You are on page 1of 20

‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫بدأ مفهوم التنمية المستدامة يطفو على السطح بقوة منذ أواخر القرن الماضي ليحتل مكان الصدارة‬
‫لدى الباحثين والمهتمين بالبيئة وصناع القرار‪.‬ومرد& هذا االهتمام الضغوط& المتزايدة على اإلمكانات‬
‫المتاحة في العالم المتقدم والمتخلف& انطالقا من واقع كل منهما‪,‬حيث أن موضوع& التنمية كان وما يزال‬
‫يشكل تحد ال يستهان به للمجتمعات في الماضي والحاضر وانشغاال ألجيال المستقبل‪.‬ومعالجة ظاهرة‬
‫التنمية المستدامة تعني ببساطة المعضالت األساسية التي تواجه تنمية الجماعة في عالم اليوم‪.‬فهي ال‬
‫تختصر& في مجرد نمو اقتصادي& بسيط ولكن يستلزم& ذلك تحوالت أساسية في العالقات االجتماعية وفي‬
‫المؤسسات‪.‬إذن فعالية العملية التنموية مرتبطة بمفهوم التنمية الدائمة التي تعتبر أن التكامل بين النمو‬
‫االقتصادي والمحافظة على البيئة شرطا أساسيا لديمومة التنمية‪ .‬وسنتطرق في هذا الفصل ألهم المفاهيم‬
‫وماهية التنمية المستدامة وبالتالي& توضيح الغموض الذي اكتنف هذه الظاهرة في الوقت الحاضر‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية التنمية المستدامة‪.‬‬

‫األغلبية من الناس يعرفون أن التنمية المستدامة تهدف إلى توفير الرفاهية االقتصادية ألجيال‬
‫الحاضر& والمستقبل والحفاظ على البيئة وصيانتها& وحفظ نظام دعم الحياة‪ ،‬ومن المستحيل إغفال حقيقة أن‬
‫التنمية المستدامة ليست مشكلة من مشكالت العلم أو الهندسة أو االقتصاد& أو اإلدارة األمثل‪ ،‬وتكمن‬
‫جذورها& في قيم وأخالقيات وثقافة كل من الدول المتقدمة والنامية‪ .‬سنحاول تقديم مفهوم متكامل أفضل‬
‫للتنمية المستدامة وتوضيح عناصرها‪.‬ولكن قبل ذلك سنتطرق إلى السياق التاريخي لهذا المفهوم‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫المطلب األول‪:‬السياق التاريخي للتنمية المستدامة‪.‬‬


‫بتتبع تاريخ التنمية نجد تطور واضح ومستمر& طرأ على مفهومها ومحتواها نتيجة للمشكالت التي‬
‫تواجه معظم المجتمعات‪ ،‬وتراكم& خبرات دولية عبر الزمن في هذا المجال وهذا منذ الحرب العالمية الثانية‬
‫إلى وقتنا الحاضر& حيث تقسم إلى أربع مراحل نلخصها في الجدول التالي‪:‬‬

‫جدول رقم ‪1‬ـ‪ :1‬تطور مفهوم التنمية ومحتواها منذ الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫المبدأ العام للتنمية‬ ‫أسلوب المعالجة‬ ‫محتوى التنمية ودرجة‬ ‫الفترة الزمنية\‬ ‫مفهوم‬
‫بالنسبة لإلنسان‬ ‫التركيز‬ ‫بصورة تقريبية‬ ‫التنمية‬

‫اإلنسان هدف‬ ‫‪-‬معالجة كل جانب من‬ ‫‪-‬اهتمام كبير ورئيس‬ ‫نهاية االحرب ع‬ ‫التنمية‪:‬النمو‬ ‫‪1‬‬
‫التنمية‪&-‬‬ ‫الجوانب‬ ‫بالجوانب اإلقتصادية ‪-‬اهتمام‬ ‫الثانية‪،‬منتصف‬ ‫اإلقتصادي‬
‫تنمية من أجل إنسان‪-‬‬ ‫‪-‬معالجة مستقلة عن‬ ‫ضعيف بالجوانب‬ ‫الستينات‪.‬‬
‫الجوانب األخرى‪.‬‬ ‫اإلجتماعية‪-‬اهمال الجوانب‬
‫البيئية‪.‬‬
‫اإلنسان هدف‬ ‫‪-‬معالجة كل جانب من‬ ‫_اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫منتصف‬ ‫التنمية‪:‬النمو‬
‫التنمية‪ &-‬تنمية من‬ ‫الجوانب‬ ‫اإلقتصادية‪.‬‬ ‫الستينات‪،‬منتصف‬ ‫اإلقتصادي‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫أجل إنسان‪ -‬اإلنسان‬ ‫‪-‬معالجة مستقلة عن‬ ‫‪-‬اهتمام متوسط بالجوانب‬ ‫السبعينات‪.‬‬ ‫التوزيع‬
‫وسيلة التنمية\تنمية‬ ‫الجوانب األخرى‪.‬‬ ‫اإلجتماعية‪.‬‬ ‫العادي‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫‪-‬اهتمام ضعيف بالجوانب‬
‫البيئية‪.‬‬
‫اإلنسان هدف‬ ‫‪-‬معالجة كل جانب من‬ ‫_اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫منتصف‬ ‫التنمية&‬
‫التنمية‪ &-‬تنمية من‬ ‫الجوانب‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫السبعينات‪،‬‬ ‫الشاملة‪:‬االهت‬
‫أجل إنسان‪ -‬اإلنسان‬ ‫‪-‬معالجة مستقلة عن‬ ‫‪-‬اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫منتصف‬ ‫مام بجميع‬ ‫‪3‬‬
‫وسيلة التنمية\تنمية‬ ‫الجوانب األخرى‪.‬‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫الثمانينات‪.‬‬ ‫الجوانب‬
‫اإلنسان‬ ‫‪-‬اهتمام متوسط بالجوانب‬ ‫االقتصادية‬
‫اإلنسان صانع التنمية\&‬ ‫البيئية‪.‬‬ ‫واالجتماعية‬
‫تنمية بواسطة‬ ‫بالمستوى‬
‫اإلنسان‪,‬‬ ‫نفسه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫اإلنسان هدف‬ ‫‪-‬معالجة كل جانب من‬ ‫_اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫النصف الثاني من‬ ‫التنمية&‬ ‫‪4‬‬
‫التنمية‪ &-‬تنمية من‬ ‫الجوانب‬ ‫االقتصادية‪.‬‬ ‫ثمانينات وحتى‬ ‫المستديمة‪:‬اال‬
‫أجل إنسان‪ -‬اإلنسان‬ ‫‪-‬معالجة تكاملية مع‬ ‫‪-‬اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫وقتنا الحاضر‪.‬‬ ‫هتمام بجميع‬
‫وسيلة التنمية\تنمية‬ ‫الجوانب األخرى‪.‬‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫جوانب الحياة‬
‫اإلنسان‬ ‫‪-‬اهتمام كبير بالجوانب‬ ‫االقتصادية‬
‫اإلنسان صانع التنمية\&‬ ‫الروحية والثقافية‪.‬‬ ‫واإلجتماعيةو‬
‫تنمية بواسطة‬ ‫البيئية& بنفس‬
‫اإلنسان‪,‬‬ ‫المستوى‪.‬‬

‫المصدر‪:‬عثمان محمد غنيم‪ ،‬التنمية المستديمة‪ ،‬فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‬
‫‪ ،2007‬ص‪.34‬‬

‫إن مفهوم التنمية المستدامة برز أول ما برز خالل مؤتمر أستكهولم& سنة ‪ 1972‬حول البيئة‬
‫اإلنسانية الذي نظمته األمم المتحدة‪ ،‬بمثابة خطوة نحو االهتمام العالمي بالبيئة‪ .‬ناقش هذا المؤتمر& للمرة‬
‫األولى القضايا البيئية وعالقتها بواقع الفقر وغياب التنمية في العالم‪ ،‬وتم اإلعالن أن الفقر وغياب التنمية‬
‫هما أشد أعداء البيئة‪ ،‬من ناحية أخرى انتقد مؤتمر"استكهولم" الدول والحكومات& التي الزالت تتجاهل البيئة‬
‫عند التخطيط& للتنمية‪ .‬و قد صدرت عن هذا المؤتمر& أول وثيقة دولية«‪Rapport of the united ‬‬
‫‪» nation conbern on the Human environment‬‬
‫تتضمن هذه الوثيقة مبادئ العالقات بين الدول‪ ،‬و التوصيات التي تدعو كافة الحكومات و المنظمات‬
‫الدولية التخاذ تدابير من أجل حماية البيئة و إنقاذ البشرية من الكوارث البيئية و العمل على تحسينها‪.‬‬
‫وبعد هذه السنة أنشأت الجمعية العامة لألمم المتحدة برنامج األمم المتحدة للبيئة ‪PNUE (United‬‬
‫‪ ،Nations Environment Programme‬تتمثل وظائفه الرئيسية في تقرير التعاون بين الدول فـي‬
‫مجال البيئة و متابعة البـرامج البيئية‪ ،‬و جعـل األنـظمة و التدابير البيئية الوطنية و الدولية في الدول‬
‫المتخلفة تحت المراجعة المستمرة‪ ،‬فضال عن تمويل تلك ألبرامج و ر سم الخطط و السياسات التي‬
‫يستلزمها& ذلك‪.‬‬
‫ظلت التنمية المستدامة خالل عقد السبعينات غامضة ومقتصرة على الندوات العلمية المغلقة التي‬
‫كانت تحاول أن تجد تعريفا مقبوال لهذا المفهوم‪ .‬كان الجميع يتساءل إن كان بإمكان التخطيط& لتنمية‬
‫اقتصادية غير ضارة بالبيئة و أن تكون التنمية مستمرة ومتواصلة وال نهائية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫فاستوجب علينا انتظار أكثر من عشر سنوات حتى تعود لجنة منظمة األمم المتحدة إلى شبابها‬
‫وأصدرت& قرار"المنظور البيئي في سنة ‪ 2000‬وما بعدها"‪ ،‬حيث يهدف إلى تحقيق التنمية االقتصادية‬
‫المستدامة بيئيا بوصف ذلك هدفا عاما منشودا للمجتمع الدولي‪ ،‬وفي هذا التقرير للمرة األولى وضع‬
‫تعريف& محدد للتنمية المستدامة‪ ،‬كذلك وفي التقرير النهائي للجنة صدر كتاب" مستقبلنا المشترك"& الذي‬
‫وجد أكبر سند لمفهوم التنمية المستدامة‪ .‬حيث يعلن أن التنمية المستدامة هـي قضية أخـالقية و إنسانية‬
‫بقدر ما هي قضية تنموية و بيئية‪.‬وضح هذا الكتاب أن كل األنماط التنموية السائدة في الشمال والجنوب ال‬
‫تحقق حاليا شرط االستدامة‪ ،‬حتى ولو كانت تبدو ناجحة بمقاييس الحاضر‪ ،‬فإنها تبدو عاجزة وضارة‬
‫‪1‬‬
‫بمقاييس المستقبل ألنها تتم على حساب استهالك الرصيد الطبيعي& لألجيال القادمة و استنزافه‪.‬‬
‫و بعد خمس سنوات و بالفعل عقد مؤتمر دولي في مدينة ريو ديجانيرو& بالبرازيل في ‪ 14‬جوان‬
‫عرف باسم "قمة‬
‫‪ ،1992‬الذي شكل أكبر حشد عالمي حول البيئة و التنمية تحت إشراف األمم المحتدة‪ ،‬و ّ‬
‫األرض" تدليال على أهميته العالمية‪ ،‬و كان هدف المؤتمر هـو وضع أسس بيئية عالمية للتعاون بين الدول‬
‫المتخلفـة و الدول المتقدمة من منطلق المصالح المشتركة لحماية مستقبل األرض‪ ،‬و قد نقلت قمة األرض‬
‫الوعي البيئي العالمي من مرحلة التركيز& على الظواهر البيئية إلى مرحلة البحث عـن العوامل االقتصادية‬
‫و السياسية و االجتماعية المسئولة عـن خلق األزمـات البيئية و االستنزاف& المتزايد الذي تتعرض له البيئة‪.‬‬
‫و من نتائجه الفورية بعض االتفاقيات‪:‬‬
‫‪ ‬األجندة ‪ ،21‬خطة عمل تسمح من شأنها أن تجيب بصفة متتالية لألهداف فيما يخص البيئة و‬
‫التنمية في القرن الحادي و العشرون‪.‬‬
‫محددة لحقوق وواجبات الدول في‬
‫‪ ‬و إعالن ريو حول البيئة و التنمية الذي يحتوي مجموعة مبادئ ّ‬
‫هذا المجال‪.‬‬
‫كان انعقاد المؤتمر العالمي للتنمية المستدامة (قمة األرض الثانية) في جوهانسبرغ ‪2002‬م‪ ،‬ويقول‬
‫التقرير‪ :‬إن السنوات الخمسين القادمة يمكن أن تشهد تضاعفاً في االقتصاد& العالمي بقيمة أربعة أضعاف‪ ،‬و‬
‫انخفاضاً هاماً في الفقر شريطة أن تلتزم الحكومات بتخفيف المخاطر& التي يمثلها النمو االقتصادي السريع‬
‫على البيئة واالضطراب االجتماعي العريق‪ .‬يقول التقرير‪ :‬إن البلدان النامية بحاجة إلى تحقيق نمو‬
‫اقتصادي يتجاوز& ‪ % 30.6‬للفرد لتحقيق أهداف التنمية لأللفية الجديدة‪ ،‬وخاصة الهدف الذي يرمي إلى‬
‫خفض نسبة الفقر إلى النصف بحلول العام ‪2015‬م‪ ،‬و يقدر التقرير أن عدد سكان العالم سيصل إلى (‪)9‬‬
‫باليين نسمة في العام ‪2050‬م‪ ،‬منهم نسبة الثلثين تعيش في المدن مما يعني متطلبات هائلة على الطاقة و‬
‫المياه و اإلسكان و التعليم و الغذاء لكل السكان‪.‬‬

‫‪ ? 1‬زرنوح ياسمينة‪ " ،‬إشكالية التنمية& المستدامة في الجزائر" (رسالة ماجستير) ‪ ،‬معهد& العلوم االقتصادية ‪ ،‬جامعة الجزائر‪.‬‬
‫السنة‪ ،2006 :‬ص ‪.125 ،124‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫و بنفس الوقت يعتقد التقرير بناءا على توقعات اقتصادية محضة أن يصل حجم االقتصاد& العالمي إلى (‬
‫‪ )140‬تريليون دوالر‪ ،‬ولكن هذا االقتصاد إذا ما استمر في النمو بنفس اآلليات و األساليب الحالية فإنه‬
‫‪1‬‬
‫سيكون مدمراً للبيئة الطبيعية و للتركيبة االجتماعية و خاصة في الدول النامية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مفهوم التنمية المستدامة‪.‬‬
‫‪ _1‬لغويا‪:‬‬
‫يعود أصل مصطلح االستدامة ‪ sustainable‬إلى علم اإليكولوجي ‪ ،Ecology‬حيث استخدمت‬
‫االستدامة للتعبير عن تشكل وتطور النظم الديناميكية‪ ،‬وفي المفهوم التنموي& استخدم مصطلح االستدامة‬
‫للتعبير عن طبيعة العالقة بين علم االقتصاد ‪ Economy‬وعلم االيكولوجي‪ .‬على اعتبار أن العلمين‬
‫مشتقان من نفس األصل اإلغريقي‪ ،‬حيث يبدأ كل منهما بـ ‪ ECO‬والذي يعني في العربية البيت أو المنزل‬
‫والمعنى& العام لمصطلح إيكولوجي& هو دراسة مكونات البيت‪ .‬أما مصطلح ‪ Economy‬فيعني إدارة‬
‫مكونات البيت واو افترضنا أن البيت هنا يقصد به مدينة أو إقليم أو حتى الكرة األرضية‪ ،‬فإن االستدامة‬
‫بذلك تكون مفهوما يتناول بالدراسة والتحليل العالقة بين أنواع وخصائص مكونات المدينة أو اإلقليم أو‬
‫الكرة األرضية وبين غدارة هذه المكونات‪.‬‬
‫أما في اللغة العربية فقد جاء الفعل" استدام" الذي جذره دوم لمعاني متعددة منها التأني في الشيء وطلب‬
‫دوامه والمواظبة عليه‪ .‬فالتنمية تحتاج إلى التأني في رسم سياساتها& وديمومة في مشاريعها وأثرها& في‬
‫المجتمع‪ ،‬وبحاجة إلى مواظبة في تنفيذ برامجها& للمحافظة على مكتسباتها‪ .‬والتنمية المستدامة هي تلك‬
‫التنمية التي يديم استمراريتها& الناس أو السكان‪ .‬أما التنمية المستديمة فهي التنمية المستمرة أو المتواصلة‬
‫بشكل تلقائي غير متكلف وفي& العديد من‬
‫‪2‬‬
‫الدراسات العربية المتخصصة استخدم المصطلحان مترادفان‪.‬‬
‫‪ _2‬علميا‪:‬‬
‫هناك تعاريف عديدة للتنمية المستديمة‪ ،‬حيث ورد مفهوم التنمية المستديمة ألول مرة في تقرير‬
‫اللجنة العالمية للبيئة والتنمية عام ‪ 1987‬وعرفت هذه التنمية في هذا التقرير على أنها " تلك التنمية التي‬
‫تلبي حاجات الحاضر& دون المساومة على قدرة األجيال المقبلة في تلبية حاجياتهم " وعرف قاموس‬
‫‪ Webster‬هذه التنمية على أنها " تلك التنمية التي تستخدم الموارد& الطبيعية دون أن تسمح باستنزافها أو‬
‫تدميرها& جزئيا أو كليا "‪ ،‬وعرفها " وليم رولكزهاوس" مدير حماية البيئة األمريكية على أنها‪ :‬تلك العملية‬
‫التي تقرر بضرورة تحقيق نمو إقتصادي& يتالءم مع قدرات البيئة وذلك من منطلق أن التنمية االقتصادية‬
‫والمحافظة على البيئة هما عمليات متكاملة وليست متناقضة‪ .‬وقد تعددت التعاريف حيث أنها تزيد عن‬
‫ستين تعريفا‪ ،‬والملفت لالنتباه أنها لم تستخدم& استخداما صحيحا في جميع األحوال‪.‬‬

‫‪ ? 1‬باتر محمد وردم‪ ،‬مخاطر العولمة على التنمية‪ B‬المستدامة‪ ،‬دار األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬السنة‪ ،2003 :‬ص ‪.201‬‬
‫‪ 2‬عثمان محمد غنيم‪ ،‬التنمية‪ B‬المستدامة‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬السنة‪ ،2007 :‬ص‪30‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫يمكن القول أن التنمية المستدامة تسعى لتحسين نوعية حياة اإلنسان ولكن ليس على حساب البيئة بحيث ال‬
‫يتجاوز& استخدام الموارد& الطبيعية معدالت تجددها‪ ،‬أي تكون بطريقة عقالنية وبالذات في حالة الموارد&‬
‫غير المتجددة‪ .‬أما المتجددة فيجب الترشيد& في استخدامها إلى جانب محاولة البحث عن بدائل لهذه الموارد&‬
‫ومحاولة اإلبقاء عليها أطول فترة زمنية وبالتالي& يجب أن تستخدم& الموارد بطرق& وأساليب ال تفضي إلى‬
‫إنتاج نفايات بكميات تعجز البيئة عن امتصاصها& وتحويلها& وتمثيلها‪.‬‬
‫وقد& أصبحت االستدامة منذ قمة األرض عام ‪ 1992‬مدرسة فكرية تنتشر& في أنحاء العالم المختلفة‬
‫وخصوصا& في أوروبا& والواليات المتحدة األمريكية وتتبناها مجموعة من المؤسسات& والهيئات الرسمية‬
‫واألهلية وتعمل من أجل تطبيقها‪ .‬وقد نجم عن انتشار أفكار& االستدامة على المستوى& العالمي ظهور مفاهيم‬
‫‪1‬‬
‫ومصطلحات جديدة مثل‪ :‬ثقافة االستدامة‪ ،‬فلسفة االستدامة‪.‬‬
‫ومن المؤكد أن التعريف& المقبول عالميا للتنمية المستدامة لم يتبلور بعد ليتخذ شكله النهائي وال يزال النقاش‬
‫محتدما‪ .‬وهكذا يتضح بأنها مفهوم يسوده الكثير من اللبس ويتطلب الربط بين مختلف المجاالت والتعامل‬
‫مع بعض األفكار& غير العادية‪ ،‬ومن الطريف& القول بأنه خالل سنتي ‪ 1998- 1997‬وجد الباحثون أن‬
‫حوالي ‪ %76‬من األشخاص لم يسمعوا& بهذا المفهوم البتة‪ ،‬هذا بالرغم من أنه منذ مؤتمر ريو دي جانيرو‬
‫حول البيئة والتنمية سنة ‪ 1992‬نال الموضوع تغطية هامة عبر وسائل اإلعالم‪ .‬ومما سبق يمكن التأكيد‬
‫بأن مفهوم التنمية المستديمة بقي يحتفظ بشق فلسفي‪.2‬‬
‫‪3‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مبادئ التنمية المستدامة‪.‬‬
‫هناك عالقة تكاملية بين النمو من جهة والبيئة بما تحويه من موارد& من جهة أخرى ذلك أن تحقيق نمو‬
‫اقتصادي يعتمد على حماية البيئة ويحتاج إلى وجود موارد‪ .‬وإ ذا ما كانت هذه الموارد& مدمرة أو مستنزفة‬
‫فإنه ال يمكن أن يتحقق النمو بالكم و الكيف الذي نريد‪ .‬كذلك فإن المحافظة على الموارد واستغاللها& بشكل‬
‫عقالني يساهم في الحصول على النمو االقتصادي‪ .‬إن هذه العالقة هي التي حددت المبادئ األساسية التي‬
‫قام عليها مفهوم التنمية المستديمة ومحتواها‪ &.‬وهذه المبادئ هي‪:‬‬
‫‪ -1‬استخدام أسلوب النظم في إعداد تنفيذ خطط التنمية المستديمة‪:‬‬
‫يعد أسلوب النظم شرطا& أساسيا إلعداد وتنفيذ خطط التنمية المستديمة وذلك من منطلق‪ :‬البيئة‬
‫اإلنسانية ألي مجتمع بشقيها الطبيعي والبشري ما هي إال نظام فرعي من النظام الكوني ككل‪ .‬لذلك تعمل‬

‫‪? 1‬عثمان محمد غنيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪25‬ـ ‪26‬‬


‫‪ 2‬صالح عمر فالحي‪ "،‬التنمية المستدامة بين تراكم رأس المال في الشمال واتساع الفقر في الجنوب" مجلة العلوم‬
‫االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬العدد ‪ ،2004 |3‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬جامعة فرحات عباس‪ ،‬سطيف ‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 3‬محمد غنيم‪ ،‬التنمية المستديمة‪ B،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪30‬ـ ‪.33‬‬
‫‪2‬‬
‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫التنمية المستديمة من خالل هذا األسلوب على ضمان تحقيق توازن النظم الفرعية برتبها وأحجامها&‬
‫المختلفة وبشكل يفضي في النهاية إلى ضمان توازن بيئة األرض عامة‪ .‬ويمكن القول أن استخدام أسلوب‬
‫النظم في إعداد وتنفيذ خطط التنمية المستديمة هو أسلوب متكامل يهدف للمحافظة على حياة المجتمعات‬
‫من خالل اإلهتمام بجوانبها& االقتصادية واالجتماعية والبيئية دون أن يتقدم أي جانب على حساب الجوانب‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬المشاركة الشعبية‪:‬‬
‫التنمية المستدامة عبارة عن ميثاق يقر بمشاركة جميع الجهات ذات العالقة في إتخاذ قرارات جماعية‬
‫من خالل الحوار خصوصا في مجال تخطيط التنمية المستديمة ووضع& السياسات وتنفيذها‪ .‬فالتنمية‬
‫المستديمة تبدأ في المستوى المكافئ& المحلي أي مستوى التجمعات السكانية سواء كانت مدنا أو قرى‪ .‬وهذا‬
‫يعني أنها تنمية من األسفل ويتطلب تحقيقها بشكل فاعل توفير& الشكل المناسب من أشكال الالمركزية التي‬
‫تمكن الهيئات الرسمية والشعبية واألهلية والسكان بشكل عام من المشاركة في إعداد وتنفيذ ومتابعة‬
‫خططها‪.‬‬
‫ولعل األسباب التي جعلت من التنمية المستديمة تنمية من األسفل تبدأ من المستوى& المكاني المحلي‬
‫فاإلقليمي فالوطني‪ ،‬تكون في الدور المتعاظم للحكومات المحلية والمجالس البلدية والقروية التي تصدر‬
‫يوميا عشرات القرارات التي تخدم حاجات وأولويات المجتمع المحلي وتعمل على تشكيله وفق نمط معين‪.‬‬
‫إذن فإن تطبيق سياسة التنمية المستديمة يعني بأننا مطالبون بوصفنا سكانا وصناع& قرار بتغيير& طرق‬
‫تعاملنا مع األشياء في بيئتنا المحلية والسير في ثالث اتجاهات رئيسية هي‪ :‬المحافظة‬
‫على البيئة وتحقيق نمو اقتصادي معقول وتحقيق العدالة االجتماعية‪ .‬إن السير في هذه االتجاهات بشكل‬
‫متوازي& ومتوازن وعقالني سيقودنا إلى تحسين معيشتنا& وضمان حياة جيدة لنا ولألجيال القادمة‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهداف التنمية المستديمة‪.‬‬


‫تسعى التنمية المستدامة من خالل آلياتها ومحتواها& إلى تحقيق مجموعة من األهداف تتلخص فيما‬
‫‪1‬‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحقيق نوعية حياة أفضل للسكان‪ :‬وذلك من خالل عمليات التخطيط& وتنفيذ سياسات التنمية لتحسين‬
‫نوعية حياة السكان في المجتمع اقتصاديا وإ جتماعيا ونفسيا وروحيا عن طريق& التركيز على الجوانب‬
‫النوعية للنمو وليس الكمية وبشكل عادل ومقبول وديمقراطي‪.‬‬

‫‪? 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪29‬ـ‪30‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫‪ -2‬احترام البيئة الطبيعية‪ :‬تركز على العالقة بين نشاطات السكان والبيئة وتتعامل مع النظم الطبيعية‬
‫ومحتواها& على أنها أساس حياة اإلنسان‪ .‬إنها ببساطة تنمية تستوعب العالقة الحساسة بين البيئة الطبيعية‬
‫والبيئة المبنية وتعمل على تطوير هذه العالقة لتصبح عالقة تكامل وإ نسجام‪&.‬‬
‫‪ -3‬تعزيز وعي السكان بالمشكالت البيئية القائمة‪ :‬وتنمية إحساسهم& بالمسؤولية تجاهها وحثهم& على‬
‫المشاركة الفعالة في إيجاد حلول مناسبة لها من خالل مشاركتهم في إعداد وتنفيذ وتقييم برامج و مشاريع&‬
‫التنمية المستديمة‪.‬‬
‫‪ -4‬تحقيق استغالل واستخدامـ عقالني للموارد‪ :‬تتعامل التنمية المستديمة مع الموارد الطبيعية على أنها‬
‫موارد& محدودة لذلك تحول دون استنزافها& أو تدميرها& وتعمل على استخدامها وتوظيفها بشكل عقالني‪.‬‬
‫‪ -5‬ربط التكنولوجيا الحديثة بأهداف المجتمع‪ :‬تحاول التنمية المستديمة توظيف التكنولوجيا الحديثة بما‬
‫يخدم أهداف المجتمع من خالل توعية السكان بأهمية التقنيات المختلفة في المجال التنموي وكيفية استخدام‬
‫المتاح والجديد منها في تحسين نوعية حياة المجتمع وتحقيق أهدافه المنشودة دون أن ينجم عن ذلك مخاطر‬
‫وآثار بيئية سالبة‪.‬‬
‫‪-6‬إحداث تغيير مستمر ومناسب في حاجات وأولويات المجتمع‪ :‬وبطريقة تالئم إمكانياته وتسمح بتحقيق‬
‫التوازن الذي بوساطته يمكن تفعيل التنمية االقتصادية والسيطرة على جميع المشكالت البيئية ووضع‬
‫الحلول المناسبة لها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أبعاد التنمية المستدامة‪.‬‬
‫إن التنمية المستدامة هي تنمية ال تركز على الجانب البيئي فقط‪ ،‬بل تشمل أيضا الجوانب االقتصادية‪،‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬فهي تنمية بثالثة أبعاد مترابطة ومتكاملة تتمثل في البعد االقتصادي‪ ،‬البعد االجتماعي‪ ،‬البعد‬
‫البيئي‪ ،‬والتي يجب التركيز عليها جميعها بنفس المستوى& واألهمية‪ ،‬وتعبر األبعاد الثالثة للتنمية المستدامة‬
‫عن طبيعة المفهوم متعدد االختصاصات بشكل واضح‪ .‬وفيما& يلي عرض لألبعاد الثالثة للتنمية المستدامة‪.‬‬
‫‪ _1‬البعد البيئي‪ :‬يتمثل البعد البيئي للتنمية المستدامة في الحفاظ على الموارد الطبيعية واالستخدام& األمثل‬
‫لها على أساس مستديم‪ .‬والتنبؤ لها قد يحدث للنظم االيكولوجية من جراء التنمية‪ ،‬وذلك بغرض االحتياط‬
‫والوقاية‪ .‬ويتمحور& البعد البيئي حول مجموعة من العناصر تتمثل في‪:‬‬
‫‪ ‬النظم االيكولوجية‪.‬‬
‫‪ ‬الطاقة‬
‫‪ ‬التنوع البيولوجي‪.‬‬
‫‪ ‬االنتاجية البيولوجية‬
‫‪ ‬القدرة على التكيف ‪.‬‬

‫‪ 1‬حرفوش سهام وآخرون‪" ،‬اإلطار النظري للتنمية الشاملة المستدامة ومؤشرات قياسها"‪ ،‬مداخلة في المؤتمر العلمي‬
‫الدولي التنمية‪ B‬المستدامة والكفاءة االستخدامية للموارد المتاحة ‪ ،‬جامعة فرحات عباس‪ ،‬سطيف‪ ،‬الجزائر‪ 8|7 ،‬أفريل ‪2008.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫تتمثل أهم االهتمامات البيئية في ظاهرة إرتفاع درجة حرارة المناخ‪ ،‬إختالل طبقة األوزون‪ ،‬االستغالل‬
‫المفرط للموارد& الطبيعية والعديد& من المشاكل المتعلقة بتلوث الهواء‪.‬‬
‫‪ _2‬البعد االقتصادي‪ :‬يتمحور& البعد االقتصادي حول االنعكاسات الراهنة والمستقبلية لالقتصاد على‬
‫البيئة‪ ،‬إذ يطرح مسألة إختيار وتمويل& وتحسين التقنيات الصناعية في مجال توظيف الموارد& الطبيعية‪،‬‬
‫ووفقا& للبعد االقتصادي‪ ،‬تعمل التنمية المستدامة على تطوير& التنمية االقتصادية مع األخذ بالحسبان‬
‫التوازنات& البيئية على المدى البعيد‪ ،‬باعتبار البيئة هي األساس والقاعدة للحياة البشرية‪ ،‬الطبيعية وكذا‬
‫النباتية‪ ،‬وتمثل العناصر& اآلتية محور البعد االقتصادي‪&:‬‬
‫‪ .1‬النمو االقتصادي المستديم&‬
‫‪ .2‬كفاءة رأس المال‬
‫‪ .3‬إشباع الحاجات األساسية‬
‫‪ .4‬العدالة االقتصادية‬

‫وتجدر& اإلشارة إلى أن التنمية المستدامة توفق بين هذين البعدين وذلك باألخذ بعين اإلعتبار بضرورة‬
‫المحافظة على الطبيعة‪ ،‬هذا من جهة وضرورة تقدير نتائج األفعال البشرية على الطبيعة من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ _3‬البعد االجتماعي‪ :‬تتميز التنمية المستدامة بهذا البعد بشكل خاص‪ ،‬وهو يمثل البعد اإلنساني& بالمعنى‬
‫الضيق‪ ،‬إذ يجعل من النمو وسيلة لاللتحام االجتماعي‪ ،‬وضرورة إختبار اإلنصاف& بين األجيال‪ ،‬إذ يتوجب‬
‫على األجيال الراهنة _النظر لمهمة وضرورة عملية اإلنصاف& والعدل_ القيام باختبارات النمو وفقا‬
‫لرغباتها ورغبات األجيال القادمة‪ ،‬وهكذا فإن كال من البعد البيئي واالقتصادي& يرتبط بشكل كبير بالبعد‬
‫االجتماعي الذي يمثل اإلنسان أو الفرد‪ ،‬وفيما& يلي أهم عناصر البعد االجتماعي‪:‬‬
‫‪ ‬المساواة في التوزيع‬
‫‪ ‬الحراك االجتماعي‬
‫‪ ‬المشاركة الشعبية‬
‫‪ ‬التنوع الثقافي‬
‫‪ ‬استدامة المؤسسات‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التخطيط للتنمية المستدامة و معوقاتها‪.‬‬
‫لقد كان مؤتمر& األمم المتحدة للبيئة والتنمية نموذجا& حيا للمواقف& الفعالة بدون أية أفعال حاسمة‪ .‬فقد‬
‫صدر عن المؤتمر& ثالث وثائق اعتبرت آنذاك كما لو كانت إنجازا عظيما نحو تحقيق التعاون الدولي في‬
‫مجال التنمية المستدامة‪ ،‬وتمثلت هذه الوثائق& في إعالن ريو‪ ،‬وهو عبارة عن خطة عمل يطلق عليها جدول‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫األعمال ‪ 21‬التي تحدد أهم واجبات وحقوق الدول في مجال التنمية والبيئة‪ ،‬وسنتطرق& إلى الموقف& الدولي‬
‫منها وأهم مؤشراتها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف باألجندة ‪21‬‬
‫تعتبر األجندة ‪ 21‬برنامج العمل الشامل الذي تبنته ‪ 182‬دولة والخطة التفصيلية لتحقيق المستقبل‬
‫المتواصل& لكوكب األرض عام ‪ 1994‬وخالل القرن ‪ .21‬وهي أول وثيقة من نوعها تحضى باتفاق دولي‬
‫واسع يعكس إجماعا عالميا والتزاما سياسيا& من أعلى مستوى وتجمع األجندة سلسلة من الموضوعات‬
‫أهمها أعمال يلزم القيام بها لحماية البيئة‪ ،‬التنمية البشرية بشكل متكامل‪ ،‬وتتضمن حوافز وتدابير& محددة‬
‫لتضييق& الثغرة بين األمم الغنية واألمم الفقيرة‪ ،‬ودفع& عجلة اقتصاديات الدول النامية والقضاء على مشكلة‬
‫الفقر وتخفيض استخدام الموارد& الطبيعية لألرض وضبط معدالت الزيادة السكانية التي تهدد تنمية الموارد&‬
‫والبيئة معا‪.‬‬
‫إن برنامج العمل يوصي بالوسائل& التي من شأنها أن تدعم الدور الذي يمكن أن تقوم به بعض المجموعات‬
‫والممثلين الرئيسيين للمجتمع للوصول إلى التنمية المستدامة‪.‬‬
‫واألجندة المشار إليها تعتبر من الوثائق الدولية التي تم بحثها والتفاوض بشأنها والموافقة عليها‪ .‬ورغم أنها‬
‫ليست ملزمة قانونا& فإن لها نفاذ أدبية وعلمية وعملية‪ .‬وقوتها تكمن في أنها لم توضع بواسطة مجموعة من‬
‫الخبراء لصالح الحكومات‪ ،‬ولكنها نوقشت وتم التفاوض بشأنها في مؤتمر دولي كلمة بواسطة ممثلي‬
‫الحكومات التي ستقوم بتنفيذها‪.‬‬
‫وفي& سنة‪ 1997‬أي خمس سنوات بعد انعقاد قمة كوكب األرض‪ ،‬عقدت الجمعية العامة دورة استثنائية‬
‫حول تطبيق األجندة‪ 21‬فأبرزت& الدول األعضاء اختالفها& حول كيفيات تمويل التنمية المستدامة على‬
‫الصعيد الدولي‪ ،‬إال أنها أكدت على أن وضع حيز التنفيذ " األجندة ‪ "21‬يشكل أولوية أكثر من أي وقت‬
‫مضى‪.‬‬
‫ففي الوثيقة النهائية للدورة أعطيت توصيات حول عدد من اإلجراءات لهذا الغرض وهي أساسا‪:‬‬
‫المصادقة على األهداف الرامية إلى التقليص من إطالق الغازات الحابسة للحرارة التي تؤدي& للتغير‬
‫المناخي‪ ،‬العمل أكثر وبكل جد على النمو نحو أنماط مستدامة لإلنتاج والتوزيع& واستخدام& الطاقة والتركيز‬
‫على القضاء على الفقر هو شرط مسبق لكل تنمية مستدامة‪.‬‬

‫جدول رقم ‪1‬ـ‪ :2‬جدول أعمال القرن ‪21‬‬


‫االستدامة البيئية‬ ‫االستدامة االجتماعية‬ ‫االستدامة االقتصادية‬ ‫القضية‬
‫ضمان الحماية الكافية‬ ‫تأمين الحصول على المياه‬ ‫ضمان إمداد كاف ورفع‬ ‫المياه‬

‫‪1‬‬

‫محمد علي وردم‪ ،‬مخاطر العولمة على التنمية المستدامة‪ ،‬ص ‪227‬ـ ‪228‬‬ ‫?‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫للمستجمعات المائية والمياه‬ ‫النظيفة الكافية لالستعمال‬ ‫كفاءة استخدام& المياه في‬
‫الجوفية وموارد& المياه العذبة‬ ‫المنزلي والزراعة الصغيرة‬ ‫التنمية الزراعية‬
‫وأنظمتها& اإليكولوجية‪.‬‬ ‫لألغلبية الفقيرة‪.‬‬ ‫والصناعية والحضرية‬
‫والريفية‪.‬‬
‫ضمان االستخدام& المستدام‬ ‫تحسين اإلنتاجية وأرباح‬ ‫رفع اإلنتاجية الزراعية‬ ‫الغذاء‬
‫والحفاظ على األراضي‬ ‫الزراعة الصغيرة وضمان‬ ‫واإلنتاج من أجل تحقيق‬
‫والغابات والمياه والحياة‬ ‫األمن الغذائي المنزلي‪.‬‬ ‫األمن الغذائي الوطني‬
‫البرية واألسماك& وموارد&‬ ‫واإلقليمي& والتصدير‪.‬‬
‫المياه‪.‬‬
‫صمان الحماية الكافية‬ ‫فرض معايير& للهواء والمياه‬ ‫زيادة اإلنتاجية من خالل‬ ‫الصحة‬
‫للموارد البيولوجية واألنظمة‬ ‫والضوضاء& لحماية صحة‬ ‫الرعاية الصحية والوقائية‬
‫اإليكولوجية واألنظمة‬ ‫البشر وضمان الرعاية‬ ‫وتحسين الصحة واألمان‬
‫الداعمة للحياة‪.‬‬ ‫الصحية األولية لألغلبية‬ ‫في مواقع العمل‪.‬‬
‫الفقيرة‪.‬‬
‫ضمان اإلستخدام& المستدام‬ ‫ضمان الحصول على السكن‬ ‫ضمان اإلمداد الكافي‬ ‫المأوى‬
‫أو المثالي لألراضي&‬ ‫المناسب بالسعر& المناسب‬ ‫واإلستعمال الكفء لموارد‬ ‫والخدمات‬
‫والغابات والطاقة والموارد&‬ ‫باإلضافة إلى الصرف&‬ ‫البناء ونظم& المواصالت‪.‬‬
‫المعدنية‪.‬‬ ‫الصحي والمواصالت‬
‫لألغلبية الفقيرة‪.‬‬
‫خفض اآلثار البيئية للوقود‬ ‫ضمان الحصول على الطاقة‬ ‫ضمان اإلمداد الكافي‬ ‫الطاقة‬
‫الكافية لألغلبية الفقيرة خاصة الحفري على النطاق المحلي‬ ‫واإلستعمال الكفء للطاقة‬
‫واإلقليمي& والعالمي والتوسع&‬ ‫بدائل الوقود الخشبي‪.‬‬ ‫في مجال التنمية الصناعية‬
‫في تنمية واستعمال الغابات‬ ‫والمواصالت واإلستعمال&‬
‫والبدائل المتجددة األخرى‬ ‫المنزلي‪.‬‬
‫إدخال البيئة في المعلومات‬ ‫ضمان وفرة المتدربين لكل ضمان اإلتاحة الكافية للتعليم‬ ‫التعليم‬
‫العامة والبرامج التعليمية‪.‬‬ ‫للجميع من أجل حياة صحية‬ ‫القطاعات اإلقتصادية‬
‫ومنتجة‪.‬‬ ‫األساسية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫ضمان اإلستعمال المستدام&‬ ‫دعم المشاريع الصغيرة‬ ‫زيادة الكفاءة اإلقتصادية‬ ‫الدخل‬
‫للموارد الطبيعية الضرورية‬ ‫وخلق الوظائف لألغلبية‬ ‫والنمو وفرص العمل في‬
‫للنمو اإلقتصادي& في‬ ‫الفقيرة في القطاع غير‬ ‫القطاع الرسمي‪.‬‬
‫القطاعات الرسمية وغير‬ ‫الرسمي‪.‬‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬باتر محمد علي وردم‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪194‬‬

‫‪1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تمويل التنمية المستدامة‪.‬‬
‫عند قمة األرض تقرر أن تمويل " األجندة ‪ "21‬سيقوم به أساسا القطاعات العمومية والخاصة لكل‬
‫بلد‪ ،‬إال أنه اتضح أن اإلعانات التي قد تأتي من الصناديق& الخارجية اإلضافية قد تكون ضرورية لمساندة‬
‫البلدان النامية في المجهودات التي تقوم بها للمصادقة على تطبيقات من أجل التنمية المستدامة وحماية بيئة‬
‫الكوكب‪.‬‬
‫إن الصندوق& من أجل البيئة العالمية(‪ )FFM‬الذي أنشأ في سنة ‪ 1991‬وأعيدت هيكلته في ‪ 1994‬قد‬
‫كلف وللمرة الثانية بإدارة هذه الصناديق‪ ،‬وفي& سنة ‪ 1994‬هناك ‪ 34‬دولة التزمت بتقديم مليارين من‬
‫الدوالرات وفي& سنة ‪ 36 ،1998‬دولة أعلنت عن ‪ 2.75‬مليار دوالر من المساهمات اإلضافية‪ ،‬إن موارد&‬
‫الصناديق& تعتبر الوسيلة األساسية التي من شأنها أن تسمح بتحقيق وبصفة مجسدة أهداف االتفاقيات‬
‫المتعلقة بالتغيير& البيولوجي& والمناخي‪.‬‬
‫إن (‪ )FFM‬يمول حاليا تقريبا ‪ 700‬مشروع في ‪ 140‬بلد نامي وفي& طريق التحويل اإلقتصادي‪.‬‬
‫لقد منح ‪3‬ماليير دوالر وتحصل& على ‪ 8‬ماليير دوالر إضافية بصفة التمويل المشترك& لدى الحكومات‬
‫المستفيدة‪ ،‬الهيئات الدولية للتنمية‪ ،‬القطاع الخاص الصناعي والمنظمات غير الحكومية (‪.)ONE‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مؤشرات التنمية المستدامة‪.‬‬
‫رغم االنتشار الواسع لمفهوم التنمية المستدامة إال أن المشكلة الرئيسية فيه بقيت في تحديد مؤشرات&‬
‫للتمكين من قياس مدى التقدم نحو التنمية المستدامة من خاللها‪.‬وتعرف& المؤشرات على أنها " أداة تصف‬
‫بصورة كمية موجزة وضعا& أو حالة معينة" وهي مقياس يلخص معلومة تعبر عن ظاهرة أو مشكلة معينة‪،‬‬
‫وهو يجيب على أسئلة محددة يستفسر عنها صانع القرار‪ .‬حيث تساهم هذه المؤشرات& في تقييم مدى تقدم‬
‫الدول والمؤسسات& في مجاالت تحقيق التنمية المستدامة بشكل فعلي وهذا ما يترتب عليه اتخاذ قرارات‬
‫وطنية دولية حول االلتزام بالتنمية المستدامة‪ ،‬إذ أن معظم التقارير التي تصل من طرف& الدول لألمم‬

‫محمد علي وردم‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.129‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫المتحدة حول تنفيذها لخطط التنمية المستدامة‪ ،‬كان هذا التقييم نظريا& وإ نشائيا‪ .‬وبالتالي التركيز& على‬
‫اإليجابيات وعدم وجود تقييم نقدي حقيقي‪.1‬‬
‫ينبغي وضع المقاييس العددية للتنمية المستدامة بحذر‪ ،‬وذلك نظرا للخصائص الفريدة التي تتمتع بها‬
‫المقاييس الزمانية والمكانية‪ .‬فقد يكون لدينا أرقام& ولكنها ال تخبرنا بما نريد معرفته فوهم اليقين أكثر‬
‫خطورة من جهل اليقين‪ ،‬ومع ذلك ثمة مجموعات عديدة تعمل على تطوير& مقاييس تعكس درجة صيانة‬
‫‪2‬‬
‫البيئة واهتم بعضها بالعوامل التي تصنع مؤشرا جيدا‪.‬‬
‫إن اشتقاق مؤشرات ومعامالت قياس التنمية يكون من ضمن أو محتوى أهدافها يعني أنها تتغير وتختلف‬
‫نتيجة تغير واختالف& األهداف من فترة زمنية ألخرى لنفس المنطقة ومن منطقة أخرى‪ .‬وهنا تجدر‬
‫اإلشارة إلى أن مؤشرات قياس التنمية المستديمة تختلف عن مؤشرات& التنمية التقليدية‪ ،‬فهذه األخيرة تقيس‬
‫التغير الذي طرأ على جانب معين من جوانب عملية التنمية أو المجتمع على أساس أن هذه التغيرات‬
‫مستقلة وليس لها عالقة بجوانب التنمية األخرى‪ .‬أما مؤشرات& التنمية المستديمة فإنها تعكس حقيقة أن‬
‫الجوانب اإلقتصادية واإلجتماعية والبيئية هي جوانب مترابطة ومتكاملة ومتداخلة‪ ،‬وأي تغيير يطرأ على‬
‫أحد هذه الجوانب فإنه ينعكس بصورة أو بأخرى على الجوانب األخرى‪.‬‬
‫ومن معايير إعداد مؤشرات& جيدة للتنمية المستدامة ومن بين المجموعات الدولية األخرى التي تعمل في‬
‫مجال إعداد مؤشرات بيئية وللتنمية المستدامة لجنة األمم المتحدة للتنمية المستدامة كما ذكرنا سابقا وجهاز‬
‫األمم المتحدة للمحاسبة البيئية واالقتصادية ومكتب األمم المتحدة اإلحصائي وبرنامج األمم المتحدة البيئي‬
‫واللجنة العلمية المعنية بمشكالت البيئية ومنظمة التعاون االقتصادي والبنك الدولي‪ .‬نقوم بقياس التنمية‬
‫لتحقيق مجموعة من األهداف‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أهداف وضع المؤشرات‪.‬‬
‫‪1‬ـ تقييم الجهد المبذول لتحقيق األهداف المنشودة‪.‬‬
‫‪2‬ـ تحديد المعوقات التي تحول دون الوصول& إلى األهداف المنشودة وما يترتب على ذلك من تعديل للمسار‬
‫أو اإلستقرار وفي& نفس اإلتجاه‪.‬‬
‫‪3‬ـ مقارنة األوضاع التنموية بين المناطق المختلفة سواء كانت دوال أو أقاليم‪.‬‬
‫‪4‬ـ تحديد مدى اإللتزام باإلطار الزمني المتخصص لتحقيق األهداف وهل تسير عليه التنمية بشكل سريع أم‬
‫بطيء أم مناسب‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪5‬ـ اإلستفادة من تجارب اآلخرين في ما حققوه أو عجزوا عن تحقيقه‪.‬‬
‫ومن أمثلة المؤشرات التي اختارها معهد المراقبة العالمي‪.‬‬
‫‪ 1‬محمد علي وردم‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ 2‬دوجالس موسشيت‪ ،‬مبادئ التنمية‪ B‬المستدامة‪ ،‬ترجمة بهاء شاهين‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫السنة‪ 2000 :‬ص‪254‬‬
‫‪2‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫اإلتجاهات اإلقتصادية‪ :‬اإلقتصاد العالمي‪ ،‬ديون العالم الثالث‪ ،‬التجارة الدولية‪ ،‬إنتاج الصلب‪ ،‬إنتاج الورق‪،‬‬
‫نفقات اإلعالنات‪.‬‬
‫اإلتجاهات العسكرية‪ :‬النفقات العسكرية‪ ،‬الترسانات النووية‪.‬‬
‫اإلتجاهات اإلجتماعية‪ :‬النمو السكاني‪ ،‬التدخين‪ ،‬معدالت وفيات األطفال‪ ،‬الالجئين‪.‬‬
‫اإلتجاهات الخاصة بالغالف الجوي‪ :‬إنبعاثات الكربون‪ ،‬ارتفاع درجة الحرارة على مستوى& العالم‪ ،‬إنتاج‬
‫غازات الكلور والفلور والكربون‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ثانيا‪ :‬معايير إعداد مؤشرات جيدة للتنمية المستدامة‪.‬‬
‫ـ أن تعكس شيئا أساسيا وجوهريا لصحة المجتمع اإلقتصادية أو اإلجتماعية أو البيئية طويلة األمد على مر‬
‫األجيال‪.‬‬
‫ـ أن تكون واضحة ويمكن تحقيقها أي ببساطة يستطيع& المجتمع فهمها وتقبلها‪.‬‬
‫ـ أن تكون قابلة للقياس‪.‬‬
‫ـ أن تكون حساسة عبر المكان أو داخل الجماعات‪.‬‬
‫ـ يمكن التنبؤ بها أو توقعها‪&.‬‬
‫ـ أن تكون ذات مرجعية أو ذات قيم حدية متاحة‪.‬‬
‫ـ أن توضح ما إذا كانت المتغيرات قابلة للقلب ويمكن التحكم فيها أم ال‪.‬‬
‫ـ النواحي الخاصة بالجودة‪ :‬ينبغي تحديد األساليب المستخدمة في إعداد أي مؤشر بوضوح& وأن يتم‬
‫توصيفها& بدقة وأن تكون مقبولة اجتماعيا وعلميا وأن يكون من السهل إعادة إنتاجها‪.‬‬
‫ـ الحساسية للزمن‪ :‬بمعنى أن المؤشر يشير إلى اتجاهات نموذجية إذا استخدم كل عام ‪ ،‬لذلك فإن عملية‬
‫‪2‬‬
‫إعداد مؤشرات& لقياس التنمية المستديمة تمر بمجموعة من المراحل هي‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬وتشمل الخطوات التالية‪:‬‬
‫ـ تحديد الجهات ذات العالقة بعملية التنمية المستديمة بشقيها الحكومية والخاصة‪.‬‬
‫ـ تحديد دور كل جهة في عملية التنمية واألهداف التي تسعى لتحقيقها في ظل األولويات الوظيفية‪.‬‬
‫ـ وضع آلية لتحقيق التنسيق& والتكامل بين أدوار هذه الجهات‪.‬‬
‫ـ تحديد المؤشرات& التي تستخدمها& هذه الجهات في تقييم انجازاتها‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬وتشمل الخطوات التالية‪:‬‬
‫ـ تحديد المؤشرات& المستخدمة في الدولة أو اإلقليم والوضع الحالي لهذه المؤشرات‪.‬‬
‫ـ بيان مدى انسجام هذه المؤشرات& مع قائمة المؤشرات& التي أعدتها األمم المتحدة لقياس التنمية‪.‬‬
‫ـ تحديد الجهات التي تستخدم& هذه المؤشرات‪.‬‬

‫‪? 1‬دوجالس موسشيت‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص ‪166‬ـ ‪167‬‬


‫‪ 2‬محمد غنيم‪ ،‬التنمية المستدامة‪ ،‬مرجع سبق ذكره ص‪255‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫ـ تحديد األهداف التي من أجلها تستخدم& هذه المؤشرات‪.‬‬


‫المطلب الرابع‪ :‬تحديات التنمية المستدامة‪.‬‬
‫تميز جدول أعمال القرن ‪ 21‬بنقطتي ضعف رئيسيتين‪ :‬أولهما أن توصيات األجندة ومصادر& التمويل‬
‫لم تحظ باهتمام كاف على المستويات المحلية والدولية‪ ،‬وثانيهما تكمن في ضعف التوجه نحو تحديد‬
‫‪1‬‬
‫األولويات& بحيث أن جميع المواضيع& المدرجة تبدو على ذات الدرجة من األهمية‪.‬‬
‫إن التطبيق الحقيقي لمبادئ األجندة ‪ 21‬في العالم لم يكن بالصورة المأمولة وأنه كان عشوائيا ومتعثرا&‬
‫وتعوزه اإلرادة السياسية واإللتزام المالي واإلقتصادي‪.‬‬
‫واعتبرت قمة األرض الثانية في أيلول ‪ 2002‬في جوهانسبرغ& ( عقدت تحت شعار القمة العالمية للتنمية‬
‫المستدامة ) مناسبة مثالية لتقييم اإلنجازات التي تحققت على مدى العقد الماضي منذ تم اإلعالن عن‬
‫األجندة ‪ ،21‬وقد& قام األمين العام لألمم المتحدة بإعداد تقرير سردي ومرجعي حول تنفيذ البنود المختلفة‬
‫لألجندة‪ ،‬وشخص واقع تنفيذها بأنه كان أقل من المأمول وأكد أن هناك فجوة في التنفيذ وقد& أشار أيضا في‬
‫تقريره إلى النصوص الخاصة بما يمكن العمل على إنجازه في المستقبل إلى عشرة مجاالت رئيسية للعمل‬
‫من بينها‪:2‬‬
‫‪ -1‬جعل العولمة تعمل لصالح التنمية المستدامة عن طريق& تدابير مثل إدارة أكثر تنسيقا لسياسات‬
‫اإلقتصاد الكلي وتحسين فرص وصول& البلدان النامية إلى األسواق‪.‬‬
‫‪ -2‬توفير& سبل الحصول على الطاقة وزيادة فعالية الطاقة عن طريق تكنولوجيات متجددة وفعالة في مجال‬
‫الطاقة وتغيير األنماط غير المستدامة الستهالك الطاقة‪.‬‬
‫‪ -3‬تحسين إدارة موارد& المياه العذبة وإ ستخدامها& عن طريق تدابير مثل إدارة أحواض األنهار ومساقط‬
‫المياه وتحسين إدارة الموارد& المائية المشتركة‪.‬‬
‫‪ -4‬التنمية المستدامة إلفريقيا& من خالل تحديد المجاالت الرئيسية التي يمكن فيها للمبادرات أن تعزز‬
‫التنمية المستدامة في إفريقيا‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬الموقف الدولي من التنمية المستدامة‪.‬‬
‫إن الموقف الدولي ال يزال غير منسجم فيما يجب فعله تجاه ما يواجه البشرية من مخاطر& نتيجة‬
‫االنتكاسات في المسار التنموي& للدول النامية مما ساهم في إتساع دائرة الفقر وتزايد& المخاطر المحيطة‬
‫بالبيئة وبشكل خاص إرتفاع درجة الحرارة وذوبان القطب المتجمد الشمالي بشكل مخيف والزحف‬
‫المستمر& على تدمير الغابات ال سيما غابة األمازون التي تعد رئة العالم وتخريب& طبقة األوزون وتلوث‬
‫المياه والهواء واألرض‪.‬‬

‫‪ 1‬باتر محمد علي وردم‪ ،‬مخاطر العولمة على التنمية المستدامة‪ ،‬دار األهلية‪ ،‬عمان‪ ،‬المملكة األردنية‪ B‬الهامشية‪ ،‬السنة‪:‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪195‬‬
‫‪ 2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪196‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫فقد برز مفهوم التنمية المستدامة في مؤتمرات& األمم المتحدة التي عقدت في هذا الشأن‪ ،‬وكما ذكرنا سابقا‬
‫فإن تجمع الدول الصناعية في "كيوتو"& باليابان ‪ 1997‬كان له وجهه الخاص إذ تمكن المندوبون من اإلتفاق‬
‫على نقاط عديدة‪ ،‬وقد& كان الهدف المتوخى من بروتوكول& "كيوتو"& يتمثل في تخفيض الغازات المنبعثة من‬
‫الصناعة في الدول المتقدمة في الفترة ما بين ‪ 2008‬إلى ‪ 2012‬وكانت النسب المحددة كما يلي‪ :‬اليابان‬
‫‪1‬‬
‫‪،%6‬و‪.‬م‪.‬أ ‪ ،%7‬اإلتحاد األوروبي& ‪. %8‬‬
‫إال أن هذا اإلتفاق واجه إنتكاسة كبيرة إثر انسحاب و‪.‬م‪.‬أ منه مما جعل الدول األوروبية واليابان تبدي‬
‫الكثير من القلق من هذا الموقف السلبي‪ ،‬حيث تكمن أسباب انسحاب و‪.‬م‪.‬أ وفقا لرؤيتها في أن تخفيض‬
‫الغازات في الدول المتقدمة لن يتم بفعالية مما يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بالصناعات المحلية أي أنها‬
‫إثر انسحابها من بروتوكول& "كيوتو"& سيجعلها في وضع تنافسي& قوي ضد الدول والمناطق& األخرى وبالتالي‬
‫سيفقد اليابان واإلتحاد& األوروبي& مواقعهم& التنافسية ضد أمريكا من ناحية وتزداد منافستهم ضد الصين‬
‫والهند ودول أوروبا الشرقية من ناحية أخرى‪.‬‬
‫وبانعقاد& قمة جوهانسبرغ& في جنوب إفريقيا سبتمبر& ‪ 2001‬كان التركيز واضحا& على ظاهرتي نمو الفقر‬
‫‪2‬‬
‫وتدهور البيئة‪ ،‬وقد أثارت هذه القمة اهتمام الرأي العام من خالل نقطتين‪:‬‬
‫‪ -‬أن الوثيقة المقدمة حضرها ‪ 104‬رئيس دولة وحكومة وأكثر من ‪ 21000‬شخص منهم ‪ 9000‬مندوب‬
‫و‪ 8000‬ينتمون لمنظمات غير حكومية و‪ 4000‬يمثلون الصحافة‪ .‬وذلك ألهمية الموضوع& وخطورته‬
‫على مستقبل البشرية‪ .‬وتجاوبا مع ذلك تعهدت ‪ 9‬شركات كبرى في مجال الكهرباء بتحمل مشاريع& الطاقة‬
‫المستدامة في الدول النامية‪.‬كما أبدى اإلتحاد األوروبي& استعداده بتخفيض مبلغ ‪ 700‬مليون دوالر‬
‫كمشاركة في الميدان الطاقوي‪ .‬أما الواليات‪.‬م‪.‬أ فقد قدمت استثمارا قدر ب‪ 133‬مليون دوالر& للفالحة‬
‫المستدامة‪ .‬إضافة إلى االهتمام بقضايا الصحة وتخفيض األمراض الناجمة عن التلوث والمنتجات‬
‫الكيماوية المضرة باإلنسان‪ .‬وهكذا بدأت صورة التنمية المستدامة تتشكل بل تأخذ منعطفا جديدا لدى‬
‫المجموعة الدولية كاألمم المتحدة والدول الفاعلة في المجتمع الدولي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬معوقات التنمية المستدامة‪.‬‬
‫تواجه التنمية المستدامة العديد من العقبات التي تحول دون تحقيق أهدافها من أهمها الفقر والحرب‬
‫وسنتطرق& لها بالتفصيل أكثر فيما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التنمية المستدامة بين ازدهار الشمال وبؤس الجنوب‪.‬‬
‫لم يحدث في البشرية وفي تاريخها& أن تم خلق الثروة مثلما حصل خالل ‪ 15‬سنة األخيرة من القرن‬
‫الماضي‪ ،‬غير أن الفجوة بين األغنياء والفقراء ازدادت اتساعا‪ ،‬وتشير البيانات إلى أن ثلث سكان العالم‬
‫‪ 1‬محمد علي وردم‪ ،‬مرجع سابق الذكر‪ ،‬ص‪129‬‬
‫‪ 2‬صالح عمر فالحي‪ ":‬التنمية المستدامة بين تراكم رأس المال في الشمال واتساع الفقر في الجنوب" في مجلة العلوم‬
‫االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬العدد ‪ ،2004 |3‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬جامعة فرحات عباس‪ ،‬سطيف ‪،‬‬
‫الجزائرـ ص ‪7‬‬

‫‪19‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫يعيشون بدخل اقل من دوالرين في اليوم وأن خمس السكان(‪ 1.2‬مليار نسمة) يعيشون في فقر مدقع‬
‫بنصف& ذلك المبلغ أي دوالر& واحد‪ ،‬وبتسليط المزيد من األضواء حول دول الجنوب يتضح أن المأساة‬
‫أدهى وأمر‪ ،‬وأن تكاليف اإلنسانية يتجلى بشكل واضح في استمرار& الفقر ونمو الالمساواة‪ ،‬وسوء توزيع‬
‫الثروة في معظم الدول النامية تشير التقديرات إلى أنه كل سنة يموت ‪ 13‬مليون طفل من الفقر واألمراض‬
‫المتصلة به‪.‬إن هذا التناقض والتباين بين الشمال والجنوب يؤكد فعال تزايد حدة التقطيب وضمن البلد‬
‫الواحد في الشمال كما في الجنوب حيث في و‪.‬م‪.‬أ يعيش ‪ %15‬من المواطنين تحت خط الفقر‪ ،‬وفي& هذا‬
‫السياق نجد أن مصادرة القوى االستعمارية لثروات الشعوب المستمرة وهيمنتها& عليه لسنوات طوال‬
‫ساهمت في ترسيخ الفقر في الجنوب والثروة في الشمال‪ 1.‬وإ ن تسارع& وتيرة العولمة على نمو غير‬
‫مسبوق& خالل عقد التسعينات أدى إلى إنعكاسات سلبية خطيرة على مجتمعات الجنوب‪ ،‬وخصوصا& البلدان‬
‫العربية مثال‪ :‬إرتفاع معدالت البطالة‪ ،‬زيادة التعطيل المستتر ونقص التشغيل وتدهور معدالت األجور‬
‫الحقيقية فضال عن تنامي أعداد المشتغلين في أسواق& العمل غير الرسمية وانخفاض مستوى& الدخول‬
‫‪2‬‬
‫المتحققة فيها مما أدى إلى إشتداد حدة الفقر وتزايد& عدد الفقراء في سائر المنطقة العربية ككل‪.‬‬
‫وتتجلى& المشاكل التي هي غاية في التعقيد لألجيال في الجنوب من العوامل اآلتية‪:‬‬
‫‪1‬ـ تشجيع حكومات دول الشمال القادة السياسيين في الجنوب باستعمال القروض لتوفير& الظروف& المالئمة‬
‫ولدفع& عجلة التنمية‪ ،‬غير أن هذه األموال غالبا ما كانت تستعمل في األغراض العسكرية‪.‬‬
‫‪2‬ـ تبني دول الجنوب برامج التعديل الهيكلي تحت إطار سياسة الهيمنة على التجارة الدولية‪ ،‬وعلى أساس‬
‫أن الجنوب يجب أن يوفر أكثر وينفق أقل‪ ،‬ولقد تم هذا ولكن على حساب زيادة نسبة البطالة وتخفيض‬
‫المستوى& المعيشي والصحي والتعليم‪.‬‬
‫إن تقليص الفقر يتوقف& على نماذج التنمية المعتمدة ومدى مالءمتها لإلمكانيات المتاحة في كل بلد وكيفية‬
‫استغاللها (استغالل الفرد لها)‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التنمية المستدامة والسلم‪.‬‬
‫تعتبر التنمية المستدامة عملية متعددة الجوانب وتتطلب رؤية شاملة‪ ،‬فالتنمية لم تعد مسألة اقتصادية‬
‫محضة‪ ،‬بل إنها قضية حضارية تتداخل في ظروف& البيئة السياسية واإلجتماعية والثقافية‪ .2‬إال أن هناك‬
‫جملة من القضايا المتداخلة التي تعتبر من الشروط& األساسية للتنمية المستدامة وهي السلم والديمقراطية‬
‫وحقوق& اإلنسان والمساواة واالستعمال& الجيد لمصادر& الطاقة ومشاركة جميع أفراد المجتمع في عملية‬

‫‪ 1‬صالح عمر فالحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪13‬ـ‪14‬‬


‫‪ 2‬عدنان ياسين مصطفى‪ (،‬التنمية‪ B‬المستدامة بين إيديولوجيا الشمال ومأزق الجنوب)‪ ،‬دراسات اجتماعية‪ ،‬العدد‪ B‬التاسع‪،‬‬
‫السنة الثالثة‪ ،‬ربيع ‪ ،2001‬ص‪10‬‬
‫‪ 2‬عبد الوهاب األمين‪ ،‬التنمية‪ B‬االقتصادية‪ ،‬المشكالت والسياسات المقترحة مع إشارة إلى البلدان العربية‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة‬
‫العربية السعودية‪،‬دار حافظ للنشر والتوزيع‪،2000،‬ص ‪395‬‬
‫‪ 2‬صالح عمر فالحي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪8‬ـ‪9‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫اتخاذ القرار والتوزيع& العادل للثروة‪ .‬فإن تجسيد التنمية في الواقع العملي يتطلب توفير السلم في المقام‬
‫األول‪.‬وقد& وقد انصب اهتمام معظم الدول حول السلم منذ نهاية الحرب الباردة‪ .‬وبالرغم من الدراسات‬
‫المستفيضة حول العالقة بين السلم والتنمية وفي مؤتمر& األمم المتحدة في ريو دي جانيرو& الذي تبنى خطوة‬
‫هامة في اتجاه الفهم الصحيح لكل من التنمية المستدامة وعملية السلم‪ .‬فقد بقيت نتائج هذه الدراسات دون‬
‫أدلة قاطعة ومقنعة‪ .‬مع ذلك فمن البديهي القول بأن انعدام السلم يعني حالة الحرب أو النزاع مما يؤدي إلى‬
‫استنزاف& المصادر التي كان من الممكن توظيفها لترقية رفاهية المواطنين‪ ،‬فإن النزاعات المسلحة غالبا ما‬
‫تلحق إضرارا& بالغة بالموارد الطبيعية والبنى التحتية وباإلنسان مثلما يحدث في العراق وفلسطين‬
‫وأفغانستان‪.‬‬
‫وهذا يعني ان تحقيق التنمية المستدامة تساهم في إلغاء األسباب الحقيقية للنزاع كتخفيض نسبة الفقر‬
‫والتقليل من الالمساواة وتوزيع& الموارد المتاحة بكيفية تستفيد منها شرائح واسعة من المحرومين‪ ،‬كما‬
‫تستطيع& التنمية المستدامة أن تساهم في حالة االستقرار والسلم إذا كانت شاملة وتتضمن فكرة التنظيم‬
‫‪2‬‬
‫المتعددة ليس فقط اقتصاديا أو بيئيا أو سياسيا& ولكن كل هذه الجبهات‪.‬‬
‫لذا من الضروري& اإلستيعاب الجيد لما تعنيه التنمية المستدامة ولماذا تم اختيار عنوان "مستقبلنا المشترك"‬
‫لتقرير برونتالند‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التنمية المستدامة والعولمة‪.‬‬
‫تعددت تعاريف العولمة بين المؤيدين لها والمعارضين إال أنه قد اتفق معظم المشاركين في مناقشات‬
‫الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية حول "العرب والعولمة" عام ‪ 1997‬أن العولمة‬
‫هي ظاهرة ذات ركيزة اقتصادية في طبيعتها‪ ،‬وأن أدواتها& الفعالة هي الشركات متعددة الجنسيات‪ .‬وهي‬
‫كظاهرة تاريخية وليست إيديولوجية جديدة أو مذهبا سياسيا& مبتكرا أو معتقدا فكريا حديثا‪ ،‬وإ ن كان هذا ال‬
‫يعني بالطبع تجاهل تجلياتها األخرى في المجاالت السياسية والعسكرية والثقافية واإلعالمية‪.‬‬
‫إن استمرار النمو االقتصادي القائم حاليا سيؤدي& ال محالة إلى استنزاف& موارد هذا الكوكب وتخريب& البيئة‬
‫واألنظمة الطبيعية وزيادة التباين االجتماعي واالقتصادي& وال شك أن البشرية تقف على مفترق طرق&‬
‫حساس‪ ،‬فإما أن تواصل طريق& النمو االقتصادي& المفرط حسب العقيدة االقتصادية اللبيرالية الجشعة‪ ،‬أو أن‬
‫تنتبه إلى الدمار الذي تحدثه في هذا الكوكب وتبدأ بالعمل على تطوير& أنظمة اقتصادية مستدامة في اإلنتاج‬
‫واالستهالك& والسياسات االقتصادية العامة‪.‬‬
‫وتقول منظمة أصدقاء األرض وهي من أكثر المنظمات البيئية في العالم انتقادا للسياسات االقتصادية‬
‫للعولمة‪ ،‬أن العولمة االقتصادية التي تسود& العالم حاليا والتي تبحث عن الربح بغض النظر عن الكلفة‬
‫البيئية واالجتماعية تتناقض تماما مع مبادئ التنمية المستدامة‪.‬‬

‫‪ 1‬باتر محمد علي وردم‪ ،‬مخاطر العولمة على التنمية المستدامة‪ ،‬دار األهلية‪ ،‬عمان‪ ،‬المملكة األردنية‪ B‬الهامشية‪ ،‬السنة‪:‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪300_126‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫ومن المعروف أن النشاط االقتصادي& في العالم مبني أساسا على الموارد& الطبيعية والبيئية حيث تمثل البيئة‬
‫مدخل جميع المواد الخام والطاقة المستخدمة في التصنيع‪ ،‬وكذلك المستقبل األخير للمخلفات الناتجة عن‬
‫النشاط االقتصادي‪ .‬والتعامل& مع القضايا المشتركة بين التجارة والبيئة والتنمية يكمن في رؤية كل من هذه‬
‫القطاعات إلى القضايا التي يتم النقاش حولها من خالل منظومة منطقية في التسلسل ما بين السبب‬
‫والنتيجة‪.‬‬
‫كما ذكرنا سابقا حول المشاكل التي تسببها العولمة االقتصادية قد أثارت في المقابل ردة فعل عالمية منظمة‬
‫من الشعوب ضد سياسات العولمة ومؤسساتها الرئيسية مثل صندوق& النقد الدولي ومنتدى دافوس&‬
‫االقتصادي وال شك أن هذه التيارات (الجمعيات البيئية‪ ،‬منظمات المجتمع المدني) ستكون من األوجه‬
‫اإليجابية للعولمة واحد مؤشرات& حوار الحضارات والقوة المضادة التي يمكن أن تجمع شعوبا& من مختلف‬
‫التوجهات الدينية والعرقية والسياسية‪ ،‬وكما قال المفكر األمريكي& المعروف "نعوم& تشومسكي" فإن هذه‬
‫التيارات ليست في الحقيقة مناهضة للعولمة‪ ،‬بل تمثل الوجه الحقيقي للعولمة ألنها تجمع الشعوب وتكسر‬
‫الحواجز& وتوحد المطالب الرئيسية‪ ،‬بينما العولمة االقتصادية تتسبب فعليا في تحطيم عالقات الناس وتزيد‬
‫من التباين بين البشر‪ ،‬وخاصة بين األغنياء والفقراء‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التنمية المستدامة‬

‫خالصة الفصل األول‪:‬‬


‫يمكن أن نستخلص أن التنمية المستدامة هي التي تحقق التوازن بين النظام البيئي واالقتصادي&‬
‫واالجتماعي& وكل ما يهمنا هو التأكيد على أن التنمية لكي تكون مستدامة فإن من الضروري& أن تتم على‬
‫الصعيد المحلي انطالقا من خصوصيات كل مجتمع وبمشاركة فعالة من األفراد‪ .‬إذن يمكن القول أن‬
‫التنمية المتجددة والقابلة لالستمرار هي التنمية التي تضع نهاية لعملية استنزاف ال نهائية للموارد الطبيعية‪.‬‬
‫إذن التنمية المستدامة هي قضية أخالقية وإ نسانية بقدر ماهي قضية تتطلب االهتمام بالحاضر& أفرادا‬
‫ومؤسسات وحكومات‪ ،‬ولكن االندفاع السريع وراء النماذج التنموية واالنضمام& إلى التجارة الحرة وما‬
‫أفرزته من مشكالت اقتصادية واجتماعية خطيرة من بينها ارتفاع معدالت البطالة‪ ،‬زيادة التعطيل المستتر‪،‬‬
‫نقص التشغيل فضال عن تنامي أعداد المشتغلين في أسواق& العمل غير الرسمية‪ ،‬وسنتطرق لهذه األخيرة‬
‫بالتفصيل ونحاول& معالجتها‪.‬‬

‫‪23‬‬

You might also like