Professional Documents
Culture Documents
موقع مكتب الإفتاء - خطب منبرية - معركةُ بدرٍ الكبرى
موقع مكتب الإفتاء - خطب منبرية - معركةُ بدرٍ الكبرى
عن المـوقــع
خريطة المـوقــع
اتصل بنا
بحث متقدم
خطب منبرية فكـر و دعـوة المكتبة المجلة صوتيات و مرئيات األخبــار المقـاالت الفتاوى الصفحة الرئيسية
• المكتبة
خطب منبرية » معركُة بدٍر الكبرى القائمـة البريدية
أدخل عنوان بريدك ليصلك جديدنا
معركُة بدٍر الكبرى
سبحانه وتعالى َ } :وَك اَن َح ًّقا َع َلْيَنا َنْص ُر اُمْلْؤِمِن َني { ( الروم )47/وقوِله َ } :ك م
ِّمن ِف َئٍة َقِليَلٍة َغَلَبْت ِف َئًة َكِث يَرًة ِب ِإْذِن اِهّلل َواُهّلل َمَع الَّص اِبِريَن { ( البقرة، )249/ مواقع صديقة
وعندما َبَع َث اُهلل سبحانه وتعالى عبَده ورسوَله سّيَدنا ونبَّينا محمدًا ـ عليه
وعلى آِله وصحِبه أفضُل الصالِة والسالِم ـ اشتَّد ِس عاُر الجاهليِة ، -وزارة األوقاف والشؤون الدينية
وامتألت صدوُرها باألحقاِد ،ووقفْت للرسوِل صلى اهلل عليه وسلم -معهد العلوم الشرعية
وللمؤمنني في كِّل مرصٍد ،وكان األمُر ـ كما هو معلوٌم عندكم ـ أَّن هذه -موقع بصيرة
الدعوَة بدأ صوُتها يعلو شيئًا فشيئًا وسَط ضجيِج الجاهليِة وصَخ ِبها ، اقرأ المزيد
فآمَن بها َمن آمَن ،إلى أن شاَء اُهلل أْن ُيكِرَم عباَده األنصاَر بهجرِة نبِّيه
محمٍد صلى اهلل عليه وسلم إليهم ،ثم بعَد ذلك استمَّر استفزاُز املشركني
للمؤمنني ؛ إذ كانت سنابُك خيِلهم تطُأ حرَم مدينِة الرسوِل ـ عليه أفضُل
الصالِة والسالِم ـ ،ومع ذلك فاملؤمنون أمسكوا أنفَس هم حتى ُوِّج هوا من
عند اِهلل سبحانه وتعالى بأن ُيناِج زوا عدَّوهم ، فكانت معركُة بدٍر أّو َل معركٍة
فاصلٍة بني الحِّق والباطِل ،وبني الهدى والضالِل ،وهي كاسِم ها بْدٌر منيُر ،
أضاَء للسالكني الطريَق ،وهي أيضًا كاسِم ها فرقاٌن ،فقد سّم ى اُهلل سبحانه
وتعالى يوَمها يوَم الفرقاِن ؛ ألّنه كاَن يومًا فارقًا بني الحِّق والباطِل ،وبني
حزِب الهدى وحزِب الضالِل .
ولقَد هّيَأ اُهلل سبحانه وتعالى لهذه املعركِة أسباَبها حتى يصطدَم الحُّق
والباطُل ،فتكوَن الغلبُة للحِّق وحزِبه ؛ وليظهَر اُهلل ديَنه على الديِن كِّله ولو
كرَه املشركون ،فقد طلَب النبُّي صلى اهلل عليه وسلم من املؤمنني أن
يخرجوا من املدينِة املنّورِة ليالقوا ِع يرًا لقريش ؛ لعَّل اَهلل عَّز وجَّل ينِّفُلهم
إياها ،فخَّف قوٌم ،وثقَل آخرون ؛ ألّنهم لم يكونوا يحسبون حسابًا ملعركٍة ؛
إذ كانوا يظّنون أَّن القضيَة قضيُة ِع يٍر فقط ،فلذلك لم يخرج املؤمنون
بأكمِلهم ،وإّنما بقَي أكثُرهم باملدينِة املنّورِة ،وخرجت فئٌة قليلٌة ،واُهلل
سبحانه وتعالى يِع ُد النبَّي صلى اهلل عليه وسلم واملؤمنني إحدى
الطائفتني َ } :و ِإْذ َيِع ُدُك ُم اُهّلل ِإْح َدى الَّطاِئَفِت ِنْي َأَّنَها َلُك ْم َوَتَوُّدوَن َأَّن َغْيَر َذاِت
الَّش ْوَكِة َتُك وُن َلُك ْم َوُيِر يُد اُهّلل َأن ُيِح َّق الَح َّق ِب َكِلَم اِت ِه َوَيْقَطَع َداِب َر اْلَك اِف ِريَن *
ِلُيِح َّق اْلَح َّق َوُيْبِط َل اْلَباِط َل َوَلْو َك ِرَه اُمْلْج ِرُموَن { ( األنفال 7/ـ ، )8هكذا شاَء اُهلل
سبحانه وتعالى أن يخرج املؤمنون من أجِل لقاِء الِع ير ،ولكَّن الغايَة تكوُن
لقاَء النفيِر بمشيئِة اِهلل ،هكذا هّيَأ اُهلل سبحانه وتعالى األسباَب ،وربَط
بعَض ها ببعٍض ،وقد استنفَر املشركني َمن ذهب إليهم ليخبَرهم باألمِر
الواقِع ،وقد أثاَر ذلك حمّيَتهم ،ونفَخ في َس َح ِرهم ،فانطلقوا وهم يريدون
أن ُيطفئوا نوَر اِهلل بأفواِه هم ،ولكَّن اَهلل غالٌب على أمِره ،فقد أقبلوا بقِّض هم
وقضيِض هم ،وعِّدهم وعديِد هم ،وكانوا يحسبون أَّن املعركَة تكوُن حاسمًة
ملصلحِت هم ،وأَّن دوَّيها سيصُّخ أرجاَء الجزيرِة العربيِة لينتشَر بني العرِب
جميعًا نبؤهم ؛ وليتمّك نوا بذلك من استئصاِل شأفِة الحِّق ،هكذا كانوا
يريدون ،وهكذا كانوا يطمحون ،وقد كاَن ِم ن حكمِة اِهلل سبحانه وتعالى أْن
قّلَل عدَد هؤالِء وعدَد هؤالِء في نظِر كِّل واحدٍة من الطائفتني ،فإَّن كَّل طائفٍة
رأت عدَد عدِّوها عددًا قليًال بمشيئِة اِهلل ،وقد أرى اَهلل سبحانه وتعالى نبَّيه
صلى اهلل عليه وسلم أعداَءه الكافرين قّلًة } ِإْذ ُيِريَك ُهُم اُهّلل ِف ي َمَناِم َك َقِليًال
َوَلْو َأَراَك ُهْم َكِث يًرا َّلَفِش ْلُتْم َوَلَتَناَزْعُتْم ِف ي اَألْمِر َوَلِك َّن اَهّلل َس َّلَم ِإَّنُه َع ِليٌم ِب َذاِت
الُّص ُدوِر { ( األنفال ، )43/وكذلك قّلَل عدَد املشركني في عيوِن املسلمني ،وقّلَل عدَد
املسلمني في عيوِن املشركني } َو ِإْذ ُيِريُك ُم وُهْم ِإِذ اْلَتَقْيُتْم ِف ي َأْعُيِن ُك ْم َقِليًال
َوُيَقِّلُلُك ْم ِف ي َأْعُيِن ِه ْم ِلَيْقِض َي اُهّلل َأْمًرا َك اَن َمْفُعوًال َو ِإَلى اِهّلل ُتْرَج ُع اُالُموُر { (
األنفال ، )44/فإَّن اَهلل سبحانه وتعالى أراَد بذلَك أن تشّتَد حمّيُة كِّل واحدٍة من
الطائفتني للقاِء الطائفِة األخرى ؛ حتى يتَّم ما أراَد اُهلل سبحانه وتعالى من
النصِر والتأييِد لهذا الِّديِن ،فكانت تلك املعركُة الفاصلُة التي كانت سببًا
الرتفاِع رايِة الحِّق ،وسببًا لهواِن الباطِل ،وسببًا الندكاِك صرِح ه ،فقد
ُزلزِلت أركاُن الجاهليِة ،وُأنِزلت من ُغَلواِئ ها وقْدِرها ،بل أرغمْت أنَفها
وألصقْته بالتراِب ،وبوْح ِل الخْزِي والهواِن بعدما كان شامخًا بسبِب ما
لحَق أهَلها من الغروِر ،ذلك كُّله كاَن نْص رًا ِم ن عند اِهلل سبحانه وتعالى
وحده ،فاُهلل تبارَك وتعالى يقوُل في محِك م كتاِبه َ } :وَلَقْد َنَص َرُك ُم اُهّلل ِب َبْدٍر
َوَأنُتْم َأِذَّلٌة َفاَّتُقوْا اَهّلل َلَع َّلُك ْم َتْش ُك ُروَن { ( آل عمران ، )123/نعم كاَن املسلمون قبَل
ذلك أذّلًة ؛ ألَّن املشركني ما كانوا يحسبون لهم حسابًا ،وكانوا يستفّزونهم
باستمراٍر ،وكانوا يحِرصون على إهانِت هم ،ويحرصون على إساءِة
سمعِت هم في بالِد العرِب إال أَّن اَهلل سبحانه وتعالى أراَد أن تكوَن هذه املعركُة
لطمًة في خِّد الكفِر العاتي ،وأن تكوَن ضربًة ُتوّج ُه إلى يافوِخ الجاهليِة
لَتشَدَخ ه ،وأراَدها اُهلل سبحانه وتعالى أن تكوَن وسيلَة إعالٍم لهذه الدعوِة
الحّقِة ،فقد أخذْت بعد ذلك هذه الدعوُة تنتشُر في أرجاِء الجزيرِة العربيِة
شيئًا فشيئًا ،إلى أْن شاَء اُهلل سبحانه وتعالى أن يِت َّم بعد ذلك ما يِت ُّم ِم ن
الصداِم بني الطائفتني ،وتالحقت املعارُك بني حزِب الحِّق وحزِب الباطِل
حتى تَّم فتُح مكَة املكرمِة بمشيئِة اِهلل سبحانه وتعالى ،وهذا إْن دَّل على
شيٍء فإّنما يدُّل على أَّن القّوَة إّنما هي قوُة اإليماِن ،فالقّوًُة املادّيُة ـ إن ْلم
تصحْبها قّوٌة روحّيٌة ،قوٌة نابعٌة من اإليماِن ،ومن الِّص لِة باِهلل سبحانه
وتعالى ـ ال تكاُد ُتعُّد شيئًا ،فإَّن اَهلل تبارَك وتعالى وحده هّيَأ ِم ن األسباِب ما
هّيَأ حتى أظهَر هذا الِّديَن على الِّديِن كِّله ولو كرَه املشركون ،هّيَأ اُهلل
سبحانه وتعالى ما هّيَأ ِم ن األسباِب التي ثّبتْت عزائَم املسلمني ،والتي
زلزلت أركاَن الكافرين ،والتي أنزلت أولئك الذين كانوا متكِّبرين متغطِرسني
من علياِئ هم ،فقد جندلت هذه الغزوُة سبعني بطًال من أبطاِلهم ،فضًال عن
األسرى الذين وقعوا في الهواِن والذِّل ،والذين صفَح النبُّي صلى اهلل عليه
وسلم عن بعِض هم ،وقبَل الفديَة عن بعِض هم .
فجديٌر إذًا باملؤمنني ـ وهم يمّرون بهذا اليوِم الذي تتجّدُد فيه هذه
الذكرى العطرُة ـ أن يستلِهموا منها الِع بَر ،وأن يأخذوا منها الدروَس ،وأن
يستفيدوا منها الِع ظاِت ،وأن يقّووا صلَتهم باِهلل تبارَك وتعالى ،فإَّن اَهلل
تعالى وحده متكِّفٌل بنصِر عباِد ه كما وعَد ذلك في كتاِبه العزيِز .
فاتقوا اَهلل يا عباَد اِهلل ،واحرصوا على ما يقِّر ُبكم إلى اِهلل ،وِص لوا ما
بينكم وما بني اِهلل يِص ِل اُهلل ما بينكم وبني الناِس ،أقوُل قولي هذا ،
وأستغفُر اَهلل العظيَم لي ولكم ،فاستغِف روا اَهلل يغفْر لكم ؛ إّنه هو الغفوُر
الرحيُم ،وادعوه يستجْب لكم ؛ إّنه هو البُّر الكريُم .
** *
الحمُد ِهلل رِّب العاملني ،والعاقبُة للمتقني ،وال عدواَن إال على الظاملني ،
أحمُده تعالى بما هو له أهٌل من الحمِد وأشكُره ،وأتوُب إليه من جميِع
الذنوِب وأستغفُره ،وأؤمُن به وال أكفُره ،وُأعادي من يكفُره ،وأشهُد أْن ال إلَه
إال اُهلل وحده ال شريَك له ،وأشهُد أَّن سيَدنا ونبَّينا محمدًا عبُده ورسوُله ،
اللهَّم صِّل وسِّلم وبارْك على عبِد َك ورسوِلَك سيِد نا محّم ٍد ،وعلى آِله
وصحِبه أجمعني ،وعلى أتباِع ه وحزِبه إلى يوِم الِّديِن ،أّما بعُد :
فيا عباَد اِهلل :
اتقوا اَهلل ،واعلُم وا أّنه ال يكفي املؤمَن عندما يمُّر بهذه الذكرياِت أن تهتَّز
ِم ن أجِلها مشاعُره ،وأن يتحّرَك من أجِلها وجداُنه ،ولكّنه ُيطاَلُب أن يجِّدَد
الِّص لَة باِهلل تبارَك وتعالى ،وذلك بأن يقِّوَي اإليماَن في نفِس ه ،واليقَني في
قلِبه ،وأن ُيصِلَح عمَله ،وأن يتقَي رَّبه ،وأن يدرَك أَّن نصَر اِهلل تبارَك وتعالى
إّنما هو لعباِد ه املؤمنني ،فاُهلل تبارَك وتعالى يقوُل َ } :وَك اَن َح ًّقا َع َلْيَنا َنْص ُر
اُمْلْؤِمِن َني { ( الروم )47/فال بَّد ِم ن أن يتحّقَق اإليماُن في عقيدِة املسلِم وفي
سلوِك ه وفي جميِع تصّرفاِت ه وأعماِله ؛ بحيُث تكوُن جميُع أعماِل املؤمِن
ترجمًة صادقًة لهذا اإليماِن ،ومّم ا يجدُر باملؤمِن وهو يمُّر بمْثِل هذه
الذكرياِت أن يحرَص على االقتداِء بالسلِف الصالِح الذين آتاهم اُهلل سبحانه
وتعالى ما آتاهم من النصِر ،ومّك َن لهم في هذه األرِض ،ومّك َن لهم ديَنهم
الذي ارتضى لهم ؛ ليتبّوَأ ما تبّوؤا ،ويصَل إلى ما وصلوا .
فاتقوا اَهلل يا عباَد اِهلل ،وتزّودوا فإَّن خيَر الزاِد التقوى ،تزّودوا من هذه
الذكرياِت ما ينفُعكم ،وتزّودوا من شهِركم الكريِم تقوى اِهلل تبارَك وتعالى
وصالَح األعماِل ،واحِرصوا على أن يكوَن صياُمكم خالصًا لوجِه اِهلل ،وأن
تكوَن أعماُلكم كُّلها خالصًة لوجِه اِهلل ،وابتُغوا ما عند اِهلل ،فما عند اِهلل خيٌر
وأبقى .
مكتب اإلفتاء بوزارة األوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان جميع الحقوق محفوظة © 2014
https://iftaa.om/artical_dis-486-108.html 3/3