You are on page 1of 21

‫الفصل األول ‪ :‬القاعدة األخالقية ودورها في العملية العقدية‬

‫المبحث األول ‪ :‬مظاهر القاعدة األخالقية في العالقة العقدية‬

‫المطلب األول ‪ :‬مبدأحسن النية‬

‫اختلف الفقه في تحديد مضمون هذا المبدأ السيما في نظرية العقد ‪ ,‬بحيث يدخل بمفهوم‬
‫شخصي وأخر موضوعي ‪ ,‬نظرا للدور المتباين الذي يلعبه ‪ ,‬لهذا سنتطرق إلى تحديد‬
‫المضمون الشخصي والموضوعي لمبدأ حسن النية‬

‫الفرع األول ‪ :‬المضمون الشخصي لمبدأ حسن النية‬

‫أوال‪ :‬التعريف بالمبدأ طبقا للمضمون الشخصي‬

‫يأخذ القانون بهذا المفهوم (الشخصي) عندما بعتد بحسن النية بإعتباره حالة نفسية أو ذهنية‬
‫تتمثل في الجهل بواقعة أو ظرف ما‪ ,‬أو في االعتقاد الخطأ أو المغلوط الذي يتولد في ذهن‬
‫‪1‬‬
‫شخص ما ‪ ,‬وبهذا المفهوم تبدو فكرة شخصية ذاتية تتسم بطابع سلبي محض ‪.‬‬

‫إال أنه في إطار المفهوم الشخصي أختلف الفقه حول تعريف المبدأ فذهب جانب للقول بأنه ‪:‬‬
‫( الجهل المبرر بواقعة معينة يرتب عليها المشرع أثرا قانوني‪ ,‬ويفترض حسن النية وفقا لهذا‬
‫الرأي غلطا وقع فيه الغير‪ ,‬وهو أمر ذاتي نفسي وهو مفترض‪.‬‬

‫ظهر رأي آخر يرى أن حسن النية هو ‪ :‬الغلط المبرر المشروع ‪ ,‬الذي يتحقق بانتفاء الخطأ‬
‫من الجانب المتعاقد أو الغير بنوعيه العمدي وغير العمدي ‪.‬‬

‫كال التعريفين ينظر للمبدأ على أنه موقف سلبي ‪ ,‬إال أن هذا يخالف واقع المبدأ الذي يتعدى‬
‫كونه موقف سلبيا ألنه يتطلب مواقف تتسم باإليجابية فهو يتطلب سلوك وليس امتناع عن‬

‫‪ 1‬أكرم محمود حسين البدو‪,‬محمد الصديق محمد عبد هللا‪ ,‬األثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة المفاوضات ‪ ,‬مجلة الرافدين‬
‫للحقوق ‪ ,‬المجلد ‪ ,13‬العدد‪ ,2015 ,49‬ص ‪408‬‬
‫السلوك ‪ ,‬أو حالة ذهنية بحتة حتى ولو كانت مصاحبة لعناص االهمال والرعونة وعدم اتخاذ‬
‫‪1‬‬
‫الحيطة الالزمة ‪ ,‬وبالتالي يصعب األخذ بكال الموقفين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تقييم المضمون الشخصي‬

‫يقتصر هذا التعريف على جانب من جوانب المعامالت ‪ ,‬إذ يصلحان لتعريف حسن النية في‬
‫مجال الحيازة واالوضاع الظاهرة‪ ,‬وال يفيانه حقه في مجال العالقات التعاقدية ‪ ,‬إلنه ينظر إليه‬
‫على أنه موقف سلبي‪ .‬فحسن النية اليقتصر على فكرة الجهل فقط بل يفرض على المتعاقد‬
‫‪2‬‬
‫السعي إلى مراعاة مصالح الطرف المقابل والمحافظة على توقعاته المعقولة ‪.‬‬

‫هذا و إن الواقع ليست فكرتا الجهل والغلط واالعتقاد المشروع وحدها التي تطل من سياق‬
‫التشريعات تعبر عن المفهوم الشخصي لحسن النية وإ نما ناك أفكار أخرى غيرهم كالغش ونية‬
‫اإلضرار بحقوق الغير ‪ .‬هذا وأن جميع هذه االفكار متداخلة فيما بينها ‪ ,‬إذ يصعب قصر‬
‫مهناه على الجهل بالعيب ‪ ,‬أو الغلط المبرر المشروع ‪ .‬إلن هذه العناصر وإ ن كان يمكن أن‬
‫ال تلتقي في بعض الظروف‪ ,‬إال أن التطابق بينها غير كامل فالجهل هو إنتفاء العلم بينما الغلط‬
‫هو العلم بما يخالف الحقيقة ‪ ,‬يفصل هذا المفهوم المبدا عن معناه األخالقي ألن االلتزام‬
‫الشخص حدود القانون ال يتعارض مع استغالل الشخص لكل الرخص التي يبيحها القانون بل‬
‫وال يتعارض مع استغالل الشخص للثغرت الموجودة في القانون والتي تسمح له بالحصول‬
‫على مزايا على حساب غيره أو تضييع من غيره بسبب حصوله علىيها فاألخالق ال تسمح‬
‫باقتناص فرصة اوشكت أن تحقق للغير بينما القانون يسمح بها طالما أن ذلك يتم في حدود‬
‫‪3‬‬
‫أحكامه ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬المضمون الموضوعي لمدأ حسن النية‬

‫أوال ‪ :‬التعريف بالمبدأ طبقا للمضمون الموضوعي‬

‫‪ 1‬زيتوني‪ 8‬فاطمة الزهراء ‪ ,‬بحث مضمون مبدأ حسن النية في إطار نظرية العقد ‪ ,‬مجلة القانون والعلوم السياسية ‪ ,‬العدد الرابع ‪,‬‬
‫‪ ,2016‬ص ‪434‬‬
‫‪ 2‬زيتوني‪ 8‬فاطمة الزهراء ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪438‬‬

‫‪ 3‬الهادي سعيد عرفة ‪,‬حسن النية في العقود ‪ ,‬مجلة البحوث القانونية كلية الحقوق ‪ ,‬جامعة المنصورة ‪ ,‬مصر‪ ,‬العدد األول‪,1986 ,‬‬
‫ص‪156‬‬
‫إن المفهوم الموضوعي لحسن النية هو المفهوم المعتمد في مجال االرادة التعاقدية ‪ ,‬والذي‬
‫يرى أن تكون حسن النية فكرة أخالقية خالصة تشكل قاعدة للسلوك ‪ ,‬تتطلب من األشخاص‬
‫مراعة النزاهة واالمانة في معامالتهم ‪.‬‬

‫فحسن النية بالمفهوم الموضوعي يرتبط بمدى مراعاة مقتضيات هذه الفكرة من عدمها ‪,‬‬
‫وتقوم مقتضيات حسن النية على دعائم أخالقية تتصف بالعموم والتجريد ‪ ,‬حتى ولو لم‬
‫يتضمنها نص تشريعي ‪ ,‬كالوفاء بالعهد ‪ ,‬األمانة‪ ,‬الثقة المشروعة ‪,‬شرف التعامل ‪ .‬ومخالفة‬
‫مقتضياتحسن النية تتحقق لمجرد صدور التصرف على خالف ماتقتضي بت تلك المقتضيات ‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫دون النظر إذا كان المخالف يعلم بالمقتضى الذي خالفه من عدمه ‪.‬‬

‫يفرض المشرع هذا المفهوم لتقدير حسن النية في المادة ‪ 111‬قانون مدني جزائري الخاصة‬
‫بتفسير العقد ‪ ,‬حيث يجب االستهداء بما يجب أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وهذه‬
‫إشارة إلى مبدأ حسن النية الذي يستلزم مثل هذه األمانة والثقة ‪ .‬وفي نظرية الغلط في بيان‬
‫جوهر الصفة ‪ ,‬حسب المادة ‪ 82‬قانون مدني جزائري الفقرة الثانية ( يعتبر الغلط جوهريا‬
‫باألخص إذا وقع في صفة لشيء يراها المتعاقدان جوهرية أو يجب اعتبارها كذلك نظرا‬
‫لشروط العقد ولحسن النية ) ‪.‬وفي بيان نطاق التمسك بالغلط حسب المادة ‪ 85‬قانون المدني‬
‫حيث جاء فيها (ليس من وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض نع مايتقاضى بت‬
‫حسن النية)‪ .‬وتضيف الفقرة الثانية ويبقى باألخص مالزما بالعقد قصد إبرامه إذ أظهر‬
‫الطرف اآلخر استعداده لتنفيذ هذا العقد‪ .‬وفي تنفيذ العقد حسب المادة ‪ 107‬فما يعتبر شريعة‬
‫المتعاقدين هو روح العقد وليس حرفيته فالقاضي في تفسيره للعقد يأخذ بالعبارات الواضحة‬
‫‪2‬‬
‫بشرط أن تتفق مع حقيقة القصد المشترك للمتعاقدين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تقييم المضمون الموضوعي للمبدأ حسن النية‬

‫إن المفهوم الموضوعي هو األقرب لتحديد مبدأ حسن النية ‪ ,‬إذ ان أكثر ما يبحث عنه‬
‫المتعاقدين في نطاق العالقة العقدية ‪ ,‬هو أن يفي المتعاقد بالتزاماته بمراعاة مقتضيات حسن‬
‫النية ‪ ,‬ومن ثم فإن اي خطأ ولو باإلهمال قد يفيد سوء نية المتعاقد المهمل ‪.‬‬

‫‪ 1‬زيتوني‪ 8‬فاطمة الزهراء ’ المرجع السابق ‪,‬ص ‪440‬‬


‫‪ 2‬زيتوني‪ 8‬فاطمة الزهراء ‪ ,‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪441‬‬
‫كما أن مصطلح النزاهة و األمانة وشرف التعامل يعبران عن مبدأ حسن النية بالمفهوم‬
‫الموضوعي ‪ ,‬وبهذا المعنى حسن النية هو أداة في يد القاضي يتخل من خاللها لضمان توان‬
‫‪1‬‬
‫العالقة العقدية ولضمان التزام طرفي التعاقد بالصدق واألمانة ‪.‬‬

‫لذلك اليقف حسن النية بالمفهوم الموضوعي عند الجهل أو إنتفاء العلم ‪ ,‬إنتفاء الغش‪ ,‬أو عدم‬
‫اإلضرار باآلخرين ‪ ,‬بل وعدم إلحاق الضرر باآلخرين نتيجة اإلهمال وعدم االحتياط ‪ ,2‬إذ أن‬
‫القانون يستوجب االلتزام بالسعي نحو التحري واالستعالم ‪ ,‬واالستقصاء‪ .‬وهو التزام قانوني‬
‫ينل االخالل به منزل سوء النية ‪ .‬كما ان االهمال أو عدم االحتياط إن كان يشكل موقفا سلبيا‬
‫إال أنه كأي فعل أو ترك يتحرك بالنية قد تكون حسنة وقد تكون سيئة ‪ ,‬رغم أن هذه النية لم‬
‫تتجه إلى االضرار بالغير بشكل عمدي‪ ,‬إال أنها قصرت وأهملت ‪ ,‬حين كان يجب أن تتخذ‬
‫موقف إيجابيا ‪ ,‬لذلك تتخذ صفة السوء ‪ .‬فالمتعاقد حتى يكون حسن النية ال يكفي منه أن تنتفي‬
‫نية اإلضرار لديه بل يجب أن يتيقض ويتبصر بحيث ال يضر بالمتعاقد اآلخر دون قصد ‪.‬‬
‫فالعبرة عند البحث في حسن النية ليس حسن النية الذانية ‪ ,‬بل مايترتب على المبدأ من‬
‫‪3‬‬
‫تطبيقات عملية في نطاق العقد‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬وظيفة مبدأحسن النية في مرحلة المفاوضات‬

‫أوال ‪ :‬حسن النية مبدأ أساسي تقوم عليه المفاوضات العقدية‬

‫يعد مبدأحسن النية من المبادئ التوجيهية المهيمنة على مرحلة المفاوضات العقدية منذ بدئها‬
‫لحين انتهائها ‪,‬ويفرض المبدأ على عاتق األطراف المتفاوضة التزامات تكفل تنوير االرادة‬
‫‪4‬‬
‫وتبصيرها‪ ,‬على نحو يمكن معه ألطرافها تقدير مدى اشباع هذه الصفقة لرغباتهم من عدمه‪.‬‬

‫ولقد عرف بعض الفقه االلتزام بحسن النية بأنه ‪ ":‬التعامل بصدق واستقامة مع الطرف اآلخر‬
‫بصورة تبقي ممارسة الحق ضمن الغاية المفيدة التي تم من أجلها التفاوض والتزام بها كل من‬
‫طرفي التفاوض ‪ ,‬بحيث ال تؤدي إلى االضرار بالطرف األخر دون مسوغ قانوني ’ بل‬

‫‪ 1‬زيتوني فاطمة الزهراء ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪442/443‬‬


‫‪Lyoen –caen ,de l'évolution de la notion de bonne foi, R.T.D,civ , 1946,p83 2‬‬
‫‪ 3‬محمود فياض ‪ ,‬مدى التزام األنظمة القانونية المقارنة بمبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض على العقد ‪ ,‬مجلة الشريعة والقانون ‪,‬‬
‫العدد ‪ ,54‬جامعة اإلمارت العربية المتحدة ‪ ,2013 ,‬ص‪231‬‬
‫‪ 4‬بعيرات شرف علي خالد‪ ,‬آثار اإلخالل بمبدأ حسن النية في مرحلة المفاوضات العقدية ‪ ,‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون‬
‫الخاص ‪ ,‬تخصص قانون مدني ‪,‬كلية القانون ‪ ,‬جامعة اليرموك ‪ ,‬إربد ‪,‬األردن ‪ ,2018-2017 ,‬ص ‪.114‬‬
‫يتوصل كل الطرفين إلى حقه بأمانة "‪ ,‬ويتبين من هذا التعريف أنه يجب على كل مفاوض أن‬
‫ينفذ التزامه بشكل يستتفيد منه المفاوض األخر بحيث ال يقف عند التنفيذ الحرفي اللتزاماته ‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫وإ نما يتم هذا التنفيذ بنية إفادة الغير‪.‬‬

‫وعليه فإنه إذ قام كل طرف من أطراف التفاوض بإبداء حسن النية اتجاه الطرف األخر ‪ ,‬هذا‬
‫ماسيوفر الثقة المتبادلة بين األطراف وبالتالي سيساهم هذا إلى التفااوض والتعاقد بشكل سليم ‪,‬‬
‫والعكس من ذلك وفرضا أن السلوك المعيب خالل المفاوضات‪ ,‬والذي يخالف مبدأ حسن النية‬
‫أثناء التفاوض ويؤدي إلى قطع المفاوضات العقدية دون وجود سبب قانوني ‪ ,‬فإنه يترتب عليه‬
‫ضرر وجب جبره بعد ذلك‪.‬‬

‫وهذا مادفع بالمشرع الفرنسي إلى تكريس مبدأحسن النية في المرحلة السابقة على العقد ‪,‬‬
‫وهي مرحلة التفاوض ‪ ,‬وكذلك عند إبرام العقد ‪,‬فضال عن تنفيذه ‪ ,‬وهو مايعني أن التقيد بهذا‬
‫المبدأ قد بات التزاما قانونيا يشمل كافة مراحل العقد بدأ من التمهيد له إلى ابرامه إلى تنفيده ‪,‬‬
‫وهو ماعبرت عنه نص المادة ‪ 1104‬من القانون المدني الفرنسي المعدل بموجب األمر‬
‫‪ 2016/131‬والذي دخل حيز التطبيق في ‪ , 01/10/2016‬إذ تنص المادة السالفة الذكر على‬
‫أنه ‪ ":‬يجب ان يتم بحسن نية كل من التفاوض على العقود وابرامها وتنفيذها "‪ ,‬وذهبت الفقرة‬
‫الثانية من المادة ‪ 1104‬من ذات القانون بجعل مبدأحسن النية من النظام العام ‪ ,‬وذلك دعما‬
‫للثقة في المعامالت‪ ,‬وقد حلت المادة ‪ 1104‬محل الفقرة الثالثة من المادة ‪ 1134‬من التقنين‬
‫المدني الفرنسي قبل التعديل سنة ‪ 2016‬والتي تقابلها المادة ‪ 107‬من التقنين المدني الجزائري‬
‫والتي تقصر حدود مبدأ حسن النية على مرحلة تنفيذ العقد ‪ ,‬على أن التقيد بحسن النية في‬
‫المرحلة قبل العقدية ال يعني بالضرورة وجوب التفاوض قبل إبرام أي عقد ‪ ,‬بل وجب االتزام‬
‫بحسن النية حال التفاوض على العقد ‪ ,‬وهذا مايتضح بما جاء من نص المادة ‪ 1112‬من‬
‫التقنين المدني الفرنسي والتي تقضي صراحة بأنه ‪ ":‬يعد جائزا كل من الدعوة إلى التفاوض‬
‫‪2‬‬
‫قبل التعاقد ومباشرته وقطعه ‪ ,‬مع مراعاة مقتضيات حسن النية " ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دور مبدأ حسن النية في مرحلة المفاوضات‬

‫‪ 1‬ذكرى محمد حسين ‪ ,‬إستبرق محمد حمزة ‪ ,‬التززامات أطراف التفاوض في عقودالتجارة الدولية ‪,‬مجلة المحقق حلي للعلوم‬
‫القانونية والسياسية ‪ ,‬جامعة بابل ‪ ,‬المجلد السادس ‪ ,‬العدد الرابع ‪ ,2014 ,‬ص ‪288‬‬
‫‪ 2‬بن منصور صالح ‪ ,‬عثماني بالل ‪ ,‬تأثير مبدأ حسن النية عبر المراحل المختلفة للعقد ‪ ,‬المجلة االكاديمية للبحوث القانونية والسياسية‬
‫‪ ,‬جامعة بجاية ‪ ,‬المجلد السادس ‪ ,‬العدد الثاني ‪ ,2022 ,‬ص ‪552‬و‪553‬‬
‫إن عملية التفاوض أو المرحلة السابقة على العقد ‪ ,‬تعد من أهم مراحل العقد و أخطرها على‬
‫اإلطالق‪ , 1‬وبالرجوع إلى األصل فالشخص مطلق الحرية في ان يتعاقد او ال يتعاقد ‪ ,‬أو‬
‫يتفاوض أو ال يتفاوض ‪ ,‬كما أن للشخص الحق في االنسحاب من التفاوض ‪ ,‬على أن ال‬
‫يترتب على هذا االنسحاب ضرر للطرف اآلخر ‪ ,‬ولما اصبح التفاوض عملية مكلفة في كثير‬
‫من األحيان ‪ ,‬فإن اإلطراف الراغبة في إجراء عقد ما تلجأ غلى العقود التمهيدية لتسهيل عملية‬
‫التفاوض ‪ ,‬وعقد التفاوض بحسن نية هو من اهم العقود حيث يضمن جدية اإلطراف‬
‫المتفاوضة‪.‬‬

‫يؤدي مبدا حسن النية في مرحلة التفاوض دور مهم وفعال فالمقصود منه هو ترسيخ مبادئ‬
‫الصدق واالمانة والثقة والصراحةو الشفافية وعدم الغش واالحتيال ‪ ,‬حفاظا على مصلحة‬
‫األطراف في إدارة المفاوضات واإلستمرار في إنجاحها بشتى الطرق ‪ ,‬في الوقت المحدد لكل‬
‫مرحلة من مراحل التفاوض ‪ ,‬وذلك بتقديم المقترحات والحلول المقنعة بالوسائل المشروعة‬
‫والمقبولة من طرفي التفاوض ‪.‬‬

‫إن مبدأ حسن النية في التفاوض ‪ ,‬إو حتى في مرحلة تنفيذ العقد ‪ ,‬فضال عن دوره في بث‬
‫الطمأنينة في نفوس األطراف ‪ ,‬فهو ينشأ قاعدة قانونية عامة اساسية في حالة اإللتزام‬
‫المشكوك فيه أو الذي يصعب تكييفه كما أن إخالل أحد أطراف التفاوض بهذا المبدأ خالل‬
‫‪2‬‬
‫فترة التفاوض على العقد يكون بسلوكه هذا مسؤوال عما يسببه من ضرر للطرف اآلخر‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬االلتزام باإلعالم والنزاهة‬

‫‪ 1‬حليس لخضر ‪ ,‬مرحلة المفاوضات العقدية ‪ ,‬مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية ‪ ,‬عدد‪ , 01‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية جامعة يحي فارس ‪ ,‬الجزائر ‪ , 2017 ,‬ص‪167‬‬
‫‪ 2‬مزاي ليدية ‪ ,‬مزياني زينة ‪ ,‬مبدأحسن النية في إبرام التصرفات القانونية ‪ ,‬مذكرة ماستر ‪ ,‬تخصص قانون خاص شامل ‪ ,‬فرع‬
‫قانون خاص ‪ ,‬قسم قانون خاص ‪ ,‬كلية الحقوق والعلوم السياسية ‪ ,‬جامعة عبد الرحمان ميرة ‪ ,‬بجاية ‪ ,2021/2022 ,‬ص ‪15/16‬‬
‫الفرع األول ‪ :‬االلتزام باالعالم ببيانات حول العقد‬

‫أوال ‪ :‬أساس االلتزام باالعالم‬

‫يظهر للوهلة األولى ان ال يمكن القول بوجود التزام يقع على عاتق أي شخص يجبره على‬
‫إحاطة الطرف في مرحلة التفاوض بظروف العقد ‪ ,‬فكل شخص يجبر عانى التحري عن ذلك‬
‫بنفسه أما االعالم والنصيحة فال تعدو أن تكون واجبات اخالقية ال يمكن لها أن ترقى إلى‬
‫مرتبة االلتزام القانوني فكل طرف ال يلتزم اتجاه الطرف اآلخر إال بما ارتضاه ‪ ,‬وبالمقدار‬
‫الذي اأراده ‪ ,‬غير أن مرحلة ماقبل التعاقد أصبحت تعرف اليوم التزاما حقيقيا يقع على عاتق‬
‫‪1‬‬
‫المتفاوض يمثل في االلتزام باعالم الطرف اآلخر عن كل مايعرفه بشان ظروف التعاقد ‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقه حول أساس هذا االلتزام ‪ ,‬فذهب جانب منه العتباره من قواعد األخالق أما‬
‫جانب آخر فيرى أن أساس االلتزام باالعالم يعود إلى قصور في نظرية عيوب اإلرادة في‬
‫تحقيق هدفها ‪ ,‬فالكتمان أو السكوت تبعا لهذه النظرية ال يسمح للمتعاقد المخدوع طلب إبطال‬
‫العقد أو التعويض عما اصبه من ضرر ‪ ,‬غير أن حقيقة األمر تظهر أنه إلى جانب اإلرادة‬
‫المعيبة هناك ما يعرف " باالرادة غير المتكافئة " ‪ ,‬والتي تؤدي بدورها إلى التوزان في‬
‫العقد ‪ ,‬فالجهل والنقص في المعلومات تؤدي إلى اختالل في التزامات األطراف‪ , 2‬الزم‬
‫المشرع الجزائري المتدخل بهذا االلتزام اتجاه المستهلك من خالل المادة ‪ 17‬من قانون حماية‬
‫‪3‬‬
‫المستهلك وقمع الغش‪.‬‬

‫أما من الناحية القضائية ‪ ,‬فقد ألزمت محكمة النقض الفرنسية أطراف العقد بهذا االلتزام من‬
‫خالل قرار لها سنة ‪ , 2006‬أين قضت بوجود التزام باالعالم قبل التعاقدي في نزاع بين‬
‫الوكالة السياحية واألسفار و أحد المسافرين ‪ ,‬حيث أكدت الغرفة المدنية األولى انه على‬
‫الوكالة السياحية واالسفار التي قامت ببيع تذكرة سفر األحد المسافرين ‪ ,‬أن تلتزم بإعالمه‬
‫‪4‬‬
‫بشروط وإ جراءات الدخول إلى الدولة التي يريد السفر إليها ‪.‬‬

‫‪ 1‬بن أحمد الحاج ‪ ,‬الفانون المدني الجزائري ورحلة المفاوضات العقدية ‪ ,‬مجلة القانون والعلوم السياسية ‪ ,‬العدد‪ , 02‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية ‪ ,‬جامعة الطاهر موالي ‪ ,‬سعيدة ‪ ,2015 ,‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 2‬ابن احمد الحاج ‪ ,‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪20‬‬
‫‪ 3‬المادة ‪ 17‬من القاون ‪ 03-09‬المؤرخ في ‪ 25/02/2009‬المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش جريدة رسمية الجزائرية عدد‪15‬‬
‫المؤرخ في ‪08/03/2009‬‬
‫‪ 4‬عثماني بالل ‪ ,‬القاضي طرف جديد في العقد المدني ‪ ,‬المجلة االكاديمية للبحث القانوني ‪ ,‬المجلد ‪ , 17‬العدد‪ , 01‬كلية الحقوق‬
‫والعلوم السياسية ‪ ,‬جامعة بجاية ‪ ,‬بجاية ‪ ,2017 ,‬ص ‪432‬‬
‫بالنسبة للتشريع الجزائري‪ ,‬فلم يرد نص صريح في القانون المدني يفرض االتزام باالعالم‬
‫خالل مرحلة التفاوض على العقد ‪ ,‬غير أن وجود هذا االلتزام يستند إلى نظرية عيوب‬
‫الرضا ‪ ,‬وقد اعتبر المشرع كتمان واقعة مؤثرة في التعاقد تدليسا ‪ ,‬تجيز للمدلس عليه إبطال‬
‫العقد ‪ ,‬وفق نص المادة ‪ 86‬فقرة ‪ 02‬من القانون المدني الجزائري ‪1 ,‬وهو ماسارت عليه‬
‫المحكمة العليا الجزائرية ‪ ,‬من ان المبدأ هو اعتبار السكوت العمدي في واقعة مؤثرة في‬
‫‪2‬‬
‫التعاقد تدليسا ‪.‬‬

‫كما أكد المشرع الجزائري على هذه الحماية بمقتضى المادة ‪ 04‬من قانون رقم‪02-04‬‬
‫المؤرخ في ‪ , 03/06/2004‬والذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية ‪ ,3‬والتي‬
‫قضت بأن يتولى البائع وجوبا إعالم الزبائن بأسعار وتعريفات السلع والخدمات وبشروط البيع‬
‫‪ ,‬وهو نفس االتجاه الذي سلكه المشرع الجزائري حماية للمستهلك في القانون المتعلق بوسم‬
‫‪5‬‬
‫المنتوجات‪ 4‬والقانون المتعلق بالتأمينات ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االلتزام باالعالم من مقتضيات مبدأ حسن النية‬

‫يفرض مبأحسن النية عل كل طرفي المفاوضات االلتزام باالفضاء بكل مالديه من معلومات‬
‫وبيانات تتعلق بالعقد محل المفاوضات والتي من شأنها أن تؤثر على قرار الطرف اآلخر‬
‫باالستمرار في المفاوضات وإ برام العقد ‪ ,‬لذا يقع على عاتق المهني وغيرالمهني تبصير‬
‫الطرف المتعاقد األخر بمعلومات يفترض أنه على علم بها حتى يكونا على قدم المساواة في‬
‫عرفة ضمون العقد ومداه والتي من شأنها إيجاد رضا مستنير وكامل حول جزئيات محل العقد‬
‫‪.‬‬

‫وعلى ذلك يمكن لنا القول أن االتزام بالعالم له جانب قانوني غير محسوس يتعلق باالتزام‬
‫بالعالم بحد ذاته ‪ ,‬وجانب قانوني محسوس يتعلق بالعناصر الواجب على المتعاقدين أن يبنوا‬

‫‪ 1‬المادة ‪ 86‬من االمر رقم ‪ 58-75‬المؤرخ في ‪ 26/09/1975‬المتضمن القانون المدني جريدة الرسمية الجزائرية ‪ ,‬العدد ‪78‬‬
‫الصادر في ‪ , 30/09/1975‬المعدل والمتمم ‪.‬‬
‫‪ 2‬قادري عبد المجيد ‪ ,‬عمراني مراد ‪ ,‬التزامات األطراف في المرحلة السابقة للتعاقد ‪ ,‬مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية‬
‫والسياسية ‪ ,‬المجلد ‪ , ,‬العدد الثاني ‪ ,‬جامعة باجي مختار ‪ ,‬عنابة ‪,2019 ,‬ص‪ 797‬و‪798‬‬
‫‪ 3‬المادة ‪ 04‬من القانون رقم ‪ 04/02‬المرجع السابق‬
‫‪ 4‬المرسوم التنفيذي رقم ‪ 90/367‬المؤرخ في ‪ 10/11/1990‬والمتعلق ب الوسم وتقديم المواد الغذائية المعدل المتمم بالمرسوم‬
‫التنفيذي رقم ‪ 05/484‬المؤرخ في ‪ 22/12/2005‬جريدة الرسمية الجزائرية العدد‪ 83‬الصادرة في ‪. 2512/2005‬‬
‫‪ 5‬األمر ررقم ‪ 95/07‬المؤرخ في جانفي ‪ 1995‬المتعلق بالتأمينات الجرريدة الرسمية الجزائرية ‪ ,‬العدد‪ 13‬الصادرة في‬
‫‪ 08/03/1995‬المعدل والمتمم‬
‫معلوماتهم حولها‪ ,‬مع التأكيد على أن هذا االلتزام ببعديه المحسوس وغير المحسوس ال يمكن‬
‫االلتفاف جوله ‪ ,‬نظرا ألن المشرع أكد أن الطرفين ال يمكنهما تقييد أو استبعاد هذا االلتزام ‪.‬‬
‫وبالتالي فإن اإلخالل بهذا الملدأ يستوجب المسؤولية العقدية ‪ ,‬وذلك للحد من حاالت اختالل‬
‫التوان في المعرفة بين األطراف المتفاوضة في العقود ‪ ,‬بيحث نجد االقنون المدني الفرنسي‬
‫ينص في المادة ‪ 1383‬على أن كل شخص يكون مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه ال بفعله‬
‫بحسب ‪ ,‬بل أيضا بإهماله أو عدم تبصيره ‪ ,‬كما أن المشرع الجظائري ركز كثيرا على‬
‫االتزام باالعالم السابق على التعاقد باعتباره أحد مظاهر التقيد بمبدأ حسن النية في مرحلة‬
‫المفاوضات ‪ ,‬ولقد كرس المشرع هذا االلتزام بصفة صريحة في المادة ‪ 04‬من قانون ‪-04‬‬
‫‪ 02‬المؤرخ في ‪ , 23/06/2004‬والتي تقتضي بأن ‪ ":‬يتولى البائع إعالم الزبائن بأسعار‬
‫وتعريفات السلع والخدمات وبشروط البيع "‪ ,‬وهو ما أكده المشرع الجزائري في المرسوم‬
‫‪ 367-90‬المؤرخ في ‪ , 10/11/1990‬المتعلق بالوسم وتقديم المواد الغذائية على‬
‫‪1‬‬
‫واجباإلعالم المادي للمستهلك ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬مفهوم مبدأ النزاهة‬

‫أوال ‪ :‬تعريف النزاهة‬

‫بالرجوع إلى أحكام الفقه ندها تعرف النزاهة بانها تشمل على قيم الكفاءة واالحترام ‪,‬‬
‫والحفاظ على االتزامات ‪ ,‬إلى جانب السلوك االخالقي كما تمتد أهمية النزاهة لتشمل مجال‬
‫‪2‬‬
‫العقود ‪ ,‬حيث تعتبر النزاهة العقدية في العقود هي المكمل الضروري للعدالة العقدية ‪.‬‬

‫إن التركيز على التزام النواهة الذي يقع لى عاتق كل متعاقد معناه عدم ترك المجال مفتوح‬
‫للغش والكتمان الذي غرضه غش المتعاقد اآلخر من جهة ‪ ,‬ومن جهة أخرى أنه ال يقع على‬
‫المتعاقد فقط عدم اإلضرار المتعاقد اآلخر بالسلوكيات السلبية بل يقع عليه أن يسعى إلى‬
‫‪3‬‬
‫إيجاد تعاقدي تطغى عله فكرة التالحم والتماسك وذلك تكريسا لمبدأ حسن النية ‪.‬‬

‫‪ 1‬بن منصور محمد ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪553‬‬


‫‪ 2‬بن الشيخ راضية ‪ ,‬الشفافية وعالقتها بنزاهة الممارسات التجارية ‪ ,‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والسياسية ‪ ,‬المجلد ‪ , 57‬العدد‬
‫‪ , 05‬جامعة الجزائر ‪ ,2020 ,‬ص ‪.413-412‬‬
‫‪ 3‬نساخ بولقان فطيمة ‪ ,‬أخالقية العالقة العقدية ‪ ,‬لمجلة الجزائرية لللعوم القانونية والسياسية ‪ ,‬العدد‪ , 04‬كلية الحقوق ‪ ,‬جامعة‬
‫الجزاائر ‪ ,‬ص ‪304‬‬
‫ويضيف بعض الفقه إلى أن االلتزام باالمانة يقتضي أن يكون المتعاقد نزيها وهذا االلتزام‬
‫معتمد عليه إلثراء العقد وهو من االلتزامات التي تدخل في نظرية توابع العقد والتي تستند‬
‫في أساسها على حسن النية ‪,‬و إذا كان مبدأحسن النية يحمي من البنود المخفية فإن االلتزام‬
‫بالنزاهة يرسم حدود والتصرف بين المتعاقدين ‪ ,‬فيمنع المتعاقد الذي يحرر العقد مسبقا من‬
‫فرض شروط لم يعلمها ةلم يقبلها المتعاقد معه ‪ ,‬ويكون نفاذ الشروط في مواجهة المتعاقدين‬
‫‪1‬‬
‫مرتبطا بقواعد الشفافية ‪.‬‬

‫من هذا نذكر مثال الشروط التي تكتب بقياس صغير ال يمكن االنتباه إليها أو يصعب قرائتها‬
‫فتتضارب المصالح العقدية المشتركة بين المتعاقدين و ينتج عنه ال محال نزاعات بين‬
‫‪2‬‬
‫األطراف ولهذا تقتضي قواعد األخالق ‪ ,‬أن يكون أساس العالقة العقدية ألتزامه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االلتزام بالنزاهة من مقتضيات مبدا حسن النية‬

‫يقتضي حسن النية نزاهة المتعاقد في تنفيذ التزامه ‪ ,‬ويقتضي بذلك انتفاء نية اإلضرار والغش‬
‫وإ نتفاء الخطأ الجسيم ‪ ,‬وغنتفاء التعسف في استعمال الحق ‪.‬‬

‫‪-/1‬إنتفاء الغضرار والغش ‪:‬‬

‫إن اإلخالل المتعمد بااللتزامات ال يدل على سوء النية في كل األحوال ‪ ,‬بل لثبوت سوء النية‬
‫قانونا يقتضي ان يتم اإلخالل بااللتزامات بصورة إرادية أوال ‪ ,‬وأن يكون هناك هدف آخر‬
‫أبعد يقصده المخل بإلتزامته ‪ ,‬وهذا الهدف هو اإلضرار بالطرف اآلخر و بالتالي هذا الهدف‬
‫‪3‬‬
‫هو الذي يصبغ صفة السوء على نية من يخل التزامه ‪ ,‬فسوء النية إذا هو نية تسبب الضرر‪.‬‬

‫ولهذا السبب حسن النية في العقود يقتضي إنتفاء نية اإلضرار ‪ ,‬فالمتعاقد الذي يقصده‬
‫اإلضرار بالمتعاقد اآلخر يعتبر سيء النية ‪ ,‬أما الذي لم يقصد أن يضر بالطرف اآلخر في‬
‫العقد يعتبر حسن النية ‪ ,‬والنية في اللغة تعني إرادة متجهة نحو هدف ما أو الرغبة في تحقيق‬
‫نتيجة معينة وبالتالي نيسة اإلضرار تعد متوفرة والخطأ العمدي محققا كلما ارتكب العمل‬

‫‪ 1‬بن الشيخ راضية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪413‬‬


‫‪ 2‬عنتري بوزار شهناز ‪ ,‬التصنيف في العقود ‪ ,‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير فرع العقود والمسؤولية ‪ ,‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪,‬‬
‫جامعة يوسف بن خدة الجزائر‪ ,2014 , 1‬ص ‪.97‬‬
‫‪ 3‬بن يوب هدى ‪ ,‬مبدأ حسن النية في العقود ‪ ,‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير ‪ ,‬تخصص قانون العقود المدنية ‪ ,‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية ‪ ,‬جامعة ‪ 8‬ماي ‪ , 1945‬قالمة ‪ ,2013 ,‬ص ‪142‬‬
‫وكان الضررالناشئ عنه أمرا الزما ‪ ,‬ال يمكن تصور عدم حدوثه عن هذا العمل ‪ ,‬أي أن‬
‫النتيجة (الضرر) لم تكن لتحدث لوالل مبادرة الشخص بهذا العمل ‪ ,‬وال يشترط حتما أن‬
‫تتجه النية إلى الغضرار بالغير مباشرة ‪ ,‬بل يكفي أن تتتجه إلى االنتفاع الشخصي عن طريق‬
‫‪1‬‬
‫اإلضرار بالغير‪.‬‬

‫واإللتزام بالنزاهة يفرض كذلك على المتعاقد أن يتعامل مع المتعاقد اآلخر دون غش منه‬
‫وهذا يؤدي بدوره إلى القول بأن مبدأ حسن النية يقتضي من المدين أن يمتنع عن كل غش‬
‫بالدائن أثناء التنفيذ ‪ ,‬كذلك الحال أيضا بالنسبة للدائن في مواجهة المدين ‪ ,‬ألن الغش يعتبر‬
‫مرادفا للخطأ العمدي الذي يتمثل في االنتفاع عن تنفيذ االلتزام الناشئ عن العقد ‪ ,‬وبالتالي‬
‫يعتبر الغش في نظرية االلتزام العقدي مرادفا إلصطالح سوء النية‪ ,‬رغم أن الخطأ العمدي‬
‫‪2‬‬
‫ينطوي دائما على سوء النية ‪ ,‬أما الغش ال يشترط فيه توافر قصد اإلضرار بالدائن ‪.‬‬

‫‪-/2‬إنتفاء الخطأ الجسيم‬

‫قسم فقهاء القانون الفرنسي القديم الخطأ العقدي إال ثالث درجات ‪ ,‬جسيم ويسير وتافه ‪,‬‬
‫فالخطأ الجسيم هو الخطأ الذي ال يرتكبه أشد الناس إهمال ‪ ,‬فهو أقرب إلى العمد ويلحق به ‪,‬‬
‫والخطأ اليسير هو الذي ال يرتكبه المتوسط أو المعتاد من الناس ‪ ,‬والخطأ التافه هو الذي ال‬
‫يرتكبه الشخص الحازم الحريص في أموره ‪ ,‬وبالرغم من أن الفقه الحديث قد هجر نظرية‬
‫‪3‬‬
‫تدرج الخطأ ‪ ,‬إال أن لها بعض المظاهر في القانون المدني ‪.‬‬

‫فقد نصت المادة ‪ 824‬من القانون المدني الجزائري على انه ‪ ":‬يفرض حسن النية لمن‬
‫يجوز حقا وهو يجهل أنه يتعدى على حق الغير إال إذا كان هذا الجهل ناشئا عن خطأ جسيم‬
‫" ‪ ,‬وبالتالي ال يكون الشخص حسن النية عند إنتفاء الخطأ الجسيم ‪ ,‬أما عند القيام بارتكاب‬
‫هذا النوع من الخطأ يعد الشخص سيء النية ‪ ,‬ذلك ألن الخطأ الجسيم ال يع حتى من‬
‫الشخص المهمل ‪ ,‬فهو يقترب من الفعل أو الخطأ العمد ويلحق بت الحكم ‪ ,‬فجرى العمل على‬
‫تسويته بالخطأ العمدي ‪ ,‬إلن إثبات العمد غاليا ما يكون أمرا صعبا ‪ ,‬ولذلك يقوم بإثبات الخطأ‬
‫الجسيم قرينة على توافر العمد في الخطأ‪ ,‬وقيل أيضا بأن الخطأ الجسيم ألحق بالغش تأثرا‬

‫بن يوب هدى ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪142‬و‪143‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪144‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪148‬‬ ‫‪3‬‬


‫بالقاعدة الالتينية التي تقول (‪ , )clapa latta dolo aequiparateur‬أي أن الخطأ الجسيم‬
‫يساوي الغش ‪ ,‬رغم أن هناك فرقا بينهما ‪ ,‬أي أن الغش ينطوي على سوء النية ’ بينما الخطأ‬
‫الجسيم قد يقع بحسن نية ‪ ,‬وقد ألحق المشرع الجزائري الخطأ الجسيم بالخطأ العمدي في‬
‫بعض نصوصه ‪ ,‬كما هو الشأن في الفقرة الثانية من المادة ‪ 172‬والفقرة الثانية من المادة‬
‫‪ , 182‬والمادة ‪ 185‬من القانون المدني الجزائري ‪ ,‬كما خص الخطأ العمدي ببعض األحكام‬
‫‪1‬‬
‫في نصوص أخرى ‪.‬‬

‫‪-/3‬إنتفاء التعسف في استعمال الحق‬

‫إن استعمال الحق بسوء النية هو تعسف في استعمال الحق ‪ ,‬ونظرية التعسف في استعمال‬
‫الحق من النظريات العامة في القانون المدني ‪ ,‬فجميع الحقوق يمكن أن يرد عليها التعسف‬
‫ومن ثم فهو غير جائز‪ ,2‬وبالتالي تبسط هذه النظرية أحكامها على جميع الحقوق في نطاق‬
‫دائرة القانون المدني محددة كانت أو مجرد حريات ‪ ,‬وقد سبقت الشريعة اإلسالمية القوانين‬
‫الوضعية في األخذ بهذه النظرية ‪ ,‬والتعسف في استعمال الحق هو مظهر من مظاهر حسن‬
‫النية في العقود ومن إحدى مقتضياته ‪.‬‬

‫وبذلك نظرية التعسف في استعمال الحق ‪ ,‬تحدد الطريقة التي يجب أن يسلكها صاحب الحق‬
‫في استعمال حقه بحسن النية ‪ ,‬لذا صرحت قوانين عديدة عن العالقة المباشرة بين مبدأ حسن‬
‫النية كفكرة كلية وبين االمتناع عن التعسف في استعمال الحق ‪ ,‬من ذلك نص المشرع‬
‫الجزائري في المادة ‪ 124‬مكرر من القانون المدني ‪ ,‬على التعسف في استعمال الحق كما يلي‬
‫‪ ":‬يشكل االستعمال التعسفي للحق خطأ السيما في الحاالت اآلتية ‪:‬‬

‫‪-‬إذ وقع بقصد االضرار بالغير ‪,‬‬

‫‪-‬إذ كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير ‪,‬‬

‫‪-‬إذ كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة ‪. ".‬‬

‫مزاي ليدية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪55‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنور سلطان ‪,‬الموجز في النظرية العامة لاللتزام ‪ ,‬دار المطبوعات الجامعية ‪ ,‬االسكندرية ‪ , 1998 ,‬ص ‪515‬‬ ‫‪2‬‬
‫كما نص في الفقرة األولى من المادة ‪ 691‬من القانون المدني على أنه ‪ ":‬يجب على المالك‬
‫أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد بملك الجار "‪.‬‬

‫وهناك تطبيقات عديدة للتعسف في استعمال الحق في تنفيذ العقود ‪ ,‬منها ‪:‬‬

‫‪-‬الفسخ التعسفي للعقد ‪ ,‬فهو مخالف لمقتضى حسن النية في العقود ‪ ,‬والفسخ التعسفي يمكن‬
‫توقعه في كافة أنواع العقود ‪ , ,‬وذلك بصرف النظر عن سبب الفسخ أكان بسبب عقد من‬
‫العقود غير الالزمة ام بسبب إخالل الطرف اآلخر بتنفيذ التزامته ‪.‬‬

‫‪-‬الشروط التعسفية في العقود ‪ ,‬هي أيضا تدل على الظلم والتعسف اتجاه المتعاقد ( خاصة إذا‬
‫كان مشتري عادي أو مستهلك )‪ ,‬والقانون المدني الفرنسي لم يعالج هذه النظرية ‪ ,‬أو على‬
‫األقل ظاهرة عقود اإلذعان ‪ ,‬أما القانونين المصري و الجزائري فقد نص كل منهما على‬
‫كيفية مواجهة الشروط التعسفية في عقد اإلذعان ‪ ,‬والتي يملك فيها أحد الطرفين قوة وخبرة‬
‫ومعرفة في مواجهة االطرف اآلخر الذي يفتقر إلى هذه المقومات وخاصة في عقود‬
‫االستهالك ‪ ,‬وفرض شروط جزائية تعسفية ترهق كاهل الطرف الضعيف الذي ليس في‬
‫وسعه إال قبول هذه الشروط أو رفضها دون أن يكون له الحق في مناقشتها ‪ ,‬وهو الذي يؤدي‬
‫بالضرورة إلى عدم المساواة بين طرفي العالقة التعاقدية مما يخل بالتوازن العقدي ‪ ,‬وبالتالي‬
‫يكون الشرط تعسفيا وباطال ‪ ,‬إذا كان مجحفا أو في غير مصلحة المستهلك بشكل مفرط‬
‫ومبالغ فيه ‪ ,‬بما يتنافى مع حسن النية الواجب في المعامالت ووفقا للمادة ‪ 110‬من القانون‬
‫المدني الجزائري ‪ ,‬يمكن للقاضي إذا رأى أن الشروط تعسفية ومجحفة بالنسبة للطرف‬
‫المذعون منها ‪ ,‬فيصبح العقد ساريا دون تطبيق هذه الشروط التعسفية ‪ ,‬ويقضي هذا النص‬
‫‪1‬‬
‫أيضا بأن كل اتفاق على غير ذلك يكون باطال بطالن مطلق ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬دور القاعدة األخالقية في العملية العقدية‬

‫المطلب األول ‪ :‬العدالة العقدية ( التوازن العقدي )‬

‫مزاي ليدية ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪ 56‬و‪57‬‬ ‫‪1‬‬


‫يعد التوازن العقدي هو هدف العملية التعاقدية ومقصد التشريعات على مر العصور ‪ ,‬ألنه‬
‫عقدا فقد قال‬
‫مرتبط بالعدالة ‪ ,‬وهذه األخيرة مرتبطة بالعقد ‪ ,‬ولعل العبارة الشهيرة " من قال ً‬
‫عدالً " ‪ ,‬هي تجسيد حقيقي لهذا االرتباط ‪ ,‬ورغم مكانة هذه العبارة وما تتمخض عنها من‬
‫قواعد قانونية تفرض المساواة على الجميع في العملية العقدية ‪ ,‬دون ثمة تفرقة أو محاباة ألحد‬
‫على حساب اآلخر ‪ ,‬نجد أن هذه العبارة ال تعبر عن الواقع الحقيقي للعقد ‪,‬فالعقد في حد ذاته‬
‫‪1‬‬
‫ال يرتب التزامات عادلة دائماً ألنه في النهاية تعبير عن إرادات غير متكافئة غالبا ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬دور القاعدة األخالقية في تحقيق التوازن العقدي‬

‫تهدف القاعدة االخالقية إلى وضع حد ألي تجاوز من طرف المتعاقد في استعمال حقه على‬
‫نحو يميل في نحو التعسف ‪ ,‬حيث تسعى هذه الوظيفة إلى إرساء نوع من الموازنة والوسيطة‬
‫في استعمال المتعاقد لحقوقه ‪.2‬‬

‫ويمكن التمييز بين حالتين لهذا الدور الحالة التي تتجه فيها نية الشخص مباشرة إلى اإلضرار‬
‫بالغير ‪ ,‬في هذه الحالة سوء نية المتعسف ثابتة بالنظر إلى إرادته وهو ماكرسه المشرع في‬
‫المعيار األول من معيير التعسف في استعمال الحق ‪ ,‬من خالل نص المادة ‪ 124‬مكرر من‬
‫القانون المدني الجزائري ‪ ,‬والحالة التي ال تتجه فيه نية الشخص إلى اإلضرار بالغير ‪ ,‬ورغم‬
‫ذلك فإن تصرفه تعسفي بالنظر إلى مخالفته لحسن النية حيث يتجلى دور حسن النية ‪-‬التي‬
‫هي قاعدة أخالقية – في تحقيق التوازن العقدي في هذه الحالة الثانية بإعتبارها وسيلة لتوقيع‬
‫الجزاء على أي خروج عن االعتدال سواء كان عمديا أم غير عمدي‪.‬‬

‫ومما سبق يتضح أن هناك عالقة وطيدة بين حسن النية – كقاعدة أخالقية – والتعسف في‬
‫استعمال الحق خاصة في نظرية العقد ‪ ,‬رغم الجدال الفقهي حول مدى إمكانية إعمال نظرية‬
‫التعسف في استعمال الحق في المجال العقدي ‪ ,‬إال أن الفقه الحديث المعاصر يشير إلى العديد‬
‫من حاالت التعسف في العقد ‪ ,‬كالتعسف في استعمال حق فسخ العقد في العقود ذات التنفيذ‬

‫‪1‬‬
‫‪SPITZ(J.F):"Quidit Contractuel dit juste ": Quelaues remarques sur une formule d'Alfred Fouillee ,‬‬
‫‪Rev. Trim.dr.civ .200.p281 ets.‬‬
‫‪ 2‬عثماني بالل ‪ ,‬أطراف العقد المدني بين الحق في تحقيق المصلحة الشخصية وااللتزام بحسن نية ‪ ,‬أطروحة دكتوراه ‪ ,‬تخصص‬
‫قانون ‪ ,‬كلية الحقوق والعوم السياسية ‪ ,‬جامعة مولود معمري ‪ ,‬تيزي وزو ‪ , 2018 ,‬ص ‪77‬‬
‫المستمر وغير محددة المدة ‪ ,‬والتي يكون فيها ألي طرف وفي أي وقت كان السلطة في فسخ‬
‫‪1‬‬
‫العقد ‪ ,‬دون أن يتم ذلك بالتعسف وفي حدود االلتزام بحسن النية ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬دور المفاوضات كوسيلة وقائية في تحقيق التوزان العقدي‬

‫أوال ‪ :‬أهمية المفاوضات في تحقيق التوازن العقدي‪9‬‬

‫األصل أن المراكز القانونية لألطراف العالقة التعاقدية تكون متكافئة ‪ ,‬فالعقد بمعناه الحقيقي‬
‫يعبر عن إراردات متكافئة ومتساوية‪ ,‬تبحث وتناقش شروط العقد بحرية ‪ ,‬لكن هذا التكافؤ‬
‫وهذه المساواة ال تعبر عن الواقع العملي الذي تغيب فيه التكافؤ والمساواة الفعلية سواء من‬
‫الناحية االقتصادية أو االجتماعية ‪ ,‬فبعد أن كان المتعاقدين يملكون حرية مناقشة العقد و‬
‫إخضاعه لمبدأ المساومة والمناقشة والمفاوضة ‪ ,‬اختلف األمر مع وجود عقود اإلذعان التي‬
‫ظهرت مع انتشار التطور االقتصادي وظهور الصناعات الكبيرة‪.‬‬

‫وعقود اإلذعان هي العقود التي يسلم فيها أحد الطرفين بشروط مقررة يضعها الطرف اآلخر‬
‫وال يسمح بمناقشتها ‪ ,‬وذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تون محل احتكار قانوني أو‬
‫فعلي أو تكون المنافسة محدودة النطاق بشأنها‪ 2,‬والتي أصبح أحد المتعاقدين فيها يستقل غالبا‬
‫بوضع شروط التعاقد مقدما وبشكل ال ُيسمح فيها بقبول المناقشة من الطرف اآلخر ‪.‬‬

‫لقد عالج المشرع هذا التفاوت في المراكز القانونية وعدم التكافؤ فيها في عقد اإلذعان بأن‬
‫قرروسيلة عالجية للطرف المذعن "الضعيف" تكفل له الحماية إذا وقع عليه تعسف من الطرف‬
‫األقى اقتصاديا وقانونيا ‪ ,‬فأجاز للقاضي تعديل الشروط التعسفية التي تضمنها العقد أو‬
‫البعض منها ‪ ,‬وهذا ما أمر بت المشرع المصري ‪ ,‬فنصت المادة ‪ 149‬على أنه ‪ ":‬إذا تم العقد‬
‫بطريق اإلذعان ‪ ,‬وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن‬
‫يعفي الطرف المذعن منها ‪ ,‬وذلك وفق لما تقضي بت العدالة ‪ ,‬ويقع باطال عمل اتفاق على‬
‫خالف ذلك ‪. ".‬‬

‫عثماني بالل ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪78‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد المنعم فرج الصدة ‪ ,‬عقود اإلذعان في القانون المصري ‪ ,‬رسالة دكتوراه ‪ ,‬مطبعة جامعة فؤاد األول ‪70 , 1946 ,‬‬ ‫‪2‬‬
‫ويالحظ أن الوسيلة التشريعية التي أقرها المشرع لحماية الطرف المذعن " الضعيف " في عقد‬
‫اإلذعان هي وسيلة عالجية وليست وقائية‪.‬‬

‫ونرى أن المفاوضات وإ خضاع العملية العقدية لها يحقق الحماية لها منذا البداية فتقيه من‬
‫االختالل وتجعله متوازنا ‪ ,‬لما تنطوي عليه مرحلة المفاوضات من أهمية في تحديد أهمومعظم‬
‫التزامات وحقوق طرفي العقد ‪ ,‬وفي هذا يقول أحد فقهاء في القانون المصري ‪ ":‬إن نجاح‬
‫العقد أو فشله مرهون بمستوى إعداد العقد في مرحلة المفاوضات ’ فكلما كان اإلعداد جيدا‬
‫كلما جاء العقد متوازنا ال يشوبه نقص أو غموض بما يكفل تنفيذه دون منازعات أو خالف ‪,‬‬
‫وعلى العكس من ذلك كلما كان اإلعداد رديئا جاؤ العقد غير متوازن ومشوبا بالثغرات‬
‫‪1‬‬
‫والغموض األمر الذي يفتح باب النزاع والصراع بين الطرفين مستقبال ‪".‬‬

‫ويقول آخر ‪ ":‬تحظى المفاوضات العقدية ‪ ,‬بأهمية بالغة من الناحية القانونية ‪ ,‬فهي تلعب دورا‬
‫وقائيا بالنسبة لمرحلة إبرام العقد ‪ ,‬كما أن حسن إدارة عملية المفاوضات امر يحد من‬
‫‪2‬‬
‫المنازعات في المستقبل ‪.".‬‬

‫يتبين مما تقدم أن المفاوضات لها دور في تحقيق التوازن العقدي ‪ ,‬فهي تمكن الطرفين‬
‫المتفاوضين من االطالع على كافة التفاصيل المتعلقة بالعقد ‪ ,‬والشروط وااللتزامات‬
‫المترتبة على عاتق أطراف التفاوض والمتصلة بالعقد المزمع غبرامه ‪ ,‬وهي بذلك تعبر عن‬
‫توافق إرادات األطراف المتفاوضة ‪ ,‬وتعبر عن رضائهم تعبثيرا حقيقيا ينعكس على العقد ‪,‬‬
‫فيتحقق له التوازن القانوني واالقتصادي ‪ ,‬كذلك تمتاز المفاوضات بأنها ال ترتب مسؤولية‬
‫‪3‬‬
‫على المتفاوض الذي يعدل عن تفاوضه ‪.‬‬

‫هذه الطبيعة التي تمتاز بها المفاوضات ‪ ,‬تظهر بما ال يدع مجاال للشك ورها الوقائي لمنع‬
‫اختالل التوازن العقدي ‪ ,‬ويتبين هذا الدور الوقائي للمفاوضات من خالل ما نصت عليه المادة‬
‫‪ 95‬من القانون المدني المصري والتي تنص على أنه ‪ ":‬إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل‬
‫الجوهرية في العقد ‪ ,‬واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ‪ ,‬ولم يشترطا أن العقد ال‬

‫‪ 1‬عبد العزيز المرسي حمود ‪ ,‬الجوانب القانونية لمرحلة التفاوض ذات الطابع التعاقدي ‪ ,‬دراسة مقارنة ‪ ,2005 ,‬ص ‪5‬‬
‫‪ 2‬محمد حسين عبد العال ‪ ,‬التنظيم االتفاقي للمفاوضات العقدية ‪ ,‬دراسة تحليلية مقارنة للوسائل القانونية لتأمين المفاوضات في‬
‫عمليات التجارة الدولية ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ , 2008‬ص ‪12‬‬
‫‪ 3‬عبد العزيز مرسى الحمود ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪58‬‬
‫يتم عن عدم االتفاق عليها ‪ ,‬اعتبر العقد قد تم ‪ ,‬وإ ذا قام خالف على المسائل التي لم يتم‬
‫االتفاق عليها ‪ ,‬فإن المحكمة تقضي فيه طبقا لطبيعة المعامالت وألحكام القانون والعرف‬
‫والعدالة"‪.‬‬

‫مفاد هذا النص أن االتفاق على المسائل الجوهرية في العقد و االحتفاظ بمسائل تفصيلية يتم‬
‫إرجاءها لإلتفاق عليها فيما بعد ’ فإن هذا ال يحول دون إتمام العقد شريطة أن ال يكون العقد‬
‫‪1‬‬
‫مرهونا باإلتفاق على هذه المسائل التفصيلية ‪.‬‬

‫هنا يتبين دور المفاوضات وأهميتها في تحقيق التوازن العقدي من خالل اعتبارها وسيلة‬
‫وقائية تحول دون اختالل العقد المزمع إبرامه ‪ ,‬إلنه في حالة الخالف على المسائل التفصيلية‬
‫السابقة ‪ ,‬ولم يتم االتفاق بشأنها فإن ذلك يمثل اختالل للتوازن العقدي ‪ ,‬وكان االختالل هنا‬
‫الحقا للتوازن العقدي الذي تم بإتمام العقد من خالل المفاوضة المصحوبة باتفاق على المسائل‬
‫الجوهرية و أن عدم االتفاق الالحق على المسائل التفصيلية يجعل العقد مختال ‪ ,‬مما يستتبع‬
‫التدخل القضائي إلعادة التوازن إلى العقد‪ ,‬وهذا يوضح دور المفاوضات في نشأة العقد‬
‫متوازنا منذ البداية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬شرط إعادة التفاوض كوسيلة إلعادة التوازنن العقدي‬

‫يؤيد الدور الوقائي للمفاوضات في العقد بما يحقق له التوازن ما يسمى بشرط إعادة التفاوض‬
‫إلعادة التوازن العقدي ‪ ,‬وهذا الشرط يدرجه المتعاقدين في عقدهما ويلتزمان بمقتضاه‬
‫بالتفاوض لتعديل أحكام العقد إذا ما طرأت ظروف غير متوقعة من شأنها أن تؤثر في التوازن‬
‫االقتصادي للعقد ‪ ,2‬وهذا الشرط أشيع استخدامه في عقود التجارة الدولية تحت ما يسمى شرط‬
‫وهو مصطلح انجلييزي يعبر عن المشقة العقدية أو األزمة التي يمر بها العقد نتيجة‬ ‫ال‬
‫‪3‬‬
‫تغير الظروف االقتصادية التي أبرم في ظلها ‪.‬‬

‫ولقد أصيح شرط إعادة التفاوض إلعادة التوازن العقدي من المسلمات التي ال يخلو منها عقد‬
‫في عقود التجارة الدولية ‪ ,‬فأصبح من المألوف إدراجه في العقود ‪ ,‬وفي األخير فإن‬
‫القاموس المحيط ‪ ,‬لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ‪ ,‬ج‪ , 3‬الحلبي ‪1953 ,‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد العزيز مرسي حمود ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪49‬‬ ‫‪2‬‬

‫رجب كريم عبد الاله ‪ ,‬التفويض على العقد – دراسة مقارنة ‪ , -‬رسالة دكتوراه ‪ ,‬كلية الحقوق ‪ ,‬جامعة القاهرة ‪,2000 ,‬‬ ‫‪-‬‬
‫ص ‪313‬‬
‫رجب كريم عبد الاله ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪315‬‬ ‫‪3‬‬
‫المفاوضات العقدية سواء كانت مصحوبة باتفاق أو ال ‪ ,‬نحقق التوازن للعق ‪ ,‬نظرا لما‬
‫تتضمنه من مناقشات ومساومات متبادلة بين طرفي العالقة العقدية ‪ ,‬مما يؤكد الحري التعاقدية‬
‫لهما في اإلقدام على إبرام أو العدول عنه دون انعقاد مسؤولية ‪ ,‬األمر الذي يضمن استقرار‬
‫العقدوخروجه متوازنا ال يشوبه نقص أو يعتريه ضعف أو غموض بما يكفل تنفيذه دون‬
‫‪1‬‬
‫منازعات أو خالفات ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬حماية أطراف العقد‬

‫قد يتخل النظام العام لحماية الطرف الضعيف في العقد وذلك بمواجهة الضعف التعاقدي‬
‫الذي يتمثل في انعدام المساواة الفعلية بين طرفي العقد لهذا سنتطرق في الفرع األول عن‬
‫صور الضعف التعاقدي ومن ثم إلى تطبيقات النظام العام الحمائي في الفرع الثاني‬

‫الفرع األول ‪ :‬صور الضعف االقتصادي‬

‫أوال ‪ :‬الضعف االقتصادي‬

‫يتحقق الضعف عندما يضطر أحد المتعاقدين إلى قبول شروط جائزة يفرضها عليه الطرف‬
‫اآلخر دون أن يكون له الخيار بين قبول هذه الشروط أو رفضها ‪ 2,‬ويظهر هذا الضعف في‬
‫صورتين ‪:‬‬

‫الصورة األولى ‪ :‬يتمتع فيها احد المتعاقدين بنفوذ اقتصادي هائل وسيطرة على السوق بما‬
‫يسمح له بفرض شروط العقد أما الطرف اآلخر فقد يكون ضعيف بسبب حاجة تعوزه‬
‫كالحاجة إلى العمل أو إلى مسكن فنكون أمام طرف قوي يسعى إلى اإلفادة من حالة االحتياج‬
‫‪3‬‬
‫التي توجد فيها الطرف الضعيف ‪.‬‬

‫‪ 1‬المرجع نفسه ‪313 ,‬‬


‫‪ 2‬محمد حسين عبد العال ‪ ,‬مفوم الطرف الضعيف في الرابطة العقدية ‪ ,‬دراسة مقارنة ‪ ,‬دار النهضة العربية ‪ ,‬القاهرة ‪ , 2007 ,‬ص‬
‫‪34‬‬
‫‪ 3‬محمد حسين عبد العال ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪34‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬ويوجد فيها أحد الطرفين في مركز قوي أثناء التفاوض على العقد ‪ ,‬ثم يجد‬
‫نفسه في مواجهة طرف يتمتع بنفوذ قوي فبلحق الضعف بالطرف الذي يعد تنفيذ العقد أمرا‬
‫‪4‬‬
‫بالغ األهمية بالنسبة له ‪.‬‬

‫وفد يكون الضعف االقتصادي مالزما لطبيعة العقد ذاته فينعكس حتى لى تعريفه ‪ ,‬ومثال ذلك‬
‫عقد العمل الذي يعرف بأنه ‪ ":‬العقد الذي ينعقد بمقتضاه بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت‬
‫رقابته وإ شرافه لقاء أجر "‪ .2‬فالعنصر الجوهري الذي يميز هذا العقد يتمثل في خضوع‬
‫العامل لرقابة وإ شراف صاحب العمل الذي يكون له بمقتضى هذه التبعية القانونية أن يصدر‬
‫‪3‬‬
‫أوامره إلى العامل بشأن طريقة تأديته للعمل المكلف به‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الضعف المعرفي‬

‫لقد أدى التطور في الحياة االقتصادية وما صاحبها من طفرات تكنولوجية يمتلك أدواتها‬
‫البعض دون اآلخر إلى ظهور نوع جديد من عدم المساواة يطلق عليه { إختالل التوازن‬
‫المعرفي } وهذا االختالل يعكس عدم المساواة في المعرفة والخبرة بين طرفي العقد ‪ ,‬حيث‬
‫نجد طرفا يمتلك المعرفة والخبرة وطرف آخر يفتقر إلى المعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد‬
‫الذي سيبرمه ونتيجة لهذا الضعف المعرفي أصبح على عاتق الطرف الضعيف أن يقوم‬
‫باالستعالم والتحري من أجل الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد ‪ ,‬لكن الواقع‬
‫العملي اثبت أن هناك حاالت يكون فيها من الصعب على الطرف الضعيف أن يتحرى بنفسه‬
‫‪4‬‬
‫عن المعلومات والبيانات التي يريد معرفتها من أجل اتخاذ قرار بالتعاقد من عدمه ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬تطبيقات النظام الحمائي‬

‫أوال ‪ :‬حماية الطرف الضعيف في عقود اإلذعان‬

‫‪ 4‬أنس محمد عبد الغفار ‪ ,‬ىليات مواجهة الشروط التععسفية في عقود اإلذعان ‪ ,‬دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه اإلسالمي ‪,‬‬
‫دار الكتب القانونية ‪ ,‬مصر ’ ‪ , 2013‬ص‪26‬‬
‫‪ 2‬محمد حسين عبد العال ‪,‬المرجع السابق ‪,‬ص ‪36‬‬
‫‪ 3‬أنس محمد عبد الغفار ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪26‬و‪27‬‬
‫‪ 4‬إبراهيم عبد العزيز داود ‪ ,‬عدم التوان المعرفي في العقود ‪ ,‬دراسة تحليلية مقارنة ‪ ,‬دار الجامعة الجديدة ‪ ,‬االسكندرية ‪ ,2014 ,‬ص‬
‫‪24‬و‪25‬‬
‫عقد اإلذعان هو " العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب وال يقبل المناقشة‬
‫فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري ‪ ,‬يكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون‬
‫‪1‬‬
‫المنافسة محددوة النطاق بشأنها "‪.‬‬

‫تعتمد عقود اإلذعان على استخدام نموذج نمطي للعقد يعده أحد طرفي العقد بصورة منفردة‬
‫ويعرضه على الطرف اآلخر الذي ليس له إال بالموافقة عليه كما هو رفضه دون أن يكون له‬
‫القدرة على تغيير العبارات الواردة فيه أ‪ ,‬الشروط أو األحكام التي يتضمنها ‪ ,‬لذلك وصفت‬
‫هذه العقود باإلذعان ‪ 2,‬ومن ضمن اإلشكاليات التي يطرحها هذا العقد أيضا ‪ ,‬االستغالل الذي‬
‫قد يعمد إليه الطرف القوي تجاه الطرف الضعيف المذعن مستغال حاجة هذا األخير إلى‬
‫الخدمات أو السلع المقدمة فيبادر إلى فرض الشروط التعسفية وهو على يقين بأن الطرف‬
‫الساعي إلى التعاقد باإلذعان ‪ ,‬وبسبب احتكار هذه السلع أو الخدمات لن يكون أمامه إال أن‬
‫يذعن لها‪. 3‬‬

‫ويتحدد معنى اإلذعان في العقود بالنظر إاى معيارين ‪:‬‬

‫ااألول اقتصادي يتمثل في أن أحد الطرفين وهو الموجب يتمتع بنفوذ اقتصادي هائل في‬
‫مواجهة الطرف اآلخر بحيث تنعدم المساواة الفعلية بين مركزيهما ‪.‬‬

‫والثاني قانوني مفاده أن يتفرد أحد طرفي العقد أي الموجب ‪ ,‬بصيغة العقد وتحديد شروطه‬
‫‪4‬‬
‫بصورة قاطعة على نحو ال تقبل المناقشة أو المساومة فيها من الطرف اآلخر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حماية الطرف الضعيف في عقود االستهالك‬

‫يعرف عقد االستهالك بأنه ‪ ":‬عقد يبرم بين طرفين يسمى األول مستهلك ويسمى الثاني المهني‬
‫بموجبه يتلقى األول منتوجا أو خدمة لغرض غير مهني مقابل ثمن معلوم" ‪.‬‬

‫يعد المستهلك الطرف الضعيف في العالقة التععاقدية وعلى هذا األساس تقررت حمايته ومن‬
‫أوجه الحماية‬

‫هانية محمد علي فقه ‪ ,‬الرقابة القضائية على عقود اإلذعان ‪ ,‬ط‪ ,01‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ,‬بيروت ‪ ,2014 ,‬ص ‪13‬و‪14‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنس محمد عبد الغفار ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪31‬‬ ‫‪2‬‬

‫هانية محمد علي الفقه ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪17‬‬ ‫‪3‬‬

‫محمد حسين عبد العال ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪84‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪-‬حق المستهلك في االعالم السابق للتعاقد ‪ ,‬وهذا التزام ناشئ عن عدم تكافؤ في المعلومات‬
‫بين المتعاقدين‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬حق المستهلك في العدول عن العقد سواء قبل إبرامه أو بعد إبرامه‬

‫‪ 1‬عاشور فاطيمة ‪ ,‬النظام العام الحمائي آلية لحماية الطرف الضعيف في العقد ‪ ,‬مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية –‬
‫مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية ‪ ,‬العدد ‪ , 07‬جوان ‪ ,2019‬ص ‪25‬و‪26‬‬

You might also like