Professional Documents
Culture Documents
2
المقدمة
مع تزايد التغيرات البيئية ،وجدت الدول النامية نفسها أمام سيل من األزمات التنموية التي
تدفقت عليها سوا ًء بفعل عوامل داخلية أو خارجية ،األمر الذي أدى إلى زيادة التحديات
التي يتوجب على تلك الدول مواجهتها أثناء مسيرتها في تحقيق التنمية الشاملة.
وتستمر األزمات التنموية في الظهور بمختلف األشكال واألنواع وبشكل مفاجئ ,أو تأتي
مسبوقة ببعض النذر والبوادر ،وقد تصبح األزمة جز ًء من الموروث التاريخي للمجتمع
تنتقل من جيل إلى آخر .
ويقع العب األكبر في عملية التحضير لألزمات التنموية ومعالجتها ,إن وقعت والتأكد من
أفولها وتالشي آثارها قصيرة وطويلة األمد ،يقع على األجهزة ,اإلدارية داخل أي دولة
أن هذه العملية تتطلب جهوداً مضنية تتمثل في حشد كافة الموارد الالزمة
نامية ،غير ّ
إلدارة األزمة خصوصا ً إذا كانت من النوع المزمن ،وحتى األزمات من النوع المفاجئ
تحتاج بدورها إلى إجراءات احترازية تثقل كاهل األجهزة ,اإلدارية في الدولة وال سيما في
تلك الدول التي تعيش في بيئات ضاجة بالتقلبات وحاالت عدم التأكد.
إذاً وفي ظل هذه الحتمية ،أي حتمية حدوث األزمات التنموية يبرز دور أجهزة اإلدارة
العامة كدور حيوي يستدعي اهتماما ً كبيراً من قبل جميع القطاعات حتى تقوم تلك األجهزة,
بدورها خير قيام.
وانطالقا ً من المعطيات السابقة تبرز الحاجة إلى وجود دراسات يتم من خاللها ,تحقيق
تأصيل نظري لعملية إدارة األزمات التنموية ،ولتمثل قواعد علمية يتم االنطالق منها في
التعامل مع األزمات وتكون مرشداً للممارسين أثناء محاوالتهم تعقب األزمات ومعالجة ما
يقع منها.
وهذه الدراسة هي خطوة في تحقيق هذه الغاية ،حيث سيتم في الفصل األول وضع خطة
البحث وإطاره ,العام ،وفي الفصل الثاني سيتم التمهيد للموضوع من خالل تناول المفاهيم
المختلفة ضمن الموضوع ،أما في الفصل الثالث سيؤتى على ذكر وشرح أنواع األزمات
وأسبابها وخصائصها ،ثم سيتم تصميم إطار نظري إلدارة األزمات التنموية من منظور
بيئي في الفصل الرابع ،وفي الفصل الخامس ,سيصار إلى شرح العالقة بين التخطيط
اإلستراتيجي وإدارة األزمات التنموية وأخيراً سيتم استعراض مشكالت ومعوقات التنمية
في الفصل السادس والخروج باستنتاجات وتوصيات.
3
الفصل األول
مشكلة البحث
تؤثر األزمات التنموية تأثيراً بالغا ً على خطط التنمية في المجتمعات النامية ،وغني
عن القول أن الدول النامية واجهت أزمات تنموية متنوعة أثرت على حركة النمو
فيها سواء بشكل جزئي أو بشكل شمولي ،وخلفت هذه األزمات وراءها آثاراً كارثية
أدت إلى تعثر الكثير من البرامج وتراجع الخطط التنموية وبالتالي انحسار التنمية
وعودتها أحيانا إلى نقطة البداية.
ومن هذه اإلشكالية نبعت مشكلة هذا البحث ،إذ أن وجود إدارة فعالة لألزمات
التنموية تتوالها األجهزة اإلدارية في أي مجتمع من شأنه أن يعمل على امتصاص أو
تخفيف االنتكاسات التي تتركها األزمات التنموية على عملية التنمية ،فضالً عن
وجود إمكانية لمنع تلك األزمات من خالل التخطيط اإلستراتيجي المبني على أسس
علمية سليمة.
أهمية البحث
في ضوء األهمية البالغة لآلثار التي تخلفها األزمات التنموية ،كان ال بد من وجود
دراسات تتناول هذا الموضوع وتعنى بوضع تأصيل نظري له ،وقد توفرت بعض
الدراسات التي طرقت هذا الموضوع بشكل عام ،إال أن هذه الدراسات قامت على
أساس التحليل الجزئي باعتبار أن وحدة التحليل فيها كانت المنظمة ال الدولة.
من جانب آخر تناولت العلوم األخرى – غير علم اإلدارة – هذا الموضوع ،غير
أنها تناولت موضوع األزمات من زاويتها الخاصة فعلم االقتصاد بحث األزمات
االقتصادية وعلم االجتماع بحث في األزمات المجتمعية وهكذا الحال بالنسبة لكل
علم.
وتضمنت بعض الدراسات موضوع األزمات التنموية وكيفية إدارتها عموما ً ،إال
أنها اقتصرت على إشارات قليلة وفرعية لم ترق إلى مصاف البحوث المتعمقة.
4
وتتضح أهمية هذا البحث من كونه من البحوث القليلة التي تتناول موضوع األزمات
التنموية من وجهة نظر علم اإلدارة ،إذ ال بد من وجود دراسات متكاملة من منظور
هذا العلم نظراً لخصوصية هذه األزمات وارتباطها الوثيق باألجهزة اإلدارية ألية
دولة.
ومما يضفي أهمية أكبر على هذا البحث أهمية األهداف ذاتها التي سيتم تحقيقها من
خالله ،وتاليا ً سيتم توضيح هذه األهداف .
أهداف البحث
الهدف العام لهذا البحث هو تصميم إطار مفاهيمي لألزمات التنموية و إدارتها ،
ويتفرع عن هذا الهدف أهداف أخرى فرعية هي :
منهجية البحث
أسلوب التحليل النظري ضمن إطار بيئي هو األسلوب الذي سيتم إتباعه في هذا
البحث ،وبالتالي سيتم تحليل ما ورد من نظريات وآراء في مجال إدارة األزمات
التنموية للخروج بصيغة نظرية قابلة للتطبيق على األرض ،ولتحقيق هذا الغرض
سيتم االعتماد على المراجع والدراسات السابقة كمصادر ثانوية للمعلومات ،وإجراء
مسح لها لربط األفكار والخروج بفهم أوسع لموضوع إدارة األزمات التنموية.
ويجدر التنويه بأن وحدة التحليل في هذا البحث ستكون الدولة ال المنشأة ،بحكم أن
تأثير األزمة التنموية يمتد ليشمل الدولة لذا يتوجب بأن يكون التحليل على المستوى
الكلي .
5
الفصل ,الثاني
تنعكس األزمات التنموية بمختلف أنواعها بشكل مباشر أو غير مباشر على التنمية
وسيتم في هذا الفصل التطرق إلى تعريف مفهوم األزمة بشكل عام ،ثم الخروج
بتعريف لألزمة التنموية بشكل خاص وتوضيح طبيعتها ،ويلي ذلك توضيح
المقصود بإدارة األزمات التنموية .
مفهوم األزمة
ثمة العديد من التعريفات في التي وردت في األدب اإلداري لمفهوم األزمة ،فقد
عرف الرازم األزمة " بأنها حدث أو تراكم أو تزايد لمجموعة أحداث غير متوقع
حدوثها تؤثر في منظمة أو جزء منها " ، 1يالحظ بأن هذا التعريف يركز على
المنظمة اإلدارية باعتبارها وحدة التحليل ،في حين أن التعريف الذي أورده
الحمالوي يعتبر النظام بشكل عام هو مستوى التحليل ،حيث يعرف األزمة بأنها " ..
خلل يؤثر تأثيراً ماديا ً على النظام كله ،كما أنه يهدد االفتراضات التي يقوم عليها هذا
النظام" 2 ،والنظام هنا قد يشير إلى منظمة أو فرد أو دولة ،حيث أن كلمة نظام هي
كلمة شاملة تنسحب على جميع الكيانات .
إن األزمة عادة ما تحدث في ظل ظروف غامضة حيث يعرفها الخضيري بأنها "
لحظة حرجة وحاسمة تتعلق بمصير الكيان اإلداري ...الذي أصيب بها ،مشكلة
بذلك صعوبة حادة أمام متخذ القرار ،تجعله في حيرة بالغة ،أي قرار يتخذ في ظل
دائرة عدم التأكد وقصور المعرفة واختالط األسباب بالنتائج ،وتداعي كل منهما
بشكل متالحق ليزيد من درجة المجهول عن تطورات ما قد يحصل مستقبالً".3
-1عز الدين الرازم ،التخطيط للطواريء وإدارة األزمات في المؤسسات ،ط(1عمان :دار الخواجا ،
1995م) ،ص19
-2محمد الحمالوي ،إدارة األزمات :تجارب محلية وعالمية ( ،القاهرة :مؤسسة األهرام ، )1993 ،ص
.19
-3محسن الخضيري ،إدارة األزمات:منهج اقتصادي متكامل لحل األزمات،ط(،1مصر:مكتبة مدبولي ،
، )1990ص .76
6
ويعرفها الطيب بأنها" نقطة تحول في أوضاع غير مستقرة ،يمكن أن تقود إلى نتائج
غير مرغوبة إذا كانت األطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على احتوائها
ودرء أخطارها" .1فاألزمة هي فعالً نقطة تحول قد تقود إلى ما هو غير مرغوب ،
وهذا يبرز الضرورة الحتمية لوجود آليات واستراتيجيات ونشاطات تقوم بها اإلدارة
لتحويل ما هو غير مرغوب إلى ما هو مرغوب من خالل استيعاب اآلثار السلبية
لألزمة ،وهذه الفكرة تحديداً تقودنا إلى تعريف آخر يعزز هذا االتجاه حيث تعرف
األزمة بأنها" حالة من اإلدراك الضطراب أو ضيق أو شدة ،وهي نقطة تحول قد
تكون إلى األحسن أو إلى األسوأ وهي بهذا تحمل إمكانية الفرصة والخطر في آن
واحد ،كما أن األزمة وليدة ظرفها ووضعها الذي توجد فيه".2.
يعكس التعريف األخير وجهة النظر الحديثة ،فاألزمة قد تنطوي على فرص
ومخاطر واإلدارة الحكيمة تقلل من حدة المخاطر وتغتنم الفرص بل وتحول ما
تستطيع من مخاطر إلى فرص .
بناء على التعريفات السابقة يمكن الخروج بعدة عناصر إجرائية تدخل في تعريف
األزمة وهذه العناصر هي:
7
مفهوم األزمة التنموية:
يالحظ بأن العناصر التي تدخل في مفهوم األزمة عموما ً هي ذاتها التي تدخل في
تكوين مفهوم لألزمة التنموية ولكن مع فروق ال يستهان بها تتمثل باالتي:
ويمكن القول بأنه كلما كان تأثير األزمة كبيراً على التنمية كلما كانت األزمة تنموية
وعلى سبيل المثال أزمة تسريح العمالة من شركة معينة هي أزمة تخص الشركة
وبعض من يعمل فيها ولكن إذا شهدت الشركات الكبرى حركات تسريح شاملة
للعمالة ترتقي هذه األزمة لتصبح أزمة تنموية ذات اثر اقتصادي.
كخالصة تعرف األزمة التنموية بأنها " نقطة تحول فريدة ،تحمل عنصر المفاجأة
في الكثير من األحيان وتقع في ظل وجود نقص في المعلومات ،وتحمل في طياتها
فرصا ً وتهديدات تؤثر مباشرة في خطط التنمية على المستوى الكلي".
يركز هذا التعريف على جوهر عملية إدارة األزمات وهو التخطيط وهو محق بهذا
الطرح غير أن األمر ال يقف عند هذا الحد ،بل يتعداه " إلى استمرار الرقابة بعد
اإلنتها من األزمة وذلك للتأكد من عدم ثورانها مرة أخرى " ...كما يقول William
.Briggs
1- Lan I. Mitroff , "crisis management and environmentalism: A natural fit " ,
California Management Review , Vol.36,No.2,winter 1994,p102.
2- William Briggs ,"Taking control after a crisis ", HR Magazine , Vol.35,March
1990,pp.60-61.
8
من هذا المنطلق فإن اإلدارة العلمية لألزمات تكون قبلية من خالل التخطيط لما هو
متوقع ومرحلية أثناء وقوع األزمة من خالل حشد اإلمكانات المختلفة للتعامل مع
األزمة ،وبعدية من خالل استمرار الرقابة والمتابعة للتأكد من أن آثار األزمة قد
تالشت ولن تعود من جديد.
أن النقطة األساسية في إدارة األزمات تتمثل في القدرة على التقليل من حالة عدم
التأكد ،ولذلك فإن Steven Finkيعرف إدارة األزمات بأنها " فن إزاحة أو تقليل
المخاطر وظروف عدم التأكد حتى يتم التمكن من السيطرة على األحداث" ، 1وفي
تعريف آخر ينظر إلدارة األزمات " بأنها جهود منسقة ومنظمة تقوم بها المنشاة ،
بهدف الوقاية من األزمات المحتملة والتعامل مع ما يحدث من أزمات ،أو التعلم
واالستفادة من تلك األزمات" .2
وعلى أية حال يمكن تلخيص العناصر اإلجرائية التي تساعد في صياغة تعريف
إلدارة األزمات التنموية على النحو التالي:
-1تعد إدارة األزمات التنموية سلسلة من الجهود المنسقة التي تعتمد على
األسلوب العلمي.
-2التخطيط هو جوهر إدارة األزمات التنموية.
-3تتصف إدارة األزمات التنموية بأنها إدارة وقائية ومرحلية وعالجية.
-4ينبغي التعلم من األزمات السابقة.
-5الرقابة بعد أفول األزمة من العوامل الحيوية التي تساعد في عدم انبعاثها من
جديد.
-6األجهزة اإلدارية في الدولة هي التي تدير األزمات التنموية.
9
وبناء على العناصر السابقة يمكن تعريف إدارة األزمات التنموية بأنها " نشاطات
منظمة ترتكز على التخطيط والرقابة ،تتوالها أجهزة اإلدارة العامة في الدولة ،
بهدف توفير المعلومات المناسبة والتي تساعد في الوقاية من األزمات التنموية
المتوقعة أو عالجها والتعلم منها".
ركزت النظرة التقليدية على فكرة انغالق النظام – أي نظام – على نفسه ،وبالتالي
سيكون محميا ً من التقلبات البيئية المحيطة وان وقعت أزمة داخل النظام سيكون قادراً
على حلها كونه يمتاز بالتماسك الشديد .لذا كان ينظر إلى األزمات بمختلف أنواعها
على أنها مدمرة وال تنطوي على أية منفعة نظراً لتأثيرها السلبي في كينونة النظام.
أما النظرة الحديثة فقد ركزت على حتمية انفتاح النظام على البيئة ،كون النظام
يحصل على مدخالته من البيئة ،و يطرح مخرجاته إليها ،فهو ال يستطيع االحتفاظ
بها ألنه بذلك سيزول .ولذلك على أي نظام أن يطور آليات يستطيع من خاللها
التحكم في المدخالت والمخرجات بأسلوب يكفل التكيف مع المعطيات البيئية.
من ناحية أخرى تعتبر النظرة الحديثة بأن أية أزمة تشمل جوانب سلبية وأخرى
ايجابية ينبغي استثمارها واألزمات التنموية ليست ببعيدة عن هذا الطرح فالهجرات
القسرية مثالً تثقل كاهل الدول وتضر بالبنية التحتية وتحملها فوق طاقتها إال أن هناك
جانب مشرق لهذا األمر وهو أن من بين المهاجرين من يحمل خبرات طويلة أو
سيولة يمكن استثمارها في أسواق الدولة مما يعزز من مكانة االقتصاد الوطني.
تنوعت مداخل دراسة األزمات ،وكل ينظر إلى األزمة من زاوية المدخل الذي تبناه
ومن هذه المداخل وفقا ً لتصنيف الحمالوي1:
10
-2المدخل السياسي :يعزي علماء السياسة األزمات إلى بعض الظواهر مثل
الصراعات وغيرها...
-3المدخل اإلقتصادي السياسي :تعد األزمات تعبير عن التناقضات القائمة بين
الطبقات االجتماعية وبين قيم التبادل.
-4المدخل االجتماعي :يرى علماء االجتماع بأن منبع األزمات عدم المساواة
االجتماعية.
-5المدخل التاريخي :يرى علماء التاريخ بأن سبب األزمات هو تراكم عوامل
عدم االنسجام بين عناصر المجتمع.
-6المدخل النفسي :يرى علماء النفس بأن سبب األزمات دوافع غريزية.
-7المدخل اإلداري :إن غالبية الكتاب في مجال اإلدارة ال يلتفتون إلى المداخل
األخرى لدراسة األزمات ،بل يميلون إلى تعريف األزمة وتحديد أسبابها في
ضوء عدد محدود من الخصائص والنتائج المتعلقة باألزمات ،والمدخل
اإلداري يتبنى وجهة النظر الحديثة في إدارة األزمات ،حيث ينظر إلى
النظام والفوضى والبناء والهدم كوحدة متكاملة ال متناقضة كما انه ينظر إلى
األزمات من منظور بيئي نظمي.
يتضح من تحليل المداخل السابقة بأن كل مدخل تبنى وجهة نظر معينة نابعة من
اهتمامات علماء ذلك المدخل ،بيد أن المدخل اإلداري لم يحدد أسبابا إدارية
لألزمات ألنه بذلك سيغدو مدخالً محدوداً ضيق النظرة يقتصر دوره على تحقيق
التنمية اإلدارية فقط وهذه الفكرة تجانب الصواب كون األجهزة اإلدارية يقع على
عاتقها تحقيق التنمية الشاملة وليس التنمية اإلدارية فقط.
من جهة أخرى ركزت المداخل األخرى على األسباب الداخلية في حدوث
األزمات في حين أن المدخل اإلداري يركز على جملة من األسباب الداخلية
والخارجية وبذلك فهو أكثر شموال من المداخل األخرى.
11
وهذا يعزز من فكرة هذا البحث الذي ينظر إلى األزمات التنموية بمختلف أنواعها
من منظور إداري ويؤكد على دور األجهزة اإلدارية في تولي إدارة العملية
التنموية بمختلف أبعادها.
12
الفصل الثالث
-1حسب البعد التنموي :يعد هذا المعيار األكثر التصاقا ً باألزمات التنموية ،
حيث تنقسم األزمات التنموية وفقا لهذا المعيار إلى أزمات اقتصادية وأزمات
اجتماعية وأزمات تعليمية وأخرى تكنولوجية وغيرها .
-2حسب معيار الزمن :تنقسم األزمة التنموية وفقا ً لهذا المعيار إلى أزمة قصيرة
أو سريعة وأخرى متوسطه وأخيرة طويلة المدى أو مزمنة ،فاألزمة
القصيرة تمر بسرعة وقد ال تترك فرصة أمام متخذ القرار ليتخذ قراراً سريعا ً
حيالها ،بل تسود في معظم األحيان حالة من الفوضى واالرتباك ،في حين
أن األزمة المتوسطة قد تترك فرصة – إلى حد ما – أمام صانع القرار للقيام
برد فعل مالئم ،أما األزمة طويلة المدى تتطلب سلسلة من القرارات
واإلجراءات والخطط ،ذلك أن عالجها يتم عادة بصورة تدرجية ،مع العلم
بأن مستوى التعافي من أثار األزمة يكون بطيئا ً جداً ونتائجه ال تظهر في
األمد المنظور ،ومن األمثلة على األزمات المزمنة ،التنمية الشاملة ذاتها
ودليل ذلك الحقائق التالية :
أوالً :التنمية نقطة تحول :تعتبرالتنمية نقطة تحول ولكنها تخضع لعامل طول
الزمن بحكم طبيعة نوعها ،فكم من حضارة راقية تحولت إلى حضارة نامية ،
والحضارة المصرية خير شاهد على هذا األمر .
ثانياً :يغلب عنصر المفاجأة على األزمات المختلفة إال أن عنصر المفاجأة نسبي
يختلف باختالف األزمة وقد تحدث األزمة " ...رغم عدم وجود عنصر المفاجأة
" ،. 1وهذا ينطبق على األزمات المزمنة ومنها أزمة التنمية.
-1عز الدين الرازم ،مرجع سبق ذكره ،ص.21
13
ثالثاً :التنمية تتم في ظروف من عدم التأكد ودليل ذلك أن الخطط التنموية غالبا ً ما
تمتد إلى ثالث أو خمس أو عشر سنوات ،إذ يتم انتهاج أسلوب التخطيط
اإلستراتيجي ومن المعروف بأن هذا النوع من التخطيط يستخدم لتقليل حالة عدم
التأكد من خالل عملية تنبؤ علمي مدروسة ومنظمة وقائمة على مقدمات معينة.
رابعاً :ثمة صعوبة في اتخاذ القرارات التنموية :وذلك بسبب اآلثار التي قد
تخلفها بعض تلك القرارات على جوانب تنموية أخرى ،فحل مشكلة التضخم
الوظيفي مثالً في مجتمع ما من خالل تسريح العاملين يساهم في تحقيق تنمية
إدارية غير انه يساهم في خلق مشكلة تمس بصورة مباشرة خطط التنمية
االجتماعية.
يالحظ مما سبق أن التنمية اشتملت على العناصر اإلجرائية التي وردت في
تعريف مفهوم األزمة التنموية – أنظر الفصل الثاني – وبالتالي فهي تعد بحق
مثاالً حيا ً على األزمات المزمنة ،يضاف إلى ذلك أن هناك العديد من المؤلفات
وسمت بعنوان أزمة التنمية للداللة على أن التنمية هي أزمة شاملة تواجه
المجتمعات النامية.
-3حسب عالقة األزمة بالبيئة العامة :تنقسم األزمات وفقا ً لهذا المعيار إلى
أزمات مستوردة ومنبعها البيئة الخارجية وأخرى محلية قابلة للتصدير تشكل
مدخالً من مدخالت الدول األخرى ،أو قد تكون أزمة محلية إال أنه " ...ال
يمكن تصديرها :وهي ال تتعدى حدود الدولة المعنية بتلك األزمة " . 1.
-1محمد عاصم شقرة ،نحو نموذج إسالمي إلدارة األزمات ( ،األردن ،عمان :الجامعة األردنية ،تموز
، ) 1995ص.20
14
-4حسب مراحل األزمة :هناك من ينظر إلى األزمة على أنها تتفق مع "
النموذج البيولوجي الذي يجتازه الكائن الحي بصورة متتابعة عبر مراحل
الميالد ،والنمو ،والنضج ،واألفول " . 1وعليه تنقسم األزمة إلى أنواع
وفقا ً لمراحلها المذكورة آنفا.
-5حسب نطاق األزمة :تنقسم األزمات وفقا ً لهذا المعيار إلى أزمات جزئية
وأخرى شاملة ،األزمة الجزئية تصيب جز ًء من النظام بضرر معين ،في
حين أن األزمة الشاملة تتسع لتصيب جميع أجزاء النظام.
ال يعنى المدخل اإلداري بتحديد أسباب محددة لألزمات ولكن ألغراض تسهيل
الدراسة يمكن حصر مجموعة من األسباب كأمثلة فقط ،وتنقسم أسباب حدوث
األزمات إلى أسباب داخلية وأخرى خارجية ،إذ أن " ظهور أحداث مفاجئة وغير
قابلة للتنبؤ في البيئة الخارجية للنظام " ، 2من شأنه أن يمهد الطريق نحو بروز
أزمة خارجية كالهجرة القسرية من دولة إلى أخرى مثالً ،وقد يكون مصدر األزمات
داخلي لوجود أرض خصبة تساعد على ظهور مثل هذه األزمات ،مثل قلة الموارد
الطبيعية في بعض المجتمعات النامية.
ألفونسو غونزاليس هريرو وكورنيليوس ب .برات " ،إدارة األزمة قبل حدوثها أو بعده " ،الثقافة -1
العالمية ،ترجمة عبد الفتاح الصبحي،مج،13عدد،79نوفمبر ،1996ص.15
2- Jeffrey D.Ford,"the management of organizational crises", Business
Horizon,Vol.24,NO.3,May/June 1981,p.11.
15
خصائص األزمات التنموية
16
الفصل الرابع
كيف يمكن أن تتعامل األجهزة اإلدارية مع األزمات التنموية سواء الداخلية منها
أو الخارجية؟ هل بمقدور اإلدارة أن تتنبأ باألزمة التنموية قبل وقوعها ؟ هل
تستطيع األجهزة اإلدارية التحكم في األزمة التنموية واالستفادة منها في تطوير
خطط للتعامل مع أزمات مشابهة قد تقع مستقبالً؟ وهل تستطيع اإلدارة توجيه
األزمات التنموية لتصب في تحقيق التنمية الشاملة بدال من أن تتسبب في
تراجعها؟هل يمكن الهيكل البيروقراطي الحالي من االستجابة الرشيقة والسريعة
لألزمات التنموية؟
17
يهدف إلى الربح ،بيد أن القطاع الخاص يمكن أن يشارك القطاع العام ألن اآلثار
السلبية التي تخلفها األزمات التنموية سوف تنعكس ال محالة على القطاع الخاص
كونه يشكل جز ًء من المجتمع الكبير الذي يرزح تحت األزمة ،ويأتي دور أجهزة
اإلدارة العامة هنا من خالل تشجيع القطاع الخاص على تولي مسؤولياته ومن
خالل بناء نسيج قيمي يحفز المسؤولية االجتماعية لدى شركات القطاع الخاص.
وإجماال ،تعتبر اإلدارة العامة نظاما ً فرعيا ً من البيئة تؤثر وتتأثر بها ،ويتفرع
عن اإلدارة العامة ما عرف بإدارة التنمية كما ويتفرع عن إدارة التنمية مفهوم
إدارة األزمات التنموية التي يقع على عاتقها تصحيح االنحرافات التي تسببها
األزمات ومحاولة استثمار الفرص وتقليص التهديدات بل ودرء األزمات إن كان
هناك أدنى فرصة لتحقيق ذلك.
ومن جانب آخر تعتبر البيئة المحيطة هي المصدر ألساسي لألزمات التنموية بما
تشتمل عليه من تهديدات وتحديات وفرص ومعوقات ويتعاظم دور اإلدارة هنا
ألنها تحتاج إلى إجراء مسوحات بيئية تشخيصية مستمرة بهدف التنبؤ العلمي
لتحقيق أهدافها السابقة.
وهذه المسوحات للبيئة المحيطة يصاحبها مسوحات للبيئة الداخلية للمنشأة بهدف
تحديد مواطن الضعف والقوة والتنبؤ بوقع وثقل األزمة فيما لو وقعت على الكيان
التنظيمي بل والتنبؤ بأبعادها والقطاعات التي ستلحق ضرراً اكبر بها ،كما أن
تحديد نقاط الضعف داخل المنشأة يجعلها تحت المجهر باعتبار أنها بؤرة يمكن
أن تتسبب في أزمة تنموية مستقبلية.
في ضوء ما سبق يتم صياغة تصورات مدروسة لخصائص األزمة المتوقعة
وأسبابها وأسوأ نقطة يمكن أن تصل إليها وشدة تأثيرها وأكثر مواضع النظام
تأثرا بها.
18
التعامل مع األزمات التنموية
يترتب على األجهزة اإلدارية أن تنظر إلى األزمات التنموية نظرة وقائية وأخرى
مرحلية وثالثة تأكدية ،وفي ثنايا هذه المحاور الثالثة سيتتم اإلجابة عن األسئلة
التي وردت في مطلع هذا الفصل.
تنتهج األجهزة األسلوب الوقائي لدرء األزمات قبل وقوعها أو لتسهيل التعامل
معها في حال وقوعها ،وتشمل اإلجراءات الوقائية العديد من الجوانب منها :
إصالح وتطوير األجهزة اإلدارية ،وتنمية كفاءات وخبرات قادرة على ممارسة
التخطيط اإلستراتيجي ،ويقول Overmanفي هذا الصدد " ...عندما نرى
كاف وال نسعى إلى تصحيح ٍ كفاءات أو مدراء قليلو الخبرة ،فإننا ال نعيرهم التفتا ً
هذا الوضع ألننا ال نعتبر ذلك مشكلة كبيرة ،في حين أننا نتجاهل بأن المدراء
المدربين بشكل جيد يمكن أن يمنعوا األزمة".1
اذاً الخطوة األولى التي تساعد في الوقاية من األزمات توفر كفاءات مدربة على
التعامل مع األزمات وفقا ً ألنواعها .
أما الخطوة الثانية فهي توفر المعلومات التي تساعد في التنبؤ بوقوع األزمات ،
فالمعلومات تعد القاعدة األساسية التي يبنى عليها التخطيط اإلستراتيجي " ...ففي
فترة السبعينيات من هذا القرن منيت صناعة السيارات األمريكية بخسائر فادحة
نتيجة استمرار سياستها المتجهة نحو إنتاج السيارات كبيرة الحجم وذلك المظهر
الخارجي الفخم،بينما كانت شركات صناعة السيارات في اليابان لديها معلومات
قبل عشر سنوات من هذا التاريخ تؤكد أن السوق العالمية ستصبح في حاجة
لسيارات متوسطة وصغيرة الحجم واقتصادية في استهالك الوقود وذات قطع
1- Stephanie Overman ,'After the smoke clears",HR
Magazine,Vol.36,NO.11,November1991,p46
19
غيار متوافرة ،وبفضل توافر هذه المعلومات لدى الشركات اليابانية وقدرتها على
التنبؤ العلمي استطاعت أن تحقق مكاسب هائلة في إنتاجها سيارات تتناسب مع حاجة
األسواق ،بينما ظلت الشركات األمريكية تحقق خسائر طوال عشر سنوات متالحقة
بسبب قصور نظم المعلومات التي أقرت إنتاجها لسيارات بمواصفات ال تحتاجها
األسواق العالمية.1"..
ولكن السؤال المهم هنا :هل حقا ً يمكن التنبؤ بالمخاطر واألزمات قبل وقوعها
وبالتالي العمل على منع وقوعها؟
في الواقع هناك خالف في هذا األمر بين المنظرين ،حيث يعتقد Briggsبأنه "
وبالرغم من عدم القدرة على التنبؤ باألزمات إال انه يمكن توقعها وبالتالي التحضير
لها ،2 "..ومن المعروف أن التوقع يشتمل أخطاء أكثر من التنبؤ ،غير أن هناك
بعض األزمات التي يمكن التنبؤ بها لما تثيره من زوابع قبل قدومها ،وهناك أزمات
أخرى تأتي خلسة دون أن يشعر بها أحد ،وإجماال كلما كانت البيئة أكثر تقلبا ً كلما
كان التنبؤ أكثر صعوبة.
وفي حالة عدم القدرة على منع وقوع األزمة ،يترتب على اإلدارة إجراء معالجة
فورية في ضوء المعلومات المتوفرة ،لذا سيتم االنتقال إلى الخطوة الثانية في إدارة
األزمات التنموية.
يقصد بالنظرة المرحلية عملية معالجة األزمة وفقا ً لمراحلها المتتابعة للتخلص من
آثارها السلبية أو للتخفيف من حدتها واستخالص الجوانب اإليجابية ،وتمر عملية
المعالجة في عدة مراحل ،حيث يعتقد Augustineبأن المرحلة األولى من مراحل
المعالجة هو منع األزمة " ...إال انه من العجيب أن هذه المرحلة هي موضع تجاهل
-1حامد أحمد رمضان بدر ،اإلدارة اإلستراتيجية ،ط(،1القاهرة:دار النهضة العربية ،)1993،ص ص-51
.52
2- William Briggs,op.cit,p.80.
20
تام على الرغم من أنها ابسط طريقة واقلها تكلفة لمنع وقوع أزمة محتملة" ،1ومع
التسليم بأهمية هذه المرحلة إال انه يمكن تلخيص مراحل المعالجة في اآلتي:
االستعداد إلدارة األزمة :تتطلب مرحلة االستعداد لألزمة اتخاذ قرارات -1
حكيمة قائمة على الخطط الوقائية الموضوعة مسبقا ً وعلى معلومات تتصف
بالموثوقية والصدق وفي ضوء المستجدات التي تحدث بعد والدة األزمة.
مرحلة احتواء األزمة وأضرارها :يتم استيعاب األزمة واالستفادة من المنافع -2
إن توفرت ،وتكون األزمة في هذه المرحلة في طور النمو لذا يتعين على
اإلدارة أن تعمل جاهدة كي ال تصل األزمة إلى مرحلة النضج ألنها ستصل
إلى ذروتها وستشكل عبئا ً اكبر وخسائر أكثر جسامة.
استعادة النشاط :في هذه المرحلة عادة ما ينتاب فريق حل األزمة " شيء من -3
الحماس الزائد حيث تتكاتف الجماعة على مستوى النظام ككل وتتماسك في
مواجهة خطر محدد ومهمة أكثر تحديداً".2
الدروس المستفادة والتعلم. -4
عرف عن األزمات التنموية قدرتها على خلق أزمات متسلسلة تؤثر في مختلف
القطاعات باعتبار أن المجتمعات تشبه نظاما ً مترابطا ً ارتباطا ً تبادليا ً واعتمادي ،لذا
على فريق األزمات أن يتأكد فعالً بأن حلوله قد أصابت األزمة األصلية في الصميم ،
وال غنى عن التغذية الراجعة والرقابة والتقييم بشكل حثيث ومتواصل ،فالتغذية
الراجعة توفر معلومات مهمة عن مدى التقدم في معالجة األزمة وزوال آثارها بشكل
نهائي.
1- Norman R.Augustine,"Managing the crisis you tried to prevent", Harvard Business
Review, November/December,1995,p.149.
-2محمد الحمالوي ،مرجع سبق ذكره ،ص.52
21
الفصل ,الخامس
من أكثر األمور صعوبة تقريب المستقبل إلى أذهان متخذ القرار لما يعتري البيئة
المحيطة من تشويش ،وهذا ما دفع باتجاه تبني مدخل التخطيط اإلستراتيجي كأسلوب
يمكن من خالله تقليل حالة عدم التأكد عبر توفير اكبر كم من المعلومات لتشكل
مقدمات يمكن استنتاج نهايات منها.
كما يعد المدخل الموقفي من أكثر المداخل مالئمة للتعامل مع األزمات وذلك
الختالف األزمات عن بعضها البعض حيث يؤكد علماء اإلدارة بأنه " وبالرغم من
تشابه األزمة ظاهريا ً إال انه ينبغي النظر إلى كل أزمة على حده1"...
وفي هذا الفصل سيتم توضيح العالقة بين التخطيط اإلستراتيجي واإلدارة الموقفية
من جهة ،وبينهما وبين إدارة األزمات التنموية من جهة أخرى.
تبرز أهمية التخطيط من كونه نشأ بفعل مجموعة من األزمات " إذ أنه تطور أثناء
الحرب العالمية األولى في ألمانيا واتخذته هذه الدولة وسيلة إلدارة دفة الحرب".2
وكان هناك جملة من العوامل واألسباب التي دفعت بفكرة التخطيط إلى السطح منها
ما يورده عريقات من عوامل تتمثل في ":
-1أثر الكساد العظيم ...في زعزعة ثقة الناس في األسلوب العفوي المتبع
لتحقيق النمو اإلقتصادي.
-1أميمه الدهان"،إدارة األزمات في المنظمات " ،أبحاث اليرموك،مج ،5عدد ، 1989 ، 4ص .68
-2حربي محمد موسى عريقات ،مبادئ في التنمية ,والتخطيط اإلقتصادي،ط(،1عمان:دار الفكر،
،)1992ص.55
22
-2اندالع الحربين العالميتين األولى والثانية1 " ...
أما فيما يتعلق بالتخطيط اإلستراتيجي بشكل خاص ،فقد أثبتت التجربة قدرة هذا
النوع من التخطيط على إدارة عملية التحكم باألزمات التنموية ،ويؤكد العواملة
فائدة التخطيط االستراتيجي في مجال إدارة األزمات التنموية حيث يقول بأن "
من مزايا التخطيط الفعال السيطرة على األزمات بصورة أفضل " " ، 2وظهر
هذا النوع من التخطيط في منتصف الستينيات " ،3من هذا القرن من أجل إحكام
السيطرة على البيئة المضطربة ,التي كانت تحيط بالكثير من المجتمعات.
ويعرف التخطيط اإلستراتيجي بأنه " عملية اتخاذ القرارات بناء على معلومات
عن األوضاع البيئية لصياغة األهداف ورسم االستراتيجيات ووضع البرامج
والسياسات والتأكد من تنفيذها" ، 4اذاً فالتخطيط االستراتيجي عبارة عن اتخاذ
قرارات قائمة على دراسة معمقة للبيئة الداخلية والبيئة الخارجية ،بيد أن هذه
العملية ال تسير بصورة سلسلة دون أن تعترضها عوائق ،لذا ال بد من وجود
هامش لألزمات التي قد تؤثر حتى في مسيرة الخطط اإلستراتيجية المصممة
لمجابهة تلك األزمات .
- 4زهير الصباغ وعبد العزيز أبو نبعه"،التخطيط االستراتيجي في المؤسسات العامة :المشكالت والحلول " ،
اإلداري ،مج ، 18ع ، 18مارس ، 1996ص.163
23
إطار نظري شامل إلدارة األزمات التنموية من منظور التخطيط
اإلستراتيجي
يتأثر البرنامج التنموي بمدى الضبابية في البيئة المحيطة " ،وعندما يكون االختالف
وعدم التأكد كبيرين ،فال يمكن أن تنجح إستراتيجية تتجاهل البيئة ،وعندما يزداد
تعقيد البيئة ،فال بد للخيارات اإلستراتيجية من أن تعكس هذا" ، 1ففي ظل أجواء
مشحونة بالغموض والتعقيد ،تنشأ ظروف مواتية لنشوء أزمة تنموية من نوع
معين ،األمر الذي يستدعي الشفافية والرقابة المستمرة من قبل متخصصين في هذا
المجال وباالستعانة بالتخطيط اإلستراتيجي.
وتمر عملية التخطيط اإلستراتيجي التنموي بعدة مراحل تبدأ بتحديد األهداف
واإلستراتيجيات والسياسات التنموية ثم العمل على تصميم وصياغة البرامج التنموية
ثم تنفيذ تلك البرامج واخيراً تقييمها للتأكد من مدى تحقيقها لألهداف التي حددت
مسبقاً .ومن الضروري أن تشمل كل مرحلة من مراحل الخطة اإلستراتيجية هامش
لألزمات التي قد تعطل سير المرحلة أو تؤخرها ،لذلك ينبغي الحرص أثناء انجاز
مراحل الخطة على تلمس المشكالت التنموية ومحاولة منعها أو معالجتها إن وقعت
خالل مرحلة ما ،بل ووضع خطط للطوارئ كأن يتم تخصيص مبلغ معين لكل حدث
( عائق) متوقع وأيضا ً إجراءات لمعالجة ذلك العائق.
وال يتم ذلك إال باستمرارية المسح البيئي لحصر نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص
والمخاطر ،وعندما نتمكن " من تحديد المخاطر تصبح لدينا قدرة على مواجهتها
بوضع خطة للطوارئ تناسب كل وضع قائم على حده.2 "...
-1صموئيل بول ،اإلدارة اإلستراتيجية لبرامج التنمية ،ترجمة محمود برهوم ( عمان :المنظمة العربية
للعلوم إلدارية ،رقم السلسلة ، )1985 ، 300ص .83
-2جمال سيد عبد العال ،دور الجهاز المركزي للتنظيم واإلدارة في مواجهة األزمات الطارئة ،التنمية
اإلدارية ،مج ، 11ع ، 1993 ، 58ص.10
24
اإلدارة الموقفية وإدارة األزمات التنموية
إن اتخاذ قرار ما لمعالجة األزمة التنموية ليس باألمر السهل ،ذلك أن اإلدارة ال
تستطيع أن تنمط األزمات وفقا ً ألنواعها وتجهز سلة قرارات يتم االختيار من بينها
بما يالئم األزمة المنظورة ، ,لذا كان ال بد من إتباع األسلوب الموقفي في اإلدارة
للتعامل مع مختلف األزمات التنموية ،طالما أننا سلمنا بالفكرة القائلة بأن كل أزمة
فريدة من نوعها وتختلف عن غيرها في الجوهر بالرغم من تشابهها في المظهر.
يضاف إلى ذلك بأن الظروف المصاحبة لألزمة تختلف باختالف الزمان والمكان
والظروف ،وهذا األمر يتطلب مديراً موقفيا ً يجيد التعامل مع الظروف المختلفة
ولديه المقدرة على تطويعها بما يصب في تحقيق التنمية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :هل يتناقض مبدأ األخذ باألسلوب الموقفي في
التعامل مع األزمات مع التأكيد على ضرورة ,االستفادة من األزمات السابقة وأخذ
الدروس والعبر منها ؟ ال شك أن الفكرتين متكاملتين وغير متناقضتين ألن دراسة
األزمات السابقة يمكن اإلدارة من االحتفاظ بمعلومات مهمة تساعد في اإللمام ببعض
إبعاد األزمة ،وفي نفس الوقت يتم دراسة المواقف والظروف المرافقة لألزمة
الحالية لتحديد الفروقات بينها وبين األزمات السابقة من ناحية الجوهر ليصار إلى
اتخاذ قرار موقفي بشأنها.
لذا ال بد من وجود خطط موقفية ألن الخطط الموقفية " تزيد من إمكانية إدارة
الظرف األزمي بنجاح ال سيما عندما تكون المسؤوليات وااللتزامات موضحة قبل
حصول األزمة" ، 1وتحديد المسؤوليات واألدوار يمنع التضارب بين أعضاء فريق
العمل ألن األمر ال يحتمل تعارضا ً في الصالحيات أو تداخالً في األدوار.
25
ويتطلب األسلوب الموقفي قاعدة واسعة من المعلومات على غير ما يعتقد ،حيث
تشير Eiesenhardtإلى ذلك بقولها " من خرافات اتخاذ قرار استراتيجي سريع ،
القول بأن المعلومات القليلة توفر الوقت " ، 1لذا ينبغي الحصول على كافة
المعلومات الكفيلة بإيجاد حل لألزمة.
والخالصة أن نقص المعلومات وعدم وجود خطط موقفية ،وعدم وجود وصف دقيق
لألدوار من شأنه أن يجعل القرار " ...أزمة بحد ذاته " ، 2بل يمكن أن يولد أزمات
أخرى كان باإلمكان تفاديها لو لم يتخذ مثل ذلك القرار.
26
أزمة أدارة األزمات التنموية في المجتمعات ,النامية
تواجه المجتمعات النامية أزمة في مجال إدارة األزمات التنموية ألسباب متعددة
سيتم تناول سببين أساسيين منها وهما:
تتطلب األزمات التنموية حسم ومرونة ويسر في تدفق المعلومات عبر قنوات
االتصال ،واألجهزة اإلدارية في المجتمعات النامية تعاني من أزمة تنموية
إدارية مما يشكل عائقا ً أمام تحقيق الخطط التنموية الطموحة.
لذلك يجب هندرة الهياكل البيروقراطية وإعادة ابتكارها من جديد وتحجيمها قدر
اإلمكان ألن الهياكل الضخمة " سادت سابقا ً ،وأدت إلى اقتصاديات ضخمة ،
إال أنها اآلن في طريقها إلى الزوال" . 1
مع االنفجار السكاني الذي تشهده المجتمعات النامية تتزايد الحاجات وتتعقد ،
وبالتالي تتزايد األزمات التنموية وتتجذر في تلك المجتمعات ويشير عساف الى
ذلك بقوله أن أزمات المجتمعات المعاصرة " أصبحت أزمات دورية
وسريعة .2"...
1- Alan Hurwitz," Organizational structures for the new word order", Business
Horizon,Vol.39,NO.3,May June,1996,p.6.
عبد المعطي عساف"،االيدولوجيا والتكنولوجيا وإدارة التنمية في البالد العربية"،شؤون عربية،مج, -2
، 16ع، 88كانون أول ، 1996ص.71
27
خاتمة وتوصيات
أسست هذه الدراسة إطاراً مفاهيمي لألزمات التنموية وإدارتها باعتبار أن
التركيز كان ينصب دائما على األزمات بعموم اللفظ ،ويتم تجاهل خصوصة
األزمات التنموية التي يمتد تأثيرها ليصيب كافة المجتمع .
ثانياً :يوصى بان يتم تأسيس مراكز إلدارة األزمات في المجتمعات النامية تتشكل
من مجموعة من الفرق بتخصصات مختلفة وتمنح استقالالً من النواحي المالية
واإلدارية وما التركيز على عمل الفرق إال ألنها " خير من يعالج اآلثار الضارة
لألزمات".1
خامساً :تسهيل تدفق المعلومات بين مختلف األجهزة اإلدارية واستخدام تكنولوجيا
اإلتصال بمختلف أشكالها.
-1ورنر كتلهون " ،كيف تعمل فرق إدارة األزمات "،اإلداري،مج ، 15ع ، 11نوفمبر ، 1989ص .8
28
المراجع
:المراجع األجنبية
1- Lan I. Mitroff , "crisis management and environmentalism: A natural fit " ,
California Management Review , Vol.36,No.2,winter 1994.
2- William Briggs ,"Taking control after a crisis ", HR Magazine , Vol.35,March
1990.
3- Steven Fink, crisis management: planning for the inevitable,
(USA:Amacon ,1986)..
4- Jeffrey D.Ford,"the management of organizational crises", Business
Horizon,Vol.24,NO.3,May/June 1981..
5- Stephanie Overman ,'After the smoke clears",HR
Magazine,Vol.36,NO.11,November1991.
6- Norman R.Augustine,"Managing the crisis you tried to prevent", Harvard
Business Review, November/December,1995..
7- Henry Mintzberg ,'the fall and rise of strategic planning', Harvard Business
Review,Vol.72,NO.1,1994.
8- Herb Williamson," In Harm's Way ",HR Magazine,Vol.36,NO.11,November
1991.
9- Kathleen Eiesenhardt .'Speed and strategic choice: How Managers Accelerate
Decision Making", California Management Review
,Vol.32,NO.3,Spring1990.
10- Daniel Frei,International crises and crisis management ,ed.1,(Britain:Sayon)
11- Alan Hurwitz," Organizational structures for the new word order", Business
Horizon,Vol.39,NO.3,May June,1996.
:المراجع العربية
، دار الخواجا: (عمان1 ط، التخطيط للطوارئ وإدارة األزمات في المؤسسات، عز الدين الرازم-12
.)م1995
، )1993 ، مؤسسة األهرام: ( القاهرة، تجارب محلية وعالمية: إدارة األزمات، محمد الحمالوي-13
، مكتبة مدبولي:(مصر،1ط،منهج اقتصادي متكامل لحل األزمات: إدارة األزمات، محسن الخضيري-14
. )1990
. )م1992 ، ميداليت المحدودة: ( لندن، 1 ط، إدارة الكوارث، حسن أبشر الطيب-15
. 1988 ، 5 مج، 1 العدد، "الشركات وإدارة األعمال " عالم األعمال، ال يوجد اسم مؤلف-16
29
-17المملكة األردنية الهاشمية ،عمان ،المركز العربي للتطوير اإلداري ،إدارة األزمات . 1991 ،
-18محمد عاصم شقرة ،نحو نموذج إسالمي إلدارة األزمات ( ،األردن ،عمان :الجامعة األردنية ،تموز
. ) 1995
- 19ألفونسو غونزاليس هريرو وكورنيليوس ب .برات " ،إدارة األزمة قبل حدوثها أو بعده " ،الثقافة العالمية،
ترجمة عبد الفتاح الصبحي،مج،13عدد،79,نوفمبر..1996
- 20حامد أحمد رمضان بدر ،اإلدارة اإلستراتيجية ،ط(،1القاهرة:دار النهضة العربية .)1993،
-21أميمه الدهان"،إدارة األزمات في المنظمات " ،أبحاث اليرموك،مج ،5عدد . 1989 ، 4
-22حربي محمد موسى عريقات ،مبادئ في التنمية ,والتخطيط اإلقتصادي،ط(،1عمان:دار الفكر.)1992،
-23نائل عبد الحافظ العواملة ،إدارة التنمية ,وتطبيقاتها في األردن ،ط(،2عمان:المركز الفني.)1997،
- 24زهير الصباغ وعبد العزيز أبو نبعه"،التخطيط االستراتيجي في المؤسسات العامة :المشكالت والحلول " ،
اإلداري ،مج ، 18ع ، 18مارس . 1996
-25صموئيل بول ،اإلدارة اإلستراتيجية لبرامج التنمية ،ترجمة محمود برهوم ( عمان :المنظمة العربية
للعلوم إلدارية ،رقم السلسلة . )1985 ، 300
- 26جمال سيد عبد العال ،دور الجهاز المركزي للتنظيم واإلدارة في مواجهة األزمات الطارئة ،التنمية
اإلدارية ،مج ، 11ع. 1993 ، 58
- 27عبد المعطي عساف"،االيدولوجيا والتكنولوجيا وإدارة التنمية في البالد العربية"،شؤون عربية،مج ، 16ع
، 88كانون أول . 1996
-28ورنر كتلهون " ،كيف تعمل فرق إدارة األزمات "،اإلداري،مج ، 15ع ، 11نوفمبر .1989
30