقاء (‪ ،)1970‬المستنقعات الضوئية‬
‫❋ كاتب يمني‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪62‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫وفي قراءة أعماله نستكشف إمكانيات‬ ‫وإذا كان إسماعيل قد أكد منذ‬
‫سردية كثيرة للكتابة كالعودة إلى التاريخ‬ ‫البداية على أهمية وجود «دور اجتماعي»‬
‫من أجل امتحان أحداث وحيوات ما زالت‬ ‫فصل في ما بعد قوله‬ ‫لألدب‪ ،‬فإنه قد ّ‬
‫مؤثرة أو مشابهة ألحوال تالية ومعاصرة‪،‬‬ ‫بأن األدب قد يكون له هذا الدور‪ ،‬ولكن‬
‫ً‬
‫شماال‪ -‬البدايات»‬ ‫مثل رواية «النيل يجري‬ ‫من المهم أن ال ينطلق من أيديولوجية‬
‫والتي يتناول فيها تواجد نابليون في‬ ‫موجهة له‪ .‬وقد عرف‬ ‫أو سلطة سياسية ِّ‬
‫مصر‪ ،‬ورواية «النيل‪ :‬الطعم والرائحة»‬ ‫عن الكاتب التزامه اإلنساني في حياته‬
‫مداخال في ذلك بين حوليات المؤرخ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أيضا‪ ،‬إلى جانب التزامه األدبي‪ ،‬إذ ذكر‬
‫الجبرتي واألحوال المعيشة كما يراها‪.‬‬ ‫في مقابلة صحافية معه ّأنه كان يستقبل‪،‬‬
‫وهناك رواية «الكائن الظل» التي تذهب‬ ‫في منزله بالكويت‪ ،‬األدباء والسياسيين‬
‫إلى الماضي في تخيل فانتازي لتستدعي‬ ‫المضطهدين من قبل السلطة العراقية‬
‫أشهر اللصوص في التاريخ العربي‪ .‬ولعل‬ ‫في منتصف سبعينيات القرن الماضي‪،‬‬
‫أبرز رواياته األخيرة «الظهور الثاني البن‬
‫ويقوم بتقديمهم إلى سفير اليمن الجنوبي‬
‫لعيون» (‪ )2015‬تبرز اشتغال الكاتب‬
‫(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)‬
‫بمقاربات األحداث التاريخية‪ ،‬فمحمد‬
‫الذي ربطته عالقة صداقة معه‪ ،‬ليمنحهم‬
‫ابن لعيون هو شاعر غزل نبطي عاش‬
‫جوازات سفر يمنية تمكنهم من المغادرة‬
‫في أوائل القرن التاسع عشر (ت ‪،)1831‬‬
‫إلى محطة أخرى‪.‬‬
‫ولد في منطقة ما كان يسمى حينها بنجد‬
‫والحجاز ثم انتقل إلى البصرة ومنها إلى‬ ‫ال تخلو معظم روايات إسماعيل فهد‬
‫الكويت وتوفي فيها إثر إصابته بالطاعون؛‬ ‫إسماعيل من ذكر السجن أو اإلشارة إليه‪،‬‬
‫ً‬
‫مزارا لمحبي اللهو حيث تداولت‬ ‫كان قبره‬ ‫وهو باستمرار يتفحص محنة اإلنسان مع‬
‫الكثير من القصص حول حياته وأشعاره‬ ‫السلطة وإداراتها المتعددة التي تحوله‬
‫وزوار قبره ومن ذلك أنه أوصى أن يدفن‬ ‫ّ‬ ‫إلى كائن هش وهامشي‪ ،‬مثل «مستنقعات‬
‫على قارعة طريق يعبرن منه النساء‪ ،‬وقد‬ ‫ضوئية»‪« ،‬الحبل»‪« ،‬الضفاف األخرى»‪،‬‬
‫أدى ذلك إلى هدم قبره مع ظهور الطالئع‬ ‫ً‬
‫«بعيدا إلى هنا» و»طيور‬ ‫«يحدث أمس»‪،‬‬
‫ّ‬
‫المتطرفة التي‬ ‫األولى لكتائب الوهابية‬ ‫التاجي»‪.‬‬

‫‪63‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الكتف‪ ،‬وكانوا يقولون لي‪ :‬روح يا الكويتي‪،‬‬ ‫بدأت في االنتشار على مستوى الجزيرة‬
‫تعال يا الكويتي‪ ،‬ومنذ وصلت الكويت ال‬ ‫العربية والخليج‪ ،‬وحاولت أن تقصي كل‬
‫يوجد لدي حتى دشداشة في البيت‪ ،‬وقد‬ ‫مظاهر الحياة االجتماعية التي تخالف‬
‫صاروا يقولون لي‪ :‬تعال يا العراقي‪ ،‬روح‬ ‫تعاليم المذهب الجديد‪ .‬ويداخل الكاتب‬
‫يا العراقي»‪.‬‬ ‫بين قصة لعيون التي تقدمه الرواية بشكل‬
‫ويتجلى ارتباط الكاتب بالمكان‬ ‫فنتازي يظهر معه كل دورة حياتية ّ‬
‫وقصة‬
‫العراقي في معظم رواياته حتى تلك التي‬ ‫إنشاء أول مستشفى أمريكي في الكويت‬
‫كتبها إثر غزو النظام العراقي للكويت‬ ‫عام ‪ 1913‬من خالل طبيب بريطاني‪.‬‬
‫(أغسطس ‪ ،)1990‬فإنها بقيت في إطار‬ ‫هناك إمكانية سردية أخرى يمكن‬
‫الحدث العراقي‪ .‬وهنا نجد إسماعيل‬ ‫القول إنها مدوية وملحة في المجتمع‬
‫ُ‬
‫شعرت‬ ‫مرة‬ ‫فهد إسماعيل يقول‪ّ :‬‬
‫«أول ّ‬ ‫الكويتي وهي إشكالية فئة البدون وتحقق‬
‫أنني كويتي‪ ،‬مائة في المائة‪ ،‬كان في‬ ‫المواطنة‪ ،‬وقد تناولها عبر روايته «في‬
‫ّأول ساعة من االحتالل»‪ .‬ولهذا كتب‬ ‫حضرة العنقاء والخل الوفي» (‪)2012‬‬
‫سباعية روائية أسماها «إحداثيات زمن‬ ‫حيث يبرز فيها إشكالية الهوية واالنتماء‬
‫العزلة» تناول فيها يوميات االحتالل وما‬ ‫للوطن وتحقق الذات الفردية مع مفارقات‬
‫صاحبه من مقاومة وتبعات منشغال بذلك‬ ‫األحداث الجارية‪ ،‬وهذا الصراع الهوياتي‬
‫بمشكلة عامة أدت إلى انتزاع الكثيرين‬ ‫خبره الكاتب حين ولد ونشأ في البصرة‪،‬‬
‫من وطنهم‪ .‬وهي إمكانية سردية إضافية‬ ‫هوية مغايرة للمكان‪،‬‬‫جنوب العراق‪ ،‬حامال ّ‬
‫ضمن اإلمكانيات التي يقدمها إسماعيل‬ ‫تنتمي لعائلته‪ ،‬حيث كانوا ينادونه بالكويتي‪،‬‬
‫للكتابة‪ .‬ويبرز في هذه اإلمكانية الرصد‬ ‫وإذ هاجر إلى موطن أبيه األصلي الكويت‬
‫اليومي والتوثيق لألحداث وردود األفعال‬ ‫بعد اكتساب عادات ولهجة المجتمع‬
‫عليها متداخلة مع ما تعيشه الشخصيات‪،‬‬ ‫فإنهم صاروا ينادونه بالعراقي‪،‬‬ ‫العراقي ّ‬
‫عبر وسائل إعالمية مختلفة‪ ،‬تصبح معها‬ ‫حسب قوله في لقاء أدبي «حين ُ‬
‫كنت‬
‫قابلة أو مدعاة للتأمل والتحليل‪.‬‬ ‫في البصرة في نهاية الخمسينات وأوائل‬
‫ما بقي هنا‪ ،‬في الحديث عن تجربة‬ ‫الستينيات من القرن الماضي‪ُ ،‬‬
‫كنت ألبس‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل وإمكانياته‬ ‫دشداشة ونعال نجدي‪ ،‬وأضع الغترة على‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪64‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫من تقنيات عدة كالتداعي وتعدد األصوات‬ ‫السردية من خالل هذا المنحى‪ ،‬هو‬
‫والسرد بصوت واحد وتقطيع المشاهد‬ ‫أهمية اإلشارة إلى انشغال الكاتب بهاجس‬
‫واستخدام ضمير الغائب (هو) والمخاطب‬ ‫الشكل الفني للرواية منذ روايته األولى‬
‫(أنت) وتداخل األزمنة والسرد بطرق‬ ‫«كانت السماء زرقاء» وواصل هذا الشغف‬
‫لغوية تركيبية عدة؛ وهو منحى بحاجة إلى‬ ‫في كثير من الروايات مثل»مسك»‪« ،‬سماء‬
‫قراءة أوسع‪.‬‬ ‫نائية»‪« ،‬عندما رأسك في طريق واسمك‬
‫هكذا‪ ،‬فإن إمكانية الرواية عند‬ ‫في طريق آخر» والتي تداخل فيها مع‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل هي إمكانية‬ ‫قصائد للشاعر قاسم حداد وصوال إلى‬
‫حياة‪ ،‬في أي وجهة مضت أو على أي‬ ‫رواياته الثالث األخيرة‪.‬‬
‫حال كانت‪.‬‬ ‫وفي هذه الروايات استفاد إسماعيل‬

‫‪65‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل‪ ..‬وعرس الرحيل‬

‫لم يكن رحيل إسماعيل فهد إسماعيل عنا في سبتمبر‬


‫الماضي (‪ )2018‬رحيال تقليديا‪ ،‬بل جاء وكأنه قد صاغ‬
‫مساره وتفاصيله‪ ،‬كأنه جزء من رواية‪ .‬فقبل رحيله‬
‫احتفاء بصدور‬
‫ً‬ ‫بيومين اجتمعنا في "الملتقى الثقافي"‬
‫الرواية االخيرة إلسماعيل "صندوق أسود آخر"‪ .‬كنت أنوي‬
‫الكتابة عن تلك األمسية‪ ،‬وعن جمال وكرم المحتفى به‪،‬‬
‫وكرمه‪ ،‬وروايته عن البدون‪ ،‬فجاء الخبر الصادم برحيله‪.‬‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬د‪ .‬غامن النجار‬ ‫لم أكن أتصور أبدا بأنه كان و كأنه قد جمعنا ليودعنا‪.‬‬

‫المشاعر‪ .‬كم كان سعيدا جذال‪ ،‬وكأنه‬ ‫فهل اختار إسماعيل تلك األمسية‬
‫يقول واآلن آن أوان الرحيل‪.‬‬ ‫االحتفالية بروايته األخيرة كجزء غير‬
‫ظاهر من نهاية الرواية‪ ،‬أم أن تلك األمسية‬
‫مضيف الملتقى األديب طالب الرفاعي‬
‫المفعمة بالحب والمحبين له وإلبداعه‪،‬‬
‫ذكر في تقديمه أننا نلتقي مع الرواية‬
‫قد اختارته‪ ،‬لقاء وداع‪ .‬في أمسية عرس‬
‫األخيرة إلسماعيل‪ ،‬اعترض أحد الحضور‬
‫الرحيل‪ ،‬تمكنا من البوح بمشاعرنا علنا‬
‫"التقل الرواية األخيرة‪ ،‬بل قل آخر رواية"‪.‬‬
‫تجاهه‪ .‬على المستوى الشخصي عبرت‬
‫فاتضح لنا بعد يومين فقط أنها حقا كانت‬
‫له عن امتناني على كرمه ومحبته‪ .‬يقال‪،‬‬
‫الرواية األخيرة‪.‬‬ ‫إن أحببتم فبوحوا بمشاعركم لمن تحبون‪،‬‬
‫في أمسية عرس الرحيل‪ ،‬تم توزيع نسخ‬ ‫فقد يرحلون فجأة دون أن يعلموا عن تلك‬
‫❋ كاتب كويتي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪66‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫والسطوة عندنا بقهرهم‪ ،‬ويستمتعون‬ ‫الرواية‪ ،‬ولم تتبق نسخة لي‪ ،‬فوعدوني‬
‫بمعاناتهم بسادية محزنة‪ .‬لماذا يفرح‬ ‫بإرسال نسخة لي الحقا‪ ،‬وبقيت نسخة‬
‫بعض أصحاب السلطة والنفوذ بقهر‬ ‫د‪.‬ابتهال‪ ،‬المليئة بالتعليقات‪ ،‬فأخذها‬
‫الضعفاء مع أن القوة بيدهم؟‬ ‫إسماعيل‪ ،‬وخط عليها إهداء لي سيبقى‬
‫عرفت إسماعيل ككاتب‪ ،‬على‬ ‫أيقونة‪ .‬كان ذلك هو اإلهداء األخير‪.‬‬
‫الورق‪ ،‬قبل أن أعرفه كشخص‪ ،‬منذ‬ ‫مشروع إسماعيل فهد إسماعيل منذ‬
‫روايته األشهر "كانت السماء زرقاء"‬ ‫زمن طويل‪ ،‬كان انتصارا للمهمشين‪،‬‬
‫في السبعينيات وماتالها‪ .‬كان محلال‬ ‫"يحنو عليهم" ويقدمهم على من عداهم‬
‫ومشخصا األبعاد اإلنسانية للبشر‪ ،‬مبحرا‬ ‫من أصحاب النفوذ والسطوة ويشخصنهم‬
‫فيها‪ ،‬بأسلوبه الرشيق المميز‪ ،‬منتصرا‬ ‫ويجد لهم التبريرات‪ .‬وهكذا كانت روايته‬
‫للمظلوم‪ ،‬محترما عقلك‪ ،‬محترما ذاته‪.‬‬ ‫األخيرة عن مهمشي الكويت‪ ،‬البدون‪،‬‬
‫توطدت عالقتنا وتعمقت خالل فترة‬ ‫الذين يتفاخر بعض أصحاب النفوذ‬

‫‪67‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫بجسده‪ ،‬إال أنه باق معنا برواياته وفكره‬ ‫الغزو‪ ،‬فكانت محطته خلية نحل‪ ،‬وكنا‬
‫اإلنساني‪ .‬كما أنه باق بجيل مبدع من‬ ‫نتبادل األفكار والرؤى واآلراء‪ ،‬لكيفية‬
‫الشباب الكتاب الذي كان إسماعيل لهم‬ ‫التصدي للغزاة‪ ،‬و لما بعد الغزو‪ .‬سألته‬
‫أبا حقيقيا وهو ماتردد‪ ،‬في تلك األمسية‬ ‫ذات مرة "ذكرت في روايتك السباعية‬
‫الوداعية‪ ،‬حفلة عرس الرحيل‪.‬‬ ‫عن الغزو تفاصيل كثيرة ألحاديث جرت‬
‫في تلك األمسية استثارتني فكرة كتابة‬ ‫بيننا‪ ،‬كنت قد نسيتها‪ ،‬فهل هي الذاكرة‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل جزء ثان لروايته‬ ‫الفوالذية" ابتسم‪،‬واخرج القلم ملوحا به‪،‬‬
‫"في حضرة العنقاء والخل الوفي" والتي‬ ‫وقال "بل كنت أدون كل شيء‪ ،‬ما إن ينتهي‬
‫دخل فيها أبوفهد للمرة الثانية محطة‬ ‫اللقاء بيننا‪ ،‬أسجل مادار‪ ،‬وأحتفظ به‪،‬‬
‫غائرة كموضوع البدون‪ .‬لماذا جزء ثان؟‬ ‫ألني كنت أرى فيك مشروع رواية‪ ،‬وأكثر‪،‬‬
‫أجاب‪ ،‬ال أعلم‪ ،‬استهواني الموضوع‪ ،‬أو‬ ‫صمت‪ ،‬ولم‬
‫ُّ‬ ‫وهذا ماحدث"‪ .‬فاجأني‪،‬‬
‫لبسني ولبسته‪.‬‬ ‫أعقب‪" .‬على طريقة إسماعيل"‪ .‬وبالتالي‬
‫جاءت الرواية التسجيلية "إحداثيات زمن‬
‫بدورها قدمت د‪.‬ابتهال الخطيب‪،‬‬
‫العزلة" كأكبر وأهم عمل روائي عن الغزو‬
‫أطروحة نقدية في الرواية‪ ،‬أبدعت‬
‫مما يحق لنا أن نطلق على إسماعيل صفة‬
‫واستفزت إسماعيل فكريا‪ .‬لم تتحفز‬
‫أديب المقاومة ضمن صفات أخرى‪.‬‬
‫كعادتها‪ ،‬عندما يذكر موضوع البدون‪،‬‬
‫بل ارتكزت على أداء أكاديمي رصين‪،‬‬ ‫عبر حقب متتالية كانت تصلني منه‬
‫ففتحت الشهية لمزيد من العمق في‬ ‫روايات قبل النشر كمخطوطات إلبداء‬
‫الرؤية‪ ،‬واستثارة للحاضرين‪ ،‬الذين‬ ‫الرأي‪ ،‬وبالذات في الجانب المعلوماتي‪،‬‬
‫اعتادوا المباشرة في الطرح‪ ،‬هذه المرة‬ ‫فقد كان إسماعيل‪ ،‬حريصا‪ ،‬دقيقا في‬
‫كانت مختلفة‪ ،‬ربما الدم األكاديمي البارد‪،‬‬ ‫مايكتب‪ .‬اختلفنا أحيانا‪ ،‬ولكنه كان خالفا‬
‫الذي نتقنه في مثل هذه المحطات‪.‬‬ ‫على شاكلة الخالف بين غيمة كبرى‬
‫أبدى إسماعيل إعجابا في ماطرحته‬ ‫ظليلة‪ ،‬كإسماعيل وغيمة صغرى على أين‬
‫ابتهال‪" ،‬فاجأتني بقراءتها للرواية‬ ‫سيهبط المطر‪.‬‬
‫واكتشافها لقضايا أكثر مما توقعت أو‬ ‫عندما يرحل كاتب وأديب بقامة‬
‫قصدت"‪ .‬في الكثير من األحوال‪ ،‬هناك‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬فهو يرحل عنا‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪68‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أن أحدا منا فكر في ذلك‪ ،‬ولكن هذا هو‬ ‫من يكتب وهناك من يكذب‪ ،‬والكاتب‬
‫إسماعيل الغيره‪ .‬وبعد التحرير اتصل بي‬ ‫الصادق‪ ،‬ينسى صدقه‪ ،‬ألنه اليتصنعه‪،‬‬
‫ذات مرة من خارج الكويت‪ ،‬حيث قضى‬ ‫فهو جزء من ممارسته الطبيعية‪ ،‬وسلوكه‬
‫سنوات يحرث أوراق ويوميات سجلها‪،‬‬ ‫االعتيادي‪ ،‬أما الكاتب المتصنع‪" ،‬فأمره‬
‫ليحدثني عن مشروعه العظيم عن الغزو‪.‬‬ ‫أمر" حسب لميعة عباس عمارة‪ ،‬وهو‬
‫هي رواية تسجيلية أو السباعية بعنوان‬ ‫يدرك جيدا أين كذب‪ .‬إسماعيل هو‬
‫الفت "إحداثيات زمن العزلة" لتكون سفرا‬ ‫كاتب صادق‪ ،‬اليدرك صدقه‪ ،‬واليتصنعه‪،‬‬
‫جامعا لتجربتنا خالل الغزو‪ .‬بلحظاته‪،‬‬ ‫الفكرة تجرك أحيانا إلى محطات غير‬
‫بتفاصيله التي عايشناها سويا بدقة وروح‬ ‫معلومة‪ ،‬حتى لك ككاتب‪ ،‬ربما اتضح ذلك‬
‫إسماعيل المتحركة‪.‬‬ ‫في فقرات "حذف بمعرفة الرقيب"‪.‬‬
‫أمسية زادها جماال الحضور الملتزم‬ ‫األجواء كانت حميمية‪ ،‬أكثر منها أدبية‬
‫والمحب لفن إسماعيل‪ ،‬بداية طيبة‬ ‫أو فنية‪ ،‬والحضور كان يعاني من حب معلن‬
‫للملتقى الثقافي‪ ،‬وخالص الشكر لطالب‬ ‫إلسماعيل‪ ،‬فاق الظروف العادية‪ ،‬عدد‬
‫الرفاعي وعائلته الكريمة‪.‬‬ ‫من الشباب المبدعين عبروا عن ذلك‬
‫تمت األمسية يوم األحد ‪ ٢٣‬سبتمبر‬ ‫الحب صراحة ودون مواربة وبحشرجة‬
‫وبعد أقل من يومين‪ ،‬جاءنا الخبر الصادم‬ ‫وبدموع أو شبه دموع‪ .‬من جانبي‪ ،‬كنت‬
‫برحيل إسماعيل‪ ،‬وكأنه قد خطط‬ ‫ً‬
‫جميال‪ ،‬يذكرك بما‬ ‫أرى والزلت إسماعيل‬
‫للرحيل‪ ،‬وكأنه قد نسج نهاية الرواية عن‬ ‫نسيت أحيانا‪ ،‬وينسيك ويسرح بك حيث‬
‫البدون‪ ،‬بعذاباتهم الظاهرة والمستترة‪،‬‬ ‫التدري أحيانا أخرى‪.‬‬
‫وكأنها كانت أمسية لعرس الرحيل‪ ،‬وسط‬ ‫إبان الغزو كان يتعامل مع ذلك الواقع‬
‫األصدقاء والمحبين‪ .‬ومع أن الموت‬ ‫البائس وكأنه يكتب رواية‪ ،‬لم أكن أعلم‬
‫حق‪ ،‬والراد لقضاء اهلل‪ ،‬إال أنني‪ ،‬ألمر‬ ‫ذلك‪ ،‬على الرغم من لقاءاتنا المتكررة في‬
‫ما‪ ،‬ال أشعر‪ ،‬بأن إسماعيل قد رحل عنا‪،‬‬ ‫ظروف بالغة الخطورة‪" ،‬الحذر ضروري‪،‬‬
‫فحضوره في الذهن كما حضوره في‬ ‫والمسؤولية الملقاة على عاتقنا كبيرة"‪.‬‬
‫المشاعر‪ ،‬والحضور في الذهن ربما أكثر‬ ‫كان يسجل كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬لكل حدث‪،‬‬
‫تركيزا وعمقا‪.‬‬ ‫ولكل شخص‪ .‬علمت ذلك الحقا‪ ،‬ال أظن‬

‫‪69‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل‪ ..‬طرح النقد عليه‬

‫‪1‬‬
‫ُ‬
‫تعبت من رثاء األصدقاء‪،‬‬ ‫الحق أنني‬
‫عقاب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أرقبهم وهم يذهبون‪ ،‬وفي هذا‬
‫ال يحتمل‪ ،‬على االستمرار في العيش‪.‬‬
‫جزء مني‪ ،‬لكأني‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫صديق ماتَ‬ ‫كلما رحل‬
‫ً‬
‫موجودا عندما يدركني الموت‪.‬‬ ‫لن أكون‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬قاسم حداد‬ ‫نستحق ذلك‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫أجياال مختلفة‬ ‫شبابه الجوهري يجعل‬ ‫ُ‬
‫تعرفت عليه‪ ،‬أوائل السبعينات‪،‬‬ ‫منذ‬
‫تنجذب لمجاورته‪ ،‬حتى إنه‪ ،‬عندما‬ ‫كان إسماعيل سمة بالغة الداللة لكل زيارة‬
‫ّ‬
‫تجمع اللقاءات الثقافية األهلية‬ ‫بدأ‬ ‫أقوم بها للكويت‪ .‬وكلما التقيت به ّ‬
‫شد‬
‫في الكويت في االنفراط‪ ،‬كان الجميع‬ ‫ً‬
‫قائال بروح دعابته‬ ‫من أزري وهمس لي‬
‫بحب يليق به وبهم‬
‫يتوازعونه لملتقياتهم ٍ‬ ‫الحميمة‪« :‬ال تحاول‪ ،‬لن تموت قبلي»‪.‬‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬وكان يحسن االحتفاظ بالمسافة‬ ‫حسبته يمازحني ويجامل خيانات‬
‫الرحيمة لكل األصدقاء‪ ،‬تلك ميزة‬ ‫الجسد‪ ،‬حسب تعبير (ممدوع عدوان)‪.‬‬
‫ثقافي يقترح أشكال‬
‫ٍ‬ ‫كويت‬
‫أسس لها في ٍ‬ ‫لكنه كان يعرف أنه يكنز الصداقات لئال‬
‫الفعاليات على عموم المنطقة بال هوادة‪.‬‬ ‫يذهب فقير الوفاض‪.‬‬
‫❋ كاتب بحريني‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪70‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫اإلحاطة بالواقع بشتى أشكال الكتابة‬


‫بولع ظاهر‪.‬‬
‫فباإلضافة إلى الرواية‪ ،‬شكل تنفسه‬
‫الرئيسي‪ ،‬فهو كتب السرد النقدي‬
‫والمسرح والقصة القصيرة والسيرة‬
‫الشخصية األدبية واإلحداثيات الكبيرة‬
‫ً‬
‫أيضا كتب سيناريو دراما‬ ‫الفخمة‪ ،‬وهو‬
‫التلفزيون‪ ،‬و َلم يتأخر عن المقالة عندما‬
‫يستدعي األمر ذلك‪ .‬هذا التنوع الغزير‬
‫يضع تجربته في مقدمة المواهب الباحثة‬
‫عن معنى الحياة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لم يتردد في لحظة االختيار ‪ :‬ضد‬
‫العسف مع الحرية‪ .‬هذا الموقف هو‬
‫ظهير كتابته وأدبه‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫لذلك يمكننا الثقة أنه لم يزل يسهم‬ ‫في أوائل السبعينيات‪ ،‬كان إسماعيل‬
‫في صقل الموقف اإلنساني الذي ظل‬ ‫يقول‪(« :‬كانت) السماء زرقاء»‪ ،‬فماذا‬
‫األدب يذهب إليه طوال التاريخ البشري‪.‬‬ ‫سيقول اآلن فيما يكتب نصوصه حتى‬
‫الكلمة ‪ /‬الحرية‪.‬‬ ‫األيام األخيرة قبل رحيله؟‬

‫هذا هو الدرس الذي تقدر األجيال‪،‬‬ ‫ّ‬


‫صوبها‬ ‫التحديقة الصارمة التي‬
‫التي صادقت إسماعيل فهد إسماعيل‪،‬‬ ‫ً‬
‫واقعيا على‬ ‫إسماعيل على الحياة جعلته‬
‫على تثمينه واالعتداد به وطرح النقد‬ ‫طريقته‪ .‬بمعزل عن توصيفات األدب‬
‫المتجدد عليه‪.‬‬ ‫ونقده‪ ،‬يجوز لي الزعم أن إسماعيل أراد‬

‫‪71‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫في غياب الخل الوفي‬

‫كيف ألملم نفسي المبعثرة بعد هذه‬


‫سر هذا الوجع‬ ‫سأح ُ‬
‫ْ‬ ‫الفجيعة‪ .‬وكيف‬
‫األليم الذي أعرف أنه سيبقى حتى‬
‫ُ‬
‫حسبت‬ ‫أموت‪ ،‬كيف؟ أرثيك وأنا التي ما‬
‫أن يأتي يوماً وتعصف في قلبي رياح‬
‫منصات‬ ‫ّ‬
‫األبدي‪ .‬دعوات كثيرة إلى ّ‬ ‫فراقك‬
‫الحزن دعتني ألقول عنك ولو كلمة‪ ،‬كيف‬
‫أقول؟ وماذا أقول؟ تعجز الكلمات مهما‬
‫أمطرت معانيها أن ّ‬
‫تعبر عما أحمله في‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬ليلى العثمان‬
‫قلبي من حب كبير ال يخجل القلب أن‬
‫يعترف به‪.‬‬

‫كل أصدقائي وأحبائي وكل من عرفني‬ ‫لم أتماسك بعد يا إسماعيل فالكالم‬
‫وأحبني؟‪.‬‬ ‫ثقيل ال تنطق به الروح وال اللسان‪.‬‬

‫أنا يا إسماعيل؟ أنت تعرف أنني ال‬ ‫نظرت‬


‫َ‬ ‫ّ‬
‫تسللتَ إلى نومي‪،‬‬ ‫البارحة‬
‫ّ‬
‫أصدق‬ ‫أستطيع غير البكاء وأنا ال أكاد‬ ‫إلي بعينيك الزرقاوين كان فيهما‬
‫ّ‬
‫تجرأ واختطفك مني ّ‬
‫ومنا‬ ‫ّ‬ ‫أن الموت‬ ‫ّ‬
‫أصدق يا ليلى أنك‬ ‫الحزن والعتب‪ :‬هل‬
‫جميعا‪ ،‬إنه ال ُي ْتم الحقيقي الذي لم‬ ‫عجزت عن كلمة في رثائي كما فعل‬
‫❋ كاتبة كويتية‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪72‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ً‬
‫دائما) سنلتقي في أمسيات أخرى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أحسه بعد موت أمي وأبي وأحباب‬

‫وسافرت‪ .‬وجاءني ذلك الحلم قبل‬ ‫وأصدقاء كثر‪ .‬يا وجعي يا إسماعيل‬
‫ّ‬
‫سيظل‬ ‫بعد فراقك وجع كالمدْ ية‬
‫وفاتك بيوم‪.‬‬
‫ً‬
‫غائصا في قلبي حتى أموت‪.‬‬
‫❏❏❏‬

‫رأيتني وحيدة أمشي في مكان مهجور‬ ‫هل تعلم يا إسماعيل كم أنا حزينة‬

‫معتم تنتشر فيه الصخور وجذوع أشجار‬ ‫ونادمة أنني سافرت دون أن أودعك‪،‬‬

‫عارية وسعف نخيل يابس‪ ،‬مشيت خائفة‬ ‫كانت آخر مكالمة قصيرة يوم السبت‬
‫ً‬
‫رطبا‬ ‫ً‬
‫مفتوحا‬ ‫ً‬
‫قبرا‬ ‫من الفراغ فلمحت‬ ‫ألعتذر أنني لن أحضر ليلة ملتقى‬
‫ً‬
‫خاليا ورأيت حمامة بيضاء صغيرة‬ ‫األحد المقامة لالحتفال بروايتك‬
‫معلقة فوق القبر ال تحط وال تطير وال‬ ‫األخيرة‪ .‬ج ْل ْ‬
‫جلت ضحكتك وقلتَ ‪:‬‬
‫ُ‬
‫وصحوت وقلبي‬ ‫ُ‬
‫فزعت‬ ‫تأتي بأي حركة‪.‬‬ ‫سافري يا جميلتي (هكذا كان يخاطبني‬

‫‪73‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫بعيدة؟‪ّ .‬‬
‫قررت أن أترك المؤتمر وأعود‬ ‫يرتجف رجفات ال تهدأ وبدأ تشاؤمي!‬
‫ألراك حتى وإن كنت في ثالجة الموتى‬ ‫ترى من سيموت؟ عسى أال يكون أحد‬
‫قبل دفنك لكن لم أجد إال رحلة متأخرة‬ ‫من أوالدي‪ ،‬لم يخطر ببالي أنك أنت من‬
‫ووصلت الساعة الثالثة والنصف بعد‬ ‫سيموت‪ ،‬لقد كان القبر قبرك‪ ،‬والحمامة‬
‫منتصف الليل‪ .‬لم أفقد األمل اتصلت‬ ‫روحك المعلقة بين األرض والسماء‪.‬‬
‫ً‬
‫باكرا ورجوته أن يأخذني‬ ‫بأبي مازن‬ ‫في الصباح ونحن في صالة المؤتمر‬
‫إليك فقال إن األمر صعب فقد غسلوك‬ ‫ّ‬
‫رن الهاتف وعادة ال أرد لكني نظرت إلى‬
‫وكفنوك‪ .‬آخ يا خيبة أملي‪ ،‬ترحل دون أن‬ ‫شاشة الهاتف كان المتصل أبو مازن‬
‫أراك وأقبلك قبالت الوداع وأهمس لك‬ ‫(الكاتب محمد جواد) ثم اتصال ّ‬
‫مرتين‬
‫إنني أحببتك طول عمري وسأظل‪.‬‬ ‫ً‬
‫سابقا)‪.‬‬ ‫من صديقتي بروانة (زوجته‬
‫ُم ّت يا إسماعيل‪ ..‬يامن كنت لي‬ ‫تطالبني صديقتي ثريا البقصمي بالرد‪،‬‬
‫وظال‪ُ .‬م ّت يا من كنت خيمتي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫شمسا‬ ‫قلت لن أرد‪ ،‬هذا بالتأكيد خبر سيئ عن‬
‫التي أفر إليها بفرحي وحزني وأسراري‬ ‫إسماعيل ربما هو في المستشفى بحالة‬
‫التي ال يعرفها أحد سواك‪َِ .‬فل َمنْ أفر‬ ‫خطرة لكن قلبي كان يحدس بغير ذلك‪.‬‬
‫اآلن؟‪.‬‬ ‫أحاول أن أزيح الفكرة المشؤومة وأبرر‬

‫أحببت إسماعيل‪ ،‬صادقته وبارك‬ ‫ً‬


‫كثيرا‬ ‫لنفسي أنه في السنوات األخيرة‬

‫زوجي وليد صداقتنا‪ ،‬صار ثالثنا الذي‬ ‫ً‬


‫سالما‪ .‬أغلقت الهاتف‬ ‫ما يدخل ويخرج‬
‫ّ‬
‫نتنفس أمامه حتى مشاكلنا الصغيرة‪،‬‬ ‫ً‬
‫خبرا يسوؤني‪ .‬في الرابعة‬ ‫كي ال أسمع‬
‫ُ‬
‫فتحت عقلي له‪ ،‬لنصائحه‪ ،‬لتوجيهاته‬ ‫صعدت إلى غرفتي وفتحت الهاتف‬
‫ُ‬
‫فتحت قلبي لكاتب عنيد جميل‬ ‫الثرية‪،‬‬ ‫علي األسماء‬
‫ّ‬ ‫وصعقني الخبر وتوالت‬

‫ً‬
‫يوما أن بيني وبينه‬ ‫حنون‪ .‬لم أشعر‬ ‫التي تعزيني بك‪.‬‬

‫حواجز من أي نوع‪ ،‬صار بالنسبة لي‬ ‫آه يا إسماعيل كيف تموت وأنا‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪74‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الصديق والحبيب‪ .‬ال يبدد الحزن‬


‫والجروح إال هو‪ .‬في وجهه ألمح نضارة‬
‫الدنيا أسقط على صدره الضئيل بأثقالي‬
‫ُ‬
‫وحططت‬ ‫ّ‬
‫فأحسني تجاوزت بقاع األرض‬
‫في غيمة دافئة‪.‬‬

‫وحده إسماعيل يعرف ليلى‪ّ ،‬‬


‫اهتم بي‬
‫كإنسانة فأحبني بكل متناقضاتي‪ ،‬واهتم‬
‫بي أديبة وكاتبة‪ ،‬قرأني وظل يتابعني‪،‬‬
‫نصح فقسى‪ ،‬غضب وصادر بعض نزقي‬
‫في الكتابة‪ُ ،‬‬
‫كنت أخضع ّ‬
‫مرات للمصادرة‬
‫التي بالتأكيد كانت ستدمر الحب‪ .‬وكنت‬
‫ّ‬
‫ومرات قليلة كنت أتمرد عليه فال يكره‬
‫ً‬
‫دائما أخاف أن يغادرني‪.‬‬
‫ّ‬
‫تمردي‪ ،‬كان إسماعيل مالذي‪ ،‬حين أفرح‬
‫ً‬
‫وحيدا وتركني‬ ‫وها هو قد غادر‬ ‫يفرح لي وحين أتعب ُيفرد لي فراش‬
‫وحيدة وما تصورت أن يأتي اليوم الذي‬ ‫ً‬
‫حفاظا على‬ ‫الراحة وال يقترب منه‬
‫بكاء كالعويل وسأبقى‬
‫سأرثيه فيه وأبكيه ً‬ ‫صداقتنا المثالية‪.‬‬
‫أبكيه حتى ألحق به‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أحببت إسماعيل ذلك الحب الذي‬
‫سأظل أحبه ذلك الحب الذي لم‬ ‫ال توجد له تفاسير في معاجم الكتب‪،‬‬
‫تخدشه شوكة‪ ،‬وسأظل أراه في أحالمي‬ ‫صاف‬
‫حب ال شكل له وال لون لكن طعمه ٍ‬
‫وفي كل وجه من وجوه الذين أحببناهم‬ ‫الم ّ‬
‫صنف‬ ‫بال شوائب‪ ،‬هذا الحب غير ُ‬
‫معا وسأفتح دفاتر ذكرياتي وألبومات‬ ‫ً‬ ‫في ّ‬
‫أي خانة من خانات الحب‪ ،‬كانت له‬
‫صوري ألتذكره وأراه ّكلما َج ّن بي الشوق‬ ‫فرادته ُ‬
‫وعمقه رغم ذلك لم نكن نسعى‬
‫إليه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مؤسسة فاشلة (مؤسسة الزواج)‬ ‫لبناء‬

‫‪75‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ً‬
‫بعيدا عن‬ ‫إليه حتى البحر الذي كان‬ ‫كان رفيق سفر مريح‪ ،‬أذكر رحلتي‬
‫سكنه ألنه كان يعرف أنني أحب صديقي‬ ‫معه إلى الفلبين كانت الرحلة طويلة‬
‫البحر‪ .‬قضينا الوقت نكتب ونقرأ‬ ‫ونحن في الدرجة الثانية وحين وصلنا‬
‫ونتجول ونجلس في المقاهي لنستلذ‬ ‫إلى شقته األنيقة قلت له احجز لي طريق‬
‫بأكل (الهولوهولو) واآليس كريم‪ .‬نضحك‬ ‫العودة بالدرجة األولى‪ .‬بقيت معه عشرة‬
‫من القلب ونستعيد ذكريات حلوة ونغني‬ ‫أيام من أجمل أيام عمري‪.‬‬
‫األغاني العراقية القديمة التي نحبها‪.‬‬ ‫كان يعشق السينما وكنت ال أحبها‬
‫سافرت معه ومع صديقنا الروائي‬ ‫وأرفض أن أصحبه‪ ،‬قلت له اذهب‬
‫طالب الرفاعي أكثر من سفرة إلى مصر‬ ‫ّ‬
‫بشدة أن يتركني‬ ‫وحدك‪ ،‬لكنه يرفض‬
‫ودمشق زرنا أصدقاءنا‪ ،‬زرنا حلب التي‬ ‫وحدي‪ .‬لقد حرمته من هوايته وكان‬
‫عشقناها ودعانا الشاعر نزيه أبو عفش‬ ‫يسهر في الليل على أفالم التلفزيون‪.‬‬
‫إلى بلدته صافيتا وكم كانت الرحلة‬ ‫سافرت قبله‪ ،‬أوصلني إلى المطار‪،‬‬
‫وهنية ال ُتنسى‪ .‬ذكريات كثيرة‬
‫ّ‬ ‫ممتعة‬ ‫دخلت بعد أن ودعته وأنا كالبلهاء أقف‬
‫موشومة في القلب وتالفيف الذاكرة‬ ‫في صفوف الدرجة الثانية والطابور‬
‫وألبومات الصور‪.‬‬ ‫طويل ومزدحم‪ ،‬وفجأة سمعت صوته‬
‫يا إسماعيل‪ :‬مع من سأسافر من‬ ‫بقربي فلم أتمالك وبكيت وسألته‪ :‬كيف‬
‫بعدك ّ‬
‫وأي سفر ستكون له لذة بغير‬ ‫دخلت؟ قال دبرت األمر مع الضابط‬
‫وجودك؟ ولمن أشتري األفيال التي كنتَ‬ ‫حين رأيتك تقفين في صفوف الدرجة‬
‫ُتحبها وأحمل بعضها إليك ولمن سأقدم‬ ‫الثانية وأنت في األولى‪ ،‬أخذني من يدي‬
‫الحلوى ومع من سأشرب القهوة ُ‬
‫الم ّرة‬ ‫وهو يضحك من غبائي ضحكته العالية‬
‫والشاي بال سكر؟‪.‬‬ ‫المعهودة احتضنته وشكرته وتفارقنا‪.‬‬

‫❏❏❏‬ ‫ً‬
‫مكانا إال وأخذني‬ ‫عشرة أيام لم يترك‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪76‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ً‬
‫وداعا يا زرقة‬ ‫ً‬
‫وداعا يا أغلى الناس‪.‬‬ ‫في إحدى لقاءاتي األخيرة معه قال لي‪:‬‬
‫قررت أن أهاجر إلى تايلند سأشتري ً‬
‫بيتا‬
‫عينيك الصافيتين كالبحر والسماء‪.‬‬
‫هناك وسأستقبلك فيه‪ .‬لكنه هاجر إلى حيث‬
‫ً‬
‫وداعا يا‬ ‫ً‬
‫وداعا يا قلبك الذي أحبني‪،‬‬
‫لن يعود وترك لي الوجع‪ .‬وحتى هذه اللحظة‬
‫حبيب القلب‪.‬‬ ‫التي أكتب فيها عنه تقهرني دموعي‪.‬‬

‫‪77‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫ومعادَ الت‬
‫َصدَ مات ُ‬
‫في تجربة إسماعيل فهد إسماعيل الروائية‬

‫يضعنا التصنيف الواسع لروايات إسماعيل فهد‬


‫إسماعيل أمام مهمة عسيرة الستجالء األثر الباقي‬
‫من اختراعاته الشكلية وموضوعاته اإلشكالية‪ .‬فكاتبها‬
‫عصر مخض َرم‪ ،‬لم‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫وشاهد‬ ‫روائي من الطليعة المج ِّربة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫وإحساسه عن قضايا أمته وبالده‪ ،‬ولم يهادن‬ ‫نظر ُه‬
‫ِيحد ُ‬
‫بمواقفه وكتابته متغيرات عصره‪ ،‬بل ّأن ذاكرته الحية‬
‫غطاها التاريخ‬‫أعادت إنتاج الحوادث الرئيسة التي ّ‬
‫العربي بدخان حروبه ودسائسه‪ ،‬وزادت على ذلك إضاءة‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬محمد خضير‬ ‫الحياة الشخصية للفاعلين الهامشيين‪ ،‬بأسمائها‬
‫الحقيقية والمستعارة‪.‬‬

‫على أساس (االختالف والمغايرة)‪،‬‬ ‫ً‬


‫استرجاعية‬ ‫مهما كانت قراءتنا‬
‫والنفاذ إلى آلياتها الداخلية في‬ ‫واحتفائية‪ ،‬إال أننا ال نستطيع إغفال‬
‫رواياته‪ .‬نبعت هذه االستراتيجية ‪-‬‬ ‫اإلشارة إلى االستراتيجية السردية‬
‫كما شرحها الروائي إسماعيل فهد‬ ‫إلسماعيل فهد إسماعيل القائمة‬
‫❋ كاتب عراقي‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪78‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫سعة الخبرة التاريخية والتقنية التي‬ ‫ّ‬


‫مطول مع طالب‬ ‫إسماعيل في حديث‬
‫ً‬
‫مرموقا‬ ‫ً‬
‫مركزا‬ ‫صدرت عنها‪ ،‬واحتاللها‬ ‫ّ‬
‫بالتحدي‬ ‫الرفاعي ‪ -‬من ((اإلحساس‬
‫بين السرديات العربية الحديثة‪.‬‬ ‫الحياة‬ ‫وبتأمل‬ ‫ّ‬
‫بالتغير‬ ‫والرغبة‬

‫البنائية‬ ‫االستراتيجية‬ ‫بموجب‬ ‫والمجتمع والذات))‪ .‬وقد حكمت هذه‬


‫اآلنفة الذكر‪ ،‬نستطيع أن ّ‬
‫نصنف أعمال‬ ‫االستراتيجية أعمال إسماعيل الروائية‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل الروائية‪،‬‬ ‫ّ‬


‫ووجهت موضوعاتها وبناها‬ ‫كلها‪،‬‬

‫بحسب عالقتها المرحلية والمكانية‪،‬‬ ‫الفنية في مختلف المراحل وتقاطع‬

‫في صنفين رئيسيين‪:‬‬ ‫األزمنة واألمكنة‪ ،‬وتعدُّ د الشخصيات‬


‫والهويات واللغات‪ .‬كما أثبتت هذه‬
‫‪ -‬روايات صدمة التحدي والتغيير‪.‬‬
‫االستراتيجية قوتها وصالبتها أمام‬
‫‪ -‬روايات صدمة االحتالل والعزلة‪.‬‬
‫أكبر صدمتين تاريخيتين‪ ،‬اعترضتا‬
‫ّ‬
‫إن هذا التصنيف يساعدنا على‬ ‫تجربته الروائية‪ :‬صدمة العرب في‬
‫الحقيقي‬ ‫المحتوى‬ ‫إلى‬ ‫الدخول‬ ‫حرب حزيران ‪ ،1967‬وصدمة احتالل‬
‫لالستراتيجية الروائية التي اعتمدها‬ ‫الجيش العراقي للكويت العام ‪.1990‬‬
‫إسماعيل في تأليف رواياته‪ ،‬كما يضعنا‬ ‫ّ‬
‫التجلي البنائي لهذه االستراتيجية‬ ‫أما‬
‫أمام ظاهرة التمزق األيديولوجي لهويات‬ ‫فيتمثل في االختزال اللغوي‪ ،‬والتقطيع‬
‫أبطاله‪ ،‬في زمنين متقابلين ومتعاقبين‪،‬‬ ‫المسرحي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والتمشهد‬ ‫السينمائي‪،‬‬
‫وفي أكثر من مكان جغرافي‪ .‬سنالحظ‬ ‫وحوار الشخصيات الباطني المنفرد‬
‫أن الصنف األول (التحدي والتغيير)‬ ‫ً‬
‫جديدا لرأي‬ ‫والثنائي‪ .‬وقد ال نضيف‬
‫الذي يضم الرباعية العراقية األولى‪،‬‬ ‫النقاد العرب في المزايا الفكرية‬
‫والثالثية العربية المعنونة بنهر النيل‪،‬‬ ‫والجمالية لروايات إسماعيل فهد‬
‫إضافة إلى روايات منفردة أخرى‪،‬‬ ‫إسماعيل‪ ،‬إال أننا ال ّ‬
‫بد أن نشير إلى‬

‫‪79‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫القومية والمنظمات المرتبطة بها‪،‬‬ ‫تحقق رؤيتها االستراتيجية بهوية قومية‬


‫ً‬
‫محكوما باالغتراب الفكري‬ ‫فأصبح‬ ‫وأيديولوجية موحدة‪ ،‬قبل أن تنشرخ‬
‫ً‬
‫ومصدوما باالنسالخ‬ ‫واالجتماعي‪،‬‬ ‫هذه وتغترب إلنجاز الصنف الثاني‬
‫ً‬
‫متأمال لالنقسام‬ ‫الوطني والقومي‪ ،‬ثم‬ ‫(روايات االحتالل والعزلة) وأشهرها‬
‫الشعوري الباطني‪ ،‬الذي َّ‬
‫هز أعماق‬ ‫(سباعية إحداثيات زمن العزلة) و(في‬
‫أبطاله المغتربين ودفعهم للبحث‬ ‫حضرة العنقاء والخل الوفي) و(طيور‬
‫عن لغة جديدة للتعبير عن الرؤى‬ ‫التاجي)‪.‬‬
‫المفتوحة على التغيير‪ ،‬وشعرية الذات‬ ‫ً‬
‫تاريخيا‬ ‫ً‬
‫قدرا‬ ‫لم يكن هذا التصنيف‬
‫الالمنتمية‪.‬‬ ‫طا على‬ ‫ّ‬
‫ومسل ً‬ ‫ً‬
‫مفروضا على الروائي‪،‬‬
‫ّ‬
‫تمزقت الذات المنتمية‪ ،‬عندما‬ ‫هويات أبطاله‪ ،‬في أزمنة قاهرة وأمكنة‬
‫شهدت الحقيقة المؤلمة لسقوط‬ ‫متعددة (البصرة‪ ،‬الكويت‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫التاريخ الجماعي‪ ،‬فاتجهت إلى (أرخنة‬ ‫بيروت‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الفلبين)‪ ،‬ذلك ألن هذا‬
‫بمعادلة‬ ‫التاريخ)‬ ‫وتذويت‬ ‫الذات‬ ‫ً‬
‫تماما‬ ‫التصنيف _ باعتقادي _ يتفق‬
‫الدكتور مرسل فالح العجمي؛ أو (تآلف‬ ‫مع الممارسة األيديولوجية األساسية‬
‫المتضادات وتضاد المتآلفات) حسب‬ ‫والخبرة الجمالية اللتين اكتسبهما‬
‫تعبيرنا‪ .‬وهي معادلة تساوي في رأينا‬ ‫الروائي في وقت سابق للصدمتين‬
‫ً‬
‫أيضا‪ :‬انفصام الذات وانسالخ الهوية‪،‬‬ ‫الكبريين‪ .‬فقد أفاق إسماعيل في‬
‫في شخصية (البدون) التي اختارها‬ ‫زمن مبكر على انهيار اآلمال الثورية‬
‫إسماعيل لروايته (في حضرة العنقاء‬ ‫ً‬
‫شاهدا‬ ‫لقوى المجتمع الوطنية‪ ،‬وكان‬
‫والخل الوفي) الصادرة في العام ‪.2013‬‬ ‫ً‬
‫قريبا على صعود العقليات الشمولية‬
‫ّ‬
‫ولعل العمل الروائي السابق الصادر‬ ‫للعسكرتاريا العربية‪ ،‬وضمور القضايا‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪80‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫روائي غاية في‬


‫ّ‬ ‫القصيرة إلى تعبير‬ ‫العام ‪ 2011‬بعنوان (عندما رأسك في‬
‫االتساع‪ ،‬والداللة على تأمل الذات‬ ‫طريق واسمك في طريق أخرى) قد‬
‫المرتحلة‪ ،‬عبر‬
‫ِ‬ ‫الناضجة‪ ،‬ووعي هويتها‬ ‫أسرف في تجريب التيار الشعوري‬
‫المسترسلة في زمانها‬
‫ِ‬ ‫تجريب اللغة‬ ‫الجارف للذات المنقسمة على نفسها‬
‫ومكانها الجديد‪ :‬الكويت‪.‬‬ ‫‪-‬الذات المنتمية والذات المتأملة‪-‬‬
‫وظل يرنو إلى تحقيق المصالحة‬ ‫ّ‬
‫سيطرت طريقة التداعي الحر‬
‫(المونولوج الداخلي) على أغلب روايات‬ ‫المنشودة بينهما‪ ،‬حتى أدركها في رواية‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل وتحكمت في‬ ‫ّ‬


‫(السبيليات)‪.‬‬ ‫متأخرة هي‬

‫ذوقه السردي‪ ،‬بفعل التمرد والقلق‬ ‫من الواضح إن روح التحدي والتمرد‪،‬‬
‫والحلم بمكان بديل‪ ،‬واالستجابة‬ ‫نمت ببطء وثبات في شخصية المؤلف‬
‫ْ‬
‫المباشرة لتأثير السينما والمسرح‬ ‫ً‬
‫ارتدادا على نشأة عائلية‬ ‫السارد‪،‬‬
‫والفن التشكيلي‪( .‬صرح إسماعيل‬ ‫قاسية‪ ،‬وقمع اجتماعي سلطوي شديد‪.‬‬
‫المطول إلى‬
‫َّ‬ ‫بهذا التأثير في حديثه‬ ‫ً‬
‫جماليا‬ ‫ً‬
‫ذوقا‬ ‫كما أن سرديته اكتسبت‬
‫ُ‬
‫األزمة‬ ‫طالب الرفاعي)‪ .‬أفضت‬ ‫ً‬
‫وسينمائيا‪ ،‬في زمن «المقهى»‬ ‫ً‬
‫مسرحيا‬
‫المنقسم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الشعورية الداخلية للبطل‬ ‫َ‬
‫توضع في وجه‬ ‫الحميم‪ ،‬قبل أن‬
‫ورغبة الذات في الخروج من دائرة‬ ‫التحديات واللجوء خارج الحدود‪ /‬إلى‬
‫(األقفاص المشتركة) إلى استعمال‬ ‫بلد ثان‪ .‬وقد انعكس هذا الذوق ً‬
‫أوال‬
‫أسلوب التداعي الحر‪ ،‬واالستعانة‬ ‫في مجموعتيه القصصيتين (البقعة‬
‫باألحالم السينمائية للخروج إلى‬ ‫الداكنة) و(األقفاص واللغة المشتركة)‬
‫فضاء التجربة المحوطة باألخطار‬ ‫قبل انتقاله إلى الشكل الروائي‪.‬‬
‫والمصائر المنفردة‪ .‬وسا َد هذا الشعور‬ ‫تحولت «اللغة المشتركة» في القصص‬

‫‪81‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫واندالع ثورات الربيع العربي‪.‬‬ ‫األولى‬ ‫المرحلة‬ ‫روايات‬ ‫الباطني‬

‫كان الراحل إسماعيل فهد إسماعيل‬ ‫(التحدي والتغيير) أكثر من غيرها‪ .‬إال‬
‫أنني أعتقد ّ‬
‫بأن زمن األحالم األبيض‬
‫قد استوفى معظم مراحل استراتيجيته‬
‫واألسود‪ ،‬قد وجد امتداده في أكثر من‬
‫الروائية‪ ،‬عندما دهمه الموت؛ وبقي‬
‫ُ‬
‫الهوية خالله وجودَها‬ ‫مكان ِّ‬
‫حققت‬
‫على قرائه أن يستعيدوا تلك المراحل‬
‫األمثل‪ ،‬وراء مرحلة االنقسام والعزلة‪.‬‬
‫ويعيدوا اكتشافها‪ ،‬في ضوء متغيرات‬
‫المشهد الروائي العربي واتساع رؤيته‬ ‫انفصل إسماعيل فهد إسماعيل‬

‫الكونية لقضايا العصر‪ .‬ولعل مهمة‬ ‫عن نسق االستراتيجيات التاريخية‪،‬‬

‫النقد أن يشير بقوة إلى أهم اختراعين‬ ‫والتحق بنسق الذات المتأملة شعو َرها‬

‫ينسبان إلى الراحل هما‪ :‬اختراع‬ ‫المغترب عن المكان الثابت‪ ،‬والهوية‬


‫ّ‬
‫وظل «يحلم»‬ ‫األيديولوجية المتصلبة‪.‬‬
‫السالسل الروائية‪ ،‬وإدخال تقنية تيار‬
‫بمعادلة تعيد االنسجام واالتصال‬
‫الوعي (التداعي الحر للشعور) إلى‬
‫بين أزمنته الشخصية وضمائرها‬
‫الرواية العربية‪ ،‬خالل وقت مبكر من‬
‫ً‬
‫داخليا‪ ،‬وراء تداعيات‬ ‫المتحاورة‬
‫ستينيات القرن العشرين الماضية‪.‬‬
‫ربيعه المبكر‪ّ .‬‬
‫لكن هذا الحلم سيكرر‬
‫بعد سنوات من التجريب والمعاناة‪،‬‬
‫مرة بعد أخرى ذلك الشعور القلق‬
‫ً‬
‫أخيرا‪ ،‬تحديد الجانب الفني‬ ‫يمكننا‬ ‫وأظن ّ‬
‫ّ‬
‫أن‬ ‫بعدم االستقرار والتالؤم‪.‬‬
‫في استراتيجية الروائي إسماعيل فهد‬
‫معادلته االستراتيجية ارتطمت على‬
‫إسماعيل‪ ،‬ونمثل للجانب الثيماتي منها‬ ‫ً‬
‫اجتماعيا‬ ‫الدوام بقلق الهوية المغتربة‬
‫بالسالسل األربع التالية‪:‬‬ ‫ً‬
‫وأيديولوجيا‪« :‬ماذا نكتب‪ ،‬وكيف نكتب‪،‬‬
‫‪ -‬روايات الصدمة والتحدي (الرباعية‬ ‫وأين نكتب» خاصة بعد غزو الكويت‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪82‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫العراقية األولى‪ :‬كانت السماء‬


‫الضوئية‪،‬‬ ‫المستنقعات‬ ‫زرقاء‪،‬‬
‫الحبل‪ ،‬الضفاف األخرى)‪.‬‬

‫والمقاومة‬ ‫االحتالل‬ ‫روايات‬ ‫‪-‬‬


‫(الروايات الفلسطينية وسباعية‬
‫إحداثيات زمن العزلة)‪.‬‬

‫‪ -‬روايات الشخصيات اإلشكالية‬


‫(روايات حنظلة وابن لعبون)‪.‬‬

‫‪ -‬روايات تصالح الذات والمكان (رواية‬


‫السبيليات)‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫برازخ في العالم الروائي‬


‫إلسماعيل فهد إسماعيل‬

‫ال أزال أذكر أنني ما إن انتهيت من‬


‫قراءة الرواية األولى إلسماعيل فهد‬
‫إسماعيل (كانت السماء زرقاء) حتى‬
‫هتفت‪ :‬هذه الرواية مثل َغ ْزل البنات‪.‬‬
‫وغ ْزل ـ بتسكين الزاي ـ البنات‪ :‬حلوى‬ ‫َ‬
‫ملونة‪ ،‬خفيفة كالنسمة‪ ،‬وال تكاد تالمس‬
‫وجداً وقطراً ولذة‪.‬‬
‫الحلق حتى تذوب ْ‬
‫ولئن أكدت من بعد رواية (المستنقعات‬
‫الضوئية) ذلك االنطباع‪ ،‬فقد أقلقتني‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬نبيل سليمان‬
‫بشخصية حميدة‪ ،‬ذلك المثقف الذي‬
‫يتقن استخدام السكين‪ ،‬والذي ستجعله‬
‫المصادفة قاتالً ‪ ،‬إذ يلبي استغاثة المرأة‬
‫وسوف تتكرر الدغدغة‪ ،‬وإن بدرجة‬ ‫التي يذبحها شقيقاها‪ ،‬فيقتلهما‪.‬‬
‫ولن أنسى أن هذه الرواية‪ ،‬كسابقتها‪،‬‬
‫أدنى أو مختلفة‪ ،‬لدى قراءتي لتمام رباعية‬
‫قد دغدغت ما كنت أنطوي عليه من‬
‫إسماعيل بروايتي (الحبل) و(الضفاف‬
‫الوجودية التي شرعت تتمركس أو تفسح‬
‫األخرى) وما تالها في سبعينيات القرن‬ ‫للماركسية‪ ،‬بعيد تخرجي من الجامعة‬
‫الماضي‪ .‬بيد أن ما هو أهم من تلك‬ ‫عام ‪.1967‬‬
‫❋ كاتب سوري‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪84‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إلى ذلك سيدمن إسماعيل فهد‬ ‫الدغدغة‪ ،‬كان قد راح يشغلني في روايات‬
‫إسماعيل تصدير روايته بمالحظة أو‬ ‫إسماعيل‪ ،‬وأول ذلك هو بناء المشهد‬
‫مقدمة أو إشارة أو كلمة‪ .‬ففي صدر رواية‬ ‫ً‬
‫أفعاال أو أن‬ ‫من مفردات‪ ،‬يندر أن تكون‬
‫(الحبل) تحدد المالحظة األولى «أن‬ ‫ً‬
‫جمال‪ .‬ومن ذلك في رواية (الحبل)‬ ‫تشكل‬
‫األحداث تدور عام ‪ ،»1962‬بينما ّ‬
‫تنص‬ ‫هذا المثال‪« :‬حدوة الحصان‪ .‬النجار‪.‬‬
‫الثانية على أنه «من أجل زيادة اإليضاح‬ ‫المسامير‪ .‬أمه‪ .‬أبوه‪ .‬الحبل‪ .‬الخشبة‬
‫ارتأينا أن نكتب السرد بحروف بارزة‪،‬‬
‫الناتئة‪ .‬الصعود‪ .‬النزول‪ .‬الدم‪ .‬وجه‬
‫أما الحوار والتداعي فقد كتب بحروف‬
‫أمه الملطخ بدماء كفه» وكذلك‪« :‬العمل‪.‬‬
‫عادية»‪ .‬والكاتب بذلك يسلك مسلك‬
‫الشرطة الكويتية‪ .‬الشرطة العراقية‪.‬‬
‫غسان كنفاني وعبد الرحمن مجيد‬
‫الحبل‪ .‬المأجور‪ .‬العرق‪ .‬الحارس‪ .‬رأس‪.‬‬
‫الربيعي وغادة السمان‪ ...‬أي مسلك‬
‫الجامعة‪ .‬التقاعد‪ .‬المال السجن»‪ .‬وسوف‬
‫ً‬
‫طباعيا‬ ‫آنئذ بالتمييز‬
‫الموضة التي درجت ٍ‬
‫يغدو هذا (اللعب) عالمة فارقة لكتابة‬
‫بين مستويات الكتابة‪ ،‬والعناية بخاصة‬
‫إسماعيل الروائية‪ ،‬وحيث تؤدي اللعبة‬
‫بمستوى الالوعي أو الالشعور أو التداعي‬
‫مهمة أو أكثر‪ ،‬فهي ترمي بالمفردات التي‬
‫ً‬
‫وجريا على نهج فوكنر‬ ‫ً‬
‫توخيا للحداثة‬
‫تعنون ما سيدور في المشهد التالي أو‬
‫وأضرابه‪ .‬ومما يسجل إلسماعيل فهد‬
‫إسماعيل منذ رواية (الضفاف األخرى ـ‬ ‫الفقرة التالية أو الفصل التالي من أحداث‬

‫‪ )1973‬مالعبته للضمائر الثالثة (المتكلم‬ ‫أو حوار‪ ،‬أو ما سيمور من مشاعر‪ .‬تلك‬

‫ـ المخاطب ـ الغائب) ً‬
‫معا في المقطع‬ ‫مهمة أولى‪ ،‬وثمة مهمة ثانية تتمثل في أن‬
‫السردي الواحد‪ .‬على أن آخرين سيلعبون‬ ‫تلخص المفردات ما سبق أن دار أو مار‪.‬‬
‫هذه اللعبة‪ ،‬كما سيلعبون لعبة الحروف‬ ‫وقد يكون على اللعبة أن تنهض بالمهمتين‬
‫البارزة والحروف العادية في طباعة‬ ‫األولى والثانية ً‬
‫معا‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫حصة أكبر‪ ،‬وإذا بالفضاء الفلسطيني‬ ‫الرواية‪ .‬غير أن اجتماع هاتين اللعبتين‬
‫المندغم بالفضائين اللبناني والمصري‪،‬‬ ‫مع لعبة بناء المشهد من مفردات‪ ،‬هو ما‬
‫ً‬
‫متقدا في رواية (النيل الطعم‬ ‫يحضر‬ ‫سيبدأ برسم الحداثة الخاصة بروايات‬
‫ً‬
‫ومخاطبا يومنا السياسي فيما‬ ‫والرائحة)‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬وهو ما سيتعزز‬
‫صورت الرواية من اإلرهاب واالغتيال‬ ‫بلعبة أخرى فأخرى كما سنرى‪ ،‬فإذا‬
‫والديكتاتورية‪ ،‬وباإلرهاب الحداثي ً‬
‫دوما‪.‬‬ ‫بالعالم الروائي إلسماعيل فهد إسماعيل‬
‫ً‬
‫فمدماكا‪ ،‬ورواية فرواية‪،‬‬ ‫ً‬
‫مدماكا‬ ‫ينهض‬
‫إلى أبعد مما تقدم في رواية (النيل‬
‫وفي مركزه ذلك الفرد المثقف اليساري‬
‫الطعم والرائحة) تذهب رواية (النيل‬
‫ً‬ ‫المناضل في حزب سري أو منظمة سرية‪.‬‬
‫شماال‪ :‬النواطير)‪ ،‬وذلك في‬ ‫يجري‬
‫وقد كان إسماعيل بهذا وحده يبهرني كما‬
‫لعبة التناص مع الجبرتي الذي تلقبه‬
‫يبهر جيلي ممن صدعت هزيمة حزيران‬
‫الرواية بمؤرخ الشعب‪ ،‬كما تلقب مراد‬
‫ـ يونيو ‪( 1967‬ريعان شبابهم)‪ ،‬فكيف إذا‬
‫بك ببطل الشعب‪ .‬وقد ّ‬
‫نص الكاتب في‬
‫أضفنا غواية إسماعيل الحداثية لمن كان‬
‫ً‬
‫«تشبثا باألمانة‬ ‫مستهل الرواية على أنه‬
‫مثلي يخطو خطاه األولى على درب كتابة‬
‫ً‬
‫ومنعا لاللتباس‪ ،‬وبما أن الجبرتي شارك‬
‫الرواية؟‬
‫ً‬
‫مرغما ـ في كتابة هذه الرواية‪ ،‬فقد‬ ‫ـ‬
‫جرى االتفاق على أن يوضع كالمه بين‬ ‫❏❏❏‬

‫ً‬
‫ونشدانا‬ ‫ً‬
‫تمييزا له عما عداه‪:‬‬ ‫هاللين‬ ‫ً‬
‫روائيا‬ ‫فضاء‬
‫ً‬ ‫إذا كان العراق يبدو‬
‫لتفاصيل دقيقة أغفل الجبرتي ذكرها‪،‬‬ ‫ً‬
‫أثيرا إلسماعيل فهد إسماعيل‪ ،‬ومنذ‬
‫اقتضى الرجوع إلى المستشرق لوتسكي‬ ‫البداية‪ ،‬فالكاتب سيدأب على تنويع هذا‬
‫في كتابه الهادف (تاريخ األقطار العربية‬ ‫الفضاء‪ ،‬فإذا لبيروت حصتها (رواية‬
‫الحديث)»‪.‬‬ ‫الشياح) وإذا بمصر تنافس الكويت على‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪86‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫مشروع زواجه جراء غدر صاحب الشرطة‬ ‫في لعبة أخرى مع التاريخ تشبك بينه‬
‫به واإلجهاز عليه‪ .‬وقد أدركت هذه اللعبة‬ ‫وبين الراهن‪ ،‬تمضي رواية إسماعيل‬
‫للغة الرواية تعددها‪ ،‬وإن يكن بدرجة أدنى‬ ‫فهد إسماعيل (الكائن الظل) إلى أخبار‬
‫ً‬
‫شماال‪:‬‬ ‫مما تحقق في رواية (النيل يجري‬ ‫اللصوص وأشعارهم في األدب العربي‬
‫النواطير)‪ ،‬بينما يضارع التعدد اللغوي‬ ‫مثال قصة حمدون‬ ‫ً‬ ‫القديم‪ ،‬فيستل‬
‫في رواية (يحدث أمس) ما تحقق منه في‬ ‫بن حمدي اللص البغدادي الذي ُ ِقت َل‬
‫هذه الرواية‪.‬‬ ‫ً‬
‫توسيطا‪ ،‬ولتتابع ما كان قد توقف من‬

‫‪87‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الكويت‪ ،‬وصار فيها المدير العام لشركة‬ ‫وقد افتتحت رواية (يحدث أمس)‬
‫صيانة أنابيب البترول‪ .‬وبعد سبع سنوات‬ ‫ً‬
‫غالبا في‬ ‫بإشارة من المؤلف ـ كالعهد‬

‫يعود الرجل إلى قريته باب الهوى من سوار‬ ‫افتتاح الرواية ـ إلى أنها «ليست تسجيلية‪.‬‬

‫البصرة‪ ،‬فإذا بصرخة (قف) تستقبله‪ ،‬وإذا‬ ‫وألنها كذلك أجازت لنفسها اختالق بعض‬

‫بالمعتقل ينتظره‪ ،‬فالثورة كانت قد قامت‬ ‫المسميات والوقائع بما يناسب مرونة‬
‫الزمن الروائي»‪ .‬ويعجل هذا االفتتاح‬
‫في ‪ ،1958/7/14‬وأمن الثورة يستبه بهذا‬
‫باللعب حين ّ‬
‫ينص على أن «الزمن الفعلي‬
‫ً‬
‫حامال عمالت شتى وجواز سفر‪.‬‬ ‫العائد‬
‫لألحداث عامة زمن عظيم وال شك‪ ،‬وليس‬
‫❏❏❏‬
‫ببال هذه الرواية أن تسئ إليه»‪ .‬وقد عادت‬
‫إذا كانت كل رواية من روايات‬ ‫الرواية إلى خمسينيات القرن الماضي حين‬
‫ً‬
‫قدرا‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل تحمل‬ ‫غادر بطلها سليمان يوسف العراقي إلى‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪88‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫أو أكبر من عالمات الحداثة الروائية السوري سهيل ابراهيم‪ .‬ومن هذه‬
‫الخاصة بهذا الكاتب‪ ،‬ففي كل رواية المقدمة تنداح المتناصات الشعرية‬
‫ترجح عالمة من ذلك‪ ،‬أو أكثر‪ .‬هكذا في الرواية‪ ،‬مثلما انداحت في روايات‬
‫شتى للكاتب‪ ،‬فازدانت بأسماء أمل‬ ‫ّ‬ ‫بدا الحفر في التاريخ في رواية (النيل‬
‫شماال‪ :‬النواطير) بينما بدت دنقل وعلوي الهاشمي وعبد الكريم‬
‫ً‬ ‫يجري‬
‫المسرحة مميزة في (ملف الحادثة كاصد وسواهم‪ ،‬كما ازدانت بمتناصات‬
‫‪ .)67‬وكما بدا التكثيف الزمني في غير شعرية‪ ،‬منها من ذكرنا (الجبرتي)‪،‬‬
‫األيام الثالثة لرواية (النيل الطعم ومنها في رواية (خطوة في الحلم) مما‬
‫الرائحة) سيبدو في رواية (الطيور كتب مصطفى أبو لبدة‪.‬‬

‫تنطوي العالمات الخاصة بالحداثة‬ ‫واألصدقاء) حيث يستغرق (سهرة)‬

‫مملة يقاوم فيها الرجل الملل بالتداعي الروائية إلسماعيل فهد إسماعيل تحت‬
‫وبالغرق في دخيلته بينما تستمرئ عنوان (التجريب)‪ ،‬وتتقاطع مع التجربة‬
‫المرأة انبهارها بالغناء‪ .‬وعلى نحو الروائية الحداثية العربية بعامة‪ ،‬وهذا‬
‫أبهى يأتي هذا التكثيف في رواية ما تؤشر إليه لعبة التناص في روايات‬
‫(خطوة في الحلم) التي تستغرق حفلة إسماعيل ً‬
‫مثال‪ ،‬كما يؤشر إليه فعل تيار‬
‫ً‬
‫أيضا)‪ ،‬وعبرها تقدم الوعي‪ ،‬أو التعدد اللغوي‪ ...‬ومن هنا‬ ‫راقصة (سهرة‬
‫حيوات السارد وزوجته وصديقه الفنان كان إلسماعيل فهد إسماعيل موقعه‬
‫التشكيلي وزوجته ورجلي المباحث‪ .‬المميز في صدارة المشهد العربي طوال‬
‫وقد وسم الكاتب هذه الرواية بـ العقود األربعة الماضية‪ ،‬وبغياب سباعيته‬
‫(مشروع رواية) وجعل لها مقدمة (إحداثيات من الزلة)‪ ،‬فكيف إذن لو‬
‫مقتطفة من قصيدة (مقدمة) للشاعر حضرت؟‬

‫‪89‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫إسماعيل فهد إسماعيل‬


‫حبيب في القلب وفي الذاكرة الروائية‬
‫ٌ‬

‫كنت أعمل في جريدة الجمهورية‬


‫بشكل يكاد يكون يوميا‪ ،‬محاوال التوفيق‬
‫بين دراستي في جامعة ألسانيا بوهران‪،‬‬
‫وحلمي الصحفي الذي تشبثت به منذ أن‬
‫أعطيت لي الفرصة‪.‬‬

‫❋‬
‫بقلم‪ :‬واسيني األعرج‬

‫الصالح‪ ،‬الحامي (في المعتقد الشعبي)‬ ‫كنت عندما أجد فسحة بعد ترجمة‬
‫لقريتي‪ :‬سيدي بوجنان‪ .‬كانت المكتبة مؤثثة‬ ‫مقاالت الزمالء الفرانكفونيين‪ ،‬أستغل‬
‫بالكتب المفيدة‪ .‬كنت قد فكرت في كتابة‬ ‫بعض الوقت للقراءة أو الكتابة‪ .‬وكعادتي ال‬
‫شيء في بحثي األساسي في الليسانس‪،‬‬ ‫يمكنني ّ‬
‫أال أزور مكتبة المدينة الواقعة في‬
‫عن جورجي زيدان والتاريخ‪ .‬كنت دائما‬ ‫وسط أهم شارع في المدينة‪ .‬كان يشتغل‬
‫أسمع من أستاذ األدب الحديث أن جورجي‬ ‫بها رجل طيب‪ ،‬عمي العاصمي‪ ،‬هكذا كنا‬
‫زيدان شوه التاريخ اإلسالمي وهو ما لم‬ ‫نناديه‪ .‬مثقف ومحب للكتب وكلما جاءه‬
‫أكن متفقا معه فيه‪ ،‬على الرغم من حداثة‬ ‫جديد نبهني إليه‪ .‬وكثيرا ما كان يحجزه لي‬
‫سني‪ .‬فقد قرأته كامال بمتعة‪ .‬لم أشعر في‬ ‫على الرغم من حداثة سني‪ ،‬عشرون سنة‬
‫أي لحظة من اللحظات‪ ،‬بأي نفور‪ .‬عندما‬ ‫تقريبا‪ .‬فوق هذا‪ ،‬هو أحد أحفاذ الولي‬
‫❋ كاتب جزائري‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪90‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫الروايات والمجموعات القصصية التي‬ ‫صبحت على عمي‬ ‫عبرت عتبة المكتبة‪ّ ،‬‬
‫كانت قد صدرت وقتها‪ .‬قبل أن أقرأه الحقا‬ ‫العاصمي وسألته عن جديد المكتبة‪ .‬قال‬
‫بشكل كامل‪ .‬ذهبت إلى جريدة الجمهورية‪،‬‬ ‫بال تردد‪ :‬كنت أفكر فيك وأنا أقرأ كاتبا‬
‫مكان عملي‪ ،‬بدأت أورق الكتب‪ .‬لفتت‬ ‫اسمه إسماعيل فهد‪ ،‬يبدو لي أنه عراقي‪،‬‬
‫انتباهي روايته األولى «كانت السماء زرقاء»‪،‬‬ ‫أعجبني كثيرا‪ .‬ليس سطحيا‪ .‬يتوغل في‬
‫بشكل خاص ال أدري لماذا؟ على الرغم من‬ ‫أعماق شخصياته بقوة تجعلنا نقتنع بها‪.‬‬
‫أنها كانت كلها قصيرة نسبيا‪ .‬كانت بدايتها‬ ‫ثم أطلعني على كنوزه التي حدثني عنها‪،‬‬
‫ممتعة‪ .‬لغتها مدهشة‪ .‬من هذه الناحية‬ ‫في عمق المكتبة‪ .‬لم أكن أعرف شيئا‬
‫كان إسماعيل مايسترو‪ ،‬لألسف تخلى‬ ‫عن الكاتب الذي ذكره لي عمي العاصمي‬
‫عن هذه اللغة الحقا‪ .‬شيء ما في رواية‬ ‫الذي نبهني إلى سلسلة روايات إسماعيل‬
‫كانت السماء زرقاء أخذ بمجامعي وأسرني‬ ‫فهد إسماعيل‪ .‬ورغم إمكاناتي المادية‬
‫كليا‪ .‬غير كنت قد قرأت قبلها بفترة‬ ‫المتواضعة‪ ،‬فقد أخذتها كلها بال تردد‪:‬‬
‫وجيزة رواية «ما تبقى لكم» لغسان كنفاني‪.‬‬ ‫‪ - 1‬البقعة الداكنة‪ -‬قصص‪ -‬بيروت‬
‫فشعرت كأن هناك شيئا مشتركا بينهما‬ ‫‪.1965‬‬
‫في الشعرية العميقة والتركيز‪ ،‬واالقتصاد‬
‫‪ - 2‬كانت السماء زرقاء ‪ -‬رواية‪ -‬بيروت‬
‫اللغوي‪ ،‬والحدث السياسي الذي ال يخاف‬
‫‪.1970‬‬
‫أبدا‪ .‬وعندما بدأت أدخل في النص جاء‬
‫من يسرق مني متعة االندماج في النص‪.‬‬ ‫‪ - 3‬المستنقعات الضوئية‪ -‬رواية‪ -‬بيروت‬
‫رئيس التحرير‪ .‬قال بحب وخجل‪ ،‬وتلك‬ ‫‪.1971‬‬
‫عادته مع الجميع‪ :‬واسيني هناك فنانان‬ ‫‪ - 4‬الحبل ‪-‬رواية‪ -‬بيروت ‪.1972‬‬
‫برازيليان جاءا إلى الجزائر أريدك أن‬
‫‪ - 5‬الضفاف األخرى ‪-‬رواية‪ -‬بيروت‬
‫تغطي الحدث‪ .‬ليس بعيدا عن مقر‬
‫‪.1973‬‬
‫الجريدة‪ .‬أبعث معك المصور‪ .‬هو رهن‬
‫إشارتك‪ .‬اكتب لنا شيئا عنهما‪ .‬جاءا عن‬ ‫‪ - 6‬ملف الحادث ‪- 67‬رواية‪ -‬بيروت‬
‫طريق سفارتهما التي اتصلت بالجريدة‪.‬‬ ‫‪.1974‬‬
‫يعرضان في مركز الفنون بالمدينة‪ .‬حزنت‬ ‫‪ - 7‬األقفاص واللغة المشتركة ‪ -‬قصص‬
‫ألني أديت واجب الترجمة وكان يفترض‬ ‫‪ -‬بيروت ‪.1974‬‬

‫‪91‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫في الرحلة القاسية عبر البراري الخالية‬ ‫أن أكون حرا متفرغا بالخصوص بعدما‬
‫والوديان والسبخات النتنة والمياه اآلسنه‪،‬‬ ‫اندمجت مع رواية إسماعيل األولى‪.‬‬
‫في لحظة الهروب‪ ،‬كان قويا‪ .‬قضيت‬ ‫انصعت لألوامر‪ .‬كان اللقاء معهما جميال‪.‬‬
‫الليلة كلها سهرانا مع الرواية‪ .‬أعتقد حتى‬ ‫واستفدت من تقنيتيهما بشكل جميل‪.‬‬
‫الخامسة فجرا‪ .‬لم أنم إال ساعة واحدة‬ ‫وطلبت من المصور أن يأخذ بورتري لكل‬
‫قبل أن أركض نحو باص الحي الجامعي‬ ‫واحد منهما لنشرهما في الجريدة‪ .‬ثم أن‬
‫باتجاه جامعة السينيا‪ .‬كانت عيناي متعبتين‬ ‫يركز على بعض اللوحات التي استجابت‬
‫ومتورمتين من قلة النوم‪ ،‬لكني كنت أشعر‬ ‫للمالحظات التي سألت عنها الرسامين‬
‫بلذة غير مسبوقة‪ .‬كيف حدث ذلك؟ ما‬ ‫التشكيليين‪ .‬وكتبت مقالتي الصغيرة في‬
‫السر؟ أول نص أقرأه له إلسماعيل‪ .‬كان‬ ‫المقهى في بار دافئ مقابل للجريدة‪ ،‬بينما‬
‫كل شيء منظما بشكل دقيق مثل الپوزل‪،‬‬ ‫كان المصور قد ذهب لتحميض الصور في‬
‫وفي مكانه الطبيعي‪ .‬أكاد أتذكر هذه‬ ‫الجريدة‪ .‬أنهيت المقالة‪ .‬ثم وركضت نحو‬
‫الحركة وهذا الركض لدرجة اللهاث وراء‬ ‫الجمهورية‪ .‬كان القسم الثقافي قد فرغ‬
‫الكاتب وأبطاله الهاربين‪« :‬أحس باألشواق‬ ‫تقريبا من الحركة‪ .‬سلمت المقالة لرئيس‬
‫تأخذ بثيابه «أركض» ال زالت تدوي في‬ ‫التحرير وانسحبت كمن له موعد مع حبيبة‬
‫أذنيه‪ ،‬هو يركض‪ ،‬حياته كلها سلسلة من‬ ‫ال يريد أن يخطئه‪ .‬فرحة داخلية ال تقا َوم‪.‬‬
‫الركض المتواصل‪ ،‬هو هارب‪ ،‬هارب من‬ ‫ركضت نحو ساحة الحرية في وهران‪،.‬‬
‫كل شيء‪ ،‬حتى من نفسه‪ .‬قبل ساعات‬ ‫وركبت باصات الخط ‪ ٧‬باتجاه حي‬
‫حاول عبور الحدود بمعية أكثر من عشرين‬ ‫اللوز‪ .‬حيث الحي الجامعي العائلي الذي‬
‫ً‬
‫شخصا‪ .‬كانت الساعة تقارب الثانية بعد‬ ‫كنت أقيم فيه‪ .‬دخلت إلى غرفتي محمال‬
‫منتصف الليل عندما وقعت الحادثة‪.‬‬ ‫بأعمال إسماعيل فهد إسماعيل‪ .‬صيدي‬
‫النوتي قال‪ :‬سأعبر بكم شط العرب‬ ‫الثمين من مكتبة المدينة‪ .‬وانهمكت من‬
‫ً‬
‫مقدما‪.‬‬ ‫قبل الفجر بقليل‪ .‬سآخذ النقود‬ ‫جديد في قراءة كانت السماء زرقاء‪ .‬أقرأ‬
‫أنزلكم وراء مصافي النفط‪ »...‬على الرغم‬ ‫وأعض على شفتي السفلى كيف لم أعرف‬
‫من أن الرواية مبنية على إيقاع واحد‪،‬‬ ‫من قبل كاتبا بهذه العظمة والقوة؟ تكونت‬
‫الركض‪ ،‬فال ملل أبدا‪ .‬تكاد تكون قصة‬ ‫لدي قناعة إني أخيرا عثرت على كاتبي‪.‬‬
‫مكثفة في أسلوبها وأحداثها‪ .‬لكن الذي‬ ‫كل ما وصفه في كانت السماء زرقاء‪،‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪92‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫في رواية كانت السماء زرقاء‪ .‬لهذا قلت‬ ‫منحها اتساعا أكبر هو كونها مبنية على‬
‫إلسماعيل أول ما التقيت به في الكويت‪،‬‬ ‫رحلتين يخوضهما البطل مرغما بحثا عن‬
‫في منتداه األسبوعي‪ :‬حبيبي إسماعيل‬ ‫الحياة ودرءا للموت البليد‪ .‬ال خيار له إال‬
‫لك الكثير من الحق والفضل‪ ،‬في شهادة‬ ‫خوضهما إن هو أراد لحياته مستقبال آخر‪.‬‬
‫الليسانس التي تحصلت عليها بفضل بحث‬ ‫ويشكل الهروب فيها‪ ،‬ليس فقط منجاة‬
‫قمت به عن كانت السماء زرقاء‪.‬‬ ‫للكاتب ولكن ثيمة حقيقية تنبني عليها‬
‫استمرت هذه الرواية زمنا طويال في‬ ‫سرعة اللغة وعدم ميلها للتفاصيل الزائدة‬
‫ذاكرتي الروائية أيضا‪ .‬عندما كتبت روايتي‬ ‫والمترادفات التي تثقل النص السريع في‬
‫األولى بالمعنى األدبي والفني في نهايات‬ ‫حركيته‪ .‬وفي الهروب تصل المعاناة إلى‬
‫السبعينيات‪ :‬الوقائع (وقائع من أوجاع‬ ‫سقفها لدرجة تنتابنا الرغبة في إيقاف‬
‫رجل غامر صوب البحر) كانت رواية‬ ‫الروائي عن تعذيب أبطاله‪ .‬هذا ما شعرت‬
‫إسماعيل حاضرة فيها بعمق‪ ،‬والتناص‬ ‫به وأنا أقرأ يومها الرواية بال توقف‪ .‬وكأن‬
‫معه قويا‪ .‬لم أدرك هذا إال الحقا‪ .‬فقد‬ ‫أي توقف كان سيؤدي بي إلى الهالك‪.‬‬
‫اخترت تيمة الهروب‪ .‬هروب سجينين من‬ ‫تظهر بوضوح‪ ،‬في الرواية‪ ،‬قدرة أسماعيل‬
‫السجن المركزي في المدينة‪ .‬وكل المدينة‬ ‫على اللعب بتيار الوعي كما يشاء‪ .‬نحن‬
‫تتم في هذه المدارات‪ .‬ومن خالل لحظة‬ ‫باستمرار نعيش لحظة الهروب وقسوتها‬
‫الهرب التي استوعبت حوالي األربعمائة‬ ‫ووديانها ومجاريها واالرتحال ليال‪ ،‬ونعيش‬
‫صفحة كانت روح إسماعيل األدبية‬ ‫في اللحظة نفسها داخل البطل السري‪،‬‬
‫حاضرة ومعها فيلم اسمه الهروب كنت‬ ‫الهارب من موت أكيد باتجاه مبهم افترض‬
‫قد رأيته وقتها‪ .‬ال يمكن للكاتب أن يتنصل‬ ‫النجاة فيه‪ .‬هذه الخلفية الداخلية تضيء‬
‫من األشياء الجميلة وكما يقول جيرار‬ ‫لنا المصاير السابقة واألحالم الممكنة‬
‫جينيت‪ :‬البشرية في النهاية ال تكتب إال‬ ‫لبطل الرواية‪ .‬لم أتخلص من تلك الرواية‬
‫نصا واحدا‪ .‬ونقضي العمر الكتابي كله‬ ‫طوال حياتي‪ .‬وعلى من أني قرأت إسماعيل‬
‫في محو ما يشبه الكتاب اآلخرين الذين‬ ‫في كليته الروائية‪ ،‬فقد ظلت‪ :‬كانت السماء‬
‫شكلوا لنا ذاكرة تقنية وموضوعاتية‪ ،‬ولكن‬ ‫زرقاء هي طريقي الدائم نحو إسماعيل‪.‬‬
‫في الوقت نفسه ننشئ ما يشبهنا ليكون‬ ‫فقد جعلني سلطانها ألغي بحث تخرجي‬
‫اإلبداع لنا‪ ،‬ويعبر عن جهدنا الخالق الذي‬ ‫عن جورجي زيدان وأعوضه بآليات السرد‬

‫‪93‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫بإسماعيل في مكتبه ومكان عمله‪ ،‬أو في‬ ‫يرفض أن يكون ظال مقلدا لما مر عليه‬
‫بيته الجميل الذي يشبه متحفا بفيض‬ ‫من كتب دخلت عميقا في نسيجه اللغوي‬
‫مقتنياته ولوحاته‪ .‬عزائي الكبير أني رأيت‬ ‫والفكري والسردي‪ .‬لهذا أقول دائما‪ ،‬ليس‬
‫جزءا من أهله القريبين إلى قلبه‪ ،‬الجيل‬ ‫تواضعا ولكن حقيقة‪ ،‬أدين إلسماعيل فهد‬
‫الذي ظل إسماعيل يراهن عليه بكل قواه‪.‬‬ ‫إسماعيل فيما أنا عليه اليوم إبداعيا‪.‬‬
‫مجموعة من الشباب األوفياء لمعلمهم‬ ‫قلتها له في حياته في لقاء عام في الكويت‬
‫األول الذي لم يدخر أي جهد لمساعدتهم‬ ‫خجلتني يا رجل‪ .‬وأقولها‬‫لدرجة أن قال‪ّ :‬‬
‫والدفع بهم إلى األمام في ساحة أدبية حية‬ ‫اليوم وقد أصبح روحا حية انتقلت نحو‬
‫ورثهم الحب‬‫ال تقبل بأنصاف المواهب‪ّ .‬‬ ‫الديمومة باندماجها بأرواحنا أبدا‪.‬‬
‫والخير والتواضع وجدية اإلبداع واإلصرار‬ ‫كم كان غيابه مؤلما في زيارتي األخيرة‬
‫على الحق والحق دوما‪.‬‬ ‫للكويت (أكتوبر ‪ .)٢٠١٨‬كلما ذهبنا نحو‬
‫طوبى لتلك الروح السخية التي لم‬ ‫بلد ركضنا نحو من نحبهم ومن يعنون لنا‬
‫يأخذ منها الموت إال خارجها‪ ،‬وفشل في‬ ‫الشيء الكثير‪ .‬كان دائما في الصفوف‬
‫أن يسرق داخلها ألنه منحها لنا بسخاء‬ ‫األمامية‪ .‬أراه بحركاته الخجولة‪ .‬كان من‬
‫العاشق الكبير‪ :‬كتبه‪.‬‬ ‫الصعب علي أن أرى الكويت دون اللقاء‬

‫تنويه واعتذار‬
‫ورد في العدد السابق (‪ - 581‬شهر ديسمبر)‬
‫خطأ بتعريف الشاعرة القديرة‬
‫ندى يوسف الرفاعي‬
‫والتعريف الصحيح‪ :‬هي «شاعرة كويتية»‬
‫مع االعتذار للشاعرة والقراء‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪94‬‬


‫�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل‬

‫‪95‬‬ ‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬


‫محطات قلم‬
‫رحـيـل والـد‬
‫األجـيـال الـروائـيـة‬
‫مع بداية تساقط أوراق الشجر المصفرة‬
‫في ليالي فصل الخريف الكئيبة‪ ،‬ووسط لمعان‬
‫أشعة الشمس الهادئة ُصدم الوسط الثقافي‬
‫برحيل والد األجيال الروائية األستاذ اإلنسان‬
‫❋‬
‫بقلم‪ :‬طالل سعد الرميضي‬ ‫إسماعيل فهد إسماعيل‬
‫ً‬
‫جميعا‬ ‫سبب لنا‬ ‫ً‬
‫ومؤثرا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫مفاجئا‬ ‫فكان غيابه‬
‫خاصة في مطلع موسمها الثقافي الحالي تحمل‬ ‫فاجعة مؤلمة حملت إلينا اللوعة واألسى‪.‬‬
‫عنوان (شهادات وذكريات عن اإلنسان األديب‬
‫ونحن إذ ننعي هذا األديب (التاريخ) فإننا‬
‫إسماعيل فهد إسماعيل) شارك فيها باقة‬
‫نستذكر بكل اعتزاز ما حققه للرواية الكويتية‬
‫من محبيه رثوه بكلمات مؤثرة يحوفها الحزن‬
‫في فترة السبعينيات من القرن الماضي حيث‬
‫واأللم‪ ،‬وأبدع د‪.‬حسين الحاتم في سرد جمالياته‬
‫ً‬
‫منهجها‬ ‫ً‬
‫وفنيا للرواية ووضع‬ ‫ً‬
‫نوعيا‬ ‫ً‬
‫تحوال‬ ‫حقق‬
‫الروائية‪ ،‬ونظمت ندوة أخرى قبل أيام بعنوان‬
‫على المسار الصحيح‪ ،‬ليصبح الراحل َمد َرسة‬
‫(اإلنسان والمجتمع في أدب إسماعيل فهد‬
‫في األدب الروائي سارت على نهجه أجيال‬
‫إسماعيل) حاضر فيها د‪.‬صالح الدين أرقه‬
‫دان‪ ،‬كما خصصت الرابطة هذا العدد من مجلة‬ ‫عديدة‪ ،‬وحقق الكثيرون منهم التفوق الروائي‪.‬‬
‫ً‬
‫بعضا‬ ‫ً‬
‫تقديرا ووفاء له ليسجل األدباء‬ ‫كما نستذكر جهود المغفور له ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬البيان‬
‫في أنشطة رابطة األدباء وإقامة ورشة ضخمة من عصارة أقالمهم على صفحاتها الباكية‪،‬‬
‫ألعضاء منتدى المبدعين في كتابة الرواية‪ ،‬ولن يتوقف صوت أبي فهد عن مالمسة شغاف‬
‫استفاد منها الكتاب الشباب وعاملهم بروح أبوية قلوبنا ومناجاة عقولنا‪ ،‬وستستمر رابطة األدباء‬
‫ً‬
‫إكراما له ألنه‬ ‫جميلة تدفعهم لطريق اإلبداع والتميز وحمل في تنظيم الندوات والفعاليات‬
‫ً‬
‫دائما‪.‬‬ ‫راية القلم بكل أمانة‪ ،‬كما تنوعت أعمال الراحل علم نستنير به‬
‫رحم اهلل األديب الكبير والد األجيال‬ ‫بين الرواية والقصة والمسرح والنقد‪ ،‬ليحمل‬
‫باقتدار صفة األديب الذي تفتخر الكويت بكونه اإلبداعية إسماعيل فهد إسماعيل وغفر له‬
‫عربيا كذلك‪ .‬وأسكنه فسيح جناته‪ .‬ونسأل اهلل َ عز وجل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محليا بل‬ ‫حقق حضورا ليس فقط‬
‫وكعادتها رابطة األدباء في الوفاء والحنين أن يتغمده بواسع رحمته ويلهمنا وأهله الصبر‬
‫لقاماتها األدبية الكبرى‪ ،‬عقدت الرابطة فعالية والسلوان‪.‬‬

‫❋ أمين عام رابطة األدباء الگويتيين ‪ -‬المشرف العام على «البيان»‪.‬‬

‫ال ـ ـعـ ــدد ‪ 582‬ي ـن ــاي ــر ‪2019‬‬ ‫‪96‬‬

You might also like