Professional Documents
Culture Documents
التعبير عن الارادة
التعبير عن الارادة
مقدمة:
التراضي هو تطابق اإليجاب مع القبول كتعبير عن إرادة طرفي العقد ،وهو ما يستفاد من نص المادة 59من القانون
المدني الجزائري " :على أن يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتيها المتطابقتين دون اإلخالل بالنصوص
تراض البد من تواجد إرادتين متطابقتين ،كما قد يحدث أن يتعاقد الشخص مع نفسه أو مع شخصٍ القانونية " فحتى يوجد
آخر بصفته نائبا وننهي بالتطرق إلى اآلثار المترتبة عن هذا التعبير سنتطرق إلى تعبير الشخص عن إرادته وما يترتب
عنها من أثر قانوني .
األصل أنه للشخص الحق في أن يعبر عن إرادته بالطريقة التي تحلو له ،فالمتعاقد له الحرية الكاملة في ذلك إذ أن
القانون لم يفرض عليه طريقة معينة U،وهذا تطبيقًا لمبدأ الرضائية في العقود ،فقد يكون تعبيرًا صريحًا وقد يكون ضمنيًا وقد
يكون بالسكوت تما ًما وهو ما سنتطرق له من خالل المطالب اآلتية:
نصت المادة 60من القانون المدني الجزائري على حرية التعبير عن اإلرادة بأي طريقة ،فقد يكون صريحا باللفظ أو
الكتابة أو اإلشارة المتداولة عرفا ،وقد يكون ضمنيا باتخاذ يدل بطريقة غير مباشرة على مقصود صاحبه ،كما أن السكوت
قد يكون في حاالت تعبيرا عن اإلرادة .
ويقصد به التعبير الذي يفـصـح فـيـه الـشخص مباشـرة عـن رغبته في التعاقد دون حاجة إلى أعمال الفكر في الكشف
عـن اإلرادة سـواء تم ذلك لفظا أو كتابـة أو باإلشارة أو غير ذلك ،ومـن تطبيقات التعبير الصريح أن يقول المتعاقد موافق
أو غير موافق ،وكذلك التاجر بعرض بضاعته على الجمهـور مـع تحديـد أسـعارها ،وقـد يـكـون التعبير صريحا باستعمال
اإلشارات المتعارف عليها كهز الـرأس للداللة على الرفض أو القبول.
ض ا استمرار المستأجر في شغل العين المؤجرة بعد انتهاء مدة اإليجار إذ يدل ذلك ضمنيا ً على رغبته في
ومـن تطبيقاتـه أي ً
تجديد Uمدة عقد اإليجار ،التعبير عن اإلرادة مظهرها الخارجي وعنصرها المادي محسوس ،ويكون التعبير صريحا في
بعض الحاالت باتخاذ موقف ال يدع أي شك في داللته على مقصود صاحبه كعرض تاجر سلعته للجمهور مع بيان ثمنها ،أو
وقوف سيارة األجرة في موقفها بانتظار زبون يستأجرها.
وهي الحالة التي يتخذ فيها الشخص موقفا أو يقوم بعمل ما يدل على إرادته دون أن يتلفظ بكالم أو دون أن يستعمل
طريقا من طرق التعبير الصريح عن اإلرادة كأن يتصرف شخص في شيء ليس له ،ولكن عرض عليه أن يشتريه فهذا
يدل غلى أن الشخص قبل ،وبالتالي تصرف كما يتصرف المالك ،وكالموعود بالبيع يرتب حقًا على العين الموعود ببيعها
وكالمستأجر الذي يبقى في العين المؤجرة رغم نهاية مدة اإليجار ،كل هذه األعمال أو هذه المواقف تدل على إرادة
الشخص بالقبول .
ويعتبر التعبير الضمني عن اإلرادة سلي ًم ا ،إال إذا نص القانون أو اتفق الطرفان على خالف ذلك ،كأن ينص القانون أو
يتفق الطرفان بأن يكون التعبير عن اإلرادة صري ًحا في هذا الحالة ال يؤخذ بالتعبير الضمني لإلرادة.
وهنا اشترط المشرع الجزائري في التعبير أن يكون صري ًحا في بعض التصرفات ،كما هو الشأن في التضامن بين
الدائنين أو بين المدينين حيث تقضي المادة 217من القانون المدني الجزائري صراحة ّ
بأن التضامن ال يفترض وإنما يكون
بناءا على اتفاق أو نص في القانون ،كما أن المادة 505من القانون المدني الجزائري والمعدلة بالقانون رقم 07/05المؤرخ
في 13/05/2007تنص على أن تنازل المستأجر عن اإليجار أو اإليجار من الباطن يجب أن يكون بموفقة كتابية من
المؤجر ما لم يوجد نص قانوني يقضي بخالف ذلك.
الفرع الثالـــث :السكوت والتعبيـــر عن اإلرادة
يعتبر السكوت موقفا سلبيًا بحيث ال يمكن أن يعبر عن إيجاب ،واإليجاب هو العرض الذي يتقدم به أحد المتعاقدين
لآلخر تار ًك ا له أمر قبوله أو رفضه ،وهو أول مرحلة من مراحل التعاقد ،إذا أن العرض يتضمن بيانًا واضحًا لطبيعة
الصفقة المراد إبرامها وشروطها.
والسكوت ال يعد تعبيرًا ضمنيًا ،فإن اإلرادة تستخلص من الظروف اإليجابية التي يدل عليها ،أما السكوت فهو العدم،
ومعنى ذلك ال ينسب للساكت إرادة ال بقبول اإليجاب وال برفضه ،فإذا عرض شخص على آخر أن يشتري منه شيئا فسكت،
فإن العقد ال ينعقد ،ألن األمر يتعلق بمجرد إيجاب لم يقترن بقبول ،فمثال :إذا قضى بأنه أرسل تاجر عينة من بضاعته إلى
شخص مع إخباره إياه بأن عدم رد العينة خالل فترة معينة يعتبر قبوالً منه للشراء ،فإن سكوت هذا الشخص عن الرد ال يعد
قبوالً
بالرغم من أن المبدأ العام يقضي بأن السكوت ال يصلح ليكون تعبيرا عن اإلرادة ،وفي هذا المعنى يقرر فقهاء الشريعة
منذ عدة قرون قاعدتهم الشهيرة " ال ينسب لساكت قول " ،وذلك ألن السكوت قد ينطوي على استحسان أو استهجان
لمضمون اإليجاب وهذا ال يكفي لثبوت اإلرادة الجادة القاطعة المتجهة إلى القبول كما أن استخالص القبول من مجرد
السكوت يعني فرض واجب على الشخص وتقييد للحرية الشخصية ليس له من أساس .
كما أن السكوت ال يترتب عليه أي آثار قانونية كما أن الصمت المجرد للموجب إليه ال يمكن أن يكون من حيث المبدأ
قبوال ألن القبول تعبير عن اإلرادة ،و الساكت ال يعبر عن إرادته في الحقيقة ،وعلى هذا األساس فإن القبول ال يمكن
استخالصه من السكوت أو عدم القيام بتصرف من قبل من وجه له اإليجاب ،وهذا هو المبدأ العام الذي يقول به جمهور
الفقهاء وأخذ به القضاء وسرت عليه التشريعات المدنية العربية والغربية الحديثــــة.
إال أن هذا المبدأ يرد عليه استثناءات ،فيصلح للتعبير في حالتيــــــن :
يقصد بالقانون سواء كان مصدره التشريع أو العرف ،ومن أمثلة نص التشريع ما نصت عليه المادة 355/1من القانون
المدني في البيع على شرط التجربة إذ يجوز للمشتري أن يقبل البيع أو يرفضه ،وعلى البائع أن يمكنه من التجربة.
واالستثناء الثاني من عدم اعتبار السكوت تعبي ًرا عن القبول إذا البسته ظروف معينة ؛ وقد أشار القانون المدني
الجزائري إلى بعض هذه الظروف وال ُمالبسات في المادة 68والتي يكون فيها السكوت قبوالً أي تعبي ًرا لإلرادة بقولها " إذا
كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب يكن تنتظر تصريحا بالقبول فإن
العقد يعتبر قد تم ،إذا لم يرفض اإليجاب في وقت مناسب. "
ويعتبر السكوت عن الرد قبوال إذا اتصل اإليجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين Uأو إذا كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه
".
ومثاله إذا وجد عن تاجر تجزئة التعامل مع تاجر جملة في سلعة معينة ، Uطلب تاجر التجزئة من تاجر الجملة كمية من
السلعة بالشروط المتفق عليها بينهما ،ولم يرد عليه تاجر الجملة اعتبر سكوته قبوال والتزام بتنفيذ Uالعقــــد .
وجميع هذه الحاالت التي سبق ذكرها هي على سبيل المثال ال الحصر فكل سكوت تقترن به مالبسات تدل على رضى ،
فهو سكوت مالبس وتعبير عن اإلرادة بالقبول .
المطلب الثانـــــــي :طــــرق التعبيــــر عـــن اإلرادة
سبق القول بأن القانون ال يعتد باإلرادة إذا ظلت كامنة في النفس وال بد على صاحبها من إظهارها ،أي التعبير عنها في
الحيز الخارجي حتى يمكن التحقق من وجودها ،لكن الصعوبة تمكن في ما إذا اختلف التعبير ألي سبب عن حقيقته اإلرادة
أو بمعنى آخر هل يستمد العقد قوته الملزمة من اإلرادة الباطنة أو من اإلرادة الظاهــــرة ؟
وتعتبر اإلرادة الباطنة أساس االلتزام ،وجوهر التصرف القانوني أ ّما التعبير فما هو إال مظهر لتلك اإلرادة والثوب الذي
ترتديه U،ومن الحجج التي يستند Uإليها أصحاب هذه النظرية إلى حجتان :
حجة تاريخيـــة :مفادها أن العقد وااللتزام في القوانين القديمة ال يقومان إال باستخدام أشكال معينة U،ثم حدث تطور للتخلص
الشكلية لتسود الرضائية وتحل محلها ،وهكذا ّ
فإن القوانين الحديثة Uتعتد بالرضاء نفسه ال بشكله أو مظهره.
حجة اقتصادية :أساس التزام المتعاقد هو إرادته ،فالعقد ينشأ من ارتباط إرادتين لهذا ّ
فإن الشخص يلتزم بما أراده حقيقة وال
يجوز االلتزام نتيجة إعالن خاطئ عن إرادته.
كما أن العقد باعتباره ينظم مصالح المتعاقدين ،فيجب أن يكون تنظيم العالقات المستقبلية أو االقتصادية تنظيما يطمئن
إليه كل منهما منذ إبرام العقد ،وطبعا هذه الطمأنينة ستزول في حالة ما إذا وجد المتعاقد نفسه ملزما بأمر لم يقصده .
فالتعبير في منطق المدرسة الفرنسية أو الالتينية التي تعتد بهذه النظرية ليس إال دليال على اإلرادة الباطنة يقبل إثبات
العكس أي أن التعبير المادي ال يؤخذ به إال بالقدر الذي يتفق فيه مع هذه اإلرادة الباطنة الحقيقية ،وعلى من يدعي اختالف
اإلرادة المعبر عنها عن إرادته الباطنة الحقيقية ضرورة إثبات ذلك بما في هذا اإلثبات من صعوبة شديدة .
ولهذه النظرية نتائج هامة على نظرية العقد كما هو فيما يسمى بالصورية وأيضا عند تفسير العقد فإن العبرة تكون باإلرادة
الحقيقية للمتعاقدين أما التعبير الظاهري الخارجي فهو مجرد قرينة تقبل إثبات العكس .
ظهرت هذه النظرية الحديثة في أواخر القرن 19ويرجع الفضل في ظهورها إلى الفقهاء األلمان ،الذين بحثوا في
النظرية الباطنة ،وانتهى بحثهم إلى أن هذه األخير ال تصلح أن يكون لها أثر قانوني ،ألنها شيء كامن في النفس وال بد
إلنتاج أثرها أن تتخذ مظهرا اجتماعيا وذلك باإلفصاح عنها ؛ فالقوة الملزمة للعقد تستمد من التعبير عن اإلرادة وقد أخذ بها
القانون األلماني الذي سرى منذ Uعام . 1900
وال يتطلب أصحاب هذه النظرية أن يأخذ باإلعالن عن اإلرادة شكالً معينًا بل يكتفون بمجرد اإلعالن سوا ًءا اتخذ موقفا
ضمنيًا ،ومتى تم اإلعالن عن اإلعالن عن اإلرادة وصادفه إعالن ُمطابق إنعقد العقد وال يقبل بعد ذلك إثباتصريحًا أو ِ
مخالفة اإلعالن لحقيقة اإلرادة ،إذ ليس من وظيفة القاضي أن يغوص في األعماق النفسية بحثا عن اإلرادة الباطنة الستفهام
ما قد تنطوي عليه من نية و أفكار و رغبات .
حجج تاريخية :ومفادها أن االلتزام نشأ بإجراء شكلي ودائما ويغير هذه الشكلية فإنه اليوجد ،واإلعالن عن اإلرادة هو
البقية الباقية من الشكلية الذي تبقى وال يمكن اإلستغناء عنه .
حجج عقلية ومنطقية :ومفادها أن اإلرادة الباطنة كامنة في النفس ونوايا الضمير و يستحل الوصول إليها عكس اإلرادة
الظاهرة التي يمكن التعرف عليها والتي يترتب عنها األثر القانوني .
حجج اجتماعية واقتصادية :ومفادها أن الغير ال يستطيع أن يعلم أو يتعرف إال على اإلرادة الظاهرة ،وهذه هي التي يعتدU
بها األشخاص ألنها تبعث في نفس المتعاقد الثقة ،فلذالك إذا ما أصدرت اإلرادة الظاهرة فإن الثقة المشروعة التي تولد في
المتعاقد تتزعزع ويؤدي ذلك بالتالي إلى عدم استقرار المعامالت .
يتبين Uمن خالل مقارنة النظريتين اختالفهما الواضح من حيث األساس النظري والفلسفي لكن هذا االختالف ليس كبيرًا
سواء من حيث الناحية العملية أو القانونية ،ومع ذلك فإنّه ال يمكن األخذ بإحدى النظريتين في الحياة العملية بصفة مطلقة
وإهمال األخرى بل يتعين Uالتوفيق بينهما.
ألن صعوبة إثبات اإلرادة تقف غالبًا حائالً منيعا دون إهمال
فيستحسن بقاء الفارق بين النظريتين من الناحية العملية ّ
التعبير عن اإلرادة ،وبالتالي فإن اإلرادة المفترضة هي وسيلة القاضي للتوصل لإلرادة الباطنة الخفية الحرة المختارة في
معناها الحقيقي .
يتبين Uلنا من أحكام القانون المدني أن المشرع الجزائري يأخذ أساسًا باإلرادة الباطنة ،ولكنه يأخذ باإلرادة الظاهرة إلى
الحد الذي يقتضيه استقرار المعامالت؛ ويبرز ذلك من خالل :
أنه ال يعتد بالتعبير عن اإلرادة في قيام العقد إال في الحدود التي يكون التعبير مطابقًا لحقيقة قصد صاحبه ( م 59
من القانون المدني ) فالنص يشترط التطابق بين اإلرادتين ،حيث يقيم التعبير على اإلرادة ذاتها ،وليس على مجرد
.التعبير عنها
.ال يعتد إال باإلرادة السليمة في تكوين العقود ،فجعل الغلط واإلكراه والتدليس واالستغالل عيوبًا تُجيز إلغاء العقد
نصت المادة 61من القانون المدني أن التعبير ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه اإليجاب وقبله ،ثم
عدل عن القبول ،ولكن قبوله وصل إلى الموجب قبل أن يصل العدول فإن العقد ينعقد على اإلرادة الظاهرة بالرغم من
العدول .
ونجد أن القانون المدني أخذ باإلرادة الظاهرة في تفسير العقد ،بحيث منع على القاضي أن ينحرف عن العبارة الواضحة
في العقد عن طريق تأويلها للتعرف على إرادة المتعاقدين .كما أشارت في فقرتها الثانية إلى أنه يستوجب على القاضي في
حالة الغموض أو اإلبهام أو التأويل أن يبحث عن قصد المتعاقدين U،وفي نفس االتجاه نص المشرع الجزائري على أنه فيما
يتعلق بالصورية تكون العبرة في حالة النزاع بالعقد الحقيقي الذي انصرفت إليه اإلرادة المشتركة للطرفين ،وهي إشارات
من المشرع إلى ضرورة عدم إغفال اإلرادة الباطنة الحقيقية للمتعاقدين بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين Uدون تجاهل
للعرف الجاري في المعامالت .
وعليه نجد أن المشرع الجزائري أخذ بصفة مطلقة باإلرادة الظاهرة ،كما أخذ في بعض الحاالت باإلرادة الباطنـــــــة .
وتظهر بالتالي فلسفة القانون المدني الجزائري التي ترتكز على ضمان استقرار المعامالت وفي نفس الوقت حماية
اإلرادة الحرة ،وكذا المصلحة الفردية للمتعاقد .
وعلى ذلك فإنه حتى ينعقد العقد وفقًا لهذه المادة البد Uوأن تغلق حلقة التعاقد بأن يتصل اإليجاب بعلم من وجه إليه وأن
يتصل القبول بعلم الموجب ،فإذا كان التعبير عن اإلرادة إيجابا فال ينتج أثره القانوني إال إذا علم به من وجه إليه اإليجاب.
وعلى هذا بالمفهوم المخالف للمادة 63من ق م ج فإن اإليجاب إذا لم يقترن بأجل محدد فإنّه ال يعتبر بحد ذاته ُملزماً،
األمر الذي يجيز للموجب العدول أو الرجوع عن إيجابه طالما لم يقترن به قبول ،وهو ما يتفق مع مبدأ سلطان اإلرادة
وقاعدة حرية إبرام العقود ،أما إذا التعبير عن اإلرادة قبوال ال ينتج أثره القانوني حسب المادة 61إال عند علم الموجب
وبذلك يتم انعقاد العقد ،وال يقصد بالعلم هنا العلم الحقيقي بل يكفي العلم ال ُحكمي ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به
ما لم يقم ال ّدليل على عكس ذلك فوصول التعبير هو قرينة قانونية على العلم به ولكنها تقبل إثبات العكس وإن كان هذا
اإلثبات شديد الصعوبة من الناحية العمليةّ ،
فإن وصول التعبير إذن يعتبر قرينة قانونية على العلم بما فيه ،وهي قرينة تقبل
إثبات العكس ،وتقدير قيام أو عدم قيام هذه القرينة هو أمر يعود إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع .
وهذا الرأي للدكتور بلحاج العربي الذي يتفق مع رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة الذي يعتبر قرينة وصول التعبير
ليست من القرائن القاطعة ،وإنّما هي قرينة ضعيفة يجوز لمن وجه إليه التعبير أن يُقيم الدليل بأنّه لم يصل إليه التعبير عن
اإلرادة حتى ال ينتج التعبير عن اإلرادة أثره القانوني في حقه .
نتطرق في هذا المبحث إلى تعريف النيابة في التعاقد كمطلب أول ثم إلى شروط قيامها كمطلب ثان ثم إلى اآلثار التي
تترتب عنها كمطلب ثالث .
لم يرد تعريفًا للنيابة في التعاقد بالرغم من أنه قد نظمها المشرع الجزائري في المواد من 73إلى غاية المادة 77من
القانون المدني الجزائري ،وال يعتبر هذا حسب رأي الدكتور خليل أحمد حسن قدادة عيبا أو نقصًا في التشريع كون
التعريفات عمل فقهي أكثر من كونه عمل تشريعي ،وعليه يمكن تعريف النيابة في التعاقد على أنه حلول إرادة النائب محل
إرادة األصيل في التعبير عن اإلرادة مع انصراف اآلثار القانونية المترتبة عنه إلى شخص األصيل كما لو كان شخصيا
الذي صدر منه التعبير عن اإلرادة .
كما يعرفها الدكتور بالحاج العربي بأنه " النيابة هي إبرام شخص يسمى نائب عمالً قانونيًا لحساب شخص آخر باسمه
لحساب شخص آخر باسمه يسمى األصيل بحيث ينتج هذا العمل القانوني أثاره مباشرة في ذمة األصيل" فالغائب هو الذي
يقوم بالتعبير عن إرادة األصيل أي أن إرادة النائب هي التي تحل إرادة األصيل في إبرام العقد المادة 73و 74من القانون
المدني ،وتعتبر فكرة النيابة صورة حديثة من صور الفن القانوني لم يصل إليها القانون الروماني إال في آخر مراحل تطوره
ولذلك فهي لم تظفر بتنظيم الشامل إال في الفقه اإلسالمي ،وفي بعض التقنيات الحديثة والنيابة أهمية بالغة في الحياة
القانونية بل هي ضرورة لقضاء مصالح األفراد في المجتمع وسير المعامالت المالية بين األشخاص فيه عن لمريقها يحمي
القانون األشخاص الغير القادرين على دفاع عن حقوقهم أو رعاية مصالحهم المالية أو التجارية وتنقسم النيابة من حيث
مصدر السلطة النائب إلى اتفاقية وقضائية وقانونية فالنيابة االتفاقية مصدرها االتفاق بين النائب واألصيل وهو هنا عقد
الوكالة النيابة القضائية مصدرها حكم القاضي وأما النيابة القانونية فمصدرها نص قانوني كنيابة الولي عن القاصر.
وهنا االختالف يبرز جليًا بين النيابة االتفاقية الناشئة عن عقد الوكالة وبين الوكالة النيابية سواء أكان "اس ًما مستعارًا "
حجب وكالته عن المتعاقد معه أم كان وكيالً بالعمولة يحترف أعمال الوكالة؛ فالوكالة عقد بمقتضاه يفوض شخص شخصًا
آخر للقيام بعمل شيء لحساب الموكل باسمه ،بينما النيابة هي حلول إرادة النائب محل إرادة األصيل في إنشاء تصرف
قانوني مع إضافة أثار ذلك التصرف إلى األصيل ،ويرى العالم ايهرنج بأن كل من الوكالة والنيابة تمثل وجها مختلف
لعالقة قانونية لحده فتتمثل الوكالة الوجه الداخلي للعالقة بين طرفين للموكل والوكيل وتمثل النيابة الوجه الخارجي للعالقة
أو صفة هذين الطرفين إزاء الغيــــــر .
وهذه الشروط تتلخص في ثالثة هي حلول إرادة النائب محل إرادة األصيل ،وأن يلتـــــزم النائـــب حـــدود النيابـــة ،وأن
يتعاقد النائب باسم األصيل ولحساب األصيل.
يستلزم أن تحل إرادة النائب تما ًم ا محل إرادة األصيل في التعاقد بالنيابة ،بحيث يكون التعبير عن اإلرادة في العقد
صاد ًر ا عن إرادة النائب ألن ينقل تعبير إرادة األصيل ،وهذا هو اإلختالف بين النائب والرسول ،فالرسول ينقل تعبير إرادة
الذي أرسله وليس نائبًا عنه ،وبالتالي التعاقد بين النائب والمتعاقد بينه هو تعاقد بين حاضرين إذا كان النائب حاضرًا مع
المتعاقد األخر مهما كان األصيل بعيدًا عن مجلس العقد .
ولذلك فإنه ينظر إلى إرادة النائب (الوكيل) فيستلزم أن تكون غير مشوبة بعيوب الرضا والمتمثلة في الغلط والتدليس
ألن العقد يكون قابالً لإلبطال كما أنه ينظر إلى حسن النية لدى نائب األصيل ،غير أنه إذا كان الوكيل يتصرف واإلكراهّ ،
فإن نية هذا األخير هي التي تؤخذ في االعتبار دون نية الوكيل ،ولذلك حسب تعليمات محددة صدرت إليه من األصيلّ ،
يجب أن يكون هذا األصيل مستعينا بأهلية المطلوبة للعقد الذي يبرمه وكيله لحسابه أما الوكيل فال يشترط أهليته لهذا العقد
ألن أثره ال ينصرف إليه ويكفي فيه أن يكون مميزا وقادر على التعبير عن إرادته .
فيجب على النائب أن يتعاقد في حدود النيابة التي ُو ِّكل فيها دون تجاوزها ،وال ينصرف أثر العقد إلى األصيل إال في هذه
فإن أثر العقد ال ينصرف إلى األصيل ،وقد نصت المادة 74على أنه " إذا الحقوق ،وفي حالة تجاوز النائب هذه الحدودّ ،
َأبرم النائب في حدود نيابته عقدًا باسم األصيل فإنّ ما ينشأ عن العقد من حقوق والتزامات يُضاف إلى األصيل" وبالتالي
حتى ينصرف أثر العقد إلى األصيل يشترط أن يلتزم النائب حدود نيابته ،وإال أثر العقد ال ينصرف إلى األصيل ،إال إذا أقر
هذا التجاوز حيث أن اإلجازة الالحقة كالوكالة السابقة.
وقد أتى القانون باستثناء لهذه الشروط وهو في حالة ما إذا كانت نيابة النائب قد انقضت دون علمه ودون علم من تعاقد
معه ،ومع ذلك أبرم النائب عقد باسم األصيل ففي هذه الحالة يكون قد تجاوز حدود النيابة فعالً ،ولكن نظر لحسن نية من
تعاقد معه قضى القانون بإنصراف أثر العقد في هذه الحالة إلى األصيل ،وهذا ما نصت عليه المادة 76من القانون المدني
الجزائري بقولها " إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهالن معا وقت العقد انقضاء النيابة فإن العقد يبرمه حق كان أو
التزا ًما يضاف إلى األصيل أو خلفائه " وتطبيق لذلك إذا عزل الموكل دون أن يعلم هذا األخير بالعزل ،وتعاقد مع الغير
باسم الموكل ولم يكن الغير يعلم بهذا العزل ،فإن أثر العقد ينصرف إلى األصيل على الرغم من أنه أبرم خارج حدود
النيابة ،وكذلك بما أن الوكالة تنقضي بموت الموكل حسب المادة 586فإذا مات دون أن يعلم الوكيل بموته وقد تعاقد مع
شخص يجهل هو األخر بموت الموكل فإن العقد ينصرف إلى خلف الموكل على الرغم من أن الوكيل قد تجاوز حدود
نيابة .
كما ينصرف أثر العقد إلى الموكل على الرغم من تجاوز الوكيل حدود وكالته في حالة ما إذا تعذر عليه إخطار الموكل
سلفً ا بمجاوزته حدود الوكالة ،وكانت الظروف يغلب معها الظن أنه لو قان بإخطار األصيل ما وسعه إال أن يوافق على هذا
التجاوز والتي يشترط لذلك أن يبادر النائب بإخطار األصيل بمجاوزته حدود الوكالة من المادة 575في عقد الوكالة.
حتى ينصرف أثر العقد إلى األصيل يجب أن يبرم الوكيل هذا العقد باسم موكله فلو أبرم باسمه وكان من تعاقد معه يعلم
بذلك انصرف أثر العقد إليه هو ال إلى األصيل ،وقد صرح إلى المتعاقد معه بأنه نائب وقد تقطعت الظروف بأنه ليس لنائب
كما في حالة مستخدم في محل تجاري يبيع البضاعة فيه باسم صاحب المتجر ،ويشترط كذلك أن يعلم المتعاقد مع النائب بأنه
يتعاقد باسم األصيل فإذا كان النائب يعمل باسم األصيل ومن تعاقد معه بعقد أنه يتعامل من النائب فال ينصرف أثر العقد ال
إلى األصيل وال إلى النائب ،ومع ذلك يضاف أثر العقد إلى األصيل إذا كان من المفروض حت ًما أن يتعاقد مع النائب ويعلم
بوجود النيابة ،مثل من يشتري البضاعة من ُمستخدم في محل تجاري ومن يبيع لخادم يعلم أنه إشتري لحساب مخدومة أو
كان يستوي عند المتعاقد مع النائب كما في البيع في متجر إذا يستوي أن يكون البائع هو صاحب المتجر أو مستخد ًما عنده
المادة 75ق.م.ج وهي تنص على أنه " إذا لم يعلن المتعاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائبًا ،فإن أثر العقد ال
يضاف إلى األصيل دائنًا أو مدينًا ،إال إذا كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة أو كان
يستوي عنده أن يتعامل مع األصيل أو النائب".
مادام النائب يعمل باسم األصيل ولحساب األصيل ،فإنه ال عالقة بين النائب والغير ،وإنما العالقة تنشأ بين األصيل
مباشرة والغير فعلى إثر ذلك ما يترتب على العقد الذي أبرم بواسطة النيابة تتحول مباشرة إلى األصيل منذ إبرام العقد
فيصبح األصيل الدائن والمدين Uفي مواجهة الغير ،إال إذا ارتكب النائب خطأ أثناء تأدية عمله ،فإنه يعتبر المسؤول عن هذا
الخطأ سواء في مواجهة الغير الذي تعاقد معه أو في مواجهة األصيل الذي أناب عن إرادته.
ثانيـًا :العالقة بين النائب واألصيل :العالقة يحددها إما العقد إذا كانت الوكالة اتفاقية إما القانون إذا كانت النيابة قانونية .
ثالثــًا :العالقة بين األصيل والغيــــــــر :تتولد عن النيابة عالقة مباشرة فيما بين األصيل والغير ،فهما المتعاقدان وهما
اللذان ينصرف إليهما أثر العقد وهذا طبقًا للمادة 74من القانون المدني الجزائري حيث صرحت على أنه "إذا أبرم النائب
في حدود نيابته عقدا باسم األصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى األصيل"
المبحث الثالث :تعاقد الشخص مع نفسه وأثر الموت أو فقدان األهلية في التعبير عن اإلرادة.
إذا كان الشخص وكيالً لبيع شيء لحسابه فاألصل أنه يُحظر من أن يشتري هذا الشيء لنفسه وذلك لتعارض مصلحته
مع مصلحة الموكل ،ومما ال شك فيه أنه يشتري هذا الشيء بأقل مما يؤدي في حين أن مصلحة أن يبيعه بأحسن سعر
ولكن استثناء في هذا األصيل قد يجيز للوكيل أن يشتري هذا الشيء لنفسه وقد يوافق على شراء الوكيل الشيء لنفسه
بعد تمام العقد ،وهذا ما صرحت به المادة 77من القانون المدني الجزائري ،بقولها "ال يجوز لشخص أن يتعاقد مع
نفسه باسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه هو أم لحساب
شخص آخر ،دون ترخيص من األصيل ،على أنه يجوز لألصيل في هذه الحالة أن يُجيز هذا التعاقد ،كل ذلك مع مراعاة
ما يخالفه ،مما يقضي به القانون وقواعد التجارة.
يتجلى من هذه المادة أنها تفرق بين وجود التعبير وبين إنتاجه ألثره القانوني؛ وعلى ذلك إذا توفي من صدر منه القبول
أو فقد أهليته بعد صدور هذا القبول منه وقبل اتصاله بعلم الموجب ،فإن العقد مع ذلك يتم بوصول القبول بالموجب على أن
وفاة من وجه إليه التعبير عن اإلرادة أو فقدان أهليته قبل وصوله إليه يؤدي إلى سقوطه؛ ألن التعبير ال ينتج أثره القانوني
إال إذا اتصل بعلم من ُو ِج ه إليه كون هذا األخير قد توفي أو فقد أهليته فإن التعبير الذي وجه إليه ينتج أثره .
كما قضت به المحكمة العليا في إجتهادها القضائي الذي استقر على أن عقد اإليجار ال ينتهي بأي حال من األحوال بموت
المؤجر أو المستأجر.
أن شخصًا مات أو فقد أهليته (أصبح مجنونًا أو معتوها) قبل أن ينتج هذا التعبير أثره عند اتصاله بعلم من وجه
فرضًا ّ
إليه ،هنا صرح المشرع الجزائري بموجب المادة 62أن القانون ال يجعل للموت أو فقدان األهلية أثر في التعبير عن اإلرادة
إال إذا تبين من اإليجاب أو من طبيعة التعامل أن الشخص القابل محل اعتبار ،كأن تكون عبارات اإليجاب واضحة بأن
القبول ال بد أن يصدر من فالن بذاته أو أن تستعصي طبيعة اإليجاب بأن ال يقوم بتنفيذه غير القابل شخصيا كما إذا كان فنانا
أو رساما وعرض عليه العمل الذي يدخل في صميم فنه فإن القبول يسقط بوفاة القابل .
وقد أخذ المشرع الجزائري بالمذهب الجرماني في هذه المسألة بالقدر الذي يتفق مع استقرار المعامالت ،ومع التطور
الموجود في القوانين الالتينية في حد ذاتها ،وبالتالي قضت المادة 62من القانون المدني الجزائري بأنه " :من صدر منه
التعبير عن اإلرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره ،فإن ذلك ال يمنع من ترتب هذا األثر عند اتصال التعبير بعلم من
وجه إليه ،هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل".
وأساس الحكم الوارد في المادة 62أو النظرية الحديثة Uالتي ترى بأن اإلرادة ال تموت وال تنعدم بوفاة الشخص الذي
تصدر عنه ،فحسب رأي الدكتور بالحاج العربي فإن المشرع الجزائري قد ساير أحكام الفقه اإلسالمي عند نصه على عدم
انقضاء اإليجار بوفاة المستأجر ما لم يوجد اتفاق على خالف ذلك ،على أن يكون لورثته الحق في إنهائه خالل ستة أشهر
من وفاة المستأجر إذا أصبحت تكاليفه باهظة بالنسبة لمواردهم أو أصبح اإليجار يزيد عن عن حاجتهم (المادة 469مكرر
المضافة بالقانون 07/05المؤرخ في 13/05/2007ق م ج ) وهو حكم مستمد من الشريعة اإلسالمية الغراء الذي ال
يعرفه القانون المدني الفرنسي.
وعليه ،فإن التعبير الذي يظل وينتج أثره القانوني رغم وفاة صاحبه أو فقد أهليته حسب ما قضت به المواد ، 62 ، 61
63إنما هو التعبير الصادر عن القابل بشرط أال يعلم الموجب بموته أو بفقد أهليته ،وبشرط أال يكون القابل محل اعتبار
شخصي في التعاقد.
خالصة القول ّ
أن الرضا هو جوهر وعماد العقد ،فإرادة الشخص هي الدافع إلى إحداث األثر القانوني ،كما أن التعبير
عنها الذي يظهر للعالم الخارجي بعدما كانت عبارة عن حالة نفسية حيث توجه إلى شخص معين ويمكن التعبير عنها
بالصورة التي يمكن التعرف عليها وقت صدورها ،فكل إيجاب يقابله قبول يتم به العقد من وصل إلىه رغم من صدر منه
اإليجاب .