Professional Documents
Culture Documents
مذكرة القاعدة الاخلاقية وسيلة لحماية حقوق أطراف العلاقة العقدية
مذكرة القاعدة الاخلاقية وسيلة لحماية حقوق أطراف العلاقة العقدية
اختلف الفقه في تحديد مضمون هذا المبدأ السيما في نظرية العقد ,بحيث يدخل بمفهوم
شخصي وأخر موضوعي ,نظرا للدور المتباين الذي يلعبه ,لهذا سنتطرق إلى تحديد
المضمون الشخصي والموضوعي لمبدأ حسن النية
يأخذ القانون بهذا المفهوم (الشخصي) عندما بعتد بحسن النية بإعتباره حالة نفسية أو ذهنية
تتمثل في الجهل بواقعة أو ظرف ما ,أو في االعتقاد الخطأ أو المغلوط الذي يتولد في ذهن
1
شخص ما ,وبهذا المفهوم تبدو فكرة شخصية ذاتية تتسم بطابع سلبي محض .
إال أنه في إطار المفهوم الشخصي أختلف الفقه حول تعريف المبدأ فذهب جانب للقول بأنه :
( الجهل المبرر بواقعة معينة يرتب عليها المشرع أثرا قانوني ,ويفترض حسن النية وفقا لهذا
الرأي غلطا وقع فيه الغير ,وهو أمر ذاتي نفسي وهو مفترض.
ظهر رأي آخر يرى أن حسن النية هو :الغلط المبرر المشروع ,الذي يتحقق بانتفاء الخطأ
من الجانب المتعاقد أو الغير بنوعيه العمدي وغير العمدي .
كال التعريفين ينظر للمبدأ على أنه موقف سلبي ,إال أن هذا يخالف واقع المبدأ الذي يتعدى
كونه موقف سلبيا ألنه يتطلب مواقف تتسم باإليجابية فهو يتطلب سلوك وليس امتناع عن
1أكرم محمود حسين البدو,محمد الصديق محمد عبد هللا ,األثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة المفاوضات ,مجلة الرافدين
للحقوق ,المجلد ,13العدد ,2015 ,49ص 408
السلوك ,أو حالة ذهنية بحتة حتى ولو كانت مصاحبة لعناص االهمال والرعونة وعدم اتخاذ
1
الحيطة الالزمة ,وبالتالي يصعب األخذ بكال الموقفين .
يقتصر هذا التعريف على جانب من جوانب المعامالت ,إذ يصلحان لتعريف حسن النية في
مجال الحيازة واالوضاع الظاهرة ,وال يفيانه حقه في مجال العالقات التعاقدية ,إلنه ينظر إليه
على أنه موقف سلبي .فحسن النية اليقتصر على فكرة الجهل فقط بل يفرض على المتعاقد
2
السعي إلى مراعاة مصالح الطرف المقابل والمحافظة على توقعاته المعقولة .
هذا و إن الواقع ليست فكرتا الجهل والغلط واالعتقاد المشروع وحدها التي تطل من سياق
التشريعات تعبر عن المفهوم الشخصي لحسن النية وإ نما ناك أفكار أخرى غيرهم كالغش ونية
اإلضرار بحقوق الغير .هذا وأن جميع هذه االفكار متداخلة فيما بينها ,إذ يصعب قصر
مهناه على الجهل بالعيب ,أو الغلط المبرر المشروع .إلن هذه العناصر وإ ن كان يمكن أن
ال تلتقي في بعض الظروف ,إال أن التطابق بينها غير كامل فالجهل هو إنتفاء العلم بينما الغلط
هو العلم بما يخالف الحقيقة ,يفصل هذا المفهوم المبدا عن معناه األخالقي ألن االلتزام
الشخص حدود القانون ال يتعارض مع استغالل الشخص لكل الرخص التي يبيحها القانون بل
وال يتعارض مع استغالل الشخص للثغرت الموجودة في القانون والتي تسمح له بالحصول
على مزايا على حساب غيره أو تضييع من غيره بسبب حصوله علىيها فاألخالق ال تسمح
باقتناص فرصة اوشكت أن تحقق للغير بينما القانون يسمح بها طالما أن ذلك يتم في حدود
3
أحكامه .
1زيتوني 8فاطمة الزهراء ,بحث مضمون مبدأ حسن النية في إطار نظرية العقد ,مجلة القانون والعلوم السياسية ,العدد الرابع ,
,2016ص 434
2زيتوني 8فاطمة الزهراء ,المرجع السابق ,ص 438
3الهادي سعيد عرفة ,حسن النية في العقود ,مجلة البحوث القانونية كلية الحقوق ,جامعة المنصورة ,مصر ,العدد األول,1986 ,
ص156
إن المفهوم الموضوعي لحسن النية هو المفهوم المعتمد في مجال االرادة التعاقدية ,والذي
يرى أن تكون حسن النية فكرة أخالقية خالصة تشكل قاعدة للسلوك ,تتطلب من األشخاص
مراعة النزاهة واالمانة في معامالتهم .
فحسن النية بالمفهوم الموضوعي يرتبط بمدى مراعاة مقتضيات هذه الفكرة من عدمها ,
وتقوم مقتضيات حسن النية على دعائم أخالقية تتصف بالعموم والتجريد ,حتى ولو لم
يتضمنها نص تشريعي ,كالوفاء بالعهد ,األمانة ,الثقة المشروعة ,شرف التعامل .ومخالفة
مقتضياتحسن النية تتحقق لمجرد صدور التصرف على خالف ماتقتضي بت تلك المقتضيات ,
1
دون النظر إذا كان المخالف يعلم بالمقتضى الذي خالفه من عدمه .
يفرض المشرع هذا المفهوم لتقدير حسن النية في المادة 111قانون مدني جزائري الخاصة
بتفسير العقد ,حيث يجب االستهداء بما يجب أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وهذه
إشارة إلى مبدأ حسن النية الذي يستلزم مثل هذه األمانة والثقة .وفي نظرية الغلط في بيان
جوهر الصفة ,حسب المادة 82قانون مدني جزائري الفقرة الثانية ( يعتبر الغلط جوهريا
باألخص إذا وقع في صفة لشيء يراها المتعاقدان جوهرية أو يجب اعتبارها كذلك نظرا
لشروط العقد ولحسن النية ) .وفي بيان نطاق التمسك بالغلط حسب المادة 85قانون المدني
حيث جاء فيها (ليس من وقع في غلط أن يتمسك به على وجه يتعارض نع مايتقاضى بت
حسن النية) .وتضيف الفقرة الثانية ويبقى باألخص مالزما بالعقد قصد إبرامه إذ أظهر
الطرف اآلخر استعداده لتنفيذ هذا العقد .وفي تنفيذ العقد حسب المادة 107فما يعتبر شريعة
المتعاقدين هو روح العقد وليس حرفيته فالقاضي في تفسيره للعقد يأخذ بالعبارات الواضحة
2
بشرط أن تتفق مع حقيقة القصد المشترك للمتعاقدين .
إن المفهوم الموضوعي هو األقرب لتحديد مبدأ حسن النية ,إذ ان أكثر ما يبحث عنه
المتعاقدين في نطاق العالقة العقدية ,هو أن يفي المتعاقد بالتزاماته بمراعاة مقتضيات حسن
النية ,ومن ثم فإن اي خطأ ولو باإلهمال قد يفيد سوء نية المتعاقد المهمل .
لذلك اليقف حسن النية بالمفهوم الموضوعي عند الجهل أو إنتفاء العلم ,إنتفاء الغش ,أو عدم
اإلضرار باآلخرين ,بل وعدم إلحاق الضرر باآلخرين نتيجة اإلهمال وعدم االحتياط ,2إذ أن
القانون يستوجب االلتزام بالسعي نحو التحري واالستعالم ,واالستقصاء .وهو التزام قانوني
ينل االخالل به منزل سوء النية .كما ان االهمال أو عدم االحتياط إن كان يشكل موقفا سلبيا
إال أنه كأي فعل أو ترك يتحرك بالنية قد تكون حسنة وقد تكون سيئة ,رغم أن هذه النية لم
تتجه إلى االضرار بالغير بشكل عمدي ,إال أنها قصرت وأهملت ,حين كان يجب أن تتخذ
موقف إيجابيا ,لذلك تتخذ صفة السوء .فالمتعاقد حتى يكون حسن النية ال يكفي منه أن تنتفي
نية اإلضرار لديه بل يجب أن يتيقض ويتبصر بحيث ال يضر بالمتعاقد اآلخر دون قصد .
فالعبرة عند البحث في حسن النية ليس حسن النية الذانية ,بل مايترتب على المبدأ من
3
تطبيقات عملية في نطاق العقد.
يعد مبدأحسن النية من المبادئ التوجيهية المهيمنة على مرحلة المفاوضات العقدية منذ بدئها
لحين انتهائها ,ويفرض المبدأ على عاتق األطراف المتفاوضة التزامات تكفل تنوير االرادة
4
وتبصيرها ,على نحو يمكن معه ألطرافها تقدير مدى اشباع هذه الصفقة لرغباتهم من عدمه.
ولقد عرف بعض الفقه االلتزام بحسن النية بأنه ":التعامل بصدق واستقامة مع الطرف اآلخر
بصورة تبقي ممارسة الحق ضمن الغاية المفيدة التي تم من أجلها التفاوض والتزام بها كل من
طرفي التفاوض ,بحيث ال تؤدي إلى االضرار بالطرف األخر دون مسوغ قانوني ’ بل
وعليه فإنه إذ قام كل طرف من أطراف التفاوض بإبداء حسن النية اتجاه الطرف األخر ,هذا
ماسيوفر الثقة المتبادلة بين األطراف وبالتالي سيساهم هذا إلى التفااوض والتعاقد بشكل سليم ,
والعكس من ذلك وفرضا أن السلوك المعيب خالل المفاوضات ,والذي يخالف مبدأ حسن النية
أثناء التفاوض ويؤدي إلى قطع المفاوضات العقدية دون وجود سبب قانوني ,فإنه يترتب عليه
ضرر وجب جبره بعد ذلك.
وهذا مادفع بالمشرع الفرنسي إلى تكريس مبدأحسن النية في المرحلة السابقة على العقد ,
وهي مرحلة التفاوض ,وكذلك عند إبرام العقد ,فضال عن تنفيذه ,وهو مايعني أن التقيد بهذا
المبدأ قد بات التزاما قانونيا يشمل كافة مراحل العقد بدأ من التمهيد له إلى ابرامه إلى تنفيده ,
وهو ماعبرت عنه نص المادة 1104من القانون المدني الفرنسي المعدل بموجب األمر
2016/131والذي دخل حيز التطبيق في , 01/10/2016إذ تنص المادة السالفة الذكر على
أنه ":يجب ان يتم بحسن نية كل من التفاوض على العقود وابرامها وتنفيذها " ,وذهبت الفقرة
الثانية من المادة 1104من ذات القانون بجعل مبدأحسن النية من النظام العام ,وذلك دعما
للثقة في المعامالت ,وقد حلت المادة 1104محل الفقرة الثالثة من المادة 1134من التقنين
المدني الفرنسي قبل التعديل سنة 2016والتي تقابلها المادة 107من التقنين المدني الجزائري
والتي تقصر حدود مبدأ حسن النية على مرحلة تنفيذ العقد ,على أن التقيد بحسن النية في
المرحلة قبل العقدية ال يعني بالضرورة وجوب التفاوض قبل إبرام أي عقد ,بل وجب االتزام
بحسن النية حال التفاوض على العقد ,وهذا مايتضح بما جاء من نص المادة 1112من
التقنين المدني الفرنسي والتي تقضي صراحة بأنه ":يعد جائزا كل من الدعوة إلى التفاوض
2
قبل التعاقد ومباشرته وقطعه ,مع مراعاة مقتضيات حسن النية " .
1ذكرى محمد حسين ,إستبرق محمد حمزة ,التززامات أطراف التفاوض في عقودالتجارة الدولية ,مجلة المحقق حلي للعلوم
القانونية والسياسية ,جامعة بابل ,المجلد السادس ,العدد الرابع ,2014 ,ص 288
2بن منصور صالح ,عثماني بالل ,تأثير مبدأ حسن النية عبر المراحل المختلفة للعقد ,المجلة االكاديمية للبحوث القانونية والسياسية
,جامعة بجاية ,المجلد السادس ,العدد الثاني ,2022 ,ص 552و553
إن عملية التفاوض أو المرحلة السابقة على العقد ,تعد من أهم مراحل العقد و أخطرها على
اإلطالق , 1وبالرجوع إلى األصل فالشخص مطلق الحرية في ان يتعاقد او ال يتعاقد ,أو
يتفاوض أو ال يتفاوض ,كما أن للشخص الحق في االنسحاب من التفاوض ,على أن ال
يترتب على هذا االنسحاب ضرر للطرف اآلخر ,ولما اصبح التفاوض عملية مكلفة في كثير
من األحيان ,فإن اإلطراف الراغبة في إجراء عقد ما تلجأ غلى العقود التمهيدية لتسهيل عملية
التفاوض ,وعقد التفاوض بحسن نية هو من اهم العقود حيث يضمن جدية اإلطراف
المتفاوضة.
يؤدي مبدا حسن النية في مرحلة التفاوض دور مهم وفعال فالمقصود منه هو ترسيخ مبادئ
الصدق واالمانة والثقة والصراحةو الشفافية وعدم الغش واالحتيال ,حفاظا على مصلحة
األطراف في إدارة المفاوضات واإلستمرار في إنجاحها بشتى الطرق ,في الوقت المحدد لكل
مرحلة من مراحل التفاوض ,وذلك بتقديم المقترحات والحلول المقنعة بالوسائل المشروعة
والمقبولة من طرفي التفاوض .
إن مبدأ حسن النية في التفاوض ,إو حتى في مرحلة تنفيذ العقد ,فضال عن دوره في بث
الطمأنينة في نفوس األطراف ,فهو ينشأ قاعدة قانونية عامة اساسية في حالة اإللتزام
المشكوك فيه أو الذي يصعب تكييفه كما أن إخالل أحد أطراف التفاوض بهذا المبدأ خالل
2
فترة التفاوض على العقد يكون بسلوكه هذا مسؤوال عما يسببه من ضرر للطرف اآلخر.
1حليس لخضر ,مرحلة المفاوضات العقدية ,مجلة المنار للبحوث والدراسات القانونية والسياسية ,عدد , 01كلية الحقوق والعلوم
السياسية جامعة يحي فارس ,الجزائر , 2017 ,ص167
2مزاي ليدية ,مزياني زينة ,مبدأحسن النية في إبرام التصرفات القانونية ,مذكرة ماستر ,تخصص قانون خاص شامل ,فرع
قانون خاص ,قسم قانون خاص ,كلية الحقوق والعلوم السياسية ,جامعة عبد الرحمان ميرة ,بجاية ,2021/2022 ,ص 15/16
الفرع األول :االلتزام باالعالم ببيانات حول العقد
يظهر للوهلة األولى ان ال يمكن القول بوجود التزام يقع على عاتق أي شخص يجبره على
إحاطة الطرف في مرحلة التفاوض بظروف العقد ,فكل شخص يجبر عانى التحري عن ذلك
بنفسه أما االعالم والنصيحة فال تعدو أن تكون واجبات اخالقية ال يمكن لها أن ترقى إلى
مرتبة االلتزام القانوني فكل طرف ال يلتزم اتجاه الطرف اآلخر إال بما ارتضاه ,وبالمقدار
الذي اأراده ,غير أن مرحلة ماقبل التعاقد أصبحت تعرف اليوم التزاما حقيقيا يقع على عاتق
1
المتفاوض يمثل في االلتزام باعالم الطرف اآلخر عن كل مايعرفه بشان ظروف التعاقد .
وقد اختلف الفقه حول أساس هذا االلتزام ,فذهب جانب منه العتباره من قواعد األخالق أما
جانب آخر فيرى أن أساس االلتزام باالعالم يعود إلى قصور في نظرية عيوب اإلرادة في
تحقيق هدفها ,فالكتمان أو السكوت تبعا لهذه النظرية ال يسمح للمتعاقد المخدوع طلب إبطال
العقد أو التعويض عما اصبه من ضرر ,غير أن حقيقة األمر تظهر أنه إلى جانب اإلرادة
المعيبة هناك ما يعرف " باالرادة غير المتكافئة " ,والتي تؤدي بدورها إلى التوزان في
العقد ,فالجهل والنقص في المعلومات تؤدي إلى اختالل في التزامات األطراف , 2الزم
المشرع الجزائري المتدخل بهذا االلتزام اتجاه المستهلك من خالل المادة 17من قانون حماية
3
المستهلك وقمع الغش.
أما من الناحية القضائية ,فقد ألزمت محكمة النقض الفرنسية أطراف العقد بهذا االلتزام من
خالل قرار لها سنة , 2006أين قضت بوجود التزام باالعالم قبل التعاقدي في نزاع بين
الوكالة السياحية واألسفار و أحد المسافرين ,حيث أكدت الغرفة المدنية األولى انه على
الوكالة السياحية واالسفار التي قامت ببيع تذكرة سفر األحد المسافرين ,أن تلتزم بإعالمه
4
بشروط وإ جراءات الدخول إلى الدولة التي يريد السفر إليها .
1بن أحمد الحاج ,الفانون المدني الجزائري ورحلة المفاوضات العقدية ,مجلة القانون والعلوم السياسية ,العدد , 02كلية الحقوق
والعلوم السياسية ,جامعة الطاهر موالي ,سعيدة ,2015 ,ص .19
2ابن احمد الحاج ,المرجع نفسه ,ص 20
3المادة 17من القاون 03-09المؤرخ في 25/02/2009المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش جريدة رسمية الجزائرية عدد15
المؤرخ في 08/03/2009
4عثماني بالل ,القاضي طرف جديد في العقد المدني ,المجلة االكاديمية للبحث القانوني ,المجلد , 17العدد , 01كلية الحقوق
والعلوم السياسية ,جامعة بجاية ,بجاية ,2017 ,ص 432
بالنسبة للتشريع الجزائري ,فلم يرد نص صريح في القانون المدني يفرض االتزام باالعالم
خالل مرحلة التفاوض على العقد ,غير أن وجود هذا االلتزام يستند إلى نظرية عيوب
الرضا ,وقد اعتبر المشرع كتمان واقعة مؤثرة في التعاقد تدليسا ,تجيز للمدلس عليه إبطال
العقد ,وفق نص المادة 86فقرة 02من القانون المدني الجزائري 1 ,وهو ماسارت عليه
المحكمة العليا الجزائرية ,من ان المبدأ هو اعتبار السكوت العمدي في واقعة مؤثرة في
2
التعاقد تدليسا .
كما أكد المشرع الجزائري على هذه الحماية بمقتضى المادة 04من قانون رقم02-04
المؤرخ في , 03/06/2004والذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية ,3والتي
قضت بأن يتولى البائع وجوبا إعالم الزبائن بأسعار وتعريفات السلع والخدمات وبشروط البيع
,وهو نفس االتجاه الذي سلكه المشرع الجزائري حماية للمستهلك في القانون المتعلق بوسم
5
المنتوجات 4والقانون المتعلق بالتأمينات .
يفرض مبأحسن النية عل كل طرفي المفاوضات االلتزام باالفضاء بكل مالديه من معلومات
وبيانات تتعلق بالعقد محل المفاوضات والتي من شأنها أن تؤثر على قرار الطرف اآلخر
باالستمرار في المفاوضات وإ برام العقد ,لذا يقع على عاتق المهني وغيرالمهني تبصير
الطرف المتعاقد األخر بمعلومات يفترض أنه على علم بها حتى يكونا على قدم المساواة في
عرفة ضمون العقد ومداه والتي من شأنها إيجاد رضا مستنير وكامل حول جزئيات محل العقد
.
وعلى ذلك يمكن لنا القول أن االتزام بالعالم له جانب قانوني غير محسوس يتعلق باالتزام
بالعالم بحد ذاته ,وجانب قانوني محسوس يتعلق بالعناصر الواجب على المتعاقدين أن يبنوا
1المادة 86من االمر رقم 58-75المؤرخ في 26/09/1975المتضمن القانون المدني جريدة الرسمية الجزائرية ,العدد 78
الصادر في , 30/09/1975المعدل والمتمم .
2قادري عبد المجيد ,عمراني مراد ,التزامات األطراف في المرحلة السابقة للتعاقد ,مجلة االستاذ الباحث للدراسات القانونية
والسياسية ,المجلد , ,العدد الثاني ,جامعة باجي مختار ,عنابة ,2019 ,ص 797و798
3المادة 04من القانون رقم 04/02المرجع السابق
4المرسوم التنفيذي رقم 90/367المؤرخ في 10/11/1990والمتعلق ب الوسم وتقديم المواد الغذائية المعدل المتمم بالمرسوم
التنفيذي رقم 05/484المؤرخ في 22/12/2005جريدة الرسمية الجزائرية العدد 83الصادرة في . 2512/2005
5األمر ررقم 95/07المؤرخ في جانفي 1995المتعلق بالتأمينات الجرريدة الرسمية الجزائرية ,العدد 13الصادرة في
08/03/1995المعدل والمتمم
معلوماتهم حولها ,مع التأكيد على أن هذا االلتزام ببعديه المحسوس وغير المحسوس ال يمكن
االلتفاف جوله ,نظرا ألن المشرع أكد أن الطرفين ال يمكنهما تقييد أو استبعاد هذا االلتزام .
وبالتالي فإن اإلخالل بهذا الملدأ يستوجب المسؤولية العقدية ,وذلك للحد من حاالت اختالل
التوان في المعرفة بين األطراف المتفاوضة في العقود ,بيحث نجد االقنون المدني الفرنسي
ينص في المادة 1383على أن كل شخص يكون مسؤوال عن الضرر الذي يحدثه ال بفعله
بحسب ,بل أيضا بإهماله أو عدم تبصيره ,كما أن المشرع الجظائري ركز كثيرا على
االتزام باالعالم السابق على التعاقد باعتباره أحد مظاهر التقيد بمبدأ حسن النية في مرحلة
المفاوضات ,ولقد كرس المشرع هذا االلتزام بصفة صريحة في المادة 04من قانون -04
02المؤرخ في , 23/06/2004والتي تقتضي بأن ":يتولى البائع إعالم الزبائن بأسعار
وتعريفات السلع والخدمات وبشروط البيع " ,وهو ما أكده المشرع الجزائري في المرسوم
367-90المؤرخ في , 10/11/1990المتعلق بالوسم وتقديم المواد الغذائية على
1
واجباإلعالم المادي للمستهلك .
بالرجوع إلى أحكام الفقه ندها تعرف النزاهة بانها تشمل على قيم الكفاءة واالحترام ,
والحفاظ على االتزامات ,إلى جانب السلوك االخالقي كما تمتد أهمية النزاهة لتشمل مجال
2
العقود ,حيث تعتبر النزاهة العقدية في العقود هي المكمل الضروري للعدالة العقدية .
إن التركيز على التزام النواهة الذي يقع لى عاتق كل متعاقد معناه عدم ترك المجال مفتوح
للغش والكتمان الذي غرضه غش المتعاقد اآلخر من جهة ,ومن جهة أخرى أنه ال يقع على
المتعاقد فقط عدم اإلضرار المتعاقد اآلخر بالسلوكيات السلبية بل يقع عليه أن يسعى إلى
3
إيجاد تعاقدي تطغى عله فكرة التالحم والتماسك وذلك تكريسا لمبدأ حسن النية .
من هذا نذكر مثال الشروط التي تكتب بقياس صغير ال يمكن االنتباه إليها أو يصعب قرائتها
فتتضارب المصالح العقدية المشتركة بين المتعاقدين و ينتج عنه ال محال نزاعات بين
2
األطراف ولهذا تقتضي قواعد األخالق ,أن يكون أساس العالقة العقدية ألتزامه .
يقتضي حسن النية نزاهة المتعاقد في تنفيذ التزامه ,ويقتضي بذلك انتفاء نية اإلضرار والغش
وإ نتفاء الخطأ الجسيم ,وغنتفاء التعسف في استعمال الحق .
إن اإلخالل المتعمد بااللتزامات ال يدل على سوء النية في كل األحوال ,بل لثبوت سوء النية
قانونا يقتضي ان يتم اإلخالل بااللتزامات بصورة إرادية أوال ,وأن يكون هناك هدف آخر
أبعد يقصده المخل بإلتزامته ,وهذا الهدف هو اإلضرار بالطرف اآلخر و بالتالي هذا الهدف
3
هو الذي يصبغ صفة السوء على نية من يخل التزامه ,فسوء النية إذا هو نية تسبب الضرر.
ولهذا السبب حسن النية في العقود يقتضي إنتفاء نية اإلضرار ,فالمتعاقد الذي يقصده
اإلضرار بالمتعاقد اآلخر يعتبر سيء النية ,أما الذي لم يقصد أن يضر بالطرف اآلخر في
العقد يعتبر حسن النية ,والنية في اللغة تعني إرادة متجهة نحو هدف ما أو الرغبة في تحقيق
نتيجة معينة وبالتالي نيسة اإلضرار تعد متوفرة والخطأ العمدي محققا كلما ارتكب العمل
واإللتزام بالنزاهة يفرض كذلك على المتعاقد أن يتعامل مع المتعاقد اآلخر دون غش منه
وهذا يؤدي بدوره إلى القول بأن مبدأ حسن النية يقتضي من المدين أن يمتنع عن كل غش
بالدائن أثناء التنفيذ ,كذلك الحال أيضا بالنسبة للدائن في مواجهة المدين ,ألن الغش يعتبر
مرادفا للخطأ العمدي الذي يتمثل في االنتفاع عن تنفيذ االلتزام الناشئ عن العقد ,وبالتالي
يعتبر الغش في نظرية االلتزام العقدي مرادفا إلصطالح سوء النية ,رغم أن الخطأ العمدي
2
ينطوي دائما على سوء النية ,أما الغش ال يشترط فيه توافر قصد اإلضرار بالدائن .
قسم فقهاء القانون الفرنسي القديم الخطأ العقدي إال ثالث درجات ,جسيم ويسير وتافه ,
فالخطأ الجسيم هو الخطأ الذي ال يرتكبه أشد الناس إهمال ,فهو أقرب إلى العمد ويلحق به ,
والخطأ اليسير هو الذي ال يرتكبه المتوسط أو المعتاد من الناس ,والخطأ التافه هو الذي ال
يرتكبه الشخص الحازم الحريص في أموره ,وبالرغم من أن الفقه الحديث قد هجر نظرية
3
تدرج الخطأ ,إال أن لها بعض المظاهر في القانون المدني .
فقد نصت المادة 824من القانون المدني الجزائري على انه ":يفرض حسن النية لمن
يجوز حقا وهو يجهل أنه يتعدى على حق الغير إال إذا كان هذا الجهل ناشئا عن خطأ جسيم
" ,وبالتالي ال يكون الشخص حسن النية عند إنتفاء الخطأ الجسيم ,أما عند القيام بارتكاب
هذا النوع من الخطأ يعد الشخص سيء النية ,ذلك ألن الخطأ الجسيم ال يع حتى من
الشخص المهمل ,فهو يقترب من الفعل أو الخطأ العمد ويلحق بت الحكم ,فجرى العمل على
تسويته بالخطأ العمدي ,إلن إثبات العمد غاليا ما يكون أمرا صعبا ,ولذلك يقوم بإثبات الخطأ
الجسيم قرينة على توافر العمد في الخطأ ,وقيل أيضا بأن الخطأ الجسيم ألحق بالغش تأثرا
إن استعمال الحق بسوء النية هو تعسف في استعمال الحق ,ونظرية التعسف في استعمال
الحق من النظريات العامة في القانون المدني ,فجميع الحقوق يمكن أن يرد عليها التعسف
ومن ثم فهو غير جائز ,2وبالتالي تبسط هذه النظرية أحكامها على جميع الحقوق في نطاق
دائرة القانون المدني محددة كانت أو مجرد حريات ,وقد سبقت الشريعة اإلسالمية القوانين
الوضعية في األخذ بهذه النظرية ,والتعسف في استعمال الحق هو مظهر من مظاهر حسن
النية في العقود ومن إحدى مقتضياته .
وبذلك نظرية التعسف في استعمال الحق ,تحدد الطريقة التي يجب أن يسلكها صاحب الحق
في استعمال حقه بحسن النية ,لذا صرحت قوانين عديدة عن العالقة المباشرة بين مبدأ حسن
النية كفكرة كلية وبين االمتناع عن التعسف في استعمال الحق ,من ذلك نص المشرع
الجزائري في المادة 124مكرر من القانون المدني ,على التعسف في استعمال الحق كما يلي
":يشكل االستعمال التعسفي للحق خطأ السيما في الحاالت اآلتية :
-إذ كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير ,
-إذ كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة . ".
أنور سلطان ,الموجز في النظرية العامة لاللتزام ,دار المطبوعات الجامعية ,االسكندرية , 1998 ,ص 515 2
كما نص في الفقرة األولى من المادة 691من القانون المدني على أنه ":يجب على المالك
أال يتعسف في استعمال حقه إلى حد بملك الجار ".
وهناك تطبيقات عديدة للتعسف في استعمال الحق في تنفيذ العقود ,منها :
-الفسخ التعسفي للعقد ,فهو مخالف لمقتضى حسن النية في العقود ,والفسخ التعسفي يمكن
توقعه في كافة أنواع العقود , ,وذلك بصرف النظر عن سبب الفسخ أكان بسبب عقد من
العقود غير الالزمة ام بسبب إخالل الطرف اآلخر بتنفيذ التزامته .
-الشروط التعسفية في العقود ,هي أيضا تدل على الظلم والتعسف اتجاه المتعاقد ( خاصة إذا
كان مشتري عادي أو مستهلك ) ,والقانون المدني الفرنسي لم يعالج هذه النظرية ,أو على
األقل ظاهرة عقود اإلذعان ,أما القانونين المصري و الجزائري فقد نص كل منهما على
كيفية مواجهة الشروط التعسفية في عقد اإلذعان ,والتي يملك فيها أحد الطرفين قوة وخبرة
ومعرفة في مواجهة االطرف اآلخر الذي يفتقر إلى هذه المقومات وخاصة في عقود
االستهالك ,وفرض شروط جزائية تعسفية ترهق كاهل الطرف الضعيف الذي ليس في
وسعه إال قبول هذه الشروط أو رفضها دون أن يكون له الحق في مناقشتها ,وهو الذي يؤدي
بالضرورة إلى عدم المساواة بين طرفي العالقة التعاقدية مما يخل بالتوازن العقدي ,وبالتالي
يكون الشرط تعسفيا وباطال ,إذا كان مجحفا أو في غير مصلحة المستهلك بشكل مفرط
ومبالغ فيه ,بما يتنافى مع حسن النية الواجب في المعامالت ووفقا للمادة 110من القانون
المدني الجزائري ,يمكن للقاضي إذا رأى أن الشروط تعسفية ومجحفة بالنسبة للطرف
المذعون منها ,فيصبح العقد ساريا دون تطبيق هذه الشروط التعسفية ,ويقضي هذا النص
1
أيضا بأن كل اتفاق على غير ذلك يكون باطال بطالن مطلق .
تهدف القاعدة االخالقية إلى وضع حد ألي تجاوز من طرف المتعاقد في استعمال حقه على
نحو يميل في نحو التعسف ,حيث تسعى هذه الوظيفة إلى إرساء نوع من الموازنة والوسيطة
في استعمال المتعاقد لحقوقه .2
ويمكن التمييز بين حالتين لهذا الدور الحالة التي تتجه فيها نية الشخص مباشرة إلى اإلضرار
بالغير ,في هذه الحالة سوء نية المتعسف ثابتة بالنظر إلى إرادته وهو ماكرسه المشرع في
المعيار األول من معيير التعسف في استعمال الحق ,من خالل نص المادة 124مكرر من
القانون المدني الجزائري ,والحالة التي ال تتجه فيه نية الشخص إلى اإلضرار بالغير ,ورغم
ذلك فإن تصرفه تعسفي بالنظر إلى مخالفته لحسن النية حيث يتجلى دور حسن النية -التي
هي قاعدة أخالقية – في تحقيق التوازن العقدي في هذه الحالة الثانية بإعتبارها وسيلة لتوقيع
الجزاء على أي خروج عن االعتدال سواء كان عمديا أم غير عمدي.
ومما سبق يتضح أن هناك عالقة وطيدة بين حسن النية – كقاعدة أخالقية – والتعسف في
استعمال الحق خاصة في نظرية العقد ,رغم الجدال الفقهي حول مدى إمكانية إعمال نظرية
التعسف في استعمال الحق في المجال العقدي ,إال أن الفقه الحديث المعاصر يشير إلى العديد
من حاالت التعسف في العقد ,كالتعسف في استعمال حق فسخ العقد في العقود ذات التنفيذ
1
SPITZ(J.F):"Quidit Contractuel dit juste ": Quelaues remarques sur une formule d'Alfred Fouillee ,
Rev. Trim.dr.civ .200.p281 ets.
2عثماني بالل ,أطراف العقد المدني بين الحق في تحقيق المصلحة الشخصية وااللتزام بحسن نية ,أطروحة دكتوراه ,تخصص
قانون ,كلية الحقوق والعوم السياسية ,جامعة مولود معمري ,تيزي وزو , 2018 ,ص 77
المستمر وغير محددة المدة ,والتي يكون فيها ألي طرف وفي أي وقت كان السلطة في فسخ
1
العقد ,دون أن يتم ذلك بالتعسف وفي حدود االلتزام بحسن النية .
األصل أن المراكز القانونية لألطراف العالقة التعاقدية تكون متكافئة ,فالعقد بمعناه الحقيقي
يعبر عن إراردات متكافئة ومتساوية ,تبحث وتناقش شروط العقد بحرية ,لكن هذا التكافؤ
وهذه المساواة ال تعبر عن الواقع العملي الذي تغيب فيه التكافؤ والمساواة الفعلية سواء من
الناحية االقتصادية أو االجتماعية ,فبعد أن كان المتعاقدين يملكون حرية مناقشة العقد و
إخضاعه لمبدأ المساومة والمناقشة والمفاوضة ,اختلف األمر مع وجود عقود اإلذعان التي
ظهرت مع انتشار التطور االقتصادي وظهور الصناعات الكبيرة.
وعقود اإلذعان هي العقود التي يسلم فيها أحد الطرفين بشروط مقررة يضعها الطرف اآلخر
وال يسمح بمناقشتها ,وذلك فيما يتعلق بسلع أو مرافق ضرورية تون محل احتكار قانوني أو
فعلي أو تكون المنافسة محدودة النطاق بشأنها 2,والتي أصبح أحد المتعاقدين فيها يستقل غالبا
بوضع شروط التعاقد مقدما وبشكل ال ُيسمح فيها بقبول المناقشة من الطرف اآلخر .
لقد عالج المشرع هذا التفاوت في المراكز القانونية وعدم التكافؤ فيها في عقد اإلذعان بأن
قرروسيلة عالجية للطرف المذعن "الضعيف" تكفل له الحماية إذا وقع عليه تعسف من الطرف
األقى اقتصاديا وقانونيا ,فأجاز للقاضي تعديل الشروط التعسفية التي تضمنها العقد أو
البعض منها ,وهذا ما أمر بت المشرع المصري ,فنصت المادة 149على أنه ":إذا تم العقد
بطريق اإلذعان ,وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن
يعفي الطرف المذعن منها ,وذلك وفق لما تقضي بت العدالة ,ويقع باطال عمل اتفاق على
خالف ذلك . ".
عبد المنعم فرج الصدة ,عقود اإلذعان في القانون المصري ,رسالة دكتوراه ,مطبعة جامعة فؤاد األول 70 , 1946 , 2
ويالحظ أن الوسيلة التشريعية التي أقرها المشرع لحماية الطرف المذعن " الضعيف " في عقد
اإلذعان هي وسيلة عالجية وليست وقائية.
ونرى أن المفاوضات وإ خضاع العملية العقدية لها يحقق الحماية لها منذا البداية فتقيه من
االختالل وتجعله متوازنا ,لما تنطوي عليه مرحلة المفاوضات من أهمية في تحديد أهمومعظم
التزامات وحقوق طرفي العقد ,وفي هذا يقول أحد فقهاء في القانون المصري ":إن نجاح
العقد أو فشله مرهون بمستوى إعداد العقد في مرحلة المفاوضات ’ فكلما كان اإلعداد جيدا
كلما جاء العقد متوازنا ال يشوبه نقص أو غموض بما يكفل تنفيذه دون منازعات أو خالف ,
وعلى العكس من ذلك كلما كان اإلعداد رديئا جاؤ العقد غير متوازن ومشوبا بالثغرات
1
والغموض األمر الذي يفتح باب النزاع والصراع بين الطرفين مستقبال ".
ويقول آخر ":تحظى المفاوضات العقدية ,بأهمية بالغة من الناحية القانونية ,فهي تلعب دورا
وقائيا بالنسبة لمرحلة إبرام العقد ,كما أن حسن إدارة عملية المفاوضات امر يحد من
2
المنازعات في المستقبل .".
يتبين مما تقدم أن المفاوضات لها دور في تحقيق التوازن العقدي ,فهي تمكن الطرفين
المتفاوضين من االطالع على كافة التفاصيل المتعلقة بالعقد ,والشروط وااللتزامات
المترتبة على عاتق أطراف التفاوض والمتصلة بالعقد المزمع غبرامه ,وهي بذلك تعبر عن
توافق إرادات األطراف المتفاوضة ,وتعبر عن رضائهم تعبثيرا حقيقيا ينعكس على العقد ,
فيتحقق له التوازن القانوني واالقتصادي ,كذلك تمتاز المفاوضات بأنها ال ترتب مسؤولية
3
على المتفاوض الذي يعدل عن تفاوضه .
هذه الطبيعة التي تمتاز بها المفاوضات ,تظهر بما ال يدع مجاال للشك ورها الوقائي لمنع
اختالل التوازن العقدي ,ويتبين هذا الدور الوقائي للمفاوضات من خالل ما نصت عليه المادة
95من القانون المدني المصري والتي تنص على أنه ":إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل
الجوهرية في العقد ,واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ,ولم يشترطا أن العقد ال
1عبد العزيز المرسي حمود ,الجوانب القانونية لمرحلة التفاوض ذات الطابع التعاقدي ,دراسة مقارنة ,2005 ,ص 5
2محمد حسين عبد العال ,التنظيم االتفاقي للمفاوضات العقدية ,دراسة تحليلية مقارنة للوسائل القانونية لتأمين المفاوضات في
عمليات التجارة الدولية ,دار النهضة العربية , 2008ص 12
3عبد العزيز مرسى الحمود ,المرجع السابق ,ص 58
يتم عن عدم االتفاق عليها ,اعتبر العقد قد تم ,وإ ذا قام خالف على المسائل التي لم يتم
االتفاق عليها ,فإن المحكمة تقضي فيه طبقا لطبيعة المعامالت وألحكام القانون والعرف
والعدالة".
مفاد هذا النص أن االتفاق على المسائل الجوهرية في العقد و االحتفاظ بمسائل تفصيلية يتم
إرجاءها لإلتفاق عليها فيما بعد ’ فإن هذا ال يحول دون إتمام العقد شريطة أن ال يكون العقد
1
مرهونا باإلتفاق على هذه المسائل التفصيلية .
هنا يتبين دور المفاوضات وأهميتها في تحقيق التوازن العقدي من خالل اعتبارها وسيلة
وقائية تحول دون اختالل العقد المزمع إبرامه ,إلنه في حالة الخالف على المسائل التفصيلية
السابقة ,ولم يتم االتفاق بشأنها فإن ذلك يمثل اختالل للتوازن العقدي ,وكان االختالل هنا
الحقا للتوازن العقدي الذي تم بإتمام العقد من خالل المفاوضة المصحوبة باتفاق على المسائل
الجوهرية و أن عدم االتفاق الالحق على المسائل التفصيلية يجعل العقد مختال ,مما يستتبع
التدخل القضائي إلعادة التوازن إلى العقد ,وهذا يوضح دور المفاوضات في نشأة العقد
متوازنا منذ البداية .
يؤيد الدور الوقائي للمفاوضات في العقد بما يحقق له التوازن ما يسمى بشرط إعادة التفاوض
إلعادة التوازن العقدي ,وهذا الشرط يدرجه المتعاقدين في عقدهما ويلتزمان بمقتضاه
بالتفاوض لتعديل أحكام العقد إذا ما طرأت ظروف غير متوقعة من شأنها أن تؤثر في التوازن
االقتصادي للعقد ,2وهذا الشرط أشيع استخدامه في عقود التجارة الدولية تحت ما يسمى شرط
وهو مصطلح انجلييزي يعبر عن المشقة العقدية أو األزمة التي يمر بها العقد نتيجة ال
3
تغير الظروف االقتصادية التي أبرم في ظلها .
ولقد أصيح شرط إعادة التفاوض إلعادة التوازن العقدي من المسلمات التي ال يخلو منها عقد
في عقود التجارة الدولية ,فأصبح من المألوف إدراجه في العقود ,وفي األخير فإن
القاموس المحيط ,لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ,ج , 3الحلبي 1953 , 1
رجب كريم عبد الاله ,التفويض على العقد – دراسة مقارنة , -رسالة دكتوراه ,كلية الحقوق ,جامعة القاهرة ,2000 , -
ص 313
رجب كريم عبد الاله ,المرجع السابق ,ص 315 3
المفاوضات العقدية سواء كانت مصحوبة باتفاق أو ال ,نحقق التوازن للعق ,نظرا لما
تتضمنه من مناقشات ومساومات متبادلة بين طرفي العالقة العقدية ,مما يؤكد الحري التعاقدية
لهما في اإلقدام على إبرام أو العدول عنه دون انعقاد مسؤولية ,األمر الذي يضمن استقرار
العقدوخروجه متوازنا ال يشوبه نقص أو يعتريه ضعف أو غموض بما يكفل تنفيذه دون
1
منازعات أو خالفات .
قد يتخل النظام العام لحماية الطرف الضعيف في العقد وذلك بمواجهة الضعف التعاقدي
الذي يتمثل في انعدام المساواة الفعلية بين طرفي العقد لهذا سنتطرق في الفرع األول عن
صور الضعف التعاقدي ومن ثم إلى تطبيقات النظام العام الحمائي في الفرع الثاني
يتحقق الضعف عندما يضطر أحد المتعاقدين إلى قبول شروط جائزة يفرضها عليه الطرف
اآلخر دون أن يكون له الخيار بين قبول هذه الشروط أو رفضها 2,ويظهر هذا الضعف في
صورتين :
الصورة األولى :يتمتع فيها احد المتعاقدين بنفوذ اقتصادي هائل وسيطرة على السوق بما
يسمح له بفرض شروط العقد أما الطرف اآلخر فقد يكون ضعيف بسبب حاجة تعوزه
كالحاجة إلى العمل أو إلى مسكن فنكون أمام طرف قوي يسعى إلى اإلفادة من حالة االحتياج
3
التي توجد فيها الطرف الضعيف .
وفد يكون الضعف االقتصادي مالزما لطبيعة العقد ذاته فينعكس حتى لى تعريفه ,ومثال ذلك
عقد العمل الذي يعرف بأنه ":العقد الذي ينعقد بمقتضاه بأن يعمل لدى صاحب العمل وتحت
رقابته وإ شرافه لقاء أجر " .2فالعنصر الجوهري الذي يميز هذا العقد يتمثل في خضوع
العامل لرقابة وإ شراف صاحب العمل الذي يكون له بمقتضى هذه التبعية القانونية أن يصدر
3
أوامره إلى العامل بشأن طريقة تأديته للعمل المكلف به.
لقد أدى التطور في الحياة االقتصادية وما صاحبها من طفرات تكنولوجية يمتلك أدواتها
البعض دون اآلخر إلى ظهور نوع جديد من عدم المساواة يطلق عليه { إختالل التوازن
المعرفي } وهذا االختالل يعكس عدم المساواة في المعرفة والخبرة بين طرفي العقد ,حيث
نجد طرفا يمتلك المعرفة والخبرة وطرف آخر يفتقر إلى المعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد
الذي سيبرمه ونتيجة لهذا الضعف المعرفي أصبح على عاتق الطرف الضعيف أن يقوم
باالستعالم والتحري من أجل الحصول على المعلومات والبيانات المتعلقة بالعقد ,لكن الواقع
العملي اثبت أن هناك حاالت يكون فيها من الصعب على الطرف الضعيف أن يتحرى بنفسه
4
عن المعلومات والبيانات التي يريد معرفتها من أجل اتخاذ قرار بالتعاقد من عدمه .
4أنس محمد عبد الغفار ,ىليات مواجهة الشروط التععسفية في عقود اإلذعان ,دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه اإلسالمي ,
دار الكتب القانونية ,مصر ’ , 2013ص26
2محمد حسين عبد العال ,المرجع السابق ,ص 36
3أنس محمد عبد الغفار ,المرجع السابق ,ص 26و27
4إبراهيم عبد العزيز داود ,عدم التوان المعرفي في العقود ,دراسة تحليلية مقارنة ,دار الجامعة الجديدة ,االسكندرية ,2014 ,ص
24و25
عقد اإلذعان هو " العقد الذي يسلم فيه القابل بشروط مقررة يضعها الموجب وال يقبل المناقشة
فيها وذلك فيما يتعلق بسلعة أو مرفق ضروري ,يكون محل احتكار قانوني أو فعلي أو تكون
1
المنافسة محددوة النطاق بشأنها ".
تعتمد عقود اإلذعان على استخدام نموذج نمطي للعقد يعده أحد طرفي العقد بصورة منفردة
ويعرضه على الطرف اآلخر الذي ليس له إال بالموافقة عليه كما هو رفضه دون أن يكون له
القدرة على تغيير العبارات الواردة فيه أ ,الشروط أو األحكام التي يتضمنها ,لذلك وصفت
هذه العقود باإلذعان 2,ومن ضمن اإلشكاليات التي يطرحها هذا العقد أيضا ,االستغالل الذي
قد يعمد إليه الطرف القوي تجاه الطرف الضعيف المذعن مستغال حاجة هذا األخير إلى
الخدمات أو السلع المقدمة فيبادر إلى فرض الشروط التعسفية وهو على يقين بأن الطرف
الساعي إلى التعاقد باإلذعان ,وبسبب احتكار هذه السلع أو الخدمات لن يكون أمامه إال أن
يذعن لها. 3
ااألول اقتصادي يتمثل في أن أحد الطرفين وهو الموجب يتمتع بنفوذ اقتصادي هائل في
مواجهة الطرف اآلخر بحيث تنعدم المساواة الفعلية بين مركزيهما .
والثاني قانوني مفاده أن يتفرد أحد طرفي العقد أي الموجب ,بصيغة العقد وتحديد شروطه
4
بصورة قاطعة على نحو ال تقبل المناقشة أو المساومة فيها من الطرف اآلخر.
يعرف عقد االستهالك بأنه ":عقد يبرم بين طرفين يسمى األول مستهلك ويسمى الثاني المهني
بموجبه يتلقى األول منتوجا أو خدمة لغرض غير مهني مقابل ثمن معلوم" .
يعد المستهلك الطرف الضعيف في العالقة التععاقدية وعلى هذا األساس تقررت حمايته ومن
أوجه الحماية
هانية محمد علي فقه ,الرقابة القضائية على عقود اإلذعان ,ط ,01منشورات الحلبي الحقوقية ,بيروت ,2014 ,ص 13و14 1
1
-حق المستهلك في العدول عن العقد سواء قبل إبرامه أو بعد إبرامه
1عاشور فاطيمة ,النظام العام الحمائي آلية لحماية الطرف الضعيف في العقد ,مجلة دائرة البحوث والدراسات القانونية والسياسية –
مخبر المؤسسات الدستورية والنظم السياسية ,العدد , 07جوان ,2019ص 25و26