You are on page 1of 6

‫المبحث الثالث‬

‫في طهارة الجلد النجس بالدبغ‬


‫اختلفت أقوال الفقهاء يف هذا وأشهرها قوالن‪:1‬‬
‫(‪ )1‬نقل كثري من الفقهاء يف هذا سبعة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬تطهر مجيع اجللود النجس))ة بال))دبغ إال جل)د الكلب واخلنزير واملتول))د منهم))ا أو من‬
‫أحدمها – وممن ذهب إىل هذا‪ :‬الشافعى‪ .‬وروى عن على وابن مسعود رضى اهلل عنهما‪.‬‬
‫القول الثاىن ‪ :‬تطهر مجيع اجللود النجسة بالدبغ إال جلد اخلنزير‪ ،‬وممن ذهب إىل هذا احلنيفة‪).‬‬
‫الق) ))ول الث) ))الث)‪ :‬يطه) ))ر بال) ))دبغ اجلل) ))د النجس من م) ))أكول اللحم‪ ،‬وممن ق) ))ال هبذا األرزعى وابن‬
‫املبارك وأبو ثور وإسحق بن راهوية‪.‬‬
‫الق ))ول الرابع‪ :‬ال يطه ))ر ش ))ىء من اجلل ))ود النجس ))ة بال ))دبع‪ ،‬وممن ذهب إىل ه ))ذا أمحد يف أش ))هر‬
‫الروايتني عنه‪ ،‬ومالك يف رواية بعض الشيمة‪.‬‬
‫القول اخلامس‪ :‬يطهر ظاهر اجللود النجسة بالدبغ ال باطنها‪ )،‬ولب هذا إىل مالك يف رواية‪.‬‬
‫الق) ))ول الس) ))ادس‪ :‬تطه ))ر مجي) ))ع اجلل) ))ود النجس) ))ة ظاهره) ))ا وباطنه) ))ا بال) ))دبغ‪ ،‬وممن ذهب إىل ه ))ذا‬
‫الظاهرية‪ ،‬وروى عن أىب يوسف من احلنيفة‪).‬‬
‫القول السابع‪ :‬ينتفع باجللود وإن النجسة وإن مل تدبغ‪ ،‬ولب ه))ذا إىل ال))وحرى وبعض الش))افعية‬
‫كاملتوىل والرواياتى‪).‬‬

‫‪ 1‬راجع فيما‪ :‬تقدم‪ :‬البدائع ج‪ 1‬ص ‪ 270‬وما بعدها‪ ،‬وبداية) اجملتهد ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 78‬وما بعدها‪ ،‬وحاشية) الدسوقى ج ‪ 1‬ص ‪ 54‬وما بعدها‪ ،‬واجملموع ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 272‬وما بعدها‪ ،‬واملغىن ج ‪ 1‬ص ‪ 49‬وما بعدها‪ ،‬وقيل األوطار ج‪1‬‬
‫ص ‪ 78‬وما بعدها‪ ،‬وسبل السالم ج ‪ 1‬ص ‪ 51‬وما بعدها‪ ،‬واحمللى ج‪ 1‬ص ‪153‬‬

‫‪1‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫تطه))ر اجلل))ود والنجس))ة بال))دبغ‪ ،‬وممن ق))ال هبذا‪ :‬الظاهري))ة‪ .‬وروى عن مال))ك وأىب يوس))ف وإلي))ه‬
‫ذهب احلنيف))ة فيم))ا ع))دا جل))د الكلب واخلنزير‪ .‬وك))ذا أمحد يف رواي))ة فيم))ا ع))دا م))ا ك))ان جنس))ا يف ح))ال‬
‫احلياة‪.1‬‬
‫القوا الثاىن‪:‬‬
‫ال تطه))ر اجلل))ود النجس))ة بال))دبغ‪ ،‬وممن ق))ال هبذا‪ :‬مال))ك وأمحد يف أش))هر الرواي))تني عنهم))ا‪ ،‬وك))ذا‬
‫بعض اإلمامية‪.‬‬

‫األدلة ومناقشتها‬
‫استدل أصحاب املذهب األول بالسنة واملعقول‪.‬‬
‫أما السنة فمنها‪ :‬ما رواه مسلم وأبو داود وغري مها بسندمها أىل ابن عباس رضى اهلل تعاىل‬
‫عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ِ( :‬إ َذا َدبِ َغ اإلهاب فقد طهر)‪.2‬‬
‫فهذا احلديث ظاهر الداللة يف أن اإلهاب يطهر بالدبغ‪.‬‬
‫واعرتض على االستدالل هبذا احلديث بأنه منسوخ مبا رواه أبو داود وغريه بسنده إىل عبد اهلل‬
‫بن حكيم قال‪ :‬أتانا كقاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قبل موته ال تنتفعوا من امليتة) بإهاب وال‬
‫عصب‪.3‬‬
‫وق))د رد ه))ذا االع))رتاض‪ ):‬ب))أن احلديث املدعى النس))خ به‪ 4‬ح))ديث مض))طرب يف س))نده ويف متن))ه‪،‬‬
‫أما األول فألن)ه روى ت))ارة عن كت))اب الن))ىب ص)ل اهلل علي)ه وس)لم ت)ارة عن مش)ايخ من جهين)ة‪ .‬أم))ا الث)اىن‬
‫‪ 1‬انظر املراجع املتقمة يف اهلامش السابق‪.‬‬
‫‪ 2‬سنن أيب داود ج ‪ 2‬ص ‪ ،386‬وصحيح مسلم ج‪ 1‬ص ‪ ،891‬وسبل السالم ج‪ 1‬ص ‪.50‬‬
‫‪ 3‬سنن أىب داود ج ‪ 2‬ص ‪ ،387‬وسبل السالم ج‪ 1‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 4‬اجملموع ج ‪ 1‬ص ‪ ،376‬وسبل السالم ج ‪ 1‬ص ‪.52‬‬

‫‪2‬‬
‫فألن))ه روى عن غ))ري تقيي))د يف رواي))ة األك))ثر‪ ،‬وروى بالتقيي))د بش))هر‪ ،‬وروى بالتقيي))د بش))هرين وب))أربعني‬
‫يوم))ا وثالث)ة) أي))ام‪ .‬ول))و س))لم ع))دم اض))طرابه س))ندا وال متن))ا فال يق))وى على النس))خ ألن أح))اديث الطه))ارة‬
‫بالدبغ أصح منه فإن منها ما اتفق عليه البخارى ومسلم ومنها م)ا أخرج)ه مس)لم‪ .‬وق)د روبت أح)اديث‬
‫الطهارة بالدبغ عن مجاعة من الصحابة‪:‬‬
‫فعن ابن عب))اس ح))ديثان وعن أم س))لمة ثالث))ة وعن أنس ح))ديثان وعن س))لمة بن احملب))ق وعائش))ة‬
‫واملغرية) وأىب أمامة وابن مسعود وغريهم‪.‬‬
‫ول ))و س ))لم أن ح ))ديث ع ))دم طه ))ارة اإله ))اب بال ))دبغ يق ))وى على النس ))خ ف ))إن ش ))روط النس ))خ مل‬
‫تتحقق‪ ،‬ألن من شروطه حتقيق تأخر الناسخ وال دليل يضد ب))ه على ت))أخر ح))ديث ع))دم طه))ارة اإله))اب‬
‫بالدبغ ألنه روى من غ)ري تقيي)د بت)اريخ يف رواي)ة األك)ثر‪ ،‬وأم)ا روايت)ه مقي)دا بش)هر أو ش)هرين أو أربعني‬
‫يوم))ا أو ثالث))ة أي))ام قب))ل وف))اة رس))ول ص))لى اهلل علي))ه وس))لم ‪ ،‬فهى رواي))ة معلول))ة فال تق))وم هبا حج))ة على‬
‫النسخ‪.‬‬
‫وعلى التس ))ليم ب ))أن رواي ))ة التقيي ))د بالت ))اريخ ص ))حيحة فال ت ))دل على أن ه ))ذا ك ))ان آخ ))ر األم ))رين‬
‫جزما‪.‬‬
‫ومما استدل به أص)حاب املذهب األول من الس))نة م))ا أخرج))ه أب)و دارد وغ)ريه بس))نده إىل ميمون))ة‬
‫رض ))ى اهلل عنه ))ا ق ))الت‪ :‬م ) ّ)ر رس ))ول اهلل ص ))لى اهلل علي ))ه وس ))لم بش ))اة جيروهنا فق ))ال‪( :‬ل ))و أخ ))ذمت إهاهبا؟)‬
‫فقالوا‪ :‬إهنا ميتة‪ .‬فقال (يطهرها املاء والقرظ)‪.1‬‬
‫فهذا احلديث واضح الداللة يف أن اجللد النجس يطهر بالدبغ‪.‬‬
‫ومن الس ))نة أيض ))ا م ))ا رواه أمحد وغ ))ريه بس ))نده إىل ابن عب ))اس رض ))ى اهلل عنهم ))ا ق ))ال‪ :‬أراد الن ))ىب‬
‫ص ))لى اهلل علي ))ه وس ))لم أن يتوض ))أ من إن ))اء فقي ))ل ل ))ه‪ :‬إن ))ه ميت ))ة فق ))ال‪( :‬دبغ ))ه ي ))ذهب خيث ))ه أو جنس ))ه أو‬
‫رجسه)‪.2‬‬

‫سنن أيب داود ج ‪ 2‬ص ‪.386‬‬ ‫‪1‬‬

‫مسند اإلمام أمحد ج‪ 1‬ص ‪.237‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫وهذا احلديث أيضا ظاهر يف أن الدبغ يزيل جنس اجللد ويطهره‪.‬‬
‫ومن الس))نة م))ا ص))ححه ابن حب))ان وغ))ريه بس))نده إىل س))لمة بن احلب))ق ق))ال‪ :‬ق))ال رس))ول اهلل ص))لى‬
‫اهلل عليه وسلم‪( :‬دباغ جلود امليتة) طهورها) ‪ .1‬وال خيفى وجه الداللة من هذا احلديث‪.‬‬
‫واستدل أصحاب املذهب الثاىن بالكتاب والسنة واملعقول‪).‬‬
‫أم)ا الكت)اب‪ ،‬فقول)ه تع)اىل‪( :‬إمنا ح)رم عليكم امليت)ة وال)دم وحلم اخلنزير وم)ا أه)ل ب)ه لغ)ري اهلل فمن‬
‫اضطر غري باغ وال عاد فال إمث عليه إن اهلل غفور رحيم)‪.2‬‬
‫فق) ))د دلت اآلي) ))ة الكرمية على حترمي امليت) ))ة‪ )،‬وه) ))ذا يتن) ))اول حترمي اجلل) ))د ألن) ))ه ج) ))زء منه) ))ا فال حيل‬
‫استعماله ولو بعد الدبغ لعموم النص‪.‬‬
‫ويع) ))رتض على وج) ))ه الداللة‪ 3‬من اآلي) ))ة الكرمية‪ :‬ب) ))أن التح) ))رمي مل يتن) ))اول اجلل) ))د‪ ،‬ألن الس ))نة ق ))د‬
‫وردت مبا يدل على أنه يطهر بالدبغ‪.‬‬
‫وأم)ا الس)نة فمنه)ا م)ا رواه أب)و داود والرتم)ذى بس)ندمها أن الن))ىب ص)لى اهلل علي))ه وس)لم كتب إىل‬
‫جهينة‪ :‬إىن كنت رخص))ت لكم يف جل))ود امليت )ة) ف))إذا ج))اءكم كت))اىب‪ .‬ه))ذا فال تنتفع))وا من امليت )ة) بإه))اب‬
‫وال عصب‪.4‬‬
‫فق))د ن))ىب ص))لى اهلل علي))ه وس))لم عن اإلنتف))اع) بإه))اب امليت )ة) بع))د أن ك))ان رخص يف اإلنتف))اع) ب))ه‪.‬‬
‫والنىب يقتضى) التحرمي حيث إنه حقيقة يف التحرمي إذا مل يصرفه عن ذلك صارف‪ ،‬مث إن قوله ص))لى اهلل‬
‫علي))ه وس))لم‪ :‬ال تنتفع))وا) من امليت))ة بإه))اب وال عص))ب‪ ،‬يفي))د العم))وم ألن الفع))ل من قبي))ل النك))رة وهى يف‬
‫سياق النىب تعم فيحرم االنتفاع بإهاب امليتة قبل الدبغ أو بعده وهذا يقتضى إجناسته‪.‬‬
‫ويعرتض على هذا احلديث واالستدالل به باعرتاضات أشهرها ثالثة‪:‬‬

‫سبل السالم ج ‪ 1‬ص ‪.53‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة البقرة اآلية‪.173 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجملموع ج ‪ 1‬ص ‪.286‬‬ ‫‪3‬‬

‫سنن أىب داود ج ‪ 2‬ص ‪ ،387‬وسنن الرتمذى ج ‪ 4‬ص ‪.222‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪4‬‬
‫االعرتاض) األول‪:‬‬
‫أنه حديث مضطرب فال ينهض لالحتجاج‪.1‬‬
‫وجياب عن ه) ) ))ذا ‪ :‬ب ) ))أن) كث ) ))ريا من أه ) ))ل الدراي ) ))ة باحلديث ق) ) ))د ص ) ))ححوا أو حس ) ))نوه فيجب‬
‫االحتجاج به‪.‬‬

‫االعرتاض) الثاىن‪:‬‬
‫بعد التسليم بأن) احلديث صاحل للحجية لكنه خمصوص بغريه من األدل)ة الدال)ة على طه))ارة اجلل)د‬
‫بالدبغ‪.‬‬
‫االعرتاض) الثالث‪:‬‬
‫أن اإله ))اب يطل ))ق على اجلل ))د قب ))ل ال ))دبغ أم ))ا بع ))ده فال يس ))مى إهاب ))ا فيك ))ون النهى ىف احلديث‬
‫الشريف متوجها إىل االتتفاع) باجللد قبل الدبغ‪.2‬‬
‫وأم))ا املعق))ول)‪ :‬فمن))ه قي))اس اجلل))د بع))د ال))دبغ على اجلل))د قب))ل ال))دبغ ألن حقيق))ة اجلل))د واح))دة يف‬
‫احلالني‪.3‬‬
‫ويع))رتض على ه))ذا‪ :‬ب))أن قي))اس م))ع الف))ارق فال يص))ح ومن أوج))ه الف))رق بني األص))ل وبني الف))رع‬
‫أن اجلل))د إذا دب))غ ذهبت من))ه الرطوب))ات والنجاس))ات فال يك))ون على ح))ال مماثل))ة ملا قب))ل ال))دبغ مثل))ه يف‬
‫هذا مثل اخلمر إذا ختلل بنفسه فإنه يطهر‪.‬‬
‫ومن املعقول‪ :‬قياس عدم طهارة اجللد بالدبغ على عدم طهارة اللحم بالدبغ ألن كال جنس‪.‬‬

‫اجملموع ج ‪ 1‬ص ‪ 276‬وما بعدها‪ ،‬وسبل السالم ج ‪ 1‬ص ‪.31‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاموس احمليط مادة أ‪ ،‬ه‪ ،‬ب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫املغىن ج ‪ 1‬ص ‪.67‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫ويع) ))رتض على ه) ))ذا‪ :‬ب ) ))أن قي) ))اس يف مقابل) ))ة نص فال ع) ))ربة به‪ 4‬مث إن ال) ))دبغ يف اللحم ال يت) ))أتى‬
‫خبالف اجللد‪.‬‬
‫وب)النظر يف أدل))ة ك)ل من املذهبني يتض))ح أن ال)راجح املذهب األول لق)وة أدلت)ه‪ ،‬لكن يس)تثىن من‬
‫اجللد الذى يطهر بالدبغ جل)د م)ا ك)ان جنس العني ح)ال حيات)ه ألن)ه إذا مل ت)دفع احلي)اة النجاس)ة عن مث)ل‬
‫هذا فكذلك الدبغ بالطريق األوىل‪.‬‬
‫واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫اجملموع ج ‪ 1‬ص ‪ 277‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬

You might also like