Professional Documents
Culture Documents
إدارة التنمية
منظور جديد لمفهوم التحديث
د .فضل هللا على فضل هللا
اإلمارات 1981م
حقوق الطبع والنشر والتأليف محفوظة للمؤلف
صوت الخليج -الشارقة
1
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
إهداء
إلى الذين يجوعون في كبرياء
والذين يعطون في تواضع
إلى كل فقير عف وغنى أوفى.
2
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
3
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
مقدمة
قبل بضعة سنين كنت اجلس لمساق إدارة التنمية مع العالمة المبرت وهيرو رأموس بجامعة جنوب
كاليفورنيا كان محور السمنار يدور حول أيجاد إطار نظري وعملي لمعالجة قضايا الندرة في عالم محدود
الموارد ..سألني يوم ا كيف تواجهون مشكلة الندرة في الشرق األوسط؟ فأجبته قائال نأتي للكبرى أوال ثم
للهيدونية 1 نعيره ثانيا ولسان حالي يقول لماذا نفكر في مشاكل ال توجد؟ رد البروفسور غاضبا هذا مثال حي
انفقت الساعات الطوال وأنا أتأمل هذه العبارة أقرأها حرفا حرفا أعيد ترجمتها ألقرأ ما قاله البروفسور وما
لم يقله ،أثارت في نفسي الكثير من التساؤالت هل صحيح أننا نعيش في عالم محدود الموارد؟ وهل ستواجه
بمشكلة نفاذ الموارد غير المتجددة ؟ ومتى ؟ أليس في مقدور اإلنسان أن يجد موارد بديلة أو يتفنن في
استخدام الموارد الحالية؟ » !! وقهر الطبيعة « الذي وصل القمر ثم لماذا يتعين علينا أن نفكر في مشكلة لم
تبدأ؟ لماذا كل هذا اللغط عن المستقبلية والفيوتشورولوجية؟ هل حقا نحن هيدونيون نعيش متعة لحظتنا
ونتجنب ألم التفكير في مستقبلنا المظلم الذي يبدأ عندما نرتطم بحدود النمو أي بعد نفاذ الموارد غير
المتجددة؟
تثير هذه التساؤالت مجموعة من الخواطر عن التنمية وإدارة التنمية تبدأ بسؤال هام عن ماهية التنمية -هل
تقبل التعريف االقتصادي للتنمية أم أن هناك بعدا اجتماعيا وبعدا سياسيا وحضاريا للتنمية؟ ثم أين يقودنا
االقتصاديون بتركيزهم على المؤشرات االقتصادية ؟ إذا كان التعريف أو المنهج االقتصادي يعطينا جانبا
واحدا من الصورة ألسنا بحاجة إلى منظور شمولي للتنمية؟ ما هو هذا المنظور؟ ثم هل تتحقق التنمية
بالمنظور الجديد تلقائيا أم يتعين إيجاد وخلق أيديولوجية للتنمية توجه مسارها وتحدد أبعادها؟ ما هي هذه
األيديولوجية؟
ثم ماهي المشاكل التي تترتب على العملية اإلنمائية وما هي استراتيجية عالجها؟ الكتاب الذي بين أيدينا هو
محاولة لإلجابة على هذه التساؤالت يقع الكتاب في سبعة فصول يبدأ الفصل األول بتعريف التنمية بمشتقاتها
وتصنيفاتها المختلفة -التنمية االقتصادية والتنمية االجتماعية والتنمية السياسية -ومن ثم يعالج التنمية من
منظور شمولي " يتناول الفصل الثاني معالجة األخطاء الشائعة في تعريف إدارة التنمية والتنمية اإلدارية
بتحليل المنطلقات الفكرية التي يدور حولها هذان المصطلحان بغية ازالة اللبس الشائع في األدب اإلداري
المقارن.
1الهيدونية كما يعرفها قاموس نيو وبستر هي مذهب يؤمن بأن واجب االنسان األول هو البحث عن المتعة وتجنب األلم.
4
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يستعرض الفصل الثالث العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة ما هي االراضي المشتركة
بين الحقلين ومتى تم االنفصام بينهما وهل العالقة بينهما عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟
يناقش الفصل الرابع ايديولوجية التنمية فيستعرض النظريات والنماذج المختلفة للتنمية بتركيز خاص على
نظريات التنمية الخطية التراكمية أو ما يسمى بالنظريات الجبرية مثل نظرية روستو المراحل النمو
االقتصادي ونظرية االنتشار ونظرية اللحاق ونموذج المركز والهوامش والروابط األمامية والخلفية والدائرة
السببية والدائرة الفرقة للفقر ونظرية الدفعة الكبيرة كما يتطرق الفصل النظريات التي جاءت لدحض
ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية مثل نظرية االعتماد.
يناقش الفصل الخامس المنظور الجديد لمفهوم التحديث ويركز على النظريات الموقفة والتي تعتبر بديال
أليديولوجية التنمية الخطية التراكمية أو ما يسمى بالنظريات الجبرية فيستعرض نظرية البروفسور البرتو
توهيرو رأموس التحديث نحو نموذج احتمالي ،كما يستعرض المفاهيم الجديدة للتحديث فيستعرض آراء
محبوب الحق وافان اليتش ودور المؤسسات في الدول النامية في عملية االنماء والتحديث بتركيز على دور
المؤسسات التعليمية يناقش الفصل السادس القضايا المعاصرة في إدارة التنمية وعلى رأسها قضية الفقر
واالنفجار السكاني وقضايا الغذاء وتناقص الموارد غير القابلة للتجديد والتلوث البيئي بمشتقاته -التلوث
المائي و الهوائي والحراري والذري – تختتم الدراسية في الفصل السابع بوضع استراتيجية للتنمية وتشمل
استراتيجية التنمية في الدول المتقدمة واستراتيجية للتنمية في الدول النامية الفقيرة واستراتيجية ثالثة للتنمية
في الدول النامية الغنية.
****
5
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
محتويات الكتاب
مقدمة الكتاب.
الفصل الثاني إدارة التنمية والتنمية اإلدارية قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟ .25
الفصل الثالث إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟ .40
الفصل الرابع ايديولوجية التنمية التنمية الخطة التراكمية والمنهج الجبري .83
6
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل األول
التنمية المنظور الشمولي
مقدمة
يستعرض هذا الفصل مفهوم التنمية بأبعادها المختلفة التنمية االقتصادية والتنمية االجتماعية والتنمية السياسية.
ويهدف الفصل من وراء ذلك لتحديد اإلطار العام لموضوع الدراسة – إدارة التنمية .يبدأ الفصل بطرح مجموعة من
األسئلة عن ماهية التنمية واالشكال التي تتخذها التنمية.
هل هي كيان مادي أم مفهوم ذهني؟
هل هي عقيدة أم عقدة ،هل هي هدف أم مطية لتحقيق الهدف سهل المنال أم سهل ممتنع أم يتوبيا أو تفكير خيالي؟
ثم هل يمكن تشخيص التنمية وفحصها وبرمجتها لتحقيق الهدف التنموي في مدى أو سقف زمني محدد؟ وهل الهدف
التنموي ثابت في نقطة ارتكاز معينة يمكن بلوغه أنه هدف متحرك يسير بمعدالت تفوق مقدرتنا على بلوغه أي هل
هو طريق أو محطة أو استراحة على الطريق يقف عندها االنسان والمجموعات والدول ليجمعوا أنفاسهم ويستعيدوا
قواهم لمواصلة سيرهم؟ وهل يمكن تجاوز المحطة واالستراحة دون أن يقف عندها االنسان؟ وهل يمكن اختصار
الطريق عبر البعد الزمان والمكاني إذا استخدمنا مطية مختلفة؟ وهل يمكن تغيير خط السير وتغيير الطريق أم أن
القبلة واحدة والطريق واحد من سار عليه وصل ومن حاد أو انحرف عنه انتهى إلى طريق مسدود؟
وهل التنمية عملية إرادية تخضع الختيار االنسان أم أنها مسألة جبرية مفروضة عليه من الخارج؟
هل تتم في مراحل طبيعية كمراحل نمو اإلنسان مثل الطفولة والشباب والشيخوخة أم هي وضع استثنائي امتازت به
بعض الدول على دول أخرى؟
ثم تطرح الدراسة أيض ا مجموعة من األسئلة الفلسفية عن التنمية والتحديث مثل ماهي العالقة بين التنمية وحاجات
اإلنسان أهي عالقة طردية أم عكسية؟ هل تؤدي التنمية إلى تحقيق حاجات االنسان وتلبية طموحاته المادية
والمعنوية؟ وهل تعني التنمية اشباع حاجات .االنسان الفيزيولوجية الطعام والمأوى وحاجته لألمن واالنتماء
للمجتمع وتحقيق الذات أي هل تؤدي التنمية إلى السعادة وهل تعني معدالت النمو العالية وزيادة متوسط دخل الفرد
المزيد من السعادة؟ وهل السعادة مفهوم محسوس أم مفهوم مدرك ال يمكن تحديده بطرق كمية مادية وهل يستطيع
االنسان الحفاظ على أصالته في وسط السعار التنموي المحموم؟ وهل يمكن أن ننمو دون أن نقلد أي دون أن ننقل
قيم حضارية غربية وتكنولوجيا غربية ونماذج إدارية وسياسية وثقافية غربية؟ وهل تأتي التكنولوجيا مجردة لم تأت
مصحوبة بقيم حضارية؟ وكيف نصون قيمنا الحضارية المنبثقة من تقاليدنا وعاداتنا؟ وهل يمكن أن نستن ،أو نعزل
بعض القيم أو تفصيل بعض المفاعالت؟ وهل التنمية مفهوم علمي ومفهوم غربي؟ ثم ما هي أهداف التنمية وهل هي
أهداف اقتصادية تتركز في زيادة دخل الفرد ومعدالت النمو أم أهداف اجتماعية عريضة أم أهداف سياسية وبأي
هذه األهداف نبدأ؟ وما هو المقصود بالتنمية أهو المجتمع ،أم االنسان في المجتمع أم نظام اقتصاد السوق؟ وهل
7
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المجتمع واالنسان واقتصاد السوق هي أهداف التنمية أم وسائلها؟ يهدف هذا العمل والفصول التي تليه لإلجابة على
هذه التساؤالت ولكي ال ندخل في حوار لفظي يقودنا إلى مصيدة التعريفات فسوف نقتصر على كتابات دينيس قاولت
و دودلی سيرز ولوسيان باي في إيضاح مغني التنمية االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،على التوالي.
اختلف العلماء في تعريف التنمية وذهبوا مذاهب متعددة فمنهم من عرفها على محاور اقتصادية وسياسية واجتماعية
ومنهم من عرفها على أسس حضارية ثقافية وأخالقية وسيكولوجية ويرجع هذا االختالف إلى تباين المشارب
والموارد العلمية والمنطلقات الفلسفية .فأخذ االقتصاديون البعد االقتصادي وتناول السياسيون الجانب السياسي ،كما
ركز علماء االجتماع على الجانب االجتماعي.
التنمية المنظور االقتصادي
عرف االقتصاديون التنمية ،كما يقول دينيس قاولت Denis Gouletبتنشيط االقتصاد القومي وتحويله من حالة
الركود و الثبات إلى مرحلة الحركة و الديناميكية عن طريق زيادة مقدرة االقتصاد القومي لتحقيق زيادة سنوية في
إجمالي الناتج القومي بمعدل يتراوح بين ٪3إلى % 7أو أكثر مع تغيير هياكل االنتاج ووسائله ومستوى العمالة.
يصاحب ذلك تناقص في االعتماد على القطاع الزراعي وتزايد االعتماد على القطاع الصناعي والخدمي
Secondary and tertiary sectorsوزيادة السيولة النقدية وحفظ التوازن في ميزان المدفوعات بحيث ال
يزيد تصدير العملة الصعبة للخارج عن وارد العملة الصعبة واستخدام ها ألغراض االستثمار.
التنمية االقتصادية وفق هذا التعريف تشمل زيادة الناتج والدخل القومي والمحلي ودخل الفرد ومعدل النمو ودرجة
التصنيع ومعدل االستثمار وتحسين ميزان المدفوعات .ويعني ذلك تغيير البنية االقتصادية وتشمل التحول من
اقتصاد الرعي والزراعة إلى اقتصاد الصناعة ومن االقتصاد االكتفائي إلى اقتصاد السوق وتزايد نسبة العمالة
خاصة في القطاعات الحديثة وتناقص نسبة العاملين في القطاعات التقليدية ومن ثم يطلق على الدول التي تقل نسبة
العاملين فيها في القطاع الزراعي عن ٪ 10بول متقدمة اقتصاديا ومنها على سبيل المثال الواليات المتحدة حيث
يمتص القطاع الزراعي فقط ٪4من العمالة أما الدول التي تزيد فيها نسبة العاملين في القطاع الزراعي عن ٪ 10
فتعتبر أقل تطور ا مثل الدول األفريقية ودول أمريكا الالتينية حيث تتجاوز نسبة العاملين في القطاع الزراعي أحيانا
. ٪70
اعتبرت الزيادة السنوية في إجمالي الناتج القومي مؤشر ا من مؤشرات النمو االقتصادي فاعتبرت " الدول التي
تتمتع بمعدالت نمو عالية متطورة .اقتصاديا أي التي تربو الزيادة في الناتج القومي فيها على ،3تقريعا على ذلك
تعتبر معظم الدول الغربية واليابان وبعض الدول الشرقية متطورة اقتصاديا كما اعتبرت دول الجنوب أي التي تقع
على جنوب الكرة األرضية -مع بعض االستثناءات طبعا -دول متخلفة اقتصادي ا حيث تقل الزيادة في الناتج
القومي عن .٪ 3
8
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
هذا باإلضافة إلى أن الزيادة السكانية في هذه الدول تبتلع الزيادة في الناتج القومي حيث تصل نسبة النمو السكاني
في بعض هذه الدول إلى ٪ 2.8اتخذ معدل الدخل للفرد أيض ا كمؤشر من مؤشرات النمو فاستنبط من ذلك أن
الدول التي تتمتع بمعدالت دخل عالية هي أكثر تطور ا من غيرها .بيد أن الدول المصدرة للبترول قلبت هذه
المعادلة فلم تعد الدول الغربية تحتل موقع الصدارة حيث إنها تراجعت المنطقة الخلفية .فإذا اخذنا مثال أرقام معدالت
الدخل القومي للفرد سنة 1979لوجدنا أن أكبر معدل دخل الفرد في العالم يوجد في الكويت 15480دوالر تليها
اإلمارات 13990دوالر أما في عام 1981فإن أكبر معدل دخل في العالم يوجد في قطر ،ثم اإلمارات ،ثم
الكويت ،ويرجع الفضل في ذلك إلى ضخامة العائد من البترول وقلة عدد السكان في هذه األقطار .اعتبر معدل
االستثمار االنتاجي أيض ا مؤثر ا هام ا من مؤشرات النمو االقتصادي ،فاعتبرت الدول التي يربو معدل االستثمار
فيها على نسبة ٪10دوال متطورة ،أما الدول التي تقل نسبة معدل االستثمار فيها عن هذا الحد فتحسب في عداد
الدول المتخلفة ويشمل ذلك معظم دول العالم الثالث ما عدا الدول المصدرة للبترول والتي يزيد معدل االستثمار في
بعضها عن ٪ 20من إجمالي الناتج القومي ،ففي دولة اإلمارات العربية المتحدة مثال بلغ معدل مخصصات التنمية
للفرد عام 1977نحو 2700دوالر و 2373دوالر ا في السعودية مقابل 28دوال في اليمن الشمالي و 57دوالرا
في مصر أي حوالي مائة ضعف وخمسين ضعف على التوالي.
يرتبط معدل االستثمار بمعدل االدخار ،ألن الهامش االدخاري أو حجم الوفورات يحدده لحد كبير حجم االستثمار.
يتوقف حجم الوفورات على الدخل ومستوى االتفاق ،فالدول ذات الدخل القومي العالي تتمتع بهامش ادخاري كبير
يتضاءل الهامش االدخاري مع تزايد القدرة على االنفاق واالستهالك.
وفي الواقع تعتبر القدرة على االتفاق أو االستهالك ،خاصة ما يسمى باإلنفاق البذخي أو الترفي المعامل الحاسم في
تضاؤل معدالت االدخار واالستثمار في الدول النامية .فاالعتقاد السائد هو أن قصور المدخرات هو أهم عامل يعوق
التنمية.
يعتبر التوازن في ميزان المدفوعات أيض ا مؤشر ا هام ا من مؤشرات النمو االقتصادي حيث إنه يعكس جميع
المؤشرات التي أوردناها سابق ا فهو يعكس العالقة بين االستهالك واالنفاق والهامش االدخاري ودرجة االستثمار
والناتج القومي ودخل الفرد وتوفر السيولة النقدية العملة الصعبة ..إلخ وفي الجانب المقابل فإن العجز في ميزان
المدفوعات يعنى انخفاض القوة الشرائية وتضاؤل المقدرة على االستثمار في البنية التحتية االستثمار االنتاجي
ويعني تراكم الديون واألرباح المستحقة على الديون ويند ذلك للكساد االقتصادي واالفالس في نهاية المطاف.
9
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
التنمية المنظور االجتماعي واإلنساني
انتقد دودلی سيرز Dudley Seersفي ورقة تحت عنوان المعنى الحديث للتنمية التعريفات الكالسيكية التي
تربط التنمية بالمؤثرات االقتصادية أي بمعدل النمو والناتج القومي والمحلي ومعدل دخل الفرد وتوازن ميزان
المدفوعات وتوفر السيولة النقدية.
يقول دودلی سيرز أننا بهذا الفهم المغلوط نختزل مشاكل التنمية وتحدياتها فنقول مثال على الدولة أن تحقق زيادة
سنوية في الناتج القومي بنسبة % 5لكي تضع نفسها في طريق التنمية .يتساءل دودلی سيرز فيقول لماذا نركز جل
اهتمامنا على الدخل القومي ولماذا هذا االهتمام بمعدالت النمو؟ يقول سيرز يلجأ االقتصاديون في الواقع إلى هذه
المؤشرات لسهولة قياسها فيتفادون بذلك المسائل الفلسفية الشائكة.
فاألهداف التنموية إذا لخصت في أهداف محددة مثل الدخل القومي ومعدل النمو أمكن قياسها وحصرها وضبطها
والسيطرة على متغيراتها.
يقول دودلی سيرز أننا نخلط بين التنمية والتنمية االقتصادية وبين التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي ومن ثم
نربط بين الدخل القومي والزيادة السكانية فنقول إذا زاد الدخل القومي على النمو السكاني فسوف يؤدي ذلك إلى حل
المشاكل االقتصادية وما ينجم عنها من مشاكل اجتماعية وسياسية تجربة العقد المنصرم تكشف سذاجة هذا المفهوم.
فقد ظهرت المشاكل االجتماعية والسياسية في أقطار على مختلف مراحل النمو -ظهرت في أقطار تتميز بالزيادة
المضطردة والسريعة في دخل الفرد وفي أقطار تتميز بالجمود االقتصادي فقد تسبب النمو االقتصادي في كثير
من األحيان في إثارة وخلق الكثير من المشاكل.
يقول سيرز أن التنمية هي مصطلح معياري normative termهدفها تنمية قدرات اإلنسان بتوفير الحاجات
األساسية مثل الطعام والملبس والمسكن -المأكل والملبس والسكن هي ضالة البشرية.
فالرجل الجائع ال يرتفع فوق الوجود البهيمي .فقد دلت الدراسات أن معظم المشاكل البشرية ترجع الفيزيولوجية
الثالث المنوه عنها أعاله .فمثال كشفت دراسات قامت بها هيئة األمم المتحدة بأن التخلف العقلي والعجز البدني عند
األطفال يرجع أساس ا لسوء التغذية.
التنمية عند دودلی سيرز تعني القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة ان كفاية حاجات االنسان االساسية والطعام
والملبس والمسكن ترتبط بمستوى دخله يتوقف مستوي الدخل أيضا.
وسوق العمل فالعطالة مثال تقود إلى انخفاض دخل الفرد ويقود .انخفاض دخل الفرد إلى الفقر وفي غياب هذه
الضرورات الحياتية يفقد االنسان على الوظيفة وعلى مستوى العمالة القدرة على النمو البيولوجي والنفسي بيد أن
زيادة متوسط دخل الفرد ال تكفي لتلبية الضرورات الحياتية كما توضح تجربة بعض دول البترول ،ففي الواقع فان
ارتفاع دخل الفرد قد تصحبه زيادة في مستوى البطالة.
10
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
وهنا ينبغي أن نشير إلى عامل هام وهو توزيع الدخل ،يتوقف القضاء على الفقر على خلق عالقة عكسية بين درجة
النمو وتركيز الدخل في قطاعات اقتصادية واجتماعية معينة أي القضاء على الفقر يقتضي توزيع ا عادال الدخل
أن العدالة في التوزيع .تعتبر العدالة – بجانب إزالة الفقر والبطالة -أحد العناصر الهامة في تنمية قدراته االنسان
باإلضافة إلى أن العدالة هي هدف في حد ذاته .الالمساواة مرفوضة في شرع السماء وعرف معظم األديان.
كما أن الحواجز االجتماعية والحرمان في مجتمع يتميز بدرجة عالية من الالمساواة تفسد وتطمس شخصية الفقير
والغنى على حد سواء فالفروقات الطفيفة في اللغة واللهجة والمالبس والعادات مثال تصبح مهمة -مع الالمساواة -
خاصة وأن هناك عالقة قوية بين التكوينات العنصرية والدخل أي تذهب الدخول العالمية إلى بعض الجماعات
العنصرية كاليهود في الواليات المتحدة ألن المنحنيات االقتصادية تذيع التضاريس االجتماعية ،الالمساواة
االقتصادية هي وقود لمعظم الصراعات العنصرية بناءا على ما تقدم فإن األسئلة التي ينبغي أن تطرح ليست هي
كيف نزيد من معدالت االنتاج والدخل القومي والسيولة النقدية أو كيف نخلق التوازن في ميزان المدفوعات؟ وإنما
السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو ماذا جد في موضوع الفقر والبطالة والمساواة؟ اذن ينبغي أن يرتبط معيار قياس
التنمية بدرجة القضاء على المشاكل الثالث .وتفريع ا على ذلك إذا أردنا أن نقيس التنمية في قطر ما علينا أن
نتساءل عن مدى ما حقق من األهداف الثالث.
فإذا وجدنا هبوط ا في مستوى الفقر والعطالة والمساواة فيمكن أن نقول إن القطر يعيش مرحلة التنمية .أما إذا
تصاعدت هذه المشاكل وتفاقمت إلى أعلى من المألوف فال يمكن ان نطلق على القطر المعين مصطلح التنمية
حتى ولو تضاعف دخل الفرد.
إن تحديات الجزء المتبقي من هذا القرن تنبع من التحديات السابقة الذكر فالتحدي األول هي كيفية وجود معايير
للتنمية لتحل محل الدخل القومي أو بصحيح العبارة حسن استخدام الدخل القومي وتوجيهه في المسار الصحيح
الخدمة أغراض التنمية الزيادة الكبيرة في الدخل القومي تساعد على تقليل أو تخفيف حدة الفقر إذا ما اتخذت
السياسات الصحيحة .
*ينبغي أن نوضح نقطتين أساسيتين أولهما أن أرقام الدخل القومي التي تنشرها معظم الدول النامية ال تحمل مدلوال
كبيرا وذلك لعدم توفر المعلومات خاصة فيما يتعلق بالدخل من النشاطات الزراعية والنقطة الثانية هي ان توزيع
الدخل ال يتم بصورة متكافئة ولذلك فان األسعار ال تحمل معنى أو وزنا يمكن االستفادة منه في مقارنات الدخل.
التحدي الثاني الذي يواجه علماء االجتماع واالقتصاد والسياسية هو اكتشاف أمثل الطرق لمعالجة القضايا
المنوه عنها أعاله ،أن حل هذه المشاكل ال يكمن في زيادة معدالت النمو االقتصادي ،بل في تغيير طبيعة
ووسائل ومناهج التنمية والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تساعد تنمية أحد العناصر الثالث سه مشكلة
البطالة مثال في تنمية العنصرين اآلخرين؟
11
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
أن معالجة البطالة وحسمها يساعد على إزالة مسببات الفقر والمساواة ألن العمالة الكاملة تعني زيادة الدخل
والقوة الشرائية بالنسبة للفرد وتوفير الحاجات الضرورية كالمأكل والمشرب والملبس ويقود ذلك لتقريب
الفجوة بين الطبقات كما يؤدي إلى ازالة الفوارق الطبقية أي يؤدي إلى المساواة.
بيد أن هناك رأي مغاير يقول أن الالمساواة هي أمر ضروري لتوفير المدخرات ألغراض االستثمار وذلك
ألن الالمساواة تعنى تركيز الدخل في مجموعة اقتصادية صغيرة بحيث يرتفع دخل الفرد في هذه المجموعة
إلى معدالت تفوق مقدرته على انفاقها ويعني ذلك خلق هامش ادخار كبير وفوائض مالية يمكن استخدام ها
ألغراض االستثمار والنمو االقتصادي ان هذا الرأي يحمل في طياته الكثير من التناقضات مما يجعل
موضوع قبوله أمرا ال يستقيم منطقيا ،خاصة في الدول النامية فالمدخرات تعتمد على مستوى الدخل العام -
أن تركيز األموال في أيادي قليلة في الدول النامية يزيد من مستوى اإلنفاق في البضائع المستوردة والتي
تحتاج بدورها إلى عملة صعبة كان األجدر أن تستقل في البناء االقتصادي يمسى هذا باإلنفاق التفاخري فمن
مساوئ االنفاق التفاخري أن المدخرات تتدفق خارج القطر الصطياد البضائع أو لتمويل المشاريع التي تمثل
درجة منخفضة في سلم أسبقيات التنمية.
يرتبط موضوع الالمساواة بموضوع تركيز األمالك ووسائل االنتاج يعتقد البعض أن نظام الضرائب
التصاعدية هو أمثل أسلوب لمنع تركيز وسائل االنتاج في أيادي قليلة كما يرى آخرون وسائل أخرى أكثر
فعالية مثل ضرائب الموت death dutiesفي بريطانيا وفائدة السندات bond interestsفي شيلی
ومعاش الحياة life pensionفي كوبا ،والصرف الحكومي الضخم في الواليات المتحدة.
12
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
التنمية المنظور السياسي
ناقشنا في الصفحات السابقة مفهوم التنمية االقتصادية وتعريفاتها المختلفة والتحفظات على استخدام
المؤشرات االقتصادية كمعايير للتنمية وسوف نتناول في الصفحات التالية مناقشة التنمية السياسية ويدور
النقاش حول االسئلة التالية ما هو مضمون التنمية السياسية؟ وما هو معيار التنمية؟ وماذا نقصد بالتحديث
modernizationوها هو الفرق بين الغربنة westernizationوالتحديث؟
تعتبر التنمية السياسية ضرورة سياسية للتنمية والنمو االقتصادي وتحويل االقتصاد من حالة الركود والجمود
إلى مراحل أكثر ديناميكية ،عند بعض المفكرين يقرن هؤالء فكرون التنمية السياسية بواقع المجتمعات
الصناعية األكثر تقدما في مجال التكنولوجيا .يقوم هذا المفهوم على افتراض أن الحياة الصناعية تتطلب نوعا
معينا من الحياة السياسية ينبغي أن تسعى جميع الدول لتحقيقه وأن النظام السياسي هو إفراز أو قل نتاج
العالقات الصناعية والتكنولوجية.
بناءا على هذا المفهوم فإن المجتمعات الصناعية ،ديمقراطية وغير ديمقراطية ،تعارفت على سلوك سياسي
معين تحدد بمقتضاه بعض القيم السياسية واالجتماعية واإلدارية ويشمل ذلك تحديد األهداف التنموية وأساليب
ووسائل تنفيذ هذه األهداف مثل استبدال االساليب االعتباطية العفوية باألسلوب العقالني الراشد والتمسك
باإلجراءات اإلدارية القانونية والمشاركة إلخ..
يعتبر بعض المفكرين التنمية السياسية توأمه لما يسمى بالتحديث السياسي . political modernization
فالتنمية السياسية وفق هذا المفهوم هي التنمية على محاور الدول الصناعية ومن ثم ينظر للدول الصناعية
كنماذج ينبغي أن يقتدي بها في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،وفي الجانب اآلخر نجد أن هذا
المفهوم التنمية ازعج حماة النسبية الثقافية cultural relativismوالذين يرفضون الحضارة والقيم الغربية
وال يرضونها بديال للقيم الحضارية والثقافية واألخالقية في العالم الثالث.
بيد أن المتتبع لمسار الفكر المعاصر يشاهد ظهور إعراف وقيم اجتماعية في معظم دول العالم مثل المشاركة
الجماهيرية وترجيح الكفاءة Merit Systemعلى الصفات الموروثة وايجاد نظم ونواميس عالمية ومفهوم
العدالة والمواطنة تعكس هذه القيم حقيقة الدول الصناعية وتسمى عملية انتشار القيم الصناعية بالتحديث
السياسي .يرى لوسيان باي التنمية السياسية كتجسيد لمفهوم الدولة أو الحكومة القومية state – nation
التنمية السياسية وفق هذا المفهوم تحتوي على تنظيم الحياة السياسية وأداء الوظائف السياسية .وفق مستوى
السلوك الدولي العالمي المعاصر وهذا يعني استبدال السياسية القبلية واالقليمية واإلمبراطورية أو
االستعمارية بسياسة ما يسمى بالدولة القومية state – nationوفق النظام السياسي العالمي وهذا يعني
13
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
االلتزام بالمعاهدات وااللتزامات الدولية ،ومحك التنمية السياسية هنا هو بناء مؤسسات عامة ألداء وظائف
الدولة وللتعبير الواعي عن الشعور القومي وهذا يعني بأن التنمية السياسية هي إذكاء الشعور القومي في
محتوى مؤسسات الدولة وترجمة المشاعر المتنافرة إلى روح المواطنة أي تنمية الشعور القومي وترجمته
من مجرد شعارات إلى برامج وسياسات وواقع عملي وفي عبارة موجزة التنمية السياسية تعنى بناء الدولة.
يعرف بعض طالب السياسة التنمية السياسية بالتنمية اإلدارية والشرعية.
أوضحنا في الفقرة السابقة أن التنمية هي بناء الدولة وبناء المؤسسات وتنمية شعور المواطنة .فمفهوم بناء
المؤسسات هو مبدأ قديم تبنته الدول االستعمارية في مستعمراتها الجديدة لتقريب الشقة بين الحاكم والمحكوم
ولتأكيد حاكمية المستعمر ولضبط سلوك المستعمرات عن طريق إنشاء مؤسسات بيروقراطية ونظام لإلدارة
العامة.
استمر مفهوم بناء المؤسسات حتى بعد جالء الدول االستعمارية فأصبح معيار ا للتطور االداري والسياسي
لكن في واقع األمر فإن التنمية السياسية تعني أكثر من بناء المؤسسات السلطوية.
بل أن بناء المؤسسات السلطوية كما كشفت تجارب بعض الدول عوق نمو الكثير من المؤسسات التنموية
بسبب ما يفرضه عليها من عراقيل تعني التنمية السياسية أيضا التعبئة الجماهيرية والمشاركة واثارة الوعي
وااللتزام السياسي يعبر عن هذه المزايا أحيان ا بالتظاهرات الجماهيرية والتي أصبحت ديدن العالم الثالث في
التعبير عن آرائه السياسية ونوعا من المشاركة الجماهيرية تعني المشاركة الجماهيرية التأثير على اتخاذ
القرار السياسي واالداري ،وبالرغم من ان المشاركة الجماهيرية في بعض الدول النامية .لم تصحبها وسائل
وكليات انتخابية ،بل هي استجابة فقمل السياسات الصفية أو النخبة القيادية ،اال ان هذه المشاركة تساعد على
خلق الشعور باالنتماء القومي .بجانب أنها تساعد في الجنب اآلخر -على اثارة العواطف والتهريج السياسي.
يعرف مايرون وينر Myron Weinerالتنمية السياسية بالتكامل أو االنصهار السياسي
political integrationويشمل االنصهار السياسي تكامل العالقات االنسانية وانصهار السلوك والوالء
الثقافي والسياسي وتنمية الشعور القومي وروح المواطنة وتوحيد الوحدات السياسية في بوتقة واتحاد سياسي
تحت حكومة واحدة وانسجام الشعوب حكاما ومحكومين وتوجيههم في مسار سياسي موحد وأخيرا انصهار
األفراد في منظمات ذات اهداف مشتركة.
14
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
حدد وينر أربعة أنواع من االنصهار إلى التكامل السياسي .النوع األول هو االنصهار اإلقليمي
Territorial Integrationوهو انصهار القيم المختلفة تحت سلطة مركزية واحدة والنوع الثاني وهو
انصهار القيم Value integrationويعني ذلك ايجاد لغة مشتركة و إحساس مشترك وأسلوب تفكير
مشترك وإطار للتفاهم بين الوحدات السياسية المختلفة.
أما النوع الثالث فهو صدور الشعوب قادة ومقودين في بوتقة واحدة ،ويعني ذلك انسجام القادة واالتباع أي
استجابة القادة المطالب الشعوب وانصياع الشعوب التوجيهات القادة ،ويقوم ذلك على الرضاء واالحترام
المتبادل والنوع الرابع هو االنصهار السلوكي integrative behaviorوهو استعداد األفراد للعمل في
مناخ تعاوني لتحقيق األهداف المشتركة ويشمل ذلك المقدرة التنظيمية للتعاون في إدارة المؤسسات
االجتماعية واالقتصادية والسياسية كما يشمل المقدرة على التحالف الحزبي واالئتالف من أجل أغراض
الحكم والتعاون على العمل العام عن طريق المشاركة الواعية وااللتزام السياسي واالجتماعي وترجيح
المصلحة العامة على المصلحة الفردية.
يربط بعض المفكرين التنمية السياسية بتقوية القيم اإلدارية ويرون أن التنمية السياسية ال تتحقق خارج األطر
االيديولوجية ،ديمقراطية كانت أو شيوعية.
ومن هؤالء وليام مناکورد والذي يقرن التنمية السياسية بترقية الوعي الديموقراطي ويقول ان قمة التنمية
السياسية في تحقيق الديموقراطية.
تعني التنمية بمفهومها السياسي توفير االستقرار السياسي لتحقيق جوانب التنمية المختلفة وتعني أيضا تحقيق
االستقرار والتغيير المنظم االستقرار السياسي ال يعني الجمود وإنما يرتبط بخلق مناخ مالئم للتخطيط
المستقبلي ولمتوجيه مسار التغيير االجتماعي واالقتصادي والسيطرة على البيئة والمقدرة على حسن استخدام
الموارد ومحك أو معيار التنمية السياسية هو الكفاءة والفعالية أي مدى تحكم الدولة في السيطرة على
مواردها.
يرى بعض المفكرين وعلى رأسهم لوسيان بأي أن كفاءة الدولة تكمن في مقدرتها على االتصال بالجماهير
وتقاس هذه الكفاءة بحجم وقوة وسائل اإلعالم وتداول الصحف وتوزيع الراديوهات ونسبة العاملين في
الجهاز الحكومي ونسبة الموارد المخصصة للجهاز التعليمي والرفاهية االجتماعية التنمية السياسية هي أيضا
الكرامة واحترام الذات والمشاركة في اتخاذ القرارات والعدالة في المغانم وفي توزيع فرص العمل وتوزيع
موارد الدولة والعدالة أمام القانون والتنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي.
15
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يتضح مما سبق أن التنمية السياسية هي مجموعة من األنشطة تتكامل مع بعضها البعض لإلسراع بعملية
التحول االجتماعي.
خالصة
تتناول إدارة التنمية القضايا اإلنمائية من منظور شمولي فال تحصرها فقط في الجانب االقتصادي
أو االجتماعي أو السياسي ،تقوم إدارة التنمية على افتراض أن العوامل الثالث تعمل على تقوية
بعضها البعض في نسيج متماسك والتنمية االقتصادية تعضد التنمية االجتماعية والسياسية انطالقا
من هذا المفهوم .فإن إدارة التنمية تمثل حبل الوصل بين المدارس االنمائية المختلفة.
16
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل الثاني
إدارة التنمية والتنمية اإلدارية قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟
مقدمة
يتناول هذا الفصل معالجة األخطاء الشائعة في تعريف إدارة التنمية والتنمية اإلدارية بتحليل المنطلقات
الفكرية والفلسفية التي يدور حولها هذان المصطلحان ويطرح الفصل مجموعة من التساؤالت مثل ما هي
التنمية اإلدارية ،وما هي المواضيع التي تناقشها واالسئلة التي تطرحها؟ وما هي إدارة التنمية ولماذا يخلط
المفكرون بين إدارة التنمية والتنمية اإلدارية؟ ما هي األراضي المشتركة بينهما؟ ما هي مناطق االختالف؟
وما هي المنحنيات والمؤشرات المستقبلية؟ هل تنبئ بالتقاطب واالنشطار أم بالتالحم والتكامل؟
قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟
يخلط بعض الكتاب بين التنمية اإلدارية وإدارة التنمية ويعتبرون أن المصطلح األول مشتق من الثاني أو
العكس .ترجع أسباب الخلط أو االرتباك إلى فشل بعض الكتاب في استيعاب منهجية علم اإلدارة أو قل فشل
علم اإلدارة في تحديد منهجية واضحة المعالم يلتزم بها طالب اإلدارة اقتبس علم اإلدارة نظرياته ومنجيته
من عدد كبير من العلوم ومصادر المعرفة للحد الذي أصبح فيه مجال اإلدارة مرتع ا لكل العلوم فأخذ من
علم النفس وعلم النفس االجتماعي المدرسة السلوكية ومن الهندسة الصناعية اإلدارة العلمية ومن علم
االجتماع واألحياء نظرية النظام المفتوح ومن علم الفيزياء نظرية التوازن ومن الفينومينولوجيا
واالقتصاد الخ ..لقد فقد حقل اإلدارة من جراء ذلك هويته العلمية فاخذ يستقطب كل جهد ويمتص كل اجتهاد
علمي ومن ثم ظهرت نتيجة لطبيعته االحتوائية بعض التخريجات.
يقول تون ر .البورت pod e 'y ppolمتى حقل اإلدارة العامة المعاصرة بالكثير من الخلط واالرتباك
في مفاهيمه conceptual confusionوفي منهجياته.
يضيف تود البورت قائال
ان انطباعي الخاص عن أدب اإلدارة العامة هو أنه لم يساهم ولو باليسير في تحليل وفهم المنظمات المعقدة
واالدهى من ذلك اننا اخذنا نضرب في مجاهل العلوم االخرى نقتبس منها نماذج تحليلية دون أن نفحص
مدلول وحدود هذه النماذج ودون ان نستوثق من مقدرتها على مساعدتنا في فهم المنظمات المعقدة .
ومن ثم فقد استقدمنا أو أدخلنا من الباب الخلفي مجموعة من المفاهيم كان االجدر بنا أن ننظفها ونغسلها إذا
أردنا أن ندخلها من الباب األمامي.
17
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ويعزي البورت تردي أو تدني مستويات التحليل في حقل اإلدارة العامة إلى الفراغ الفلسفي
Philosophical vacuumأو ضعف الجذور الفلسفية واألخالقية وفقد الثقة في القيم التقليدية وقصر
النظر وفقدان الدليل
أي بموجز العبارة Crisis in meaningفحقل اإلدارة العامة يحتاج إلى معالجة ازمة الهوية وازمة الثقة
وإلى تأكيد األهلية واألهمية.
إدارة التنمية
تختلف االسئلة التي تطرح في إدارة التنمية عن األسئلة التي تطرح في التنمية اإلدارية .فإدارة التنمية تطرح
قضايا فلسفية أن صح التعبير بينما تتناول التنمية اإلدارية المسائل اإلجرائية .ففي إدارة التنمية نبدأ بسؤال
لماذا وماذا ماذا ننتج؟ هل تنتج مساكن شعبية أم مفرقعات؟ هل نركز على زيادة الناتج القومي وغزارة
االنتاج أم على أسلوب التوزيع عدالة التوزيع ؟ هل نركز على النمو االقتصادي معدل النمو ودخل الفرد
أم والدخل القومي وتوفر السيولة النقدية والتوازن في ميزان المدفوعات ومعدل االدخار واالستثمار ..الخ
على عالج مشكلة الفقر والعطالة والمساواة؟ ماذا عن نظام األسبقيات؟ هل نبدأ بتنمية القطاع الزراعي أم
الصناعي أم التجاري؟ هل نبدأ بالصحة أم بالتعليم؟
هل نبدأ بتنمية الطرق السطحية أم السكة حديد أم المالحة البحرية أم المالحة الجوية؟ ماذا عن ايديولوجية
التنمية؟ هل نبدأ بما عندنا نعتمد على القروض والمساعدات؟ هل ننقل النماذج االقتصادية والسياسية الغربية
أم الشرقية أم نع تمد على مؤسساتنا ونطورها؟ هل تستورد تكنولوجيا متقدمة أو تكنولوجيا وسيطة أم
تكنولوجيا بسيطة؟ هل نستورد المؤسسات الكبيرة لتنمو بمعدالت أكبر لم نحتفظ بما عندنا صغيرا جميال ؟
هل ننقل نموذج الواليات المتحدة أو نموذج االتحاد السوفيتي أم ننهج طريقا وسطا نموذج الصين وتنزانيا
أم نصمم نماذج جديدة تعبر عن أصالة مجتمعاتنا وعقيدتنا النموذج االسالمي أو اإلسالم العربي أو االسالمي
العربي األفريقي؟ وما إلى ذلك من مسميات تعكس الخصائص المحلية والتراث القومي والطابع العقائدي.
يتضح مما سبق أن إدارة التنمية تهتم بوضع األهداف ،واختيار النظريات والنماذج وتحديد نظام األسبقيات أو
األولويات وتصميم اإلطار العام للتنمية بمشتقاتها المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وتحديد أو تعميق
فلسفة التنمية وايديولوجيتها .تطرح إدارة التنمية ايضا سؤال لماذا؟ لماذا تنمو ولماذا نستخدم نماذج معينة
ل لنمو دون األخرى وتركز على قطاعات تنموية دون اخرى ولماذا نستقدم مؤسسات من الشرق ومن الغرب؟
ما هي الفلسفة من وراء ذلك؟ ولماذا نختار المسار التنموي أبدال من به أو أن نبدأ التنمية يود طالب إدارة
التنمية أن يتعرفوا على مسار إدارة التنمية ،أو القبلة التي تتوجه اليها التنمية ،الن التنمية انا لم توجه في
18
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المسار الصحيح انقلبت إلى العشوائية فالتنمية لها آثارها االيجابية والسلبية فيمكن أن تنتج الجهود التنموية
سلعا تلبي الحاجات األساسية للبشرية كما يمكن أن تنتج سلعا تدمر البشرية ويمكن أن تنتج تكنولوجيا لتسخير
البيئة واس تخدام ها االستخدام األمثل كما يمكن أن تنتج تكنولوجيا لتلويث البيئة .
تهدف إدارة التنمية إلى تحقيق الحياة السعيدة باستخدام األساليب التقنية واالجتماعية الحديثة كما يقول جرالد
کيدن .Gerald E. Caiden.ومعيار التنمية عند کيدن هو تحقيق النتائج وليس الشكل أو الشعارات
يشترط کيدن لتحقيق ذلك وجود ايديولوجية تنمية أو توفر ما أطلق عليه ويدنر Weidnerبالحالة الذهنية
a state of mind.التي تعمق االيمان بالتنمية العادلة المتوازنة.
إدارة التنمية كعقيدة doctrineتقوم على ايديولوجية لوضع اسبقيات وأولويات التنمية واإلصالح
االجتماعي والتحول االقتصادي والسياسي والتكامل والترابط أو االنصهار اإلقليمي والديني وااللتزام
بالمستقبلية أي االلتزام بأيديولوجية التنمية كمفتاح للمستقبل.
إدارة التنمية كما يقول کيدن هي مفهوم معياري قيمی ويقصد بذلك انها ذات أبعاد أخالقية متعددة وتهدف إلى
تحقيق اهداف قيمية يمكن قياسها وان اختلفت معايير القياس وتقوم على افتراض أن التنمية شيء مرغوب
ويمكن أن يترجم إلى برامج عمل كما يمكن وضع برامج العمل في خطط ويمكن السيطرة على هذه الخطط
بواسطة النظم اإلدارية.
تقوم إدارة التنمية ايضا على افتراض أن مشاكل االنسانية هي مشاكل حقيقة تتسم بالوضوح ،وهي ايضا
مشاكل ملحة يحتاج عالجها إلى المهارات العملية والنظرية كحد سواء ،مجال تطبيقها هو الميدان العملي
عالم الجمهور الحقيقي people the real worldعالم تختلف فيه القيم والمذاهب واالنتماءات السياسية
بقدر ما تختلف فيه االنتماءات العنصرية ،واآلراء ،والمنطلقات الفكرية ،والفلسفية .يتطلب العمل في مجال
إدارة التنمية -اي الميدان العملي أو عالم الجمهور الحقيقي -مختلف المهارات مهارات في علم االقتصاد
وعلم السياسة وعلم االجتماع وعلم التاريخ وعلم االجناس وعلوم البيئة والجغرافيا الخ ومن ثم فان طبيعة
مادة إدارة التنمية الشمولية تلون منهجيتها األكاديمية وتزيد من قابليتها الستيعاب مختلف التخصصات
العلمية.
إدارة التنمية كما يعرفها ميرل قينزود Merle Fainsodوسيط أو أداة لنقل القيم اإلبداعية innovating
valuesولوضع الدول النامية في طريق التصنيع والتحديث فهي تقوم بإنشاء مؤسسات ونظم إدارية
التخطيط النمو االقتصادي وتوسيع الموارد الطبيعية لزيادة الدخل القومي ،وزيادة التنمية الصناعية وتحقيق
األهداف العريضة للتنمية.
19
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يقول کيدن ان إدارة التنمية ليست هي التنمية اإلدارية وتختلف ايضا عن اإلدارة العامة في مطلقاتها
واتجاهاتها ومنهجيتها .تقوم إدارة التنمية على اساس قيمی معياری كما ذكرنا سابقا culture bound
شيء حسن ،والمهم هو البعد القيم وتربط التنمية بهذا المعيار األخالقي فتفترض أن التنمية إدارة التنمية
تضيف خصائص وأبعاد جديدة للشيء الحسن شيء حسن واألخالقي لكلمة فتفترض أن التنمية شيء حسن
فقط إذا ارتبطت بالمعيار األخالقي وهو عدالة التوزيع والتوازن فقط إذا استهدفت قدرات االنسان وتحريره
من الفقر والبطالة والمساواة وعلى شيع حسن التنمية شيء شاء حسنه إذا كانت اقتصادية وان الكفاية خالف
ذلك تقول التنمية اإلدارية ان االنتاجية إذا اجتازت معيار أو ختبار التكلفة والربح حسن cost/benefit test
أي أن التنمية شيء فقط إذا ادت إلى زيادة الدخل القومي وتوفر السيولة النقدية والتوازن في ميزان
المدفوعات حسن ان إدارة التنمية تتساءل ،التنمية لماذا؟ ? development for whatوالتنمية اإلدارية
تجيب التنمية من اجل التنمية ،ومن ثم تجرد التنمية من محتواها األخالقي .تضيف إدارة التنمية البعد
االنساني للتنمية فتقول هدف التنمية هو تخفيف المعاناة االقتصادية واالجتماعية والنفسية وتوفير فرص الحياة
السعيدة لإلنسان ومن ثم يرتبط تقييم التنمية بمدى تحقيق هذا الهدف .إدارة التنمية تمثل نقطة التحول من
االهتمام بالوسائل واألساليب موضوع اهتمام التنمية اإلدارية إلى فحص األهداف والغايات و إلى البحث.
من معاني جديدة للعمل االداري وإلى توزيع الخيارات choices distributionفي المجتمع من يأخذ ماذا
ومتى ولماذا؟ ? who gets what, when and whyوأوضحنا في الصفحات السابقة بعض الخصائص
الرئيسية إلدارة التنمية المواضيع التي تناقشها واالسئلة التي تطرحها واهتماماتها الرئيسية و سوف نلقي في
الصفحات التالية ضوءا على اسباب نشأتها ورواجها.
يناقش الدكتور عامر الكبيسي نشأة حقل إدارة التنمية واالسباب التي أدت إلى ظهوره فيستعرض بعض آراء
المفكرين مثل هندرسون Hendersonوويدنر weidnerو ميلوس Meadowsيقول عامر الكبيسي
بدأ هذا المفهوم يتضح وينتشر في مطلع الستينات ومن يتابع ويتأملن معاني هذا المصطلح يلحظ انه بسبب
حداثة نشأته فقد اعطيت له معاني متعددة ويقول على لسان هندرسون أن المصطلح جاء كردة فعل اكاديمية
من قبل الكتاب الذين الحظوا بأن حقل اإلدارة العامة بحكم نشأته وتدريبه في الواليات المتحدة األمريكية بدأ
يرتبط ويتأثر بمعطيات الحضارة الغربية culture boundوبالتالي فان نماذج تنظيماته وأساليبه ووسائل
تطبيقاته قد ال تكون هي البديل أو المرشد الذي يمكن لدول العالم الناشئة لتأخذ بها وتهتدي بمعطياتها في
سعيها للتحول نحو األفضل وعليه فان ظهور إدارة التنمية يعتبر كشعار labelأو كمصطلح يثير االنتباه.
للبحث عما يالئم هذه المجتمعات الجديدة من افكار ووسائل وتنظيمات تنسجم وواقعها وتتالءم وظروفها
20
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الحضارية بدال من أن تقع أسيرة المفاهيم والنظريات المستمدة من خارج حدودها أو التي نمت على غير
تربتها .يستطرد عامر الكبيسي في وصف اسباب نشأة إدارة التنمية فيستعرض آراء ويدنر والذي يرجع
أسباب ظهور إدارة التنمية لعدم االتفاق على ما تعنيه اإلدارة العامة بالنسبة للعديد من األقطار فوجد الخبراء
والفنيين الذين يوقدون لتقديم المساعدات لتلك األقطار صعوبة في تحديد مهمتهم فرأوا من المناسب أن
يستخدموا لفظة أكثر تحديدا وأدق معنى في هذا المجال فكانت إدارة التنمية هي البديل .ومهما يكن األمر فقد
ظهر مصطلح إدارة التنمية وشاع استعماله وكان جل تركيزه على المستلزمات والمتطلبات اإلدارية التي
تسهم في تحقيق األهداف والسياسات االقتصادية واالجتماعية.
يتضح من اآلراء المطروحة أعاله أن إدارة التنمية جاءت كرد فعل السلبيات اإلدارة العامة ،فهل يا ترى
انتهت هذه السلبيات؟ ثم هل هي مجرد ردود افعال تنتهي بانتهاء المؤثر الذي تسبب في وجودها؟ أي هل هي
سح ابة ال تلبث أن تنقشع بانتهاء مبررات وجودها؟ هل هي موضة استخدمها الخبراء والفنيون لترويج
مهاراتهم الفنية أم ان إدارة التنمية مي حقل نابع من الحاجات الحقيقية للدول النامية وان هذه الحاجات
متجددة ،وستبقى ما بقيت حاجات االنسان وستبقى ما بقي السباق بين الدول الغنية والدول الفقيرة -صراع
حول موارد العالم المحدودة وصراع حول البقاء في عالم تجتاحه الكوارث الطبيعية من فيضانات وزالزل
وشح في الطبيعة ومجاعات وحروب ساخنة وباردة حول صغائر األمور وحول كبائرها؟ هل إدارة التنمية
في ردة فعل أم يقظة فكرية وصحوة ضمير؟
أن ردود ا ألفعال تنتهي بانتهاء مسبباتها غير ان اليقظة الفكرية وصحوة الضمير تبقى أمدا أطول ان إدارة
التنمية بمفهومها الذي تحدثنا عنه سابقا نقطة تحول كبير في الفكر االداري تطرح اسئلة جديدة وتناقش
مواضيع.
ملحة وترتبط بقضايا أكثر عمقا ال نستطيع مناقشتها في حدود اإلطار الكالسيكي لإلدارة العامة أو في حدود
البارادايم القديمة والمقصود بالبارادايم هو اسلوب التفكير ومنهج التحليل ،فهل يا ترى يتسع اسلوب التفكير
ومنهج التحليل في اإلدارة العامة لمناقشة قضايا إدارة التنمية قضايا الفقر وقضايا العطالة وقضايا الالمساواة
وقضايا نقل النماذج والتكنولوجيا؟ أليست هذه القضايا هي قضايا بارادأيماتيكية Paradigmaticإذا صح
استخدام مصطلح ثوماس کون Thomas Kuhnأي قضايا لها أبعادها الفكرية واأليديولوجية .أليست
البارادايم القديمة والتي ترعرع وتمي في ظلها علم اإلدارة العامة مسئولة عن استمرارية ان لم نقل وجود
هذه المشاكل؟ اليس علم اإلدارة هو ظل للبارادايم القديمة؟ فكيف إذ ا نناقش قضايا إدارة التنمية في محتوى
اإلدا رة العامة؟ تطرح التساؤالت التي ورد ذكرها مجموعة أخرى من التساؤالت عن طبيعة علم اإلدارة
21
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
العامة وإدارة التنمية وتبدأ هذه التساؤالت بسؤال هام وهو هل العالقة بين اإلدارة العامة وإدارة التنمية هي
عالقة تكاملية أم عالقة احاللية؟ هل إدارة التنمية هي امتداد لإلدارة العامة أي هل هي كما تعرف احيانا في
الكتب الكالسيكية هي اإلدارة العامة في الدول النامية ،أم إدارة التنمية هي تحول كأمل من المنظور
الكالسيكي القضايا إدارة التنمية في الدول النامية؟ تحول يتقاطب مع ما تعارفنا عليه في علم اإلدارة العامة.
تحتاج االجابة على هذه التساؤالت إلى ما نسميه باالتفاق البارادايماتيکی Paradigmatic Consensus
بين المفكرين ليس في الدول الغربية والذين يفكرون بوحي من أساليب التفكر الغربية الكالسيكية أو البارادايم
القديمة ،وانما اتفاق بارادأيماتيکی بين المفكرين في دول العالم الثالث والذين يقفون في خط الدفاع األول
ويعيشون مشاكل الفقر والعطالة ونقل النماذج وإلى أن يتم االتفاق البارادايماتيکی بين المفكرين في دول
العالم الثالث والرابع ايضا .فلنا بعض المالحظات المبدئية تبديها عن العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة
العامة.
أوال ال ينبغي قبول التعريف الكالسيكي اإلدارة التنمية والذي يقول ان إدارة التنمية هي اإلدارة العامة في
الدول النامية ان هذا التعريف ال يسيء يتطرق الفصل الثالث بشيء من التفصيل لمفهوم البارادايم ودورها
في التحوالت في حقل اإلدارة العامة.
اإلدارة التنمية فحسب وانما يس يء أيضا لإلدارة العامة ويحبسها فقط في اإلطار الغربي الذي نمت فيه ويثير
الكثير من التساؤالت حول عالميتها تطبيقا في مختلف دول العالم وعمليتها ويعني ذلك أن مبادئ اإلدارة
العامة ال تصلح في أمريكا الالتينية وافريقيا ودول آسيا.
ثانيا إدارة التنمية ليست هي ظال لإلدارة العامة وإنما هي كيان مستقل ينفرد بشخصيته التي تميزه عما سواه
له منهجيته الخاصية واسلوب تفكير وقاعدة نظرية وإطار فلسفي خاص.
ثالثا وهنا تبدو الحاجة أكثر من تكون إلى االتفاق البارادايماتيکی -ان العالقة بين اإلدارة العامة وإدارة
التنمية ليست هي ع القة تكاملية في جميع األحوال وانما هناك حاالت تكون العالقة بينهما عالقة احاللية.
رابعا ينبغي أن ننظر لإلدارة العامة وإدارة التنمية من منظورين مختلفين .ويعني ذلك عدم التسليم بأسلوب
تفكير ومنهجية اإلدارة العامة واعتبارها إطارا أبستمولوجيا إلدارة التنمية.
22
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
التنمية اإلدارية
ذكرنا في الصفحات السابقة أن االسئلة التي تطرح في إدارة التنمية والمواضيع التي تناقش تختلف عن
األسئلة التي تطرح في التنمية اإلدارية وأن األولى تبدأ بسؤال ماذا ولماذا؟ ماذا ننتج ولماذا؟ والثانية تعنى
باإلجابة على سؤال كيف تطور النظام االداري والجهاز الحكومي الستيعاب الوظائف اإلدارية والتنموية؟
كيف نعيد تنظيم الهياكل اإلدارية لتصبح أكثر قدرة على اتخاذ القرارات؟ كيف نطور نظام االتصال
والتفويض وكيف نبسط االجراءات اإلدارية لزيادة فاعلية المنشأة؟ وكيف ننمي المهارات اإلدارية والسلوكية
للعاملين؟
اختلف طالب اإلدارة العامة في وضع تعريف المصطلح التنمية اإلدارية .تعكس هذه االختالفات االتجاهات
الرئيسية في منهجية علم اإلدارة والتي تحدثنا كلمة أبستمولوجيا تعني فلسفة المعرفة انظر عنها ايضا .
فظهرت مجموعة من االتجاهات في تعريف التنمية اإلدارية نلخصها في ثالث اتجاهات رئيسية االتجاه
الهيكل الوظيفي structural functionalاالتجاه اإلجرائي operatiorialاالتجاه السلوکی behavioral
المدرسة أو االتجاه الهيكلي الوظيفي
عرف رواد المدرسة الهيكلية Structural-functional Schoolو على رأسهم اسمان وفرد ريجز واتباعهم
التنمية اإلدارية على محاور هيكلية وظيفية فربطوا التنمية اإلدارية بأمالح البناء الهيكلي الستيعاب الوظائف
اإلدارية ويعني ذلك عند اسمان بناء المؤسسات institution buildingو عند فرد يجز التنوع الهيكلي
structural differentiation
يقوم مفهوم بناء المؤسسات على افتراض أن تنمية القطر أي قطر تعتمد إلى حد كبير على مقدرة القيادة على
تصميم وبناء شبكة من المؤسسات التعبئة وتنمية موارد الدولة الطبيعية واالنسانية ويعتمد ذلك على ضخامة
رأس المال المستثمر وحجم التعليم والتدريب واستخدام التكنولوجيا الحديثة يرتبط مفهوم بناء المؤسسات
بالقناعة المتزايدة بان التنمية تتحقق عن طريق خلق مؤسسات جديدة فعن طريق هذه المؤسسات يمكن نقل
القيم الحضارية واالساليب التنظيمية الحديثة وتأسيس وتعميق ونشر هذه القيم إلى القطاعات المختلفة في
المجتمع.
يهتم القادة ال مجددون في الدول النامية وموظفو العون الفني وخبراء األمم المتحدة الذين يفدون لهذه الدول
بتقديم االستشارات في مختلف الميادين وبناء شبكة من المؤسسات االستخدام الموارد المحلية واالجنبية
استخدام ا فعاال والنقل القيم الحضارية المتعلقة بالتكنولوجيا الغربية وينقل النماذج االدارية والتنموية ويعني
ذلك نقل انماط سياسية واجتماعية واقتصادية الهدف منها تغيير التركيب االجتماعي واالقتصادي والسياسي
23
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
للمجتمع ليتناسب مع المؤسسات والنماذج الجديدة ويشمل ذلك تغيير العادات والتقاليد والتركيب األسرى
والروابط التقليدية على مستوى االسرة الممتدة extended familyو القرية وتغيير القيم االجتماعية
والسياسية .
التنمية اإلدارية وفق مفهوم بناء المؤسسات تعنى بناء مؤسسات قادرة على الخلق واالبداع ذات كفاءة عالية
في أداء الوظائف الجديدة وفي نقل ونشر القيم الحضارية والوظيفية إلى الشرائح االجتماعية المختلفة وذات
مقدرة عالية ألحداث التغيير االجتماعي المطلوب.
يقوم مفهوم نقل النماذج وبناء المؤسسات على مجموعة من االفتراضات يمكن أن نجعلها فيما يلي
-1تتحقق التنمية االقتصادية واالجتماعية في الدول النامية مع استقدام التكنولوجيا اجتماعية كانت او مادية
واستقدام مؤسسات لنشر القيم التكنولوجية يتوقف نقل ونشر واستيعاب التكنولوجيا على ايجاد قيم مساعدة
supporting valuesوإجراءات واساليب وهياكل تنظيمية في البيئة يتعذر وجود هذه القيم المساعدة في
الدول النامية عند أي قبل استقدام التكنولوجيا وعليه يصبح تغيير القيم واالجراءات واالساليب والهياكل
التنظيمية المحلية ضرورة لتهيئّة المناخ للتكنولوجيا الحديثة.
-2يتم استقدام التكنولوجيا الحديثة من خالل منشآت او تنظيمات تصبح هذه التنظيمات اوعية لتأسيس القيم
المساعدة.
-3ان التخطيط الواعي لعملية التغيير المؤسسي وما يصاحب ذلك من التغيير التكنولوجي يضمن حسن
استخدام الموارد.
-4تفريعا على ما تقدم يمكن تعريف بناء المؤسسات بتخطيط وبناء وتوجيه وقيادة المؤسسات الحديثة بهدف
احداث تغيير في القيم وفي الوظائف وفى التكنولوجيا وبهدف ايجاد عالقة تعاونية بين المؤسسة وبيئتها تقوم
على تبادل المنفعة ،والتعاون ،والتكامل ،واالنسجام.
ابتكر فرد ريجز مصطلح التنوع الهيكلي ويقصد بذلك قيام منشآت وتنظيمات متنوعة ومتعددة ألداء الوظائف
اإلدارية المختلفة بدال عن المؤسسات التقليدية في الدول النامية كالتنظيمات القبلية والتكوينات الريفية المحلية
على مستوى القرية والتي تجمع بين الوظائف االدارية ،والسياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية.
والتنوع الهيكلي يشبه لحد كبير بناء المؤسسات كما جاء في دراسات اسمان.
وفى واقع االمر فان المنطلق الفلسفي الذي يقوم عليه مفهوم التنوع الهيكلي وبناء المؤسسات واحد وأن
اختلفت اساليب معالجة المفهومين عند كل من الكاتبين.
24
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
فكال النموذجين يقوم على افتراض ان التنمية االدارية تتوقف على نقل التكنولوجيا الغربية وخلق أنماط
ادارية واجتماعية وسياسية مشابهة لألنماط الغربية وتغيير البيئة االجتماعية في الدول النامية لتكون أكثر
تناسبا للتكنولوجيا الحديثة واكثر قابلية المتصاص القيم التي تصحب استقدام التكنولوجيا فالمنطلق الفلسفي
الذى يبدا منه النموذجان هي ان السلوك اإلداري و االقتصادي واالجتماعي ايضا هو نتاج تفاعل الهيكل
ويشمل ذلك المؤسسات والفلسفة التي تقوم عليها واالجراءات واالساليب التي تحكم مسيرتها مع البيئة.
اي أن المؤسسات تؤثر في البيئة بقدر ما تتأثر بها.
ومن هنا جاء اهتمام النموذجان بالبيئة او األيكولوجي . ecology
تنظر المدرسة الهيكلية للجهاز اإلداري كنظام مفتوح open systemيتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها
سلبا وايجابا كما تفترض وجود عالقة دائرية بين الجهاز اإلداري وايكولوجيته تتلخص في استيراد الطاقة
من المحيط في شكل مدخالت وتحويلها لتصديرها مرة ثانية للمحيط في شكل مخرجات ثم قياس رد فعل
المحيط او البيئة في شكل معلومات مرتدة وتغذية معاكسة.
اعتمدت هذه المدرسة أيضا بنقل النماذج الغربية الى الدول النامية وتطبيقها لتواكب البيئة الجديدة.
فهي تنطلق من مفهوم ما يصلح لشركة جنرال موتر يصلح ايضا للواليات المتحدة أي ما يصلح او يثبت
فائدته في الدول المتقدمة ايضا يصلح للدول النامية.
فاإلطار النظري الذى تدور حوله هذه المدرسة هو مفهوم نظرية اللحاق أي اللحاق بركب الحضارة الغربية
بقيادة الواليات المتحدة.
ومعني ذلك خلق اجهزة ادارية على غرار ما هو موجود بالواليات المتحدة وغرب اوروبا ذروة النضج
االداري وفق نظرية هذه روستو Stages of Economic Growthومن هنا تصبح هذه المدرسة هدفا
لنقد اعدا ئها واالتهام بانها تربط نفسها بالحتمية التاريخية والمادية أي باإلطار الثقافي و الحضاري والتقني
لغرب اوروبا تركز هذه المدرسة وفقا لمنهجها الهيكلي على مفهوم السلطة توزيعها ،وتركيزها ،وتخويلها،
وتفويضها.
فهي تعنى بجانب تصميم النماذج والهياكل بالمركزية والالمركزية وبخطوط السلطة الرسمية ونطاق التمكن
ووحدة التوجيه واالشراف والسالسل الهرمية أي تهتم بالجائب الساكن او الثابت staticمن المنظمة
وتجاهلت بذلك الجانب الديناميكي االنسان فالتنمية اإلدارية أو االصالح االداري وفق مفهوم هذه المدرسة
يبدأ بدراسة الخارطة التنظيمية للتعرف على خطوط السلطة وتوزيع المسئولية رأسيا وأفقيا وتحديد
االختصاصات لمنع االزدواجية.
25
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المدرسة أو االتجاه اإلجرائي
التنمية اإلدارية في هذه المدرسية هي جهود مصممة خصيصا إلدخال تغييرات جوهرية في نظم اإلدارة
العامة من خالل اصالح شامل للنظام االداري أو على األقل من خالل اجراءات لتطوير واحد أو أكثر من
عناصره الرئيسية كالترتيب والتنظيم الوظيفي واإلجرائي.
يتحول االهتمام هنا إلى العناية باإلجراءات اإلدارية مثل التنظيم واألساليب organization and methods
واالقتصاد في النفقات واالستخدام األمثل للموارد البشرية و التقنية بابتكار أمثل الوسائل ألداء العملية
اإلدارية عن طريق دراسة الوقت والحركة وعن طريق تحليل العملية اإلدارية وتقسيمها إلى وحدات قياسية.
ومن رواد هذه المدرسة المعهد الملكي البريطاني والذي يضطلع بمهمة التدريب والتنمية اإلدارية في مختلف
قطاعات ومستويات الحكومة البريطانية يتبنى هذا المعهد مشروع وحدة الخدمات اإلدارية
Management Service Unitsفي المصالح والدوائر الحكومية المختلفة.
تقوم هذه الوحد ات بتصميم النماذج وتقييم االجراءات واألساليب وتقديم االستشارات اإلدارية في معظم دول
العالم.
ينصب اهتمام المدرسة اإلجرائية على الجانب التطبيق اإلجرائي في المستويات القاعدية في المنظمة فتتجاهل
بذلك القضايا اإلدارية الكبيرة مثل مشاكل اتخاذ القرارات ،والصراع والقيادة والسلطة والنفوذ والمشاركة
ومشكلة تحقيق الذات واالغتراب ،واالنفصام واالنتماء والعالقات اإلنسانية.
استعرضنا في الصفحات السابقة مفهوم المدرسة الهيكلية والمدرسة االجرائية التنمية اإلدارية وأوضحنا أن
التنمية اإلدارية وفق المدرسة الهيكلية تعني اصالح الهرم االداري وانشاء هياكل ومؤسسات جديدة لمباشرة
الوظائف اإلدارية المستحدثة ويعني ذلك أيضا قيام مكاتب ووحدات وأقسام ودوائر إدارية على نظام
التخصص الوظيفي functional specializationوالذي يعني تقسيم العمل إلى وحدات تخصصية ويتم
التخصيص وفق اربعة مبادئ على النحو التالي
-1الهدف purposeويعني تقسيم العمل في المؤسسة على أساس ألهداف المعلنة.
فإذا اخذنا مثال شركة البترول كمثال فان تقسيم العمل وفق هذا المبدأ يعني تقسيم نشاطات الشركة إلى
وحدات هدفية مثل قسم المبيعات والذي يهدف لتسويق منتجات الشركة وقسم الحفريات وقسم التنقيب وهلم
جرا.
-2الوسيلة processوهو تجميع العمل الذي يعتمد على وسائل معينة في وحدات متخصصة مثل وحدة
تحليل المعلومات أو وحدة الحاسب االلكتروني أو وحدة قياس الرأي العام أو العالمي ويعتمد العمل في هذه
26
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الوحدات على استخدام كفاءات ومهارات واجراءات معينة تستفيد منها جميع الوحدات األخرى مثل وحدة
المبيعات وقسم الحفريات وقسم التنقيب.
- 3الزبون أو الجمهور المستفيد من خدمات المؤسسة Clienteleتقسيم العمل على أساس الزبون يعني
وضع العدل الذي يوجه لمجموعة معينة من الزبائن فوحدات متخصصة مثل وحدة تدريب الكتبة ووحدة
تدريب عمال الحفريات ووحدة قياس رأي الجمهور ووحدة األعضاء share holdersالمساهمين.
-4المناطق الجغرافية يتم احيانا تقسيم العمل على أساس المناطق الجغرافية ويعني ذلك توحيد العمل الذي
يقع في منطقة جغرافية واحدة في وحدات مهنية مثل شركة بترول أبو ظبي الوطنية فرع العين أو فرع
المصفح الخ.
وكما ذكرنا سابقا تشمل التنمية اإلدارية تطوير االجراءات اإلدارية حتى يسهل انسياب العمل في القنوات
اإلدارية المختلفة وتدفق القرارات وانجاز أقصی ما يمكن في أقصر وقت وبأقل تكلفة.
فالتنمية اإلدارية كما ورد سابقا تسقط بتركيزها على الجانب الثابت أو اآللي عنصرا هاما وهو االنسان من
المعادلة.
ومن ثم تتجاهل االجابة على الكثير من االسئلة مثل ما هي المهارات االنسانية والسلوكية التي نحتاج اليها
إلنجاز اقصى ما يمكن في أقصر وقت وبأقل تكلفة؟ وهل يمكن ترقية وترشيد االنتاج بدون هذه المهارات؟
هل يمكن عزل الجانب االنساني عن العامل والموظف أم أن الجانب االنساني مكمل للجانب اآللي؟ وهل فعال
تقود تنمية قدرات العامل أو الموظف السلوكية إلى تنمية المنظمة أو المنشأة وزيادة االنتاج ورفع االنتاجية؟
لإلجابة على هذه األسئلة ال بد من إعادة تعريف التنمية اإلدارية لتشمل العنصر السلوکی بجانب العنصر
الهيكلي واإلجرائي.
المدرسة أو االتجاه السلوكي في تنمية المنظمة Organization Development
تتم التنمية اإلدارية وفق المدرسة السلوكية في محتوى ما يطلق عليه تنشله المنظمة وهو فرع من فروع
المعرفة نبع من المدرسة السلوكية يعني بترقية المهارات االنسانية ويركز بصفة خاصة على الجانب
السلوكي.
عرف فرنش وبيل French and Bellتنمية المنظمة بتنمية مقدرة المؤسسة ومهارات العاملين فيها على
حل وعالج المشاكل ومباشرة عملية التحديث بمساعدة وكيل التغيير change agentوباستخدام نظريات
وأساليب العلوم الس سلوكية التطبيقية.
تتم عملية التحديث والتغيير عن طريق المشاركة بين خبير التغيير والعاملين في المؤسسة.
27
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
كما عرف هـ .هورنستين H. Horensteinوآخرون تنمية المنظمة بخلق ثقافة تساعد على تأسيس
التكنولوجيا االجتماعية لتحليل وتغيير سلوك الفرد والمجموعة خاصية السلوك الذي يتعلق باتخاذ القرارات
والتخطيط واالتصال.
فبينما تعتمد المدرسة االجرائية على التنظيم واألساليب وبحوث العمليات واالحصاء والوسائل المقدارية
والكمية في تقسيم العملية اإلدارية إلى وحدات قياسية وتحليل العملية إلى جزئيات الكتشاف أمثل االجراءات
واألساليب ،فان التنمية والتطوير االداري وفق مفهوم تنمية المنظمة تعتمد على معطيات مدرسة العلوم
السلوكية وتركز اهتمامه ا على مشاكل االتصال والمشاركة والوضوح والنمو والتغيير والعالقات االنسانية
وتحقيق الذات و الثقة والمشاعر واإلحساس و السلوك واستراتيجيات التدخل والمؤثر واالستجابة ومقاومة
التغيير والتحفيز.
تأ خذ مدرسة التنمية والتطوير االداري االنسان والمنظمة كوحدة دراسة فالمنطلق الفلسفي الذي تتحرك منه
هذه المدرسة هو أن تنمية قدرات االنسان عن طريق تطوير مهاراته تقود إلى تنمية المنظمة بتحقيق أكبر
قدر من االنتاج بأقل تكلفة في أقصر وقت وفق المفهوم الكالسيكي للتنمية اإلدارية تشمل تنمية قدرات
االنسان المقدرة على االتصال وصنع القرار وتحقيق الذات واالستجابة للتحفيز.
تقوم فلسفة هذه المدرسة على افتراض أن قدرات ومواهب االنسان كما يقول ارسطو ال يمكن أن تنمي اال
باالستخدام فهي كالسيف إذا شحذته أزداد مضاء ا وإذا تركته أصابه الصدأ.
ومن هنا تأتي أهمية السلوكية التطبيقية كأساس وإطار فلسفي وعملي للتطوير اإلداري تعتبر المشاركة في
صنع القرارات ووضع األهداف من الركائز األساسية التي يعتمد عليها التطوير االداري وفق المنهج
السلوكي.
فاإلنسان حسب مفهوم هذه المدرسة هو مستودع لآلراء يملك مقدرة عالية لالبتكار واإلبداع والخلق إذا ما
أتيحت له فرصة المشاركة هذا فوق أن المشاركة تربط االنسان بأهداف المنظمة.
إن مشاركة االنسان في وضع أهداف المنظمة تجعله أكثر انتماء ا لتلك األهداف والمقصود هنا المشاركة
الجماعية ويقوم مفهوم المشاركة الجماعية على اعتبار أن العمل االداري أو التنموي هو مسئولية جماعية
وأن تكاتف جهود العاملين في المنظمة يؤدي إلى تقليل حدة الصراع وصرف الجهد إلى تحقيق أهداف
المنظمة أو المنشأة.
يقوم مفهوم المشاركة أيضا على افتراض أن االنسان طموح يستخدم كل الفرص المتاحة له للنمو وأنه يجب
العمل وأن أهداف االنسان تتطابق أهداف المنشأة التي يعمل بها وأن االنسان يتمتع باستعداد فطري التحمل
28
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المسئولية ومن ثم ينبغي أن ال نثقل عليه في االشراف و أن نمنحه قدر ا من الحرية ألداء مهامه وأن ال
نتدخل إال في خدود في جزئيات وتفاصيل تعتبر المشاركة وسيلة وغاية على حد سواء.
فهي وسيلة لتحقيق اهداف المنشأة ،الن المشاركة كما ذكرنا تؤدي إلى ربط العاملين بأهداف المنظمة
وتحفزهم لالنتماء اليها .فهي اذن وسيلة من وسائل التحفيز تقود إلى التنمية اإلدارية المشاركة ايضا غاية
ألنها ترتبط رباطا وثيقا بمبدأ الحرية وميدا تحقيق الذات.
فالحرية هي حرية المشاركة في االختيار من مجموعة البدائل المتاحة وهي أيض ا حرية التعبير عن الذات.
فإن غاية ما يصبوا إليه الفرد بعد رضاء هللا هو تحقيق ذاته ،غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل
يستجيب جميع العاملين للمشاركة؟ وهنا يجدر بنا االشارة إلى حقيقة هامة وهي أنه ينبغي أن ال نتوقع من
جميع العاملين االستجابة السريعة لعملية المشاركة.
فقد اشارت األبحاث إلى ان الموظفين في المراحل والمستويات العليا في هرم ماسلو للحاجات مستوى حاجة
الشهرة وتحقيق الذات يستجيبون بصورة أسرع للمشاركة من العاملين أو الموظفين في المستويات الدنيا في
هرم الحاجات الحاجة الفيزيولوجية واألمن.
تعتبر الثقة ايضا أحد الركائز األساسية في التنمية والتطوير االداري وفق مفهوم تنمية المنظمة – الثقة.
* قسم ابراهام ماسلو حاجات االنسان في شكل هرمي إلى خمس حاجات توجد هذه الحاجات في شكل
تراكمي من قمة الهرم إلى قاعدته على النحو التالي الحاجات الفيزيولوجية -الحاجة لألمن -الحاجة لالنتماء
والحب -الحاجة للشهرة والعرفان -الحاجة لتحقيق الذات.
بالنفس وفي رفقاء العمل وبين المجموعات المختلفة التي تتألف منها المنظمة.
يقول علماء السلوك أن الثقة ال تتوفر في مناخ يسوده الغموض والتشكك واخفاء المعلومات الهامة -وحجبها
عن متخذي القرار ومن ثم ينادون بضرورة الوضوح واالنفتاح وفي الجانب اآلخر تتوقف الثقة والوضوح
علی افقي وراسي ،ويعنى ذلك أن توفر الثقة موضوع االتصال بأنواعه المختلفة ،تصاعدي وتنازلي يتطلب
نسياب المعلومات وتدفقها دون عائق وتبادل وجهات النظر بين العاملين ،عن طريق القنوات الرسمية وغير
الرسمية.
يؤكد هذا االتجاه اي االتجاه السلو ان معظم مشاكل المنظمات تنبع من مشاكل االتصال ولذلك ينصب جهد
وكيل التغيير على تحسين وسائل االتصال وتنمية قدرات العاملين البيانية وتبصيرهم بخطوط االتصال
ووسائله وفنونه.
29
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يستخدم مستشارو تنمية المنظمة وسائل متعددة التطوير وترقية األداء هذه الوسائل احيانا تحت مصطلح
استراتيجيات التدخل Intervention Strategies
وتشمل ما يلي
-1تحليل األدوار Role Analysis
-2تحليل القوى الحقلية Force Field Analysis
-3اإلدارة باالهداف Management By Objectives
-4نظرية التكييف Contingency Theory
-5شبكة اإلدارة Managerial Grid
-6مجموعة التدريب T. Group
-7تدريب الحساسية Sensitivity Training
-8اثراء الوظيفة Job Enrichment
-9تحليل التفاعل Transaction Analysis
-10البحث العملی Action Research
-11نظرية التدخل Intervention Theory
-12بناء الفريق Team Building
-13اجتماع المواجهة Confrontation Meeting
-14ستشارة الوسائل Process Consultation
-15تدخل العنصر الثالث Third Party Intervention
- 16تكييف السلوك Behavior Modification
نالحظ مما سبق أن التطوير االداري أو التنمية اإلدارية تحت مفهوم المنظمة تركز على الجانب السلوكي
تكييف السلوك وتطويره وتغييره ،وان هناك استراتيجيات مختلفة للتغيير وأن التغيير يبدأ باإلنسان أي بتنمية
قدرات اإلنسان ،وانه يهمل متعمد السلطة في القوة بتركيزه على الثقة والوضوح المحبة والحقيقة وان وسيلة
التغيير.
هي التدخل والتدريب Interventionويشتمل التدريب على مجموعة السلوكية .بقي لنا أن نوضح دور
التدريب في التنمية أو التطور االداري ،وفلسفة التدريب وكيف يقود التدريب االمتصاص القيم السلوكية التي
أشرنا إليها أعاله.
30
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تقوم فلسفة التدريب على نظرية كيرت لوين Kurt Lewinالسلوكية والتي تقول ان السلوك هو نتاج
الشخصية والبيئة ان اي تغيير في البيئة التي يعيش فيها الفرد بيئة العمل مثال يصحبه شخصيته ،كأن ندربه
على أساليب سلوكية تغيير في سلوك القرد فإذا أجرينا بعض التعديالت في أو اجرائية مختلفة أو عرضناه
لتجارب مختلفة فسوف نتوقع تغييرا مماثال في سلوكه.
فاإلنسان كما يقول ب في اسکنر B.F, Skinnerيستجيب للمؤثر بوسائل وأساليب متعددة استجابة موجبة
وسالبة.
فإذا عززنا االستجابة الموجية فان الفرد يكرر نفس االستجابة الموجبة تحت تأثر ما اسماه بالتكييف
المصنع Operant Conditioningإذا ركزنا على تقوية السلوك الموجب لدى العاملين كالثقة واالنفتاح
والمشاركة والوضوح عن طريق استراتيجيات التدخل والتدريب فإننا سوف تحصل على استجابة موجبة مثل
تعميق هذه القيم أي نستطيع تغيير أنماط سلوك العاملين عن طريق التدريب من حالة االنغالق وعدم الثقة
واالنكفاء على النفس والغموض والخوف من اتخاذ القرارات وتهيب المغامرة والتردد والشكك بنوايا
اآلخرين وعدم مواجهة المواقف بشجاعة إلى سلوك أكثر ايجابية التدريب وفقا لذلك هو احد الوسائل الهامة
إلزالة المهرة بين االتجاه Attitudeوالسلوك Behaviorوالمقصود باالتجاه هو التصرف العفوي الذي ال
يلتزم بقواعد سلوكية عقالنية وقد يكون أحيانا ال اراديا أو منطقيا أو أخالقيا المقصود بالسلوك هو التصرف
الواعي والذي يعتمد على قواعد عقالنية 1و 2و .3
ينشأ الصراع في المنظمة نتيجة عدم االنسجام بين االتجاه والسلوك أي بين النزعات والغرائز الفردية وبين
المطالب العقالنية المنظمة ،أو لوجود نوع من عدم اتجاه المفرد والسلوك التنظيمي الذي ينبغي أن يتحلى به
الفرد.
يطلق على الصراع بين االتجاه والسلوك التباين أو االختالف أو التمرد المدرك Cognitive dissonance
يستخدم التدريب كأسلوب الحسم الصراع فالتدريب وفق هذا المفهوم هو وسيلة لغرس مفاهيم وقيم المنظمة
في وعي العاملين من جانب ووسيلة الستبعاد االتجاهات التي ال تنسجم مع سلوك المنظمة من جانب آخر
فهو اذن اسلوب من اساليب السيطرة والضبط ضبط اتجاهات العاملين والسيطرة على سلوك المنظمة .
31
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
خالصة
تناولنا في الصفحات السابقة موضوع العالقة بين إدارة التنمية والتنمية اإلدارية وأوضحنا المحاور الرئيسية
التي يدور حولها المصطلحان فتبين من النقاش أن مصطلح إدارة التنمية يناقش قضايا فلسفية وايديولوجية
تتعلق بأيديولوجية التنمية وف لسفتها ماذا نتج ولماذا؟ بينما يعالج مصطلح التنمية اإلدارية المسائل اإلجرائية
والهيكلية والسلوكية أوضحنا ايضا ان التنمية اإلدارية تعنى ،بجانب تطوير الوسائل واالجراءات وبناء
المؤسسات ألداء الوظائف اإلدارية المختلفة ،باالهتمام بالهيكل االداري وتطويره واالهتمام بقنوات السلطة
الرئيسية ونطاق االشراف وخطوط االتصال والتفويض ،باإلضافة إلى تنمية قدرات اإلنسان ومهاراته
ويشمل ذلك االنفتاح والثقة والوضوح و المشاركة والمقدرة على االتصال باآلخرين وتتم تنمية هذه المهارات
بالتدريب وضح من التحليل ايضا ان التنمية اإلدارية تجيب على سؤال كيف كيف نزيد الناتج القومي؟ وكف
نعيد تصميم الهرم االداري لنضمن سهولة تدفق القرارات وانسياب المعلومات عبر المستويات اإلدارية
المختلفة؟ وكيف ننشئ مؤسسات جديدة الستيعاب الوظائف الجديدة؟ وكيف نعيد صياغة االجراءات الجديدة
لضمان تحقيق أو انجاز المهام اإلدارية في أقصر وقت وبأقل جهد؟ وكيف تطور المهارات السلوكية لدى
العاملين لزيادة انتاجيتهم وانتمائهم ألهداف التنظيم.
تناول الفصل ايضا موضوع الخلط بين التنمية اإلدارية وإدارة التنمية و عزى ذلك لبعض المشاكل المنهجية
في علم اإلدارة وأشار لبعض هذه المشاكل واهمها طبيعة علم اإلدارة االحتوائية واقتباسه من مختلف العلوم
التطبيقية واالنسانية وقد ارجأنا مناقشة بعض المشاكل المنهجية في علم اإلدارة للفصل الثالث إدارة التنمية
واإلدارة المقارنة حيث إن موضوع المنهجية يمثل المحاور الرئيسية في العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة
المقارنة.
32
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل الثالث
إدارة التنمية واإلدارة العامة
المقارنة عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟
مقدمة
يستعرض هذا الفصل العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة فيجيب على مجموعة من التساؤالت
حول هذه العالقة هل هي عالقة احالليه أم عالقة تكاملية؟ ما هي الدواعي أو البواعث لظهور حقل اإلدارة
المقارنة وإدارة التنمية؟ هل هي موضة طارئة تنتهي مع مسببات وجودها أم ضرورة بارادأيماتيكية
Paradigmatic necessityما هي الجذور الفكرية واإلطار الفلس لإلدارة المقارنة وهل تختلف عن
الجذور الفكرية لإلدارة العامة األم؟ ما هي منهجية اإلدارة العامة المقارنة وهل تختلف عن منهجية السياسية
المقارنة؟ ثم االهتمامات الرئيسية في اإلدارة المقارنة؟ ما هي أوجه المقارنة بين اهتمامات إدارة التنمية
واإلدارة المقارنة؟ هل هما حقالن مختلفان أم هما وجهان لعملة واحدة؟ وما هي المؤشرات المستقبلية
للحقلين؟
وجهان لعملة واحدة؟ وما هي المؤشرات المستقبلية للحقلين؟
اإلدارة العامة المقارنة موضة طارئة أم ضرورة بارادأيماتيكية؟
أشرنا في الفصل السابق لبعض المشاكل المنهجية في علم اإلدارة العامة كما أبرزنا قضية هامة اخذت
تتعاظم بصورة واضحة في حقل اإلدارة العامة عبر عنها في مؤتمرات جمعية اإلدارة العامة األمريكية وفي
سمنارات اإلدارة العامة المختلفة وبصورة أكثر وضوحا في سمنار مينوبروك Minnow brookوهي
مشكلة تناسب relevanceحقل اإلدارة العامة ومقدرته االستيعاب ومعالجة القضايا الملحة وفائدة أو
جدوی علم اإلدارة العامة للمهنيين و الممارسين the professionalsفي ميدان العمل .وكان الهجوم
على حقل اإلدارة العامة يدور حول المحاور التالية
-1ان العاملين في حقل اإلدارة العامة غير قادرين على إدارة التغيير كما أن الجامعات غير قادرة على
اعداد المهنيين للقيام بمهمة التغيير.
-2لم تعد األطر القديمة في اإلدارة العامة صالحة لمعالجة القضايا العصرية مبادئ قوليك Gulickمثال
POSDCORBومبادئ فيول لم تعد صالحة ألنها تجيب على اسئلة تختلف عن األسئلة التي تطرح اليوم.
فقد كانت مبادئ قوليك تجيب على ما هو عمل الرئيس أو المدير العام؟ والسؤال اليوم ماذا ينبغي should
على المدير أن يعمل؟
33
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
-3أن االدب االداري المعاصر The state of the artال يفيد المهني في مجال اإلدارة العامة وال
يرتبط بالمشاكل الحقيقية في عالم اإلدارة.
-4أن األدب االداري المعاصر يقوم على اإلطار الفلسفي لما يسمى بالمنطقية الواقعية Logical Positivism
تؤمن هذه المدرسة بالمنهجية العلمية التجريبية وتنادي بتطبيقها في كل األبحاث العلمية فهي تعتمد على
التجربة والمالحظة وتنادي بفصل الحقائق عن القيم fact-value dichotomy ،فكل ما لم يثبت عن
طريق التجربة فهو باطل وفق فلسفة هذه المدرسية.
بناءا على ما تقدم لم تعد هذه الفلسفة صالحة لمقابلة التحديات العصرية في علم اإلدارة العامة ،ألن هذه
التحديات ترتبط لحد كبير بالقيم Values.فالتحديات المعاصرة هي تحديات قيمية كيف نحقق الحياة
السعيدة؟ وكيف نحقق العدالة االجتماعية؟ ينبغي أن يعتمد علم اإلدارة على إطار فلسفي أو ابستمولوجيا
جديدة New Epistemologyفاالتجاه الحالي نحو العلوم االنسانية وعلم النفس اإلنساني الفينومينولوجيا
هي مؤشرات على الطريق.
-5تجتاح العالم المعاصر مجموعة من موجات االضطراب turbulenceاضطراب في البيئة االجتماعية
واالقتصادية والسياسية.
ان نظريات اإلدارة العامة الحالية والتي نبعت من بيئة مستقرة تتميز بالثبات واالستقرار النسبي ال تصلح
كأدوات تحليل لفهم البيئة المضطربة ومن ثم ال بد من قيام نظريات جديدة أكثر قدرة على التأقلم مع التغيير
في بيئة تتميز بقدم الثبات .وأكثر قابلية للمواجهة الصريحة Confrontation
-6النظريات اإلدارية الهرمية الحالية ال تلبي التطلعات الجديدة في قضية التناسب ،واالضطراب أو عدم
االستقرار والمواجهة والمشاركة وااللتزام بالقيم االنسانية value involvernentوالتغيير ومن ثم يجب
التفكير في ايجاد نظريات إدارية جديدة بعيدا عن االشكال البيروقراطية في اتجاه ما يسمى بالنموذج
االتحادي أو التجميعي consociated modelوالذي يعتمد على السلطة الموقفية لكل مقام مقال أي لكل
موقف اسلوب قيادة مختلف وعلى تقليص الخلل الهرمي بتوزيع السلطة على فرق أو مشاريع تكون القيادة
فيها تناوبية .يشبه هذا النموذج نموذج الري كيركهارت Larry Kirkhartأو المنظمة المصفوفية
Matrix Organizationوالتي تحدث عنها كريس ارجريس.
- 7تتجه اإلدارة العامة الجديدة نحو العمل الميداني actionونحو التنمية والتغيير وحل المشاكل والتدريب
والقيم ونحو المزيد من الوالء للزبون والبرامج ووالء اقل للمنظمة
34
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
- 8بينما تركز االتجاهات الكالسيكية في اإلدارة العامة على الكفاية واالقتصاد فإن االتجاهات الحديثة تركز
على العدالة االجتماعية ويعني ذلك اعادة النظر في انماط وعمليات التوزيع الحالية.
تؤكد اآلراء التي طرحت في سمنار مينوبروك الحقيقة التي اشرنا اليها في الفصل الثاني وهو وجود حالة من
عدم الرضا عن ما يسمى بالحالة الراهنة لألدب االداري تتلخص في عدم مقدرة علم اإلدارة العامة على تلبية
الطموحات الجديدة واستيعاب القضايا التي ترتبط بالتحديات الجديدة في بيئة تتميز باالضطراب وعدم الثبات
وفي واقع األمر فان اآلراء التي طرحت في سمنار مينوبروك ترجع جذورها التاريخية إلى الخمسينات وأول
الستينات حيث طرحت نفس هذه اآلراء لكن في قوالب مختلفة في مؤتمر اإلدارة العامة في برينستون
Princetonعام 1952غير أن هذه اآلراء طرحت في محتوى مختلف حيث أن موضوع النقاش كان
يدور حول مدى تناسب حقل اإلدارة العامة النظرية والتطبيقية مع واقع الدول النامية قادت مداوالت هذا
المؤتمر إلى ابراز جوانب الضعف في حقل اإلدارة العامة فوصف بانه يربط نفسه باالطار الثقافي
والحضاري لغرب أوروبا والواليات المتحدة culture - boundومن ثم ال يصلح للتطبيق في الدول
النامية ولذلك ظهرت الحاجة للتفكير في بديل الحقل اإلدارة فانبثقت فكرة اإلدارة العامة المقارنة على يد فرد
ريجز الذي سرعان ما انتهز هذه الفرصة فكتب العديد من المقاالت في أول الستينات اثارت االهتمام إلى
حقل اإلدارة العامة المقارنة.
بعد هذا السرد الموجز نود أن نعود للسؤال المطروح وهو هل اإلدارة العامة المقارنة هي موضة أم ضرورة
بارادأيماتيكية؟ وقبل أن نجيب على السؤال المطروح نود أن نطرح سؤاال آخر عن ماهية البارادايم ومتى
وكيف تظهر وهل هناك شروط prerequisitesتسبق ظهور البارادايم؟
يقول توماس کون Thomas Kuhnتمر دراسة المنظمات ،كدراسة بقية العلوم العادية Normal Sciences
بعدة مراحل قبل الوصول إلى اتفاق بين العلماء على ايجاد قاعدة ثابتة لدراسة المنظمات وقبولها كمادة حقل
دراسي .أهم هذه المراحل هي وجود وانتشار حالة من عدم الرضا عن نماذج المعرفة السائدة ،ووجود آراء
متعارضة ومتضاربة وعدم وجود دليل ورائد يتخذ كإطار لفهم وتحليل وتفسير وبحث الظاهرة قيد الدراسية
وفقد ان االتفاق العام حول اساسيات الحقل الدراسي تسبق هذه المرحلة ،اي مرحلة .عدم الرضاء ،مرحلة
رفض البارادايم الحالية وقبول البارادايم الجديدة.
اتخذ النداو Landauنظرية ثوماس کون لتحليل التطورات في علم اإلدارة فأشار إلى ان البيروقراطية
تمثل برادايم جديدة في علم اإلدارة العامة أو دراسة المنظمات بشكل عام كما أن المدرسة السلوكية تمثل
برادايم أخرى فهل يا ترى يمكن استخدام نفس المنطق لنقول ان دراسات فرد ريجز واسمان وبقية مجموعة
35
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
اإلدارة العامة المقارنة تمثل برادايم جديدة في الفكر االداري؟ وهل يمثل النقاش أو الحوار الذي دار في
مؤتمر برينستون سنة 1952وإلى دار في سمنار مينوبروك حالة عدم الرضا والتي تعتبر شرطا يسبق
ظهور البارادايم؟ وهل يمثل اللغط الذي كان يدور حينذاك حالة كافية من التذمر ضد نماذج المعرفة السائدة
وفقدان الدليل والتي ايضا تعتبر شرطا هاما يسبق ظهور ورواج البارادايم؟ اي هل اإلدارة العامة المقارنة
ضرورة بارادأيماتيكية؟ تتوقف االجابة على هذا السؤال على تحليل البيئة االكاديمية والثقافية واالقتصادية
وعرف ثوماس س كون العلوم العادية normal sciencesكأبحاث تنطلق من االنجازات العلمية السابقة
والتي يتخذ منها المجتمع العلمي قاعدة ومنطلقا الممارسات عزی کون العلوم العادية إلنجازات ونشاطات
بعض العلماء مثل نيوتن وارسطو وآخرين ،وذلك الن اعمال هؤالء المفكرين ظلت لمدة طويلة منارا يهتدي
به العلماء والباحثون في تعريف الحدود الشرعية للمشكلة ،قيد الدراسة واساليب البحث لألجيال المتالحقة من
المهتمين .ويرجع نجاح أعمال هؤالء المفكرين إلى سببين السبب .األول هو ان انجازات هؤالء العلماء تعتبر
انجازات فريدة جذبت اليها عددا كبيرا من المؤيدين ودفعت بهم بعيدا عن النماذج التقليدية الكالسيكية السبب
الثاني هو ان هذه االنجازات تتميز بدرجة عالية من االنفتاح بحيث تتيح لألجيال الالحقة من المهتمين
والممارسين قدرا كبيرا من الحرية في اعادة تعريف المشاكل قيد الدراسية أطلق کون على مثل هذه
االنجازات مصطلح برادايم.
في الستينات وأول الستينات ابان ظهور ورواج اإلدارة العامة المقارنة وعلى تحليل نماذج الدراسة والتحليل
التي استخدمت في اإلدارة العامة المقارنة هل هي نماذج أصيلة تعتمد على منهجية اصيلة أم هي فقط نقل
للنماذج الغربية وتطويعها لتالئم البيئات التي نقلت اليها؟
ذكرنا في الصفحات السابقة أن التفكير في علم اإلدارة المقارنة بدأ في الخمسينات بعد قناعة المفكرين بان ما
يصلح لدولة معينة ال يعني بالضرورة صالحيته لدولة اخرى وذلك لتباين واختالف األحوال التي تعيش فيها
كل دولة عن الدول األخرى -تباين حضاري وثقافي و اقتصادي و اجتماعي و تكنولوجي -فانصرف
التفكير إليجاد إدارة عالمية تطبق عبر الثقافات والحضارات ،وما كان لهذه الدعوى ان تنجح لوال جهود
العالمة فرد ريجز والمساعدات التي وجدتها مجموعة اإلدارة المقارنة
Comparative Administration Group CAGمن مؤسسة فورد والتي سارعت بتمويل الحركة اقترن
التفكير في ايجاد علم .عالمي لإلدارة ،ببرامج التنمية العالمية وخاصة البرامج التي تبنتها الواليات المتحدة
مثل برنامج التنمية العالمي AIDوبرنامج الطعام للسالم Food For Peaceوالعون األجنبي
36
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
Foreign aidفاتجه مجم وعة من العلماء وعلى رأسهم قرد ريجز لدراسة احوال الدول النامية إليجاد
أرضية وقاعدة لتنفيذ برامج التنمية.
أشار الدكتور ابراهيم درويش إلى عدة عوامل سما عدت على رواج حقل اإلدارة العامة المقارنة مثل
الجامعات والمعاهد العليا والمنظمات اإلقليمية.
كان للجامعات والمعاهد العليا دور هام في دفع حركة دراسة اإلدارة العامة المقارنة .فالجامعات شأنها شأن
بقية المؤسسات العلمية تتأثر بالمحيط الثقافي فهي مستودع للعلوم بأنواعها النظري والتطبيقي ،باإلضافة إلى
انها تستجيب بصورة فعالة لتوقعات ومطالب المحيط الذي تعيش فيه ان أكثر الجامعات اسهام ا في دفع
حركة اإلدارة العامة المقارنة هي جامعة انديانا حيث أصبحت مقرا لمجموعة اإلدارة العامة المقارنة والتي
قامت بنشر أكثر من مائة كتاب في هذا المجال .
كانت الجامعة ايضا تستجيب لحاجة الواليات المتحدة في دراسة وإدارة وتنفيذ مشاريع العون األمريكي
ومشاريع الطعام للسالم فغلبت ثقافة الجامعة على نوعية الدراسات المقارنة وطبيعتها لعبت المعاهد ايضا
دورا هاما في اثراء الدراسية المقارنة و قامت معاهد لإلدارة العامة في الدول النامية على اكتاف منظمة
األمم المتحدة والدول.
المضيفة فكان لها أثر واضح في نشر الثقافة اإلدارية وفي منهجية البحث المقارن وفرت مثل هذه المعاهد
حصيلة ضخمة من المعلومات عن دول العالم الثالث.
قامت بعض المنظمات االقليمية بنشر الثقافة اإلدارية المقارنة ألعضائها مثل منظمة الوحدة االفريقية
ومنظمة دول عدم االنحياز ومنظمة السوق األوروبية المشتركة ومنظمة الدول العربية .وتجدر اإلشارة هنا
إلى منظمة الدول العربية التي قامت بمجهود جبار في اثراء الحياة والعلوم اإلدارية بالشرق العربي حيث
اهتمت المنظمة العربية للعلوم اإلدارية بنشر كتيبات في مجال اإلدارة العامة وبإصدار مجالت أو دوريات
ونشرات متعددة وابتعاث خبراء اإلدارة لترشيد االداء االداري في الدول األعضاء.
بعد استعراض المناخ الفكري الذي نشأت فيه اإلدارة العامة المقارنة فكرة وواقعا تتضح لنا حقيقتان أولهما
أن ظهور اإلدارة العامة بالمقارنة كان ضرورة بارادأيماتيكية دعت لها الحاجة للتفكير في انماط إدارية
جديدة تتناسب مع مختلف دول العالم خاصة الدول النامية وذلك ألن دول العالم الثالث تتميز بخصائص
تختلف عن دول العالم األول والثاني فالمناخ الفكري الذي ساد حقل اإلدارة العامة في أواخر الخمسينات
السندات كان ينبی؟ بظهور برادايم جديدة وإطار جديد لإلدارة األمنية في الدول النامية.
37
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
والحقيقة الثانية التي صاحبت ظهور البارادايم الجديدة هي وجود يقظة أو صحوة ضمير بين دول العالم
المتقدم ابان هذه الفترة وتزايد الوعي بمشاكل التخلف والفقر والمرض والجوع في دول العالم المتخلف
وظهور الرغبة في عالج هذه المشاكل ومد يد العون للدول الفقيرة فقامت مجموعة من البرامج تحت رعاية
الدول الغربية خاصة الواليات المتحدة واألمم المتحدة والمؤسسات الكبيرة مثل مؤسسية فورد وروكيفلر
وتعاظم االهتمام بالدول الفقيرة نتيجة إلى ما يسمى بيقظة الضمير أو بعقدة الذنب ،أي شعور الدول المتقدمة
بمسئوليتها تجاه" حالة الفقر والمرض ما يطلق عليه احيانا في الدول الفقيرة بعد اجيال من االستعمار
واستنزاف الموارد الطبيعية والبشرية وتحويل مقدرات وامكانيات الدول الفقيرة لتصبح وقودا للثورة
الصناعية في الدول الغنية تحول هذا االهتمام أي االهتمام بمعالجة مشكلة التخلف في الدول النامية إلى
موضة في الدول الغربية فأصبحت انسانية الدولة أو المؤسسة تقاس يمني ما تنفقه في سبيل القضاء على
مشاكل الفقر والمرض والجهل في الدول الفقيرة .في هذا الجو المشحون بالعاطفة ظهرت الحاجة إلى فكر
إداري هذه الدول والمؤسسات ويساعدها في إدارة وتنفيذ مشاريع العون للدول النامية .ومن ثم وجدت اإلدارة
العامة المقارنة طاقة دفع كبيرة من المؤسسات والدول التي تعنى بالعون االجنبي وعليه يمكن القول بأن
اإلدارة العادة المقارنة أصبحت موضة يتشبث بها كل من لم يقو على السير عكس التيار.
منهجية اإلدارة العامة المقارنة
قبل أن تسترسل في دراسة منهجية اإلدارة العامة المقارنة ينبغي أن نعرف المحور الذي تدور حوله هذه
المنهجية .عنت دراسة اإلدارة المقارنة بالتركيز على دول العالم الثالث .ظهرت مجموعة من التعريفات
والمصطلحات فيما يتعلق بهذا الجزء من العالم فاختصم العلماء واختلفوا في تعريفه فمنهم من عرفه بصورة
تجريدية بان قسم العالم إلى العالم األول ويقصد به دول غرب أوروبا و أمريكا الشمالية ،والعالم الثاني
ويقصد به في الدول الصناعية في المعسكر االشتراكي ،والعالم الثالث ويقصد به الدول النامية و صحبت
هذا التقسيم مشكلة ظهرت حديثا بظهور دول البترول والتي تختلف ،من حيث البنية االقتصادية والدخل
القومي ودخل الفرد واثرها على السوق العالمي ،عن دول العالم الثالث فسميت بدول العالم الرابع.
التقسيم الثاني يعتمد على معدالت ومستويات النمو وهو تقسيم العالم إلى عالم متقدم وآخر مختلف
استبدل مصطلح متخلف بمصطلح نامي ويعتبر هذا التقسيم عند بعض العلماء مهينا ومجحفا في حق دول
العالم الثالث وذلك الن مسألة النمو هي قضية معيارية.
فالتقدم في مجال التكنولوجيا قد ال يعني التقدم في المجاالت االجتماعية األخرى كالمساواة واألخالق ومساندة
الضعيف وقية المسائل اإلنسانية فزيادة الدخل القومي ودخل الفرد ومعدالت االنتاج .ونمو رأس المال بشقيه
38
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
النقدي والمؤسسي وبناء المنظمات وتطور العمران والتكنولوجيا ال تعني شيئا عند بعض العلماء إذا لم
تصحبها النظرة االنسانية والعدالة.
التقسيم الثالث يعتمد على المرتكزات االيديولوجية فيقسم العالم على اساس النظريات االقتصادية السائدة
االشتراكية والرأسمالية فيقال الدول االشتراكية والدول الرأسمالية اشارة إلى التزامها بخط سياسي واقتصادي
معين ومن المشاكل األساسية في هذا التقسيم هو اعتبار العالم مناطق نفوذ الدولتين عقائديتين وهي االتحاد
الس وفيتي والواليات المتحدة وان ظهور دول علم االنحياز لهو خير دليل على االعتراض على هذا التقسيم.
التقسيم الرابع يعتمد على نفس مرتكزات التقسيم الثاني بيد أنه يعتمد على التقدم التكنولوجي في تقسيم العالم
إلى دول صناعية ودول زراعية اعتمد ريجز هذا التقسيم في تحليل اإلدارة العامة المقارنة.
التقسيم الخامس يعتمد على تقسيم العالم من الناحية االستراتيجية إلى دول مركزية ودول هامشية ،وقد حوى
هذا التقسيم الكثير من خصائص التقسيمات السابقة ،فهو لهذا يعتبر أكثر شموال حيث انه يتسع الحتواء
ظاهرة دول العالم الرابع أي الدول المصدرة للبترول والتي حسب هذا التقسيم دوال مركزية.
تأثرت منهجية علم اإلدارة العامة المقارنة بالكثير من العلوم االنسانية -وأحيانا التطبيقية -خاصة السياسية
المقارنة وفي الواقع فان منهجية اإلدارة العامة األم تأثرت إلى حد كبير بمنهجية السياسية وقد يرجع ذلك من
ناحية تاريخية إلى ان اإلدارة العامة إلى وقت قريب كانت تعتبر جزءا من السياسة وما زالت تدرس في
بعض الجامعات كتخصص في السياسة .هنا باإلضافة إلى ان غالبية الكتاب في مجال اإلدارة المقارنة هم في
الواقع من حملة الشهادات في علم السياسية وخاصة السياسية المقارنة.
تأثرت منهجية علم اإلدارة المقارنة ايضا بمنهجية علم االجتماع والعلوم التطبيقية وخاصة المنطقية الواقعية
والتي تعتمد على التجربة والدراسية المختبرية في رصد الظاهرة كما ويشمل ذلك معظم دراسة الحاالت أي
الدراسات النظم اإلدارية المختلفة في المغرب أو المشرق.
نتج ع ن تعدد منهجيات ومصادر دراسة اإلدارة العامة المقارنة تباين کبير في أسلوب تناول وتشخيص
الظاهرة اإلدارية عبر الحضارات والثقافات فكانت مناهج البحث تعكس الفكر السائد في مجال العلوم
االجتماعية والتطبيقية يمكن أن نجملها فيما يلي۔
-1المنهج الهيكلي The Structural Approach
يعنى بدراسة وتحليل المنظمات والعالقة بينها ويركز على الهياكل اإلدارية والعالقات الهرمية والسلطة
وتوزيعها وتحويلها وتفويضها وتركيزها استعان فرد ريجز بعض معطيات هذا المنهج التحليل المنظمات في
نموذجه الزراعي والصناعي والمنشوري.
39
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
-2منهج النظام الوظيفي The Functional System Approach
يهتم هذا المنهج بوظائف النظام اإلداري والعملية اإلدارية وهو يتكامل مع المنهج األول ينظر هذا المنهج
للجهاز اإلداري كنظام يرتبط بأجزائه وبيئته بعالقة شبكية يقوم بأداء وظائف معينة كما ينظر للنظام من
خالل ما يقوم به من وظائف.
-3المنهج السلوكي The Behavioral Approach
يفحص هذا المنهج سلوك األفراد الذين يقومون بتسيير دفة اإلدارة والسياسية في الدول المعنية -اعمالهم
واتجاهاتهم وتوقعاتهم -مثل دراسة الصفوة أو النخبة القيادية ودور المثقفين في التنمية ودراسة القيادات
العسكرية واتخاذ القرارات.
-4المنهج االيديولوجي The Ideological Approach
وهو ينظر لإلدارة في اإلطار االيديولوجي الذي توجد فيه وتتأثر به ،وسوف نتعرض لهذا المنهج بشيء من
التفصيل في معرض مناقشتنا النماذج العالمية النموذج الرأسمالي.
- 5المنهج التاريخي The Historical Approach
يعني هذا المنهج بدراسة الظاهرة على أساس أنها حدث تاريخي وهو منهج ماكس ويير في بحث
البيروقراطية ومنهج ماركس في تحليل الدولة بيروقراطيتها فالبيروقراطية عند ماركس هي حدث تاريخي
موقوت بظروف اقتصادية معينة.
-6المنهج التجريدي The Abstract Approach
يعني دراسة الظاهرة اإلدارية على اساس تجريدي abstractالمنهج التجريدي ال يهتم كثيرا بالناحية
التطبيقية empiricalوتقع تحت هذا المفهوم نماذج فرد ريجز الزراعي والصناعي ونموذج ويبر المثالي.
فالنموذج المثالي التجريدي ال يشترط مطابقة الواقع.
-7المنهج العلمي التجريبي يعتمد هذا المنهج على العلوم التجريبية فيتأثر بأفكار المنطقية الواقعية
Logical Positivismوهي مدرسة فكرية تنكر كما ذكرنا سابقا علم ما وراء الطبيعة وال تؤمن اال
باألسلوب العلمي في البحث كما تعتمل على التجربة وفصل الحقيقة عن القيمة fact-value dichotomy.
وتقع تحت هذا المضمون دراسات هيربرت سايمون وتيلور.
يتداخل هذا المنهج مع المنهج السلوكي والمنهج الوظيفي من حيث انه يعتمد على التجربة في دراسة الوظيفة
وفي دراسة سلوك اإلنسان تجاه الوظيفة اي وضع االنسان تحت المختبر بنفس االسلوب الذي تفحص به
التربة المعرفة خصائصها ومكوناتها.
40
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
رأينا في تحليل مناهج البحث في اإلدارة العامة المقارنة أن الدراسة المقارنة ال تقتصر على منهج واحد وانما
تشمل أكثر من منهج فنجد كاتبا معينا يستخدم المنهج التاريخي حينا والمنهج السلوكي أو االيديولوجي حينا
آخر.
صنف ابراهيم درويش الدراسات المقارنة إلى ثالث تصنيفات على النحو التالي
-1دراسات للنظريات واألساليب ونماذج البحث.
-2دراسات للنظم اإلدارية في الدول المتقدمة أو في الغرب.
-3دراسات مقارنة لكل نظام اداري على حدة.
تغطي التصنيفات أنواع الدراسات التي أجريت في حقل اإلدارة العامة المقارنة وهي تشمل حالة إدارية معينة
في قطر معين ودراسة حالة إدارية في قطرين أو أكثر ودراسة النظريات واألساليب ونماذج البحث ،ويدخل
في هذا النوع دراسات فرد ريجز واسمان والتي كانت تهدف إلى بناء نماذج إدارية لالستفادة منها في البيئات
المختلفة وتعتبر دراسات ريز و اسمان محاوالت جادة لتأصيل المبادئ والقواعد التي يقوم عليها النظام
االداري ،وسوف نستعرض في الصفحات التالية بعض هذه النماذج ونكتفي بنموذج فرد ريجز لدراسة
المجتمعات والذي اشتهر باسم المجتمع المنشوري Prismatic Societyونموذج اسمان لدراسة
المؤسسات والذي اشتهر باسم بناء المؤسسات Institution Building
بناء النماذج اإلدارية
إلطار الفلسفي الذي تدور حوله النماذج اإلدارية
المنهج التقليدي في اإلدارة العامة المقارنة هو االقتباس من نظريات اإلدارة وممارساتها في الدول الغربية
خاصة الواليات المتحدة األمريكية ثم تطويع هذه النظريات الواقع الدول النامية ظهرت نماذج اإلدارة العامة
المقارنة والتي هي في حقيقة أمرها تصوير لنماذج صنعت في الغرب الصناعي الرأسمالي إلى واقع الدول
النامية ،ومن ثم ارتبطت هذه النماذج منذ البداية باالطار الثقافي وااليديولوجي للدول الغربية التي تعمل وفق
النموذج الرأسمالي ،الديموقراطي الليبرالي ،وقبل أن نستطرد في استعراض النماذج اإلدارية سوف نجيب
على سؤال هام هو م ا هو اإلطار الفلسفي الذي تدور حوله هذه النماذج؟ وكما ذكرنا سابقا فان النماذج
اإلدارية تتخذ من النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي منطلقا فلسفيا وعليه يقتصر النقاش على توضيح
خصائص النموذج الرأسمالي.
41
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي كإطار فلسفي للنماذج اإلدارية
تصمم النماذج -أي نماذج -لتمثل من الوجهة النظرية بعض التطبيقات الواقعية فهي احيانا تمثل صورة
كاريكاتيرية للشيء المراد وصفه أو رسمه.
فحينما نتكلم مثال عن النموذج الرأسمالي أو النموذج االشتراكي فإننا في الواقع نتحدث عن نموذج مثالي ال
يشترط التماثل الكامل بين النموذج المثالي وبين الواقع التطبيقي وانما المهم هو وجود حد أدنى من التماثل
والتشابه.
تفريعا على هذا المفهوم فان النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي مأخوذ من معطيات النظرية
الرأسمالية ومن تطبيقات الدول الغربية الرأسمالية .تشترك هذه الدول في مجموعة من المزايا والصفات مثل
اقتصاد السوق الحر والتمليك الخاص لوسائل االنتاج أي تمليك وسائل االنتاج لألفراد ومشروعية حافز الربح
والحرية السياسية والديموقراطية وهياكل صناعية متطورة ومستوى عال من االستهالك وانتاج الحجم الكبير
الخ.
تنطبق هذه األوصاف على مجموعة من الدول الغربية بيد ان أكثر الدول التزام ا بالنظام الرأسمالي هي
الواليات المتحدة حيث وصلت الهياكل والنظم الرأسمالية قمة نضجها.
بالرغم من انه ال يوجد تعريف يشمل كل مزايا النظام الرأسمالي بشقيه االقتصادي والسياسي فان تعريف
روبرت هيلبرونز Robert L. Heilbronerيوفي بعض حاجتنا في هذه المرحلة من البحث يعرف
هيلبرونز الرأسمالية على النحو التالي
نظام اقتصادي يتميز بتمليك وسائل االنتاج للقطاع الخاص ممثل في طبقة اقلية تسمى الرأسماليين ونظام
سوق يحدد الدخل ويقوم بتوزيع حصيلة النشاط االنتاجي وهو ايضا نظام اجتماعي يتميز بثقافة برجوازية
من اهم خصائصها التكالب على الثروة.
القاعدة الفلسفية والنظرية النظام الرأسمالي
تمليك االقراد لوسائل االنتاج
تقول النظرية الرأسمالية على لسان رائد ها آدم سميث ان االقتصاد ينمو بمعدالت أسرع إذا كان كل فرد يتبع
مصالحه الخاصة في موق تنافسي بعيدا عن تدخل الدولة فيمكن عن طريق تمليك األفراد لوسائل االنتاج
تحقق معدالت أكبر للنمو والتقدم أكثر مما لو كانت وسائل االنتاج في يد الدولة.
وبالرغم من ان النظرية لم تطبق بكل جزئياتها لكننا نجد أن دور الحكومة في الدول األكثر رأسمالية .يتقلص
إلى مجرد دور تنظيمي أما في الدول االقل رأسمالية ،خاصة حينما يفقد السوق المقدرة على امتصاص
42
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
العمالة ،وتوفير قدر كاف من فرص العمل وتحقيق قدر معين من العدالة في توزيع الدخل ،أو ازالة الفجوة
بين المجموعات االقتصادية المختلفة فان الدولة تتدخل بقدر يحقق األهداف المنوه عنها أعاله ،ويكون ذلك
مثال في شكل مشروع االستيعاب البطالة في وظائف دائمة أو مشروع لخلق وظائف ومشاريع األمن
االجتماعي وكربونات الطعام ومشروعات اإلسكان تساعد مثل هذه المشاريع في امتصاص بعض سخط
الطبقات الفقيرة في الدول الرأسمالية ان المشاريع االجتماعية السابقة الذكر تقف دليال على وجود عناصر
ومبادئ اشتراكية حتى في الدول األكثر رأسمالية أو على أن النظرية االشتراكية لم تطبق بكل جزئياتها يفسر
هيلبرونز الفلسفة من وراء المشاريع االجتماعية السالفة الذكر على النحو التالي
تساعد مشاريع الرفاهية االجتماعية على امتصاص ثورية وسخط الطبقات الدنيا ،وأهم من ذلك هو اكتشاف
اهمية تدخل الحكومة لمنع االنهيار االجتماعي الذي يصحب السياسة الرأسمالية التي تعتمد على السوق كأداة
التوزيع الثروة.
بما أن هدف البحث في هذه المرحلة هو مناقشة القاعدة الفلسفية للنظام الرأسمالي وليس تحليل انحراف
الواقع العملي عن المضمون النظري فنكتفي هنا بتقرير حقيقة هامة وهي أن القطاع الخاص في الغالب يقوم
بدور هام في انتاج وتمويل الموارد وان وسائل االنتاج تملك لألفراد والبيوتات التجارية بالرغم من تدخل
الدولة في مشاريع الرفاهية االجتماعية.
حافز الربح
يعتبر حافز الربح من القواعد األساسية للنظام الرأسمالي فهو الذي يحدد الوزن االجتماعي للفرد حيث انه
يعتبر أقوى وسائل التدرج التصاعدي الحراك االجتماعية في مجتمع السوق الذي يعتمد على االنجاز
الشخصي تكمن قوى الثواب والعقاب في السوق وليس في المجتمع أو الحكومة .قوى الثواب تعني وفق
عقلية السوق الربحية والمكاسب المادية .تعتبر الربحية والمكاسب المادية من اقوى اسباب وسائل الصعود
في سلم االنجاز .أن قيمة الشخص تقاس بمكسبه المادي ،اي توجد قيمة نقدية لكل فرد في المجتمع.
الحرية الشخصية
تفترض النظرية ان االنسان هو خير حكم على مصالحه الخاصية .تفريعا على هذا المفهوم ليس للمجتمع
الحق في ممارسة أي سلطة أو فرض أي قيود على تصرفات واعمال االنسان .تتدخل الحكومة فقط حينما
يسيء الفرد حريته التقويض مصالح المجتمع تعتبر الحرية الشخصية ذات صلة مباشرة برفاهية مجتمع
السوق وهي بهذا تعتبر شرطا أساسيا لالختيار الفردی ،ناقش فنسنت أوستروم Vincent Ostromهذا
43
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المفهوم مستعرضا آراء توكيفيل Tocqevilleيعني هذا المبدأ أن االنسان هو خير من يحكم على مصالحه
وان لميس للمجتمع الحق في السيطرة على نشاطات االنسان اال إذا تعارضت مع المصلحة العامة.
وفي تحديد الشروط التي يجب توافرها لتحقيق االختيار الفردي بقول أوستروم يتحقق االختيار الفردي متى
ما توفرت للفرد الحرية ليتخذ القرارات التي تمليها مصالحه.
فصل السلطات
يرتبط مبدأ فصل السلطات بمفهوم االختيار الفردي ،تفصل السلطات الثالث – السلطة التشريعية ،السلطة
التنفيذية ،السلطة القضائية في النظام الرأسمالي ،كما يحدد القانون العالقة بين هذه السلطات في كل مستويات
النظام الرأسمالي .ويصدق هذا بصفة خاصة على النظام السياسي واالداري أمريكي حيث يوجد عدد ضخم
من المؤسسات ذات االختصاصات المتداخلة.
يسوق أوستروم بعض المبررات الفصل السلطات وتوزيعها في ما يلي
يحقق النظام الفدرالي قدرا كبيرا من توزيع وتشتيت السلطة في جميع مستويات الحكومة يؤدي ذلك إلى قيام
مؤسسات متنوعة تتنافس فيما بينها لكسب ثقة ومساندة العمالء .تخضع هذه المؤسسات القيود السلطة
التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن أهم األسباب أيضا لفصل السلطات هو وجود مؤسسات متنوعة ومتداخلة
توسع من نطاق اتخاذ القرار مؤسسات محلية وقومية ،نيابية وقضائية ومن ثم تؤدي إلى تقليل االخطاء الن
كل مؤسسة تعمل بمقتضى الحدود التي تفرضها عليها المؤسسات المقابلة ،كما أن جميع المؤسسات تعمل
على الحفاظ على القانون االستمرارية بقائها ولحماية نفسها ،هذا بجانب ان وجود مؤسسات عديدة متنوعة
تزيد من بدائل االنسان وفرصه لالختيار .يمثل فصل السلطات ايضا صمام األمان النظام الديموقراطي
االعتماد على نظام الرقابة والتوازن .Checks And Balances
الديموقراطية
تمثل الديموقراطية حجر الزاوية في النموذج الرأسمالي .تقوم الديموقراطية على افتراض أن المواطن يتمتع
بمقدرة وكفاءة عالية للمشاركة في العمل العام وفي اتخاذ القرارات التي تمس حياته أما مباشرة عن طريق
االستفتاء أو عن طريق التمثيل .باإلضافة ان المبدأ الديموقراطي يحمي الحرية الشخصية ويزيد من بدائل
االنسان بتقليص السلطة التسلطية وبتقاسم السلطة السياسية حيث يقوم ممثلو الشعب بالتشريع والرقابة على
الجهاز التنفيذي.
44
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
وتمشيا مع المبدأ الديموقراطي يمنح المواطن حق حرية العمل وحق التجمع وحرية الكالم والكتابة والتنظيم
وحرية التعبير وحرية الصحافة .يتصل مبدأ الديموقراطية بمبدأ حكم االغلبية ويعنى مبدأ االغلبية قبول
القرار بواسطة األغلبية.
أوضحنا في الصفحات السابقة أن النموذج الديموقراطي الليبرالي يمثل اطارا فكريا للنماذج اإلدارية فيتكون
هذا النموذج من مجموعة من الفرضيات تؤخذ كمسلمات علمية تتحد هذه الفرضيات فلسفة التنمية ووسائلها
التنمية اإلدارية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية فالتنمية اإلدارية مثال تعني التنوع الهيكلي أي قيام
مؤسسات األداء الوظائف المختلفة ويرتبط ذلك بالتنمية السياسية وهي قيام مؤسسات سياسية ألداء الوظائف
السياسية األحزاب والبرلمان ومجموعات الضغط وفصل السلطات وينسحب ذلك ايضا على التنمية
االقتصادية واالجتماعية.
فريد ريجز النموذج المنشوري The Prismatic Model
استخدم ريجز تعريف كابلو Caplowللمنظمة أو المجموعة يقول كابلو يجب ان يكون للمجموعة
Collectivityيقول كابلو يجب ان يكون للمجموعة هدف وبرنامج تسعى الى تحقيقه كما ينبغي ان تنطوي
هذه األهداف على موقوتة ومقيدة بجداول زمنية محددة صنف ريجز المجموعات إلى مجموعتين أطلق
ريجز على المجموعة األولى Cresciveأي مجموعة األهداف الغامضة و على المجموعة الثانية
المجموعة الهادفة Goal-Orientedأي التي تسعى وراء هدف معين.
استخدم ريجز ايضا كلمة التنوع الهيكلي Structural Differentiationليشير لوجود تباين وتعدد
األدوار ووجود عالقة عضوية بين هذه األدوار أطلق ريجز مصطلح التنوع الهيكلي لوصف حال المجموعة
الهادفة كما أطلق مصطلح عدم التنوع الهيكلي تماثله ليصف حال المجموعة األولى Cresciveذات
االهداف الغامضة انظر الجدول رقم .1
األدوار في مجموعة التنوع الهيكلي المجموعة الهادفة ترتبط برابط عضوي اما األدوار في مجموعة عدم
التنوع الهيكلي فترتبط برباط ميکانيکی مجموعة التنوع الهيكلي هي المجتمع الصناعي ومجموعة عدم
التنوع الهيكلي هي المجتمع الزراعي ،اضافي ريجز ايضا ان التخصص في مجموع التنوع الهيكلي ينتج
عن تصميم مقصود يعتمد على المهارات والكفاءات كما ان لتخصص في مجموعة عدم التنوع الهيكلي
المجتمعات الزراعية يبني أو يقوم على تباين السن و النوع والجيل.
استخدام ريجز لفظ انصهار integrationليميز بين النظم االجتماعية المختلفة مصطلح انصهار حسب
مفهوم ريجز يشير إلى مستوى ومدى االرتباط األدوار المتنوع differentiated rolesببعضها البعض
45
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يقرر ريجز ان نظم التنوع الهيكلي تقوم بالتنسيق بين األدوار المتخصصة وبالتالي تؤدي إلى درجة عالية من
االنصهار والتناسق.
استخدم ريجز لفظ refractedاي االنتشار لوصف النظم االجتماعية والتي تتميز بدرجة عالية من
االنصهار والتنوع الهيكلي كما استخدم مصطلح منشوري prismaticليصف النظم االجتماعية و التي
تتميز بدرجة عالية من التنوع الهيكلي ودرجة منخفضة من االنصهار .كما أطلق لفظ تجميعي fusedعلى
مجموعة عدم التنوع الهيكلي ان مصطلح انتشاري refractedيشير للمجتمعات االنتقالية كما ان مصطلح
تجميعي fusedيطلق على المجتمعات الزراعية.
نماذج ريجز لدراسة المجتمعات المقارنة
جدول رقم ( ) 1
وضوح الهدف ارتباط األدوار التنوع طبيعية المجتمع درجة االنصهار االهلية لملء نوع المجتمع
وغموضه الهيكلي ببعضها األدوار
المجموعة ترتبط األدوار تنوع هيكلي مجتمع صناعي انصهار و تناسق تبنى األدوار انتشاري
الهادفة برباط عضوي على أساس األدوار
التخصص
تنوع هيكلي عدم انصهار مجتمع انتقالي منشوري
غموض األهداف عدم تنوع ترتبط األدوار تعتمد على مجتمع زراعي عدم انصهار تجمعي
هيكلي تماثل برباط األدوار على
هيكلي ميكانيكي السن والنوع
والجيل
46
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ان طريقة تفكيرنا تتطابق مع نظام التخصص الوظيفي في مجتمعنا ،بمعنى ان هناك معارف ونظريات لكل
هيكل أو وظيفة فانا اخذنا حقل اإلدارة كمثال فسوف نجد نظريات تغطي مساحة كبير في الحقل نظريات
المنظمة ونظريات للموازنة ونظريات اإلدارة شئون االفراد ونظريات اإلدارة التنمية ونظريات اإلدارة
العامة المقارنة.
أن كل معارفنا وعلومنا قامت على هذه المحدودية في مجاالت البحث باإلضافة إلى أن التخصص الوظيفي
واألكاديمي يساعد على التخصص واالنتشار .فإذا فكرنا في وظيفة معينة فإننا نفكر في الواقع .في الهيكل
الذي يقوم بأداء الوظيفة .فالتعليم وظيفة في مجتمعنا ارتبط بالمدارس والجامعات فإذا فكرنا في التعليم تخطر
ببالنا المدارس والجامعات .غير ان وسائل أو هياكل اخرى للتعليم تغيب عن مداركنا ان مفهومنا التخصصي
الضيق ال يساعدنا كثيرا على فهم ما يدور خارج مجتمعنا الذي تتنوع فيه األدوار وتتعدد المؤسسات ،وعليه
يجب علينا أن نفكر في اساليب مختلفة لتشخيص الظواهر في المجتمعات االنتقالية .فعندما يتحول اهتمامنا
من المجتمع الصناعي المعقد إلى المجتمعات البسيطة نجد أن هناك مؤسسات قليلة تقوم بجميع أو معظم
وظائف المجتمع فمثال نجد أن األسرة أو القبيلة أو العشيرة تمثل التنظيمات الرئيسية فتقوم مقام المدرسية
والمسجد والمصنع والجهاز اإلداري إذا اتفقنا على معنى اإلدارة في المحتوى القبلي.
استخدم ريجز مصطلح انتشاري كما ذكرنا ليشير للمجتمع الذي تتعدد فيه المؤسسات بحيث تنشأ مؤسسة أو
هيكل لكل وظيفة .كما استخدم كلمة تجميعي للمجتمع البسيط والذي يقوم فيه هيكل واحد أو هياكل قليلة بكل
وظائف المجتمع ،وليس ضروريا أن ي وجد مجتمع تتماثل الصفات ،فليس هذا هو الهدف األخير من النموذج
المثالي وانما المقصود هو الداللة العامة ،وعليه يمكن القول بان المجتمع الصناعي يتصف ببعض صفات
المجتمع التجميعي ،كما أن المجتمع الزراعي Industriaيتصف ببعض صفات النموذج االنتشاري.
استخدم ايضا مصطلح منشوري وكلمة منشوري في مصطلح الضوء تعني نقطة النصف بين طرفي
االنتشار والتجميع ومن مظاهر المجتمعات المنشورية و المجتمعات االنتقالية ،هي الفورمالية formalism
واالعتماد المتبادل receprocityواالزدواجية overlappingوتنوع السوق market hetrogenity
يقول ريجز أن المفاهيم العامة واألمثال الجارية مثل بأضدادها تتميز األشياء تمثل أو تحد من مقدرتنا
التصويرية فحينما نسمع شخصا يقول مثال بارد نفكر في ضده وهو حار ،وحينما نتحدث عن شيء ابيض
ال نفهمه اال بالمقارنة بضده وهو اسود ولكن حينما نتحدث عن حالة االنتقال بين الحار و البارد نجد صعوبة
في فهم الحالة .كذلك الحال في المجتمع المنشوري االنتقالي حيث نتحدث عن مجتمع ينطوي على هياكل
47
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
متخصصة وعن مجتمع يخلو من مثل هذه الهياكل ،مجتمع تسود فيه الفورمالية ومجتمع تتعايش فيه الهياكل
الفورمالية مع الهياكل المتخصصة.
يكون الهيكل فورماليا إذا لم يتقيد باإلجراءات والسلوك والوسائل اإلدارية المقننة ففي النموذج المنشوري
توجد الهياكل االقتصادية والسياسية واإلدارية على الورق فقط حيث ان الوظائف االقتصادية والسياسية
واإلدارية تقوم بها هياكل تجميعية كتلك التي توجد في المجتمعات التجميعية فاألسرة والطائفة الدينية تؤثر
وتسيطر على السلوك مثلها مثل السوق والحزب السياسي والمكتب االداري .فنجد ان السلوك االقتصادي
يتحدد بأنشطة غير اقتصادية كما أن السلوك االداري يتأثر بمؤثرات غير إدارية فإذا أردنا ان ندرس اإلدارة
في المجتمعات المنشورية يجب أن ندرس مسائل و عوامل ال تمت لإلدارة بصورة مباشرة كأن ندري مثال
الهياكل القبلية والطوائف الدينية.
يسمى النظام فورماليا إذا لم يتطابق سلوكه مع هياكله الرسمية .أن هناك عالقة عكسية بين السلوك الفورمالي
ودرجة االنتشار والتجميع اي تكون درجة الفورمالية صغيرة في المجتمع االنتشاري والتجميعي على عكس
المجتمع المنشوري ففي المجتمع المنشوري نجد ان الهياكل الرسمية المنظمات ال تتقيد أو تلتزم بالسلوك
الرسمي .فالمنظمات ال تلتزم بقوانينها واجراءاتها فهي تتصرف بأسلوب يختلف عن رصيفاتها في الدول
االن تشارية .ففي المجتمع االنتشاري مثال فان المؤسسات االقتصادية تعمل بواسطة نظام السوق والذي يعمل
بنظام العرض والطلب في تحديد اسعار السلع .أما في المجتمع المنشوري فنجد أن سلوك السوق يعكس قيما
شخصية أو اجتماعية وسياسية وفي كلمات أخرى يمكن أن نقول إن ريجز صمم نموذجه لدراسة المجتمعات
على النحو التالي
-1سمي المجتمع ذو الدرجة العالية من التنوع الهيكلي بالمجتمع الصناعي.
-2نجد على نقيض المجتمع األول مجتمعا آخر تقل فيه الهياكل والمؤسسات (عدم تنوع هيكلي) سمي ريجز
هذا المجتمع بالمجتمع الزراعي.
-3أما المجتمعات النامية في عالم اليوم فهي تقع بين نموذجي ريجز المجتمع الصناعي والمجتمع الزراعي
وهي المجتمعات االنتقالية ( ) 1و ( ) 2أطلق ريجز مصطلح كانتين وبازار Canteen and Bazaar
على السوق المنشوري.
يقرر ريجز أن نموذجه -انتشاري منشوري وتجميعي يمثل مجموعة من االحتماالت وليس مراحل تطورية
حتمية أي ال يتعين على المجتمع أن يمر بالمراحل التطورية المختلفة كأن نقول مثال أن المجتمع يتطور من
48
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تجميعي إلى منشوري ثم إلى انتشاري فعلى العكس يمكن أن يستمر أو يتجمد المجتمع في أي مرحلة من
مراحل االنتشار أو يمكن أن ينتكس من حالة االنتشار إلى الحالة التجمعية.
هناك مجتمع يصبح انتشاريا ينتشر أوال أي ينال قصب السبق في االنتشار ومن ثم يصبح نموذجا يحتذى كما
أن هناك مجتمعات اخرى تتحول لالنتشار مؤخرا الحالة األولى تمثلها بريطانيا والحالة الثانية تتمثل في
اليابان.
ان تجارب وديناميكية وانتشارية المجتمع األول تأتي من الداخل أما المجتمع الذي انتشر اي تحول إلى انتشاري مؤخرا فهو
يتأثر بالمجتمع األول عن طريق التقليد emulationونقل النماذج transfer of modelsوأثر الدعاية
demonstration effectsفبينما يتأثر المجتمع األول بمؤثرات داخلية endogenic forcesيتأثر المجتمع الثاني
بمؤثرات خارجية.
يوضح الشكل رقم ( )1تأثير العوامل الداخلية والخارجية على درجة انتشار العمود Xيقيس قوة العوامل
الداخلية كما يقيس العمود Yالعوامل الخارجية.
المنحني 1يمثل درجة عالية من االنتشار كما أن المنحنی 111يمثل درجة منخفضة من االنتشار ،المنحنی
11يمثل حالة المتوسط المجتمع المشار اليه ب 1هو المجتمع الذي حقق قدرا عاليا من االنتشار بسبب
القوى أو العوامل الداخلية المجتمع المشار اليه ب 2يفقد العوامل والقوى الداخلية وبالتالي فان الدرجة العالية
من االنتشار هنا ترجع إلى عوامل خارجية .أما درجة االنتشار العالمية في مجتمع 3فتفسر بتزاوج العوامل
الداخلية والخارجية اي ان العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة ادت إلى الدرجة العالية من االنتشار وفي
الجانب المقابل فان 6ما زالت على حالتها التجميعية لضعف العوامل الداخلية والخارجية.
يتحول المجتمع إلى منشوري أما تحت العوامل الداخلية ( endoprismatic )4أو تحت القوى والعوامل
الخارجية .)5( exoprismatic
استخدم نموذج فرد ريجز كنموذج لدراسة المجتمعات االنتقالية وكأداة تحليل في الدراسات المقارنة .يعتبر
بعض طالب اإلدارة نموذج فرد ريجز لدراسة المجتمعات االنتقالية كبديل لنموذج ماكس ويبر للبيروقراطية
من حيث العمق الفكري والشمول.
49
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
شكل رقم ((1
درجة عالية من االنتشار تأتي ألسباب خارجية أبناء المؤسسات فلسطين المحتلة تفقد القوى الداخلية
50
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
بناء المؤسسات Institution Building
ميلتون ج اسمان Milton J. Esman
تعتمد التنمية في اي قطر -كما ذكرنا سابقا على مقدرة القيادة في بناء شبكة من المؤسسات االستغالل
الموارد البشرية والمادية تمثل هذه المؤسسات قنوات النقل التكنولوجيا والقيم الحضارية ونشر هذه القيم في
مختلف أنحاء القطر وعلى القطاعات المختلفة تتعاظم الحاجة لمثل هذه المؤسسات في الدول النامية ألن
المؤسس ات التقليدية في هذه الدول على مستوى القرية أو القبيلة ال تملك القدرة االستيعاب الوظائف التنموية
الجديدة تهدف هذه المؤسسات بجانب نقل القيم الحضارية إلى تغيير التركيب االجتماعي والبنية االقتصادية.
يقوم بناء المؤسسات كما ذكرنا ايضا على مجموعة من االفتراضيات منها ان التنمية تتحقق في الدول النامية
مع استخدام التكنولوجيا الحديثة من خالل المؤسسات تتحول هذه المؤسسات إلى أوعية لنقل القيم المساعدة
ويتم ذلك ايضا عن طريق التخطيط الواعي لعملية التغيير المؤسسي.
صمم اسمان نموذجا لبناء المؤسسات وتعميق القيم التنموية التي تصحب بناء المؤسسات استخدم هذا النموذج
ايضا لدراسة المنظمات في الدول النامية .ويعتبر من اهم النماذج لدراسة المجتمعات والنظم اإلدارية
المقارنة واهمية هذا النموذج ترجع إلى شموليته وإلى تكامل عناصره وإلى مقدرته على تحليل الظاهرة
اإلدارية وتفسيرها والتنبؤ بالحاالت التي تكون عليها.
المفاهيم التحليلية لنموذج بناء المؤسسات Analytical Concepts
يعامل هذا النموذج المؤسسية كنظام مفتوح يتألف من مجموعة من العناصر .تتداخل هذه العناصر مع
بعضها البعض فيؤثر كل عنصر على سلوك العناصر األخرى وعلى سلوك التنظيم بشكل عام .تتفاعل هذه
العناصر مع البيئة أو المحيط .الهدف الثاني بجانب تحديد العناصر أو المتغيرات التي يتألف منها النموذج هو
تحديد البيئة التي تعمل المؤسسة في اطارها .تتفاعل المؤسسة مع البيئة التي تعيش فيها عن طريق ما يسمى
بالمدخالت والمخرجات اذ توجد عالقة تبادلية بين المؤسسة والبيئة فالمؤسسية تجلب طاقتها والموارد
الضرورية لتحريك هذه الطاقة والسند المادي والقانوني من البيئة كما انها تصدر خدماتها للبيئة بجانب أن
المؤسسية تسعى باإلضافة إلى تصدير الخدمات إلى نشر بعض القيم الحضارية والتكنولوجية في البيئة يطلق
اسمان على نقاط التفاعل بين المؤسسية والبيئة مصطلح روابط مؤسسية.
51
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يتألف نموذج بناء المؤسسات من ثالثة عناصر رئيسية يمكن تلخيصها على النحو التالي
( )1عناصر المؤسسة Institutional Variables
وتشمل خمسة عناصر وهی
(أ) القيادة Leadership
(ب) الفكرة أو األهداف Doctrine
(ج) البرنامج Program
(د) الموارد Resources
(هـ) الهيكل الداخلي Internal Structure
( )2التفاعل Transaction
( )3الروابط Linkages
وتشمل
(أ) الروابط المساعدة Enabling Linkages
(ب) الروابط الوظيفية Functional Linkages
(ج) الروابط المعيارية أو القيمية Normative Linkages
(د) الروابط االنتشارية Diffused Linkages
نموذج بناء المؤسسية
52
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
أوال عناصر المؤسسة Institution variables
-1القيادة
تعريف القيادة هنا بمجموعة األشخاص الذين يقومون بتوجيه نشاطات المؤسسة ويشمل ذلك النشاطات
الداخلية التي تتعلق بالبرامج واالهداف والنشاطات بين المؤسسة وبيئتها وال يقتصر هذا التعريف على الذين
يقومون بصفة رسمية مباشرة بتوجيه المؤسسات وانما يشمل جميع األفراد الذين يساهمون في تخطيط وبناء
وقيادة المؤسسة.
تتكون القيادة من مجموعة من الخصائص منها القابلية السياسية Political viabilityوتعني القبول السياسي
والمقدرة على حل مشاكل المؤسسية يتوقف ذلك على الوزن المهني والدرجة الوظيفية لمجموعات القيادة
ومجال نشاط المؤسسة والمهارات والقدرات الفنية والقدرة التنظيمية والقدرة على تصميم هياكل فعالة لتسيير
أعمال المؤسسية وتوزيع األدوار واالستمرارية أي استمرار تكاتف وتعاون األفراد مع المؤسسة.
-2األهداف Doctrine
وهي مجموعة التعاليم والقيم واألهداف ووسائل االداء التي تمثل اإلطار العام أو نقاط االرتكاز أو المرجع
في نشاطات المؤسسة.
أن تحليل نشاطات المنظمة يحتاج إلى التعرف على نقاط االرتكاز الهامة stable points of reference
ويشمل ذلك التعاليم والقيم واالهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها ،تتألف األهداف من مجموعة من
المتغيرات مثل الوضوح والرؤيا specificityوالمدى الذي تسهم فيه عناصر األهداف بإيجاد قاعدة للعمل
االجتماعي وعالقة االهداف مع القيم والعادات السائدة وتوافق عنصر األهداف مع السلوك االجتماعي العام
والتوقعات االجتماعية وعالقة األهداف بأسبقيات وافضليات المجتمع.
-3البرنامج Program
البرنامج هو مجموعة النشاطات التي تؤدي إلى انجاز وظائف المؤسسة يتكون البرنامج من مجموعة من
العناصر أو الخصائص منها انسجام البرامج مع الهدف العام للمؤسسة وتماسك البرنامج واستقراره وثباته
وقابلية البرنامج للتنفيذ ومراعاة الموارد الطبيعية والبشرية ،ومراعاة التكامل االنتاجي مع المؤسسات
األخرى والمقدرة االستيعابية لحاجات المجتمع والمساهمة في قضاء هذه الحاجات وجودة االنتاج كما ونوع
التي يضعها منافسو المؤسسة الجديدة أمامها وتدخل في الروابط المساعدة المنظمات والمجموعات التي
تساهم بأسلوب أو آخر في حماية المؤسسة الجديدة.
-4الموارد Resources
تشمل جميع انواع الموارد البشري منها والطبيعي باإلضافة إلى الموارد التكنولوجية .وتعتبر الموارد من أهم
عناصر المؤسسة .فمقدرة المنظمة على استخدام وتحريك الموارد تحدد أمكانية تنفيذ برامجها كما تشمل توفر
الموارد وايجاد مصادر بديلة.
53
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
-5الهيكل الداخلي Internal Structure
الهيكل الداخلي يعنى الهيكل التنظيمي واالجراءات واالساليب ويشمل ناك توزيع السلطة والوظائف في
المؤسسة واتخاذ القرارات تحدد الهياكل الداخلية واالجراءات واألساليب فاعلية وكفاية تنفيذ البرامج.
ثانيا الروابط Linkages
تحدد الروابط عالقة التبادل بين المؤسسة وبقية أجزاء المجتمع فال ينبغي ان تدرس المنظمة بمعزل عن
المنظمات االجتماعية التي تتفاعل معها والتي تأخذ منها شرعيتها وسلطاتها فالمؤسسة تتكامل مع بقية
المنظمات ،فهي تستخدم مخرجات المنظمات االخرى في شكل مدخالت كما انها تصدر مخرجاتها المنظمات
األخرى فهي اذن منتج ومستهلك في آن واحد فالروابط هي نقاط االلتقاء بين المؤسسة والبيئة التي تعيش
فيها تعتبر الروابط من اهم مقومات المنظمة ،فكفاءة المنظمة تعتمد على حسن استخدام الروابط تنقسم
الروابط إلى أربع روابط
-1الروابط المساعدة Enabling Linkages
الروابط المساعدة هي الروابط بين المؤسسة والمجموعات االجتماعية التي تمتلك الموارد الضرورية لتسيير
المؤسسية ،وتعتبر الروابط المساعدة الهدف األول للقائمين على بناء المؤسسات خاصة المراحل األولى فعن
طريق المؤسسات والروابط المساعدة يمكن تمهيد الطريق أمام المؤسسة الجديدة ليس فقط للحصول على
الموارد الضرورية لقيامها ،وانما إلزالة العقبات والعراقيل التي يضعها منافسو المؤسسة الجديدة أمامها.
وتدخل في الروابط الم ساعدة جميع المنظمات والمجموعات التي تساهم بأسلوب أو أخر في حماية المؤسسة
الجديدة.
-2الروابط الوظيفية
هي روابط بين المؤسسة والمنظمات التي تقوم بأداء وظائف وخدمات تعتبر مكملة )من ناحية انتاجية
لوظائفها أي المنظمات التي تمد المؤسسة بمدخالتها كما تستهلك مخرجات المؤسسة وتشمل المدخالت
الموارد المالية وراس المال والميزانية وكل ما يدخل تحت الروابط المساعدة كما تدخل ضمن الروابط
الوظيفية بعض المنظمات التي تنافس المؤسسة في اداء وظائف وخدمات مشابهة أو مماثلة
تسعى المؤسسة في تفاعلها مع منظمات الروابط الوظيفية إلى تحقيق التكامل .فمن خالل التكامل تستطيع
المؤسسة الجديدة نشر التكنولوجيا واالنماط التقنية الحديثة واالبتكارات في مختلف المجاالت الفنية وغير
الفنية.
-3الروابط المعيارية القيمية Normative linkages
هي الروابط بين المؤسسة والمنظمات التي تنطوي على قيم تساند أو تتناسب مع أهداف و برنامج المؤسسة
وينطبق للك على القيم االجتماعية والثقافية والقوانين واللوائح فعلى سبيل المثال قد تتأثر المؤسسة بقوانين
ولوائح لجنة" الخدمة المدنية بالرغم من عدم وجود روابط وظيفية وروابط مساعدة بين المؤسسة ولجنة
الخدمة المدنية وينطبق ذلك ايضا على بعض المؤسسات الدينية أو السياسية أو االجتماعية التي تقوم على
حماية بعض القيم وال تدخل ضمن المجموعة (أ) أو المجموعة (ب) آن وجود مثل هذه القيم يساعد على
بناء المؤسسة قيد الدراسية وذلك ألنه يخلق مناخا مالئما للمؤسسة االبداعية الجديدة.
54
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
-4الروابط االنتشارية Diffused Linkages
الروابط االنتشارية هي العالقات بين المؤسسة والمجتمع بصفة عامة وتختلف عن الروابط االخرى في انها
ال ترتبط بمنظمة معينة وانما ترتبط بالمحيط الكلي للمؤسسة .فالروابط االنتشارية تتعلق بالرأي العام وترتبط
بالمجتمع واسلوب تفكيره واهتماماته واالفراد والمجموعات في المجتمع وآرائهم ينبغي أن نشير إلى نقطة
هامة وهي أن المؤسسة قد تنشئ أكثر من رابطة المنظمات التي تتفاعل معها فقد ترتبط مع احدى المنظمات
برابطة وظيفية ورابطة معيارية .كما أن الروابط األربع المذكورة ال تغطي جميع االحتماالت وانما توجد
عالقات وروابط أخرى تحت مسميات مختلفة.
ثالثا التفاعل والتبادل أو المعامالت Transactions
يتوقف دور المؤسسة في نشر القيم االبداعية إلى القطاعات االجتماعية المختلفة على حجم ونوعية المعامالت
مع المنظمات المختلفة التي ترتبط بها ،فالمعامالت تعنى تبادل السلع والخدمات وتبادل القوة والنفوذ ومن ثم
ال تقتصر على المدخالت المادية ،بل تشمل التفاعل االجتماعي كاالتصال وكسب السند االجتماعي ونشر
القيم وانماط السلوك المختلفة.
ترمي المعامالت المختلفة إلى اهداف وغايات تسعى لتحقيقها تدفق المعامالت مدى نشاط المؤسسة ومقدرتها
على التأثير على المحيط الذي تعيش فيه .تهدف المعامالت بجانب تبادل الموارد بين المؤسسة والمنظمات
التي تتعامل معها إلى كسب ثقة وسند هذه المؤسسات بامتصاص أسباب المعارضة والمقاومة وفتح مجاالت
التعاون .كما تهدف ايضا إلى تغيير البيئة وزيادة قدرتها االستيعابية المتصاص القيم االبداعية الجديدة تهدف
المعامالت ايضا إلى نقل القيم وعليه فالمعامالت تهدف اساسا لتحقيق األهداف التالية
-1کسب سند المنظمات التي تتعامل مع المؤسسة وامتصاص أو دفع اسباب المقاومة.
-2تبادل الموارد.
-3تغيير البيئة.
-4نقل القيم اإلبداعية.
بناء المؤسسات كإطار لنشر القيم اإلبداعية
يهدف نموذج بناء المؤسسات لوضع إطار لتحليل االستراتيجيات الالزمة االستقدام القيم االبداعية بواسطة
مؤسسات حديثة هي الدول النامية ينسحب النموذج ايضا على الدول المتقدمة تكنولوجيا -زنك لعمومية
المبادئ التي ينطوي عليها .وبغض النظر عن المستوى التكنولوجي فان النموذج يفترض قيام مؤسسات
تكون بمثابة ادوات تغيير النقل التكنولوجيا والقيم الحضارية والمفاهيم الحديثة يهدف نموذج بناء المؤسسات
إلى احداث تغيير شامل في بيئة العمل فالهدف هو زيادة مقدرة المؤسسية ليس فقط على مواكبة التغيير وإنها
احداث التغيير .فالمقصود التغيير في حد ذاته وليس التحديث فالتحديث كما يقول اسمان هو مفهوم مدرك
يصعب قياسه يتحقق هدف بناء المؤسسات بعد تعميق الحضارية الحديثة وتأسيس عقلية التغيير وخلق عالقة
تكاملية بين المؤسسة والمنظمات التي تتعامل معها في المجتمع .تصبح المنظمة مؤسسية بعد أن يتحقق قدر
معين من األهداف السالفة الذكر أي تحقيق قدر معين من التأسيس .institutionallyفاالختبار األول لمدى
تأسيس المنظمة هو مقدرتها على البقاء واالختبار الثاني هو االستقالل autonomyويعني ذلك االستقالل
55
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المالي والمقصود باالستقالل المالي ان يكون للمنظمة الحرية في الحصول على الموارد دون أن تخضع إلى
مساءلة السلطات العليا كما يشمل االستقالل حرية المنظمة في وضع اللوائح واإلجراءات دون الرجوع
للمنظمة األم وحرية المنظمة في الدفاع عن نفسها .االختيار الثالث لدرجة تأسيس المنظمة هو قدرتها على
التأثير عل ى بيئتها وتأصيل المبادئ التي تنطوي عليها وبث هذه المبادئ في جسم المنظمات االخرى وقيام
هذه المنظمات بالدفاع عن هذه المبادئ ونشرها على منظمات أخرى.
اإلدارة العامة المقارنة – بداية النهاية
استعرضنا في الصفحات السابقة الظروف المختلفة التي ساعدت على ظهور اإلدارة العامة المقارنة ورواجها
فأوضحنا أن التفكير في اإلدارة العامة المقارنة هو وليد الشعور المتزايد بعدم تناسب منهجية علم اإلدارة
العامة كأطار لتحليل وفهم مشاكل وقضايا اإلدارة العامة في الدول النامية .وهو ايضا نتاج لما اسميناه
بصحوة الضمير أو عقدة الذنب في الد ول الغربية وشعورها بمسئوليتها تجاه مشاكل الفقر والجهل والمرض
في الدول النامية ومبادرتها بتبني مشاريع العون االجنبي .ادى ذلك لظهور الحاجة إلى إدارة عالمية تعتمد
على نماذج تحليلية أكثر عمقا وتناسبا مع واقع هذه الدول فظهر نموذج فرد ريجز الدراسية المجتمع
المنشوري ونموذج ميلتون اسمان لبناء المؤسسات فاستخدمت هذه النماذج کاطار تحليلية لدراسة اإلدارة في
الدول النامية ومقارنة النظم اإلدارية في هذه الدول مع بعضها البعض وذلك لوجود حسد ادنى من التشابه
بين هذه الدول ،اذ توجد أرضية مشتركة للمقارنة مثل وجود درجة عالية من الفور مالية ودرجة منخفضة
من التنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي وعدم توفر السيولة النقدية وضعف المؤسسات البيروقراطية وعدم
وجود كوادر إدارية مدربة لقيادة العمل التنموي كما ورد في نموذج فرد ريجز .فإذا كان هذا هو الحال في
الدول النامية فماذا عن الدول المتقدمة؟ هل يصلح نموذج فرد ريجز كإطار لدراسة المجتمعات المناعية؟ وإذا
كانت االجابة بالنفي فما هو البديل؟ ما هي خصائص هذه الدول اي الدول الصناعية التي تميزها عن الدول
النامية؟ وهل تفرض هذه الخصائص وجود نموذج تحليلي أكثر تناسبا مع واقع هذه المجتمعات؟
النموذج البيروقراطي إطار لدراسة اإلدارة في الدول الصناعية
يعتبر نموذج ماكس ويبر لدراسة البيروقراطية من اقوى النماذج التحليلية لدراسة المجتمعات الصناعية.
وقوة النموذج تكمن في خصائص النموذج االيجابية كاالعتماد على اللوائح واالجراءات والوضوح والدقة
واالستمرارية والتخصص والعقالنية يرى ماكس ويبر أن هذه الخصائص تتناسب مع اقتصاد السوق ،بل
يعتبر ماكس ويبر أن البيروقراطية هي نتاج اقتصاد السوق وتتناسب مع المجتمع الصناعي فهي تتمتع
بالتفوق التكنولوجي على بقية التنظيمات اإلدارية مثل تنظيمات االقطاع وكذلك تتفوق عليها في الوضوح
و الدقة واالستمرارية وتخفيف حدة االحتكاكات وتوزيع العمل والتدريب والخبرة والعمل بمقتضى القانون.
ومن مزايا البيروقراطية ان اسلوبها اإلجرائي في التعيين و الترفيه واصرارها على الكفاءة ونظام
االمتحانات كأساس للتعيين قد يحقق العدالة في توزيع الفرص تنسجم هذه الخصائص إلى حد كبير مع
خصائص الدول الصناعية.
من المالحظ أن الدول التي تتماثل أو تتشابه في مستواها االنمائي أو الصناعي أو انجازاتها الحضارية،
تتشابه ايضا في مؤسساتها االقتصادية واإلدارية والثقافية بغض النظر عن التباين الجغرافي وإلى حد ما
التباين الفلسفي يرجع هذا التشابه إلى التماثل المدهش في االهداف والوظائف والهياكل والتفاعل البيئي بين
هذه األقطار التي تتساوى في مستوياتها الحضارية أو الصناعية .هذا باإلضافة إلى ان هذه الدول تتقاسم أو
56
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تواجه مشاكل متطابقة مثل مشاكل توزيع السلطة والموارد والتضخم االقتصادي ومشاكل الطاقة ومشاكل
نفاد واستهالك المواد الخام ،والتلوث البيئي ومشاكل ارتفاع العمالة ومجموعة من المشاكل االجتماعية
واالقتصادية والسياسية .ومن ثم تتشابه المؤسسات اإلدارية التي تقوم بمعالجة هذه المشاكل كما يتشابه
السلوك االداري الذي يصاحب قيام هذه المؤسسات يقول كيرت لوين ان السلوك هو نتاج تفاعل السمات
الشخصية للفرد مع البيئة وينطبق ذلك على سلوك األفراد وسلوك المنظمات ويجدر بنا هنا أن توضح نقطتين
النقطة األولى تتلخص في أن العوامل االيكولوجية وطبيعة العمل تؤثران بصورة مباشرة على السلوك
اإلداري .فطبيعة العمل تحدد نوع المؤسسة التي ستقوم بإنجاز العمل كما أن العوامل االيكولوجية تحدد مسار
المؤسسة وثقافتها والنقطة الثانية هي -تفريعا على المعادلة الموضحة أعاله -ان كال من البيئة وطبيعة
العمل تعتبر عناصر ثابتة في المعادلة بمعنى أن األقطار الصناعية تعمل في محيط وبيئة واحدة وتقوم بأداء
وظائف متطابقة كما انها تواجه مشاكل متشابهة كالطاقة والمواد الخام والتضخم واالسئلة التي تطرح نفسها
هي
- 1ما هي مزايا وسمات الدول الصناعية واالسباب التي تفسر وجود مؤسسات متشابهة؟
- 2إلى أي مدى تعكس النظم اإلدارية السمات االجتماعية واالقتصادية والثقافية للدول الصناعية؟
- 3إلى اي مدى نجحت المؤسسات والنظم اإلدارية في معالجة ومقابلة احتياجات الدول الصناعية؟
تشترك الدول الصناعية في مجموعة من المزايا والسمات مثل مستوى التعليم والتقدم التكنولوجي ونمو
المؤسسات الصناعية والتمويلية ونظام البنوك المتقدم وتطور وسائل التسويق والتطور البيروقراطي ،وتطور
وسائل الترفيه والصحة.
تعتمد جميع هذه المرافق والدول من خلفها على البيروقراطية لتنفيذ سياساتها ولحل مشاكل الطاقة ولتثبيت
االقتصاد وبالرغم من ان الدول الصناعية تتخذ وسائل متعددة لمعالجة هذه المشاكل اال انها تقلد بعضها
البعض في المسائل الجوهرية في تشخيص المشاكل وفي حلها ان جميع الدول الصناعية مثال تعمل بنظام
الكفاءة المهنية merit systemفي االختيار والتعيين للوظائف العامة كما أن نظمها اإلدارية تسير وفق
التنظيم البيروقراطي ومفهوم االتقان كما جاء في نظرية المنظمة.
كتب كبير Cayerيقول في هذا الشأن
من الدول التي أخذت بنظام إدارة االفراد األمريكي في اعقاب الحرب العالمية الثانية اليابان ،هناك ايضا
مجموعة من الدول التي اخذت بالنظم اإلدارية والسياسية الغربية بعد الحرب العلية الثانية منها االتحاد
السوفيتي وشرق أوربا .تأثرت هذه الدول بنظام إدارة االفراد األمريكي وخاصة نظام الخدمة المدنية.
-1سيادة معايير إنجازيه عالمية.
- 2درجة عالية من المرونة والحركة االجتماعية.
- 3نظام متطور للحرف والمهن.
- 4نظام طبقي يقوم على مفهوم المساواة الديموقراطية وانماط اإلنجاز الحرفي.
- 5وجود هياكل إنجازيه متخصصة.
57
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تحدد هذه المزايا السمات الرئيسية الملوك االداري للدول الصناعية المؤسسات اإلدارية كاستجابة لهذه المزايا
وهي بهذا تعكس قدرا كبيرا من االعتماد المتبادل بين الدول الصناعية المختلفة في جميع المجاالت -مجال
التعليم مجال المعرفة ،مجال التكنولوجيا أن هناك اسبابا كثيرة ساعدت على وجود درجة عالية من االعتماد
المتبادل منها انتشار المعرفة وتطور المواصالت ووسائل االتصاالت ونمو أجهزة األعالم والمخابرات وقيام
مؤسسات عالمية تتجاوز الحدود القومية مثل السوق األوربية المشتركة ومنظمة األمم المتحدة وامتداد نفوذ
الشركات العالمية والتي تعمل في أكثر من دولة ولهذه االسباب مجتمعية فان المنظمات اإلدارية والوسائل
اإلجرائية المختلفة (السلوك اإلداري) ونظم الخدمة المدنية في الدول الصناعية تتشابه بل تتماثل في بعض
األحيان في السمات الرئيسية .فمثال نجد أن معظم الدول الصناعية تأخذ بنظام الطبقات األربع في إدارة
شئون االفراد
كتب موشير Mosherقائال
و يوجد نظام الطبقات األربع في معظم الدول القيادية في غرب أوربا ( بريطانيا ،فرنسا ،المانيا ،ايطاليا ،
بلجيكا ) كما يوجد مع بعض التعديالت الدول األوربية األخرى حصر فيرل هيدی الخصائص المشتركة لهذه
الدول في خمس نقاط وهي
-1وجود بيروقراطية تتميز بدرجة عالية من التخصص الوظيفي الدقيق ونظام الجدارة والكفاءة ،الذي يتم
بموجبه االختيار للخدمة المدنية.
-2سيادة االسلوب العقالني الراشد في اتخاذ القرارات.
-3تزايد النشاط السياسي واإلداري.
- 4تضم البيروقراطية مجموعة من التخصصات الفنية وتمثل بهذا حجر الزاوية في بناء المعرفة.
- 5فصل العمل االداري عن العمل السياسي " فالعمل االداري يهتم بالجانب التنفيذي كما أن العمل السياسي
يتعلق بوضع السياسات.
ليس المقصود من التحليل الملحق بهذه الورقة هو االشارة إلى عدم وجود فوارق بين النظم اإلدارية المختلفة
في الدول الصناعية .بل اننا نجد على نقيض ذلك ان النظم اإلدارية في مختلف األقطار وفي داخل القطر
تختلف باختالف األحوال التي تعيش فيها هذه النظم ارجع تفنر وجود مثل هذه الفوارق إلى ثالثة مصادر
وهی
- 1الفوارق في العادات والتقاليد.
- 2التباين الثقافي والوراثي.
- 3سلوك األقطار المختلفة تجاه التعليم العالي.
بيد أن ذلك ال ينفي الحقيقة التي أردنا أن نثبتها في بداية المقال وهي أن هذه الدول تشترك في وحدة الهدف
وتشابه الهياكل والوسائل والمزايا ومن ثم تتشابه في نظمها اإلدارية.
يتضح من تحليل النماذج اإلدارية المختلفة أن بعض هذه النماذج استخدم کاطار للدراسة المقارنة بين اقطار
دول العالم الثالث )نموذج فرد ريجز واسمان( كما استخدم نموذج ويبر للبيروقراطية كإطار لمقارنة النظم
58
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
اإلدارية المختلفة في الدول الصناعية وكان الهدف من هذه التجزئة هو دفع التهمة التي تقول ان النماذج
الغربية ال تصلح كأطر لدراسة المجتمعات النامية .غير أن هناك حلقة هامة ما زالت مفقودة في دراسة
اإلدارة العامة المقارنة وهي ايجاد نماذج لالستعانة بها في مقارنة النظم اإلدارية في الدول النامية والدول
الصناعية فنموذج ماكس ويبر ونموذج .فرد ريجز واسمان تصلح فقط لدراسة بعض الحاالت اذن ما نحن
في حاجة اليه هو وجود أرضية ابستمولوجية مشتركة espistemological groundلدراسة اإلدارة
العامة المقارنة ليس فقط بين الدول النامية مع بعضها البعض أو بين الدول الصناعية واتما بين الدول النامية
وا لدول الصناعية ،وفي الواقع فان الحاجة لهذا النموذج بدأت تتعاظم بصورة واضحة بعد الشعور المتزايد
بان مشاكل دول العالم الثالث ما هي اال افرازات أو ظل لمشاكل الدول النامية أو بعبارة أخرى أن تخلف
الدول النامية هو نتاج غير متوقع spill-over effectلتقدم الدول الصناعية .كذلك فان التفكير في وجود
أرضية ابستمولوجية تدعو اليه الحاجة أو االحساس المتزايد بأن هناك نوعا من التشابه أو التماثل بين مشاكل
الدول النامية والدول الصناعية ظهر هذا االحساس بصورة جلية في سمنار عطبرة بالسودان والذي اشترك
فيه فحول اإلدارة العامة في الدول النامية والدول الصناعية وعلى رأسهم فرد ريجز ودوايت والدو.
كتب داويت والدو تحت عنوان نحو تنمية عالمية ؟ Toward World Development
يقول ان النظرية االساسية التي أود أن أطورها هي وجود ويلخص ذلك في درجة واضحة من التشابه
والتماثل بين -مشاكل الدول والنامية والدول المتقدمة خمس مشاكل
المشكلة األولى هي فشل المشروعات الطموحة للقضاء على الفقر في الواليات المتحدة وتحقيق العدالة
والتوازن االجتماعي وهي عين المشاكل التي تعاني منها الدول النامية.
المشكلة الثانية هي تفاقم عدد العاملين في القطاع العام نتيجة للضغوط المتالحقة على الحكومة (حركة
الحقوق المدنية) لحل مشكلة العطالة بخلق برامج لتوظيف جميع القادرين على العمل وهي ايضا مشكلة تشكو
منها معظم الدول النامية.
المشكلة الثالثة هي مشكلة ندرة الموارد فهي مشكلة الواليات المتحدة بقدر ما هي مشكلة الدول النامية بدأت
موارد الواليات المتحدة .تتناقص كما يتضح من مناقشتنا لقضية حدود النمو في الفصل السادس نتيجة إلى
معدالت االستهالك العالية ومن أكثر المشاكل تعقيدا هي مشكلة الطاقة مشكلة الطاقة هي مشكلة ندرة
scarcityفي المقام األول.
المشكلة الرابعة هي مشكلة الركود االقتصادي والتضخم االقتصادي أو ما يطلق عليه الركو تضخم
stagflationاستعصت هذه المشكلة على االقتصاديين في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
والمشكلة الخامسة هي مشكلة االستثمار األجنبي وهي مشكلة الدول النامية والمتقدمة في آن واحد ،وهي
تهدد أمن الدولة االقتصادي وتزيد من النفوذ األجنبي في الدولة فتهدد بذلك االستقالل السياسي للدولة ومن ثم
تؤثر على نظام األسبقيات في الدولة.
بالرغم من وجود الحاجة لنموذج التحليل العالقة بين الدول الصناعية والدول النامية اال أن نماذج اإلدارة
العامة المقارنة لم تتجاوز مرتكزاتها الثقافية فهي تدور في فلك الثقافة الغربية كما يقول داويت والدو كانت
هذه الدراسية المقارنة كما ذكرنا وصفية ينقصها الجانب التحليلي فلم تكن مقارنة بمعنى انها تدور في فلك
ثقافة واحدة وهي الثقافة األمريكية.
59
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
انتقد دوايت والدو Dwight Waldoالمنها ج التقليدي في اإلدارة العامة المقارنة الرتباطه باإلطار الثقافي
لغرب أوربا وخاصة الواليات المتحدة األمريكية فوالدو هنا يهاجم حصيلة دراسة مجموعة اإلدارة العامة
المقارنة ويشير إلى فشلها في ترجمة معطيات فكر ونظريات المنظمة ونقلها للدول النامية.
يقول والدو يجب على طالب اإلدارة العامة المقارنة أن يفحصوا اشكال المنظمات في العالم الثالث من
مستشفيات وبنوك واتحادات ومصانع وخالفه وهل تشبه هذه المنظمات رصيفاتها في الدول الغربية؟ وإذا
كان ذلك صحيحا اليس من االفضل لطالب اإلدارة العامة المقارنة أن يسحبوا معطيات نظريات المنظمة
لتشمل دول العالم الثالث؟ وهل يمكن استخدام نظريات المنظمة لفهم العملية اإلدارية في الدول النامية؟
بالرغم من أن الجزء األكبر من هذه التساؤالت ال يعبر عن رؤية واضحة االزمة اإلدارة العامة المقارنة
وفشلها في طرح األسئلة المناسبة في المحتوى التحليلي الصحيح اال انها تصف حالة السكون الذي يسبق
العاصفة.
جاءت بداية العاصفة في عام 1978في سمنارات اإلدارة المقارنة حيث تحول التذمر ضد اإلدارة العامة
المقارنة إلى عا صفة اجهزت على ما تبقى من حقل اإلدارة العامة المقارنة والطريف في األمر أن الهجوم
على اإلدارة المقارنة جاء على ايدي مؤيديها والمتحمسين لها.
تعتبر أواخر الستينات ذروة نضح اإلدارة المقارنة .حصد طالب اإلدارة العامة المقارنة في خالل هذه السنين
وعلى رأسهم مجموعة اإلدارة المقارنة بقيادة فرد ريجز نتاج أعوام من الجهد .بيد أن الحماس لإلدارة
المقارنة بدا يخمد في العشر سنوات األخيرة واصبحت منطقة ازعاج .troubled field
يقول نقاد اإلدا رة المقارنة أنها فشلت كحقل أو علم اجتماعي له حدود اكاديمية ومواضيع دراسة بدأ علم
اإلدارة المقارنة في الذبول في حين أن دراسة البيروقراطية والتي تعتبر حقال خصبا في اإلدارة المقارنة
أخذت تجذب عددا كبيرا من الدارسين ومن أهم االنتقادات التي وجهت لحقل اإلدارة المقارنة أنه فشل في
تركيز نفسه كمادة وحقل دراسة له مميزاته وحدوده .وقد ناقش كيك هندرسون Keith Henderson
موضوع ازمة الهوية في حقل اإلدارة العامة ،يقول کيث توجد هناك اراضي ومواضيع مشتركة تطغى على
الحقل dominant themesمثل الدول النامية ،النظام السياسي ان المواضيع التي تطرح تفقد عنصر ا
هام ا وهو كونها إدارة عامة فالكثير مما كتب يدخل في إطار العلوم السياسية والتاريخ واالقتصاد.
لخص فيرل هيدي الهجوم على اإلدارة المقارنة في مقالة نشرت في مجلة اإلدارة العامة
Public Administration Reviewاستعرض هيدي مجموعة من اآلراء حول اإلدارة المقارنة
ونكتفي هنا بطرح بعض اآلراء التي وردت في مقالة هيدي ونكتفي بآراء جونز و پريان لقمان ولی سيقلمان
وجريسات وفرد ريجز يتلخص النقد حول النقاط التالية
-1آن حقل اإلدارة العامة المقارنة لم يحقق سوى انجاز ضئيل كمادة دراسية علمية بعد استقراء ما نشر في
مجلة اإلدارة المقارنة of Comparative Administrationفالمجلة تضم أنواعا مختلفة من المواضيع
تتألف من سلسلة من االهتمامات المستقلة ،أن عدم وجود مفهوم ومحور يربط مواضيع اإلدارة العامة
المقارنة يعتبر مشكلة خطيرة .تؤكد هذه المشكلة اهمية حصر طالب اإلدارة المقارنة في مواضيع محددة لی
سيقلمان .Lee Sigel ran
60
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
-2ان اإلدارة العامة المقارنة بدأت بدون برادايم Paradigmولم توفق في خلق ايديولوجية جديدة ويرجع
ذلك إلى طبيعة اإلدارة العامة األم بيتر سأفاج Peter Savageيعترف فرد ريجز بعدم وجود اتفاق في
منهج ووسيلة ونظرية اإلدارة المقارنة ويعتبر ذلك حسنة.
-3ان فريق اإلدارة العامة المقارنة لم يتعدوا مرحلة التعريف بالمادة ويقول بعضهم أنهم لم يصلوا إلى هذه
المرحلة بعد جونز وإن جهد طالب اإلدارة العامة ضائع في االستعداد ان مجموعة اإلدارة العامة المقارنة لم
تنتج ما يفيد فالعبرة ليست في انها انتجت دواء غير ناجح وانما لم تنتج دواء على االطالق.
اإلدارة العامة المقارنة وإدارة التنمية عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟
طرحنا هذا السؤال في بداية العمل وأرجانا االجابة عليه ريثما يتم تعريف اإلدارة المقارنة وخصائصها،
وسبب ظهورها ،ومبررات ،وجودها.
يرتبط ظهور حقل إدارة التنمية بموضوع ازمة الهوية في حقل اإلدارة العامة التي تحدثنا عنها آنفا فبعد أن
كثر الهجوم على اإلدارة المقارنة وفقدت بعض أراضيها اتجهت األنظار للبحث عن بديل أكثر جاذبية و أكثر
تماسك ا فوقع االختيار على إدارة التنمية والتي تعتبر بديال وتوأما لإلدارة العامة المقارنة يفسر جارث هذا
التحول فيقول أن التحول من اصطالح اإلدارة العامة المقارنة اإلدارة التنمية فرضته الحاجة إلى أموال
شركة فورد والتي تعتبر من أكثر المؤسسات مساهمة في تبني وتنفيذ مشاريع التنمية في العالم استطاعت
مجموعة اإلدارة العامة المقارنة تغيير اسم اللعبة name of the game .باستخدام مصطلح أكثر فعالية
وبريقا في سوق مؤسسة فورد يقول جونز أن قلة من علماء العلوم السياسية من ذوي الخبرة والمراس في
العمل الحكومي استطاعوا أن يتفهموا مرامي إدارة التنمية وبعد أن تبين لهم أن مصطلحهم القديم واإلدارة
العامة المقارنة لم يفد كثيرا في المجاالت التطبيقية ولم يساعد الدول النامية في اصالح نظام المحاسبة وربط
التخطيط القومي بمشاريع اإلدارة أو إدارة مشروع تخطيط االسرة أو تصميم نظام اداري لمشروع زراعي ،
قرروا االستيالء على حقل إدارة التنمية.
خالصة
استعرضنا في هذا الفصل اإلدارة العامة المقارنة وعالقتها بإدارة التنمية وخلصنا إلى أن التحول من اإلدارة
المقارنة إلى إدارة التنمية هو ضرورة دعت اليه الحاجة إلى ايجاد مصطلح أكثر جاذبية وأكثر تناسيا مع
احتياجات الدول النامية.
يستعرض الفصل الرابع لحد االهتمامات الرئيسية في إدارة التنمية وهي ايديولوجية التنمية ويجيب الفصل
على مجموعة من التساؤالت التي طرحت في بداية الفصل األول مثل ما هي التنمية؟ هل هي عقيدة أم عقدة
هل هي طريق أو محطة على الطريق يقف عندها االنسان والمجموعات والدول ليجمعوا انفاسهم ويستعيدوا
قواهم لمواصلة سيرهم؟ وهل التنمية عملية ارادية تخضع االرادة االنسان أم انها جبرية مفروضة عليه من
الخارج وهل هناك مراحل طبيعية كمراحل نمو االنسان تمر بها جميع الدول أم انها وضع استثنائي حظيت
به بعض الدول وحرمت منه دول اخرى؟ وهل يستطيع االنسان ان يحافظ على اصالته وسط السعار التنموي
المحموم؟ أي هل يستطيع االنسان أن ينمو دون أن يقلد؟
61
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصـل الرابع
ايديولوجية التنميـة
التنمية الخطية التراكمية او المنهج الجبري
The Deterministic Approach
مقدمة
يهدف هذا الفصل والفصول التي تليه الى تحليل نظريات التنمية باتجاهاتها المختلفة -لخصت هذه االتجاهات
في ثالثة عناوين تحت ايديولوجية التنمية المنهج الجبري والمنهج االحتمالي ومنهج التجاهل أو وقف النمو -
تغطي هذه التقسيمات الفكر التنموي الكالسيكي والحديث وتمثل العناوين الثالث منطلقا لوضع استراتيجية
التنمية في الدول النامية.
يحتوي هذا الجزء على نظريات التنمية الخطية التراكمية أو المنهج الجبري والذي يشتمل على مجموعة من
النظريات مثل نظرية التسلسل ونظرية روستو لراحل النمو االقتصادي ونظرية االنتشار ونظـرية اللحاق
ونموذج المركز والهوامش ومفهوم الدفعة الكبيرة ونظرية الدائرة السببية ونظرية الدائرة المفرغة للفقر -
يناقش الفصل ايضا ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية والتحديات المعاصرة ويحتوي هذا الجزء على
االنتقادات الرئيسية المنهجية التنمية الخطية التراكمية والنظريات التي تقوم عليها هذه االنتقادات مثل نظرية
االعتماد ونظرية كالتنج والتي اطلق عليها النظرية االمبريالية ثم يختم الفصل بخالصة توضيح االستنتاجات
الرئيسية.
التنميـة التراكميـة Cumulative Development
تأثرت نظريات التنمية باإلطار الفكري والنموذج التراكمي في العلوم االجتماعية -ظهر ذلك بصورة جلية
في نظرية التسلسل Continuum Theoryوالتي تقول ان التنمية والتحديث يسيران في خط متوالي أو
متالزم من التقليد الى التحديث -تمثل المؤسسات والعالقات االجتماعية الحالية منطلقا للتنمية الخطية كما
يقول روستو والموند Almondودرتش Deutschينطوي هذا النموذج على وحدة الهدف والوسيلة .أي
أن هناك نقطة وصول مدينة ينبغي أن توجه نحوها مجهودات التنمية والتحديث.
نظرية روستو لمراحل النمو االقتصــادي
يقول روستو تير المجتمعات بخمس مراحل في نموها .وفي رحلته من المرحلة التقليدية الى مرحلة
التحديث واالستهالك يجب ان تتوفر للمجتمع بعض المزايا والشروط مثل االستقرار السياسي والتعليم
والمهارات ورجال اعمال نشطون حتى يتسنى له االقالع في طريق النمو الصناعي والنضج االقتصادي ندي
مرحلة االستهالك .ولكي تضع الدولة نفسها في طريق النمو االقتصادي ينبغي عليها اوال أن تترسم خطى
الواليات المتحدة االمريكية أي ينبغي أن تعيد تشكيل هياكلها االجتماعية ومؤسساتها االقتصادية والسياسية
لتتماثل مع الواليات المتحدة * افعلها بطريقتنا » ثانيا ينبغي على الدولة أن تعترف بالحاجة للعون االقتصادي
لتزويدها بالطاقة الكافية لمرحلة االقالع -يتناقص العون االقتصادي تدريجيا بعد مرحلة االقالع .ثالثا بعد
مرحلة االقالع وابتداء النمو ينبغي أن تهتم الدولة بمسالة التخطيط واإلدارة لتمنع عملية االنحراف
62
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
واالنتكاسة "Do it the way we did" .أبرز و .و -روستو W. W. Rostowخمس مراحل لنمو
االقتصادي على النحو التالي
المجتمع التقليدي The Traditional Society
توضح الشواهد التاريخية أن قطاعا كبيرا من البشر على ظهر المعمورة يعيش دون تغيير اقتصادی ملموس
،فكلما هناك هو أحداث طارئة ال رابط بينها مثل اكتشاف النار ،وتوليف الحيوان واالستقرار وتذويب
واستخدام الحديد واستخدام المجالت والكتابة وخزن المحصول واستخدام االرقام كوحدات حسابية واستخدام
النقود كوحدة تبادل ..الخ فالمجتمعات التقليدية تفقد النظرة الشمولية للبيئة الطبيعية ،تلك النظرة التي تجعل
من عملية التغيير Changing Processعملية مستمرة وليس حدثا طارئا.
ترتبط عملية التحول بالتقدم التكنولوجي فقد يسمع التقدم التقني الزراعي بزيادة االنتاجية وزيادة الفائض
الغذائي ويحرر عددا كبيرا من السكان من مهنة الزراعة ليصبحوا حدادين ونجارين وغزالين كما يسمح ذلك
بتحويل الموارد من حالة االكتفاء الذاتي لبناء القالع والحروب.
-2الخطـوات السابقة لمرحلة اإلقالع The Preconditions for Take-off
تحققت الخطوات السابقة لرحلة االقالع بطريقة تدريجية بطيئة في غرب اوربا خاصة في بريطانيا بعد
قرنين ونصف من الثورة الفرنسية ،ومن المؤثرات والعناصر الهامة في أوربا القضاء على االقطاع وظهور
طبقة البرجوازية في القطاع التجاري وإنهاء الحواجز التجارية وتأسيس الدولة القومية واالستقالل الروحــي
( والذي تجسد في ظهور الديانات البروتستانتية ) وتقهقر الخرافات في وجه هللا العلمي .ساعد اكتشاف
العالم الجديد في القرن الخامس عشر على تحقيق هذه الخطوات.
ويقول روستو أن الخطوات الالزمة التي ينبغي أن تسبق مرحلة التصنيع تتلخص في ثالث الخطوة األولى
هي بناء شبكة من المواصالت لتوسيع نطاق السوق وزيادة التخصص -الخطوة الثانية هي تنوير الزراعية
بتوفير الغذاء الالزم للعاملين في القطاع الصناعي من سكان المدن الخطوة الثالثة التوسع في الواردات ومن
بينها راس المال.
يتحقق التحول من مرحلة ما قبل االقالع إلى مرحلة االقالع عن طريق التحوالت السياسية واالرادة وأثر
الدعاية وقد يتخذ ذلك اشكاال متعددة مثل ظهور طبقة من رجال االعمال المغامرين في مجال التجارة وايجـاد
السوق المحصوالت الزراعية والسلع االستهالكية وقيام المؤسسات النقدية واتساع شبكة المواصالت.
تختلف مرحلة الخطوات السابقة لمرحلة االقالع من دولة ألخرى اي ان هناك اختالفا كبيرا بين دول غرب
اوربا (بريطانيا ،فرنسا ،المانيا) واالراضي الجديدة (كندا واستراليا) واألراضي القديمة المكتظة بالسكان
مثل الصين والهند.
-3مرحلة اإلقالع The Take-off Stage
تعتبر مرحلة االقالع مرحلة قصيرة نسبيا تستغرق ما بين عقدين الى ثالثة عقود يزداد خاللها معدل دخل
الفرد بصورة مضطردة وتعتبر مرحلة االقالع مرحلة الثقة بالنمر االقتصادي المستقبلي ،وضع روستو
التواريخ التالية كنقاط بداية ونهاية لبعض الدول التي تجاوزت ( او ما زالت في ) مرحلة االقـالع.
63
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
بريطانيا .1802 – 1783السويد 1890 – 1868تركيا - 1937فرنسا .1860 – 1830اليابان
.1900 – 1878الهند .1937بلجيكا .1860 – 1833روسيا .1914 – 1890الصين 1952
الواليات المتحدة 1860 – 1843كندا 1914 – 1896المانيا 1873 - 1850االرجنتين .1935
هناك متطلبات متعددة لمرحلة اإلقالع بيد أن روستر اشار الى ضرورة توفر ثالثة شروط اساسية ،الشرط
االول هو ارتفاع معدل االستثمار االنتاجي من ٪5الى ما فوق ٪10من صافي الناتج القومي ،الشرط
الثاني في تنمية واحد أو أكثر من القطاعات الصناعية القيادية مثل الغزل والنسيج في بريطانيا والسكك
الحديدية في الواليات المتحدة والمسمانيا وفرنسا وصناعة قطع األخشاب في السويد يتميز القطاع القيادي
بالنمو السريع في المراحل األولى -يقود النمو السريع في هذا القطاع الي تنشيط القطاعات األخرى التي ال
تلبث أن تلحق بالقطاع القيادي ومن ثم تتولى عملية النمو االقتصادي الشرط الثالث هو قيام االطـار سياسي
واجتماعي ومؤسسي لتنشيط وتوسيع القطاع الحديث.
-4المسعى للنضج The Drive to Maturity
تأتي مرحلة السعي للنضج بعد مرحلة االقالع أي بعد تحقيق درجة عالية من النمو االقتصادي وارتفاع
مستوى دخل الفرد ومستوى االستهالك وهنا يزداد استخدام التقنية الحديثة ويزيد معدل االستثمار على نسبة
٪10من الناتج القومي ويقل التركيز على التكالب المادي الذي يصحب الحمى الصناعية كما يزيد االهتمام
بالقيم اإلنسانية.
وضع روستو التواريخ التالية كحدود لتحقيق النضج التكنولوجي في بعض الدول منها
بريطانيا 1850السويد 1930الواليات المتحدة 1900اليابان 1940المـانيا 1910روسيا 1950كندا
1950فرنسا 1910
-5مرحلة االستهالك The Stage of Consumption
شهد القرن العشرون دخول عدد كبير من دول غرب أوربا وأمريكا الشمالية في مرحلة االستهالك -اول من
وصلت هذه المرحلة هي الواليات المتحدة ( 1920م)ثم بريطانيا ( 1930م) كما وصلت بقية دول غرب
أوربا هذه المرحلة في الخمسينات من هذا العام .تميزت هذه المرحلة بعصر استخدام السيارة والتحول الى
أطراف المدن ،واستخدام السلع االستهالكية والعمالة الكاملة وزيادة األمن الوظيفي والقضاء على شبح
الجوع والفقر ()2 ، 1
تمثل هذه المراحل مستويات ومراحل تطور االنسان ( الطفولة المراهقة ،المنضج ،الشيخوخة ) .ينبغي
وفق هذا المفهوم ان تعيش جميع المجتمعــات هذه المراحل يعتمـد نمـر الطفل على مقدرته في تقليد والدية
فاذا شب عن الطوق وبدأ في التخصيص الوظيفي ملفق يقلد من وصلوا أو تجاوزوا مرحلة النضج في
الوظيفة المعينة .وفي كال المالتين يخلق صورة تصويرية لمثله األعلى أو نموذج يقيس سلوكه بعدا وقربا
على هدى هذه النماذج هكذا هي حال المجتمعات حسب نظرية التنمية المحتمية أو التنمية التراكمية ،هناك
مجتمعات في مرحلة الطفولة ومجتمعات في مرحلة المراهقة وأخرى في مرحلة النضج ورابعة تجاوزت
مرحلة النضج الى مرحلة الشيخوخة يتعين على المجتمعات في مراحل النمو األولى أن تقلد المجتمعات
الناضجة لتلحق بها ومن هنا تأتي نظرية االنتشار ومشتقاتها مثل نظرية اللحاق Catch up Theoryلتدعيم
64
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
نظرية روستو للنمو فكل ما هو مطلوب هو نقل المهـارات ر األساليب الفنية من الدول المتقدمة الى الدول
النامية.
نظـرية االنتشــار The Diffusion Theory
تنادي هذه النظرية بنشر القيم الحضارية والتكنولوجية من الدول المغربية إلى الدول النامية كما تنادي بتنمية
المهارات الحديثة عن طريق التدريب ونقل المعرفة من الفني االمريكي وخبير ،األمم المتحدة الـى الـدول
النامية .ومن ثم تضع الدول المتقدمة في موضع العطاء والدول النامية في موضع االخذ يمثل هذا المفهوم
حبل الوصل بن العاملين في حفل ادارة التنمية وعلى وجه التحديد مجموعة االدارة العامة المقارنة كما انه
يمثل أيديولوجية ثابتة تقول ان التنمية شيء حتى ويجب ان يتحقق فكل ما ساعد عليها هو حق وكل ما عرقل
مساعيها فهر باطل ،أن الحركة والنمو شيء مرغوب والجدود مرفوض.
كشفت دراسات التنمية عن أهمية المتغيرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية وااليديولوجية والمؤسسية
التي ينبغي أن توضع في الحسبان وتراهي في عملية التغيير من مرحلة االقتصادية معينة للمرحلة التي تليها
فأهداف التنمية واحدة .يقول فرد ريجز ان دراسة التنمية في المجتمعات الغربية هي في الواقع دراسة القوى
والعوامل الداخلية ،اما دراسة التنمية االقتصادية في الدول النامية فهي دراسة عوامل منشوريه خارجية ،
فالتغيير في الدول المنشورية يعتبر استجابة لمؤثر أو تحدى المحيط الخارجي خاصة من المجتمعات
االنتشارية · ان التغيير االجتماعي مهما تعددت أشكاله ينتج عن تنمية اقتصادية · والقول ان النتيجة دائما في
التنمية االقتصادية ال يعني بالضرورة ان التنمية االقتصادية تحت هذا المفهوم هي مفيدة أو مرغوبة في
جميع الحاالت فالتنمية هنا تعني االعتماد المتبادل والتسويق وتوسيع نطاق التعامل النقدي وليس االنتاجية
وتوزيع الثروة والعدالة .ويمكن تحت هذا المفهوم ان يكون هناك نمو وتنمية مع تدهور الثروة وسوء
توزيعها وبمعنى آخر فان التنمية هنا ال تعنى زيادة الثروة وعدالة التوزيع كما ان التنمية بهذا المفهوم ال
تعنى تقوية او اضعاف القيم االجتماعية األخرى مثل األمن االجتماعي واالخالق ومعنى الحيـاة.
يطرح فرد ريجز سؤاال هاما ويجيب عليه وهو لماذا يتسبب تدخل الدولة الصناعية (االنتشارية) في الدول
النامية (المنشورية) في التنمية االقتصادية بالمفهوم السالف ؟ يقرر ريجز ان الدول االنتقالية تواجه مجموعة
من المخاطر وأهمها الغزي الخارجي من الدول الصناعية -تحس الدولة التي تهدد بالغزو بضرورة اقتناء
أسلحة ونظم عسكرية على طراز اسلحة العدو ،وقد يكلفها ذلك مبالغ المائلة في شكل تصنيع وشراء األسلحة
وبناء واستحداث مؤسسات اجتماعية جديدة ،ان كال من البلدين يستدعى تغيير النظم االقتصادية -فشراء
االسلحة مثال تصحبه ترتيبات تنظيمية -فلكي تشـترى الدولة أسلحة.
يجب أن تتحصل على العملة األجنبية وهذا يعني رسم سياسات لإلنتاج والتصدير بيد أن الدولة المعنية تعتمد
على االقتصاد االستهالكي ان تنتج فقط ما تستهلكه -أن تنظيم التصدير يحتاج الى انشاء منشئات تمويلية
ووسائل مواصالت ومؤسسات التصنيف وترتيب السلع مما يستدعي استحداث تغيير جذري في هياكل
المجتمع .اما إذا ارادت الدولة المهددة بخطر الغزو الخارجي ان تصنع اسلحتها بيدها فان ذلك يتطلب تغييرا
اجتماعيا ابعد اثرا ،فالتصنيع تصحبه مجموعة من التحوالت االجتماعية والنفسية.
وعلى الصعيد التنظيمي فان بناء قاعدة للتصدير تتطلب تحويل جزءا من الثروة أو حصيلة التصدير الى
خزانة الدولة ليتم صرفها لشراء االسلحة وهذا يعني انشاء اجهزة محاسبة وموازنة وتغيير التركيب الداخلي
للمنظمات وانشاء جهاز بيروقراطي يعتمد على المرتبات والتخصص المهني يستدعي التغيير انشاء
65
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
منظمات عامة وزيادة إنفاق الحكومة وقيام بنوك ومصارف وشبكة مواصالت وشوارع وخطوط جوية
وبحرية وخدمات بريد ومحطات تلفاز ومؤسسات بحوث وتدريب التعليم المهارات المطلوبة أي يتطلب
التغيير قدرا عاليا من التنوع الهيكلي Structural Differentiationتســــــي مثـل هـذه التنمية بالتنميــة
التراكمية يرتبط هذا المنهج التنموي بنظرية هامة وهي نظرية االنتشار تنظري نظرية االنتشار على
فرضيتين تتلخص الفرضية االولى في ان التنمية تتحقق عن طريق انتشار انماط ثقافية ومادية معينة من
الدول المتقدمة الدول النامية ،وتقول الفرضية الثانية أن التنمية تتحقق في كل دولة نامية عن طريق نشر
نفس األنماط الثقافية والمادية مسن القطاع الحديث القطاع التقليدي -ترتبط نظرية االنتشار .بنظرية التسلسل
Continuum Theoryونموذج المركز واالطـراف أو الهوامش.
نموذج المركـز والهوامش Contra-Periphery Model
يتألف االقتصاد العالي منذ منتصف القرن التاسع عشر من مراكز و هوامش Centres and Peripheries
وقد كان واضحا في ان بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر كانت تمثل المركز حيث انها كانت تمسك
بزمام الصناعة والتجارة في العالم .تمثل بقية اقطار العالم مقاما ها مشيا ظلت كثير من دول العالم معزولة
عن التجارة الخارجية حتى نهاية القرن التاسع عشر كما لم يكن لها وجود محسوس في السياسة الدولية -
انتعشت الكثير من دول العالم التي كانت تقع تحت نفوذ االمبراطورية البريطانية بفضل إثر نشر النشاط
الحضارية في مجال االنتاج والتسويق والتقنية من المركز (بريطانيا) الى الهوامش ودخلت في نطاق التجارة
الدولية بينما ظلت الدول التي لم تقع تحت نفوذ دولة «جاللة الملكة» في عزلتها االقتصادية.
جميع هذه النظريات تفترض او تقوم على مفهوم الثنائية في المجتمع -وتعني الثنائية وجود قطاعين يختلفان
من حيث أنماط االنتاج والخلفية الثقافية والحضارية والمفاهيم المجتمعية وهما القطاع التقليدي والذي يعتمد
على وسائل االنتاج التقليدية والقطاع الحديث -فالقطاع الحديث عن طريق نشر رسائل االنتاج والسلوك
الحديثة يساعد على تحديث القطاع التقليدي -القطاع الحديث يمثل موقفا مركزيا رائدا في عملية نشر التنمية
عـن طريق خلق روابط بين القطاع التـابع والمتبوع كمـا تقول نظرية هيرشمان.
اشار هيرشمان الى وجود نوعين من الروابط أطلق على النوع األول الروابط األمامية وعلى الثاني الروابط
الخلفية Forward Linkagesاستخدم هيرشمان هذه الروابط لتحليل وتفسير العالقات التبادلية بين
القطاعات التنموية المختلفة على ضوء التحليل الشبكي (مدخالت ومخرجات) · يقول هيرشمان أن مخرجات
نشاط اقتصادی معين تمثل مدخالت لنشاط اقتصادي آخر ،فلنأخذ صناعة االسمنت كمثال تعتمد صناعة
االسمنت على صناعة الورق التغليف االسمنت) في شكل مدخالت (روابط خلفية) -تدخل منتجات او
مخرجات صناعة األسمنت في شكل مدخالت لصناعة البناء (روابط امامية) · تمثل صناعة االسمنت
وصناعة الورق مدخالت لصناعة البناء .وترتبط صناعـة البنـاء بالصناعتين األخيرتين بروابط خلفية
Backward linkageكما تمثل الصناعتان التابعتان محورا او ستاليت الصناعة االم Master Industry
.تقـوم مجموعة أخـرى من الصناعات حول صناعة البناء لتكون صناعة خدمية Service Industry
للصناعة االم وتوابعها مثل صناعة التعبئة والشحن والمواصالت ،وبناء على هذا المفهوم تنتشر االنماط
التنموية من الصناعة االم وتوابعها مثل صناعة التعبئة والشحن والمواصالت " في موقع معين (المركز) الى
صناعات اخرى في مواقع مختلفة ( الهوامش ).
66
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
67
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
نظرية الدائرة السلبية circular Causationأو الحلقة المفرغة للفقر
ترتبط نظرية االنتشار بنظرية الدائرة السببية circular Causationلقونر ميردال Gunnar Myrdal
يقول ميردال أن هناك حاالت تتداخل فيها العوامل والمتغيرات لتقوية بعضها البعض بشكل تراكمي على
قرار الدائرة المفرغة أن مثل هذا التفاعل المتبادل .قد يقود إلى ضعف االنتاجية أو تقويتها فالفقر مثال يؤدي
إلى سوء التغذية وفترين ان القوة على العمل ويحد من فرص التعليم ويؤدي إلى ضعف الطاقة عن األمل
واألمية وإلى ضعف وانخفاض االنتاجية ومن ثم إلى زيادة الفقر والهزال وسوء التغذية .ان هذا النمط من
التردي التراكمي يسمي أثر االنحسار أو الجزر backwash effectوفي الجانب اآلخر فان زيادة الثروة
تزيد من صحة االنسان وتمنحه فرصا أوتر التعليم وبالتالي يؤدي التعليم إلى زيادة انتاجيته مثل هذه التنمية
التراكمية بأثر االنتشار spread effectيظهر مما سبق أن العالقات الدائرية تتسبب في استمرارية
مستويات النمو المنخفضة ويمكن أن نلخص هذه العالقات في الشكل التالي
الشكل رقم 4
توضح هذه الحلقة انخفاض الناتج ومن ثم قلة الفائض التراكم الرأسمال يؤدي ذلك إلى ضعف االنتاجية
وانخفاض متوسط دخل الفرد وضعف المدخرات يتسبب تدنى دخل الفرد في نقصان الطلب .فلنأخذ مثال
الحالة االقتصادية لبعض المجموعات القروية الزراعية ذات الدخل المنخفض تتسم هذه المجموعة بارتفاع
مستوى األمية وانخفاض المهارات كما تتحكم العادات والتقاليد في سلوكها وحياتها االقتصادية .تستخدم هذه
المجموعة راس مال قليل كما أن أساليبها الزراعية تتسم بالجمود .هذا فوق انها تستهلك كل ما تنتجه مما
يجعل اقتصادها استهالكيا يتميز بحد أدنى من توزيع العمل وتحت هذه الظروف تقل نسبة المدخرات ويقل
الطلب على السلع االستهالكية ومن ثم يتنافهن التداول النقدي.
يتضح مما سبق أن ايديولوجية التنمية التراكمية تقوم على عدة افتراضات اهمها أن الدول النامية في مرحلة
طفولتها تحتاج لمن يأخذ بيدها وينقلها من مرحلة الجمود والركود االقتصادي لمرحلة االقالع (روستو) وان
التنمية االقتصادية تتطلب قدرا معينا من االستعداد الكتساب القيم الحضارية الحديثة مثل اقتصاد السوق
68
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
والفردية واالقتصاد في االنفاق والمهارات الفنية ،والتعليم االنضباط السلوكي وحافز الربح وروح المنافسة
والمغامرة كما يتطلب التحول استعداد الدول النامية للتخلي عن عالقاتها التقليدية سواء كان ذلك على مستوى
األسرة أو األسرة الممتدة أو القرية وتتخلى عن عام اتها وتقاليدها واعرافها القبلية واسلوب حياتها وعالقاتها
االعتمادية التقليدية وأن تتحلى بأخالق الدول الصناعية وتنتحل عاداتها ،ليس االقتصادية فحسب وإنما
االجتماعية والسياسية فتغيير األسلوب يجب أن يصحبه تغيير في اللبس واستبدال الجالبية بالبنطال واألكل
وطريقة تقديمه وتغيير مفهوم الوقت ومفهوم السلوك المرضى والسلوك الشبان وعادات األفراح واألتراح
وتغيير في االهتمامات الذهنية وفي وسائل الترفيه وتغيير في النظرة لإلنسان وفي فلسفة وجود اإلنسان .أي
تعنى انتحال الشخصية الغربية وذوبان شخصية الدول النامية أي ان تتنكر الدول النامية ألسلوب تفكيرها.
ولكي يتحقق هذا التغيير ينبغي على الدول النامية أن تغير هيا كلها (فرد ريجز) وأن تنشئ مؤسسات جديدة
لمباشرة أداء الوظائف الجديدة اسمان.
التنمية وفق هذا المفهوم تتطلب اقتصاد السوق .ويتوقف ذلك على انشاء مؤسسات نقدية ومصارف وسوق
للعملة وتتطلب تحويل جزء من الدخل القومي لالستثمار ويتوقف ذلك على قيام مؤسسات التخطيط وتنفيذ
المشاريع وتتطلب انتاج سلع للحصول على العملة الصعبة ويتوقف ذلك على انشاء مؤسسات للتسويق
ولتصنيف السلع وشحنها وتفريغها وتتطلب تصنيع المواد الخام لتغطية الحاجة المحلية ويتوقف ذلك على
انشاء مصانع ومعاهد التدريب العاملين على المهارات المختلفة إلدارة المصانع الخ تشترط هذه االيديولوجية
توفر الشروط المسابقة الذكر Prerequisitesكخطوات تسبق أي عملية تنموية وبدون هذه الشروط لن
تتمكن الدول من اللحاق بركب الدول النامية ترتبط عملية اللحاق بمفهوم الدفعة الكبيرة Big Pushوتعني
" التركيز على قطاع أو منطقة معينة مثل القطاع الحديث في عملية التنمية .فإذا ما كفنا جهود التنمية في
منطقة معينة أو قطاع معين فان اثر االنتشار سينسحب على الهوامش ألن نمو األطراف يتأثر بصورة
مباشرة بعملية التنمية في المركز اذ انها تمثل حوضا Catchmen areaللمركز فإنشاء المؤسسات
الصناعية والزراعية و التعليمية والصحية في مركز مالين يعني ارتفاع مستوى العمالة في ذلك المركز ،
وينعكس مستوى العمالة على مستوى دخل الفرد ومن ثم على قوته الشرائية أي ينعكس على مقدرته على
االستهالك أي أن ارتفاع القوة الشرائية في منطقة معينة تعني تنشيط الحركة التجارية رقود تنشيط الحركة
التجارية إلى جذب رؤوس األموال و استثمار هذه األموال في المزيد من الصناعة ويتطلب التصنيع توفير
األيدي العاملة ،ويعني ذلك هجرة العمال من الهوامش إلى مركز التصنيع ويقود ذلك إلى التمدن
Urbanization
69
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية والتحديات المعاصرة
يتضح مما سبق أن ايديولوجية التنمية الخطية تحمر الدولة في خيار أو بديل واحد تستبعد معه كل
االختيارات االخرى ،هذا فوق أن تركيز جهود التنمية في اتجاه واحد يجعل من الصعب تصحيح مسار
العملية التنموية في حالة االنحراف كما يتضح من تجارب الكثير من الدول النامية -تجربة شيلی واالرجنتين
والسودان ...الخ كما أن ذلك يقود للكثير من المشاكل مثل الركود االقتصادي والفقر وتفشي العطالة
والالمساواة في الدخول وفي توزيع الفرص والنمو الصناعي البطيء واالعتماد على العون ورأس المال
االجنبي االستمرار في السير على ايديولوجية التنمية الخطية يقود ال محالة كما يقول بعض الدارسين إلى
طريق مغلق .فإذا أخذنا معدل النمو الحالي وقارناه بمعدل النمو السكاني في الدول النامية لتأكد ما ذهبنا إليه
في أن السير وفق ايديولوجية التنمية الخطية سيؤدي إلى المزيد من الفقر في الدول الفقيرة ويباعد بينها وبين
الدول الغنية مما يجعل مسألة اللحاق أمرا غير ممكن .يؤكد س فرد برجستين C. Fred Bergstenخيبة
أمل الدول النامية في منهجية التنمية الخطية فيقول دلت تجربة معظم الدول النامية باإلضافة إلى الكثير من
الدول الصناعية على عدم جدوى النمو والناتج القومی GNPأو بمعنى آخر أن النمو و الناتج القومي
بمفردهما ال يسهمان في حل المشاكل االقتصادية مثل العمالة وتركيز األسعار والعدالة في توزيع الدخل أو
توفير مستوى معيشي مقبول خدعت معظم الدول النامية بنتائج الماضي والتركيز على هدف واحد فبالرغم
من االرتفاع النسبي في معدل النمو في الدول النامية في الستينات إال أن العطالة تزيد على ٪ 20في معظم
الدول وأن متوسط دخل الفرد في الدول الفقيرة والتي يتجاوز عدد السكان فيها أكثر من نصف سكان العالم
يزيد فقط بنسبة مر ٪ 1في السنة اتسعت الفجوة نتيجة للزيادة المنخفضة في متوسط دخل الفرد في الدول
النامية بين الدول المتقدمة والمتخلفة تكنولوجيا حيث يوجد 100مليون أمي في العالم الثالث وأن ثلثي
األطفال في العالم يشكون من سوء التغذية.
فإذا سار معدل النمو على هذا المنوال ٪ 1,5فسوف تستغرق الدول النامية بين 100إلى 500سنة لتصل
المستوى التكنولوجي الذي بلغته الواليات المتحدة اآلن هذا علما بأن الدول الصناعية هي ايضا في حالة
حركة تعرف نظريات التنمية الخطية التراكمية على اساس انها عملية غير قابلة القلب اال مقلوبية
irreversible processموجهة نحو هدف نهائي تبدأ من نموذج مثالي ideal typeتقليدي وتنتهي إلى
نموذج مثالي حديث ،وبين طرفي الحداثة والتقليد توجد مراحل انتقالية مختلفة تحدي تجربة الدول الغربية
الصناعية معالم الطريق ومن ثم مزايا وصفات كل مرحلة على طريق النمو بين طرفي التقليد والتحديث.
وكل مرحلة بين طرفي النمو تقتضي سلوكا وشروطا معينة Prerequisitوتعتبر هذه الشروط معيارا
لقياس درجة نمو الدولة تعكس هذه الصفات والمعايير والسلوك تجربة الدول الصناعية الغربية فيقال هذه
الدولة وصلت درجة معينة من التنوع الهيكلي أو التصنيع أو االستهالك أو التمدن ويقاس ذلك بعدد
المؤسسات والوظائف التي تقوم بها وعدد العاملين في القطاع الصناعي قياسا بالعاملين في القطاع الزراعي
أو القطاع التقليدي أو عدد ونسبة سكان المدن اسكان األرياف .السؤال الذي يدور في أذهان المفكرين في
العالم الدي ،هو هل تصلح القيم والمؤسسات التي إذا ما زرعت في تربة طورت الواليات المتحدة ،وغرب
أوروبا وجعلت منها أسطورة حضارية العالم الثالث أم أن هناك ظروفا موضوعية تاريخية مثل وجود
االستعمار ووجود عالقات اقتصادية غير متكاملة هي التي أدت إلى نمو الدول الصناعية وتختلف الدول
األمية؟ هذا ما تجيب علية نظرية االعتماد.
70
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
نظرية االعتماد Dependency Theory
يعرف االعتماد بحالة تاريخية تشكل هياكل اقتصاد العالم لصالح بعض الدول على حساب دول أخرى ،تؤدي
هذه الحالة إلى تحديد احتماالت التنمية في االقتصاد التابع االعتماد هو أيضا الحالة التي يتوقف فيها نمو
اقتصاد مجموعة معينة من الدول على نمو وتوسع اقتصاد دول اخري تقول نظرية االعتماد ان اقتصاد الدول
النامية ظل رهين المحبسين وبمعنى آخر يتوقف نمو اقتصاد دول العالم الثالث على احتياجات االقتصاد
العالمي وخاصة اقتصاد الدول الكبرى كما يتوقف ايضا في داخل كل دولة على احتياجات التنمية في القطاع
الحديث .والمقصود باحتياجات سوق االقتصاد العالمي هو تدفق الرأسمالي والسلع بين الدول خارج نطاق
المعسكر الشيوعي يمثل السوق العالمي محورا للنظام العالمي يضم النظام العالمي بجانب العالقات
االقتصادية مجموعة من العالقات السياسية والعسكرية واالجتماعية والثقافية تدور كلها حول اقتصاد السوق.
فالنظام العالمي هو نتاج لعملية الديناميكية التاريخية أي لالمتداد العالمي للرأسمالية تركز نظرية االعتماد
على النظام العالمي وتحمله مسؤولية تخلف الدول النامية .يتسبب توسع االقتصاد العالمي االقتصاد
الرأسمالي في تشكيل اتجاهات ومرامي ونوعية االقتصاد المحلي وبمعنى آخر فان اقتصاد الدول النامية يتأثر
سلبا وايجابا بالتوسع الرأسمالي العالقة بين االقتصاد العالمي واالقتصاد المحلى دائما هي عالقة رأسية سيد
ومسود أو تابع ومتبوع العالقة حالة من عدم التكافؤ يتم بموجبها نمو االقتصاد المتبوع على حساب االقتصاد
التابع بان يركز االقتصاد المتبوع على التصنيع ويركز االقتصاد التابع على تزويد المصانع في االقتصاد
المتبوع بالمواد الخام -يتوقف نمو االقتصاد المحلي وفقا لهذه المعادلة على احتياجات االقتصاد العالمي فال
تنتج الدول النامية اال ما يلبي احتياجات الدول الصناعية كما أنها تستهلك فقط ما تنتجه مصانع الدول الغربية
،وهذا يعني أن الدول الصناعية ال تتحكم فقط في اقتصاد الدول النامية وانما تؤثر ايضا على اسبقياتها
بتحديد ما ينبغي أن تستهلكه أو تنتجه يتحقق ذلك بأشكال مختلفة أهمها مؤسسات االعتماد
Infrastructure of Dependencyيقوم االقتصاد الرأسمالي -لتأمين وجوده -بخلق عالقات
ومؤسسات اقتصادية هرمية في الدول النامية هدفها تأكيد الثنائية في االقتصاد اقتصاد تقليدي وحديث بان
يتولى القطاع الحديث -بقيادة النخبة االقتصادية -زمام المبادرة يمثل القطاع الحديث بقيادة النخبة
االقتصادية مصالح االقتصاد الرأسمالي العالمي ولقاء ذلك يقوم االقتصاد الرأسمالي العالمي بتزويد
الرأسمالية المحلية برأس المال والخبرة والتكنولوجيا .تتبلور الرأسمالية المحلية في شكل طبقة اجتماعية
برجوازية صغيرة تدافع عن مصالحها ومصالح النظام االقتصادي الرأسمالي الذي منحها السند المادي
والسياسي تسمى هذه العملية في المعاجم الماركسية باإلمبريالية .Imperialism
نظرية اإلمبريالية disharmony of interests
ترتبط هذه النظرية بنظرية االعتماد ونموذج المركز والهوامش وفي الواقع فان جميع هذه النظريات تفترض
وجود الثنائية في االقتصاد وفي توزيع السلطة والموارد .غير أن نظرية اإلمبريالية تذهب بعيدا في تفسير
الثنائية وترجعها لجذورها األيديولوجية .تختلف هذه النظرية عن نظرية لينين والتي تعزي تخلف الدول
النامية لوجود عالقة هرمية بين الدول النامية والدول الصناعية الرأسمالية قوامها االستنزاف واالستغالل أي
ترجع ثراء وتطور الدول الغربية إلى ظروف تاريخية مكنت هذه الدول من نهب موارد الدول النامية واتخاذ
هذه الموارد وقودا لنهضتها الصناعية فصاحب هذه النظرية -بحكم ثقافته الليبرالية وانتمائه االيديولوجي -
يتخذ موقفا وسطا ويعزى اسباب تخلف الدول النامية ليس فقط لإلمبريالية الرأسمالية فحسب وانما لإلمبريالية
الشيوعية والرأسمالية على حد سواء ،ومن ثم يطرح تعريفا جديدا لمفهوم اإلمبريالية يختلف عن ما هو
71
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
متعارف عليه في المعاجم الماركسية .ينظر جوهان كالتنق Johan Galtungاإلمبريالية كعالقة سيادة أو
استعالء أو تسلط بين مجموعتين أو أكثر خاصة بين الدول المركزية والهامشية فهي عالقة هرمية -اي
عالقة تابع ومتبوع dominance relation -ليس فقط بين الدول وانما هي ايضا عالقة هرمية داخل
الدولة .يتكون العالم وفق هذه النظرية من دول مركزية وهامشية Nations Centre and Periphery
،كما أن كل دولة تتألف من مركز الهامشية و أطراف .الدول المركزية هي دول تتمتع بثقل ساسي و
اقتصادي وعسكري وثقافي كما أن المركز داخل كل دولة يتمتع بنفس الصفات بالمقارنة إلى الهوامش أو
األطراف تبث الدول المركزية سلطتها على الدول الهامشية عن طريق استقطاب النخبة القيادية في مراكز
الدول الهامشية وتقوية المراكز في الدول الهامشية لتصبح قنوات تعبر بها للدول الهامشية ترتبط النخبة في
مراكز الدول المر كزية ومراكز الدول الهامشية بمصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية مشتركة تسمى
هذه الروابط باإلمبريالية فاإلمبريالية هنا تختلف عن اإلمبريالية في النظرية الماركسية اللينينية والتي
تحصرها فقط في الروابط االقتصادية بين الدول المركزية والهامشية لتوسيع نطاق السوق بفتح اسواق جديدة
للدول الصناعية .فاإلمبريالية حسب تعريف كالتنق هي نظام يقوم على شطر المجموعات -سوا ء كانت
دوال أو قطاعات داخل الدول -وربط االجزاء بعد شطرها أما بعالقة انسجام المصالح
harmony of interestsأو تنافر أو تضارب المصالح disharimony of interestsانسجام
المصالح يعني وجود أو خلق روابط تؤدي إلى تقريب الثقة بين األجزاء كما ان تنافر أو تضارب المصالح
يعني أيجاد روابط تؤدى إلى توسيع الهوة بين األجزاء.
تفريعا على التعريفات السابقة فان اإلمبريالية تعني الديناميكية التي تمكن الدول المركزية من فرض
سيطرتها ونفوذها على الدول الهامشية تتمخض هذه العالقة الهرمية عن تنافر وتضارب المصالح بين الدول
المركزية والدول الهامشية بحيث يكون هناك
-1افق وانسجام في المصالح بين المركز في الدول المركزية والمركز في الدول الهامشية.
-2عدم االنسجام بين مركز الهامشية الدول الهامشية أكثر من عدم االنسجام بين المركز والهوامش في
الدول المركزية.
-3عدم االنسجام بين هوامش الدول المركزية الهامشية الدول الهامشية.
ينمو المركز في الدول الهامشية بمعدالت أسرع من نمو الهوامش ،فالمركز في الدول الهامشية يمثل بحزام
أو قناة لنشاط الدول المركزية التجاري والصناعي والعسكري والسياسي فينمو المركز على حساب الهوامش
وتتسع الهوة في الدول الهامشية من جراء ذلك.
ميكانيكية اإلمبريالية
تخضع عملية النمو حسب النظرية اإلمبريالية إلى ميكانيكيتين two mechanismsتجسد أن العالقة بين
الدول المركزية والدول الهامشية فالميكانيكية األولى تتعلق بالتبادل أو التفاعل الرأس والميكانيكية الثانية
ترتبط بالتبادل .فالنقطة األساسية في التبادل هي ان البشر والدول من خلفهم يدخلون في سلسلة من العالقات
التبادل المنافع وذلك الن كل دولة تتخصص في انتاج سلعة أو سلع معينة ،فبعض الدول تنتج بترول والبعض
اآلخر تنتج تركترات على سبيل المثال ومن ثم تدخل هذه الدول في عملية تبادل فإذا كانت العملية التبادلية
متماثلة أو متكافئة Symmetricفان الفجوة بين الدولتين المعنيتين ستكون صغيرة ،أما إذا كانت العملية
72
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المعيار · التبادلية غير متكافئة فسوف تتسع الهوة بين الدولتين يقاس حجم هذه الهوة بمعيارين األول هو
قيمة التبادل بين الدول المعنية والمعيار الثاني هو اثر التبادل (اثر مادي و معنوي) داخل الدولة يشتمل
التبادل عادة على دولة مركزية )دولة متقدمة( تستورد المواد الخام من دولة هامشية (دولة نامية) يشار
لألولى بحرف (أ) والثانية بحرف (ب) كمنا تستورد الدولة النامية سلع مصنعة من الدولة المتقدمة .يقول
كاتلنك أن كل تبادل من هذا النوع له آثاره االيجابية والسلبية غير أن اآلثار السلبية دائما تكون في جانب
الدول النامية حيث أن هذا التبادل يؤدي في الغالب إلى استنزاف الموارد الخام في الدول النامية .وبما أن
هذه المواد الخام تصنع في الدول المتقدمة فان معظم األبحاث تجري في الدول المتقدمة .فالبحث يحتاج إلى
بنية تحتية مثل الجامعات ومراكز تجميع المعلومات وتحليلها ،ويحتاج ذلك بدوره إلى بناء قاعدة ثقافية
وحضارية عريضة ،ويتطلب ذلك بناء اقتصادي و اجتماعي ،ويؤدي ذلك بدوره إلى تنمية تراكمية في الدول
المتقدمة اعتمادا على درجة التصنيع . degree of processingويسمى ذلك بأثر االنتشار
spin-off effectأما الدول النامية التي تصدر المواد الخام فسوف تنتهي فقط بحفرة كبيرة كما يتضح من
الجدول رقم 4يقول كالتنق أن حالة عدم التماثل أو التكافؤ asymmetryبين الدول الهامشية والدول
المركزية ال تعالج بتثبيت أو زيادة اسعار المواد الخام الن مردود المبيعات يذهب مرة اخرى للدول المتقدمة
الصطيادها السلع المصنعة بالرغم من أن جزءا منه يذهب لتمويل الخدمات الصحية والتعليمية وبناء البنية
التحتية وحتى الصرف في هذه المرافق يوجه إلى قطاعات معينة تهدف إلى ويؤدي في النهاية إلى توسيع
الشقة بين القطرين وقي موجز العبارة فان التبادل الرأسي هو السبب المباشر لحالة عدم التكافؤ الرأسي هو
السبب المباشر لحالة عدم التكافؤ.
جدول رقم ()4
جدول يوضح ميزانية التبادل
إثر االنتشار اثار التبادل بين إثر االنتشار إثر التبادل بين
الدول الدول إيجابي
(داخل)
سلبي
(خارج)
ال شيء -حفرة على بضائع مصنعه إثر انتشار واضح مواد خام
سطح األرض
مواد خام تلوث بيئي بضائع مصنعة
تناقص المارد واستنزاف
واالستنزاف
73
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تشمل الميكانيكية الثانية لإلمبريالية التبادل االقطاعي الهرمي وتعتبر عامال هاما في تعميق وحماية حالة عدم
التكافؤ حدد كالتنق أربعة مبادئ التحديد وتعريف التبادل االقتطاعي الهرمي على النحو التالي
- 1التبادل بين الدول المركزية والدول الهامشية هو تبادل رأسي.
-2ال يوجد تبادل بين هوامش الدول المركزية والدول الهامشية .
-3ال يوجد تبادل بين الدول الهامشية مع بعضها البعض.
-4تتحكم الدول المركزية في التبادل مع العالم الخارجي بحيث ال تدع مجاال للدول الهامشية التي تدور في
وفلكها لالتصال بدول مركزية أخرى.
فالمعرف السائد بين الدول المركزية هو إذا ابتعدت عن مناطق نفوذي Satellitesفسوف ابتعد عن مناطق
نفوذك الشكل رقم 5يوضح هذه العالقة .
شكل رقم 5
هيكل المركز والهوامش االقطاعي
ترتبط هذه الميكانيكية بنتائج اقتصادية هامة ومن أهم هذه النتائج هو تركيز النشاط التجاري وحصره مع
دولة واحدة وهي الدولة المركزية التي تدور الدولة الهامشية في فلكها .يحد ذلك من حرية الدول الهامشية
74
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
التجارية فال تصدر منتجاتها أو تستورد وارداتها اال من الدولة المركزية بالرغم من أن الدولة المركزية
تتمتع بحرية تجارية مع جميع الدول ما عدا الدول الهامشية التي تدور في فلك دول مركزية اخرى النتيجة
الثانية هي التركيز على سلعة واحدة تكون الحاجة اليها كبيرة وملحة في الدول المركزية .ومن مساوئ هذا
التركيز هو تأرجح االسعار وذ بذبة السوق باإلضافة إلى تقلب األحوال الجوية .وفي هذه الحالة تكون الدولة
الهامشية تحت رحمة الدولة المركزية ،تلجأ اليها لتغطية العجز في ميزان مدفوعاتها .يؤدي ذلك بدوره إلى
اعتماد الدول النامية على الدول المتقدمة.
توجد باإلضافة إلى النتائج االقتصادية بعض اآلثار السياسية الميكانيكية اإلمبريالية ومن اهمها ان هذه
الميكانيكية تؤدي إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ فتعزل بعض الدول عن بعضها البعض ،يدور بعضها في
فلك إمبريالية الدول الرأسمالية والبعض اآلخر يقع تحت سيطرة اإلمبريالية االشتراكية وكال اإلمبرياليتين
تعمالن وفق سياسة فرق تسد .يفسر التحليل السابق العالقة بين الدول المركزية والدول الهامشية كما يصدق
أيضا على تحليل عالقة عدم التكافؤ داخل الدولة بين المركز والهوامش توجد نفس العالقة الهرمية داخل
الدولة فينمو المركز على حساب الهوامش.
أنواع اإلمبريالية
حدد كالتنق خمسة أنواع من اإلمبريالية وهي اإلمبريالية االقتصادية ،والسياسية ،والعسكرية ،والثقافية .أما
اإلمبريالية الخامسة فتتعلق باالتصال جميع هذه األنواع تستخدم الميكانيكيتين التي سبق أن تحدثنا عنهما
-1التبادل الرأسي -2والتبادل االقطاعي الهيكلي لتحقيق معايير أو شروط اإلمبريالية الثالث -1توافق و
انسجام المصالح بين المراكز في الدول المركزية والدول الهامشية -2عدم االنسجام بين مركز الهامشية
الدول الهامشية أكثر من عدم االنسجام بين المركز والهوامش في الدول المركزية -3عدم االنسجام بين
هوامش الدول الم ركزية الهامشية الدول الهامشية تستخدم جميع انواع اإلمبريالية التبادل الرأسي وقد سبق
أن تحدثنا عن اآلثار االقتصادية للتبادل الرأسي اإلمبريالية االقتصادية وعليه سوف يقتصر النقاش على
االنواع االربع األخرى.
اإلمبريالية السياسية تعني تمركز اتخاذ القرارات في الدولة األم أي الدولة المركزية بعيدا عن الدول الهامشية
وعلى الدول النامية اإلطاعة وااللتزام بتوجيهات الدول المركزية شرقية كانت أو غربية .يرتبط موضوع
الطاقة بشرط التقليد وهو القيد أو الشرط الثاني الذي ينبغي على الدول النامية أن تلتزم به .بناء ا على ذلك
ينبغي على الدول النامية أن تقلد الدول المتقدمة ويرتبط ذلك بأيديولوجية التنمية الخطية unilinear
developmentوالتي تقول ينبغي أن تنقل الدول الهامشية نماذج التحديث من الدول المركزية ،ليبرالية
كانت أو اشتراكية.
تتبع اإلمبريالية العسكرية اإلمبريالية االقتصادية ،فالدول المركزية بفضل إمكانياتها االقتصادية أكثر قدرة
على تحويل امتيازاتها االقتصادية إلى امتيازات عسكرية .فاإلمكانيات االقتصادية والصناعية والتكنولوجية
التي تستخدم االنتاج التراكتور يمكن استغاللها إلنتاج مدفع أو دبابة .أما الدول الهامشية والتي ال تملك هذه
االمت يازات فال تملك اال أن تعتمد على الدول المركزية في حمايتها وهنا ايضا توجد عالقة هرمية وتبادل
رأسي .فالدول المركزية تزود الدول الهامشية بالحماية العسكرية وترد الدول الهامشية الجميل بالطاعة
والمزيد من التبعية .وما يصدق على اإلمبريالية العسكرية بسحب ايضا على إمبريالية االتصال
والمواصالت.
75
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تحتاج الدولة إلى قاعدة صناعية عرين ابناء شبكة االتصال هذه القاعدة في الدول الهامشية وعليه تعتمد
الدول الهامشية على الدول المركزية في بناء شبكة االتصال توجه شبكة االتصال لتخدم االغراض الهرمية
اإلمبريالية ،فيقتصر .االتصال على تدع يم العالقة الرأسية بين الدول المركزية والدول التي تدور في فلكها
وال تشجع االتصال بين الدول الهامشية مع بعضها البعض والمقصود باالتصال بأنواعه المختلفة االتصال
الثقافي واالتصال النفسي والمادي .فالدول الهامشية ال تقرأ وال تكتب عن بعضها البعض وانما تقرأ فقط
لل دول المركزية .كذلك فان هذه الدول ال تقرأ بحرية وانما تقرأ فقط ما تسمح لها به الدول المركزية ألن
الدول المركزية ال تزودها فقط بما تقرأ كتب ومجالت وانما باألساتذة الذين يقومون بعملية التدريس وال تقبل
الدول المركزية من الدول الهامشية أن تقوم بدور المعلم .فإذا حاولت الدول الهامشية أن تتطاول عليها
وتلقنها درسا في الرأسمالية أو االشتراكية مثال كما فعلت تشيكوسلوفاكيا فان الدولة المركزية االتحاد
السوفيتي مثال ترد عليها بعنف حتى تفيق إلى رشدها .يطلق كالتنق على هذه العملية اإلمبريالية الثقافية.
مراحل اإلمبريالية
تمر اإلمبريالية عبر تطورها بثالث مراحل تختلف هذه المراحل في طولها وقصرها اعتمادا على ميكانيكية
اإلمبريالية ونوعيتها .كما أنها تتخذ ايضا اشكاال مختلفة فهي -1في الماضي احتالل عسكري ومادي في
شكل استعمار وهي -2في الحاضر تتمثل في شكل مؤسسات إمبريالية ،اقتصادية كانت أو سياسية ،أو
عسكرية ،أو ثقافية ،أو ما يطلق عليه باالستعمار الحديث -3أما اإلمبريالية في المستقبل فسوف ترتبط
بوسائل االتصال وهنا لن تتخذ اإلمبريالية اشكاال مادية كما كانت في الماضي في شكل مستعمرات وانما
ستكون في صورة عزو ثقافي يعبر للدول الها عشية من الدول المركزية عن طريق المركز في الدول
الهامشية .المطية أو الوسيلة التي تستخدمها الدول المركزية لتحقيق اإلمبريالية المنظمات فمثال تستخدم
اإلمبريالية االقتصادية الشركات المتعددة الجنسية ،وتستخدم اإلمبريالية السياسية المنظمات الدولية الحكومية
كالسفارات ،وتستخدم اإلمبريالية العسكرية األحالف العسكرية ،واإلمبريالية الثقافية تستخدم وكاالت االخبار،
كما تستخدم إمبريالية االتصال شركات الشحن الجوي والبحري.
قابلية اإلمبريالية التحويل Convertability
ذكرنا في موضع سابق أن تقوية أحد القيم اإلمبريالية ينعكس على بقية القيم األخرى .فمثال فان اإلمبريالية
االقتصادية تمكن لإلمبريالية العسكرية والسياسية والثقافية عن طريق خلق مؤسسات اقتصادية الشركات
المتعددة الجنسية ترتبط مصالحها بمصالح الدولة اإلمبريالية فتدافع عن هذه المصالح سوا ء كانت هذه
المصالح سياسية أم ثقافية أم عسكرية ما يصلح لجنرال موتور يصلح للواليات المتحدة كذللك ايضا يمكن
تحويل اإلمبريالية الثقافية إلى إمبريالية اقتصادية عن طريق خبراء العون الفني فخبير العون الفني ال يعتبر
فقط وسيلة لنقل اإلمبريالية الثقافية وانما يعتبر ايضا وسيلة لنقل اإلمبريالية االقتصادية ،فهو يساعد على خلق
أنماط استهالكية في الدول النامية تؤدي إلى خلق الحاجة إلى سلع أو منتجات الدول المركزية ومن ثم يساعد
هذه الدول على توسيع نطاق السوقي لمنتجاتها وايجاد مواد خام لتشغيل مصانعها وينسحب ذلك على بقية
أنواع اإلمبريالية.
قبل أن نختتم هذا الجانب نود أن نشير إلى حقيقة هامة وهي انه ال يوجد نموذج مثالي لإلمبريالية تكتمل فيه
جميع صفات اإلمبريالية وانواعها وميكانيكياتها ومراحلها وانما النماذج التي تحدثنا عنها ال تزيد عن كونها
نماذج نسبية تمثل حاالت تحتوي في المتوسط على مجموعة من القيم اإلمبريالية.
76
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
خالصة
نالحظ مما سبق أن هناك أكثر من أيديولوجية التنمية تتباين االيديولوجيات تبعا المنطلقات الفكرية والفلسفية
السائدة في الفكر الغربي ،فبينما تتالحم نظرية التنمية التراكمية الخطية مع نظرية االنتشار ونظرية التسلسل
ونظرية اللحاق ونموذج المركز والهوامش ونظرية الدفعة القوية ونظرية الدائرة المفرغة للفقر ونظرية
التنمية المتوازنة ونظرية روستو المراحل النمو لتؤلف ايديولوجية للتنمية على الخط الرأسمالي نجد على
الطرف اآلخر ان نظرية االعتماد تنطوي على ايديولوجية مختلفة تقوم على نفي افتراضات النظرية األولى.
فبينما تؤك د نظرية االنتشار ونظرية روستو ونظرية اللحاق ونموذج المركز واألطراف اهمية نقل الرساميل
والتكنولوجيا والمهارات من القطاع المتطور للقطاع النامي كشرط لنمو االخير ،فان نظرية االعتماد تنفي
هذه الفرضية وتقرر ان القطاع المتطور ينمو فقط على حساب القطاع المتخلف عن طريق االستغالل
واالستنزاف فبدل نقل الرساميل والخبرة والتكنولوجيا من القطاع المتطور إلى القطا المتخلف نجد ان القطاع
المتطور يستقدم الكفاءات الشابة القوية والمواد الخام لالستفادة بها في المزيد من النمو فالعالقة هي ليست
عالقة تبادل وتعاون كما تقول نظرية االنتشار يكون الطرفان فيها متكافئين في المغانم والمغارم وانما هي
عالقة تتابع ومتبوع استعمار داخلي.
تسوق سوزان بودينهيمر بعض االدلة من واقع دول أمريكا الالتينية المؤكد هذه العالقة فتقرر ان هناك عالقة
عكسية بين تدفق رأس المال األجنبي ودرجة النمو آخذين في االعتبار درجة االدخار المحلي ونسبة رأس
المال واالنتاجية ،نتج االستثمار األمريكي واستثمار بعض الدول الصناعية في دول أمريكا الالتينية عن
زيادة في صافي تدفق رأس المال خارج أمريكا تفوق رأس المال في االتجاه المعاكس اسفر ذلك عن فقدان
جزء كبير من رأس المال Decapitalizationالالتيني يزيد تدفق صافي ربح رأس المال المستثمر خارج
أمريكا الالتينية عن حصيلة عائد الدول الالتينية من راس المال االجنبي فمثال يزيد تدفق األموال خارج
أمريكا الالتينية عن حجم االستثمار األجنبي ب 7.5بليون دوالر بين 1950إلى 1965حسب تقرير وزارة
التجارة األمريكية ،مما أثر على مستوى االستثمار وميزان المدفوعات وعلى الميزان التجاري لمعظم دول
أمريكا الالتينية .لم يشفع النقصان في رأس المال الالتيني بزيادة في مشاريع العون األجنبي foreign aid
الن العون األجنبي مرتبط بشروط قاسية تفرضها الدول الصناعية لمقابلة مشاكل ميزان مدفوعاتها أو
لمصلحة استثماراتها االجنبية بلغت نسبة تدفق األموال خارج أمريكا الالتينية في شكل سداد الديون المستحقة
عن القروض وأرباح رأس المال االجنبي حوالي ٪ 35من حصيلة عائدها من صادراتها.
اكدت دراسات دائرة االقتصاد والشئون االجتماعية باألمم المتحدة نفس العالقة العكسية بين تدفق التكنولوجيا
ونمو الدول النامية أوضحت الدراسة في الدول اآلسيوية أن اآلثار الضارة لنقل التكنولوجيا من الدول الغربية
للدول النامية تتلخص في ثالث نقاط
النقطة األولى
تركز الدول الغربية على التكنولوجيا المتقدمة advanced technologyأي التي يتطلب استيرادها رأس
مال ضخم capital intensive technologyوال يتطلب تشغيلها عدد كبير من العمال Labor
Saving technologyأدى ذلك لتفشي البطالة بين قطاعات كبيرة من العمال نتيجة لهذه السياسة.
77
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
النقطة الثانية
تركز الدول الصناعية على االستثمار في القطاع الحديث وفي المناطق المتطورة كالمدن وذلك لوجود
الخدمات الكهربية والمصرفية والحكومية ولوجود شبكة من المواصالت .ادى ذلك إلى اهمال الهوامش والتي
هي في احوج ما تكون االستثمار كما أدى إلى توسيع الهوة بين المدن واألرياف كما قاد إلى تنمية مقلوبة.
النقطة الثالثة
تركز الدول الصناعية في استثماراتها على القطاعات االقتصادية والسلع التي تجني من ورائها مكاسب كبيرة
أو السلع ذات األهمية االستراتيجية أو التي تحتاج لها في صناعاتها دون مراعاة اسبقيات الدول النامية.
بنا ء على ما تقدم يتضح أن نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية للدول النامية لم يساعد الدول النامية على
اللحاق بالدول المتقدمة .كما يتضح أيض ا أن كال من نظريتي االعتماد واالنتشار تقومان على مفهوم جبري
يفترض وجود عالقة خطية بين السبب والمسيب وكال النظريتين تتجنبان أو باألحرى تسقطان البدائل
األخرى .بيد أن هناك مجموعة من البدائل متاحة للدول النامية كما سنرى عند مناقشة المنهج االحتمالي
.Possibility Model
78
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل الخامس
ايديولوجية التنمية المنظور الجديد لمفهوم التحديث
مقدمة
اختلف "المفكرون حول تعريف التنمية كما رأينا في الفصول السابقة فأثار موضوع التنمية الكثير من الجدل
والنقاش في جميع األوساط والدوائر في الدول المتقدمة وفي الدول النامية على حد سواء .كان الخالف يدور
حول محورين -1معنى التنمية -2استراتيجية التنمية ،يرتبط المحور األول بالمحور الثاني االن تعريف
التنمية يحدد لحد كبير اهداف التنمية واستراتيجياتها.
ارتبط مفهوم التنمية بالغربنة فاعتبرت األنماط الحضارية الغربية تقدما ويشمل ذلك التكوينات االقتصادية
والنظم السياسية واالجتماعية واالنماط الثقافية والتنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي الخ .وكذلك اعتبرت
القيم التي تصاحب هذه االنماط ايضا مظهرا من مظاهر الغربنة والتقدم كالعلمانية والمنطقية الواقعية التي
تعتمد على التجربة وتقول كل ما لم يثبت عن طريق التجربة فهو باطل والعقالنية الوظيفية واالقتصاد في
النفقات والكفاية االنتاجية وفصل القيم عن الحقائق.
ارتبط مفهوم التنمية ايضا بالمؤشرات االقتصادية أي بزيادة دخل الفرد والناتج القومي ومعدل النمو ومعدل
االستثمار .الخ واعتبرت جميع هذه القيم والمقاييس معايير؛ للتنمية ،صنفت دول العالم على أساس هذه
المعايير إلى دول متقدمة ودول متخلفة أو تلطف نامية .الدول المتقدمة هي التي تمتلك أكبر قدر من هذه القيم
والدول النامية تتبع ...تتبع في كل شيء.
تتصف نظريات التنمية أو التحديث بدرجات متفاوتة بالحتمية والجبرية تتخذ في مجملها الدول المتطورة
ك نماذج تقتدي بها التحديث أو التنمية وفق هذه المدرسة هو عملية ال مقلوبيه تسير في خط متالزم ومتتال في
خطوات منطقية تراكمية كل خطوة تؤدي بصورة منطقية للخطوة التي تليها .فمرحلة الطفولة تؤدي إلى
الشباب فالمراهقة فالنضج فالرجولة فالشيخوخة التاريخ ال يعيد نفسه .فإذا ارادت الدول النامية أن تلحق
بركب الدول المتقدمة فما عليها اال ان تقلد خطي الدول المتقدمة وعندئذ عليها ان تعي الدرس جيدا ونقصد
هنا أن تجيد التقليد الن المدرس هنا الدول المتقدمة أي الدول في مرحلة الرجولة والنضج يقول افعلوها
بطريقتنا ،أي الطريقة األمريكية أو السوفيتية فالطريق واحد من سار عليه وصل وعن حاد عنه ضل وخاب
مسعاه.
يهدف هذا الفصل إلى إيجاد معان جديدة لمفهوم التنمية والتحديث لتكون منطلقا الستراتيجيات جديدة بعيد ا
عن الحلول المطبوخة recipieوالوصفات prescriptionالتي تفد إلينا في طرود packagesمن
الع الم األول والثاني كما يهدف أيضا إلى ايضاح المفاهيم الخاطئة التي تشكل التفكير المعاصر الذي يقسم
العالم إلى دول نشائه ودول متطورة.
79
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
80
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
Modernization Protest and Changeالتحديث من ناحية تاريخية هي أسلوب التغيير نحو تلك
النظم االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي تمت في غرب أوربا وشمال أمريكا بين القرن السابع عشر
إلى التاسع عشر وانتشرت في القرن العشرين لدول افريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية يتضح من المقتطفات
السابقة أن النظرية الكالسيكية للتحديث تربط التنمية بالغربنة ومن ثم تختزل معنى التحديث وتربطه بظاهرة
التصنيع والتي ال تربو عن كونها حدثا تاريخيا استثنائيا تمر به دول غرب أوربا والواليات المتحدة في
تاريخها المعاصر .والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يا ترى التحديث هو حدث تاريخي ووضع استثنائي
حظيت به بعض الدول كما يتضح من النظريات الجبرية أم ان التحديث هو ظاهرة عالمية ال تحد بحواجز
زمانية وم كانية؟ أي هل هو ظاهرة غربية أم ظاهرة عالمية علمية؟ هذا ما سنجيب عليه عند استعراض
المعاني والمنظور الجديد للتحديث.
لخص البروفسور رأموس االتجاه أو المنظور الجديد للتحديث في ما اسماه بنظرية Pأو النظرية االحتمالية
Possibility Theoryتفترض هذه النظرية أن التحديث ليس وقفا على دولة أو أقليم أو مجموعة من
الدول بعينها كما ال يوجد نموذج تحديث معين يتعين على الدول النامية اتباعه.
االفتراض الثاني الذي تقوم عليه هذه النظرية هي أن كل دولة مهما تعددت وتنوعت أساليبها -تحمل
احتماالتها الخاصة التحديث.
توجد المعاني التي تنطوي عليها نظرية في الكثير من المؤلفات وسوف نكتفي ببعض المقتطفات من كيريل
بالك و س .رأيت ميلزوهير شمان يقول كيريل بالك Cyril E Blackان الطابع الجبري أو الحتمي
والمحدودية الثقافية التي تميز معظم التفسيرات العملية التحديث حجبت الجهود لفهم هذه العملية ان ربط
عملية التحديث بواقع دول غرب أوربا وبقية الدول التي تتحدث اللغة االنجليزية هو اجراء خاطئ وفي غير
محله فالجبرية الضيقة تفسير التحديث والتغيير وفق نموذج مبسط للواقع فتعزي التحديث لسبب أو عامل
معين ولذلك تستبعد الكثير من العوامل األخرى التي تدخل بصورة مينا ثمرة في معادلة التحديث .كما
وتتجاهل هذه النظريات طبيعة التحديث المعقدة وديناميكيته الغامضة ومن ثم تختزل معنى التحديث وتربطه
بمفهوم الغربنة واألوروبية .Europeanization
يقول س رأيت ميلز C. Wright Millsفي كتابه Power, Politics, and Peopleوهو يخاطب
المؤتمرين بالبرازيل أن الحل ال يتوفر في تاريخ أوربا أو في حاضر أمريكا الشمالية أو االتحاد السوفيتي
وال اعرف عما إذا كان الحل " أو االنتاجية موجودة بين ايدينا وأن أملي الوحيد هو ان تحرروا تصوراتكم
الثقافية من جميع النماذج األخرى وتفكروا بحرية في ما تودون عملة .يقول هيرشمان وجير سجنكرون
Hirschman and Gerschenkronفي كتابه استراتيجية التنمية حيثما ظهرت نظرية تفترض وجود
قيمة معينة كشرط للتنمية فمن السهل prerequisitesآن جزءا كبير ا من تفكيرنا عن التصنيع في الدول
المتخلفة محكوم -بوعي أو بدون وعي -بالتعميم الماركسي والذي يقول أن تاريخ الدول المتقدمة يحدد معالم
الطريق النمو الدول المتخلفة.
تمثل نظرية االحتمال منظورا جديدا لمفهوم التحديث فتقوم على نفي افتراضات النظرية الكالسيكية لخص
راموس افتراضات النظرية الكالسيكية ونظرية االحتمال في سبع نقاط على النحو التالي
81
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
نظرية االحتمال نظرية P النظرية الجبرية نظرية N
-1ما تحقق هو أحد البدائل واالحتماالت التي يمكن أن -1ما تحقق هو الشيء الوحيد الذي يمكن تحقيقه
تحقق وهناك أكثر من طريق للوصول لروما
- 2ال توجد وسيلة خطية طبيعية وطريق واحد للمستقبل -2توجد وسيلة خطية طبيعية وطريق واحد للمستقبل يمكن
يمكن اتباعه يمدنا التاريخ دائما بأفق مفتوح أمام مجموعة اتباعه فإذا الحظ االنسان الشروط التي يجب توافرها أمكنة
من االحتماالت ،ففي أي لحظة قد يحصل ما ليس متوقعا تجنب االنحراف .التنمية تسير في خط متتال ومتالزم كل
من احداث قد تقود -المجتمع إلى مرحلة جديدة بعيدا عن مرحلة تقود للمرحلة التي تليها في خطوات منطقية من
التصورات السابقة كاكتشاف احد المواد الخام االستراتيجية مرحلة ما قبل االقالع إلى مرحلة االستهالك.
مثل البترول واليورانيوم
-3الرؤيا غير واضحة ،ومعالم الطريق غير واضحة. -3الرؤيا واضحة ،معالم الطريق أوضح ،يتخذ الطريق
يمكن أن يأخذ الطريق اتجاهات متعددة اعتمادا على مقدرة وجهة معينة ومسارا معينا وذلك الجتماع عدة مؤثرات
اإلنسان على السيطرة على المؤثرات والمتغيرات ويستطيع ضرورية للغاية توجد كثبان على يمين الشارع وغابات
االنسان بإمكانياته تغيير مسار الطريق ففي مقدوره أن يشق ومستنقعات على شمال الشارع ومن ثم ال يمكن تحويل
الكتان والمستنقعات الخ توجد مجموعة من احتماالت التنمية مساره يمينا أو يسارا والمقصود من ذلك أن احتماالت
اعتمادا على تزاوج المؤثرات واالختيارات الموضوعية التنمية تتوقف على شروط ضرورية للغاية مثل معدل النمو
معدل النمو والزيادة في الناتج القوم و الزيادة السكانية والزيادة في الناتج القومي والزيادة السكانية والتوازن في
باإلضافة إلى ظهور المفاجآت كاكتشاف أحد المواد الخام ميزان المدفوعات .إلخ فبعد معرفة هذه المتغيرات
االستراتيجية مثال يمكن التنيق بمسار التنمية بدرجات والمؤثرات يمكن التنبؤ بما ال يدع مجاال للشك بما قد
متفاوتة من اليقين اعتماد ا على المواقف ليس من السهولة يحصل في الحاضر والمستقبل كما يمكن معرفة التحوالت
التعرف على التحوالت االجتماعية تجارب الدول االخرى االجتماعية.
ال تعتبر مؤشرات تحدد معالم الطريق أو تفسر التحوالت
االجتماعية.
-4توجد احتماالت كثيرة يمكن فحصها وتجربتها بطريقة -4آن جهل االنسان أو عدم معرفته التامة باألسباب
علمية تجريبية -باب االجتهاد مفتوح يملك اإلنسان قدرات الضرورية التي تؤثر في مجريات األحداث هي التي تدفعه
كبيرة لإلبداع. للتفكير في االحتماالت ال توجد احتماالت
-5تتلخص مهمة العلوم االجتماعية في اكتشاف آفاق جديدة -5أن مهمة العلوم االجتماعية تبصيرنا بما يجب أن يحدث
المجموعة من االحتماالت حتى نتمكن من المشاركة في على قرار ما حدث بالماضي حتى نتمكن من توفير الشروط
صنع التاريخ .فنحن صناع تاريخ ورواد مستقبل نصنع. الالزمة ماضي الدول الرائدة يحدد حاضر ومستقبل الدول
تاريخ أمتنا ونساهم في اجراء التحول الواعي في مسار التابعة ينبغي على الدول ..التابعة أن تعي التاريخ جيدا
مجتمعنا الحاضر. حتى ال تقع في االخطاء
-6ال يكون العالم االجتماعي عالم بحق دون ان يشارك في -6انه من المؤذي حقا أن يتحول العالم االجتماعي إلى
المسيرة االجتماعية فالتنظير وحده -بعيدا عن عالم التطبيق ممثل actorفي التحول االجتماعي يجب على العالم
هو مغالطة ال جدوى منها ينسحب هذا المبد؛ ايضا على االجتماعي أن يراقب األحداث من بعيد وان ال يكون جزءا
الممارسة بعيدا عن عالم التنظير فالنظرية والتطبيق هما من االحداث حتى يتسنى له مشاهدة مجريات األحداث
توأمان. بتجرد
-7ان الفصل الحاضر بين دول متطورة ودول نامية هو -7يجب أن نفصل -في تاريخنا الحديث بين الدول
وهم ومغالطة .ينبغي أن ينظر إلى العالم كنظام يشمل المتطورة والدول النامية .فالدول أو المجتمعات المتطورة
مختلف المجتمعات وجميعها نامية .وكل مجتمع من هذه في مجتمع سات مرجعية تبصر المجتمعات النامية بمعالم
المجتمعات متخلف في بعض جوانب الحياة ومتقدم في مستقبلها كما تحدد لها الوسائل لتسير في الطريق الوحي
اخرى م مع التفاوت في الدرجة .فمؤشرات التحديث أو األمثل لتحقيق التحديث والتنمية الدول النامية هي دول
التخلف تقاس على احتماالت النمو في اي قطر على حدة. تابعة.
الدول المتقدمة لم تكن متخلفة قط.
82
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يطالب رأموس في نظريته -التحديث نحو نموذج احتمالي -بإسقاط مصطلح الدول المتخلفة والدول المتقدمة
أو المتطورة لما ينطوي عليه هذان المصطلحان من جبرية أو حتمية وينادي باستخدام مصطلحات أكثر
تناسبا مثل دول مركزية ودول هامشية .يقول راموس أن التحديث هو ظاهرة عالمية وليست وضعا استثنائيا
وان لكل دولة احتماالت في النمو والتحديث تختلف عما سواها.
يتضح مما سبق أن مفهوم التنمية هو مفهوم مطاط يتسع للكثير من التفسيرات .غير أن ربط التنمية
بالمؤشرات االقتصادية وحدها لم يفد كثيرا في عالج مشاكل التنمية والتحديث ينبغي أن ينظر للتنمية من
من ظور اجتماعي واسع يأخذ في اعتباره جميع الجوانب ،سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ،كما ينبغي
ان يأخذ ايضا في االعتبار العالقة االعتمادية والتبادلية بين الدول المركزية والدول الهامشية والعالقة
السلطوية power relationship .بين هذه الدول.
تفريعة على ما سبق يجب ان نعيد تعريف التنمية لتشمل االعتبارات السابقة وسوف نتناول في الصفحات
التالية بعض التعريفات التي تعكس االتجاه الحديث في اعادة تعريف التنمية.
يتناول محبوب الحق مفهوم التنمية من منظور جديد يختلف عما تعارف عليه المفكرون وخاصة االقتصاديين
منهم ينتقد محبوب ا لحق محاولة االقتصاديين الربط التنمية بزيادة دخل الفرد وزيادة الناتج التونسي فيقول إن
النمو في الناتج القومي ال يتساقط رذاذ ا على قاعدة المجتمع أي أن النمو في الناتج القومي ال يفيد إال قلة.
التنمية تعني الهجوم االنتقائي على الفقر selective attack on Povertyذلك تصورا جديدا لدور
التنمية والعمل التنموي فبدل أن تتركز المساعي والجهود التنموية على كمية اإلنتاج والسرعة التي يتم بها
ينبغي أن يتحول االهتمام إلى ما إذا تنتج هل ننتج مفرقعات أم مساكن شعبية؟ وكيف يوزع االنتاج؟
يقول محبوب ان االقتصاديين يرتكبون خطأ فادحا حينما يربطون العمالة برفع معدالت النمو وتصحيح نظام
األسعار .فقد دلت تجربة باكستان والتي وصل معدل النمو فيها إلى ٪ 6على بطالن هذه العالقة فلم تغير
معدالت النمو العالية من واقع الفقر الجماهيري وسوء التغذية والمرض واألمية واإلسكان القذر والمساواة
في الفرص .ان ما بين 40و % 50من السكان في الهند يقل دخل الفرد منهم عن خط الفقر الرسمي الذي
يبدأ عنده سوء التغذية ،كما انتفضت األجور في القطاع الصناعي بنسبة الثلث في الباكستان مع ارتفاع معدل
النمو بنسبة . % 6فالخطأ الذي وقعت فيه الدول النامية هو أنها لم تقصر مهمتها على القضاء على أسوأ
أشكال الفقر وانما تسعى وراء مستويات عالية لمدخل الفرد تمشيا مع الفهم الشاطئ بان الحياة تبدأ عند ألف
دوالر ،واالنشغال بمقدار ما نم انتاجه واهتمام اقل بنوع ما .انتي وكيف تم توزيعه ،أن نمط وتنظيم االنتاج
نفسه يمليان نعط االستهالك والتوزيع .فإنتاج السلع التفاخرية من عربات أو منازل ضخمة الخ يحدد نوع
المستهلكين واسلوب التوزيع.
ان استراتيجية التنمية الجديدة كما يقول محبوب الحق تعني تخطيط االستهالك أوال واالنتاج ثانيا .والمقصود
باالستهالك هو سلة المواد األساسية التي يجب توفيرها من اجل القضاء على الفقر و هنا رفض مفهوم
الطاب وديناميكية التسوق ومفهوم القدرة على الدفع كأساس لقياس الحاجات األساسية يجب أن يتوجه االنتاج
لتلبية المطالب االستهالكية الدنيا أي يجب أن تسبق العدالة الوفرة وتسبق العمالة الكاملة موضوع االنتاجية
اي يجب التركيز على السلع التي يعتمد انتاجها على وفرة األيدي العاملة.
83
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
أن تعريف التنمية بالهجوم المباشر واالنتقائي على مشكلة الفقر يفرض تصورا جديدا لنشاط الجهاز التنفيذي
في الدولة فهو يفرض تصورا جديدا لتحديد نظام األسبقيات وتصورا جديدا لقضية االنتاج واالستهالك
والعالقة بينهما وآلية السوق واتجاه االستثمار يقوم التصور الجديد للتنمية االفتراضيات التالية
-1النمو في الناتج القومي ال يتساقط رذاذ ا على قاعدة المجتمع ونحن في حاجة إلى الهجوم المباشر على
فقر الجماهير.
-2آلية السوق كثيرا ما يشوبها التوزيع القائم للدخل والثروة آنها بوجه عام دليل ال يمكن االعتماد عليه في
تحديد األهداف القومية.
-3االصالحات المؤسسية تكون بوجه عام أكثر حسبما من اشارات ألسعار بالنسبة لصياغة استراتيجيات
مالئمة للتنمية.
-4االستراتيجيات الجديدة للتنمية يجب ان تقوم على تلبية احتياجات البشرية االساسية بدال من أن تقوم على
طلب السوق.
-5أساليب التنمية يجب ان تكون على نحو يسمح ببناء التنمية حول االنسان ال بيناء اإلنسان حول التنمية
-6سياسة التوزيع و العمالة يجب ان تكونا جزءا مكمال ألية خطة انتاجية فمن المستحيل بوجه عام أن ننتج
أوال ثم نوزع فيما بعد.
-7من العناصر الحيوية في سياسة التوزيع زيادة انتاجية الفقراء عن طريق ادخال تغيير جذري في اتجاه
االستثمار نحو القطاعات األكثر فقرا في المجتمع.
تحمل هذه االفتراضات معاني جديدة تتقاطب مع ما تعارفنا عليه في األدب التنموي .فالنظريات الكالسيكية
تقول اعتنوا بالناتج القومي ألنه يعتني بقضية التنمية أي إذا حققنا معدال كبيرا في النمو في الناتج القومي 10
٪مثال فإننا نقضي على مشكلة البطالة .وإذا قضينا على مشكلة البطالة .فإننا نقضي بصورة آلية على مشكلة
الفقر التصور الجديد لمعنى التنمية يقول اعتنوا بمشكلة الفقر وسيعتني ذلك بالناتج القومي أي إذا قضينا على
مشكلة الفقر فإننا نطلق الكفاءات والمهارات وتوظف جميع القوى العاملة فتزداد االنتاجية واالنتاج ومن ثم
الناتج القومي.
تعتمد النظريات الكالسيكية على آلية السوق في التوزيع وعلى وجه التحديد على قانون العرض والطلب آلية
السوق أو فلنقل قرنا استشعار أو انتجيات السوق تشير فقط إلى حيث توجد القوة الشرائية العالية اي إلى
حيث يوجد الدخل العالي وليس إلى حيث توجد الحاجة .فاستراتيجية التنمية الجديدة ينبغي أن توجه نحو تلبية
حاجات الغالبية العظمى من السكان وخاصة الحاجات األساسية كالمأكل والمشرب والملبس ،و المسكن غاية
السوق ال تعكس هذه الحاجات .ويعني ذلك بناء التنمية حول االنسان .فالمعنى الجديد للتنمية يعني ان االنسان
في هدف التنمية ووسيلتها القضاء على الفقر يعني التشكك في اشارات االسعار وآليات السوق كأسلوب
لتوزيع الموارد ،خاصة حينما يكون توزيع الدخل مشوها فالنمو االقتصادي ال يتساقط رذاذ ا بطريقة
أوتوماتيكية فوق الجماهير في المجتمعات التي ال يوجد فيها التكافؤ في الفرص كما ذكرنا وان البالد النامية
ال تستطيع أن تحقق -لضيق إمكانياتها -انماط االستهالك في الدول المتطورة وان الحالة االقتصادية
للقطاعات األكثر فقرا ال تتحسين المجرد توزيع بعض القوة الشرائية عليها من خالل مخططات الرفاهية
84
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
القصيرة األجل ،وان الفقراء يجب دفعهم في التيار الرئيسي للحياة االقتصادية من خالل العمالة ان
استراتيجيات التنمية ان تشکلها االحتياجات المحلية ال متطلبات التصدير أو المساعدة الخارجية.
يقول محبوب الحق ان اغلبية البالد النامية ما زالت تنتقى الخيارات السهلة والتي تعتبر المساعدة األجنبية
الخيار األساسي فيها فالهجوم على الفقر أصبح موضة مستهلكة في سياسات الدول النامية و التي لم تقف بعد
حتى على تخوم السياسات الالزمة لإلحاطة بمشكالت الفقر .فهو ال يعدو أن يكون قشرة رقيقة فوق
استراتيجيات التنمية التقليدية فهذه الدول تفقد اي اجهزة انقاذ مؤسسية للوصول للقطاعات الفقيرة تنفق الهند
وباكستان حوالي هو 2مليار دوالر كل عام على الدفاع وتدفع بمشكلة الهجوم على الفقر إلى المنطقة الخلفية
ويصدق ذلك على بقية الدول اآلسيوية واالفريقية ودول أمريكا الالتينية .فقد فشلت معظم استراتيجيات التنمية
في هذه الدول ألنها كانت اسيرة للنظريات الكالسيكية والتي تربط التنمية فقط بالمؤشرات االقتصادية.
ن تيجة للتخبط والسير وفق استراتيجيات تنمية مغلوطة ووضع اهداف غير واقعية اتسعت الفوارق بين الدول
الفنية والفقيرة اذ يصل متوسط دخل الفرد اليوم في العالم المتطور إلى 2400دوالر مقابل 180دوالر في
البالد النامية وصلت الفجوة إلى 2 , 220وستزيد الفجوة بمقدار 00ارا في عام 1981ان الزيادة في الناتج
القومي االجمالي بالنسبة للفرد في الواليات المتحدة في عام واحد تساوى الزيادة المتوقعة للهندي في مائة
عام .أن التركيز على فجوة الدخل المتزايدة والجري خلف انماط الحياة الغربية ليس له ما يبرره في الدول
النامية.
يشير محبوب ال حق إلى ضرورة البحث عن استراتيجيات جديدة للتنمية بعيدا عن زيادة الناتج القومي ومعدل
النمو من خالل انتاج السلع الكمالية والعسكرية .تتلخص استراتيجية التنمية في الهجوم المباشر على الفقر ال
عن طريق الحلول الوسطى أو استراتيجيات االقتصاد المختلط وانما عن طريق االلتزام الواضح بأيديولوجية
التنمية .فالمساعدات الخارجية ال تعدو أن تكون مخدرات ،تسكن األلم وال تزيله فالمساعدات الراهنة هامشية
ذات داللة كما انها مصحوبة بشروط قاسية ينبغي على الدول النامية أن تتجه إلى التغييرات المؤسسية
الداخلية وإلى استغالل قدراتها ..على المساومة الجماعية في مفاوضتها .مع الدول الغنية.
بناءا على ما تقدم فان المعني الجديد للتنمية يشمل ،بجانب الهجوم االنتقائي على الفقر ،توفير الحاجات
االستهالكية االساسية وربط سياسية االنتاج بسياسة االستهالك واسلوب التوزيع وتحقيق العمالة الكاملة.
تناول افان اليتش Ivan Illichفي كتابه Deschooling Societyوكتابه؟
After Deschooling Whatالمفهوم الجديد للتحديث والتنمية .ينادي افان اليتش برفض الحلول
المطبوخة والمعبأة في طرود للتصدير للدول النامية ،سواء كان ذلك في شكل مؤسسات أو تكنولوجيا بقول
افان اليتش ان مفهوم بناء المؤسسات اخذ يحتل مساحة واسعة في تفكيرنا للحد الذي أصبحنا ال نرى
الوظائف اال من خالل المؤسسات التي تؤديها .فنحن ال نحتاج للمدارس وانما نحتاج للتعليم وال نحتاج
لمؤسسات الشرطة وانما نحتاج لألمن وال نحتاج للمستشفيات وانما نحتاج للصحة.
ان خطورة هذه المؤسسات تكمن في أنها بدأت تصوغ تفكيرنا ،تحدد اهدافنا و اسبقياتنا تحولت هذه
المؤسسات االداة لتبرير القمع واالحباط واالضطهاد والقسوة والحرمان وحجر الحرية -تحولت إلى مؤس
خانات لضبط وتوجيه سلوك المواطنين في قنوات واتجاهات محددة .يتخذ هذا القمع اساليب متعددة في العلن
85
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
وفي الخفاء وأقسى أنواع القمع كما يقول جين د .ماسون هو القمع الداخلي الذي يتم عن طريق امتصاص
القوانين والضوابط والقيود في العقل الباطن دون وعي ودون مقاومة ودون إدراك آثار الضوابط.
تحولت هذه المؤسسات القيم وأهداف في حد ذاتها .فالمدرسة ليست هي غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة
من وسائل طلب العلم وكذلك الشرطة والمستشفى يقول الطفل مثال انا ذاهب للمدرسة وكان األحرى به أن
يقول انا ذاهب لطلب العلم ،يقول المريض انا ذاهب للمستشفى وكان األحرى به أن يقول انا ذاهب للتطبيب.
تفكيرنا في المدرسة -كاألسلوب الوحيد للتعليم -جدا عنا التفكير -حتى مجرد التفكير في وسائل أخرى
أصبحنا نقيس مستوى تعليم الطفل بعدد السنوات التي قضاها بالمدرسة والدرجات التي تحصل عليها .نسينا
أن هذا الطفل يمكن أقل من ثلث حياته في المدرسة عن الثلثين اآلخرين؟ نسينا أنه يتعلم في الشارع وفي
البقالة وعلى ظهر الجمل وعلى متن المرجحة وأمام شاشة التلفاز وفي الصفوف الخلفية في صالة الجمعة.
يتعلم من المعلم في المدرسة ومن القصاب في الشهرة ومن صديقه في المرجحة ومن أمام المسجد في صالة
الجمعة ومن أمه ،وابيه ،وأخيه ،والضيف.
الذي زارهم باألمس يتعلم الحساب والتعامل مع النقود من القصاب ويتعلم العربية والدين من إمام المسجد
ويتعلم التربية البدنية من المرجحة ،ويتعلم الخطابة والبالغة وعلم الكالم و علم النفس وعلم االجناس من أمه
وأبيه وصديقه والضيف الذي زارهم باألمس .فهل يا ترى فكرنا في هذه البدائل؟ لم انها ديكتاتورية المدرسية
هي التي حجبت عنا التفكير -مجرد التفكير في هذه البدائل؟ بالطبع المدرسة تمنح دبلوم في الرياضيات في
عالم ابتلي بمرض الدبلوم والقصاب ال يفعل ذلك ،والمدرسية تمنح التأمين شهادة في علم النفس والضيف
الذي زارهم باألمس ال يفعل ذلك.
المدرسة ال تمنح فقط الدبلوما واندا تخلق الحاجة للدبلوما وتو هم التأمين ومدير الشركة ورئيس الدائرة ايضا
بان المعرفة هي ما قنن بالدبلوما المدرسة تخلق السلعة الدبلوما وتروج لها عن طريق ما يسمى باثر العرض
أو الدعاية demonstration effectوتستخدم المدرسة في سبيل الترويج لسلعتها وسائل متعددة
واالغراء هذه الوسائل ليس هو القمع واالرهاب وانما هو االغراء عن طريق ما يسمى بعملية غسل المخ
فالمدرسة ال تقف عند حد الدعاية لسلعتها وانما تحط من شأن وسائل المعرفة األخرى وخامة الشارع
واألسرة بالرغم من أنها تستخدم حصيلة ما تعلمناه في االسرة و الشارع كنقاط لالنطالق ،فنحن ال نتعلم
الحديث في المدرسية وانما نتعلم حروف الهجاء وال نتعلم النحو انما نتعلم قواعد النحو.
قلنا ان المدرسة تصوغ تفكيرنا وتحدد مفاهيمنا ونظرتنا للحياة تو همنا المدرسة أن كل ما تعلمناه فيها هو
حق فقط ألنه يقنن بديبلومات ويوثق في شهادات وما عدا ذلك فهو باطل الذي تعلم في المنزل وفي الشارع -
تعلم من القصاب مبادئ علم الرياضيات ومن الضيف الذي زارهم باألمس مبادئ علم االجناس -هو أمي
بالرغم من أنه قضى كل حياته يتعلم من هاتين المؤسستين مدرسي الن تعريف األمية هو تعريف ،يرتبط
بالقراءة والكتابة توهمنا المدرسة باننا ال نتعلم شيئا مفيدا من األميين سواءا كانت األم في المنزل أو القصاب
في الشبرة .بيد أن جميع الشواهد تنفي هذا الزعم فإذا جاز لي أن استدل بتجربتي الشخصية كمعيار لقياس
كفاءة المدرسية قياسا وسائل المعرفة األخرى فقد تعلمت من العقاد وهو يتجاوز الصف الثالث األوسط في
المدرسة ال أقول في التعليم ما لم اتعلم من البروفسور بيتر دركر استاذ اإلدارة بجامعة كلير مونت وأشهر
من كتب في مجال اإلدارة.
86
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
على االطالق وتعلمت من سيد البشرية النبي األمي ما لم أتعلمه في حياتي كلها ،كان جدي يقول لي إذا
أخطأت -وانا الشاب المتعلم أقصد جدل الدارس جال في أسرة بدوية القلم ما يزيل األلم اليوم فقط ادركت
ماذا جدي يرمز للمدرسة بالقلم وهي في نظره ال تسمو على ذلك فهي ترمز القراءة والكتابة وال ترمز للتعليم
اي ان المدرسية ال تذهب الجهل ادرك جسدي دور المدرسة قبل أن يكتب افان ايلتش كتابه المشهور
Deschooling Societyوالذي هز اركان الفكر الغربي وادی الی زعزعة الثقة في جميع المؤسسات
وقاد الفكر التربوي في الواليات المتحدة في الخمس سنوات الماضية إلى وجهة جديدة وإلى تبنى مشاريع
جديدة تتقاطب ما تعارفنا عليه في الماضي جدي ال يعرف الكتابة والقراءة ولم يعش رحمه هللا ال قرا له
كتاب كافان اليتش فهو أمي حسب التعريف المدرسي ،لألمية لكنه متعلم تماما كال فان اليتش.
ذكرنا أن المفهوم الجديد للتنمية والتحديث مفهوم افان اليتش ينادي برفض الحلول المطبوخة والمعبأة في
طرود Packaged Solutionsللتصدير للدول النامية في شكل مؤسسات ويصدق ذلك على المدرسة
والمستشفى ومركز الشرطة تماما كمنا يصدق على السلع التي نشتريها من متجر السوبر ماركت الدول
المتقدمة تصنع هذه المؤسسات الستهالكها المحلي لمعظم مواطنيها .لكن هذا ال يقف دليال على عقالنيتها
فالعكس على قدر ما نستهلك من هذه المؤسسات نفقد القدرة على التحكم في مصائرنا وفي بيئتنا.
بقدر ما نس تهلك من الطرود .نفقد السيطرة على أنفسنا .نصاب بالتخمة والبدنة والتورم ،تزداد مقدرتنا
االستيعابية ومن ثم يزداد شغفنا للمزيد من الطرود المستوردة .يتحول استهالك الطرود من حاجة الي عناده.
تترهل أجسامنا تموت نفوسنا يتحول االستهالك عندنا إلى حالة ذهنية فنطلب المزيد من المؤسسات والمزيد
من التكنولوجيا والمزيد من القيم التكنولوجية والمزيد من اآلالت واألدوات يتحول االستهالك عندنا إلى حالة
ذهنية حينما نحول حاجاتنا االستهالكية إلى عينة جديدة من الطرود .packaged good
يقال لنا أحيانا أن تقدم األمة يقاس بمبلغ ما تستهلك الواليات المتحدة قمة التطور في العالم ألنها تمثل قمة
االستهالك في العالم يبلغ عدد السكان بالواليات المتحدة % 60من سكان العالم .يستهلك سكان الواليات
المتحدة ٪40من موارد العالم % 10فقط من سكان العالم يستهلكون % 40من موارد العالم؟!
تضم الدول النامية ٪ 70من سكان العالم لكنها ال تستهلك اال ٪ 11من الناتج القومي في العالم باستثناء
دول البترول أن 80از من أرقام التجارة العالمية تتداول بين الدول الرأسمالية و ٪ 12بين الدول
االشتراكية و ٪8فقط بين دول العالم الثالث فهل االستهالك يا ترى ظاهرة صحية أخالقية أم هي ظاهرة
مرضية؟ نسمع الكثير اليوم عن أمراض االستهالك في الغرب .نسمع عن التلوث ،تلوثت مياه االنهار فلم تعد
صالحة للشرب وتلوثت مياه البحار فلم تعد صالحة لحياة الحيوانات البحرية ،تلوث الجو فلم تعد الحياة تطاق
في لوس انجلوس وشيكاغو وديترويت .أصبح التلوث يهدد اإلنسان باالنقراض .فبين كل ثالثة أشخاص في
الواليات المتحدة يموت واحد من مرض السرطان والسبب المباشر هو كثرة االستهالك تسمع ايضا عن
تلوث الصوت ويعني ذلك الضجيج الذي تحدثه الماكينات ابتداءا بماكينة الخياطة وانتهاءا بماكينة الكونكورد
-نسمع أيضا عن التلوث الحراري ويعني ارتفاع درجة الحرارة بمعدالت مطردة نتيجة لزيادة استخدام
الطاقة .فكما كان العالم قديما يهدد بالزحف الجليدي فهو اآلن يهدد بالزحف الحراري والزحف الصحراوي
على حد سواء.
حينما نترجم العطش إلى الحاجة لقنينة الكوكاكوال أو البيبسي كوال أو الفانتا وحينما نترجم الحاجة للتعليم إلى
مدرسة والحاجة لإلنجاز إلى دبلومات أو شهادات وحينما نحول الحاجة لألمن إلى مديرية للشرطة وحينما
87
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تحول الحاجة للعالج إلى مستشفى والحاجة للمواصالت إلى سيارة داتسون 200ل نكون حينها فقدنا
السيطرة على أنفسنا وحكمنا على مياه النيل ودجلة والفرات والمياه السطحية في مدينة العين باإلعدام ونكون
قد دفعنا باألسرة والمسجد إلى المنطقة الخلفية .إذا فعلنا ذلك فسنحول التجربة مع القصاب إلى تسيب
والمناظرة مع الضيف الذي زارنا باألمس إلى برزة سوالفه الفرق بيننا وبين العالم األول والثاني أو ما يطلق
عليه أحيانا بالدول المتقدمة ليس في درجة االستهالك وقد يكون ذلك صحيحا وانما ألنهم يستهلكون ما
ينتجون ونحن نتعفف عن استهالك ما عندنا نتعفف عن استهالك مياه النيل ودجلة والفرات والعين فنشرب
كوكاكوال ونستهلك الطرود نستهلك الداتسون.
ونتعفف عن استهالك الجمل والحمار والحصان تتحول مياه النيل والجمل والحمار والحصان إلى طاقة غير
مستغلة ،وتتحول اخيرا إلى مشكلة ،الجمل والحمدان والحمار مشكلة ألنها ال تسير في خط المشاة فتعوق
حركة مرور الداتسون الفرق بيننا وبين العالم األول والثاني هو أنهم يفتخرون بما عندهم ونحن نخجل مما
عندنا.
نخجل من أن تمتلك جمال وحصان ا وحمار ا ونخجل أن تنتمي لتراب دجلة والنيل وماء دجلة والنيل نتعفف
حتى عن الحديث عن الحمار والجمل فنقول بدون مؤاخذة ،أو اكرمك هللا نسينا ان هللا کرم االنسان وخلق
الجمل في صورة جميلة فقال وهو اعز من قائل أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت الفرق بيننا وبينهم هو
اننا حينما تتحدث عما عندنا تتحدث مطاطي الرؤوس إذا تحدثنا أبدا وهم يتحدين الكبرياء .هذا هو عين
التخلف.
التخلف هو حالة ذهنية وكما يقول افان اليتش هو اخضاع الوعي االجتماعي إلى الحلول المعلبة أو المعدة في
طرود surrender of social conscionsiners to prepackaged solutionsالتخلف اذن هو
حالة االنهزامية وفقدان المقدرة على التفكير اإلبداعي وفقد الثقة في النفس وعلم المقدرة على تحريك قدرات
االنسان التخلف هو أن نتعفف عن ما نملك ونفتخر بحيازة السلع التي ينتجها غيرنا قمة التخلف هي اخضاع
الوعي االجتماعي إلى الحلول المعلبة والسلع المعدة المنسقة بالعامية السودانية في طرود وتقاس درجة
التخلف قياسا على هذا المعيار بمبلغ .أو بما يحوزه االنسان من هذه السلع.
إن ربط التخلف بحجم استهالك السلع المستفة في طرود يتقاطب مع ما تعارفنا عليه في األدب التنموي
والذي يربط تقدم الدولة بحجم ما تستهلك المزيد من االستهالك يعني المزيد من التطور .فنظرية روستو
لمراحل النمو االقتصادي تقول ان قمة النمو االقتصادي هو مرحلة االستهالك.
نظرية روستو المراحل النمو االقتصادي هي نظرية منطقية إذا أخذت في المحتوى الذي نشأت فيه
والظروف التي ادت إلى رواجها .وهي ظهور اقتصاد السوق في ظل النظام الرأسمالي قامت هذه النظرية
إلضفاء شرعية على النظام.
الرأسمالي تبرر وجوده واس تمراريته يقوم النظام الرأسمالي على الثورة الصناعية وما يصاحبها من زيادة
االنتاج .يعتمد االنتاج كليا على حجم االستهالك فاالستهالك هو ضالة المنتج العالقة بين االنتاج واالستهالك
هي عالقة تكاملية .إذ ا كان ال بد من نظرية تضفي شرعية على االستهالك .جاءت نظرية روستو لتفي بهذه
الحاجة .ليس له ما يبرره فنظرية روستو » إن ربط التقدم بحجم استهالك السلع في الدول النامية المراحل
النمو االقتصادي تمثل عقلية اقتصاد السوق تحت النظام الرأسمالي ،ونحن في الدول النامية مع اختالف في
الدرجات نعيش تحت أنظمة اقتصادية مختلفة .قمنا من يعيش تحت نظام االقتصاد االكتفائي
88
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
subsistence economyوعنا من يعيش تحت ظل نظام االقتصاد المختلط mixed economyالخ
نحن ال نحتاج في الدول النامية النظرية روستو إلضفاء شرعية على االستهالك وذلك ألنه ال يوجد لدينا
فائض انتاجي يقض مضاجعنا نحن ال ننتج في الدول النامية إال ما يسد حاجتنا وقد يزيد انتاجنا أو يقل عن
ذلك قليال .مع اختالف الدرجات بين دولة وأخرى .ومن ثم يجب إال ننظر بإعجاب للصرف البذخي أو
التفاخري قيمة االنسان عندنا ال تحدد بماركة السيارة التي يقودها أو بحجم السلع المستوردة التي يحوزها
وانما بأصالة االنسان أصالة االنسان هي المحور الذي يدور حوله المفهوم الجديد للتنمية والتحديث يقوم
المفهوم الجديد التنمية على افتراض أن اإلنسان هو وسيلة التنمية وهدفها فاإلنسان يملك طاقة هائلة وينبغي
أن توجه هذه الطاقة في المسار الصحيح .ويقوم ايضا على افتراض أن المهارات الضرورية لتفجير طاقة
االنسان هي مهارات يمكن أن تكتسب بالتدريب والتعليم.
دور مؤسسات التدريب والتعليم
دور المدرسة
ذكرنا في الصفحات السابقة أن االنسان أصبح سجين المؤسسات التي خلقها فهي التي تصوغ خياله
وتصوراته وهي التي تحد اسبقياته وبدائله واحتماالته وهي التي تحدد نظرته للحياة ولوظائف الحياة ونظرته
للكون .ومن ثم أصبح االنسان المعاصر ال يفكر في الوظائف إال من خالل المؤسسات التي تؤدي هذه
الوظائف .فأصبح غير قادر على التفكير في اصالح النظام التعليمي اال من خالل مؤسسات التعليم المعاصرة
وهي المدرسة.
شغلت المدرسة مساحة واسعة من خيالنا فأصبحنا ال نرى بديال لها حجيت عنا الرؤيا فأصبحنا ال نرى سواها
نربط بين التعليم وبين السنوات التي مكثها التلميذ بالمدرسة فنقول توجد عالقة طردية بين حجم التعليم
وسنوات الدراسة بالمدرسة.
ارتبط مفهوم المدرسية بمفهوم التوظ يف الوظائف تقلد لحملة الشهادات المدرسية .ارتبط السياق حول
التوظيف بالسباق أو الركض خلف الشهادات فأصبح الطالب ال بيدرس ليتعلم وانما يدرس ليحرز شهادة أو
دبلوم لماذا؟ ليجد وظيفة -تحول التعليم إلى وسيلة لكسب الرزق حتى المدارس تحولت من دور للتعليم إلى
مطية لبل وغ هدف التوظيف .فأخذت تدرس فقط المراد الرائجة في سوق العرض والطلب السوق أصبح هو
الذي يحدد ماذا ندرس في .هل ندرس طب وهندسة أم دين وفلسفة؟ تحولت المدرسة إلى سوبرماركت تبيع
فقط المواد ذات الطلب العالي فتحولت المدرسة -تمشيا مع علمانية السوق -إلى اداة من أدوات االنتاج مثل
الماكنة تماما .يدخل التلميذ من مقدمتها في شكل مواد خام ويخرج من مؤخرتها في شكل سلعة جاهزة
مهندس أو طبيب أو استاذ إدارة عامة قيمة مخرجات المدرسية تحدب بديناميكية السوق فتخضع شأنها شأن
أي سلعة تعرض في السوبر ماركت القانون العرض والطلب.
فقدت المدرسية عقالنيتها شعرنا بذلك أو لم نشعر -فقط ألنها ارتضت أن تكون أداة من أدوات االنتاج ،تنتج
أطباء ومهندسين واساتذة إدارة عامة وليس علماء في الطب والهندسية واإلدارة العامة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل نرضى ألنفسنا أوال وألبنائنا ثاني ا أن يتحولوا إلى ترس في الماكنة أو
إلى طاقة أو مواد خام تتحول إلى سلعة تباع في سوق العرض والطلب؟ فإذا كانت االجابة بالنفي فهل من
سبيل إلى تغيير دور المدرسة ووظائف المدرسة وأهداف المدرسة ووسائل المدرسة أم أن المدرسة -بحكم
89
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
قوتها وجبروتها جعلت خنا أقزاما ال تقوى على الحركة ،مشلولة االرادة ،خائرة القوي ال لشيء إال ألننا
نتاجها نفكر بعقليتها فإذا كان الحال كنك فهل من سبيل إلى تطويق المدرسة وحصرها في مساحة محددة
لنفسح مجاال لمؤسسات اخرى تعمل معها في ميدان التعليم واقصد االسرة والمسجد؟
االسرة
االسرة هي وحدة مصغرة للمجتمع يتعلم الطفل فيها مبادئ علم الكالم وعلم النفس وعلم االجتماع وفن
االتصال باآلخرين واسلوب التعامل معهم يتعلم فيها البالغة والخطابة وحسن التحدث وحسن االستماع ،يتعلم
من أمه ومن ابيه ومن اخيه ومن الضيف الذي زارهم باألمس .يتعلم بالمحاكاة والتقليد ،ويتعلم عن طريق
التجربة وا لخطأ والصواب ويتعلم ايضا عن طريق التأمل وأقصد التأمل في الظاهرة على النهج األفالطون
يتعلم الطفل في السبع سنوات األولى ما ال يتعلمه في كل حياته .فالتعليم في الصغر كما تقول الحكمة العربية
كالنقش في الحجر.
األم مدرسة كما قال الشاعر انا اعددتها أعددت شعبا طيب األعراق واألم هنا هي رمز االسرة ألنها نقطة
ارتكاز االسرة .األم مدرسة واألسرة مدرسة نتعلم منهما بوعي وبدون وعي لكن األسرة ال تمنح الدبلوما
أكثر ما تعلمنا هو ما تعلمنا بدون وعى وخير ما تعلمنا هو ما لم يقنن بدبلوما -نتعلم في االسرة كيف نفكر
بوعی وينا صالة ألننا ال نضد مع بطاقة أسعار price tagعلى ما نتعلم .فنتعلم من اجل العلم ومن اجل
المعرفة ال لنحصد دبلومات نبيعها في سوق العرض والطلب وانما لنجني ثمار المعرفة خلقا وتأدبا وصالحا
الخلق والتأدب والصالح ال تباع في سوق العرض والطلب ألنها تأبى ذلك إذا كان الحال كذلك فلماذا ال نعيد
صياغة تصورنا لدور األسرة؟ لماذا نقتلع فلذات أكبادنا في الثالثة من العمر ونرمي بهم في ما يسمى برياض
االطفال -أليست رياض األطفال صورة من صور القمع ماذا يتعلم الطفل في روضة االطفال؟ يتعلم كيف
ينضبط سلوكيا الن المربية تقف من خلفه ترصد تحركاته أنواع القمع كما ذكرنا سابقا هو القمع الداخلي الذي
يتم عن طريق امتصاص القوانين والضوابط والقيود في العقل الباطني دون وعي ودون مقاومة .فلماذا
نعرض أبنائنا في هذا الوقت المبكر للقمع؟ هل يستطيع الطفل أن يفكر بحرية في هذه الظروف اضطر
الغرب اضطرارا إلنشاء رياض االطفال الن األمهات تعمل نحن مضطرون ألن ندفع بأبنائنا الرياض
االطفال؟ ما إذا بقي لألم المتفرغة التي ال تعمل في المنزل حينما يذهب ابناؤها للروضة .اال يتحول المنزل
إلى سجن بغيض؟ لماذا المربية في الروضة دون األم في المنزل؟ لماذا ال نجعل من منازلنا رياضيا،
ألطفالنا؟ لماذا ال نجعل من منازلنا مدارسنا ألطفالنا؟ وال اقصد التعريف الكالسيكي للروضة والمدرسية ألننا
أن فعلنا ذلك فعلى األسرة العفاء
االسرة هي المؤسسة الوحيدة بعد المسجد التي قاومت قوي دفع السوق فهال حافظنا عليها نظيفة؟
90
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المسجد
كان المسجد يحتل في حضارتنا االسالمية مركز الثقل في المدينة أو القرية كان يمثل بجانب دوره التعبدي
منتدى العلم والمعرفة العلم في شئون الدين والدنيا ،كان ايضا منبرا لطرح اآلراء واألفكار وكان محورا
للنشاط االجتماعي والثقافي كان الناس يتسابقون اليه ليس فقط للذي العام وتمة لتعلم المهارات االنسانية
والسلوكية کانت تلحق بالمساجد أماكن الحلقات العلم وأماكن المناظرات كان العلم يطلب من اجل العلم.
كان العلم يرتبط بالتقوى والصالح والورع وكان خير العلماء الورعون الن المعرفة كانت تعتبر التزاما
اخالقي كانت المعرفة اداة لعجم أعواد الرجال فلم تكن وسيلة إلى الوظيفة أو الشهرة أو التمييز الطبقي.
تراجع المسجد إلى المنطقة الخلفية فلم يعد مكانا لطلب العلم بفضل الغزو المدرسي .احتلت المدرسية جميع
المساحات فطوقت المسجد وطوقت المعرفة فاندثرت المعرفة واندثر االنسان فتحول إلى مجرد ترس أو
مدخالت اآللة المدرسية تحوله إلى مجرد سلعة ويستوي في ذلك الطبيب والمهندس و استاذ اإلدارة العامة.
دور اإلدارة التربوية في تنمية اإلنسان ذكرنا أن المعنى الجديد للتنمية يدور حول تنمية قدرات االنسان
وتنمية قدرات اإلنسان تعني تأمين حاجاته االساسية ،المأكل والمسكن والملبس كما يقول دودلی سيرز
ويتحقق ذلك عن طريق القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة تنمية االنسان ال تقف عند هذا الحد بل تعني
تحريره من اسر القمع الداخلي الذي يتم عن طريق امتصاص المفاهيم المؤسسية تلك المفاهيم التي توهمنا أن
المدرسية هي التعليم وان مديرية الشرطة هي األمن وان المستشفى هو العافية والصحة والتطبيب وان
رياض االطفال ،هي رياض لتلك المفاهيم التي تو همنا أن المدرسة والروضة هي بديل لألسرة والمسجد،
المفاهيم التي توهمنا ان أكثرنا تطورا هو أكثرنا استهالكا للسلع المستفة في طرود .أي المفاهيم التي تربط
التطور بحجم االستهالك.
تن مية قدرات االنسان تبدأ بحل أزمة الثقة .الثقة فيما عندنا ماء النيل وتراب دجلة ،الثقة في ثروتنا الحيوانية
والزراعية وفي منتجاتنا الصناعية .تحل ازمة الثقة حينما تنظر بإعجاب ليس لقنينة الكوكاكوال وانما الجرعة
من مياه النيل ،وحينما ننظر بإعجاب لألسرة والمسجد ونعتبر المدرسة امتدادا يكمل دور المسجد واالسرة.
تحل ازمة الثقة حينما نفكر بلغة واحدة الن هدفنا واحد ومصيرنا مشترك ،حينما ننظر بإعجاب ليس فقط
لشكسبير وبرنارد شو وبيتهوفن وانما لألصفهاني والرازي وابي حامد الغزالي وابن خلدون.
تنمية قدرات اإلنسان كما يقول ادجار أوينز وروبرت شو نقال عن ابن خلدون تبدأ بالقاعدة االجتماعية
العريضة -تبدأ بكل فرد وبكل مؤسسية .نقطة انطالق تنمية قدرات اإلنسان هي مرتكز أو ربوة حينما نقف
على متنها نری جميع المؤسسات ،نرى المسجد واألسرة والمدرسة والمستشفى ومؤسسات العالج االخرى
ومديرية الشرطة وكذلك نرى جميع الشرائح االجتماعية ،الفقير والغني على حد سواء.
91
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تنمية قدرات اإلنسان تتطلب اعادة صياغة دور اإلدارة التربوية ومراجعة تصورها لدورها االداري التربوي
وتصورها لدور المدرسة والروضة واالسرة والمسجد وتصورها للعملية التنموية وتصورها لإلنسان كهدف
ووسيلة للتنمية وتصورها للحياة والكون ودور االنسان في الحياة والكون يمكن أن نلخص دور اإلدارة
التربوية في النقاط التالية
-1التصور الجديد لإلدارة التربوية هو أن تنظر للمدرسة كواحد من البدائل للتعليم وليس الخيار الوحيد.
-2ان تعيد صياغة المدرسة لتصبح مكانا للتعليم وليس مصنعا إلنتاج الدبلومات والشهادات أو مكتب ا
للتوثيق.
-3أن تعيد النظر في المناهج الدراسية لتغدي أكثر تالؤما مع دور المدرسة التعليمي.
-4أن تهدف إلى تخريج الرجل الصالح وليس إلنتاج سلعة رائجة في سوق العرض والطلب اليوم وكاسدة
غدا.
-5التصور الجديد لإلدارة التربوية أن تعيد النظر في دور األسرة والمسجل التربوي ويعني ذلك أن تطوق
المدرسية في حدود حتى تفس للمؤسسات األخرى لتعمل لتدريب اإلنسان االصيل الصالح.
-6ان ال تتعجل في انتزاع الطفل من احضان االسرة لتدفع به في رياض األطفال ما لم تدع الحاجة إلى ذلك.
انخلق من بيوتنا رياضيا ألطفالنا.
-7االنسان هو هدف التنمية ووسيلتها.
-8االصالة فلتكن األصالة شعارا وبرنامج عمل إلدارة التربوية.
-9الثقة بما عندنا والثقة في أنفسنا.
-10فليكن شعار اإلدارة التربوية ان االنسان كرمه هللا وخلقه في أحسن.
صورة ولم يخلقه حيوانا استهالكيا نهما ما أن تلبي له حاجة حتى يفكر في حاجة اخرى ،كما تفهمنا
النظريات الكالسيكية.
92
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل السادس
إدارة التنمية والمشاكل المعاصرة
مقدمة
يناقش هذا الفصل بعض القضايا الرئيسية التي تثار في حقل إدارة التنمية ويركز بصفة أساسية على مشكلة
النمو السكاني ومشكلة الفقر ومشكلة استنفار الموارد غير المتجددة ومشكلة التلوث البيئي يهدف الفصل إلى
ابراز السمات الرئيسية لهذه المشاكل وتحديد حجمها وابعادها المختلفة وأثرها على التنمية بغية وضع
استراتيجية متكاملة لمواجهتها وحلها.
يستعرض الفصل بعض الدراسات التي اجريت حول هذه المشاكل بتركيز خاص على دراسات محبوب الحق
المشكلة الفقر ودراسة مجموعة نادي روما الحدود النمو the Limits to Growthودراسة هيلبرونر في
كتابه تحريات في مستقبل االنسانية بعض األبحاث التي تغطي بعض جوانب المشاكل المذكورة أعاله.
مشكلة االنفجار السكاني تحتل المشكلة السكانية مساحة واسعة في الفكر التنموي ربط االقتصاديون التنمية
بالزيادة السكانية فقالوا ينبغي أن تربو الزيادة في الناتج القومي على الزيادة السكانية ب ٪ 3الن هذه النسبة
تحدد الحد األعلى للزيادة السكانية في أي دولة في العالم .فإذا نقص معدل النمو في الناتج القومي عن هذه
النسبة فان الزيادة السكانية ستبتلع الزيادة في الناتج القومي ال محالة .بناء ا على هذه النظرية فان احتماالت
نمو الدولة تتوقف على التحكم في النمو السكاني.
يقول روبرت ل .هيلبرونر في كتابه تحريات في مستقبل االنسان ان هموم البشرية تنبع من المخاطر أو
التحديات التي نراها تحيط بنا من جميع الجوانب وأول هذه التحديات هو التحدي السكاني .يقول هيلبرونر
عن تفاقم المشكلة السكانية يزداد عدد السكان بمعدالت تفوق طاقة االض استيعابية .يبلغ سكان العالم عام
1972حوالي 3,6بليون يتوقع أن يزيد سكان الدول المتقدمة في العقدين القادمين بمعدل 30الی ٪ 60أما
معدالت السكان في الدول النامية فسوف تتضاعف في اقل من ثالثين عاما ،أن يرتفع عدد السكان في الدول
النامية من 2,5بليون في عام 1970إلى 40بليون في مدى قرن من الزمان -فالسكان في الدول النامية
يتضاعفون كل ربع قرن تؤدي الزيادة السكانية إلى خلق مشاكل ذات ابعاد خطيرة ومتعددة مثل مشكلة
الطعام والتشغيل والتعليم وبقية الخدمات -تناول ميدوز وزمالؤه .من مجموعة نادي روما هذه المشكلة
بالتحليل تكان لدراساتهم صدى كبير في األوساط التنموية.
نشرت مجموعة نادي روما كتابها الموسوم بحدود النمو عام 1972کان لهذا الكتاب تأثير بعيد في وضع
السياسات واتخاذ القرارات ان لفت األنظار بصورة درامية إلى الزيادة االسية في النمو السكاني ونفاد
الموارد غير المتجددة والتلوث البيئي الناتج عن سرعة التصنيع ومشكلة الطعام.
قول ميدوز في كتاب حدود النمو أن السكان يتزايدون ليس فقط بمتوالية هندسية ( ، 008 ، 4 ، 2 ، 1الخ )
وانما يتزايدون تزايدا اسيا ،وقد ساعد على ذلك ارتفاع نسبة الخصوبة وقلة الوفيات يؤدي النمو االمي
exponential growthالي نتائج مدهشة تضاعف الظاهرة التي تنمو نموا اسيا نفسها مرات ومرات في
فترة وجيزة ويمكن توضيح ذلك يوضح الرسم البياني رقم ( )1الزيادة االمية في عدد السكان -ارتفع عدد
السكان من نصف بليون نسمة في عام 1650بمعدل نمو يبلغ ٪3وهو ما يعادل زمن مضاعفة يقدر بحوالي
.200إلى 3,6بليون عام . 1972يتضاعف هذا العدد 3,7بليون بمعدل نمو ٪7,1في 33سنة فقط اي
93
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
يتوقع أن يصل عدد السكان في عام 2000إلى سبعة باليين وفي خالل 500عام سيتضاعف عدد السكان
15مرة وحينئذ لن تكون هناك غير ياردة مربعة واحدة لكل فرن بما في ذلك الصحاري الباردة والحارة.
منذ عام 1950ينمو سكان آسيا بمعدل متزايد ويزيد تقدير عدد السكان في عام 1970قليال عما في الشكل
الرسوم هنا الذي تم انجازه في عام 1958ويبلغ المعدل الحالي للنمو السكاني في العالم حوالي ٪ 2,1سنويا
وهو يطابق زمن مضاعفة يبلغ 33عاما.
94
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
مشكلة الطعام
من أهم القضايا التي تثيرها المشكلة السكانية هي مشكلة الطعام والفقر أن المصدر األساسي الضروري
إلنتاج الطعام كما ورد في كتاب حدود النمو هو االرض .فاألرض الصالحة للزراعة تبلغ 7.86بليون فدان
يستخدم نصفها اآلن لألغراض الزراعية أما تكاليف استصالح النصف }خر يتطلب تكلفة باهظة الثمن تبلغ
أحيانا 5375دوالر ا للهكتار الواحد وتشمل هذه األراضي المناطق الدور والمناطق الهامشية أو الحدية.
يحتاج كل فرد إلى 0.9من الهكتار بمستويات استصالح المنتجات الزراعية الحالية في الواليات المتحدة
بناء ا على ذلك يلزم استصالح 6.3بليون هكتار في عام 2000مع استمرار انماط االستغالل الحالية .
وعند تحويل هذه القيمة إلى فدانات فسوف نحتاج إلى حوالي 15بليون فدان لالستصالح الزراعي إذا أردنا
أن نوفر المستوى الحالي للمعيشة في الواليات المتحدة للباليين السبع الذين يشكلون جملة سكان العالم في
عام 2000وفي مستوى متوسطات االستهالك المنخفضة أي المستوى العادي لالستهالك وهو المستوى
السائد في معظم دول العالم المتوسطة الحالي يحتاج اي فرد اضافي إلى زيادة 0.8من الهكتار وهو
المستوى الذي استخدمته مجموعة نادي روما كأساس لدراساتها .وهنا يلزم استصالح 56بليون هكتار
ويعادل ذلك زيادة 1.33بليون فدان اضافي في سنة 2000على االستخدام الحالي والمتوقع لألراضي
الزراعية في شكل مباني و مجاري وقنوات ففي الحالة األولى فأننا نحتاج لضعف االراضي الصالحة
للزراعة في العالم إلطعام السبع مليون نسمة وهذا االقتراض يقوم على استمرارية وسائل االستخدام الحالية
ويمكن أن ينقص حجم األرض المطلوبة إذا تطورت وسائل االنتاج الحالية ومع استخدام األسمدة ومع تكثيفه
االنتاج الزراعي راسيا بزيادة انتاجية الفدان ومع اكتشاف بدائل جديدة وتحسين عينات المحاصيل الزراعية
إن إجمالي االراضي المالحة للزراعة في العالم يبلغ حوالي 3.2بليون ،هكتار والمطلوب لكل شخص من
األرض الزراعية بمعدل االنتاج الحالي 0.4هكتار ومن ثم فان الخط البياني المنحنى لألرض المطلوبة
بعكس خط النمو السكاني ويظهر الخط الخفيف بعد عام 1970الحاجة المتصورة لألرض ،على فرض أن
سكان العالم مستمرون في النمو بمعدلهم الحالي .وتتناقص األرض الزراعية المتاحة ،ألن األراضي
الزراعية تنتزع الستخدام ها في المدن والصناعة كلما زاد السكان وتبين الخطوط البيانية المرسومة بالنقط
األرض الالزمة إذا تضاعف االنتاج الحالي ،أو زاد إلى أربعة أمثاله.
يتمخض عدم التوازن بين عدد السكان والموارد الغذائية المتاحة إلطعامهم بالفجوة الغذائية تتسع هذه الفجوة
يوما بعد يوم في مختلف ،غير أن هذه الفجوة تظهر أكثر ما تكون في العالم العربي حيث ان هذه الدول ال
تنتج ما يكفي حاجتها من مواد غذائية بسبب الظروف المناخية.
كتب الدكتور محمد کام ل ريحان والدكتور سيد محمد نميري والدكتور خزعل الجاسم عن الفجوة الغذائية ما
يلي و تتزايد الفجوة الغذائية في الدول النامية بمعدالت متزايدة وخالصة في السنوات األخيرة حيث يتزايد
استهالك تلك الدول بمعدالت تفوق كثيرا معدالت التزايد االنتاج األمر الذي سوف يؤدي بالطبيعة إلى تفاقم
األزمة الغذائية في الدول النامية بصفة خاصة بسبب اتجاه تلك الدول نحو اعطاء األولوية للتصنيع على
حساب القطاع الزراعي ،ليس هذا فقط بل ان كورت فالدهيم األمين العام لألمم المتحدة اضاف ان مسئولية
االزمة الغذائية تقع كذلك على الزيادة في السكان والتي احرزت معدالت هائلة خالل السنوات الماضية ،
وتعتبر الدول العربية بصفة عامة من بين دول العالم التي يمكن وصفها بأنها مناطق عجز غذائي مستمر يتم
تغطيته عن طريق الواردات من خارج المنطقة العربية ولعل ابلغ مثال على ذلك ما يتعلق بحاجات الدول
95
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
العربية من القمح باعتباره من اهم السلع االستراتيجية في العالم اذ تشير اإلحصاءات إلى تزايد حاجة الدول
العربية في السنوات األخيرة منه إلى ان بلغت وارداتها ٪ 50من جملة االستهالك وهذه الواردات تأتي من
سوق عالمية احتكارية تتحكم في األسعار بصورة قوية وتشير كل الدراسات التي قامت بها األمم المتحدة
وجامعة الدول العربية إلى ان الفجوة الغذائية القمحية تتزايد ولم تستطع الدول العربية مواجهتها أو حتى
االقالل منها بل على العكس من ذلك فان من المتوقع وفقا لهذه الدراسات ان يتزايد انتاج القمح ليصل إلى
نحو ضعف االنتاج الحالي في حين سيتضاعف االستغالل اربع مرات في منتصف القرن القادم .ومعنى ذلك
وبعبارة موجزة أن الدول العربية سوف تحتاج إلى نحو ٪ 40من جملة القمح الذي يدخل في التجارة الدولية
لسد احتياجاتها وهو ما يمكن أن تترتب عليه أعباء ضخمة على موازين المدفوعات لتلك الدول من هذا إذا
افترضنا اصال أمكانية الحصول على هذه االحتياجات حتى مع افتراض توفر رأس المال الالزم.
مشكلة الفقر
ترتبط مشكلة الطعام بمشكلة الفقر .وفي الواقع فان الفقر يعرف في معظم المعاجم بعدم القدرة على تلبية
الحاجات األساسية كالمأكل والمشرب والمأوى أي عدم القدرة على توفير الطعام وقد عرفت االنسانية الفقر
والفقراء كما يقول يوسف القرضاوي من ازمنة ضاربة في أغوار التاريخ وبذلت األديان والفلسفات مساعي
كبيرة لحلها عن طريق الوصايا والمواعظ والترهيب والترغيب كانت قضية الفقر تحتل جزءا كبيرا من
اهتمامات المدارس الفكرية المختلفة.
فاعتبرتها بعض المذاهب خطيئة اجتماعية وحملت الدولة مسئولية عالجها كالمذاهب االشتراكية واعتبرتها
مذاهب اخرى بخطيئة فردية وحملت الفرد الفقير مسئولية فقره كالنظريات الرأسمالية التي تقول ان الفقير لم
يستغل الفرص المتاحة له ولم يستثمر مواهبه استثمارا صحيح ا ،كما أن بعض المذاهب اعتبرت الفقر أمرا
واقعا ال فكاك منه ومثال لذلك المذاهب القدرية أو الجبرية.
استخدمت هذه المدارس أو المذاهب نماذج ا مختلفة للقضاء على الفقر ابتداءا بتمليك الدولة لوسائل االنتاج
والتوزيع المدرسة االشتراكية وانتهاء ا بال الستسالم الكامل لقوى السوق أي ترك مشكلة الفقر برمتها إلى
ديناميكية السوق كما هو الحال في النظام الرأسمالي.
اختلفت المدارس في شرح وتفسير ظاهرة الفقر هل هي مشكلة انتاج ،أم مشكلة توزيع أم المشكلتين معا؟
اختلف الكتاب حول االجابة على هذا السؤال فذهبوا مذاهب مختلفة فمنهم من قال ان الفقر في الدول
االشتراكية هو مشكلة انتاج وان الفقر في الدول الرأسمالية هو مشكلة توزيع وأن الفقر في الدول النامية هو
مشكلة انتاج وتوزيع على حد سواء يقول اسماعيل مبرى في مقدمة كتاب ستار الفقر أن العالم المعاصر
يعيش تناقضا رهيبا بين تداني اقطاره وشعوبه ناسا وسلعا وافكارا وبين ثنائي الشقة المتزايدة بفصل القلة
الغنية من سكانه عد الجمهرة من البشرية .فالظاهرة األولى هي نتاج التطور التكنولوجي في مجال النقل
واالتصال -الطائرة والراديو والهاتف والتلفاز واالقمار الصناعية -والظاهرة الثانية هي نتاج حضارة
العصر والتي ساهمت في خلق اسباب الترف وأساليب استهالك لم تكن معهودة من قبل لفئة قليلة ،كما زادت
في نفس الوقت قسوة الحياة على الفقير وباعدت بينهما.
الشقة أكثر من أي وقت مضى ،حتى أصبح دخل البريطاني يعادل ثالثين مرة دخل الهندي تولد ظاهرتي
التداني والتباعد ،طاقية تفجير في النظام الداخلي خاصة وان غني أولئك هو الوجه اآلخر لفقر هؤالء.
96
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تشير باربارا وارد في مقدمة الطبعة االنجليزية عن ظاهرة الخوف وبادرة األمل -الخوف من ثورة الجياع
ومن عد الفوضوية المشبع بالدم وبادرة األمل التي تتمثل في ظهور فجر جديد يمحو قسمان الماضي الحزينة
ويقارب الشقة االقتصادية والنفسية بين الدول المتطورة التي تتمثل في المحاولة الخلق نظام اقتصاد عالمي
جديد يزيل اسباب الخلل في النظام القديم.
بينما ينظر اسماعيل صبري لظاهرة الفقر کنتاج الظاهرة الغني اي ان غنى االغنياء هو الوجه اآلخر لفقر
الفقراء وينظر القضية الفقن کمشكلة توزيع في المقام األول ويحمل االغنياء خطيئة بؤس الفقراء ومن ثم ال
ينظر بتفاؤل لحل مشكلة الفقر بالطرق السلمية ،فالن باربارا تعتبر أقل تشاؤما وتقرأ بعض البوادر المشجعة
في صفحات التحوالت االقتصادية لخلق نظام اقتصاد عالمي أكثر مرونة وأكثر انسانية وأكثر عدالة ،نظام
يكسر شوكة االحتكار ويقلل من ضرر االستنزاف ،نظام يخلق حالة من التكافؤ بين الدول التي تصدر المواد
الخام والدول التا تمنع هذه المواد وتعيد تصديرها في شكل سلع مصنعة وتعتبر ظاهرة دول األوبيك أي
الدول المصدرة للبترول وتماسك هذه الدول مع بعضها البعض تجاه السوق العالمي ظاهرة صحية في طريق
خلق نظام اقتصادي عالمي جديد .هناك وسائل متعددة لقياس حجم مشكلة الفقر .تشمل هذه الوسائل
المؤشرات االقتصادية واالجتماعية -تقاس ظاهرة الفقر بمتوسط دخل الفرد استخدم هذا المؤشر لتحديد
مشكلة الفقر ليس فقط بين دول العالم وانما لتحديد مشكلة الفقر داخل كل دولة .ففي الواليات المتحدة مثال
حدد خط الفقر Poverty lineب 500دوالر فعرف المواطن الفقير بالفرد الذي يقل دخله عن 500
دوالر آی هو الشخص الذي ال يستطيع تلبية حاجاته االساسية كالمأكل والمشرب والمأوى قياسيا بمستوى
الدخل العام والذي يحدد مستوى المعيشة .ويحدد ،خط الفقر االهلية المساعدات التي تقدمها الدولة للفقراء مثل
مشاريع االسكان المدعوم food stampsوكينونات الطعام Subsidized projectsوفوائد البطالة
واألمن االجتماعي Social Securityيعتبر خط الفقر الحد الذي تبدأ فيه المعاناة .الحياة في الواليات
المتحدة تبدأ بألف دوالر كما تقول الحكمة المتداولة ،والمقصود ألف دوالر في الشهر أي تبدأ الحياة الكريمة
بمتوسط دخل يعادل ألف دوالر وحسب هذا التعريف يعتبر ٪ 20من سكان الواليات المتحدة فقراء أي
حوالي 40مليون.
تتخذ مشكلة الفقر ابعادا مختلفة في الدول النامية فهي اشد وطأة واشد قسوة الفقر في الدول الغنية هو مسألة
نسبية يحدد قياسا بمستوى الدخل العام الفقير في الدول الغنية يختلف عن الفقير في الدول الفقيرة .كالهما
يعاني من مشكلة الحرمان االختالف هو في الدرجة وفي البدائل -خيارات الفقير مثال في الواليات المتحدة
محدودة بمحدودية دخله فهو يقتني كميات محدودة من السلع االستهالكية بأسعار زهيدة قياسا بمستوى
المعيشية العام فهو يقتني الداتسون احيانا مستعملة بدال عن الكدلك ويأكل لحم الخنزير بدال عن اللحم البقري
،ويسكن في وسط المدينة downtownفي شقة غالبا بدال عن فيال في ضاحية المدينة ويقضي اجازته
السنوية يتجول في حدائق البلديات بدال عن رحلة إلى شواطئ ميامي أو جزر الهاواي الفقير في الدول الغنية
يأكل ويشرب ويقتني سيارة ويسكن ويتجول احيانا يتسكع ،في حدائق البلديات -خيارات الفقير في الدول
الفقيرة هي خيارات قاسية ..الخيارات بالنسبة للفقير في زامبيا هي ليست بين أن يأكل لحم الخنزير ولحم
بقري وانما الخيار لديه هو في أن يأكل أو يموت جوعا .ففي زامبيا يموت 290طفل من كل ألف طفل
نتيجة للفقر أو سوء التغذية في عامهم األول ،وفي الهند وباكستان تبلغ النسبة 140طفال في االلف وفي
كولومبيا 82طفال.
97
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
اتخذ متوسط دخل الفرد لقياس فقر وغنى الدولة .كما اتخذ الناتج القومي مقسوما على عدد األفراد كمؤشر أو
معيار مشكلة الفقر في العالم -اعتبرت معظم دول العالم الثالث فقيرة وذلك لضالة ناتجها القومي قياسا
بالناتج القومي الدول المتقدمة واستخدم جاقديش ن باقواتی Jagdish N. Bhagwatiالناتج القومي
مقسوما علی عدد األفراد في ورقة تحت عنوان االقتصاد والنظام العالمي بين 1990كمؤشر لتقسيم دول
العالم إلى دول متقدمة ودول اقل تطورا كما يتضح من الجدول رقم 3يتضح من الجدول تقديرات الناتج
القومي وعام 2000ومعدل النمو السنوي .بين 1965و 2000يالحظ من الجدول نصيب الفرد من الناتج
القومي في افريقيا و آسيا ما عدا اليابان وأمريكا الجنوبية لعام 1965هو 144و 118و 379على التوالي
ويتوقع أن يبلغ في عام 2000حوالي وو281و 928على التوالي وان نسبة النمو السنوية في هذه المدة هي
٪ 1.95و .٪ 2.95و 3.60٪أما الحال بالنسبة للدول الغنية فيختلف تماما .فانا أخذنا أمريكا الشمالية
كمثال نجد أن نصيب الفرد من الناتج القومي يتراوح بين 3.032دوالر في عام 1965إلى 7.921دوالر
في عام 2000بمعدل نمو سنوي يبلغ ٪ 2.8اي ما يزيد على عشرين ضعف الدول االفريقية.
استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد
ذكرنا في الصفحات السابقة أن هموم العالم تنبع من العديد من المشاكل وعلى رأسها مشكلة االنفجار
السكاني ومشكلة الفجوة الغذائية الناتجة عن الزيادة االسية في عدد السكان ومشكلة الفقر والتي هي تجسيد
للمشكلتين السابقتين التحدي الرابع الذي يواجه البشرية هو مشكلة استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد نتيجة
إلى التوسع الصناعي الذي يتم بطريقة درامية في مختلف انحاء العالم خاصة في المجتمعات الصناعية
الغربية.
اخذ الس عار الصناعي المحموم يلتهم الموارد غير القابلة للتجديد الواحد تلو اآلخر كما بدأ يهدد جميع الموارد
األخرى باالنقراض -تتفاقم مشكلة استنزاف الموارد نتيجة إلى االنتاج الصناعي الذي يتزايد بمعدل سنوي
يبلغ ٪7وبالرغم من االكتشافات الجديدة في علم التنقيب اال انه لم يتبق سوى عدد محدود من األماكن التي
يمكن البحث فيها عن اغلب انواع المعادن ،فالموجود حاليا من المعادن ال يغطى حاجة البشرية إلى أمد
طويل فإذا اخذنا المعدل الحالي للتوسع الصناعي فسوف نرتطم بحدود النمو في اقل من مائة عام وسوف
ينضب عدد من الموارد في اعقاب هذا القرن مثل الفضة والقصدير واليورانيوم إذا استمر استهالكها بالمعدل
الحالي ،وحتى إذا اعتبرنا أن التقدم الحالي في التكنولوجيا يتمخض عن بعض المفاجآت وستظهر كميات
كبيرة لم تكن معروفة أو بعاد تصنيع بعض المعادن ،فان ذلك ال يغير كثيرا من الصورة االصلية وتبقى
المسألة فقط مسألة وقت .وقد تم التكنولوجيا الجديدة من عمر هذه المعادن عشرين أو ثالثين أو قل خمسين
سنة لكن سيرتطم العالم ال محالة بحدود النمو إذا استمر معدل االنتاج الحالي .وحتى مع حساب التحوالت
التكنولوجية ومع افتراض أن هذه التحوالت ستزيد االحتياطي الموجود مبن هذه المعادن إلى خمسة اضعاف
فإننا نرتطم بحدود النمو في وقت وجيز جدا سوف ينفد االحتياطي من األلمونيوم كما يقول كتاب حدود النمو
بعد 55عاما وينتهي الكروم في 154عاما والفحم في 150عاما والكوبالت في 148عاما والنحاس في
48عاما والذهب في 29عاما والحديد في 173عاما والرصاص في 64عاما والمنجنيز في 94عاما
والزئبق في 41عاما والبيدنوم في 65عاما والغاز الطبيعي في 49عاما والنيكل في 96عاما والبترول في
50عاما ومجموعة البلوتونيوم في 85عاما والفضة في 42عاما و القصدير في 61عاما والتنجستين في
72عاما والزنك في 50عاما هذا اذا اضفنا خمسة أضعاف االحتياطي الحالي نتيجة للتطور في تكنولوجيا
التنقيب.
98
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
المستهلك األول لهذه المعادن في الواليات المتحدة يتبعها االتحاد السوفيتي.
فالواليات المتحدة تستهلك ٪ 42من االجمالي العالمي لأللمونيوم و ٪ 19من الكروم و ٪ 22
من الفحم و ٪ 32من الكوبالت و ٪ 33من النحاس % 26من الذهب ٪ 28من الحديد و ٪ 25من
الرصاص و ٪ 14من المنجنيز ٪ 24من الزئبق و ٪ 40من المولبيديوم و ٪ 63من الغاز
الطبيعي و ٪ 38من النيكل و % 23من النيكل %23من البترول % 31 ،من مجموعة من الباريوم و
% 26من الفضة و % 24من القصدير و % 22من التنجستين و % 26من الزنك.
يرجع حجم االستهالك العالي في الواليات المتحدة -إلى درجة التصنيع وحجم رأس المال الصناعي توجد
عالقة طردية بين الثراء وحجم استخدام الموارد كلما ازداد الثراء .ازداد استخدام الموارد يقاسي ذلك باإلنتاج
الصناعي بالنسبة للفرد .أكثر الدول استهالكا للموارد غير المتجددة في الواليات المتحدة حوالي يساوي سكان
الواليات المتحدة % 6من سكان العالم ويستهلكون % 40من موارد العلم .بلغ متوسط االنتاج الصناعي
للفرد في العالم عام 1970حوالي 230دوالر للفرد ،وفي نفس الوقت بلغ متوسط االنتاج الصناعي للفرد،
في الواليات المتحدة 1600دوالر أي حوالي سبعة أضعاف متوسط إنتاج الصناعي للفرد في العالم.
نود أن نخلص من هذه االحصائيات والمعلومات البيانية إلى اثبات حقيقة مامة اشاعت إليها دراسات
مجموعة غير نادي روما وهي أن االتجاه الحالي في التصنيع واالستهالك يؤدى إلى تجاوز الحدود والتدهور
ونضوب الموارد غير المتجددة أي مع اقتراض عدم حدوث تغيير هام في النظام الحالي فان النمو في
السكاني والصناعي سيتوقف بكل تأكيد خالل القرن التالي على أكثر تقدير.
التلوث البيئي
اشار هيلبرونر كما ذكرنا سابقا في كتابه تحريات في مستقبل البشرية إلى ثالث تحديات تواجه البشرية.
التحدي األول هو االنفجار السكاني والتحدي الثاني هو الحرب والتحدي الثالث واألكثر خطورة هو التلوث
ال بيئي هو احدى آثار التصنيع والمقصود من التلوث هو تلوث الماء والهواء والتلوث الحراري وتلوث
الصوت والتلوث الذري.
تعزي مصادر و أسباب التلوث إلى النشاطات الصناعية والتقدم التكنولوجي والنمو األسى في حجم
االستهالك وما ينجم عن ذلك من نقايا االسي في حجم السكان نموا مشابها في االنتاج الصناعي ونموا
متزايدا في حجم التلوث البيئي ،تحول التلوث البيئي إلى مأزق يهدد الجنس البشري بالفناء ويهدد ايضا
مجموعة كبيرة من الكائنات الحية.
التلوث المائي
يعتبر التلوث المائي من أكبر التحديات التي تواجه البشرية والسبب المباشر للتلوث المائي هو القاء البقايا
الصناعية في اعماق األنهار والبحيرات والمحيطات تلوثت مياه األنهار فلم تعد صالحة للشرب وتلوثت مياه
البحار فلم تعد صالحة لحياة الحيوان معظم األنهار في الدول الصناعية مثل نهر الراين ونهر المسيسيبي غير
صالحة للحياة السمكية نتيجة لوجود كميات كبيرة من النفايات الصناعية والبقع الزيتية.
99
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
اثار البروفسور باري کومونر Barry Commonerاهتمام العالم لقضية التلوث المائي بعد الحقائق المذهلة
التي توصل اليها من دراسته لبحيرة ايري وجد البروفيسور كومونور ان الترسبات الكيميائية في البحيرة
أجهزت على الحيوانات المائية .قامت دراسة مماثلة في بحيرة أونتاريو وجد أنه نتيجة الي اللقاء كميات
ضخمة من مخل فات المجاري والمخلفات الصناعية والزراعية في بحيرة أونتاريو اخذت درجة تركيز أمالح
عديدة ترتفع بصوره اسية وادت التغيرات الكيميائية في البحيرة إلى تناقص كبير في كمية ونوعية األسماك
ذات القيمة التجارية .تعتبر هذه المخلفات كارثة على الحية السمكية .قامت دراسة ثالثة مشابهة في بحر
البلطيق ادي تكدس المخلفات العضوية في بحر البلطيق ،حيث تبلغ دورة المياه حدها االدنى ،إلى تناقص
مطرد في درجة تركيز األوكسجين في الماء وفي بعض المناطق ،وال سيما في المياه األكثر عمقا تبلغ
درجة تركيز األوكسجين صفرا ،الشيء الذي يعوق الحياة المائية.
يقول البروفسور الری كموفر موثر إذا استمر السلوك الحالي في البيئة فسوف تتحول جميع مصادر المياه
في الواليات المتحدة في عقد واحد أو عقدين من الزمان إلى برك آسينه ال تصلح للحياة وحينها تصل نقطة ال
رجوع منها أي نقطة اختالل الميزان البيئي يحمل شوميكر Schumacherاالنسان الغربي مسئولية اختالل
الميزان البيئي الن االنسان الغربي ينظر للبيئة كدخل وليس كمورد غير متجدد رأسمال .فاإلنسان الحديث ال
ينظر إلى نفسه كجزء من الطبيعة وانما كقوى خارجية لقهر الطبيعة .يقول شوميكر اننا بهذا السلوك ال نهدد
فقط الحضارة االنسانية وانما نهدد الحياة ذاتها .فما حصل للحياة السمكية ببحيرة ايري سيحصل ال محالة
للحياة البشرية بأكملها .يتساءل شوميكر لماذا االهتمام المفاجئ بالتلوث البيئي وااليكولوجي والبيئة يقول
شوميكر ان االهتمام المفاجئ بالبيئة ينبع من التوسع المفاجئ في النشاط الصناعي ان السنوات االربع أو
الخمس القادمة ستشهد توسعا في النشاط الصناعي لم يعرفه العالم منذ خلق البسيطة إلى عام ، 1945يعتبر
النشاط الصناعي المسئول األول عن التلوث المائي وبقية أنواع التلوث.
التلوث الهوائي
تزيد معدالت التلوث الهوائي بصورة اسية لم يسبق لها مثيل والسبب المباشر هو استخدام الطاقة .ينمو
التلوث بمعدالت في النمو السكاني ان عملية التوسع المفاجئ في النشاط الصناعي يعني استخدام المزيد من
الطاقة ويعتبر حجم استخدام الطاقة هو المؤشر الرئيسي لدرجة تطور المجتمع تكنولوجيا أي تعتبر كمية
الطاقة بالنسبة للفرد أو حجم استهالك الطاقة مؤشرا للنمو .آن متوسط استهالك االغنياء من الطاقة للقرد
يعادل في عام 1996م 4.52طن مقابل 0.32طن للدول الفقيرة تستهلك الدول الغنية والتي يساوي عدد
سكانها ٪ 31من سكان العالم ما يعادل 14مرة فوق استهالك الدول الفقيرة يتوقع أن يبلغ استهالك الفرد في
الدول الغنية حوالى 9.64طن و 1.43طن الفرد في الدول الفقيرة في عام 2000آی بمعدل زيادة سنوية
في استهالك الوقود تتراوح بين أربعة ونصف في المائة في الدول الفقيرة واثنين ونصف في الدول الغنية
وحينها تبلغ جملة استهالك الدول الفنية والتي يساوي عدد سكانها 23 ٪من سكان العالم 15588مليون طن
سنويا مقابل 7568طن الدول الفقيرة.
تتراوح الزيادة االجمالية في استهالك الطاقة من 5.5مليار في عام 1966إلى 73.2في عام 2000آی
بزيادة 17.7مليار نصيب الدول الفنية منها حوالي الثلثين وفي خالل األربعة وثالثين عاما بين 1966الی
2000تكون جملة االستهالك العالمي حوالي 425مليار طن .المقصود بالطن هنا ما يعادل طن الفحم
100
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الحجري من انواع الطاقة المختلفة ،طاقة مائية أو نفطية أو ذرية شمسية ،تستهلك الدول الفنية حوالي ٪ 75
من هذه الكمية أي 321مليار طن في حين أن الدول الفقيرة سوف تستهلك فقط 104مليار طن.
المصدر الرئيسي للطاقة في الوقت الحاضر هو الوقود المستخرج من األرض الفحم ،البترول والغاز
الطبيعي ويمثل ذلك ٪ 97من جملة الطاقة المستخدمة تطلق هذه الموارد عندما تحترق مادة ثاني اكسيد
الكربون في الغالف الجوي وفي الوقت الحاضر يطلق احتراق الوقود المستخرج من األرض كل عام حوالي
20مليون طن من ثاني أكسيد الكربون تزداد هذه الكمية سنويا زيادة أسية بمعدل .2٪
التلوث الذري
تعتبر الطاقة الذرية مصدرا هام ا من مصادر الطاقة وتشير التكهنات إلى انها ستحتل موقعا رائدا في
المستقبل خاصة بعد جفاف مصادر الطاقة النفطية وبالرغم مما اثير حولها اال انها ال تمثل اال جزءا ضئيال
من االستهالك العالمي فهي تمثل فقط ٪2.7من جملة استهالك الطاقة في بريطانيا ٪6في أوروبا ٪0.3
في الواليات المتحدة وبالرغم من ضآلة استهالك الطاقة الذرية اال انه اثيرت عليها الكثير من التحفظات
واصبحت موضوع جدل عنيف بين أنصار المحافظة على البيئة من جهة وانصار الطاقة الذرية من جهة
أخرى.
ينصب االعتراض على الطاقة الذرية في أنها ترسل اشعاعات ذرية ضارة تقضي على الحياة وتتسبب في
العديد من األمراض منها مرض السرطان تحتاج النفايات الذرية إلى محافظة بالغة الشدة تحت االرض ألنها
تبقى حية تحت االرض لمدة طويلة تتراوح ما بين 9سنوات إلى 25000سنة يتوقع ان يحدث التلوث البيئي
في أي مرحلة من مراحل انتاج أو تخزين الطاقة الذرية وقد يحدث ذلك نتيجة إلى عطب أو خلل في المقنا
عالت الذرية أو في خزانات حفظ النفايات الذرية أو نتيجة إلى هزة ارضية أو برکان .وخطورة االشعاع
الذرى تكمن في أنه يلوث الماء والهواء على حد سواء.
شكل رقم 8
رسم بياني يوضح االنتاج الصناعي بالنسبة للفرد واستعمال الموارد اجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد
101
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ان العالقة المفترضة للنموذج بين الموارد المستهلكة بالنسبة للفرد ،واالنتاج الصناعي بالنسبة للفرد تأخذ
شكل حرف Sوفي المجتمعات غير الصناعية يكون استهالك الموارد منخفضا جدا نظرا الن اغلب االنتاج
زراعي وكلما زاد التصنيع ارتفع استهالك الموارد غير المتجددة بشدة .ثم يصبح مستويا تقريبا عند معدل
مرتفع جدا من االستهالك وتشير نقطة Xفي الرسم إلى المتوسط العالمي لمعدل استهالك المورد عام 1970
،بينما تشير النقطة +في الرسم إلى متوسط معدل االستهالك في الواليات المتحدة من نفس العام .ويعطى
المقياسان األفقيان عالقة استهالك المورد من ناحية االنتاج الصناعي واجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد.
تمتد آثار االشعاع الذرى على رقعة واسعة ،تمتد إلى الطبقات العليا في الجو كما تمتد إلى قاع المحيطات
وتؤثر في االنسان والحيوان على حد سواء ،تنتقل آثارها من االنسان إلى الحيوان وإلى النبات وتبقى آثارها
مدة طويلة تنتقل من جيل إلى جيل.
التلوث الحراري
يؤدي التوسع في استخدام الطاقة والذي يتضاعف كل 18عاما إلى يسمى بالتلوث الحراري التلوث
الحراري يعني ارتفاع درجة الحرارة مع زيادة استخدام الطاقة يتسبب التلوث الحراري في ازدياد درجة
حرارة الماء ومن ثم ال يعود صالحا للحياة المائية كما يتسبب في ازدياد حرارة الغالف الجوي مما يؤدي إلى
قلب الميزان االيكولوجي في العالم .يؤدي ذلك لخلق ما يسمى بالجذر الحرارية في البقاع التي تستخدم
معدالت كبيرة من الطاقة تتحول هذه الجذر إلى مناطق موبوءة ال تصلح للحياة.
الخالصة
استعرضنا في هذا الفصل بعض المشاكل المعاصرة بتركيز خاص على المشكلة السكانية ومشكلة الفقر
ومشكلة الموارد غير القابلة للتجديد والتلوث بأنواعه المختلفة التلوث المائي والهوائي والذري ،فاثبتنا
مجموعة من االستنتاجات أولها أن النمو السكاني والنمو المناعي يتزايد بمعدالت تفوق حجم الموارد في
العالم فإذا استمرت معدالت االستنزاف الحالية فسوف نرتطم ال محالة بحدود النمو وحينها لن يكون أمامنا
وقتا طويال للتفكير .أثبتنا أيضا أن التوسع في االنتاج ادى إلى زيادة االستخدام التكنولوجي وانماط االستهالك
العالية في الدول الغربية كما ادى إلى زيادة استخدام الطاقة قاد ذلك إلى استنزاف جزء كبير من االحتياطي
العالمي خلق التوسع في انتاج الطاقة مجموعة من المشاكل أهمها التلوث المائي و الهوائي والحراري.
يناقش الفصل السابع االستراتيجية لمعالجة هذه المشاكل وخاصة مشكلة النمو ،ليس فقط في الدول النامية
وانما في الدول المتخلفة على حد سواء كما يعالج قضية الفقر وقضية تناقص الموارد وبقية المشاكل التي
ورد ذكرها في صلب هذا الفصل.
102
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
الفصل السابع
استراتيجية التنمية
مقدمة
استعرضنا في الفصول السابقة التنمية بمفهومها الشمولي ،التنمية االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،كما
استعرضنا التنمية بمفهومها الكالسيكي والحديث فتطرقنا إلى ايديولوجية التنمية الحماية التراكمية والتي تقول
ان التنمية عملية ال مقلوبة تسير في تسلسل متوالي ومتالزم من المرحلة التقليدية إلى مرحلة االستهالك وان
هناك دول مرجعية تقود الطريق ودول تابعة تسير على هدى الدول القيادية .تطرقنا ايضا للنظريات التي
تصدت أليديولوجية التنمية الخطية التراكمية مثل نظرية االعتماد والنظرية اإلمبريالية والتي عملت إلى
دحض افتراضات ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية كما تطرقنا للمفاهيم الجديدة في نظريات التنمية
والتحديث فناقشنا نظرية العالمة البرتو توهيرو رأموس الموسومة بالتحديث نحو نموذج احتمال
Modernization Towards a Possibility Modelودراسات محبوب الحق وافان اليتش وبيرجر
ودودلی سيرز ،خرجنا من هذه الدراسة بالعديد من االستنتاجات والتي تمثل منطلقا هام ا لوضع استراتيجية
للتنمية.
ناقشنا في الفصل السادس بعض الهموم التي تواجه البشرية .بعض هذه الهموم ناتج عن تخمة االستهالك
وبعضها ناتج عن الفقر .وسوء التغذية بعض هذه المشاكل يتعلق بالدول المتقدمة ،مثل مشكلة تناقص الموارد
غير القابلة للتجديد والتلوث بأنواعه المختلفة ،المائي والهوائي والذري والحراري وبعضها متعلق بالدول
النامية مثل مشكلة الفقر ومشكلة الطعام.
يتعرض هذا الفصل الستراتيجية التنمية االختالف طبيعة المشاكل التنموية في العالم كان ال بد من وضع
استراتيجيات موقفيه للتنمية أي استراتيجية تعالج المشاكل التي تنتج من تخمة االستهالك في الدول المتقدمة
واستراتيجية تعالج مشكلة الفقر والطعام في الدول النامية.
لماذا االستراتيجية الوقفية؟
الموقف هو الوضع ،أو المكان ،أو المقام والحالة ،أو الظرف االستراتيجية الموقفية ليست هي نظرية جديدة
فهي قديمة قدم االنسان .هي االستراتيجية التي تتكيف مع الموقف والموضع والمكان والمقام والحالة
والظرف وما شابه ذلك من المعطوفة 0المقصود بالتكيف هو التناسب والتالؤم .االستراتيجية الموقفية هي
التي تتناسب مع الظرف أو الحالة لكل مقام مقال ولكل حال مختلفة استراتيجية مختلفة تتالءم معها ويعني
ذلك انه ال يوجد أسلوب وحيد أمثل يتناسب مع جميع الحاالت والمواقف كما تقول المدارس الكالسيكية في
اإلدارة فكل موقف يحتاج إلى ادوات تحليلية مختلفة .يقول البروفسور بيور أن النظرية الموقفية
Contextual Theoryتصلح للتطبيق عبر الثقافات وتصليح كإطار لنقل التكنولوجيا والعون المدني وبناء
المؤسسات .فإذا من راعينا الظرف والموقف بأبعاده المختلقة ثقافية واجتماعية واقتصادية ومؤسسية فيمكن
تجنب المخاطر واالخطاء التي تصاحب تطبيق العون الفني أن أهم مزايا هذه االستراتيجية هو أنها تأخذ
العبرة من الموقف فال تحصر نفسها في قراءة التاريخ ألخذ العبرة منه ويقصد البروفسور بنور أن هذه
النظرية تقدم إذا بنيا جديدا في الفكر االداري التنموي تحل فيه النظرية الموقفية محل أيديولوجية التنمية
الخطية التراكمية والتي تقول ان هناك مجتمعات مرجعية تقود المسيرة يرجع اليها ويهتدى بهديها وتؤخذ
103
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
العبر من تاريخها وحاضرها ايضا ،وهي عقلية افعلها بطريقتنا يتطلب وضع استراتيجية التنمية -في اطار
هذه النظرية معالجة قضايا التنمية معالجة موقفيه ،اي دراسة كل قضية ومعالجتها في المحتوى الذي نشأت
فيه .فمشكلة تناقص الموارد غير القابلة للتجديد ومشكلة التلوث هما مشكلتا الدول الصناعية كما أن مشكلة
الفقر والطعام هما مشكلتا الدول النامية.
استراتيجية التنمية في الدول المتقدمة
تحديد النمو ونمو الصفر Zero Growth
أن مشكلة التنمية في الدول المتقدمة كما ورد في الفصل السادس ترجع اساسنا لتخمة االستهالك ودعي
التصنيع تنتج الدول الصناعية بمعدالت تفوق أو تزيد على حجم االحتياطي للموارد غير المتجددة سيرتطم
العالم ال محالة بحدود النمو إذا لم تؤخذ التدابير الالزمة الن لكل بداية نهاية .يقول بعض المفكرين أن الحل
أو المخرج من المأزق هو الحل التكنولوجي ،اي يمكن أن ننتج ونستهلك إلى ما ال نهاية وستظهر اختراعات
وتكنولوجيا جديدة لحل المشكلة المترتبة على النمو ،تكنولوجيا لحل مشكلة التلوث وتكنولوجيا إليجاد موارد
بديلة للموارد غير المتجددة وتكنولوجيا لحل أزمة التكنولوجيا.
لقد أثبتت تجربة العقد المنصرم السبعينات فشل االدعاءات التي تقول بأن .الحل التكنولوجي هو المخرج
قامت العديد من األبحاث على مدى عقد كأمل .من الزمان إليجاد بديل للطاقة العضوية النفطية فظهرت
بعض البدائل على الساحة مثل الطاقة الذرية والطاقة الشمسية .وصممت العديد من المساكن الستقبال
وتحويل الشعاع الشمسي إلى طاقة .كما قامت العديد من المفاعالت الذرية .وسط موجة عارمة من
االعتراضات والمواكب الهادرة إليجاد مصدر بديل للطاقة ولقد نجحت هذه المحاوالت كتمارين اكاديمية
لكنها فشلت كمصادر جديدة للطاقة وذلك الرتفاع التكلفة االقتصادية واالجتماعية ،فالطاقة الشمسية مكلفة.
اقتصاديا والطاقة الذرية مكلفة اجتماعينا لما تحدثه من كوارث صحية.
تبقى خيار واحد أمام البشرية بعد تجربة عقد كأمل من األبحاث الجادة في الالمعقول ،وهو تحديد النمو أو
نمو الصفر المقصود من تحديد النمو أو نمو الصفر ان تجمد معدالت النمو الصناعي في المستويات الحالية
ويوضع للنمو األسى في معدالت االنتاج واالستهالك ويعني ايضا تخفيض درجة النمو في بعض المرافق
التنموية التي وصل االنتاج فيها إلى معدالت تفوق قدرة تحمل الموارد.
تحديد النمو هو خيار قاسی Cruel Choice .يتطلب مراجعة مؤسسية ويتطلب إعادة التركيب االقتصادي
وتغيير عادات االستهالك وقدرا كبيرا من التقشف والتواضع ودرجة عالية من التحمل وضبط النفس فهو
يتطلب التحول من االستهالك البذخي لالستهالك .التقشفي ويتطلب نمطا جديدا من االستيطان أي التحول من
المدينة إلى الريف ومن المصنع إلى المزرعة ومن قلب المدينة إلى هامش المدينة ومن السيارة الخاصة
للصفوف الخلفية في الحافالت ومن التدفئة المركزية إلى المدفأة السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيتحقق
ذلك عن طواعية واختيار قبل أن نرتطم بحدود النمو أم سيفرض هذا الخيار فرضا بعد أن تقع الكارثة أي
بعد أن تنفذ مصادر الطاقة وال يبقى أمامنا اال ان نتوجه للخيار القاسي؟
104
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
استراتيجية التنمية في الدول النامية
ان تقسيم العالم إلى دول متقدمة ودول نامية هي تقسيم كما ذكرنا في الفصول السابقة .وفي الواقع فان هذا
التقسيم يثير الكثير من التساؤالت حول معيار التقسيم ،هل هو معيار اقتصادي متوسط دخل الفرد وتوفر
السيولة بالخبز وحده يعيش االنسان فقط حينما ال يكون هناك خبز رأينا أن نبدأ استراتيجية التنمية في الدول
الفقيرة بهذه المقولة المشهورة لنؤكد على اهمية مشكلة الغذاء في الدول الفقيرة لسبب واحد هو ان هذه
ا لمشكلة تمثل الخط الذي يفصل بين الحياة والموت ،فالخيار في الدول الفقيرة ليس هو بين السيارة الخاصة
والصفوف الخلقية في الحافلة أو بين التدفئة المركزية أو المدفأة أو التحول من المصنع للمزرعة أو من
المدينة للريف وانما الخيار هو بين الحياة والموت.
الخطوة األولى في استراتيجية التنمية في الدول النامية ينبغي أن تكون الهجوم المباشر على مشكلة الطعام
ينبغي أن توجه جهود التنمية نحو معالجة هذه المشكلة ويتطلب ذلك مجموعة من التغييرات الجوهرية في
الهياكل االقتصادية في الدولة .يعني ذلك وضع نظام جديد لألسبقيات يضع هذه المشكلة في موضع الصدارة،
ويتطلب ذلك بعض التغييرات المؤسسية بتركيز خاص على المؤسسات الزراعية والمؤسسات الخدمية كما
يتطلب ايضا تغيير نظام التمليك لألراضي وتوسيع الرقعة الزراعية واعادة توجيه االقتصاد من اقتصاد نقدي
تصدير إلى اقتصاد اكتفائه يوجه لسل الحاجات الغذائية األساسية.
التكنولوجيا المتوسطة Intermediate Technology
يتضح مما سبق أن مشكلة البطالة تعتبر من أكثر القضايا الحاحا في الدول النامية وان هناك عوامل عديدة
تتسبب في تفاقم هذه المشكلة واهمها عجز القطاعات االقتصادية عن استيعاب العمالة الزائدة ونوع
التكنولوجيا ال مستخدم العملية االنتاجية .فكما سبق ان أوضحنا عند استعراض تعريف دودلی سيرز للتنمية
التنمية تعني القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة ان كفاية حاجة االنسان األساسية الطعام والملبس
والمسكن ترتبط بمستوى دخله ويتوقف مستوي الدخل على الوظيفة وعلى مستوى العمالة وسوق العمل.
يتوقف سوق العمل ،بجانب القدرة االستيعابية للقطاعات االقتصادية المختلفة ،على نوع التكنولوجيا إذ ينبغي
أن تتوجه االستراتيجية نحو االعتماد على التكنولوجيا الوسيطة ذات الكثافة العمالية العالية ..وتساعد مثل هذه
التكنولوجيا على امتصاص عدد كبير من القوة العمالية يقول شوميکر عن هذه التكنولوجيا تمتاز هذه
التكنولوجيا بأنها ذات وجه انساني تختلف عن التكنولوجيا المتقدمة تكنولوجيا الحجم الكبير والسرعة
السيوبرسونية ،تكنولوجيا العنف والدمار في انها تكنولوجيا ال تلوث البيئة وال تؤدي إلى دمار الموارد غير
القابلة للتجديد به تكنولوجيا بالناس وللناس.
يتطلب استخدام التكنولوجيا المتوسطة ايضا بعض التغييرات في نظم األسبقيات وفي انماط االستهالك وفي
درجة التصنيع وفي التركيب االقتصادي .فينبغي أن تعطى األولوية للسلع االستهالكية التي تنتج محليا على
السلع المستوردة ويعني ذلك الحماية الجمركية لهذه السلع حتى تتمكن من منافسة السلع المستوردة.
ينبغي ايضا ان ترتبط استراتيجية نقل واستخدام التكنولوجيا الوسيطة بخطة تنموية متوازنة تشمل مختلف
القطاعات واألقاليم حتى ال تؤدى إلى تنمية مقلوبة ومعكوسة ويعني ذلك مركزية التنمية بمشتقاتها الصناعية
والزراعية والقطاعية...الخ.
105
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
سياسة شد األحزمة على البطون أو االعتماد الذاتي
تحتاج الدول الفقيرة إلى رؤوس أموال لتنشيط حركة االقتصاد .فتواجه الدول النامية نوعين من الخيارات
الخيار األول هو القروض والخيار الثاني هو االعتماد الذاتي القروض هي خيارات سهلة ممتنعة .والقول إن
القروض هي الخيارات السهلة يعني ان طلبها وان كان ينطوي على تكلفة سياسية واجتماعية وفي مراحل
متأخرة تكلفة اقتصادية كبيرة اال انه ال يتطلب إجراءات معقدة.
القروض تمنح للدول الفقيرة بشروط -شروط سياسية أوال واقتصادية ثانيا كما وتمنح في كثير من االحيان
الدول في المناطق الساخنة أو ما يسمى في مصطلح العون األجنبي hot areasوالدافع في الغالب سياسي
يقصد به أما ربط الدول المعنية بأحالف سياسية تنتهي بتحويلها إلى ساتاليت تدور في فلك الدولة التي تمنح
القروض أو يقصد به تحييد الدولة المعنية في الصراع الدولي وفي الحالتين يعتبر القرض رشوة سياسية.
تأتي القروض بشروط اقتصادية قاسية .ويشترط على الدولة الفقيرة ان تصرف هذه القروض في بنود محددة
تحت اشراف ومراقبة ضباط العون االجنبي يطلق عليهم تحلف ا مستشارين وقد ال تنسجم هذه البنود في
كثير من األحيان مع سلم األسبقيات في الدول الفقيرة فهي ترتبط أما بإنتاج سلعة أو محصول أو بإنتاج مواد
خام لتلبية حاجة المصانع في الدول المانحة .تمنح هذه القروض بنسية فوائد عالية تربو عن النسبة المعمول
بها في سوق القروض .كما يطلب من الدول الفقيرة في كثير من األحيان أن تستورد التكنولوجيا من الدول
المانحة أي يربط القرض بتكنولوجيا معينة وفي الغالب الكولون ،بانها المتقدمة تنجم العديد من المشاكل
نتيجة لهذه الشروط .فالتكنولوجيا التي تأتي من الدولة المانحة .في اغلب االحيان ال تتناسب مع الظروف
البيئية وظروف العمالة في الدول الفقيرة ،حيث تتحول هذه التكنولوجيا بعد استيرادها إلى عبء اقتصادي
واجتماعي وسياسي تحتاج التكنولوجيا إلى قطع غيار ويؤدي ذلك إلى ربط الدول الفقيرة أكثر فأكثر بالدول
المانحة وال تملك الدول الفقيرة اال أن تستورد قطع الغيار من الدولة المانحة للقرض حتى بعد سداد القرض
ألنها الدولة الوحيدة التي تصنع قطع الغيار .تظل الدولة الفقيرة في رحمة الدولة المانحة فتفقد بذلك استقاللها
تحتاج التكنولوجيا إلى تدريب على استخدام ها والدولة الوحيدة التي تملك القدرة على التدريب على هذا
النوع من التكنولوجيا هي الدولة المانحة يؤدي ذلك للمزيد من االعتماد dependencyوتفقد بذلك الدولة
الفقيرة المزيد من استقاللها إذا كان الحال كذلك فما هو الحل؟
الحل هو االختيار القاسي على الدولة أن تشد األحزمة على البطون أي عليها أن تعتمد على نفسها في خلق
وفورات يمكن اعادة استثمارها لتحقيق ما أطلق عليه روستو مرحلة االقالع ويعني ذلك المزيد من التقشف
ويعتمد هذا الحل على قوة اإلرادة ألنه ينطوي على مجموعة من التضحيات لقد سلكت الصين هذ الطريق
فقطعت فيه شوطا كبيرا ،فاستطاعت أن تحل مشكلة الطعام لما يربو على نصف المليون نسمة .قد يتطلب
هذا الحل الكثير من التغييرات المؤسسية مثل االنغالق االقتصادي ،ووقف االستيراد أو وضع قيود شديدة
عليه واالعتماد على نوع معين من التكنولوجيا والتركيز على سلع معينة السلع االستهالكية.
قامت تجربة مماثلة في تطبيق استراتيجية االكتفاء الذاتي في تنزانيا وبالرغم مما اشيع عن نجاح هذه التجربة
اال انه قد صاحبها العديد من المشاكل مما أدى الى عجزها عن تحقيق الطموحات اإلنمائية المرجوة هذا ما
يشهد به واقع تنزانيا اليوم والسؤال الذي يدور في االذهان هوا لماذا نجحت هذه التجربة في الصين ولم
تتحقق تقدما ملحوظا في تنزانيا؟ اإلجابة على هذا السؤال هي موضوع بحث جديد ال تتسع لها هذه
الصفحات.
106
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
استراتيجية التنمية في الدول النامية الغنية
تختص الدول النامية الغنية بمميزات عن الدول النامية الفقيرة وسوف نوجز هذه المميزات في سبع نقاط على
النحو التالي
-1ضخامة حجم العائدات من المبيعات والعمليات التجارية
تمتاز هذه الدول بضخامة مبيعاتها ثراء هذه الدول يرجع إلى تخصصها في انتاج مواد خام ذات طلب عال
في سوق الدول الصناعية .فهي أما أن تكون نقطة في الغالب أو تخصص في انتاج محاصيل نقدية أو
تتخصص في تقديم خدمات للدول الغنية.
-2مشكلة استيعاب الوفورات في العملية التنموية
تعاني هذه الدول من مشكلة ضعف المؤسسات االقتصادية واالجتماعية وعدم قدرتها على امتصاص
الوفورات واعادة استثمارها ،لذلك يذهب جزء كبير من وفورتاها للدول الصناعية مرة ثانية في شكل
استثمارات .وتعاني هذه الدول نتيجة لضعف القدرة االستيعابية لمؤسساتها االقتصادية مشكلة التكدس .النقدي
ويقود ذلك للتضخم إذا لم تصحب ذلك سياسة مرنة لالستيراد واعادة تصدير السلع المستوردة.
-3مشكلة األيدي العامة
يعتبر عدم توفر األيدي العاملة من المشاكل الرئيسية التي تواجه هذه الدول والسبب المباشر لهذه المشكلة هو
وجود خطط تنموية طموحة هور مجموعة كبيرة من المشاريع التنفيذ هذه الخطط .ويتطلب تنفيذ هذه
المشاريع توفير األيدي العاملة الضرورية بيد أن الدول النامية الفقيرة بحكم حداثة نشأتها ال تمتلك الكوادر
الوطنية المؤهلة لملء الوظائف المطلوبة.
-4مشكلة تعدد الجنسيات
ان ارتفاع الطلب على األيدي العاملة يستوجب استقدام الكفاءات من مختلف الدول المتقدمة والنامية على حد
سواء تؤدي مشكلة تعدد الجنسيات إلى مجموعة من المشاكل االجتماعية أن تحاول كل جنسية أن تثبت
وجودها بالطرق المشروعة وغير المشروعة فتظهر مشكلة صراع الجنسيات ومشكلة التحيز لجنسيات دون
أخرى .كما وتسعى كل جنسية إلى أن تضع بصماتها الخاصة على اسلوب العمل وعلى السلوك التنظيمي
واالداري وعلى اجراءات التعيين واالعارة فتنشا تنظيمات في العلن والخفاء .تستخدم هذه التنظيمات أسلوب
االستمالة حينا والعنف أحيانا التأكيد ذاتيتها وتحقيق اهدافها كذلك تنقل الجنسيات خصنا نصها االجتماعية
للدولة التي تفد إليها .تفقد الدولة نتيجة إلى تعدد الجنسيات هويتها وذاتيتها بعد امتصاص الخصائص
االجتماعية للجماعات أو الجنسيات الوافدة .خاصة إذا كانت الجنسيات الوافدة تسيطر على اجهزة اإلعالم
والثقافة والتعليم وفي النهاية تبتلع الجنسيات الوافدة الثقافة المحلية وتجهز على الشخصية المحلية.
- 5مشكلة الصراع الدولي حول الموارد النادرة
تمتاز الدول النامية الغنية بانها تملك مفتاح الموارد النادرة حيث انها تجلس على كنوز من الموارد يسيل لها
لغاب الدول الصناعية .وبما أن هذه الموارد تعتبر ضرورية لتشغيل مصانع هذه الدول فان الدول الصناعية
تعمل على استمالة الدول النامية الغنية بمختلف الوسائل وتربطها بمعاهدات تجارية وأحالف عسكرية
لضمان تدفق هذه الموارد وتتنافس الدول الصناعية ،رأسمالية كانت أو اشتراكية ،على هذه الدول ومن ثم
107
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
تتحول إلى منطقة صراع بين الدول الصناعية خاصة إذا كانت الدول النامية الغنية تمتلك مفاتيح بعض
الموارد االستراتيجية وهنا يتطور الصراع بين القوتين العظميين بصورة يهدد أمن الدول النامية الغنية.
وتجعلها عرضة للغزو الخارجي.
-6مشكلة االعتماد على مصدر واحد للدخل
تشترك ،معظم الدول النامية الغنية في هذه الخاصية .تعتمد هذه الدول على مصدر واحد للدخل .تترتب على
ذلك مجموعة من اآلثار االقتصادية ان اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل بضعها تحت رحمة االسواق
خاصة عند تقلبات األسعار وعند انخفاض الطلب أو ظهور سلع بديلة .أو زيادة العرض من اآلثار الضارة
ايضا تطور قطاع اقتصادي معين على حساب بقية القطاعات مما يؤدي إلى تنمية غير متوازنة أو تنمية
معكوسة.
- 7آلية السوق كمظهر من مظاهر الالمساواة
تعتبر آلية السوق أحد المشاكل الهامة أمام تطور الدول النامية الغنية ان آلية السوق الدولية ،كما يقول
محبوب الحق لم تعمل بشكل متكافئ بالنسبة لجميع الدول وإنما تعمل لصالح الدول الصناعية ،فتتحكم الدول
الصناعية في السوق إذ أنها تحدد حجم العرض والطلب فهي التي تحتكر التكنولوجيا وتتحكم في درجة
االستثمار ونسبة الفوائد في حجم التضخم تستثمر الدول الصناعية المشاكل االقتصادية في الدول النامية
الغنية أو في الواقع تختلق هذه األزمات لتجني من ورائها .فهي تستثمر مشكلة ضخامة العائد من مبيعات
الدول ال نامية وعجز المؤسسات االقتصادية في هذه الدول عن امتصاص الفائض النقدي وتستقطب هذه
األموال في بنوكها ومؤسساتها بفوائد ال تتناسب مع حجم ونسبة التضخم االقتصادي ،اذ تفقد الدول العربية
المصدرة للبترول قرابة 20مليار دوالر سنويا نتيجة للتآكل النقدي الناجم عن زيادة نسبة التضخم على نسبة
الفوائد.
االستفادة من قانون التقدم المتأخر
تمتاز الدول الغنية عن الدول النامية الفقيرة بإمكانياتها االقتصادية الضخمة وفوائدها النقدية وارتفاع دخل
الفرد والناتج القومي ومعدل االدخار وتوفر السيولة النقدية فيها .وتتوفر لدى هذه الدول أمكانيات ضخمة
للنمو كما وان معظم الشروط التي وضعها روستو لمرحلة االقالع تتوفر في هذه الدول 0تعكس هذه الدول
جميع المعادالت التنموية .فهي لم تبدأ التنمية بداية عادية وال ينبغي لها أن تفعل ذلك حيث ان أمكانيات هذه
الدول تمكنها من االستفادة من قانون التقدم المتأخر اي ان تختصر الخطوات وتقفز فوق المراحل وتبدأ من
حيث انتهت الدول الغربية .على الدول النامية الفنية أن تستخدم قانون التقدم المتأخر استخدام ابداعيا في
جهودها التنموية .ويعني ذلك أن عليها أن تقتبس من علم المتقدمين ومن خبراتهم وتجاربهم اقتباس ا ابداعيا
واعيا ونقصد باالقتباس الواعي أن تأخذ الدول الغنية النامية من النماذج الغربية ما يقيدها في هذه المرحلة
وان يكون اقتباسها انتقائيا ( )Selectiveفال تأخذ من الدول الغربية اال ما يتناسب مع قيمها وعاداتها ،
واالقتباس هنا ال يعني النقل أو التقليد ،فالتقليد ينطوي على مجموعة من المخاطر ،فالدولة التي تقلد تفقد
هويتها وتذوب في كبان الدولة المرجعية التي تقلدها.
ينبغي أن يكون االقتباس فقط خطوة مرحلية تنتهي حينما تضع الدولة النامية الغنية نفسها في طريق النمو اي
بعد ان تكون قد تجاوزت مرحلة االقالع .كما ينبغي أن تشق الدول النامية الغنية طريقها بنفسها .وتكتشف
108
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
احتماالت نموها بنفسها وال يتعين عليها أن تسير في نفس الطريق الذي سلكته الدول الغربية وانما يمكن أن
تنمو نموا مختلفا وعلى الشراة النامية أن تكتشف نفسها ،أن تتعرف على خصائصها ومقوماتها ،وائدها في
ذلك أن تكون ما تود هي ان تكون ال كما تريدها الدول الصناعية أن تكون.
ينبغي أن تنتهي مرحلة االقتباس لتبدأ مرحلة االبتكار واإلبداع واالبتكار هنا يشمل االبداع في مجال
التكنولوجيا وفي مجال التنظيم وفي التخطيط ويتضمن ذلك حدا أدنى من االستقالل ونقصد باالستقالل أن
يكون للدولة النامية الحرية في ان تفكر بطريقة مختلفة ،أن تصنع أو تخطط أو تنظم بطريقة مختلفة هذا
ويعتبر االستقالل شرطا أساسيا للنمو الواعي.
التكامل االنمائي والتكتالت اإلقليمية
تعتمد الدول الغنية على التجارة الخارجية كمصدر رئيسي للثروة ثراء هذه الدولة يرجع إلى حجم انتاجها.
وقوة الطلب على هذا االنتاج وعلى مقدرتها على المساومة في وضع أسعار عادلة ومجزية .ومن ثم كان
لزأما على الدول النامية المغنية أن تتخذ التدابير الالزمة للوصول ألسواق الدول الصناعية المتطورة ،ليس
هذا فحسب وانما عليها أن تنمي قدراتها التفاوضية لتصل إلى السعر المناسب عن طريق التعاوني فيما بينها
تعتمد قدرة الدول الغنية على المساومة وعلى قدرتها على التعاون والتنسيق أي تعتمد على قدرتها في أن
تعمل كمجموعة وليس كأفراد ويعني ذلك ان تعمل كمنظمة لها استراتيجيات وخطط مدروسة وقواعد تحكم
سلوكها تجاه بعضها البعض وتجاه السوق والدول المستهلكة لمنتجاتها.
الدول النامية الغنية تملك االستعداد والقدرة على ان تنظلم نفسها والشاهد على ذلك اتحاد الدول المنتجة
والمصدرة للبترول واألوبيك اذ دلت تجربة األوبيك على أن الدول النامية إذا تضمنت نفسها في اتحاد
منتجين أو مصدرين تستطيع أن تعدل الية السوق العالمي لصالحها وتنتزع السعر المناسب المنتجات
والشروط المناسبة لتداول هذه المنتجات ولقد أوضحت هذه التجربة ان الدول النامية هي ايضا تملك القدرة
على استثمار الكوارث واألزمات الفرض ارادتها ومشيئتها على الدول الصناعية خاصة إذا كانت الدول
الصناعية عازفة عن التكيف على مطالبها.
توجد صيغ مختلفة للتعاون بين الدول النامية الغنية .فيمكن أن تتحد هذه الدول في اتحاد مصدرين ويمكن
اعتبار تجربة الدول المنتجة والمصدرة للبترول رائدا في هذا المجال .كما يمكن أن تتحد في ما يسمى
بالتكتالت االقليمية مثل كتلة االنديز Andean Pactفي أمريكا الالتينية والتي تشمل االنديز مجموعة من
الدول في اتحاد اقليمي جمرکی موحد يهدف إلى ايجاد سوق مشتركة لمنتجات الدول األعضاء ولقد
استطاعت هذه الدول أن تلغي التعريفة الجمركية فيما بينها وتضمن بذلك تدفق السلع والخبرات وراس المال
عبر الحدود دون حواجز كما هو الحال في السوق األوربية المشتركة مع االختالف في الدرجة .قامت
محاولة اخرى للتكتالت االقليمية بين دول شرق افريقيا وكان رائدها في ذلك ايجاد سوق لمنتجات زراعية
والصناعية.
فشلت هذه التجارب ألنها لم تبدأ بداية صحيحة .هذا ولم تصحب هذه التجارب بتنظيم مخطط مدروس كما
انها تفقد المسند الجماهيري انشار فؤاد مطر في كتابه الحزب الشيوعي السوداني نحروه أم انتصر إلى فشل
تجربة االتحاد بين مصر وسوريا على لسان جمال عبد الناصر في خطاب القاه في استديو الخرطوم في
28/5/1970بمناسبة الوحدة المقترحة بين مصر وليبيا والسودان .يقول جمال عبد الناصر يجب قبل اتخاذ
اي اجراء عرض أي خطوة تنفذها على الجماهير في منظماتها السياسية ،هذا هو الدرس الذي تعلمناه من
109
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
انشطار تجربة الوحدة التقدمية مع سوريا في عام 1958يجب أن تكون الجماهير على علم تام بكل خطوة
تتخذها.
ان فشل هذه التجارب ال يقف دليال على ال معقوليتها حيث ان فشلها كان فشال منطقيا .اذ كان ال بد أن تفشل
ألنها لم تبدأ بداية صحيحة ولم تبدأ حقيقة فينبغي أن يقوم التكامل االقليمي على أسس قوية وواضحة
وصحيحة كما وينبغي أن تتوفر بعض الشروط لكي يبدأ التكامل االقليمي بداية صحيحة .واهم هذه الشروط
هي المساواة والعدالة بين الدول التي تدخل في االتحاد -يتصدع التكامل في كثير من األحيان لمحاولة بعض
الدول االعضاء ا بتالع بقية الدول أو ترجيح مصلحتها الخاصة على مصلحة المجموعة أو استثمار الجو
المالئم لتقوية مركزها في الساحة الدولية أو لخلق مقدرة على المساومة والمفاوضة.
يتحقق التكامل االقتصادي إذا توفرت االسباب .أن أكثر دول العالم النامي قابلية للتكامل هي الدول العربية،
ألنها ترتبط بدين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد ومصير مشترك فيمكن أن يكون التكامل العربي نواة ورائد
للتكامل بين دول العالم الثالث تمام ا كما هو الحاصل اآلن بالنسبة التحاد دول األوبيك والسؤال الذي يطرح
نفسه هو كيف يتحقق التكامل االنمائي العربي؟
الشرط األساسي ا لذي ينبغي أن يتوفر في اي اتحاد هو وجود حد أدنى من االتفاق حول المسائل الجوهرية
نظرة االنسان إلى الكون وسبب وجوده في العالم وكيف يتعامل مع األشياء ،كيف يتفاعل مع األحداث ،كيف
يستجيب للمؤثرات ،كيف يفكر وكيف يحس؟ وتمثل هذه المتغيرات ارضية مشتركة الملتفاهم وقاعدة للعمل
الجماعي وعقلية التكامل اإلنمائي يتضافر واللغة والتاريخ والمصير المشترك على افراز هذه المتغيرات وفي
الواقع فان هذه المتغيرات ما هي إال انعكاسات الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك ان أغلى ما يملك
العرب ليس هو نفطهم وانما هو دينهم ولغتهم وتاريخهم اإلسالمي ومصيرهم العربي االسالمي المشترك
وقوة العرب ليس في نفطهم وانما في اسالمي ومصيرهم العربي االسالمي المشترك.
قوة العرب تكمن في مقدرتهم على استخدام تفوقهم االجتماعي وقوتهم االقتصادية أو إذا جاز لي أن استخدم
مصطلح حسن صعب فيمكن أن نقول ان قوة العرب تكمن في مقدرتهم على استثمار قادوميتهم النفطية
واالجتماعية القادومية في العامية اللبنانية تعني الطريق المختصر فالفجوة بين العرب وتحقيق طموحاتهم
ليست كبيرة .بل هي اقل مما يتخيل المحللون السياسيون أو ما يتخيل العرب أنفسهم الهوة بين العرب وتحقيق
طموحاتهم هي هرة ارادية متى ما تحققت االرادة قربت أو زالت الشقة.
استراتيجية التكامل االنمائي العربي وال اقول التكامل االقتصادي تبدأ باإلرادة العربية قبل النفط العربي
وحينما تتحقق االرادة تأتي بقية المتغيرات تباع ا هناك شروط ينبغي أن تتوفر حتى تتحقق االرادة العربية.
هذه الشروط تتمثل في معالجة اخطار االصدار اإلنمائي الخص الدكتور محمد بای ذنب هذه االخطار في
خمس نقاط على النحو التالي
أوال خطر االهدار الزمني
فالرأسمال البترولى ثروة عارضة وسريعة االستنفان وما لم يتحقق تطويرها بأسرع ما يمكن كثروة انمائية
انتاجية دائمة فإنها مارت بنا مرور السحاب.
110
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ثانيا خطر االهدار التبعي
ان الرأسمال البترولي ينهال علينا ونحن لم نحقق بعد استقاللنا الذاتي وهو يربطنا بالضرورة بالذين يشترون
البترول ويستهلكونه ،وقد حققنا بالحظر البترولي ورفع اسعاره ثورة منتجي البترول على مستهلكيه وهي في
نفس الوق ت ثورة مستهلكي االنماء على منتجيه ويقود ذلك للثورة األهم أي ثورة المثمرين على األوصياء أو
الوسطاء أو ثورة التثمير اإلنتاجي للرأسمال البترولي داخل الوطن العربي على تثميره االستهالكي لدى
مستهلكيه.
ثالثا خطر االهدار التقليدي
ان الرأسمال البترول .لنا فرصة نادرة لتحقيق نموذج انمائي عربي مستقبلي جديد يختلف عن كل ما عرفنا
حتى اآلن من نماذج انمائية حاضرية وماضوية ،فعلينا أن نستفيد من هذه الفرصة ال أن نتيه في تقليد النماذج
اإلنمائية التي تجاوزها التطور الحضاري.
رابعا خطر االهدار التجزيئي
اننا نتحدث والعالم كله يتحدث معنا عن رأسمالنا البترولي على انه رأسمال عربي ولكننا دول عربية بترولية
ودول غير بترولية .وبحكم كوننا اثنين وعشرين دولة سيدة ومستقلة تجاه بعضها البعض ،وان اشتركت في
جامعة واحدة أو في منظمة واحدة أو حتى في حرب واحدة فان تصرفنا المنفرد يتناقض مع حديثنا المشترك.
اننا نتصرف على اعتبار أن هذا الرأسمال هو رأسمال الدولة العربية التي تملكه ،ال على اعتباره انه رأسمال
الشعب العربي أو الوطن العربي ككل .ولذلك تتصرف كل دولة برأسمالها البترولي وفقا لمسياستها أو
لخطتها هي .وليست هنالك بعد .سياسة واحدة أون خطة واحدة لتثمير هذا الرأسمال تثميرا عربيا متكامال
وتحقيق مردوده االنتاجي األعلى.
خامسا خطر اإلهدار التفاوتي
أن بعض الدول العربية متخم بالرأسمال البترولي وبعضها محروم منه بعض الدول العربية تسلف الدول
الصناعية الكبرى من رأسمالها البترولي وبعضها يستلف من هذه الدول ويرزح تحت أعباء ديونه الخارجية.
ويتراوح التفاوت في متوسط دخل الفرد بين الدول المتخمة والدول المحرومة بل وبين مواطن وآخر داخل
الدولة المتخمة ،ما بين الخمسين والخمسة عشر ألف دوالر ،أن هذا التفاوت هو الصورة العربية المصغرة
للتفاوت اإلهداري األكبر بين متخلفي العالم وم تقدمية أو بين محروميه ومنعميه .ونحن نريد المعربا رو ادا
لتحرير االنسان واالنسانية من هذا التفاوت ال ابطاال لتدويمه في وطنهم وبين أبناء أمتهم.
إن النجاح في تفادي المخاطر االهدارية العامة والخاصة للرأسمال البترولي العربي هو الوجه السلبي لعملية
تثمير هذا .الر أسمال في التطور االنمائي العربي ،ولكن الوجه االيجابي واالبداعي للعملية هي في اعطاء
األولوية للتثمير في االنماء اإلنساني أتي في التعبئة االنتاجية الشاملة للموارد اإلنسانية ،اي في تصدير
الثورة البترولية الرأسمالية ثروة انسانية ،أي في تثيرها حركة وسياسية وخطة لتطوير االنسان العربي من
وضعه التخلفي لما قبل انساني إلى وضع أنمائي أو حفاری انساني ،واالنسان العربي المتطور والرائد
للتطور االنمي والحضاري اإلنساني المستقبلي هو ضالتنا وغايتنا المنشودة وأننا البالغون هذه الغاية عاجال
أو آجال ما دمنا مصممين تصميما قاطعا على ذلك وما دمنا نسلك السبيل األقوام لغايته انتهى دكتور حسن
الصعب.
111
كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼
ليس المقصود من العرض السالف الذكر وضع استراتيجية متكاملة االنتماء العربي وانما قصدنا مجرد
االشارة إلى مجموعة من االحتماالت والطموحات التي يمكن أن تتحقق إذا ما توفرت اإلرادة في الدول
النامية.
الخالصة
ناقشنا في هذا الفصل استراتيجية التنمية وأوضحنا ضرورة االخذ باالستراتيجية الموقعة بدال عن استراتيجية
التنمية الخطية التراكمية ذات المني الجبري والتي تفترض أن التنمية تسير في خط متتالي ومتسلسل تمام ا
كما يحدث في مراحل تطور االنسان وفي اطار هذه النظرية طرحنا استراتيجية التنمية للدول الصناعية و
الدول النامية وقسمنا الدول النامية إلى دول تناميه فقيرة ودول نامية غنية و أوضحنا خصائص كل مجموعة
على حدة ،وعلى ضوء هذه الخصائص وضعنا استراتيجية انمائية للدول الصناعية المتقدمة ،وهي
استراتيجية وقف النمو أو نمو الصقر كما وضعنا استراتيجية للدول النامية الفقيرة تؤكد على ضرورة توفير
الحاجي ات االساسية واهمها الطعام لطرد شبح المجاعات واستخدام التكنولوجيا المتوسطة لحل مشكلة العمالة
وتبني سياسية شد األحزمة على الجلون أو االعتماد الذاتي لخلق الوفورات الالزمة لدفع عملية التنمية أما
استراتيجية التنمية في الدول النامية الغنية فتشمل االستفادة من قانون التقدم المتأخر وتعني استخدام الوفورات
النقدية الضخمة الختصار مراحل التنمية كما تشمل التكامل االنمائي والتكتالت االقليمية لزيادة القوى .
التفاوضية لهذه الدول تجاه الدول الصناعية.
112