You are on page 1of 8

‫المحور الثالــــــث ‪ :‬التعبيــــــــــــــر عــــــــن اإلرادة‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫التراضي هو تطابق اإليجاب مع القبول كتعبير عن إرادة طرفي العقد ‪ ،‬وهو ما يستفاد من نص المادة ‪ 59‬من القانون‬
‫المدني الجزائري‪ "  :‬على أن يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيها المتطابقتين دون اإلخالل بالنصوص‬
‫تراض البد من تواجد إرادتين متطابقتين ‪ ،‬كما قد يحدث أن يتعاقد الشخص مع نفسه أو مع شخص‬‫ٍ‬ ‫القانونية‪ " ‬فحتى يوجد‬
‫آخر بصفته نائبا وننهي بالتطرق إلى اآلثار المترتبة عن هذا التعبير سنتطرق إلى تعبير الشخص عن إرادته وما يترتب‬
‫عنها من أثر قانوني‪     .‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم اإلرادة وطرق التعبيـر عنها‬

‫‪     ‬األصل أنه للشخص الحق في أن يعبر عن إرادته بالطريقة التي تحلو له‪ ،‬فالمتعاقد له الحرية الكاملة في ذلك إذ أن‬
‫القانون لم يفرض عليه طريقة معينة‪ U،‬وهذا تطبيقًا لمبدأ الرضائية في العقود ‪ ،‬فقد يكون تعبيرًا صريحًا وقد يكون ضمنيًا وقد‬
‫يكون بالسكوت تما ًما وهو ما سنتطرق له من خالل المطالب اآلتية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬التعبير الصريح والضمني والسكوت في التعبير عن اإلرادة‬

‫‪    ‬نصت المادة ‪ 60‬من القانون المدني الجزائري على حرية التعبير عن اإلرادة بأي طريقة‪ ،‬فقد يكون صريحا باللفظ أو‬
‫الكتابة أو اإلشارة المتداولة عرفا ‪ ،‬وقد يكون ضمنيا باتخاذ يدل بطريقة غير مباشرة على مقصود صاحبه ‪ ،‬كما أن السكوت‬
‫قد يكون في حاالت تعبيرا عن اإلرادة ‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬التعبيـــــر الصريــــح‬

‫‪     ‬ويقصد به التعبير الذي يفـصـح فـيـه الـشخص مباشـرة عـن رغبته في التعاقد دون حاجة إلى أعمال الفكر في الكشف‬
‫عـن اإلرادة سـواء تم ذلك لفظا أو كتابـة أو باإلشارة أو غير ذلك‪ ،‬ومـن تطبيقات التعبير الصريح أن يقول المتعاقد موافق‬
‫أو غير موافق‪ ،‬وكذلك التاجر بعرض بضاعته على الجمهـور مـع تحديـد أسـعارها ‪ ،‬وقـد يـكـون التعبير صريحا باستعمال‬
‫اإلشارات المتعارف عليها كهز الـرأس للداللة على الرفض أو القبول‪.‬‬

‫ض ا استمرار المستأجر في شغل العين المؤجرة بعد انتهاء مدة اإليجار إذ يدل ذلك ضمنيا ً على رغبته في‬
‫‪   ‬ومـن تطبيقاتـه أي ً‬
‫تجديد‪ U‬مدة عقد اإليجار‪ ،‬التعبير عن اإلرادة مظهرها الخارجي وعنصرها المادي محسوس‪ ،‬ويكون التعبير صريحا في‬
‫بعض الحاالت باتخاذ موقف ال يدع أي شك في داللته على مقصود صاحبه كعرض تاجر سلعته للجمهور مع بيان ثمنها‪ ،‬أو‬
‫وقوف سيارة األجرة في موقفها بانتظار زبون يستأجرها‪.‬‬

‫الفرع الثانـي ‪ :‬التعبير الضمنـــي‬

‫‪    ‬وهي الحالة التي يتخذ فيها الشخص موقفا أو يقوم بعمل ما يدل على إرادته دون أن يتلفظ بكالم أو دون أن يستعمل‬
‫طريقا من طرق التعبير الصريح عن اإلرادة كأن يتصرف شخص في شيء ليس له ‪ ،‬ولكن عرض عليه أن يشتريه فهذا‬
‫يدل غلى أن الشخص قبل‪ ،‬وبالتالي تصرف كما يتصرف المالك‪ ،‬وكالموعود بالبيع يرتب حقًا على العين الموعود ببيعها‬
‫وكالمستأجر الذي يبقى في العين المؤجرة رغم نهاية مدة اإليجار ‪ ،‬كل هذه األعمال أو هذه المواقف تدل على إرادة‬
‫الشخص بالقبول ‪.‬‬

‫‪     ‬ويعتبر التعبير الضمني عن اإلرادة سلي ًم ا‪ ،‬إال إذا نص القانون أو اتفق الطرفان على خالف ذلك‪ ،‬كأن ينص القانون أو‬
‫يتفق الطرفان بأن يكون التعبير عن اإلرادة صري ًحا في هذا الحالة ال يؤخذ بالتعبير الضمني لإلرادة‪.‬‬

‫‪    ‬وهنا اشترط المشرع الجزائري في التعبير أن يكون صري ًحا في بعض التصرفات‪ ،‬كما هو الشأن في التضامن بين‬
‫الدائنين أو بين المدينين حيث تقضي المادة ‪ 217‬من القانون المدني الجزائري صراحة ّ‬
‫بأن التضامن ال يفترض وإنما يكون‬
‫بناءا على اتفاق أو نص في القانون‪ ،‬كما أن المادة ‪ 505‬من القانون المدني الجزائري والمعدلة بالقانون رقم ‪ 07/05‬المؤرخ‬
‫في ‪ 13/05/2007‬تنص على أن تنازل المستأجر عن اإليجار أو اإليجار من الباطن يجب أن يكون بموفقة كتابية من‬
‫المؤجر ما لم يوجد نص قانوني يقضي بخالف ذلك‪.‬‬
‫الفرع الثالـــث ‪ :‬السكوت والتعبيـــر عن اإلرادة‬

‫‪      ‬يعتبر السكوت موقفا سلبيًا بحيث ال يمكن أن يعبر عن إيجاب‪ ،‬واإليجاب هو العرض الذي يتقدم به أحد المتعاقدين‬
‫لآلخر تار ًك ا له أمر قبوله أو رفضه‪ ،‬وهو أول مرحلة من مراحل التعاقد‪ ،‬إذا أن العرض يتضمن بيانًا واضحًا لطبيعة‬
‫الصفقة المراد إبرامها‪  ‬وشروطها‪.‬‬

‫‪    ‬والسكوت ال يعد تعبيرًا ضمنيًا ‪ ،‬فإن اإلرادة تستخلص من الظروف اإليجابية التي يدل عليها‪ ،‬أما السكوت فهو العدم‪،‬‬
‫ومعنى ذلك ال ينسب للساكت إرادة ال بقبول اإليجاب وال برفضه‪ ،‬فإذا عرض شخص على آخر أن يشتري منه شيئا فسكت‪،‬‬
‫فإن العقد ال ينعقد‪ ،‬ألن األمر يتعلق بمجرد إيجاب لم يقترن بقبول‪ ،‬فمثال‪ :‬إذا قضى بأنه أرسل تاجر عينة من بضاعته إلى‬
‫شخص مع إخباره إياه بأن عدم رد العينة خالل فترة معينة يعتبر‪ ‬قبوالً منه للشراء‪ ،‬فإن سكوت هذا الشخص عن الرد ال يعد‬
‫قبوالً‬

‫‪‬‬ ‫حاالت صالحية السكوت للتعبير عن اإلرادة‪ ‬‬

‫‪    ‬بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بأن السكوت ال يصلح ليكون تعبيرا عن اإلرادة ‪ ،‬وفي هذا المعنى يقرر فقهاء الشريعة‬
‫منذ عدة قرون قاعدتهم الشهيرة " ال ينسب لساكت قول "‪ ،‬وذلك ألن السكوت قد ينطوي على استحسان أو استهجان‬
‫لمضمون اإليجاب وهذا ال يكفي لثبوت اإلرادة الجادة القاطعة المتجهة إلى القبول كما أن استخالص القبول من مجرد‬
‫السكوت يعني فرض واجب على الشخص وتقييد للحرية الشخصية ليس له من أساس ‪.‬‬

‫‪  ‬كما أن السكوت ال يترتب عليه أي آثار قانونية كما أن الصمت المجرد للموجب إليه ال يمكن أن يكون من حيث المبدأ‬
‫قبوال ألن القبول تعبير عن اإلرادة‪ ،‬و الساكت ال يعبر عن إرادته في الحقيقة‪ ،‬وعلى هذا األساس فإن القبول ال يمكن‬
‫استخالصه من السكوت أو عدم القيام بتصرف من قبل من وجه له اإليجاب‪ ،‬وهذا هو المبدأ العام الذي يقول به جمهور‬
‫الفقهاء وأخذ به القضاء وسرت عليه التشريعات المدنية العربية والغربية الحديثــــة‪.‬‬

‫إال أن هذا المبدأ يرد عليه استثناءات‪ ،‬فيصلح للتعبير في حالتيــــــن ‪:‬‬

‫‪ :‬إقـــرار القانـــــــون ‪1.‬‬

‫‪   ‬يقصد بالقانون سواء كان مصدره التشريع أو العرف‪ ،‬ومن أمثلة نص التشريع ما نصت عليه المادة ‪ 355/1‬من القانون‬
‫المدني في البيع على شرط التجربة إذ يجوز للمشتري أن يقبل البيع أو يرفضه‪ ،‬وعلى البائع أن يمكنه من التجربة‪.‬‬

‫السكوت ال ُمالبِس‪1.  ‬‬

‫‪    ‬واالستثناء الثاني من عدم اعتبار السكوت تعبي ًرا عن القبول إذا البسته ظروف معينة ؛ وقد أشار القانون المدني‬
‫الجزائري إلى بعض هذه الظروف وال ُمالبسات في المادة ‪ 68‬والتي يكون فيها السكوت قبوالً أي تعبي ًرا لإلرادة بقولها "‪ ‬إذا‬
‫كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب يكن تنتظر تصريحا بالقبول فإن‬
‫العقد يعتبر قد تم ‪ ،‬إذا لم يرفض اإليجاب في وقت مناسب‪. " ‬‬

‫‪   ‬ويعتبر السكوت عن الرد قبوال إذا اتصل اإليجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين‪ U‬أو إذا كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه‬
‫"‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ :‬حالة ما إذا وجد تعامل سابق بين المتعاقديــن‬

‫‪     ‬ومثاله إذا وجد عن تاجر تجزئة التعامل مع تاجر جملة في سلعة معينة‪ ، U‬طلب تاجر التجزئة من تاجر الجملة كمية من‬
‫السلعة بالشروط المتفق عليها بينهما ‪ ،‬ولم يرد عليه تاجر الجملة اعتبر سكوته قبوال والتزام بتنفيذ‪ U‬العقــــد ‪.‬‬

‫وجميع هذه الحاالت التي سبق ذكرها هي على سبيل المثال ال الحصر فكل سكوت تقترن به مالبسات تدل على رضى ‪،‬‬
‫فهو سكوت مالبس وتعبير عن اإلرادة بالقبول ‪.‬‬
‫‪  ‬المطلب الثانـــــــي ‪ :‬طــــرق التعبيــــر عـــن اإلرادة‬

‫‪     ‬سبق القول بأن القانون ال يعتد باإلرادة إذا ظلت كامنة في النفس وال بد على صاحبها من إظهارها ‪ ،‬أي التعبير عنها في‬
‫الحيز الخارجي حتى يمكن التحقق من وجودها‪ ،‬لكن الصعوبة تمكن في ما إذا اختلف التعبير ألي سبب عن حقيقته اإلرادة‬
‫أو بمعنى آخر هل يستمد العقد قوته الملزمة من اإلرادة الباطنة أو من اإلرادة الظاهــــرة ؟‬

‫الفرع األول‪ :‬نظرية اإلرادة الباطنة‬

‫‪   ‬تعتد‪ U‬هذه النظرية باإلرادة الحقيقية ال باإلرادة الظاهرة ّ‬


‫ألن العقد يستمد‪ U‬قوته الملزمة من اإلرادة الحقيقية ألطرافه‪ ،‬وقد‬
‫أخذت بهذه النظرية القوانين اآلتية وعلى األخص القانون الفرنسي وذلك نتيجة لسيطرة النزعة الذاتية أو الشخصية لتلك‬
‫المشاريع‪.‬‬

‫‪  ‬وتعتبر اإلرادة الباطنة أساس االلتزام‪ ،‬وجوهر التصرف القانوني أ ّما التعبير فما هو إال مظهر لتلك اإلرادة والثوب الذي‬
‫ترتديه‪ U،‬ومن الحجج التي يستند‪ U‬إليها أصحاب هذه النظرية إلى حجتان ‪:‬‬

‫حجة تاريخيـــة ‪  :‬مفادها أن العقد وااللتزام في القوانين القديمة ال يقومان إال باستخدام أشكال معينة‪ U،‬ثم حدث تطور للتخلص‬
‫الشكلية لتسود الرضائية وتحل محلها‪ ،‬وهكذا ّ‬
‫فإن القوانين الحديثة‪ U‬تعتد بالرضاء نفسه ال بشكله أو مظهره‪.‬‬

‫حجة اقتصادية ‪  :‬أساس التزام المتعاقد هو إرادته‪ ،‬فالعقد ينشأ من ارتباط إرادتين لهذا ّ‬
‫فإن الشخص يلتزم بما أراده حقيقة وال‬
‫يجوز االلتزام نتيجة إعالن خاطئ عن إرادته‪.‬‬

‫‪      ‬كما أن العقد باعتباره ينظم مصالح المتعاقدين‪ ،‬فيجب أن يكون تنظيم العالقات المستقبلية أو االقتصادية تنظيما يطمئن‬
‫إليه كل منهما منذ إبرام العقد ‪ ،‬وطبعا هذه الطمأنينة ستزول في حالة ما إذا وجد المتعاقد نفسه ملزما بأمر لم يقصده ‪.‬‬

‫‪    ‬فالتعبير في منطق المدرسة الفرنسية أو الالتينية التي تعتد بهذه النظرية ليس إال دليال على اإلرادة الباطنة يقبل إثبات‬
‫العكس أي أن التعبير المادي ال يؤخذ به إال بالقدر الذي يتفق فيه مع هذه اإلرادة الباطنة الحقيقية‪ ،‬وعلى من يدعي اختالف‬
‫اإلرادة المعبر عنها عن إرادته الباطنة الحقيقية ضرورة إثبات ذلك بما في هذا اإلثبات من صعوبة شديدة ‪.‬‬

‫‪  ‬ولهذه النظرية نتائج هامة على نظرية العقد كما هو فيما يسمى بالصورية وأيضا عند تفسير العقد فإن العبرة تكون باإلرادة‬
‫الحقيقية للمتعاقدين أما التعبير الظاهري الخارجي فهو مجرد قرينة تقبل إثبات العكس ‪.‬‬

‫الفـــرع الثانـي ‪ :‬نظريــــة اإلرادة الظاهــرة‬

‫‪    ‬ظهرت هذه النظرية الحديثة في أواخر القرن ‪ 19‬ويرجع الفضل في ظهورها إلى الفقهاء األلمان‪ ،‬الذين بحثوا في‬
‫النظرية الباطنة ‪ ،‬وانتهى بحثهم إلى أن هذه األخير ال تصلح أن يكون لها أثر قانوني‪ ،‬ألنها شيء كامن في النفس وال بد‬
‫إلنتاج أثرها أن تتخذ مظهرا اجتماعيا وذلك باإلفصاح عنها ؛ فالقوة الملزمة للعقد تستمد من التعبير عن اإلرادة وقد أخذ بها‬
‫القانون األلماني الذي سرى منذ‪ U‬عام ‪. 1900‬‬

‫‪   ‬وال يتطلب أصحاب هذه النظرية أن يأخذ باإلعالن عن اإلرادة شكالً معينًا بل يكتفون بمجرد اإلعالن سوا ًءا اتخذ موقفا‬
‫ضمنيًا ‪ ،‬ومتى تم اإلعالن عن اإلعالن عن اإلرادة وصادفه إعالن ُمطابق إنعقد العقد وال يقبل بعد ذلك إثبات‬‫صريحًا أو ِ‬
‫مخالفة اإلعالن لحقيقة اإلرادة‪ ،‬إذ ليس من وظيفة القاضي أن يغوص في األعماق النفسية بحثا عن اإلرادة الباطنة الستفهام‬
‫ما قد تنطوي عليه من نية و أفكار و رغبات ‪.‬‬

‫‪ ‬يستند أصحاب هذه النظرية إلى حجج نجملها فيمايلـــــــــي ‪:‬‬

‫حجج تاريخية ‪  :‬ومفادها أن االلتزام نشأ بإجراء شكلي ودائما ويغير هذه الشكلية فإنه اليوجد‪ ،‬واإلعالن عن اإلرادة هو‬
‫البقية الباقية من الشكلية الذي تبقى وال يمكن اإلستغناء عنه ‪.‬‬

‫حجج عقلية ومنطقية ‪  :‬ومفادها أن اإلرادة الباطنة كامنة في النفس ونوايا الضمير و يستحل الوصول إليها عكس اإلرادة‬
‫الظاهرة التي يمكن التعرف عليها والتي يترتب عنها األثر القانوني ‪.‬‬
‫حجج اجتماعية واقتصادية ‪  :‬ومفادها أن الغير ال يستطيع أن يعلم أو يتعرف إال على اإلرادة الظاهرة‪ ،‬وهذه هي التي يعتد‪U‬‬
‫بها األشخاص ألنها تبعث في نفس المتعاقد الثقة‪ ،‬فلذالك إذا ما أصدرت اإلرادة الظاهرة فإن الثقة المشروعة التي تولد في‬
‫المتعاقد تتزعزع ويؤدي ذلك بالتالي إلى عدم استقرار المعامالت ‪.‬‬

‫يتبين‪ U‬من خالل مقارنة النظريتين اختالفهما الواضح من حيث األساس النظري والفلسفي لكن هذا االختالف ليس كبيرًا‬
‫سواء من حيث الناحية العملية أو القانونية‪ ،‬ومع ذلك فإنّه ال يمكن األخذ بإحدى النظريتين في الحياة العملية بصفة مطلقة‬
‫وإهمال األخرى بل يتعين‪ U‬التوفيق بينهما‪.‬‬

‫ألن صعوبة إثبات اإلرادة تقف غالبًا حائالً منيعا دون إهمال‬
‫‪   ‬فيستحسن بقاء الفارق بين النظريتين من الناحية العملية ّ‬
‫التعبير عن اإلرادة‪ ،‬وبالتالي فإن اإلرادة المفترضة هي وسيلة القاضي للتوصل لإلرادة الباطنة الخفية الحرة المختارة في‬
‫معناها الحقيقي ‪.‬‬

‫الفــرع الثالـث ‪ :‬موقف المشرع الجزائــري في القانون المدني من النظريتيــن‬

‫‪    ‬يتبين‪ U‬لنا من أحكام القانون المدني أن المشرع الجزائري يأخذ أساسًا باإلرادة الباطنة ‪ ،‬ولكنه يأخذ باإلرادة الظاهرة إلى‬
‫الحد الذي يقتضيه استقرار المعامالت؛ ويبرز ذلك من خالل ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫أنه ال يعتد بالتعبير عن اإلرادة في قيام العقد إال في الحدود التي يكون التعبير مطابقًا لحقيقة قصد صاحبه ( م ‪59‬‬
‫من القانون المدني ) فالنص يشترط التطابق بين اإلرادتين‪ ،‬حيث يقيم التعبير على اإلرادة ذاتها‪ ،‬وليس على مجرد‬
‫‪.‬التعبير عنها‬
‫‪ .‬ال يعتد إال باإلرادة السليمة في تكوين العقود‪ ،‬فجعل الغلط واإلكراه والتدليس واالستغالل عيوبًا تُجيز إلغاء العقد ‪‬‬

‫‪   ‬نصت المادة ‪ 61‬من القانون المدني أن التعبير ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه اإليجاب وقبله ‪ ،‬ثم‬
‫عدل عن القبول ‪ ،‬ولكن قبوله وصل إلى الموجب قبل أن يصل العدول فإن العقد ينعقد على اإلرادة الظاهرة بالرغم من‬
‫العدول ‪.‬‬

‫‪     ‬ونجد أن القانون المدني أخذ باإلرادة الظاهرة في تفسير العقد‪ ،‬بحيث منع على القاضي أن ينحرف عن العبارة الواضحة‬
‫في العقد عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين‪ .‬كما أشارت في فقرتها الثانية إلى أنه يستوجب على القاضي في‬
‫حالة الغموض أو اإلبهام أو التأويل أن يبحث عن قصد المتعاقدين‪ U،‬وفي نفس االتجاه نص المشرع الجزائري على أنه فيما‬
‫يتعلق بالصورية تكون العبرة في حالة النزاع بالعقد الحقيقي الذي انصرفت إليه اإلرادة المشتركة للطرفين‪ ،‬وهي إشارات‬
‫من المشرع إلى ضرورة عدم إغفال اإلرادة الباطنة الحقيقية للمتعاقدين بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين‪ U‬دون تجاهل‬
‫للعرف الجاري في المعامالت ‪.‬‬

‫‪     ‬وعليه نجد أن المشرع الجزائري أخذ بصفة مطلقة باإلرادة الظاهرة ‪ ،‬كما أخذ في بعض الحاالت باإلرادة الباطنـــــــة ‪.‬‬

‫‪    ‬وتظهر بالتالي فلسفة القانون المدني الجزائري التي ترتكز على ضمان استقرار المعامالت وفي نفس الوقت حماية‬
‫اإلرادة الحرة ‪ ،‬وكذا المصلحة الفردية للمتعاقد ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬وقت االثر القانوني للتعبير عن االرادة‬

‫صريحا كان أو ضمنيا أثره القانوني إال إذا اتصل بعلم‬


‫ً‬ ‫‪    ‬نصت المادة ‪ 61‬من ق م ج على أنه "‪ ‬ال ينتج التعبير عن اإلرادة‬
‫من وجه إليه‪ "  ‬وال يكون له قبل هذه اللحظة أي وجود فعلي ‪ ،‬ومن ثم يجوز لمن أصدره أن يعدل فيه أو يتراجع عنه قبل‬
‫هذا الوقت ‪.‬‬

‫‪    ‬وعلى ذلك فإنه حتى ينعقد العقد وفقًا لهذه المادة البد‪ U‬وأن تغلق حلقة التعاقد بأن يتصل اإليجاب بعلم من وجه إليه وأن‬
‫يتصل القبول بعلم الموجب‪ ،‬فإذا كان التعبير عن اإلرادة إيجابا فال ينتج أثره القانوني إال إذا علم به من وجه إليه اإليجاب‪.‬‬

‫‪    ‬وعلى هذا بالمفهوم المخالف للمادة ‪ 63‬من ق م ج فإن اإليجاب إذا لم يقترن بأجل محدد فإنّه ال يعتبر بحد ذاته ُملزماً‪،‬‬
‫األمر الذي يجيز للموجب العدول أو الرجوع عن إيجابه طالما لم يقترن به قبول ‪ ،‬وهو ما يتفق مع مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫وقاعدة حرية إبرام العقود‪ ،‬أما إذا التعبير عن اإلرادة قبوال ال ينتج أثره القانوني حسب المادة ‪ 61‬إال عند علم الموجب‬
‫وبذلك يتم انعقاد العقد ‪ ،‬وال يقصد بالعلم هنا العلم الحقيقي بل يكفي العلم ال ُحكمي ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به‬
‫ما لم يقم ال ّدليل على عكس ذلك فوصول التعبير‪  ‬هو قرينة قانونية على العلم به ولكنها تقبل إثبات العكس وإن كان هذا‬
‫اإلثبات شديد الصعوبة من الناحية العملية‪ّ ،‬‬
‫فإن وصول التعبير إذن يعتبر قرينة قانونية على العلم بما فيه‪ ،‬وهي قرينة تقبل‬
‫إثبات العكس‪ ،‬وتقدير قيام أو عدم قيام هذه القرينة هو أمر يعود إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ‪.‬‬

‫‪    ‬وهذا الرأي‪ ‬للدكتور بلحاج العربي‪ ‬الذي يتفق مع رأي‪ ‬الدكتور خليل أحمد حسن قدادة‪ ‬الذي يعتبر قرينة وصول التعبير‬
‫ليست من القرائن القاطعة‪ ،‬وإنّما هي قرينة ضعيفة يجوز لمن وجه إليه التعبير أن يُقيم الدليل بأنّه لم يصل إليه التعبير عن‬
‫اإلرادة حتى ال ينتج التعبير عن اإلرادة أثره القانوني في حقه ‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثانــي‪ :‬النيابــــة فــــي التعاقـــــد‪  ‬‬

‫‪      ‬نتطرق في هذا المبحث إلى تعريف النيابة في التعاقد كمطلب أول ثم إلى شروط قيامها كمطلب ثان ثم إلى اآلثار التي‬
‫تترتب عنها كمطلب ثالث ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف النيابــــة في التعاقــــد‬

‫‪     ‬لم يرد تعريفًا للنيابة في التعاقد بالرغم من أنه قد نظمها المشرع الجزائري في المواد من ‪ 73‬إلى غاية المادة ‪  77‬من‬
‫القانون المدني الجزائري‪ ،‬وال يعتبر هذا حسب رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة عيبا أو نقصًا في التشريع كون‬
‫التعريفات عمل فقهي أكثر من كونه عمل تشريعي‪ ،‬وعليه يمكن تعريف النيابة في التعاقد على أنه حلول إرادة النائب محل‬
‫إرادة األصيل في التعبير عن اإلرادة مع انصراف اآلثار القانونية المترتبة عنه إلى شخص األصيل كما لو كان شخصيا‬
‫الذي صدر منه التعبير عن اإلرادة ‪.‬‬

‫‪   ‬كما يعرفها الدكتور بالحاج العربي بأنه " النيابة هي إبرام شخص يسمى نائب عمالً قانونيًا لحساب شخص آخر باسمه‬
‫لحساب شخص آخر باسمه يسمى األصيل بحيث ينتج هذا العمل القانوني أثاره مباشرة في ذمة األصيل" فالغائب هو الذي‬
‫يقوم بالتعبير عن إرادة األصيل أي أن إرادة النائب هي التي تحل إرادة األصيل في إبرام العقد المادة ‪ 73‬و ‪ 74‬من القانون‬
‫المدني‪ ،‬وتعتبر فكرة النيابة صورة حديثة من صور الفن القانوني لم يصل إليها القانون الروماني إال في آخر مراحل تطوره‬
‫ولذلك فهي لم تظفر بتنظيم الشامل إال في الفقه اإلسالمي‪ ،‬وفي بعض التقنيات الحديثة والنيابة أهمية بالغة في الحياة‬
‫القانونية بل هي ضرورة لقضاء مصالح األفراد في المجتمع وسير المعامالت المالية بين األشخاص فيه عن لمريقها يحمي‬
‫القانون األشخاص الغير القادرين على دفاع عن حقوقهم أو رعاية مصالحهم المالية أو التجارية وتنقسم النيابة من حيث‬
‫مصدر السلطة النائب إلى اتفاقية وقضائية وقانونية فالنيابة االتفاقية مصدرها االتفاق بين النائب واألصيل وهو هنا عقد‬
‫الوكالة النيابة القضائية مصدرها حكم القاضي وأما النيابة القانونية فمصدرها نص قانوني كنيابة الولي عن القاصر‪.‬‬

‫‪     ‬وهنا االختالف يبرز جليًا بين النيابة االتفاقية الناشئة عن عقد الوكالة وبين الوكالة النيابية سواء أكان "اس ًما مستعارًا "‬
‫حجب وكالته عن المتعاقد معه أم كان وكيالً بالعمولة يحترف أعمال الوكالة؛ فالوكالة عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصًا‬
‫آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل باسمه‪ ،‬بينما النيابة هي حلول إرادة النائب محل إرادة األصيل في إنشاء تصرف‬
‫قانوني مع إضافة أثار ذلك التصرف إلى األصيل ‪ ،‬ويرى العالم ايهرنج بأن كل من الوكالة والنيابة تمثل وجها مختلف‬
‫لعالقة قانونية لحده فتتمثل الوكالة الوجه الداخلي للعالقة بين طرفين للموكل والوكيل وتمثل النيابة الوجه الخارجي للعالقة‬
‫أو صفة هذين الطرفين إزاء الغيــــــر ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫المطلــــب الثاني ‪ :‬شـــروط النيابــة في التعاقـــد‬

‫وهذه الشروط تتلخص في ثالثة هي حلول إرادة النائب محل إرادة األصيل‪ ،‬وأن يلتـــــزم النائـــب حـــدود النيابـــة‪ ،‬وأن‬
‫يتعاقد النائب باسم األصيل ولحساب األصيل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬الفرع األول‪ :‬حلول إرادة النائب محل إرادة األصيـــل‬

‫‪     ‬يستلزم أن تحل إرادة النائب تما ًم ا محل إرادة األصيل في التعاقد بالنيابة‪ ،‬بحيث يكون التعبير عن اإلرادة في العقد‬
‫صاد ًر ا عن إرادة النائب ألن ينقل تعبير إرادة األصيل‪ ،‬وهذا هو اإلختالف بين النائب والرسول ‪ ،‬فالرسول ينقل تعبير إرادة‬
‫الذي أرسله وليس نائبًا عنه‪      ،‬وبالتالي التعاقد بين النائب والمتعاقد بينه هو تعاقد بين حاضرين إذا كان النائب حاضرًا مع‬
‫المتعاقد األخر مهما كان األصيل بعيدًا عن مجلس العقد ‪.‬‬

‫‪    ‬ولذلك فإنه ينظر إلى إرادة النائب (الوكيل) فيستلزم أن تكون غير مشوبة بعيوب الرضا والمتمثلة في الغلط والتدليس‬
‫ألن العقد يكون قابالً لإلبطال كما أنه ينظر إلى حسن النية لدى نائب األصيل‪ ،‬غير أنه إذا كان الوكيل يتصرف‬ ‫واإلكراه‪ّ ،‬‬
‫فإن نية هذا األخير هي التي تؤخذ في االعتبار دون نية الوكيل‪ ،‬ولذلك‬ ‫حسب تعليمات محددة صدرت إليه من األصيل‪ّ ،‬‬
‫يجب أن يكون هذا األصيل مستعينا بأهلية المطلوبة للعقد الذي يبرمه وكيله لحسابه أما الوكيل فال يشترط أهليته لهذا العقد‪ ‬‬
‫ألن أثره ال ينصرف إليه ويكفي فيه أن يكون مميزا وقادر على التعبير عن إرادته ‪.‬‬

‫‪ ‬الفــرع الثانـي‪ :‬النائــب ملزم بحـــدود النيابـــة‬

‫فيجب على النائب أن يتعاقد في حدود النيابة التي ُو ِّكل فيها دون تجاوزها‪ ،‬وال ينصرف أثر العقد إلى األصيل إال في هذه‬
‫فإن أثر العقد ال ينصرف إلى األصيل‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 74‬على أنه "‪ ‬إذا‬ ‫الحقوق‪ ،‬وفي حالة تجاوز النائب هذه الحدود‪ّ ،‬‬
‫َأبرم النائب في حدود نيابته عقدًا باسم األصيل فإنّ ما ينشأ عن العقد من حقوق والتزامات يُضاف إلى األصيل" وبالتالي‬
‫حتى ينصرف أثر العقد إلى األصيل يشترط أن يلتزم النائب حدود نيابته‪ ،‬وإال أثر العقد ال ينصرف إلى األصيل‪ ،‬إال إذا أقر‬
‫هذا التجاوز حيث أن اإلجازة الالحقة كالوكالة السابقة‪.‬‬

‫‪     ‬وقد أتى القانون باستثناء لهذه الشروط وهو في حالة ما إذا كانت نيابة النائب قد انقضت دون علمه ودون علم من تعاقد‬
‫معه‪ ،‬ومع ذلك أبرم النائب عقد باسم األصيل ففي هذه الحالة يكون قد تجاوز حدود النيابة فعالً‪ ،‬ولكن نظر لحسن نية من‬
‫تعاقد معه قضى القانون بإنصراف أثر العقد في هذه الحالة إلى األصيل‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 76‬من القانون المدني‬
‫الجزائري بقولها‪ "  ‬إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهالن معا وقت العقد انقضاء النيابة فإن العقد يبرمه حق كان أو‬
‫التزا ًما يضاف إلى األصيل أو خلفائه‪ "  ‬وتطبيق لذلك إذا عزل الموكل دون أن يعلم هذا األخير بالعزل‪ ،‬وتعاقد مع الغير‬
‫باسم الموكل ولم يكن الغير يعلم بهذا العزل‪ ،‬فإن أثر العقد ينصرف إلى األصيل على الرغم من أنه أبرم خارج حدود‬
‫النيابة‪ ،‬وكذلك بما أن الوكالة تنقضي بموت الموكل حسب المادة ‪ 586‬فإذا مات دون أن يعلم الوكيل بموته وقد تعاقد مع‬
‫شخص يجهل هو األخر بموت الموكل فإن العقد ينصرف إلى خلف الموكل على الرغم من أن الوكيل قد تجاوز حدود‬
‫نيابة ‪.‬‬

‫‪   ‬كما ينصرف أثر العقد إلى الموكل على الرغم من تجاوز الوكيل حدود وكالته في حالة ما إذا تعذر عليه إخطار الموكل‬
‫سلفً ا بمجاوزته حدود الوكالة‪ ،‬وكانت الظروف يغلب معها الظن أنه لو قان بإخطار األصيل ما وسعه إال أن يوافق على هذا‬
‫التجاوز والتي يشترط لذلك أن يبادر النائب بإخطار األصيل بمجاوزته حدود الوكالة من المادة‪ 575‬في عقد الوكالة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬الفرع الثالــث‪  :‬أن يتعاقد النائب باسم األصيل ولحساب األصيل‬

‫‪      ‬حتى ينصرف أثر العقد إلى األصيل يجب أن يبرم الوكيل هذا العقد باسم موكله فلو أبرم باسمه وكان من تعاقد معه يعلم‬
‫بذلك انصرف أثر العقد إليه هو ال إلى األصيل‪  ،‬وقد صرح إلى المتعاقد معه بأنه نائب وقد تقطعت الظروف بأنه ليس لنائب‬
‫كما في حالة مستخدم في محل تجاري يبيع البضاعة فيه باسم صاحب المتجر‪ ،‬ويشترط كذلك أن يعلم المتعاقد مع النائب بأنه‬
‫يتعاقد باسم األصيل فإذا كان النائب يعمل باسم األصيل ومن تعاقد معه بعقد أنه يتعامل من النائب فال ينصرف أثر العقد ال‬
‫إلى األصيل وال إلى النائب‪ ،‬ومع ذلك يضاف أثر العقد إلى األصيل إذا كان من المفروض حت ًما أن يتعاقد مع النائب ويعلم‬
‫بوجود النيابة‪ ،‬مثل من يشتري البضاعة من ُمستخدم في محل تجاري ومن يبيع لخادم يعلم أنه إشتري لحساب مخدومة أو‬
‫كان يستوي عند المتعاقد مع النائب كما في البيع في متجر إذا يستوي أن يكون البائع هو صاحب المتجر أو مستخد ًما عنده‬
‫المادة ‪ 75‬ق‪.‬م‪.‬ج وهي تنص على أنه "‪ ‬إذا لم يعلن المتعاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائبًا‪ ،‬فإن أثر العقد ال‬
‫يضاف إلى األصيل دائنًا أو مدينًا‪ ،‬إال إذا كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان‬
‫يستوي عنده أن يتعامل مع األصيل أو النائب"‪.‬‬

‫الفرع الرابـع‪ :‬آثـــار النيابــــة في التعاقـــد‬

‫‪    ‬تترتب على النيابة في التعاقد ثالث عالقات‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬بين النّائب والغير‬

‫‪    ‬مادام النائب يعمل باسم األصيل ولحساب األصيل‪ ،‬فإنه ال عالقة بين النائب والغير‪ ،‬وإنما العالقة تنشأ بين األصيل‬
‫مباشرة والغير فعلى إثر ذلك ما يترتب على العقد الذي أبرم بواسطة النيابة تتحول مباشرة إلى األصيل منذ إبرام العقد‬
‫فيصبح األصيل الدائن والمدين‪ U‬في مواجهة الغير‪ ،‬إال إذا ارتكب النائب خطأ أثناء تأدية عمله‪ ،‬فإنه يعتبر المسؤول عن هذا‬
‫الخطأ سواء في مواجهة الغير الذي تعاقد معه أو في مواجهة األصيل الذي أناب عن إرادته‪.‬‬

‫ثانيـًا‪ :‬العالقة بين النائب واألصيل ‪  :‬العالقة يحددها إما العقد إذا كانت الوكالة اتفاقية إما القانون إذا كانت النيابة قانونية ‪.‬‬

‫ثالثــًا‪ :‬العالقة بين األصيل والغيــــــــر ‪ :‬تتولد عن النيابة عالقة مباشرة فيما بين األصيل والغير‪ ،‬فهما المتعاقدان وهما‬
‫اللذان ينصرف إليهما أثر العقد وهذا طبقًا للمادة ‪ 74‬من القانون المدني الجزائري حيث صرحت على أنه "إذا أبرم النائب‬
‫في حدود نيابته عقدا باسم األصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى األصيل"‬

‫‪  ‬المبحث الثالث‪ :‬تعاقد الشخص مع نفسه وأثر الموت أو فقدان األهلية في التعبير عن اإلرادة‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعاقد الشخص مع نفســـــه ‪ ‬‬

‫‪     ‬إذا كان الشخص وكيالً لبيع شيء لحسابه فاألصل أنه يُحظر من أن يشتري هذا الشيء لنفسه وذلك لتعارض مصلحته‬
‫مع مصلحة الموكل‪ ،‬ومما ال شك فيه أنه يشتري هذا الشيء بأقل مما يؤدي في حين أن مصلحة أن يبيعه بأحسن سعر‬
‫ولكن استثناء في هذا األصيل قد يجيز للوكيل أن يشتري هذا الشيء لنفسه وقد يوافق على شراء الوكيل الشيء لنفسه‬
‫بعد تمام العقد ‪ ،‬وهذا ما صرحت به المادة ‪ 77‬من القانون المدني الجزائري ‪ ،‬بقولها "ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع‬
‫نفسه باسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم‪  ‬لحساب‪ ‬‬

‫شخص آخر‪ ،‬دون ترخيص من األصيل‪ ،‬على أنه يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يُجيز هذا التعاقد ‪ ،‬كل ذلك مع مراعاة‬
‫ما يخالفه‪ ،‬مما يقضي به القانون وقواعد التجارة‪.‬‬

‫‪      ‬يتجلى من هذه المادة أنها تفرق بين وجود التعبير وبين إنتاجه ألثره القانوني؛ وعلى ذلك إذا توفي من صدر منه القبول‬
‫أو فقد أهليته بعد صدور هذا القبول منه وقبل اتصاله بعلم الموجب‪ ،‬فإن العقد مع ذلك يتم بوصول القبول بالموجب على أن‬
‫وفاة من وجه إليه التعبير عن اإلرادة أو فقدان أهليته قبل وصوله إليه يؤدي إلى سقوطه؛ ألن التعبير ال ينتج أثره القانوني‬
‫إال إذا اتصل بعلم من ُو ِج ه إليه كون هذا األخير قد توفي أو فقد أهليته فإن التعبير الذي وجه إليه ينتج أثره ‪.‬‬

‫‪   ‬كما قضت به المحكمة العليا في إجتهادها القضائي الذي استقر على أن عقد اإليجار ال ينتهي بأي حال من األحوال بموت‬
‫المؤجر أو المستأجر‪.‬‬

‫‪  ‬المطلب الثانــــــي ‪ :‬أثر الموت أو فقدان األهلية في التعبير عن اإلرادة‬

‫أن شخصًا مات أو فقد أهليته (أصبح مجنونًا أو معتوها) قبل أن ينتج هذا التعبير أثره عند اتصاله بعلم من وجه‬
‫‪      ‬فرضًا ّ‬
‫إليه‪ ،‬هنا صرح المشرع الجزائري بموجب المادة ‪ 62‬أن القانون ال يجعل للموت أو فقدان األهلية أثر في التعبير عن اإلرادة‬
‫إال إذا تبين من اإليجاب أو من طبيعة التعامل أن الشخص القابل محل اعتبار‪ ،‬كأن تكون عبارات اإليجاب واضحة بأن‬
‫القبول ال بد أن يصدر من فالن بذاته أو أن تستعصي طبيعة اإليجاب بأن ال يقوم بتنفيذه غير القابل شخصيا كما إذا كان فنانا‬
‫أو رساما وعرض عليه العمل الذي يدخل في صميم فنه فإن القبول يسقط بوفاة القابل ‪.‬‬

‫‪    ‬وقد أخذ المشرع الجزائري بالمذهب الجرماني في هذه المسألة بالقدر الذي يتفق مع استقرار المعامالت‪ ،‬ومع التطور‬
‫الموجود في القوانين الالتينية في حد ذاتها‪ ،‬وبالتالي قضت المادة ‪ 62‬من القانون المدني الجزائري بأنه‪ " :‬من صدر منه‬
‫التعبير عن اإلرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره‪ ،‬فإن ذلك ال يمنع من ترتب هذا األثر عند اتصال التعبير بعلم من‬
‫وجه إليه‪ ،‬هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل"‪.‬‬

‫‪   ‬وأساس الحكم الوارد في المادة ‪ 62‬أو النظرية الحديثة‪ U‬التي ترى بأن اإلرادة ال تموت وال تنعدم بوفاة الشخص الذي‬
‫تصدر عنه‪   ،‬فحسب رأي الدكتور بالحاج العربي فإن المشرع الجزائري قد ساير أحكام الفقه اإلسالمي عند نصه على عدم‬
‫انقضاء اإليجار بوفاة المستأجر ما لم يوجد اتفاق على خالف ذلك‪ ،‬على أن يكون لورثته الحق في إنهائه خالل ستة أشهر‬
‫من وفاة المستأجر إذا أصبحت تكاليفه باهظة بالنسبة لمواردهم أو أصبح اإليجار يزيد عن عن حاجتهم (المادة ‪ 469‬مكرر‬
‫المضافة بالقانون ‪ 07/05‬المؤرخ في ‪ 13/05/2007‬ق م ج ) وهو حكم مستمد من الشريعة اإلسالمية الغراء الذي ال‬
‫يعرفه القانون المدني الفرنسي‪.‬‬

‫‪       ‬وعليه‪ ،‬فإن التعبير الذي يظل وينتج أثره القانوني رغم وفاة صاحبه أو فقد أهليته حسب ما قضت به المواد ‪، 62 ، 61‬‬
‫‪ 63‬إنما هو التعبير الصادر عن القابل بشرط أال يعلم الموجب بموته أو بفقد أهليته ‪ ،‬وبشرط أال يكون القابل محل اعتبار‬
‫شخصي في التعاقد‪.‬‬

‫‪     ‬خالصة القول ّ‬
‫أن الرضا هو جوهر وعماد العقد‪ ،‬فإرادة الشخص هي الدافع إلى إحداث األثر القانوني‪ ،‬كما أن التعبير‬
‫عنها الذي يظهر للعالم الخارجي بعدما كانت عبارة عن حالة نفسية حيث توجه إلى شخص معين ويمكن التعبير عنها‬
‫بالصورة التي يمكن التعرف عليها وقت صدورها‪ ،‬فكل إيجاب يقابله قبول يتم به العقد من وصل إلىه رغم من صدر منه‬
‫اإليجاب‪ .‬‬

You might also like