‫سوسيولوجيا األديان‪ :‬مدخل عام‬

‫إعداد‪ :‬محمد فاضل‬

‫أستاذ علم االجتماع بكلية اآلداب سايس‪-‬‬

‫فاس‬
 ‫سياقات عامة‬

‫‪ -‬شكل الدين و ما يرتبط به من موضوعات (املقدس‪ ،‬التدين‪ ،‬العلمنة‪ )...‬مجاال متميزا الهتمام علماء‬
‫االجتماع منذ ميالد هذا العلم‪.‬‬
‫‪ -‬خصص اآلباء املؤسسون مراجع بكاملها أو أجزاء مهمة من مؤلفاتهم لدراسة الدين‪.‬‬
‫‪ -‬يجد هذا االهتمام تفسيره في طبيعة اللحظة التي ولد فيها علم االجتماع و هي لحظة العبور من‬
‫املجتمع القديم الذي هدت أركانه الثورتين الديمقراطية و الصناعية إلى مجتمع جديد يتميز‬
‫بأشكال تنظيمية جديدة على املستويين االجتماعي و السياس ي على نحو خاص‬
‫‪ -‬دعا هذا السياق علماء االجتماع الكالسيكيين إلى إعادة قراءة األسس االجتماعية للدولة الحديثة‬
‫خصوصا و أن دور الكنيسة قد تراجع بشكل كبير في املجتمعات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬طرح هؤالء سؤاال مهما‪ :‬كيف بإمكان املجتمع الحديث املبني على قيم الفردانية أن يحافظ على‬
‫سلمه و استقراره االجتماعي مع العلم أن هذا األمر يتطلب حدا معقوال من التوافق االجتماعي و‬
‫اإلحساس الجمعي‪.‬‬
‫‪ -‬في محاولة لإلجابة على هذا السؤال توجه علماء االجتماع (دوركهايم على وجه الخصوص نحو‬
‫دراسة األشكال األولية للوفاق و االجتماع اإلنسانيين بحثا عما كان يمكن الجماعات اإلنسانية من‬
‫املحافظة على الحج األدنى من االستقرار و السلم االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬شكل الدين أحد األجوبة املهمة على هذا السؤال‪.‬‬
‫‪ -‬انطالقا من هذا تمت معالجة موضوع الدين و ما يرتبط من قبل جيل اآلباء املؤسسين لعلم‬
‫االجتماع من خالل تصور كبير يتساءل عن العالقة القائمة بين األنظمة االقتصادية و االجتماعية‬
‫و مجموع القيم و الرموز و املؤسسات التي يستند إليها استقرار و استمرار املؤسسات‪.‬‬
 ‫خصائص عامة‬
‫‪ ‬الخاصية األساسية التي تميز ما هو ديني تتجلى في كونه خارقا للطبيعة ‪ surnaturel‬و هو الش يء‬
‫الذي يجعله متجاوزا و متخطيا لحدود املعرفة اإلنسانية اليومية و التقنية ‪.‬‬
‫‪ ‬يدخل الدين بهذا املعنى في خانة ما هو غامض ‪ mystérieux‬و ما ال يمكن معرفته‬
‫‪ inconnaissable‬و ما ال يمكن فهمه ‪. incompréhensible‬‬
‫‪ ‬يقول ماكس ميلر بهذا الخصوص أن "الدين هو الصراع من أجل فهم و إدراك ما يصعب على‬
‫العقل إدراكه و من أجل الوصول إلى املطلق الالمتناهي"‪.‬‬
‫‪ ‬التعامل مع املطلق الالمتناهي الذي ال تستطيع املعرفة العقلية اإلحاطة به هو ما يضعنا في‬
‫مواجهة فكرة مركزية من الصعب تجاوزها عند كل تصور للدين و فكرة األلوهية ‪la divinité.‬‬
‫‪ ‬هذه الفكرة و إن كانت مركزية و حاسمة في الديانات التوحيدية فإنها ال تكاد تعلن عن نفسها في‬
‫ديانات أخرى سواء كانت قديمة أو حديثة‪.‬‬
‫‪ ‬من جهة هناك ديانات تخلو من اآللهة أو تحظى فيها اآللهة بالرغم من وجودها بمكانة ثانوية مثل‬
‫بعض الديانات األسيوية‪.‬‬
‫‪ ‬من جهة أخرى فإن ما قد يكون موضوعا للطقوس و الشعائر و املمارسات الدينية مثل أرواح‬
‫املوتى و األسالف و الطواطم ليست آلهة باملعنى املحدد للفظ‪.‬‬
 ‫مكونات عامة‬

‫‪ -‬تتكون األديان عموما من مجموعتين من العناصر هما مجموعة املعتقدات ‪ les croyances‬ثم‬
‫مجموعة الطقوس ‪.les rituels‬‬
‫‪ -‬تعبر املجموعة األولى (مجموعة العقائد) عن مجموعة من األفكار و التصورات التي يقبلها األفراد‬
‫و يؤمنون بينما تعبر املجموعة الثانية (مجموعة الطقوس) عن األساليب و أنماط الفعل و‬
‫السلوك التي يتم من خاللها االحتفاء بالعقائد و وضعها موضع تطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬تعد املجموعة األولى أساس املجموعة الثانية و مرجعها بينما تعد املجموعة الثانية بمثابة املجال‬
‫الذي ينقل عناصر الدائرة األولى من التصور النظري إلى املمارسة العملية‪.‬‬
‫‪ -‬ثمة صفة أساسية ترتبط بكل نسق من العقائد‪ ،‬تتمثل تصنيفه لكل ما يحيط باإلنسان أو ما‬
‫يفكر فيه إلى دائرتين اثنتين هما دائرة املقدس و املدنس ‪le sacré et le profane .‬‬
‫‪ -‬تعبر مجموعة العقائد عن اإليمان باملقدس و االرتباط به بينما تنشغل الطقوس باالحتفاء بهذا‬
‫املقدس و تمجيده‪.‬‬
‫‪ -‬بشكل ما يمكن القول بأن مجموعة العقائد الدينية تمثالت ‪ représentations‬املؤمنين لطبيعة‬
‫املقدس و العالقات التي تدعم هذه التمثالت‬
‫‪ -‬الطقوس هي قواعد السلوك التي تحدد تعبيرات املؤمنين تجاه ما يعتقدون أنه مقدس‪.‬‬
‫‪ -‬تجدر اإلشارة إلى أن أنواع كثيرة من الطقوس التي تعتبر وفق املعنى العام دينية هي ال تندرج‬
‫بالضرورة ضمن دائرة الدين و من ذلك طقوس الزواج و الطقوس الجنائز‪.‬‬
‫كل ما فعلته األديان هو امتصاص و استيعاب هذه الطقوس و إخضاعها ملنطقها‪.‬‬ ‫‪-‬‬
 ‫في التمييزبين الدين و السحر‬
‫‪ -‬الحديث عن منظومة تتشكل من مجموعتي العقائد و الطقوس قد ال يشكل تمييزا مطلقا للدين‬
‫عما سواه ذلك أن هذه املكونات قد تحيل على منظومة أخرى هي منظومة السحر‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال السحر أيضا نجد دائرتين متداخلتين هما دائرة املعتقدات و دائرة الطقوس لذل اهتم‬
‫علماء االجتماع و األنثروبولوجيا بالتمييز بين السحر و الدين‪.‬‬
‫‪ -‬في املجتمعات البدائية قد نجد تقاطعا مهما على مستوى موضوع املعتقد فأرواح املوتى التي تعد‬
‫مركز االعتقاد الديني و محور القداسة تلعب دورا مهما و أساسيا و في السحر ‪.‬‬
‫‪ -‬يؤدي هذا األمر إلى التباس املقدس باملدنس سواء تعلق األمر باملجتمعات البدائية أو حتى‬
‫باملجتمعات حيث تسود الديانات التوحيدية‪.‬‬
‫‪ -‬تعتبر مستلزمات املوتى (أظافرهم‪ ،‬عظامهم) موضوعا للممارسات السحرية بالنظر إلى صفة‬
‫القداسة التي ال يكتسبها الفرد إال بعد موته‪.‬‬
‫‪ -‬في هذا السياق يرى دوركهايم بأنه قد يصبح من الصعب التمييز بين السحر و الدين ألن الدين‬
‫مليء بما هو سحري كما أن السحر مليء بما هو ديني‪.‬‬
‫‪ -‬و مع ذلك فالسحر يستخدم عموما طقوسا تعد منافية ملا هو ديني كما أن الدين يدخل السحر‬
‫في خانة املدنس‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز الدين عن السحر وفق دوركهايم كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬العقائد الدينية تكون مشتركة بين بين أفراد جماعة معينة تمارس الطقوس التي تحتفي باملقدس‬
‫بشكل جماعي إذ يتوحد األفراد فيما بينهم ليشكلوا وحدة توحدها العقيدة الواحدة املشتركة و‬
‫الطريقة الواحدة للنظر إلى العالم املقدس و إلى عالقة املقدس باملدنس و هو ما يتطور ليصبح‬
‫كنيسة‪.‬‬
‫‪ -‬يرى دوركهايم أن وجود كنيسة أو دار عبادة أمر أساس ي و محوري في كل دين إذ أنها تكرس‬
‫اجتماع الجماعة حول القداسة املشتركة ملا تؤمن به‪.‬‬
‫‪ -‬هذه األمور تميز بين السحر و الدين حسب دوركهايم إذ أن االعتقاد بالسحر هو أكثر عمومية‬
‫من االعتقاد بالدين‪ ،‬كما أن السحر عابر لألديان و الجماعات الدينية و منتشر بين مختلف‬
‫الكتل البشرية دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء طائفة أو دار عبادة خاصة بالسحر يتم فيها االحتفاء‬
‫باملقدس املشترك‪.‬‬
‫‪ -‬للساحر كما يرى دوركهايم عمالء و زبائن لكن ليست له كنيسة كما أن عمالؤه ال يشتركون في‬
‫طقوس جمعية كما هو الشأن بالنسبة للطقوس الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬يدخل دوركهايم طقوس السحر ضمن دائرة الفلكلور‪.‬‬
‫‪ -‬انتهى دوركهايم إلى إنتاج تعريف شامل للدين أصبح من أشهر التعريفات و أكثرها تأثيرا في مسار‬
‫سوسيولوجيا األديان‪:‬‬
‫‪- une religion est un système solidaire de croyances et de pratiques relatives à des‬‬
‫‪choses sacrées, c'est-à-dire séparées, interdites, croyances et pratiques qui‬‬
‫‪unissent en une même communauté morale, appelée Eglise, tous ceux qui y‬‬
‫)‪adhérent » (Les formes élémentaires…, p. 65‬‬
‫ً‬
‫أشياء يجري عزلها‬ ‫‪ -‬الدين هو نظام َّ‬
‫موحد من املعتقدات واملمارسات املرتبطة بأشياء مقدسة‪ ،‬أي‬
‫وتحاط بشتى أنواع التحريم‪ ،‬وهذه املعتقدات واملمارسات تجمع كل املؤمنين بها في جماعة‬
‫ُ‬
‫أخالقية واحدة تدعى الكنيسة‬