You are on page 1of 7

‫الساللة الكومنينية والصليبيون‬

‫المقالة الرئيسة‪ :‬اإلمبراطورية البيزنطية تحت حكم الساللة الكومنينية‬

‫‪.‬ألكسيوس األول مؤسس الساللة الكومنينية‬

‫نسبة للساللة الكومنينية‪ .‬حكم أباطرة آل كومنين الخمسة (ألكسيوس‬ ‫ً‬ ‫تعرف الفترة بين عامي ‪ 1185-1081‬عادة باسم العهد الكومنيني‬
‫األول ويوحنا الثاني وعمانوئيل األول وألكسيوس الثاني وأندرونيكوس األول) ‪ 104‬عا ًم ا مشرفين على استعادة ثابتة ولكن غير كاملة‬
‫للوضع العسكري والتوسعي واالقتصادي والسياسي لإلمبراطورية البيزنطية‪ .‬ومع أن السالجقة األتراك احتلّوا األناضول وهو قلب‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬فإن أغلب الجهود العسكرية البيزنطية قد وجهت ضد القوى الغربية وباألخص النورمان‪ .‬لعبت اإلمبراطورية تحت حكم‬
‫آل كومنين دورً ا ها ًم ا في الحروب الصليبية والتي ساهم ألكسيوس األول في تسهيل مهمتها‪ ،‬كما مارست اإلمبراطورية ً‬
‫نفوذا سياسيًا‬
‫ضا االتصال‬ ‫وثقافيًا هائاًل على أوروبا والشرق األدنى واألراضي المحيطة بالمتوسط في عهدي يوحنا الثاني وعمانوئيل األول‪ .‬ازداد أي ً‬
‫بين بيزنطة والغرب «الالتيني» بما فيه الدويالت الصليبية خالل العهد الكومنيني‪ .‬أصبح البنادقة وغيرهم من التجار اإليطاليين من‬
‫المقيمين في القسطنطينية واإلمبراطورية بأعداد كبيرة (قدر وجود ‪ 60,000‬التيني في القسطنطينية وحدها التي بلغ تعداد سكانها ثالثمئة‬
‫أو أربعمئة ألف شخص) حيث ساهم وجودهم باإلضافة إلى األعداد الكبيرة من المرتزقة الالتين الذين وظفهم عمانوئيل األول في نشر‬
‫الفن واألدب والثقافة البيزنطية في الغرب الالتيني بينما قاد أيضً ا إلى تدفق األفكار والعادات الغربية إلى اإلمبراطورية‪ .‬أما بخصوص‬
‫حياة االزدهار والثقافة فكان العهد الكومنيني إحدى الذرا البيزنطية‪ .‬وظلت القسطنطينية في عهدهم المدينة الرائدة في العالم المسيحي من‬
‫حيث الحجم والثراء والثقافة‪ .‬كما تجدد االهتمام بالفلسفة اإلغريقية الكالسيكية‪ ،‬باإلضافة إلى تزايد الناتج األدبي باليونانية العامية‪ .‬احتل‬
‫األدب والفن البيزنطيان مكانة بارزة في أوروبا حيث كان التأثير الثقافي للفن البيزنطي على الغرب خالل هذه الفترة هائاًل وذا أهمية‬
‫‪.‬طويلة األمد‬

‫ألكسيوس األول والحملة الصليبية األولى‬

‫بعض من أرقى اللوحات الجدارية والفسيفساء البيزنطية‬


‫ٍ‬ ‫‪ .‬تحتوي كنيسة خورا ‪-‬التي يعود تاريخها إلى العصر الكومني‪ -‬على‬

‫بعد معركة مالذكرد (‪ ) 1171‬أصبح التعافي الجزئي (المشار إليه باسم استعادة كومنيني) ممك ًنا من قِبل ساللة آل كومنين‪ .‬وصل‬
‫الكومنينيون إلى السلطة مرة أخرى تحت قيادة ألكسيوس األول في عام ‪ .1081‬ومنذ بداية حكمه واجه هجومًا هائالً ش ّن ُه النورمان بقيادة‬
‫روبرت جيسكارد وابنه بوهيموند األول والذين استولوا على ديرهاخيوم وكورفو‪ ،‬وفرضوا حصارً ا على الريسا في ثيساليا‪ .‬خففت وفاة‬
‫روبرت جيسكارد عام ‪ 1085‬مؤق ًت ا من مشكلة النورمان‪ .‬في العام التالي توفي السلطان السلجوقي‪ ،‬وانقسمت السلطنة السلجوقية بسبب‬
‫بض عليهم على حين غرة وُأبيدوا في معركة ليفونيون في ‪28‬‬ ‫الخصومات الداخلية‪ .‬بفضل جهوده الخاصة هزم ألكسيوس البجناك‪ .‬قُ َ‬
‫‪.‬أبريل ‪1091‬‬

‫اإلمبراطورية البيزنطية ودولة سالجقة الروم قبل الحملة الصليبية األولى (‪)1099-1095‬‬

‫بعد تحقيق االستقرار في الغرب حوّ ل ألكسيوس األول انتباهه إلى الصعوبات االقتصادية الشديدة وتفكك الدفاعات التقليدية لإلمبراطورية‪.‬‬
‫ومع ذلك لم يكن لديه ما يكفي من القوة البشرية الستعادة األراضي المفقودة في األناضول والتقدم ضد السالجقة‪ .‬وأشار المؤرخان بروس‬
‫واتسون وإدوارد بيترز أنه في مجمع بياتشنزا الكاثوليكي الذي عُقد عام ‪ 1095‬تحدث مبعوثو ألكسيوس إلى البابا أوربانوس الثاني حول‬
‫‪« .‬معاناة مسيحيي الشرق»‪ ،‬وأكدوا أنهم بدون مساعدة من الغرب ستستمر معاناتهم تحت الحكم اإلسالمي‬

‫رأى أوربانوس في طلب ألكسيوس فرصة مزدوجة لتدعيم أوروبا الغربية وإعادة توحيد الكنيسة األرثوذكسية الشرقية مع الكنيسة‬
‫وحث جميع الحاضرين على‬ ‫ّ‬ ‫الرومانية الكاثوليكية تحت حكمه‪ .‬في ‪ 27‬نوفمبر ‪ 1095‬دعا البابا أوربانوس الثاني لعقد مجمع كليرمون‪،‬‬
‫حمل السالح تحت راية الصليب وإطالق رحلة حج مسلح الستعادة القدس والشرق من المسلمين‪ .‬كانت االستجابة في أوروبا الغربية‬
‫‪.‬ساحقة‬

‫توقع ألكسيوس األول المساعدة على شكل قوات مرتزقة من الغرب‪ ،‬لكنه لم يكن مستع ًدا تمامًا للقوة الهائلة وغير المنضبطة التي سرعان‬
‫ما وصلت إلى األراضي البيزنطية‪ ،‬ولم يشعر بالراحة عندما علم أن أربعة من القادة الثمانية للكتلة الرئيسية للحملة الصليبية كانوا من‬
‫النورمان ومن بينهم بوهيموند‪ .‬منذ اضطرت الحملة إلى المرور عبر القسطنطينية كان لإلمبراطور بعض السيطرة عليها‪ .‬لقد طلب من‬
‫قادتها أن يقسموا على أن يعيدوا إلى اإلمبراطورية أي مدن أو مناطق قد يعيدون احتاللها من األتراك في طريقهم إلى األرض المقدسة‪.‬‬
‫‪.‬وبالمقابل أعطاهم أدلة ومرافقة عسكرية‬

‫تمكن ألكسيوس األول من استعادة عدد من المدن والجزر المهمة وجزء كبير من غرب األناضول‪ .‬وافق الصليبيون على أن يصبحوا‬
‫ً‬
‫نهاية لتهديد النورمان خالل فترة حكمه‬ ‫‪.‬تابعين أللكسيوس بموجب معاهدة ديفول عام ‪ ،1108‬والتي كانت‬

‫يوحنا الثاني وعمانوئيل األول والحملة الصليبية الثانية‬

‫فسيفساء من آيا صوفيا‪ ،‬القسطنطينية (إسطنبول حاليًا)‪ ،‬تصوّ ر مريم العذراء ويسوع‪ ،‬يحيط بهم يوحنا الثاني كومنين (يسار) وزوجته‬
‫‪.‬إيرين المجرية (يمين)‪( ،‬القرن الثاني عشر)‬

‫‪ .‬اإلمبراطورية البيزنطية باللون البرتقالي‪ ،‬ثمانينات القرن الثاني عشر أواخر حقبة آل كومنين‬

‫خلف يوحنا الثاني كومنين (حكم ‪ )1143-1118‬والده ألكسيوس األول‪ .‬كان يوحنا إمبراطورً ا تقيًا ومخلصً ا‪ ،‬وكان مصممًا على إصالح‬
‫الضرر الذي لحق باإلمبراطورية في معركة مالذكرد قبل نصف قرن‪ .‬اشتهر يوحنا بوج ٍه ملحوظٍ بتقواه وحكمه المعتدل والعادل‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬مثااًل استثنائيًا للحاكم األخالقي في وقت كانت فيه القسوة هي القاعدة‪ .‬لهذا السبب ُأطلق عليه ماركوس أوريليوس البيزنطي‬

‫خالل فترة حكمه التي استمرت خمسة وعشرين عا ًم ا أقام يوحنا تحالفات مع اإلمبراطورية الرومانية المقدسة في الغرب وهزم بطريقة‬
‫حاسمة البجناك في معركة بيرويا‪ ،‬وأحبط التهديدات المجرية والصربية خالل عشرينيات القرن الحادي عشر‪ ،‬وفي عام ‪ 1130‬تحالف‬
‫‪ .‬مع اإلمبراطور األلماني لوثر الثالث ضد روجر الثاني ملك صقلية النورماندي‬

‫في الجزء األخير من عهده ركز يوحنا أنشطته على الشرق‪ ،‬وقاد شخصيًا العديد من الحمالت ضد األتراك في األناضول‪ .‬غيّرت حمالته‬
‫بوجه أساسي ميزان القوى في الشرق‪ ،‬مما أجبر األتراك على الدفاع‪ ،‬بينما أعاد العديد من البلدات والحصون والمدن عبر شبه الجزيرة‬
‫إلى البيزنطيين‪ .‬هزم إمارة الدانشمنديين في ملطية وأعاد احتالل قيليقية بأكملها‪ ،‬بينما أجبر ريموند الثاني أمير أنطاكية على االعتراف‬
‫بالسيادة البيزنطية‪ .‬وفي محاولة إلثبات دور اإلمبراطور قائ ًد ا للعالم المسيحي سار يوحنا إلى األراضي المقدسة على رأس القوات‬
‫ً‬
‫نشاطا كبيراً في الحملة‪ ،‬إال أن آماله خابت بفعل خيانة حلفائه الصليبيين‪ .‬عام‬ ‫المشتركة لإلمبراطورية والدول الصليبية؛ ومع أنه أبدى‬
‫‪ 1142.‬عاد يوحنا للضغط بشأن مطالباته بأنطاكية وكانت كونتية صليبية‪ ،‬لكنه توفي في ربيع عام ‪ 1143‬بعد حادث صيد‬

‫كان وريث يوحنا المختار هو ابنه الرابع عمانوئيل كومنينوس الذي شن حملة عدوانية ضد جيرانه في كل من الغرب والشرق‪ .‬في‬
‫فلسطين تحالف عمانوئيل مع مملكة بيت المقدس الصليبية وأرسل أسطواًل كبيرً ا للمشاركة في غزو مشترك لمصر الفاطمية‪ .‬عزز‬
‫عمانوئيل موقعه حام ًي ا للدول الصليبية مع هيمنته على أنطاكية والقدس باتفاق مع أرناط أمير أنطاكية‪ ،‬وعموري األول ملك القدس‪ .‬في‬
‫محاولة الستعادة السيطرة البيزنطية على موانئ جنوب إيطاليا أرسل رحلة استكشافية إليها عام ‪ ،1155‬لكن الخالفات داخل التحالف‬
‫أدت إلى فشل الحملة في نهاية المطاف‪ .‬وبالرغم من هذه النكسة العسكرية نجحت جيوش عمانوئيل في غزو المناطق الجنوبية من مملكة‬
‫المجر عام ‪ ،1167‬وهزمت المجريين في معركة سيرميوم‪ .‬بحلول عام ‪ 1168‬كان ما يقرب من كامل الساحل الشرقي للبحر‬
‫األدرياتيكي وقع في يد عمانوئيل‪ .‬أقام عمانوئيل عدة تحالفات مع البابا والممالك المسيحية الغربية‪ ،‬ونجح في إمرار الحملة الصليبية‬
‫‪.‬الثانية عام ‪ 1145‬عبر إمبراطوريته‬

‫في الشرق عانى عمانوئيل من هزيمة كبرى في عام ‪ 1176‬في معركة ميريوكيفالون ضد األتراك‪ .‬ومع ذلك اس ُت ِردَّت الخسائر بسرعة‪،‬‬
‫وفي العام التالي ألحقت قوات عمانوئيل هزيمة بقو ٍة من نخبة المقاتلين األتراك‪ .‬لم يُحضر القائد البيزنطي جون فاتاتزيس الذي دمر الغزاة‬
‫األتراك في معركة هيليون وليموشير القوات من العاصمة فحسب‪ ،‬بل تمكن أيضً ا من حشد جيش على طول الطريق في إشارة إلى أن‬
‫‪.‬الجيش البيزنطي ظل قويًا وأن النظام الدفاعي غرب األناضول اليزال ناجحً ا‬

‫عصر النهضة في القرن الثاني عشر‬

‫طالع أيضً ا‪ :‬الحضارة البيزنطية في القرن الثاني عشر والجيش البيزنطي (العصر الكومنيني)‬

‫رثاء المسيح (‪ ،) 1164‬لوحة جدارية من كنيسة القديس بانتيليمون في نيريزي‪-‬مقدونيا الشمالية‪ ،‬تعتبر مثااًل رائعً ا للفن الكومنيني في‬
‫‪.‬القرن الثاني عشر‬

‫خالل القرن الثاني عشر شهدت حضارة اإلمبراطورية البيزنطية فترة من التغيير والتطور المكثف‪ ،‬ما حدا ببعض المؤرخين لإلشارة إلى‬
‫صا في مجالين من‬ ‫ً‬
‫مهمة خصو ً‬ ‫«عصر نهضة» في القرن الثاني عشر في اإلنجاز الثقافي والفكري البيزنطي‪ .‬كانت هذه التغييرات‬
‫‪.‬مجاالت الحضارة البيزنطية؛ ازدهارها االقتصادي‪ ،‬وإنجازاتها الفنية‬

‫ً‬
‫نشطة‪ ،‬واستخدم كالهما موار َد كبير ًة في عمليات الحصار ودفاعات المدينة‪ ،‬وكانت‬ ‫ً‬
‫عسكرية‬ ‫ت‬
‫اتبع يوحنا الثاني وعمانوئيل األول سياسا ٍ‬
‫سياسات التحصين العدوانية في جوهر سياساتهم العسكرية اإلمبريالية‪ .‬بغض النظر عن هزيمة ميريوكيفالون أدت سياسات ألكسيوس‬
‫األول ويوحنا الثاني وعمانوئيل األول إلى مكاسب إقليمية واسعة‪ ،‬وزيادة االستقرار الحدودي في األناضول‪ ،‬وتأمين استقرار الحدود‬
‫األوروبية لإلمبراطورية‪ .‬من ثمانينات القرن الحادي عشر إلى ثمانينات القرن الثاني عشر حافظ جيش آل كومنين على أمن‬
‫‪.‬اإلمبراطورية‪ ،‬مما مكن الحضارة البيزنطية من االزدهار‬
‫سمح ذلك للمقاطعات الغربية بتحقيق انتعاش اقتصادي استمر حتى نهاية القرن‪ .‬لقد قيل إن بيزنطة تحت الحكم الكومنيني كانت أكثر‬
‫ازدهارً ا من أي وقت مضى منذ الغزوات الفارسية في القرن السابع‪ .‬خالل القرن الثاني عشر ارتفعت مستويات دخل السكان‪ ،‬ودخلت‬
‫مساحات شاسعة من األراضي الزراعية الجديدة في اإلنتاج‪ .‬تظهر األدلة األثرية من كل من أوروبا واألناضول زيادة كبيرة في حجم‬
‫المستوطنات الحضرية إلى جانب زيادة ملحوظة في المدن الجديدة‪ ،‬كما كانت التجارة مزدهرة‪ .‬فتح سكان البندقية وجنوا وغيرهم موانئ‬
‫ومصر الفاطمية إلى الغرب والتداول )‪: Outremer‬باإلنجليزية( بحر إيجة للتجارة وشحن البضائع من مملكتي بيت المقدس (آوترمر)‬
‫‪.‬مع اإلمبراطورية عبر القسطنطينية‬

‫ّأث رت الثروة الجديدة ‪-‬التي تولدت خالل هذه الفترة‪ -‬إيجابًا على الحياة الثقافية البيزنطية‪ .‬من الناحية الفنية كان هناك إحياء في فن‬
‫الفسيفساء‪ ،‬وبدأت المدارس اإلقليمية للهندسة المعمارية في إنتاج العديد من األساليب المميزة التي استندت إلى مجموعة من التأثيرات‬
‫ً‬
‫نهضة في االهتمام بالمؤلفين الكالسيكيين‪ .‬وجدت‬ ‫الثقافية‪ .‬خالل القرن الثاني عشر قدم البيزنطيون نموذجهم للنهضة اإلنسانية المبكرة؛‬
‫تميز ا في أستاثيوس التسالونيكي‪ .‬وفي الفلسفة كانت هناك عودة للتعلم الكالسيكي لم يُشهد مثلها منذ‬‫ً‬ ‫اإلنسانية البيزنطية تعبيرها األكثر‬
‫القرن السابع‪ ،‬تميزت بزيادة كبيرة في نشر التعليقات على األعمال الكالسيكية‪ .‬إلى جانب ذلك حدث النقل األول للمعرفة اليونانية‬
‫‪.‬الكالسيكية إلى الغرب خالل الفترة الكومنينية‬

‫عمومًا نظرً ا لزيادة عدد السكان واالزدهار الكبير في هذه الفترة يبدو أن االنتعاش االقتصادي في بيزنطة قد عزز األساس االقتصادي‬
‫للدولة‪ .‬يساعد هذا في تبيان كيف تمكن أباطرة األسرة الكومنينية (عمانوئيل كومنينوس على وجه الخصوص) من إبراز قوتهم وتأثيرهم‬
‫على نطاق واسع في هذا الوقت‪ .‬حيث عمل على استعادة اإلمبراطورية البيزنطية إلى سالف أمجادها قو ًة عظمى في منطقة البحر األبيض‬
‫المتوسط‪ ،‬ومع ذلك فإن هذا لم يكن األثر الوحيد للتوسع االقتصادي في اإلمبراطورية‪ ،‬فقد كان التأثير على الثقافة والمجتمع البيزنطيين‬
‫‪.‬عمي ًقا أيضًا‬

‫االنحدار والتفكك‬

‫المقالة الرئيسة‪ :‬انحدار اإلمبراطورية البيزنطية‬

‫ساللة أنجيلوس‬

‫المقالة الرئيسة‪ :‬اإلمبراطورية البيزنطية تحت حكم الساللة األنجيلوسية‬

‫‪.‬بيزنطة أواخر فترة ساللة أنجيلوس‬

‫تركت وفاة عمانوئيل األول كومنينوس في ‪ 24‬سبتمبر ‪ 1180‬ابنه ألكسيوس الثاني كومنينوس البالغ من العمر ‪ 11‬عامًا على العرش‪.‬‬
‫كان ألكسيوس غير كفء للغاية في المنصب‪ ،‬ولم تكن وصاية والدته ماريا األنطاكية على العرش محبوبة بين الناس بسبب خلفيّتها‬
‫الفرنجية‪ .‬في النهاية أطلق أندرونيكوس األول كومنينوس حفيد ألكسيوس األول ثورة ضد قريبه األصغر وتمكن من اإلطاحة به في‬
‫انقالب عنيف‪ .‬مستغاًل مظهره الجميل وشعبيته الهائلة في الجيش سار إلى القسطنطينية في أغسطس ‪ 1182‬وحرض على مذبحة ضد‬
‫الالتين‪ .‬وبعد القضاء على منافسيه المحتملين توج نفسه إمبراطورً ا مشار ًكا في سبتمبر ‪ .1183‬وأزاح ألكسيوس الثاني وأخذ زوجته‬
‫‪.‬الفرنسية أغنيس البالغة من العمر ‪ 12‬عامًا لنفسه‬
‫جيد ا‪ ،‬وأشاد المؤرخون على الخصوص باإلجراءات التي اتخذها إلصالح حكومة اإلمبراطورية‪ .‬وف ًقا لجورج‬ ‫بدأ أندرونيكوس حكمه ً‬
‫أوستروغورسكي كان أندرونيكوس مصم ًم ا على استئصال الفساد؛ ففي ظل حكمه توقف بيع المكاتب؛ كان االختيار على أساس الجدارة‬
‫وليس المحسوبية؛ ُد فعت رواتب مناسبة للمسؤولين للحد من إغراء الرشوة‪ .‬وفي المقاطعات أدت إصالحات أندرونيكوس إلى تحسن‬
‫سريع وملحوظ‪ .‬كان األرستقراطيون غاضبين منه‪ ،‬ومما زاد الطين بلة أن أندرونيكوس أصبح غير متزن على نحو متزايد؛ وأصبحت‬
‫عمليات اإلعدام والعنف شائعة بدرجة متزايدة‪ ،‬وتحول عهده إلى عهد الرعب‪ .‬بدا أندرونيكوس يسعى إلبادة الطبقة األرستقراطية ككل‪.‬‬
‫‪ .‬تحول النضال ضد الطبقة األرستقراطية إلى مذابح جماعية‪ ،‬بينما لجأ اإلمبراطور إلى المزيد من اإلجراءات القاسية لتدعيم نظامه‬

‫ومع أنه ذو خلفية عسكرية فشل أندرونيكوس في التعامل مع إسحاق كومنينوس‪ ،‬وبيال الثالث ملك المجر (حكم ‪ )1196-1172‬الذي‬
‫أعاد ض ّم كرواتيا إلى المجر‪ ،‬وستيفن نيمانيا من صربيا (حكم ‪ )1196-1166‬الذي أعلن استقالله عن اإلمبراطورية البيزنطية‪ .‬ومع‬
‫ذلك اليمكن مقارنة أي من هذه المشاكل مع قوة ويليام الثاني ملك صقلية (حكم ‪ )1189-1166‬الغازية‪ ،‬والمكونة من ‪ 300‬سفينة و‬
‫‪ 80,000‬رجل‪ ،‬والتي وصلت عام ‪ .1185‬حشد أندرونيكوس أسطواًل صغيرً ا من ‪ 100‬سفينة للدفاع عن العاصمة‪ ،‬كما لم يكن مباليًا‬
‫بالسكان‪ُ .‬أ َ‬
‫طيح به أخيرً ا عندما استولى إسحاق أنجيلوس ‪-‬بعدما نجا من محاولة اغتيال إمبراطورية‪ -‬على السلطة بمساعدة الشعب وقتل‬
‫‪.‬أندرونيكوس عام ‪1185‬‬

‫شهد عهد إسحاق الثاني وكذلك عهد أخيه ألكسيوس الثالث انهيار ما تبقى من اآللية المركزية للحكومة والدفاع البيزنطيين‪ .‬مع أن‬
‫النورمانديين ُ‬
‫طردوا من اليونان‪ ،‬لكن في عام ‪ 1186‬بدأ الفالش والبلغار تمر ًد ا أدى إلى تشكيل اإلمبراطورية البلغارية الثانية‪ .‬تميزت‬
‫السياسة الداخلية لساللة أنجيلوس بتبديد الثروة العامة وسوء اإلدارة المالية‪ .‬ضعفت السلطة اإلمبراطورية بشدة‪ ،‬وشجع الفراغ المتزايد‬
‫في وسط اإلمبراطورية على التجزئة‪ .‬هناك أدلة على أن بعض ورثة آل كومنين أقاموا دولة شبه مستقلة في طرابزون قبل عام ‪.1204‬‬
‫وف ًق ا ألليكساندر فاسيليف‪« :‬ساللة أنجيلوس اليونانية األصل‪ ... ،‬عجلت من خراب اإلمبراطورية‪ ،‬التي أضعفت بالفعل في الخارج‬
‫»‪.‬وانفصلت من الداخل‬

‫الحملة الصليبية الرابعة‬

‫المقالة الرئيسة‪ :‬الحملة الصليبية الرابعة‬

‫‪ .‬لوحة «دخول الصليبيين إلى القسطنطينية»‪ ،‬بريشة ديالكروا (‪)1840‬‬

‫في عام ‪ 1198‬تطرق البابا إينوسنت الثالث إلى موضوع حملة صليبية جديدة عبر المندوبين والرسائل العامة‪ .‬كان الهدف المعلن للحملة‬
‫صيف عام ‪ 1202‬واستأجر‬ ‫َ‬ ‫هو غزو مصر التي أصبحت حينها مركز القوة اإلسالمية في المشرق‪ .‬وصل الجيش الصليبي إلى البندقية‬
‫أسطولها لنقل أفراده إلى مصر‪ .‬ولمكافأة البنادقة استولى الصليبيون على ميناء زارا (المسيحي) في دالماسيا (مدينة تابعة للبندقية تمردت‬
‫ووضعت نفسها تحت حماية المجر عام ‪ .) 1186‬بعد ذلك بوقت قصير أجرى ألكسيوس أنجيلوس ‪-‬نجل اإلمبراطور المخلوع والكفيف‬
‫ت مع الصليبيين‪ .‬عرض ألكسيوس إعادة توحيد الكنيسة البيزنطية مع روما‪ ،‬ودفع ‪ 200‬ألف مارك‬ ‫إسحاق الثاني أنجيلوس‪ -‬اتصاال ٍ‬
‫فضية للصليبيين‪ ،‬واالنضمام إلى الحملة الصليبية‪ ،‬وتوفير كل اإلمدادات التي يحتاجونها للوصول إلى مصر‪ .‬بغية تمكينه من استعادة‬
‫‪.‬العرش‬

‫نهب الصليبيين للقسطنطينية (‪)1204‬‬


‫المقاالت الرئيسة‪ :‬حصار القسطنطينية (‪ )1203‬ونهب القسطنطينية (‪)1204‬‬

‫‪.‬تقسيم اإلمبراطورية في أعقاب الحملة الصليبية الرابعة‪ ،‬في حدود ‪1204‬‬

‫وصل الصليبيون إلى القسطنطينية في صيف عام ‪ 1203‬وهاجموا بسرعة‪ ،‬مما أدى إلى اندالع حريق كبير دمر أجزاء كبيرة من‬
‫المدينة‪ ،‬واستولوا عليها لفترة وجيزة‪ .‬فرَّ ألكسيوس الثالث من العاصمة وارتقى ألكسيوس الرابع أنجيلوس العرش مع والده الكفيف إسحاق‬
‫الثاني‪ .‬لم يتمكن ألكسيوس الرابع ووالده من الوفاء بوعودهما وخلعهما ألكسيوس الخامس‪ .‬استولى الصليبيون على المدينة مرة أخرى في‬
‫‪ 13‬أبريل ‪ 1204‬وتعرضت القسطنطينية للنهب والمذابح ثانية لمدة ثالثة أيام‪ .‬ظهرت العديد من األيقونات واآلثار وغيرها من األشياء‬
‫التي التقدر بثمن في وقت الحق في أوروبا الغربية‪ ،‬وعدد كبير منها في البندقية‪ .‬وف ًقا لشوناتس ُع ّي َنت عاهرة على العرش البطريركي‪.‬‬
‫عندما اس ُت عيدَ النظام شرع الصليبيون والبنادقة في تنفيذ اتفاقهم؛ ان ُت َ‬
‫خب بالدوين األول إمبراطورً ا على اإلمبراطورية الالتينية الجديدة‬
‫واختير توماس موروسيني البندقي بطرير ًك ا‪ .‬تضمنت األراضي المقسمة بين القادة معظم الممتلكات البيزنطية السابقة‪ ،‬مع أن المقاومة‬ ‫َ‬
‫استم ّر ت في أنحاء اإلمبراطورية المتبقية في نيقية‪ ،‬طرابزون‪ ،‬وإبيروس‪ .‬ومع أن البندقية كانت مهتمة بالتجارة أكثر من احتالل‬
‫األراضي‪ ،‬إال أنها احتلت مناطق رئيسية في القسطنطينية وحصل دوق البندقية على لقب «سيّد ربع ونصف ربع اإلمبراطورية‬
‫‪».‬الرومانية‬

‫السقوط‬

‫اإلمبراطورية في المنفى‬

‫بعد نهب الصليبيين القسطنطينية عام ‪ُ 1204‬أنشئت واليتان خليفتان لبيزنطة‪ :‬إمبراطورية نيقية وديسبوتية إبيروس‪ .‬وُأنشئت الثالثة‬
‫إمبراطورية طرابزون بقيادة ألكسيوس كومنينوس‪ ،‬قائد الحملة الجورجية في الخالدية‪ .‬قبل أسابيع قليلة من نهب القسطنطينية وجد‬
‫ص ب نفسه على طرابزون‪ .‬من بين الواليات الثالث الخليفات حظيت إبيروس ونيقية‬ ‫ألكسيوس نفسه إمبراطورً ا بحكم األمر الواقع‪ ،‬ون ّ‬
‫بأفضل فرصة الستعادة القسطنطينية‪ .‬كافحت إمبراطورية نيقية لتبقى موجودة خالل العقود القليلة التالية‪ ،‬وبحلول منتصف القرن الثالث‬
‫عشر كانت فقدت الكثير من األراضي في جنوب األناضول‪ .‬سمح ضعف دولة سالجقة الروم بعد الغزو المغولي في ‪ 1243-42‬للكثير‬
‫من األمراء والغزاة بتأسيس إماراتهم الخاصة في األناضول‪ ،‬مما أضعف سيطرة البيزنطيين على آسيا الصغرى‪ .‬مع الوقت أنشأ أحد‬
‫األمراء؛ عثمان األول إمبراطورية من شأنها أن تغزو القسطنطينية في نهاية المطاف‪ .‬وبالرغم من ذلك أعطى الغزو المغولي نيقية أيضًا‬
‫‪ .‬فترة راحة مؤقتة من هجمات السالجقة‪ ،‬مما سمح لها بالتركيز على اإلمبراطورية الالتينية في شمالها‬

‫استعادة القسطنطينية‬

‫المقالة الرئيسة‪ :‬اإلمبراطورية البيزنطية تحت حكم الساللة الباليولوجية‬

‫‪.‬اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬حوالي ‪1263‬‬

‫استطاعت إمبراطورية نيقية ‪-‬التي أسستها ساللة السكاريس‪ -‬أن تلعب دورً ا في استعادة القسطنطينية من الالتين في عام ‪ 1261‬وهزيمة‬
‫إبيروس‪ .‬أدى ذلك إلى إحياء قصير األمد لبيزنطة تحت حكم ميخائيل الثامن باليولوج‪ ،‬لكن اإلمبراطورية التي دمرتها الحرب لم تكن‬
‫مجهزة للتعامل مع األعداء الذين أحاطوا بها‪ .‬سحب ميخائيل القوات من األناضول للحفاظ على حملته ضد الالتين وفرض ضرائب‬
‫باهظة على الفالحين‪ ،‬مما تسبب باستياء شديد‪ .‬انتهت مشاريع البناء الضخمة في القسطنطينية إلصالح أضرار الحملة الصليبية الرابعة‪،‬‬
‫‪.‬لكن أ ًي ا من هذه المبادرات لم تكن مصدر ارتياح للمزارعين في األناضول الذين عانوا من غارات الغزاة المسلمين‬
‫بدالً من االحتفاظ بممتلكاته في آسيا الصغرى اختار ميخائيل توسيع اإلمبراطورية‪ ،‬وحقق نجاحً ا قصير المدى فقط‪ .‬وأجبر الكنيسة على‬
‫الخضوع لروما كح ّل مؤقت لتجنب نهب الالتين للعاصمة مرة أخرى‪ ،‬وبسبب ذلك كره القرويون ميخائيل والقسطنطينية‪ .‬كانت جهود‬
‫أندرونيكوس الثاني والح ًق ا حفيده أندرونيكوس الثالث تمثل آخر محاوالت بيزنطة الحقيقية الستعادة مجد اإلمبراطورية‪ .‬ومع ذلك فإن‬
‫استخدام أندرونيكوس الثاني للمرتزقة غالبًا ماأتى بنتائج عكسية‪ ،‬مع تخريب الشركة القطلونية للريف وتزايد االستياء‬

You might also like