You are on page 1of 59

‫الباب الثالث‬

‫املقارنة بين الشيخين هبة هللا التركستاني وصدر الدين ابن أبي العز الحنفي في التوحيد في ذات‬

‫هللا تعالى‬

‫املقدمة‪:‬‬

‫ََ‬
‫إن هللا تبارك وتعالى خلق الخلق وأوجده من أجل التوحيد مصداقا لقوله تعالى في تنزيله ﴿‪َ  ‬و َما خل ْق ُت‬
‫َّ‬
‫ون‪[ ﴾ ‬الذاريات‪ ،]56 :‬وما خلق املكلفين لحاجة منه إليهم بل من أجل التوحيد‪,‬‬ ‫ْ َّ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ُ‬
‫ال ِجن واِإْل نس ِإ ال ِليعبد ِ‬
‫و ومن املتفق عليه أنه قدبعث هللا جميع الرسل واألنبياء من أجل هذه الغاية وهي التي قاموا بالدعوة‬

‫إليه ا وتحمل وا املش اق في س بيلها‪,‬فخل ق الجن واإلنس لم يكن في الك ون إال من أجله ا‪ ،‬والتوحي د من‬

‫عما سواه‪ ،‬وكلما ازداد العبد معرفة‬ ‫َّ‬


‫ومحبته‪ ،‬و يحث على اإلعراض َّ‬ ‫تتضمن معرفة هللا‬ ‫العبادات التي‬
‫ِ‬
‫بربه جاءت عبادته على وجه أكمل ال تقاعس فيها وال تناعس ‪.‬‬

‫اإلسالمية تشتمل على مختلف األمور ولكن توحيد هللا تعالى ُي ّ‬


‫عد األمر األهم من بينها ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن العقيدة‬

‫وإن القرآن الكريم قد أظهر ضرورة التوحيد وشدد عليها في عدد كبير من املواضع مما يركز على‬
‫ً‬ ‫أهميت ه الكب يرة لإلنس ان ّ‬
‫ّ‬
‫ويبينه ا ل ه‪ .‬وإن ك ل إنس ان في النهاي ة يع ود خاض عا هلل تع الى وح ده‪ .‬فإراح ة‬
‫اإلنسانية من الهموم‪ ،‬وإعالء كرامتها ورفعها من ّ‬
‫سويتها وقيمتها ال يكون إال بتوحيد هللا تعالى‬ ‫ّ‬ ‫النفس‬
‫ّ‬
‫الحري ة ال يتم ش عورها إال بالخض وع ل ه وح ده‪ ،‬و الق رآن الك ريم ق د ذكرعدي دا من‬ ‫و منتهى‬

‫املعتقدات لألديان األخرى‪ ،‬ثم أورد الحجج املنطقية والعقلية فأبعدها عن عقل اإلنسان املسلم الذي‬

‫فوض جمیع أموره إلى هللا وحده ال شريك له ملا أنه ال خير فيها له وال فالح‪.‬‬
‫و ه ذا املص طلح العق ّ‬
‫دي اله ام ق د ورد في مواض ع متع ددة في الق رآن الك ريم واألي ات فص لت األحك ام‬

‫املتعلقة به وشرح حبيبه صلى هللا عليه وسلم كل ما كان مجمال فيه أو مبهما منه وعلى هذا املنوال قد‬

‫س ارت النص وص الش رعية وال نأخ ذ على ذل ك إال بعض األمثل ة ك النموذج مث ل م ا ورد في س ورة‬

‫اإلخالص من قوله تعالى‪( :‬قل هو هللا أحد) وكذا جاء في سنة رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ومن‬
‫َ‬ ‫َ َأ‬ ‫ُ َ ْ ُ َ َ‬
‫الم َعلى خ ْم َس ٍة‪َ :‬على ْن ُي َو َّح َد هللا‪َ ،‬وِإ ق ِام‬ ‫ذل ك قول ه كم ا ذك ر في ص حيح ملس لم والبخ اري‪( :‬ب ِني اِإل س‬
‫ً‬ ‫َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ان َوال َح ِّج)‪ .1‬عندما ننظر إلى كلمةالتوحيد فمعناها اللغ وي يتبين في‬ ‫الة َوِإ َيت ِاء الزك ِاة و ِص ي ِام رمض‬ ‫َّ‬
‫الص ِ‬
‫أم رين وهم ا‪ :‬تص يير الش يء إلى واح د أو جع ل مص ير الش يء واح دا ‪ ،‬ويس تنتج من ذل ك أن هللا تع الى‬
‫ّ‬
‫ربوبيته أو صفاته أو أسمائه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ألوهيته‪ ،‬أو‬ ‫واحد ال شريك له في شئ من‬

‫ّ‬
‫العلمي ة أن اإلنسان قد استطاع أن يصل إلى مراتب متقدمة وقد استمر في دراسة‬ ‫ونرى من الناحية‬
‫ّ‬
‫الخارجي وغيرها من املواضيع الهامة‪ .‬وقد‬ ‫ّ‬
‫الطبيعي ة والكائنات الحية والفضاء‬ ‫جسم اإلنسان والظواهر‬
‫ّ‬
‫أمد هللا االنسان بكل ما يحتاجه إليه من أجل دراسة هذا العالم ‪ ،‬واإلنسان له مشاهداته‪ ،‬ودراساته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التي أوصلته إلى أن يستنتج منه أن لهذا الكون خالقا واحدا وهو يملك كل شئ‪ ،‬وكل شيء يشير إلى‬

‫ذلك‪ ،‬و بفضل هذا قد ظهرهناك انسجام تام بين التوحيد و الفطرة اإلنسانية التي تطرب وتسمو إذا‬
‫ما ّ‬
‫وح دت هللا تعالى‪ ،2‬و الفطرة اإلنسانية السليمة تميل إلى مصدر األمان واالطمئنان وتحب ما يجلب‬

‫له ا النف ع وي دفع عنه ا الش ر‪ .‬فيمكنن ا الق ول ب أن التوحي د ه و فط رة هللا ال تي فط ر الن اس عليه ا ونج د‬
‫ً‬
‫النفس االنسانية الصادقة تواقة إلى هللا تعالى دائما ‪ ،‬وتبحث عنه بشكل مستمر‪.‬‬

‫‪ 1‬أخرجه ُ‬
‫الب ُّ‬
‫خاري في صحيحه(‪)4515 ،8‬‬
‫‪ 2‬محمد بن صالح بن عثیمین ‪ /‬القواعد املثلي في صفات هللا وأسمائه الحسنى ‪,‬ص‪12‬ط الثانیة ‪ /‬مؤسسة السنة ‪ ١٤١٤‬ھـ – ‪ ١٩٩٤‬م‪.‬‬
‫الفصل األول‬

‫معنى التوحيد والتوحيد في ذات هللا تعالى‬

‫املبحث األول‬

‫معنی التوحید لغة واصطالحا‬

‫َّ‬
‫وحيد لغة‪:‬‬
‫الت ِ‬

‫متعدد‪ ،‬وكل معاني هذه‬ ‫غير‬ ‫ً‬


‫واحدا أي َ‬ ‫الشيء‬ ‫ُ‬
‫جعل‬ ‫كلمة التوحيد أصلها من مادة "وحد" و هو يعني‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املادة في اللغة تدل على االنفراد أو املنفرد‪ .3‬وقيل إنها مأخوذة من الوحدة‪ ،‬وهي االنف ُ‬
‫راد‪ ،‬ومعنى َّ‬
‫وحده‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫واحدا‪.4‬والتوحيد مصدر من ّ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬ ‫ً‬
‫وحـد يوحد توحيدا‪ ،‬أي جعل الشيء واحدا‪ .‬فالكلمة‬ ‫جعله‬ ‫توحيدا أي‪:‬‬

‫تدل على تصيير الشئ واحدا‪.‬‬

‫التوحيداصطالحا‪:‬‬

‫املع نى اللغ وي للتوحي د يظه ر هن ا في املع نى االص طالحي كم ا هي الع ادة في املص طلحات‪.‬وتختل ف‬

‫التعريفات لفظا إال أنها تتوحد معنى‪ .‬وقد كثرت التعريفات للسلف الصالح ومغزاها واحد لذا نكتفي‬

‫ببعض منها طردا للباب ومن بين تلك التعريفات ما يأتي‪:‬‬

‫‪ 3‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬العين‪ ،‬صفحة ‪..280‬‬


‫‪4‬مقاييس اللغة البن فارس (‪ ،)6/90‬املفردات في غريب القرآن‪ ,‬لألصفهاني (ص‪ ،)857 :‬القاموس املحيط للفيروزابادي ص‪324 :‬‬
‫يق ول آم ال العم رو ‪":‬التوحي د ه و عب ادة هللا وح ده ال ش ريك ل ه‪ ،‬وإف راده بالعب ادة‪ ،‬وإثب ات‬ ‫‪.1‬‬
‫ّ‬
‫أس مائه وص فاته‪ ،‬وإف راد خص ائص الربوبي ة ل ه وح ده‪ ،‬وه و م ا ج اء يؤك ده كالم هللا س بحانه‬
‫وكالم ّ‬
‫نبيه الكريم‪.5‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫هللا ُس بحانه بما‬
‫ويقول ابن العثيمين ناقال عن ابن القيم رحمه هللا تعريف التوحيد‪ ":‬هو إفراد ِ‬ ‫‪.2‬‬

‫فات"‪.6‬‬ ‫ّ‬
‫والص ِ‬ ‫َّ‬ ‫الر َّ‬ ‫ُّ‬
‫يختص به من ُّ‬
‫واألسماء ِ‬
‫ِ‬ ‫واأللوهي ِة‬ ‫بوبي ِة‬

‫ويتلخص لنا من بين التعريفات أن التوحيد هو‪":‬اإليمان بواحدانية هللا تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله"‪،‬‬

‫و نتيجت ه ه و أن ه ليس هن اك ش ريك ل ه ال في ُملك ه وال ت دبيره وال خلق ه وال أم ره ‪ ،‬وه و الوحي د‬
‫يستحق‪  ‬أن يعبد وال ُت َ‬
‫صرف لغيره‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫إن َّ‬


‫الدين كله‪.‬‬
‫اإلسالمية عند املسلمين ويعتبر كيانا أساسيا ‪ ،‬بل هو محور ِّ‬ ‫التوحيد هو محور للعقيدة‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية‪ .‬فهو الباب الذي يدخل منه العبد إلى اإلسالم‪ .‬كلمة التوحيد هي‬ ‫وهو األساس لباقي املعتقدات‬

‫أص ل ال دين اإللهي‪،‬و من ل دن ن وح علي ه الس الم‪  ‬ح تى نبين ا محم د ص لى هللا علي ه وس لم ‪  ‬ك انت ه ذه‬

‫العقي دة دع وة لجمي ع‪ ‬األنبي اء‪ ‬والرس ل إلى أق وامهم ‪.‬وعلى أعت اب ه ذه العقي دة طري ق‪ ‬الكف ر‪ .‬وأم ا‬

‫النصوص لبيان معنى التوحيد من‪ ‬الكتاب‪ ‬والسنة فقد تضافرت ‪.7‬‬

‫والتوحيد بيدأ بكلمة «ال إله إال هللا» وهي في حد ذاتها تتضمن شيئين في وقت واحد أحدهما وحدانية‬

‫هللا تعالى في جميع األمور له وثانيهما الكفر‪ ‬بالطاغوت الذي هو نقيض هذه العقيدة وهو كل ما يعبد‬

‫من دون هللا تع الى ‪ .‬و من أتى به ذه الكلم ة ف إن ذل ك إعالن ص ريح في ذات ال وقت ب الكفر بالط اغوت‪،‬‬

‫‪ 5‬آمال العمرو‪ ،‬األلفاظ واملصطلحات املتعلقة بتوحيد الربوبية‪ ،‬صفحة ‪.14‬‬


‫‪ 6‬شفاء العليل‪,‬البن القيم (ص‪ ،)366 :‬القول املفيد البن عثيمين (‪)1/11‬‬
‫‪ 7‬محمد خلیفة علي التمیمي ‪ /‬الصفات اإللھیة‪ .‬تعریفھا‪ .‬وأقسامھا ‪ /‬ط أولي ‪/‬ص‪ ,24‬أضواء السلف ‪ ١٤٢٢ /‬ھـ – ‪ ٢٠٠٢‬م‪.‬‬
‫وإظه ار ال براءة من الش رك ‪ .‬ومعناه ا ال معب ود بح ق إال هللا ‪ ,‬فهي تنفي األلوهي ة عن غ ير هللا وتثبت‬

‫العب ادة هلل وح ده و تنفيه ا عن غ يره من س ائر املخلوق ات‪ ،‬وق د ك ثرت األدل ة على ه ذا األم ر اله ام من‬

‫كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫ومماذكرن ا ت بين لن ا أن التوحي د ال يك ون إال بنفي وإثب ات‪ ,‬فال إل ه (نفي) وإال هللا (إثب ات) وهم ا ركن ان‬

‫اساسيان لكلمة التوحيد أي ال إله معبود بحق إال هللا‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫مسميات التوحيد‬

‫هن اك كلم ات وردت في الق رأن والس نة تتق ارب معانيه ا وهي ذات ص لة بمع نى التوحي د إال أن هن اك‬

‫فروقا متعددة بين معنى كل كلمة منها ¸فإليك بعض هذه الكلمات‪:‬‬

‫أوال‪:‬العقيدة‪:‬‬

‫العقيدة لغة‪:‬‬

‫ّ‬
‫العقيدة في اللغة لها معان متعددة وهي كالتالي‪:‬‬

‫الح ّل ‪.‬و وق د أك د‬ ‫َْ‬


‫الش د والوث اق وه و الرب ط والش د بق وة‪ ,‬م أخوذ من العق د ال ذي عكس ها ِ‬ ‫‪.1‬‬
‫ْ َ‬ ‫َّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ات ِفي ال ُعق ِد)‬
‫الق رآن الك ريم معناه ا اللغ وي ‪,‬ق ال ‪-‬تع الى في س ورة الفل ق ‪(:‬و ِمن ش ِّر النفاث ِ‬
‫َُ‬
‫العقد وينفثون فيها‪ .8‬ومعناه يربطون العقدة ويشدونها‪.‬‬ ‫الس َح َرة الذين يعقدون‬
‫وتفسيرها أي َّ‬

‫‪- 8‬محمد سید أحمد املسیر‪ ,‬اإللھیات ص‪ / ,30‬دار االعتصام ‪ ١٤١٨ /‬ھـ – ‪ ١٩٩٨‬م‪.‬‬
‫َ َّ َ َ‬
‫ين َعق َد ْت‬ ‫ويأتي العقد بمعنى َّ‬
‫التأكيد كقولهم‪ :‬عقد العهد واليمين‪ ،‬وقال هللا َّ‬
‫‪-‬عز وجل‪( :-‬وال ِذ‬ ‫‪.2‬‬
‫َّ‬ ‫َأ ُ ُ‬
‫ْي َمانك ْم)‪ .9‬قد يأتي بوصل الشيء بغيره‪.‬‬

‫وقد يستعمل العقد بمعنى البيوع ومنه ما يأتي في كتب الفقه من أبواب العقود وقولنا في البيع‬ ‫‪.3‬‬

‫عقدته يعني أبرمته وأحكمته‪ ,‬واملعاقدة تأتي بمعنى املعاهدة‪,‬ومنه ماأطلق هللا ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫ُُْ‬ ‫َ َأ َّ َ َ ُ َأ ْ ُ‬
‫على اإليمان بأنه أوكد العهود حيث قال‪( :‬يا ُّي َها ال ِذين آمنوا وفوا ِبالعق ِ‬
‫ود)‪ ،‬و إذا قلنا"اعتقدت‬
‫َّ‬
‫والضمير عليه‪.10‬‬ ‫وع ْقدت القلب‬
‫األمر" فهذا يعني صدقته َ‬
‫ً‬
‫والعقيدة أيضا تأتي بمعنى ما يدين اإلنسان به‪،‬سواء كان سماويا أم ال‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫وم‬ ‫ٌ‬
‫وله ذه الكلم ة اس تعماالت أخ رى منه ا مايق ال ‪:‬عق د الجب ل عليهم إذا أطب ق ال وادي على ق ٍ‬ ‫‪.5‬‬
‫وع َق َد الحبل أو الخيط؛ أي َّ‬
‫شده‪.11‬‬ ‫فقتلهم ‪َ ،‬‬

‫وقد ظهر لنا من هذه املعاني أن العقيدة لها معان متعددة منها اإلحكام والتماسك واإلبرام واإلثبات‬
‫ً‬
‫والشد والوثاق‪ ،‬ويتم إطالقها على تأكيد اليمين والعهد ‪.‬وكل ما عقد اإلنسان قلبه عليه جازما يسمى به‬

‫فهو عقيدة‪.‬‬

‫العقيدة في االصطالح‪:‬‬

‫وق دوردت هن اك تعريف ات اص طالحية ع دة للعقي دة إال أن معناه ا في النهاي ة واح د‪ ,‬و من ه ذه‬

‫التعريفات ما يلي‪:‬‬

‫‪ 9‬محمد ملكاوي (‪1985‬م)‪ ،‬عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (الطبعة األولى)‪ ،‬املدينة املنورة ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪ :‬مكتبة دار‬
‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫الزمان‪ ،‬صفحة ‪.19-17‬‬
‫‪ 10‬محمد بن الطیب الباقالني ‪ /‬تمھید األوائل وتلخیص الدالئل ‪,‬ص‪ /,56‬تحقیق عماد الدین أحمد حیدر ‪ /‬مؤسسة الكتب الثقافیة ‪/‬‬
‫‪ ١٤٠٧‬ھـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 11‬سعيد القحطاني‪ ،‬املسلم في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬الرياض ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪ :‬مطبعة سفير‪ ،‬صفحة ‪ ،690‬جزء ‪ .2‬بتصرف‪.‬‬
‫ً‬
‫اصطالحا ُتطلق على اإليمان الجازم‪ُ ،‬‬
‫والحكم القاطع الذي ال َّ‬
‫شك فيه‪ .‬فإذا ربط الرجل قلبه‬ ‫‪:1‬العقيدة‬
‫ً‬ ‫ذهبا و دين ًا لنفس ه فهذايس ّمى عقي دة س ً‬
‫ً‬
‫واء ك ان ه ذا االعتق اد ص حيحا أم‬ ‫وض ميره ب أمر واتخ ذه م‬
‫ً‬
‫باطال‪.12‬‬

‫وخالصة هذا التعريف أن العقيدة تطلق على كل أمر يجزم أحد به ويقطع األمر فيه بغض النظر عن‬

‫كونه مسلما أو غير مسلم وبغض النظر عن أن هذا األمر صحيح أم باطل ‪ ,‬سماوي أم وضعي انساني ‪.‬‬

‫اإليمان به َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫دون ّ‬
‫شك‪.13‬وهذا التعريف يختص‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫هللا تعالى وما َو َجب‬
‫توحيد ِ‬
‫ِ‬ ‫وع ْق ُده على‬
‫القلب َ‬
‫ِ‬ ‫‪ :2‬هي جزم‬

‫بمن كان له إيمان باهلل ويعترف بوحدانيته تعالى‪.‬فيشترط فيه أن يكون االنسان خاضعا ألمر سماوي ال‬

‫دخل فيه للعقل االنساني البحت‪.‬‬

‫ً‬
‫‪:3‬إن العقيدة اصطالحا تطلق على أمرين‪ :‬عام وخاص‪:‬‬

‫أم‪HH‬ا في االص‪HH‬طالح الع‪HH‬ام‪ :‬فإن العقيدة هي اإليمان الجازم‪ ،‬والحكم القاطع لدى املعتقد دون النظر إلى‬

‫نوع االعتقادهل هو حق هو أم باطل كما ذكرنا في التعريف األول أنفا‪.‬‬

‫وأما في االصطالح الخاص فهي في كالم العلماء أن يجزم املسلم إيمانه باهلل فيما يتعلق به من األلوهية‬

‫والربوبية واألسماء والصفات‪ ،‬وأن يؤمن بمالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر خيره وشره‪،‬‬

‫ويقطع الحكم بأص ول الدين كلها مثل ما جاءت به النص وص الص حيحة ‪ ،‬و أن يعترف ب أمور الغيب‪،‬‬

‫وأخباره‪ ،‬وكذامانقل من السلف الصالح من اإلجماع‪.‬‬

‫‪ 12‬سعيد القحطاني‪ ،‬املسلم في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬الرياض ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪ :‬مطبعة سفير‪ ،‬صفحة ‪ ،690‬جزء ‪.2‬‬
‫‪(( 13‬املصباح املنير)) للفيومي (‪(( ،)421 /2‬التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص‪)55 :‬‬
‫فإذا كان هناك أمر دخله الشك واالضطراب سواء كان يتعلق بأمور عقدية أو عملية فال يسمى ذلك‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عقيدة‪ ،‬ألن العقيدة البد أن يكون مقطوعا و مجزوما بها‪ ،‬والقلب يكون معقودا عليها‪ ،‬فهي إذا تخص‬
‫ً‬
‫األعم ال الديني ة املتعلق ة ب القلب غالب ا مث ل‪ :‬التص ديق ‪,‬اإليم ان‪ ،‬الخ وف‪ ،‬الرج اء‪ ،‬ونح و ذل ك‪ ،‬وأم ا‬

‫األعمال الظاهرة فال ترتبط بها إال من جهة خاصة مثل‪ :‬اعتقاد تحريم الربا‪ ،‬والعمل بهذا االعتقاد‪.14‬‬

‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اإلسالمية هي اإليمان الجازم باهلل ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬و اليقين والتسليم‪ .‬فكل ما كان قطعيافي‬ ‫والعقيدة‬
‫ٌ‬
‫مندرج‬ ‫الدين من أركان اإلسالم واألمر باملعروف‪َّ ،‬‬
‫والن ُ‬
‫هي عن املنكر‪ ،‬واملعاملة الحسنة وغيرها ما هو‬ ‫ِّ‬
‫الصحيح من الدين اإلسالمي هو من األمور العقدية ‪.15‬كأمور غيبية وغير غيبية وكل ما َّ‬
‫صح ثبوته‬ ‫تحت َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل ما هو ُّ‬
‫ضدها‪.‬‬ ‫من الوحي للنبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬واألخالق الحميدة وااللتزام بالفضائل ونفي ُّ‬
‫ِّ‬

‫الدين‪ ,‬ووجود الخلل في العقيدة‬


‫فكما يكون األساس للبناء كذلك العقيدة هي األساس الذي يقوم عليه ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الكاملة ال يأتي إال ممن خالف شيئا من تلك األصول‪,‬مثال لوأنكر أحد املسلمين وجود أحد من املالئكة‬
‫اَّل‬ ‫وآمن بالباقي فإن هذا األمر ُينافي العقيدة َّ‬
‫الصحيحة ألنها ال تكون كاملة إ با ِّتباع جميع أصولها‪. 16‬‬

‫العالقة بين التوحيد والعقيدة‪:‬‬

‫علم التوحي د ق د ُس ّمي بعلم العقي دة بن اء على النت ائج والثم ار املرج وة من ه‪ ،‬فعلم العقي دة يق وم ب ّ‬
‫رد‬

‫الش بهات وعلم التوحي د ُيس تدل ب ه على إثب ات العقائ د الديني ة‪ ،‬فكالهم ا يجتمع ان بمعرف ة الح ق م ع‬

‫االستدالل عليه‪ ،‬والنتيجة هي أنهما علمان مترادفان لبعضهما البعض‪.17‬‬

‫‪ 14‬محمد عاطف العراقي ‪ /‬ثورة العقل في الفلسفة العربیة‪,‬ص‪ / ,36‬ط الرابعة ‪ /‬دار املعارف ‪١٩٧٨ /‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫‪ 15‬ناصر العقل‪ ،‬مجمل أصول أهل السنة‪ ،www.islamweb.net ،‬صفحة ‪ ،4‬جزء ‪.1‬‬
‫‪-‬محمد عاطف العراقي ‪ /‬دراسات في مذاھب فالسفة المشرق‪ ,‬ص‪ /,67‬ط الثالثة ‪ /‬دار المعارف ‪ ١٩٧٣‬م‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫‪ 17‬شمس الدين األفغاني‪ ،‬جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية‪ ،‬صفحة ‪.101-100‬‬
‫ثانيا‪:‬اإليمان ‪:‬‬
‫ِ‬

‫ُ‬
‫اإليمان لغة‪:‬‬

‫النفس‪ ,‬واإليمان يأتي بمعنى َّ‬ ‫ُ‬


‫وط َمأنينة َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صديق ‪.18‬‬
‫ِ‬ ‫الت‬ ‫اإليمان في اللغة أصله من األمن وهو زوال الخوف‬

‫وهو كذلك ُمطلق التصديق‪.19‬‬

‫اإليمان اصط ً‬
‫الحا‪:‬‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫واإليمان أيضا تتعدد له التعريفات غيرأن املغزى واحد‪ ,‬و من هذه التعريفات ما يلي‪:‬‬

‫الص الة ّ‬
‫والس الم‪-‬‬ ‫بكل ما َ‬
‫أخب ر به هللا تعالى ورسوله ‪-‬عليه ّ‬ ‫‪:1‬اإليمان في االصطالح هو‪َّ :‬‬
‫التصديق الجازم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫مأنينة‪ ،‬والقبول واالنقياد له‪.20‬‬
‫ِ‬ ‫اإلقرار والط‬
‫ِ‬ ‫مع‬

‫الصالة ّ‬
‫والسالم‪ -‬و يذعن له ويقبله ‪.‬‬ ‫اإليمان هو أن يصدق القلب ب ُك ّل ما جاء به ّ‬
‫النبي ‪-‬عليه ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪:2‬‬
‫ِ‬

‫أركان اإلسالم‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لإليم ان س تة أرك ان ذكرناه ا فيم ا تق دم وهي اإليم ان باهلل و اإليم ان باملالئك ة و اإليم ان ب الك ُتب ال تي‬
‫أنزله ا هللا على األنبي ا والرس ل و اإليم ان ُّ‬
‫بالرس ل املبع وثين إلى األمم و اإليم ان ب اليوم اآلخ ر‪ ،‬اإليم ان‬
‫َ‬
‫بالقضاء والق َدر خيره وشره‪.21‬‬

‫‪(( 18‬املفردات في غريب القرآن)) لألصفهاني (ص‪(( ،)90 :‬لسان العرب)) البن منظور (‪(( ،)1/140‬تاج العروس)) للزبيدي (‪)18/24‬‬
‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫‪ 19‬مركز قطر للتعريف باإلسالم وزارة األوقاف والشؤون الدينية ‪ -‬بقطر‪ ،‬التعريف باإلسالم‪ ،‬صفحة ‪.109‬‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫يمية (ص‪)439 :‬‬ ‫يمية (‪(( ،)3/966‬اإليمان األوسط)) البن ت‬ ‫‪(( 20‬الصارم املسلول)) البن ت‬
‫‪ 21‬محمد عبد الھادي أبو ریدة ‪ /‬إبراھیم بن سیار النظام وآراؤه الكالمیة والفلسفیة‪,‬ص‪ / ,89‬لجنة التألیف والترجمة والنشر‪.‬‬
‫الفرق بين اإليمان والتوحيد‪:‬‬

‫ّ‬ ‫التوحيد واإليمان هو أن َّ‬


‫التوحيد أن يفرد الرجل سبحانه َّ‬
‫عز َّ‬ ‫رق ْبين َّ‬ ‫َ‬
‫الف ُ‬
‫ويختص به‪.‬‬ ‫وجل بما ِيجب له‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫صديق ال ذي يتض ِّم ُن القب ول التام واإلذعان‪ ،‬فالنس بة بينهما عم وم وخص وص؛‬‫فهوالت‬ ‫اإليمان‬ ‫و أما‬
‫َّ‬
‫أخص من اإليمان‬ ‫ُ‬
‫وحيد‬ ‫الت‬ ‫ُ‬
‫يكون َّ‬ ‫ّ‬
‫العام‪،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫فكل من وح د فق د أمن‪ ،‬وك ل من أمن فقد وح د باملعنى ِ‬
‫َ‬
‫أخص من َّ‬
‫التوحيد‪.22‬‬ ‫أحيانا ‪ ،‬وقديكون اإليمان‬

‫الفرق بين العقيدة واإليمان‪:‬‬

‫ُ‬
‫دة هي ُّ‬ ‫َ‬
‫أعم من اإليم ان ملا أن اإليم ان ج زء للعقي دة‪.‬فه و أخص منه ا ألن اإليم ان يك ون باهللِ‬ ‫العقي‬
‫َ‬
‫اآلخ ِر وبالق َد ِر و كل هذه أجزاء من العقيدة‪.23‬‬ ‫َ‬ ‫ُُ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وم ِ‬ ‫ومالِئ ك ِته وكت ِبه ورس ِله والي ِ‬

‫اَّل‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫الس َّن ِة والجماعة‪ ،‬إ َّأن هناك‬ ‫ملة ألفاظ ُمتقاربة املعنى عند أهل ُّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫فالعقيدة واإليمان والتوحيد في الج ِ‬
‫ُ ُ‬
‫يحدث‬ ‫وحيد‪ ،‬وقد‬ ‫رونها في ُك ُتب َّ‬
‫الت‬ ‫ذك َ‬ ‫َ ُ‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ا‬‫العق‬ ‫ب‬ ‫ذكرون َمس ا َل في ُ‬
‫كت‬
‫َ ُ‬
‫بعض الفروق وهي أنهم قد ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫قيدة‬ ‫َ‬ ‫الحا باعتبار َّأن ع َ َّ‬ ‫والتوحيد اصط ً‬ ‫العقيدة َّ‬ ‫فر ُق بين علم َ‬‫كس‪ .‬وقد ُي َّ‬‫الع ُ‬ ‫َ‬
‫بإثبات الع ِ‬
‫ِ‬ ‫وحيد يعتنني‬
‫لم الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫والف َرق‬
‫بهات ومناقش ِة ال ِديانات ِ‬ ‫رد الش ِ‬ ‫دة يعتن ني م ع ذل ك ب ِ‬ ‫حيحة بأدل ِته ا الثابت ِة‪ ،‬وأن ِعلم العقي ِ‬
‫ِ‬ ‫الص‬

‫وحيد‪ .24‬وهذا ما أشرنا إليه سابقا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫العقيدة َّ‬‫املخالفة‪ ،‬فعلى ذاه تكون َ‬
‫أعم موضوعا من الت ِ‬ ‫ِ ِ‬

‫َّ‬ ‫ُأ‬
‫والسنة إال أنها بمعنى التوحيد ‪،‬وقد استعملها العلماء لصحة‬ ‫هناك مصطلحات خرى لم ترد في الكتاب‬
‫ٌ‬
‫ؤلفات عديدة‪،‬‬ ‫استعمالها وعدم الضير فيها‪ ،‬وهي مثل مصطلح الشريعة‪ ،‬وقد جاء في هذا املوضوع ُم‬

‫‪(( 22‬مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (‪)1/26‬‬


‫‪(( 23‬مجموع فتاوى ابن باز)) (‪)6/217‬‬
‫‪ 24‬علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة‪ ,‬ملحمد يسري ‪,‬ص‪.129 :‬‬
‫مثل ما كتبه إإلمام اآلجري ‪-‬رحمه هللا‪ ،-‬كتابه وسماه بالشريعة وموضوعات هذا الكتاب كلها تتعلق‬

‫بالتوحيد و العقيدة‪ ،‬وكذلك مصطلح الفقه األكبركما سمى اإلمام أبو حنيفة ‪-‬رحمه هللا‪-‬كتابه بالفقه‬
‫والص حابة‪ُّ ،‬‬
‫والنب وات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫األك بر وذك ر في ه مس ائل اعتقادي ة كالتوحي د في األس ماء‪ِّ ،‬‬
‫والص فات‪ ،‬واإليم ان‪،‬‬
‫َّ‬
‫املختصة في العقيدة‪.25‬‬ ‫وغيرها من املسائل‬

‫فالتوحيدله مسميات عديدة مثل اإليمان والعقيدة والفقه األكبر والشريعة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬

‫أسباب معرفة توحيد هللا سبحانه وتعالى‬

‫إن عقيدة التوحيد تشتمل محاورها على حب العبد لخالقه‪ ،‬و هذا الحب يتمثل في الخضوع واالنقياد‬

‫له‪ ،‬وإخالص العبد كل الطاعات والعبادات له‪ ،‬وابتغاء مرضاته في كل أفعاله وأقواله‪ ،‬و من مقتضيات‬

‫ه ذا األم ر أال يق ر العب د بوج ود هللا تع الى وملكيت ه لك ل ش يء فق ط ب ل بإتي ان م ا ذكرن اه من األم ور‬

‫الرئيس ية‪ .‬وهن اك أم ور عدي دة في الك ون ت دعو االنس ان إلى أن يع رف رب ه وأن يوح ده طوع ا عن‬

‫قلبه‪,‬وهذه األمور الكونية هي التي تعد من أسباب املعرفة لتوحيد هللا سبحانه وتعالى‪,‬وهي فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪:‬وحدة النظام وتناسقه‪:‬‬

‫إن النظ ام في الع الم متناس ق بعض ه ببعض و محت اج بعض ه إلى بعض ‪,‬مرتب ط بعض ه ببعض ‪,‬فوح دة‬

‫النظ ام الك وني وتناس قه مترتب ا بعض ه م ع بعض من أهم أس باب معرف ة توحي د هللا س بحانه وتع الى‬

‫‪ 25‬محمد بن عودة السعوي (‪ ،)1425‬رسالة في أسس العقيدة (الطبعة األولى)‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ :‬وزارة الشئون اإلسالمية‬
‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫واألوقاف والدعوة واإلرشاد‪ ،‬صفحة ‪.7-6‬‬
‫ّ‬
‫ويظهر ذلك لكل من له عقل بأدنى التفات‪ .‬فالداللة ال واضحة من هذا ّأن منظم الكون ومبدعه واحد‬
‫ال شريك له في التصرف واألمر ألن وجود الشريك ال يدع هذا النظام يبقى ّ‬
‫متصال متناسقا دقيقا ‪ ،‬بل‬

‫األش ياء كله ا س تدخل بعض ها في البعض وس ينتج ه ذا في فس اد الك ون‪ ،‬وه ذا م ا أش ار إلي ه س بحانه‬
‫ٌ اَّل َّ َ َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫وتعالى بقوله‪ " :‬ل ْو كان ِف ِيه َما ِآل َهة ِإ الل ُه لف َس َدتا ‪."26‬‬

‫ّ‬ ‫إن أجزاءالطبيعة مترابطة و واحدة ّ‬


‫منظم واحد ألن مجموع العالم من حيث هو‬
‫تدل بكل صراحة على ِ‬
‫ّ‬ ‫مجم وع ش خص واحد وذل ك ب ّ‬
‫أن أج زاء الع الم بينه ا عالق ة ذاتي ة؛ ّ‬
‫ألنه ا حاص لة على ال ترتيب العلي‬

‫واملعلولي وتكون له وحدة طبيعي ة‪ ,‬وليس كما إذا انضمت األش ياء املتغايرة ولها عالقة بعض ها ببعض‬

‫فأص بحت ش يئا واح دا مث ل اجتم اع ال بيت من اللبن ات‪ ،‬والعس كر من أف راد ‪ ,‬وه ذا م ا أش ار إلي ه‬

‫الشيرازي في األسفار‪.27‬‬

‫وك ذالو التفتن ا يمين ا وش ماال في ه ذا الك ون لرأين ا أن ك ل ش ئ مرتب ط بعض ه ببعض ‪ ,‬على س بيل‬

‫املث ال ‪:‬نم ّو النبات ات مرتب ط بن ور الش مس وض وء القم ر ‪,‬ن ور األول يص ل من مس افة ‪ 90‬ملي ون مي ل‬
‫ُ‬
‫وضوء الثاني يصل من مسافة ‪ 300‬ألف كلم‪.‬والحيوانات بحاجة إلى النباتات وك ل منهما بحاجة إلى املاء‪،‬‬

‫وهو بحاجة إلى الشمس إلحداث الغيوم‪ ،‬واإلمطار على األرض‪ .28‬وال يمكن إدارة هذه األمور إال بيد‬

‫ذات واحدة ويستحيل عليه وجود الشريك في أي شئ يختص به‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬قانون الحدوث‪:‬‬

‫‪ 26‬مصطفي عبد الرازق ‪ /‬تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة‪ ,‬ص ‪ / ,56‬لجنة التألیف والترجمة والنشر ‪ ١٣٦٣ /‬ھـ – ‪ ١٩٤٤‬م القاھرة‪.‬‬
‫‪ 27‬الشيرازي‪ ،‬صدر الدين‪ ،‬الحكمة املتعالية في األسفار العقلية األربعة‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ 28‬یحي ھویدي ‪ /‬دراسات في علم الكالم والفلسفة اإلسالمیة‪,‬ص‪ / ,78‬دار الثقافة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫إن هذا الكون قد حدث وحدوثه و وجوده جاء من العدم وليس هناك مجال للشك في حدوث الكون ‪،‬‬

‫وه و ال ذي ق رره العلم اء ح ديثا ألن األدل ة والظ واهر في ه ذا الك ون ت دل على حدوث ه ملا يح دث هن ا‬

‫تغي يرات ليس ت بي د االنسان إيجادها وال إيقافها وأب رز ه ذه األدلة والظ واهر هي الطاق ة الشمس ية ‪،‬و‬

‫قوانين الحرارة‪ ،‬وحركة االلكترونات وغيرها من القوانين الفطرية الدالة على حدوث الكون وقدم من‬

‫أحدث ه وبالت الي يمكنن ا الق ول ب أن املح دث له ذا الك ون ليس إال ذات واح دة وهي ال تي ت دير األم ور‬

‫بقدرته و ال بد أن تكون باقية أبدا ال فناء عليها ‪.29‬‬

‫ثالثا‪:‬قوانين الحرارة‪:‬‬

‫ً‬
‫إن مكونات هذا الكون يفقد حرارتها تدريجيا وفي معظم املواضع تزداد الحرارة كل سنة مثل ما حدث‬

‫العام الحالي في أوروبا وأسيا ‪2022‬مقارنا بالسنوات املاضية ‪ ،‬فإما سيبلغ االنخفاض إلى الصفر املطلق‬

‫كما يحدث في سائبيريا وغيرها أو ستشتد وتتوهج إلى أن تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة‪ .‬فتغيير هذه‬

‫الق وانين كله ا دلي ل واض ح على أن أص ل الك ون أو أساس ه ح ادث و يغ يره من ه و أق وى من الجمي ع و‬

‫واحد في الكون ‪ .‬فهذا الكون يحمل في نفسه بداية ‪ ،‬وال يمكن أن ت كون بدايته بنفسه بل ال بد له من‬

‫موجد في ذاته و صفاته وهو هللا تبارك وتعالى ‪.30‬‬

‫رابعا‪:‬قانون اإلرادة‪:‬‬

‫إن ع دم حص ول الص دام وال دمار وس ير أف راد مجموعتن ا الشمس ية في م دار محكم و تح رك الري اح‬

‫وتسوق السحب تراب ونبات الزرع و نموه باملاء الالزم للحياة و تنفس اإلنسان من الهواء دون توقف‬

‫‪ 29‬یحي ھویدي ‪ /‬دراسات في علم الكالم والفلسفة اإلسالمیة‪ / 90,‬دار الثقافة للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ 30‬مصطفي عبد الرازق ‪ /‬تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة‪,‬ص‪ / ,86‬لجنة التألیف والترجمة والنشر ‪ ١٣٦٣ /‬ھـ – ‪ ١٩٤٤‬م القاھرة‪.‬‬
‫وتك وين الطع ام وإنض اج الثم ر بالش مس والقم ر و ارتب اط العظ ام بالجس م و ارتب اط الجه از التنفس ي‬

‫بالجهاز العصبي و ارتباط الجهاز الهضمي بالجهاز الدموي (الدوري)كلها دليل على أنها وجدت وخلقت‬

‫بإرادة واحدة‪ ،‬ال بإرادتين‪ . 31‬ألن اإلرادتين ال تجتمعان على هذا التناسق في كل شئ بل ال بد أن يكون‬

‫هناك خالف بينهما ‪,‬فالكون مخلوق بإرادة واحدة ‪ ،‬و من الواضح أن الذي خلقه واحد ال ثاني له وهو‬

‫س بحانه وتع الى ‪ ,‬فه و ال ذي ينبغي أن يوح د ويعب د ويع رف‪.‬ف إن العق ول الس ليمة تش هد على ه ذا وهي‬

‫تشاهد ‪.‬‬

‫خامسا‪:‬الوسطية بين اإلفراط والتفريط‪:‬‬

‫هناك طبقات في الكون منها مايحل روح اإلله في امللوك والحكام ومنها ما يحل ذلك في بعض الحيوانات‬

‫والنباتات والجمادات ‪,‬فالعقيدة التوحيداإلسالمية وسط بين طبقتين‪:‬‬

‫إحداهما تنكر كل ما وراء الطبيعة من األشياء التي ال تصل إليه حواسهم‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫وأخراهما تثبت للعالم أكثرمن إله كما ذكرنا ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫وأما عقيدة التوحيداإلسالمية فقد رفضت اإلنكار امللحد كما هو حال الطبقة األولى وطرد اإلشراك‬

‫الغاف ل وخالتع دد الجاه ل كم ا هوح ال الطبق ة الثاني ة ‪,‬وأثبتت للع الم كل ه إله ا واح د ال ش ريك ل ه في‬

‫الخلق واألمر‪.32‬‬

‫ما ذكرنا من الوسطية هي بالنسبة إلى أديان أخرى وأما بالنسبة إلى فرق املسلمين فا لتوحيد وسط‬

‫في الصفات الواجبة هلل تعالى بين طبقتين أيضا ‪:‬‬


‫‪ 31‬محمد عاطف العراقي ‪ /‬دراسات في مذاھب فالسفة املشرق ص‪ /,87,‬ط الثالثة ‪ /‬دار املعارف ‪ ١٩٧٣‬م‪.‬‬
‫‪ 32‬محمد عاطف العراقي ‪ /‬ثورة العقل في الفلسفة العربیة‪,‬ص‪ / 65‬ط الرابعة ‪ /‬دار املعارف ‪١٩٧٨ /‬م‪.‬‬
‫فلم تس لك س بيل التش بيه والتمثي ل والتجس يم مث ل م ا فعلت بعض العقائ د حيث جعلت اإلل ه‬ ‫‪.1‬‬

‫كأنه أحد املخلوقين ومن لوازمه املقررة أن يلحقه ما يلحقهم من نقص وعيوب‪.‬‬

‫ولم تسلك سبيل الغلو في التجريد من الصفات فتجعل صفات اإلله صورا ذهنية تكون مجردة‬ ‫‪.2‬‬

‫عن أي معنى قائم بذات ال توحي بخوف وال رجاء مثل ما فعلت الفلسفة اليونانية‪.،33‬‬

‫وأما العقيدة اإلسالمية للتوحيد فهي تنزه هللا تعالى إجماال عن مشابهة املخلوقين بقواعد عديدة ثابتة‬

‫في القرأن والسنة وقررها علماء األمة من السلف الصالح وهي‪:‬‬

‫قوله تعالى‪ { :‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫وقوله تعالى‪ { :‬ولم يكن له كفوا أحد }‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫وقوله تعالى‪{  :‬هل تعلم له سميا}‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫العقيدة اإلسالمية للتوحيد تصف إله الكون بصفات إيجابية فعالة تنجز أمرين في وقت واحد ‪,‬تبعث‬

‫الخوف في نفوس العباد لالجتناب مما نهاه هللا تعالى عنه عظمة وإجالال له وتخلق الرجاء في صدورهم‬

‫لئال يتسلل اليأس إلى الخلق وذلك كما ورد في اية الكرسي‪. 34‬‬

‫أمران مهمان في أمور العقائد‪:‬‬

‫هن اك أم ران مهم ان في أم ور العقائ د بين األدي ان واملذاهب ال ب د من ذكرهم ا ليتض ح ش مول ووس طية‬

‫ورجحان العقيدة اإلسالمية من بين العقائد األخرى وهما‪:‬‬

‫‪- 33‬محمد إبراھیم الفیومي ‪ /‬املعتزلة تكوین العقل العربي أعالم وأفكار ص‪ 98‬ط أولي ‪ /‬دار الفكر العربي ‪ ١٤٢٣ /‬ھـ – ‪ ٢٠٠٢‬م‬
‫‪ 34‬فیصل بدیر عون ‪ /‬الفلسفة اإلسالمیة في املشرق‪ ,‬ص ‪ / 56‬دار الثقافة للنشر والتوزیع القاھرة ‪١٩٨٠ /‬م‪.‬‬
‫التقليد األعمى لكل بدليل أن األمر يجري متوارثا بين األجيال من قرون ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫التوغل و الغلو العقلي إلدراك ّ‬
‫كل شيء حتى البحث عن الذات اإللهية ووصفها بإدراكات عقلية‬ ‫‪.2‬‬

‫محضة ال تخضع ألي قانون‪.‬‬

‫ّإن العقيدة اإلسالمية للتوحيد وسط بين هذين األمرين ‪,‬فهي تنهى عن التقليد األعمى في كل شئ كما‬

‫ج اء في الق رأن الك ريم واض حا جلي ا ب أن ع اب هللا على الق ائلين ‪ { :‬إن ا وج دنا آباءن ا على أم ة و إن ا على‬

‫آثارهم مقتدون }‪.‬فنفت األية الكريمة التقليد األعمى بكل صراحة بمجرد أن األمر متوارث دون شئ‬

‫أخر‪  .‬وكذا تنهى عن التوغل بالعقل إلدراك كيفية صفات الرب تعالى كما أوضح ذلك القرأن الكريم‬

‫بق ول هللا ع ز وج ل‪ { :‬وال يحيط ون ب ه علم ا }‪  ‬وك ذا ق ال‪ { :‬وال تق ف م ا ليس ل ك ب ه علم }‪ .‬ف إذا نفت‬

‫ه ذين األم رين كليهم ا لم تب ق إال ال دعوة إلى التوس ط واألخ ذ باملدركات كوس ائط حس ب اس تطاعة‬

‫االنسان‪.‬وبهذا الصدد ‪.35‬‬

‫فهي إذن على انسجام كامل ووفاق تام مع الفطرة السليمة ال مناقضة لها وال غريبة عنه و الواقع خير‬

‫شاهد على هذه املوافقة ألن اإلنسان عندما يصاب بضر فالقوى املاديةكلها تعجز أمامه إذا لم يشأ هللا‬

‫تعالى معافاته من ذلك املرض ‪ .‬والحقيقة أنه لو ترك االنسان وحاله دون تأثير البيئة لم يبق هو إال‬

‫موحدا هلل تعالى معترفا بوحدانيته وربوبيته ‪,‬لذلك قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪(( :‬كل مولود‬

‫يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه))َ‪.36‬‬

‫َ َّ ُ‬
‫قالنية‪:‬‬‫سادسا‪:‬الع‬

‫‪ 35‬سعيد القحطاني‪ ،‬املسلم في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬الرياض ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪ :‬مطبعة سفير‪ ،‬صفحة ‪ ،540‬جزء‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ :36‬أخرجه أحمد (‪ )15589‬بنحوه مطوال‪ ،‬والطبراني (‪ )830( )1/283‬باختالف يسير مطوال‪ ،‬وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (‪)2/434‬‬
‫ً‬
‫مختصرا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫بالعقالني ِة وهنا البد من أن نعرف الفرق بين‬ ‫إن التوحيد يوافق العقل الصريح وهذه املوافقة نسميها‬

‫األمرين أحدهما عجز العقل عن إدراك أمر وثانيهما مخالفة العقل ألمر فاألمور العقدية قد يعجز عن‬
‫يمي َة‪ُ :‬‬
‫"فيخب َ‬
‫رون(األنبي اء والرس ل)‬ ‫ابن َت َّ‬
‫إدراكه ا العق ل ولكن ال يخالفه ا العق ل‪ .‬وه ذا م ا ق ال عن ه ُ‬
‫ِ‬
‫ون على هللا إاَّل َ‬
‫الح ّق ألنهم‬ ‫العق ول" وه ذا ألن األنبي اء ال يقول َ‬
‫االت ُ‬ ‫بمح ِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول‪ ،‬ال ُبمح ِ‬
‫ارات العق ِ‬
‫كذب‪،‬ألنه إما أن يكون‬
‫معصومون عن الخطأ فيستحيل عليهم الكذب ‪,‬فدعوى مناقضة العقل الصريح ِ‬
‫حيح‪.37‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ريح أو املنقول ليس بص ٍ‬
‫ذلك املعقول ليس بص ٍ‬

‫إن توحيد هللا تعالى يستوعب العقل السليم ومستويات التفكير عند اإلنسان وبالتوحيد تتأتى سالمة‬

‫العق ل اإلنس اني من التناقض ات واالض طرابات وه و أمن اإلنس ان واس تقراره في ال دنيا‪،‬حيث تس تقيم‬

‫فكرة التوحيد لتتناسب مع قدرات العقل الذهنية‪.‬‬

‫سابعا‪:‬خصائص التوحيد من أهم أسباب معرفة التوحيد‪:‬‬

‫إن خصائص التوحيد هي التي تدعو االنسان إلى أن يعرف ربه في الكون ومن أهم خصائص التوحيد‬

‫التي ذكرها العلماء مايلي‪:‬‬

‫‪ :1‬عقيدة التوحيدربانية من عند هللا‪:‬‬

‫لكونها ربانية من هللا عز وجل إن عقيدة التوحيد لم تتغير ولم تتبدل وهذا ما يجعل النفس االنسانية‬

‫تطمئن إلى أنها خير ألنفسنا‪ ،‬فكل من قام بتنفيذها انتظرته السعادة الكامنة في ذلك ‪ ،‬وكل من تركها‬

‫‪(( 37‬الجواب الصحيح)) (‪)4/400‬‬


‫أصابته الشقاء املنتظر املترتب عليه‪ .‬عدم تغيرها وتحريفها دلسل على أنها مبرأة من النقص والظلم و‬
‫َّ‬
‫أنها ساملة من العيب ‪ .‬وما هذا إال منهاج هللا‪.‬‬

‫ومن خصائص ربانيتها أن الناس أمامها سواسية وال فضل لعربي على عجمي إال بالتقوى وال تفضيل‬

‫للرجال على النساء وال تفضيل للون على اللون‪.38‬‬

‫َ ُ‬
‫المة املَ َ‬
‫صد ِر‪:‬‬ ‫‪ :2‬عقيدة التوحيد تمتازبس‬

‫ُ‬ ‫الاعتماده ا على كت اب هللا وس َّنة رس ول هللا وإجم اع من َس لف من علم اء األم ة َ‬


‫فح ْس ب إن َعقي دة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫التوحيد تمتاز بسالمة املصدر في أساسها ومنهجها من بين العقائد األخرى ‪َ ،‬‬
‫وسندها متصل بمن بعثه‬

‫هللا تعالى لهداية الناس كافة‪ .‬وكما ذكرنا أن املبعوث من الرب يكون معصوما عن الخطأ والكذب على‬

‫هللا‪-‬معاذ هللا من ذلك‪ .-‬وبعد ذلك توارث هذا األمر من يومه ذلك إلى يومنا هذا دو تأثير االنقطاع في‬

‫ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫الك ْش ف َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫و تنع دم ه ذه الخاص َّي ُة وال َ‬
‫والح ْد ِس‬ ‫ِ‬ ‫والنظ ِر أو على‬ ‫يعتم د على َ‬
‫العق ِل‬ ‫ذاهب من ِ‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫توج ُ‬
‫د‬
‫َّ‬
‫والصوفي ِة ألن سالمة العقول البشرية من التناقضات واالضطرابات‬ ‫أهل الكالم‬ ‫َ ْ‬
‫واإللهام والوج د من ِ‬
‫ِ‬
‫ليست في وسع االنسان فال َ‬
‫يس ُعهم ذلك‪.‬‬

‫‪ :3‬عقيدة التوحيد تمتاز بالوضوح والبيان ‪:‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ‬


‫اظ‬
‫وض‪ ،‬والتعقي ِد في األلف ِ‬ ‫فة املحض ة والغم ِ‬
‫ض والفلس ِ‬ ‫ض‪ ،‬وس المتها من التن اق ِ‬
‫لخلوه ا من التع ار ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫كالم هللا امل ِب ِين‪،‬‬
‫وح والبي ِان ؛ ملا ذكرن ا من أنه ا مس تمدة من ِ‬
‫واملع اني إن عقي دة التوحي د تمتازبالوض ِ‬
‫‪ 38‬فیصل بدیر عون ‪ /‬الفلسفة اإلسالمیة في املشرق ‪ /,135,‬دار الثقافة للنشر والتوزیع القاھرة ‪١٩٨٠ /‬م‪.‬‬
‫َّ‬ ‫صلى ُ‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫هللا عليه وسلم ومعينها عذب صاف ال يشوه شائبة اإلبهام والغموض بينما‬ ‫هللا‬
‫سول ِ‬ ‫كالم ر ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُأل‬ ‫ََ‬
‫وغامضة تحتاج إلى البيان والتوضيح و إما َمليئة بالتناق ِ‬
‫ضات ملا أنها‬ ‫ُ‬
‫دات ا خرى إما م َبهمة ِ‬ ‫نجد املعتق ِ‬
‫َ‬
‫ريفهم‪ .‬وبالنس بة إلى ف رق املس لمين الب د في بي ان العقائ د من اتخ اذ‬ ‫أويلهم وتح ِ‬
‫من تخلي ِط البش ِر أو ت ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫فة‬
‫الم والفلس ِ‬ ‫منهج السلف الصالح وقد حدثت اضطرابات وتناقضات وتقلبات لع د ٍد من أئم ِة ِع ِلم الك ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫املجانب ة‬ ‫املوت بس َب ِب‬
‫ِ‬ ‫الس ِ ّن أو عن َد‬
‫التق ُّدم في ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليم عن د‬ ‫ُ‬
‫والتص و ِف ثم ثبت رج وع كث ٍير منهم إلى التس ِ‬
‫َ ُّ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫السل ِف الصالح‪.39‬‬ ‫قيدة‬
‫لع ِ‬

‫فالعقيدة اإلسالمية ال غموض فيها وال تعقيد ‪,‬عقيدة واضحة تدعوا إلى التبصر والتعقل و ال تدعوا إلى‬

‫االتب اع األعمى ال ذي يج رد العق ل من ك ل م ا ه و الزم لفهم وإدراك الحق ائق ‪ ،‬و في نفس ال وقت هي‬

‫تناسب العقل السليم وترجع األشياء املختلفة إلى مسبب واحد وهو هللا تعالى ‪,‬فهي تتلخص في أن لهذه‬

‫املخلوقات إلها واحدا‪ .‬وهو الذي يدبر األمور وكل ما يجري في الكون ال يخرج من إرادته‪.‬‬

‫َّ‬
‫‪ :4‬عقيدة التوحيد تمتاز بالبقاء والثبات واالس ِتقرار‪:‬‬

‫اإلنسان له اإلطار الثابت يتح رك فيه ويتط ور وينم و ولكن ذل ك يتسع لحركته ونموه فيه ‪ ،‬وخ روج‬

‫اإلنسان من ذلك اإلطار يجعله يذهب إلى نهايته املؤسفة فيكون كالنجم الذي يخرج من مداره و نهايته‬

‫تؤدي إلى االصطدام بالكوكب اآلخر‪ ،‬فيتحطم ويحطم‪ .‬فكذلك هنا ال بدمن وجود شيء مستقر ثابت‬

‫يك ون مقياس ا ومعي ارا للن اس يعرف ون ب ه ط ول األش ياء وعرض ها ووزنه ا ويرجع ون إلي ه ليطمئن وا‬

‫ويستريحوا‪ .‬والتطور في الحياة ال يعني التطور في الدين واألخالق والنظم‪ ،‬فإن القانون اإللهي والدين‬

‫لو كانا غير ثابتين‪ ،‬ومتطورين فهذا يؤدي إلى فوضى كبيرة‪ ،‬وال نعرف الحكم على أي شيء وستتغير‬

‫‪ 39‬املفهم للقرطبي (‪ ،)694 - 691 /6‬الروض الباسم البن الوزير (‪.)349 - 343 /2‬‬
‫املحكمات وتتبدل القطعيات‪ .40‬على سبيل املثال‪ :‬الزنا مثال ثابتة حرمته في الديانات املنزلة وال يختلف‬

‫في ه ذه القض ية اثن ان‪ .‬ف إذا ك ان مقي اس الحكم ه و أن الزن ا ق بيح ‪ ،‬فإن ه يبقى بش عا في ذهن األجي ال‬

‫مس تقرا أن ه ذا الحكم ث ابت ال يتغ ير‪ ،‬فتتم ت ربيتهم على كراهي ة الزن ا واحتق اره ‪.‬وأم ا إذا قلن ا إن‬

‫الق انون اإللهي وال دين متغ يران ومتط وران فه ذا يع ني أن الزن ا ك ان بش عا في ف ترة من الف ترات‪ ،‬ولكن‬

‫البشرية اآلن لها ضرورة بيولوجية ال بد منها ‪ .‬فلن يبقى للدنيا شئ ما ثابتاو والفوضى هي التي تصيب‬

‫حظ االنسان مثل ما يقول بعض الناس بتطور األخالق مثل ( فرويد )‪.‬‬

‫ولنأخ ذ على مثال أخ ر كس تر الع ورات‪ ,‬ف إن ه ذا األم ر ك ان ثابت ا في األخالق واألدي ان‪-‬خاص ة من قب ل‬

‫النساء‪ -‬فمن رأى أن ستر العورة كان مستحسنا في عصر من العصور وكان ذلك من التقاليد الشعبية‬

‫أنذاك إال أنه شيء مستقبح األن كان ذلك دليال على عدم استحكام األذهان وعدم استقرارها‪.41‬‬

‫َّ ْ‬ ‫بديل َّ‬


‫الت ُ‬‫ومستق َّرة ‪ ،‬و َّ‬ ‫ً‬
‫واية ودراية ُ‬
‫يتطرق ا‬ ‫والتحريف لم‬ ‫ِ‬ ‫ألفاظها ومعانيها محفوظة ِر‬ ‫ِ‬ ‫فعقيدة التوحيد في‬
‫الن ْق ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫ادة وال َّ‬ ‫اًل‬ ‫َُ‬ ‫إلى بابه ا و األجي ُ‬
‫ص لم تعتري اه‪ .‬و النص وص به ذا الص دد‬ ‫الزي‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫ي‬‫ج‬‫ِ‬ ‫د‬ ‫بع‬ ‫جي‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ال تتناق‬

‫بقيت ثابت ة إلى ي وم ال دين ال ينس خها ناس خ وال يب دلها منك ر ‪ ,‬و ك ل ه ذا الثب ات في العقي دة اإلس المية‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫ن اتج عن أنه ا منزل ة من عن د هللا و ُم َ‬
‫صلى ُ‬
‫هللا عليه وس لم و‬ ‫هللا‬
‫سول ِ‬
‫ومن س ن ِة ر ِ‬
‫هللا ِ‬
‫كتاب ِ‬
‫ِ‬ ‫ست َم َّدة ِمن‬
‫َ َّ ُ‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫حابة َّ‬ ‫َّ‬
‫وأئمة الهدى‪.‬‬ ‫الت ِابعون‬ ‫تلقاها الص‬

‫وثبات العقيدة ميزان واحد يقيس الناس ‪,‬يرجع الناس إليه على السواء حاكمهم ومحكومهم‪ ,‬وكل منهم‬

‫يأخ ذ من ه مايلي ه ويلي ق ب ه ويتعل ق ب ه ‪,‬وال يس تطيع الح اكم أن يظلم الن اس بتغي ير الق انون قب ل أن‬

‫‪- 40‬مانع بن حماد الجھني ‪ /‬املوسوعة املیسرة في األدیان واملذاھب واألحزاب املعاصرة‪ ,‬ص ‪ / ,90‬ط الثالثة ‪ /‬دار الندوة العاملیة للطباعة‬
‫والنشر والتوزیع‬
‫‪ 41‬فیصل بدیر عون ‪ /‬الفلسفة اإلسالمیة في املشرق‪ / 130 ,‬دار الثقافة للنشر والتوزیع القاھرة ‪١٩٨٠ /‬م‬
‫يظلمهم وال يستطيع املحكومون أن يقولوا للحاكم إن القانون الجديد ال نعرفه‪ .‬وأما إذا كان القانون‬

‫ثابت ا وواض حا ف إن الن اس من ذ نعوم ة أظف ارهم ي تربون على معرفت ه‪ ،‬ويك ون النظ ام حي ا في نفوس هم‬

‫ويعيش في حسهم‪.42‬‬

‫والحاص ل أن ثب ات العقي دة اإلس المية يجع ل الن اس جميع ا يقف ون تحت ظ ل الدس تور والحكم‬

‫الواح د‪ ،‬الح اكم والخليف ة واألم ير هم جميع ا خل ق هللا‪ ،‬يعب دون هللا بتنفي ذ ه ذا الق انون ‪ ,‬فهم عبي د‬

‫وليس وا آله ة ال يس ألون م ا دام وا من خل ق هللا‪ ,‬وليس هنال ك محك وم تحت الق انون وح اكم ف وق‬

‫الق انون ‪,‬فالعقي دة اإلس المية ملا ك انت تق وم على ال دليل والبره ان من قب ل من ثبت أنه واح د‪ ،‬ل زم أن‬

‫تكون ثابتة ودائمة ال تقبل الزيادة وال النقصان وال التحريف وال التبديل‪.‬فليس ألحد أن يضيف إليها‬

‫شيئا أو يحذف منها شيئا‪.‬‬

‫‪:5‬عقيدة التوحيد تمتاز بالتوقيف والبرهان‪:‬‬

‫إن عقيدة التوحيداإلسالمية تتميز بأنها توقيفية كما أنها في ذات الوقت تقوم على الحجة والدليل فهي‬

‫مبرهنة‪ ,‬فال تجاوز فيها للنصوص املثبتة لها‪ ,‬كما أنها عقيدة فهي كذلك مؤيدة ومناسبة للعقول السليمة‬

‫‪ .‬فإنها تحترم العقول واملبادئ التي يقوم عليها الدين كله‪ ,‬ذلك أنها ال تثبت في جميع جزئياتها وكلياتها إال‬

‫بدليل من الكتاب أو السنة‪.43‬‬

‫الحاصل‪:‬‬

‫‪ 42‬علي سامي النشار ‪ /‬نشأة الفكر الفلسفي في اإلسالم ‪ ,‬ص‪ /89‬ط التاسعة ‪ /‬دار املعارف‬
‫‪ 43‬عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي ‪ /‬ملع األدلة في قواعد عقائد أھل السنة والجماعة ‪,‬صٍ‪ /210‬تقدیم وتحقیق د‪ .‬فوقیة حسین‬
‫محمود ‪ /‬مراجعة محمود الخضیري ‪ /‬ط الثانیة ‪ /‬عالم الكتب ‪ ١٤٠٧ /‬ھـ – ‪١٩٨٧‬م‪.‬‬
‫إن أس باب معرف ة توحي د هللا كث يرة ال تع د وال تخص ى في الجزئي ات ‪ .‬والعق ل البش ري إذا ج رد من‬

‫عوامل البيئة املؤثرة فال يبقى إال معترفا بوحدانية هللا تعالى ملا أنها عقيدة ثابتة ومستقرة مأخوذة من‬

‫املنهل الصافي الذي لم يختلط بشوائب العقل املشوب املؤدي إلى التناقضات واالضطرابات‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫التوحيد في ضوءالعقل‬

‫التوحيد هو أول واجب على العباد‪ ،‬وهو سبب دخول الجنة والنجاة من النار وأدلة التوحيد في القرأن‬

‫الك ريم من الجالء بمك ان يمكن لك ل عاق ل فهمه ا وإدراكه ا‪ . ‬وال يس تطيع عاق ل إنكاره ا‪ .‬وه و يواف ق‬

‫العقل الصريح كما ذكرنا في معرفة أسباب التوحيد بعنوان العقالنية باختصار‪ .‬ولنعرف أن استثارة‬
‫ً‬
‫التفكير مخاطبة العقل أمر انتهجه القرآن الكريم كثيرا في تثبيت العقائد وتقريرها‪ ،‬فهو يخاطب كل‬

‫عاقل بانتزاع الدليل العقلي الواضح و من ثم يقدمه ‪ ،‬فنذكرهنا أدلة على التوحيد من القرأ ن الكريم‬

‫ومن العقل املجرد الصريح‪.‬‬

‫املبحث األول‬

‫التوحيد في ضوءالعقل من أدلة القرأن الكريم‬

‫الص در األول من اإلس الم درج علي التس لیم بم ا ج اء في الكت اب والس نة في أم ور عقدي ة وفیم ا یمس‬

‫الص فات اإللھی ة وغیرھ ا من املس ائل‪ ,‬واش تهر به ذا الص دد ق ول الكث یر منھم "آمن وا بھ ا كم ا ج اءت وال‬

‫تتعرضوا لتأویلھا" لذا كان التوحید الخالص رائدھم‪ ،‬و التنزیه ھو الفكرة الرئیسیة التي تحدد فھمھم‬
‫لعقائد الدین‪ ،‬ولم يتوغلوا في بيان ما يتعلق بالصفات والذات لجواز أن یكون ابتالء فیجب الوقف‬

‫واإلذع ان ل ه‪ .‬ولم نش ھد ل دي الس لف ھ ذا الج دل في العقائ د على النح و ال ذي س نراه ل دي املعتزل ة‬

‫والغ زالي وغ یره من األش اعرة وك ذا املاتريدي ة‪ ،‬فلم تكن مس ألة الص فات اإللھی ة موض ع خالف ل دي‬

‫الص حابة‪ .‬حیث إن الس لف غلب وا أدل ة التنزی ه لكثرتھ ا ووض وح داللتھ ا‪ ،‬وعلم وا اس تحالة التش بيه‪،‬‬

‫وقضوا بأن اآلیات من كالم هللا‪ ،‬فأمنوا بھا ولم یتعرضوا ملعناھا وال لتأویلھا‪.44‬‬

‫أوال‪:‬التقسيم املنطقي‪:‬‬

‫‪ ‬ق د ورد في الق رأن الك ريم التقس يم املنطقي في قول ه تع الى‪ ":‬أم خلق وا من غ ير ش يء أم هم الخ القون"‪:‬‬

‫(الطور‪ .)35:‬وهذا التقسيم املنطقي يخاطب العقل البشري بأسئلة متعددة تخلق بيئة لإلقراربوحدانية‬

‫هللا تعالى وهي‪:‬‬

‫ُ َ‬
‫إن م ا ت رون من األرض والس موات والنج وم واملج رات ال تخل و من ح التين‪ :‬األولى‪ :‬إم ا أن تك ون خ ِلقت‬
‫ََ‬
‫من الع دم أي من الش يء‪ ،‬والثاني ة ‪ :‬أن ه ذا الك ون خل َق نفس ه بنفس ه‪ ،‬وكال االحتم الين ال نش ك في‬

‫بطالنهما ‪ ،‬أما األول فألن العدم ال يخلق ألنه غير موجود‪ ،‬واملخلوق ال يخلق نفسه بنفسه ألن هذا‬

‫ليس بوسعه‪ ،‬فيأتي ههنا االحتمال الثالث‪ ،‬وهوالذي يصل إليه اإلنسان بقليل من التأمل والتفكر وترك‬
‫ً‬
‫سبحانه ذكره لوضوحه وجالئه‪ ،‬وهو أن لهذا الكون إلها وخالقا ‪ .‬بعد ما تعين لنا هذا االحتمال الثالث‬

‫ب أن للك ون إله ا واح دا فنق ول إن ه ذات ال رب تب ارك وتع الى ولكن ق د قي ل في ه ذا االحتم ال بأن ه وإن‬

‫تعين للتوحي د إال أن ه ال يتعين في ح ق هللا تع الى‪،‬ألن ه ذا يحتم ل أن يك ون للك ون خالق ا غ يره‪ ،‬ومن‬
‫ً‬
‫املمكن أننا لم نره وهولم يرسل إلينا رسوال يبشرنا وينذرنا إال أننا نقول‪ :‬هذا االحتمال مرفوض لجره‬
‫‪ 44‬راجع العالمة عبد الرحمن بن خلدون‪ /‬املقدمة‪ /‬ص ‪/ ٥١٧‬املطبعة الشرقیة‪ ً ،.‬راجع أیضا أبي الفتح محمد بن عبد الكریم بن أبي بكر‬
‫أحمد الشھرستاني‪ /‬امللل والنحل‪ /‬ج ‪/ ١‬ص ‪/ ١٠٤‬تحقیق محمد سید كیالني‪ /‬ط الثانیة‪ /‬دار املعرفة‪١٣٩ /‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األم ر إلى احتم االت مص يرها البطالن كس ابقيه و ل و ص ح ه ذا الف رض لك ان ه و إله ا ناقص ا ألن ه ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يح رك س اكنا‪ ،‬وال يفع ل ش يئا وم ا ه ذا إال ن وع من العج ز أو اإلهم ال‪ .‬و اإلل ه الح ق ال تلي ق ب ه ه ذه‬

‫الصفات‪.45‬‬

‫ثانيا‪:‬دليل التمانع‪:‬‬

‫وهذا الدليل معناه أننا لو فرضنا آلهة أخرى مع هللا في الكون فهي ال تخلو من أمرين‪ :‬األمر األول‪ :‬أن‬
‫ّ‬
‫تسلم تلك اآللهة له باأللوهية‪ ,‬والثاني أن تنازعه فيها‪ ،‬فلو كان األول ملا بقيت تلك اآللهة على ألوهيتها‬
‫ً‬
‫ألن الخاضع واملغلوب ال بد أن يكونا مألوها وليس إلها ملناقضة الخضوع العلو ‪ ،‬أما لو كان األمر‬

‫الثاني بأن تنازعه سلطانه وملكه فتبدأ مغالبة اآللهة ومن نتيجة هذه املغالبة التنازع في الكون وفساد‬
‫ّ‬
‫ليستبد به ‪ ،‬فإذا استبد به أصبح كل واحد منهم‬ ‫األمور ‪،‬ألن كل إله سيذهب بما خلقه من األشياء‬
‫ً‬
‫ينفرد بخلقه و حينئذ ال بد أن يغلب بعضهم بعضا و يتميز ملك كل واحد منهم عن ملك اآلخرين كما‬

‫نرى حال ملوك الدنيا حيث ممالكهم متمايزة وغلبتهم واضحة في مناطقهم ال في الدنيا كلها‪ .‬وبما أننا ال‬
‫ً‬
‫نرى أثرا لتغالب اآللهة فهذا يدل على أن للكون إلها واحدا بيده ملكوت كل شيء ‪.‬‬

‫و من املمكن أن يكون هنا إشكال بأن التوافق بين األلهة جميعا ممكن دون أي تنازع كما يكون في‬

‫املعاهدات الدولية بين الحكام إال أننا نقول ‪" :‬ال يوجد أي نوع من التوافق بين اآللهة بأن ينفرد كل‬

‫واح د بخلق ه دون تن ازع ‪,‬ألن ه ذا ي دل على بطالن أل وهيتهم جميع ا و يس تلزم املح ال ملا أن اإللهي ة‬

‫‪ 45‬مصطفي عبد الرازق‪ /‬تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة‪ /‬ص ‪/ ٢٧٢‬لجنة التألیف والترجمة‪ .‬بتصرف‬
‫تقتضي الكمال ال النقص وبهذا األمر تكون ألوهيتهم ناقصة خاصة في حق الطائفة التي لم تخلقها هذه‬

‫األلهة"‪.46‬‬

‫وهناك دليل آخر على وحدانية هللا تعالى وهو أن تكون مخلوقات اآللهة مختلفة بعضها عن البعض في‬

‫الوفرة والقوة بأن تكون مخلوقات بعض اآللهة أوفر أو أقوى من مخلوقات إله آخر بعوارض تقتضي‬

‫ذل ك كم ا ه و املش اهد في اختالف أح وال مخلوق ات هللا تع الى الواح د ‪ ،‬ه ذا االحتم ال أيض ا ص ريح‬

‫البطالن ألن تمايز خلق كل إله عن الغير في املعرفة أو في املكان أو في الزمان سيفضي إلى اعتزاز اآللهة‬

‫في تف وق مخلوقات ه على اإلل ه اآلخ ر ‪ ،‬و من مقتض يات ه ذا أن تك ون تل ك اآلله ة بعض ها أق وى من‬

‫بعض‪ ،‬وهو ينافي املساواة في اإللهية‪ . 47‬فلة يبق أمامنا إال أن يكون اإلله واحدا وهو هللا تبارك وتعالى‬

‫دون غيره‪ ,‬له الخلق واألمر ‪.‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫التوحيد في ضوء العقل السليم‬

‫ّ‬
‫التضرع كما عرفنا سابقا فإن العقل‬ ‫باإلضافة إلى فطرية التوحيد والتجاء النفس إلى إله واحد عند‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القطعية بوحدانية الخالق تعالى‪ .‬و العقل قد استدل بتقريرات ثمانية‬ ‫يحكم ببراهينه الوجدانية وبأدلته‬

‫وهي البعض من أنحائها الكثيرة وسيكفي ذلك إلثبات املطلوب وحصول الغرض وهي ‪:‬‬

‫ّ‬
‫األول ‪ :‬برهان التدبيرواإلرتباط ‪:‬‬

‫‪ 46‬عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي ‪ /‬الشامل في أصول الدین ‪,‬ص‪ / 230‬تحقیق علي سامي النشار‪ ،‬سھیر محمد مختار‪ ،‬فیصل‬
‫بدیر عون ‪ /‬منشأة املعارف ‪ /‬مكتبة علم أصول الدین‪ ,‬بتغيير يسير‬
‫‪ 47‬عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي ‪ /‬ملع األدلة في قواعد عقائد أھل السنة والجماعة ‪,‬ص‪ /.198‬تقدیم وتحقیق د‪ .‬فوقیة حسین‬
‫محمود ‪ /‬مراجعة محمود الخضیري ‪ /‬ط الثانیة ‪ /‬عالم الكتب ‪ ١٤٠٧ /‬ھـ – ‪١٩٨٧‬م‪.‬‬
‫إن هذا الكون الشهير والعالم الكبير من أعماق أراضيه وما في أجوافها وبحارها إلى أعالي سماواته وما‬
‫فوقها موجوداتها مترابطة ‪,‬متشابكة ومتناسبة بعضها مع بعض وإذا ّ‬
‫تأم ل فيه اإلنسان بعقل مستقيم‬
‫وفكر سليم رأى و وجد ّأن ذلك ّ‬
‫بأتم اإلرتباط والتناسب كمجموعة واحدة و جهاز واحد‪.‬فنأخذ من‬

‫هذا دليال واضحا على ّأن خالق جميعها واحد وهوالذي يعرف إرتباطاتها من األجزاء والجزئيات ويعلم‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫البديهيات العقلية لجميع املستويات‬ ‫جميع احتياجاتها وهوالخبير بما يحتاج العالم إليه‪ .‬هذا األمر من‬
‫كل ذي ّ‬
‫تدبر‪.‬‬ ‫ّ‬
‫البشرية و أمر عقلي واضح ّ‬
‫يحسه ّ‬

‫ولنأخ ذ من ه ذا مثال في املص نوعات البش رية حيث يحكم الن اس ع ادة من اخ تراع الش ئ بأن ه ع ارف‬
‫ً‬
‫بكل ما فيه كالطائرة أو السيارة مثال فإن أجزائها منسجمة ومترابطة بعضها مع بعض فإننا نحكم من‬

‫ذل ك بوح دة ص انعها ومبتكره ا و مخ ترع هيك ل الط ائرة يك ون مبتك ر أجنحته ا و ال يمكن أن يك ون‬
‫هوغ يره‪ .‬و مبتك ر الس يارة مبتك ر عجالته ا وال يمكن أن يك ون هوغ يره‪ .‬وه ذامع الحاجة ّ‬
‫املاس ة إلى تل ك‬
‫األجزاء فيما بينها‪.‬وكذلك تناسب الخلقة و ّاتصال التدبير وإرتباط الصنع دليل على وحدة ّ‬
‫املدبر الصانع‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫في هذا العالم‪.48‬‬

‫التأم ل في ه ذا النظ ام الك وني الكب ير املتراب ط وج دناه خالي ا عن أي فس اد ب الرغم من ِك َب ِره‬
‫كررن ا ّ‬
‫وإذا ّ‬

‫وعظمته ‪ ،‬وعدم الفساد واإلختالل بنفسه دليل على وحدة صانعه وحكمته ‪,‬و نحن نالحظ في حياتنا‬

‫بلدة‬
‫العادية واملظاهر اإلجتماعية أن الرؤساء إذا كثر عددهم في املنطقة أو في عائلة أو في مملكة أو في ٍ‬
‫ّ‬
‫متعددة لفسد الكون مع‬ ‫يختل النظام في التدبير والتقدير‪ ,‬إنه أمر محسوس فكذلك لو كانت اآللهة‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫التعدد وهذه الحكمة العلمية العقلية أشار‬ ‫أننا ال نرى شيئا منه فاسدا فعدم الفساد دليل على عدم‬

‫‪ 48‬عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي ‪ /‬الشامل في أصول الدین‪,‬ص‪ / 320‬تحقیق علي سامي النشار‪ ،‬سھیر محمد مختار‪ ،‬فیصل‬
‫بدیر عون ‪ /‬منشأة املعارف ‪ /‬مكتبة علم أصول الدین‪.‬‬
‫الله َل َف َس َد َتا)‪ . 49‬وقوله ّ‬
‫عز إسمه ‪ِ( :‬إ ذا‬
‫َ َ ٌ َّ ّ‬ ‫َ َ َ‬
‫عز إسمه ‪( :‬ل ْو كان ِف ِيهما ِآلهة ِإ ال‬ ‫إليها القرآن الكريم في قوله ّ‬

‫ض)‪ ‬‬ ‫َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ْ‬
‫لذهب كل ِإ ل ٍه ِبما خلق ولعال بعضهم على بع ٍ‬
‫‪.‬‬

‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دل على وح دة ّ‬ ‫فاتص ال الت دبير املنتظم ي ّ‬‫ّ‬


‫املنظم ‪،‬و ه ذا ال يلي ق بأح ٍد إال بالل ه الع الم‬ ‫املدبر ِ‬‫ِ‬ ‫وعلي ه‬

‫بحقائقه والعارف بإحتياجاته تبارك وتعالى بل ال يمكن مع أي أحد أخر وهوالحكيم في تدبيره ‪.‬هذا هو‬

‫برهان اإلرتباط وحكمة التدبير‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬برهان عدم وجود األثر للشريك‪:‬‬


‫ّ‬
‫من القواع د البش ريةالثابتة ّأن وج ود األث ر دلي ل على وج ود املؤثر ك ذلك ع دم األث ر دلي ل على ع دم‬
‫ّ‬
‫فإن ه ال داعي وال موجب إلى اإليمان ّ‬ ‫ّ‬
‫بتعدد اآللهة ألنه لو كان إله‬ ‫املؤثر‪ .‬ما لم نجد أثرا لغير الل ه تعالى‬
‫ّ‬
‫غ ير الل ه لعرفناه بآث اره أو مالئكت ه أو كتب ه أو رس له ف إذا لم يكن هن اك أث ر لغ ير هللا في الك ون فإنه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قاض بذلك و الفطرة السليمة شاهدةعلى ذلك‪.‬‬
‫دليل على أن ه ليس إله شريكا مع الل ه والعلم الجزمي ٍ‬
‫ّ‬
‫فأيقنا بعد ّ‬
‫التتبع الكامل واإلستقصاء الشامل أن اإلله واحد وال شريك له في الخلق واألمر‪ .50‬وهذا ما‬
‫ً‬
‫ذكرناه من قبل بما أننا ال نرى أثرا لتغالب اآللهة فهذا يدل على أن للكون إلها واحدا بيده ملكوت كل‬

‫شيء ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬برهان مالزمة الشريك للتسلسل واالحتياج‪:‬‬

‫وه ذا ال دليل يفي دبأن هللا تع الى ق ديم وه و الةحي د في الق دم دون غ يره من الخل ق وتع ّدد الق ديم‬

‫الفاص ل املائز القديم بين‬ ‫مستحيل وهذا من الدالئل القطعية ‪ ،‬ألنه لو لزم ّ‬
‫تعدد اإلله لجاء وجود‬
‫ِ‬

‫‪- 49‬عبد القاھر بن طاھر بن محمد البغدادي ‪ /‬الفرق بین الفرق‪ ,‬ص‪ / 178‬تحقیق محي الدین عبد الحمید ‪ /‬املكتبة العصریة ‪ /‬صیدا‬
‫بیروت ‪ ١٤١٦ /‬ھـ – ‪ ١٩٩٥‬م‪.‬‬
‫‪ 50‬عبد الرحمن بدوي ‪ /‬مذاھب اإلسالمیین ‪ /67 ,‬دار العلم للمالیین ‪ /‬بیروت‪,1997 ,‬‬
‫ّ‬
‫التعدد موجودا لكان إمتياز أحد اآللهتين عن اآلخر بأمر خارج ُيحتاج‬ ‫األلهة وهو مستحيل ‪،‬ولو كان‬

‫إليه في اإلمتياز ‪,‬واالحتياج ليس من شأن اإلله ألن ذلك عجز وقد ارتفع بما ذكرنا من قبل ‪,‬وهللا أجل‬
‫من اإلحتياج ّ‬
‫ألن ّ‬
‫كل محتاج ممكن وهللا ليس بمحتاج قطعا بالدالئل املوضحة‪.51‬‬

‫الرابع ‪ :‬برهان السبر والتقسيم‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعدد لآللهة في الكون فال يخلو األمر من أحد ثالثة ‪:‬‬ ‫و بيان هذا الدليل أنه لو كان هناك‬

‫ّإما أن يكونا غير قادرين على إقامة النظام الكوني ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫أو قادرين على إقامة النظام‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫أو متفاوتين ومختلفين في القدرة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫فإذا كانا غير قادرين على إقامة النظام كان كالهما عبثا وال يمكن لإلله أن يكون عبثا دون اإلفادة وإذا‬

‫كانا ق ادرين ل زم التناص ف والتقاس م في األم ور وه و ما ي ؤدي إلى النقص في ذات اإلل ه ‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫ُ‬
‫أحدهما قادرا واآلخرغير قادر وعاجزا عن إقامة النظام في الكون فال تليق االلوهية بالعاجز بل ثبتت‬
‫ّ ُ‬
‫فتتعين االلوهية لإلله الواحد القدير بال شريك‪ . 52‬وفميا ذكرنا سابقا أن هذا الواحد هو‬ ‫لإلله القادر‬

‫ذا ت هللا تعالى‪.‬‬

‫الخامس ‪ :‬إستلزام الشركة لإلستحالة‪:‬‬

‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وهو ما أفاده كثير من العلماء بما حاصله أنه لو كان اإلله إثنين لم َيخل هذا من أحد األمرين ‪:‬‬
‫أن يكون ّ‬
‫كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أو يكون ّ‬
‫كل واحد منهما غير قادر على منع صاحبه‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ 51‬عبد الرحمن بدوي ‪ /‬موسوعة الفلسفة ‪ ,‬ص‪ /560‬ط أولي ‪ /‬املؤسسة العربیة للنشر والتوزیع ‪ ١٩٨٤ /‬م‪.‬‬
‫‪ 52‬عاطف العراقي ‪ /‬املنھج النقدي في فلسفة ابن رشد‪ ,‬ص‪ / 223‬ط الثانیة ‪ /‬دار املعارف ‪ ١٩٨٤ /‬م‪.‬‬
‫فإن كانت الصورة األولى بأن يكون ّ‬
‫كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه كان اآلخر ممنوعا ومغلوبا ‪،‬‬

‫وكل ما يكون ممنوعا يكون حادثا ‪ ،‬والحدوث ليس من صفات اإلله‪.‬‬


‫وإن كانت الصورة الثانية بأن يكون ّ‬
‫كل واحد منهما غير قادر على منع صاحبه لزم عجزه ونقصه ‪،‬‬
‫ّ‬
‫والعجز أيضا ليس من صفات الله‪ .‬وعلى كال التقديرين يثبت ّأن اإلله واحدو يستحيل الشريك‪.53‬‬
‫َّ ْ‬
‫الدفع‪:‬‬ ‫السادس ‪ :‬برهان‬

‫ّإن اإلله ال بد ان يكون قادرا على دفع ما ال يكون من شأنه في الكون والخلق والقدرة ال بد أن تكون‬
‫على دف ع جمي ع م ا يض ّاده ويقابل ه‪ ,‬ف ّ‬
‫إن ع دم الق درة على ه ذا ال دفع نقص ‪ ،‬والنقص علي ه مح ال‬

‫بالضرورة‪ .54‬وعليه فشريك اإلله مستحيل وجوده بالوضوح ومندفع بالبداهة ‪.‬فهو واحدا ال شريك‬

‫له‪.‬وقد أفاد بعض العلماء والحكماء هذا الدليل وما يليه من الدليلين التاليين من برهان الدفع فكأنهم ا‬

‫من تتمة الدليل‪.‬‬

‫السابع ‪ :‬دليل الكمال‪:‬‬

‫مقص ود ه ذا ال دليل ه و أن يك ون اإلل ه ك امال و من كم ال الص انع أن يتف ّرد بالص نع وكلم ا دخلت‬

‫الشركة في الصنع فهي مستلزمة لسلب هذا الكمال ‪ ،‬ومن املحال بالبداهة أن يسلب الكمال عن ذات‬

‫اإلله التي تستجمع جميع الصفات الكمالية ‪ ،‬فسلب الكمال عن اإلله باطل‪ .55‬فال يكون لإلله شريك‬
‫ّ‬
‫واحدوهوالحق ال محالة‪.‬‬ ‫ألن ذلك سالب الكمال ‪ ،‬وكل هذا يدل على أن الصانع‬

‫‪ 53‬سیف الدین اآلمدي ‪ /‬أبكار األفكار في أصول الدین ‪,‬ص‪ /320‬تحقیق أحمد محمد املھدي ‪ /‬ط الثانیة ‪ /‬مطبعة دار الكتب والوثائق‬
‫القومیة بالقاھرة ‪ /‬مركز تحقیق التراث ‪ ١٤٢٤ /‬ھـ – ‪ ٢٠٠٤‬م‪.‬‬
‫‪ 54‬رضا سعادة ‪ /‬مشكلة الصراع بین الفلسفة والدین من الغزالي وابن رشد إلي الطوسي والخواجة زاده‪ ,‬ص‪ / 179‬ط أولي ‪ /‬دار الفكر‬
‫اللبناني ‪١٩٩٠ /‬م‬
‫‪ 55‬سیف الدین اآلمدي ‪ /‬أبكار األفكار في أصول الدین‪ / 278,‬تحقیق أحمد محمد املھدي ‪ /‬ط الثانیة ‪ /‬مطبعة دار الكتب والوثائق القومیة‬
‫بالقاھرة ‪ /‬مركز تحقیق التراث ‪ ٢٠٠٤ /‬م‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬دليل اإلستغناء‪:‬‬

‫والغني ُّ‬
‫أجل من‬ ‫ّ‬ ‫اإلله ال بد أن يكون مستغنيا بذاته عن غيره ّ‬
‫ألن الشركة بنفسها من النقص والحاجة‬ ‫ٍ‬
‫االحتياج وهذه الصفات ال تناسب ذلك إال لإلله الحق وقد أثبتنا بالدالئل العقلية القاطعة أنه ذات هلل‬
‫تع الى ملاأن ه أرف ع من اإلس تيذان وغ ني ّ‬
‫عم ا س واه ‪،‬وال طري ق لإلحتي اج إلي ه ‪ ،‬وال يحت اج إلى اإلذن في‬
‫ّ‬
‫التصرف‪. 56‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫أنواع التوحيد‬

‫تختلف أنواع التوحيد حسب املدارس االعتقادية من األشاعرة واملاتريدية والسلفية والشيعة وغيرهم‬

‫وبم ا أن اإلم ام ابن أبي الع ز الحنفي يحم ل من األراء في أم ور العقي دة م ا جعل ه عن د علم اء الس لفية‬

‫الحديث ة مرجع ا في العقي دة ونس بوه إلى املدرس ة الس لفية بينم ا ج اءت عالق ة هب ة هللا التركس تاني‬

‫باملاتريدية في العقائد شرحا ورأيا‪ .‬فإليكم هذه املدارس وأنواع التوحيد عندها‪.‬‬

‫املبحث األول‬

‫املدرسة السلفية‬

‫مصطلح"السلف" له مدلوالن‪:‬‬

‫‪ 56‬حسین مروة ‪ /‬النزعات املادیة في الفلسفة العربیة اإلسالمیة‪ ,‬ص ‪ / 156‬القسم الثاني ‪ /‬ط ‪١٩٧٨‬م‬
‫األول ه و املدلول الع ام وه و ك ل من ال تزم منهج الص حابة والت ابعين في أص ول االعتق اد وأس س الفهم‬

‫لكتاب هللا العزيز‪.‬‬

‫والث اني ه و املدلول الخ اص‪ :‬وه و يع ني م ذهب الص حابة والت ابعين ممن ك انوا على ه دى وه ذا املدلول‬

‫يمثل الجانب التاريخي لنشأة مذهب السلف‪.57‬‬

‫وهن ا نع ني به ذا املص طلح من ادع وا االنتم اء إلى الس لف الص الح وأك ثروا من التص نيف في أم ور‬

‫العقيدة ‪,‬مدحوا البعض وشنعوا على البعض واتبعوا ابن تيمية رحمه هللا بوسائط متعددة كمحمدبن‬

‫عب د الوه اب النج دي وغ يرهم من العلم اء املعاص رين املع روفين وإال فاملاتريدي ة واألش اعرة كلهم على‬

‫مذهب الص حابة والتابعين مع اختالف بعض هم البعض في شرح بعض األم ور التي ال نس تطيع من بينها‬

‫الحكم على ضاللة هذا أو ذاك الستقائهم من معين واحد واختالف املشارب ‪.‬‬

‫أنواع التوحيد عندالسلفية‪:‬‬

‫التوحيد عند السلفية له نوعان ولكن أحدهما هو غير معروف واألخر معروف‪ ,‬وإليكم كليهما‪:‬‬

‫التقسيم الغيراملعروف‪:‬‬

‫فقهاء السلفية قسموا التوحيد إلى ثالثة أقسام‪: 58‬‬

‫األول‪:‬توحيد علمي اعتقادي‪:‬‬

‫وهو توحيد هللا في أسمائه وصفاته كما أثبته هللا لنفسه أو أثبته له رسوله ‪  ‬من غير تمثيل أو تكييف‬

‫ومن غير تعطيل أو تحريف‪ .‬وهذا كله ثابت باألحاديث التي هي صحيحة عند السلفية‪.‬‬

‫‪ 57‬حنا الفاخوري‪ ،‬خلیل الجر ‪ /‬تاریخ الفلسفة العربیة " الفلسفة العربیة في الشرق والغرب "ص‪ / 85‬ط الثالثة ‪ /‬دار الجیل بیروت ‪/‬‬
‫‪ ١٩٩٣‬م‪.‬‬
‫‪ 58‬مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة (‪ 1412‬هـ)‪ .‬د‪ .‬ناصر بن عبد الكريم العقل‪ .‬دار الصفوة‪ :‬القاهرة‪ :‬بتصرف‬
‫الثاني‪:‬توحيد إرداي طلبي‪:‬‬

‫وهو توحيد األلوهية وسيأتي مفصال‪.‬‬

‫الثالث‪:‬توحيد الوحدانية‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والص فات واألفع ال ومعناه أنه ال توجد‬ ‫وه و نفي الك ثرة عن هللا تب ارك وتع الى في ثالثة أش ياء‪ :‬الذات‬

‫ذات وال صفات وال أفعال مثل ذاته وصفاته و أفعاله‪ .‬فصفاته غير مكونة من األجزاء مثل ذاته‪.‬‬

‫وق د وض ع علم اء السلفيةش روطا للتوحي د املعروف ة بش روط ال إل ه إال هللا وهي كم ا جمعه ا حاف ظ بن‬

‫أحمد في «سلم الوصول» بقوله‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ً‬
‫وبشروط سبعة قد قيدت‬ ‫وفي نصوص الشرع حقا وردت‬

‫إذ أنه لم ينتفع قائلها‬ ‫بالنطق إال حيث يستكملها‬

‫العلم واليقين والقبول‬ ‫واالنقياد فادر ما أقول‬

‫والصدق واإلخالص واملحبة‬ ‫وفقك هللا ملا أحبه‬

‫وقدذكرالدكتور‪ ‬عائض القرني‪ ‬هذه الشروط بالتفصيل وهي‪:‬‬

‫العلم الذي ينافي الجهل بأن يعلم العبد أن استحقاق العبادة ليس إال هلل وحده‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬اليقين بأن يتيقن العبد بعقله و قلبه و ويعتقد جازما بهذا اليقين‪ .‬‬ ‫‪.2‬‬

‫القب‪HH‬ول‪ :‬ب أن يك ون هن اك قب ول م ع العلم واليقين ‪,‬فبعض الن اس يعلم ون وي تيقنون و لكن ال‬ ‫‪.3‬‬

‫يقبلون ال إله إال هللا‪ .‬‬


‫ً‬
‫سواء كان ذلك في السلوك‬ ‫االنقياد‪ :‬وهو االتباع في كل نواحي الحياة لرسول بعثه هللا للعاملين‬ ‫‪.4‬‬

‫واألدب أواألخالق واملعامالت‪ .‬‬

‫اإلخالص‪ :‬وهذا يعني أن يكون كل عبادة محضة هلل تعالى ال رياء فيها فوجب أن يكون العمل‬ ‫‪.5‬‬
‫ً‬
‫خالصا له‪ .‬‬

‫الصدق واملحبة‪ :‬وهو أن يندفع العبد إلى الدين من غير كسل وتململ وبكل محبة‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪.6‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫التقسيم السابق للتوحيد غير معروف عند األكثرين لذا قسم شيوخ‪ ‬السلفية‪ ‬التوحيد تقسيما بسيطا‬

‫إلى ثالث ة أقس ام رئيس ية وه و مم ا يع ترض علي ه األش اعرة كم ا س يأتي ولكن ذل ك لس هولة الفهم‬

‫فقط ‪,‬وإنما التوحيد في أساس فهمه ومعناه ال يتجزأهي‪:‬‬

‫التقسيم املعروف ألنواع التوحيد‪:‬‬

‫أوال‪:‬توحيد الربوبية‪ :‬‬

‫رب ِّ‬
‫كل شيء‪ ،‬وهو املتصرف في هذا الكون‪ ،‬فهو املحي‪ ،‬واملميت والخالق‪ ،‬والرازق‬ ‫وهو اإلقرار َّ‬
‫بأن هللا ُ‬

‫واملالك‪.60‬‬

‫األمثلة‪:‬وفيما يأتي بعض األمثلة على توحيد الربوبية‪:‬‬

‫‪ 59‬هذه عقيدتي (‪ 1422‬هـ)‪ .‬د‪ .‬عائض القرني‪ .‬دار ابن حزم‪ :‬بيروت‪ :‬بتصرف‬
‫ّ‬
‫بتصرف‬ ‫‪ 60‬الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي (‪ ،)1422‬املفيد في مهمات التوحيد (الطبعة ‪ ،)1‬صفحة ‪.56‬‬
‫أن يؤمن العبد َّ‬
‫بأن هللا هو الرازق من غير شريك ويرزق الخلق كله كافة‪ .‬وهو الخالق يخلق كما يشاء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والض ُّر اليصالن أي أحد إال بإذنه واملنع‬ ‫واملوت ال يملكهما إال هللا‪ ,‬والنفع‬ ‫وهو الذي يحي ويميت فالحياة‬

‫واإلعطاء بيده فهو املعطي وهو املانع واليشاركه أحد فيها‪.61‬‬

‫ً ً‬
‫ه ذا الن وع من التوحي د ك ان واض حا بين ا ح تى ل دى‪ ‬ق ريش‪ ‬قب ل‪ ‬اإلس الم وهم ك انوا على يقين ب أن هللا‬

‫يتفرد بالرزق والخلق واإلماتة واإلحياء وامللك والتدبير وما إلى ذلك مما يختص به من األفعال ‪.‬وهذا‬

‫ما يقصد بتوحيد الربوبية بأن يعتقد العبد إفراد هللا تعالى بأفعاله‪.‬‬

‫ّ‬
‫الربوبية تنقسم إلى نوعين‪:‬‬ ‫و‬

‫ّ‬
‫الربوبية التكوينية‪:‬‬ ‫النوع األول‪:‬‬

‫وهي بمعنى تدبير أمور العالم بأن هللا تعالى هو الذي ّ‬


‫يدبر الكون وأمور جميع املوجودات فيه من كل ما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الربوبي ة هي ال تي ك انت مح ورا للص راع بين األنبي اء واملش ركين‪ .‬جمل ة من املش ركين‬ ‫يتعل ق به ا و‪.‬ه ذه‬
‫ّ‬
‫الربوبي ة التكوينية ولذا قال هللا‬ ‫كانوا يعتقدون بالتوحيد في الخالقية ومعظمهم كانوا يشركون باهلل في‬

‫َ َ َ َأ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َأْل ْ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ ْ َ َ ُ َّ‬
‫س َوالق َم َر ل َي ُق ول َّن الل ُه "‪ .‬فلم ينكروا‬ ‫ات وا رض وس خر الش م‬
‫تعالى عنهم‪" :‬ولِئ ن س لتهم من خلق السماو ِ‬

‫وجود الذات اإللهية بل إال أنهم أنكروا ماكان متعلقا بتدبير األمور فنسبوه إلى الالت والعزى واملناة‬
‫ّ‬
‫بربوبي ة الك ون وإرادت ه عن هللا عزوج ل‪ ،‬فجعلوه ا‬ ‫وم ا إلى ذل ك ‪ .‬واعتق دوا أن األص نام هي مس تقلة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أربابا مستقلة وكانوا يعبدونها من دون هللا تعالى‪.‬‬

‫الربوبية املستقلة والتابعة‪:‬‬

‫الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي (‪ ،)1422‬المفيد في مهمات التوحيد (الطبعة ‪ ،)1‬صفحة ‪ .58‬بتصرّ ف‪.‬‬ ‫‪61‬‬
‫ّ‬
‫فالربوبي ة املستقلة أن‬ ‫ّ‬
‫الربوبي ة التابعة ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الربوبي ة املستقلة و‬ ‫ههنا أمران ال بد من الفرق بينهما وهما‬
‫ّ‬
‫الربوبي ة التابعة وهي أن يكون التدبير تحت إرادة‬ ‫يستقل الذات بما يفعله هو وال يستطيع غيره و أما‬
‫الربوبي ة ّ‬
‫بأي ة ش ائبة إذا ك ان اإليم ان بربوبي ٍة تابع ة هلل تع الى في‬ ‫ّ‬ ‫هللا تع الى وال ّ‬
‫يمس عقي دة التوحي د في‬
‫‪:‬رب العمل‪ّ ،‬‬
‫ورب األسرة فليس في‬ ‫أصل وجودها‪ ،‬وفي استمرارها وبقائها ‪ ،‬و من هذه الناحيةإذا قلنا ّ‬

‫ّ‬
‫الربوبية املستقلة‪ .‬وهذا كما وصف هللا تعالى مالئكته‬ ‫استعمال هذا اللفظ عقدة طاملا ّأن املراد ال يكون‬
‫بربوبية هللا تعالى‪ّ ،‬‬
‫ألن هذا‬ ‫ّ‬ ‫ب"َامْل ُ َد ّب َرات َأ ْم ًرا"‪،‬في سورة النازعات ّ‬
‫‪.‬فإن هذا الوصف ال يتنافى مع االعتقاد‬ ‫ِ ِ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫الت دبير ت ابع إلرادة هللا‪ .‬فهي م ّ‬
‫دبرا في مج ال قبض‬ ‫دبرات غ ير مس تقلة‪ ،‬وك ذا جع ل هللا مل ك املوت م‬ ‫ِ‬
‫األرواح‪ ،‬وميكائي ل في مج ال ال رزق وجع ل جبرئي ل علي ه الس الم في مق ام ال وحي‪ ، ،‬وإس رافيل في مج ال‬
‫ّ‬
‫الربوبي ة‪ .‬وك ذلك‬ ‫نفخ الص ور‪ ،‬ف ّ‬
‫إن ه ذه األم ور وه ذا التف ويض والت دبير الين افي عقي دة التوحي د في‬

‫األنبياء (عليهم السالم) أو األوصياء في بعض التدابير التكوينية بشكل غير مستقل منحهم هللا تعالى إياها‬
‫ّ‬
‫الربوبي ة‪ ،‬كما جاء في القرأن الكريم عند الحديث عن قصة آصف في سورة‬ ‫ّ‬
‫فإنها ال ّ‬
‫تضر بالتوحيد في‬

‫النمل عندما سأل سليمان (عليه السالم) الحاضرين عن القادر منهم على اإلتيان بعرش بلقيس‪،‬فأجابه‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َأ‬
‫يك ِب ِه ق ْب َل ن َي ْرت َّد ِإ ل ْي َك ط ْرف َك "‪.‬‬
‫آصف ‪:‬أناآت َ‬
‫ِ‬

‫ّ‬
‫الثاني‪:‬الربوبية التشريعية‪:‬‬ ‫النوع‬

‫مشرع إال هللا تعالى فهو ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يسن التشريعات واألحكام لتدبير شؤون الكائنات‬ ‫وهذا يعني االعتقاد بأن ه ال ِ‬
‫املخت ارة‪ .‬وه ذه التش ريعات ته دف إلى إيص ال الكائن ات إلى كماالته ا وه ذا اإليص ال يك ون باالختي ار ال‬
‫بالقهر واالضطرار‪.‬وقد بعث هللا أنبياءه‪ ،‬ووضع أحكامه وقوانينه وأنزل رساالته من هذا املنطلق‪.‬هذا‬
‫ّ‬
‫الربوبية التشريعية‪.62‬‬ ‫هوالتوحيد في‬

‫ثانيا‪:‬توحيد األلوهية‪ :‬‬

‫النوع من التوحيد هو قول هللا ‪-‬تعالى‪-‬‬


‫ِ‬ ‫العبادة هلل وحده من غير شريك‪ ،‬والدليل على هذا‬ ‫ِ‬ ‫هو صرف‬
‫َََ ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫اع ُب ُدوا َر َّبك ُم ال ِذي خلقك ْم)‪.‬‬
‫اس ْ‬ ‫في القرأن الكريم‪(َ :‬يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الن ُ‬

‫األمثلة‪:‬‬

‫وفيما يأتي ذكر بعض األمثلة على توحيد األلوهية‪.63‬‬

‫وجل‪ -‬باالستعانة به فقط‪ ،‬وعدم االستعانة واالستغاثة بغيره ‪.‬‬ ‫أن يفرد العبد ربه َّ‬
‫‪-‬عز َّ‬ ‫‪.1‬‬

‫السجود له فقط‪ ،‬وعدم السجود لغيره‪.‬‬ ‫وجل‪ -‬بعبادة‬ ‫أن يفرد العبد ربه َّ‬
‫‪-‬عز َّ‬ ‫‪.2‬‬
‫ِ‬
‫وجل‪-‬بعبادة الصيام من أجله فقط‪ ،‬وعدم إشراكه في العبادة‪.‬‬ ‫أن يفرد العبد ربه َّ‬
‫‪-‬عز َّ‬ ‫‪.3‬‬

‫وجل‪-‬بعبادة الدعاء‪ ،‬وعدم صرف الدعاء لغيره‪.‬‬ ‫أن يفرد العبد ربه َّ‬
‫‪-‬عز َّ‬ ‫‪.4‬‬

‫توحي د األلوهي ة يع ني أن يعتق د العب د جازما بأن‪ ‬هللا‪ ‬ه و اإلله الح ق و يف رده بالعبادة وإإلخالص فيه ا‬

‫لربه ظاهرا وباطنا‪ .‬وهذا التوحيد هو الحد الفاصل و الفارق بين اإلسالم والكفر وبين املوحدين هلل‬

‫واملش ركين ب ه ‪ ،‬وه ذا ه و األس اس لوق وع الج زاء والث واب في األولى واآلخ رة‪ ،‬وعلى ه ذا ف إن تط بيق‬

‫‪ 62‬اإلمام أبي الحسین محمد بن أحمد بن عبد الرحمن امللطي الشافعي‪,‬ص‪ / 334‬التنبیه والرد علي أھل األھواء والبدع ‪ /‬قدم له وعلق‬
‫علیھ محمد زاھد الحسن الكوثري ‪١٣٨٨ /‬ه – ‪ ١٩٦٨‬م ‪ /‬مكتبة املثني ومكتبة املعارف‬
‫ّ‬
‫‪ 63‬سفر بن عبد الرحمن الحوالي‪ ،‬دروس للشيخ سفر الحوالي‪ ،‬صفحة ‪ ،6‬جزء ‪ .38‬بتصرف‪.‬‬
‫توحي د األلوهي ة يلزم ه التوحي د هلل بجمي ع أن واع العب ادة وأش كالها‪ .‬ومن تل ك األن واع تت أتى األم ور‬

‫التالية‪ :‬‬

‫ً‬
‫أن يخلص العبد محبته‪ ‬هلل‪ ‬فال يتخذ ندا يحبه من دون هللا‪ ‬‬ ‫‪.1‬‬

‫أن يف ‪HH‬رد العب ‪HH‬د رب ‪HH‬ه في أم ‪HH‬ور اليق ‪HH‬در عليه ‪HH‬ا إال هللا تع ‪HH‬الى ‪ ‬كال دعاء والرج اء والتوك ل واإلحي اء‬ ‫‪.2‬‬

‫واإلماتة ‪.‬‬

‫أن يف‪HH H‬رد العب‪HH H‬د رب‪HH H‬ه ب‪HH H‬الخوف منه‪ ‬فال يخ اف املؤمن من بعض املخلوق ات اعتق ادا بأنهاتض ره‬ ‫‪.3‬‬

‫فيخاف منها ‪ ,‬فإن هذا يعد شركا باهلل‪.‬‬

‫أن يف ‪HH H H H H H‬رد العب ‪HH H H H H H‬د رب ‪HH H H H H H‬ه بجمي ‪HH H H H H H‬ع أن ‪HH H H H H H‬واع العب ‪HH H H H H H‬ادات‪  ‬س واء ك انت العب ادات بدني ة‬ ‫‪.4‬‬

‫مثل‪ ‬الصالة‪ ‬والسجود‪ ‬والصومأ‪ ‬والعبادات القولية مثل النذر واالستغفار‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬توحيد األسماء والصفات‪ :‬‬

‫توحيد الذات والصفات هو أن يفرد ربه َّ‬


‫‪-‬عز َّ‬
‫وجل‪ -‬باألوصاف التي وصف هو بها نفسه في كتابه املنزل‬
‫ً‬ ‫أو وص فه به ا رس وله الك ريم في أحاديثه ال واردة ‪,‬وه ذه األوصاف إما أن تك ون ً‬
‫أوإثبات ا من غ ير‬ ‫نفي ا‬

‫تمثي ل وال تحري ٍف‪ ،‬وال تعطي ٍل‪ ،‬وال تك ييف اعتق اد انف راد هللا بالكم ال املطل ق من جمي ع الوج وه‬

‫بأوصاف العظمة هو‪ .‬توحيد األسماء والصفات ‪.64‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫املدرسة األشعرية‬

‫‪ 64‬اإلمام األكبر محمود شلتوت ‪ /‬اإلسالم عقیدة وشریعة ‪,‬ص‪ /45‬دار الشروق‪.‬‬
‫من هم األشاعرة‪:‬‬

‫األشاعرة هم جماعة أسسها‪ ‬أبو الحسن األشعري ‪,‬لها منهاجها في‪ ‬العقيدة‪ ‬وهم من‪ ‬أهل السنة والجماعة‪،‬‬

‫ال يخ الفون في ذل ك ‪ ‬إجم اع‪ ‬األئم ة األربعة من اإلم ام أبي حنيفة النعم ان ‪ ‬و اإلم ام مالك‪ ‬و اإلم ام‬

‫الش افعي‪ ‬و اإلم ام وأحمدبن حنب ل رحمهم هللا أجمعين ‪.‬وقف وا في وج ه‪ ‬املعتزلة في تزيي ف أق والهم‬
‫ً‬
‫وإبطال شبههم وإعادة الحق إلى طريق سلف األمة ومنهجهم‪ .‬وال يكفرون أحدا من أهل القبلة‪ .‬منهجهم‬

‫في العقي دة بين النه ايتين‪ :‬األولى ‪ :‬منهج دع اة‪ ‬العقل‪ ‬املطل ق والثاني ة ‪:‬منهج الجام دين عن د ح دود النص‬
‫ً‬
‫وظ اهره‪ ،‬والطري ق الوس ط ه و تق ديم النص على العق ل‪ ،‬إال أنهم جعل وا للعق ل مدخال في فهم النص‪،‬‬

‫وهذا ما أشارت إليه اآليات القرأنية الكث يرة املش تملة على الحديث عن التفكير والتدبر‪ .‬وهذا املنهج‬

‫اتبع ه كث ير من العلم اء املع روفين في الت اريخ اإلس المي أمث ال‪ :‬ال بيهقي‪ ‬وابن عس اكر والب اقالني والتقي‬

‫الس بكي‪ ‬والقش يري ‪ ‬والجوي ني والع ز بن عب د الس الم الحنفي والن ووي‪   ‬والغ زالي‪ ‬والفخ ر‬

‫الرازي‪  ‬والسيوطي‪  ‬و‪ ‬غيرهم من الكبار‪.‬‬

‫أنواع التوحيد عند األشاعرة‪:65‬‬

‫ذهب األشاعرة ‪ ‬إلى أن حقيقة التوحيد هي عبارة عن نفي التعدد في الذات فهو سبحانه ال شبيه له في‬

‫ذاته و نفي التعددفي الصفات فهو ال مثيل له في صفاته و نفي التعدد في األفعال‪ ،‬فهو سبحانه ال شبيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل ه في أفعال ه‪ ،‬فاص بح التوحي د اعتق اد وح دة هللا تع الى ذات ا وص فات وأفع اال م ع إف راد املعب ود‬

‫بالعبادة ‪.‬و‪ ‬األشاعرة‪  ‬يعتبرون أن صفة الوحدانية هلل تنفي عنه الكثرة في ثالثة أشياء وهي كالتالية‪:‬‬

‫‪ 65‬العقائد الحقة‪ ,‬السيد على الحسيني الصدر‪ ,‬ص‪ ,550‬درا الغدير‪ ,‬العراق‪.2006 ,‬‬
‫نفي الك ‪HH‬ثرة في ال‪HH‬ذات‪ :‬وه ذا يع ني أن حقيق ة ذات هللا ليس ت كحقيق ة ذات املخلوق ات‬ ‫‪)1‬‬

‫ال تي خلقه ا هللا ب أمره‪ .‬ف املخلوق ذات ه جس م ومتح يز في املك ان بينم ا ذات هللا ليس ت‬

‫كذلك‪.‬‬

‫فوحدانية الذات تنفي أمرين‪:‬‬

‫األول‪  :‬وحدانية الذات تنفي أن تكون ذاته تعالى مركبة ‪ ,‬سواء كان هذا التركيب من األبعاض واألجزاء‬

‫أو من الجواهر واألعراض‪ ،‬أو من شيء آخر مفترض‪ ،‬ألن كل مركب حادث ومخلوق ال محالة ملاأنه‬

‫يحتاج إلى من ركبه من األجزاء وغيرها ‪ .‬وخالصة القول أن الذات اإللهية ليست قابلة لالنقسام‪ ،‬و‬

‫لم تنقسم ال بالفعل وال بالقوة ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬وحدانية الذات تنفي أن تكون هناك ذات أخرى كاملة في الصفات ويستحيل عليها من النقص و‬

‫يجب لها من الكمال ما يجب هلل‪.‬‬

‫نفي الكثرة في الصفات‪ :‬وهذا يعني أن حقيقة صفات هللا ليست كحقيقة صفات املخلوقات التي‬ ‫‪)2‬‬

‫خلقه ا هللا تع الى ب أمره‪ .‬فعلم املخل وق ح ادث‪,‬وه و ليس بع الم حين والدت ه ثم حص ل في ه العلم‬

‫بالتدريج وذلك إما يكون نتيجة فعل له أو انطباع صورة املعلوم فيه أو انفعال أو تكيف نفسه‬

‫بكيفي ة معين ة أو بغ ير ذل ك من األم ور ‪,‬ول ه س بب لم يكن في ه ثم ك ان و وأم ا علم هللا تع الى‬

‫فليس كذلك‪.‬و قس على هذا بقية صفات هللا عز وعال كبقاء املخلوق و بقاء هللا وقدم املخلوق‬

‫وقدم هللا إلخ‪.‬‬

‫ووحدانية الصفات تنفي أمرين‪:‬‬


‫األول‪ :‬وحداني ة الص فات تنفي أن يك ون لل ذات اإللهي ة ق درتان وإرادت ان وم ا إلى ذل ك من الص فات‬

‫األخرى ‪ ،‬بل قدرته واحدة تتعلق بجميع املمكنات‪ ،‬وكذا إرادته وعلمه‪ ...‬إلخ‪.66‬‬

‫الثاني‪ :‬وحدانية الصفات تنفي أن يكون هناك اتصاف ألحد من املخلوقين بصفات هللا تعالى‪،‬فيفعل ما‬

‫يفعل ه هللا تع الى وتك ون ل ه إرادة تخص ص وق درة توج د األش ياء‪ ،‬وعلم محي ط ب األمور كله ا‪ ،‬وه ذا ملا‬

‫ذكرنا أن هللا تعالى ال شبيه له‪.67‬‬

‫نفي الكثرة في األفعال‪ :‬و هذا يعني أن فعل هللا عبارة عن خلق للمفعول أي هو يوجد املفعول‬ ‫‪)3‬‬

‫من العدم إلى الوجود‪ .‬ونسبة الفعل إلى هللا نسبة خلق ‪,‬فاهلل خالق كل شيء وأما فعل املخلوق‬
‫ً‬
‫فال يمكن أن يك ون خلق ا‪ ,‬ونس بة الفع ل إلى املخل وق هي نس بة كس ب واكتس اب‪ ,‬وفع ل املخل وق‬

‫عبارة عن اكتساب ألمرخلقه هللا له‪ .‬فالوحدانية في األفعال يلزم منها أنه ال مؤثرفي األشياء وال‬

‫خالق لها إال هللا‪.‬‬

‫ووحدانية األفعال تنفي أن يكون للغيره من األفعال ما هي هلل تعالى ألنه ال شريك له في األفعال ‪ ,‬فهو‬

‫املؤثر واملخلوقات ليس لها تأثير بل هي متأثرة نتيجة الكتسابها له وهي تقوم بها‪ .‬وهللا هواملنفرد باإليجاد‬

‫واإلعدام‪ ،‬فيجب أن نعتقد أن األفعال كلها هلل تعالى‪.68‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫املدرسة املاتريدية‬

‫‪ 66‬اإلمام األكبر محمود شلتوت ‪ /‬اإلسالم عقیدة وشریعة ‪,‬ص‪ /70‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪ 67‬حمد محمود صبحي ‪ /‬في علم الكالم " دراسة فلسفیة آلراء الفرق اإلسالمیة في أصول الدین " ص‪ /331‬ط الخامسة ‪ /‬دار النھضة‬
‫العربیة ‪ ١٤٠٥ /‬ھـ – ‪ ١٩٨٥‬م‪.‬‬
‫‪ 68‬الشيخ الدكتور أحمد محمود كريمة (يناير ‪2012‬م)‪  ،‬السلفية بين األصيل والدخيل‪( ‬ط‪ .‬األولى)‪ ،‬دار الكتاب الصوفي‪،‬‬
‫ص‪.71 -68   .‬‬
‫من هم املاتريدية‪:‬‬

‫أسسها‪ ‬أبومنصوراملاتريدي‪ ،‬وظهرت هذه املدرسة في أوائل‪ ‬القرن الرابع الهجري‪ ‬في‪ ‬سمرقند‪ ‬من‪ ‬بالد ما‬

‫وراء النهر وهم من أهل السنة والجماعة‪ ,‬نشأت املاتريدية في ظل الصراع الكالمي الذي نشأ في‪ ‬بغداد‪. ‬‬

‫ودعت إلى مذهب أهل الحديث والسنة‪ ,‬وإلثبات حقائق الدين‪ ‬والعقيدة اإلسالمية ‪,‬استخدمت البراهين‬

‫والدالئل العقلية والكالمية ضد الفرق الضالة من‪ ‬املالحدة واملعتزلة‪ ‬والجهمية‪  ‬وغيرهم‪ .‬ومنهجهم في‬

‫العقي دة ه و الجم ع بين الش رع والعق ل وتوس يع دائ رة التفك ير واالس تنتاج وأم ا اعتماده ا في األس س‬
‫والنشأة فهو على‪ ‬املذهب الحنفي سواء كان فقها أ ً‬
‫وكالما‪.‬‬

‫أنواع التوحيد عند املاتريدية‪:‬‬

‫ذهب املاتريدية في تقسيم التوحيد إلى ما ذهب إليه األشاعرة ‪ ‬وهو أن حقيقة التوحيد عبارة عن نفي‬

‫التعدد في الذات ‪,‬فهو سبحانه ال شبيه له في ذاته و نفي التعددفي الصفات فهو ال مثيل له في صفاته و‬
‫ً‬
‫نفي التعدد في األفعال‪ ،‬فهو سبحانه ال شبيه له في أفعاله‪ ،‬فالتوحيد هو اعتقاد وحدة هللا تعالى ذاتا‬
‫ً‬
‫وصفات وأفعاال مع إفراد املعبود بالعبادة‪ .‬وهذا ما ذكرناه سابقا‪.‬‬

‫وأم ا من ذك ر ق ول‪ ‬أبي منص ور املاتري دي في بعض العب ارات واس تدل بأنه ا العب ارات ال تي ت دل على‬
‫َ‬
‫تقسيمه للتوحيد إلى قسمين‪ :‬األول هو الربوبية والثاني هو األلوهية حيث قال‪"َ :‬وبعد ف ِإ َّن ه لم يذكر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الت ْو ِح يد َد ْع َو ى اإللهية َو ا ِإْل ش َار ة ِإ ل ى أثر فعل ِم ْن ُه يدل على‬ ‫ُ‬
‫يعرفه أهل َّ‬ ‫َع ن غير ا ِإْل ل ه َّال ِذ ي‬

‫ربوبيت ه" ‪ .69‬حيث اس تدل البعض ب أن كلم ة اإللهي ة والربوبي ة هي إش ارة إلى قس مي‬

‫التوحي د ‪,‬ف إن ه ذا الش رح ال يرض ى ب ه العلماءاملاتريدي ة وال ي رون ه ذا التقس يم ب ل ي ردون‬

‫عليها‪.‬‬

‫‪ 69‬ا‪H‬ل‪H‬ت‪H‬و‪H‬ح‪H‬ي‪H‬د‪ H‬ص‪20H‬‬
‫املبحث الرابع‬

‫موقف األشاعرة واملاتريدية من تقسيم التوحيد الذي اختاره السلفية‬

‫كم ا ذكرن اأن الس لفية ‪ ‬ذهب وا إلى تقس يم التوحي د إلى ثالث ة أن واع من الربوبي ة واأللوهي ة وتوحي د‬

‫األس ماء والص فات أخ ذا من ابن تيمي ة رحم ه هللا‪.‬بينم ا ي رى ‪ ‬األش اعرة‪ ‬واملاتريدية‪  ‬من أه ل الس نة أن‬

‫تقسيم التوحيد إلى هذه الثالثة بدعة‪ ‬من البدع التي هي مذمومة في العقيدة‪ ,‬ألن الكتاب والسنة لم َي ِر ْد‬

‫فيهما هذه املصطلحات والتقسيمات ولم نر ذلك في عصر‪ ‬السلف الصالحين من أهل القرون الثالثة‪.‬‬

‫فه و تقس يم غ ير معق ول في العقي دة وغ ير منق ول من أح د من الس لف‪ .‬وللتفص يل في ه ذا املوض وع‬

‫فليراجع كتاب "السهم السديد في ضاللة تقسيم التوحيد" للشيخ الدكتور‪ ‬جميل حليم الحسيني إنه قد‬

‫رد باألدل ة‪ ‬القرآنية‪ ‬والحديثية‪ ‬ونص وص علم اء‪ ‬املذاهب األربعة على مس ألة تقس يم التوحي د إلى ه ذه‬

‫األنواع الثالثة‪.‬وبين لكا موقف دالئل ورجح موقف األشاعرة واملاتريدة بهذا الصدد‪.‬‬

‫تقسيم التوحيد عند ابن أبي العز والتركستاني‬

‫نرى ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية أنه لم يذكر هذا التقسيم صراحة إال انه ذكر‬

‫اسم توحيد اإللهية وقال‪" :‬إن القرأن إما خبر عن هللا وأسمائه وصفاته وأفعاله" وقد سمى هذا توحيدا‬

‫عملي ا خبري ا‪ ,‬ثم ق ال‪" :‬وإم ا دع وة إلى عبادت ه وح ده" وس مى ه ذا التوحي د اإلرادي الطل بي‪ .‬فيظه ر من‬

‫كالمه أنه لم يقسم التوحيد إال إلى ما نقل عن السلف في الذات والصفات واألفعال‪ ,‬فهو أيضا ال يقول‬

‫بتقسيم السلفية للتوحيد‪.‬بينما نجد نفس األمر في كال م الشيخ التركستاني عند شرح" وال إله غيره" أن‬

‫التوحيد إما ذات هللا أو صفاته أو أفعاله‪.‬‬


‫فظهر من هنا أن التقسيم ال يقول به كال الشيخين ال ما شرحه البعض كعبد هللا ابن عبيد ابن عباد‬

‫في كتابه" منهج اإلمام ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة" فجعل كالمه في التوحيد نفس ما يجعله‬

‫علماء السلفية ببعض اإلشارات فقط وهذا األمر ال يستقيم علميا‪.‬‬

‫املبحث الخامس‬

‫التوحيد عند الشيعة‬

‫األص ل األول من أص ول ال دين عن د الش يعة ه و التوحي د‪.‬و يعتق دون بوج وب توحي د هللا في جمي ع‬

‫الجهات‪ .‬والتوحيدعندهم على أربعة أقسام وهي كالتالية‪:70‬‬

‫أوال ‪:‬التوحيد في الذات‪ :‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإللهي ة ذات بس يطة ال ك ثرة فيه ا‪ ،‬وال ت ركب ‪ ,‬فال نظ ير ل ه وال ش بيه وال يمكن‬ ‫وه و يع ني ان ال ذات‬
‫َّ‬
‫تصورذلك ‪ ,‬فهو االعتقاد بأن الله تعالى واحد في ذاته‪ ,‬ومعرفة اإلنسان هلل تكون بأفعاله وآثاره والذات‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والظن وال وهم فال يتناوله ا ال وهم والعق ل أب دا‪ .‬و ليس بمق دور‬ ‫اإللهي ة هي أعلى من الخي ال والقي اس‬

‫أحد أن يدرك حقيقة ذاته‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬التوحيد في الصفات‪ :‬‬

‫وهذا يعني ّأن صفاته الذاتية عين ذاته تعالى‪ ،‬وكلها موجودة بوجود الذات االحدية وإن صفاته اإللهية‬

‫كث يرة ب املعنی واملفه وم ولكنه ا واح دة بالهوي ة والوج ود‪ .‬وان ص فاته ليس ت زائ دة علی ذات ه ب ل هي عين‬
‫ذاته‪ .‬فكما ّأن ذاته أزلية وأبدية ّ‬
‫فإن صفاته كذلك أزلية وأبدية كالعلم والقدرة‪ ,‬والصفات ال تنفصل‬

‫‪ 70‬عالء ّ‬
‫الحسون‪ ،‬التوحيد عند مذهب أهل البيت‪ ، ‬الجزء‪ 1 : ‬صفحة‪ .158 : ‬نسخة محفوظة‪ 21 ‬فبراير ‪ 2018‬على موقع‪ ‬واي باك مشين‪.‬‬
‫عن الذات ألن زيادة الصفات على الذات تستلزم أن تكون الذات فاقدة لصفات الكمال وهذا خلف في‬

‫ذات اإلله ومستحيل في حق هللا تعالى ‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬التوحيد في األفعال‪:‬‬

‫وه ذا التوحي د يع ني أن ك ل ش ئ بمش يئته وتق ديره تع الى‪ ,‬فك ّل فع ل أو حرك ة أو ظ اهرة يح دث في ه ذا‬

‫الع الم ه و تحت س لطة هللا تع الى ‪ ،‬ال ش ي‌ء ي ؤثر في ع الم الوج ود ب دون إذن ه ومش يئته ‌‪ .‬فاملاء ال يطفئ‬
‫َّ‬
‫الله تعالى‪ ,‬والنار ال تحرق إال بأمر هللا‪ُّ ،‬‬
‫وكل ما يعمل اإلنسان من عمل فإن ذلك بإذن‬ ‫النار إال بمشيئة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الله ‪ ,‬وك ُّل حرك ة من الحرك ات تع ود إلى ذات ه املقدس ة‪ ,‬ف املؤثر ه و الله تع الى وأم ا األس باب األخ رى‬

‫فليس لها القدرة على التأثير إال بمشيئة خالقها‪.‬‬

‫رابعا‪:‬التوحيد في العبادة‪ :‬‬

‫والتوحيد في العبادة يعني ان يعبد العبد ربه ال غيره‪ ,‬والركوع والسجود له فقط دون غيره ‪,‬فأنه أهل‬

‫للعبادة‪ ,‬والعبادة نوع من التسليم والتبعية االختيارية‪.‬‬

‫رأي الباحث في هذه التقسيمات‪:‬‬

‫ويرى البحث أن تقس يم أن واع التوحي د تقسيم اجتهادي ونظري والقصد والغاية من جميعه ا واحدة‪،‬‬
‫ً‬
‫بين جميعه ا تالزم وال يك ون املرء مؤمن ا إال إذا أمن به ا جميعه ا كم ا قال ه أك ثر العلم اء س واء أك ثرو في‬

‫التقس يم أم أقل وا ‪.‬وه ذا م ا ذك ره ت امر مت ولي في كتاب ه منهج محم د رش يد رض ا في العقي دة‪" :‬تقس يم‬
‫قس مه لقس مين‪ ........‬ومنهم من ّ‬
‫قس مه إلى س تة‬ ‫أن واع التوحي د تقس يم اجته ادي نظ ري‪ ,‬فمنهم من ّ‬

‫أقسام‪.71...‬‬

‫ّ‬
‫بتصرف‪.‬‬ ‫‪ 71‬تامر متولي‪ ،‬منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة‪ ،‬صفحة ‪.249‬‬
‫وتوجي ه من اع ترض على التقس يم املش هوروهو تقس يم الثالث ة وأنك ر ذل ك أش د االنك ار فه و لقاع دة‬

‫نحوية معروفة وهي "أن التوحيد مصدر وال يمكن تقسيمه لذاته" فإذا لم يمكن تقسيمه فكيف يصح‬
‫ّ‬
‫والتشدد‬ ‫تقسيمه؟بينما قال البعض‪ :‬إن هذا التقسيم ال يصح ألنه عائد لدين النصارى‪ ،‬وقد كثر اللغط‬

‫فيه إال أن الصحيح هوما ذكرنا من التالزم بينها ‪.‬‬

‫الفصل الخامس‬

‫إثبات الجهات والحلول والحوادث في ذات هللا سبحانه وتعالى‬

‫األلفاظ املجملة‪:‬‬

‫ورد في كتب العقائ د وح دث فيه ا ج دال كب ير وت ورط فيه ا كث ير من الن اس‬


‫األلف اظ املجمل ة مص طلح ِ‬
‫والف رق ‪ ,‬وهن ا تتج ه كث ير من األس ئلة حوله ا وهي‪:‬فم ا املقص ود بالكلم ات املجمل ة ؟ وم ا املراد من‬

‫إطالقها ؟ وهل وردت في الكتاب والسنة ؟ وما معنى كونها مجملة ؟ وما الذي دعا إلى إطالقها ؟ وكيف‬

‫يتعامل أهل السنة مع هذه األلفاظ ؟ واإلجابة عن هذه األسئلة على النحو التالي‪:‬‬

‫ف الجواب األول ه و أن املقص ود بالكلم ات املجمل ة أنه ا كلم ات أطلقه ا أه ل التعطي ل إلثب ات م زاعمهم‬

‫الباطلة في أمور عقائدية ‪.‬والجواب الثاني أن املراد من إطالقها ان يتوصل أهل التعطيل إلى نفي صفات‬

‫اهللا ـ تعـالى ـ ويحاولون إنجاز ذلك بحجة تتريه هللا عن النقائص‪ .‬والجواب الثالث أن هذه األلفاظ من‬

‫إطالق ات أه ل الكالم و لم ي رد ش يئ منه ا ال في الكت اب وال في الس نة‪ .‬والج واب الراب ع أن مع نى كونه ا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجمل ة احتماله ا لوجه تين مختلف تين ‪ :‬األولى تحتم ل حق ا واألخ رى تحتم ل ب اطال أو يق ال ‪ :‬إنه ا ألف اظ‬

‫مش تركة بين املعاني الص حيحة ‪ ،‬واملع اني الباطل ة واليمكن أن ي درك أح د معناها بنفس اللف ظ إال بعد‬
‫االستفصال واالستفسارعنه ‪.‬والجواب الخامس أن الذي دعاهم إلى ذلك هوعجزهم عن مقارعة أهل‬

‫السنة في ميدان الحجة ‪,‬عندما لم يستطيعوا ذلك فلجؤوا إلى هذه الطريقة ؛ إلخفاء زيفهم عن عامة‬

‫الن اس ومتبعيهم‪ .‬والج واب الس ادس أن طريق ة أه ل الس نة في التعام ل م ع ه ذه الكلم ات واض حة وه و‬

‫التوقف فيها وعن بيان معانيها فال يثبتونها وال ينفونها ؛ ألنـها لم ترد نفيها وال إثباتها في الكتاب والسنة ‪.‬‬

‫ويستعملون اللفظ الشرعي املناسب للمقام و يستفصلون عن املعنى الذي تحت هذه األلفاظ ‪،‬فيرون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن ك ان ذل ك مع نى باطال في نزهون اهللا عن ه ويردونه ‪ ،‬وإن ك ان ذل ك مع نى حق ا ال يمتن ع على ذات هللا‬

‫وصفاته وأسمائه قبلوه‪. 72‬‬

‫املبحث األول‬

‫الجهة‬

‫ه ذه اللفظ ة من الكلم ات املجمل ة ويطلقه ا أه ل التعطي ل ‪ ،‬فم ا معناها في اللغ ة ؟ وم ا التحقي ق في تلك‬

‫اللفظ ة ؟ وم ا م رادهم من إطالقه ا ؟ وه ل هي ثابت ة هلل أو منفي ة عن ه ؟‪ ,‬فالتفص يل في ذل ك على النح و‬

‫التالي‪:‬‬

‫الجهة في اللغة ‪:‬‬

‫الجهة لغة ‪ :‬تطلق الجهة في اللغة على الوضع الذي تقصده وتتوجه إليه وكذا تطلق على الطريق ‪ ،‬وعلى‬

‫كل شيء استقبلته ‪ ،‬وشرعت فيه ‪.‬‬

‫‪ 72‬العقائد الحقة‪ ,‬السيد على الحسيني الصدر‪ ,‬ص‪ ,450‬درا الغدير‪ ,‬العراق‪.2006 ,‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لفظ‪  ‬الجهة لم يرد ال في الكتاب وال في السنة ال إثباتا وال نفيا‪،‬ولذلك؛ال بد فيها من التفصيل ألن هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫املع نى ـ يحتم ل حق ا ويحتم ل ب اطال ‪ ،‬فهوهللا س بحانه وتع الى في الس ماء و العل و والفوقي ة يغني ان عن ه‪.‬‬

‫وإنما أطلق أهل التعطيل هذه اللفطة قصدا لنفي صفة العلو عن اهللا ـ عز وجل ـ ‪.‬وأما التحقيق في هذه‬

‫اللفظة فهو أن يقال ‪ :‬إن إطالق لفظ الجهة في حق اهللا ـ سبحانه وتعـالى ـ لم ينقل عن أحد من سلف‬

‫هذه األمة وهو أمر مبتدع‪.‬‬

‫محتمالت الجهة‪:‬‬

‫الجهة يراد بها أحوال مختلفة وهي كالتالية‪:‬‬

‫‪:1‬إما أن يراد بها جميع الجهات أي إنه موجود في كل جهة وبذاته في كل مكان وإنه ٌّ‬
‫حال في خلقه ‪ ،‬فإن‬

‫ذلـك منتف في حقه و ممتنع على اهللا ملاأنه يلزم منه القول بالحلول‪ .‬وهو باطل البتة في حقه سبحانه‬

‫وتعالى‪.‬‬

‫‪:2‬وإما أن يراد بها جهة سفل اي إن الرب في جهة سفل‪ ,‬هذا املراد باطل تماما أيضا ‪,‬فإن اهللا أعظم‬

‫وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته فهي إذا ممتنعة على هللا ومنتفية عنه خاصة عندما نقول‪:‬إن‬

‫كرسيه وسع السموات واألرض ‪.‬‬

‫‪:3‬وإما أن يراد بها نفي الجهة عن اهللا أي إنه ليس في جهة و ليس في مكان وهذاكما يقوله أهل التعطيل‬

‫‪:‬إن هللا ليس بداخل في العالم ‪ ،‬وال خارجه ‪ ،‬وهوليس بمتصل ‪ ،‬وال منفصل ‪ ،‬وهو ليس فـوق أي شيئ‬

‫‪ ،‬وال تحته‪ .‬وهذا القول أيضا يمتنع على هللا وينتفي في حقه ألن نتيجة هذا القول هو وصف هللا تعالى‬

‫بالعدم املحض‪.‬‬
‫ً‬
‫‪:4‬وإما أن يراد بها أنه سبحانه في جهة علو تليق بجالله ‪ ،‬وعظمته من غير أن يكـون محتاجا ألحد من‬

‫خلق ه ومن غ ير إحاط ة ب ه‪،‬وه ذا املع نى ه و الص حيح ‪ ,‬ف إن ذل ك ح ق ث ابت ل ه دلت علي ه النصـوص‬

‫القرأنية والحديثية‪ ،‬وتقرره العقـول ‪ ،‬وتقبله الفطر السليمة‪.73‬‬

‫ولنعلم هنا جميعا أن معتقد أهل السنة و الجماعة في لفظ الجهة وما يشابهها هو أن هللا منزه عن‬

‫البعد في ُبعد أخر وهو إما أن يكون متوهما أو‬


‫التمكن في مكان ألنه لو تمكن في مكان فهذا يعني نفوذ ُ‬

‫يكون متحققا والبعد في الشيئ يعني االمتداد القائم بالجسم و ال يمكننا أن نصف هللا تعالى باالمتداد‬

‫أو املقدار الستلزامه بعض املحاالت‪ ,‬وأول هذه املحاالت التجزي والدليل على ذلك أنه لو تحيز في املكان‬
‫فإما يكون في األزل أو ال يكون في األزل‪ ,‬ففي الصورة األولى يلزم ُ‬
‫قدم الحيز وإذا لزم ذلك فهذا يعني‬
‫ً‬
‫أن هللا تعالى يكون محال للحوادث و ذلك مستحيل‪ ،‬وأيضا لهذا صورتان أخريان وهما إما أن يساوي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هو الحيز أويكون ناقصا عنه فحينئذ يكون متناهيا و إن زا دعليه فهو يكون متجزئا والتجزئ محال في‬

‫حق اإلله‪.74‬‬
‫واتفق اهل السنة والجماعة على أن هللا تعالى ال يحويه مكان وال ُّ‬
‫يحل في مكان‪ ،‬وال يسكن العرش‪ ،‬و‬
‫السماء ‪ ,‬فهو موجود قبل املكان والعرش و السماء ‪ ،‬ويستحيل علىه ّ‬
‫التغي ر سواء كان ذلك من صفة‬
‫ً‬
‫موجودا في األزل بال مكان‪ ،‬وبعدما خلق املكان فال يزال‬ ‫إلى صفة أخرى أو من حال إلى حال ‪ ،‬فهو كان‬

‫مكان‪ .‬‬
‫ً‬
‫موجودا بال‬

‫قول ابن تيمية وابن أبي العز الحنفي في الجهة هلل تعالى واملكان من العلو والفوقية‪:‬‬

‫‪ 73‬أحم د محم ود ص بحي ‪ /‬في علم الكالم " دراس ة فلس فیة آلراء الف رق اإلس المیة في أص ول ال دین "ص‪ / 310‬ط الخامس ة ‪ /‬دار النھض ة‬
‫العربیة ‪ ١٤٠٥ /‬ھـ – ‪ ١٩٨٥‬م‪.‬‬
‫‪ 74‬اإلم ام أبي الحس ن علي بن إس ماعیل األش عري ‪ /‬مق االت اإلس المیین واختالف املص لین ‪,‬ص‪ /324‬تص حیح ھلم وت ری تر ‪ /‬دار النش ر‬
‫كالوس ش قارتس ف رالغ‪ /‬ب رلین ‪ ١٤٢٦ /‬ه – ‪٢٠٠٠‬م‪ .‬وطبع ة أخ ري بتحقی ق محم د محي ال دین عب د الحمی د ‪ /‬ط أولي ‪ /‬مكتب ة النھض ة‬
‫املصریة ‪ ١٣٦٩ /‬ھـ – ‪ ١٩٥٠‬م‪.‬‬
‫قد أثبت الشيخ ابن أبي العز الحنفي العلو والفوقية هلل عز وجل في كتابه بثمانية عشر دليال من القرأن‬

‫والسنة ودليل العقل والفطرة وما إلى ذلك وهذه الدالئل كلها مسوقة بالتفصيل في كتاب " منهج اإلمام‬

‫ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة من خالل شرحه للعقيدة الطحاوية" من تأليف عبدهللا ابن عبيد‬

‫ابن عباد الحافي والكتاب مطبوع من دار ابن الجوزي‪ .75‬فجعل ابن أبي العز إثبات هذا مما جرى عليه‬

‫السلف الصالح وأما نحن فال نرى هذا إال اتباعا البن تيمية رحمه هللا في هذه القضية كما جرى عليه‬

‫في‪" ‬الرسالة التدمرية "في ‪,‬القاعدة الثانية بكل صراحة‪,‬وقد أيده ابن العثيمين ‪-‬رحمه هللا‪ -‬في القواعد‬

‫املثلى ص‪40,‬وكذاذكر في كتابه "منهاج السنة النبوية" ما يثبت منه العلو والفوقية هلل تعالى وكذا قال في‬

‫موضع أخر من الكتاب ما نصه "وجمهور الخلف على أن هللا فوق العالم "‪.‬‬

‫بعض ما ذكره ابن تيمية بهذا الصدد‪ :‬قال في‪" ‬الرسالة التدمرية " "وكذلك يقال ملن قال‪ :‬هللا في جهة‪،‬‬
‫ٌ‬
‫داخل في شيء من املخلوقات؟ فإن أردت األول؛ فهو‬ ‫أتريد بذلك َّأن هللا فوق العالم؟ أو تريد به َّأن هللا‬

‫حق‪ ،‬وإن أردت الثاني؛ فهو باطل"‪.‬‬

‫ويظهر من هذه العبارة بكل صراحة أنه قائل بإ ثبات صفةالعلو والفوقية هلل تعالى وأن ذلك ضروري‬

‫ويليق بشأنه سبحانه‪.‬‬

‫الجواب عن إثبات صفة العلو‪:‬‬

‫إن الجهات كلها في حد ذاتها ال تقتضي الكمال وال يلزم الشأن في علو املكان ‪ ،‬بل عظمة الشأن تثبت في‬

‫علو القدر‪ ،‬قد يكون البشر باملكان العالي واألخر يكون في املكان املنخفض وصاحب املكان العالي اليكون‬
‫ً‬
‫أعلى مرتبة بل يختص صاحب املكان املنخفض يكون أعلى منه قدرا‪ .‬وهذا ما يكون مع السالطين فإن‬

‫‪ 75‬منهج اإلمام ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة في ضوء شرح العقيدة الطحاوية ‪,320‬‬
‫حرس هم يكون ون في مك ان ع ال وهم أس َ‬
‫فل منهم إال أن الس الطين أعلى منهم ق درا وش أنا فليس في عل و‬

‫الجهة وعلو املكان شأن‪ .‬و املالئكة الحافون حول العرش أعلى مكانا من األنبياء الذين مستقرهم في‬
‫ً‬
‫ال دنيا األرض وفي اآلخ رة الجن ة ولكنهم أعلى ق درا من املالئك ة ‪.‬فك ون املالئك ة في الجه ة العلي ا لم يكن‬

‫دليال على أنهم أكم ل من األنبي اء ب ل وال يس اوونهم ‪,‬فنس بة الجه ة واملك ان هلل تع الى مخ الف لقول ه تع الى‬

‫"ليس كمثله شيء"‪ .‬وقد نقل األستاذ عبد القاهر التميمي‪ ‬في كتابه "الفرق بين الفرق" إجماع املسلمين‬

‫على هذا ‪ ,‬فقال ما نصه "وأجمعوا على أنه ال يحويه مكان وال يجري عليه زمان"‪.‬‬

‫وق د نفى هللا تعالى املثلي ة من نفس ه في كتاب ه ألن املثلي ة هي املشابهة ‪ ,‬ف إذا ثبتت املش ابهة لم يبق اإلله‬

‫إلها كما ذكرنا وإما إثبات الجهة فهي مشابهة‪,‬وفي "شرح ملع األدلة" قال الشيخ التلمساني‪ :‬وفي إثبات جهة‬

‫من الجهات مشابهة األجسام والجواهر" وتعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫لو قلنا بإثبات الجهة هلل تعالى فيلزم بعض املحاالت وهي‪:‬‬

‫أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه منحصر في الجهة‪ ,‬فإذا انحصر كان ذلك نقصا في اإلله وهو‬ ‫‪.1‬‬

‫الحق سبحانه‪.‬‬

‫أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه متمكن والتمكن ال يكون إال في املكان‪,‬وفي القول بهذا تلزم‬ ‫‪.2‬‬

‫مماثلة للجواهر املتمكنة في األمكنة‪.‬‬

‫أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه من أجزاء العالم ألن الجهة ليست إال جزءا من هذا الكون‬ ‫‪.3‬‬
‫َ‬
‫املحدثين و العاملين‪.‬‬ ‫فوجب إثبات تعاليه عن صفات‬
‫ويتلخص األمران كالهما في نكتة واحدة وهي أن كل ذلك يلزم منه إيجاب حدوثه فإذا وجب الحدوث‬

‫زال القدم ‪ ،‬وه و محال على هللا تع الى ومنتفية في حقه‪ .‬وق د دل على ه ذا النص وص القرأني ة الكث يرة‬
‫مم ا ت وجب تنزيه ه عن ص فات الخل ق‪ ،‬واألمكن ة والجه ات ‪ .‬ول ذا قي ل‪:‬إن الجه ات الس ت َ‬
‫محدث ة وهي‬
‫َ‬
‫املحدث الذي أحدثه هللا تعالى‪.76‬‬ ‫أوصاف للعالم‬

‫وق دقرر الفقي ه املتكلم الفخ ر بن املعلم القرش ي الدمش قي‪ ‬بطالن الجه ة واملك ان هلل تع الى كم ا ذك ره في‬

‫كتابه "نجم املهتدي ورجم املعتدي" وبين لذلك وجهين‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬أن تقدير الجهة يلزم منها نفي الكمال‪.‬‬

‫ثانـيهما‪:‬الجه ة ال ب د أن تك ون في إح دى الح التين‪,‬إم ا أن تك ون قديم ة أو حادث ة وكالهم ا يؤدي ان إلى‬


‫املح االت ‪ ،‬ألن الق دم يج ر إلى ُمح ال وه و أن يك ون م ع الب ارئ غ ُ‬
‫يره في األزل ‪،‬فأص بح كالهم ا ق ديمين‬

‫والقديمان ليس أحدهما بأولى من اآلخر ‪ ،‬وهذا محال وما ُي ْفضي إلى املحال فهو أيضا محال‪ .‬والحدوث‬

‫أيضا يجر إلى محال وهو أن الحادث اليمكن أن يكون إلها‪.‬انتهى ملخصا‪.‬‬

‫و أم ا اس تداللهم على تع يين جه ة الف وق بح ديث الجاري ة فق د ق ال بعض العلم اء‪ :‬ان الرواي ة املوافق ة‬

‫لألصول هي رواية مالك أن الرسول‪  ‬قال لها "أتشهدين أن ال اله اال هللا" قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال "أتشهدين أني‬

‫رسول هللا" قالت‪ :‬نعم‪ ،‬أخرجها أحمد و مالك و رجاله الصحيح‪.‬‬

‫‪ 76‬اإلمام أبو حامد الغزالي ‪ /‬قواعد العقائد في التوحید ‪,‬ص‪ /123‬دراسة نصیة للدكتور محمد عقیل بن علي املھدلي ‪ /‬ط الثانیة ‪ /‬دار‬
‫الحدیث للنشر والتوزیع القاھرة‪.‬‬
‫املبحث الثاني‬

‫الحلول والحوادث باهللا تعالى‬

‫هذا اللفظ أيضا من األلفاظ املجملة ومن إطالقات أهل الكـالم ‪،‬فها نحن نذكر بعض التفصيل في‬

‫معناه ‪ ،‬وسنبين ما يقصد أهل الكالم منه ‪ ،‬إضافة إلى الرد على ذلك ‪.‬‬

‫املطلب األول‬

‫الحلول والحوادث لغة واصطالحا‬

‫الحلول في اللغة‪:‬‬

‫الحلول في معاجم اللغة قد ورد بأنه مصدر من َح َّل‪ .‬وله عدة معان‪:‬حل في كذا يعني ‪ِّ  ‬اتحاد الج َ‬
‫سم ْين‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ َأ‬
‫والتلبس به‬ ‫تجسده فيه‪،‬‬ ‫الشيء يعني ُّ‬
‫ِ‬ ‫الشيء في‬
‫ِ‬ ‫بحيث تكون اِإل شارة ِإ لى حدهما ِإ شارة ِإ لى اآلخر و ُحلول‬

‫و الحلول أيضا يأتي بمعنى النزول واإلقامة وأما الحلول الذي هو مفرد الحل فهو طريق التغلب على‬

‫مشكلة ما‪.77‬‬

‫الحلول اصطالحا‪:‬‬

‫ً‬
‫املعنى اللغوي يتجسد هنا في املعنى االصطالحي فكلمة ( حلول ) هو عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفا‬

‫لآلخرومثال ذلك حلـول املاء في الكوز بأن يكون الكوز ظرفا للماء‪.‬‬

‫‪ 77‬املفردات في غريب القرآن‪ ,‬لألصفهاني (ص‪ ،)454 :‬القاموس املحيط‪ ,‬للفيروزابادي ص‪224 :‬‬
‫الحوادث لغة‪:‬‬

‫الح وادث جم ع ح ادث والح ادث اس م الفاع ل من ح دث ال ذي مص درها الح دوث‪ .‬والح دوث له ا مع ان‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ‬ ‫َ َأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫هور ُه ِوان ِكشاف ُه وحدوث‪ ‬العالم‬‫واالن ِكشاف كما يقال َ‪:‬ين َت ِظ ُر‪ُ  ‬حدوث‪ْ  ‬م ٍر َّما أي ظ‬
‫عدة‪:‬يأتي بمعنى الظهور ِ‬
‫محدث‪ ‬جاء بعد العدم وله صانع‪ ‬أحدثه‪ ‬وأوجده من العدم وليس ّ‬ ‫َ‬
‫العالم‪َ  ‬‬
‫بأزلي وهذا‬ ‫مصطلح يعني أن‬
‫‪78‬‬
‫يعني وجود الشيء بعد عدمه‪.‬‬

‫الحوادث اصطالحا‪:‬‬

‫الحوادث لها معنيان‪ :‬األول ‪:‬وهي األشياء املخلوقة التي سبقتها العدم ويسمى وجود الشيء بعد عدمه‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫حدوثا زمانيا‪ .‬والثاني‪:‬وهي األشياء املحتاجة إلى الغير ‪ ،‬و تسمى الحاجة إلى الغير حدوثا ذاتيا ‪.‬‬

‫ً‬
‫فالحدوث الذاتي ‪ :‬هو أن يكون الشيء مفتقرا إلى الغير في وجوده ‪.‬‬

‫والحدوث الزماني ‪ :‬هو أن يكون الشيء قد سبقه العدم العدم ً‬


‫زمانا‪.‬‬

‫معنى حلول الحوادث باهللا تعالى‪:‬‬

‫حلول الحوادث باهللا ـ تعالى يعني أنها توجد في هللا وتقوم به تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫كم ا ذكرن ا أن مقص ود أه ل التعطي ل من إطالق ه ذه الكلم ات املجمل ة نفـي اتصـاف اهللا بالصـفات‬

‫االختياري ة الفعلي ة مث ل الضـحك والف رح والعجب واإلتي ان لفص ل القض اء وهي كله ا ص فات فعلي ة‬

‫يفعله ا كي ف ش اء وم تى ش اء فينف ون جمي ع الص فات االختياري ة‪ .‬وحجتهم في ذل ك أن تل ك الص فات‬


‫‪ 78‬املفردات في غريب القرآن‪,‬لألصفهاني ‪,‬ص‪,507 :‬القاموس املحيط‪ ,‬للفيروزابادي ص‪.310 :‬‬
‫ً‬
‫حادث ة(أي األش ياء املخلوق ة املوج ودة) وإذا ق امت ب ه أص بح ه و حادث ا بع د أن لم يكن ‪.‬فقي ام تل ك‬
‫َّ‬
‫الصفات باهللا يعني أن تكون املخلوقات حالة فيه ‪ ،‬وهذا ممتنع‪.79‬‬

‫املطلب الثاني‬

‫موقف التركستاني و أهل السنة والجماعة من حلول الحوادث باهلل تعالى‬

‫القول الحق في حلول الحوادث باهلل تعالى أن املوجود قسمان‪:‬‬

‫األول‪:‬قديم‪ :‬وهو ما ال ابتداء له وهو هللا تعالى وحده‪.‬‬

‫الثاني‪:‬حادث‪ :‬وهو ما سوى هللا تعالى مما خلقه هو‪.‬‬

‫وينبغي أن نراعي هنا أمرين‪:‬‬

‫األول‪:‬أن التقسيم ثنائي وهو يفرق بين املفهومين أوال كما يفرق بين املوجودين ثانيا‪ .‬واملراد باملفهومين‬

‫هو القديم والحادث وهما متقابالن وال دخل لثالث هنا‪ .‬واملراد باملوجودين هللا تعالى واملخلوقات التي‬

‫خلقها بقدرته وهما متقابالن وال دخل لثالث هنا‪.‬‬

‫الث‪H‬اني‪ :‬املوضوع الذي نحن بصددها من حلول وقيام الحوادث باهلل تعالى هو من القسم الثاني الذي‬

‫هو الحادث الذي خلقه هللا تعالى بأمره وإرادته وقدرته‪.‬‬

‫‪ 79‬رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى‪ ,‬جاد هللا بسام‪ ,‬ص‪ 17‬عمان‪ ,‬دار النور املبين للنشر والتوزيع‪ ,‬الطبعة األولى‪2014 ,‬‬
‫والح ق أن م ا يق وم ب ه الح ادث ه و ح ادث ألن الص فة تعطي حكمه ا ملوص وفها من الق دم والح دوث‪.‬‬

‫فالقديم يقوم بالقديم والحادث بالحادث‪.‬وهذا هو موقف هبة هللا التركستاني الذي يظهر بكل صراحة‬

‫من مصنفاته ويؤيده أدلة ناقلة من علماء أهل السنة الكبار‪.‬‬

‫عقيدة الطحاوية في قيام الحوادث‪:‬‬

‫اإلمام الطحاوي رحمه هللا تعالى اتخذ موقفا بأن الحوادث ال تقوم بذات هللا تعالى كما تدل عليه ألفاظه‬

‫في كتابه كقوله"قديم بال ابتداء ودائم بال انتهاء" وهذا صريح في عدم قيام الحوادث بذات هللا تعالى ألنه‬

‫لو قام به املوجود الحادث لكان حادثا بابتداء وغيردائم‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫فأهل السنة موقفهم أن هذا اإلطالق لم يرد ال نفيا وال إثباتا في كتاب وال سنةكماأنه ليس معروفا عند‬

‫س لف األم ة ‪.‬وأم ا املع نى فيستفص ل عن ه والحكم بص حة الق ول وبطالن ه يتوق ف على ذل ك التفص يل‪,‬‬

‫وصوره ما يأتي‪:‬‬

‫إما أن يراد بنفي حلول الحوادث باهللا أنه ال َّ‬


‫يحل بذاته شيء من مخلوقاته الحادثة ‪ ،‬أو يراد به أنه ال‬

‫يحدث له وصف جـديد لم يكن له ثابتا من قبل ـ فالنفي بكال املعنيين صحيح ؛ألن اهللا تعالى ال يحدث له‬
‫ً‬
‫وصف متجدد لم يكن له من قبل ‪.‬وهو ليس محال ملخلوقاته و هي ليست موجودة فيه‪.80‬‬

‫إما أن يراد بنفي حلول الحوادث باهللا أن أفعاله االختيارية مثل الغضب واالسـتواء والرضا والنزول‬

‫واالتيان لفصل القضاء أي األفعال التي يفعلها متى شاء كيف شاء‪ .‬فهذا النفي مردود باطل ‪.‬بل يقال إن‬

‫‪- 80‬أبو حامد الغزالي ‪ /‬االقتصاد في االعتقاد‪ ,‬صٍ‪ / 310‬وضع حواشیه عبد هللا محمد الخلیلي ‪ /‬ط أولي ‪ /‬منشورات محمد علي بیضون ‪/‬‬
‫دار الكتب العلمیة بیروت – لبنان ‪ ١٤٢٤ /‬ھـ – ‪ ٢٠٠٤‬م‪.‬‬
‫ما أثبت ه اهللا لنفس ه في كتابه الك ريم ‪ ،‬أو على لسان رس وله صـلى اهللا عليـه وس لم في األح اديث هو‬

‫ثابت وماليس كذلك فهو ليس بثابت‪.81‬‬

‫وظهر مما ذكرنا أمران وهما‪:‬‬

‫ً‬
‫األول‪:‬إن هللا تعالى ليس محال للحوادث‪:‬‬

‫فال يص ّح علي ه القي ام والقع ود والحرك ة والس كون و الن وم واليقظ ة والطفول ة والكهول ة والض عف‬

‫دل علي ه الكت اب الك ريم‬ ‫والكالل ‪ ،‬والش باب والش يب ونح و ذل ك من األم ور ال تي هي حادث ة‪ .‬وه ذا م ا ّ‬
‫ٌ َ َ‬ ‫َ َ ْأ ُ ُ‬
‫والسنة في أيات وأحاديث عديدة مثل قوله تعالى في أية الكرسي "ال ت خذ ُه ِس َنة َوال ن ْو ٌم"‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ودل عليه حكم العقل‪ ,‬وتفصيله ّأن من لوازم هذه االمور الحادثة اإلنفعال والتأثر على من يحدث معه‬
‫ّ‬
‫‪ ،‬واإلنفع ال والت ّأثر من ص فة ّ‬
‫املادي ات ‪ .‬فاالنفع ال ممتن ع علي ذات هللا تع الى ألن ه ليس ّ‬
‫مادي ا فال يك ون‬
‫ً‬
‫منفعال أو ّ‬ ‫ً‬
‫متغيرا‪.‬‬ ‫محال للحوادث وال يكون‬
‫ُ‬
‫وكذا تلك االمور عوارض مخلوقة حادثة ومن املستحيل أن ّيتصف الخالق القديم بالصفات املخلوقة‬
‫ّ‬
‫والل ه تعالى ّ‬
‫منزه عن الجسمية‪ .‬فال تكون الحوادث عارضة‬ ‫ذاتا وكذا تلك الحوادث من لوازم الجسم‬

‫عليه وال يكون هو جسما‪.‬‬


‫َ ّ‬
‫ض وا َع ْن ُه "ونحو ذلك من‬
‫الل ه َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬ ‫وما ورد في القرآن الكريم من تلك الصفات كقوله تعالى "ر َِض ى‬
‫مؤول ة ب ّ‬
‫أن املراد في جمل ة منه ا نتائجه ا وغاياته ا دون أن ي راد به ا نفس حاالته ا ومباديه ا ‪،‬‬ ‫األي ات فهي ّ‬

‫‪ 81‬أبو حامد الغزالي ‪ /‬املقصد األسنى في شرح أسماء هللا الحسنى ‪,/‬صٍ‪ 210‬تحقیق فضلھ شماده ‪ /‬دار املشرق ‪ /‬بیروت – لبنان‪.‬وطبعة‬
‫أخري بتحقیق محمد عثمان الخشت ‪ /‬مكتبة القرآن‪ .‬وطبعة أخري تحقیق عبد الوھاب الجابي ‪ /‬ط أولي ‪ /‬قبرص ‪ ١٤٠٧ /‬ھـ – ‪ ١٩٨٧‬م‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فغاية الغضب مثال العقاب والعذاب وغاية الرضا مثال اإلكرام واإلحسان ‪ ،‬كما يكون «آسفونا» بمثل‬

‫معنى «آسفوا أولياءنا» وغير ذلك من التأويالت التي تناسب شأنه تعالى‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثاني‪:‬أنه تعالى ال ّ‬
‫يحل في غيره ‪ ،‬وال يتحد مع غيره‪:‬‬

‫ّ‬
‫واإلتحاد‪.‬فكالهما باطالن شرعا ملا ّ‬ ‫ّ‬
‫الضالة ‪ّ ،‬‬
‫تقدم‬ ‫وعب روا عنه بالحلول‬ ‫وهذا كما زعمته بعض الفرق‬
‫ً‬
‫من تنزيه الخالق عن ذلك‪ ‬وكذلك هما باطالن عقال ملا يلي ‪:‬‬

‫ّأما بطالن الحلول فلوجوه هي ‪:‬‬


‫ّ‬
‫والله سبحانه ّ‬ ‫ً‬
‫منزه عن الجسمية التي من خواص الحادث‪.‬‬ ‫ّأوال ‪  :‬الحلول يالزم الجسمية ‪،‬‬
‫ّ‬
‫الل ه تعالى محيط ّ‬ ‫ّ‬
‫بكل‬ ‫والخلو من مكان آخر ‪ ،‬وكما ذكرنا أن‬ ‫ثاني‪HH‬ا ‪  :‬الحلول يستلزم الوجود في مكان‬
‫شيء وموجود في ّ‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫ّ‬
‫خواص املمكن ‪ ،‬وهو واجب فال يمكن فيه الحلول وكذاهو‬ ‫ثالثا‪ :‬الحال يحتاج إلى ّ‬
‫محل ‪ ،‬واإلحتياج من‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫أجل من اإلحتياج إلى شيئ مما خلقه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأما بطالن اإلتحاد فلوجهين ‪:‬‬
‫ّ‬
‫األول ‪  :‬قد أثبتنا املغايرة بين الخالق وبين املخلوق و املخلوق غير ّرب ه‪ .‬فالبداهة والضرورة والوجدان‬
‫ّ‬
‫تقضي ببطالن اإلتحاد‪.‬‬
‫ّ‬
‫الثاني ‪ :‬إن فرضنا اإلتحاد فال يخلو ذلك من حالتين‪:‬‬
‫ّ‬ ‫األولى‪ :‬أن ّ‬
‫املتح دين إن بقيا بعد اتحادهما موجودين فالنتيجة أنهما إثنان ال واح د ‪ ،‬وأما إن أصبحا‬
‫ّ‬
‫معدومين وتحوال إلى وجه ثالث فهو إعدام شيء وإيجاد شيء آخر‪ .‬فال إتحاد في البين ‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪:‬‬
‫ّ‬
‫وإن لم يبقي ا بع د اتحادهم ا موج ودين ب ل ع دم أح دهما وبقي اآلخرفالنتيج ة ظ اهرة ب أن املع دوم ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّيتحد مع املوجود‪ .‬فلم ّ‬
‫يتحقق أي اتحاد بينهما‪ ،‬فاإلتحاد محال في نفسه ‪ ،‬فكيف يمكن إثباته في الخالق؟‬

‫املطلب الثالث‬

‫موقف ابن تيمية و ابن أبي العزفي قيام الحوادث بذات هللا تعالى‬

‫أم ا ق ول ابن تيمية بقي ام الح وادث ب ذات هللا تع الى فق د ذك ره في مواض ع ع دة منها ماقال في املنه اج م ا‬

‫نصه "فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث واألعراض فما الدليل على بطالن قولنا؟‪."82 ‬‬

‫وقال في املنهاج أيضا ما نصه "فإن قلتم لنا‪ :‬فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب‪ ،‬قلنا لكم‪ :‬نعم وهذا قولنا‬

‫الذي دل عليه الشرع العقل" ‪.83‬‬

‫ومعنى قوله قيام الحوادث بذات هللا فهو أنه يعتقد أن هللا تعالى متصف بالحركة والسكون الحادثين‬

‫وتقوم به الحركة والسكون ‪.‬ومن هنا يتضح قول الحافظ تقي الدين السبكي وغيره" أنه ‪-‬أي ابن تيمية‪-‬‬
‫الكرامية ً‬ ‫ً‬
‫حادث ا"‪ .‬وليس معه في هذه القضية إال املجسمة وقد اتبع ّ‬ ‫ً‬
‫شبرا‬ ‫قديما والقديم‬ ‫جعل الحادث‬

‫بش بر‪ .‬ومن ض الالت الكرامي ة أن معب ودهم مح ل الح وادث وتح دث ذل ك في أقوال ه وإرادته و ذات ه‬

‫وإدراكه‪.‬‬

‫وهذه القضية لها عالقة باملسائل الكبرى وهي أن هللا تعالى جسم ألن الحوادث ال تقوم إال بالجسم‪.‬فكذا‬

‫يلزم من هذه القضية أن هللا تعالى جسم‪.‬‬

‫متابعة ابن أبي العز البن تيمية‪:‬‬

‫قال ابن أبي العز في شرحه ما نصه" وحلول الحوادث بالرب تعالى املنفي في علم الكالم املذموم لم يرد‬

‫نفيه في كتاب وال سنة"‪ .‬ويتضح من هذه العبارة أن الكالم الذي نفى حلول الحوادث باهلل تعالى هو‬
‫‪ 82‬رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى‪ ,‬جاد هللا بسام‪40 ,‬عمان‪ ,‬دار النور املبين للنشر والتوزيع‪ ,‬الطبعة األولى‪2014 ,‬‬
‫‪ 83‬رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى‪ ,‬جاد هللا بسام‪9 ,‬عمان‪ ,‬دار النور املبين للنشر والتوزيع‪ ,‬الطبعة األولى‪2014 ,‬‬
‫من علم الكالم املذموم‪-‬الس مح هللا ذل ك‪ -‬ومن األم ور العجيب ة ال تي توق ع في الورط ة والح يرة ه و أن‬

‫الشيخ أحمد شاكرقد حقق شرح ابن أبي العز وذكر قوله هذا على الصفحة رقم ‪ 70‬إال أنه مر مرور‬

‫ك رام دون أن يكتب عن ه ش يئا نفي ا أو إثبات او تأيي دا أو إنك ارا‪ ,‬وإن ه ذا لش يئ عج اب‪ .‬ويق ول الش يخ‬

‫السيد املرتضى الزبيدي في شرحه لإلحياء"إن ابن أبي العز جازف وتجاوز الحدود"‪.84‬‬

‫‪ 84‬رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى‪ ,‬جاد هللا بسام‪ ,‬ص‪ 12‬عمان‪ ,‬دار النور املبين للنشر والتوزيع‪ ,‬الطبعة األولى‪2014 ,‬‬

You might also like