You are on page 1of 14

‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫التنمية في إفريقيا بين المنظورين اإلسالمي والغربي‬

‫‪Development in Africa between Islamic and Western‬‬


‫‪perspectives‬‬
‫د‪.‬السيد علي أبوفرحة‬

‫كلية السياسة واالقتصاد‪ -‬جامعة بني سويف‬

‫المستلخص‪:‬‬

‫تمثل الدراسة محاولة لعرض االفتراضات األساسية الكامنة وراء التنمية من منظور إسالمي وتبحث بإيجاز‬
‫بعض األساليب الغربية للتنمية ألغراض المقارنة‪ .‬حيث ترى الدراسة أن المنظور الغربي للتنمية فشل في فهم‬
‫طبيعة اإلنسان ككائن مادي وغير مادي‪ .‬ولكن من منظور إسالمي‪ ،‬ينظر إلى التنمية على أنها عملية متكاملة‬
‫تتضمن عمليات بناء طبيعة متوازنة للحياة االجتماعية والبيئية واالقتصادية والروحانية‪ .‬وذلك ألنها مساعي‬
‫بشرية هادفة تهدف إلى تحقيق منافع مادية واضحة‪ ،‬ومنافع اجتماعية حقيقية‪ ،‬ورضا روحي على أساس مبدأ‬
‫وحدانية هللا (التوحيد)‪ .‬وبالتالي فإن التنمية هي عملية عالقات ثالثية‪ ،‬أي العالقات بين اإلنسان وهللا‪ ،‬واإلنسان‬
‫واإلنسان‪ ،‬وبين اإلنسان والطبيعة (البيئة)‪.‬‬

‫‪Abstract:‬‬

‫‪The study represents an attempt to present the basic assumptions underlying‬‬


‫‪development from an Islamic perspective and briefly examines some Western‬‬
‫‪methods of development for comparative purposes.‬‬

‫‪26‬‬
2021 ‫ يناير‬- ‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع‬

Where the study sees that the Western perspective of development fails to
understand the nature of the human as a material and immaterial being .But from
an Islamic perspective, however, development is seen as an integrated process
that includes processes of building a balanced nature of social, environmental,
economic and spiritual life.

This is because It is purposeful human endeavors aimed at achieving clear


material benefits, real social benefits, and spiritual satisfaction based on the
principle of the oneness of God (monotheism).

Thus development is a process of triangular relationships, that is, the


relationships between man and God, man and man, and between man and nature
(the environment).

‫ حيث يجادل البعض بأنه يتم تحقيق ذلك من خالل التغيير االقتصادي من‬،‫يعد مصطلح التنمية غامض‬
‫ بينما يرى آخرون أنه تغيير اجتماعي بسبب التحضر من خالل تبني أسلوب الحياة‬.‫خالل عملية التحديث‬
‫ بما أن اإلسالم هو جسم موحد من الجوانب الروحية‬.‫ كل ذلك تمت مناقشته من المنظور الغربي‬،‫الحديث‬
‫ فال يمكن قبول هذا المفهوم الغربي للتنمية لفهم التنمية من منظور‬،‫والزمنية على أساس الوحدة التوح يدية‬
.‫كليا على وجهة النظر اإلسالمية‬
ً ‫ فإن األمر يتطلب إعادة تعريف مصطلح التنمية الذي يقوم‬،‫ ومن ثم‬.‫إسالمي‬
‫ من المفيد فهم أفكار بعض المفكرين المسلمين حول موضوع التنمية والتغيير‬،‫لفهم ماهية التطور في اإلسالم‬
.‫والتقدم‬

‫ استهالل مفاهيمي‬:‫حقيقة التنمية‬

27
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫يعد مفهوم التنمية ‪ Development‬من أبرز المفاهيم العالمية التي تم اعتمادها منذ منتصف القرن‬
‫العشرين‪ ،‬وفًقا للخبرة الغربية‪" ،‬األورو‪-‬أمريكية"‪ ،‬كمدخل تأسيسي ُم ِّحمل بدالالت قيمية للحديث عن عملية بناء‬
‫نموذجا للكمال‬
‫ً‬ ‫نظم اقتصادية وسياسية متماسكة وفًقا لمعايير ثقافية خاصة جعلت من المنطلقات الغربية‬
‫اإلنساني‪ ،‬تسعى الدول المتقدمة من منظور المركزية األوربية ووريثتها األمريكية‪ ،‬إلى فرضه باعتباره النموذج‬
‫شكليا‪ ،‬مع النمط الغربي للحياة‪.‬‬
‫األولى بالتطبيق لكل من أراد االرتقاء بشرًيا ليتشابه‪ ،‬ولو ً‬

‫تنظير وتطبيًقا‪ ،‬بصورة أساسية‪ ،‬إلى واجهة المشهد السياسي‪/‬االقتصادي الدولي‪ ،‬منذ‬
‫ًا‬ ‫وقد برز مفهوم التنمية‬
‫حقبة الحرب العالمية الثانية‪ ،‬حيث لم يكن هذا المفهوم ُيستعمل منذ ظهوره في الربع األخير من القرن الثامن‬
‫عشر على يد اآلباء المؤسسين لعلم االقتصاد الغربي وعلى رأسهم االقتصادي البريطاني البارز آدم سميث‪،‬‬

‫إال على سبيل االستثناء‪ ،‬ليزيح هذا المفهوم عدة مفاهيم رئيسة كانت تستخدم في ذات السياق االرتقائي‬
‫التطوري‪ ،‬أهمها؛ التقدم المادي ‪ ،Material Progress‬والتقدم االقتصادي ‪،Economic Progress‬‬
‫والتحديث ‪ ،Modernization‬والتصنيع ‪.Industrialization‬‬

‫ويمكن القول؛ إن علم االقتصاد كان بمثابة األب الشرعي لمفهوم التنمية‪ ،‬وفًقا للمنظور الغربي‪ ،‬حيث ولد‬
‫المفهوم من رحمه للداللة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات "الجذرية" في مجتمع معين؛ بهدف إكساب‬
‫ذلك المجتمع القدرة ع لى التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده‪،‬‬
‫بمعنى زيادة قدرة المجتمع على االستجابة للحاجات األساسية والحاجات المتزايدة ألعضائه؛ بالصورة التي تكفل‬
‫زيادة درجات إشباع تلك الحاجات؛ عن طريق الترشيد المستمر الستغالل الموارد االقتصادية المتاحة‪ ،‬وحسن‬
‫توزيع عائد ذلك االستغالل‪ ،‬بما يشكل جوهر الفلسفة الرأسمالية الغربية بأطرها التطبيقية المختلفة‪.‬‬

‫وهنا يكمن التمايز الفلسفي القيمي للتنمية بين المنظورين الغربي واإلسالمي‪ ،‬فاالقتراب اإلسالمي لمفهوم‬
‫ون ُم ًّوا ‪ ،‬فهو نامٍ‪ ،‬بمعنى الزيادة‬
‫نماءا ُ‬
‫‪ً ،‬‬ ‫التنمية ينطلق من لفظته البنيوية المشتقة من الفعلين؛ "نما"‪َ ،‬ينمو‪ْ ،‬ان ُم‬
‫والوفرة‪ ،‬ومن ثم فالتنمية من المنظور‬ ‫ونماءا ونمية‪ ،‬بمعنى الزيادة والكثرة‬
‫ً‬ ‫نميا‬
‫و"نمى"‪ ،‬ينمي‪ً ،‬‬‫واالنتشار‪ِّ ،‬‬
‫اإلسالمي ذاتية تدرجية نابعة من ذات الشئ وكينونته‪ ،‬بما يحمل بين طياته احت ار ًما للخصوصيات واعت ارًفا‬

‫‪28‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫بحقيقة االختالف والتعدد التي ب أر هللا الكون عليها‪ ،‬بخالف المنظور الغربي القائم على التغيير الجذري‪ ،‬الذي‬
‫بناءا على رؤية المتدخل الغالب أو المهيمن‪.‬‬
‫هو تدخل جراحي خارجي للتغيير ً‬

‫ولعل ما يبرز هذا المعنى ويؤكده‪ ،‬انتقال مفهوم التنمية من حاضنته االقتصادية إلى حقل السياسة‪ ،‬من ذ‬
‫النصف الثاني من القرن المنصرم‪ ،‬حيث ظهر كحقل علمي بيني مستقل يعنى بتطوير وتحديث البلدان "غير‬
‫األوروبية" نحو الديمقراطية‪ ،‬حيث باتت التنمية بمفهومها السياسي تعني "عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب‪،‬‬
‫غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية‪/‬الغربية"‪ ،‬وهو منظور استعالئي يدعي التميز والفوقية وينفي التعدد‬
‫والخصوصية التي يراعيها ويؤكد عليها المفهوم اإلسالمي للتنمية‪.‬‬

‫وبشكل عام‪ ،‬يتسم المفهوم الغربي للتنمية بعدة سمات جوهرية تمثل لب الفلسفة الرأسمالية بتطوراتها العولمية‬
‫الراهنة؛ تتمثل في(‪:)1‬‬

‫‪ ‬غلبة الطابع المادي على الحياة اإلنسانية‪ ،‬حيث تقاس مستويات التنمية المختلفة بالمؤشرات‬
‫المادية البحتة‪.‬‬
‫‪ ‬نفي وجود مصدر للمعرفة مستقل عن المصدر البشري المبني على الواقع المشاهد والمحسوس؛‬
‫أي بعبارة أخرى إسقاط فكرة الخالق من دائرة االعتبارات العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬إن تطور المجتمعات البشرية يسير في خط متصاعد يتكون من مراحل متتابعة‪ ،‬كل مرحلة أعلى‬
‫نموذجا للمجتمعات األخرى ويجب عليها‬
‫ً‬ ‫من السابقة‪ ،‬وذلك انطال ًقا من اعتبار المجتمع األوروبي‬
‫محاولة اللحاق به‪.‬‬
‫إن مفهوم التنمية في المنظور اإلسالمي ُيعبر عن الزيادة المرتبطة بالطهارة والبركة وأجر اآلخرة‪ ،‬وإن لم‬
‫يتجاهل مع هذا "الحياة الطيبة" في الدنيا‪ ،‬تنمية اإلنسان‪ ،‬وتنمية العمران‪ ،‬في حين يجنح مفهوم‬
‫‪ Development‬إلى البعد الدنيوي الخالص‪ ،‬دون أي مقومات روحية أخروية‪ ،‬من خالل تنميط المجتمعات‬
‫وفًقا لمؤشرات مادية في مجملها‪ ،‬جلها اقتصادي‪ ،‬حتى ولو تسربل بنكهة إنسانية زائفة‪ ،‬من خالل تكميم‬
‫المجتمعات اإلنسانية وتحويلها إلى جملة من األرقام واإلحصاءات‪ ،‬تخلو من أي روح إنسانية‪ ،‬تهتم بالنجاح‬

‫‪29‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫مدمر للبيئة ولنسيج المجتمع‪ ،‬وتؤكد على التنظيم االجتماعي ولو أدى إلى سحق وتهميش‬
‫ًا‬ ‫التقني ولو كان‬
‫اآلخر؛ الثقافي والحضاري‪.‬‬

‫ومن ذلك يمكن القول إن جوهر التنمية في المفهوم اإلسالمي‪ ،‬ذو وجهين؛ أولهما‪ :‬هو تنمية اإلنسان نفسه‪،‬‬
‫وليس مجرد تنمية الموارد االقتصادية المتاحة إلشباع حاجاته‪ ،‬ومن ثم هي تنمية قيمية تهدف إلى تكوين‬
‫اإلنسان الصالح‪ ،‬خليفة هللا في األرض‪ ،‬الذي يشكل نواة المجتمع اإليماني القويم‪،‬‬

‫والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق االستخالف في األرض‪ ،‬التي سيحاسب عليها أمام هللا تعالى‪،‬‬
‫الصا‪،‬‬
‫دنيويا خ ً‬
‫ً‬ ‫وثانيهما‪ :‬يتمثل في العمران‪ ،‬وهو الجانب المادي الحضاري للتنمية‪ ،‬والذي يتجاوز كونه عمالً‬
‫وطلبا آلخرته كذلك‪.‬‬
‫تعبديا فيه طاعة هلل عز وجل ً‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫ألن يصبح في األخير عم ً‬

‫التنمية بين مقتربات التحديث والتبعية‬

‫على المستوى األكاديمي التنظيري في المجتمع البحثي ثمة مادة ثرية للنقاش والجدل العلمي حول مقتربات‬
‫التنمية الرئيسة ‪ Development Approaches‬التي سادت في المنظومة الدولية منذ ما بعد انتهاء الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬منتصف القرن الفائت‪ ،‬وفي هذا اإلطار ثمة اتجاهان نظريان لتفسير ظاهرتي التنمية والتخلف‬
‫اتيا العتبارات الحاضنة األيديولوجية لكل منهما‪،‬‬
‫منهجيا وأدو ً‬
‫ً‬ ‫في المجتمعات اإلنسانية الحديثة(‪ ،)2‬يتنافران‬
‫يندرجان تحت عنوانين جامعين؛ هما‪ :‬التحديث ‪ Modernization‬والتبعية ‪ Dependency‬وقد يكون‬
‫االتجاه الثاني ردة فعل باألساس على مقوالت االتجاه األول‪ ،‬والتي نبتت في سياق التفسيرات الليبرالية الغربية‬
‫للتنمية المجتمعية‪ ،‬وربطها بسياقات قيمية الفتة‪ ،‬تعتمد على خطاب ومقوالت المركزية األورو‪-‬أمريكية السائدة‬
‫خالل المائة عام الماضية‪.‬‬

‫تستند نظريات التحديث إلى التصنيفات الثنائية الكبرى والتي ظهرت في القرن الماضي‪ ،‬ال سيما ثنائية‬
‫األلماني تونيز ‪ Tonnies‬والفرنسي دور كايم ‪ ، Durkheim‬التي قسمت المجتمعات وعناصرها البيئية‬
‫واالجتماعية إلى مجتمعات حديثة ‪ Modern‬وأخرى تقليدية ‪ ،Traditional‬انتظمت تحتها مؤشرات‬

‫‪30‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫ديموجرافية واقتصادية وتكنولوجية وسياسية وقيمية وثقافية عدة(‪ ، )3‬تم اعتمادها كأساس لهذا التصنيف على‬
‫الدول والمجتمعات اإلنسانية‪ ،‬وقد نشأ وتطور االتجاه التحديثي للتنمية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين‬
‫على يد عدد من علماء االجتماع واالقتصاد األمريكيين؛ أبرزهم تالكوت بارسونز ‪.Talcott Parsons‬‬

‫وتتلخص مقوالت نظريات التحديث في إعطاء أهمية كبيرة للجوانب السوسيولوجية والسيكولوجية واالقتصادية‬
‫في التنمية‪ ،‬مع التأكيد على أنظمة القيم والدوافع الفردية وتراكم رأس المال كشروط الزمة للتغير االجتماعي‬
‫والتحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث‪ ،‬وفًقا لمؤشرات التصنيع والتحضر والحريات الفردية واقتصاد‬
‫السوق وتشجيع القطاع الخاص وبناء المجتمع المدني‪ ،‬ومن ثم فإن انتشار خصائص التحديث‪ ،‬والتي تمتاز‬
‫بها المجتمعات الغربية المتقدمة‪ ،‬وانتقالها إلى البلدان النامية‪ ،‬هو شرط لحصول تلك الدول على الفرصة‬
‫المناسبة للتحول إلى مجتمعات حديثة واللحاق بركب الحداثة الغربية‪،‬‬

‫كل ذلك في سياق سياسي يقوم على المشاركة الشعبية في الحكم واستبدال أنماط السلطة التقليدية بنظام‬
‫عقالني قانوني وإيجاد حكومات وطنية قائمة على االنتخابات البرلمانية كضمانة لتداول السلطة وتمثيل كافة‬
‫أطياف المجتمع(‪.)4‬‬

‫أما نظريات التبعية‪ ،‬فقد انطلقت من سياقات بحثية وفكرية في أمريكا الالتينية خالل ستينيات القرن العشرين‪،‬‬
‫قبل أن تنتقل إلى فعاليات بحثية وأكاديمية وفكرية في أوروبا والواليات المتحدة األمريكية ودول أخرى‪ ،‬كردة‬
‫فعل ونتيجة منطقية لعدم نجاح نموذج نظريات التحديث في تقديم تفسير حقيقي كاشف لظاهرة التخلف في‬
‫دول العالم الثالث‪ ،‬حيث حاولت دراسات التنمية القائمة على المدخل التحديثي أن تبرهن على أن التخلف ه و‬
‫حالة ذاتية متأصلة في تلك الدول‪ ،‬ناتجة عن طبيعة البنى االجتماعية فيها‪ ،‬ولم تنتج عن االستعمار‪ ،‬بل هي‬
‫موجودة قبل االستعمار ومستمرة بعده كذلك‪ ،‬ومن ثم فقد جاءت اقترابات التبعية كردة فعل على مقوالت‬
‫وأطروحات اقترابات التحديث‪.‬‬

‫وتنطلق مقوالت مقتربات التبعية من فرضية مفادها أن حالة التخلف وما ينتج عنها من إشكاليات وأزمات‬
‫نموا‪ ،‬هي باألساس إحدى منتجات الحقبة االستعمارية‪ ،‬تفسر حالة التخلف االقتصادي‬
‫في الدول المتخلفة واألقل ً‬
‫‪31‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫والسياسي من منطلق الظروف التاريخية التي مرت بها بلدان العالم الثالث‪ ،‬ووقوعها تحت السيطرة االستعمارية‬
‫للنظام الرأسمالي العالمي‪،‬‬

‫كما أنها تعتبر أن هناك عالقة جدلية بين التنمية والتخلف‪ ،‬وبين الحداثة والتقليدية‪ ،‬وبين مختلف الظواهر‬
‫بشكل عام‪ ،‬بمعنى آخر؛ اعتبرت مقوالت التبعية أن التنمية التي حدثت في العالم الرأسمالي المتقدم كانت على‬
‫حساب الدول المستعمرة‪ ،‬وأن الوجه اآلخر لتلك التنمية هو تخلف دول العالم الثالث‪ ،‬ووقوعها في براثن التبعية‬
‫والسيطرة الرأسمالية(‪.)5‬‬

‫وفًقا لذلك االقتراب‪ ،‬فإن الدول الغربية‪ ،‬دول المركز‪ ،‬تمارس هيمنتها على الدول غير المركزية‪ ،‬الدول‬
‫اقتصاديا‪ ،‬أو من خالل المؤسسات المالية‬
‫ً‬ ‫سياسيا وعسكرًيا و‬
‫ً‬ ‫األطراف‪ ،‬سواء من خالل حكوماتها التابعة‪،‬‬
‫العالمية‪ ،‬التي تعد بمثابة األذرع المالية للقوى الغربية المهيمنة‪ ،‬مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما‬
‫من المنظمات وكذلك الشركات المتعددة الجنسية‪ ،‬التي تعمل باتجاه تعطيل اإلرادة الوطنية للدول التابعة وفقدانها‬
‫لشروط إعادة تكوين ذاتها والتوجه نحو التقدم والخروج من براثن التخلف والتبعة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى استمرار‬
‫وديمومة سيطرة الدول المتقدمة على الدول النامية‪ ،‬وإبقاء األخيرة في دائرة التبعية للهيمنة الغربية(‪ ،)6‬وهو ما‬
‫يثير التساؤالت بشأن مدى قدرة الدول غير الغربية على إنتاج نموذجها التنموي الخاص والمستقل والمتسق مع‬
‫أطرها القيمية والثقافية والحضارية‪.‬‬

‫إشكالية بنيوية‪ :‬بين االعتمادية والذاتية‬

‫ثمة جدل أكاديمي محتدم بشأن التنظير االقتصادي لجدوى اعتماد ِّ‬
‫الدول اإلفريقية في تحقيق التنمية‬
‫الدعم الخارجي متمثالً في المساعدات األجنبية‬
‫المستدامة ‪ Sustainable Development‬اعتماداً على ِّ‬
‫المنظمات والهيئات والكيانات االقتصادية المختلفة‪ ،‬وسواء‬
‫ِّ‬ ‫الدول أو على مستوى‬
‫اإلنمائية‪ ،‬سواء على مستوى ِّ‬
‫الميسرة آلجال‬
‫ِّ‬ ‫أخذت هذه المساعدات شكل المنح والهبات النقدية أو العينية أو الفنية‪ ،‬أو أخذت شكل القروض‬
‫حدة ذل ك الجدل ما إذا كانت تلك المعونات مشروطة أو‬‫يخفف ِّ‬‫الم َديين المتوسط والطويل‪ .‬وال ِّ‬
‫ممتدة ما بين َ‬
‫غير مشروطة‪ ،‬في إطار ثنائي أو في إطار جماعي‪ ،‬إقليمي أو دولي‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫وفي هذا اإلطار؛ توجد مدرستان متضادتان في رؤيتيهما لجدوى االعتماد على ِّ‬
‫الدعم الخارجي في‬

‫استراتيجيات التنمية؛ أوالهما‪ :‬ترى أن دور الداعم الخارجي‪ ،‬المانح أو المساعد أو المقرض أو حتى الم ِّ‬
‫درب‬
‫والمشرف‪ ،‬في إطار إيجابي محض‪ ،‬قد ينحو إلى المثالية السياسية‪ ،‬وتستند هذه المدرسة إلى ما ُيعرف بـ‬
‫المكمل»‪ ،‬والثانية ‪ :‬تنظر إلى الدور الخارجي في إطار سلبي‪ ،‬استنادًا لمقتضيات الواقع المنظور‬
‫ِّ‬ ‫«نظرية‬
‫وممارساته‪ ،‬وتبني هذه المدرسة رؤيتها السلبية تلك على ما ُيعرف بـ «نظرية البديل»‪.‬‬

‫كمل " باألساس على اعتبار أن الدور الخارجي في التنمية المستدامة ذو أثر إيجابي في‬
‫الم ّ‬‫وتنهض "نظرية ُ‬
‫محلية للدول‬ ‫المتلقية والممنوحة؛ حيث يؤدي الخارج دو اًر مهمًا ورئيسًا في ِ‬
‫سد عجز الموارد ال ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اقتصاديات الدول‬
‫النمو المرغوبة أو المبتغاة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فاالعتماد على الخارج‬
‫النامية‪ ،‬والتي دائمًا ما تعجز عن تحقيق معدالت ِّ‬
‫ال غضاضة فيه كبداية للنهضة‪ ،‬والوصول إلى االعتمادية الذاتية للتنمية المستدامة في األجل الطويل(‪.)7‬‬

‫مكمل» ‪ ،‬حيث تتركز المقولة الرئيسة لهذه‬


‫في حين تقوم " نظرية البديل" على فرضية مضادة لـ «نظرية ال ِّ‬
‫المحلية في الدول‬
‫ِّ‬ ‫النظرية على فرضية أن االعتماد على الدور الخارجي ُيعد بمثابة البديل المريح للموارد‬
‫المحلية‪ ،‬كما يؤدي إلى زيادة‬
‫ِّ‬ ‫المدخرات‬
‫المتلقية؛ حيث يؤثر ذلك البديل الجاهز والمتوافر سلباً في تكوين ِّ‬
‫ِّ‬
‫المتلقية فيما ال طائل من ورائه‪ ،‬كما ينتهي في األخير إلى عدم الكفاءة‬
‫ِّ‬ ‫النفقات االستهالكية للحكومات‬
‫المتلقية‪ ،‬ما يعني في نهاية األمر‬
‫ِّ‬ ‫االقتصادية‪ ،‬بما ُيحدثه من تطبيق لبرامج تقنية وإدارية غير مناسبة للدول‬
‫عدم القدرة على تحقيق التنمية الحقيقية المنشودة التي تقوم على االستدامة وتوطين التنمية(‪.)8‬‬

‫كمل" و"اإلرادة القومية"‬ ‫ِ‬


‫الم ّ‬
‫الو ْهم والصفرية‪" :‬نظرية ُ‬
‫بين َ‬

‫المكمل" في‬
‫ِّ‬ ‫مثل المناخ المناسب لسيادة "نظرية‬
‫ولعل واقع العالقات الدولية ِّإبان حقبة الحرب الباردة‪ ،‬قد ِّ‬
‫إفريقيا خالل عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي‪ ،‬حيث كانت هذه النظرية هي اإلطار الرئيس‬
‫لفلسفة عالقات ما ُيعرف بالتعاون بين الدول اإلفريقية من جهة والدول الغربية المستعمرة السابقة للقارة من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬بيد أن العيوب الجوهرية في تلك النظرية وعدم اضطالعها باإلجابة عن كثير من التساؤالت بشأن‬
‫تحقيق التنمية المستدامة‪ ،‬وعدم جدواها التنموية في األجلين المتوسط والبعيد‪ ،‬على الرغم من مرور عقود طويلة‬

‫‪33‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫وتطور "نظرية البديل" بوصفها مناقضًا لجوهر ما قامت عليه "نظرية‬


‫ِّ‬ ‫خلت‪ ،‬قد ساهمت بشكل كبير في بروز‬
‫المكمل"‪ ،‬ومن ثم جاءت في سياق التحذير من استمرار اعتمادية الدول اإلفريقية على مساعدات الدول الكبرى‬
‫ِّ‬
‫اإلقليمية والدولية‪ ،‬وأذرعها االقتصادية الدولية من منظمات وهيئات مانحة ومقرضة(‪ ،)9‬هذا من الناحية‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫أما من الناحية السياسية؛ فثمة إطار آخر للتحليل ينبغي االلتفات إليه ووضعه في الحسبان عند الحديث‬
‫المكمل»‪ ،‬أال وهو «سببية المساعدة»‪ ،‬أو لماذا تتبارى القوى الكبرى وأذرعها االقتصادية والمالية‬
‫ِّ‬ ‫عن «نظرية‬
‫الدعم المالي والفني لدول القارة السمراء؟‬
‫الدولية في تقديم المساعدات و ِّ‬

‫وهنا تبرز «نظرية المباريات» ‪ Game Theory‬بوصفها إطا اًر تفسيريًا لإلجابة عن تساؤالت الدوافع‬
‫واألهداف المتعلقة بحرص الخارج ‪ -‬غير اإلفريقي ‪ -‬على تقديم المساعدات اإلنمائية للقارة‪ ،‬فقد اعتبر بعض‬
‫الباحثين االقتصاديين‪ ،‬ومنهم األمريكي «توماس شيلينج» ‪ ،Thomas Cr. Schelling‬في تحليلهم لنوعية‬
‫المتلقي) من الدول‪ ،‬إلى صيغة المباريات غير الصفرية ‪non zero-sum‬‬
‫العالقات التي تنشأ بين (المانح و ِّ‬
‫المتلقية ليست عالقة صفرية‪ ،‬طرف يمنح العتبارات‬
‫ِّ‬ ‫‪ ،games‬والتي تعني أن عالقة الدول المانحة بالدول‬
‫إنسانية مزعومة‪ ،‬وطرف َّ‬
‫يتلقى إلحداث الفارق في بنيته التنموية فحسب‪ ،‬وإنما هي عالقة تبادل منافع‪ ،‬أو‬
‫ويتلقى‪ ،‬ولكن االختالف‬
‫مقايضة شيء بشيء آخر‪ ،‬أي عالقة تحكمها المصالح بشكل رئيس‪ ،‬كال الطرفين يمنح ِّ‬
‫بينهما يكون في الكيف والنوع (‪.)10‬‬

‫المتلقي»‬
‫ِّ‬ ‫وقد خلص ديفيد بيم ‪ David Beim‬في تحليله للعالقات الدولية القائمة على ثنائية «المانح ‪-‬‬
‫لمتلقية‪،‬‬ ‫تحقق للدول المانحة عددًا من األهداف والمكاسب‪ ،‬تفوق ما ِّ‬
‫تحققه الدول ا ِّ‬ ‫إلى أن المساعدات الخارجية ِّ‬
‫يصب ‪ -‬في األخير ‪ -‬في مصلحة الدول المانحة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تحقق من األهداف إال ما‬
‫والتي ال ِّ‬

‫ويمكن تلخيص أبرز ما تحصل عليه الدول المانحة عبر بوابة المساعدات اإلنمائية في أربع نقاط رئيسة‪،‬‬
‫تتضح بجالء في ضوء خبرة التنافس (األمريكي – السوفييتي) ِّإبان حقبة الحرب الباردة(‪:)11‬‬

‫‪34‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫ويعد هذا الدافع‬


‫بالمتلقي‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫وتوطد عالقة المانح‬
‫ِّ‬ ‫‪ ‬المساعدات الخارجية تؤدي إلى نشأة عالقة صداقة‪،‬‬
‫هو األوضح واألكثر مباشرة‪ ،‬على الرغم من أنه ال ُيعد هو األهم على اإلطالق لبسط النفوذ؛ ولهذا‬
‫ُيشار إلى هذا الدافع على أنه دافع تكتيكي وليس دافعًا استراتيجيًا‪ ،‬حيث إنه ال يضمن بالضرورة‬
‫استمرار عالقة الصداقة على المدى البعيد‪.‬‬
‫المتلقية‪ ،‬باعتبارها جهاز التنفس‬
‫ِّ‬ ‫وبتطور األمر تصبح المساعدات األجنبية ال غنى عنها للدول‬
‫ِّ‬ ‫‪‬‬
‫االصطناعي الذي يضخ األموال والهبات القتصادها الهش العليل‪ ،‬ومن ثم تغدو خاضعة لسيطرة الدول‬
‫المانحة‪ ،‬ومعتمدة عليها بشكل كبير‪ ،‬على نحو تصبح معه تلك الدول أسيرة الوعد باستمرار المساعدات‪،‬‬
‫طيعة للدول المانحة‪،‬‬
‫والتهديد بقطعها‪ ،‬في إطار سياسة «العصا والجزرة»‪ ،‬واألكثر من ذلك أنها تجعلها ِّ‬
‫ماسة بسيادتها واستقاللها الوطني‪.‬‬
‫وسهلة االنقياد ألي اتفاقيات ثنائية مع الدولة المانحة مهما كانت ِّ‬
‫صنف ضمن األهداف التكتيكة أو االستراتيجية‪ ،‬فلو أن الدولة المانحة قامت‬‫‪ ‬وهذا الهدف يمكن أن ُي ِّ‬
‫معين‪ ،‬أشبه ما يكون‬
‫ملح‪ ،‬مقابل تنازل ِّ‬
‫المتلقية بشكل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫بتقديم مساعدة أو منحة تحتاج إليها الدولة‬
‫بالرشوة‪ ،‬فإن الهدف في هذه الحالة يكون تكتيكيًا‪ ،‬أما حين يتم استخدام أداة المعونات والمساعدات‬
‫المتلقية الختراق‬
‫ِّ‬ ‫لخدمة هدف استراتيجي؛ فإن الدولة المانحة هنا‪ ،‬على األرجح‪ ،‬تحاول جذب الدولة‬
‫المتلقية باقتصاد الدولة المانحة‪ ،‬وفي‬
‫ِّ‬ ‫نظامها االقتصادي‪ ،‬وإقامة عالقات قوية تربط اقتصاد الدولة‬
‫المتلقية‬
‫ِّ‬ ‫مثل هذه الحالة ال بد أن تكون المساعدات مغرية وكبيرة الحجم‪ ،‬حتى تنجح في ربط الدولة‬
‫لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬في قطاع الصناعات الثقيلة‪،‬‬
‫تركز الدولة المانحة‪ِّ ،‬‬
‫بالدولة المانحة‪ ،‬وغالبًا ما ِّ‬
‫وتنطلق منه إلى إبرام اتفاقات تجارية‪ ،‬وإطالق مبادرات تبادل ثقافي‪ ،‬من أجل ارتباط أكبر من ِقبل‬
‫كل المستويات‪.‬‬‫الدولة المتل ِّقية بالدولة المانحة على ِّ‬
‫‪ ‬كذلك فإن المساعدات األجنبية قد ِ‬
‫توجد حليفًا «أيديولوجيًا» على المدى البعيد‪ ،‬أو ما يمكن وصفه‬
‫بالحليف «االستراتيجي» في مرحلة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬إذا ما افترضنا تراجع التحليل األيديولوجي‬
‫للعالقات الدولية الراهنة في ظل تنامي استحقاقات العولمة‪ ،‬واألحادية القطبية أو شبه األحادية‪ ،‬في‬
‫النظام الدولي ما بعد انهيار االتحاد السوفييتي السابق‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫‪ ‬وأخي ًار؛ قد تنعكس المساعدات الخارجية على الدول المانحة بفوائد عسكرية‪ ،‬مع مالحظة أن تلك الفوائد‬
‫المتلقية للمعونة‪ ،‬بمعنى إنه قد تق ِِّدم دولة‬
‫ِّ‬ ‫العسكرية قد ال تكون نتاجًا لمعونات عسكرية ُق ِّدمت للدول‬
‫متلقية من أجل بلوغ أهداف عسكرية‪ ،‬بينما‬
‫ما من الدول المانحة معونة أو مساعدة غير عسكرية لدولة ِّ‬
‫قد ِ‬
‫تقدم تلك الدولة معونات عسكرية من أجل بلوغ أحد األهداف الثالثة األولى سالفة البيان‪.‬‬
‫ِّ‬
‫تسوغ العتمادية الدول اإلفريقية على الخارج "غير اإلفريقي"‪ ،‬أو‬
‫المكمل" التي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫إذن وباختصار؛ فإن "نظرية‬
‫محف ًاز لتدشين استراتيجيات التنمية المستدامة في القارة‪ ،‬ما هي في‬
‫ال مساعدًا أو ِّ‬
‫الغربي باألساس‪ ،‬بوصفه عام ً‬
‫األخير إال َو ْهم كبير!‬

‫يمس ‪ -‬بأحد أهم مرتكزات‬


‫يمس ‪ -‬أول ما ِّ‬
‫ومن ثم؛ فإن اعتماد دول القارة على الخارج‪ ،‬المانح والمليء‪ِّ ،‬‬
‫بناء قوة الدولة بمفهومها االستراتيجي الشامل‪ ،‬متمثالً في اإلرادة القومية‪ ،‬بما يجعل دول القارة مجرد تابع لآلخر‬
‫(المانح والمساعد)‪َّ ،‬‬
‫تتلقى هباته ومساعداته بدعوى التنمية‪ ،‬التي أبداً لم ِّ‬
‫تتحقق‪ ،‬والمقابل تبعية القرار السياسي‬
‫ال إلى الثقافي واالجتماعي‪ ،‬وحتى العسكري واللوجيستي‪.‬‬
‫واالقتصادي؛ وصو ً‬

‫محدداً رئيساً لقوة الدولة‪:‬‬


‫ويقصد بـ"اإلرادة القومية" ‪ ،Will to Pursue National Purpose‬بوصفها ِّ‬
‫ُ‬
‫تشكل في مجموعها إرادة الدولة وقدرتها على اتخاذ قرارها السياسي واالستراتيجي بدافع‬
‫"مجموعة العوامل التي ِّ‬
‫من الذاتية واالستقاللية"(‪.)12‬‬

‫تتجسد في ثالثة عناصر رئيسة‪ ،‬هي‪ :‬القيادة السياسية‪ ،‬واألهداف االستراتيجية‪ ،‬وحجم القاعدة‬ ‫ومن ثم فهي ِّ‬
‫كل عنصر من هذه العناصر الثالثة‬ ‫ِ‬
‫اتيجيا للدولة إلقامة بنيتها التنموية‪،‬وينبثق عن ِّ‬
‫العلمية؛ بوصفها خيا ًار استر ً‬
‫تشكل في مجملها صورة تقريبية عن مدى استقاللية «اإلرادة القومية» للدولة‪ ،‬وهذه المؤشرات‬
‫مؤشرات عدة‪ِّ ،‬‬
‫هي(‪:)13‬‬

‫‪ -1‬قدرة الدولة على تعبئة الموارد الذاتية‪ ،‬ودرجة استجابة الدولة لحاجات الشعب األساسية‪،‬‬

‫‪ -2‬نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي‪ ،‬وصافي الميزان التجاري‪،‬‬

‫‪36‬‬
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫‪ -3‬نسبة المعونات الخارجية إلى إجمالي الناتج المحلي‬

‫‪ -4‬وترتيب الدولة في تقارير التنمية البشرية‬

‫‪ -5‬ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد‪،‬‬

‫‪ -6‬نسبة االستثمارات األجنبية إلى الناتج المحلي‪،‬‬

‫‪ -7‬نسبة الصادرات من إجمالي الناتج المحلي‪،‬‬

‫‪ -8‬نسبة االكتفاء الذاتي من القمح‬

‫‪ -9‬نسبة اإلنفاق على البحث العلمي‬

‫‪ -10‬نسبة الصادرات مرتفعة التقانة من إجمالي الصادرات‬

‫‪ -11‬إجمالي األعمال المنشورة في مجاالت البحث العلمي المختلفة‬

‫‪ -12‬نسبة العلميين إلى مجموع السكان في الدولة‪.‬‬

‫وفي سياق هذه المقدمة المفاهيمية‪ ،‬التي تؤصل لمفردات التنمية والتنمية المستدامة‪ ،‬والتحديث والتبعية‪،‬‬
‫والمنظور الغربي والمنظور اإلسالمي‪ ،‬فإن الدراسة ستستفيد من المؤشرات الكمية التي تعتمدها مقتربات التنمية‬
‫الغربية‪ ،‬لتحليل الفجوات التنموية الحاصلة في الدول والمجتمعات اإلفريقية‪،‬‬

‫كما ستستفيد كذلك من المدخل القيمي اإلسالمي للتنمية‪ ،‬والذي يعلي من شأن تنمية اإلنسان باعتبارها‬
‫المدخل الرئيس لتنمية العمران‪ .‬ومن ثم فهي تمزج بين كال المنظورين‪ ،‬على الصعيد اإلجرائي ال القيمي‪ ،‬وذلك‬
‫لتحقيق التراكم العملي واالستفادة من الحضارات والثقافات األخرى في سياق التالقح بين الخبرات اإلنسانية‬
‫الرامية إلى إعالء اإلنسان كقيمة ال إلى تسليعه أو تنميطه وقولبته في قوالب أيديولوجية جامدة‪.‬‬

‫‪37‬‬
2021 ‫ يناير‬- ‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع‬

:‫هوامش الدراسة‬
،1992 ،‫ المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‬،‫ فرجينيا‬،‫ نظرية التنمية السياسية المعاصرة‬،‫) نصر محمد عارف‬1
.39 ‫ص‬
2) for more details; Bill Hopwood, Mary Mellor and Geoff O’Brien, Sustainable
Development: Mapping Different Approaches, Sustainable Cities Research
Institute, University of Northumbria, Newcastle on Tyne, UK, 2005, pp. 38-52.
‫ "حركة التغيير االجتماعي في فكر ابن خلدون وعلماء االجتماع‬،‫ محمود الذوادي‬:‫) لمزيد من التأصيل انظر‬3
‫ كلية اآلداب‬،‫ عبد الرحمن بن خلدون قراءة معرفية منهجية‬:‫ ورقة بحثية مقدمة لمؤتمر‬،"‫الغربيين األوائل‬
.2000 ‫ أغسطس‬6-5 ،‫ القاهرة‬،‫جامعة عين شمس‬
4) Adam Przeworski and Fernando Limongi, "Modernization: Theories and Facts",
World Politics, Vol. 49, No. 2 (Jan., 1997), pp. 155-183
5) Vincent Ferraro, "Dependency Theory: An Introduction," in The Development
Economics Reader, Giorgio Secondi, (ed.), London, Routledge, 2008, pp. 58-
64.
6) Emeh Ikechukwu Eke Jeffrey, "A Discourse on Andre Gunder Frank’s
Contribution to the Theory and Study of Development and Underdevelopment; Its
Implication on Nigeria’s development situation", in: Greener Journal of Biological
Sciences, Vol. 2 (3), November 2012, p. 52-60.
7) Paul Bowles, “Foreign Aid and Domestic Savings in Less Developed Countries:
Some Tests for Causality”, World Development, Vol. 15, No. 6, June, 1987, p.
789.
8) Pradumna B. Rana, J. Malcolm Dowling، “THE IMPACT OF FOREIGN CAPITAL
ON GROWTH: EVIDENCES FROM ASIAN DEVELOPING COUNTRIES”, The
Developing Economies, Volume 26, Issue 1, March 1988, Pp. 3 – 11.
:‫ انظر‬،‫) لمزيد من التفصيل بشأن الجدل األكاديمي حول نظريات المساعدات االقتصادية األجنبية‬9

38
‫مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع ‪ -‬يناير ‪2021‬‬

‫‪ -‬أنور محمود عبد العال‪ :‬اآلثار االقتصادية الكلية للمعونات األمريكية على االقتصاد المصري ودورها في‬
‫اإلصالح االقتصادي ‪1975‬م ‪ ،1996 -‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصا د والعلوم السياسية‪،‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ص ص ‪.18 - 8‬‬
‫‪ -‬علي محمد علي محمود‪ :‬المساعدات االقتصادية المدنية الخارجية لمصر وآثارها على االقتصاد المصري‬

‫خالل الفترة ‪ ، 2004 – 1991‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪.2008 ،‬‬
‫‪- Fredrik Erixon, "Why Aid Doesn't Work", B.B.C World, 11 September 2005,‬‬
‫‪available at: goo.gl/6aWl08‬‬
‫‪10) Raymond F. Hopkins, "Political Economy of Foreign Aid" in:‬‬ ‫‪Foreign Aid‬‬
‫‪Development: Lessons Learnt And Directions For The Future, Routledge,‬‬
‫‪2000, p.p. 423-449.‬‬
‫‪11) David Beim, The Communist Block and the Foreign Aid Game, University‬‬
‫‪of Utah on behalf of the western Political Quarterly, Vol. 17, No. 4, 1964, Pp. 785‬‬
‫‪-788.‬‬
‫‪ )12‬للمزيد بشأن اإلرادة القومية كأحد عناصر القوة الشاملة للدولة‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪- Ray S. Cline, World Power Trends and U.S. Foreign Policy for the 1980's,‬‬
‫‪Boulder CO: West View Press, 1980.‬‬
‫تطور‬
‫‪ )13‬لمزيد من التفصيل بشأن تلك المؤشرات‪ ،‬انظر‪ :‬جمال زهران‪ :‬منهج قياس قوة الدولة واحتماالت ّ‬
‫الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬بيروت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪2006 ،‬م‪.‬‬

‫********‬

‫‪39‬‬

You might also like