Professional Documents
Culture Documents
املقارنة بين الشيخين هبة هللا التركستاني وصدر الدين ابن أبي العز الحنفي في التوحيد في ذات
هللا تعالى
املقدمة:
ََ
إن هللا تبارك وتعالى خلق الخلق وأوجده من أجل التوحيد مصداقا لقوله تعالى في تنزيله ﴿َ و َما خل ْق ُت
َّ
ون[ ﴾ الذاريات ،]56 :وما خلق املكلفين لحاجة منه إليهم بل من أجل التوحيد, ْ َّ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ُ
ال ِجن واِإْل نس ِإ ال ِليعبد ِ
و ومن املتفق عليه أنه قدبعث هللا جميع الرسل واألنبياء من أجل هذه الغاية وهي التي قاموا بالدعوة
إليه ا وتحمل وا املش اق في س بيلها,فخل ق الجن واإلنس لم يكن في الك ون إال من أجله ا ،والتوحي د من
وإن القرآن الكريم قد أظهر ضرورة التوحيد وشدد عليها في عدد كبير من املواضع مما يركز على
ً أهميت ه الكب يرة لإلنس ان ّ
ّ
ويبينه ا ل ه .وإن ك ل إنس ان في النهاي ة يع ود خاض عا هلل تع الى وح ده .فإراح ة
اإلنسانية من الهموم ،وإعالء كرامتها ورفعها من ّ
سويتها وقيمتها ال يكون إال بتوحيد هللا تعالى ّ النفس
ّ
الحري ة ال يتم ش عورها إال بالخض وع ل ه وح ده ،و الق رآن الك ريم ق د ذكرعدي دا من و منتهى
املعتقدات لألديان األخرى ،ثم أورد الحجج املنطقية والعقلية فأبعدها عن عقل اإلنسان املسلم الذي
فوض جمیع أموره إلى هللا وحده ال شريك له ملا أنه ال خير فيها له وال فالح.
و ه ذا املص طلح العق ّ
دي اله ام ق د ورد في مواض ع متع ددة في الق رآن الك ريم واألي ات فص لت األحك ام
املتعلقة به وشرح حبيبه صلى هللا عليه وسلم كل ما كان مجمال فيه أو مبهما منه وعلى هذا املنوال قد
س ارت النص وص الش رعية وال نأخ ذ على ذل ك إال بعض األمثل ة ك النموذج مث ل م ا ورد في س ورة
اإلخالص من قوله تعالى( :قل هو هللا أحد) وكذا جاء في سنة رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ومن
َ َ َأ ُ َ ْ ُ َ َ
الم َعلى خ ْم َس ٍةَ :على ْن ُي َو َّح َد هللاَ ،وِإ ق ِام ذل ك قول ه كم ا ذك ر في ص حيح ملس لم والبخ اري( :ب ِني اِإل س
ً َّ َ َ َ َ َ َ َ ْ
ان َوال َح ِّج) .1عندما ننظر إلى كلمةالتوحيد فمعناها اللغ وي يتبين في الة َوِإ َيت ِاء الزك ِاة و ِص ي ِام رمض َّ
الص ِ
أم رين وهم ا :تص يير الش يء إلى واح د أو جع ل مص ير الش يء واح دا ،ويس تنتج من ذل ك أن هللا تع الى
ّ
ربوبيته أو صفاته أو أسمائه. ّ
ألوهيته ،أو واحد ال شريك له في شئ من
ّ
العلمي ة أن اإلنسان قد استطاع أن يصل إلى مراتب متقدمة وقد استمر في دراسة ونرى من الناحية
ّ
الخارجي وغيرها من املواضيع الهامة .وقد ّ
الطبيعي ة والكائنات الحية والفضاء جسم اإلنسان والظواهر
ّ
أمد هللا االنسان بكل ما يحتاجه إليه من أجل دراسة هذا العالم ،واإلنسان له مشاهداته ،ودراساته
ً ً
التي أوصلته إلى أن يستنتج منه أن لهذا الكون خالقا واحدا وهو يملك كل شئ ،وكل شيء يشير إلى
ذلك ،و بفضل هذا قد ظهرهناك انسجام تام بين التوحيد و الفطرة اإلنسانية التي تطرب وتسمو إذا
ما ّ
وح دت هللا تعالى ،2و الفطرة اإلنسانية السليمة تميل إلى مصدر األمان واالطمئنان وتحب ما يجلب
له ا النف ع وي دفع عنه ا الش ر .فيمكنن ا الق ول ب أن التوحي د ه و فط رة هللا ال تي فط ر الن اس عليه ا ونج د
ً
النفس االنسانية الصادقة تواقة إلى هللا تعالى دائما ،وتبحث عنه بشكل مستمر.
1أخرجه ُ
الب ُّ
خاري في صحيحه()4515 ،8
2محمد بن صالح بن عثیمین /القواعد املثلي في صفات هللا وأسمائه الحسنى ,ص12ط الثانیة /مؤسسة السنة ١٤١٤ھـ – ١٩٩٤م.
الفصل األول
املبحث األول
َّ
وحيد لغة:
الت ِ
التوحيداصطالحا:
املع نى اللغ وي للتوحي د يظه ر هن ا في املع نى االص طالحي كم ا هي الع ادة في املص طلحات.وتختل ف
التعريفات لفظا إال أنها تتوحد معنى .وقد كثرت التعريفات للسلف الصالح ومغزاها واحد لذا نكتفي
فات".6 ّ
والص ِ َّ الر َّ ُّ
يختص به من ُّ
واألسماء ِ
ِ واأللوهي ِة بوبي ِة
ويتلخص لنا من بين التعريفات أن التوحيد هو":اإليمان بواحدانية هللا تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله"،
و نتيجت ه ه و أن ه ليس هن اك ش ريك ل ه ال في ُملك ه وال ت دبيره وال خلق ه وال أم ره ،وه و الوحي د
يستحق أن يعبد وال ُت َ
صرف لغيره. ّ
أص ل ال دين اإللهي،و من ل دن ن وح علي ه الس الم ح تى نبين ا محم د ص لى هللا علي ه وس لم ك انت ه ذه
العقي دة دع وة لجمي ع األنبي اء والرس ل إلى أق وامهم .وعلى أعت اب ه ذه العقي دة طري ق الكف ر .وأم ا
والتوحيد بيدأ بكلمة «ال إله إال هللا» وهي في حد ذاتها تتضمن شيئين في وقت واحد أحدهما وحدانية
هللا تعالى في جميع األمور له وثانيهما الكفر بالطاغوت الذي هو نقيض هذه العقيدة وهو كل ما يعبد
من دون هللا تع الى .و من أتى به ذه الكلم ة ف إن ذل ك إعالن ص ريح في ذات ال وقت ب الكفر بالط اغوت،
العب ادة هلل وح ده و تنفيه ا عن غ يره من س ائر املخلوق ات ،وق د ك ثرت األدل ة على ه ذا األم ر اله ام من
ومماذكرن ا ت بين لن ا أن التوحي د ال يك ون إال بنفي وإثب ات ,فال إل ه (نفي) وإال هللا (إثب ات) وهم ا ركن ان
املبحث الثاني
مسميات التوحيد
هن اك كلم ات وردت في الق رأن والس نة تتق ارب معانيه ا وهي ذات ص لة بمع نى التوحي د إال أن هن اك
فروقا متعددة بين معنى كل كلمة منها ¸فإليك بعض هذه الكلمات:
أوال:العقيدة:
العقيدة لغة:
ّ
العقيدة في اللغة لها معان متعددة وهي كالتالي:
- 8محمد سید أحمد املسیر ,اإللھیات ص / ,30دار االعتصام ١٤١٨ /ھـ – ١٩٩٨م.
َ َّ َ َ
ين َعق َد ْت ويأتي العقد بمعنى َّ
التأكيد كقولهم :عقد العهد واليمين ،وقال هللا َّ
-عز وجل( :-وال ِذ .2
َّ َأ ُ ُ
ْي َمانك ْم) .9قد يأتي بوصل الشيء بغيره.
وقد يستعمل العقد بمعنى البيوع ومنه ما يأتي في كتب الفقه من أبواب العقود وقولنا في البيع .3
عقدته يعني أبرمته وأحكمته ,واملعاقدة تأتي بمعنى املعاهدة,ومنه ماأطلق هللا -سبحانه وتعالى-
ُُْ َ َأ َّ َ َ ُ َأ ْ ُ
على اإليمان بأنه أوكد العهود حيث قال( :يا ُّي َها ال ِذين آمنوا وفوا ِبالعق ِ
ود) ،و إذا قلنا"اعتقدت
َّ
والضمير عليه.10 وع ْقدت القلب
األمر" فهذا يعني صدقته َ
ً
والعقيدة أيضا تأتي بمعنى ما يدين اإلنسان به،سواء كان سماويا أم ال. .4
وم ٌ
وله ذه الكلم ة اس تعماالت أخ رى منه ا مايق ال :عق د الجب ل عليهم إذا أطب ق ال وادي على ق ٍ .5
وع َق َد الحبل أو الخيط؛ أي َّ
شده.11 فقتلهم َ ،
وقد ظهر لنا من هذه املعاني أن العقيدة لها معان متعددة منها اإلحكام والتماسك واإلبرام واإلثبات
ً
والشد والوثاق ،ويتم إطالقها على تأكيد اليمين والعهد .وكل ما عقد اإلنسان قلبه عليه جازما يسمى به
فهو عقيدة.
العقيدة في االصطالح:
وق دوردت هن اك تعريف ات اص طالحية ع دة للعقي دة إال أن معناه ا في النهاي ة واح د ,و من ه ذه
التعريفات ما يلي:
9محمد ملكاوي (1985م) ،عقيدة التوحيد في القرآن الكريم (الطبعة األولى) ،املدينة املنورة -اململكة العربية السعودية :مكتبة دار
ّ
بتصرف. الزمان ،صفحة .19-17
10محمد بن الطیب الباقالني /تمھید األوائل وتلخیص الدالئل ,ص /,56تحقیق عماد الدین أحمد حیدر /مؤسسة الكتب الثقافیة /
١٤٠٧ھـ.
ّ
11سعيد القحطاني ،املسلم في ضوء الكتاب والسنة ،الرياض -اململكة العربية السعودية :مطبعة سفير ،صفحة ،690جزء .2بتصرف.
ً
اصطالحا ُتطلق على اإليمان الجازمُ ،
والحكم القاطع الذي ال َّ
شك فيه .فإذا ربط الرجل قلبه :1العقيدة
ً ذهبا و دين ًا لنفس ه فهذايس ّمى عقي دة س ً
ً
واء ك ان ه ذا االعتق اد ص حيحا أم وض ميره ب أمر واتخ ذه م
ً
باطال.12
وخالصة هذا التعريف أن العقيدة تطلق على كل أمر يجزم أحد به ويقطع األمر فيه بغض النظر عن
كونه مسلما أو غير مسلم وبغض النظر عن أن هذا األمر صحيح أم باطل ,سماوي أم وضعي انساني .
اإليمان به َ َْ ُ َ
دون ّ
شك.13وهذا التعريف يختص
ٍ
ُ هللا تعالى وما َو َجب
توحيد ِ
ِ وع ْق ُده على
القلب َ
ِ :2هي جزم
بمن كان له إيمان باهلل ويعترف بوحدانيته تعالى.فيشترط فيه أن يكون االنسان خاضعا ألمر سماوي ال
ً
:3إن العقيدة اصطالحا تطلق على أمرين :عام وخاص:
أمHHا في االصHHطالح العHHام :فإن العقيدة هي اإليمان الجازم ،والحكم القاطع لدى املعتقد دون النظر إلى
وأما في االصطالح الخاص فهي في كالم العلماء أن يجزم املسلم إيمانه باهلل فيما يتعلق به من األلوهية
والربوبية واألسماء والصفات ،وأن يؤمن بمالئكته ،وكتبه ،ورسله ،واليوم اآلخر ،والقدر خيره وشره،
ويقطع الحكم بأص ول الدين كلها مثل ما جاءت به النص وص الص حيحة ،و أن يعترف ب أمور الغيب،
12سعيد القحطاني ،املسلم في ضوء الكتاب والسنة ،الرياض -اململكة العربية السعودية :مطبعة سفير ،صفحة ،690جزء .2
(( 13املصباح املنير)) للفيومي ((( ،)421 /2التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص)55 :
فإذا كان هناك أمر دخله الشك واالضطراب سواء كان يتعلق بأمور عقدية أو عملية فال يسمى ذلك
ً ً
عقيدة ،ألن العقيدة البد أن يكون مقطوعا و مجزوما بها ،والقلب يكون معقودا عليها ،فهي إذا تخص
ً
األعم ال الديني ة املتعلق ة ب القلب غالب ا مث ل :التص ديق ,اإليم ان ،الخ وف ،الرج اء ،ونح و ذل ك ،وأم ا
األعمال الظاهرة فال ترتبط بها إال من جهة خاصة مثل :اعتقاد تحريم الربا ،والعمل بهذا االعتقاد.14
َّ َّ
اإلسالمية هي اإليمان الجازم باهلل -سبحانه وتعالى-و اليقين والتسليم .فكل ما كان قطعيافي والعقيدة
ٌ
مندرج الدين من أركان اإلسالم واألمر باملعروفَّ ،
والن ُ
هي عن املنكر ،واملعاملة الحسنة وغيرها ما هو ِّ
الصحيح من الدين اإلسالمي هو من األمور العقدية .15كأمور غيبية وغير غيبية وكل ما َّ
صح ثبوته تحت َّ
ٍ ِّ
كل ما هو ُّ
ضدها. من الوحي للنبي -صلى هللا عليه وسلم -واألخالق الحميدة وااللتزام بالفضائل ونفي ُّ
ِّ
علم التوحي د ق د ُس ّمي بعلم العقي دة بن اء على النت ائج والثم ار املرج وة من ه ،فعلم العقي دة يق وم ب ّ
رد
الش بهات وعلم التوحي د ُيس تدل ب ه على إثب ات العقائ د الديني ة ،فكالهم ا يجتمع ان بمعرف ة الح ق م ع
14محمد عاطف العراقي /ثورة العقل في الفلسفة العربیة,ص / ,36ط الرابعة /دار املعارف ١٩٧٨ /م.
ّ
بتصرف. 15ناصر العقل ،مجمل أصول أهل السنة ،www.islamweb.net ،صفحة ،4جزء .1
-محمد عاطف العراقي /دراسات في مذاھب فالسفة المشرق ,ص /,67ط الثالثة /دار المعارف ١٩٧٣م. 16
ّ
بتصرف. 17شمس الدين األفغاني ،جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية ،صفحة .101-100
ثانيا:اإليمان :
ِ
ُ
اإليمان لغة:
اإليمان اصط ً
الحا: ِ
ُ
واإليمان أيضا تتعدد له التعريفات غيرأن املغزى واحد ,و من هذه التعريفات ما يلي:
الص الة ّ
والس الم- بكل ما َ
أخب ر به هللا تعالى ورسوله -عليه ّ :1اإليمان في االصطالح هوَّ :
التصديق الجازم ّ
ِ ِ
َ ُّ
مأنينة ،والقبول واالنقياد له.20
ِ اإلقرار والط
ِ مع
الصالة ّ
والسالم -و يذعن له ويقبله . اإليمان هو أن يصدق القلب ب ُك ّل ما جاء به ّ
النبي -عليه ّ ُ :2
ِ
أركان اإلسالم:
ُ ُ
لإليم ان س تة أرك ان ذكرناه ا فيم ا تق دم وهي اإليم ان باهلل و اإليم ان باملالئك ة و اإليم ان ب الك ُتب ال تي
أنزله ا هللا على األنبي ا والرس ل و اإليم ان ُّ
بالرس ل املبع وثين إلى األمم و اإليم ان ب اليوم اآلخ ر ،اإليم ان
َ
بالقضاء والق َدر خيره وشره.21
(( 18املفردات في غريب القرآن)) لألصفهاني (ص(( ،)90 :لسان العرب)) البن منظور ((( ،)1/140تاج العروس)) للزبيدي ()18/24
ّ
بتصرف. 19مركز قطر للتعريف باإلسالم وزارة األوقاف والشؤون الدينية -بقطر ،التعريف باإلسالم ،صفحة .109
َ َّ َ َ َّ َ
يمية (ص)439 : يمية ((( ،)3/966اإليمان األوسط)) البن ت (( 20الصارم املسلول)) البن ت
21محمد عبد الھادي أبو ریدة /إبراھیم بن سیار النظام وآراؤه الكالمیة والفلسفیة,ص / ,89لجنة التألیف والترجمة والنشر.
الفرق بين اإليمان والتوحيد:
ُ
دة هي ُّ َ
أعم من اإليم ان ملا أن اإليم ان ج زء للعقي دة.فه و أخص منه ا ألن اإليم ان يك ون باهللِ العقي
َ
اآلخ ِر وبالق َد ِر و كل هذه أجزاء من العقيدة.23 َ ُُ ُ ُ َ
وم ِ ومالِئ ك ِته وكت ِبه ورس ِله والي ِ
اَّل ُ َّ َ ُ
الس َّن ِة والجماعة ،إ َّأن هناك ملة ألفاظ ُمتقاربة املعنى عند أهل ُّ
ِ
ُ
فالعقيدة واإليمان والتوحيد في الج ِ
ُ ُ
يحدث وحيد ،وقد رونها في ُك ُتب َّ
الت ذك َ َ ُ
ي ال د االعق ب ذكرون َمس ا َل في ُ
كت
َ ُ
بعض الفروق وهي أنهم قد ي
ِ ِ ِ ِئ ِ ِئ
قيدة َ الحا باعتبار َّأن ع َ َّ والتوحيد اصط ً العقيدة َّ فر ُق بين علم َكس .وقد ُي َّالع ُ َ
بإثبات الع ِ
ِ وحيد يعتنني
لم الت ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ّ َ ّ ّ َّ َ َ َّ َّ َّ
والف َرق
بهات ومناقش ِة ال ِديانات ِ رد الش ِ دة يعتن ني م ع ذل ك ب ِ حيحة بأدل ِته ا الثابت ِة ،وأن ِعلم العقي ِ
ِ الص
وحيد .24وهذا ما أشرنا إليه سابقا. َّ ً العقيدة َّاملخالفة ،فعلى ذاه تكون َ
أعم موضوعا من الت ِ ِ ِ
َّ ُأ
والسنة إال أنها بمعنى التوحيد ،وقد استعملها العلماء لصحة هناك مصطلحات خرى لم ترد في الكتاب
ٌ
ؤلفات عديدة، استعمالها وعدم الضير فيها ،وهي مثل مصطلح الشريعة ،وقد جاء في هذا املوضوع ُم
بالتوحيد و العقيدة ،وكذلك مصطلح الفقه األكبركما سمى اإلمام أبو حنيفة -رحمه هللا-كتابه بالفقه
والص حابةُّ ،
والنب وات، َّ األك بر وذك ر في ه مس ائل اعتقادي ة كالتوحي د في األس ماءِّ ،
والص فات ،واإليم ان،
َّ
املختصة في العقيدة.25 وغيرها من املسائل
الفصل الثاني
إن عقيدة التوحيد تشتمل محاورها على حب العبد لخالقه ،و هذا الحب يتمثل في الخضوع واالنقياد
له ،وإخالص العبد كل الطاعات والعبادات له ،وابتغاء مرضاته في كل أفعاله وأقواله ،و من مقتضيات
ه ذا األم ر أال يق ر العب د بوج ود هللا تع الى وملكيت ه لك ل ش يء فق ط ب ل بإتي ان م ا ذكرن اه من األم ور
الرئيس ية .وهن اك أم ور عدي دة في الك ون ت دعو االنس ان إلى أن يع رف رب ه وأن يوح ده طوع ا عن
قلبه,وهذه األمور الكونية هي التي تعد من أسباب املعرفة لتوحيد هللا سبحانه وتعالى,وهي فيما يلي:
إن النظ ام في الع الم متناس ق بعض ه ببعض و محت اج بعض ه إلى بعض ,مرتب ط بعض ه ببعض ,فوح دة
النظ ام الك وني وتناس قه مترتب ا بعض ه م ع بعض من أهم أس باب معرف ة توحي د هللا س بحانه وتع الى
25محمد بن عودة السعوي ( ،)1425رسالة في أسس العقيدة (الطبعة األولى) ،اململكة العربية السعودية :وزارة الشئون اإلسالمية
ّ
بتصرف. واألوقاف والدعوة واإلرشاد ،صفحة .7-6
ّ
ويظهر ذلك لكل من له عقل بأدنى التفات .فالداللة ال واضحة من هذا ّأن منظم الكون ومبدعه واحد
ال شريك له في التصرف واألمر ألن وجود الشريك ال يدع هذا النظام يبقى ّ
متصال متناسقا دقيقا ،بل
األش ياء كله ا س تدخل بعض ها في البعض وس ينتج ه ذا في فس اد الك ون ،وه ذا م ا أش ار إلي ه س بحانه
ٌ اَّل َّ َ َ َ َ َ َ
وتعالى بقوله " :ل ْو كان ِف ِيه َما ِآل َهة ِإ الل ُه لف َس َدتا ."26
واملعلولي وتكون له وحدة طبيعي ة ,وليس كما إذا انضمت األش ياء املتغايرة ولها عالقة بعض ها ببعض
فأص بحت ش يئا واح دا مث ل اجتم اع ال بيت من اللبن ات ،والعس كر من أف راد ,وه ذا م ا أش ار إلي ه
الشيرازي في األسفار.27
وك ذالو التفتن ا يمين ا وش ماال في ه ذا الك ون لرأين ا أن ك ل ش ئ مرتب ط بعض ه ببعض ,على س بيل
املث ال :نم ّو النبات ات مرتب ط بن ور الش مس وض وء القم ر ,ن ور األول يص ل من مس افة 90ملي ون مي ل
ُ
وضوء الثاني يصل من مسافة 300ألف كلم.والحيوانات بحاجة إلى النباتات وك ل منهما بحاجة إلى املاء،
وهو بحاجة إلى الشمس إلحداث الغيوم ،واإلمطار على األرض .28وال يمكن إدارة هذه األمور إال بيد
ثانيا:قانون الحدوث:
26مصطفي عبد الرازق /تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة ,ص / ,56لجنة التألیف والترجمة والنشر ١٣٦٣ /ھـ – ١٩٤٤م القاھرة.
27الشيرازي ،صدر الدين ،الحكمة املتعالية في األسفار العقلية األربعة ،ط ،3بيروت ،دار إحياء التراث العربي1981 ،م ،ص.113
28یحي ھویدي /دراسات في علم الكالم والفلسفة اإلسالمیة,ص / ,78دار الثقافة للطباعة والنشر.
إن هذا الكون قد حدث وحدوثه و وجوده جاء من العدم وليس هناك مجال للشك في حدوث الكون ،
وه و ال ذي ق رره العلم اء ح ديثا ألن األدل ة والظ واهر في ه ذا الك ون ت دل على حدوث ه ملا يح دث هن ا
تغي يرات ليس ت بي د االنسان إيجادها وال إيقافها وأب رز ه ذه األدلة والظ واهر هي الطاق ة الشمس ية ،و
قوانين الحرارة ،وحركة االلكترونات وغيرها من القوانين الفطرية الدالة على حدوث الكون وقدم من
أحدث ه وبالت الي يمكنن ا الق ول ب أن املح دث له ذا الك ون ليس إال ذات واح دة وهي ال تي ت دير األم ور
ثالثا:قوانين الحرارة:
ً
إن مكونات هذا الكون يفقد حرارتها تدريجيا وفي معظم املواضع تزداد الحرارة كل سنة مثل ما حدث
العام الحالي في أوروبا وأسيا 2022مقارنا بالسنوات املاضية ،فإما سيبلغ االنخفاض إلى الصفر املطلق
كما يحدث في سائبيريا وغيرها أو ستشتد وتتوهج إلى أن تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة .فتغيير هذه
الق وانين كله ا دلي ل واض ح على أن أص ل الك ون أو أساس ه ح ادث و يغ يره من ه و أق وى من الجمي ع و
واحد في الكون .فهذا الكون يحمل في نفسه بداية ،وال يمكن أن ت كون بدايته بنفسه بل ال بد له من
رابعا:قانون اإلرادة:
إن ع دم حص ول الص دام وال دمار وس ير أف راد مجموعتن ا الشمس ية في م دار محكم و تح رك الري اح
وتسوق السحب تراب ونبات الزرع و نموه باملاء الالزم للحياة و تنفس اإلنسان من الهواء دون توقف
29یحي ھویدي /دراسات في علم الكالم والفلسفة اإلسالمیة / 90,دار الثقافة للطباعة والنشر.
30مصطفي عبد الرازق /تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة,ص / ,86لجنة التألیف والترجمة والنشر ١٣٦٣ /ھـ – ١٩٤٤م القاھرة.
وتك وين الطع ام وإنض اج الثم ر بالش مس والقم ر و ارتب اط العظ ام بالجس م و ارتب اط الجه از التنفس ي
بالجهاز العصبي و ارتباط الجهاز الهضمي بالجهاز الدموي (الدوري)كلها دليل على أنها وجدت وخلقت
بإرادة واحدة ،ال بإرادتين . 31ألن اإلرادتين ال تجتمعان على هذا التناسق في كل شئ بل ال بد أن يكون
هناك خالف بينهما ,فالكون مخلوق بإرادة واحدة ،و من الواضح أن الذي خلقه واحد ال ثاني له وهو
س بحانه وتع الى ,فه و ال ذي ينبغي أن يوح د ويعب د ويع رف.ف إن العق ول الس ليمة تش هد على ه ذا وهي
تشاهد .
هناك طبقات في الكون منها مايحل روح اإلله في امللوك والحكام ومنها ما يحل ذلك في بعض الحيوانات
إحداهما تنكر كل ما وراء الطبيعة من األشياء التي ال تصل إليه حواسهم. .1
وأما عقيدة التوحيداإلسالمية فقد رفضت اإلنكار امللحد كما هو حال الطبقة األولى وطرد اإلشراك
الغاف ل وخالتع دد الجاه ل كم ا هوح ال الطبق ة الثاني ة ,وأثبتت للع الم كل ه إله ا واح د ال ش ريك ل ه في
الخلق واألمر.32
ما ذكرنا من الوسطية هي بالنسبة إلى أديان أخرى وأما بالنسبة إلى فرق املسلمين فا لتوحيد وسط
كأنه أحد املخلوقين ومن لوازمه املقررة أن يلحقه ما يلحقهم من نقص وعيوب.
ولم تسلك سبيل الغلو في التجريد من الصفات فتجعل صفات اإلله صورا ذهنية تكون مجردة .2
عن أي معنى قائم بذات ال توحي بخوف وال رجاء مثل ما فعلت الفلسفة اليونانية.،33
وأما العقيدة اإلسالمية للتوحيد فهي تنزه هللا تعالى إجماال عن مشابهة املخلوقين بقواعد عديدة ثابتة
العقيدة اإلسالمية للتوحيد تصف إله الكون بصفات إيجابية فعالة تنجز أمرين في وقت واحد ,تبعث
الخوف في نفوس العباد لالجتناب مما نهاه هللا تعالى عنه عظمة وإجالال له وتخلق الرجاء في صدورهم
لئال يتسلل اليأس إلى الخلق وذلك كما ورد في اية الكرسي. 34
هن اك أم ران مهم ان في أم ور العقائ د بين األدي ان واملذاهب ال ب د من ذكرهم ا ليتض ح ش مول ووس طية
- 33محمد إبراھیم الفیومي /املعتزلة تكوین العقل العربي أعالم وأفكار ص 98ط أولي /دار الفكر العربي ١٤٢٣ /ھـ – ٢٠٠٢م
34فیصل بدیر عون /الفلسفة اإلسالمیة في املشرق ,ص / 56دار الثقافة للنشر والتوزیع القاھرة ١٩٨٠ /م.
التقليد األعمى لكل بدليل أن األمر يجري متوارثا بين األجيال من قرون . .1
التوغل و الغلو العقلي إلدراك ّ
كل شيء حتى البحث عن الذات اإللهية ووصفها بإدراكات عقلية .2
ّإن العقيدة اإلسالمية للتوحيد وسط بين هذين األمرين ,فهي تنهى عن التقليد األعمى في كل شئ كما
ج اء في الق رأن الك ريم واض حا جلي ا ب أن ع اب هللا على الق ائلين { :إن ا وج دنا آباءن ا على أم ة و إن ا على
آثارهم مقتدون }.فنفت األية الكريمة التقليد األعمى بكل صراحة بمجرد أن األمر متوارث دون شئ
أخر .وكذا تنهى عن التوغل بالعقل إلدراك كيفية صفات الرب تعالى كما أوضح ذلك القرأن الكريم
بق ول هللا ع ز وج ل { :وال يحيط ون ب ه علم ا } وك ذا ق ال { :وال تق ف م ا ليس ل ك ب ه علم } .ف إذا نفت
ه ذين األم رين كليهم ا لم تب ق إال ال دعوة إلى التوس ط واألخ ذ باملدركات كوس ائط حس ب اس تطاعة
فهي إذن على انسجام كامل ووفاق تام مع الفطرة السليمة ال مناقضة لها وال غريبة عنه و الواقع خير
شاهد على هذه املوافقة ألن اإلنسان عندما يصاب بضر فالقوى املاديةكلها تعجز أمامه إذا لم يشأ هللا
تعالى معافاته من ذلك املرض .والحقيقة أنه لو ترك االنسان وحاله دون تأثير البيئة لم يبق هو إال
موحدا هلل تعالى معترفا بوحدانيته وربوبيته ,لذلك قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (( :كل مولود
َ َّ ُ
قالنية:سادسا:الع
35سعيد القحطاني ،املسلم في ضوء الكتاب والسنة ،الرياض -اململكة العربية السعودية :مطبعة سفير ،صفحة ،540جزء
ً ً
:36أخرجه أحمد ( )15589بنحوه مطوال ،والطبراني ( )830( )1/283باختالف يسير مطوال ،وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) ()2/434
ً
مختصرا.
َّ َ
بالعقالني ِة وهنا البد من أن نعرف الفرق بين إن التوحيد يوافق العقل الصريح وهذه املوافقة نسميها
األمرين أحدهما عجز العقل عن إدراك أمر وثانيهما مخالفة العقل ألمر فاألمور العقدية قد يعجز عن
يمي َةُ :
"فيخب َ
رون(األنبي اء والرس ل) ابن َت َّ
إدراكه ا العق ل ولكن ال يخالفه ا العق ل .وه ذا م ا ق ال عن ه ُ
ِ
ون على هللا إاَّل َ
الح ّق ألنهم العق ول" وه ذا ألن األنبي اء ال يقول َ
االت ُ بمح ِ ُ
ِ ِ ول ،ال ُبمح ِ
ارات العق ِ
كذب،ألنه إما أن يكون
معصومون عن الخطأ فيستحيل عليهم الكذب ,فدعوى مناقضة العقل الصريح ِ
حيح.37 َ ُ َ ُ
ريح أو املنقول ليس بص ٍ
ذلك املعقول ليس بص ٍ
إن توحيد هللا تعالى يستوعب العقل السليم ومستويات التفكير عند اإلنسان وبالتوحيد تتأتى سالمة
العق ل اإلنس اني من التناقض ات واالض طرابات وه و أمن اإلنس ان واس تقراره في ال دنيا،حيث تس تقيم
إن خصائص التوحيد هي التي تدعو االنسان إلى أن يعرف ربه في الكون ومن أهم خصائص التوحيد
لكونها ربانية من هللا عز وجل إن عقيدة التوحيد لم تتغير ولم تتبدل وهذا ما يجعل النفس االنسانية
تطمئن إلى أنها خير ألنفسنا ،فكل من قام بتنفيذها انتظرته السعادة الكامنة في ذلك ،وكل من تركها
ومن خصائص ربانيتها أن الناس أمامها سواسية وال فضل لعربي على عجمي إال بالتقوى وال تفضيل
َ ُ
المة املَ َ
صد ِر: :2عقيدة التوحيد تمتازبس
هللا تعالى لهداية الناس كافة .وكما ذكرنا أن املبعوث من الرب يكون معصوما عن الخطأ والكذب على
هللا-معاذ هللا من ذلك .-وبعد ذلك توارث هذا األمر من يومه ذلك إلى يومنا هذا دو تأثير االنقطاع في
ذلك.
َ
الك ْش ف َ َّ َ َ و تنع دم ه ذه الخاص َّي ُة وال َ
والح ْد ِس ِ والنظ ِر أو على يعتم د على َ
العق ِل ذاهب من ِ
ِ م في توج ُ
د
َّ
والصوفي ِة ألن سالمة العقول البشرية من التناقضات واالضطرابات أهل الكالم َ ْ
واإللهام والوج د من ِ
ِ
ليست في وسع االنسان فال َ
يس ُعهم ذلك.
فالعقيدة اإلسالمية ال غموض فيها وال تعقيد ,عقيدة واضحة تدعوا إلى التبصر والتعقل و ال تدعوا إلى
االتب اع األعمى ال ذي يج رد العق ل من ك ل م ا ه و الزم لفهم وإدراك الحق ائق ،و في نفس ال وقت هي
تناسب العقل السليم وترجع األشياء املختلفة إلى مسبب واحد وهو هللا تعالى ,فهي تتلخص في أن لهذه
املخلوقات إلها واحدا .وهو الذي يدبر األمور وكل ما يجري في الكون ال يخرج من إرادته.
َّ
:4عقيدة التوحيد تمتاز بالبقاء والثبات واالس ِتقرار:
اإلنسان له اإلطار الثابت يتح رك فيه ويتط ور وينم و ولكن ذل ك يتسع لحركته ونموه فيه ،وخ روج
اإلنسان من ذلك اإلطار يجعله يذهب إلى نهايته املؤسفة فيكون كالنجم الذي يخرج من مداره و نهايته
تؤدي إلى االصطدام بالكوكب اآلخر ،فيتحطم ويحطم .فكذلك هنا ال بدمن وجود شيء مستقر ثابت
يك ون مقياس ا ومعي ارا للن اس يعرف ون ب ه ط ول األش ياء وعرض ها ووزنه ا ويرجع ون إلي ه ليطمئن وا
ويستريحوا .والتطور في الحياة ال يعني التطور في الدين واألخالق والنظم ،فإن القانون اإللهي والدين
لو كانا غير ثابتين ،ومتطورين فهذا يؤدي إلى فوضى كبيرة ،وال نعرف الحكم على أي شيء وستتغير
39املفهم للقرطبي ( ،)694 - 691 /6الروض الباسم البن الوزير (.)349 - 343 /2
املحكمات وتتبدل القطعيات .40على سبيل املثال :الزنا مثال ثابتة حرمته في الديانات املنزلة وال يختلف
في ه ذه القض ية اثن ان .ف إذا ك ان مقي اس الحكم ه و أن الزن ا ق بيح ،فإن ه يبقى بش عا في ذهن األجي ال
مس تقرا أن ه ذا الحكم ث ابت ال يتغ ير ،فتتم ت ربيتهم على كراهي ة الزن ا واحتق اره .وأم ا إذا قلن ا إن
الق انون اإللهي وال دين متغ يران ومتط وران فه ذا يع ني أن الزن ا ك ان بش عا في ف ترة من الف ترات ،ولكن
البشرية اآلن لها ضرورة بيولوجية ال بد منها .فلن يبقى للدنيا شئ ما ثابتاو والفوضى هي التي تصيب
حظ االنسان مثل ما يقول بعض الناس بتطور األخالق مثل ( فرويد ).
ولنأخ ذ على مثال أخ ر كس تر الع ورات ,ف إن ه ذا األم ر ك ان ثابت ا في األخالق واألدي ان-خاص ة من قب ل
النساء -فمن رأى أن ستر العورة كان مستحسنا في عصر من العصور وكان ذلك من التقاليد الشعبية
أنذاك إال أنه شيء مستقبح األن كان ذلك دليال على عدم استحكام األذهان وعدم استقرارها.41
بقيت ثابت ة إلى ي وم ال دين ال ينس خها ناس خ وال يب دلها منك ر ,و ك ل ه ذا الثب ات في العقي دة اإلس المية
َّ َّ ُ َّ َ ن اتج عن أنه ا منزل ة من عن د هللا و ُم َ
صلى ُ
هللا عليه وس لم و هللا
سول ِ
ومن س ن ِة ر ِ
هللا ِ
كتاب ِ
ِ ست َم َّدة ِمن
َ َّ ُ ثم َّ َّ ُ
حابة َّ َّ
وأئمة الهدى. الت ِابعون تلقاها الص
وثبات العقيدة ميزان واحد يقيس الناس ,يرجع الناس إليه على السواء حاكمهم ومحكومهم ,وكل منهم
يأخ ذ من ه مايلي ه ويلي ق ب ه ويتعل ق ب ه ,وال يس تطيع الح اكم أن يظلم الن اس بتغي ير الق انون قب ل أن
- 40مانع بن حماد الجھني /املوسوعة املیسرة في األدیان واملذاھب واألحزاب املعاصرة ,ص / ,90ط الثالثة /دار الندوة العاملیة للطباعة
والنشر والتوزیع
41فیصل بدیر عون /الفلسفة اإلسالمیة في املشرق / 130 ,دار الثقافة للنشر والتوزیع القاھرة ١٩٨٠ /م
يظلمهم وال يستطيع املحكومون أن يقولوا للحاكم إن القانون الجديد ال نعرفه .وأما إذا كان القانون
ثابت ا وواض حا ف إن الن اس من ذ نعوم ة أظف ارهم ي تربون على معرفت ه ،ويك ون النظ ام حي ا في نفوس هم
ويعيش في حسهم.42
والحاص ل أن ثب ات العقي دة اإلس المية يجع ل الن اس جميع ا يقف ون تحت ظ ل الدس تور والحكم
الواح د ،الح اكم والخليف ة واألم ير هم جميع ا خل ق هللا ،يعب دون هللا بتنفي ذ ه ذا الق انون ,فهم عبي د
وليس وا آله ة ال يس ألون م ا دام وا من خل ق هللا ,وليس هنال ك محك وم تحت الق انون وح اكم ف وق
الق انون ,فالعقي دة اإلس المية ملا ك انت تق وم على ال دليل والبره ان من قب ل من ثبت أنه واح د ،ل زم أن
تكون ثابتة ودائمة ال تقبل الزيادة وال النقصان وال التحريف وال التبديل.فليس ألحد أن يضيف إليها
إن عقيدة التوحيداإلسالمية تتميز بأنها توقيفية كما أنها في ذات الوقت تقوم على الحجة والدليل فهي
مبرهنة ,فال تجاوز فيها للنصوص املثبتة لها ,كما أنها عقيدة فهي كذلك مؤيدة ومناسبة للعقول السليمة
.فإنها تحترم العقول واملبادئ التي يقوم عليها الدين كله ,ذلك أنها ال تثبت في جميع جزئياتها وكلياتها إال
الحاصل:
42علي سامي النشار /نشأة الفكر الفلسفي في اإلسالم ,ص /89ط التاسعة /دار املعارف
43عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي /ملع األدلة في قواعد عقائد أھل السنة والجماعة ,صٍ /210تقدیم وتحقیق د .فوقیة حسین
محمود /مراجعة محمود الخضیري /ط الثانیة /عالم الكتب ١٤٠٧ /ھـ – ١٩٨٧م.
إن أس باب معرف ة توحي د هللا كث يرة ال تع د وال تخص ى في الجزئي ات .والعق ل البش ري إذا ج رد من
عوامل البيئة املؤثرة فال يبقى إال معترفا بوحدانية هللا تعالى ملا أنها عقيدة ثابتة ومستقرة مأخوذة من
املنهل الصافي الذي لم يختلط بشوائب العقل املشوب املؤدي إلى التناقضات واالضطرابات.
الفصل الثالث
التوحيد في ضوءالعقل
التوحيد هو أول واجب على العباد ،وهو سبب دخول الجنة والنجاة من النار وأدلة التوحيد في القرأن
الك ريم من الجالء بمك ان يمكن لك ل عاق ل فهمه ا وإدراكه ا . وال يس تطيع عاق ل إنكاره ا .وه و يواف ق
العقل الصريح كما ذكرنا في معرفة أسباب التوحيد بعنوان العقالنية باختصار .ولنعرف أن استثارة
ً
التفكير مخاطبة العقل أمر انتهجه القرآن الكريم كثيرا في تثبيت العقائد وتقريرها ،فهو يخاطب كل
عاقل بانتزاع الدليل العقلي الواضح و من ثم يقدمه ،فنذكرهنا أدلة على التوحيد من القرأ ن الكريم
املبحث األول
الص در األول من اإلس الم درج علي التس لیم بم ا ج اء في الكت اب والس نة في أم ور عقدي ة وفیم ا یمس
الص فات اإللھی ة وغیرھ ا من املس ائل ,واش تهر به ذا الص دد ق ول الكث یر منھم "آمن وا بھ ا كم ا ج اءت وال
تتعرضوا لتأویلھا" لذا كان التوحید الخالص رائدھم ،و التنزیه ھو الفكرة الرئیسیة التي تحدد فھمھم
لعقائد الدین ،ولم يتوغلوا في بيان ما يتعلق بالصفات والذات لجواز أن یكون ابتالء فیجب الوقف
والغ زالي وغ یره من األش اعرة وك ذا املاتريدي ة ،فلم تكن مس ألة الص فات اإللھی ة موض ع خالف ل دي
الص حابة .حیث إن الس لف غلب وا أدل ة التنزی ه لكثرتھ ا ووض وح داللتھ ا ،وعلم وا اس تحالة التش بيه،
وقضوا بأن اآلیات من كالم هللا ،فأمنوا بھا ولم یتعرضوا ملعناھا وال لتأویلھا.44
أوال:التقسيم املنطقي:
ق د ورد في الق رأن الك ريم التقس يم املنطقي في قول ه تع الى ":أم خلق وا من غ ير ش يء أم هم الخ القون":
(الطور .)35:وهذا التقسيم املنطقي يخاطب العقل البشري بأسئلة متعددة تخلق بيئة لإلقراربوحدانية
ُ َ
إن م ا ت رون من األرض والس موات والنج وم واملج رات ال تخل و من ح التين :األولى :إم ا أن تك ون خ ِلقت
ََ
من الع دم أي من الش يء ،والثاني ة :أن ه ذا الك ون خل َق نفس ه بنفس ه ،وكال االحتم الين ال نش ك في
بطالنهما ،أما األول فألن العدم ال يخلق ألنه غير موجود ،واملخلوق ال يخلق نفسه بنفسه ألن هذا
ليس بوسعه ،فيأتي ههنا االحتمال الثالث ،وهوالذي يصل إليه اإلنسان بقليل من التأمل والتفكر وترك
ً
سبحانه ذكره لوضوحه وجالئه ،وهو أن لهذا الكون إلها وخالقا .بعد ما تعين لنا هذا االحتمال الثالث
ب أن للك ون إله ا واح دا فنق ول إن ه ذات ال رب تب ارك وتع الى ولكن ق د قي ل في ه ذا االحتم ال بأن ه وإن
تعين للتوحي د إال أن ه ال يتعين في ح ق هللا تع الى،ألن ه ذا يحتم ل أن يك ون للك ون خالق ا غ يره ،ومن
ً
املمكن أننا لم نره وهولم يرسل إلينا رسوال يبشرنا وينذرنا إال أننا نقول :هذا االحتمال مرفوض لجره
44راجع العالمة عبد الرحمن بن خلدون /املقدمة /ص / ٥١٧املطبعة الشرقیة ً ،.راجع أیضا أبي الفتح محمد بن عبد الكریم بن أبي بكر
أحمد الشھرستاني /امللل والنحل /ج / ١ص / ١٠٤تحقیق محمد سید كیالني /ط الثانیة /دار املعرفة١٣٩ /
ً ً
األم ر إلى احتم االت مص يرها البطالن كس ابقيه و ل و ص ح ه ذا الف رض لك ان ه و إله ا ناقص ا ألن ه ال
ً ً
يح رك س اكنا ،وال يفع ل ش يئا وم ا ه ذا إال ن وع من العج ز أو اإلهم ال .و اإلل ه الح ق ال تلي ق ب ه ه ذه
الصفات.45
ثانيا:دليل التمانع:
وهذا الدليل معناه أننا لو فرضنا آلهة أخرى مع هللا في الكون فهي ال تخلو من أمرين :األمر األول :أن
ّ
تسلم تلك اآللهة له باأللوهية ,والثاني أن تنازعه فيها ،فلو كان األول ملا بقيت تلك اآللهة على ألوهيتها
ً
ألن الخاضع واملغلوب ال بد أن يكونا مألوها وليس إلها ملناقضة الخضوع العلو ،أما لو كان األمر
الثاني بأن تنازعه سلطانه وملكه فتبدأ مغالبة اآللهة ومن نتيجة هذه املغالبة التنازع في الكون وفساد
ّ
ليستبد به ،فإذا استبد به أصبح كل واحد منهم األمور ،ألن كل إله سيذهب بما خلقه من األشياء
ً
ينفرد بخلقه و حينئذ ال بد أن يغلب بعضهم بعضا و يتميز ملك كل واحد منهم عن ملك اآلخرين كما
نرى حال ملوك الدنيا حيث ممالكهم متمايزة وغلبتهم واضحة في مناطقهم ال في الدنيا كلها .وبما أننا ال
ً
نرى أثرا لتغالب اآللهة فهذا يدل على أن للكون إلها واحدا بيده ملكوت كل شيء .
و من املمكن أن يكون هنا إشكال بأن التوافق بين األلهة جميعا ممكن دون أي تنازع كما يكون في
املعاهدات الدولية بين الحكام إال أننا نقول " :ال يوجد أي نوع من التوافق بين اآللهة بأن ينفرد كل
واح د بخلق ه دون تن ازع ,ألن ه ذا ي دل على بطالن أل وهيتهم جميع ا و يس تلزم املح ال ملا أن اإللهي ة
45مصطفي عبد الرازق /تمھید لتاریخ الفلسفة اإلسالمیة /ص / ٢٧٢لجنة التألیف والترجمة .بتصرف
تقتضي الكمال ال النقص وبهذا األمر تكون ألوهيتهم ناقصة خاصة في حق الطائفة التي لم تخلقها هذه
األلهة".46
وهناك دليل آخر على وحدانية هللا تعالى وهو أن تكون مخلوقات اآللهة مختلفة بعضها عن البعض في
الوفرة والقوة بأن تكون مخلوقات بعض اآللهة أوفر أو أقوى من مخلوقات إله آخر بعوارض تقتضي
ذل ك كم ا ه و املش اهد في اختالف أح وال مخلوق ات هللا تع الى الواح د ،ه ذا االحتم ال أيض ا ص ريح
البطالن ألن تمايز خلق كل إله عن الغير في املعرفة أو في املكان أو في الزمان سيفضي إلى اعتزاز اآللهة
في تف وق مخلوقات ه على اإلل ه اآلخ ر ،و من مقتض يات ه ذا أن تك ون تل ك اآلله ة بعض ها أق وى من
بعض ،وهو ينافي املساواة في اإللهية . 47فلة يبق أمامنا إال أن يكون اإلله واحدا وهو هللا تبارك وتعالى
املبحث الثاني
ّ
التضرع كما عرفنا سابقا فإن العقل باإلضافة إلى فطرية التوحيد والتجاء النفس إلى إله واحد عند
ّ ّ
القطعية بوحدانية الخالق تعالى .و العقل قد استدل بتقريرات ثمانية يحكم ببراهينه الوجدانية وبأدلته
وهي البعض من أنحائها الكثيرة وسيكفي ذلك إلثبات املطلوب وحصول الغرض وهي :
ّ
األول :برهان التدبيرواإلرتباط :
46عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي /الشامل في أصول الدین ,ص / 230تحقیق علي سامي النشار ،سھیر محمد مختار ،فیصل
بدیر عون /منشأة املعارف /مكتبة علم أصول الدین ,بتغيير يسير
47عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي /ملع األدلة في قواعد عقائد أھل السنة والجماعة ,ص /.198تقدیم وتحقیق د .فوقیة حسین
محمود /مراجعة محمود الخضیري /ط الثانیة /عالم الكتب ١٤٠٧ /ھـ – ١٩٨٧م.
إن هذا الكون الشهير والعالم الكبير من أعماق أراضيه وما في أجوافها وبحارها إلى أعالي سماواته وما
فوقها موجوداتها مترابطة ,متشابكة ومتناسبة بعضها مع بعض وإذا ّ
تأم ل فيه اإلنسان بعقل مستقيم
وفكر سليم رأى و وجد ّأن ذلك ّ
بأتم اإلرتباط والتناسب كمجموعة واحدة و جهاز واحد.فنأخذ من
هذا دليال واضحا على ّأن خالق جميعها واحد وهوالذي يعرف إرتباطاتها من األجزاء والجزئيات ويعلم
ّ َ
البديهيات العقلية لجميع املستويات جميع احتياجاتها وهوالخبير بما يحتاج العالم إليه .هذا األمر من
كل ذي ّ
تدبر. ّ
البشرية و أمر عقلي واضح ّ
يحسه ّ
ولنأخ ذ من ه ذا مثال في املص نوعات البش رية حيث يحكم الن اس ع ادة من اخ تراع الش ئ بأن ه ع ارف
ً
بكل ما فيه كالطائرة أو السيارة مثال فإن أجزائها منسجمة ومترابطة بعضها مع بعض فإننا نحكم من
ذل ك بوح دة ص انعها ومبتكره ا و مخ ترع هيك ل الط ائرة يك ون مبتك ر أجنحته ا و ال يمكن أن يك ون
هوغ يره .و مبتك ر الس يارة مبتك ر عجالته ا وال يمكن أن يك ون هوغ يره .وه ذامع الحاجة ّ
املاس ة إلى تل ك
األجزاء فيما بينها.وكذلك تناسب الخلقة و ّاتصال التدبير وإرتباط الصنع دليل على وحدة ّ
املدبر الصانع
ِ
َ
في هذا العالم.48
التأم ل في ه ذا النظ ام الك وني الكب ير املتراب ط وج دناه خالي ا عن أي فس اد ب الرغم من ِك َب ِره
كررن ا ّ
وإذا ّ
وعظمته ،وعدم الفساد واإلختالل بنفسه دليل على وحدة صانعه وحكمته ,و نحن نالحظ في حياتنا
بلدة
العادية واملظاهر اإلجتماعية أن الرؤساء إذا كثر عددهم في املنطقة أو في عائلة أو في مملكة أو في ٍ
ّ
متعددة لفسد الكون مع يختل النظام في التدبير والتقدير ,إنه أمر محسوس فكذلك لو كانت اآللهةّ
ّ
التعدد وهذه الحكمة العلمية العقلية أشار أننا ال نرى شيئا منه فاسدا فعدم الفساد دليل على عدم
48عبد امللك الجویني إمام الحرمین أبو املعالي /الشامل في أصول الدین,ص / 320تحقیق علي سامي النشار ،سھیر محمد مختار ،فیصل
بدیر عون /منشأة املعارف /مكتبة علم أصول الدین.
الله َل َف َس َد َتا) . 49وقوله ّ
عز إسمه ِ( :إ ذا
َ َ ٌ َّ ّ َ َ َ
عز إسمه ( :ل ْو كان ِف ِيهما ِآلهة ِإ ال إليها القرآن الكريم في قوله ّ
ض) َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ْ
لذهب كل ِإ ل ٍه ِبما خلق ولعال بعضهم على بع ٍ
.
بحقائقه والعارف بإحتياجاته تبارك وتعالى بل ال يمكن مع أي أحد أخر وهوالحكيم في تدبيره .هذا هو
شيء .
وه ذا ال دليل يفي دبأن هللا تع الى ق ديم وه و الةحي د في الق دم دون غ يره من الخل ق وتع ّدد الق ديم
الفاص ل املائز القديم بين مستحيل وهذا من الدالئل القطعية ،ألنه لو لزم ّ
تعدد اإلله لجاء وجود
ِ
- 49عبد القاھر بن طاھر بن محمد البغدادي /الفرق بین الفرق ,ص / 178تحقیق محي الدین عبد الحمید /املكتبة العصریة /صیدا
بیروت ١٤١٦ /ھـ – ١٩٩٥م.
50عبد الرحمن بدوي /مذاھب اإلسالمیین /67 ,دار العلم للمالیین /بیروت,1997 ,
ّ
التعدد موجودا لكان إمتياز أحد اآللهتين عن اآلخر بأمر خارج ُيحتاج األلهة وهو مستحيل ،ولو كان
إليه في اإلمتياز ,واالحتياج ليس من شأن اإلله ألن ذلك عجز وقد ارتفع بما ذكرنا من قبل ,وهللا أجل
من اإلحتياج ّ
ألن ّ
كل محتاج ممكن وهللا ليس بمحتاج قطعا بالدالئل املوضحة.51
ّإما أن يكونا غير قادرين على إقامة النظام الكوني . .1
فإذا كانا غير قادرين على إقامة النظام كان كالهما عبثا وال يمكن لإلله أن يكون عبثا دون اإلفادة وإذا
كانا ق ادرين ل زم التناص ف والتقاس م في األم ور وه و ما ي ؤدي إلى النقص في ذات اإلل ه ،وأما إذا كان
ُ
أحدهما قادرا واآلخرغير قادر وعاجزا عن إقامة النظام في الكون فال تليق االلوهية بالعاجز بل ثبتت
ّ ُ
فتتعين االلوهية لإلله الواحد القدير بال شريك . 52وفميا ذكرنا سابقا أن هذا الواحد هو لإلله القادر
ْ ّ
وهو ما أفاده كثير من العلماء بما حاصله أنه لو كان اإلله إثنين لم َيخل هذا من أحد األمرين :
أن يكون ّ
كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه. .1
أو يكون ّ
كل واحد منهما غير قادر على منع صاحبه. .2
51عبد الرحمن بدوي /موسوعة الفلسفة ,ص /560ط أولي /املؤسسة العربیة للنشر والتوزیع ١٩٨٤ /م.
52عاطف العراقي /املنھج النقدي في فلسفة ابن رشد ,ص / 223ط الثانیة /دار املعارف ١٩٨٤ /م.
فإن كانت الصورة األولى بأن يكون ّ
كل واحد منهما قادرا على منع صاحبه كان اآلخر ممنوعا ومغلوبا ،
ّإن اإلله ال بد ان يكون قادرا على دفع ما ال يكون من شأنه في الكون والخلق والقدرة ال بد أن تكون
على دف ع جمي ع م ا يض ّاده ويقابل ه ,ف ّ
إن ع دم الق درة على ه ذا ال دفع نقص ،والنقص علي ه مح ال
بالضرورة .54وعليه فشريك اإلله مستحيل وجوده بالوضوح ومندفع بالبداهة .فهو واحدا ال شريك
له.وقد أفاد بعض العلماء والحكماء هذا الدليل وما يليه من الدليلين التاليين من برهان الدفع فكأنهم ا
مقص ود ه ذا ال دليل ه و أن يك ون اإلل ه ك امال و من كم ال الص انع أن يتف ّرد بالص نع وكلم ا دخلت
الشركة في الصنع فهي مستلزمة لسلب هذا الكمال ،ومن املحال بالبداهة أن يسلب الكمال عن ذات
اإلله التي تستجمع جميع الصفات الكمالية ،فسلب الكمال عن اإلله باطل .55فال يكون لإلله شريك
ّ
واحدوهوالحق ال محالة. ألن ذلك سالب الكمال ،وكل هذا يدل على أن الصانع
53سیف الدین اآلمدي /أبكار األفكار في أصول الدین ,ص /320تحقیق أحمد محمد املھدي /ط الثانیة /مطبعة دار الكتب والوثائق
القومیة بالقاھرة /مركز تحقیق التراث ١٤٢٤ /ھـ – ٢٠٠٤م.
54رضا سعادة /مشكلة الصراع بین الفلسفة والدین من الغزالي وابن رشد إلي الطوسي والخواجة زاده ,ص / 179ط أولي /دار الفكر
اللبناني ١٩٩٠ /م
55سیف الدین اآلمدي /أبكار األفكار في أصول الدین / 278,تحقیق أحمد محمد املھدي /ط الثانیة /مطبعة دار الكتب والوثائق القومیة
بالقاھرة /مركز تحقیق التراث ٢٠٠٤ /م.
الثامن :دليل اإلستغناء:
والغني ُّ
أجل من ّ اإلله ال بد أن يكون مستغنيا بذاته عن غيره ّ
ألن الشركة بنفسها من النقص والحاجة ٍ
االحتياج وهذه الصفات ال تناسب ذلك إال لإلله الحق وقد أثبتنا بالدالئل العقلية القاطعة أنه ذات هلل
تع الى ملاأن ه أرف ع من اإلس تيذان وغ ني ّ
عم ا س واه ،وال طري ق لإلحتي اج إلي ه ،وال يحت اج إلى اإلذن في
ّ
التصرف. 56
الفصل الرابع
أنواع التوحيد
تختلف أنواع التوحيد حسب املدارس االعتقادية من األشاعرة واملاتريدية والسلفية والشيعة وغيرهم
وبم ا أن اإلم ام ابن أبي الع ز الحنفي يحم ل من األراء في أم ور العقي دة م ا جعل ه عن د علم اء الس لفية
الحديث ة مرجع ا في العقي دة ونس بوه إلى املدرس ة الس لفية بينم ا ج اءت عالق ة هب ة هللا التركس تاني
باملاتريدية في العقائد شرحا ورأيا .فإليكم هذه املدارس وأنواع التوحيد عندها.
املبحث األول
املدرسة السلفية
مصطلح"السلف" له مدلوالن:
56حسین مروة /النزعات املادیة في الفلسفة العربیة اإلسالمیة ,ص / 156القسم الثاني /ط ١٩٧٨م
األول ه و املدلول الع ام وه و ك ل من ال تزم منهج الص حابة والت ابعين في أص ول االعتق اد وأس س الفهم
والث اني ه و املدلول الخ اص :وه و يع ني م ذهب الص حابة والت ابعين ممن ك انوا على ه دى وه ذا املدلول
وهن ا نع ني به ذا املص طلح من ادع وا االنتم اء إلى الس لف الص الح وأك ثروا من التص نيف في أم ور
العقيدة ,مدحوا البعض وشنعوا على البعض واتبعوا ابن تيمية رحمه هللا بوسائط متعددة كمحمدبن
عب د الوه اب النج دي وغ يرهم من العلم اء املعاص رين املع روفين وإال فاملاتريدي ة واألش اعرة كلهم على
مذهب الص حابة والتابعين مع اختالف بعض هم البعض في شرح بعض األم ور التي ال نس تطيع من بينها
الحكم على ضاللة هذا أو ذاك الستقائهم من معين واحد واختالف املشارب .
التوحيد عند السلفية له نوعان ولكن أحدهما هو غير معروف واألخر معروف ,وإليكم كليهما:
التقسيم الغيراملعروف:
وهو توحيد هللا في أسمائه وصفاته كما أثبته هللا لنفسه أو أثبته له رسوله من غير تمثيل أو تكييف
ومن غير تعطيل أو تحريف .وهذا كله ثابت باألحاديث التي هي صحيحة عند السلفية.
57حنا الفاخوري ،خلیل الجر /تاریخ الفلسفة العربیة " الفلسفة العربیة في الشرق والغرب "ص / 85ط الثالثة /دار الجیل بیروت /
١٩٩٣م.
58مجمل أصول أهل السنة والجماعة في العقيدة ( 1412هـ) .د .ناصر بن عبد الكريم العقل .دار الصفوة :القاهرة :بتصرف
الثاني:توحيد إرداي طلبي:
الثالث:توحيد الوحدانية:
ّ ّ
والص فات واألفع ال ومعناه أنه ال توجد وه و نفي الك ثرة عن هللا تب ارك وتع الى في ثالثة أش ياء :الذات
ذات وال صفات وال أفعال مثل ذاته وصفاته و أفعاله .فصفاته غير مكونة من األجزاء مثل ذاته.
وق د وض ع علم اء السلفيةش روطا للتوحي د املعروف ة بش روط ال إل ه إال هللا وهي كم ا جمعه ا حاف ظ بن
ُ ً
وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الشرع حقا وردت
العلم الذي ينافي الجهل بأن يعلم العبد أن استحقاق العبادة ليس إال هلل وحده. .1
ً
اليقين بأن يتيقن العبد بعقله و قلبه و ويعتقد جازما بهذا اليقين . .2
القبHHول :ب أن يك ون هن اك قب ول م ع العلم واليقين ,فبعض الن اس يعلم ون وي تيقنون و لكن ال .3
اإلخالص :وهذا يعني أن يكون كل عبادة محضة هلل تعالى ال رياء فيها فوجب أن يكون العمل .5
ً
خالصا له .
الصدق واملحبة :وهو أن يندفع العبد إلى الدين من غير كسل وتململ وبكل محبة.
59
.6
ً ً
التقسيم السابق للتوحيد غير معروف عند األكثرين لذا قسم شيوخ السلفية التوحيد تقسيما بسيطا
إلى ثالث ة أقس ام رئيس ية وه و مم ا يع ترض علي ه األش اعرة كم ا س يأتي ولكن ذل ك لس هولة الفهم
أوال:توحيد الربوبية :
رب ِّ
كل شيء ،وهو املتصرف في هذا الكون ،فهو املحي ،واملميت والخالق ،والرازق وهو اإلقرار َّ
بأن هللا ُ
واملالك.60
59هذه عقيدتي ( 1422هـ) .د .عائض القرني .دار ابن حزم :بيروت :بتصرف
ّ
بتصرف 60الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي ( ،)1422املفيد في مهمات التوحيد (الطبعة ،)1صفحة .56
أن يؤمن العبد َّ
بأن هللا هو الرازق من غير شريك ويرزق الخلق كله كافة .وهو الخالق يخلق كما يشاء
ُ َ َ
والض ُّر اليصالن أي أحد إال بإذنه واملنع واملوت ال يملكهما إال هللا ,والنفع وهو الذي يحي ويميت فالحياة
ً ً
ه ذا الن وع من التوحي د ك ان واض حا بين ا ح تى ل دى ق ريش قب ل اإلس الم وهم ك انوا على يقين ب أن هللا
يتفرد بالرزق والخلق واإلماتة واإلحياء وامللك والتدبير وما إلى ذلك مما يختص به من األفعال .وهذا
ما يقصد بتوحيد الربوبية بأن يعتقد العبد إفراد هللا تعالى بأفعاله.
ّ
الربوبية تنقسم إلى نوعين: و
ّ
الربوبية التكوينية: النوع األول:
َ َ َ َأ ْ َ ُ َّ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َأْل ْ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ ْ َ َ ُ َّ
س َوالق َم َر ل َي ُق ول َّن الل ُه " .فلم ينكروا ات وا رض وس خر الش م
تعالى عنهم" :ولِئ ن س لتهم من خلق السماو ِ
وجود الذات اإللهية بل إال أنهم أنكروا ماكان متعلقا بتدبير األمور فنسبوه إلى الالت والعزى واملناة
ّ
بربوبي ة الك ون وإرادت ه عن هللا عزوج ل ،فجعلوه ا وم ا إلى ذل ك .واعتق دوا أن األص نام هي مس تقلة
ّ ً
أربابا مستقلة وكانوا يعبدونها من دون هللا تعالى.
الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي ( ،)1422المفيد في مهمات التوحيد (الطبعة ،)1صفحة .58بتصرّ ف. 61
ّ
فالربوبي ة املستقلة أن ّ
الربوبي ة التابعة . ّ
الربوبي ة املستقلة و ههنا أمران ال بد من الفرق بينهما وهما
ّ
الربوبي ة التابعة وهي أن يكون التدبير تحت إرادة يستقل الذات بما يفعله هو وال يستطيع غيره و أما
الربوبي ة ّ
بأي ة ش ائبة إذا ك ان اإليم ان بربوبي ٍة تابع ة هلل تع الى في ّ هللا تع الى وال ّ
يمس عقي دة التوحي د في
:رب العملّ ،
ورب األسرة فليس في أصل وجودها ،وفي استمرارها وبقائها ،و من هذه الناحيةإذا قلنا ّ
ّ
الربوبية املستقلة .وهذا كما وصف هللا تعالى مالئكته استعمال هذا اللفظ عقدة طاملا ّأن املراد ال يكون
بربوبية هللا تعالىّ ،
ألن هذا ّ ب"َامْل ُ َد ّب َرات َأ ْم ًرا"،في سورة النازعات ّ
.فإن هذا الوصف ال يتنافى مع االعتقاد ِ ِ
ّ ً ّ الت دبير ت ابع إلرادة هللا .فهي م ّ
دبرا في مج ال قبض دبرات غ ير مس تقلة ،وك ذا جع ل هللا مل ك املوت م ِ
األرواح ،وميكائي ل في مج ال ال رزق وجع ل جبرئي ل علي ه الس الم في مق ام ال وحي ، ،وإس رافيل في مج ال
ّ
الربوبي ة .وك ذلك نفخ الص ور ،ف ّ
إن ه ذه األم ور وه ذا التف ويض والت دبير الين افي عقي دة التوحي د في
األنبياء (عليهم السالم) أو األوصياء في بعض التدابير التكوينية بشكل غير مستقل منحهم هللا تعالى إياها
ّ
الربوبي ة ،كما جاء في القرأن الكريم عند الحديث عن قصة آصف في سورة ّ
فإنها ال ّ
تضر بالتوحيد في
النمل عندما سأل سليمان (عليه السالم) الحاضرين عن القادر منهم على اإلتيان بعرش بلقيس،فأجابه
َ ُ َ َ َ َأ
يك ِب ِه ق ْب َل ن َي ْرت َّد ِإ ل ْي َك ط ْرف َك ".
آصف :أناآت َ
ِ
ّ
الثاني:الربوبية التشريعية: النوع
ثانيا:توحيد األلوهية :
األمثلة:
وجل -باالستعانة به فقط ،وعدم االستعانة واالستغاثة بغيره . أن يفرد العبد ربه َّ
-عز َّ .1
السجود له فقط ،وعدم السجود لغيره. وجل -بعبادة أن يفرد العبد ربه َّ
-عز َّ .2
ِ
وجل-بعبادة الصيام من أجله فقط ،وعدم إشراكه في العبادة. أن يفرد العبد ربه َّ
-عز َّ .3
وجل-بعبادة الدعاء ،وعدم صرف الدعاء لغيره. أن يفرد العبد ربه َّ
-عز َّ .4
توحي د األلوهي ة يع ني أن يعتق د العب د جازما بأن هللا ه و اإلله الح ق و يف رده بالعبادة وإإلخالص فيه ا
لربه ظاهرا وباطنا .وهذا التوحيد هو الحد الفاصل و الفارق بين اإلسالم والكفر وبين املوحدين هلل
واملش ركين ب ه ،وه ذا ه و األس اس لوق وع الج زاء والث واب في األولى واآلخ رة ،وعلى ه ذا ف إن تط بيق
62اإلمام أبي الحسین محمد بن أحمد بن عبد الرحمن امللطي الشافعي,ص / 334التنبیه والرد علي أھل األھواء والبدع /قدم له وعلق
علیھ محمد زاھد الحسن الكوثري ١٣٨٨ /ه – ١٩٦٨م /مكتبة املثني ومكتبة املعارف
ّ
63سفر بن عبد الرحمن الحوالي ،دروس للشيخ سفر الحوالي ،صفحة ،6جزء .38بتصرف.
توحي د األلوهي ة يلزم ه التوحي د هلل بجمي ع أن واع العب ادة وأش كالها .ومن تل ك األن واع تت أتى األم ور
التالية :
ً
أن يخلص العبد محبته هلل فال يتخذ ندا يحبه من دون هللا .1
أن يف HHرد العب HHد رب HHه في أم HHور اليق HHدر عليه HHا إال هللا تع HHالى كال دعاء والرج اء والتوك ل واإلحي اء .2
واإلماتة .
أن يفHH Hرد العبHH Hد ربHH Hه بHH Hالخوف منه فال يخ اف املؤمن من بعض املخلوق ات اعتق ادا بأنهاتض ره .3
أن يف HH H H H H Hرد العب HH H H H H Hد رب HH H H H H Hه بجمي HH H H H H Hع أن HH H H H H Hواع العب HH H H H H Hادات س واء ك انت العب ادات بدني ة .4
تمثي ل وال تحري ٍف ،وال تعطي ٍل ،وال تك ييف اعتق اد انف راد هللا بالكم ال املطل ق من جمي ع الوج وه
املبحث الثاني
املدرسة األشعرية
64اإلمام األكبر محمود شلتوت /اإلسالم عقیدة وشریعة ,ص /45دار الشروق.
من هم األشاعرة:
األشاعرة هم جماعة أسسها أبو الحسن األشعري ,لها منهاجها في العقيدة وهم من أهل السنة والجماعة،
ال يخ الفون في ذل ك إجم اع األئم ة األربعة من اإلم ام أبي حنيفة النعم ان و اإلم ام مالك و اإلم ام
الش افعي و اإلم ام وأحمدبن حنب ل رحمهم هللا أجمعين .وقف وا في وج ه املعتزلة في تزيي ف أق والهم
ً
وإبطال شبههم وإعادة الحق إلى طريق سلف األمة ومنهجهم .وال يكفرون أحدا من أهل القبلة .منهجهم
في العقي دة بين النه ايتين :األولى :منهج دع اة العقل املطل ق والثاني ة :منهج الجام دين عن د ح دود النص
ً
وظ اهره ،والطري ق الوس ط ه و تق ديم النص على العق ل ،إال أنهم جعل وا للعق ل مدخال في فهم النص،
وهذا ما أشارت إليه اآليات القرأنية الكث يرة املش تملة على الحديث عن التفكير والتدبر .وهذا املنهج
اتبع ه كث ير من العلم اء املع روفين في الت اريخ اإلس المي أمث ال :ال بيهقي وابن عس اكر والب اقالني والتقي
الس بكي والقش يري والجوي ني والع ز بن عب د الس الم الحنفي والن ووي والغ زالي والفخ ر
ذهب األشاعرة إلى أن حقيقة التوحيد هي عبارة عن نفي التعدد في الذات فهو سبحانه ال شبيه له في
ذاته و نفي التعددفي الصفات فهو ال مثيل له في صفاته و نفي التعدد في األفعال ،فهو سبحانه ال شبيه
ً ً
ل ه في أفعال ه ،فاص بح التوحي د اعتق اد وح دة هللا تع الى ذات ا وص فات وأفع اال م ع إف راد املعب ود
بالعبادة .و األشاعرة يعتبرون أن صفة الوحدانية هلل تنفي عنه الكثرة في ثالثة أشياء وهي كالتالية:
65العقائد الحقة ,السيد على الحسيني الصدر ,ص ,550درا الغدير ,العراق.2006 ,
نفي الك HHثرة في الHHذات :وه ذا يع ني أن حقيق ة ذات هللا ليس ت كحقيق ة ذات املخلوق ات )1
ال تي خلقه ا هللا ب أمره .ف املخلوق ذات ه جس م ومتح يز في املك ان بينم ا ذات هللا ليس ت
كذلك.
األول :وحدانية الذات تنفي أن تكون ذاته تعالى مركبة ,سواء كان هذا التركيب من األبعاض واألجزاء
أو من الجواهر واألعراض ،أو من شيء آخر مفترض ،ألن كل مركب حادث ومخلوق ال محالة ملاأنه
يحتاج إلى من ركبه من األجزاء وغيرها .وخالصة القول أن الذات اإللهية ليست قابلة لالنقسام ،و
الثاني :وحدانية الذات تنفي أن تكون هناك ذات أخرى كاملة في الصفات ويستحيل عليها من النقص و
نفي الكثرة في الصفات :وهذا يعني أن حقيقة صفات هللا ليست كحقيقة صفات املخلوقات التي )2
خلقه ا هللا تع الى ب أمره .فعلم املخل وق ح ادث,وه و ليس بع الم حين والدت ه ثم حص ل في ه العلم
بالتدريج وذلك إما يكون نتيجة فعل له أو انطباع صورة املعلوم فيه أو انفعال أو تكيف نفسه
فليس كذلك.و قس على هذا بقية صفات هللا عز وعال كبقاء املخلوق و بقاء هللا وقدم املخلوق
األخرى ،بل قدرته واحدة تتعلق بجميع املمكنات ،وكذا إرادته وعلمه ...إلخ.66
الثاني :وحدانية الصفات تنفي أن يكون هناك اتصاف ألحد من املخلوقين بصفات هللا تعالى،فيفعل ما
يفعل ه هللا تع الى وتك ون ل ه إرادة تخص ص وق درة توج د األش ياء ،وعلم محي ط ب األمور كله ا ،وه ذا ملا
نفي الكثرة في األفعال :و هذا يعني أن فعل هللا عبارة عن خلق للمفعول أي هو يوجد املفعول )3
من العدم إلى الوجود .ونسبة الفعل إلى هللا نسبة خلق ,فاهلل خالق كل شيء وأما فعل املخلوق
ً
فال يمكن أن يك ون خلق ا ,ونس بة الفع ل إلى املخل وق هي نس بة كس ب واكتس اب ,وفع ل املخل وق
عبارة عن اكتساب ألمرخلقه هللا له .فالوحدانية في األفعال يلزم منها أنه ال مؤثرفي األشياء وال
ووحدانية األفعال تنفي أن يكون للغيره من األفعال ما هي هلل تعالى ألنه ال شريك له في األفعال ,فهو
املؤثر واملخلوقات ليس لها تأثير بل هي متأثرة نتيجة الكتسابها له وهي تقوم بها .وهللا هواملنفرد باإليجاد
املبحث الثالث
املدرسة املاتريدية
66اإلمام األكبر محمود شلتوت /اإلسالم عقیدة وشریعة ,ص /70دار الشروق.
67حمد محمود صبحي /في علم الكالم " دراسة فلسفیة آلراء الفرق اإلسالمیة في أصول الدین " ص /331ط الخامسة /دار النھضة
العربیة ١٤٠٥ /ھـ – ١٩٨٥م.
68الشيخ الدكتور أحمد محمود كريمة (يناير 2012م) ،السلفية بين األصيل والدخيل( ط .األولى) ،دار الكتاب الصوفي،
ص.71 -68 .
من هم املاتريدية:
وراء النهر وهم من أهل السنة والجماعة ,نشأت املاتريدية في ظل الصراع الكالمي الذي نشأ في بغداد.
ودعت إلى مذهب أهل الحديث والسنة ,وإلثبات حقائق الدين والعقيدة اإلسالمية ,استخدمت البراهين
العقي دة ه و الجم ع بين الش رع والعق ل وتوس يع دائ رة التفك ير واالس تنتاج وأم ا اعتماده ا في األس س
والنشأة فهو على املذهب الحنفي سواء كان فقها أ ً
وكالما.
ذهب املاتريدية في تقسيم التوحيد إلى ما ذهب إليه األشاعرة وهو أن حقيقة التوحيد عبارة عن نفي
التعدد في الذات ,فهو سبحانه ال شبيه له في ذاته و نفي التعددفي الصفات فهو ال مثيل له في صفاته و
ً
نفي التعدد في األفعال ،فهو سبحانه ال شبيه له في أفعاله ،فالتوحيد هو اعتقاد وحدة هللا تعالى ذاتا
ً
وصفات وأفعاال مع إفراد املعبود بالعبادة .وهذا ما ذكرناه سابقا.
وأم ا من ذك ر ق ول أبي منص ور املاتري دي في بعض العب ارات واس تدل بأنه ا العب ارات ال تي ت دل على
َ
تقسيمه للتوحيد إلى قسمين :األول هو الربوبية والثاني هو األلوهية حيث قال"َ :وبعد ف ِإ َّن ه لم يذكر
َ َ َ
الت ْو ِح يد َد ْع َو ى اإللهية َو ا ِإْل ش َار ة ِإ ل ى أثر فعل ِم ْن ُه يدل على ُ
يعرفه أهل َّ َع ن غير ا ِإْل ل ه َّال ِذ ي
ربوبيت ه" .69حيث اس تدل البعض ب أن كلم ة اإللهي ة والربوبي ة هي إش ارة إلى قس مي
عليها.
69اHلHتHوHحHيHد Hص20H
املبحث الرابع
كم ا ذكرن اأن الس لفية ذهب وا إلى تقس يم التوحي د إلى ثالث ة أن واع من الربوبي ة واأللوهي ة وتوحي د
األس ماء والص فات أخ ذا من ابن تيمي ة رحم ه هللا.بينم ا ي رى األش اعرة واملاتريدية من أه ل الس نة أن
تقسيم التوحيد إلى هذه الثالثة بدعة من البدع التي هي مذمومة في العقيدة ,ألن الكتاب والسنة لم َي ِر ْد
فيهما هذه املصطلحات والتقسيمات ولم نر ذلك في عصر السلف الصالحين من أهل القرون الثالثة.
فه و تقس يم غ ير معق ول في العقي دة وغ ير منق ول من أح د من الس لف .وللتفص يل في ه ذا املوض وع
فليراجع كتاب "السهم السديد في ضاللة تقسيم التوحيد" للشيخ الدكتور جميل حليم الحسيني إنه قد
رد باألدل ة القرآنية والحديثية ونص وص علم اء املذاهب األربعة على مس ألة تقس يم التوحي د إلى ه ذه
األنواع الثالثة.وبين لكا موقف دالئل ورجح موقف األشاعرة واملاتريدة بهذا الصدد.
نرى ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية أنه لم يذكر هذا التقسيم صراحة إال انه ذكر
اسم توحيد اإللهية وقال" :إن القرأن إما خبر عن هللا وأسمائه وصفاته وأفعاله" وقد سمى هذا توحيدا
عملي ا خبري ا ,ثم ق ال" :وإم ا دع وة إلى عبادت ه وح ده" وس مى ه ذا التوحي د اإلرادي الطل بي .فيظه ر من
كالمه أنه لم يقسم التوحيد إال إلى ما نقل عن السلف في الذات والصفات واألفعال ,فهو أيضا ال يقول
بتقسيم السلفية للتوحيد.بينما نجد نفس األمر في كال م الشيخ التركستاني عند شرح" وال إله غيره" أن
في كتابه" منهج اإلمام ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة" فجعل كالمه في التوحيد نفس ما يجعله
املبحث الخامس
األص ل األول من أص ول ال دين عن د الش يعة ه و التوحي د.و يعتق دون بوج وب توحي د هللا في جمي ع
ثانيا:التوحيد في الصفات :
وهذا يعني ّأن صفاته الذاتية عين ذاته تعالى ،وكلها موجودة بوجود الذات االحدية وإن صفاته اإللهية
كث يرة ب املعنی واملفه وم ولكنه ا واح دة بالهوي ة والوج ود .وان ص فاته ليس ت زائ دة علی ذات ه ب ل هي عين
ذاته .فكما ّأن ذاته أزلية وأبدية ّ
فإن صفاته كذلك أزلية وأبدية كالعلم والقدرة ,والصفات ال تنفصل
70عالء ّ
الحسون ،التوحيد عند مذهب أهل البيت ، الجزء 1 : صفحة .158 : نسخة محفوظة 21 فبراير 2018على موقع واي باك مشين.
عن الذات ألن زيادة الصفات على الذات تستلزم أن تكون الذات فاقدة لصفات الكمال وهذا خلف في
ثالثا:التوحيد في األفعال:
وه ذا التوحي د يع ني أن ك ل ش ئ بمش يئته وتق ديره تع الى ,فك ّل فع ل أو حرك ة أو ظ اهرة يح دث في ه ذا
الع الم ه و تحت س لطة هللا تع الى ،ال ش يء ي ؤثر في ع الم الوج ود ب دون إذن ه ومش يئته .فاملاء ال يطفئ
َّ
الله تعالى ,والنار ال تحرق إال بأمر هللاُّ ،
وكل ما يعمل اإلنسان من عمل فإن ذلك بإذن النار إال بمشيئة
َّ َّ
الله ,وك ُّل حرك ة من الحرك ات تع ود إلى ذات ه املقدس ة ,ف املؤثر ه و الله تع الى وأم ا األس باب األخ رى
رابعا:التوحيد في العبادة :
والتوحيد في العبادة يعني ان يعبد العبد ربه ال غيره ,والركوع والسجود له فقط دون غيره ,فأنه أهل
ويرى البحث أن تقس يم أن واع التوحي د تقسيم اجتهادي ونظري والقصد والغاية من جميعه ا واحدة،
ً
بين جميعه ا تالزم وال يك ون املرء مؤمن ا إال إذا أمن به ا جميعه ا كم ا قال ه أك ثر العلم اء س واء أك ثرو في
التقس يم أم أقل وا .وه ذا م ا ذك ره ت امر مت ولي في كتاب ه منهج محم د رش يد رض ا في العقي دة" :تقس يم
قس مه لقس مين ........ومنهم من ّ
قس مه إلى س تة أن واع التوحي د تقس يم اجته ادي نظ ري ,فمنهم من ّ
أقسام.71...
ّ
بتصرف. 71تامر متولي ،منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة ،صفحة .249
وتوجي ه من اع ترض على التقس يم املش هوروهو تقس يم الثالث ة وأنك ر ذل ك أش د االنك ار فه و لقاع دة
نحوية معروفة وهي "أن التوحيد مصدر وال يمكن تقسيمه لذاته" فإذا لم يمكن تقسيمه فكيف يصح
ّ
والتشدد تقسيمه؟بينما قال البعض :إن هذا التقسيم ال يصح ألنه عائد لدين النصارى ،وقد كثر اللغط
الفصل الخامس
األلفاظ املجملة:
إطالقها ؟ وهل وردت في الكتاب والسنة ؟ وما معنى كونها مجملة ؟ وما الذي دعا إلى إطالقها ؟ وكيف
يتعامل أهل السنة مع هذه األلفاظ ؟ واإلجابة عن هذه األسئلة على النحو التالي:
ف الجواب األول ه و أن املقص ود بالكلم ات املجمل ة أنه ا كلم ات أطلقه ا أه ل التعطي ل إلثب ات م زاعمهم
الباطلة في أمور عقائدية .والجواب الثاني أن املراد من إطالقها ان يتوصل أهل التعطيل إلى نفي صفات
اهللا ـ تعـالى ـ ويحاولون إنجاز ذلك بحجة تتريه هللا عن النقائص .والجواب الثالث أن هذه األلفاظ من
إطالق ات أه ل الكالم و لم ي رد ش يئ منه ا ال في الكت اب وال في الس نة .والج واب الراب ع أن مع نى كونه ا
ً ً
مجمل ة احتماله ا لوجه تين مختلف تين :األولى تحتم ل حق ا واألخ رى تحتم ل ب اطال أو يق ال :إنه ا ألف اظ
مش تركة بين املعاني الص حيحة ،واملع اني الباطل ة واليمكن أن ي درك أح د معناها بنفس اللف ظ إال بعد
االستفصال واالستفسارعنه .والجواب الخامس أن الذي دعاهم إلى ذلك هوعجزهم عن مقارعة أهل
السنة في ميدان الحجة ,عندما لم يستطيعوا ذلك فلجؤوا إلى هذه الطريقة ؛ إلخفاء زيفهم عن عامة
الن اس ومتبعيهم .والج واب الس ادس أن طريق ة أه ل الس نة في التعام ل م ع ه ذه الكلم ات واض حة وه و
التوقف فيها وعن بيان معانيها فال يثبتونها وال ينفونها ؛ ألنـها لم ترد نفيها وال إثباتها في الكتاب والسنة .
ويستعملون اللفظ الشرعي املناسب للمقام و يستفصلون عن املعنى الذي تحت هذه األلفاظ ،فيرون
ً ً
إن ك ان ذل ك مع نى باطال في نزهون اهللا عن ه ويردونه ،وإن ك ان ذل ك مع نى حق ا ال يمتن ع على ذات هللا
املبحث األول
الجهة
ه ذه اللفظ ة من الكلم ات املجمل ة ويطلقه ا أه ل التعطي ل ،فم ا معناها في اللغ ة ؟ وم ا التحقي ق في تلك
التالي:
الجهة لغة :تطلق الجهة في اللغة على الوضع الذي تقصده وتتوجه إليه وكذا تطلق على الطريق ،وعلى
72العقائد الحقة ,السيد على الحسيني الصدر ,ص ,450درا الغدير ,العراق.2006 ,
ً ً
لفظ الجهة لم يرد ال في الكتاب وال في السنة ال إثباتا وال نفيا،ولذلك؛ال بد فيها من التفصيل ألن هذا
ً ً
املع نى ـ يحتم ل حق ا ويحتم ل ب اطال ،فهوهللا س بحانه وتع الى في الس ماء و العل و والفوقي ة يغني ان عن ه.
وإنما أطلق أهل التعطيل هذه اللفطة قصدا لنفي صفة العلو عن اهللا ـ عز وجل ـ .وأما التحقيق في هذه
اللفظة فهو أن يقال :إن إطالق لفظ الجهة في حق اهللا ـ سبحانه وتعـالى ـ لم ينقل عن أحد من سلف
محتمالت الجهة:
:1إما أن يراد بها جميع الجهات أي إنه موجود في كل جهة وبذاته في كل مكان وإنه ٌّ
حال في خلقه ،فإن
ذلـك منتف في حقه و ممتنع على اهللا ملاأنه يلزم منه القول بالحلول .وهو باطل البتة في حقه سبحانه
وتعالى.
:2وإما أن يراد بها جهة سفل اي إن الرب في جهة سفل ,هذا املراد باطل تماما أيضا ,فإن اهللا أعظم
وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته فهي إذا ممتنعة على هللا ومنتفية عنه خاصة عندما نقول:إن
:3وإما أن يراد بها نفي الجهة عن اهللا أي إنه ليس في جهة و ليس في مكان وهذاكما يقوله أهل التعطيل
:إن هللا ليس بداخل في العالم ،وال خارجه ،وهوليس بمتصل ،وال منفصل ،وهو ليس فـوق أي شيئ
،وال تحته .وهذا القول أيضا يمتنع على هللا وينتفي في حقه ألن نتيجة هذا القول هو وصف هللا تعالى
بالعدم املحض.
ً
:4وإما أن يراد بها أنه سبحانه في جهة علو تليق بجالله ،وعظمته من غير أن يكـون محتاجا ألحد من
خلق ه ومن غ ير إحاط ة ب ه،وه ذا املع نى ه و الص حيح ,ف إن ذل ك ح ق ث ابت ل ه دلت علي ه النصـوص
ولنعلم هنا جميعا أن معتقد أهل السنة و الجماعة في لفظ الجهة وما يشابهها هو أن هللا منزه عن
يكون متحققا والبعد في الشيئ يعني االمتداد القائم بالجسم و ال يمكننا أن نصف هللا تعالى باالمتداد
أو املقدار الستلزامه بعض املحاالت ,وأول هذه املحاالت التجزي والدليل على ذلك أنه لو تحيز في املكان
فإما يكون في األزل أو ال يكون في األزل ,ففي الصورة األولى يلزم ُ
قدم الحيز وإذا لزم ذلك فهذا يعني
ً
أن هللا تعالى يكون محال للحوادث و ذلك مستحيل ،وأيضا لهذا صورتان أخريان وهما إما أن يساوي
ً ً
هو الحيز أويكون ناقصا عنه فحينئذ يكون متناهيا و إن زا دعليه فهو يكون متجزئا والتجزئ محال في
حق اإلله.74
واتفق اهل السنة والجماعة على أن هللا تعالى ال يحويه مكان وال ُّ
يحل في مكان ،وال يسكن العرش ،و
السماء ,فهو موجود قبل املكان والعرش و السماء ،ويستحيل علىه ّ
التغي ر سواء كان ذلك من صفة
ً
موجودا في األزل بال مكان ،وبعدما خلق املكان فال يزال إلى صفة أخرى أو من حال إلى حال ،فهو كان
مكان .
ً
موجودا بال
قول ابن تيمية وابن أبي العز الحنفي في الجهة هلل تعالى واملكان من العلو والفوقية:
73أحم د محم ود ص بحي /في علم الكالم " دراس ة فلس فیة آلراء الف رق اإلس المیة في أص ول ال دین "ص / 310ط الخامس ة /دار النھض ة
العربیة ١٤٠٥ /ھـ – ١٩٨٥م.
74اإلم ام أبي الحس ن علي بن إس ماعیل األش عري /مق االت اإلس المیین واختالف املص لین ,ص /324تص حیح ھلم وت ری تر /دار النش ر
كالوس ش قارتس ف رالغ /ب رلین ١٤٢٦ /ه – ٢٠٠٠م .وطبع ة أخ ري بتحقی ق محم د محي ال دین عب د الحمی د /ط أولي /مكتب ة النھض ة
املصریة ١٣٦٩ /ھـ – ١٩٥٠م.
قد أثبت الشيخ ابن أبي العز الحنفي العلو والفوقية هلل عز وجل في كتابه بثمانية عشر دليال من القرأن
والسنة ودليل العقل والفطرة وما إلى ذلك وهذه الدالئل كلها مسوقة بالتفصيل في كتاب " منهج اإلمام
ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة من خالل شرحه للعقيدة الطحاوية" من تأليف عبدهللا ابن عبيد
ابن عباد الحافي والكتاب مطبوع من دار ابن الجوزي .75فجعل ابن أبي العز إثبات هذا مما جرى عليه
السلف الصالح وأما نحن فال نرى هذا إال اتباعا البن تيمية رحمه هللا في هذه القضية كما جرى عليه
في" الرسالة التدمرية "في ,القاعدة الثانية بكل صراحة,وقد أيده ابن العثيمين -رحمه هللا -في القواعد
املثلى ص40,وكذاذكر في كتابه "منهاج السنة النبوية" ما يثبت منه العلو والفوقية هلل تعالى وكذا قال في
موضع أخر من الكتاب ما نصه "وجمهور الخلف على أن هللا فوق العالم ".
بعض ما ذكره ابن تيمية بهذا الصدد :قال في" الرسالة التدمرية " "وكذلك يقال ملن قال :هللا في جهة،
ٌ
داخل في شيء من املخلوقات؟ فإن أردت األول؛ فهو أتريد بذلك َّأن هللا فوق العالم؟ أو تريد به َّأن هللا
ويظهر من هذه العبارة بكل صراحة أنه قائل بإ ثبات صفةالعلو والفوقية هلل تعالى وأن ذلك ضروري
إن الجهات كلها في حد ذاتها ال تقتضي الكمال وال يلزم الشأن في علو املكان ،بل عظمة الشأن تثبت في
علو القدر ،قد يكون البشر باملكان العالي واألخر يكون في املكان املنخفض وصاحب املكان العالي اليكون
ً
أعلى مرتبة بل يختص صاحب املكان املنخفض يكون أعلى منه قدرا .وهذا ما يكون مع السالطين فإن
75منهج اإلمام ابن أبي العز الحنفي وأراؤه في العقيدة في ضوء شرح العقيدة الطحاوية ,320
حرس هم يكون ون في مك ان ع ال وهم أس َ
فل منهم إال أن الس الطين أعلى منهم ق درا وش أنا فليس في عل و
الجهة وعلو املكان شأن .و املالئكة الحافون حول العرش أعلى مكانا من األنبياء الذين مستقرهم في
ً
ال دنيا األرض وفي اآلخ رة الجن ة ولكنهم أعلى ق درا من املالئك ة .فك ون املالئك ة في الجه ة العلي ا لم يكن
دليال على أنهم أكم ل من األنبي اء ب ل وال يس اوونهم ,فنس بة الجه ة واملك ان هلل تع الى مخ الف لقول ه تع الى
"ليس كمثله شيء" .وقد نقل األستاذ عبد القاهر التميمي في كتابه "الفرق بين الفرق" إجماع املسلمين
على هذا ,فقال ما نصه "وأجمعوا على أنه ال يحويه مكان وال يجري عليه زمان".
وق د نفى هللا تعالى املثلي ة من نفس ه في كتاب ه ألن املثلي ة هي املشابهة ,ف إذا ثبتت املش ابهة لم يبق اإلله
إلها كما ذكرنا وإما إثبات الجهة فهي مشابهة,وفي "شرح ملع األدلة" قال الشيخ التلمساني :وفي إثبات جهة
من الجهات مشابهة األجسام والجواهر" وتعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا.
لو قلنا بإثبات الجهة هلل تعالى فيلزم بعض املحاالت وهي:
أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه منحصر في الجهة ,فإذا انحصر كان ذلك نقصا في اإلله وهو .1
الحق سبحانه.
أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه متمكن والتمكن ال يكون إال في املكان,وفي القول بهذا تلزم .2
أن وصف هللا تعالى بالجهة يعني أنه من أجزاء العالم ألن الجهة ليست إال جزءا من هذا الكون .3
َ
املحدثين و العاملين. فوجب إثبات تعاليه عن صفات
ويتلخص األمران كالهما في نكتة واحدة وهي أن كل ذلك يلزم منه إيجاب حدوثه فإذا وجب الحدوث
زال القدم ،وه و محال على هللا تع الى ومنتفية في حقه .وق د دل على ه ذا النص وص القرأني ة الكث يرة
مم ا ت وجب تنزيه ه عن ص فات الخل ق ،واألمكن ة والجه ات .ول ذا قي ل:إن الجه ات الس ت َ
محدث ة وهي
َ
املحدث الذي أحدثه هللا تعالى.76 أوصاف للعالم
وق دقرر الفقي ه املتكلم الفخ ر بن املعلم القرش ي الدمش قي بطالن الجه ة واملك ان هلل تع الى كم ا ذك ره في
والقديمان ليس أحدهما بأولى من اآلخر ،وهذا محال وما ُي ْفضي إلى املحال فهو أيضا محال .والحدوث
أيضا يجر إلى محال وهو أن الحادث اليمكن أن يكون إلها.انتهى ملخصا.
و أم ا اس تداللهم على تع يين جه ة الف وق بح ديث الجاري ة فق د ق ال بعض العلم اء :ان الرواي ة املوافق ة
لألصول هي رواية مالك أن الرسول قال لها "أتشهدين أن ال اله اال هللا" قالت :نعم ،قال "أتشهدين أني
76اإلمام أبو حامد الغزالي /قواعد العقائد في التوحید ,ص /123دراسة نصیة للدكتور محمد عقیل بن علي املھدلي /ط الثانیة /دار
الحدیث للنشر والتوزیع القاھرة.
املبحث الثاني
هذا اللفظ أيضا من األلفاظ املجملة ومن إطالقات أهل الكـالم ،فها نحن نذكر بعض التفصيل في
معناه ،وسنبين ما يقصد أهل الكالم منه ،إضافة إلى الرد على ذلك .
املطلب األول
الحلول في اللغة:
الحلول في معاجم اللغة قد ورد بأنه مصدر من َح َّل .وله عدة معان:حل في كذا يعني ِّ اتحاد الج َ
سم ْين ِ
ُّ ُ ً ُ َأ
والتلبس به تجسده فيه، الشيء يعني ُّ
ِ الشيء في
ِ بحيث تكون اِإل شارة ِإ لى حدهما ِإ شارة ِإ لى اآلخر و ُحلول
و الحلول أيضا يأتي بمعنى النزول واإلقامة وأما الحلول الذي هو مفرد الحل فهو طريق التغلب على
مشكلة ما.77
الحلول اصطالحا:
ً
املعنى اللغوي يتجسد هنا في املعنى االصطالحي فكلمة ( حلول ) هو عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفا
لآلخرومثال ذلك حلـول املاء في الكوز بأن يكون الكوز ظرفا للماء.
77املفردات في غريب القرآن ,لألصفهاني (ص ،)454 :القاموس املحيط ,للفيروزابادي ص224 :
الحوادث لغة:
الح وادث جم ع ح ادث والح ادث اس م الفاع ل من ح دث ال ذي مص درها الح دوث .والح دوث له ا مع ان
َ ُ َ ْ َ َأ ْ ْ ُ
هور ُه ِوان ِكشاف ُه وحدوث العالمواالن ِكشاف كما يقال َ:ين َت ِظ ُرُ حدوثْ م ٍر َّما أي ظ
عدة:يأتي بمعنى الظهور ِ
محدث جاء بعد العدم وله صانع أحدثه وأوجده من العدم وليس ّ َ
العالمَ
بأزلي وهذا مصطلح يعني أن
78
يعني وجود الشيء بعد عدمه.
الحوادث اصطالحا:
الحوادث لها معنيان :األول :وهي األشياء املخلوقة التي سبقتها العدم ويسمى وجود الشيء بعد عدمه
ً ً ً
حدوثا زمانيا .والثاني:وهي األشياء املحتاجة إلى الغير ،و تسمى الحاجة إلى الغير حدوثا ذاتيا .
ً
فالحدوث الذاتي :هو أن يكون الشيء مفتقرا إلى الغير في وجوده .
حلول الحوادث باهللا ـ تعالى يعني أنها توجد في هللا وتقوم به تعالى هللا عن ذلك علوا كبيرا.
كم ا ذكرن ا أن مقص ود أه ل التعطي ل من إطالق ه ذه الكلم ات املجمل ة نفـي اتصـاف اهللا بالصـفات
االختياري ة الفعلي ة مث ل الضـحك والف رح والعجب واإلتي ان لفص ل القض اء وهي كله ا ص فات فعلي ة
املطلب الثاني
األول:أن التقسيم ثنائي وهو يفرق بين املفهومين أوال كما يفرق بين املوجودين ثانيا .واملراد باملفهومين
هو القديم والحادث وهما متقابالن وال دخل لثالث هنا .واملراد باملوجودين هللا تعالى واملخلوقات التي
الثHاني :املوضوع الذي نحن بصددها من حلول وقيام الحوادث باهلل تعالى هو من القسم الثاني الذي
79رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى ,جاد هللا بسام ,ص 17عمان ,دار النور املبين للنشر والتوزيع ,الطبعة األولى2014 ,
والح ق أن م ا يق وم ب ه الح ادث ه و ح ادث ألن الص فة تعطي حكمه ا ملوص وفها من الق دم والح دوث.
فالقديم يقوم بالقديم والحادث بالحادث.وهذا هو موقف هبة هللا التركستاني الذي يظهر بكل صراحة
اإلمام الطحاوي رحمه هللا تعالى اتخذ موقفا بأن الحوادث ال تقوم بذات هللا تعالى كما تدل عليه ألفاظه
في كتابه كقوله"قديم بال ابتداء ودائم بال انتهاء" وهذا صريح في عدم قيام الحوادث بذات هللا تعالى ألنه
س لف األم ة .وأم ا املع نى فيستفص ل عن ه والحكم بص حة الق ول وبطالن ه يتوق ف على ذل ك التفص يل,
وصوره ما يأتي:
يحدث له وصف جـديد لم يكن له ثابتا من قبل ـ فالنفي بكال املعنيين صحيح ؛ألن اهللا تعالى ال يحدث له
ً
وصف متجدد لم يكن له من قبل .وهو ليس محال ملخلوقاته و هي ليست موجودة فيه.80
إما أن يراد بنفي حلول الحوادث باهللا أن أفعاله االختيارية مثل الغضب واالسـتواء والرضا والنزول
واالتيان لفصل القضاء أي األفعال التي يفعلها متى شاء كيف شاء .فهذا النفي مردود باطل .بل يقال إن
- 80أبو حامد الغزالي /االقتصاد في االعتقاد ,صٍ / 310وضع حواشیه عبد هللا محمد الخلیلي /ط أولي /منشورات محمد علي بیضون /
دار الكتب العلمیة بیروت – لبنان ١٤٢٤ /ھـ – ٢٠٠٤م.
ما أثبت ه اهللا لنفس ه في كتابه الك ريم ،أو على لسان رس وله صـلى اهللا عليـه وس لم في األح اديث هو
ً
األول:إن هللا تعالى ليس محال للحوادث:
فال يص ّح علي ه القي ام والقع ود والحرك ة والس كون و الن وم واليقظ ة والطفول ة والكهول ة والض عف
دل علي ه الكت اب الك ريم والكالل ،والش باب والش يب ونح و ذل ك من األم ور ال تي هي حادث ة .وه ذا م ا ّ
ٌ َ َ َ َ ْأ ُ ُ
والسنة في أيات وأحاديث عديدة مثل قوله تعالى في أية الكرسي "ال ت خذ ُه ِس َنة َوال ن ْو ٌم".
ّ ُ
ودل عليه حكم العقل ,وتفصيله ّأن من لوازم هذه االمور الحادثة اإلنفعال والتأثر على من يحدث معه
ّ
،واإلنفع ال والت ّأثر من ص فة ّ
املادي ات .فاالنفع ال ممتن ع علي ذات هللا تع الى ألن ه ليس ّ
مادي ا فال يك ون
ً
منفعال أو ّ ً
متغيرا. محال للحوادث وال يكون
ُ
وكذا تلك االمور عوارض مخلوقة حادثة ومن املستحيل أن ّيتصف الخالق القديم بالصفات املخلوقة
ّ
والل ه تعالى ّ
منزه عن الجسمية .فال تكون الحوادث عارضة ذاتا وكذا تلك الحوادث من لوازم الجسم
81أبو حامد الغزالي /املقصد األسنى في شرح أسماء هللا الحسنى ,/صٍ 210تحقیق فضلھ شماده /دار املشرق /بیروت – لبنان.وطبعة
أخري بتحقیق محمد عثمان الخشت /مكتبة القرآن .وطبعة أخري تحقیق عبد الوھاب الجابي /ط أولي /قبرص ١٤٠٧ /ھـ – ١٩٨٧م.
ً ً
فغاية الغضب مثال العقاب والعذاب وغاية الرضا مثال اإلكرام واإلحسان ،كما يكون «آسفونا» بمثل
معنى «آسفوا أولياءنا» وغير ذلك من التأويالت التي تناسب شأنه تعالى.
ّ ّ
الثاني:أنه تعالى ال ّ
يحل في غيره ،وال يتحد مع غيره:
ّ
واإلتحاد.فكالهما باطالن شرعا ملا ّ ّ
الضالة ّ ،
تقدم وعب روا عنه بالحلول وهذا كما زعمته بعض الفرق
ً
من تنزيه الخالق عن ذلك وكذلك هما باطالن عقال ملا يلي :
الحالة الثانية:
ّ
وإن لم يبقي ا بع د اتحادهم ا موج ودين ب ل ع دم أح دهما وبقي اآلخرفالنتيج ة ظ اهرة ب أن املع دوم ال
ّ ّ ّيتحد مع املوجود .فلم ّ
يتحقق أي اتحاد بينهما ،فاإلتحاد محال في نفسه ،فكيف يمكن إثباته في الخالق؟
املطلب الثالث
موقف ابن تيمية و ابن أبي العزفي قيام الحوادث بذات هللا تعالى
أم ا ق ول ابن تيمية بقي ام الح وادث ب ذات هللا تع الى فق د ذك ره في مواض ع ع دة منها ماقال في املنه اج م ا
نصه "فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث واألعراض فما الدليل على بطالن قولنا؟."82
وقال في املنهاج أيضا ما نصه "فإن قلتم لنا :فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب ،قلنا لكم :نعم وهذا قولنا
ومعنى قوله قيام الحوادث بذات هللا فهو أنه يعتقد أن هللا تعالى متصف بالحركة والسكون الحادثين
وتقوم به الحركة والسكون .ومن هنا يتضح قول الحافظ تقي الدين السبكي وغيره" أنه -أي ابن تيمية-
الكرامية ً ً
حادث ا" .وليس معه في هذه القضية إال املجسمة وقد اتبع ّ ً
شبرا قديما والقديم جعل الحادث
بش بر .ومن ض الالت الكرامي ة أن معب ودهم مح ل الح وادث وتح دث ذل ك في أقوال ه وإرادته و ذات ه
وإدراكه.
وهذه القضية لها عالقة باملسائل الكبرى وهي أن هللا تعالى جسم ألن الحوادث ال تقوم إال بالجسم.فكذا
قال ابن أبي العز في شرحه ما نصه" وحلول الحوادث بالرب تعالى املنفي في علم الكالم املذموم لم يرد
نفيه في كتاب وال سنة" .ويتضح من هذه العبارة أن الكالم الذي نفى حلول الحوادث باهلل تعالى هو
82رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى ,جاد هللا بسام40 ,عمان ,دار النور املبين للنشر والتوزيع ,الطبعة األولى2014 ,
83رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى ,جاد هللا بسام9 ,عمان ,دار النور املبين للنشر والتوزيع ,الطبعة األولى2014 ,
من علم الكالم املذموم-الس مح هللا ذل ك -ومن األم ور العجيب ة ال تي توق ع في الورط ة والح يرة ه و أن
الشيخ أحمد شاكرقد حقق شرح ابن أبي العز وذكر قوله هذا على الصفحة رقم 70إال أنه مر مرور
ك رام دون أن يكتب عن ه ش يئا نفي ا أو إثبات او تأيي دا أو إنك ارا ,وإن ه ذا لش يئ عج اب .ويق ول الش يخ
السيد املرتضى الزبيدي في شرحه لإلحياء"إن ابن أبي العز جازف وتجاوز الحدود".84
84رسالة في بطالن قيام الحوادث بذات هللا تعالى ,جاد هللا بسام ,ص 12عمان ,دار النور املبين للنشر والتوزيع ,الطبعة األولى2014 ,