You are on page 1of 112

‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫إدارة التنمية‬
‫منظور جديد لمفهوم التحديث‬
‫د‪ .‬فضل هللا على فضل هللا‬

‫دكتوراه وماجستير في اإلدارة العامة‬


‫جامعة جنوب كاليفورنيا‬
‫دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية‬
‫جامعة كليرمونت – الواليات المتحدة األمريكية‬

‫عضو الهيئة التدريسية‬


‫كلية العلوم اإلدارية والسياسية‬
‫جامعة األمارات العربية المتحدة‬

‫اإلمارات ‪ 1981‬م‬
‫حقوق الطبع والنشر والتأليف محفوظة للمؤلف‬
‫صوت الخليج ‪-‬الشارقة‬

‫‪1‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫إهداء‬
‫إلى الذين يجوعون في كبرياء‬
‫والذين يعطون في تواضع‬
‫إلى كل فقير عف وغنى أوفى‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫"ما نحن في حاجة إليه في الدول النامية هو تكنولوجيا‬


‫وسيطة ‪ .....‬ذات وجه إنساني ‪ ....‬نظيفة ال تلوث البيئة‪..‬‬
‫بناءة ال تدمر الموارد غير القابلة للتجديد ‪ ...‬تكنولوجيا‬
‫بالناس وللناس لتحل محل تكنولوجيا الحجم والسرعة‬
‫السوبرسونية ‪...‬تكنولوجيا العنف والدمار"‬
‫شوميكر – الصغير جميل‬

‫‪3‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫مقدمة‬

‫قبل بضعة سنين كنت اجلس لمساق إدارة التنمية مع العالمة المبرت وهيرو رأموس بجامعة جنوب‬
‫كاليفورنيا كان محور السمنار يدور حول أيجاد إطار نظري وعملي لمعالجة قضايا الندرة في عالم محدود‬
‫الموارد‪ ..‬سألني يوم ا كيف تواجهون مشكلة الندرة في الشرق األوسط؟ فأجبته قائال نأتي للكبرى أوال ثم‬
‫للهيدونية ‪1‬‬ ‫نعيره ثانيا ولسان حالي يقول لماذا نفكر في مشاكل ال توجد؟ رد البروفسور غاضبا هذا مثال حي‬
‫انفقت الساعات الطوال وأنا أتأمل هذه العبارة أقرأها حرفا حرفا أعيد ترجمتها ألقرأ ما قاله البروفسور وما‬
‫لم يقله‪ ،‬أثارت في نفسي الكثير من التساؤالت هل صحيح أننا نعيش في عالم محدود الموارد؟ وهل ستواجه‬
‫بمشكلة نفاذ الموارد غير المتجددة ؟ ومتى ؟ أليس في مقدور اإلنسان أن يجد موارد بديلة أو يتفنن في‬
‫استخدام الموارد الحالية؟ » !! وقهر الطبيعة « الذي وصل القمر ثم لماذا يتعين علينا أن نفكر في مشكلة لم‬
‫تبدأ؟ لماذا كل هذا اللغط عن المستقبلية والفيوتشورولوجية؟ هل حقا نحن هيدونيون نعيش متعة لحظتنا‬
‫ونتجنب ألم التفكير في مستقبلنا المظلم الذي يبدأ عندما نرتطم بحدود النمو أي بعد نفاذ الموارد غير‬
‫المتجددة؟‬
‫تثير هذه التساؤالت مجموعة من الخواطر عن التنمية وإدارة التنمية تبدأ بسؤال هام عن ماهية التنمية ‪ -‬هل‬
‫تقبل التعريف االقتصادي للتنمية أم أن هناك بعدا اجتماعيا وبعدا سياسيا وحضاريا للتنمية؟ ثم أين يقودنا‬
‫االقتصاديون بتركيزهم على المؤشرات االقتصادية ؟ إذا كان التعريف أو المنهج االقتصادي يعطينا جانبا‬
‫واحدا من الصورة ألسنا بحاجة إلى منظور شمولي للتنمية؟ ما هو هذا المنظور؟ ثم هل تتحقق التنمية‬
‫بالمنظور الجديد تلقائيا أم يتعين إيجاد وخلق أيديولوجية للتنمية توجه مسارها وتحدد أبعادها؟ ما هي هذه‬
‫األيديولوجية؟‬
‫ثم ماهي المشاكل التي تترتب على العملية اإلنمائية وما هي استراتيجية عالجها؟ الكتاب الذي بين أيدينا هو‬
‫محاولة لإلجابة على هذه التساؤالت يقع الكتاب في سبعة فصول يبدأ الفصل األول بتعريف التنمية بمشتقاتها‬
‫وتصنيفاتها المختلفة ‪ -‬التنمية االقتصادية والتنمية االجتماعية والتنمية السياسية ‪ -‬ومن ثم يعالج التنمية من‬
‫منظور شمولي " يتناول الفصل الثاني معالجة األخطاء الشائعة في تعريف إدارة التنمية والتنمية اإلدارية‬
‫بتحليل المنطلقات الفكرية التي يدور حولها هذان المصطلحان بغية ازالة اللبس الشائع في األدب اإلداري‬
‫المقارن‪.‬‬

‫‪ 1‬الهيدونية كما يعرفها قاموس نيو وبستر هي مذهب يؤمن بأن واجب االنسان األول هو البحث عن المتعة وتجنب األلم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫يستعرض الفصل الثالث العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة ما هي االراضي المشتركة‬
‫بين الحقلين ومتى تم االنفصام بينهما وهل العالقة بينهما عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟‬
‫يناقش الفصل الرابع ايديولوجية التنمية فيستعرض النظريات والنماذج المختلفة للتنمية بتركيز خاص على‬
‫نظريات التنمية الخطية التراكمية أو ما يسمى بالنظريات الجبرية مثل نظرية روستو المراحل النمو‬
‫االقتصادي ونظرية االنتشار ونظرية اللحاق ونموذج المركز والهوامش والروابط األمامية والخلفية والدائرة‬
‫السببية والدائرة الفرقة للفقر ونظرية الدفعة الكبيرة كما يتطرق الفصل النظريات التي جاءت لدحض‬
‫ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية مثل نظرية االعتماد‪.‬‬

‫يناقش الفصل الخامس المنظور الجديد لمفهوم التحديث ويركز على النظريات الموقفة والتي تعتبر بديال‬
‫أليديولوجية التنمية الخطية التراكمية أو ما يسمى بالنظريات الجبرية فيستعرض نظرية البروفسور البرتو‬
‫توهيرو رأموس التحديث نحو نموذج احتمالي ‪ ،‬كما يستعرض المفاهيم الجديدة للتحديث فيستعرض آراء‬
‫محبوب الحق وافان اليتش ودور المؤسسات في الدول النامية في عملية االنماء والتحديث بتركيز على دور‬
‫المؤسسات التعليمية يناقش الفصل السادس القضايا المعاصرة في إدارة التنمية وعلى رأسها قضية الفقر‬
‫واالنفجار السكاني وقضايا الغذاء وتناقص الموارد غير القابلة للتجديد والتلوث البيئي بمشتقاته ‪ -‬التلوث‬
‫المائي و الهوائي والحراري والذري – تختتم الدراسية في الفصل السابع بوضع استراتيجية للتنمية وتشمل‬
‫استراتيجية التنمية في الدول المتقدمة واستراتيجية للتنمية في الدول النامية الفقيرة واستراتيجية ثالثة للتنمية‬
‫في الدول النامية الغنية‪.‬‬
‫****‬

‫‪5‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫محتويات الكتاب‬

‫مقدمة الكتاب‪.‬‬

‫الفصل األول التنمية المنظور الشمولي ‪.130‬‬

‫الفصل الثاني إدارة التنمية والتنمية اإلدارية قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟ ‪.25‬‬

‫الفصل الثالث إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟ ‪.40‬‬

‫الفصل الرابع ايديولوجية التنمية التنمية الخطة التراكمية والمنهج الجبري ‪.83‬‬

‫الفصل الخامس ايديولوجية التنمية المنظور الجديد لمفهوم التحديث ‪.109‬‬

‫الفصل السادس إدارة التنمية والمشاكل المعاصرة ‪.131‬‬

‫الفصل السابع استراتيجية التنمية ‪.151‬‬

‫‪6‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصل األول‬
‫التنمية المنظور الشمولي‬
‫مقدمة‬
‫يستعرض هذا الفصل مفهوم التنمية بأبعادها المختلفة التنمية االقتصادية والتنمية االجتماعية والتنمية السياسية‪.‬‬
‫ويهدف الفصل من وراء ذلك لتحديد اإلطار العام لموضوع الدراسة – إدارة التنمية‪ .‬يبدأ الفصل بطرح مجموعة من‬
‫األسئلة عن ماهية التنمية واالشكال التي تتخذها التنمية‪.‬‬
‫هل هي كيان مادي أم مفهوم ذهني؟‬
‫هل هي عقيدة أم عقدة‪ ،‬هل هي هدف أم مطية لتحقيق الهدف سهل المنال أم سهل ممتنع أم يتوبيا أو تفكير خيالي؟‬
‫ثم هل يمكن تشخيص التنمية وفحصها وبرمجتها لتحقيق الهدف التنموي في مدى أو سقف زمني محدد؟ وهل الهدف‬
‫التنموي ثابت في نقطة ارتكاز معينة يمكن بلوغه أنه هدف متحرك يسير بمعدالت تفوق مقدرتنا على بلوغه أي هل‬
‫هو طريق أو محطة أو استراحة على الطريق يقف عندها االنسان والمجموعات والدول ليجمعوا أنفاسهم ويستعيدوا‬
‫قواهم لمواصلة سيرهم؟ وهل يمكن تجاوز المحطة واالستراحة دون أن يقف عندها االنسان؟ وهل يمكن اختصار‬
‫الطريق عبر البعد الزمان والمكاني إذا استخدمنا مطية مختلفة؟ وهل يمكن تغيير خط السير وتغيير الطريق أم أن‬
‫القبلة واحدة والطريق واحد من سار عليه وصل ومن حاد أو انحرف عنه انتهى إلى طريق مسدود؟‬
‫وهل التنمية عملية إرادية تخضع الختيار االنسان أم أنها مسألة جبرية مفروضة عليه من الخارج؟‬
‫هل تتم في مراحل طبيعية كمراحل نمو اإلنسان مثل الطفولة والشباب والشيخوخة أم هي وضع استثنائي امتازت به‬
‫بعض الدول على دول أخرى؟‬
‫ثم تطرح الدراسة أيض ا مجموعة من األسئلة الفلسفية عن التنمية والتحديث مثل ماهي العالقة بين التنمية وحاجات‬
‫اإلنسان أهي عالقة طردية أم عكسية؟ هل تؤدي التنمية إلى تحقيق حاجات االنسان وتلبية طموحاته المادية‬
‫والمعنوية؟ وهل تعني التنمية اشباع حاجات‪ .‬االنسان الفيزيولوجية الطعام والمأوى وحاجته لألمن واالنتماء‬
‫للمجتمع وتحقيق الذات أي هل تؤدي التنمية إلى السعادة وهل تعني معدالت النمو العالية وزيادة متوسط دخل الفرد‬
‫المزيد من السعادة؟ وهل السعادة مفهوم محسوس أم مفهوم مدرك ال يمكن تحديده بطرق كمية مادية وهل يستطيع‬
‫االنسان الحفاظ على أصالته في وسط السعار التنموي المحموم؟ وهل يمكن أن ننمو دون أن نقلد أي دون أن ننقل‬
‫قيم حضارية غربية وتكنولوجيا غربية ونماذج إدارية وسياسية وثقافية غربية؟ وهل تأتي التكنولوجيا مجردة لم تأت‬
‫مصحوبة بقيم حضارية؟ وكيف نصون قيمنا الحضارية المنبثقة من تقاليدنا وعاداتنا؟ وهل يمكن أن نستن‪ ،‬أو نعزل‬
‫بعض القيم أو تفصيل بعض المفاعالت؟ وهل التنمية مفهوم علمي ومفهوم غربي؟ ثم ما هي أهداف التنمية وهل هي‬
‫أهداف اقتصادية تتركز في زيادة دخل الفرد ومعدالت النمو أم أهداف اجتماعية عريضة أم أهداف سياسية وبأي‬
‫هذه األهداف نبدأ؟ وما هو المقصود بالتنمية أهو المجتمع‪ ،‬أم االنسان في المجتمع أم نظام اقتصاد السوق؟ وهل‬
‫‪7‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المجتمع واالنسان واقتصاد السوق هي أهداف التنمية أم وسائلها؟ يهدف هذا العمل والفصول التي تليه لإلجابة على‬
‫هذه التساؤالت ولكي ال ندخل في حوار لفظي يقودنا إلى مصيدة التعريفات فسوف نقتصر على كتابات دينيس قاولت‬
‫و دودلی سيرز ولوسيان باي في إيضاح مغني التنمية االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬على التوالي‪.‬‬
‫اختلف العلماء في تعريف التنمية وذهبوا مذاهب متعددة فمنهم من عرفها على محاور اقتصادية وسياسية واجتماعية‬
‫ومنهم من عرفها على أسس حضارية ثقافية وأخالقية وسيكولوجية ويرجع هذا االختالف إلى تباين المشارب‬
‫والموارد العلمية والمنطلقات الفلسفية‪ .‬فأخذ االقتصاديون البعد االقتصادي وتناول السياسيون الجانب السياسي‪ ،‬كما‬
‫ركز علماء االجتماع على الجانب االجتماعي‪.‬‬
‫التنمية المنظور االقتصادي‬
‫عرف االقتصاديون التنمية‪ ،‬كما يقول دينيس قاولت ‪ Denis Goulet‬بتنشيط االقتصاد القومي وتحويله من حالة‬
‫الركود و الثبات إلى مرحلة الحركة و الديناميكية عن طريق زيادة مقدرة االقتصاد القومي لتحقيق زيادة سنوية في‬
‫إجمالي الناتج القومي بمعدل يتراوح بين ‪ ٪3‬إلى ‪ % 7‬أو أكثر مع تغيير هياكل االنتاج ووسائله ومستوى العمالة‪.‬‬
‫يصاحب ذلك تناقص في االعتماد على القطاع الزراعي وتزايد االعتماد على القطاع الصناعي والخدمي‬
‫‪ Secondary and tertiary sectors‬وزيادة السيولة النقدية وحفظ التوازن في ميزان المدفوعات بحيث ال‬
‫يزيد تصدير العملة الصعبة للخارج عن وارد العملة الصعبة واستخدام ها ألغراض االستثمار‪.‬‬
‫التنمية االقتصادية وفق هذا التعريف تشمل زيادة الناتج والدخل القومي والمحلي ودخل الفرد ومعدل النمو ودرجة‬
‫التصنيع ومعدل االستثمار وتحسين ميزان المدفوعات‪ .‬ويعني ذلك تغيير البنية االقتصادية وتشمل التحول من‬
‫اقتصاد الرعي والزراعة إلى اقتصاد الصناعة ومن االقتصاد االكتفائي إلى اقتصاد السوق وتزايد نسبة العمالة‬
‫خاصة في القطاعات الحديثة وتناقص نسبة العاملين في القطاعات التقليدية ومن ثم يطلق على الدول التي تقل نسبة‬
‫العاملين فيها في القطاع الزراعي عن ‪ ٪ 10‬بول متقدمة اقتصاديا ومنها على سبيل المثال الواليات المتحدة حيث‬
‫يمتص القطاع الزراعي فقط ‪ ٪4‬من العمالة أما الدول التي تزيد فيها نسبة العاملين في القطاع الزراعي عن ‪٪ 10‬‬
‫فتعتبر أقل تطور ا مثل الدول األفريقية ودول أمريكا الالتينية حيث تتجاوز نسبة العاملين في القطاع الزراعي أحيانا‬
‫‪. ٪70‬‬
‫اعتبرت الزيادة السنوية في إجمالي الناتج القومي مؤشر ا من مؤشرات النمو االقتصادي فاعتبرت " الدول التي‬
‫تتمتع بمعدالت نمو عالية متطورة‪ .‬اقتصاديا أي التي تربو الزيادة في الناتج القومي فيها على ‪ ،3‬تقريعا على ذلك‬
‫تعتبر معظم الدول الغربية واليابان وبعض الدول الشرقية متطورة اقتصاديا كما اعتبرت دول الجنوب أي التي تقع‬
‫على جنوب الكرة األرضية ‪ -‬مع بعض االستثناءات طبعا ‪ -‬دول متخلفة اقتصادي ا حيث تقل الزيادة في الناتج‬
‫القومي عن ‪.٪ 3‬‬

‫‪8‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫هذا باإلضافة إلى أن الزيادة السكانية في هذه الدول تبتلع الزيادة في الناتج القومي حيث تصل نسبة النمو السكاني‬
‫في بعض هذه الدول إلى ‪ ٪ 2.8‬اتخذ معدل الدخل للفرد أيض ا كمؤشر من مؤشرات النمو فاستنبط من ذلك أن‬
‫الدول التي تتمتع بمعدالت دخل عالية هي أكثر تطور ا من غيرها‪ .‬بيد أن الدول المصدرة للبترول قلبت هذه‬
‫المعادلة فلم تعد الدول الغربية تحتل موقع الصدارة حيث إنها تراجعت المنطقة الخلفية‪ .‬فإذا اخذنا مثال أرقام معدالت‬
‫الدخل القومي للفرد سنة ‪ 1979‬لوجدنا أن أكبر معدل دخل الفرد في العالم يوجد في الكويت ‪ 15480‬دوالر تليها‬
‫اإلمارات ‪ 13990‬دوالر أما في عام ‪ 1981‬فإن أكبر معدل دخل في العالم يوجد في قطر‪ ،‬ثم اإلمارات‪ ،‬ثم‬
‫الكويت ‪ ،‬ويرجع الفضل في ذلك إلى ضخامة العائد من البترول وقلة عدد السكان في هذه األقطار‪ .‬اعتبر معدل‬
‫االستثمار االنتاجي أيض ا مؤثر ا هام ا من مؤشرات النمو االقتصادي‪ ،‬فاعتبرت الدول التي يربو معدل االستثمار‬
‫فيها على نسبة ‪ ٪10‬دوال متطورة‪ ،‬أما الدول التي تقل نسبة معدل االستثمار فيها عن هذا الحد فتحسب في عداد‬
‫الدول المتخلفة ويشمل ذلك معظم دول العالم الثالث ما عدا الدول المصدرة للبترول والتي يزيد معدل االستثمار في‬
‫بعضها عن ‪ ٪ 20‬من إجمالي الناتج القومي‪ ،‬ففي دولة اإلمارات العربية المتحدة مثال بلغ معدل مخصصات التنمية‬
‫للفرد عام ‪ 1977‬نحو ‪ 2700‬دوالر و ‪ 2373‬دوالر ا في السعودية مقابل ‪ 28‬دوال في اليمن الشمالي و ‪ 57‬دوالرا‬
‫في مصر أي حوالي مائة ضعف وخمسين ضعف على التوالي‪.‬‬
‫يرتبط معدل االستثمار بمعدل االدخار‪ ،‬ألن الهامش االدخاري أو حجم الوفورات يحدده لحد كبير حجم االستثمار‪.‬‬
‫يتوقف حجم الوفورات على الدخل ومستوى االتفاق‪ ،‬فالدول ذات الدخل القومي العالي تتمتع بهامش ادخاري كبير‬
‫يتضاءل الهامش االدخاري مع تزايد القدرة على االنفاق واالستهالك‪.‬‬
‫وفي الواقع تعتبر القدرة على االتفاق أو االستهالك‪ ،‬خاصة ما يسمى باإلنفاق البذخي أو الترفي المعامل الحاسم في‬
‫تضاؤل معدالت االدخار واالستثمار في الدول النامية‪ .‬فاالعتقاد السائد هو أن قصور المدخرات هو أهم عامل يعوق‬
‫التنمية‪.‬‬
‫يعتبر التوازن في ميزان المدفوعات أيض ا مؤشر ا هام ا من مؤشرات النمو االقتصادي حيث إنه يعكس جميع‬
‫المؤشرات التي أوردناها سابق ا فهو يعكس العالقة بين االستهالك واالنفاق والهامش االدخاري ودرجة االستثمار‬
‫والناتج القومي ودخل الفرد وتوفر السيولة النقدية العملة الصعبة ‪ ..‬إلخ وفي الجانب المقابل فإن العجز في ميزان‬
‫المدفوعات يعنى انخفاض القوة الشرائية وتضاؤل المقدرة على االستثمار في البنية التحتية االستثمار االنتاجي‬
‫ويعني تراكم الديون واألرباح المستحقة على الديون ويند ذلك للكساد االقتصادي واالفالس في نهاية المطاف‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫التنمية المنظور االجتماعي واإلنساني‬
‫انتقد دودلی سيرز ‪ Dudley Seers‬في ورقة تحت عنوان المعنى الحديث للتنمية التعريفات الكالسيكية التي‬
‫تربط التنمية بالمؤثرات االقتصادية أي بمعدل النمو والناتج القومي والمحلي ومعدل دخل الفرد وتوازن ميزان‬
‫المدفوعات وتوفر السيولة النقدية‪.‬‬
‫يقول دودلی سيرز أننا بهذا الفهم المغلوط نختزل مشاكل التنمية وتحدياتها فنقول مثال على الدولة أن تحقق زيادة‬
‫سنوية في الناتج القومي بنسبة ‪ % 5‬لكي تضع نفسها في طريق التنمية‪ .‬يتساءل دودلی سيرز فيقول لماذا نركز جل‬
‫اهتمامنا على الدخل القومي ولماذا هذا االهتمام بمعدالت النمو؟ يقول سيرز يلجأ االقتصاديون في الواقع إلى هذه‬
‫المؤشرات لسهولة قياسها فيتفادون بذلك المسائل الفلسفية الشائكة‪.‬‬
‫فاألهداف التنموية إذا لخصت في أهداف محددة مثل الدخل القومي ومعدل النمو أمكن قياسها وحصرها وضبطها‬
‫والسيطرة على متغيراتها‪.‬‬
‫يقول دودلی سيرز أننا نخلط بين التنمية والتنمية االقتصادية وبين التنمية االقتصادية والنمو االقتصادي ومن ثم‬
‫نربط بين الدخل القومي والزيادة السكانية فنقول إذا زاد الدخل القومي على النمو السكاني فسوف يؤدي ذلك إلى حل‬
‫المشاكل االقتصادية وما ينجم عنها من مشاكل اجتماعية وسياسية تجربة العقد المنصرم تكشف سذاجة هذا المفهوم‪.‬‬
‫فقد ظهرت المشاكل االجتماعية والسياسية في أقطار على مختلف مراحل النمو ‪ -‬ظهرت في أقطار تتميز بالزيادة‬
‫المضطردة والسريعة في دخل الفرد وفي أقطار تتميز بالجمود االقتصادي فقد تسبب النمو االقتصادي في كثير‬
‫من األحيان في إثارة وخلق الكثير من المشاكل‪.‬‬
‫يقول سيرز أن التنمية هي مصطلح معياري ‪ normative term‬هدفها تنمية قدرات اإلنسان بتوفير الحاجات‬
‫األساسية مثل الطعام والملبس والمسكن ‪ -‬المأكل والملبس والسكن هي ضالة البشرية‪.‬‬
‫فالرجل الجائع ال يرتفع فوق الوجود البهيمي‪ .‬فقد دلت الدراسات أن معظم المشاكل البشرية ترجع الفيزيولوجية‬
‫الثالث المنوه عنها أعاله‪ .‬فمثال كشفت دراسات قامت بها هيئة األمم المتحدة بأن التخلف العقلي والعجز البدني عند‬
‫األطفال يرجع أساس ا لسوء التغذية‪.‬‬
‫التنمية عند دودلی سيرز تعني القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة ان كفاية حاجات االنسان االساسية والطعام‬
‫والملبس والمسكن ترتبط بمستوى دخله يتوقف مستوي الدخل أيضا‪.‬‬
‫وسوق العمل فالعطالة مثال تقود إلى انخفاض دخل الفرد ويقود‪ .‬انخفاض دخل الفرد إلى الفقر وفي غياب هذه‬
‫الضرورات الحياتية يفقد االنسان على الوظيفة وعلى مستوى العمالة القدرة على النمو البيولوجي والنفسي بيد أن‬
‫زيادة متوسط دخل الفرد ال تكفي لتلبية الضرورات الحياتية كما توضح تجربة بعض دول البترول‪ ،‬ففي الواقع فان‬
‫ارتفاع دخل الفرد قد تصحبه زيادة في مستوى البطالة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫وهنا ينبغي أن نشير إلى عامل هام وهو توزيع الدخل‪ ،‬يتوقف القضاء على الفقر على خلق عالقة عكسية بين درجة‬
‫النمو وتركيز الدخل في قطاعات اقتصادية واجتماعية معينة أي القضاء على الفقر يقتضي توزيع ا عادال الدخل‬
‫أن العدالة في التوزيع‪ .‬تعتبر العدالة – بجانب إزالة الفقر والبطالة ‪ -‬أحد العناصر الهامة في تنمية قدراته االنسان‬
‫باإلضافة إلى أن العدالة هي هدف في حد ذاته‪ .‬الالمساواة مرفوضة في شرع السماء وعرف معظم األديان‪.‬‬
‫كما أن الحواجز االجتماعية والحرمان في مجتمع يتميز بدرجة عالية من الالمساواة تفسد وتطمس شخصية الفقير‬
‫والغنى على حد سواء فالفروقات الطفيفة في اللغة واللهجة والمالبس والعادات مثال تصبح مهمة ‪ -‬مع الالمساواة ‪-‬‬
‫خاصة وأن هناك عالقة قوية بين التكوينات العنصرية والدخل أي تذهب الدخول العالمية إلى بعض الجماعات‬
‫العنصرية كاليهود في الواليات المتحدة ألن المنحنيات االقتصادية تذيع التضاريس االجتماعية‪ ،‬الالمساواة‬
‫االقتصادية هي وقود لمعظم الصراعات العنصرية بناءا على ما تقدم فإن األسئلة التي ينبغي أن تطرح ليست هي‬
‫كيف نزيد من معدالت االنتاج والدخل القومي والسيولة النقدية أو كيف نخلق التوازن في ميزان المدفوعات؟ وإنما‬
‫السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو ماذا جد في موضوع الفقر والبطالة والمساواة؟ اذن ينبغي أن يرتبط معيار قياس‬
‫التنمية بدرجة القضاء على المشاكل الثالث‪ .‬وتفريع ا على ذلك إذا أردنا أن نقيس التنمية في قطر ما علينا أن‬
‫نتساءل عن مدى ما حقق من األهداف الثالث‪.‬‬
‫فإذا وجدنا هبوط ا في مستوى الفقر والعطالة والمساواة فيمكن أن نقول إن القطر يعيش مرحلة التنمية‪ .‬أما إذا‬
‫تصاعدت هذه المشاكل وتفاقمت إلى أعلى من المألوف فال يمكن ان نطلق على القطر المعين مصطلح التنمية‬
‫حتى ولو تضاعف دخل الفرد‪.‬‬
‫إن تحديات الجزء المتبقي من هذا القرن تنبع من التحديات السابقة الذكر فالتحدي األول هي كيفية وجود معايير‬
‫للتنمية لتحل محل الدخل القومي أو بصحيح العبارة حسن استخدام الدخل القومي وتوجيهه في المسار الصحيح‬
‫الخدمة أغراض التنمية الزيادة الكبيرة في الدخل القومي تساعد على تقليل أو تخفيف حدة الفقر إذا ما اتخذت‬
‫السياسات الصحيحة ‪.‬‬
‫*ينبغي أن نوضح نقطتين أساسيتين أولهما أن أرقام الدخل القومي التي تنشرها معظم الدول النامية ال تحمل مدلوال‬
‫كبيرا وذلك لعدم توفر المعلومات خاصة فيما يتعلق بالدخل من النشاطات الزراعية والنقطة الثانية هي ان توزيع‬
‫الدخل ال يتم بصورة متكافئة ولذلك فان األسعار ال تحمل معنى أو وزنا يمكن االستفادة منه في مقارنات الدخل‪.‬‬
‫التحدي الثاني الذي يواجه علماء االجتماع واالقتصاد والسياسية هو اكتشاف أمثل الطرق لمعالجة القضايا‬
‫المنوه عنها أعاله‪ ،‬أن حل هذه المشاكل ال يكمن في زيادة معدالت النمو االقتصادي‪ ،‬بل في تغيير طبيعة‬
‫ووسائل ومناهج التنمية والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تساعد تنمية أحد العناصر الثالث سه مشكلة‬
‫البطالة مثال في تنمية العنصرين اآلخرين؟‬

‫‪11‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫أن معالجة البطالة وحسمها يساعد على إزالة مسببات الفقر والمساواة ألن العمالة الكاملة تعني زيادة الدخل‬
‫والقوة الشرائية بالنسبة للفرد وتوفير الحاجات الضرورية كالمأكل والمشرب والملبس ويقود ذلك لتقريب‬
‫الفجوة بين الطبقات كما يؤدي إلى ازالة الفوارق الطبقية أي يؤدي إلى المساواة‪.‬‬
‫بيد أن هناك رأي مغاير يقول أن الالمساواة هي أمر ضروري لتوفير المدخرات ألغراض االستثمار وذلك‬
‫ألن الالمساواة تعنى تركيز الدخل في مجموعة اقتصادية صغيرة بحيث يرتفع دخل الفرد في هذه المجموعة‬
‫إلى معدالت تفوق مقدرته على انفاقها ويعني ذلك خلق هامش ادخار كبير وفوائض مالية يمكن استخدام ها‬
‫ألغراض االستثمار والنمو االقتصادي ان هذا الرأي يحمل في طياته الكثير من التناقضات مما يجعل‬
‫موضوع قبوله أمرا ال يستقيم منطقيا ‪ ،‬خاصة في الدول النامية فالمدخرات تعتمد على مستوى الدخل العام ‪-‬‬
‫أن تركيز األموال في أيادي قليلة في الدول النامية يزيد من مستوى اإلنفاق في البضائع المستوردة والتي‬
‫تحتاج بدورها إلى عملة صعبة كان األجدر أن تستقل في البناء االقتصادي يمسى هذا باإلنفاق التفاخري فمن‬
‫مساوئ االنفاق التفاخري أن المدخرات تتدفق خارج القطر الصطياد البضائع أو لتمويل المشاريع التي تمثل‬
‫درجة منخفضة في سلم أسبقيات التنمية‪.‬‬
‫يرتبط موضوع الالمساواة بموضوع تركيز األمالك ووسائل االنتاج يعتقد البعض أن نظام الضرائب‬
‫التصاعدية هو أمثل أسلوب لمنع تركيز وسائل االنتاج في أيادي قليلة كما يرى آخرون وسائل أخرى أكثر‬
‫فعالية مثل ضرائب الموت ‪ death duties‬في بريطانيا وفائدة السندات ‪ bond interests‬في شيلی‬
‫ومعاش الحياة ‪ life pension‬في كوبا‪ ،‬والصرف الحكومي الضخم في الواليات المتحدة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫التنمية المنظور السياسي‬
‫ناقشنا في الصفحات السابقة مفهوم التنمية االقتصادية وتعريفاتها المختلفة والتحفظات على استخدام‬
‫المؤشرات االقتصادية كمعايير للتنمية وسوف نتناول في الصفحات التالية مناقشة التنمية السياسية ويدور‬
‫النقاش حول االسئلة التالية ما هو مضمون التنمية السياسية؟ وما هو معيار التنمية؟ وماذا نقصد بالتحديث‬
‫‪ modernization‬وها هو الفرق بين الغربنة ‪ westernization‬والتحديث؟‬
‫تعتبر التنمية السياسية ضرورة سياسية للتنمية والنمو االقتصادي وتحويل االقتصاد من حالة الركود والجمود‬
‫إلى مراحل أكثر ديناميكية‪ ،‬عند بعض المفكرين يقرن هؤالء فكرون التنمية السياسية بواقع المجتمعات‬
‫الصناعية األكثر تقدما في مجال التكنولوجيا‪ .‬يقوم هذا المفهوم على افتراض أن الحياة الصناعية تتطلب نوعا‬
‫معينا من الحياة السياسية ينبغي أن تسعى جميع الدول لتحقيقه وأن النظام السياسي هو إفراز أو قل نتاج‬
‫العالقات الصناعية والتكنولوجية‪.‬‬
‫بناءا على هذا المفهوم فإن المجتمعات الصناعية‪ ،‬ديمقراطية وغير ديمقراطية‪ ،‬تعارفت على سلوك سياسي‬
‫معين تحدد بمقتضاه بعض القيم السياسية واالجتماعية واإلدارية ويشمل ذلك تحديد األهداف التنموية وأساليب‬
‫ووسائل تنفيذ هذه األهداف مثل استبدال االساليب االعتباطية العفوية باألسلوب العقالني الراشد والتمسك‬
‫باإلجراءات اإلدارية القانونية والمشاركة إلخ‪..‬‬
‫يعتبر بعض المفكرين التنمية السياسية توأمه لما يسمى بالتحديث السياسي ‪. political modernization‬‬
‫فالتنمية السياسية وفق هذا المفهوم هي التنمية على محاور الدول الصناعية ومن ثم ينظر للدول الصناعية‬
‫كنماذج ينبغي أن يقتدي بها في المجاالت االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وفي الجانب اآلخر نجد أن هذا‬
‫المفهوم التنمية ازعج حماة النسبية الثقافية ‪cultural relativism‬والذين يرفضون الحضارة والقيم الغربية‬
‫وال يرضونها بديال للقيم الحضارية والثقافية واألخالقية في العالم الثالث‪.‬‬
‫بيد أن المتتبع لمسار الفكر المعاصر يشاهد ظهور إعراف وقيم اجتماعية في معظم دول العالم مثل المشاركة‬
‫الجماهيرية وترجيح الكفاءة ‪ Merit System‬على الصفات الموروثة وايجاد نظم ونواميس عالمية ومفهوم‬
‫العدالة والمواطنة تعكس هذه القيم حقيقة الدول الصناعية وتسمى عملية انتشار القيم الصناعية بالتحديث‬
‫السياسي‪ .‬يرى لوسيان باي التنمية السياسية كتجسيد لمفهوم الدولة أو الحكومة القومية ‪state – nation‬‬
‫التنمية السياسية وفق هذا المفهوم تحتوي على تنظيم الحياة السياسية وأداء الوظائف السياسية‪ .‬وفق مستوى‬
‫السلوك الدولي العالمي المعاصر وهذا يعني استبدال السياسية القبلية واالقليمية واإلمبراطورية أو‬
‫االستعمارية بسياسة ما يسمى بالدولة القومية ‪ state – nation‬وفق النظام السياسي العالمي وهذا يعني‬
‫‪13‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫االلتزام بالمعاهدات وااللتزامات الدولية‪ ،‬ومحك التنمية السياسية هنا هو بناء مؤسسات عامة ألداء وظائف‬
‫الدولة وللتعبير الواعي عن الشعور القومي وهذا يعني بأن التنمية السياسية هي إذكاء الشعور القومي في‬
‫محتوى مؤسسات الدولة وترجمة المشاعر المتنافرة إلى روح المواطنة أي تنمية الشعور القومي وترجمته‬
‫من مجرد شعارات إلى برامج وسياسات وواقع عملي وفي عبارة موجزة التنمية السياسية تعنى بناء الدولة‪.‬‬
‫يعرف بعض طالب السياسة التنمية السياسية بالتنمية اإلدارية والشرعية‪.‬‬
‫أوضحنا في الفقرة السابقة أن التنمية هي بناء الدولة وبناء المؤسسات وتنمية شعور المواطنة‪ .‬فمفهوم بناء‬
‫المؤسسات هو مبدأ قديم تبنته الدول االستعمارية في مستعمراتها الجديدة لتقريب الشقة بين الحاكم والمحكوم‬
‫ولتأكيد حاكمية المستعمر ولضبط سلوك المستعمرات عن طريق إنشاء مؤسسات بيروقراطية ونظام لإلدارة‬
‫العامة‪.‬‬
‫استمر مفهوم بناء المؤسسات حتى بعد جالء الدول االستعمارية فأصبح معيار ا للتطور االداري والسياسي‬
‫لكن في واقع األمر فإن التنمية السياسية تعني أكثر من بناء المؤسسات السلطوية‪.‬‬
‫بل أن بناء المؤسسات السلطوية كما كشفت تجارب بعض الدول عوق نمو الكثير من المؤسسات التنموية‬
‫بسبب ما يفرضه عليها من عراقيل تعني التنمية السياسية أيضا التعبئة الجماهيرية والمشاركة واثارة الوعي‬
‫وااللتزام السياسي يعبر عن هذه المزايا أحيان ا بالتظاهرات الجماهيرية والتي أصبحت ديدن العالم الثالث في‬
‫التعبير عن آرائه السياسية ونوعا من المشاركة الجماهيرية تعني المشاركة الجماهيرية التأثير على اتخاذ‬
‫القرار السياسي واالداري‪ ،‬وبالرغم من ان المشاركة الجماهيرية في بعض الدول النامية‪ .‬لم تصحبها وسائل‬
‫وكليات انتخابية‪ ،‬بل هي استجابة فقمل السياسات الصفية أو النخبة القيادية‪ ،‬اال ان هذه المشاركة تساعد على‬
‫خلق الشعور باالنتماء القومي‪ .‬بجانب أنها تساعد في الجنب اآلخر ‪ -‬على اثارة العواطف والتهريج السياسي‪.‬‬
‫يعرف مايرون وينر ‪ Myron Weiner‬التنمية السياسية بالتكامل أو االنصهار السياسي‬
‫‪ political integration‬ويشمل االنصهار السياسي تكامل العالقات االنسانية وانصهار السلوك والوالء‬
‫الثقافي والسياسي وتنمية الشعور القومي وروح المواطنة وتوحيد الوحدات السياسية في بوتقة واتحاد سياسي‬
‫تحت حكومة واحدة وانسجام الشعوب حكاما ومحكومين وتوجيههم في مسار سياسي موحد وأخيرا انصهار‬
‫األفراد في منظمات ذات اهداف مشتركة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫حدد وينر أربعة أنواع من االنصهار إلى التكامل السياسي‪ .‬النوع األول هو االنصهار اإلقليمي‬
‫‪ Territorial Integration‬وهو انصهار القيم المختلفة تحت سلطة مركزية واحدة والنوع الثاني وهو‬
‫انصهار القيم ‪ Value integration‬ويعني ذلك ايجاد لغة مشتركة و إحساس مشترك وأسلوب تفكير‬
‫مشترك وإطار للتفاهم بين الوحدات السياسية المختلفة‪.‬‬
‫أما النوع الثالث فهو صدور الشعوب قادة ومقودين في بوتقة واحدة‪ ،‬ويعني ذلك انسجام القادة واالتباع أي‬
‫استجابة القادة المطالب الشعوب وانصياع الشعوب التوجيهات القادة ‪ ،‬ويقوم ذلك على الرضاء واالحترام‬
‫المتبادل والنوع الرابع هو االنصهار السلوكي ‪ integrative behavior‬وهو استعداد األفراد للعمل في‬
‫مناخ تعاوني لتحقيق األهداف المشتركة ويشمل ذلك المقدرة التنظيمية للتعاون في إدارة المؤسسات‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية كما يشمل المقدرة على التحالف الحزبي واالئتالف من أجل أغراض‬
‫الحكم والتعاون على العمل العام عن طريق المشاركة الواعية وااللتزام السياسي واالجتماعي وترجيح‬
‫المصلحة العامة على المصلحة الفردية‪.‬‬
‫يربط بعض المفكرين التنمية السياسية بتقوية القيم اإلدارية ويرون أن التنمية السياسية ال تتحقق خارج األطر‬
‫االيديولوجية‪ ،‬ديمقراطية كانت أو شيوعية‪.‬‬
‫ومن هؤالء وليام مناکورد والذي يقرن التنمية السياسية بترقية الوعي الديموقراطي ويقول ان قمة التنمية‬
‫السياسية في تحقيق الديموقراطية‪.‬‬
‫تعني التنمية بمفهومها السياسي توفير االستقرار السياسي لتحقيق جوانب التنمية المختلفة وتعني أيضا تحقيق‬
‫االستقرار والتغيير المنظم االستقرار السياسي ال يعني الجمود وإنما يرتبط بخلق مناخ مالئم للتخطيط‬
‫المستقبلي ولمتوجيه مسار التغيير االجتماعي واالقتصادي والسيطرة على البيئة والمقدرة على حسن استخدام‬
‫الموارد ومحك أو معيار التنمية السياسية هو الكفاءة والفعالية أي مدى تحكم الدولة في السيطرة على‬
‫مواردها‪.‬‬
‫يرى بعض المفكرين وعلى رأسهم لوسيان بأي أن كفاءة الدولة تكمن في مقدرتها على االتصال بالجماهير‬
‫وتقاس هذه الكفاءة بحجم وقوة وسائل اإلعالم وتداول الصحف وتوزيع الراديوهات ونسبة العاملين في‬
‫الجهاز الحكومي ونسبة الموارد المخصصة للجهاز التعليمي والرفاهية االجتماعية التنمية السياسية هي أيضا‬
‫الكرامة واحترام الذات والمشاركة في اتخاذ القرارات والعدالة في المغانم وفي توزيع فرص العمل وتوزيع‬
‫موارد الدولة والعدالة أمام القانون والتنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫يتضح مما سبق أن التنمية السياسية هي مجموعة من األنشطة تتكامل مع بعضها البعض لإلسراع بعملية‬
‫التحول االجتماعي‪.‬‬
‫خالصة‬
‫تتناول إدارة التنمية القضايا اإلنمائية من منظور شمولي فال تحصرها فقط في الجانب االقتصادي‬
‫أو االجتماعي أو السياسي‪ ،‬تقوم إدارة التنمية على افتراض أن العوامل الثالث تعمل على تقوية‬
‫بعضها البعض في نسيج متماسك والتنمية االقتصادية تعضد التنمية االجتماعية والسياسية انطالقا‬
‫من هذا المفهوم‪ .‬فإن إدارة التنمية تمثل حبل الوصل بين المدارس االنمائية المختلفة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصل الثاني‬
‫إدارة التنمية والتنمية اإلدارية قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟‬
‫مقدمة‬
‫يتناول هذا الفصل معالجة األخطاء الشائعة في تعريف إدارة التنمية والتنمية اإلدارية بتحليل المنطلقات‬
‫الفكرية والفلسفية التي يدور حولها هذان المصطلحان ويطرح الفصل مجموعة من التساؤالت مثل ما هي‬
‫التنمية اإلدارية‪ ،‬وما هي المواضيع التي تناقشها واالسئلة التي تطرحها؟ وما هي إدارة التنمية ولماذا يخلط‬
‫المفكرون بين إدارة التنمية والتنمية اإلدارية؟ ما هي األراضي المشتركة بينهما؟ ما هي مناطق االختالف؟‬
‫وما هي المنحنيات والمؤشرات المستقبلية؟ هل تنبئ بالتقاطب واالنشطار أم بالتالحم والتكامل؟‬
‫قضايا فلسفية أم مسائل اجرائية؟‬
‫يخلط بعض الكتاب بين التنمية اإلدارية وإدارة التنمية ويعتبرون أن المصطلح األول مشتق من الثاني أو‬
‫العكس‪ .‬ترجع أسباب الخلط أو االرتباك إلى فشل بعض الكتاب في استيعاب منهجية علم اإلدارة أو قل فشل‬
‫علم اإلدارة في تحديد منهجية واضحة المعالم يلتزم بها طالب اإلدارة اقتبس علم اإلدارة نظرياته ومنجيته‬
‫من عدد كبير من العلوم ومصادر المعرفة للحد الذي أصبح فيه مجال اإلدارة مرتع ا لكل العلوم فأخذ من‬
‫علم النفس وعلم النفس االجتماعي المدرسة السلوكية ومن الهندسة الصناعية اإلدارة العلمية ومن علم‬
‫االجتماع واألحياء نظرية النظام المفتوح ومن علم الفيزياء نظرية التوازن ومن الفينومينولوجيا‬
‫واالقتصاد الخ‪ ..‬لقد فقد حقل اإلدارة من جراء ذلك هويته العلمية فاخذ يستقطب كل جهد ويمتص كل اجتهاد‬
‫علمي ومن ثم ظهرت نتيجة لطبيعته االحتوائية بعض التخريجات‪.‬‬
‫يقول تون ر ‪ .‬البورت ‪ pod e 'y ppol‬متى حقل اإلدارة العامة المعاصرة بالكثير من الخلط واالرتباك‬
‫في مفاهيمه ‪ conceptual confusion‬وفي منهجياته‪.‬‬
‫يضيف تود البورت قائال‬
‫ان انطباعي الخاص عن أدب اإلدارة العامة هو أنه لم يساهم ولو باليسير في تحليل وفهم المنظمات المعقدة‬
‫واالدهى من ذلك اننا اخذنا نضرب في مجاهل العلوم االخرى نقتبس منها نماذج تحليلية دون أن نفحص‬
‫مدلول وحدود هذه النماذج ودون ان نستوثق من مقدرتها على مساعدتنا في فهم المنظمات المعقدة ‪.‬‬
‫ومن ثم فقد استقدمنا أو أدخلنا من الباب الخلفي مجموعة من المفاهيم كان االجدر بنا أن ننظفها ونغسلها إذا‬
‫أردنا أن ندخلها من الباب األمامي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ويعزي البورت تردي أو تدني مستويات التحليل في حقل اإلدارة العامة إلى الفراغ الفلسفي‬
‫‪ Philosophical vacuum‬أو ضعف الجذور الفلسفية واألخالقية وفقد الثقة في القيم التقليدية وقصر‬
‫النظر وفقدان الدليل‬
‫أي بموجز العبارة ‪ Crisis in meaning‬فحقل اإلدارة العامة يحتاج إلى معالجة ازمة الهوية وازمة الثقة‬
‫وإلى تأكيد األهلية واألهمية‪.‬‬
‫إدارة التنمية‬
‫تختلف االسئلة التي تطرح في إدارة التنمية عن األسئلة التي تطرح في التنمية اإلدارية‪ .‬فإدارة التنمية تطرح‬
‫قضايا فلسفية أن صح التعبير بينما تتناول التنمية اإلدارية المسائل اإلجرائية‪ .‬ففي إدارة التنمية نبدأ بسؤال‬
‫لماذا وماذا ماذا ننتج؟ هل تنتج مساكن شعبية أم مفرقعات؟ هل نركز على زيادة الناتج القومي وغزارة‬
‫االنتاج أم على أسلوب التوزيع عدالة التوزيع ؟ هل نركز على النمو االقتصادي معدل النمو ودخل الفرد‬
‫أم‬ ‫والدخل القومي وتوفر السيولة النقدية والتوازن في ميزان المدفوعات ومعدل االدخار واالستثمار‪ ..‬الخ‬
‫على عالج مشكلة الفقر والعطالة والمساواة؟ ماذا عن نظام األسبقيات؟ هل نبدأ بتنمية القطاع الزراعي أم‬
‫الصناعي أم التجاري؟ هل نبدأ بالصحة أم بالتعليم؟‬
‫هل نبدأ بتنمية الطرق السطحية أم السكة حديد أم المالحة البحرية أم المالحة الجوية؟ ماذا عن ايديولوجية‬
‫التنمية؟ هل نبدأ بما عندنا نعتمد على القروض والمساعدات؟ هل ننقل النماذج االقتصادية والسياسية الغربية‬
‫أم الشرقية أم نع تمد على مؤسساتنا ونطورها؟ هل تستورد تكنولوجيا متقدمة أو تكنولوجيا وسيطة أم‬
‫تكنولوجيا بسيطة؟ هل نستورد المؤسسات الكبيرة لتنمو بمعدالت أكبر لم نحتفظ بما عندنا صغيرا جميال ؟‬
‫هل ننقل نموذج الواليات المتحدة أو نموذج االتحاد السوفيتي أم ننهج طريقا وسطا نموذج الصين وتنزانيا‬
‫أم نصمم نماذج جديدة تعبر عن أصالة مجتمعاتنا وعقيدتنا النموذج االسالمي أو اإلسالم العربي أو االسالمي‬
‫العربي األفريقي؟ وما إلى ذلك من مسميات تعكس الخصائص المحلية والتراث القومي والطابع العقائدي‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن إدارة التنمية تهتم بوضع األهداف‪ ،‬واختيار النظريات والنماذج وتحديد نظام األسبقيات أو‬
‫األولويات وتصميم اإلطار العام للتنمية بمشتقاتها المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وتحديد أو تعميق‬
‫فلسفة التنمية وايديولوجيتها‪ .‬تطرح إدارة التنمية ايضا سؤال لماذا؟ لماذا تنمو ولماذا نستخدم نماذج معينة‬
‫ل لنمو دون األخرى وتركز على قطاعات تنموية دون اخرى ولماذا نستقدم مؤسسات من الشرق ومن الغرب؟‬
‫ما هي الفلسفة من وراء ذلك؟ ولماذا نختار المسار التنموي أبدال من به أو أن نبدأ التنمية يود طالب إدارة‬
‫التنمية أن يتعرفوا على مسار إدارة التنمية‪ ،‬أو القبلة التي تتوجه اليها التنمية‪ ،‬الن التنمية انا لم توجه في‬
‫‪18‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المسار الصحيح انقلبت إلى العشوائية فالتنمية لها آثارها االيجابية والسلبية فيمكن أن تنتج الجهود التنموية‬
‫سلعا تلبي الحاجات األساسية للبشرية كما يمكن أن تنتج سلعا تدمر البشرية ويمكن أن تنتج تكنولوجيا لتسخير‬
‫البيئة واس تخدام ها االستخدام األمثل كما يمكن أن تنتج تكنولوجيا لتلويث البيئة ‪.‬‬
‫تهدف إدارة التنمية إلى تحقيق الحياة السعيدة باستخدام األساليب التقنية واالجتماعية الحديثة كما يقول جرالد‬
‫کيدن‪ .Gerald E. Caiden.‬ومعيار التنمية عند کيدن هو تحقيق النتائج وليس الشكل أو الشعارات‬
‫يشترط کيدن لتحقيق ذلك وجود ايديولوجية تنمية أو توفر ما أطلق عليه ويدنر ‪ Weidner‬بالحالة الذهنية‬
‫‪ a state of mind.‬التي تعمق االيمان بالتنمية العادلة المتوازنة‪.‬‬
‫إدارة التنمية كعقيدة ‪ doctrine‬تقوم على ايديولوجية لوضع اسبقيات وأولويات التنمية واإلصالح‬
‫االجتماعي والتحول االقتصادي والسياسي والتكامل والترابط أو االنصهار اإلقليمي والديني وااللتزام‬
‫بالمستقبلية أي االلتزام بأيديولوجية التنمية كمفتاح للمستقبل‪.‬‬
‫إدارة التنمية كما يقول کيدن هي مفهوم معياري قيمی ويقصد بذلك انها ذات أبعاد أخالقية متعددة وتهدف إلى‬
‫تحقيق اهداف قيمية يمكن قياسها وان اختلفت معايير القياس وتقوم على افتراض أن التنمية شيء مرغوب‬
‫ويمكن أن يترجم إلى برامج عمل كما يمكن وضع برامج العمل في خطط ويمكن السيطرة على هذه الخطط‬
‫بواسطة النظم اإلدارية‪.‬‬
‫تقوم إدارة التنمية ايضا على افتراض أن مشاكل االنسانية هي مشاكل حقيقة تتسم بالوضوح‪ ،‬وهي ايضا‬
‫مشاكل ملحة يحتاج عالجها إلى المهارات العملية والنظرية كحد سواء‪ ،‬مجال تطبيقها هو الميدان العملي‬
‫عالم الجمهور الحقيقي ‪ people the real world‬عالم تختلف فيه القيم والمذاهب واالنتماءات السياسية‬
‫بقدر ما تختلف فيه االنتماءات العنصرية‪ ،‬واآلراء‪ ،‬والمنطلقات الفكرية ‪،‬والفلسفية‪ .‬يتطلب العمل في مجال‬
‫إدارة التنمية ‪ -‬اي الميدان العملي أو عالم الجمهور الحقيقي ‪ -‬مختلف المهارات مهارات في علم االقتصاد‬
‫وعلم السياسة وعلم االجتماع وعلم التاريخ وعلم االجناس وعلوم البيئة والجغرافيا الخ ومن ثم فان طبيعة‬
‫مادة إدارة التنمية الشمولية تلون منهجيتها األكاديمية وتزيد من قابليتها الستيعاب مختلف التخصصات‬
‫العلمية‪.‬‬
‫إدارة التنمية كما يعرفها ميرل قينزود ‪ Merle Fainsod‬وسيط أو أداة لنقل القيم اإلبداعية ‪innovating‬‬
‫‪ values‬ولوضع الدول النامية في طريق التصنيع والتحديث فهي تقوم بإنشاء مؤسسات ونظم إدارية‬
‫التخطيط النمو االقتصادي وتوسيع الموارد الطبيعية لزيادة الدخل القومي‪ ،‬وزيادة التنمية الصناعية وتحقيق‬
‫األهداف العريضة للتنمية‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫يقول کيدن ان إدارة التنمية ليست هي التنمية اإلدارية وتختلف ايضا عن اإلدارة العامة في مطلقاتها‬
‫واتجاهاتها ومنهجيتها‪ .‬تقوم إدارة التنمية على اساس قيمی معياری كما ذكرنا سابقا ‪culture bound‬‬
‫شيء حسن‪ ،‬والمهم هو البعد القيم وتربط التنمية بهذا المعيار األخالقي فتفترض أن التنمية إدارة التنمية‬
‫تضيف خصائص وأبعاد جديدة للشيء الحسن شيء حسن واألخالقي لكلمة فتفترض أن التنمية شيء حسن‬
‫فقط إذا ارتبطت بالمعيار األخالقي وهو عدالة التوزيع والتوازن فقط إذا استهدفت قدرات االنسان وتحريره‬
‫من الفقر والبطالة والمساواة وعلى شيع حسن التنمية شيء شاء حسنه إذا كانت اقتصادية وان الكفاية خالف‬
‫ذلك تقول التنمية اإلدارية ان االنتاجية إذا اجتازت معيار أو ختبار التكلفة والربح حسن ‪cost/benefit test‬‬
‫أي أن التنمية شيء فقط إذا ادت إلى زيادة الدخل القومي وتوفر السيولة النقدية والتوازن في ميزان‬
‫المدفوعات حسن ان إدارة التنمية تتساءل ‪ ،‬التنمية لماذا؟ ?‪ development for what‬والتنمية اإلدارية‬
‫تجيب التنمية من اجل التنمية ‪ ،‬ومن ثم تجرد التنمية من محتواها األخالقي ‪ .‬تضيف إدارة التنمية البعد‬
‫االنساني للتنمية فتقول هدف التنمية هو تخفيف المعاناة االقتصادية واالجتماعية والنفسية وتوفير فرص الحياة‬
‫السعيدة لإلنسان ومن ثم يرتبط تقييم التنمية بمدى تحقيق هذا الهدف‪ .‬إدارة التنمية تمثل نقطة التحول من‬
‫االهتمام بالوسائل واألساليب موضوع اهتمام التنمية اإلدارية إلى فحص األهداف والغايات و إلى البحث‪.‬‬
‫من معاني جديدة للعمل االداري وإلى توزيع الخيارات ‪ choices distribution‬في المجتمع من يأخذ ماذا‬
‫ومتى ولماذا؟ ?‪ who gets what, when and why‬وأوضحنا في الصفحات السابقة بعض الخصائص‬
‫الرئيسية إلدارة التنمية المواضيع التي تناقشها واالسئلة التي تطرحها واهتماماتها الرئيسية و سوف نلقي في‬
‫الصفحات التالية ضوءا على اسباب نشأتها ورواجها‪.‬‬
‫يناقش الدكتور عامر الكبيسي نشأة حقل إدارة التنمية واالسباب التي أدت إلى ظهوره فيستعرض بعض آراء‬
‫المفكرين مثل هندرسون ‪ Henderson‬وويدنر ‪ weidner‬و ميلوس ‪ Meadows‬يقول عامر الكبيسي‬
‫بدأ هذا المفهوم يتضح وينتشر في مطلع الستينات ومن يتابع ويتأملن معاني هذا المصطلح يلحظ انه بسبب‬
‫حداثة نشأته فقد اعطيت له معاني متعددة ويقول على لسان هندرسون أن المصطلح جاء كردة فعل اكاديمية‬
‫من قبل الكتاب الذين الحظوا بأن حقل اإلدارة العامة بحكم نشأته وتدريبه في الواليات المتحدة األمريكية بدأ‬
‫يرتبط ويتأثر بمعطيات الحضارة الغربية ‪ culture bound‬وبالتالي فان نماذج تنظيماته وأساليبه ووسائل‬
‫تطبيقاته قد ال تكون هي البديل أو المرشد الذي يمكن لدول العالم الناشئة لتأخذ بها وتهتدي بمعطياتها في‬
‫سعيها للتحول نحو األفضل وعليه فان ظهور إدارة التنمية يعتبر كشعار ‪ label‬أو كمصطلح يثير االنتباه‪.‬‬
‫للبحث عما يالئم هذه المجتمعات الجديدة من افكار ووسائل وتنظيمات تنسجم وواقعها وتتالءم وظروفها‬
‫‪20‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الحضارية بدال من أن تقع أسيرة المفاهيم والنظريات المستمدة من خارج حدودها أو التي نمت على غير‬
‫تربتها‪ .‬يستطرد عامر الكبيسي في وصف اسباب نشأة إدارة التنمية فيستعرض آراء ويدنر والذي يرجع‬
‫أسباب ظهور إدارة التنمية لعدم االتفاق على ما تعنيه اإلدارة العامة بالنسبة للعديد من األقطار فوجد الخبراء‬
‫والفنيين الذين يوقدون لتقديم المساعدات لتلك األقطار صعوبة في تحديد مهمتهم فرأوا من المناسب أن‬
‫يستخدموا لفظة أكثر تحديدا وأدق معنى في هذا المجال فكانت إدارة التنمية هي البديل‪ .‬ومهما يكن األمر فقد‬
‫ظهر مصطلح إدارة التنمية وشاع استعماله وكان جل تركيزه على المستلزمات والمتطلبات اإلدارية التي‬
‫تسهم في تحقيق األهداف والسياسات االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫يتضح من اآلراء المطروحة أعاله أن إدارة التنمية جاءت كرد فعل السلبيات اإلدارة العامة‪ ،‬فهل يا ترى‬
‫انتهت هذه السلبيات؟ ثم هل هي مجرد ردود افعال تنتهي بانتهاء المؤثر الذي تسبب في وجودها؟ أي هل هي‬
‫سح ابة ال تلبث أن تنقشع بانتهاء مبررات وجودها؟ هل هي موضة استخدمها الخبراء والفنيون لترويج‬
‫مهاراتهم الفنية أم ان إدارة التنمية مي حقل نابع من الحاجات الحقيقية للدول النامية وان هذه الحاجات‬
‫متجددة‪ ،‬وستبقى ما بقيت حاجات االنسان وستبقى ما بقي السباق بين الدول الغنية والدول الفقيرة ‪ -‬صراع‬
‫حول موارد العالم المحدودة وصراع حول البقاء في عالم تجتاحه الكوارث الطبيعية من فيضانات وزالزل‬
‫وشح في الطبيعة ومجاعات وحروب ساخنة وباردة حول صغائر األمور وحول كبائرها؟ هل إدارة التنمية‬
‫في ردة فعل أم يقظة فكرية وصحوة ضمير؟‬
‫أن ردود ا ألفعال تنتهي بانتهاء مسبباتها غير ان اليقظة الفكرية وصحوة الضمير تبقى أمدا أطول ان إدارة‬
‫التنمية بمفهومها الذي تحدثنا عنه سابقا نقطة تحول كبير في الفكر االداري تطرح اسئلة جديدة وتناقش‬
‫مواضيع‪.‬‬
‫ملحة وترتبط بقضايا أكثر عمقا ال نستطيع مناقشتها في حدود اإلطار الكالسيكي لإلدارة العامة أو في حدود‬
‫البارادايم القديمة والمقصود بالبارادايم هو اسلوب التفكير ومنهج التحليل‪ ،‬فهل يا ترى يتسع اسلوب التفكير‬
‫ومنهج التحليل في اإلدارة العامة لمناقشة قضايا إدارة التنمية قضايا الفقر وقضايا العطالة وقضايا الالمساواة‬
‫وقضايا نقل النماذج والتكنولوجيا؟ أليست هذه القضايا هي قضايا بارادأيماتيكية ‪ Paradigmatic‬إذا صح‬
‫استخدام مصطلح ثوماس کون ‪ Thomas Kuhn‬أي قضايا لها أبعادها الفكرية واأليديولوجية ‪ .‬أليست‬
‫البارادايم القديمة والتي ترعرع وتمي في ظلها علم اإلدارة العامة مسئولة عن استمرارية ان لم نقل وجود‬
‫هذه المشاكل؟ اليس علم اإلدارة هو ظل للبارادايم القديمة؟ فكيف إذ ا نناقش قضايا إدارة التنمية في محتوى‬
‫اإلدا رة العامة؟ تطرح التساؤالت التي ورد ذكرها مجموعة أخرى من التساؤالت عن طبيعة علم اإلدارة‬
‫‪21‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫العامة وإدارة التنمية وتبدأ هذه التساؤالت بسؤال هام وهو هل العالقة بين اإلدارة العامة وإدارة التنمية هي‬
‫عالقة تكاملية أم عالقة احاللية؟ هل إدارة التنمية هي امتداد لإلدارة العامة أي هل هي كما تعرف احيانا في‬
‫الكتب الكالسيكية هي اإلدارة العامة في الدول النامية‪ ،‬أم إدارة التنمية هي تحول كأمل من المنظور‬
‫الكالسيكي القضايا إدارة التنمية في الدول النامية؟ تحول يتقاطب مع ما تعارفنا عليه في علم اإلدارة العامة‪.‬‬
‫تحتاج االجابة على هذه التساؤالت إلى ما نسميه باالتفاق البارادايماتيکی ‪Paradigmatic Consensus‬‬
‫بين المفكرين ليس في الدول الغربية والذين يفكرون بوحي من أساليب التفكر الغربية الكالسيكية أو البارادايم‬
‫القديمة‪ ،‬وانما اتفاق بارادأيماتيکی بين المفكرين في دول العالم الثالث والذين يقفون في خط الدفاع األول‬
‫ويعيشون مشاكل الفقر والعطالة ونقل النماذج وإلى أن يتم االتفاق البارادايماتيکی بين المفكرين في دول‬
‫العالم الثالث والرابع ايضا ‪ .‬فلنا بعض المالحظات المبدئية تبديها عن العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة‬
‫العامة‪.‬‬
‫أوال ال ينبغي قبول التعريف الكالسيكي اإلدارة التنمية والذي يقول ان إدارة التنمية هي اإلدارة العامة في‬
‫الدول النامية ان هذا التعريف ال يسيء يتطرق الفصل الثالث بشيء من التفصيل لمفهوم البارادايم ودورها‬
‫في التحوالت في حقل اإلدارة العامة‪.‬‬
‫اإلدارة التنمية فحسب وانما يس يء أيضا لإلدارة العامة ويحبسها فقط في اإلطار الغربي الذي نمت فيه ويثير‬
‫الكثير من التساؤالت حول عالميتها تطبيقا في مختلف دول العالم وعمليتها ويعني ذلك أن مبادئ اإلدارة‬
‫العامة ال تصلح في أمريكا الالتينية وافريقيا ودول آسيا‪.‬‬
‫ثانيا إدارة التنمية ليست هي ظال لإلدارة العامة وإنما هي كيان مستقل ينفرد بشخصيته التي تميزه عما سواه‬
‫له منهجيته الخاصية واسلوب تفكير وقاعدة نظرية وإطار فلسفي خاص‪.‬‬
‫ثالثا وهنا تبدو الحاجة أكثر من تكون إلى االتفاق البارادايماتيکی ‪ -‬ان العالقة بين اإلدارة العامة وإدارة‬
‫التنمية ليست هي ع القة تكاملية في جميع األحوال وانما هناك حاالت تكون العالقة بينهما عالقة احاللية‪.‬‬
‫رابعا ينبغي أن ننظر لإلدارة العامة وإدارة التنمية من منظورين مختلفين‪ .‬ويعني ذلك عدم التسليم بأسلوب‬
‫تفكير ومنهجية اإلدارة العامة واعتبارها إطارا أبستمولوجيا إلدارة التنمية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫التنمية اإلدارية‬
‫ذكرنا في الصفحات السابقة أن االسئلة التي تطرح في إدارة التنمية والمواضيع التي تناقش تختلف عن‬
‫األسئلة التي تطرح في التنمية اإلدارية وأن األولى تبدأ بسؤال ماذا ولماذا؟ ماذا ننتج ولماذا؟ والثانية تعنى‬
‫باإلجابة على سؤال كيف تطور النظام االداري والجهاز الحكومي الستيعاب الوظائف اإلدارية والتنموية؟‬
‫كيف نعيد تنظيم الهياكل اإلدارية لتصبح أكثر قدرة على اتخاذ القرارات؟ كيف نطور نظام االتصال‬
‫والتفويض وكيف نبسط االجراءات اإلدارية لزيادة فاعلية المنشأة؟ وكيف ننمي المهارات اإلدارية والسلوكية‬
‫للعاملين؟‬
‫اختلف طالب اإلدارة العامة في وضع تعريف المصطلح التنمية اإلدارية‪ .‬تعكس هذه االختالفات االتجاهات‬
‫الرئيسية في منهجية علم اإلدارة والتي تحدثنا كلمة أبستمولوجيا تعني فلسفة المعرفة انظر عنها ايضا ‪.‬‬
‫فظهرت مجموعة من االتجاهات في تعريف التنمية اإلدارية نلخصها في ثالث اتجاهات رئيسية االتجاه‬
‫الهيكل الوظيفي ‪ structural functional‬االتجاه اإلجرائي ‪ operatiorial‬االتجاه السلوکی ‪behavioral‬‬
‫المدرسة أو االتجاه الهيكلي الوظيفي‬
‫عرف رواد المدرسة الهيكلية ‪ Structural-functional School‬و على رأسهم اسمان وفرد ريجز واتباعهم‬
‫التنمية اإلدارية على محاور هيكلية وظيفية فربطوا التنمية اإلدارية بأمالح البناء الهيكلي الستيعاب الوظائف‬
‫اإلدارية ويعني ذلك عند اسمان بناء المؤسسات ‪ institution building‬و عند فرد يجز التنوع الهيكلي‬
‫‪structural differentiation‬‬
‫يقوم مفهوم بناء المؤسسات على افتراض أن تنمية القطر أي قطر تعتمد إلى حد كبير على مقدرة القيادة على‬
‫تصميم وبناء شبكة من المؤسسات التعبئة وتنمية موارد الدولة الطبيعية واالنسانية ويعتمد ذلك على ضخامة‬
‫رأس المال المستثمر وحجم التعليم والتدريب واستخدام التكنولوجيا الحديثة يرتبط مفهوم بناء المؤسسات‬
‫بالقناعة المتزايدة بان التنمية تتحقق عن طريق خلق مؤسسات جديدة فعن طريق هذه المؤسسات يمكن نقل‬
‫القيم الحضارية واالساليب التنظيمية الحديثة وتأسيس وتعميق ونشر هذه القيم إلى القطاعات المختلفة في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫يهتم القادة ال مجددون في الدول النامية وموظفو العون الفني وخبراء األمم المتحدة الذين يفدون لهذه الدول‬
‫بتقديم االستشارات في مختلف الميادين وبناء شبكة من المؤسسات االستخدام الموارد المحلية واالجنبية‬
‫استخدام ا فعاال والنقل القيم الحضارية المتعلقة بالتكنولوجيا الغربية وينقل النماذج االدارية والتنموية ويعني‬
‫ذلك نقل انماط سياسية واجتماعية واقتصادية الهدف منها تغيير التركيب االجتماعي واالقتصادي والسياسي‬

‫‪23‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫للمجتمع ليتناسب مع المؤسسات والنماذج الجديدة ويشمل ذلك تغيير العادات والتقاليد والتركيب األسرى‬
‫والروابط التقليدية على مستوى االسرة الممتدة ‪ extended family‬و القرية وتغيير القيم االجتماعية‬
‫والسياسية ‪.‬‬
‫التنمية اإلدارية وفق مفهوم بناء المؤسسات تعنى بناء مؤسسات قادرة على الخلق واالبداع ذات كفاءة عالية‬
‫في أداء الوظائف الجديدة وفي نقل ونشر القيم الحضارية والوظيفية إلى الشرائح االجتماعية المختلفة وذات‬
‫مقدرة عالية ألحداث التغيير االجتماعي المطلوب‪.‬‬
‫يقوم مفهوم نقل النماذج وبناء المؤسسات على مجموعة من االفتراضات يمكن أن نجعلها فيما يلي‬
‫‪ -1‬تتحقق التنمية االقتصادية واالجتماعية في الدول النامية مع استقدام التكنولوجيا اجتماعية كانت او مادية‬
‫واستقدام مؤسسات لنشر القيم التكنولوجية يتوقف نقل ونشر واستيعاب التكنولوجيا على ايجاد قيم مساعدة‬
‫‪ supporting values‬وإجراءات واساليب وهياكل تنظيمية في البيئة يتعذر وجود هذه القيم المساعدة في‬
‫الدول النامية عند أي قبل استقدام التكنولوجيا وعليه يصبح تغيير القيم واالجراءات واالساليب والهياكل‬
‫التنظيمية المحلية ضرورة لتهيئّة المناخ للتكنولوجيا الحديثة‪.‬‬
‫‪ -2‬يتم استقدام التكنولوجيا الحديثة من خالل منشآت او تنظيمات تصبح هذه التنظيمات اوعية لتأسيس القيم‬
‫المساعدة‪.‬‬
‫‪ -3‬ان التخطيط الواعي لعملية التغيير المؤسسي وما يصاحب ذلك من التغيير التكنولوجي يضمن حسن‬
‫استخدام الموارد‪.‬‬
‫‪ -4‬تفريعا على ما تقدم يمكن تعريف بناء المؤسسات بتخطيط وبناء وتوجيه وقيادة المؤسسات الحديثة بهدف‬
‫احداث تغيير في القيم وفي الوظائف وفى التكنولوجيا وبهدف ايجاد عالقة تعاونية بين المؤسسة وبيئتها تقوم‬
‫على تبادل المنفعة‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتكامل‪ ،‬واالنسجام‪.‬‬
‫ابتكر فرد ريجز مصطلح التنوع الهيكلي ويقصد بذلك قيام منشآت وتنظيمات متنوعة ومتعددة ألداء الوظائف‬
‫اإلدارية المختلفة بدال عن المؤسسات التقليدية في الدول النامية كالتنظيمات القبلية والتكوينات الريفية المحلية‬
‫على مستوى القرية والتي تجمع بين الوظائف االدارية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪.‬‬
‫والتنوع الهيكلي يشبه لحد كبير بناء المؤسسات كما جاء في دراسات اسمان‪.‬‬
‫وفى واقع االمر فان المنطلق الفلسفي الذي يقوم عليه مفهوم التنوع الهيكلي وبناء المؤسسات واحد وأن‬
‫اختلفت اساليب معالجة المفهومين عند كل من الكاتبين‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫فكال النموذجين يقوم على افتراض ان التنمية االدارية تتوقف على نقل التكنولوجيا الغربية وخلق أنماط‬
‫ادارية واجتماعية وسياسية مشابهة لألنماط الغربية وتغيير البيئة االجتماعية في الدول النامية لتكون أكثر‬
‫تناسبا للتكنولوجيا الحديثة واكثر قابلية المتصاص القيم التي تصحب استقدام التكنولوجيا فالمنطلق الفلسفي‬
‫الذى يبدا منه النموذجان هي ان السلوك اإلداري و االقتصادي واالجتماعي ايضا هو نتاج تفاعل الهيكل‬
‫ويشمل ذلك المؤسسات والفلسفة التي تقوم عليها واالجراءات واالساليب التي تحكم مسيرتها مع البيئة‪.‬‬
‫اي أن المؤسسات تؤثر في البيئة بقدر ما تتأثر بها‪.‬‬
‫ومن هنا جاء اهتمام النموذجان بالبيئة او األيكولوجي ‪. ecology‬‬
‫تنظر المدرسة الهيكلية للجهاز اإلداري كنظام مفتوح ‪ open system‬يتفاعل مع البيئة التي يعيش فيها‬
‫سلبا وايجابا كما تفترض وجود عالقة دائرية بين الجهاز اإلداري وايكولوجيته تتلخص في استيراد الطاقة‬
‫من المحيط في شكل مدخالت وتحويلها لتصديرها مرة ثانية للمحيط في شكل مخرجات ثم قياس رد فعل‬
‫المحيط او البيئة في شكل معلومات مرتدة وتغذية معاكسة‪.‬‬
‫اعتمدت هذه المدرسة أيضا بنقل النماذج الغربية الى الدول النامية وتطبيقها لتواكب البيئة الجديدة‪.‬‬
‫فهي تنطلق من مفهوم ما يصلح لشركة جنرال موتر يصلح ايضا للواليات المتحدة أي ما يصلح او يثبت‬
‫فائدته في الدول المتقدمة ايضا يصلح للدول النامية‪.‬‬
‫فاإلطار النظري الذى تدور حوله هذه المدرسة هو مفهوم نظرية اللحاق أي اللحاق بركب الحضارة الغربية‬
‫بقيادة الواليات المتحدة‪.‬‬
‫ومعني ذلك خلق اجهزة ادارية على غرار ما هو موجود بالواليات المتحدة وغرب اوروبا ذروة النضج‬
‫االداري وفق نظرية هذه روستو ‪ Stages of Economic Growth‬ومن هنا تصبح هذه المدرسة هدفا‬
‫لنقد اعدا ئها واالتهام بانها تربط نفسها بالحتمية التاريخية والمادية أي باإلطار الثقافي و الحضاري والتقني‬
‫لغرب اوروبا تركز هذه المدرسة وفقا لمنهجها الهيكلي على مفهوم السلطة توزيعها‪ ،‬وتركيزها‪ ،‬وتخويلها‪،‬‬
‫وتفويضها‪.‬‬
‫فهي تعنى بجانب تصميم النماذج والهياكل بالمركزية والالمركزية وبخطوط السلطة الرسمية ونطاق التمكن‬
‫ووحدة التوجيه واالشراف والسالسل الهرمية أي تهتم بالجائب الساكن او الثابت ‪ static‬من المنظمة‬
‫وتجاهلت بذلك الجانب الديناميكي االنسان فالتنمية اإلدارية أو االصالح االداري وفق مفهوم هذه المدرسة‬
‫يبدأ بدراسة الخارطة التنظيمية للتعرف على خطوط السلطة وتوزيع المسئولية رأسيا وأفقيا وتحديد‬
‫االختصاصات لمنع االزدواجية‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المدرسة أو االتجاه اإلجرائي‬
‫التنمية اإلدارية في هذه المدرسية هي جهود مصممة خصيصا إلدخال تغييرات جوهرية في نظم اإلدارة‬
‫العامة من خالل اصالح شامل للنظام االداري أو على األقل من خالل اجراءات لتطوير واحد أو أكثر من‬
‫عناصره الرئيسية كالترتيب والتنظيم الوظيفي واإلجرائي‪.‬‬
‫يتحول االهتمام هنا إلى العناية باإلجراءات اإلدارية مثل التنظيم واألساليب ‪organization and methods‬‬
‫واالقتصاد في النفقات واالستخدام األمثل للموارد البشرية و التقنية بابتكار أمثل الوسائل ألداء العملية‬
‫اإلدارية عن طريق دراسة الوقت والحركة وعن طريق تحليل العملية اإلدارية وتقسيمها إلى وحدات قياسية‪.‬‬
‫ومن رواد هذه المدرسة المعهد الملكي البريطاني والذي يضطلع بمهمة التدريب والتنمية اإلدارية في مختلف‬
‫قطاعات ومستويات الحكومة البريطانية يتبنى هذا المعهد مشروع وحدة الخدمات اإلدارية‬
‫‪ Management Service Units‬في المصالح والدوائر الحكومية المختلفة‪.‬‬
‫تقوم هذه الوحد ات بتصميم النماذج وتقييم االجراءات واألساليب وتقديم االستشارات اإلدارية في معظم دول‬
‫العالم‪.‬‬
‫ينصب اهتمام المدرسة اإلجرائية على الجانب التطبيق اإلجرائي في المستويات القاعدية في المنظمة فتتجاهل‬
‫بذلك القضايا اإلدارية الكبيرة مثل مشاكل اتخاذ القرارات‪ ،‬والصراع والقيادة والسلطة والنفوذ والمشاركة‬
‫ومشكلة تحقيق الذات واالغتراب‪ ،‬واالنفصام واالنتماء والعالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫استعرضنا في الصفحات السابقة مفهوم المدرسة الهيكلية والمدرسة االجرائية التنمية اإلدارية وأوضحنا أن‬
‫التنمية اإلدارية وفق المدرسة الهيكلية تعني اصالح الهرم االداري وانشاء هياكل ومؤسسات جديدة لمباشرة‬
‫الوظائف اإلدارية المستحدثة ويعني ذلك أيضا قيام مكاتب ووحدات وأقسام ودوائر إدارية على نظام‬
‫التخصص الوظيفي ‪ functional specialization‬والذي يعني تقسيم العمل إلى وحدات تخصصية ويتم‬
‫التخصيص وفق اربعة مبادئ على النحو التالي‬
‫‪ -1‬الهدف ‪ purpose‬ويعني تقسيم العمل في المؤسسة على أساس ألهداف المعلنة‪.‬‬
‫فإذا اخذنا مثال شركة البترول كمثال فان تقسيم العمل وفق هذا المبدأ يعني تقسيم نشاطات الشركة إلى‬
‫وحدات هدفية مثل قسم المبيعات والذي يهدف لتسويق منتجات الشركة وقسم الحفريات وقسم التنقيب وهلم‬
‫جرا‪.‬‬
‫‪ -2‬الوسيلة ‪ process‬وهو تجميع العمل الذي يعتمد على وسائل معينة في وحدات متخصصة مثل وحدة‬
‫تحليل المعلومات أو وحدة الحاسب االلكتروني أو وحدة قياس الرأي العام أو العالمي ويعتمد العمل في هذه‬
‫‪26‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الوحدات على استخدام كفاءات ومهارات واجراءات معينة تستفيد منها جميع الوحدات األخرى مثل وحدة‬
‫المبيعات وقسم الحفريات وقسم التنقيب‪.‬‬
‫‪ - 3‬الزبون أو الجمهور المستفيد من خدمات المؤسسة ‪ Clientele‬تقسيم العمل على أساس الزبون يعني‬
‫وضع العدل الذي يوجه لمجموعة معينة من الزبائن فوحدات متخصصة مثل وحدة تدريب الكتبة ووحدة‬
‫تدريب عمال الحفريات ووحدة قياس رأي الجمهور ووحدة األعضاء ‪ share holders‬المساهمين‪.‬‬
‫‪ -4‬المناطق الجغرافية يتم احيانا تقسيم العمل على أساس المناطق الجغرافية ويعني ذلك توحيد العمل الذي‬
‫يقع في منطقة جغرافية واحدة في وحدات مهنية مثل شركة بترول أبو ظبي الوطنية فرع العين أو فرع‬
‫المصفح الخ‪.‬‬
‫وكما ذكرنا سابقا تشمل التنمية اإلدارية تطوير االجراءات اإلدارية حتى يسهل انسياب العمل في القنوات‬
‫اإلدارية المختلفة وتدفق القرارات وانجاز أقصی ما يمكن في أقصر وقت وبأقل تكلفة‪.‬‬
‫فالتنمية اإلدارية كما ورد سابقا تسقط بتركيزها على الجانب الثابت أو اآللي عنصرا هاما وهو االنسان من‬
‫المعادلة‪.‬‬
‫ومن ثم تتجاهل االجابة على الكثير من االسئلة مثل ما هي المهارات االنسانية والسلوكية التي نحتاج اليها‬
‫إلنجاز اقصى ما يمكن في أقصر وقت وبأقل تكلفة؟ وهل يمكن ترقية وترشيد االنتاج بدون هذه المهارات؟‬
‫هل يمكن عزل الجانب االنساني عن العامل والموظف أم أن الجانب االنساني مكمل للجانب اآللي؟ وهل فعال‬
‫تقود تنمية قدرات العامل أو الموظف السلوكية إلى تنمية المنظمة أو المنشأة وزيادة االنتاج ورفع االنتاجية؟‬
‫لإلجابة على هذه األسئلة ال بد من إعادة تعريف التنمية اإلدارية لتشمل العنصر السلوکی بجانب العنصر‬
‫الهيكلي واإلجرائي‪.‬‬
‫المدرسة أو االتجاه السلوكي في تنمية المنظمة ‪Organization Development‬‬
‫تتم التنمية اإلدارية وفق المدرسة السلوكية في محتوى ما يطلق عليه تنشله المنظمة وهو فرع من فروع‬
‫المعرفة نبع من المدرسة السلوكية يعني بترقية المهارات االنسانية ويركز بصفة خاصة على الجانب‬
‫السلوكي‪.‬‬
‫عرف فرنش وبيل ‪ French and Bell‬تنمية المنظمة بتنمية مقدرة المؤسسة ومهارات العاملين فيها على‬
‫حل وعالج المشاكل ومباشرة عملية التحديث بمساعدة وكيل التغيير ‪ change agent‬وباستخدام نظريات‬
‫وأساليب العلوم الس سلوكية التطبيقية‪.‬‬
‫تتم عملية التحديث والتغيير عن طريق المشاركة بين خبير التغيير والعاملين في المؤسسة‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫كما عرف هـ ‪.‬هورنستين ‪ H. Horenstein‬وآخرون تنمية المنظمة بخلق ثقافة تساعد على تأسيس‬
‫التكنولوجيا االجتماعية لتحليل وتغيير سلوك الفرد والمجموعة خاصية السلوك الذي يتعلق باتخاذ القرارات‬
‫والتخطيط واالتصال‪.‬‬
‫فبينما تعتمد المدرسة االجرائية على التنظيم واألساليب وبحوث العمليات واالحصاء والوسائل المقدارية‬
‫والكمية في تقسيم العملية اإلدارية إلى وحدات قياسية وتحليل العملية إلى جزئيات الكتشاف أمثل االجراءات‬
‫واألساليب‪ ،‬فان التنمية والتطوير االداري وفق مفهوم تنمية المنظمة تعتمد على معطيات مدرسة العلوم‬
‫السلوكية وتركز اهتمامه ا على مشاكل االتصال والمشاركة والوضوح والنمو والتغيير والعالقات االنسانية‬
‫وتحقيق الذات و الثقة والمشاعر واإلحساس و السلوك واستراتيجيات التدخل والمؤثر واالستجابة ومقاومة‬
‫التغيير والتحفيز‪.‬‬
‫تأ خذ مدرسة التنمية والتطوير االداري االنسان والمنظمة كوحدة دراسة فالمنطلق الفلسفي الذي تتحرك منه‬
‫هذه المدرسة هو أن تنمية قدرات االنسان عن طريق تطوير مهاراته تقود إلى تنمية المنظمة بتحقيق أكبر‬
‫قدر من االنتاج بأقل تكلفة في أقصر وقت وفق المفهوم الكالسيكي للتنمية اإلدارية تشمل تنمية قدرات‬
‫االنسان المقدرة على االتصال وصنع القرار وتحقيق الذات واالستجابة للتحفيز‪.‬‬
‫تقوم فلسفة هذه المدرسة على افتراض أن قدرات ومواهب االنسان كما يقول ارسطو ال يمكن أن تنمي اال‬
‫باالستخدام فهي كالسيف إذا شحذته أزداد مضاء ا وإذا تركته أصابه الصدأ‪.‬‬
‫ومن هنا تأتي أهمية السلوكية التطبيقية كأساس وإطار فلسفي وعملي للتطوير اإلداري تعتبر المشاركة في‬
‫صنع القرارات ووضع األهداف من الركائز األساسية التي يعتمد عليها التطوير االداري وفق المنهج‬
‫السلوكي‪.‬‬
‫فاإلنسان حسب مفهوم هذه المدرسة هو مستودع لآلراء يملك مقدرة عالية لالبتكار واإلبداع والخلق إذا ما‬
‫أتيحت له فرصة المشاركة هذا فوق أن المشاركة تربط االنسان بأهداف المنظمة‪.‬‬
‫إن مشاركة االنسان في وضع أهداف المنظمة تجعله أكثر انتماء ا لتلك األهداف والمقصود هنا المشاركة‬
‫الجماعية ويقوم مفهوم المشاركة الجماعية على اعتبار أن العمل االداري أو التنموي هو مسئولية جماعية‬
‫وأن تكاتف جهود العاملين في المنظمة يؤدي إلى تقليل حدة الصراع وصرف الجهد إلى تحقيق أهداف‬
‫المنظمة أو المنشأة‪.‬‬
‫يقوم مفهوم المشاركة أيضا على افتراض أن االنسان طموح يستخدم كل الفرص المتاحة له للنمو وأنه يجب‬
‫العمل وأن أهداف االنسان تتطابق أهداف المنشأة التي يعمل بها وأن االنسان يتمتع باستعداد فطري التحمل‬
‫‪28‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المسئولية ومن ثم ينبغي أن ال نثقل عليه في االشراف و أن نمنحه قدر ا من الحرية ألداء مهامه وأن ال‬
‫نتدخل إال في خدود في جزئيات وتفاصيل تعتبر المشاركة وسيلة وغاية على حد سواء‪.‬‬
‫فهي وسيلة لتحقيق اهداف المنشأة‪ ،‬الن المشاركة كما ذكرنا تؤدي إلى ربط العاملين بأهداف المنظمة‬
‫وتحفزهم لالنتماء اليها‪ .‬فهي اذن وسيلة من وسائل التحفيز تقود إلى التنمية اإلدارية المشاركة ايضا غاية‬
‫ألنها ترتبط رباطا وثيقا بمبدأ الحرية وميدا تحقيق الذات‪.‬‬
‫فالحرية هي حرية المشاركة في االختيار من مجموعة البدائل المتاحة وهي أيض ا حرية التعبير عن الذات‪.‬‬
‫فإن غاية ما يصبوا إليه الفرد بعد رضاء هللا هو تحقيق ذاته‪ ،‬غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل‬
‫يستجيب جميع العاملين للمشاركة؟ وهنا يجدر بنا االشارة إلى حقيقة هامة وهي أنه ينبغي أن ال نتوقع من‬
‫جميع العاملين االستجابة السريعة لعملية المشاركة‪.‬‬
‫فقد اشارت األبحاث إلى ان الموظفين في المراحل والمستويات العليا في هرم ماسلو للحاجات مستوى حاجة‬
‫الشهرة وتحقيق الذات يستجيبون بصورة أسرع للمشاركة من العاملين أو الموظفين في المستويات الدنيا في‬
‫هرم الحاجات الحاجة الفيزيولوجية واألمن‪.‬‬
‫تعتبر الثقة ايضا أحد الركائز األساسية في التنمية والتطوير االداري وفق مفهوم تنمية المنظمة – الثقة‪.‬‬
‫* قسم ابراهام ماسلو حاجات االنسان في شكل هرمي إلى خمس حاجات توجد هذه الحاجات في شكل‬
‫تراكمي من قمة الهرم إلى قاعدته على النحو التالي الحاجات الفيزيولوجية ‪ -‬الحاجة لألمن ‪ -‬الحاجة لالنتماء‬
‫والحب ‪ -‬الحاجة للشهرة والعرفان ‪ -‬الحاجة لتحقيق الذات‪.‬‬
‫بالنفس وفي رفقاء العمل وبين المجموعات المختلفة التي تتألف منها المنظمة‪.‬‬
‫يقول علماء السلوك أن الثقة ال تتوفر في مناخ يسوده الغموض والتشكك واخفاء المعلومات الهامة ‪ -‬وحجبها‬
‫عن متخذي القرار ومن ثم ينادون بضرورة الوضوح واالنفتاح وفي الجانب اآلخر تتوقف الثقة والوضوح‬
‫علی افقي وراسي‪ ،‬ويعنى ذلك أن توفر الثقة موضوع االتصال بأنواعه المختلفة‪ ،‬تصاعدي وتنازلي يتطلب‬
‫نسياب المعلومات وتدفقها دون عائق وتبادل وجهات النظر بين العاملين ‪ ،‬عن طريق القنوات الرسمية وغير‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫يؤكد هذا االتجاه اي االتجاه السلو ان معظم مشاكل المنظمات تنبع من مشاكل االتصال ولذلك ينصب جهد‬
‫وكيل التغيير على تحسين وسائل االتصال وتنمية قدرات العاملين البيانية وتبصيرهم بخطوط االتصال‬
‫ووسائله وفنونه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫يستخدم مستشارو تنمية المنظمة وسائل متعددة التطوير وترقية األداء هذه الوسائل احيانا تحت مصطلح‬
‫استراتيجيات التدخل ‪Intervention Strategies‬‬
‫وتشمل ما يلي‬
‫‪ -1‬تحليل األدوار ‪Role Analysis‬‬
‫‪ -2‬تحليل القوى الحقلية ‪Force Field Analysis‬‬
‫‪ -3‬اإلدارة باالهداف ‪Management By Objectives‬‬
‫‪ -4‬نظرية التكييف ‪Contingency Theory‬‬
‫‪ -5‬شبكة اإلدارة ‪Managerial Grid‬‬
‫‪ -6‬مجموعة التدريب ‪T. Group‬‬
‫‪ -7‬تدريب الحساسية ‪Sensitivity Training‬‬
‫‪ -8‬اثراء الوظيفة ‪Job Enrichment‬‬
‫‪ -9‬تحليل التفاعل ‪Transaction Analysis‬‬
‫‪ -10‬البحث العملی ‪Action Research‬‬
‫‪ -11‬نظرية التدخل ‪Intervention Theory‬‬
‫‪ -12‬بناء الفريق ‪Team Building‬‬
‫‪ -13‬اجتماع المواجهة ‪Confrontation Meeting‬‬
‫‪ -14‬ستشارة الوسائل ‪Process Consultation‬‬
‫‪ -15‬تدخل العنصر الثالث ‪Third Party Intervention‬‬
‫‪ - 16‬تكييف السلوك ‪Behavior Modification‬‬
‫نالحظ مما سبق أن التطوير االداري أو التنمية اإلدارية تحت مفهوم المنظمة تركز على الجانب السلوكي‬
‫تكييف السلوك وتطويره وتغييره‪ ،‬وان هناك استراتيجيات مختلفة للتغيير وأن التغيير يبدأ باإلنسان أي بتنمية‬
‫قدرات اإلنسان‪ ،‬وانه يهمل متعمد السلطة في القوة بتركيزه على الثقة والوضوح المحبة والحقيقة وان وسيلة‬
‫التغيير‪.‬‬
‫هي التدخل والتدريب ‪ Intervention‬ويشتمل التدريب على مجموعة السلوكية‪ .‬بقي لنا أن نوضح دور‬
‫التدريب في التنمية أو التطور االداري‪ ،‬وفلسفة التدريب وكيف يقود التدريب االمتصاص القيم السلوكية التي‬
‫أشرنا إليها أعاله‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تقوم فلسفة التدريب على نظرية كيرت لوين ‪ Kurt Lewin‬السلوكية والتي تقول ان السلوك هو نتاج‬
‫الشخصية والبيئة ان اي تغيير في البيئة التي يعيش فيها الفرد بيئة العمل مثال يصحبه شخصيته‪ ،‬كأن ندربه‬
‫على أساليب سلوكية تغيير في سلوك القرد فإذا أجرينا بعض التعديالت في أو اجرائية مختلفة أو عرضناه‬
‫لتجارب مختلفة فسوف نتوقع تغييرا مماثال في سلوكه‪.‬‬
‫فاإلنسان كما يقول ب في اسکنر ‪ B.F, Skinner‬يستجيب للمؤثر بوسائل وأساليب متعددة استجابة موجبة‬
‫وسالبة‪.‬‬
‫فإذا عززنا االستجابة الموجية فان الفرد يكرر نفس االستجابة الموجبة تحت تأثر ما اسماه بالتكييف‬
‫المصنع ‪ Operant Conditioning‬إذا ركزنا على تقوية السلوك الموجب لدى العاملين كالثقة واالنفتاح‬
‫والمشاركة والوضوح عن طريق استراتيجيات التدخل والتدريب فإننا سوف تحصل على استجابة موجبة مثل‬
‫تعميق هذه القيم أي نستطيع تغيير أنماط سلوك العاملين عن طريق التدريب من حالة االنغالق وعدم الثقة‬
‫واالنكفاء على النفس والغموض والخوف من اتخاذ القرارات وتهيب المغامرة والتردد والشكك بنوايا‬
‫اآلخرين وعدم مواجهة المواقف بشجاعة إلى سلوك أكثر ايجابية التدريب وفقا لذلك هو احد الوسائل الهامة‬
‫إلزالة المهرة بين االتجاه ‪ Attitude‬والسلوك ‪ Behavior‬والمقصود باالتجاه هو التصرف العفوي الذي ال‬
‫يلتزم بقواعد سلوكية عقالنية وقد يكون أحيانا ال اراديا أو منطقيا أو أخالقيا المقصود بالسلوك هو التصرف‬
‫الواعي والذي يعتمد على قواعد عقالنية ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪.3‬‬
‫ينشأ الصراع في المنظمة نتيجة عدم االنسجام بين االتجاه والسلوك أي بين النزعات والغرائز الفردية وبين‬
‫المطالب العقالنية المنظمة‪ ،‬أو لوجود نوع من عدم اتجاه المفرد والسلوك التنظيمي الذي ينبغي أن يتحلى به‬
‫الفرد‪.‬‬
‫يطلق على الصراع بين االتجاه والسلوك التباين أو االختالف أو التمرد المدرك ‪Cognitive dissonance‬‬
‫يستخدم التدريب كأسلوب الحسم الصراع فالتدريب وفق هذا المفهوم هو وسيلة لغرس مفاهيم وقيم المنظمة‬
‫في وعي العاملين من جانب ووسيلة الستبعاد االتجاهات التي ال تنسجم مع سلوك المنظمة من جانب آخر‬
‫فهو اذن اسلوب من اساليب السيطرة والضبط ضبط اتجاهات العاملين والسيطرة على سلوك المنظمة ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫خالصة‬
‫تناولنا في الصفحات السابقة موضوع العالقة بين إدارة التنمية والتنمية اإلدارية وأوضحنا المحاور الرئيسية‬
‫التي يدور حولها المصطلحان فتبين من النقاش أن مصطلح إدارة التنمية يناقش قضايا فلسفية وايديولوجية‬
‫تتعلق بأيديولوجية التنمية وف لسفتها ماذا نتج ولماذا؟ بينما يعالج مصطلح التنمية اإلدارية المسائل اإلجرائية‬
‫والهيكلية والسلوكية أوضحنا ايضا ان التنمية اإلدارية تعنى ‪ ،‬بجانب تطوير الوسائل واالجراءات وبناء‬
‫المؤسسات ألداء الوظائف اإلدارية المختلفة ‪ ،‬باالهتمام بالهيكل االداري وتطويره واالهتمام بقنوات السلطة‬
‫الرئيسية ونطاق االشراف وخطوط االتصال والتفويض ‪ ،‬باإلضافة إلى تنمية قدرات اإلنسان ومهاراته‬
‫ويشمل ذلك االنفتاح والثقة والوضوح و المشاركة والمقدرة على االتصال باآلخرين وتتم تنمية هذه المهارات‬
‫بالتدريب وضح من التحليل ايضا ان التنمية اإلدارية تجيب على سؤال كيف كيف نزيد الناتج القومي؟ وكف‬
‫نعيد تصميم الهرم االداري لنضمن سهولة تدفق القرارات وانسياب المعلومات عبر المستويات اإلدارية‬
‫المختلفة؟ وكيف ننشئ مؤسسات جديدة الستيعاب الوظائف الجديدة؟ وكيف نعيد صياغة االجراءات الجديدة‬
‫لضمان تحقيق أو انجاز المهام اإلدارية في أقصر وقت وبأقل جهد؟ وكيف تطور المهارات السلوكية لدى‬
‫العاملين لزيادة انتاجيتهم وانتمائهم ألهداف التنظيم‪.‬‬
‫تناول الفصل ايضا موضوع الخلط بين التنمية اإلدارية وإدارة التنمية و عزى ذلك لبعض المشاكل المنهجية‬
‫في علم اإلدارة وأشار لبعض هذه المشاكل واهمها طبيعة علم اإلدارة االحتوائية واقتباسه من مختلف العلوم‬
‫التطبيقية واالنسانية وقد ارجأنا مناقشة بعض المشاكل المنهجية في علم اإلدارة للفصل الثالث إدارة التنمية‬
‫واإلدارة المقارنة حيث إن موضوع المنهجية يمثل المحاور الرئيسية في العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة‬
‫المقارنة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصل الثالث‬
‫إدارة التنمية واإلدارة العامة‬
‫المقارنة عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟‬
‫مقدمة‬
‫يستعرض هذا الفصل العالقة بين إدارة التنمية واإلدارة العامة المقارنة فيجيب على مجموعة من التساؤالت‬
‫حول هذه العالقة هل هي عالقة احالليه أم عالقة تكاملية؟ ما هي الدواعي أو البواعث لظهور حقل اإلدارة‬
‫المقارنة وإدارة التنمية؟ هل هي موضة طارئة تنتهي مع مسببات وجودها أم ضرورة بارادأيماتيكية‬
‫‪ Paradigmatic necessity‬ما هي الجذور الفكرية واإلطار الفلس لإلدارة المقارنة وهل تختلف عن‬
‫الجذور الفكرية لإلدارة العامة األم؟ ما هي منهجية اإلدارة العامة المقارنة وهل تختلف عن منهجية السياسية‬
‫المقارنة؟ ثم االهتمامات الرئيسية في اإلدارة المقارنة؟ ما هي أوجه المقارنة بين اهتمامات إدارة التنمية‬
‫واإلدارة المقارنة؟ هل هما حقالن مختلفان أم هما وجهان لعملة واحدة؟ وما هي المؤشرات المستقبلية‬
‫للحقلين؟‬
‫وجهان لعملة واحدة؟ وما هي المؤشرات المستقبلية للحقلين؟‬
‫اإلدارة العامة المقارنة موضة طارئة أم ضرورة بارادأيماتيكية؟‬
‫أشرنا في الفصل السابق لبعض المشاكل المنهجية في علم اإلدارة العامة كما أبرزنا قضية هامة اخذت‬
‫تتعاظم بصورة واضحة في حقل اإلدارة العامة عبر عنها في مؤتمرات جمعية اإلدارة العامة األمريكية وفي‬
‫سمنارات اإلدارة العامة المختلفة وبصورة أكثر وضوحا في سمنار مينوبروك ‪ Minnow brook‬وهي‬
‫مشكلة تناسب ‪ relevance‬حقل اإلدارة العامة ومقدرته االستيعاب ومعالجة القضايا الملحة وفائدة أو‬
‫جدوی علم اإلدارة العامة للمهنيين و الممارسين ‪ the professionals‬في ميدان العمل ‪ .‬وكان الهجوم‬
‫على حقل اإلدارة العامة يدور حول المحاور التالية‬
‫‪ -1‬ان العاملين في حقل اإلدارة العامة غير قادرين على إدارة التغيير كما أن الجامعات غير قادرة على‬
‫اعداد المهنيين للقيام بمهمة التغيير‪.‬‬
‫‪ -2‬لم تعد األطر القديمة في اإلدارة العامة صالحة لمعالجة القضايا العصرية مبادئ قوليك ‪ Gulick‬مثال‬
‫‪ POSDCORB‬ومبادئ فيول لم تعد صالحة ألنها تجيب على اسئلة تختلف عن األسئلة التي تطرح اليوم‪.‬‬
‫فقد كانت مبادئ قوليك تجيب على ما هو عمل الرئيس أو المدير العام؟ والسؤال اليوم ماذا ينبغي ‪should‬‬
‫على المدير أن يعمل؟‬
‫‪33‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ -3‬أن االدب االداري المعاصر ‪ The state of the art‬ال يفيد المهني في مجال اإلدارة العامة وال‬
‫يرتبط بالمشاكل الحقيقية في عالم اإلدارة‪.‬‬
‫‪-4‬أن األدب االداري المعاصر يقوم على اإلطار الفلسفي لما يسمى بالمنطقية الواقعية ‪Logical Positivism‬‬
‫تؤمن هذه المدرسة بالمنهجية العلمية التجريبية وتنادي بتطبيقها في كل األبحاث العلمية فهي تعتمد على‬
‫التجربة والمالحظة وتنادي بفصل الحقائق عن القيم‪ fact-value dichotomy ،‬فكل ما لم يثبت عن‬
‫طريق التجربة فهو باطل وفق فلسفة هذه المدرسية‪.‬‬
‫بناءا على ما تقدم لم تعد هذه الفلسفة صالحة لمقابلة التحديات العصرية في علم اإلدارة العامة ‪ ،‬ألن هذه‬
‫التحديات ترتبط لحد كبير بالقيم ‪ Values.‬فالتحديات المعاصرة هي تحديات قيمية كيف نحقق الحياة‬
‫السعيدة؟ وكيف نحقق العدالة االجتماعية؟ ينبغي أن يعتمد علم اإلدارة على إطار فلسفي أو ابستمولوجيا‬
‫جديدة ‪ New Epistemology‬فاالتجاه الحالي نحو العلوم االنسانية وعلم النفس اإلنساني الفينومينولوجيا‬
‫هي مؤشرات على الطريق‪.‬‬
‫‪ -5‬تجتاح العالم المعاصر مجموعة من موجات االضطراب ‪ turbulence‬اضطراب في البيئة االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫ان نظريات اإلدارة العامة الحالية والتي نبعت من بيئة مستقرة تتميز بالثبات واالستقرار النسبي ال تصلح‬
‫كأدوات تحليل لفهم البيئة المضطربة ومن ثم ال بد من قيام نظريات جديدة أكثر قدرة على التأقلم مع التغيير‬
‫في بيئة تتميز بقدم الثبات‪ .‬وأكثر قابلية للمواجهة الصريحة ‪Confrontation‬‬
‫‪ -6‬النظريات اإلدارية الهرمية الحالية ال تلبي التطلعات الجديدة في قضية التناسب‪ ،‬واالضطراب أو عدم‬
‫االستقرار والمواجهة والمشاركة وااللتزام بالقيم االنسانية ‪ value involvernent‬والتغيير ومن ثم يجب‬
‫التفكير في ايجاد نظريات إدارية جديدة بعيدا عن االشكال البيروقراطية في اتجاه ما يسمى بالنموذج‬
‫االتحادي أو التجميعي ‪ consociated model‬والذي يعتمد على السلطة الموقفية لكل مقام مقال أي لكل‬
‫موقف اسلوب قيادة مختلف وعلى تقليص الخلل الهرمي بتوزيع السلطة على فرق أو مشاريع تكون القيادة‬
‫فيها تناوبية ‪ .‬يشبه هذا النموذج نموذج الري كيركهارت ‪ Larry Kirkhart‬أو المنظمة المصفوفية‬
‫‪ Matrix Organization‬والتي تحدث عنها كريس ارجريس‪.‬‬
‫‪ - 7‬تتجه اإلدارة العامة الجديدة نحو العمل الميداني ‪ action‬ونحو التنمية والتغيير وحل المشاكل والتدريب‬
‫والقيم ونحو المزيد من الوالء للزبون والبرامج ووالء اقل للمنظمة‬

‫‪34‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ - 8‬بينما تركز االتجاهات الكالسيكية في اإلدارة العامة على الكفاية واالقتصاد فإن االتجاهات الحديثة تركز‬
‫على العدالة االجتماعية ويعني ذلك اعادة النظر في انماط وعمليات التوزيع الحالية‪.‬‬
‫تؤكد اآلراء التي طرحت في سمنار مينوبروك الحقيقة التي اشرنا اليها في الفصل الثاني وهو وجود حالة من‬
‫عدم الرضا عن ما يسمى بالحالة الراهنة لألدب االداري تتلخص في عدم مقدرة علم اإلدارة العامة على تلبية‬
‫الطموحات الجديدة واستيعاب القضايا التي ترتبط بالتحديات الجديدة في بيئة تتميز باالضطراب وعدم الثبات‬
‫وفي واقع األمر فان اآلراء التي طرحت في سمنار مينوبروك ترجع جذورها التاريخية إلى الخمسينات وأول‬
‫الستينات حيث طرحت نفس هذه اآلراء لكن في قوالب مختلفة في مؤتمر اإلدارة العامة في برينستون‬
‫‪ Princeton‬عام ‪ 1952‬غير أن هذه اآلراء طرحت في محتوى مختلف حيث أن موضوع النقاش كان‬
‫يدور حول مدى تناسب حقل اإلدارة العامة النظرية والتطبيقية مع واقع الدول النامية قادت مداوالت هذا‬
‫المؤتمر إلى ابراز جوانب الضعف في حقل اإلدارة العامة فوصف بانه يربط نفسه باالطار الثقافي‬
‫والحضاري لغرب أوروبا والواليات المتحدة ‪ culture - bound‬ومن ثم ال يصلح للتطبيق في الدول‬
‫النامية ولذلك ظهرت الحاجة للتفكير في بديل الحقل اإلدارة فانبثقت فكرة اإلدارة العامة المقارنة على يد فرد‬
‫ريجز الذي سرعان ما انتهز هذه الفرصة فكتب العديد من المقاالت في أول الستينات اثارت االهتمام إلى‬
‫حقل اإلدارة العامة المقارنة‪.‬‬
‫بعد هذا السرد الموجز نود أن نعود للسؤال المطروح وهو هل اإلدارة العامة المقارنة هي موضة أم ضرورة‬
‫بارادأيماتيكية؟ وقبل أن نجيب على السؤال المطروح نود أن نطرح سؤاال آخر عن ماهية البارادايم ومتى‬
‫وكيف تظهر وهل هناك شروط ‪ prerequisites‬تسبق ظهور البارادايم؟‬
‫يقول توماس کون ‪ Thomas Kuhn‬تمر دراسة المنظمات‪ ،‬كدراسة بقية العلوم العادية ‪Normal Sciences‬‬
‫بعدة مراحل قبل الوصول إلى اتفاق بين العلماء على ايجاد قاعدة ثابتة لدراسة المنظمات وقبولها كمادة حقل‬
‫دراسي‪ .‬أهم هذه المراحل هي وجود وانتشار حالة من عدم الرضا عن نماذج المعرفة السائدة‪ ،‬ووجود آراء‬
‫متعارضة ومتضاربة وعدم وجود دليل ورائد يتخذ كإطار لفهم وتحليل وتفسير وبحث الظاهرة قيد الدراسية‬
‫وفقد ان االتفاق العام حول اساسيات الحقل الدراسي تسبق هذه المرحلة‪ ،‬اي مرحلة‪ .‬عدم الرضاء‪ ،‬مرحلة‬
‫رفض البارادايم الحالية وقبول البارادايم الجديدة‪.‬‬
‫اتخذ النداو ‪ Landau‬نظرية ثوماس کون لتحليل التطورات في علم اإلدارة فأشار إلى ان البيروقراطية‬
‫تمثل برادايم جديدة في علم اإلدارة العامة أو دراسة المنظمات بشكل عام كما أن المدرسة السلوكية تمثل‬
‫برادايم أخرى فهل يا ترى يمكن استخدام نفس المنطق لنقول ان دراسات فرد ريجز واسمان وبقية مجموعة‬
‫‪35‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫اإلدارة العامة المقارنة تمثل برادايم جديدة في الفكر االداري؟ وهل يمثل النقاش أو الحوار الذي دار في‬
‫مؤتمر برينستون سنة ‪ 1952‬وإلى دار في سمنار مينوبروك حالة عدم الرضا والتي تعتبر شرطا يسبق‬
‫ظهور البارادايم؟ وهل يمثل اللغط الذي كان يدور حينذاك حالة كافية من التذمر ضد نماذج المعرفة السائدة‬
‫وفقدان الدليل والتي ايضا تعتبر شرطا هاما يسبق ظهور ورواج البارادايم؟ اي هل اإلدارة العامة المقارنة‬
‫ضرورة بارادأيماتيكية؟ تتوقف االجابة على هذا السؤال على تحليل البيئة االكاديمية والثقافية واالقتصادية‬

‫وعرف ثوماس س كون العلوم العادية ‪ normal sciences‬كأبحاث تنطلق من االنجازات العلمية السابقة‬
‫والتي يتخذ منها المجتمع العلمي قاعدة ومنطلقا الممارسات عزی کون العلوم العادية إلنجازات ونشاطات‬
‫بعض العلماء مثل نيوتن وارسطو وآخرين‪ ،‬وذلك الن اعمال هؤالء المفكرين ظلت لمدة طويلة منارا يهتدي‬
‫به العلماء والباحثون في تعريف الحدود الشرعية للمشكلة‪ ،‬قيد الدراسة واساليب البحث لألجيال المتالحقة من‬
‫المهتمين‪ .‬ويرجع نجاح أعمال هؤالء المفكرين إلى سببين السبب‪ .‬األول هو ان انجازات هؤالء العلماء تعتبر‬
‫انجازات فريدة جذبت اليها عددا كبيرا من المؤيدين ودفعت بهم بعيدا عن النماذج التقليدية الكالسيكية السبب‬
‫الثاني هو ان هذه االنجازات تتميز بدرجة عالية من االنفتاح بحيث تتيح لألجيال الالحقة من المهتمين‬
‫والممارسين قدرا كبيرا من الحرية في اعادة تعريف المشاكل قيد الدراسية أطلق کون على مثل هذه‬
‫االنجازات مصطلح برادايم‪.‬‬
‫في الستينات وأول الستينات ابان ظهور ورواج اإلدارة العامة المقارنة وعلى تحليل نماذج الدراسة والتحليل‬
‫التي استخدمت في اإلدارة العامة المقارنة هل هي نماذج أصيلة تعتمد على منهجية اصيلة أم هي فقط نقل‬
‫للنماذج الغربية وتطويعها لتالئم البيئات التي نقلت اليها؟‬
‫ذكرنا في الصفحات السابقة أن التفكير في علم اإلدارة المقارنة بدأ في الخمسينات بعد قناعة المفكرين بان ما‬
‫يصلح لدولة معينة ال يعني بالضرورة صالحيته لدولة اخرى وذلك لتباين واختالف األحوال التي تعيش فيها‬
‫كل دولة عن الدول األخرى ‪ -‬تباين حضاري وثقافي و اقتصادي و اجتماعي و تكنولوجي ‪ -‬فانصرف‬
‫التفكير إليجاد إدارة عالمية تطبق عبر الثقافات والحضارات ‪ ،‬وما كان لهذه الدعوى ان تنجح لوال جهود‬
‫العالمة فرد ريجز والمساعدات التي وجدتها مجموعة اإلدارة المقارنة‬
‫‪ Comparative Administration Group CAG‬من مؤسسة فورد والتي سارعت بتمويل الحركة اقترن‬
‫التفكير في ايجاد علم‪ .‬عالمي لإلدارة ‪ ،‬ببرامج التنمية العالمية وخاصة البرامج التي تبنتها الواليات المتحدة‬
‫مثل برنامج التنمية العالمي ‪ AID‬وبرنامج الطعام للسالم ‪ Food For Peace‬والعون األجنبي‬
‫‪36‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ Foreign aid‬فاتجه مجم وعة من العلماء وعلى رأسهم قرد ريجز لدراسة احوال الدول النامية إليجاد‬
‫أرضية وقاعدة لتنفيذ برامج التنمية‪.‬‬
‫أشار الدكتور ابراهيم درويش إلى عدة عوامل سما عدت على رواج حقل اإلدارة العامة المقارنة مثل‬
‫الجامعات والمعاهد العليا والمنظمات اإلقليمية‪.‬‬
‫كان للجامعات والمعاهد العليا دور هام في دفع حركة دراسة اإلدارة العامة المقارنة ‪ .‬فالجامعات شأنها شأن‬
‫بقية المؤسسات العلمية تتأثر بالمحيط الثقافي فهي مستودع للعلوم بأنواعها النظري والتطبيقي‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫انها تستجيب بصورة فعالة لتوقعات ومطالب المحيط الذي تعيش فيه ان أكثر الجامعات اسهام ا في دفع‬
‫حركة اإلدارة العامة المقارنة هي جامعة انديانا حيث أصبحت مقرا لمجموعة اإلدارة العامة المقارنة والتي‬
‫قامت بنشر أكثر من مائة كتاب في هذا المجال ‪.‬‬
‫كانت الجامعة ايضا تستجيب لحاجة الواليات المتحدة في دراسة وإدارة وتنفيذ مشاريع العون األمريكي‬
‫ومشاريع الطعام للسالم فغلبت ثقافة الجامعة على نوعية الدراسات المقارنة وطبيعتها لعبت المعاهد ايضا‬
‫دورا هاما في اثراء الدراسية المقارنة و قامت معاهد لإلدارة العامة في الدول النامية على اكتاف منظمة‬
‫األمم المتحدة والدول‪.‬‬
‫المضيفة فكان لها أثر واضح في نشر الثقافة اإلدارية وفي منهجية البحث المقارن وفرت مثل هذه المعاهد‬
‫حصيلة ضخمة من المعلومات عن دول العالم الثالث‪.‬‬
‫قامت بعض المنظمات االقليمية بنشر الثقافة اإلدارية المقارنة ألعضائها مثل منظمة الوحدة االفريقية‬
‫ومنظمة دول عدم االنحياز ومنظمة السوق األوروبية المشتركة ومنظمة الدول العربية‪ .‬وتجدر اإلشارة هنا‬
‫إلى منظمة الدول العربية التي قامت بمجهود جبار في اثراء الحياة والعلوم اإلدارية بالشرق العربي حيث‬
‫اهتمت المنظمة العربية للعلوم اإلدارية بنشر كتيبات في مجال اإلدارة العامة وبإصدار مجالت أو دوريات‬
‫ونشرات متعددة وابتعاث خبراء اإلدارة لترشيد االداء االداري في الدول األعضاء‪.‬‬
‫بعد استعراض المناخ الفكري الذي نشأت فيه اإلدارة العامة المقارنة فكرة وواقعا تتضح لنا حقيقتان أولهما‬
‫أن ظهور اإلدارة العامة بالمقارنة كان ضرورة بارادأيماتيكية دعت لها الحاجة للتفكير في انماط إدارية‬
‫جديدة تتناسب مع مختلف دول العالم خاصة الدول النامية وذلك ألن دول العالم الثالث تتميز بخصائص‬
‫تختلف عن دول العالم األول والثاني فالمناخ الفكري الذي ساد حقل اإلدارة العامة في أواخر الخمسينات‬
‫السندات كان ينبی؟ بظهور برادايم جديدة وإطار جديد لإلدارة األمنية في الدول النامية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫والحقيقة الثانية التي صاحبت ظهور البارادايم الجديدة هي وجود يقظة أو صحوة ضمير بين دول العالم‬
‫المتقدم ابان هذه الفترة وتزايد الوعي بمشاكل التخلف والفقر والمرض والجوع في دول العالم المتخلف‬
‫وظهور الرغبة في عالج هذه المشاكل ومد يد العون للدول الفقيرة فقامت مجموعة من البرامج تحت رعاية‬
‫الدول الغربية خاصة الواليات المتحدة واألمم المتحدة والمؤسسات الكبيرة مثل مؤسسية فورد وروكيفلر‬
‫وتعاظم االهتمام بالدول الفقيرة نتيجة إلى ما يسمى بيقظة الضمير أو بعقدة الذنب ‪ ،‬أي شعور الدول المتقدمة‬
‫بمسئوليتها تجاه" حالة الفقر والمرض ما يطلق عليه احيانا في الدول الفقيرة بعد اجيال من االستعمار‬
‫واستنزاف الموارد الطبيعية والبشرية وتحويل مقدرات وامكانيات الدول الفقيرة لتصبح وقودا للثورة‬
‫الصناعية في الدول الغنية تحول هذا االهتمام أي االهتمام بمعالجة مشكلة التخلف في الدول النامية إلى‬
‫موضة في الدول الغربية فأصبحت انسانية الدولة أو المؤسسة تقاس يمني ما تنفقه في سبيل القضاء على‬
‫مشاكل الفقر والمرض والجهل في الدول الفقيرة‪ .‬في هذا الجو المشحون بالعاطفة ظهرت الحاجة إلى فكر‬
‫إداري هذه الدول والمؤسسات ويساعدها في إدارة وتنفيذ مشاريع العون للدول النامية‪ .‬ومن ثم وجدت اإلدارة‬
‫العامة المقارنة طاقة دفع كبيرة من المؤسسات والدول التي تعنى بالعون االجنبي وعليه يمكن القول بأن‬
‫اإلدارة العادة المقارنة أصبحت موضة يتشبث بها كل من لم يقو على السير عكس التيار‪.‬‬
‫منهجية اإلدارة العامة المقارنة‬
‫قبل أن تسترسل في دراسة منهجية اإلدارة العامة المقارنة ينبغي أن نعرف المحور الذي تدور حوله هذه‬
‫المنهجية‪ .‬عنت دراسة اإلدارة المقارنة بالتركيز على دول العالم الثالث‪ .‬ظهرت مجموعة من التعريفات‬
‫والمصطلحات فيما يتعلق بهذا الجزء من العالم فاختصم العلماء واختلفوا في تعريفه فمنهم من عرفه بصورة‬
‫تجريدية بان قسم العالم إلى العالم األول ويقصد به دول غرب أوروبا و أمريكا الشمالية ‪ ،‬والعالم الثاني‬
‫ويقصد به في الدول الصناعية في المعسكر االشتراكي ‪ ،‬والعالم الثالث ويقصد به الدول النامية و صحبت‬
‫هذا التقسيم مشكلة ظهرت حديثا بظهور دول البترول والتي تختلف ‪ ،‬من حيث البنية االقتصادية والدخل‬
‫القومي ودخل الفرد واثرها على السوق العالمي‪ ،‬عن دول العالم الثالث فسميت بدول العالم الرابع‪.‬‬
‫التقسيم الثاني يعتمد على معدالت ومستويات النمو وهو تقسيم العالم إلى عالم متقدم وآخر مختلف‬
‫استبدل مصطلح متخلف بمصطلح نامي ويعتبر هذا التقسيم عند بعض العلماء مهينا ومجحفا في حق دول‬
‫العالم الثالث وذلك الن مسألة النمو هي قضية معيارية‪.‬‬
‫فالتقدم في مجال التكنولوجيا قد ال يعني التقدم في المجاالت االجتماعية األخرى كالمساواة واألخالق ومساندة‬
‫الضعيف وقية المسائل اإلنسانية فزيادة الدخل القومي ودخل الفرد ومعدالت االنتاج‪ .‬ونمو رأس المال بشقيه‬
‫‪38‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫النقدي والمؤسسي وبناء المنظمات وتطور العمران والتكنولوجيا ال تعني شيئا عند بعض العلماء إذا لم‬
‫تصحبها النظرة االنسانية والعدالة‪.‬‬
‫التقسيم الثالث يعتمد على المرتكزات االيديولوجية فيقسم العالم على اساس النظريات االقتصادية السائدة‬
‫االشتراكية والرأسمالية فيقال الدول االشتراكية والدول الرأسمالية اشارة إلى التزامها بخط سياسي واقتصادي‬
‫معين ومن المشاكل األساسية في هذا التقسيم هو اعتبار العالم مناطق نفوذ الدولتين عقائديتين وهي االتحاد‬
‫الس وفيتي والواليات المتحدة وان ظهور دول علم االنحياز لهو خير دليل على االعتراض على هذا التقسيم‪.‬‬
‫التقسيم الرابع يعتمد على نفس مرتكزات التقسيم الثاني بيد أنه يعتمد على التقدم التكنولوجي في تقسيم العالم‬
‫إلى دول صناعية ودول زراعية اعتمد ريجز هذا التقسيم في تحليل اإلدارة العامة المقارنة‪.‬‬
‫التقسيم الخامس يعتمد على تقسيم العالم من الناحية االستراتيجية إلى دول مركزية ودول هامشية‪ ،‬وقد حوى‬
‫هذا التقسيم الكثير من خصائص التقسيمات السابقة‪ ،‬فهو لهذا يعتبر أكثر شموال حيث انه يتسع الحتواء‬
‫ظاهرة دول العالم الرابع أي الدول المصدرة للبترول والتي حسب هذا التقسيم دوال مركزية‪.‬‬
‫تأثرت منهجية علم اإلدارة العامة المقارنة بالكثير من العلوم االنسانية ‪ -‬وأحيانا التطبيقية ‪ -‬خاصة السياسية‬
‫المقارنة وفي الواقع فان منهجية اإلدارة العامة األم تأثرت إلى حد كبير بمنهجية السياسية وقد يرجع ذلك من‬
‫ناحية تاريخية إلى ان اإلدارة العامة إلى وقت قريب كانت تعتبر جزءا من السياسة وما زالت تدرس في‬
‫بعض الجامعات كتخصص في السياسة‪ .‬هنا باإلضافة إلى ان غالبية الكتاب في مجال اإلدارة المقارنة هم في‬
‫الواقع من حملة الشهادات في علم السياسية وخاصة السياسية المقارنة‪.‬‬
‫تأثرت منهجية علم اإلدارة المقارنة ايضا بمنهجية علم االجتماع والعلوم التطبيقية وخاصة المنطقية الواقعية‬
‫والتي تعتمد على التجربة والدراسية المختبرية في رصد الظاهرة كما ويشمل ذلك معظم دراسة الحاالت أي‬
‫الدراسات النظم اإلدارية المختلفة في المغرب أو المشرق‪.‬‬
‫نتج ع ن تعدد منهجيات ومصادر دراسة اإلدارة العامة المقارنة تباين کبير في أسلوب تناول وتشخيص‬
‫الظاهرة اإلدارية عبر الحضارات والثقافات فكانت مناهج البحث تعكس الفكر السائد في مجال العلوم‬
‫االجتماعية والتطبيقية يمكن أن نجملها فيما يلي۔‬
‫‪ -1‬المنهج الهيكلي ‪The Structural Approach‬‬
‫يعنى بدراسة وتحليل المنظمات والعالقة بينها ويركز على الهياكل اإلدارية والعالقات الهرمية والسلطة‬
‫وتوزيعها وتحويلها وتفويضها وتركيزها استعان فرد ريجز بعض معطيات هذا المنهج التحليل المنظمات في‬
‫نموذجه الزراعي والصناعي والمنشوري‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ -2‬منهج النظام الوظيفي ‪The Functional System Approach‬‬
‫يهتم هذا المنهج بوظائف النظام اإلداري والعملية اإلدارية وهو يتكامل مع المنهج األول ينظر هذا المنهج‬
‫للجهاز اإلداري كنظام يرتبط بأجزائه وبيئته بعالقة شبكية يقوم بأداء وظائف معينة كما ينظر للنظام من‬
‫خالل ما يقوم به من وظائف‪.‬‬
‫‪ -3‬المنهج السلوكي ‪The Behavioral Approach‬‬
‫يفحص هذا المنهج سلوك األفراد الذين يقومون بتسيير دفة اإلدارة والسياسية في الدول المعنية ‪ -‬اعمالهم‬
‫واتجاهاتهم وتوقعاتهم ‪ -‬مثل دراسة الصفوة أو النخبة القيادية ودور المثقفين في التنمية ودراسة القيادات‬
‫العسكرية واتخاذ القرارات‪.‬‬
‫‪ -4‬المنهج االيديولوجي ‪The Ideological Approach‬‬
‫وهو ينظر لإلدارة في اإلطار االيديولوجي الذي توجد فيه وتتأثر به‪ ،‬وسوف نتعرض لهذا المنهج بشيء من‬
‫التفصيل في معرض مناقشتنا النماذج العالمية النموذج الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ - 5‬المنهج التاريخي ‪The Historical Approach‬‬
‫يعني هذا المنهج بدراسة الظاهرة على أساس أنها حدث تاريخي وهو منهج ماكس ويير في بحث‬
‫البيروقراطية ومنهج ماركس في تحليل الدولة بيروقراطيتها فالبيروقراطية عند ماركس هي حدث تاريخي‬
‫موقوت بظروف اقتصادية معينة‪.‬‬
‫‪ -6‬المنهج التجريدي ‪The Abstract Approach‬‬
‫يعني دراسة الظاهرة اإلدارية على اساس تجريدي ‪ abstract‬المنهج التجريدي ال يهتم كثيرا بالناحية‬
‫التطبيقية ‪ empirical‬وتقع تحت هذا المفهوم نماذج فرد ريجز الزراعي والصناعي ونموذج ويبر المثالي‪.‬‬
‫فالنموذج المثالي التجريدي ال يشترط مطابقة الواقع‪.‬‬
‫‪ -7‬المنهج العلمي التجريبي يعتمد هذا المنهج على العلوم التجريبية فيتأثر بأفكار المنطقية الواقعية‬
‫‪ Logical Positivism‬وهي مدرسة فكرية تنكر كما ذكرنا سابقا علم ما وراء الطبيعة وال تؤمن اال‬
‫باألسلوب العلمي في البحث كما تعتمل على التجربة وفصل الحقيقة عن القيمة ‪fact-value dichotomy.‬‬
‫وتقع تحت هذا المضمون دراسات هيربرت سايمون وتيلور‪.‬‬
‫يتداخل هذا المنهج مع المنهج السلوكي والمنهج الوظيفي من حيث انه يعتمد على التجربة في دراسة الوظيفة‬
‫وفي دراسة سلوك اإلنسان تجاه الوظيفة اي وضع االنسان تحت المختبر بنفس االسلوب الذي تفحص به‬
‫التربة المعرفة خصائصها ومكوناتها‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫رأينا في تحليل مناهج البحث في اإلدارة العامة المقارنة أن الدراسة المقارنة ال تقتصر على منهج واحد وانما‬
‫تشمل أكثر من منهج فنجد كاتبا معينا يستخدم المنهج التاريخي حينا والمنهج السلوكي أو االيديولوجي حينا‬
‫آخر‪.‬‬
‫صنف ابراهيم درويش الدراسات المقارنة إلى ثالث تصنيفات على النحو التالي‬
‫‪ -1‬دراسات للنظريات واألساليب ونماذج البحث‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسات للنظم اإلدارية في الدول المتقدمة أو في الغرب‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسات مقارنة لكل نظام اداري على حدة‪.‬‬
‫تغطي التصنيفات أنواع الدراسات التي أجريت في حقل اإلدارة العامة المقارنة وهي تشمل حالة إدارية معينة‬
‫في قطر معين ودراسة حالة إدارية في قطرين أو أكثر ودراسة النظريات واألساليب ونماذج البحث ‪ ،‬ويدخل‬
‫في هذا النوع دراسات فرد ريجز واسمان والتي كانت تهدف إلى بناء نماذج إدارية لالستفادة منها في البيئات‬
‫المختلفة وتعتبر دراسات ريز و اسمان محاوالت جادة لتأصيل المبادئ والقواعد التي يقوم عليها النظام‬
‫االداري ‪ ،‬وسوف نستعرض في الصفحات التالية بعض هذه النماذج ونكتفي بنموذج فرد ريجز لدراسة‬
‫المجتمعات والذي اشتهر باسم المجتمع المنشوري ‪ Prismatic Society‬ونموذج اسمان لدراسة‬
‫المؤسسات والذي اشتهر باسم بناء المؤسسات ‪Institution Building‬‬
‫بناء النماذج اإلدارية‬
‫إلطار الفلسفي الذي تدور حوله النماذج اإلدارية‬
‫المنهج التقليدي في اإلدارة العامة المقارنة هو االقتباس من نظريات اإلدارة وممارساتها في الدول الغربية‬
‫خاصة الواليات المتحدة األمريكية ثم تطويع هذه النظريات الواقع الدول النامية ظهرت نماذج اإلدارة العامة‬
‫المقارنة والتي هي في حقيقة أمرها تصوير لنماذج صنعت في الغرب الصناعي الرأسمالي إلى واقع الدول‬
‫النامية ‪ ،‬ومن ثم ارتبطت هذه النماذج منذ البداية باالطار الثقافي وااليديولوجي للدول الغربية التي تعمل وفق‬
‫النموذج الرأسمالي‪ ،‬الديموقراطي الليبرالي ‪ ،‬وقبل أن نستطرد في استعراض النماذج اإلدارية سوف نجيب‬
‫على سؤال هام هو م ا هو اإلطار الفلسفي الذي تدور حوله هذه النماذج؟ وكما ذكرنا سابقا فان النماذج‬
‫اإلدارية تتخذ من النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي منطلقا فلسفيا وعليه يقتصر النقاش على توضيح‬
‫خصائص النموذج الرأسمالي‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي كإطار فلسفي للنماذج اإلدارية‬
‫تصمم النماذج ‪ -‬أي نماذج ‪ -‬لتمثل من الوجهة النظرية بعض التطبيقات الواقعية فهي احيانا تمثل صورة‬
‫كاريكاتيرية للشيء المراد وصفه أو رسمه‪.‬‬
‫فحينما نتكلم مثال عن النموذج الرأسمالي أو النموذج االشتراكي فإننا في الواقع نتحدث عن نموذج مثالي ال‬
‫يشترط التماثل الكامل بين النموذج المثالي وبين الواقع التطبيقي وانما المهم هو وجود حد أدنى من التماثل‬
‫والتشابه‪.‬‬
‫تفريعا على هذا المفهوم فان النموذج الرأسمالي الديموقراطي الليبرالي مأخوذ من معطيات النظرية‬
‫الرأسمالية ومن تطبيقات الدول الغربية الرأسمالية‪ .‬تشترك هذه الدول في مجموعة من المزايا والصفات مثل‬
‫اقتصاد السوق الحر والتمليك الخاص لوسائل االنتاج أي تمليك وسائل االنتاج لألفراد ومشروعية حافز الربح‬
‫والحرية السياسية والديموقراطية وهياكل صناعية متطورة ومستوى عال من االستهالك وانتاج الحجم الكبير‬
‫الخ‪.‬‬
‫تنطبق هذه األوصاف على مجموعة من الدول الغربية بيد ان أكثر الدول التزام ا بالنظام الرأسمالي هي‬
‫الواليات المتحدة حيث وصلت الهياكل والنظم الرأسمالية قمة نضجها‪.‬‬
‫بالرغم من انه ال يوجد تعريف يشمل كل مزايا النظام الرأسمالي بشقيه االقتصادي والسياسي فان تعريف‬
‫روبرت هيلبرونز ‪ Robert L. Heilbroner‬يوفي بعض حاجتنا في هذه المرحلة من البحث يعرف‬
‫هيلبرونز الرأسمالية على النحو التالي‬
‫نظام اقتصادي يتميز بتمليك وسائل االنتاج للقطاع الخاص ممثل في طبقة اقلية تسمى الرأسماليين ونظام‬
‫سوق يحدد الدخل ويقوم بتوزيع حصيلة النشاط االنتاجي وهو ايضا نظام اجتماعي يتميز بثقافة برجوازية‬
‫من اهم خصائصها التكالب على الثروة‪.‬‬
‫القاعدة الفلسفية والنظرية النظام الرأسمالي‬
‫تمليك االقراد لوسائل االنتاج‬
‫تقول النظرية الرأسمالية على لسان رائد ها آدم سميث ان االقتصاد ينمو بمعدالت أسرع إذا كان كل فرد يتبع‬
‫مصالحه الخاصة في موق تنافسي بعيدا عن تدخل الدولة فيمكن عن طريق تمليك األفراد لوسائل االنتاج‬
‫تحقق معدالت أكبر للنمو والتقدم أكثر مما لو كانت وسائل االنتاج في يد الدولة‪.‬‬
‫وبالرغم من ان النظرية لم تطبق بكل جزئياتها لكننا نجد أن دور الحكومة في الدول األكثر رأسمالية‪ .‬يتقلص‬
‫إلى مجرد دور تنظيمي أما في الدول االقل رأسمالية‪ ،‬خاصة حينما يفقد السوق المقدرة على امتصاص‬
‫‪42‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫العمالة‪ ،‬وتوفير قدر كاف من فرص العمل وتحقيق قدر معين من العدالة في توزيع الدخل‪ ،‬أو ازالة الفجوة‬
‫بين المجموعات االقتصادية المختلفة فان الدولة تتدخل بقدر يحقق األهداف المنوه عنها أعاله‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫مثال في شكل مشروع االستيعاب البطالة في وظائف دائمة أو مشروع لخلق وظائف ومشاريع األمن‬
‫االجتماعي وكربونات الطعام ومشروعات اإلسكان تساعد مثل هذه المشاريع في امتصاص بعض سخط‬
‫الطبقات الفقيرة في الدول الرأسمالية ان المشاريع االجتماعية السابقة الذكر تقف دليال على وجود عناصر‬
‫ومبادئ اشتراكية حتى في الدول األكثر رأسمالية أو على أن النظرية االشتراكية لم تطبق بكل جزئياتها يفسر‬
‫هيلبرونز الفلسفة من وراء المشاريع االجتماعية السالفة الذكر على النحو التالي‬
‫تساعد مشاريع الرفاهية االجتماعية على امتصاص ثورية وسخط الطبقات الدنيا‪ ،‬وأهم من ذلك هو اكتشاف‬
‫اهمية تدخل الحكومة لمنع االنهيار االجتماعي الذي يصحب السياسة الرأسمالية التي تعتمد على السوق كأداة‬
‫التوزيع الثروة‪.‬‬
‫بما أن هدف البحث في هذه المرحلة هو مناقشة القاعدة الفلسفية للنظام الرأسمالي وليس تحليل انحراف‬
‫الواقع العملي عن المضمون النظري فنكتفي هنا بتقرير حقيقة هامة وهي أن القطاع الخاص في الغالب يقوم‬
‫بدور هام في انتاج وتمويل الموارد وان وسائل االنتاج تملك لألفراد والبيوتات التجارية بالرغم من تدخل‬
‫الدولة في مشاريع الرفاهية االجتماعية‪.‬‬
‫حافز الربح‬
‫يعتبر حافز الربح من القواعد األساسية للنظام الرأسمالي فهو الذي يحدد الوزن االجتماعي للفرد حيث انه‬
‫يعتبر أقوى وسائل التدرج التصاعدي الحراك االجتماعية في مجتمع السوق الذي يعتمد على االنجاز‬
‫الشخصي تكمن قوى الثواب والعقاب في السوق وليس في المجتمع أو الحكومة‪ .‬قوى الثواب تعني وفق‬
‫عقلية السوق الربحية والمكاسب المادية‪ .‬تعتبر الربحية والمكاسب المادية من اقوى اسباب وسائل الصعود‬
‫في سلم االنجاز‪ .‬أن قيمة الشخص تقاس بمكسبه المادي‪ ،‬اي توجد قيمة نقدية لكل فرد في المجتمع‪.‬‬
‫الحرية الشخصية‬
‫تفترض النظرية ان االنسان هو خير حكم على مصالحه الخاصية‪ .‬تفريعا على هذا المفهوم ليس للمجتمع‬
‫الحق في ممارسة أي سلطة أو فرض أي قيود على تصرفات واعمال االنسان ‪ .‬تتدخل الحكومة فقط حينما‬
‫يسيء الفرد حريته التقويض مصالح المجتمع تعتبر الحرية الشخصية ذات صلة مباشرة برفاهية مجتمع‬
‫السوق وهي بهذا تعتبر شرطا أساسيا لالختيار الفردی‪ ،‬ناقش فنسنت أوستروم ‪ Vincent Ostrom‬هذا‬

‫‪43‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المفهوم مستعرضا آراء توكيفيل ‪ Tocqeville‬يعني هذا المبدأ أن االنسان هو خير من يحكم على مصالحه‬
‫وان لميس للمجتمع الحق في السيطرة على نشاطات االنسان اال إذا تعارضت مع المصلحة العامة‪.‬‬
‫وفي تحديد الشروط التي يجب توافرها لتحقيق االختيار الفردي بقول أوستروم يتحقق االختيار الفردي متى‬
‫ما توفرت للفرد الحرية ليتخذ القرارات التي تمليها مصالحه‪.‬‬
‫فصل السلطات‬
‫يرتبط مبدأ فصل السلطات بمفهوم االختيار الفردي‪ ،‬تفصل السلطات الثالث – السلطة التشريعية‪ ،‬السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬السلطة القضائية في النظام الرأسمالي‪ ،‬كما يحدد القانون العالقة بين هذه السلطات في كل مستويات‬
‫النظام الرأسمالي‪ .‬ويصدق هذا بصفة خاصة على النظام السياسي واالداري أمريكي حيث يوجد عدد ضخم‬
‫من المؤسسات ذات االختصاصات المتداخلة‪.‬‬
‫يسوق أوستروم بعض المبررات الفصل السلطات وتوزيعها في ما يلي‬
‫يحقق النظام الفدرالي قدرا كبيرا من توزيع وتشتيت السلطة في جميع مستويات الحكومة يؤدي ذلك إلى قيام‬
‫مؤسسات متنوعة تتنافس فيما بينها لكسب ثقة ومساندة العمالء‪ .‬تخضع هذه المؤسسات القيود السلطة‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن أهم األسباب أيضا لفصل السلطات هو وجود مؤسسات متنوعة ومتداخلة‬
‫توسع من نطاق اتخاذ القرار مؤسسات محلية وقومية‪ ،‬نيابية وقضائية ومن ثم تؤدي إلى تقليل االخطاء الن‬
‫كل مؤسسة تعمل بمقتضى الحدود التي تفرضها عليها المؤسسات المقابلة‪ ،‬كما أن جميع المؤسسات تعمل‬
‫على الحفاظ على القانون االستمرارية بقائها ولحماية نفسها‪ ،‬هذا بجانب ان وجود مؤسسات عديدة متنوعة‬
‫تزيد من بدائل االنسان وفرصه لالختيار‪ .‬يمثل فصل السلطات ايضا صمام األمان النظام الديموقراطي‬
‫االعتماد على نظام الرقابة والتوازن ‪.Checks And Balances‬‬
‫الديموقراطية‬
‫تمثل الديموقراطية حجر الزاوية في النموذج الرأسمالي ‪ .‬تقوم الديموقراطية على افتراض أن المواطن يتمتع‬
‫بمقدرة وكفاءة عالية للمشاركة في العمل العام وفي اتخاذ القرارات التي تمس حياته أما مباشرة عن طريق‬
‫االستفتاء أو عن طريق التمثيل‪ .‬باإلضافة ان المبدأ الديموقراطي يحمي الحرية الشخصية ويزيد من بدائل‬
‫االنسان بتقليص السلطة التسلطية وبتقاسم السلطة السياسية حيث يقوم ممثلو الشعب بالتشريع والرقابة على‬
‫الجهاز التنفيذي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫وتمشيا مع المبدأ الديموقراطي يمنح المواطن حق حرية العمل وحق التجمع وحرية الكالم والكتابة والتنظيم‬
‫وحرية التعبير وحرية الصحافة‪ .‬يتصل مبدأ الديموقراطية بمبدأ حكم االغلبية ويعنى مبدأ االغلبية قبول‬
‫القرار بواسطة األغلبية‪.‬‬
‫أوضحنا في الصفحات السابقة أن النموذج الديموقراطي الليبرالي يمثل اطارا فكريا للنماذج اإلدارية فيتكون‬
‫هذا النموذج من مجموعة من الفرضيات تؤخذ كمسلمات علمية تتحد هذه الفرضيات فلسفة التنمية ووسائلها‬
‫التنمية اإلدارية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية فالتنمية اإلدارية مثال تعني التنوع الهيكلي أي قيام‬
‫مؤسسات األداء الوظائف المختلفة ويرتبط ذلك بالتنمية السياسية وهي قيام مؤسسات سياسية ألداء الوظائف‬
‫السياسية األحزاب والبرلمان ومجموعات الضغط وفصل السلطات وينسحب ذلك ايضا على التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫فريد ريجز النموذج المنشوري ‪The Prismatic Model‬‬
‫استخدم ريجز تعريف كابلو ‪ Caplow‬للمنظمة أو المجموعة يقول كابلو يجب ان يكون للمجموعة‬
‫‪ Collectivity‬يقول كابلو يجب ان يكون للمجموعة هدف وبرنامج تسعى الى تحقيقه كما ينبغي ان تنطوي‬
‫هذه األهداف على موقوتة ومقيدة بجداول زمنية محددة صنف ريجز المجموعات إلى مجموعتين أطلق‬
‫ريجز على المجموعة األولى ‪ Crescive‬أي مجموعة األهداف الغامضة و على المجموعة الثانية‬
‫المجموعة الهادفة ‪ Goal-Oriented‬أي التي تسعى وراء هدف معين‪.‬‬
‫استخدم ريجز ايضا كلمة التنوع الهيكلي ‪ Structural Differentiation‬ليشير لوجود تباين وتعدد‬
‫األدوار ووجود عالقة عضوية بين هذه األدوار أطلق ريجز مصطلح التنوع الهيكلي لوصف حال المجموعة‬
‫الهادفة كما أطلق مصطلح عدم التنوع الهيكلي تماثله ليصف حال المجموعة األولى ‪ Crescive‬ذات‬
‫االهداف الغامضة انظر الجدول رقم ‪.1‬‬
‫األدوار في مجموعة التنوع الهيكلي المجموعة الهادفة ترتبط برابط عضوي اما األدوار في مجموعة عدم‬
‫التنوع الهيكلي فترتبط برباط ميکانيکی مجموعة التنوع الهيكلي هي المجتمع الصناعي ومجموعة عدم‬
‫التنوع الهيكلي هي المجتمع الزراعي ‪ ،‬اضافي ريجز ايضا ان التخصص في مجموع التنوع الهيكلي ينتج‬
‫عن تصميم مقصود يعتمد على المهارات والكفاءات كما ان لتخصص في مجموعة عدم التنوع الهيكلي‬
‫المجتمعات الزراعية يبني أو يقوم على تباين السن و النوع والجيل‪.‬‬
‫استخدام ريجز لفظ انصهار ‪ integration‬ليميز بين النظم االجتماعية المختلفة مصطلح انصهار حسب‬
‫مفهوم ريجز يشير إلى مستوى ومدى االرتباط األدوار المتنوع ‪ differentiated roles‬ببعضها البعض‬
‫‪45‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫يقرر ريجز ان نظم التنوع الهيكلي تقوم بالتنسيق بين األدوار المتخصصة وبالتالي تؤدي إلى درجة عالية من‬
‫االنصهار والتناسق‪.‬‬
‫استخدم ريجز لفظ ‪ refracted‬اي االنتشار لوصف النظم االجتماعية والتي تتميز بدرجة عالية من‬
‫االنصهار والتنوع الهيكلي كما استخدم مصطلح منشوري ‪ prismatic‬ليصف النظم االجتماعية و التي‬
‫تتميز بدرجة عالية من التنوع الهيكلي ودرجة منخفضة من االنصهار‪ .‬كما أطلق لفظ تجميعي ‪ fused‬على‬
‫مجموعة عدم التنوع الهيكلي ان مصطلح انتشاري ‪ refracted‬يشير للمجتمعات االنتقالية كما ان مصطلح‬
‫تجميعي ‪ fused‬يطلق على المجتمعات الزراعية‪.‬‬
‫نماذج ريجز لدراسة المجتمعات المقارنة‬
‫جدول رقم ( ‪) 1‬‬
‫وضوح الهدف‬ ‫ارتباط األدوار التنوع‬ ‫طبيعية المجتمع درجة االنصهار االهلية لملء‬ ‫نوع المجتمع‬
‫وغموضه‬ ‫الهيكلي‬ ‫ببعضها‬ ‫األدوار‬
‫المجموعة‬ ‫ترتبط األدوار تنوع هيكلي‬ ‫مجتمع صناعي انصهار و تناسق تبنى األدوار‬ ‫انتشاري‬
‫الهادفة‬ ‫برباط عضوي‬ ‫على أساس‬ ‫األدوار‬
‫التخصص‬
‫تنوع هيكلي‬ ‫عدم انصهار‬ ‫مجتمع انتقالي‬ ‫منشوري‬
‫غموض األهداف‬ ‫عدم تنوع‬ ‫ترتبط األدوار‬ ‫تعتمد على‬ ‫مجتمع زراعي عدم انصهار‬ ‫تجمعي‬
‫هيكلي تماثل‬ ‫برباط‬ ‫األدوار على‬
‫هيكلي‬ ‫ميكانيكي‬ ‫السن والنوع‬
‫والجيل‬

‫نماذج ريجز لدراسة المجتمعات المقارنة‬


‫‪imaginative projection‬‬ ‫بنی ريجز نموذجه لدراسة المجتمعات المقارنة على مفهوم تصويري مثالي تجريدي‬
‫بيد ان ريجز استفاد من مالحظاته الواقعية في الدول النامية في بناء نماذجه ‪ .‬فكان يرمي إلى خلق نموذج‬
‫مثالي على قرار نموذج افالطون للمدينة الفاضلة ونموذج ويير للبيروقراطية ‪Ideal Type‬‬
‫يقول ريجز آن مفاهيمنا األساسية وأنماط تفكيرنا مبنية على واقع المؤسسات األمريكية التي تتصف بدرجة‬
‫عالية من التنوع الهيكلي‪ ،‬شأنها شأن اي مجتمع صناعي‪ ،‬حيث توجد الكثير من المؤسسات ألداء مجموعة‬
‫من الوظائف التعليم والصحة والدين والمواصالت مؤسسات بعضها تجاري وبعضها خدمي يقول ريجز أن‬
‫مدارسنا وكنائسنا وبنوكنا وأسواقنا و أحزابنا السياسية ومؤسساتنا التشريعية كلها هياكل متخصصة ألداء‬
‫مناشط معينة‪ ،‬وحتى اإلدارة تقوم بها مؤسسات متخصصة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ان طريقة تفكيرنا تتطابق مع نظام التخصص الوظيفي في مجتمعنا‪ ،‬بمعنى ان هناك معارف ونظريات لكل‬
‫هيكل أو وظيفة فانا اخذنا حقل اإلدارة كمثال فسوف نجد نظريات تغطي مساحة كبير في الحقل نظريات‬
‫المنظمة ونظريات للموازنة ونظريات اإلدارة شئون االفراد ونظريات اإلدارة التنمية ونظريات اإلدارة‬
‫العامة المقارنة‪.‬‬
‫أن كل معارفنا وعلومنا قامت على هذه المحدودية في مجاالت البحث باإلضافة إلى أن التخصص الوظيفي‬
‫واألكاديمي يساعد على التخصص واالنتشار‪ .‬فإذا فكرنا في وظيفة معينة فإننا نفكر في الواقع‪ .‬في الهيكل‬
‫الذي يقوم بأداء الوظيفة‪ .‬فالتعليم وظيفة في مجتمعنا ارتبط بالمدارس والجامعات فإذا فكرنا في التعليم تخطر‬
‫ببالنا المدارس والجامعات‪ .‬غير ان وسائل أو هياكل اخرى للتعليم تغيب عن مداركنا ان مفهومنا التخصصي‬
‫الضيق ال يساعدنا كثيرا على فهم ما يدور خارج مجتمعنا الذي تتنوع فيه األدوار وتتعدد المؤسسات‪ ،‬وعليه‬
‫يجب علينا أن نفكر في اساليب مختلفة لتشخيص الظواهر في المجتمعات االنتقالية‪ .‬فعندما يتحول اهتمامنا‬
‫من المجتمع الصناعي المعقد إلى المجتمعات البسيطة نجد أن هناك مؤسسات قليلة تقوم بجميع أو معظم‬
‫وظائف المجتمع فمثال نجد أن األسرة أو القبيلة أو العشيرة تمثل التنظيمات الرئيسية فتقوم مقام المدرسية‬
‫والمسجد والمصنع والجهاز اإلداري إذا اتفقنا على معنى اإلدارة في المحتوى القبلي‪.‬‬
‫استخدم ريجز مصطلح انتشاري كما ذكرنا ليشير للمجتمع الذي تتعدد فيه المؤسسات بحيث تنشأ مؤسسة أو‬
‫هيكل لكل وظيفة‪ .‬كما استخدم كلمة تجميعي للمجتمع البسيط والذي يقوم فيه هيكل واحد أو هياكل قليلة بكل‬
‫وظائف المجتمع‪ ،‬وليس ضروريا أن ي وجد مجتمع تتماثل الصفات‪ ،‬فليس هذا هو الهدف األخير من النموذج‬
‫المثالي وانما المقصود هو الداللة العامة‪ ،‬وعليه يمكن القول بان المجتمع الصناعي يتصف ببعض صفات‬
‫المجتمع التجميعي‪ ،‬كما أن المجتمع الزراعي ‪ Industria‬يتصف ببعض صفات النموذج االنتشاري‪.‬‬
‫استخدم ايضا مصطلح منشوري وكلمة منشوري في مصطلح الضوء تعني نقطة النصف بين طرفي‬
‫االنتشار والتجميع ومن مظاهر المجتمعات المنشورية و المجتمعات االنتقالية‪ ،‬هي الفورمالية ‪formalism‬‬
‫واالعتماد المتبادل ‪ receprocity‬واالزدواجية ‪ overlapping‬وتنوع السوق ‪market hetrogenity‬‬
‫يقول ريجز أن المفاهيم العامة واألمثال الجارية مثل بأضدادها تتميز األشياء تمثل أو تحد من مقدرتنا‬
‫التصويرية فحينما نسمع شخصا يقول مثال بارد نفكر في ضده وهو حار ‪ ،‬وحينما نتحدث عن شيء ابيض‬
‫ال نفهمه اال بالمقارنة بضده وهو اسود ولكن حينما نتحدث عن حالة االنتقال بين الحار و البارد نجد صعوبة‬
‫في فهم الحالة ‪ .‬كذلك الحال في المجتمع المنشوري االنتقالي حيث نتحدث عن مجتمع ينطوي على هياكل‬

‫‪47‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫متخصصة وعن مجتمع يخلو من مثل هذه الهياكل‪ ،‬مجتمع تسود فيه الفورمالية ومجتمع تتعايش فيه الهياكل‬
‫الفورمالية مع الهياكل المتخصصة‪.‬‬
‫يكون الهيكل فورماليا إذا لم يتقيد باإلجراءات والسلوك والوسائل اإلدارية المقننة ففي النموذج المنشوري‬
‫توجد الهياكل االقتصادية والسياسية واإلدارية على الورق فقط حيث ان الوظائف االقتصادية والسياسية‬
‫واإلدارية تقوم بها هياكل تجميعية كتلك التي توجد في المجتمعات التجميعية فاألسرة والطائفة الدينية تؤثر‬
‫وتسيطر على السلوك مثلها مثل السوق والحزب السياسي والمكتب االداري‪ .‬فنجد ان السلوك االقتصادي‬
‫يتحدد بأنشطة غير اقتصادية كما أن السلوك االداري يتأثر بمؤثرات غير إدارية فإذا أردنا ان ندرس اإلدارة‬
‫في المجتمعات المنشورية يجب أن ندرس مسائل و عوامل ال تمت لإلدارة بصورة مباشرة كأن ندري مثال‬
‫الهياكل القبلية والطوائف الدينية‪.‬‬
‫يسمى النظام فورماليا إذا لم يتطابق سلوكه مع هياكله الرسمية‪ .‬أن هناك عالقة عكسية بين السلوك الفورمالي‬
‫ودرجة االنتشار والتجميع اي تكون درجة الفورمالية صغيرة في المجتمع االنتشاري والتجميعي على عكس‬
‫المجتمع المنشوري ففي المجتمع المنشوري نجد ان الهياكل الرسمية المنظمات ال تتقيد أو تلتزم بالسلوك‬
‫الرسمي‪ .‬فالمنظمات ال تلتزم بقوانينها واجراءاتها فهي تتصرف بأسلوب يختلف عن رصيفاتها في الدول‬
‫االن تشارية‪ .‬ففي المجتمع االنتشاري مثال فان المؤسسات االقتصادية تعمل بواسطة نظام السوق والذي يعمل‬
‫بنظام العرض والطلب في تحديد اسعار السلع‪ .‬أما في المجتمع المنشوري فنجد أن سلوك السوق يعكس قيما‬
‫شخصية أو اجتماعية وسياسية وفي كلمات أخرى يمكن أن نقول إن ريجز صمم نموذجه لدراسة المجتمعات‬
‫على النحو التالي‬
‫‪ -1‬سمي المجتمع ذو الدرجة العالية من التنوع الهيكلي بالمجتمع الصناعي‪.‬‬
‫‪ -2‬نجد على نقيض المجتمع األول مجتمعا آخر تقل فيه الهياكل والمؤسسات (عدم تنوع هيكلي) سمي ريجز‬
‫هذا المجتمع بالمجتمع الزراعي‪.‬‬
‫‪ -3‬أما المجتمعات النامية في عالم اليوم فهي تقع بين نموذجي ريجز المجتمع الصناعي والمجتمع الزراعي‬
‫وهي المجتمعات االنتقالية ( ‪ ) 1‬و ( ‪ ) 2‬أطلق ريجز مصطلح كانتين وبازار ‪Canteen and Bazaar‬‬
‫على السوق المنشوري‪.‬‬
‫يقرر ريجز أن نموذجه ‪ -‬انتشاري منشوري وتجميعي يمثل مجموعة من االحتماالت وليس مراحل تطورية‬
‫حتمية أي ال يتعين على المجتمع أن يمر بالمراحل التطورية المختلفة كأن نقول مثال أن المجتمع يتطور من‬

‫‪48‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تجميعي إلى منشوري ثم إلى انتشاري فعلى العكس يمكن أن يستمر أو يتجمد المجتمع في أي مرحلة من‬
‫مراحل االنتشار أو يمكن أن ينتكس من حالة االنتشار إلى الحالة التجمعية‪.‬‬
‫هناك مجتمع يصبح انتشاريا ينتشر أوال أي ينال قصب السبق في االنتشار ومن ثم يصبح نموذجا يحتذى كما‬
‫أن هناك مجتمعات اخرى تتحول لالنتشار مؤخرا الحالة األولى تمثلها بريطانيا والحالة الثانية تتمثل في‬
‫اليابان‪.‬‬
‫ان تجارب وديناميكية وانتشارية المجتمع األول تأتي من الداخل أما المجتمع الذي انتشر اي تحول إلى انتشاري مؤخرا فهو‬
‫يتأثر بالمجتمع األول عن طريق التقليد ‪ emulation‬ونقل النماذج ‪ transfer of models‬وأثر الدعاية‬
‫‪ demonstration effects‬فبينما يتأثر المجتمع األول بمؤثرات داخلية ‪ endogenic forces‬يتأثر المجتمع الثاني‬
‫بمؤثرات خارجية‪.‬‬
‫يوضح الشكل رقم (‪ )1‬تأثير العوامل الداخلية والخارجية على درجة انتشار العمود ‪ X‬يقيس قوة العوامل‬
‫الداخلية كما يقيس العمود ‪ Y‬العوامل الخارجية‪.‬‬
‫المنحني ‪ 1‬يمثل درجة عالية من االنتشار كما أن المنحنی ‪ 111‬يمثل درجة منخفضة من االنتشار‪ ،‬المنحنی‬
‫‪ 11‬يمثل حالة المتوسط المجتمع المشار اليه ب ‪ 1‬هو المجتمع الذي حقق قدرا عاليا من االنتشار بسبب‬
‫القوى أو العوامل الداخلية المجتمع المشار اليه ب ‪ 2‬يفقد العوامل والقوى الداخلية وبالتالي فان الدرجة العالية‬
‫من االنتشار هنا ترجع إلى عوامل خارجية‪ .‬أما درجة االنتشار العالمية في مجتمع ‪ 3‬فتفسر بتزاوج العوامل‬
‫الداخلية والخارجية اي ان العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة ادت إلى الدرجة العالية من االنتشار وفي‬
‫الجانب المقابل فان ‪ 6‬ما زالت على حالتها التجميعية لضعف العوامل الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫يتحول المجتمع إلى منشوري أما تحت العوامل الداخلية (‪ endoprismatic )4‬أو تحت القوى والعوامل‬
‫الخارجية ‪.)5( exoprismatic‬‬
‫استخدم نموذج فرد ريجز كنموذج لدراسة المجتمعات االنتقالية وكأداة تحليل في الدراسات المقارنة‪ .‬يعتبر‬
‫بعض طالب اإلدارة نموذج فرد ريجز لدراسة المجتمعات االنتقالية كبديل لنموذج ماكس ويبر للبيروقراطية‬
‫من حيث العمق الفكري والشمول‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫شكل رقم (‪(1‬‬
‫درجة عالية من االنتشار تأتي ألسباب خارجية أبناء المؤسسات فلسطين المحتلة تفقد القوى الداخلية‬

‫رسم يوضح إثر العوامل الداخلية والخارجية في االنتشار‬

‫‪50‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫بناء المؤسسات ‪Institution Building‬‬
‫ميلتون ج اسمان ‪Milton J. Esman‬‬

‫تعتمد التنمية في اي قطر ‪ -‬كما ذكرنا سابقا على مقدرة القيادة في بناء شبكة من المؤسسات االستغالل‬
‫الموارد البشرية والمادية تمثل هذه المؤسسات قنوات النقل التكنولوجيا والقيم الحضارية ونشر هذه القيم في‬
‫مختلف أنحاء القطر وعلى القطاعات المختلفة تتعاظم الحاجة لمثل هذه المؤسسات في الدول النامية ألن‬
‫المؤسس ات التقليدية في هذه الدول على مستوى القرية أو القبيلة ال تملك القدرة االستيعاب الوظائف التنموية‬
‫الجديدة تهدف هذه المؤسسات بجانب نقل القيم الحضارية إلى تغيير التركيب االجتماعي والبنية االقتصادية‪.‬‬
‫يقوم بناء المؤسسات كما ذكرنا ايضا على مجموعة من االفتراضيات منها ان التنمية تتحقق في الدول النامية‬
‫مع استخدام التكنولوجيا الحديثة من خالل المؤسسات تتحول هذه المؤسسات إلى أوعية لنقل القيم المساعدة‬
‫ويتم ذلك ايضا عن طريق التخطيط الواعي لعملية التغيير المؤسسي‪.‬‬
‫صمم اسمان نموذجا لبناء المؤسسات وتعميق القيم التنموية التي تصحب بناء المؤسسات استخدم هذا النموذج‬
‫ايضا لدراسة المنظمات في الدول النامية‪ .‬ويعتبر من اهم النماذج لدراسة المجتمعات والنظم اإلدارية‬
‫المقارنة واهمية هذا النموذج ترجع إلى شموليته وإلى تكامل عناصره وإلى مقدرته على تحليل الظاهرة‬
‫اإلدارية وتفسيرها والتنبؤ بالحاالت التي تكون عليها‪.‬‬
‫المفاهيم التحليلية لنموذج بناء المؤسسات ‪Analytical Concepts‬‬
‫يعامل هذا النموذج المؤسسية كنظام مفتوح يتألف من مجموعة من العناصر‪ .‬تتداخل هذه العناصر مع‬
‫بعضها البعض فيؤثر كل عنصر على سلوك العناصر األخرى وعلى سلوك التنظيم بشكل عام ‪ .‬تتفاعل هذه‬
‫العناصر مع البيئة أو المحيط‪ .‬الهدف الثاني بجانب تحديد العناصر أو المتغيرات التي يتألف منها النموذج هو‬
‫تحديد البيئة التي تعمل المؤسسة في اطارها‪ .‬تتفاعل المؤسسة مع البيئة التي تعيش فيها عن طريق ما يسمى‬
‫بالمدخالت والمخرجات اذ توجد عالقة تبادلية بين المؤسسة والبيئة فالمؤسسية تجلب طاقتها والموارد‬
‫الضرورية لتحريك هذه الطاقة والسند المادي والقانوني من البيئة كما انها تصدر خدماتها للبيئة بجانب أن‬
‫المؤسسية تسعى باإلضافة إلى تصدير الخدمات إلى نشر بعض القيم الحضارية والتكنولوجية في البيئة يطلق‬
‫اسمان على نقاط التفاعل بين المؤسسية والبيئة مصطلح روابط مؤسسية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫يتألف نموذج بناء المؤسسات من ثالثة عناصر رئيسية يمكن تلخيصها على النحو التالي‬
‫(‪ )1‬عناصر المؤسسة ‪Institutional Variables‬‬
‫وتشمل خمسة عناصر وهی‬
‫(أ) القيادة ‪Leadership‬‬
‫(ب) الفكرة أو األهداف ‪Doctrine‬‬
‫(ج) البرنامج ‪Program‬‬
‫(د) الموارد ‪Resources‬‬
‫(هـ) الهيكل الداخلي ‪Internal Structure‬‬
‫(‪ )2‬التفاعل ‪Transaction‬‬
‫(‪ )3‬الروابط ‪Linkages‬‬
‫وتشمل‬
‫(أ) الروابط المساعدة ‪Enabling Linkages‬‬
‫(ب) الروابط الوظيفية ‪Functional Linkages‬‬
‫(ج) الروابط المعيارية أو القيمية ‪Normative Linkages‬‬
‫(د) الروابط االنتشارية ‪Diffused Linkages‬‬
‫نموذج بناء المؤسسية‬

‫الروابط لمساعدة‬ ‫القيادة‬

‫الروابط الوظيفية‬ ‫األهداف‬


‫التفاعل أو المعامالت‬
‫الروابط المعيارية‬ ‫البرنامج‬

‫الروابط االستشارية‬ ‫الموارد‬


‫الهيكل الداخلي‬

‫‪52‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫أوال عناصر المؤسسة ‪Institution variables‬‬
‫‪ -1‬القيادة‬
‫تعريف القيادة هنا بمجموعة األشخاص الذين يقومون بتوجيه نشاطات المؤسسة ويشمل ذلك النشاطات‬
‫الداخلية التي تتعلق بالبرامج واالهداف والنشاطات بين المؤسسة وبيئتها وال يقتصر هذا التعريف على الذين‬
‫يقومون بصفة رسمية مباشرة بتوجيه المؤسسات وانما يشمل جميع األفراد الذين يساهمون في تخطيط وبناء‬
‫وقيادة المؤسسة‪.‬‬
‫تتكون القيادة من مجموعة من الخصائص منها القابلية السياسية ‪ Political viability‬وتعني القبول السياسي‬
‫والمقدرة على حل مشاكل المؤسسية يتوقف ذلك على الوزن المهني والدرجة الوظيفية لمجموعات القيادة‬
‫ومجال نشاط المؤسسة والمهارات والقدرات الفنية والقدرة التنظيمية والقدرة على تصميم هياكل فعالة لتسيير‬
‫أعمال المؤسسية وتوزيع األدوار واالستمرارية أي استمرار تكاتف وتعاون األفراد مع المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -2‬األهداف ‪Doctrine‬‬
‫وهي مجموعة التعاليم والقيم واألهداف ووسائل االداء التي تمثل اإلطار العام أو نقاط االرتكاز أو المرجع‬
‫في نشاطات المؤسسة‪.‬‬
‫أن تحليل نشاطات المنظمة يحتاج إلى التعرف على نقاط االرتكاز الهامة ‪stable points of reference‬‬
‫ويشمل ذلك التعاليم والقيم واالهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها‪ ،‬تتألف األهداف من مجموعة من‬
‫المتغيرات مثل الوضوح والرؤيا ‪ specificity‬والمدى الذي تسهم فيه عناصر األهداف بإيجاد قاعدة للعمل‬
‫االجتماعي وعالقة االهداف مع القيم والعادات السائدة وتوافق عنصر األهداف مع السلوك االجتماعي العام‬
‫والتوقعات االجتماعية وعالقة األهداف بأسبقيات وافضليات المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬البرنامج ‪Program‬‬
‫البرنامج هو مجموعة النشاطات التي تؤدي إلى انجاز وظائف المؤسسة يتكون البرنامج من مجموعة من‬
‫العناصر أو الخصائص منها انسجام البرامج مع الهدف العام للمؤسسة وتماسك البرنامج واستقراره وثباته‬
‫وقابلية البرنامج للتنفيذ ومراعاة الموارد الطبيعية والبشرية‪ ،‬ومراعاة التكامل االنتاجي مع المؤسسات‬
‫األخرى والمقدرة االستيعابية لحاجات المجتمع والمساهمة في قضاء هذه الحاجات وجودة االنتاج كما ونوع‬
‫التي يضعها منافسو المؤسسة الجديدة أمامها وتدخل في الروابط المساعدة المنظمات والمجموعات التي‬
‫تساهم بأسلوب أو آخر في حماية المؤسسة الجديدة‪.‬‬
‫‪ -4‬الموارد ‪Resources‬‬
‫تشمل جميع انواع الموارد البشري منها والطبيعي باإلضافة إلى الموارد التكنولوجية‪ .‬وتعتبر الموارد من أهم‬
‫عناصر المؤسسة‪ .‬فمقدرة المنظمة على استخدام وتحريك الموارد تحدد أمكانية تنفيذ برامجها كما تشمل توفر‬
‫الموارد وايجاد مصادر بديلة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ -5‬الهيكل الداخلي ‪Internal Structure‬‬
‫الهيكل الداخلي يعنى الهيكل التنظيمي واالجراءات واالساليب ويشمل ناك توزيع السلطة والوظائف في‬
‫المؤسسة واتخاذ القرارات تحدد الهياكل الداخلية واالجراءات واألساليب فاعلية وكفاية تنفيذ البرامج‪.‬‬
‫ثانيا الروابط ‪Linkages‬‬
‫تحدد الروابط عالقة التبادل بين المؤسسة وبقية أجزاء المجتمع فال ينبغي ان تدرس المنظمة بمعزل عن‬
‫المنظمات االجتماعية التي تتفاعل معها والتي تأخذ منها شرعيتها وسلطاتها فالمؤسسة تتكامل مع بقية‬
‫المنظمات‪ ،‬فهي تستخدم مخرجات المنظمات االخرى في شكل مدخالت كما انها تصدر مخرجاتها المنظمات‬
‫األخرى فهي اذن منتج ومستهلك في آن واحد فالروابط هي نقاط االلتقاء بين المؤسسة والبيئة التي تعيش‬
‫فيها تعتبر الروابط من اهم مقومات المنظمة‪ ،‬فكفاءة المنظمة تعتمد على حسن استخدام الروابط تنقسم‬
‫الروابط إلى أربع روابط‬
‫‪ -1‬الروابط المساعدة ‪Enabling Linkages‬‬
‫الروابط المساعدة هي الروابط بين المؤسسة والمجموعات االجتماعية التي تمتلك الموارد الضرورية لتسيير‬
‫المؤسسية‪ ،‬وتعتبر الروابط المساعدة الهدف األول للقائمين على بناء المؤسسات خاصة المراحل األولى فعن‬
‫طريق المؤسسات والروابط المساعدة يمكن تمهيد الطريق أمام المؤسسة الجديدة ليس فقط للحصول على‬
‫الموارد الضرورية لقيامها‪ ،‬وانما إلزالة العقبات والعراقيل التي يضعها منافسو المؤسسة الجديدة أمامها‪.‬‬
‫وتدخل في الروابط الم ساعدة جميع المنظمات والمجموعات التي تساهم بأسلوب أو أخر في حماية المؤسسة‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫‪ -2‬الروابط الوظيفية‬
‫هي روابط بين المؤسسة والمنظمات التي تقوم بأداء وظائف وخدمات تعتبر مكملة )من ناحية انتاجية‬
‫لوظائفها أي المنظمات التي تمد المؤسسة بمدخالتها كما تستهلك مخرجات المؤسسة وتشمل المدخالت‬
‫الموارد المالية وراس المال والميزانية وكل ما يدخل تحت الروابط المساعدة كما تدخل ضمن الروابط‬
‫الوظيفية بعض المنظمات التي تنافس المؤسسة في اداء وظائف وخدمات مشابهة أو مماثلة‬
‫تسعى المؤسسة في تفاعلها مع منظمات الروابط الوظيفية إلى تحقيق التكامل‪ .‬فمن خالل التكامل تستطيع‬
‫المؤسسة الجديدة نشر التكنولوجيا واالنماط التقنية الحديثة واالبتكارات في مختلف المجاالت الفنية وغير‬
‫الفنية‪.‬‬
‫‪ -3‬الروابط المعيارية القيمية ‪Normative linkages‬‬
‫هي الروابط بين المؤسسة والمنظمات التي تنطوي على قيم تساند أو تتناسب مع أهداف و برنامج المؤسسة‬
‫وينطبق للك على القيم االجتماعية والثقافية والقوانين واللوائح فعلى سبيل المثال قد تتأثر المؤسسة بقوانين‬
‫ولوائح لجنة" الخدمة المدنية بالرغم من عدم وجود روابط وظيفية وروابط مساعدة بين المؤسسة ولجنة‬
‫الخدمة المدنية وينطبق ذلك ايضا على بعض المؤسسات الدينية أو السياسية أو االجتماعية التي تقوم على‬
‫حماية بعض القيم وال تدخل ضمن المجموعة (أ) أو المجموعة (ب) آن وجود مثل هذه القيم يساعد على‬
‫بناء المؤسسة قيد الدراسية وذلك ألنه يخلق مناخا مالئما للمؤسسة االبداعية الجديدة‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ -4‬الروابط االنتشارية ‪Diffused Linkages‬‬
‫الروابط االنتشارية هي العالقات بين المؤسسة والمجتمع بصفة عامة وتختلف عن الروابط االخرى في انها‬
‫ال ترتبط بمنظمة معينة وانما ترتبط بالمحيط الكلي للمؤسسة‪ .‬فالروابط االنتشارية تتعلق بالرأي العام وترتبط‬
‫بالمجتمع واسلوب تفكيره واهتماماته واالفراد والمجموعات في المجتمع وآرائهم ينبغي أن نشير إلى نقطة‬
‫هامة وهي أن المؤسسة قد تنشئ أكثر من رابطة المنظمات التي تتفاعل معها فقد ترتبط مع احدى المنظمات‬
‫برابطة وظيفية ورابطة معيارية‪ .‬كما أن الروابط األربع المذكورة ال تغطي جميع االحتماالت وانما توجد‬
‫عالقات وروابط أخرى تحت مسميات مختلفة‪.‬‬
‫ثالثا التفاعل والتبادل أو المعامالت ‪Transactions‬‬
‫يتوقف دور المؤسسة في نشر القيم االبداعية إلى القطاعات االجتماعية المختلفة على حجم ونوعية المعامالت‬
‫مع المنظمات المختلفة التي ترتبط بها‪ ،‬فالمعامالت تعنى تبادل السلع والخدمات وتبادل القوة والنفوذ ومن ثم‬
‫ال تقتصر على المدخالت المادية‪ ،‬بل تشمل التفاعل االجتماعي كاالتصال وكسب السند االجتماعي ونشر‬
‫القيم وانماط السلوك المختلفة‪.‬‬
‫ترمي المعامالت المختلفة إلى اهداف وغايات تسعى لتحقيقها تدفق المعامالت مدى نشاط المؤسسة ومقدرتها‬
‫على التأثير على المحيط الذي تعيش فيه‪ .‬تهدف المعامالت بجانب تبادل الموارد بين المؤسسة والمنظمات‬
‫التي تتعامل معها إلى كسب ثقة وسند هذه المؤسسات بامتصاص أسباب المعارضة والمقاومة وفتح مجاالت‬
‫التعاون‪ .‬كما تهدف ايضا إلى تغيير البيئة وزيادة قدرتها االستيعابية المتصاص القيم االبداعية الجديدة تهدف‬
‫المعامالت ايضا إلى نقل القيم وعليه فالمعامالت تهدف اساسا لتحقيق األهداف التالية‬
‫‪ -1‬کسب سند المنظمات التي تتعامل مع المؤسسة وامتصاص أو دفع اسباب المقاومة‪.‬‬
‫‪ -2‬تبادل الموارد‪.‬‬
‫‪ -3‬تغيير البيئة‪.‬‬
‫‪ -4‬نقل القيم اإلبداعية‪.‬‬
‫بناء المؤسسات كإطار لنشر القيم اإلبداعية‬
‫يهدف نموذج بناء المؤسسات لوضع إطار لتحليل االستراتيجيات الالزمة االستقدام القيم االبداعية بواسطة‬
‫مؤسسات حديثة هي الدول النامية ينسحب النموذج ايضا على الدول المتقدمة تكنولوجيا ‪ -‬زنك لعمومية‬
‫المبادئ التي ينطوي عليها‪ .‬وبغض النظر عن المستوى التكنولوجي فان النموذج يفترض قيام مؤسسات‬
‫تكون بمثابة ادوات تغيير النقل التكنولوجيا والقيم الحضارية والمفاهيم الحديثة يهدف نموذج بناء المؤسسات‬
‫إلى احداث تغيير شامل في بيئة العمل فالهدف هو زيادة مقدرة المؤسسية ليس فقط على مواكبة التغيير وإنها‬
‫احداث التغيير‪ .‬فالمقصود التغيير في حد ذاته وليس التحديث فالتحديث كما يقول اسمان هو مفهوم مدرك‬
‫يصعب قياسه يتحقق هدف بناء المؤسسات بعد تعميق الحضارية الحديثة وتأسيس عقلية التغيير وخلق عالقة‬
‫تكاملية بين المؤسسة والمنظمات التي تتعامل معها في المجتمع‪ .‬تصبح المنظمة مؤسسية بعد أن يتحقق قدر‬
‫معين من األهداف السالفة الذكر أي تحقيق قدر معين من التأسيس ‪ .institutionally‬فاالختبار األول لمدى‬
‫تأسيس المنظمة هو مقدرتها على البقاء واالختبار الثاني هو االستقالل ‪ autonomy‬ويعني ذلك االستقالل‬
‫‪55‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المالي والمقصود باالستقالل المالي ان يكون للمنظمة الحرية في الحصول على الموارد دون أن تخضع إلى‬
‫مساءلة السلطات العليا كما يشمل االستقالل حرية المنظمة في وضع اللوائح واإلجراءات دون الرجوع‬
‫للمنظمة األم وحرية المنظمة في الدفاع عن نفسها‪ .‬االختيار الثالث لدرجة تأسيس المنظمة هو قدرتها على‬
‫التأثير عل ى بيئتها وتأصيل المبادئ التي تنطوي عليها وبث هذه المبادئ في جسم المنظمات االخرى وقيام‬
‫هذه المنظمات بالدفاع عن هذه المبادئ ونشرها على منظمات أخرى‪.‬‬
‫اإلدارة العامة المقارنة – بداية النهاية‬
‫استعرضنا في الصفحات السابقة الظروف المختلفة التي ساعدت على ظهور اإلدارة العامة المقارنة ورواجها‬
‫فأوضحنا أن التفكير في اإلدارة العامة المقارنة هو وليد الشعور المتزايد بعدم تناسب منهجية علم اإلدارة‬
‫العامة كأطار لتحليل وفهم مشاكل وقضايا اإلدارة العامة في الدول النامية‪ .‬وهو ايضا نتاج لما اسميناه‬
‫بصحوة الضمير أو عقدة الذنب في الد ول الغربية وشعورها بمسئوليتها تجاه مشاكل الفقر والجهل والمرض‬
‫في الدول النامية ومبادرتها بتبني مشاريع العون االجنبي‪ .‬ادى ذلك لظهور الحاجة إلى إدارة عالمية تعتمد‬
‫على نماذج تحليلية أكثر عمقا وتناسبا مع واقع هذه الدول فظهر نموذج فرد ريجز الدراسية المجتمع‬
‫المنشوري ونموذج ميلتون اسمان لبناء المؤسسات فاستخدمت هذه النماذج کاطار تحليلية لدراسة اإلدارة في‬
‫الدول النامية ومقارنة النظم اإلدارية في هذه الدول مع بعضها البعض وذلك لوجود حسد ادنى من التشابه‬
‫بين هذه الدول ‪ ،‬اذ توجد أرضية مشتركة للمقارنة مثل وجود درجة عالية من الفور مالية ودرجة منخفضة‬
‫من التنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي وعدم توفر السيولة النقدية وضعف المؤسسات البيروقراطية وعدم‬
‫وجود كوادر إدارية مدربة لقيادة العمل التنموي كما ورد في نموذج فرد ريجز ‪ .‬فإذا كان هذا هو الحال في‬
‫الدول النامية فماذا عن الدول المتقدمة؟ هل يصلح نموذج فرد ريجز كإطار لدراسة المجتمعات المناعية؟ وإذا‬
‫كانت االجابة بالنفي فما هو البديل؟ ما هي خصائص هذه الدول اي الدول الصناعية التي تميزها عن الدول‬
‫النامية؟ وهل تفرض هذه الخصائص وجود نموذج تحليلي أكثر تناسبا مع واقع هذه المجتمعات؟‬
‫النموذج البيروقراطي إطار لدراسة اإلدارة في الدول الصناعية‬
‫يعتبر نموذج ماكس ويبر لدراسة البيروقراطية من اقوى النماذج التحليلية لدراسة المجتمعات الصناعية‪.‬‬
‫وقوة النموذج تكمن في خصائص النموذج االيجابية كاالعتماد على اللوائح واالجراءات والوضوح والدقة‬
‫واالستمرارية والتخصص والعقالنية يرى ماكس ويبر أن هذه الخصائص تتناسب مع اقتصاد السوق‪ ،‬بل‬
‫يعتبر ماكس ويبر أن البيروقراطية هي نتاج اقتصاد السوق وتتناسب مع المجتمع الصناعي فهي تتمتع‬
‫بالتفوق التكنولوجي على بقية التنظيمات اإلدارية مثل تنظيمات االقطاع وكذلك تتفوق عليها في الوضوح‬
‫و الدقة واالستمرارية وتخفيف حدة االحتكاكات وتوزيع العمل والتدريب والخبرة والعمل بمقتضى القانون‪.‬‬
‫ومن مزايا البيروقراطية ان اسلوبها اإلجرائي في التعيين و الترفيه واصرارها على الكفاءة ونظام‬
‫االمتحانات كأساس للتعيين قد يحقق العدالة في توزيع الفرص تنسجم هذه الخصائص إلى حد كبير مع‬
‫خصائص الدول الصناعية‪.‬‬
‫من المالحظ أن الدول التي تتماثل أو تتشابه في مستواها االنمائي أو الصناعي أو انجازاتها الحضارية‪،‬‬
‫تتشابه ايضا في مؤسساتها االقتصادية واإلدارية والثقافية بغض النظر عن التباين الجغرافي وإلى حد ما‬
‫التباين الفلسفي يرجع هذا التشابه إلى التماثل المدهش في االهداف والوظائف والهياكل والتفاعل البيئي بين‬
‫هذه األقطار التي تتساوى في مستوياتها الحضارية أو الصناعية‪ .‬هذا باإلضافة إلى ان هذه الدول تتقاسم أو‬
‫‪56‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تواجه مشاكل متطابقة مثل مشاكل توزيع السلطة والموارد والتضخم االقتصادي ومشاكل الطاقة ومشاكل‬
‫نفاد واستهالك المواد الخام‪ ،‬والتلوث البيئي ومشاكل ارتفاع العمالة ومجموعة من المشاكل االجتماعية‬
‫واالقتصادية والسياسية‪ .‬ومن ثم تتشابه المؤسسات اإلدارية التي تقوم بمعالجة هذه المشاكل كما يتشابه‬
‫السلوك االداري الذي يصاحب قيام هذه المؤسسات يقول كيرت لوين ان السلوك هو نتاج تفاعل السمات‬
‫الشخصية للفرد مع البيئة وينطبق ذلك على سلوك األفراد وسلوك المنظمات ويجدر بنا هنا أن توضح نقطتين‬
‫النقطة األولى تتلخص في أن العوامل االيكولوجية وطبيعة العمل تؤثران بصورة مباشرة على السلوك‬
‫اإلداري‪ .‬فطبيعة العمل تحدد نوع المؤسسة التي ستقوم بإنجاز العمل كما أن العوامل االيكولوجية تحدد مسار‬
‫المؤسسة وثقافتها والنقطة الثانية هي ‪ -‬تفريعا على المعادلة الموضحة أعاله ‪ -‬ان كال من البيئة وطبيعة‬
‫العمل تعتبر عناصر ثابتة في المعادلة بمعنى أن األقطار الصناعية تعمل في محيط وبيئة واحدة وتقوم بأداء‬
‫وظائف متطابقة كما انها تواجه مشاكل متشابهة كالطاقة والمواد الخام والتضخم واالسئلة التي تطرح نفسها‬
‫هي‬
‫‪ - 1‬ما هي مزايا وسمات الدول الصناعية واالسباب التي تفسر وجود مؤسسات متشابهة؟‬
‫‪ - 2‬إلى أي مدى تعكس النظم اإلدارية السمات االجتماعية واالقتصادية والثقافية للدول الصناعية؟‬
‫‪ - 3‬إلى اي مدى نجحت المؤسسات والنظم اإلدارية في معالجة ومقابلة احتياجات الدول الصناعية؟‬
‫تشترك الدول الصناعية في مجموعة من المزايا والسمات مثل مستوى التعليم والتقدم التكنولوجي ونمو‬
‫المؤسسات الصناعية والتمويلية ونظام البنوك المتقدم وتطور وسائل التسويق والتطور البيروقراطي‪ ،‬وتطور‬
‫وسائل الترفيه والصحة‪.‬‬
‫تعتمد جميع هذه المرافق والدول من خلفها على البيروقراطية لتنفيذ سياساتها ولحل مشاكل الطاقة ولتثبيت‬
‫االقتصاد وبالرغم من ان الدول الصناعية تتخذ وسائل متعددة لمعالجة هذه المشاكل اال انها تقلد بعضها‬
‫البعض في المسائل الجوهرية في تشخيص المشاكل وفي حلها ان جميع الدول الصناعية مثال تعمل بنظام‬
‫الكفاءة المهنية ‪ merit system‬في االختيار والتعيين للوظائف العامة كما أن نظمها اإلدارية تسير وفق‬
‫التنظيم البيروقراطي ومفهوم االتقان كما جاء في نظرية المنظمة‪.‬‬
‫كتب كبير ‪ Cayer‬يقول في هذا الشأن‬
‫من الدول التي أخذت بنظام إدارة االفراد األمريكي في اعقاب الحرب العالمية الثانية اليابان‪ ،‬هناك ايضا‬
‫مجموعة من الدول التي اخذت بالنظم اإلدارية والسياسية الغربية بعد الحرب العلية الثانية منها االتحاد‬
‫السوفيتي وشرق أوربا‪ .‬تأثرت هذه الدول بنظام إدارة االفراد األمريكي وخاصة نظام الخدمة المدنية‪.‬‬
‫‪ -1‬سيادة معايير إنجازيه عالمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬درجة عالية من المرونة والحركة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ - 3‬نظام متطور للحرف والمهن‪.‬‬
‫‪ - 4‬نظام طبقي يقوم على مفهوم المساواة الديموقراطية وانماط اإلنجاز الحرفي‪.‬‬
‫‪ - 5‬وجود هياكل إنجازيه متخصصة‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تحدد هذه المزايا السمات الرئيسية الملوك االداري للدول الصناعية المؤسسات اإلدارية كاستجابة لهذه المزايا‬
‫وهي بهذا تعكس قدرا كبيرا من االعتماد المتبادل بين الدول الصناعية المختلفة في جميع المجاالت ‪ -‬مجال‬
‫التعليم مجال المعرفة ‪ ،‬مجال التكنولوجيا أن هناك اسبابا كثيرة ساعدت على وجود درجة عالية من االعتماد‬
‫المتبادل منها انتشار المعرفة وتطور المواصالت ووسائل االتصاالت ونمو أجهزة األعالم والمخابرات وقيام‬
‫مؤسسات عالمية تتجاوز الحدود القومية مثل السوق األوربية المشتركة ومنظمة األمم المتحدة وامتداد نفوذ‬
‫الشركات العالمية والتي تعمل في أكثر من دولة ولهذه االسباب مجتمعية فان المنظمات اإلدارية والوسائل‬
‫اإلجرائية المختلفة (السلوك اإلداري) ونظم الخدمة المدنية في الدول الصناعية تتشابه بل تتماثل في بعض‬
‫األحيان في السمات الرئيسية ‪ .‬فمثال نجد أن معظم الدول الصناعية تأخذ بنظام الطبقات األربع في إدارة‬
‫شئون االفراد‬
‫كتب موشير ‪ Mosher‬قائال‬
‫و يوجد نظام الطبقات األربع في معظم الدول القيادية في غرب أوربا ( بريطانيا ‪ ،‬فرنسا ‪ ،‬المانيا ‪ ،‬ايطاليا ‪،‬‬
‫بلجيكا ) كما يوجد مع بعض التعديالت الدول األوربية األخرى حصر فيرل هيدی الخصائص المشتركة لهذه‬
‫الدول في خمس نقاط وهي‬
‫‪ -1‬وجود بيروقراطية تتميز بدرجة عالية من التخصص الوظيفي الدقيق ونظام الجدارة والكفاءة‪ ،‬الذي يتم‬
‫بموجبه االختيار للخدمة المدنية‪.‬‬
‫‪ -2‬سيادة االسلوب العقالني الراشد في اتخاذ القرارات‪.‬‬
‫‪ -3‬تزايد النشاط السياسي واإلداري‪.‬‬
‫‪ - 4‬تضم البيروقراطية مجموعة من التخصصات الفنية وتمثل بهذا حجر الزاوية في بناء المعرفة‪.‬‬
‫‪ - 5‬فصل العمل االداري عن العمل السياسي " فالعمل االداري يهتم بالجانب التنفيذي كما أن العمل السياسي‬
‫يتعلق بوضع السياسات‪.‬‬
‫ليس المقصود من التحليل الملحق بهذه الورقة هو االشارة إلى عدم وجود فوارق بين النظم اإلدارية المختلفة‬
‫في الدول الصناعية‪ .‬بل اننا نجد على نقيض ذلك ان النظم اإلدارية في مختلف األقطار وفي داخل القطر‬
‫تختلف باختالف األحوال التي تعيش فيها هذه النظم ارجع تفنر وجود مثل هذه الفوارق إلى ثالثة مصادر‬
‫وهی‬
‫‪ - 1‬الفوارق في العادات والتقاليد‪.‬‬
‫‪ - 2‬التباين الثقافي والوراثي‪.‬‬
‫‪ - 3‬سلوك األقطار المختلفة تجاه التعليم العالي‪.‬‬
‫بيد أن ذلك ال ينفي الحقيقة التي أردنا أن نثبتها في بداية المقال وهي أن هذه الدول تشترك في وحدة الهدف‬
‫وتشابه الهياكل والوسائل والمزايا ومن ثم تتشابه في نظمها اإلدارية‪.‬‬
‫يتضح من تحليل النماذج اإلدارية المختلفة أن بعض هذه النماذج استخدم کاطار للدراسة المقارنة بين اقطار‬
‫دول العالم الثالث )نموذج فرد ريجز واسمان( كما استخدم نموذج ويبر للبيروقراطية كإطار لمقارنة النظم‬
‫‪58‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫اإلدارية المختلفة في الدول الصناعية وكان الهدف من هذه التجزئة هو دفع التهمة التي تقول ان النماذج‬
‫الغربية ال تصلح كأطر لدراسة المجتمعات النامية‪ .‬غير أن هناك حلقة هامة ما زالت مفقودة في دراسة‬
‫اإلدارة العامة المقارنة وهي ايجاد نماذج لالستعانة بها في مقارنة النظم اإلدارية في الدول النامية والدول‬
‫الصناعية فنموذج ماكس ويبر ونموذج‪ .‬فرد ريجز واسمان تصلح فقط لدراسة بعض الحاالت اذن ما نحن‬
‫في حاجة اليه هو وجود أرضية ابستمولوجية مشتركة ‪ espistemological ground‬لدراسة اإلدارة‬
‫العامة المقارنة ليس فقط بين الدول النامية مع بعضها البعض أو بين الدول الصناعية واتما بين الدول النامية‬
‫وا لدول الصناعية‪ ،‬وفي الواقع فان الحاجة لهذا النموذج بدأت تتعاظم بصورة واضحة بعد الشعور المتزايد‬
‫بان مشاكل دول العالم الثالث ما هي اال افرازات أو ظل لمشاكل الدول النامية أو بعبارة أخرى أن تخلف‬
‫الدول النامية هو نتاج غير متوقع ‪ spill-over effect‬لتقدم الدول الصناعية‪ .‬كذلك فان التفكير في وجود‬
‫أرضية ابستمولوجية تدعو اليه الحاجة أو االحساس المتزايد بأن هناك نوعا من التشابه أو التماثل بين مشاكل‬
‫الدول النامية والدول الصناعية ظهر هذا االحساس بصورة جلية في سمنار عطبرة بالسودان والذي اشترك‬
‫فيه فحول اإلدارة العامة في الدول النامية والدول الصناعية وعلى رأسهم فرد ريجز ودوايت والدو‪.‬‬
‫كتب داويت والدو تحت عنوان نحو تنمية عالمية ؟ ‪Toward World Development‬‬
‫يقول ان النظرية االساسية التي أود أن أطورها هي وجود ويلخص ذلك في درجة واضحة من التشابه‬
‫والتماثل بين ‪ -‬مشاكل الدول والنامية والدول المتقدمة خمس مشاكل‬
‫المشكلة األولى هي فشل المشروعات الطموحة للقضاء على الفقر في الواليات المتحدة وتحقيق العدالة‬
‫والتوازن االجتماعي وهي عين المشاكل التي تعاني منها الدول النامية‪.‬‬
‫المشكلة الثانية هي تفاقم عدد العاملين في القطاع العام نتيجة للضغوط المتالحقة على الحكومة (حركة‬
‫الحقوق المدنية) لحل مشكلة العطالة بخلق برامج لتوظيف جميع القادرين على العمل وهي ايضا مشكلة تشكو‬
‫منها معظم الدول النامية‪.‬‬
‫المشكلة الثالثة هي مشكلة ندرة الموارد فهي مشكلة الواليات المتحدة بقدر ما هي مشكلة الدول النامية بدأت‬
‫موارد الواليات المتحدة‪ .‬تتناقص كما يتضح من مناقشتنا لقضية حدود النمو في الفصل السادس نتيجة إلى‬
‫معدالت االستهالك العالية ومن أكثر المشاكل تعقيدا هي مشكلة الطاقة مشكلة الطاقة هي مشكلة ندرة‬
‫‪ scarcity‬في المقام األول‪.‬‬
‫المشكلة الرابعة هي مشكلة الركود االقتصادي والتضخم االقتصادي أو ما يطلق عليه الركو تضخم‬
‫‪ stagflation‬استعصت هذه المشكلة على االقتصاديين في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء‪.‬‬
‫والمشكلة الخامسة هي مشكلة االستثمار األجنبي وهي مشكلة الدول النامية والمتقدمة في آن واحد ‪ ،‬وهي‬
‫تهدد أمن الدولة االقتصادي وتزيد من النفوذ األجنبي في الدولة فتهدد بذلك االستقالل السياسي للدولة ومن ثم‬
‫تؤثر على نظام األسبقيات في الدولة‪.‬‬
‫بالرغم من وجود الحاجة لنموذج التحليل العالقة بين الدول الصناعية والدول النامية اال أن نماذج اإلدارة‬
‫العامة المقارنة لم تتجاوز مرتكزاتها الثقافية فهي تدور في فلك الثقافة الغربية كما يقول داويت والدو كانت‬
‫هذه الدراسية المقارنة كما ذكرنا وصفية ينقصها الجانب التحليلي فلم تكن مقارنة بمعنى انها تدور في فلك‬
‫ثقافة واحدة وهي الثقافة األمريكية‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫انتقد دوايت والدو ‪ Dwight Waldo‬المنها ج التقليدي في اإلدارة العامة المقارنة الرتباطه باإلطار الثقافي‬
‫لغرب أوربا وخاصة الواليات المتحدة األمريكية فوالدو هنا يهاجم حصيلة دراسة مجموعة اإلدارة العامة‬
‫المقارنة ويشير إلى فشلها في ترجمة معطيات فكر ونظريات المنظمة ونقلها للدول النامية‪.‬‬
‫يقول والدو يجب على طالب اإلدارة العامة المقارنة أن يفحصوا اشكال المنظمات في العالم الثالث من‬
‫مستشفيات وبنوك واتحادات ومصانع وخالفه وهل تشبه هذه المنظمات رصيفاتها في الدول الغربية؟ وإذا‬
‫كان ذلك صحيحا اليس من االفضل لطالب اإلدارة العامة المقارنة أن يسحبوا معطيات نظريات المنظمة‬
‫لتشمل دول العالم الثالث؟ وهل يمكن استخدام نظريات المنظمة لفهم العملية اإلدارية في الدول النامية؟‬
‫بالرغم من أن الجزء األكبر من هذه التساؤالت ال يعبر عن رؤية واضحة االزمة اإلدارة العامة المقارنة‬
‫وفشلها في طرح األسئلة المناسبة في المحتوى التحليلي الصحيح اال انها تصف حالة السكون الذي يسبق‬
‫العاصفة‪.‬‬
‫جاءت بداية العاصفة في عام ‪ 1978‬في سمنارات اإلدارة المقارنة حيث تحول التذمر ضد اإلدارة العامة‬
‫المقارنة إلى عا صفة اجهزت على ما تبقى من حقل اإلدارة العامة المقارنة والطريف في األمر أن الهجوم‬
‫على اإلدارة المقارنة جاء على ايدي مؤيديها والمتحمسين لها‪.‬‬
‫تعتبر أواخر الستينات ذروة نضح اإلدارة المقارنة‪ .‬حصد طالب اإلدارة العامة المقارنة في خالل هذه السنين‬
‫وعلى رأسهم مجموعة اإلدارة المقارنة بقيادة فرد ريجز نتاج أعوام من الجهد‪ .‬بيد أن الحماس لإلدارة‬
‫المقارنة بدا يخمد في العشر سنوات األخيرة واصبحت منطقة ازعاج ‪.troubled field‬‬
‫يقول نقاد اإلدا رة المقارنة أنها فشلت كحقل أو علم اجتماعي له حدود اكاديمية ومواضيع دراسة بدأ علم‬
‫اإلدارة المقارنة في الذبول في حين أن دراسة البيروقراطية والتي تعتبر حقال خصبا في اإلدارة المقارنة‬
‫أخذت تجذب عددا كبيرا من الدارسين ومن أهم االنتقادات التي وجهت لحقل اإلدارة المقارنة أنه فشل في‬
‫تركيز نفسه كمادة وحقل دراسة له مميزاته وحدوده‪ .‬وقد ناقش كيك هندرسون ‪Keith Henderson‬‬
‫موضوع ازمة الهوية في حقل اإلدارة العامة‪ ،‬يقول کيث توجد هناك اراضي ومواضيع مشتركة تطغى على‬
‫الحقل ‪ dominant themes‬مثل الدول النامية ‪ ،‬النظام السياسي ان المواضيع التي تطرح تفقد عنصر ا‬
‫هام ا وهو كونها إدارة عامة فالكثير مما كتب يدخل في إطار العلوم السياسية والتاريخ واالقتصاد‪.‬‬
‫لخص فيرل هيدي الهجوم على اإلدارة المقارنة في مقالة نشرت في مجلة اإلدارة العامة‬
‫‪ Public Administration Review‬استعرض هيدي مجموعة من اآلراء حول اإلدارة المقارنة‬
‫ونكتفي هنا بطرح بعض اآلراء التي وردت في مقالة هيدي ونكتفي بآراء جونز و پريان لقمان ولی سيقلمان‬
‫وجريسات وفرد ريجز يتلخص النقد حول النقاط التالية‬
‫‪ -1‬آن حقل اإلدارة العامة المقارنة لم يحقق سوى انجاز ضئيل كمادة دراسية علمية بعد استقراء ما نشر في‬
‫مجلة اإلدارة المقارنة ‪ of Comparative Administration‬فالمجلة تضم أنواعا مختلفة من المواضيع‬
‫تتألف من سلسلة من االهتمامات المستقلة‪ ،‬أن عدم وجود مفهوم ومحور يربط مواضيع اإلدارة العامة‬
‫المقارنة يعتبر مشكلة خطيرة‪ .‬تؤكد هذه المشكلة اهمية حصر طالب اإلدارة المقارنة في مواضيع محددة لی‬
‫سيقلمان ‪.Lee Sigel ran‬‬

‫‪60‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ -2‬ان اإلدارة العامة المقارنة بدأت بدون برادايم ‪ Paradigm‬ولم توفق في خلق ايديولوجية جديدة ويرجع‬
‫ذلك إلى طبيعة اإلدارة العامة األم بيتر سأفاج ‪ Peter Savage‬يعترف فرد ريجز بعدم وجود اتفاق في‬
‫منهج ووسيلة ونظرية اإلدارة المقارنة ويعتبر ذلك حسنة‪.‬‬
‫‪ -3‬ان فريق اإلدارة العامة المقارنة لم يتعدوا مرحلة التعريف بالمادة ويقول بعضهم أنهم لم يصلوا إلى هذه‬
‫المرحلة بعد جونز وإن جهد طالب اإلدارة العامة ضائع في االستعداد ان مجموعة اإلدارة العامة المقارنة لم‬
‫تنتج ما يفيد فالعبرة ليست في انها انتجت دواء غير ناجح وانما لم تنتج دواء على االطالق‪.‬‬
‫اإلدارة العامة المقارنة وإدارة التنمية عالقة احاللية أم عالقة تكاملية؟‬
‫طرحنا هذا السؤال في بداية العمل وأرجانا االجابة عليه ريثما يتم تعريف اإلدارة المقارنة وخصائصها‪،‬‬
‫وسبب ظهورها ‪،‬ومبررات‪ ،‬وجودها‪.‬‬
‫يرتبط ظهور حقل إدارة التنمية بموضوع ازمة الهوية في حقل اإلدارة العامة التي تحدثنا عنها آنفا فبعد أن‬
‫كثر الهجوم على اإلدارة المقارنة وفقدت بعض أراضيها اتجهت األنظار للبحث عن بديل أكثر جاذبية و أكثر‬
‫تماسك ا فوقع االختيار على إدارة التنمية والتي تعتبر بديال وتوأما لإلدارة العامة المقارنة يفسر جارث هذا‬
‫التحول فيقول أن التحول من اصطالح اإلدارة العامة المقارنة اإلدارة التنمية فرضته الحاجة إلى أموال‬
‫شركة فورد والتي تعتبر من أكثر المؤسسات مساهمة في تبني وتنفيذ مشاريع التنمية في العالم استطاعت‬
‫مجموعة اإلدارة العامة المقارنة تغيير اسم اللعبة ‪ name of the game .‬باستخدام مصطلح أكثر فعالية‬
‫وبريقا في سوق مؤسسة فورد يقول جونز أن قلة من علماء العلوم السياسية من ذوي الخبرة والمراس في‬
‫العمل الحكومي استطاعوا أن يتفهموا مرامي إدارة التنمية وبعد أن تبين لهم أن مصطلحهم القديم واإلدارة‬
‫العامة المقارنة لم يفد كثيرا في المجاالت التطبيقية ولم يساعد الدول النامية في اصالح نظام المحاسبة وربط‬
‫التخطيط القومي بمشاريع اإلدارة أو إدارة مشروع تخطيط االسرة أو تصميم نظام اداري لمشروع زراعي ‪،‬‬
‫قرروا االستيالء على حقل إدارة التنمية‪.‬‬
‫خالصة‬
‫استعرضنا في هذا الفصل اإلدارة العامة المقارنة وعالقتها بإدارة التنمية وخلصنا إلى أن التحول من اإلدارة‬
‫المقارنة إلى إدارة التنمية هو ضرورة دعت اليه الحاجة إلى ايجاد مصطلح أكثر جاذبية وأكثر تناسيا مع‬
‫احتياجات الدول النامية‪.‬‬
‫يستعرض الفصل الرابع لحد االهتمامات الرئيسية في إدارة التنمية وهي ايديولوجية التنمية ويجيب الفصل‬
‫على مجموعة من التساؤالت التي طرحت في بداية الفصل األول مثل ما هي التنمية؟ هل هي عقيدة أم عقدة‬
‫هل هي طريق أو محطة على الطريق يقف عندها االنسان والمجموعات والدول ليجمعوا انفاسهم ويستعيدوا‬
‫قواهم لمواصلة سيرهم؟ وهل التنمية عملية ارادية تخضع االرادة االنسان أم انها جبرية مفروضة عليه من‬
‫الخارج وهل هناك مراحل طبيعية كمراحل نمو االنسان تمر بها جميع الدول أم انها وضع استثنائي حظيت‬
‫به بعض الدول وحرمت منه دول اخرى؟ وهل يستطيع االنسان ان يحافظ على اصالته وسط السعار التنموي‬
‫المحموم؟ أي هل يستطيع االنسان أن ينمو دون أن يقلد؟‬

‫‪61‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصـل الرابع‬
‫ايديولوجية التنميـة‬
‫التنمية الخطية التراكمية او المنهج الجبري‬
‫‪The Deterministic Approach‬‬
‫مقدمة‬
‫يهدف هذا الفصل والفصول التي تليه الى تحليل نظريات التنمية باتجاهاتها المختلفة ‪ -‬لخصت هذه االتجاهات‬
‫في ثالثة عناوين تحت ايديولوجية التنمية المنهج الجبري والمنهج االحتمالي ومنهج التجاهل أو وقف النمو ‪-‬‬
‫تغطي هذه التقسيمات الفكر التنموي الكالسيكي والحديث وتمثل العناوين الثالث منطلقا لوضع استراتيجية‬
‫التنمية في الدول النامية‪.‬‬
‫يحتوي هذا الجزء على نظريات التنمية الخطية التراكمية أو المنهج الجبري والذي يشتمل على مجموعة من‬
‫النظريات مثل نظرية التسلسل ونظرية روستو لراحل النمو االقتصادي ونظرية االنتشار ونظـرية اللحاق‬
‫ونموذج المركز والهوامش ومفهوم الدفعة الكبيرة ونظرية الدائرة السببية ونظرية الدائرة المفرغة للفقر ‪-‬‬
‫يناقش الفصل ايضا ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية والتحديات المعاصرة ويحتوي هذا الجزء على‬
‫االنتقادات الرئيسية المنهجية التنمية الخطية التراكمية والنظريات التي تقوم عليها هذه االنتقادات مثل نظرية‬
‫االعتماد ونظرية كالتنج والتي اطلق عليها النظرية االمبريالية ثم يختم الفصل بخالصة توضيح االستنتاجات‬
‫الرئيسية‪.‬‬
‫التنميـة التراكميـة ‪Cumulative Development‬‬
‫تأثرت نظريات التنمية باإلطار الفكري والنموذج التراكمي في العلوم االجتماعية ‪ -‬ظهر ذلك بصورة جلية‬
‫في نظرية التسلسل ‪ Continuum Theory‬والتي تقول ان التنمية والتحديث يسيران في خط متوالي أو‬
‫متالزم من التقليد الى التحديث ‪ -‬تمثل المؤسسات والعالقات االجتماعية الحالية منطلقا للتنمية الخطية كما‬
‫يقول روستو والموند ‪ Almond‬ودرتش ‪ Deutsch‬ينطوي هذا النموذج على وحدة الهدف والوسيلة ‪ .‬أي‬
‫أن هناك نقطة وصول مدينة ينبغي أن توجه نحوها مجهودات التنمية والتحديث‪.‬‬
‫نظرية روستو لمراحل النمو االقتصــادي‬
‫يقول روستو تير المجتمعات بخمس مراحل في نموها ‪ .‬وفي رحلته من المرحلة التقليدية الى مرحلة‬
‫التحديث واالستهالك يجب ان تتوفر للمجتمع بعض المزايا والشروط مثل االستقرار السياسي والتعليم‬
‫والمهارات ورجال اعمال نشطون حتى يتسنى له االقالع في طريق النمو الصناعي والنضج االقتصادي ندي‬
‫مرحلة االستهالك ‪ .‬ولكي تضع الدولة نفسها في طريق النمو االقتصادي ينبغي عليها اوال أن تترسم خطى‬
‫الواليات المتحدة االمريكية أي ينبغي أن تعيد تشكيل هياكلها االجتماعية ومؤسساتها االقتصادية والسياسية‬
‫لتتماثل مع الواليات المتحدة * افعلها بطريقتنا » ثانيا ينبغي على الدولة أن تعترف بالحاجة للعون االقتصادي‬
‫لتزويدها بالطاقة الكافية لمرحلة االقالع ‪ -‬يتناقص العون االقتصادي تدريجيا بعد مرحلة االقالع ‪ .‬ثالثا بعد‬
‫مرحلة االقالع وابتداء النمو ينبغي أن تهتم الدولة بمسالة التخطيط واإلدارة لتمنع عملية االنحراف‬

‫‪62‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫واالنتكاسة‪ "Do it the way we did" .‬أبرز و ‪ .‬و ‪ -‬روستو ‪ W. W. Rostow‬خمس مراحل لنمو‬
‫االقتصادي على النحو التالي‬
‫المجتمع التقليدي ‪The Traditional Society‬‬
‫توضح الشواهد التاريخية أن قطاعا كبيرا من البشر على ظهر المعمورة يعيش دون تغيير اقتصادی ملموس‬
‫‪ ،‬فكلما هناك هو أحداث طارئة ال رابط بينها مثل اكتشاف النار ‪ ،‬وتوليف الحيوان واالستقرار وتذويب‬
‫واستخدام الحديد واستخدام المجالت والكتابة وخزن المحصول واستخدام االرقام كوحدات حسابية واستخدام‬
‫النقود كوحدة تبادل ‪ ..‬الخ فالمجتمعات التقليدية تفقد النظرة الشمولية للبيئة الطبيعية ‪ ،‬تلك النظرة التي تجعل‬
‫من عملية التغيير ‪ Changing Process‬عملية مستمرة وليس حدثا طارئا‪.‬‬
‫ترتبط عملية التحول بالتقدم التكنولوجي فقد يسمع التقدم التقني الزراعي بزيادة االنتاجية وزيادة الفائض‬
‫الغذائي ويحرر عددا كبيرا من السكان من مهنة الزراعة ليصبحوا حدادين ونجارين وغزالين كما يسمح ذلك‬
‫بتحويل الموارد من حالة االكتفاء الذاتي لبناء القالع والحروب‪.‬‬
‫‪ -2‬الخطـوات السابقة لمرحلة اإلقالع ‪The Preconditions for Take-off‬‬
‫تحققت الخطوات السابقة لرحلة االقالع بطريقة تدريجية بطيئة في غرب اوربا خاصة في بريطانيا بعد‬
‫قرنين ونصف من الثورة الفرنسية ‪ ،‬ومن المؤثرات والعناصر الهامة في أوربا القضاء على االقطاع وظهور‬
‫طبقة البرجوازية في القطاع التجاري وإنهاء الحواجز التجارية وتأسيس الدولة القومية واالستقالل الروحــي‬
‫( والذي تجسد في ظهور الديانات البروتستانتية ) وتقهقر الخرافات في وجه هللا العلمي ‪ .‬ساعد اكتشاف‬
‫العالم الجديد في القرن الخامس عشر على تحقيق هذه الخطوات‪.‬‬
‫ويقول روستو أن الخطوات الالزمة التي ينبغي أن تسبق مرحلة التصنيع تتلخص في ثالث الخطوة األولى‬
‫هي بناء شبكة من المواصالت لتوسيع نطاق السوق وزيادة التخصص ‪ -‬الخطوة الثانية هي تنوير الزراعية‬
‫بتوفير الغذاء الالزم للعاملين في القطاع الصناعي من سكان المدن الخطوة الثالثة التوسع في الواردات ومن‬
‫بينها راس المال‪.‬‬
‫يتحقق التحول من مرحلة ما قبل االقالع إلى مرحلة االقالع عن طريق التحوالت السياسية واالرادة وأثر‬
‫الدعاية وقد يتخذ ذلك اشكاال متعددة مثل ظهور طبقة من رجال االعمال المغامرين في مجال التجارة وايجـاد‬
‫السوق المحصوالت الزراعية والسلع االستهالكية وقيام المؤسسات النقدية واتساع شبكة المواصالت‪.‬‬
‫تختلف مرحلة الخطوات السابقة لمرحلة االقالع من دولة ألخرى اي ان هناك اختالفا كبيرا بين دول غرب‬
‫اوربا (بريطانيا ‪ ،‬فرنسا ‪ ،‬المانيا) واالراضي الجديدة (كندا واستراليا) واألراضي القديمة المكتظة بالسكان‬
‫مثل الصين والهند‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة اإلقالع ‪The Take-off Stage‬‬
‫تعتبر مرحلة االقالع مرحلة قصيرة نسبيا تستغرق ما بين عقدين الى ثالثة عقود يزداد خاللها معدل دخل‬
‫الفرد بصورة مضطردة وتعتبر مرحلة االقالع مرحلة الثقة بالنمر االقتصادي المستقبلي ‪ ،‬وضع روستو‬
‫التواريخ التالية كنقاط بداية ونهاية لبعض الدول التي تجاوزت ( او ما زالت في ) مرحلة االقـالع‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫بريطانيا ‪ .1802 – 1783‬السويد ‪ 1890 – 1868‬تركيا ‪ - 1937‬فرنسا ‪ .1860 – 1830‬اليابان‬
‫‪ .1900 – 1878‬الهند ‪ .1937‬بلجيكا ‪ .1860 – 1833‬روسيا ‪ .1914 – 1890‬الصين ‪1952‬‬
‫الواليات المتحدة ‪ 1860 – 1843‬كندا ‪ 1914 – 1896‬المانيا ‪ 1873 - 1850‬االرجنتين ‪.1935‬‬
‫هناك متطلبات متعددة لمرحلة اإلقالع بيد أن روستر اشار الى ضرورة توفر ثالثة شروط اساسية ‪ ،‬الشرط‬
‫االول هو ارتفاع معدل االستثمار االنتاجي من ‪ ٪5‬الى ما فوق ‪ ٪10‬من صافي الناتج القومي ‪ ،‬الشرط‬
‫الثاني في تنمية واحد أو أكثر من القطاعات الصناعية القيادية مثل الغزل والنسيج في بريطانيا والسكك‬
‫الحديدية في الواليات المتحدة والمسمانيا وفرنسا وصناعة قطع األخشاب في السويد يتميز القطاع القيادي‬
‫بالنمو السريع في المراحل األولى ‪ -‬يقود النمو السريع في هذا القطاع الي تنشيط القطاعات األخرى التي ال‬
‫تلبث أن تلحق بالقطاع القيادي ومن ثم تتولى عملية النمو االقتصادي الشرط الثالث هو قيام االطـار سياسي‬
‫واجتماعي ومؤسسي لتنشيط وتوسيع القطاع الحديث‪.‬‬
‫‪ -4‬المسعى للنضج ‪The Drive to Maturity‬‬
‫تأتي مرحلة السعي للنضج بعد مرحلة االقالع أي بعد تحقيق درجة عالية من النمو االقتصادي وارتفاع‬
‫مستوى دخل الفرد ومستوى االستهالك وهنا يزداد استخدام التقنية الحديثة ويزيد معدل االستثمار على نسبة‬
‫‪ ٪10‬من الناتج القومي ويقل التركيز على التكالب المادي الذي يصحب الحمى الصناعية كما يزيد االهتمام‬
‫بالقيم اإلنسانية‪.‬‬
‫وضع روستو التواريخ التالية كحدود لتحقيق النضج التكنولوجي في بعض الدول منها‬
‫بريطانيا ‪ 1850‬السويد ‪ 1930‬الواليات المتحدة ‪ 1900‬اليابان ‪ 1940‬المـانيا ‪ 1910‬روسيا ‪ 1950‬كندا‬
‫‪ 1950‬فرنسا ‪1910‬‬
‫‪ -5‬مرحلة االستهالك ‪The Stage of Consumption‬‬
‫شهد القرن العشرون دخول عدد كبير من دول غرب أوربا وأمريكا الشمالية في مرحلة االستهالك ‪ -‬اول من‬
‫وصلت هذه المرحلة هي الواليات المتحدة (‪ 1920‬م)ثم بريطانيا (‪ 1930‬م) كما وصلت بقية دول غرب‬
‫أوربا هذه المرحلة في الخمسينات من هذا العام ‪ .‬تميزت هذه المرحلة بعصر استخدام السيارة والتحول الى‬
‫أطراف المدن ‪ ،‬واستخدام السلع االستهالكية والعمالة الكاملة وزيادة األمن الوظيفي والقضاء على شبح‬
‫الجوع والفقر (‪)2 ، 1‬‬
‫تمثل هذه المراحل مستويات ومراحل تطور االنسان ( الطفولة المراهقة‪ ،‬المنضج ‪ ،‬الشيخوخة ) ‪ .‬ينبغي‬
‫وفق هذا المفهوم ان تعيش جميع المجتمعــات هذه المراحل يعتمـد نمـر الطفل على مقدرته في تقليد والدية‬
‫فاذا شب عن الطوق وبدأ في التخصيص الوظيفي ملفق يقلد من وصلوا أو تجاوزوا مرحلة النضج في‬
‫الوظيفة المعينة ‪ .‬وفي كال المالتين يخلق صورة تصويرية لمثله األعلى أو نموذج يقيس سلوكه بعدا وقربا‬
‫على هدى هذه النماذج هكذا هي حال المجتمعات حسب نظرية التنمية المحتمية أو التنمية التراكمية ‪ ،‬هناك‬
‫مجتمعات في مرحلة الطفولة ومجتمعات في مرحلة المراهقة وأخرى في مرحلة النضج ورابعة تجاوزت‬
‫مرحلة النضج الى مرحلة الشيخوخة يتعين على المجتمعات في مراحل النمو األولى أن تقلد المجتمعات‬
‫الناضجة لتلحق بها ومن هنا تأتي نظرية االنتشار ومشتقاتها مثل نظرية اللحاق ‪ Catch up Theory‬لتدعيم‬

‫‪64‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫نظرية روستو للنمو فكل ما هو مطلوب هو نقل المهـارات ر األساليب الفنية من الدول المتقدمة الى الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫نظـرية االنتشــار ‪The Diffusion Theory‬‬
‫تنادي هذه النظرية بنشر القيم الحضارية والتكنولوجية من الدول المغربية إلى الدول النامية كما تنادي بتنمية‬
‫المهارات الحديثة عن طريق التدريب ونقل المعرفة من الفني االمريكي وخبير ‪ ،‬األمم المتحدة الـى الـدول‬
‫النامية ‪ .‬ومن ثم تضع الدول المتقدمة في موضع العطاء والدول النامية في موضع االخذ يمثل هذا المفهوم‬
‫حبل الوصل بن العاملين في حفل ادارة التنمية وعلى وجه التحديد مجموعة االدارة العامة المقارنة كما انه‬
‫يمثل أيديولوجية ثابتة تقول ان التنمية شيء حتى ويجب ان يتحقق فكل ما ساعد عليها هو حق وكل ما عرقل‬
‫مساعيها فهر باطل ‪ ،‬أن الحركة والنمو شيء مرغوب والجدود مرفوض‪.‬‬
‫كشفت دراسات التنمية عن أهمية المتغيرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية وااليديولوجية والمؤسسية‬
‫التي ينبغي أن توضع في الحسبان وتراهي في عملية التغيير من مرحلة االقتصادية معينة للمرحلة التي تليها‬
‫فأهداف التنمية واحدة ‪ .‬يقول فرد ريجز ان دراسة التنمية في المجتمعات الغربية هي في الواقع دراسة القوى‬
‫والعوامل الداخلية ‪ ،‬اما دراسة التنمية االقتصادية في الدول النامية فهي دراسة عوامل منشوريه خارجية ‪،‬‬
‫فالتغيير في الدول المنشورية يعتبر استجابة لمؤثر أو تحدى المحيط الخارجي خاصة من المجتمعات‬
‫االنتشارية · ان التغيير االجتماعي مهما تعددت أشكاله ينتج عن تنمية اقتصادية · والقول ان النتيجة دائما في‬
‫التنمية االقتصادية ال يعني بالضرورة ان التنمية االقتصادية تحت هذا المفهوم هي مفيدة أو مرغوبة في‬
‫جميع الحاالت فالتنمية هنا تعني االعتماد المتبادل والتسويق وتوسيع نطاق التعامل النقدي وليس االنتاجية‬
‫وتوزيع الثروة والعدالة ‪ .‬ويمكن تحت هذا المفهوم ان يكون هناك نمو وتنمية مع تدهور الثروة وسوء‬
‫توزيعها وبمعنى آخر فان التنمية هنا ال تعنى زيادة الثروة وعدالة التوزيع كما ان التنمية بهذا المفهوم ال‬
‫تعنى تقوية او اضعاف القيم االجتماعية األخرى مثل األمن االجتماعي واالخالق ومعنى الحيـاة‪.‬‬
‫يطرح فرد ريجز سؤاال هاما ويجيب عليه وهو لماذا يتسبب تدخل الدولة الصناعية (االنتشارية) في الدول‬
‫النامية (المنشورية) في التنمية االقتصادية بالمفهوم السالف ؟ يقرر ريجز ان الدول االنتقالية تواجه مجموعة‬
‫من المخاطر وأهمها الغزي الخارجي من الدول الصناعية ‪ -‬تحس الدولة التي تهدد بالغزو بضرورة اقتناء‬
‫أسلحة ونظم عسكرية على طراز اسلحة العدو ‪ ،‬وقد يكلفها ذلك مبالغ المائلة في شكل تصنيع وشراء األسلحة‬
‫وبناء واستحداث مؤسسات اجتماعية جديدة ‪ ،‬ان كال من البلدين يستدعى تغيير النظم االقتصادية ‪ -‬فشراء‬
‫االسلحة مثال تصحبه ترتيبات تنظيمية ‪ -‬فلكي تشـترى الدولة أسلحة‪.‬‬
‫يجب أن تتحصل على العملة األجنبية وهذا يعني رسم سياسات لإلنتاج والتصدير بيد أن الدولة المعنية تعتمد‬
‫على االقتصاد االستهالكي ان تنتج فقط ما تستهلكه ‪ -‬أن تنظيم التصدير يحتاج الى انشاء منشئات تمويلية‬
‫ووسائل مواصالت ومؤسسات التصنيف وترتيب السلع مما يستدعي استحداث تغيير جذري في هياكل‬
‫المجتمع ‪ .‬اما إذا ارادت الدولة المهددة بخطر الغزو الخارجي ان تصنع اسلحتها بيدها فان ذلك يتطلب تغييرا‬
‫اجتماعيا ابعد اثرا ‪ ،‬فالتصنيع تصحبه مجموعة من التحوالت االجتماعية والنفسية‪.‬‬
‫وعلى الصعيد التنظيمي فان بناء قاعدة للتصدير تتطلب تحويل جزءا من الثروة أو حصيلة التصدير الى‬
‫خزانة الدولة ليتم صرفها لشراء االسلحة وهذا يعني انشاء اجهزة محاسبة وموازنة وتغيير التركيب الداخلي‬
‫للمنظمات وانشاء جهاز بيروقراطي يعتمد على المرتبات والتخصص المهني يستدعي التغيير انشاء‬
‫‪65‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫منظمات عامة وزيادة إنفاق الحكومة وقيام بنوك ومصارف وشبكة مواصالت وشوارع وخطوط جوية‬
‫وبحرية وخدمات بريد ومحطات تلفاز ومؤسسات بحوث وتدريب التعليم المهارات المطلوبة أي يتطلب‬
‫التغيير قدرا عاليا من التنوع الهيكلي ‪ Structural Differentiation‬تســــــي مثـل هـذه التنمية بالتنميــة‬
‫التراكمية يرتبط هذا المنهج التنموي بنظرية هامة وهي نظرية االنتشار تنظري نظرية االنتشار على‬
‫فرضيتين تتلخص الفرضية االولى في ان التنمية تتحقق عن طريق انتشار انماط ثقافية ومادية معينة من‬
‫الدول المتقدمة الدول النامية ‪ ،‬وتقول الفرضية الثانية أن التنمية تتحقق في كل دولة نامية عن طريق نشر‬
‫نفس األنماط الثقافية والمادية مسن القطاع الحديث القطاع التقليدي ‪ -‬ترتبط نظرية االنتشار‪ .‬بنظرية التسلسل‬
‫‪ Continuum Theory‬ونموذج المركز واالطـراف أو الهوامش‪.‬‬
‫نموذج المركـز والهوامش ‪Contra-Periphery Model‬‬
‫يتألف االقتصاد العالي منذ منتصف القرن التاسع عشر من مراكز و هوامش ‪Centres and Peripheries‬‬
‫وقد كان واضحا في ان بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر كانت تمثل المركز حيث انها كانت تمسك‬
‫بزمام الصناعة والتجارة في العالم ‪ .‬تمثل بقية اقطار العالم مقاما ها مشيا ظلت كثير من دول العالم معزولة‬
‫عن التجارة الخارجية حتى نهاية القرن التاسع عشر كما لم يكن لها وجود محسوس في السياسة الدولية ‪-‬‬
‫انتعشت الكثير من دول العالم التي كانت تقع تحت نفوذ االمبراطورية البريطانية بفضل إثر نشر النشاط‬
‫الحضارية في مجال االنتاج والتسويق والتقنية من المركز (بريطانيا) الى الهوامش ودخلت في نطاق التجارة‬
‫الدولية بينما ظلت الدول التي لم تقع تحت نفوذ دولة «جاللة الملكة» في عزلتها االقتصادية‪.‬‬
‫جميع هذه النظريات تفترض او تقوم على مفهوم الثنائية في المجتمع ‪ -‬وتعني الثنائية وجود قطاعين يختلفان‬
‫من حيث أنماط االنتاج والخلفية الثقافية والحضارية والمفاهيم المجتمعية وهما القطاع التقليدي والذي يعتمد‬
‫على وسائل االنتاج التقليدية والقطاع الحديث ‪ -‬فالقطاع الحديث عن طريق نشر رسائل االنتاج والسلوك‬
‫الحديثة يساعد على تحديث القطاع التقليدي ‪ -‬القطاع الحديث يمثل موقفا مركزيا رائدا في عملية نشر التنمية‬
‫عـن طريق خلق روابط بين القطاع التـابع والمتبوع كمـا تقول نظرية هيرشمان‪.‬‬
‫اشار هيرشمان الى وجود نوعين من الروابط أطلق على النوع األول الروابط األمامية وعلى الثاني الروابط‬
‫الخلفية ‪ Forward Linkages‬استخدم هيرشمان هذه الروابط لتحليل وتفسير العالقات التبادلية بين‬
‫القطاعات التنموية المختلفة على ضوء التحليل الشبكي (مدخالت ومخرجات) · يقول هيرشمان أن مخرجات‬
‫نشاط اقتصادی معين تمثل مدخالت لنشاط اقتصادي آخر ‪ ،‬فلنأخذ صناعة االسمنت كمثال تعتمد صناعة‬
‫االسمنت على صناعة الورق التغليف االسمنت) في شكل مدخالت (روابط خلفية) ‪ -‬تدخل منتجات او‬
‫مخرجات صناعة األسمنت في شكل مدخالت لصناعة البناء (روابط امامية) · تمثل صناعة االسمنت‬
‫وصناعة الورق مدخالت لصناعة البناء ‪ .‬وترتبط صناعـة البنـاء بالصناعتين األخيرتين بروابط خلفية‬
‫‪ Backward linkage‬كما تمثل الصناعتان التابعتان محورا او ستاليت الصناعة االم ‪Master Industry‬‬
‫‪ .‬تقـوم مجموعة أخـرى من الصناعات حول صناعة البناء لتكون صناعة خدمية ‪Service Industry‬‬
‫للصناعة االم وتوابعها مثل صناعة التعبئة والشحن والمواصالت ‪ ،‬وبناء على هذا المفهوم تنتشر االنماط‬
‫التنموية من الصناعة االم وتوابعها مثل صناعة التعبئة والشحن والمواصالت " في موقع معين (المركز) الى‬
‫صناعات اخرى في مواقع مختلفة ( الهوامش )‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫الشكل رقم ‪2‬‬


‫نموذج المركز والهوامش‬

‫شكل رقم ‪3‬‬


‫الروابط األمامية والخلفية‬

‫‪67‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫نظرية الدائرة السلبية ‪ circular Causation‬أو الحلقة المفرغة للفقر‬
‫ترتبط نظرية االنتشار بنظرية الدائرة السببية ‪ circular Causation‬لقونر ميردال ‪Gunnar Myrdal‬‬
‫يقول ميردال أن هناك حاالت تتداخل فيها العوامل والمتغيرات لتقوية بعضها البعض بشكل تراكمي على‬
‫قرار الدائرة المفرغة أن مثل هذا التفاعل المتبادل‪ .‬قد يقود إلى ضعف االنتاجية أو تقويتها فالفقر مثال يؤدي‬
‫إلى سوء التغذية وفترين ان القوة على العمل ويحد من فرص التعليم ويؤدي إلى ضعف الطاقة عن األمل‬
‫واألمية وإلى ضعف وانخفاض االنتاجية ومن ثم إلى زيادة الفقر والهزال وسوء التغذية‪ .‬ان هذا النمط من‬
‫التردي التراكمي يسمي أثر االنحسار أو الجزر ‪ backwash effect‬وفي الجانب اآلخر فان زيادة الثروة‬
‫تزيد من صحة االنسان وتمنحه فرصا أوتر التعليم وبالتالي يؤدي التعليم إلى زيادة انتاجيته مثل هذه التنمية‬
‫التراكمية بأثر االنتشار ‪ spread effect‬يظهر مما سبق أن العالقات الدائرية تتسبب في استمرارية‬
‫مستويات النمو المنخفضة ويمكن أن نلخص هذه العالقات في الشكل التالي‬
‫الشكل رقم ‪4‬‬

‫توضح هذه الحلقة انخفاض الناتج ومن ثم قلة الفائض التراكم الرأسمال يؤدي ذلك إلى ضعف االنتاجية‬
‫وانخفاض متوسط دخل الفرد وضعف المدخرات يتسبب تدنى دخل الفرد في نقصان الطلب‪ .‬فلنأخذ مثال‬
‫الحالة االقتصادية لبعض المجموعات القروية الزراعية ذات الدخل المنخفض تتسم هذه المجموعة بارتفاع‬
‫مستوى األمية وانخفاض المهارات كما تتحكم العادات والتقاليد في سلوكها وحياتها االقتصادية‪ .‬تستخدم هذه‬
‫المجموعة راس مال قليل كما أن أساليبها الزراعية تتسم بالجمود‪ .‬هذا فوق انها تستهلك كل ما تنتجه مما‬
‫يجعل اقتصادها استهالكيا يتميز بحد أدنى من توزيع العمل وتحت هذه الظروف تقل نسبة المدخرات ويقل‬
‫الطلب على السلع االستهالكية ومن ثم يتنافهن التداول النقدي‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن ايديولوجية التنمية التراكمية تقوم على عدة افتراضات اهمها أن الدول النامية في مرحلة‬
‫طفولتها تحتاج لمن يأخذ بيدها وينقلها من مرحلة الجمود والركود االقتصادي لمرحلة االقالع (روستو) وان‬
‫التنمية االقتصادية تتطلب قدرا معينا من االستعداد الكتساب القيم الحضارية الحديثة مثل اقتصاد السوق‬
‫‪68‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫والفردية واالقتصاد في االنفاق والمهارات الفنية‪ ،‬والتعليم االنضباط السلوكي وحافز الربح وروح المنافسة‬
‫والمغامرة كما يتطلب التحول استعداد الدول النامية للتخلي عن عالقاتها التقليدية سواء كان ذلك على مستوى‬
‫األسرة أو األسرة الممتدة أو القرية وتتخلى عن عام اتها وتقاليدها واعرافها القبلية واسلوب حياتها وعالقاتها‬
‫االعتمادية التقليدية وأن تتحلى بأخالق الدول الصناعية وتنتحل عاداتها ‪ ،‬ليس االقتصادية فحسب وإنما‬
‫االجتماعية والسياسية فتغيير األسلوب يجب أن يصحبه تغيير في اللبس واستبدال الجالبية بالبنطال واألكل‬
‫وطريقة تقديمه وتغيير مفهوم الوقت ومفهوم السلوك المرضى والسلوك الشبان وعادات األفراح واألتراح‬
‫وتغيير في االهتمامات الذهنية وفي وسائل الترفيه وتغيير في النظرة لإلنسان وفي فلسفة وجود اإلنسان ‪ .‬أي‬
‫تعنى انتحال الشخصية الغربية وذوبان شخصية الدول النامية أي ان تتنكر الدول النامية ألسلوب تفكيرها‪.‬‬
‫ولكي يتحقق هذا التغيير ينبغي على الدول النامية أن تغير هيا كلها (فرد ريجز) وأن تنشئ مؤسسات جديدة‬
‫لمباشرة أداء الوظائف الجديدة اسمان‪.‬‬
‫التنمية وفق هذا المفهوم تتطلب اقتصاد السوق‪ .‬ويتوقف ذلك على انشاء مؤسسات نقدية ومصارف وسوق‬
‫للعملة وتتطلب تحويل جزء من الدخل القومي لالستثمار ويتوقف ذلك على قيام مؤسسات التخطيط وتنفيذ‬
‫المشاريع وتتطلب انتاج سلع للحصول على العملة الصعبة ويتوقف ذلك على انشاء مؤسسات للتسويق‬
‫ولتصنيف السلع وشحنها وتفريغها وتتطلب تصنيع المواد الخام لتغطية الحاجة المحلية ويتوقف ذلك على‬
‫انشاء مصانع ومعاهد التدريب العاملين على المهارات المختلفة إلدارة المصانع الخ تشترط هذه االيديولوجية‬
‫توفر الشروط المسابقة الذكر ‪ Prerequisites‬كخطوات تسبق أي عملية تنموية وبدون هذه الشروط لن‬
‫تتمكن الدول من اللحاق بركب الدول النامية ترتبط عملية اللحاق بمفهوم الدفعة الكبيرة ‪ Big Push‬وتعني‬
‫" التركيز على قطاع أو منطقة معينة مثل القطاع الحديث في عملية التنمية‪ .‬فإذا ما كفنا جهود التنمية في‬
‫منطقة معينة أو قطاع معين فان اثر االنتشار سينسحب على الهوامش ألن نمو األطراف يتأثر بصورة‬
‫مباشرة بعملية التنمية في المركز اذ انها تمثل حوضا ‪ Catchmen area‬للمركز فإنشاء المؤسسات‬
‫الصناعية والزراعية و التعليمية والصحية في مركز مالين يعني ارتفاع مستوى العمالة في ذلك المركز ‪،‬‬
‫وينعكس مستوى العمالة على مستوى دخل الفرد ومن ثم على قوته الشرائية أي ينعكس على مقدرته على‬
‫االستهالك أي أن ارتفاع القوة الشرائية في منطقة معينة تعني تنشيط الحركة التجارية رقود تنشيط الحركة‬
‫التجارية إلى جذب رؤوس األموال و استثمار هذه األموال في المزيد من الصناعة ويتطلب التصنيع توفير‬
‫األيدي العاملة ‪ ،‬ويعني ذلك هجرة العمال من الهوامش إلى مركز التصنيع ويقود ذلك إلى التمدن‬
‫‪Urbanization‬‬

‫‪69‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية والتحديات المعاصرة‬
‫يتضح مما سبق أن ايديولوجية التنمية الخطية تحمر الدولة في خيار أو بديل واحد تستبعد معه كل‬
‫االختيارات االخرى‪ ،‬هذا فوق أن تركيز جهود التنمية في اتجاه واحد يجعل من الصعب تصحيح مسار‬
‫العملية التنموية في حالة االنحراف كما يتضح من تجارب الكثير من الدول النامية ‪ -‬تجربة شيلی واالرجنتين‬
‫والسودان ‪ ...‬الخ كما أن ذلك يقود للكثير من المشاكل مثل الركود االقتصادي والفقر وتفشي العطالة‬
‫والالمساواة في الدخول وفي توزيع الفرص والنمو الصناعي البطيء واالعتماد على العون ورأس المال‬
‫االجنبي االستمرار في السير على ايديولوجية التنمية الخطية يقود ال محالة كما يقول بعض الدارسين إلى‬
‫طريق مغلق ‪ .‬فإذا أخذنا معدل النمو الحالي وقارناه بمعدل النمو السكاني في الدول النامية لتأكد ما ذهبنا إليه‬
‫في أن السير وفق ايديولوجية التنمية الخطية سيؤدي إلى المزيد من الفقر في الدول الفقيرة ويباعد بينها وبين‬
‫الدول الغنية مما يجعل مسألة اللحاق أمرا غير ممكن‪ .‬يؤكد س فرد برجستين ‪ C. Fred Bergsten‬خيبة‬
‫أمل الدول النامية في منهجية التنمية الخطية فيقول دلت تجربة معظم الدول النامية باإلضافة إلى الكثير من‬
‫الدول الصناعية على عدم جدوى النمو والناتج القومی ‪ GNP‬أو بمعنى آخر أن النمو و الناتج القومي‬
‫بمفردهما ال يسهمان في حل المشاكل االقتصادية مثل العمالة وتركيز األسعار والعدالة في توزيع الدخل أو‬
‫توفير مستوى معيشي مقبول خدعت معظم الدول النامية بنتائج الماضي والتركيز على هدف واحد فبالرغم‬
‫من االرتفاع النسبي في معدل النمو في الدول النامية في الستينات إال أن العطالة تزيد على ‪ ٪ 20‬في معظم‬
‫الدول وأن متوسط دخل الفرد في الدول الفقيرة والتي يتجاوز عدد السكان فيها أكثر من نصف سكان العالم‬
‫يزيد فقط بنسبة مر ‪ ٪ 1‬في السنة اتسعت الفجوة نتيجة للزيادة المنخفضة في متوسط دخل الفرد في الدول‬
‫النامية بين الدول المتقدمة والمتخلفة تكنولوجيا حيث يوجد ‪ 100‬مليون أمي في العالم الثالث وأن ثلثي‬
‫األطفال في العالم يشكون من سوء التغذية‪.‬‬
‫فإذا سار معدل النمو على هذا المنوال ‪ ٪ 1,5‬فسوف تستغرق الدول النامية بين ‪ 100‬إلى ‪ 500‬سنة لتصل‬
‫المستوى التكنولوجي الذي بلغته الواليات المتحدة اآلن هذا علما بأن الدول الصناعية هي ايضا في حالة‬
‫حركة تعرف نظريات التنمية الخطية التراكمية على اساس انها عملية غير قابلة القلب اال مقلوبية‬
‫‪ irreversible process‬موجهة نحو هدف نهائي تبدأ من نموذج مثالي ‪ ideal type‬تقليدي وتنتهي إلى‬
‫نموذج مثالي حديث‪ ،‬وبين طرفي الحداثة والتقليد توجد مراحل انتقالية مختلفة تحدي تجربة الدول الغربية‬
‫الصناعية معالم الطريق ومن ثم مزايا وصفات كل مرحلة على طريق النمو بين طرفي التقليد والتحديث‪.‬‬
‫وكل مرحلة بين طرفي النمو تقتضي سلوكا وشروطا معينة ‪ Prerequisit‬وتعتبر هذه الشروط معيارا‬
‫لقياس درجة نمو الدولة تعكس هذه الصفات والمعايير والسلوك تجربة الدول الصناعية الغربية فيقال هذه‬
‫الدولة وصلت درجة معينة من التنوع الهيكلي أو التصنيع أو االستهالك أو التمدن ويقاس ذلك بعدد‬
‫المؤسسات والوظائف التي تقوم بها وعدد العاملين في القطاع الصناعي قياسا بالعاملين في القطاع الزراعي‬
‫أو القطاع التقليدي أو عدد ونسبة سكان المدن اسكان األرياف‪ .‬السؤال الذي يدور في أذهان المفكرين في‬
‫العالم الدي‪ ،‬هو هل تصلح القيم والمؤسسات التي إذا ما زرعت في تربة طورت الواليات المتحدة‪ ،‬وغرب‬
‫أوروبا وجعلت منها أسطورة حضارية العالم الثالث أم أن هناك ظروفا موضوعية تاريخية مثل وجود‬
‫االستعمار ووجود عالقات اقتصادية غير متكاملة هي التي أدت إلى نمو الدول الصناعية وتختلف الدول‬
‫األمية؟ هذا ما تجيب علية نظرية االعتماد‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫نظرية االعتماد ‪Dependency Theory‬‬
‫يعرف االعتماد بحالة تاريخية تشكل هياكل اقتصاد العالم لصالح بعض الدول على حساب دول أخرى‪ ،‬تؤدي‬
‫هذه الحالة إلى تحديد احتماالت التنمية في االقتصاد التابع االعتماد هو أيضا الحالة التي يتوقف فيها نمو‬
‫اقتصاد مجموعة معينة من الدول على نمو وتوسع اقتصاد دول اخري تقول نظرية االعتماد ان اقتصاد الدول‬
‫النامية ظل رهين المحبسين وبمعنى آخر يتوقف نمو اقتصاد دول العالم الثالث على احتياجات االقتصاد‬
‫العالمي وخاصة اقتصاد الدول الكبرى كما يتوقف ايضا في داخل كل دولة على احتياجات التنمية في القطاع‬
‫الحديث‪ .‬والمقصود باحتياجات سوق االقتصاد العالمي هو تدفق الرأسمالي والسلع بين الدول خارج نطاق‬
‫المعسكر الشيوعي يمثل السوق العالمي محورا للنظام العالمي يضم النظام العالمي بجانب العالقات‬
‫االقتصادية مجموعة من العالقات السياسية والعسكرية واالجتماعية والثقافية تدور كلها حول اقتصاد السوق‪.‬‬
‫فالنظام العالمي هو نتاج لعملية الديناميكية التاريخية أي لالمتداد العالمي للرأسمالية تركز نظرية االعتماد‬
‫على النظام العالمي وتحمله مسؤولية تخلف الدول النامية‪ .‬يتسبب توسع االقتصاد العالمي االقتصاد‬
‫الرأسمالي في تشكيل اتجاهات ومرامي ونوعية االقتصاد المحلي وبمعنى آخر فان اقتصاد الدول النامية يتأثر‬
‫سلبا وايجابا بالتوسع الرأسمالي العالقة بين االقتصاد العالمي واالقتصاد المحلى دائما هي عالقة رأسية سيد‬
‫ومسود أو تابع ومتبوع العالقة حالة من عدم التكافؤ يتم بموجبها نمو االقتصاد المتبوع على حساب االقتصاد‬
‫التابع بان يركز االقتصاد المتبوع على التصنيع ويركز االقتصاد التابع على تزويد المصانع في االقتصاد‬
‫المتبوع بالمواد الخام ‪ -‬يتوقف نمو االقتصاد المحلي وفقا لهذه المعادلة على احتياجات االقتصاد العالمي فال‬
‫تنتج الدول النامية اال ما يلبي احتياجات الدول الصناعية كما أنها تستهلك فقط ما تنتجه مصانع الدول الغربية‬
‫‪ ،‬وهذا يعني أن الدول الصناعية ال تتحكم فقط في اقتصاد الدول النامية وانما تؤثر ايضا على اسبقياتها‬
‫بتحديد ما ينبغي أن تستهلكه أو تنتجه يتحقق ذلك بأشكال مختلفة أهمها مؤسسات االعتماد‬
‫‪ Infrastructure of Dependency‬يقوم االقتصاد الرأسمالي ‪ -‬لتأمين وجوده ‪ -‬بخلق عالقات‬
‫ومؤسسات اقتصادية هرمية في الدول النامية هدفها تأكيد الثنائية في االقتصاد اقتصاد تقليدي وحديث بان‬
‫يتولى القطاع الحديث ‪ -‬بقيادة النخبة االقتصادية ‪ -‬زمام المبادرة يمثل القطاع الحديث بقيادة النخبة‬
‫االقتصادية مصالح االقتصاد الرأسمالي العالمي ولقاء ذلك يقوم االقتصاد الرأسمالي العالمي بتزويد‬
‫الرأسمالية المحلية برأس المال والخبرة والتكنولوجيا ‪ .‬تتبلور الرأسمالية المحلية في شكل طبقة اجتماعية‬
‫برجوازية صغيرة تدافع عن مصالحها ومصالح النظام االقتصادي الرأسمالي الذي منحها السند المادي‬
‫والسياسي تسمى هذه العملية في المعاجم الماركسية باإلمبريالية ‪.Imperialism‬‬
‫نظرية اإلمبريالية ‪disharmony of interests‬‬
‫ترتبط هذه النظرية بنظرية االعتماد ونموذج المركز والهوامش وفي الواقع فان جميع هذه النظريات تفترض‬
‫وجود الثنائية في االقتصاد وفي توزيع السلطة والموارد‪ .‬غير أن نظرية اإلمبريالية تذهب بعيدا في تفسير‬
‫الثنائية وترجعها لجذورها األيديولوجية‪ .‬تختلف هذه النظرية عن نظرية لينين والتي تعزي تخلف الدول‬
‫النامية لوجود عالقة هرمية بين الدول النامية والدول الصناعية الرأسمالية قوامها االستنزاف واالستغالل أي‬
‫ترجع ثراء وتطور الدول الغربية إلى ظروف تاريخية مكنت هذه الدول من نهب موارد الدول النامية واتخاذ‬
‫هذه الموارد وقودا لنهضتها الصناعية فصاحب هذه النظرية ‪ -‬بحكم ثقافته الليبرالية وانتمائه االيديولوجي ‪-‬‬
‫يتخذ موقفا وسطا ويعزى اسباب تخلف الدول النامية ليس فقط لإلمبريالية الرأسمالية فحسب وانما لإلمبريالية‬
‫الشيوعية والرأسمالية على حد سواء ‪ ،‬ومن ثم يطرح تعريفا جديدا لمفهوم اإلمبريالية يختلف عن ما هو‬
‫‪71‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫متعارف عليه في المعاجم الماركسية ‪ .‬ينظر جوهان كالتنق ‪ Johan Galtung‬اإلمبريالية كعالقة سيادة أو‬
‫استعالء أو تسلط بين مجموعتين أو أكثر خاصة بين الدول المركزية والهامشية فهي عالقة هرمية ‪-‬اي‬
‫عالقة تابع ومتبوع ‪ dominance relation -‬ليس فقط بين الدول وانما هي ايضا عالقة هرمية داخل‬
‫الدولة‪ .‬يتكون العالم وفق هذه النظرية من دول مركزية وهامشية ‪Nations Centre and Periphery‬‬
‫‪ ،‬كما أن كل دولة تتألف من مركز الهامشية و أطراف ‪ .‬الدول المركزية هي دول تتمتع بثقل ساسي و‬
‫اقتصادي وعسكري وثقافي كما أن المركز داخل كل دولة يتمتع بنفس الصفات بالمقارنة إلى الهوامش أو‬
‫األطراف تبث الدول المركزية سلطتها على الدول الهامشية عن طريق استقطاب النخبة القيادية في مراكز‬
‫الدول الهامشية وتقوية المراكز في الدول الهامشية لتصبح قنوات تعبر بها للدول الهامشية ترتبط النخبة في‬
‫مراكز الدول المر كزية ومراكز الدول الهامشية بمصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية مشتركة تسمى‬
‫هذه الروابط باإلمبريالية فاإلمبريالية هنا تختلف عن اإلمبريالية في النظرية الماركسية اللينينية والتي‬
‫تحصرها فقط في الروابط االقتصادية بين الدول المركزية والهامشية لتوسيع نطاق السوق بفتح اسواق جديدة‬
‫للدول الصناعية ‪ .‬فاإلمبريالية حسب تعريف كالتنق هي نظام يقوم على شطر المجموعات ‪ -‬سوا ء كانت‬
‫دوال أو قطاعات داخل الدول ‪ -‬وربط االجزاء بعد شطرها أما بعالقة انسجام المصالح‬
‫‪ harmony of interests‬أو تنافر أو تضارب المصالح ‪ disharimony of interests‬انسجام‬
‫المصالح يعني وجود أو خلق روابط تؤدي إلى تقريب الثقة بين األجزاء كما ان تنافر أو تضارب المصالح‬
‫يعني أيجاد روابط تؤدى إلى توسيع الهوة بين األجزاء‪.‬‬
‫تفريعا على التعريفات السابقة فان اإلمبريالية تعني الديناميكية التي تمكن الدول المركزية من فرض‬
‫سيطرتها ونفوذها على الدول الهامشية تتمخض هذه العالقة الهرمية عن تنافر وتضارب المصالح بين الدول‬
‫المركزية والدول الهامشية بحيث يكون هناك‬
‫‪ -1‬افق وانسجام في المصالح بين المركز في الدول المركزية والمركز في الدول الهامشية‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم االنسجام بين مركز الهامشية الدول الهامشية أكثر من عدم االنسجام بين المركز والهوامش في‬
‫الدول المركزية‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم االنسجام بين هوامش الدول المركزية الهامشية الدول الهامشية‪.‬‬
‫ينمو المركز في الدول الهامشية بمعدالت أسرع من نمو الهوامش‪ ،‬فالمركز في الدول الهامشية يمثل بحزام‬
‫أو قناة لنشاط الدول المركزية التجاري والصناعي والعسكري والسياسي فينمو المركز على حساب الهوامش‬
‫وتتسع الهوة في الدول الهامشية من جراء ذلك‪.‬‬
‫ميكانيكية اإلمبريالية‬
‫تخضع عملية النمو حسب النظرية اإلمبريالية إلى ميكانيكيتين ‪ two mechanisms‬تجسد أن العالقة بين‬
‫الدول المركزية والدول الهامشية فالميكانيكية األولى تتعلق بالتبادل أو التفاعل الرأس والميكانيكية الثانية‬
‫ترتبط بالتبادل‪ .‬فالنقطة األساسية في التبادل هي ان البشر والدول من خلفهم يدخلون في سلسلة من العالقات‬
‫التبادل المنافع وذلك الن كل دولة تتخصص في انتاج سلعة أو سلع معينة‪ ،‬فبعض الدول تنتج بترول والبعض‬
‫اآلخر تنتج تركترات على سبيل المثال ومن ثم تدخل هذه الدول في عملية تبادل فإذا كانت العملية التبادلية‬
‫متماثلة أو متكافئة ‪ Symmetric‬فان الفجوة بين الدولتين المعنيتين ستكون صغيرة ‪ ،‬أما إذا كانت العملية‬
‫‪72‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المعيار · التبادلية غير متكافئة فسوف تتسع الهوة بين الدولتين يقاس حجم هذه الهوة بمعيارين األول هو‬
‫قيمة التبادل بين الدول المعنية والمعيار الثاني هو اثر التبادل (اثر مادي و معنوي) داخل الدولة يشتمل‬
‫التبادل عادة على دولة مركزية )دولة متقدمة( تستورد المواد الخام من دولة هامشية (دولة نامية) يشار‬
‫لألولى بحرف (أ) والثانية بحرف (ب) كمنا تستورد الدولة النامية سلع مصنعة من الدولة المتقدمة ‪ .‬يقول‬
‫كاتلنك أن كل تبادل من هذا النوع له آثاره االيجابية والسلبية غير أن اآلثار السلبية دائما تكون في جانب‬
‫الدول النامية حيث أن هذا التبادل يؤدي في الغالب إلى استنزاف الموارد الخام في الدول النامية ‪ .‬وبما أن‬
‫هذه المواد الخام تصنع في الدول المتقدمة فان معظم األبحاث تجري في الدول المتقدمة‪ .‬فالبحث يحتاج إلى‬
‫بنية تحتية مثل الجامعات ومراكز تجميع المعلومات وتحليلها‪ ،‬ويحتاج ذلك بدوره إلى بناء قاعدة ثقافية‬
‫وحضارية عريضة ‪ ،‬ويتطلب ذلك بناء اقتصادي و اجتماعي‪ ،‬ويؤدي ذلك بدوره إلى تنمية تراكمية في الدول‬
‫المتقدمة اعتمادا على درجة التصنيع ‪ . degree of processing‬ويسمى ذلك بأثر االنتشار‬
‫‪ spin-off effect‬أما الدول النامية التي تصدر المواد الخام فسوف تنتهي فقط بحفرة كبيرة كما يتضح من‬
‫الجدول رقم ‪ 4‬يقول كالتنق أن حالة عدم التماثل أو التكافؤ ‪ asymmetry‬بين الدول الهامشية والدول‬
‫المركزية ال تعالج بتثبيت أو زيادة اسعار المواد الخام الن مردود المبيعات يذهب مرة اخرى للدول المتقدمة‬
‫الصطيادها السلع المصنعة بالرغم من أن جزءا منه يذهب لتمويل الخدمات الصحية والتعليمية وبناء البنية‬
‫التحتية وحتى الصرف في هذه المرافق يوجه إلى قطاعات معينة تهدف إلى ويؤدي في النهاية إلى توسيع‬
‫الشقة بين القطرين وقي موجز العبارة فان التبادل الرأسي هو السبب المباشر لحالة عدم التكافؤ الرأسي هو‬
‫السبب المباشر لحالة عدم التكافؤ‪.‬‬
‫جدول رقم (‪)4‬‬
‫جدول يوضح ميزانية التبادل‬

‫ب ( الدول النامية)‬ ‫أ (الدول المتقدمة)‬

‫إثر االنتشار‬ ‫اثار التبادل بين‬ ‫إثر االنتشار‬ ‫إثر التبادل بين‬
‫الدول‬ ‫الدول‬ ‫إيجابي‬
‫(داخل)‬
‫سلبي‬
‫(خارج)‬
‫ال شيء ‪ -‬حفرة على‬ ‫بضائع مصنعه‬ ‫إثر انتشار واضح‬ ‫مواد خام‬
‫سطح األرض‬
‫مواد خام‬ ‫تلوث بيئي‬ ‫بضائع مصنعة‬
‫تناقص المارد‬ ‫واستنزاف‬
‫واالستنزاف‬

‫‪73‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تشمل الميكانيكية الثانية لإلمبريالية التبادل االقطاعي الهرمي وتعتبر عامال هاما في تعميق وحماية حالة عدم‬
‫التكافؤ حدد كالتنق أربعة مبادئ التحديد وتعريف التبادل االقتطاعي الهرمي على النحو التالي‬
‫‪ - 1‬التبادل بين الدول المركزية والدول الهامشية هو تبادل رأسي‪.‬‬
‫‪ -2‬ال يوجد تبادل بين هوامش الدول المركزية والدول الهامشية ‪.‬‬
‫‪ -3‬ال يوجد تبادل بين الدول الهامشية مع بعضها البعض‪.‬‬
‫‪ -4‬تتحكم الدول المركزية في التبادل مع العالم الخارجي بحيث ال تدع مجاال للدول الهامشية التي تدور في‬
‫وفلكها لالتصال بدول مركزية أخرى‪.‬‬
‫فالمعرف السائد بين الدول المركزية هو إذا ابتعدت عن مناطق نفوذي ‪ Satellites‬فسوف ابتعد عن مناطق‬
‫نفوذك الشكل رقم ‪ 5‬يوضح هذه العالقة ‪.‬‬
‫شكل رقم ‪5‬‬
‫هيكل المركز والهوامش االقطاعي‬

‫ترتبط هذه الميكانيكية بنتائج اقتصادية هامة ومن أهم هذه النتائج هو تركيز النشاط التجاري وحصره مع‬
‫دولة واحدة وهي الدولة المركزية التي تدور الدولة الهامشية في فلكها‪ .‬يحد ذلك من حرية الدول الهامشية‬
‫‪74‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫التجارية فال تصدر منتجاتها أو تستورد وارداتها اال من الدولة المركزية بالرغم من أن الدولة المركزية‬
‫تتمتع بحرية تجارية مع جميع الدول ما عدا الدول الهامشية التي تدور في فلك دول مركزية اخرى النتيجة‬
‫الثانية هي التركيز على سلعة واحدة تكون الحاجة اليها كبيرة وملحة في الدول المركزية‪ .‬ومن مساوئ هذا‬
‫التركيز هو تأرجح االسعار وذ بذبة السوق باإلضافة إلى تقلب األحوال الجوية‪ .‬وفي هذه الحالة تكون الدولة‬
‫الهامشية تحت رحمة الدولة المركزية‪ ،‬تلجأ اليها لتغطية العجز في ميزان مدفوعاتها‪ .‬يؤدي ذلك بدوره إلى‬
‫اعتماد الدول النامية على الدول المتقدمة‪.‬‬
‫توجد باإلضافة إلى النتائج االقتصادية بعض اآلثار السياسية الميكانيكية اإلمبريالية ومن اهمها ان هذه‬
‫الميكانيكية تؤدي إلى تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ فتعزل بعض الدول عن بعضها البعض‪ ،‬يدور بعضها في‬
‫فلك إمبريالية الدول الرأسمالية والبعض اآلخر يقع تحت سيطرة اإلمبريالية االشتراكية وكال اإلمبرياليتين‬
‫تعمالن وفق سياسة فرق تسد‪ .‬يفسر التحليل السابق العالقة بين الدول المركزية والدول الهامشية كما يصدق‬
‫أيضا على تحليل عالقة عدم التكافؤ داخل الدولة بين المركز والهوامش توجد نفس العالقة الهرمية داخل‬
‫الدولة فينمو المركز على حساب الهوامش‪.‬‬
‫أنواع اإلمبريالية‬
‫حدد كالتنق خمسة أنواع من اإلمبريالية وهي اإلمبريالية االقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬والثقافية‪ .‬أما‬
‫اإلمبريالية الخامسة فتتعلق باالتصال جميع هذه األنواع تستخدم الميكانيكيتين التي سبق أن تحدثنا عنهما‬
‫‪ -1‬التبادل الرأسي ‪ -2‬والتبادل االقطاعي الهيكلي لتحقيق معايير أو شروط اإلمبريالية الثالث ‪ -1‬توافق و‬
‫انسجام المصالح بين المراكز في الدول المركزية والدول الهامشية ‪ -2‬عدم االنسجام بين مركز الهامشية‬
‫الدول الهامشية أكثر من عدم االنسجام بين المركز والهوامش في الدول المركزية ‪ -3‬عدم االنسجام بين‬
‫هوامش الدول الم ركزية الهامشية الدول الهامشية تستخدم جميع انواع اإلمبريالية التبادل الرأسي وقد سبق‬
‫أن تحدثنا عن اآلثار االقتصادية للتبادل الرأسي اإلمبريالية االقتصادية وعليه سوف يقتصر النقاش على‬
‫االنواع االربع األخرى‪.‬‬
‫اإلمبريالية السياسية تعني تمركز اتخاذ القرارات في الدولة األم أي الدولة المركزية بعيدا عن الدول الهامشية‬
‫وعلى الدول النامية اإلطاعة وااللتزام بتوجيهات الدول المركزية شرقية كانت أو غربية‪ .‬يرتبط موضوع‬
‫الطاقة بشرط التقليد وهو القيد أو الشرط الثاني الذي ينبغي على الدول النامية أن تلتزم به‪ .‬بناء ا على ذلك‬
‫ينبغي على الدول النامية أن تقلد الدول المتقدمة ويرتبط ذلك بأيديولوجية التنمية الخطية ‪unilinear‬‬
‫‪ development‬والتي تقول ينبغي أن تنقل الدول الهامشية نماذج التحديث من الدول المركزية‪ ،‬ليبرالية‬
‫كانت أو اشتراكية‪.‬‬
‫تتبع اإلمبريالية العسكرية اإلمبريالية االقتصادية‪ ،‬فالدول المركزية بفضل إمكانياتها االقتصادية أكثر قدرة‬
‫على تحويل امتيازاتها االقتصادية إلى امتيازات عسكرية‪ .‬فاإلمكانيات االقتصادية والصناعية والتكنولوجية‬
‫التي تستخدم االنتاج التراكتور يمكن استغاللها إلنتاج مدفع أو دبابة‪ .‬أما الدول الهامشية والتي ال تملك هذه‬
‫االمت يازات فال تملك اال أن تعتمد على الدول المركزية في حمايتها وهنا ايضا توجد عالقة هرمية وتبادل‬
‫رأسي‪ .‬فالدول المركزية تزود الدول الهامشية بالحماية العسكرية وترد الدول الهامشية الجميل بالطاعة‬
‫والمزيد من التبعية‪ .‬وما يصدق على اإلمبريالية العسكرية بسحب ايضا على إمبريالية االتصال‬
‫والمواصالت‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تحتاج الدولة إلى قاعدة صناعية عرين ابناء شبكة االتصال هذه القاعدة في الدول الهامشية وعليه تعتمد‬
‫الدول الهامشية على الدول المركزية في بناء شبكة االتصال توجه شبكة االتصال لتخدم االغراض الهرمية‬
‫اإلمبريالية‪ ،‬فيقتصر‪ .‬االتصال على تدع يم العالقة الرأسية بين الدول المركزية والدول التي تدور في فلكها‬
‫وال تشجع االتصال بين الدول الهامشية مع بعضها البعض والمقصود باالتصال بأنواعه المختلفة االتصال‬
‫الثقافي واالتصال النفسي والمادي‪ .‬فالدول الهامشية ال تقرأ وال تكتب عن بعضها البعض وانما تقرأ فقط‬
‫لل دول المركزية‪ .‬كذلك فان هذه الدول ال تقرأ بحرية وانما تقرأ فقط ما تسمح لها به الدول المركزية ألن‬
‫الدول المركزية ال تزودها فقط بما تقرأ كتب ومجالت وانما باألساتذة الذين يقومون بعملية التدريس وال تقبل‬
‫الدول المركزية من الدول الهامشية أن تقوم بدور المعلم‪ .‬فإذا حاولت الدول الهامشية أن تتطاول عليها‬
‫وتلقنها درسا في الرأسمالية أو االشتراكية مثال كما فعلت تشيكوسلوفاكيا فان الدولة المركزية االتحاد‬
‫السوفيتي مثال ترد عليها بعنف حتى تفيق إلى رشدها‪ .‬يطلق كالتنق على هذه العملية اإلمبريالية الثقافية‪.‬‬
‫مراحل اإلمبريالية‬
‫تمر اإلمبريالية عبر تطورها بثالث مراحل تختلف هذه المراحل في طولها وقصرها اعتمادا على ميكانيكية‬
‫اإلمبريالية ونوعيتها‪ .‬كما أنها تتخذ ايضا اشكاال مختلفة فهي ‪ -1‬في الماضي احتالل عسكري ومادي في‬
‫شكل استعمار وهي ‪ -2‬في الحاضر تتمثل في شكل مؤسسات إمبريالية‪ ،‬اقتصادية كانت أو سياسية‪ ،‬أو‬
‫عسكرية‪ ،‬أو ثقافية‪ ،‬أو ما يطلق عليه باالستعمار الحديث ‪ -3‬أما اإلمبريالية في المستقبل فسوف ترتبط‬
‫بوسائل االتصال وهنا لن تتخذ اإلمبريالية اشكاال مادية كما كانت في الماضي في شكل مستعمرات وانما‬
‫ستكون في صورة عزو ثقافي يعبر للدول الها عشية من الدول المركزية عن طريق المركز في الدول‬
‫الهامشية‪ .‬المطية أو الوسيلة التي تستخدمها الدول المركزية لتحقيق اإلمبريالية المنظمات فمثال تستخدم‬
‫اإلمبريالية االقتصادية الشركات المتعددة الجنسية‪ ،‬وتستخدم اإلمبريالية السياسية المنظمات الدولية الحكومية‬
‫كالسفارات‪ ،‬وتستخدم اإلمبريالية العسكرية األحالف العسكرية‪ ،‬واإلمبريالية الثقافية تستخدم وكاالت االخبار‪،‬‬
‫كما تستخدم إمبريالية االتصال شركات الشحن الجوي والبحري‪.‬‬
‫قابلية اإلمبريالية التحويل ‪Convertability‬‬
‫ذكرنا في موضع سابق أن تقوية أحد القيم اإلمبريالية ينعكس على بقية القيم األخرى‪ .‬فمثال فان اإلمبريالية‬
‫االقتصادية تمكن لإلمبريالية العسكرية والسياسية والثقافية عن طريق خلق مؤسسات اقتصادية الشركات‬
‫المتعددة الجنسية ترتبط مصالحها بمصالح الدولة اإلمبريالية فتدافع عن هذه المصالح سوا ء كانت هذه‬
‫المصالح سياسية أم ثقافية أم عسكرية ما يصلح لجنرال موتور يصلح للواليات المتحدة كذللك ايضا يمكن‬
‫تحويل اإلمبريالية الثقافية إلى إمبريالية اقتصادية عن طريق خبراء العون الفني فخبير العون الفني ال يعتبر‬
‫فقط وسيلة لنقل اإلمبريالية الثقافية وانما يعتبر ايضا وسيلة لنقل اإلمبريالية االقتصادية‪ ،‬فهو يساعد على خلق‬
‫أنماط استهالكية في الدول النامية تؤدي إلى خلق الحاجة إلى سلع أو منتجات الدول المركزية ومن ثم يساعد‬
‫هذه الدول على توسيع نطاق السوقي لمنتجاتها وايجاد مواد خام لتشغيل مصانعها وينسحب ذلك على بقية‬
‫أنواع اإلمبريالية‪.‬‬
‫قبل أن نختتم هذا الجانب نود أن نشير إلى حقيقة هامة وهي انه ال يوجد نموذج مثالي لإلمبريالية تكتمل فيه‬
‫جميع صفات اإلمبريالية وانواعها وميكانيكياتها ومراحلها وانما النماذج التي تحدثنا عنها ال تزيد عن كونها‬
‫نماذج نسبية تمثل حاالت تحتوي في المتوسط على مجموعة من القيم اإلمبريالية‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫خالصة‬
‫نالحظ مما سبق أن هناك أكثر من أيديولوجية التنمية تتباين االيديولوجيات تبعا المنطلقات الفكرية والفلسفية‬
‫السائدة في الفكر الغربي‪ ،‬فبينما تتالحم نظرية التنمية التراكمية الخطية مع نظرية االنتشار ونظرية التسلسل‬
‫ونظرية اللحاق ونموذج المركز والهوامش ونظرية الدفعة القوية ونظرية الدائرة المفرغة للفقر ونظرية‬
‫التنمية المتوازنة ونظرية روستو المراحل النمو لتؤلف ايديولوجية للتنمية على الخط الرأسمالي نجد على‬
‫الطرف اآلخر ان نظرية االعتماد تنطوي على ايديولوجية مختلفة تقوم على نفي افتراضات النظرية األولى‪.‬‬
‫فبينما تؤك د نظرية االنتشار ونظرية روستو ونظرية اللحاق ونموذج المركز واألطراف اهمية نقل الرساميل‬
‫والتكنولوجيا والمهارات من القطاع المتطور للقطاع النامي كشرط لنمو االخير‪ ،‬فان نظرية االعتماد تنفي‬
‫هذه الفرضية وتقرر ان القطاع المتطور ينمو فقط على حساب القطاع المتخلف عن طريق االستغالل‬
‫واالستنزاف فبدل نقل الرساميل والخبرة والتكنولوجيا من القطاع المتطور إلى القطا المتخلف نجد ان القطاع‬
‫المتطور يستقدم الكفاءات الشابة القوية والمواد الخام لالستفادة بها في المزيد من النمو فالعالقة هي ليست‬
‫عالقة تبادل وتعاون كما تقول نظرية االنتشار يكون الطرفان فيها متكافئين في المغانم والمغارم وانما هي‬
‫عالقة تتابع ومتبوع استعمار داخلي‪.‬‬
‫تسوق سوزان بودينهيمر بعض االدلة من واقع دول أمريكا الالتينية المؤكد هذه العالقة فتقرر ان هناك عالقة‬
‫عكسية بين تدفق رأس المال األجنبي ودرجة النمو آخذين في االعتبار درجة االدخار المحلي ونسبة رأس‬
‫المال واالنتاجية‪ ،‬نتج االستثمار األمريكي واستثمار بعض الدول الصناعية في دول أمريكا الالتينية عن‬
‫زيادة في صافي تدفق رأس المال خارج أمريكا تفوق رأس المال في االتجاه المعاكس اسفر ذلك عن فقدان‬
‫جزء كبير من رأس المال ‪ Decapitalization‬الالتيني يزيد تدفق صافي ربح رأس المال المستثمر خارج‬
‫أمريكا الالتينية عن حصيلة عائد الدول الالتينية من راس المال االجنبي فمثال يزيد تدفق األموال خارج‬
‫أمريكا الالتينية عن حجم االستثمار األجنبي ب ‪ 7.5‬بليون دوالر بين ‪ 1950‬إلى ‪ 1965‬حسب تقرير وزارة‬
‫التجارة األمريكية‪ ،‬مما أثر على مستوى االستثمار وميزان المدفوعات وعلى الميزان التجاري لمعظم دول‬
‫أمريكا الالتينية‪ .‬لم يشفع النقصان في رأس المال الالتيني بزيادة في مشاريع العون األجنبي ‪foreign aid‬‬
‫الن العون األجنبي مرتبط بشروط قاسية تفرضها الدول الصناعية لمقابلة مشاكل ميزان مدفوعاتها أو‬
‫لمصلحة استثماراتها االجنبية بلغت نسبة تدفق األموال خارج أمريكا الالتينية في شكل سداد الديون المستحقة‬
‫عن القروض وأرباح رأس المال االجنبي حوالي ‪ ٪ 35‬من حصيلة عائدها من صادراتها‪.‬‬
‫اكدت دراسات دائرة االقتصاد والشئون االجتماعية باألمم المتحدة نفس العالقة العكسية بين تدفق التكنولوجيا‬
‫ونمو الدول النامية أوضحت الدراسة في الدول اآلسيوية أن اآلثار الضارة لنقل التكنولوجيا من الدول الغربية‬
‫للدول النامية تتلخص في ثالث نقاط‬
‫النقطة األولى‬
‫تركز الدول الغربية على التكنولوجيا المتقدمة ‪ advanced technology‬أي التي يتطلب استيرادها رأس‬
‫مال ضخم ‪ capital intensive technology‬وال يتطلب تشغيلها عدد كبير من العمال ‪Labor‬‬
‫‪ Saving technology‬أدى ذلك لتفشي البطالة بين قطاعات كبيرة من العمال نتيجة لهذه السياسة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫النقطة الثانية‬
‫تركز الدول الصناعية على االستثمار في القطاع الحديث وفي المناطق المتطورة كالمدن وذلك لوجود‬
‫الخدمات الكهربية والمصرفية والحكومية ولوجود شبكة من المواصالت‪ .‬ادى ذلك إلى اهمال الهوامش والتي‬
‫هي في احوج ما تكون االستثمار كما أدى إلى توسيع الهوة بين المدن واألرياف كما قاد إلى تنمية مقلوبة‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‬
‫تركز الدول الصناعية في استثماراتها على القطاعات االقتصادية والسلع التي تجني من ورائها مكاسب كبيرة‬
‫أو السلع ذات األهمية االستراتيجية أو التي تحتاج لها في صناعاتها دون مراعاة اسبقيات الدول النامية‪.‬‬
‫بنا ء على ما تقدم يتضح أن نقل التكنولوجيا من الدول الصناعية للدول النامية لم يساعد الدول النامية على‬
‫اللحاق بالدول المتقدمة‪ .‬كما يتضح أيض ا أن كال من نظريتي االعتماد واالنتشار تقومان على مفهوم جبري‬
‫يفترض وجود عالقة خطية بين السبب والمسيب وكال النظريتين تتجنبان أو باألحرى تسقطان البدائل‬
‫األخرى‪ .‬بيد أن هناك مجموعة من البدائل متاحة للدول النامية كما سنرى عند مناقشة المنهج االحتمالي‬
‫‪.Possibility Model‬‬

‫‪78‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫الفصل الخامس‬
‫ايديولوجية التنمية المنظور الجديد لمفهوم التحديث‬
‫مقدمة‬
‫اختلف "المفكرون حول تعريف التنمية كما رأينا في الفصول السابقة فأثار موضوع التنمية الكثير من الجدل‬
‫والنقاش في جميع األوساط والدوائر في الدول المتقدمة وفي الدول النامية على حد سواء‪ .‬كان الخالف يدور‬
‫حول محورين ‪ -1‬معنى التنمية ‪ -2‬استراتيجية التنمية‪ ،‬يرتبط المحور األول بالمحور الثاني االن تعريف‬
‫التنمية يحدد لحد كبير اهداف التنمية واستراتيجياتها‪.‬‬
‫ارتبط مفهوم التنمية بالغربنة فاعتبرت األنماط الحضارية الغربية تقدما ويشمل ذلك التكوينات االقتصادية‬
‫والنظم السياسية واالجتماعية واالنماط الثقافية والتنوع الهيكلي والتخصص الوظيفي الخ‪ .‬وكذلك اعتبرت‬
‫القيم التي تصاحب هذه االنماط ايضا مظهرا من مظاهر الغربنة والتقدم كالعلمانية والمنطقية الواقعية التي‬
‫تعتمد على التجربة وتقول كل ما لم يثبت عن طريق التجربة فهو باطل والعقالنية الوظيفية واالقتصاد في‬
‫النفقات والكفاية االنتاجية وفصل القيم عن الحقائق‪.‬‬
‫ارتبط مفهوم التنمية ايضا بالمؤشرات االقتصادية أي بزيادة دخل الفرد والناتج القومي ومعدل النمو ومعدل‬
‫االستثمار‪ .‬الخ واعتبرت جميع هذه القيم والمقاييس معايير؛ للتنمية‪ ،‬صنفت دول العالم على أساس هذه‬
‫المعايير إلى دول متقدمة ودول متخلفة أو تلطف نامية‪ .‬الدول المتقدمة هي التي تمتلك أكبر قدر من هذه القيم‬
‫والدول النامية تتبع ‪...‬تتبع في كل شيء‪.‬‬
‫تتصف نظريات التنمية أو التحديث بدرجات متفاوتة بالحتمية والجبرية تتخذ في مجملها الدول المتطورة‬
‫ك نماذج تقتدي بها التحديث أو التنمية وفق هذه المدرسة هو عملية ال مقلوبيه تسير في خط متالزم ومتتال في‬
‫خطوات منطقية تراكمية كل خطوة تؤدي بصورة منطقية للخطوة التي تليها‪ .‬فمرحلة الطفولة تؤدي إلى‬
‫الشباب فالمراهقة فالنضج فالرجولة فالشيخوخة التاريخ ال يعيد نفسه‪ .‬فإذا ارادت الدول النامية أن تلحق‬
‫بركب الدول المتقدمة فما عليها اال ان تقلد خطي الدول المتقدمة وعندئذ عليها ان تعي الدرس جيدا ونقصد‬
‫هنا أن تجيد التقليد الن المدرس هنا الدول المتقدمة أي الدول في مرحلة الرجولة والنضج يقول افعلوها‬
‫بطريقتنا‪ ،‬أي الطريقة األمريكية أو السوفيتية فالطريق واحد من سار عليه وصل وعن حاد عنه ضل وخاب‬
‫مسعاه‪.‬‬
‫يهدف هذا الفصل إلى إيجاد معان جديدة لمفهوم التنمية والتحديث لتكون منطلقا الستراتيجيات جديدة بعيد ا‬
‫عن الحلول المطبوخة ‪ recipie‬والوصفات ‪ prescription‬التي تفد إلينا في طرود ‪ packages‬من‬
‫الع الم األول والثاني كما يهدف أيضا إلى ايضاح المفاهيم الخاطئة التي تشكل التفكير المعاصر الذي يقسم‬
‫العالم إلى دول نشائه ودول متطورة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫المنظور الجديد لمفهوم التحديث‬


‫يقوم المفهوم الجديد للتحديث على رفض النظريات التي تربط التنمية بالغربنة وتعتبر ان التنمية هي وضع‬
‫استثنائي حظيت به بعض الدول الغربية وحرمت منه دول أخرى لما تنطوي عليه من فرضيات تضع الدول‬
‫الغربية في وضع الرائد الذي يقود قافلة التنمية وتضع الدول النامية في وضع التابع الذي يسير على هدي‬
‫ايقاعات الرائد لخص البروفسور راموس هذه النظريات والتي تدور حول التنمية الخطية التراكمية وتتميز‬
‫بالجبرية في ما اسماه بنظرية ‪.N‬‬
‫أن االفتراض الرئيسي الذي تقوم عليه نظرية ‪ N‬هو أن قانون الحتمية التاريخية يقضي بوجوب ترسم خطي‬
‫ومراحل نمو الدول المتقدمة أو المتطورة تكشف هذه الدول المتقدمة للدول النامية معالم طريقها الحاضر‬
‫والمستقبلي تشير هذه النظرية إلى وجود ثنائية في العالم تتمثل في وجود دول متقدمة ودول ناميه‪ ،‬دول تابعة‬
‫ودول متبوعة وتفترض توفر شروط معينة للتحديث يجب توافرها لدى الدول النامية لتلحق بركب الدول‬
‫المتطورة تسمى ‪ Prerequisites of Modernization‬ومن ثم تتصف نظرية ‪ N‬بالمنهج الجبري الذي‬
‫يربط التنمية بواقع دول غرب أوربا والواليات المتحدة‪.‬‬
‫البروفسور البرتو راموس هو استاذ اإلدارة العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا من أصل برازيلي جمع بين‬
‫أصول المعرفة في الدائرة السحرية بالدول المتطورة واصالة التجربة بالدول النامية توجد الكثير من الشواهد‬
‫في االدب المعاصر النظرية وسوف نتناول ‪ N‬بعض المقتطفات التي تدور حول هذه المعاني يعرف بيتر‬
‫بيرجر التحديث فيقول أن التحديث هو وسيلة نقل الطرود ‪ transmission of packages‬ويقصد‬
‫بالطرود مجموعة من القيم الحضارية التي تكون في مجملها مفهوم الغربنة‪ ،‬ويشمل ذلك المؤسسات السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والقيم التكنولوجية والثقافية التي تروج لها‪ .‬كما يقصد بنقل الطرود نقل القيم‬
‫الحضارية من ما اسماه بالمجتمعات الحديثة إلى المجتمعات النامية يرتبط التحديث وفق مفهوم بيرجر بالنمو‬
‫االقتصادي والتحوالت التكنولوجية‪ ،‬ويعني ذلك ان التحديث يشمل التحوالت االقتصادية الناتجة عن‬
‫التحوالت التكنولوجية والمؤسسية‪.‬‬
‫يسوق البروفسور ر أموس مجموعة من الشواهد في االدب التنموي التي تدعم المفهوم الجبري للتنمية نظرية‬
‫‪ N‬وسوف نكتفي هنا بمقتطفات من بنديکس وليفی وأيزينستادت‪.‬‬
‫يقول رأينهارد بنديکس ‪ Reinhard Bendix‬في كتابه ما هو التحديث؟ ‪?What is Modernization‬‬
‫نبغي أن تتجه دراسة التحديث المقارنة في عالم يتصف بالتخلف والتطور التي المجتمعات المرجعية‬
‫(‪ ) referent societies‬والتي أصبحت محط أنظار الدول التابعة ان تقسيم العالم إلى دول متقدمة وأخرى‬
‫تابعة يعتبر عنصرا أساسيا في تعريف التحديث‪.‬‬
‫يقول ماريون ج ليفي ‪ Marion J. Levy‬في مقالة بعنوان مشاكل التراسم الرأسمالي في الدول النامية‬
‫يطلق مصطلح دولة حديثة النامية ‪ Modernized‬على قطر معين إذا كان يشبه أو يماثل النظم الموجودة‬
‫في الدول والمجتمعات الغربية الحديثة وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ويقرر س ‪ .‬ن ‪ .‬أيزينستادت ‪ S. N. Eiesenstadt‬في كتابه‬

‫‪80‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ Modernization Protest and Change‬التحديث من ناحية تاريخية هي أسلوب التغيير نحو تلك‬
‫النظم االجتماعية واالقتصادية والسياسية التي تمت في غرب أوربا وشمال أمريكا بين القرن السابع عشر‬
‫إلى التاسع عشر وانتشرت في القرن العشرين لدول افريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية يتضح من المقتطفات‬
‫السابقة أن النظرية الكالسيكية للتحديث تربط التنمية بالغربنة ومن ثم تختزل معنى التحديث وتربطه بظاهرة‬
‫التصنيع والتي ال تربو عن كونها حدثا تاريخيا استثنائيا تمر به دول غرب أوربا والواليات المتحدة في‬
‫تاريخها المعاصر‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يا ترى التحديث هو حدث تاريخي ووضع استثنائي‬
‫حظيت به بعض الدول كما يتضح من النظريات الجبرية أم ان التحديث هو ظاهرة عالمية ال تحد بحواجز‬
‫زمانية وم كانية؟ أي هل هو ظاهرة غربية أم ظاهرة عالمية علمية؟ هذا ما سنجيب عليه عند استعراض‬
‫المعاني والمنظور الجديد للتحديث‪.‬‬
‫لخص البروفسور رأموس االتجاه أو المنظور الجديد للتحديث في ما اسماه بنظرية ‪ P‬أو النظرية االحتمالية‬
‫‪ Possibility Theory‬تفترض هذه النظرية أن التحديث ليس وقفا على دولة أو أقليم أو مجموعة من‬
‫الدول بعينها كما ال يوجد نموذج تحديث معين يتعين على الدول النامية اتباعه‪.‬‬
‫االفتراض الثاني الذي تقوم عليه هذه النظرية هي أن كل دولة مهما تعددت وتنوعت أساليبها ‪ -‬تحمل‬
‫احتماالتها الخاصة التحديث‪.‬‬
‫توجد المعاني التي تنطوي عليها نظرية في الكثير من المؤلفات وسوف نكتفي ببعض المقتطفات من كيريل‬
‫بالك و س ‪ .‬رأيت ميلزوهير شمان يقول كيريل بالك ‪ Cyril E Black‬ان الطابع الجبري أو الحتمي‬
‫والمحدودية الثقافية التي تميز معظم التفسيرات العملية التحديث حجبت الجهود لفهم هذه العملية ان ربط‬
‫عملية التحديث بواقع دول غرب أوربا وبقية الدول التي تتحدث اللغة االنجليزية هو اجراء خاطئ وفي غير‬
‫محله فالجبرية الضيقة تفسير التحديث والتغيير وفق نموذج مبسط للواقع فتعزي التحديث لسبب أو عامل‬
‫معين ولذلك تستبعد الكثير من العوامل األخرى التي تدخل بصورة مينا ثمرة في معادلة التحديث ‪ .‬كما‬
‫وتتجاهل هذه النظريات طبيعة التحديث المعقدة وديناميكيته الغامضة ومن ثم تختزل معنى التحديث وتربطه‬
‫بمفهوم الغربنة واألوروبية ‪.Europeanization‬‬
‫يقول س رأيت ميلز ‪ C. Wright Mills‬في كتابه ‪ Power, Politics, and People‬وهو يخاطب‬
‫المؤتمرين بالبرازيل أن الحل ال يتوفر في تاريخ أوربا أو في حاضر أمريكا الشمالية أو االتحاد السوفيتي‬
‫وال اعرف عما إذا كان الحل " أو االنتاجية موجودة بين ايدينا وأن أملي الوحيد هو ان تحرروا تصوراتكم‬
‫الثقافية من جميع النماذج األخرى وتفكروا بحرية في ما تودون عملة‪ .‬يقول هيرشمان وجير سجنكرون‬
‫‪ Hirschman and Gerschenkron‬في كتابه استراتيجية التنمية حيثما ظهرت نظرية تفترض وجود‬
‫قيمة معينة كشرط للتنمية فمن السهل ‪ prerequisites‬آن جزءا كبير ا من تفكيرنا عن التصنيع في الدول‬
‫المتخلفة محكوم ‪ -‬بوعي أو بدون وعي ‪ -‬بالتعميم الماركسي والذي يقول أن تاريخ الدول المتقدمة يحدد معالم‬
‫الطريق النمو الدول المتخلفة‪.‬‬
‫تمثل نظرية االحتمال منظورا جديدا لمفهوم التحديث فتقوم على نفي افتراضات النظرية الكالسيكية لخص‬
‫راموس افتراضات النظرية الكالسيكية ونظرية االحتمال في سبع نقاط على النحو التالي‬

‫‪81‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫نظرية االحتمال نظرية ‪P‬‬ ‫النظرية الجبرية نظرية ‪N‬‬
‫‪ -1‬ما تحقق هو أحد البدائل واالحتماالت التي يمكن أن‬ ‫‪ -1‬ما تحقق هو الشيء الوحيد الذي يمكن تحقيقه‬
‫تحقق وهناك أكثر من طريق للوصول لروما‬
‫‪ - 2‬ال توجد وسيلة خطية طبيعية وطريق واحد للمستقبل‬ ‫‪ -2‬توجد وسيلة خطية طبيعية وطريق واحد للمستقبل يمكن‬
‫يمكن اتباعه يمدنا التاريخ دائما بأفق مفتوح أمام مجموعة‬ ‫اتباعه فإذا الحظ االنسان الشروط التي يجب توافرها أمكنة‬
‫من االحتماالت ‪ ،‬ففي أي لحظة قد يحصل ما ليس متوقعا‬ ‫تجنب االنحراف ‪ .‬التنمية تسير في خط متتال ومتالزم كل‬
‫من احداث قد تقود ‪ -‬المجتمع إلى مرحلة جديدة بعيدا عن‬ ‫مرحلة تقود للمرحلة التي تليها في خطوات منطقية من‬
‫التصورات السابقة كاكتشاف احد المواد الخام االستراتيجية‬ ‫مرحلة ما قبل االقالع إلى مرحلة االستهالك‪.‬‬
‫مثل البترول واليورانيوم‬
‫‪ -3‬الرؤيا غير واضحة‪ ،‬ومعالم الطريق غير واضحة‪.‬‬ ‫‪ -3‬الرؤيا واضحة‪ ،‬معالم الطريق أوضح‪ ،‬يتخذ الطريق‬
‫يمكن أن يأخذ الطريق اتجاهات متعددة اعتمادا على مقدرة‬ ‫وجهة معينة ومسارا معينا وذلك الجتماع عدة مؤثرات‬
‫اإلنسان على السيطرة على المؤثرات والمتغيرات ويستطيع‬ ‫ضرورية للغاية توجد كثبان على يمين الشارع وغابات‬
‫االنسان بإمكانياته تغيير مسار الطريق ففي مقدوره أن يشق‬ ‫ومستنقعات على شمال الشارع ومن ثم ال يمكن تحويل‬
‫الكتان والمستنقعات الخ توجد مجموعة من احتماالت التنمية‬ ‫مساره يمينا أو يسارا والمقصود من ذلك أن احتماالت‬
‫اعتمادا على تزاوج المؤثرات واالختيارات الموضوعية‬ ‫التنمية تتوقف على شروط ضرورية للغاية مثل معدل النمو‬
‫معدل النمو والزيادة في الناتج القوم و الزيادة السكانية‬ ‫والزيادة في الناتج القومي والزيادة السكانية والتوازن في‬
‫باإلضافة إلى ظهور المفاجآت كاكتشاف أحد المواد الخام‬ ‫ميزان المدفوعات‪ .‬إلخ فبعد معرفة هذه المتغيرات‬
‫االستراتيجية مثال يمكن التنيق بمسار التنمية بدرجات‬ ‫والمؤثرات يمكن التنبؤ بما ال يدع مجاال للشك بما قد‬
‫متفاوتة من اليقين اعتماد ا على المواقف ليس من السهولة‬ ‫يحصل في الحاضر والمستقبل كما يمكن معرفة التحوالت‬
‫التعرف على التحوالت االجتماعية تجارب الدول االخرى‬ ‫االجتماعية‪.‬‬
‫ال تعتبر مؤشرات تحدد معالم الطريق أو تفسر التحوالت‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -4‬توجد احتماالت كثيرة يمكن فحصها وتجربتها بطريقة‬ ‫‪ -4‬آن جهل االنسان أو عدم معرفته التامة باألسباب‬
‫علمية تجريبية ‪ -‬باب االجتهاد مفتوح يملك اإلنسان قدرات‬ ‫الضرورية التي تؤثر في مجريات األحداث هي التي تدفعه‬
‫كبيرة لإلبداع‪.‬‬ ‫للتفكير في االحتماالت ال توجد احتماالت‬
‫‪ -5‬تتلخص مهمة العلوم االجتماعية في اكتشاف آفاق جديدة‬ ‫‪ -5‬أن مهمة العلوم االجتماعية تبصيرنا بما يجب أن يحدث‬
‫المجموعة من االحتماالت حتى نتمكن من المشاركة في‬ ‫على قرار ما حدث بالماضي حتى نتمكن من توفير الشروط‬
‫صنع التاريخ‪ .‬فنحن صناع تاريخ ورواد مستقبل نصنع‪.‬‬ ‫الالزمة ماضي الدول الرائدة يحدد حاضر ومستقبل الدول‬
‫تاريخ أمتنا ونساهم في اجراء التحول الواعي في مسار‬ ‫التابعة ينبغي على الدول ‪ ..‬التابعة أن تعي التاريخ جيدا‬
‫مجتمعنا الحاضر‪.‬‬ ‫حتى ال تقع في االخطاء‬
‫‪ -6‬ال يكون العالم االجتماعي عالم بحق دون ان يشارك في‬ ‫‪ -6‬انه من المؤذي حقا أن يتحول العالم االجتماعي إلى‬
‫المسيرة االجتماعية فالتنظير وحده ‪ -‬بعيدا عن عالم التطبيق‬ ‫ممثل ‪ actor‬في التحول االجتماعي يجب على العالم‬
‫هو مغالطة ال جدوى منها ينسحب هذا المبد؛ ايضا على‬ ‫االجتماعي أن يراقب األحداث من بعيد وان ال يكون جزءا‬
‫الممارسة بعيدا عن عالم التنظير فالنظرية والتطبيق هما‬ ‫من االحداث حتى يتسنى له مشاهدة مجريات األحداث‬
‫توأمان‪.‬‬ ‫بتجرد‬
‫‪ -7‬ان الفصل الحاضر بين دول متطورة ودول نامية هو‬ ‫‪ -7‬يجب أن نفصل ‪ -‬في تاريخنا الحديث بين الدول‬
‫وهم ومغالطة‪ .‬ينبغي أن ينظر إلى العالم كنظام يشمل‬ ‫المتطورة والدول النامية‪ .‬فالدول أو المجتمعات المتطورة‬
‫مختلف المجتمعات وجميعها نامية‪ .‬وكل مجتمع من هذه‬ ‫في مجتمع سات مرجعية تبصر المجتمعات النامية بمعالم‬
‫المجتمعات متخلف في بعض جوانب الحياة ومتقدم في‬ ‫مستقبلها كما تحدد لها الوسائل لتسير في الطريق الوحي‬
‫اخرى م مع التفاوت في الدرجة‪ .‬فمؤشرات التحديث أو‬ ‫األمثل لتحقيق التحديث والتنمية الدول النامية هي دول‬
‫التخلف تقاس على احتماالت النمو في اي قطر على حدة‪.‬‬ ‫تابعة‪.‬‬
‫الدول المتقدمة لم تكن متخلفة قط‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬

‫يطالب رأموس في نظريته ‪ -‬التحديث نحو نموذج احتمالي ‪ -‬بإسقاط مصطلح الدول المتخلفة والدول المتقدمة‬
‫أو المتطورة لما ينطوي عليه هذان المصطلحان من جبرية أو حتمية وينادي باستخدام مصطلحات أكثر‬
‫تناسبا مثل دول مركزية ودول هامشية‪ .‬يقول راموس أن التحديث هو ظاهرة عالمية وليست وضعا استثنائيا‬
‫وان لكل دولة احتماالت في النمو والتحديث تختلف عما سواها‪.‬‬
‫يتضح مما سبق أن مفهوم التنمية هو مفهوم مطاط يتسع للكثير من التفسيرات‪ .‬غير أن ربط التنمية‬
‫بالمؤشرات االقتصادية وحدها لم يفد كثيرا في عالج مشاكل التنمية والتحديث ينبغي أن ينظر للتنمية من‬
‫من ظور اجتماعي واسع يأخذ في اعتباره جميع الجوانب‪ ،‬سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية‪ ،‬كما ينبغي‬
‫ان يأخذ ايضا في االعتبار العالقة االعتمادية والتبادلية بين الدول المركزية والدول الهامشية والعالقة‬
‫السلطوية‪ power relationship .‬بين هذه الدول‪.‬‬
‫تفريعة على ما سبق يجب ان نعيد تعريف التنمية لتشمل االعتبارات السابقة وسوف نتناول في الصفحات‬
‫التالية بعض التعريفات التي تعكس االتجاه الحديث في اعادة تعريف التنمية‪.‬‬
‫يتناول محبوب الحق مفهوم التنمية من منظور جديد يختلف عما تعارف عليه المفكرون وخاصة االقتصاديين‬
‫منهم ينتقد محبوب ا لحق محاولة االقتصاديين الربط التنمية بزيادة دخل الفرد وزيادة الناتج التونسي فيقول إن‬
‫النمو في الناتج القومي ال يتساقط رذاذ ا على قاعدة المجتمع أي أن النمو في الناتج القومي ال يفيد إال قلة‪.‬‬
‫التنمية تعني الهجوم االنتقائي على الفقر ‪ selective attack on Poverty‬ذلك تصورا جديدا لدور‬
‫التنمية والعمل التنموي فبدل أن تتركز المساعي والجهود التنموية على كمية اإلنتاج والسرعة التي يتم بها‬
‫ينبغي أن يتحول االهتمام إلى ما إذا تنتج هل ننتج مفرقعات أم مساكن شعبية؟ وكيف يوزع االنتاج؟‬
‫يقول محبوب ان االقتصاديين يرتكبون خطأ فادحا حينما يربطون العمالة برفع معدالت النمو وتصحيح نظام‬
‫األسعار‪ .‬فقد دلت تجربة باكستان والتي وصل معدل النمو فيها إلى ‪ ٪ 6‬على بطالن هذه العالقة فلم تغير‬
‫معدالت النمو العالية من واقع الفقر الجماهيري وسوء التغذية والمرض واألمية واإلسكان القذر والمساواة‬
‫في الفرص‪ .‬ان ما بين ‪ 40‬و ‪ % 50‬من السكان في الهند يقل دخل الفرد منهم عن خط الفقر الرسمي الذي‬
‫يبدأ عنده سوء التغذية‪ ،‬كما انتفضت األجور في القطاع الصناعي بنسبة الثلث في الباكستان مع ارتفاع معدل‬
‫النمو بنسبة ‪ . % 6‬فالخطأ الذي وقعت فيه الدول النامية هو أنها لم تقصر مهمتها على القضاء على أسوأ‬
‫أشكال الفقر وانما تسعى وراء مستويات عالية لمدخل الفرد تمشيا مع الفهم الشاطئ بان الحياة تبدأ عند ألف‬
‫دوالر‪ ،‬واالنشغال بمقدار ما نم انتاجه واهتمام اقل بنوع ما‪ .‬انتي وكيف تم توزيعه‪ ،‬أن نمط وتنظيم االنتاج‬
‫نفسه يمليان نعط االستهالك والتوزيع‪ .‬فإنتاج السلع التفاخرية من عربات أو منازل ضخمة الخ يحدد نوع‬
‫المستهلكين واسلوب التوزيع‪.‬‬
‫ان استراتيجية التنمية الجديدة كما يقول محبوب الحق تعني تخطيط االستهالك أوال واالنتاج ثانيا ‪ .‬والمقصود‬
‫باالستهالك هو سلة المواد األساسية التي يجب توفيرها من اجل القضاء على الفقر و هنا رفض مفهوم‬
‫الطاب وديناميكية التسوق ومفهوم القدرة على الدفع كأساس لقياس الحاجات األساسية يجب أن يتوجه االنتاج‬
‫لتلبية المطالب االستهالكية الدنيا أي يجب أن تسبق العدالة الوفرة وتسبق العمالة الكاملة موضوع االنتاجية‬
‫اي يجب التركيز على السلع التي يعتمد انتاجها على وفرة األيدي العاملة‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫أن تعريف التنمية بالهجوم المباشر واالنتقائي على مشكلة الفقر يفرض تصورا جديدا لنشاط الجهاز التنفيذي‬
‫في الدولة فهو يفرض تصورا جديدا لتحديد نظام األسبقيات وتصورا جديدا لقضية االنتاج واالستهالك‬
‫والعالقة بينهما وآلية السوق واتجاه االستثمار يقوم التصور الجديد للتنمية االفتراضيات التالية‬
‫‪ -1‬النمو في الناتج القومي ال يتساقط رذاذ ا على قاعدة المجتمع ونحن في حاجة إلى الهجوم المباشر على‬
‫فقر الجماهير‪.‬‬
‫‪ -2‬آلية السوق كثيرا ما يشوبها التوزيع القائم للدخل والثروة آنها بوجه عام دليل ال يمكن االعتماد عليه في‬
‫تحديد األهداف القومية‪.‬‬
‫‪ -3‬االصالحات المؤسسية تكون بوجه عام أكثر حسبما من اشارات ألسعار بالنسبة لصياغة استراتيجيات‬
‫مالئمة للتنمية‪.‬‬
‫‪ -4‬االستراتيجيات الجديدة للتنمية يجب ان تقوم على تلبية احتياجات البشرية االساسية بدال من أن تقوم على‬
‫طلب السوق‪.‬‬
‫‪ -5‬أساليب التنمية يجب ان تكون على نحو يسمح ببناء التنمية حول االنسان ال بيناء اإلنسان حول التنمية‬
‫‪ -6‬سياسة التوزيع و العمالة يجب ان تكونا جزءا مكمال ألية خطة انتاجية فمن المستحيل بوجه عام أن ننتج‬
‫أوال ثم نوزع فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -7‬من العناصر الحيوية في سياسة التوزيع زيادة انتاجية الفقراء عن طريق ادخال تغيير جذري في اتجاه‬
‫االستثمار نحو القطاعات األكثر فقرا في المجتمع‪.‬‬
‫تحمل هذه االفتراضات معاني جديدة تتقاطب مع ما تعارفنا عليه في األدب التنموي‪ .‬فالنظريات الكالسيكية‬
‫تقول اعتنوا بالناتج القومي ألنه يعتني بقضية التنمية أي إذا حققنا معدال كبيرا في النمو في الناتج القومي ‪10‬‬
‫‪ ٪‬مثال فإننا نقضي على مشكلة البطالة‪ .‬وإذا قضينا على مشكلة البطالة‪ .‬فإننا نقضي بصورة آلية على مشكلة‬
‫الفقر التصور الجديد لمعنى التنمية يقول اعتنوا بمشكلة الفقر وسيعتني ذلك بالناتج القومي أي إذا قضينا على‬
‫مشكلة الفقر فإننا نطلق الكفاءات والمهارات وتوظف جميع القوى العاملة فتزداد االنتاجية واالنتاج ومن ثم‬
‫الناتج القومي‪.‬‬
‫تعتمد النظريات الكالسيكية على آلية السوق في التوزيع وعلى وجه التحديد على قانون العرض والطلب آلية‬
‫السوق أو فلنقل قرنا استشعار أو انتجيات السوق تشير فقط إلى حيث توجد القوة الشرائية العالية اي إلى‬
‫حيث يوجد الدخل العالي وليس إلى حيث توجد الحاجة‪ .‬فاستراتيجية التنمية الجديدة ينبغي أن توجه نحو تلبية‬
‫حاجات الغالبية العظمى من السكان وخاصة الحاجات األساسية كالمأكل والمشرب والملبس‪ ،‬و المسكن غاية‬
‫السوق ال تعكس هذه الحاجات‪ .‬ويعني ذلك بناء التنمية حول االنسان‪ .‬فالمعنى الجديد للتنمية يعني ان االنسان‬
‫في هدف التنمية ووسيلتها القضاء على الفقر يعني التشكك في اشارات االسعار وآليات السوق كأسلوب‬
‫لتوزيع الموارد ‪ ،‬خاصة حينما يكون توزيع الدخل مشوها فالنمو االقتصادي ال يتساقط رذاذ ا بطريقة‬
‫أوتوماتيكية فوق الجماهير في المجتمعات التي ال يوجد فيها التكافؤ في الفرص كما ذكرنا وان البالد النامية‬
‫ال تستطيع أن تحقق ‪ -‬لضيق إمكانياتها ‪ -‬انماط االستهالك في الدول المتطورة وان الحالة االقتصادية‬
‫للقطاعات األكثر فقرا ال تتحسين المجرد توزيع بعض القوة الشرائية عليها من خالل مخططات الرفاهية‬

‫‪84‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫القصيرة األجل ‪ ،‬وان الفقراء يجب دفعهم في التيار الرئيسي للحياة االقتصادية من خالل العمالة ان‬
‫استراتيجيات التنمية ان تشکلها االحتياجات المحلية ال متطلبات التصدير أو المساعدة الخارجية‪.‬‬
‫يقول محبوب الحق ان اغلبية البالد النامية ما زالت تنتقى الخيارات السهلة والتي تعتبر المساعدة األجنبية‬
‫الخيار األساسي فيها فالهجوم على الفقر أصبح موضة مستهلكة في سياسات الدول النامية و التي لم تقف بعد‬
‫حتى على تخوم السياسات الالزمة لإلحاطة بمشكالت الفقر‪ .‬فهو ال يعدو أن يكون قشرة رقيقة فوق‬
‫استراتيجيات التنمية التقليدية فهذه الدول تفقد اي اجهزة انقاذ مؤسسية للوصول للقطاعات الفقيرة تنفق الهند‬
‫وباكستان حوالي هو ‪ 2‬مليار دوالر كل عام على الدفاع وتدفع بمشكلة الهجوم على الفقر إلى المنطقة الخلفية‬
‫ويصدق ذلك على بقية الدول اآلسيوية واالفريقية ودول أمريكا الالتينية‪ .‬فقد فشلت معظم استراتيجيات التنمية‬
‫في هذه الدول ألنها كانت اسيرة للنظريات الكالسيكية والتي تربط التنمية فقط بالمؤشرات االقتصادية‪.‬‬
‫ن تيجة للتخبط والسير وفق استراتيجيات تنمية مغلوطة ووضع اهداف غير واقعية اتسعت الفوارق بين الدول‬
‫الفنية والفقيرة اذ يصل متوسط دخل الفرد اليوم في العالم المتطور إلى ‪ 2400‬دوالر مقابل ‪ 180‬دوالر في‬
‫البالد النامية وصلت الفجوة إلى ‪ 2 , 220‬وستزيد الفجوة بمقدار ‪ 00‬ارا في عام ‪ 1981‬ان الزيادة في الناتج‬
‫القومي االجمالي بالنسبة للفرد في الواليات المتحدة في عام واحد تساوى الزيادة المتوقعة للهندي في مائة‬
‫عام ‪ .‬أن التركيز على فجوة الدخل المتزايدة والجري خلف انماط الحياة الغربية ليس له ما يبرره في الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫يشير محبوب ال حق إلى ضرورة البحث عن استراتيجيات جديدة للتنمية بعيدا عن زيادة الناتج القومي ومعدل‬
‫النمو من خالل انتاج السلع الكمالية والعسكرية‪ .‬تتلخص استراتيجية التنمية في الهجوم المباشر على الفقر ال‬
‫عن طريق الحلول الوسطى أو استراتيجيات االقتصاد المختلط وانما عن طريق االلتزام الواضح بأيديولوجية‬
‫التنمية‪ .‬فالمساعدات الخارجية ال تعدو أن تكون مخدرات‪ ،‬تسكن األلم وال تزيله فالمساعدات الراهنة هامشية‬
‫ذات داللة كما انها مصحوبة بشروط قاسية ينبغي على الدول النامية أن تتجه إلى التغييرات المؤسسية‬
‫الداخلية وإلى استغالل قدراتها‪ ..‬على المساومة الجماعية في مفاوضتها ‪.‬مع الدول الغنية‪.‬‬
‫بناءا على ما تقدم فان المعني الجديد للتنمية يشمل ‪ ،‬بجانب الهجوم االنتقائي على الفقر ‪ ،‬توفير الحاجات‬
‫االستهالكية االساسية وربط سياسية االنتاج بسياسة االستهالك واسلوب التوزيع وتحقيق العمالة الكاملة‪.‬‬
‫تناول افان اليتش ‪ Ivan Illich‬في كتابه ‪ Deschooling Society‬وكتابه؟‬
‫‪ After Deschooling What‬المفهوم الجديد للتحديث والتنمية‪ .‬ينادي افان اليتش برفض الحلول‬
‫المطبوخة والمعبأة في طرود للتصدير للدول النامية‪ ،‬سواء كان ذلك في شكل مؤسسات أو تكنولوجيا بقول‬
‫افان اليتش ان مفهوم بناء المؤسسات اخذ يحتل مساحة واسعة في تفكيرنا للحد الذي أصبحنا ال نرى‬
‫الوظائف اال من خالل المؤسسات التي تؤديها ‪ .‬فنحن ال نحتاج للمدارس وانما نحتاج للتعليم وال نحتاج‬
‫لمؤسسات الشرطة وانما نحتاج لألمن وال نحتاج للمستشفيات وانما نحتاج للصحة‪.‬‬
‫ان خطورة هذه المؤسسات تكمن في أنها بدأت تصوغ تفكيرنا‪ ،‬تحدد اهدافنا و اسبقياتنا تحولت هذه‬
‫المؤسسات االداة لتبرير القمع واالحباط واالضطهاد والقسوة والحرمان وحجر الحرية ‪ -‬تحولت إلى مؤس‬
‫خانات لضبط وتوجيه سلوك المواطنين في قنوات واتجاهات محددة‪ .‬يتخذ هذا القمع اساليب متعددة في العلن‬

‫‪85‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫وفي الخفاء وأقسى أنواع القمع كما يقول جين د‪ .‬ماسون هو القمع الداخلي الذي يتم عن طريق امتصاص‬
‫القوانين والضوابط والقيود في العقل الباطن دون وعي ودون مقاومة ودون إدراك آثار الضوابط‪.‬‬
‫تحولت هذه المؤسسات القيم وأهداف في حد ذاتها‪ .‬فالمدرسة ليست هي غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة‬
‫من وسائل طلب العلم وكذلك الشرطة والمستشفى يقول الطفل مثال انا ذاهب للمدرسة وكان األحرى به أن‬
‫يقول انا ذاهب لطلب العلم‪ ،‬يقول المريض انا ذاهب للمستشفى وكان األحرى به أن يقول انا ذاهب للتطبيب‪.‬‬
‫تفكيرنا في المدرسة ‪ -‬كاألسلوب الوحيد للتعليم ‪ -‬جدا عنا التفكير ‪ -‬حتى مجرد التفكير في وسائل أخرى‬
‫أصبحنا نقيس مستوى تعليم الطفل بعدد السنوات التي قضاها بالمدرسة والدرجات التي تحصل عليها‪ .‬نسينا‬
‫أن هذا الطفل يمكن أقل من ثلث حياته في المدرسة عن الثلثين اآلخرين؟ نسينا أنه يتعلم في الشارع وفي‬
‫البقالة وعلى ظهر الجمل وعلى متن المرجحة وأمام شاشة التلفاز وفي الصفوف الخلفية في صالة الجمعة‪.‬‬
‫يتعلم من المعلم في المدرسة ومن القصاب في الشهرة ومن صديقه في المرجحة ومن أمام المسجد في صالة‬
‫الجمعة ومن أمه‪ ،‬وابيه‪ ،‬وأخيه‪ ،‬والضيف‪.‬‬
‫الذي زارهم باألمس يتعلم الحساب والتعامل مع النقود من القصاب ويتعلم العربية والدين من إمام المسجد‬
‫ويتعلم التربية البدنية من المرجحة‪ ،‬ويتعلم الخطابة والبالغة وعلم الكالم و علم النفس وعلم االجناس من أمه‬
‫وأبيه وصديقه والضيف الذي زارهم باألمس‪ .‬فهل يا ترى فكرنا في هذه البدائل؟ لم انها ديكتاتورية المدرسية‬
‫هي التي حجبت عنا التفكير ‪ -‬مجرد التفكير في هذه البدائل؟ بالطبع المدرسة تمنح دبلوم في الرياضيات في‬
‫عالم ابتلي بمرض الدبلوم والقصاب ال يفعل ذلك‪ ،‬والمدرسية تمنح التأمين شهادة في علم النفس والضيف‬
‫الذي زارهم باألمس ال يفعل ذلك‪.‬‬
‫المدرسة ال تمنح فقط الدبلوما واندا تخلق الحاجة للدبلوما وتو هم التأمين ومدير الشركة ورئيس الدائرة ايضا‬
‫بان المعرفة هي ما قنن بالدبلوما المدرسة تخلق السلعة الدبلوما وتروج لها عن طريق ما يسمى باثر العرض‬
‫أو الدعاية ‪ demonstration effect‬وتستخدم المدرسة في سبيل الترويج لسلعتها وسائل متعددة‬
‫واالغراء هذه الوسائل ليس هو القمع واالرهاب وانما هو االغراء عن طريق ما يسمى بعملية غسل المخ‬
‫فالمدرسة ال تقف عند حد الدعاية لسلعتها وانما تحط من شأن وسائل المعرفة األخرى وخامة الشارع‬
‫واألسرة بالرغم من أنها تستخدم حصيلة ما تعلمناه في االسرة و الشارع كنقاط لالنطالق ‪ ،‬فنحن ال نتعلم‬
‫الحديث في المدرسية وانما نتعلم حروف الهجاء وال نتعلم النحو انما نتعلم قواعد النحو‪.‬‬
‫قلنا ان المدرسة تصوغ تفكيرنا وتحدد مفاهيمنا ونظرتنا للحياة تو همنا المدرسة أن كل ما تعلمناه فيها هو‬
‫حق فقط ألنه يقنن بديبلومات ويوثق في شهادات وما عدا ذلك فهو باطل الذي تعلم في المنزل وفي الشارع ‪-‬‬
‫تعلم من القصاب مبادئ علم الرياضيات ومن الضيف الذي زارهم باألمس مبادئ علم االجناس ‪ -‬هو أمي‬
‫بالرغم من أنه قضى كل حياته يتعلم من هاتين المؤسستين مدرسي الن تعريف األمية هو تعريف ‪ ،‬يرتبط‬
‫بالقراءة والكتابة توهمنا المدرسة باننا ال نتعلم شيئا مفيدا من األميين سواءا كانت األم في المنزل أو القصاب‬
‫في الشبرة‪ .‬بيد أن جميع الشواهد تنفي هذا الزعم فإذا جاز لي أن استدل بتجربتي الشخصية كمعيار لقياس‬
‫كفاءة المدرسية قياسا وسائل المعرفة األخرى فقد تعلمت من العقاد وهو يتجاوز الصف الثالث األوسط في‬
‫المدرسة ال أقول في التعليم ما لم اتعلم من البروفسور بيتر دركر استاذ اإلدارة بجامعة كلير مونت وأشهر‬
‫من كتب في مجال اإلدارة‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫على االطالق وتعلمت من سيد البشرية النبي األمي ما لم أتعلمه في حياتي كلها‪ ،‬كان جدي يقول لي إذا‬
‫أخطأت ‪ -‬وانا الشاب المتعلم أقصد جدل الدارس جال في أسرة بدوية القلم ما يزيل األلم اليوم فقط ادركت‬
‫ماذا جدي يرمز للمدرسة بالقلم وهي في نظره ال تسمو على ذلك فهي ترمز القراءة والكتابة وال ترمز للتعليم‬
‫اي ان المدرسية ال تذهب الجهل ادرك جسدي دور المدرسة قبل أن يكتب افان ايلتش كتابه المشهور‬
‫‪ Deschooling Society‬والذي هز اركان الفكر الغربي وادی الی زعزعة الثقة في جميع المؤسسات‬
‫وقاد الفكر التربوي في الواليات المتحدة في الخمس سنوات الماضية إلى وجهة جديدة وإلى تبنى مشاريع‬
‫جديدة تتقاطب ما تعارفنا عليه في الماضي جدي ال يعرف الكتابة والقراءة ولم يعش رحمه هللا ال قرا له‬
‫كتاب كافان اليتش فهو أمي حسب التعريف المدرسي‪ ،‬لألمية لكنه متعلم تماما كال فان اليتش‪.‬‬
‫ذكرنا أن المفهوم الجديد للتنمية والتحديث مفهوم افان اليتش ينادي برفض الحلول المطبوخة والمعبأة في‬
‫طرود ‪ Packaged Solutions‬للتصدير للدول النامية في شكل مؤسسات ويصدق ذلك على المدرسة‬
‫والمستشفى ومركز الشرطة تماما كمنا يصدق على السلع التي نشتريها من متجر السوبر ماركت الدول‬
‫المتقدمة تصنع هذه المؤسسات الستهالكها المحلي لمعظم مواطنيها‪ .‬لكن هذا ال يقف دليال على عقالنيتها‬
‫فالعكس على قدر ما نستهلك من هذه المؤسسات نفقد القدرة على التحكم في مصائرنا وفي بيئتنا‪.‬‬
‫بقدر ما نس تهلك من الطرود‪ .‬نفقد السيطرة على أنفسنا‪ .‬نصاب بالتخمة والبدنة والتورم‪ ،‬تزداد مقدرتنا‬
‫االستيعابية ومن ثم يزداد شغفنا للمزيد من الطرود المستوردة‪ .‬يتحول استهالك الطرود من حاجة الي عناده‪.‬‬
‫تترهل أجسامنا تموت نفوسنا يتحول االستهالك عندنا إلى حالة ذهنية فنطلب المزيد من المؤسسات والمزيد‬
‫من التكنولوجيا والمزيد من القيم التكنولوجية والمزيد من اآلالت واألدوات يتحول االستهالك عندنا إلى حالة‬
‫ذهنية حينما نحول حاجاتنا االستهالكية إلى عينة جديدة من الطرود ‪.packaged good‬‬
‫يقال لنا أحيانا أن تقدم األمة يقاس بمبلغ ما تستهلك الواليات المتحدة قمة التطور في العالم ألنها تمثل قمة‬
‫االستهالك في العالم يبلغ عدد السكان بالواليات المتحدة ‪ % 60‬من سكان العالم‪ .‬يستهلك سكان الواليات‬
‫المتحدة ‪ ٪40‬من موارد العالم ‪ % 10‬فقط من سكان العالم يستهلكون ‪ % 40‬من موارد العالم؟!‬
‫تضم الدول النامية ‪ ٪ 70‬من سكان العالم لكنها ال تستهلك اال ‪ ٪ 11‬من الناتج القومي في العالم باستثناء‬
‫دول البترول أن ‪ 80‬از من أرقام التجارة العالمية تتداول بين الدول الرأسمالية و ‪ ٪ 12‬بين الدول‬
‫االشتراكية و ‪ ٪8‬فقط بين دول العالم الثالث فهل االستهالك يا ترى ظاهرة صحية أخالقية أم هي ظاهرة‬
‫مرضية؟ نسمع الكثير اليوم عن أمراض االستهالك في الغرب‪ .‬نسمع عن التلوث‪ ،‬تلوثت مياه االنهار فلم تعد‬
‫صالحة للشرب وتلوثت مياه البحار فلم تعد صالحة لحياة الحيوانات البحرية‪ ،‬تلوث الجو فلم تعد الحياة تطاق‬
‫في لوس انجلوس وشيكاغو وديترويت‪ .‬أصبح التلوث يهدد اإلنسان باالنقراض‪ .‬فبين كل ثالثة أشخاص في‬
‫الواليات المتحدة يموت واحد من مرض السرطان والسبب المباشر هو كثرة االستهالك تسمع ايضا عن‬
‫تلوث الصوت ويعني ذلك الضجيج الذي تحدثه الماكينات ابتداءا بماكينة الخياطة وانتهاءا بماكينة الكونكورد‬
‫‪ -‬نسمع أيضا عن التلوث الحراري ويعني ارتفاع درجة الحرارة بمعدالت مطردة نتيجة لزيادة استخدام‬
‫الطاقة‪ .‬فكما كان العالم قديما يهدد بالزحف الجليدي فهو اآلن يهدد بالزحف الحراري والزحف الصحراوي‬
‫على حد سواء‪.‬‬
‫حينما نترجم العطش إلى الحاجة لقنينة الكوكاكوال أو البيبسي كوال أو الفانتا وحينما نترجم الحاجة للتعليم إلى‬
‫مدرسة والحاجة لإلنجاز إلى دبلومات أو شهادات وحينما نحول الحاجة لألمن إلى مديرية للشرطة وحينما‬
‫‪87‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تحول الحاجة للعالج إلى مستشفى والحاجة للمواصالت إلى سيارة داتسون ‪ 200‬ل نكون حينها فقدنا‬
‫السيطرة على أنفسنا وحكمنا على مياه النيل ودجلة والفرات والمياه السطحية في مدينة العين باإلعدام ونكون‬
‫قد دفعنا باألسرة والمسجد إلى المنطقة الخلفية ‪ .‬إذا فعلنا ذلك فسنحول التجربة مع القصاب إلى تسيب‬
‫والمناظرة مع الضيف الذي زارنا باألمس إلى برزة سوالفه الفرق بيننا وبين العالم األول والثاني أو ما يطلق‬
‫عليه أحيانا بالدول المتقدمة ليس في درجة االستهالك وقد يكون ذلك صحيحا وانما ألنهم يستهلكون ما‬
‫ينتجون ونحن نتعفف عن استهالك ما عندنا نتعفف عن استهالك مياه النيل ودجلة والفرات والعين فنشرب‬
‫كوكاكوال ونستهلك الطرود نستهلك الداتسون‪.‬‬
‫ونتعفف عن استهالك الجمل والحمار والحصان تتحول مياه النيل والجمل والحمار والحصان إلى طاقة غير‬
‫مستغلة‪ ،‬وتتحول اخيرا إلى مشكلة‪ ،‬الجمل والحمدان والحمار مشكلة ألنها ال تسير في خط المشاة فتعوق‬
‫حركة مرور الداتسون الفرق بيننا وبين العالم األول والثاني هو أنهم يفتخرون بما عندهم ونحن نخجل مما‬
‫عندنا‪.‬‬
‫نخجل من أن تمتلك جمال وحصان ا وحمار ا ونخجل أن تنتمي لتراب دجلة والنيل وماء دجلة والنيل نتعفف‬
‫حتى عن الحديث عن الحمار والجمل فنقول بدون مؤاخذة‪ ،‬أو اكرمك هللا نسينا ان هللا کرم االنسان وخلق‬
‫الجمل في صورة جميلة فقال وهو اعز من قائل أفال ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت الفرق بيننا وبينهم هو‬
‫اننا حينما تتحدث عما عندنا تتحدث مطاطي الرؤوس إذا تحدثنا أبدا وهم يتحدين الكبرياء‪ .‬هذا هو عين‬
‫التخلف‪.‬‬
‫التخلف هو حالة ذهنية وكما يقول افان اليتش هو اخضاع الوعي االجتماعي إلى الحلول المعلبة أو المعدة في‬
‫طرود ‪ surrender of social conscionsiners to prepackaged solutions‬التخلف اذن هو‬
‫حالة االنهزامية وفقدان المقدرة على التفكير اإلبداعي وفقد الثقة في النفس وعلم المقدرة على تحريك قدرات‬
‫االنسان التخلف هو أن نتعفف عن ما نملك ونفتخر بحيازة السلع التي ينتجها غيرنا قمة التخلف هي اخضاع‬
‫الوعي االجتماعي إلى الحلول المعلبة والسلع المعدة المنسقة بالعامية السودانية في طرود وتقاس درجة‬
‫التخلف قياسا على هذا المعيار بمبلغ‪ .‬أو بما يحوزه االنسان من هذه السلع‪.‬‬
‫إن ربط التخلف بحجم استهالك السلع المستفة في طرود يتقاطب مع ما تعارفنا عليه في األدب التنموي‬
‫والذي يربط تقدم الدولة بحجم ما تستهلك المزيد من االستهالك يعني المزيد من التطور‪ .‬فنظرية روستو‬
‫لمراحل النمو االقتصادي تقول ان قمة النمو االقتصادي هو مرحلة االستهالك‪.‬‬
‫نظرية روستو المراحل النمو االقتصادي هي نظرية منطقية إذا أخذت في المحتوى الذي نشأت فيه‬
‫والظروف التي ادت إلى رواجها‪ .‬وهي ظهور اقتصاد السوق في ظل النظام الرأسمالي قامت هذه النظرية‬
‫إلضفاء شرعية على النظام‪.‬‬
‫الرأسمالي تبرر وجوده واس تمراريته يقوم النظام الرأسمالي على الثورة الصناعية وما يصاحبها من زيادة‬
‫االنتاج‪ .‬يعتمد االنتاج كليا على حجم االستهالك فاالستهالك هو ضالة المنتج العالقة بين االنتاج واالستهالك‬
‫هي عالقة تكاملية‪ .‬إذ ا كان ال بد من نظرية تضفي شرعية على االستهالك‪ .‬جاءت نظرية روستو لتفي بهذه‬
‫الحاجة‪ .‬ليس له ما يبرره فنظرية روستو » إن ربط التقدم بحجم استهالك السلع في الدول النامية المراحل‬
‫النمو االقتصادي تمثل عقلية اقتصاد السوق تحت النظام الرأسمالي‪ ،‬ونحن في الدول النامية مع اختالف في‬
‫الدرجات نعيش تحت أنظمة اقتصادية مختلفة‪ .‬قمنا من يعيش تحت نظام االقتصاد االكتفائي‬
‫‪88‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫‪ subsistence economy‬وعنا من يعيش تحت ظل نظام االقتصاد المختلط ‪ mixed economy‬الخ‬
‫نحن ال نحتاج في الدول النامية النظرية روستو إلضفاء شرعية على االستهالك وذلك ألنه ال يوجد لدينا‬
‫فائض انتاجي يقض مضاجعنا نحن ال ننتج في الدول النامية إال ما يسد حاجتنا وقد يزيد انتاجنا أو يقل عن‬
‫ذلك قليال‪ .‬مع اختالف الدرجات بين دولة وأخرى‪ .‬ومن ثم يجب إال ننظر بإعجاب للصرف البذخي أو‬
‫التفاخري قيمة االنسان عندنا ال تحدد بماركة السيارة التي يقودها أو بحجم السلع المستوردة التي يحوزها‬
‫وانما بأصالة االنسان أصالة االنسان هي المحور الذي يدور حوله المفهوم الجديد للتنمية والتحديث يقوم‬
‫المفهوم الجديد التنمية على افتراض أن اإلنسان هو وسيلة التنمية وهدفها فاإلنسان يملك طاقة هائلة وينبغي‬
‫أن توجه هذه الطاقة في المسار الصحيح‪ .‬ويقوم ايضا على افتراض أن المهارات الضرورية لتفجير طاقة‬
‫االنسان هي مهارات يمكن أن تكتسب بالتدريب والتعليم‪.‬‬
‫دور مؤسسات التدريب والتعليم‬
‫دور المدرسة‬
‫ذكرنا في الصفحات السابقة أن االنسان أصبح سجين المؤسسات التي خلقها فهي التي تصوغ خياله‬
‫وتصوراته وهي التي تحد اسبقياته وبدائله واحتماالته وهي التي تحدد نظرته للحياة ولوظائف الحياة ونظرته‬
‫للكون‪ .‬ومن ثم أصبح االنسان المعاصر ال يفكر في الوظائف إال من خالل المؤسسات التي تؤدي هذه‬
‫الوظائف‪ .‬فأصبح غير قادر على التفكير في اصالح النظام التعليمي اال من خالل مؤسسات التعليم المعاصرة‬
‫وهي المدرسة‪.‬‬
‫شغلت المدرسة مساحة واسعة من خيالنا فأصبحنا ال نرى بديال لها حجيت عنا الرؤيا فأصبحنا ال نرى سواها‬
‫نربط بين التعليم وبين السنوات التي مكثها التلميذ بالمدرسة فنقول توجد عالقة طردية بين حجم التعليم‬
‫وسنوات الدراسة بالمدرسة‪.‬‬
‫ارتبط مفهوم المدرسية بمفهوم التوظ يف الوظائف تقلد لحملة الشهادات المدرسية‪ .‬ارتبط السياق حول‬
‫التوظيف بالسباق أو الركض خلف الشهادات فأصبح الطالب ال بيدرس ليتعلم وانما يدرس ليحرز شهادة أو‬
‫دبلوم لماذا؟ ليجد وظيفة ‪ -‬تحول التعليم إلى وسيلة لكسب الرزق حتى المدارس تحولت من دور للتعليم إلى‬
‫مطية لبل وغ هدف التوظيف‪ .‬فأخذت تدرس فقط المراد الرائجة في سوق العرض والطلب السوق أصبح هو‬
‫الذي يحدد ماذا ندرس في‪ .‬هل ندرس طب وهندسة أم دين وفلسفة؟ تحولت المدرسة إلى سوبرماركت تبيع‬
‫فقط المواد ذات الطلب العالي فتحولت المدرسة ‪ -‬تمشيا مع علمانية السوق ‪ -‬إلى اداة من أدوات االنتاج مثل‬
‫الماكنة تماما‪ .‬يدخل التلميذ من مقدمتها في شكل مواد خام ويخرج من مؤخرتها في شكل سلعة جاهزة‬
‫مهندس أو طبيب أو استاذ إدارة عامة قيمة مخرجات المدرسية تحدب بديناميكية السوق فتخضع شأنها شأن‬
‫أي سلعة تعرض في السوبر ماركت القانون العرض والطلب‪.‬‬
‫فقدت المدرسية عقالنيتها شعرنا بذلك أو لم نشعر‪ -‬فقط ألنها ارتضت أن تكون أداة من أدوات االنتاج ‪ ،‬تنتج‬
‫أطباء ومهندسين واساتذة إدارة عامة وليس علماء في الطب والهندسية واإلدارة العامة‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل نرضى ألنفسنا أوال وألبنائنا ثاني ا أن يتحولوا إلى ترس في الماكنة أو‬
‫إلى طاقة أو مواد خام تتحول إلى سلعة تباع في سوق العرض والطلب؟ فإذا كانت االجابة بالنفي فهل من‬
‫سبيل إلى تغيير دور المدرسة ووظائف المدرسة وأهداف المدرسة ووسائل المدرسة أم أن المدرسة ‪ -‬بحكم‬
‫‪89‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫قوتها وجبروتها جعلت خنا أقزاما ال تقوى على الحركة‪ ،‬مشلولة االرادة‪ ،‬خائرة القوي ال لشيء إال ألننا‬
‫نتاجها نفكر بعقليتها فإذا كان الحال كنك فهل من سبيل إلى تطويق المدرسة وحصرها في مساحة محددة‬
‫لنفسح مجاال لمؤسسات اخرى تعمل معها في ميدان التعليم واقصد االسرة والمسجد؟‬
‫االسرة‬
‫االسرة هي وحدة مصغرة للمجتمع يتعلم الطفل فيها مبادئ علم الكالم وعلم النفس وعلم االجتماع وفن‬
‫االتصال باآلخرين واسلوب التعامل معهم يتعلم فيها البالغة والخطابة وحسن التحدث وحسن االستماع‪ ،‬يتعلم‬
‫من أمه ومن ابيه ومن اخيه ومن الضيف الذي زارهم باألمس‪ .‬يتعلم بالمحاكاة والتقليد‪ ،‬ويتعلم عن طريق‬
‫التجربة وا لخطأ والصواب ويتعلم ايضا عن طريق التأمل وأقصد التأمل في الظاهرة على النهج األفالطون‬
‫يتعلم الطفل في السبع سنوات األولى ما ال يتعلمه في كل حياته‪ .‬فالتعليم في الصغر كما تقول الحكمة العربية‬
‫كالنقش في الحجر‪.‬‬
‫األم مدرسة كما قال الشاعر انا اعددتها أعددت شعبا طيب األعراق واألم هنا هي رمز االسرة ألنها نقطة‬
‫ارتكاز االسرة ‪ .‬األم مدرسة واألسرة مدرسة نتعلم منهما بوعي وبدون وعي لكن األسرة ال تمنح الدبلوما‬
‫أكثر ما تعلمنا هو ما تعلمنا بدون وعى وخير ما تعلمنا هو ما لم يقنن بدبلوما ‪ -‬نتعلم في االسرة كيف نفكر‬
‫بوعی وينا صالة ألننا ال نضد مع بطاقة أسعار ‪ price tag‬على ما نتعلم‪ .‬فنتعلم من اجل العلم ومن اجل‬
‫المعرفة ال لنحصد دبلومات نبيعها في سوق العرض والطلب وانما لنجني ثمار المعرفة خلقا وتأدبا وصالحا‬
‫الخلق والتأدب والصالح ال تباع في سوق العرض والطلب ألنها تأبى ذلك إذا كان الحال كذلك فلماذا ال نعيد‬
‫صياغة تصورنا لدور األسرة؟ لماذا نقتلع فلذات أكبادنا في الثالثة من العمر ونرمي بهم في ما يسمى برياض‬
‫االطفال ‪ -‬أليست رياض األطفال صورة من صور القمع ماذا يتعلم الطفل في روضة االطفال؟ يتعلم كيف‬
‫ينضبط سلوكيا الن المربية تقف من خلفه ترصد تحركاته أنواع القمع كما ذكرنا سابقا هو القمع الداخلي الذي‬
‫يتم عن طريق امتصاص القوانين والضوابط والقيود في العقل الباطني دون وعي ودون مقاومة‪ .‬فلماذا‬
‫نعرض أبنائنا في هذا الوقت المبكر للقمع؟ هل يستطيع الطفل أن يفكر بحرية في هذه الظروف اضطر‬
‫الغرب اضطرارا إلنشاء رياض االطفال الن األمهات تعمل نحن مضطرون ألن ندفع بأبنائنا الرياض‬
‫االطفال؟ ما إذا بقي لألم المتفرغة التي ال تعمل في المنزل حينما يذهب ابناؤها للروضة‪ .‬اال يتحول المنزل‬
‫إلى سجن بغيض؟ لماذا المربية في الروضة دون األم في المنزل؟ لماذا ال نجعل من منازلنا رياضيا‪،‬‬
‫ألطفالنا؟ لماذا ال نجعل من منازلنا مدارسنا ألطفالنا؟ وال اقصد التعريف الكالسيكي للروضة والمدرسية ألننا‬
‫أن فعلنا ذلك فعلى األسرة العفاء‬
‫االسرة هي المؤسسة الوحيدة بعد المسجد التي قاومت قوي دفع السوق فهال حافظنا عليها نظيفة؟‬

‫‪90‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المسجد‬
‫كان المسجد يحتل في حضارتنا االسالمية مركز الثقل في المدينة أو القرية كان يمثل بجانب دوره التعبدي‬
‫منتدى العلم والمعرفة العلم في شئون الدين والدنيا‪ ،‬كان ايضا منبرا لطرح اآلراء واألفكار وكان محورا‬
‫للنشاط االجتماعي والثقافي كان الناس يتسابقون اليه ليس فقط للذي العام وتمة لتعلم المهارات االنسانية‬
‫والسلوكية کانت تلحق بالمساجد أماكن الحلقات العلم وأماكن المناظرات كان العلم يطلب من اجل العلم‪.‬‬
‫كان العلم يرتبط بالتقوى والصالح والورع وكان خير العلماء الورعون الن المعرفة كانت تعتبر التزاما‬
‫اخالقي كانت المعرفة اداة لعجم أعواد الرجال فلم تكن وسيلة إلى الوظيفة أو الشهرة أو التمييز الطبقي‪.‬‬
‫تراجع المسجد إلى المنطقة الخلفية فلم يعد مكانا لطلب العلم بفضل الغزو المدرسي‪ .‬احتلت المدرسية جميع‬
‫المساحات فطوقت المسجد وطوقت المعرفة فاندثرت المعرفة واندثر االنسان فتحول إلى مجرد ترس أو‬
‫مدخالت اآللة المدرسية تحوله إلى مجرد سلعة ويستوي في ذلك الطبيب والمهندس و استاذ اإلدارة العامة‪.‬‬
‫دور اإلدارة التربوية في تنمية اإلنسان ذكرنا أن المعنى الجديد للتنمية يدور حول تنمية قدرات االنسان‬
‫وتنمية قدرات اإلنسان تعني تأمين حاجاته االساسية‪ ،‬المأكل والمسكن والملبس كما يقول دودلی سيرز‬
‫ويتحقق ذلك عن طريق القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة تنمية االنسان ال تقف عند هذا الحد بل تعني‬
‫تحريره من اسر القمع الداخلي الذي يتم عن طريق امتصاص المفاهيم المؤسسية تلك المفاهيم التي توهمنا أن‬
‫المدرسية هي التعليم وان مديرية الشرطة هي األمن وان المستشفى هو العافية والصحة والتطبيب وان‬
‫رياض االطفال‪ ،‬هي رياض لتلك المفاهيم التي تو همنا أن المدرسة والروضة هي بديل لألسرة والمسجد‪،‬‬
‫المفاهيم التي توهمنا ان أكثرنا تطورا هو أكثرنا استهالكا للسلع المستفة في طرود‪ .‬أي المفاهيم التي تربط‬
‫التطور بحجم االستهالك‪.‬‬
‫تن مية قدرات االنسان تبدأ بحل أزمة الثقة‪ .‬الثقة فيما عندنا ماء النيل وتراب دجلة‪ ،‬الثقة في ثروتنا الحيوانية‬
‫والزراعية وفي منتجاتنا الصناعية‪ .‬تحل ازمة الثقة حينما تنظر بإعجاب ليس لقنينة الكوكاكوال وانما الجرعة‬
‫من مياه النيل‪ ،‬وحينما ننظر بإعجاب لألسرة والمسجد ونعتبر المدرسة امتدادا يكمل دور المسجد واالسرة‪.‬‬
‫تحل ازمة الثقة حينما نفكر بلغة واحدة الن هدفنا واحد ومصيرنا مشترك‪ ،‬حينما ننظر بإعجاب ليس فقط‬
‫لشكسبير وبرنارد شو وبيتهوفن وانما لألصفهاني والرازي وابي حامد الغزالي وابن خلدون‪.‬‬
‫تنمية قدرات اإلنسان كما يقول ادجار أوينز وروبرت شو نقال عن ابن خلدون تبدأ بالقاعدة االجتماعية‬
‫العريضة ‪ -‬تبدأ بكل فرد وبكل مؤسسية‪ .‬نقطة انطالق تنمية قدرات اإلنسان هي مرتكز أو ربوة حينما نقف‬
‫على متنها نری جميع المؤسسات‪ ،‬نرى المسجد واألسرة والمدرسة والمستشفى ومؤسسات العالج االخرى‬
‫ومديرية الشرطة وكذلك نرى جميع الشرائح االجتماعية‪ ،‬الفقير والغني على حد سواء‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تنمية قدرات اإلنسان تتطلب اعادة صياغة دور اإلدارة التربوية ومراجعة تصورها لدورها االداري التربوي‬
‫وتصورها لدور المدرسة والروضة واالسرة والمسجد وتصورها للعملية التنموية وتصورها لإلنسان كهدف‬
‫ووسيلة للتنمية وتصورها للحياة والكون ودور االنسان في الحياة والكون يمكن أن نلخص دور اإلدارة‬
‫التربوية في النقاط التالية‬
‫‪ -1‬التصور الجديد لإلدارة التربوية هو أن تنظر للمدرسة كواحد من البدائل للتعليم وليس الخيار الوحيد‪.‬‬
‫‪ -2‬ان تعيد صياغة المدرسة لتصبح مكانا للتعليم وليس مصنعا إلنتاج الدبلومات والشهادات أو مكتب ا‬
‫للتوثيق‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تعيد النظر في المناهج الدراسية لتغدي أكثر تالؤما مع دور المدرسة التعليمي‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تهدف إلى تخريج الرجل الصالح وليس إلنتاج سلعة رائجة في سوق العرض والطلب اليوم وكاسدة‬
‫غدا‪.‬‬
‫‪ -5‬التصور الجديد لإلدارة التربوية أن تعيد النظر في دور األسرة والمسجل التربوي ويعني ذلك أن تطوق‬
‫المدرسية في حدود حتى تفس للمؤسسات األخرى لتعمل لتدريب اإلنسان االصيل الصالح‪.‬‬
‫‪ -6‬ان ال تتعجل في انتزاع الطفل من احضان االسرة لتدفع به في رياض األطفال ما لم تدع الحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫انخلق من بيوتنا رياضيا ألطفالنا‪.‬‬
‫‪ -7‬االنسان هو هدف التنمية ووسيلتها‪.‬‬
‫‪ -8‬االصالة فلتكن األصالة شعارا وبرنامج عمل إلدارة التربوية‪.‬‬
‫‪ -9‬الثقة بما عندنا والثقة في أنفسنا‪.‬‬
‫‪ -10‬فليكن شعار اإلدارة التربوية ان االنسان كرمه هللا وخلقه في أحسن‪.‬‬
‫صورة ولم يخلقه حيوانا استهالكيا نهما ما أن تلبي له حاجة حتى يفكر في حاجة اخرى ‪ ،‬كما تفهمنا‬
‫النظريات الكالسيكية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصل السادس‬
‫إدارة التنمية والمشاكل المعاصرة‬
‫مقدمة‬
‫يناقش هذا الفصل بعض القضايا الرئيسية التي تثار في حقل إدارة التنمية ويركز بصفة أساسية على مشكلة‬
‫النمو السكاني ومشكلة الفقر ومشكلة استنفار الموارد غير المتجددة ومشكلة التلوث البيئي يهدف الفصل إلى‬
‫ابراز السمات الرئيسية لهذه المشاكل وتحديد حجمها وابعادها المختلفة وأثرها على التنمية بغية وضع‬
‫استراتيجية متكاملة لمواجهتها وحلها‪.‬‬
‫يستعرض الفصل بعض الدراسات التي اجريت حول هذه المشاكل بتركيز خاص على دراسات محبوب الحق‬
‫المشكلة الفقر ودراسة مجموعة نادي روما الحدود النمو ‪ the Limits to Growth‬ودراسة هيلبرونر في‬
‫كتابه تحريات في مستقبل االنسانية بعض األبحاث التي تغطي بعض جوانب المشاكل المذكورة أعاله‪.‬‬
‫مشكلة االنفجار السكاني تحتل المشكلة السكانية مساحة واسعة في الفكر التنموي ربط االقتصاديون التنمية‬
‫بالزيادة السكانية فقالوا ينبغي أن تربو الزيادة في الناتج القومي على الزيادة السكانية ب ‪ ٪ 3‬الن هذه النسبة‬
‫تحدد الحد األعلى للزيادة السكانية في أي دولة في العالم‪ .‬فإذا نقص معدل النمو في الناتج القومي عن هذه‬
‫النسبة فان الزيادة السكانية ستبتلع الزيادة في الناتج القومي ال محالة‪ .‬بناء ا على هذه النظرية فان احتماالت‬
‫نمو الدولة تتوقف على التحكم في النمو السكاني‪.‬‬
‫يقول روبرت ل ‪ .‬هيلبرونر في كتابه تحريات في مستقبل االنسان ان هموم البشرية تنبع من المخاطر أو‬
‫التحديات التي نراها تحيط بنا من جميع الجوانب وأول هذه التحديات هو التحدي السكاني‪ .‬يقول هيلبرونر‬
‫عن تفاقم المشكلة السكانية يزداد عدد السكان بمعدالت تفوق طاقة االض استيعابية ‪ .‬يبلغ سكان العالم عام‬
‫‪ 1972‬حوالي ‪ 3,6‬بليون يتوقع أن يزيد سكان الدول المتقدمة في العقدين القادمين بمعدل ‪ 30‬الی ‪ ٪ 60‬أما‬
‫معدالت السكان في الدول النامية فسوف تتضاعف في اقل من ثالثين عاما ‪ ،‬أن يرتفع عدد السكان في الدول‬
‫النامية من ‪ 2,5‬بليون في عام ‪ 1970‬إلى ‪ 40‬بليون في مدى قرن من الزمان ‪ -‬فالسكان في الدول النامية‬
‫يتضاعفون كل ربع قرن تؤدي الزيادة السكانية إلى خلق مشاكل ذات ابعاد خطيرة ومتعددة مثل مشكلة‬
‫الطعام والتشغيل والتعليم وبقية الخدمات ‪ -‬تناول ميدوز وزمالؤه ‪ .‬من مجموعة نادي روما هذه المشكلة‬
‫بالتحليل تكان لدراساتهم صدى كبير في األوساط التنموية‪.‬‬
‫نشرت مجموعة نادي روما كتابها الموسوم بحدود النمو عام ‪ 1972‬کان لهذا الكتاب تأثير بعيد في وضع‬
‫السياسات واتخاذ القرارات ان لفت األنظار بصورة درامية إلى الزيادة االسية في النمو السكاني ونفاد‬
‫الموارد غير المتجددة والتلوث البيئي الناتج عن سرعة التصنيع ومشكلة الطعام‪.‬‬
‫قول ميدوز في كتاب حدود النمو أن السكان يتزايدون ليس فقط بمتوالية هندسية ( ‪ ، 008 ، 4 ، 2 ، 1‬الخ )‬
‫وانما يتزايدون تزايدا اسيا ‪ ،‬وقد ساعد على ذلك ارتفاع نسبة الخصوبة وقلة الوفيات يؤدي النمو االمي‬
‫‪ exponential growth‬الي نتائج مدهشة تضاعف الظاهرة التي تنمو نموا اسيا نفسها مرات ومرات في‬
‫فترة وجيزة ويمكن توضيح ذلك يوضح الرسم البياني رقم (‪ )1‬الزيادة االمية في عدد السكان ‪ -‬ارتفع عدد‬
‫السكان من نصف بليون نسمة في عام ‪ 1650‬بمعدل نمو يبلغ ‪ ٪3‬وهو ما يعادل زمن مضاعفة يقدر بحوالي‬
‫‪ .200‬إلى ‪ 3,6‬بليون عام ‪ . 1972‬يتضاعف هذا العدد ‪ 3,7‬بليون بمعدل نمو ‪ ٪7,1‬في ‪ 33‬سنة فقط اي‬
‫‪93‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫يتوقع أن يصل عدد السكان في عام ‪ 2000‬إلى سبعة باليين وفي خالل ‪ 500‬عام سيتضاعف عدد السكان‬
‫‪ 15‬مرة وحينئذ لن تكون هناك غير ياردة مربعة واحدة لكل فرن بما في ذلك الصحاري الباردة والحارة‪.‬‬

‫شكل رقم ‪1‬‬


‫رسم بياني يوضح النمو الراسي للسكان‬
‫باليين من األشخاص‬

‫منذ عام ‪ 1950‬ينمو سكان آسيا بمعدل متزايد ويزيد تقدير عدد السكان في عام ‪ 1970‬قليال عما في الشكل‬
‫الرسوم هنا الذي تم انجازه في عام ‪ 1958‬ويبلغ المعدل الحالي للنمو السكاني في العالم حوالي ‪ ٪ 2,1‬سنويا‬
‫وهو يطابق زمن مضاعفة يبلغ ‪ 33‬عاما‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫مشكلة الطعام‬
‫من أهم القضايا التي تثيرها المشكلة السكانية هي مشكلة الطعام والفقر أن المصدر األساسي الضروري‬
‫إلنتاج الطعام كما ورد في كتاب حدود النمو هو االرض ‪ .‬فاألرض الصالحة للزراعة تبلغ ‪ 7.86‬بليون فدان‬
‫يستخدم نصفها اآلن لألغراض الزراعية أما تكاليف استصالح النصف }خر يتطلب تكلفة باهظة الثمن تبلغ‬
‫أحيانا ‪ 5375‬دوالر ا للهكتار الواحد وتشمل هذه األراضي المناطق الدور والمناطق الهامشية أو الحدية‪.‬‬
‫يحتاج كل فرد إلى ‪ 0.9‬من الهكتار بمستويات استصالح المنتجات الزراعية الحالية في الواليات المتحدة‬
‫بناء ا على ذلك يلزم استصالح ‪ 6.3‬بليون هكتار في عام ‪ 2000‬مع استمرار انماط االستغالل الحالية ‪.‬‬
‫وعند تحويل هذه القيمة إلى فدانات فسوف نحتاج إلى حوالي ‪ 15‬بليون فدان لالستصالح الزراعي إذا أردنا‬
‫أن نوفر المستوى الحالي للمعيشة في الواليات المتحدة للباليين السبع الذين يشكلون جملة سكان العالم في‬
‫عام ‪ 2000‬وفي مستوى متوسطات االستهالك المنخفضة أي المستوى العادي لالستهالك وهو المستوى‬
‫السائد في معظم دول العالم المتوسطة الحالي يحتاج اي فرد اضافي إلى زيادة ‪ 0.8‬من الهكتار وهو‬
‫المستوى الذي استخدمته مجموعة نادي روما كأساس لدراساتها‪ .‬وهنا يلزم استصالح ‪ 56‬بليون هكتار‬
‫ويعادل ذلك زيادة ‪ 1.33‬بليون فدان اضافي في سنة ‪ 2000‬على االستخدام الحالي والمتوقع لألراضي‬
‫الزراعية في شكل مباني و مجاري وقنوات ففي الحالة األولى فأننا نحتاج لضعف االراضي الصالحة‬
‫للزراعة في العالم إلطعام السبع مليون نسمة وهذا االقتراض يقوم على استمرارية وسائل االستخدام الحالية‬
‫ويمكن أن ينقص حجم األرض المطلوبة إذا تطورت وسائل االنتاج الحالية ومع استخدام األسمدة ومع تكثيفه‬
‫االنتاج الزراعي راسيا بزيادة انتاجية الفدان ومع اكتشاف بدائل جديدة وتحسين عينات المحاصيل الزراعية‬
‫إن إجمالي االراضي المالحة للزراعة في العالم يبلغ حوالي ‪ 3.2‬بليون ‪ ،‬هكتار والمطلوب لكل شخص من‬
‫األرض الزراعية بمعدل االنتاج الحالي ‪ 0.4‬هكتار ومن ثم فان الخط البياني المنحنى لألرض المطلوبة‬
‫بعكس خط النمو السكاني ويظهر الخط الخفيف بعد عام ‪ 1970‬الحاجة المتصورة لألرض‪ ،‬على فرض أن‬
‫سكان العالم مستمرون في النمو بمعدلهم الحالي‪ .‬وتتناقص األرض الزراعية المتاحة‪ ،‬ألن األراضي‬
‫الزراعية تنتزع الستخدام ها في المدن والصناعة كلما زاد السكان وتبين الخطوط البيانية المرسومة بالنقط‬
‫األرض الالزمة إذا تضاعف االنتاج الحالي‪ ،‬أو زاد إلى أربعة أمثاله‪.‬‬
‫يتمخض عدم التوازن بين عدد السكان والموارد الغذائية المتاحة إلطعامهم بالفجوة الغذائية تتسع هذه الفجوة‬
‫يوما بعد يوم في مختلف‪ ،‬غير أن هذه الفجوة تظهر أكثر ما تكون في العالم العربي حيث ان هذه الدول ال‬
‫تنتج ما يكفي حاجتها من مواد غذائية بسبب الظروف المناخية‪.‬‬
‫كتب الدكتور محمد کام ل ريحان والدكتور سيد محمد نميري والدكتور خزعل الجاسم عن الفجوة الغذائية ما‬
‫يلي و تتزايد الفجوة الغذائية في الدول النامية بمعدالت متزايدة وخالصة في السنوات األخيرة حيث يتزايد‬
‫استهالك تلك الدول بمعدالت تفوق كثيرا معدالت التزايد االنتاج األمر الذي سوف يؤدي بالطبيعة إلى تفاقم‬
‫األزمة الغذائية في الدول النامية بصفة خاصة بسبب اتجاه تلك الدول نحو اعطاء األولوية للتصنيع على‬
‫حساب القطاع الزراعي ‪ ،‬ليس هذا فقط بل ان كورت فالدهيم األمين العام لألمم المتحدة اضاف ان مسئولية‬
‫االزمة الغذائية تقع كذلك على الزيادة في السكان والتي احرزت معدالت هائلة خالل السنوات الماضية ‪،‬‬
‫وتعتبر الدول العربية بصفة عامة من بين دول العالم التي يمكن وصفها بأنها مناطق عجز غذائي مستمر يتم‬
‫تغطيته عن طريق الواردات من خارج المنطقة العربية ولعل ابلغ مثال على ذلك ما يتعلق بحاجات الدول‬
‫‪95‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫العربية من القمح باعتباره من اهم السلع االستراتيجية في العالم اذ تشير اإلحصاءات إلى تزايد حاجة الدول‬
‫العربية في السنوات األخيرة منه إلى ان بلغت وارداتها ‪ ٪ 50‬من جملة االستهالك وهذه الواردات تأتي من‬
‫سوق عالمية احتكارية تتحكم في األسعار بصورة قوية وتشير كل الدراسات التي قامت بها األمم المتحدة‬
‫وجامعة الدول العربية إلى ان الفجوة الغذائية القمحية تتزايد ولم تستطع الدول العربية مواجهتها أو حتى‬
‫االقالل منها بل على العكس من ذلك فان من المتوقع وفقا لهذه الدراسات ان يتزايد انتاج القمح ليصل إلى‬
‫نحو ضعف االنتاج الحالي في حين سيتضاعف االستغالل اربع مرات في منتصف القرن القادم‪ .‬ومعنى ذلك‬
‫وبعبارة موجزة أن الدول العربية سوف تحتاج إلى نحو ‪ ٪ 40‬من جملة القمح الذي يدخل في التجارة الدولية‬
‫لسد احتياجاتها وهو ما يمكن أن تترتب عليه أعباء ضخمة على موازين المدفوعات لتلك الدول من هذا إذا‬
‫افترضنا اصال أمكانية الحصول على هذه االحتياجات حتى مع افتراض توفر رأس المال الالزم‪.‬‬
‫مشكلة الفقر‬
‫ترتبط مشكلة الطعام بمشكلة الفقر‪ .‬وفي الواقع فان الفقر يعرف في معظم المعاجم بعدم القدرة على تلبية‬
‫الحاجات األساسية كالمأكل والمشرب والمأوى أي عدم القدرة على توفير الطعام وقد عرفت االنسانية الفقر‬
‫والفقراء كما يقول يوسف القرضاوي من ازمنة ضاربة في أغوار التاريخ وبذلت األديان والفلسفات مساعي‬
‫كبيرة لحلها عن طريق الوصايا والمواعظ والترهيب والترغيب كانت قضية الفقر تحتل جزءا كبيرا من‬
‫اهتمامات المدارس الفكرية المختلفة‪.‬‬
‫فاعتبرتها بعض المذاهب خطيئة اجتماعية وحملت الدولة مسئولية عالجها كالمذاهب االشتراكية واعتبرتها‬
‫مذاهب اخرى بخطيئة فردية وحملت الفرد الفقير مسئولية فقره كالنظريات الرأسمالية التي تقول ان الفقير لم‬
‫يستغل الفرص المتاحة له ولم يستثمر مواهبه استثمارا صحيح ا ‪ ،‬كما أن بعض المذاهب اعتبرت الفقر أمرا‬
‫واقعا ال فكاك منه ومثال لذلك المذاهب القدرية أو الجبرية‪.‬‬
‫استخدمت هذه المدارس أو المذاهب نماذج ا مختلفة للقضاء على الفقر ابتداءا بتمليك الدولة لوسائل االنتاج‬
‫والتوزيع المدرسة االشتراكية وانتهاء ا بال الستسالم الكامل لقوى السوق أي ترك مشكلة الفقر برمتها إلى‬
‫ديناميكية السوق كما هو الحال في النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫اختلفت المدارس في شرح وتفسير ظاهرة الفقر هل هي مشكلة انتاج‪ ،‬أم مشكلة توزيع أم المشكلتين معا؟‬
‫اختلف الكتاب حول االجابة على هذا السؤال فذهبوا مذاهب مختلفة فمنهم من قال ان الفقر في الدول‬
‫االشتراكية هو مشكلة انتاج وان الفقر في الدول الرأسمالية هو مشكلة توزيع وأن الفقر في الدول النامية هو‬
‫مشكلة انتاج وتوزيع على حد سواء يقول اسماعيل مبرى في مقدمة كتاب ستار الفقر أن العالم المعاصر‬
‫يعيش تناقضا رهيبا بين تداني اقطاره وشعوبه ناسا وسلعا وافكارا وبين ثنائي الشقة المتزايدة بفصل القلة‬
‫الغنية من سكانه عد الجمهرة من البشرية‪ .‬فالظاهرة األولى هي نتاج التطور التكنولوجي في مجال النقل‬
‫واالتصال ‪ -‬الطائرة والراديو والهاتف والتلفاز واالقمار الصناعية ‪ -‬والظاهرة الثانية هي نتاج حضارة‬
‫العصر والتي ساهمت في خلق اسباب الترف وأساليب استهالك لم تكن معهودة من قبل لفئة قليلة‪ ،‬كما زادت‬
‫في نفس الوقت قسوة الحياة على الفقير وباعدت بينهما‪.‬‬
‫الشقة أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬حتى أصبح دخل البريطاني يعادل ثالثين مرة دخل الهندي تولد ظاهرتي‬
‫التداني والتباعد‪ ،‬طاقية تفجير في النظام الداخلي خاصة وان غني أولئك هو الوجه اآلخر لفقر هؤالء‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تشير باربارا وارد في مقدمة الطبعة االنجليزية عن ظاهرة الخوف وبادرة األمل ‪ -‬الخوف من ثورة الجياع‬
‫ومن عد الفوضوية المشبع بالدم وبادرة األمل التي تتمثل في ظهور فجر جديد يمحو قسمان الماضي الحزينة‬
‫ويقارب الشقة االقتصادية والنفسية بين الدول المتطورة التي تتمثل في المحاولة الخلق نظام اقتصاد عالمي‬
‫جديد يزيل اسباب الخلل في النظام القديم‪.‬‬

‫بينما ينظر اسماعيل صبري لظاهرة الفقر کنتاج الظاهرة الغني اي ان غنى االغنياء هو الوجه اآلخر لفقر‬
‫الفقراء وينظر القضية الفقن کمشكلة توزيع في المقام األول ويحمل االغنياء خطيئة بؤس الفقراء ومن ثم ال‬
‫ينظر بتفاؤل لحل مشكلة الفقر بالطرق السلمية ‪ ،‬فالن باربارا تعتبر أقل تشاؤما وتقرأ بعض البوادر المشجعة‬
‫في صفحات التحوالت االقتصادية لخلق نظام اقتصاد عالمي أكثر مرونة وأكثر انسانية وأكثر عدالة ‪ ،‬نظام‬
‫يكسر شوكة االحتكار ويقلل من ضرر االستنزاف ‪ ،‬نظام يخلق حالة من التكافؤ بين الدول التي تصدر المواد‬
‫الخام والدول التا تمنع هذه المواد وتعيد تصديرها في شكل سلع مصنعة وتعتبر ظاهرة دول األوبيك أي‬
‫الدول المصدرة للبترول وتماسك هذه الدول مع بعضها البعض تجاه السوق العالمي ظاهرة صحية في طريق‬
‫خلق نظام اقتصادي عالمي جديد‪ .‬هناك وسائل متعددة لقياس حجم مشكلة الفقر‪ .‬تشمل هذه الوسائل‬
‫المؤشرات االقتصادية واالجتماعية ‪ -‬تقاس ظاهرة الفقر بمتوسط دخل الفرد استخدم هذا المؤشر لتحديد‬
‫مشكلة الفقر ليس فقط بين دول العالم وانما لتحديد مشكلة الفقر داخل كل دولة‪ .‬ففي الواليات المتحدة مثال‬
‫حدد خط الفقر ‪ Poverty line‬ب ‪ 500‬دوالر فعرف المواطن الفقير بالفرد الذي يقل دخله عن ‪500‬‬
‫دوالر آی هو الشخص الذي ال يستطيع تلبية حاجاته االساسية كالمأكل والمشرب والمأوى قياسيا بمستوى‬
‫الدخل العام والذي يحدد مستوى المعيشة‪ .‬ويحدد‪ ،‬خط الفقر االهلية المساعدات التي تقدمها الدولة للفقراء مثل‬
‫مشاريع االسكان المدعوم ‪ food stamps‬وكينونات الطعام ‪ Subsidized projects‬وفوائد البطالة‬
‫واألمن االجتماعي ‪ Social Security‬يعتبر خط الفقر الحد الذي تبدأ فيه المعاناة‪ .‬الحياة في الواليات‬
‫المتحدة تبدأ بألف دوالر كما تقول الحكمة المتداولة‪ ،‬والمقصود ألف دوالر في الشهر أي تبدأ الحياة الكريمة‬
‫بمتوسط دخل يعادل ألف دوالر وحسب هذا التعريف يعتبر ‪ ٪ 20‬من سكان الواليات المتحدة فقراء أي‬
‫حوالي ‪ 40‬مليون‪.‬‬
‫تتخذ مشكلة الفقر ابعادا مختلفة في الدول النامية فهي اشد وطأة واشد قسوة الفقر في الدول الغنية هو مسألة‬
‫نسبية يحدد قياسا بمستوى الدخل العام الفقير في الدول الغنية يختلف عن الفقير في الدول الفقيرة‪ .‬كالهما‬
‫يعاني من مشكلة الحرمان االختالف هو في الدرجة وفي البدائل ‪ -‬خيارات الفقير مثال في الواليات المتحدة‬
‫محدودة بمحدودية دخله فهو يقتني كميات محدودة من السلع االستهالكية بأسعار زهيدة قياسا بمستوى‬
‫المعيشية العام فهو يقتني الداتسون احيانا مستعملة بدال عن الكدلك ويأكل لحم الخنزير بدال عن اللحم البقري‬
‫‪ ،‬ويسكن في وسط المدينة ‪ downtown‬في شقة غالبا بدال عن فيال في ضاحية المدينة ويقضي اجازته‬
‫السنوية يتجول في حدائق البلديات بدال عن رحلة إلى شواطئ ميامي أو جزر الهاواي الفقير في الدول الغنية‬
‫يأكل ويشرب ويقتني سيارة ويسكن ويتجول احيانا يتسكع‪ ،‬في حدائق البلديات ‪ -‬خيارات الفقير في الدول‬
‫الفقيرة هي خيارات قاسية ‪..‬الخيارات بالنسبة للفقير في زامبيا هي ليست بين أن يأكل لحم الخنزير ولحم‬
‫بقري وانما الخيار لديه هو في أن يأكل أو يموت جوعا ‪ .‬ففي زامبيا يموت ‪ 290‬طفل من كل ألف طفل‬
‫نتيجة للفقر أو سوء التغذية في عامهم األول‪ ،‬وفي الهند وباكستان تبلغ النسبة ‪ 140‬طفال في االلف وفي‬
‫كولومبيا ‪ 82‬طفال‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫اتخذ متوسط دخل الفرد لقياس فقر وغنى الدولة‪ .‬كما اتخذ الناتج القومي مقسوما على عدد األفراد كمؤشر أو‬
‫معيار مشكلة الفقر في العالم ‪ -‬اعتبرت معظم دول العالم الثالث فقيرة وذلك لضالة ناتجها القومي قياسا‬
‫بالناتج القومي الدول المتقدمة واستخدم جاقديش ن باقواتی ‪ Jagdish N. Bhagwati‬الناتج القومي‬
‫مقسوما علی عدد األفراد في ورقة تحت عنوان االقتصاد والنظام العالمي بين ‪ 1990‬كمؤشر لتقسيم دول‬
‫العالم إلى دول متقدمة ودول اقل تطورا كما يتضح من الجدول رقم ‪ 3‬يتضح من الجدول تقديرات الناتج‬
‫القومي وعام ‪ 2000‬ومعدل النمو السنوي‪ .‬بين ‪ 1965‬و ‪ 2000‬يالحظ من الجدول نصيب الفرد من الناتج‬
‫القومي في افريقيا و آسيا ما عدا اليابان وأمريكا الجنوبية لعام ‪ 1965‬هو ‪ 144‬و ‪ 118‬و ‪ 379‬على التوالي‬
‫ويتوقع أن يبلغ في عام ‪ 2000‬حوالي وو‪281‬و ‪ 928‬على التوالي وان نسبة النمو السنوية في هذه المدة هي‬
‫‪ ٪ 1.95‬و ‪ .٪ 2.95‬و ‪ 3.60٪‬أما الحال بالنسبة للدول الغنية فيختلف تماما ‪ .‬فانا أخذنا أمريكا الشمالية‬
‫كمثال نجد أن نصيب الفرد من الناتج القومي يتراوح بين ‪ 3.032‬دوالر في عام ‪ 1965‬إلى ‪ 7.921‬دوالر‬
‫في عام ‪ 2000‬بمعدل نمو سنوي يبلغ ‪ ٪ 2.8‬اي ما يزيد على عشرين ضعف الدول االفريقية‪.‬‬
‫استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد‬
‫ذكرنا في الصفحات السابقة أن هموم العالم تنبع من العديد من المشاكل وعلى رأسها مشكلة االنفجار‬
‫السكاني ومشكلة الفجوة الغذائية الناتجة عن الزيادة االسية في عدد السكان ومشكلة الفقر والتي هي تجسيد‬
‫للمشكلتين السابقتين التحدي الرابع الذي يواجه البشرية هو مشكلة استنزاف الموارد غير القابلة للتجديد نتيجة‬
‫إلى التوسع الصناعي الذي يتم بطريقة درامية في مختلف انحاء العالم خاصة في المجتمعات الصناعية‬
‫الغربية‪.‬‬
‫اخذ الس عار الصناعي المحموم يلتهم الموارد غير القابلة للتجديد الواحد تلو اآلخر كما بدأ يهدد جميع الموارد‬
‫األخرى باالنقراض ‪ -‬تتفاقم مشكلة استنزاف الموارد نتيجة إلى االنتاج الصناعي الذي يتزايد بمعدل سنوي‬
‫يبلغ ‪ ٪7‬وبالرغم من االكتشافات الجديدة في علم التنقيب اال انه لم يتبق سوى عدد محدود من األماكن التي‬
‫يمكن البحث فيها عن اغلب انواع المعادن ‪ ،‬فالموجود حاليا من المعادن ال يغطى حاجة البشرية إلى أمد‬
‫طويل فإذا اخذنا المعدل الحالي للتوسع الصناعي فسوف نرتطم بحدود النمو في اقل من مائة عام وسوف‬
‫ينضب عدد من الموارد في اعقاب هذا القرن مثل الفضة والقصدير واليورانيوم إذا استمر استهالكها بالمعدل‬
‫الحالي ‪ ،‬وحتى إذا اعتبرنا أن التقدم الحالي في التكنولوجيا يتمخض عن بعض المفاجآت وستظهر كميات‬
‫كبيرة لم تكن معروفة أو بعاد تصنيع بعض المعادن ‪ ،‬فان ذلك ال يغير كثيرا من الصورة االصلية وتبقى‬
‫المسألة فقط مسألة وقت ‪ .‬وقد تم التكنولوجيا الجديدة من عمر هذه المعادن عشرين أو ثالثين أو قل خمسين‬
‫سنة لكن سيرتطم العالم ال محالة بحدود النمو إذا استمر معدل االنتاج الحالي ‪.‬وحتى مع حساب التحوالت‬
‫التكنولوجية ومع افتراض أن هذه التحوالت ستزيد االحتياطي الموجود مبن هذه المعادن إلى خمسة اضعاف‬
‫فإننا نرتطم بحدود النمو في وقت وجيز جدا سوف ينفد االحتياطي من األلمونيوم كما يقول كتاب حدود النمو‬
‫بعد ‪ 55‬عاما وينتهي الكروم في ‪ 154‬عاما والفحم في ‪ 150‬عاما والكوبالت في ‪ 148‬عاما والنحاس في‬
‫‪ 48‬عاما والذهب في ‪ 29‬عاما والحديد في ‪ 173‬عاما والرصاص في ‪ 64‬عاما والمنجنيز في ‪ 94‬عاما‬
‫والزئبق في ‪ 41‬عاما والبيدنوم في ‪ 65‬عاما والغاز الطبيعي في ‪ 49‬عاما والنيكل في ‪ 96‬عاما والبترول في‬
‫‪ 50‬عاما ومجموعة البلوتونيوم في ‪ 85‬عاما والفضة في ‪ 42‬عاما و القصدير في ‪ 61‬عاما والتنجستين في‬
‫‪ 72‬عاما والزنك في ‪ 50‬عاما هذا اذا اضفنا خمسة أضعاف االحتياطي الحالي نتيجة للتطور في تكنولوجيا‬
‫التنقيب‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫المستهلك األول لهذه المعادن في الواليات المتحدة يتبعها االتحاد السوفيتي‪.‬‬
‫فالواليات المتحدة تستهلك ‪ ٪ 42‬من االجمالي العالمي لأللمونيوم و ‪ ٪ 19‬من الكروم و ‪٪ 22‬‬
‫من الفحم و ‪ ٪ 32‬من الكوبالت و ‪ ٪ 33‬من النحاس ‪ % 26‬من الذهب ‪ ٪ 28‬من الحديد و ‪ ٪ 25‬من‬
‫الرصاص و ‪ ٪ 14‬من المنجنيز ‪ ٪ 24‬من الزئبق و ‪ ٪ 40‬من المولبيديوم و ‪ ٪ 63‬من الغاز‬
‫الطبيعي و ‪ ٪ 38‬من النيكل و ‪% 23‬من النيكل ‪ %23‬من البترول ‪ % 31 ،‬من مجموعة من الباريوم و‬
‫‪ % 26‬من الفضة و ‪ % 24‬من القصدير و‪ % 22‬من التنجستين و ‪ % 26‬من الزنك‪.‬‬
‫يرجع حجم االستهالك العالي في الواليات المتحدة ‪ -‬إلى درجة التصنيع وحجم رأس المال الصناعي توجد‬
‫عالقة طردية بين الثراء وحجم استخدام الموارد كلما ازداد الثراء‪ .‬ازداد استخدام الموارد يقاسي ذلك باإلنتاج‬
‫الصناعي بالنسبة للفرد‪ .‬أكثر الدول استهالكا للموارد غير المتجددة في الواليات المتحدة حوالي يساوي سكان‬
‫الواليات المتحدة ‪ % 6‬من سكان العالم ويستهلكون ‪ % 40‬من موارد العلم‪ .‬بلغ متوسط االنتاج الصناعي‬
‫للفرد في العالم عام ‪ 1970‬حوالي ‪ 230‬دوالر للفرد‪ ،‬وفي نفس الوقت بلغ متوسط االنتاج الصناعي للفرد‪،‬‬
‫في الواليات المتحدة ‪ 1600‬دوالر أي حوالي سبعة أضعاف متوسط إنتاج الصناعي للفرد في العالم‪.‬‬
‫نود أن نخلص من هذه االحصائيات والمعلومات البيانية إلى اثبات حقيقة مامة اشاعت إليها دراسات‬
‫مجموعة غير نادي روما وهي أن االتجاه الحالي في التصنيع واالستهالك يؤدى إلى تجاوز الحدود والتدهور‬
‫ونضوب الموارد غير المتجددة أي مع اقتراض عدم حدوث تغيير هام في النظام الحالي فان النمو في‬
‫السكاني والصناعي سيتوقف بكل تأكيد خالل القرن التالي على أكثر تقدير‪.‬‬
‫التلوث البيئي‬
‫اشار هيلبرونر كما ذكرنا سابقا في كتابه تحريات في مستقبل البشرية إلى ثالث تحديات تواجه البشرية‪.‬‬
‫التحدي األول هو االنفجار السكاني والتحدي الثاني هو الحرب والتحدي الثالث واألكثر خطورة هو التلوث‬
‫ال بيئي هو احدى آثار التصنيع والمقصود من التلوث هو تلوث الماء والهواء والتلوث الحراري وتلوث‬
‫الصوت والتلوث الذري‪.‬‬
‫تعزي مصادر و أسباب التلوث إلى النشاطات الصناعية والتقدم التكنولوجي والنمو األسى في حجم‬
‫االستهالك وما ينجم عن ذلك من نقايا االسي في حجم السكان نموا مشابها في االنتاج الصناعي ونموا‬
‫متزايدا في حجم التلوث البيئي‪ ،‬تحول التلوث البيئي إلى مأزق يهدد الجنس البشري بالفناء ويهدد ايضا‬
‫مجموعة كبيرة من الكائنات الحية‪.‬‬
‫التلوث المائي‬
‫يعتبر التلوث المائي من أكبر التحديات التي تواجه البشرية والسبب المباشر للتلوث المائي هو القاء البقايا‬
‫الصناعية في اعماق األنهار والبحيرات والمحيطات تلوثت مياه األنهار فلم تعد صالحة للشرب وتلوثت مياه‬
‫البحار فلم تعد صالحة لحياة الحيوان معظم األنهار في الدول الصناعية مثل نهر الراين ونهر المسيسيبي غير‬
‫صالحة للحياة السمكية نتيجة لوجود كميات كبيرة من النفايات الصناعية والبقع الزيتية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫اثار البروفسور باري کومونر ‪ Barry Commoner‬اهتمام العالم لقضية التلوث المائي بعد الحقائق المذهلة‬
‫التي توصل اليها من دراسته لبحيرة ايري وجد البروفيسور كومونور ان الترسبات الكيميائية في البحيرة‬
‫أجهزت على الحيوانات المائية ‪.‬قامت دراسة مماثلة في بحيرة أونتاريو وجد أنه نتيجة الي اللقاء كميات‬
‫ضخمة من مخل فات المجاري والمخلفات الصناعية والزراعية في بحيرة أونتاريو اخذت درجة تركيز أمالح‬
‫عديدة ترتفع بصوره اسية وادت التغيرات الكيميائية في البحيرة إلى تناقص كبير في كمية ونوعية األسماك‬
‫ذات القيمة التجارية ‪.‬تعتبر هذه المخلفات كارثة على الحية السمكية ‪.‬قامت دراسة ثالثة مشابهة في بحر‬
‫البلطيق ادي تكدس المخلفات العضوية في بحر البلطيق ‪ ،‬حيث تبلغ دورة المياه حدها االدنى‪ ،‬إلى تناقص‬
‫مطرد في درجة تركيز األوكسجين في الماء وفي بعض المناطق ‪ ،‬وال سيما في المياه األكثر عمقا تبلغ‬
‫درجة تركيز األوكسجين صفرا ‪ ،‬الشيء الذي يعوق الحياة المائية‪.‬‬
‫يقول البروفسور الری كموفر موثر إذا استمر السلوك الحالي في البيئة فسوف تتحول جميع مصادر المياه‬
‫في الواليات المتحدة في عقد واحد أو عقدين من الزمان إلى برك آسينه ال تصلح للحياة وحينها تصل نقطة ال‬
‫رجوع منها أي نقطة اختالل الميزان البيئي يحمل شوميكر ‪ Schumacher‬االنسان الغربي مسئولية اختالل‬
‫الميزان البيئي الن االنسان الغربي ينظر للبيئة كدخل وليس كمورد غير متجدد رأسمال‪ .‬فاإلنسان الحديث ال‬
‫ينظر إلى نفسه كجزء من الطبيعة وانما كقوى خارجية لقهر الطبيعة ‪ .‬يقول شوميكر اننا بهذا السلوك ال نهدد‬
‫فقط الحضارة االنسانية وانما نهدد الحياة ذاتها ‪ .‬فما حصل للحياة السمكية ببحيرة ايري سيحصل ال محالة‬
‫للحياة البشرية بأكملها ‪ .‬يتساءل شوميكر لماذا االهتمام المفاجئ بالتلوث البيئي وااليكولوجي والبيئة يقول‬
‫شوميكر ان االهتمام المفاجئ بالبيئة ينبع من التوسع المفاجئ في النشاط الصناعي ان السنوات االربع أو‬
‫الخمس القادمة ستشهد توسعا في النشاط الصناعي لم يعرفه العالم منذ خلق البسيطة إلى عام ‪ ، 1945‬يعتبر‬
‫النشاط الصناعي المسئول األول عن التلوث المائي وبقية أنواع التلوث‪.‬‬
‫التلوث الهوائي‬
‫تزيد معدالت التلوث الهوائي بصورة اسية لم يسبق لها مثيل والسبب المباشر هو استخدام الطاقة ‪ .‬ينمو‬
‫التلوث بمعدالت في النمو السكاني ان عملية التوسع المفاجئ في النشاط الصناعي يعني استخدام المزيد من‬
‫الطاقة ويعتبر حجم استخدام الطاقة هو المؤشر الرئيسي لدرجة تطور المجتمع تكنولوجيا أي تعتبر كمية‬
‫الطاقة بالنسبة للفرد أو حجم استهالك الطاقة مؤشرا للنمو‪ .‬آن متوسط استهالك االغنياء من الطاقة للقرد‬
‫يعادل في عام ‪ 1996‬م ‪ 4.52‬طن مقابل ‪ 0.32‬طن للدول الفقيرة تستهلك الدول الغنية والتي يساوي عدد‬
‫سكانها ‪ ٪ 31‬من سكان العالم ما يعادل ‪ 14‬مرة فوق استهالك الدول الفقيرة يتوقع أن يبلغ استهالك الفرد في‬
‫الدول الغنية حوالى ‪ 9.64‬طن و ‪ 1.43‬طن الفرد في الدول الفقيرة في عام ‪ 2000‬آی بمعدل زيادة سنوية‬
‫في استهالك الوقود تتراوح بين أربعة ونصف في المائة في الدول الفقيرة واثنين ونصف في الدول الغنية‬
‫وحينها تبلغ جملة استهالك الدول الفنية والتي يساوي عدد سكانها ‪ 23 ٪‬من سكان العالم ‪ 15588‬مليون طن‬
‫سنويا مقابل ‪ 7568‬طن الدول الفقيرة‪.‬‬
‫تتراوح الزيادة االجمالية في استهالك الطاقة من ‪ 5.5‬مليار في عام ‪ 1966‬إلى ‪ 73.2‬في عام ‪ 2000‬آی‬
‫بزيادة ‪ 17.7‬مليار نصيب الدول الفنية منها حوالي الثلثين وفي خالل األربعة وثالثين عاما بين ‪ 1966‬الی‬
‫‪ 2000‬تكون جملة االستهالك العالمي حوالي ‪ 425‬مليار طن ‪ .‬المقصود بالطن هنا ما يعادل طن الفحم‬

‫‪100‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الحجري من انواع الطاقة المختلفة‪ ،‬طاقة مائية أو نفطية أو ذرية شمسية ‪ ،‬تستهلك الدول الفنية حوالي ‪٪ 75‬‬
‫من هذه الكمية أي ‪ 321‬مليار طن في حين أن الدول الفقيرة سوف تستهلك فقط ‪ 104‬مليار طن‪.‬‬
‫المصدر الرئيسي للطاقة في الوقت الحاضر هو الوقود المستخرج من األرض الفحم‪ ،‬البترول والغاز‬
‫الطبيعي ويمثل ذلك ‪ ٪ 97‬من جملة الطاقة المستخدمة تطلق هذه الموارد عندما تحترق مادة ثاني اكسيد‬
‫الكربون في الغالف الجوي وفي الوقت الحاضر يطلق احتراق الوقود المستخرج من األرض كل عام حوالي‬
‫‪ 20‬مليون طن من ثاني أكسيد الكربون تزداد هذه الكمية سنويا زيادة أسية بمعدل ‪.2٪‬‬
‫التلوث الذري‬
‫تعتبر الطاقة الذرية مصدرا هام ا من مصادر الطاقة وتشير التكهنات إلى انها ستحتل موقعا رائدا في‬
‫المستقبل خاصة بعد جفاف مصادر الطاقة النفطية وبالرغم مما اثير حولها اال انها ال تمثل اال جزءا ضئيال‬
‫من االستهالك العالمي فهي تمثل فقط ‪ ٪2.7‬من جملة استهالك الطاقة في بريطانيا ‪ ٪6‬في أوروبا ‪٪0.3‬‬
‫في الواليات المتحدة وبالرغم من ضآلة استهالك الطاقة الذرية اال انه اثيرت عليها الكثير من التحفظات‬
‫واصبحت موضوع جدل عنيف بين أنصار المحافظة على البيئة من جهة وانصار الطاقة الذرية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ينصب االعتراض على الطاقة الذرية في أنها ترسل اشعاعات ذرية ضارة تقضي على الحياة وتتسبب في‬
‫العديد من األمراض منها مرض السرطان تحتاج النفايات الذرية إلى محافظة بالغة الشدة تحت االرض ألنها‬
‫تبقى حية تحت االرض لمدة طويلة تتراوح ما بين ‪ 9‬سنوات إلى ‪ 25000‬سنة يتوقع ان يحدث التلوث البيئي‬
‫في أي مرحلة من مراحل انتاج أو تخزين الطاقة الذرية وقد يحدث ذلك نتيجة إلى عطب أو خلل في المقنا‬
‫عالت الذرية أو في خزانات حفظ النفايات الذرية أو نتيجة إلى هزة ارضية أو برکان‪ .‬وخطورة االشعاع‬
‫الذرى تكمن في أنه يلوث الماء والهواء على حد سواء‪.‬‬
‫شكل رقم ‪8‬‬
‫رسم بياني يوضح االنتاج الصناعي بالنسبة للفرد واستعمال الموارد اجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد‬

‫‪101‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ان العالقة المفترضة للنموذج بين الموارد المستهلكة بالنسبة للفرد‪ ،‬واالنتاج الصناعي بالنسبة للفرد تأخذ‬
‫شكل حرف ‪ S‬وفي المجتمعات غير الصناعية يكون استهالك الموارد منخفضا جدا نظرا الن اغلب االنتاج‬
‫زراعي وكلما زاد التصنيع ارتفع استهالك الموارد غير المتجددة بشدة ‪ .‬ثم يصبح مستويا تقريبا عند معدل‬
‫مرتفع جدا من االستهالك وتشير نقطة ‪ X‬في الرسم إلى المتوسط العالمي لمعدل استهالك المورد عام ‪1970‬‬
‫‪ ،‬بينما تشير النقطة ‪ +‬في الرسم إلى متوسط معدل االستهالك في الواليات المتحدة من نفس العام‪ .‬ويعطى‬
‫المقياسان األفقيان عالقة استهالك المورد من ناحية االنتاج الصناعي واجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد‪.‬‬
‫تمتد آثار االشعاع الذرى على رقعة واسعة‪ ،‬تمتد إلى الطبقات العليا في الجو كما تمتد إلى قاع المحيطات‬
‫وتؤثر في االنسان والحيوان على حد سواء‪ ،‬تنتقل آثارها من االنسان إلى الحيوان وإلى النبات وتبقى آثارها‬
‫مدة طويلة تنتقل من جيل إلى جيل‪.‬‬
‫التلوث الحراري‬
‫يؤدي التوسع في استخدام الطاقة والذي يتضاعف كل ‪ 18‬عاما إلى يسمى بالتلوث الحراري التلوث‬
‫الحراري يعني ارتفاع درجة الحرارة مع زيادة استخدام الطاقة يتسبب التلوث الحراري في ازدياد درجة‬
‫حرارة الماء ومن ثم ال يعود صالحا للحياة المائية كما يتسبب في ازدياد حرارة الغالف الجوي مما يؤدي إلى‬
‫قلب الميزان االيكولوجي في العالم‪ .‬يؤدي ذلك لخلق ما يسمى بالجذر الحرارية في البقاع التي تستخدم‬
‫معدالت كبيرة من الطاقة تتحول هذه الجذر إلى مناطق موبوءة ال تصلح للحياة‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫استعرضنا في هذا الفصل بعض المشاكل المعاصرة بتركيز خاص على المشكلة السكانية ومشكلة الفقر‬
‫ومشكلة الموارد غير القابلة للتجديد والتلوث بأنواعه المختلفة التلوث المائي والهوائي والذري‪ ،‬فاثبتنا‬
‫مجموعة من االستنتاجات أولها أن النمو السكاني والنمو المناعي يتزايد بمعدالت تفوق حجم الموارد في‬
‫العالم فإذا استمرت معدالت االستنزاف الحالية فسوف نرتطم ال محالة بحدود النمو وحينها لن يكون أمامنا‬
‫وقتا طويال للتفكير‪ .‬أثبتنا أيضا أن التوسع في االنتاج ادى إلى زيادة االستخدام التكنولوجي وانماط االستهالك‬
‫العالية في الدول الغربية كما ادى إلى زيادة استخدام الطاقة قاد ذلك إلى استنزاف جزء كبير من االحتياطي‬
‫العالمي خلق التوسع في انتاج الطاقة مجموعة من المشاكل أهمها التلوث المائي و الهوائي والحراري‪.‬‬
‫يناقش الفصل السابع االستراتيجية لمعالجة هذه المشاكل وخاصة مشكلة النمو ‪ ،‬ليس فقط في الدول النامية‬
‫وانما في الدول المتخلفة على حد سواء كما يعالج قضية الفقر وقضية تناقص الموارد وبقية المشاكل التي‬
‫ورد ذكرها في صلب هذا الفصل‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫الفصل السابع‬
‫استراتيجية التنمية‬
‫مقدمة‬
‫استعرضنا في الفصول السابقة التنمية بمفهومها الشمولي ‪،‬التنمية االقتصادية والسياسية واالجتماعية ‪ ،‬كما‬
‫استعرضنا التنمية بمفهومها الكالسيكي والحديث فتطرقنا إلى ايديولوجية التنمية الحماية التراكمية والتي تقول‬
‫ان التنمية عملية ال مقلوبة تسير في تسلسل متوالي ومتالزم من المرحلة التقليدية إلى مرحلة االستهالك وان‬
‫هناك دول مرجعية تقود الطريق ودول تابعة تسير على هدى الدول القيادية ‪ .‬تطرقنا ايضا للنظريات التي‬
‫تصدت أليديولوجية التنمية الخطية التراكمية مثل نظرية االعتماد والنظرية اإلمبريالية والتي عملت إلى‬
‫دحض افتراضات ايديولوجية التنمية الخطية التراكمية كما تطرقنا للمفاهيم الجديدة في نظريات التنمية‬
‫والتحديث فناقشنا نظرية العالمة البرتو توهيرو رأموس الموسومة بالتحديث نحو نموذج احتمال‬
‫‪ Modernization Towards a Possibility Model‬ودراسات محبوب الحق وافان اليتش وبيرجر‬
‫ودودلی سيرز‪ ،‬خرجنا من هذه الدراسة بالعديد من االستنتاجات والتي تمثل منطلقا هام ا لوضع استراتيجية‬
‫للتنمية‪.‬‬
‫ناقشنا في الفصل السادس بعض الهموم التي تواجه البشرية‪ .‬بعض هذه الهموم ناتج عن تخمة االستهالك‬
‫وبعضها ناتج عن الفقر‪ .‬وسوء التغذية بعض هذه المشاكل يتعلق بالدول المتقدمة‪ ،‬مثل مشكلة تناقص الموارد‬
‫غير القابلة للتجديد والتلوث بأنواعه المختلفة‪ ،‬المائي والهوائي والذري والحراري وبعضها متعلق بالدول‬
‫النامية مثل مشكلة الفقر ومشكلة الطعام‪.‬‬
‫يتعرض هذا الفصل الستراتيجية التنمية االختالف طبيعة المشاكل التنموية في العالم كان ال بد من وضع‬
‫استراتيجيات موقفيه للتنمية أي استراتيجية تعالج المشاكل التي تنتج من تخمة االستهالك في الدول المتقدمة‬
‫واستراتيجية تعالج مشكلة الفقر والطعام في الدول النامية‪.‬‬
‫لماذا االستراتيجية الوقفية؟‬
‫الموقف هو الوضع‪ ،‬أو المكان‪ ،‬أو المقام والحالة ‪،‬أو الظرف االستراتيجية الموقفية ليست هي نظرية جديدة‬
‫فهي قديمة قدم االنسان‪ .‬هي االستراتيجية التي تتكيف مع الموقف والموضع والمكان والمقام والحالة‬
‫والظرف وما شابه ذلك من المعطوفة ‪ 0‬المقصود بالتكيف هو التناسب والتالؤم‪ .‬االستراتيجية الموقفية هي‬
‫التي تتناسب مع الظرف أو الحالة لكل مقام مقال ولكل حال مختلفة استراتيجية مختلفة تتالءم معها ويعني‬
‫ذلك انه ال يوجد أسلوب وحيد أمثل يتناسب مع جميع الحاالت والمواقف كما تقول المدارس الكالسيكية في‬
‫اإلدارة فكل موقف يحتاج إلى ادوات تحليلية مختلفة‪ .‬يقول البروفسور بيور أن النظرية الموقفية‬
‫‪ Contextual Theory‬تصلح للتطبيق عبر الثقافات وتصليح كإطار لنقل التكنولوجيا والعون المدني وبناء‬
‫المؤسسات‪ .‬فإذا من راعينا الظرف والموقف بأبعاده المختلقة ثقافية واجتماعية واقتصادية ومؤسسية فيمكن‬
‫تجنب المخاطر واالخطاء التي تصاحب تطبيق العون الفني أن أهم مزايا هذه االستراتيجية هو أنها تأخذ‬
‫العبرة من الموقف فال تحصر نفسها في قراءة التاريخ ألخذ العبرة منه ويقصد البروفسور بنور أن هذه‬
‫النظرية تقدم إذا بنيا جديدا في الفكر االداري التنموي تحل فيه النظرية الموقفية محل أيديولوجية التنمية‬
‫الخطية التراكمية والتي تقول ان هناك مجتمعات مرجعية تقود المسيرة يرجع اليها ويهتدى بهديها وتؤخذ‬
‫‪103‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫العبر من تاريخها وحاضرها ايضا ‪ ،‬وهي عقلية افعلها بطريقتنا يتطلب وضع استراتيجية التنمية ‪ -‬في اطار‬
‫هذه النظرية معالجة قضايا التنمية معالجة موقفيه‪ ،‬اي دراسة كل قضية ومعالجتها في المحتوى الذي نشأت‬
‫فيه‪ .‬فمشكلة تناقص الموارد غير القابلة للتجديد ومشكلة التلوث هما مشكلتا الدول الصناعية كما أن مشكلة‬
‫الفقر والطعام هما مشكلتا الدول النامية‪.‬‬
‫استراتيجية التنمية في الدول المتقدمة‬
‫تحديد النمو ونمو الصفر ‪Zero Growth‬‬
‫أن مشكلة التنمية في الدول المتقدمة كما ورد في الفصل السادس ترجع اساسنا لتخمة االستهالك ودعي‬
‫التصنيع تنتج الدول الصناعية بمعدالت تفوق أو تزيد على حجم االحتياطي للموارد غير المتجددة سيرتطم‬
‫العالم ال محالة بحدود النمو إذا لم تؤخذ التدابير الالزمة الن لكل بداية نهاية‪ .‬يقول بعض المفكرين أن الحل‬
‫أو المخرج من المأزق هو الحل التكنولوجي‪ ،‬اي يمكن أن ننتج ونستهلك إلى ما ال نهاية وستظهر اختراعات‬
‫وتكنولوجيا جديدة لحل المشكلة المترتبة على النمو ‪ ،‬تكنولوجيا لحل مشكلة التلوث وتكنولوجيا إليجاد موارد‬
‫بديلة للموارد غير المتجددة وتكنولوجيا لحل أزمة التكنولوجيا‪.‬‬
‫لقد أثبتت تجربة العقد المنصرم السبعينات فشل االدعاءات التي تقول بأن‪ .‬الحل التكنولوجي هو المخرج‬
‫قامت العديد من األبحاث على مدى عقد كأمل‪ .‬من الزمان إليجاد بديل للطاقة العضوية النفطية فظهرت‬
‫بعض البدائل على الساحة مثل الطاقة الذرية والطاقة الشمسية‪ .‬وصممت العديد من المساكن الستقبال‬
‫وتحويل الشعاع الشمسي إلى طاقة‪ .‬كما قامت العديد من المفاعالت الذرية‪ .‬وسط موجة عارمة من‬
‫االعتراضات والمواكب الهادرة إليجاد مصدر بديل للطاقة ولقد نجحت هذه المحاوالت كتمارين اكاديمية‬
‫لكنها فشلت كمصادر جديدة للطاقة وذلك الرتفاع التكلفة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فالطاقة الشمسية مكلفة‪.‬‬
‫اقتصاديا والطاقة الذرية مكلفة اجتماعينا لما تحدثه من كوارث صحية‪.‬‬
‫تبقى خيار واحد أمام البشرية بعد تجربة عقد كأمل من األبحاث الجادة في الالمعقول‪ ،‬وهو تحديد النمو أو‬
‫نمو الصفر المقصود من تحديد النمو أو نمو الصفر ان تجمد معدالت النمو الصناعي في المستويات الحالية‬
‫ويوضع للنمو األسى في معدالت االنتاج واالستهالك ويعني ايضا تخفيض درجة النمو في بعض المرافق‬
‫التنموية التي وصل االنتاج فيها إلى معدالت تفوق قدرة تحمل الموارد‪.‬‬
‫تحديد النمو هو خيار قاسی ‪ Cruel Choice .‬يتطلب مراجعة مؤسسية ويتطلب إعادة التركيب االقتصادي‬
‫وتغيير عادات االستهالك وقدرا كبيرا من التقشف والتواضع ودرجة عالية من التحمل وضبط النفس فهو‬
‫يتطلب التحول من االستهالك البذخي لالستهالك‪ .‬التقشفي ويتطلب نمطا جديدا من االستيطان أي التحول من‬
‫المدينة إلى الريف ومن المصنع إلى المزرعة ومن قلب المدينة إلى هامش المدينة ومن السيارة الخاصة‬
‫للصفوف الخلفية في الحافالت ومن التدفئة المركزية إلى المدفأة السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيتحقق‬
‫ذلك عن طواعية واختيار قبل أن نرتطم بحدود النمو أم سيفرض هذا الخيار فرضا بعد أن تقع الكارثة أي‬
‫بعد أن تنفذ مصادر الطاقة وال يبقى أمامنا اال ان نتوجه للخيار القاسي؟‬

‫‪104‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫استراتيجية التنمية في الدول النامية‬
‫ان تقسيم العالم إلى دول متقدمة ودول نامية هي تقسيم كما ذكرنا في الفصول السابقة‪ .‬وفي الواقع فان هذا‬
‫التقسيم يثير الكثير من التساؤالت حول معيار التقسيم‪ ،‬هل هو معيار اقتصادي متوسط دخل الفرد وتوفر‬
‫السيولة بالخبز وحده يعيش االنسان فقط حينما ال يكون هناك خبز رأينا أن نبدأ استراتيجية التنمية في الدول‬
‫الفقيرة بهذه المقولة المشهورة لنؤكد على اهمية مشكلة الغذاء في الدول الفقيرة لسبب واحد هو ان هذه‬
‫ا لمشكلة تمثل الخط الذي يفصل بين الحياة والموت‪ ،‬فالخيار في الدول الفقيرة ليس هو بين السيارة الخاصة‬
‫والصفوف الخلقية في الحافلة أو بين التدفئة المركزية أو المدفأة أو التحول من المصنع للمزرعة أو من‬
‫المدينة للريف وانما الخيار هو بين الحياة والموت‪.‬‬
‫الخطوة األولى في استراتيجية التنمية في الدول النامية ينبغي أن تكون الهجوم المباشر على مشكلة الطعام‬
‫ينبغي أن توجه جهود التنمية نحو معالجة هذه المشكلة ويتطلب ذلك مجموعة من التغييرات الجوهرية في‬
‫الهياكل االقتصادية في الدولة‪ .‬يعني ذلك وضع نظام جديد لألسبقيات يضع هذه المشكلة في موضع الصدارة‪،‬‬
‫ويتطلب ذلك بعض التغييرات المؤسسية بتركيز خاص على المؤسسات الزراعية والمؤسسات الخدمية كما‬
‫يتطلب ايضا تغيير نظام التمليك لألراضي وتوسيع الرقعة الزراعية واعادة توجيه االقتصاد من اقتصاد نقدي‬
‫تصدير إلى اقتصاد اكتفائه يوجه لسل الحاجات الغذائية األساسية‪.‬‬
‫التكنولوجيا المتوسطة ‪Intermediate Technology‬‬
‫يتضح مما سبق أن مشكلة البطالة تعتبر من أكثر القضايا الحاحا في الدول النامية وان هناك عوامل عديدة‬
‫تتسبب في تفاقم هذه المشكلة واهمها عجز القطاعات االقتصادية عن استيعاب العمالة الزائدة ونوع‬
‫التكنولوجيا ال مستخدم العملية االنتاجية‪ .‬فكما سبق ان أوضحنا عند استعراض تعريف دودلی سيرز للتنمية‬
‫التنمية تعني القضاء على الالمساواة والفقر والعطالة ان كفاية حاجة االنسان األساسية الطعام والملبس‬
‫والمسكن ترتبط بمستوى دخله ويتوقف مستوي الدخل على الوظيفة وعلى مستوى العمالة وسوق العمل‪.‬‬
‫يتوقف سوق العمل‪ ،‬بجانب القدرة االستيعابية للقطاعات االقتصادية المختلفة‪ ،‬على نوع التكنولوجيا إذ ينبغي‬
‫أن تتوجه االستراتيجية نحو االعتماد على التكنولوجيا الوسيطة ذات الكثافة العمالية العالية‪ ..‬وتساعد مثل هذه‬
‫التكنولوجيا على امتصاص عدد كبير من القوة العمالية يقول شوميکر عن هذه التكنولوجيا تمتاز هذه‬
‫التكنولوجيا بأنها ذات وجه انساني تختلف عن التكنولوجيا المتقدمة تكنولوجيا الحجم الكبير والسرعة‬
‫السيوبرسونية‪ ،‬تكنولوجيا العنف والدمار في انها تكنولوجيا ال تلوث البيئة وال تؤدي إلى دمار الموارد غير‬
‫القابلة للتجديد به تكنولوجيا بالناس وللناس‪.‬‬
‫يتطلب استخدام التكنولوجيا المتوسطة ايضا بعض التغييرات في نظم األسبقيات وفي انماط االستهالك وفي‬
‫درجة التصنيع وفي التركيب االقتصادي‪ .‬فينبغي أن تعطى األولوية للسلع االستهالكية التي تنتج محليا على‬
‫السلع المستوردة ويعني ذلك الحماية الجمركية لهذه السلع حتى تتمكن من منافسة السلع المستوردة‪.‬‬
‫ينبغي ايضا ان ترتبط استراتيجية نقل واستخدام التكنولوجيا الوسيطة بخطة تنموية متوازنة تشمل مختلف‬
‫القطاعات واألقاليم حتى ال تؤدى إلى تنمية مقلوبة ومعكوسة ويعني ذلك مركزية التنمية بمشتقاتها الصناعية‬
‫والزراعية والقطاعية‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫سياسة شد األحزمة على البطون أو االعتماد الذاتي‬
‫تحتاج الدول الفقيرة إلى رؤوس أموال لتنشيط حركة االقتصاد‪ .‬فتواجه الدول النامية نوعين من الخيارات‬
‫الخيار األول هو القروض والخيار الثاني هو االعتماد الذاتي القروض هي خيارات سهلة ممتنعة‪ .‬والقول إن‬
‫القروض هي الخيارات السهلة يعني ان طلبها وان كان ينطوي على تكلفة سياسية واجتماعية وفي مراحل‬
‫متأخرة تكلفة اقتصادية كبيرة اال انه ال يتطلب إجراءات معقدة‪.‬‬
‫القروض تمنح للدول الفقيرة بشروط ‪ -‬شروط سياسية أوال واقتصادية ثانيا كما وتمنح في كثير من االحيان‬
‫الدول في المناطق الساخنة أو ما يسمى في مصطلح العون األجنبي ‪ hot areas‬والدافع في الغالب سياسي‬
‫يقصد به أما ربط الدول المعنية بأحالف سياسية تنتهي بتحويلها إلى ساتاليت تدور في فلك الدولة التي تمنح‬
‫القروض أو يقصد به تحييد الدولة المعنية في الصراع الدولي وفي الحالتين يعتبر القرض رشوة سياسية‪.‬‬
‫تأتي القروض بشروط اقتصادية قاسية‪ .‬ويشترط على الدولة الفقيرة ان تصرف هذه القروض في بنود محددة‬
‫تحت اشراف ومراقبة ضباط العون االجنبي يطلق عليهم تحلف ا مستشارين وقد ال تنسجم هذه البنود في‬
‫كثير من األحيان مع سلم األسبقيات في الدول الفقيرة فهي ترتبط أما بإنتاج سلعة أو محصول أو بإنتاج مواد‬
‫خام لتلبية حاجة المصانع في الدول المانحة‪ .‬تمنح هذه القروض بنسية فوائد عالية تربو عن النسبة المعمول‬
‫بها في سوق القروض‪ .‬كما يطلب من الدول الفقيرة في كثير من األحيان أن تستورد التكنولوجيا من الدول‬
‫المانحة أي يربط القرض بتكنولوجيا معينة وفي الغالب الكولون‪ ،‬بانها المتقدمة تنجم العديد من المشاكل‬
‫نتيجة لهذه الشروط‪ .‬فالتكنولوجيا التي تأتي من الدولة المانحة‪ .‬في اغلب االحيان ال تتناسب مع الظروف‬
‫البيئية وظروف العمالة في الدول الفقيرة‪ ،‬حيث تتحول هذه التكنولوجيا بعد استيرادها إلى عبء اقتصادي‬
‫واجتماعي وسياسي تحتاج التكنولوجيا إلى قطع غيار ويؤدي ذلك إلى ربط الدول الفقيرة أكثر فأكثر بالدول‬
‫المانحة وال تملك الدول الفقيرة اال أن تستورد قطع الغيار من الدولة المانحة للقرض حتى بعد سداد القرض‬
‫ألنها الدولة الوحيدة التي تصنع قطع الغيار‪ .‬تظل الدولة الفقيرة في رحمة الدولة المانحة فتفقد بذلك استقاللها‬
‫تحتاج التكنولوجيا إلى تدريب على استخدام ها والدولة الوحيدة التي تملك القدرة على التدريب على هذا‬
‫النوع من التكنولوجيا هي الدولة المانحة يؤدي ذلك للمزيد من االعتماد ‪ dependency‬وتفقد بذلك الدولة‬
‫الفقيرة المزيد من استقاللها إذا كان الحال كذلك فما هو الحل؟‬
‫الحل هو االختيار القاسي على الدولة أن تشد األحزمة على البطون أي عليها أن تعتمد على نفسها في خلق‬
‫وفورات يمكن اعادة استثمارها لتحقيق ما أطلق عليه روستو مرحلة االقالع ويعني ذلك المزيد من التقشف‬
‫ويعتمد هذا الحل على قوة اإلرادة ألنه ينطوي على مجموعة من التضحيات لقد سلكت الصين هذ الطريق‬
‫فقطعت فيه شوطا كبيرا‪ ،‬فاستطاعت أن تحل مشكلة الطعام لما يربو على نصف المليون نسمة‪ .‬قد يتطلب‬
‫هذا الحل الكثير من التغييرات المؤسسية مثل االنغالق االقتصادي‪ ،‬ووقف االستيراد أو وضع قيود شديدة‬
‫عليه واالعتماد على نوع معين من التكنولوجيا والتركيز على سلع معينة السلع االستهالكية‪.‬‬
‫قامت تجربة مماثلة في تطبيق استراتيجية االكتفاء الذاتي في تنزانيا وبالرغم مما اشيع عن نجاح هذه التجربة‬
‫اال انه قد صاحبها العديد من المشاكل مما أدى الى عجزها عن تحقيق الطموحات اإلنمائية المرجوة هذا ما‬
‫يشهد به واقع تنزانيا اليوم والسؤال الذي يدور في االذهان هوا لماذا نجحت هذه التجربة في الصين ولم‬
‫تتحقق تقدما ملحوظا في تنزانيا؟ اإلجابة على هذا السؤال هي موضوع بحث جديد ال تتسع لها هذه‬
‫الصفحات‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫استراتيجية التنمية في الدول النامية الغنية‬
‫تختص الدول النامية الغنية بمميزات عن الدول النامية الفقيرة وسوف نوجز هذه المميزات في سبع نقاط على‬
‫النحو التالي‬
‫‪ -1‬ضخامة حجم العائدات من المبيعات والعمليات التجارية‬
‫تمتاز هذه الدول بضخامة مبيعاتها ثراء هذه الدول يرجع إلى تخصصها في انتاج مواد خام ذات طلب عال‬
‫في سوق الدول الصناعية‪ .‬فهي أما أن تكون نقطة في الغالب أو تخصص في انتاج محاصيل نقدية أو‬
‫تتخصص في تقديم خدمات للدول الغنية‪.‬‬
‫‪ -2‬مشكلة استيعاب الوفورات في العملية التنموية‬
‫تعاني هذه الدول من مشكلة ضعف المؤسسات االقتصادية واالجتماعية وعدم قدرتها على امتصاص‬
‫الوفورات واعادة استثمارها‪ ،‬لذلك يذهب جزء كبير من وفورتاها للدول الصناعية مرة ثانية في شكل‬
‫استثمارات‪ .‬وتعاني هذه الدول نتيجة لضعف القدرة االستيعابية لمؤسساتها االقتصادية مشكلة التكدس‪ .‬النقدي‬
‫ويقود ذلك للتضخم إذا لم تصحب ذلك سياسة مرنة لالستيراد واعادة تصدير السلع المستوردة‪.‬‬
‫‪ -3‬مشكلة األيدي العامة‬
‫يعتبر عدم توفر األيدي العاملة من المشاكل الرئيسية التي تواجه هذه الدول والسبب المباشر لهذه المشكلة هو‬
‫وجود خطط تنموية طموحة هور مجموعة كبيرة من المشاريع التنفيذ هذه الخطط‪ .‬ويتطلب تنفيذ هذه‬
‫المشاريع توفير األيدي العاملة الضرورية بيد أن الدول النامية الفقيرة بحكم حداثة نشأتها ال تمتلك الكوادر‬
‫الوطنية المؤهلة لملء الوظائف المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -4‬مشكلة تعدد الجنسيات‬
‫ان ارتفاع الطلب على األيدي العاملة يستوجب استقدام الكفاءات من مختلف الدول المتقدمة والنامية على حد‬
‫سواء تؤدي مشكلة تعدد الجنسيات إلى مجموعة من المشاكل االجتماعية أن تحاول كل جنسية أن تثبت‬
‫وجودها بالطرق المشروعة وغير المشروعة فتظهر مشكلة صراع الجنسيات ومشكلة التحيز لجنسيات دون‬
‫أخرى‪ .‬كما وتسعى كل جنسية إلى أن تضع بصماتها الخاصة على اسلوب العمل وعلى السلوك التنظيمي‬
‫واالداري وعلى اجراءات التعيين واالعارة فتنشا تنظيمات في العلن والخفاء‪ .‬تستخدم هذه التنظيمات أسلوب‬
‫االستمالة حينا والعنف أحيانا التأكيد ذاتيتها وتحقيق اهدافها كذلك تنقل الجنسيات خصنا نصها االجتماعية‬
‫للدولة التي تفد إليها‪ .‬تفقد الدولة نتيجة إلى تعدد الجنسيات هويتها وذاتيتها بعد امتصاص الخصائص‬
‫االجتماعية للجماعات أو الجنسيات الوافدة‪ .‬خاصة إذا كانت الجنسيات الوافدة تسيطر على اجهزة اإلعالم‬
‫والثقافة والتعليم وفي النهاية تبتلع الجنسيات الوافدة الثقافة المحلية وتجهز على الشخصية المحلية‪.‬‬
‫‪ - 5‬مشكلة الصراع الدولي حول الموارد النادرة‬
‫تمتاز الدول النامية الغنية بانها تملك مفتاح الموارد النادرة حيث انها تجلس على كنوز من الموارد يسيل لها‬
‫لغاب الدول الصناعية‪ .‬وبما أن هذه الموارد تعتبر ضرورية لتشغيل مصانع هذه الدول فان الدول الصناعية‬
‫تعمل على استمالة الدول النامية الغنية بمختلف الوسائل وتربطها بمعاهدات تجارية وأحالف عسكرية‬
‫لضمان تدفق هذه الموارد وتتنافس الدول الصناعية‪ ،‬رأسمالية كانت أو اشتراكية‪ ،‬على هذه الدول ومن ثم‬
‫‪107‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫تتحول إلى منطقة صراع بين الدول الصناعية خاصة إذا كانت الدول النامية الغنية تمتلك مفاتيح بعض‬
‫الموارد االستراتيجية وهنا يتطور الصراع بين القوتين العظميين بصورة يهدد أمن الدول النامية الغنية‪.‬‬
‫وتجعلها عرضة للغزو الخارجي‪.‬‬
‫‪ -6‬مشكلة االعتماد على مصدر واحد للدخل‬
‫تشترك‪ ،‬معظم الدول النامية الغنية في هذه الخاصية‪ .‬تعتمد هذه الدول على مصدر واحد للدخل‪ .‬تترتب على‬
‫ذلك مجموعة من اآلثار االقتصادية ان اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل بضعها تحت رحمة االسواق‬
‫خاصة عند تقلبات األسعار وعند انخفاض الطلب أو ظهور سلع بديلة‪ .‬أو زيادة العرض من اآلثار الضارة‬
‫ايضا تطور قطاع اقتصادي معين على حساب بقية القطاعات مما يؤدي إلى تنمية غير متوازنة أو تنمية‬
‫معكوسة‪.‬‬
‫‪ - 7‬آلية السوق كمظهر من مظاهر الالمساواة‬
‫تعتبر آلية السوق أحد المشاكل الهامة أمام تطور الدول النامية الغنية ان آلية السوق الدولية‪ ،‬كما يقول‬
‫محبوب الحق لم تعمل بشكل متكافئ بالنسبة لجميع الدول وإنما تعمل لصالح الدول الصناعية‪ ،‬فتتحكم الدول‬
‫الصناعية في السوق إذ أنها تحدد حجم العرض والطلب فهي التي تحتكر التكنولوجيا وتتحكم في درجة‬
‫االستثمار ونسبة الفوائد في حجم التضخم تستثمر الدول الصناعية المشاكل االقتصادية في الدول النامية‬
‫الغنية أو في الواقع تختلق هذه األزمات لتجني من ورائها‪ .‬فهي تستثمر مشكلة ضخامة العائد من مبيعات‬
‫الدول ال نامية وعجز المؤسسات االقتصادية في هذه الدول عن امتصاص الفائض النقدي وتستقطب هذه‬
‫األموال في بنوكها ومؤسساتها بفوائد ال تتناسب مع حجم ونسبة التضخم االقتصادي‪ ،‬اذ تفقد الدول العربية‬
‫المصدرة للبترول قرابة ‪ 20‬مليار دوالر سنويا نتيجة للتآكل النقدي الناجم عن زيادة نسبة التضخم على نسبة‬
‫الفوائد‪.‬‬
‫االستفادة من قانون التقدم المتأخر‬
‫تمتاز الدول الغنية عن الدول النامية الفقيرة بإمكانياتها االقتصادية الضخمة وفوائدها النقدية وارتفاع دخل‬
‫الفرد والناتج القومي ومعدل االدخار وتوفر السيولة النقدية فيها‪ .‬وتتوفر لدى هذه الدول أمكانيات ضخمة‬
‫للنمو كما وان معظم الشروط التي وضعها روستو لمرحلة االقالع تتوفر في هذه الدول ‪ 0‬تعكس هذه الدول‬
‫جميع المعادالت التنموية‪ .‬فهي لم تبدأ التنمية بداية عادية وال ينبغي لها أن تفعل ذلك حيث ان أمكانيات هذه‬
‫الدول تمكنها من االستفادة من قانون التقدم المتأخر اي ان تختصر الخطوات وتقفز فوق المراحل وتبدأ من‬
‫حيث انتهت الدول الغربية‪ .‬على الدول النامية الفنية أن تستخدم قانون التقدم المتأخر استخدام ابداعيا في‬
‫جهودها التنموية‪ .‬ويعني ذلك أن عليها أن تقتبس من علم المتقدمين ومن خبراتهم وتجاربهم اقتباس ا ابداعيا‬
‫واعيا ونقصد باالقتباس الواعي أن تأخذ الدول الغنية النامية من النماذج الغربية ما يقيدها في هذه المرحلة‬
‫وان يكون اقتباسها انتقائيا (‪ )Selective‬فال تأخذ من الدول الغربية اال ما يتناسب مع قيمها وعاداتها ‪،‬‬
‫واالقتباس هنا ال يعني النقل أو التقليد‪ ،‬فالتقليد ينطوي على مجموعة من المخاطر‪ ،‬فالدولة التي تقلد تفقد‬
‫هويتها وتذوب في كبان الدولة المرجعية التي تقلدها‪.‬‬
‫ينبغي أن يكون االقتباس فقط خطوة مرحلية تنتهي حينما تضع الدولة النامية الغنية نفسها في طريق النمو اي‬
‫بعد ان تكون قد تجاوزت مرحلة االقالع‪ .‬كما ينبغي أن تشق الدول النامية الغنية طريقها بنفسها‪ .‬وتكتشف‬
‫‪108‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫احتماالت نموها بنفسها وال يتعين عليها أن تسير في نفس الطريق الذي سلكته الدول الغربية وانما يمكن أن‬
‫تنمو نموا مختلفا وعلى الشراة النامية أن تكتشف نفسها‪ ،‬أن تتعرف على خصائصها ومقوماتها‪ ،‬وائدها في‬
‫ذلك أن تكون ما تود هي ان تكون ال كما تريدها الدول الصناعية أن تكون‪.‬‬
‫ينبغي أن تنتهي مرحلة االقتباس لتبدأ مرحلة االبتكار واإلبداع واالبتكار هنا يشمل االبداع في مجال‬
‫التكنولوجيا وفي مجال التنظيم وفي التخطيط ويتضمن ذلك حدا أدنى من االستقالل ونقصد باالستقالل أن‬
‫يكون للدولة النامية الحرية في ان تفكر بطريقة مختلفة‪ ،‬أن تصنع أو تخطط أو تنظم بطريقة مختلفة هذا‬
‫ويعتبر االستقالل شرطا أساسيا للنمو الواعي‪.‬‬
‫التكامل االنمائي والتكتالت اإلقليمية‬
‫تعتمد الدول الغنية على التجارة الخارجية كمصدر رئيسي للثروة ثراء هذه الدولة يرجع إلى حجم انتاجها‪.‬‬
‫وقوة الطلب على هذا االنتاج وعلى مقدرتها على المساومة في وضع أسعار عادلة ومجزية‪ .‬ومن ثم كان‬
‫لزأما على الدول النامية المغنية أن تتخذ التدابير الالزمة للوصول ألسواق الدول الصناعية المتطورة‪ ،‬ليس‬
‫هذا فحسب وانما عليها أن تنمي قدراتها التفاوضية لتصل إلى السعر المناسب عن طريق التعاوني فيما بينها‬
‫تعتمد قدرة الدول الغنية على المساومة وعلى قدرتها على التعاون والتنسيق أي تعتمد على قدرتها في أن‬
‫تعمل كمجموعة وليس كأفراد ويعني ذلك ان تعمل كمنظمة لها استراتيجيات وخطط مدروسة وقواعد تحكم‬
‫سلوكها تجاه بعضها البعض وتجاه السوق والدول المستهلكة لمنتجاتها‪.‬‬
‫الدول النامية الغنية تملك االستعداد والقدرة على ان تنظلم نفسها والشاهد على ذلك اتحاد الدول المنتجة‬
‫والمصدرة للبترول واألوبيك اذ دلت تجربة األوبيك على أن الدول النامية إذا تضمنت نفسها في اتحاد‬
‫منتجين أو مصدرين تستطيع أن تعدل الية السوق العالمي لصالحها وتنتزع السعر المناسب المنتجات‬
‫والشروط المناسبة لتداول هذه المنتجات ولقد أوضحت هذه التجربة ان الدول النامية هي ايضا تملك القدرة‬
‫على استثمار الكوارث واألزمات الفرض ارادتها ومشيئتها على الدول الصناعية خاصة إذا كانت الدول‬
‫الصناعية عازفة عن التكيف على مطالبها‪.‬‬
‫توجد صيغ مختلفة للتعاون بين الدول النامية الغنية‪ .‬فيمكن أن تتحد هذه الدول في اتحاد مصدرين ويمكن‬
‫اعتبار تجربة الدول المنتجة والمصدرة للبترول رائدا في هذا المجال‪ .‬كما يمكن أن تتحد في ما يسمى‬
‫بالتكتالت االقليمية مثل كتلة االنديز ‪ Andean Pact‬في أمريكا الالتينية والتي تشمل االنديز مجموعة من‬
‫الدول في اتحاد اقليمي جمرکی موحد يهدف إلى ايجاد سوق مشتركة لمنتجات الدول األعضاء ولقد‬
‫استطاعت هذه الدول أن تلغي التعريفة الجمركية فيما بينها وتضمن بذلك تدفق السلع والخبرات وراس المال‬
‫عبر الحدود دون حواجز كما هو الحال في السوق األوربية المشتركة مع االختالف في الدرجة‪ .‬قامت‬
‫محاولة اخرى للتكتالت االقليمية بين دول شرق افريقيا وكان رائدها في ذلك ايجاد سوق لمنتجات زراعية‬
‫والصناعية‪.‬‬
‫فشلت هذه التجارب ألنها لم تبدأ بداية صحيحة ‪ .‬هذا ولم تصحب هذه التجارب بتنظيم مخطط مدروس كما‬
‫انها تفقد المسند الجماهيري انشار فؤاد مطر في كتابه الحزب الشيوعي السوداني نحروه أم انتصر إلى فشل‬
‫تجربة االتحاد بين مصر وسوريا على لسان جمال عبد الناصر في خطاب القاه في استديو الخرطوم في‬
‫‪ 28/5/1970‬بمناسبة الوحدة المقترحة بين مصر وليبيا والسودان ‪ .‬يقول جمال عبد الناصر يجب قبل اتخاذ‬
‫اي اجراء عرض أي خطوة تنفذها على الجماهير في منظماتها السياسية ‪ ،‬هذا هو الدرس الذي تعلمناه من‬
‫‪109‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫انشطار تجربة الوحدة التقدمية مع سوريا في عام ‪ 1958‬يجب أن تكون الجماهير على علم تام بكل خطوة‬
‫تتخذها‪.‬‬
‫ان فشل هذه التجارب ال يقف دليال على ال معقوليتها حيث ان فشلها كان فشال منطقيا ‪ .‬اذ كان ال بد أن تفشل‬
‫ألنها لم تبدأ بداية صحيحة ولم تبدأ حقيقة فينبغي أن يقوم التكامل االقليمي على أسس قوية وواضحة‬
‫وصحيحة كما وينبغي أن تتوفر بعض الشروط لكي يبدأ التكامل االقليمي بداية صحيحة‪ .‬واهم هذه الشروط‬
‫هي المساواة والعدالة بين الدول التي تدخل في االتحاد ‪ -‬يتصدع التكامل في كثير من األحيان لمحاولة بعض‬
‫الدول االعضاء ا بتالع بقية الدول أو ترجيح مصلحتها الخاصة على مصلحة المجموعة أو استثمار الجو‬
‫المالئم لتقوية مركزها في الساحة الدولية أو لخلق مقدرة على المساومة والمفاوضة‪.‬‬
‫يتحقق التكامل االقتصادي إذا توفرت االسباب‪ .‬أن أكثر دول العالم النامي قابلية للتكامل هي الدول العربية‪،‬‬
‫ألنها ترتبط بدين واحد ولغة واحدة وتاريخ واحد ومصير مشترك فيمكن أن يكون التكامل العربي نواة ورائد‬
‫للتكامل بين دول العالم الثالث تمام ا كما هو الحاصل اآلن بالنسبة التحاد دول األوبيك والسؤال الذي يطرح‬
‫نفسه هو كيف يتحقق التكامل االنمائي العربي؟‬
‫الشرط األساسي ا لذي ينبغي أن يتوفر في اي اتحاد هو وجود حد أدنى من االتفاق حول المسائل الجوهرية‬
‫نظرة االنسان إلى الكون وسبب وجوده في العالم وكيف يتعامل مع األشياء‪ ،‬كيف يتفاعل مع األحداث‪ ،‬كيف‬
‫يستجيب للمؤثرات‪ ،‬كيف يفكر وكيف يحس؟ وتمثل هذه المتغيرات ارضية مشتركة الملتفاهم وقاعدة للعمل‬
‫الجماعي وعقلية التكامل اإلنمائي يتضافر واللغة والتاريخ والمصير المشترك على افراز هذه المتغيرات وفي‬
‫الواقع فان هذه المتغيرات ما هي إال انعكاسات الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك ان أغلى ما يملك‬
‫العرب ليس هو نفطهم وانما هو دينهم ولغتهم وتاريخهم اإلسالمي ومصيرهم العربي االسالمي المشترك‬
‫وقوة العرب ليس في نفطهم وانما في اسالمي ومصيرهم العربي االسالمي المشترك‪.‬‬
‫قوة العرب تكمن في مقدرتهم على استخدام تفوقهم االجتماعي وقوتهم االقتصادية أو إذا جاز لي أن استخدم‬
‫مصطلح حسن صعب فيمكن أن نقول ان قوة العرب تكمن في مقدرتهم على استثمار قادوميتهم النفطية‬
‫واالجتماعية القادومية في العامية اللبنانية تعني الطريق المختصر فالفجوة بين العرب وتحقيق طموحاتهم‬
‫ليست كبيرة‪ .‬بل هي اقل مما يتخيل المحللون السياسيون أو ما يتخيل العرب أنفسهم الهوة بين العرب وتحقيق‬
‫طموحاتهم هي هرة ارادية متى ما تحققت االرادة قربت أو زالت الشقة‪.‬‬
‫استراتيجية التكامل االنمائي العربي وال اقول التكامل االقتصادي تبدأ باإلرادة العربية قبل النفط العربي‬
‫وحينما تتحقق االرادة تأتي بقية المتغيرات تباع ا هناك شروط ينبغي أن تتوفر حتى تتحقق االرادة العربية‪.‬‬
‫هذه الشروط تتمثل في معالجة اخطار االصدار اإلنمائي الخص الدكتور محمد بای ذنب هذه االخطار في‬
‫خمس نقاط على النحو التالي‬
‫أوال خطر االهدار الزمني‬
‫فالرأسمال البترولى ثروة عارضة وسريعة االستنفان وما لم يتحقق تطويرها بأسرع ما يمكن كثروة انمائية‬
‫انتاجية دائمة فإنها مارت بنا مرور السحاب‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ثانيا خطر االهدار التبعي‬
‫ان الرأسمال البترولي ينهال علينا ونحن لم نحقق بعد استقاللنا الذاتي وهو يربطنا بالضرورة بالذين يشترون‬
‫البترول ويستهلكونه‪ ،‬وقد حققنا بالحظر البترولي ورفع اسعاره ثورة منتجي البترول على مستهلكيه وهي في‬
‫نفس الوق ت ثورة مستهلكي االنماء على منتجيه ويقود ذلك للثورة األهم أي ثورة المثمرين على األوصياء أو‬
‫الوسطاء أو ثورة التثمير اإلنتاجي للرأسمال البترولي داخل الوطن العربي على تثميره االستهالكي لدى‬
‫مستهلكيه‪.‬‬
‫ثالثا خطر االهدار التقليدي‬
‫ان الرأسمال البترول‪ .‬لنا فرصة نادرة لتحقيق نموذج انمائي عربي مستقبلي جديد يختلف عن كل ما عرفنا‬
‫حتى اآلن من نماذج انمائية حاضرية وماضوية‪ ،‬فعلينا أن نستفيد من هذه الفرصة ال أن نتيه في تقليد النماذج‬
‫اإلنمائية التي تجاوزها التطور الحضاري‪.‬‬
‫رابعا خطر االهدار التجزيئي‬
‫اننا نتحدث والعالم كله يتحدث معنا عن رأسمالنا البترولي على انه رأسمال عربي ولكننا دول عربية بترولية‬
‫ودول غير بترولية‪ .‬وبحكم كوننا اثنين وعشرين دولة سيدة ومستقلة تجاه بعضها البعض‪ ،‬وان اشتركت في‬
‫جامعة واحدة أو في منظمة واحدة أو حتى في حرب واحدة فان تصرفنا المنفرد يتناقض مع حديثنا المشترك‪.‬‬
‫اننا نتصرف على اعتبار أن هذا الرأسمال هو رأسمال الدولة العربية التي تملكه‪ ،‬ال على اعتباره انه رأسمال‬
‫الشعب العربي أو الوطن العربي ككل‪ .‬ولذلك تتصرف كل دولة برأسمالها البترولي وفقا لمسياستها أو‬
‫لخطتها هي‪ .‬وليست هنالك بعد‪ .‬سياسة واحدة أون خطة واحدة لتثمير هذا الرأسمال تثميرا عربيا متكامال‬
‫وتحقيق مردوده االنتاجي األعلى‪.‬‬
‫خامسا خطر اإلهدار التفاوتي‬
‫أن بعض الدول العربية متخم بالرأسمال البترولي وبعضها محروم منه بعض الدول العربية تسلف الدول‬
‫الصناعية الكبرى من رأسمالها البترولي وبعضها يستلف من هذه الدول ويرزح تحت أعباء ديونه الخارجية‪.‬‬
‫ويتراوح التفاوت في متوسط دخل الفرد بين الدول المتخمة والدول المحرومة بل وبين مواطن وآخر داخل‬
‫الدولة المتخمة‪ ،‬ما بين الخمسين والخمسة عشر ألف دوالر‪ ،‬أن هذا التفاوت هو الصورة العربية المصغرة‬
‫للتفاوت اإلهداري األكبر بين متخلفي العالم وم تقدمية أو بين محروميه ومنعميه‪ .‬ونحن نريد المعربا رو ادا‬
‫لتحرير االنسان واالنسانية من هذا التفاوت ال ابطاال لتدويمه في وطنهم وبين أبناء أمتهم‪.‬‬
‫إن النجاح في تفادي المخاطر االهدارية العامة والخاصة للرأسمال البترولي العربي هو الوجه السلبي لعملية‬
‫تثمير هذا‪ .‬الر أسمال في التطور االنمائي العربي ‪ ،‬ولكن الوجه االيجابي واالبداعي للعملية هي في اعطاء‬
‫األولوية للتثمير في االنماء اإلنساني أتي في التعبئة االنتاجية الشاملة للموارد اإلنسانية ‪ ،‬اي في تصدير‬
‫الثورة البترولية الرأسمالية ثروة انسانية ‪ ،‬أي في تثيرها حركة وسياسية وخطة لتطوير االنسان العربي من‬
‫وضعه التخلفي لما قبل انساني إلى وضع أنمائي أو حفاری انساني‪ ،‬واالنسان العربي المتطور والرائد‬
‫للتطور االنمي والحضاري اإلنساني المستقبلي هو ضالتنا وغايتنا المنشودة وأننا البالغون هذه الغاية عاجال‬
‫أو آجال ما دمنا مصممين تصميما قاطعا على ذلك وما دمنا نسلك السبيل األقوام لغايته انتهى دكتور حسن‬
‫الصعب‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫كتابة 𝙳𝙴𝙼𝙼𝙰𝙷𝙾𝙼‬
‫ليس المقصود من العرض السالف الذكر وضع استراتيجية متكاملة االنتماء العربي وانما قصدنا مجرد‬
‫االشارة إلى مجموعة من االحتماالت والطموحات التي يمكن أن تتحقق إذا ما توفرت اإلرادة في الدول‬
‫النامية‪.‬‬
‫الخالصة‬
‫ناقشنا في هذا الفصل استراتيجية التنمية وأوضحنا ضرورة االخذ باالستراتيجية الموقعة بدال عن استراتيجية‬
‫التنمية الخطية التراكمية ذات المني الجبري والتي تفترض أن التنمية تسير في خط متتالي ومتسلسل تمام ا‬
‫كما يحدث في مراحل تطور االنسان وفي اطار هذه النظرية طرحنا استراتيجية التنمية للدول الصناعية و‬
‫الدول النامية وقسمنا الدول النامية إلى دول تناميه فقيرة ودول نامية غنية و أوضحنا خصائص كل مجموعة‬
‫على حدة ‪ ،‬وعلى ضوء هذه الخصائص وضعنا استراتيجية انمائية للدول الصناعية المتقدمة ‪ ،‬وهي‬
‫استراتيجية وقف النمو أو نمو الصقر كما وضعنا استراتيجية للدول النامية الفقيرة تؤكد على ضرورة توفير‬
‫الحاجي ات االساسية واهمها الطعام لطرد شبح المجاعات واستخدام التكنولوجيا المتوسطة لحل مشكلة العمالة‬
‫وتبني سياسية شد األحزمة على الجلون أو االعتماد الذاتي لخلق الوفورات الالزمة لدفع عملية التنمية أما‬
‫استراتيجية التنمية في الدول النامية الغنية فتشمل االستفادة من قانون التقدم المتأخر وتعني استخدام الوفورات‬
‫النقدية الضخمة الختصار مراحل التنمية كما تشمل التكامل االنمائي والتكتالت االقليمية لزيادة القوى ‪.‬‬
‫التفاوضية لهذه الدول تجاه الدول الصناعية‪.‬‬

‫وخلصنا الحمدهلل فالكم التوفيق يارب‬

‫‪112‬‬

You might also like