You are on page 1of 6

‫الحق والعدالة‬

‫المحور األول‪ :‬الحق بين الطبيعي والثقافي‪.‬‬


‫طرح اإلشكال‪:‬‬
‫ما الذي يشرعن ويبرر إعالن الحرية أو المس اواة أو غيره ا حق ا من حق وق اإلنس ان؟ أيرتب ط ذل ك‬
‫بإرادة المشرعين والقوانين الوض عية أم ألنه ا حق وق محايث ة للطبيع ة اإلنس انية؟ وبعب ارة أخ رى‪ ،‬يمكن‬
‫تأسيس وتأصيل الحق خارج كل ثقافة وتشريع ومواضعة أم أن الحق يظل نسبيا بنسبية القوانين الوضعية‬
‫التي تجسده على أرض الواقع؟‬
‫معالجة اإلشكال‪:‬‬
‫‪ -1‬بحثا عن مرجعية كونية مؤسسة للحق‪ :‬فكرة الحق الطبيعي‬
‫أ‪ -‬تمهيد‪ :‬لماذا تأسيس الحق على ما هو طبيعي؟‬
‫لقد لوحظ على الدوام أن الحق المستمد مما ه و ثق افي يس ري علي ه م ا يس ري على الثقاف ة من تن وع‬
‫واختالف باختالف المجتمعات والحقب التاريخية‪ ،‬مما دفع باسكال أن يكتب ذات مرة ساخرا‪“ :‬ي ا لب ؤس‬
‫العدالة التي يح دها نه ر ! أفك ار ص ائبة هن ا‪ ،‬خاطئ ة وراء جب ال ال برانس” هن ا بالض بط تكمن األهمي ة‬
‫النظرية لمقولة الحق الطبيعي التي تؤصل للحق في الطبيعة وفي الطبيعة اإلنسانية خاصة‪ ،‬بشكل مس تقل‬
‫عن الثقافة وإرادة المشرعين‪ ،‬ألن الطبيعة مرجع كوني و سابق منطقيا وزمنيا على المجتمع والثقافة‪..‬‬
‫ب‪ -‬معلومات إضافية‪ :‬ثالث نماذج لفلسفات الحق الطبيعي‪:‬‬
‫قدم هوبز واحدة من أهم صياغات نظرية الح ق الط بيعي في كتاب ه الت نين‪ ،‬حيث عرَّ ف ه بأن ه الحري ة‬
‫التي لكل إنسان في أن يتصرف كما يشاء في إمكاناته الخاصة للمحافظ ة على طبيعت ه وحيات ه الخاص ة‪،‬‬
‫وأن يفعل كل ما يرتئيه نظره وعقله ناجعا ل ذلك‪ .‬وعلي ه ف الحق الط بيعي أو ح ق الطبيع ة ه و الح ق في‬
‫الحياة والحق في المحافظة عليها والحرية المطلقة في حماية الوجود البيولوجي والدفاع عنه‪.‬‬
‫ونجد عند جون لوك التعبير األكثر وض وحا عن األس اس المنهجي الع ام لنظري ات الح ق الط بيعي إذ‬
‫يقول‪ ”:‬حالة الطبيعية هي حالة الحرية الكاملة للناس في تنظيم أفعالهم والتصرف بأشخاصهم وممتلك اتهم‬
‫… وهي أيضا حالة المساواة (…) إذ ليس هناك حقيقة أكثر بداهة من أن المخلوقات المنتمي ة إلى الن وع‬
‫والرتبة نفسها المتمتعة كلها بالمنافع نفسها التي تمنحها الطبيعة وباستخدام الملكات نفسها‪ ،‬يجب أيض ا أن‬
‫يتساوى بعضهم مع بعض”‬
‫أما جون جاك روسو فيقول في كتابه “أصل التف اوت بين الن اس”‪ ” :‬إن التن ازل عن الحي اة أو الحري ة‬
‫وأيا كان الثمن هو إهانة للطبيعة والعق ل‪ ،‬ولكن على اف تراض إمك ان التص رف اإلنس ان في حريت ه كم ا‬
‫يتصرف في ماله‪ ،‬فإن الفرق يظل بينا جدا … أن الحرية‪ ،‬إذ هي هبة من الطبيعة وق د وهبت لهم بص فة‬
‫كونهم بشرا‪ … ،‬وهكذا فمادام إنشاء العبودية يقتضي إكراه الطبيعة بالشدة والعن ف‪ ،‬فق د وجب أيض ا أن‬
‫تغير الطبيعة لتأييد هذا الحق‪ :‬والفقهاء الذين قضوا بكل وقار بأن ولد العبد يولد عبدا‪ ،‬كان معنى قضائهم‬
‫هذا أن اإلنسان ال يولد إنسانا”‬
‫ج‪ -‬حقوق اإلنسان الطبيعية أساس حقوقه المدنية‪:‬‬
‫تؤكد نظريات الحق الطبيعي على وجود حقوق أساسية محايثة لطبيعة اإلنس ان مث ل الحي اة والحري ة‬
‫والمساواة‪ ،‬بوصفها حقوقا سابقة على ك ل اجتم اع أو مواض عة نس بية مش روطة ثقافي ا أو تاريخي ا‪ ،‬و ال‬
‫يمكن تصور اإلنسان كإنسان بدونها‪ .‬ورغم ما نالحظ ه من إختالف بين منظ ري الح ق الط بيعي في فهم‬
‫الطبيعة اإلنسانية وكذا حالة الطبيعة‪ ،‬إال أنهم يتبعون نفس اإلج راء المنهجي المتمث ل في تجري د اإلنس ان‬
‫من ك ل المح ددات الثقافي ة والتاريخي ة من أج ل اس تنباط حق وق محايث ة لطبيعت ه؛ ثم إن ه ذا اإلختالف‬
‫يتالشى‪ ،‬ألن نظريات الحق الطبيعي تتحول في النهاية إلى نظرية للعقد اإلجتماعي ذلك أن تأسيس الح ق‬
‫على ما هو طبيعي‪ ،‬ال يعني استبعاد الثقافة واالجتماع والتعاقد‪ ،‬فإذا كانت الطبيع ة تعطي للح ق مص دره‬
‫ومشروعيته‪ ،‬فإن التعاقد هو الذي يض من اس تمراريته‪ .‬وواض ح أن اإلحال ة على “الطبيع ة” هن ا اليع ني‬
‫س وى تأس يس الح ق على مرجعي ة س ابقة على ك ل مرجعي ة تاريخي ة‪ :‬فالطبيع ة س ابقة على ك ل ثقاف ة‬
‫وحضارة‪ ،‬على كل مجتمع ودولة‪ ،‬وبالتالي ‪ ،‬فهي مرجعي ة كلي ة مطلق ة‪ ،‬ومن َث ّم ف الحقوق ال تي تتأس س‬
‫عليها هي حقوق كلية مطلقة كذلك‬
‫‪ -2‬الحق الوضعي‪ :‬حق نسبي بنسبية مبادئه‬
‫رغم الق وة النظري ة والجاذبي ة ال تي تتمت ع به ا نظري ة الح ق الط بيعي‪ ،‬إال أن البعض ال ي رى في‬
‫مرجعية الطبيعة سوى مفهوم إفتراضي يفتقد إلى اإلجماع حول مضمونه‪ :‬إذ يبدو أن البش ر عرف وا على‬
‫الدوام أشكاال من التنظيم َمهْما ك انت بدائي ة بس يطة‪ ،‬مم ا يش كك في حال ة الطبيع ة المس تخدمة كفرض ية‬
‫لإلستنباط الحقوق الطبيعية؛ إضافة إلى صعوبة تحديد محتوى الطبيعة اإلنسانية ال ذي تع رض في الق رن‬
‫العشرين للمراجعة سواء من طرف العلوم اإلنسانية أو الفلسفة الوجودية‪ .‬مما يجعل اإلجماع حول مبادئ‬
‫عقالني ة كوني ة أم را مس تبعدا‪ ،‬ألن ه ذه المب ادئ نفس ها تتجاه ل المح ددات الثقافي ة النس بية‪ .‬أال ينبغي‬
‫باألحرى الحديث عن الحق في بعده النسبي الثقافي؟‬
‫تأسيسا على هذه المالحظات‪ ،‬الترى الوضعية القانونية في أطروح ة الح ق الط بيعي س وى إنش اءات‬
‫ميتافيزيقية التحقق شروط العلمية كما تفهمها اإلبستملوجيا الوضعية الملتزمة بأحكام الواقع (ماهو ك ائن)‬
‫البأحكام القيمة (ماينبغي أن يكون)‪ .‬وهكذا فالحق عند ه انز كيلس ن مثال اليس تمد قوت ه ومص دره إال من‬
‫القوانين التي تبلوره وتحتم العمل ب ه‪ ،‬ألن الق انون يق ول الح ق تبع ا لإلختي ارات واألولوي ات بم ا يعكس‬
‫خصوصية المجتمع وتطوره التاريخي وبما يترجم موازين القوى داخ ل البني ة اإلجتماعي ة وهي م وازين‬
‫ديناميكية متغيرة بتغير التشكيالت اإلجتماعية‪ .‬ومن وجهة نظر فقه القانون والدراسة العلمي ة‪ ،‬فال وج ود‬
‫لحق أو عدالة خارج القانون الوضعي الذي يوفر قوة اإلل زام الض رورية لتحوي ل الح ق إلى واق ع معيش‬
‫مستعينا بالمؤسسات التنفيذية والقضائية‪.‬‬
‫معلومات إضافية (ملخص نص هانز كيلسن من كتابه نظرية خالصة في الحق)‪:‬‬
‫تترتب عن هذه المقاربة نتيجتان‪ :‬األولى هي إستبعاد كل ح ديث عن الح ق في بع ده األخالقي المث الي‬
‫المُعوِّ ل على اإلل تزام ال ذاتي للف رد‪ ،‬والح رص على أال ي دعي النص الق انوني ص فة اإلطالقي ة بإش هاره‬
‫للصفة األخالقية‪ .‬فالقانون واألخالق دائرتان منفصلتان‪ .‬ألن القانون نسق تراتبي من القواعد التي تس تمد‬
‫قيمتها من هذا النسق ال من مرجعية متعالية مفارقة؛ تترتب عن ذلك عضويا نتيج ة ثاني ة‪ ،‬وهي اس تحالة‬
‫المفاضلة بين األنظمة القانوني ة‪ ،‬لع دم وج ود معي ار أس مى يس مح بالمفاض لة‪ :‬فق د يعت بر أح دهم النظ ام‬
‫الليبرالي عادال والش يوعي ظالم ا إعتم ادا على معي ار الحري ة الفردي ة‪ ،‬في حين يغ دو النظ ام الليب يرالي‬
‫ظالما والش يوعي ع ادال من منظ ور األم ان اإلجتم اعي ! ولكن مالس بيل للمفاض لة بين الحري ة واألم ان‬
‫اإلجتماعي؟ السبيل للمفاضلة حسب كيلسن إال اعتمادا على معايير سيكلوجية ذاتية التحظى بأي إجم اع‪،‬‬
‫إذ يصعب اإلجماع على معايير بديهية للعدل والكرامة والحق‪.‬‬

‫‪ -3‬خالصة نقدية‪ :‬إذا كانت العدالة هي المثل األعلى للحق‪ ،‬فإنها ال تختزل إلى القوانين الوضعية‬
‫من منظ ور الوض عية القانوني ة‪ ،‬يص بح الح ق وض عيا متج ذرا في الثقاف ة بمح دداتها اإلجتماعي ة‬
‫واإلقتصادية والتاريخية‪ ،‬غير مطلق بل نسبي بنسبية هذه المحددات‪ .‬ولكن إلى أي ح د يمكن المض ي في‬
‫المطابقة بين الحق والقانون الوضعي‪ ،‬أي بين المشروع والق انوني؟ ي رى لي و س تراوس أن رفض فك رة‬
‫الحق الطبيعي يعني أن كل حق فهو وض عي من ص نع المش رعين ومح اكم مختل ف البل دان‪ ،‬لكن وج ود‬
‫قوانين وقرارات جائرة كقوانين المستعمر والطغاة‪ ،‬يلزم عنه وجود معيار للعدل والظلم يستقل عن الح ق‬
‫الوضعي ويسمح بتقييمه‪ .‬وق ديما أعلن شيش رون أن ه م ا لم يقم الح ق على الطبيع ة ف إن جمي ع الفض ائل‬
‫ستتالشى‪ ،‬ألننا النملك قاعدة غير الطبيعة لتمييز َح َس ِن القوانين عن قبيحها‪.‬‬
‫يتبين مما سبق أن الحق قيمة مركبة شأنها شأن باقي القيم األساسية التي تحكم الفاعلية البش رية‪ :‬فه و‬
‫ط بيعي وثق افي‪ ،‬ك وني ونس بي في نفس ال وقت‪ .‬ط بيعي ك وني ألن ه يمس الماهي ة اإلنس انية‪ ،‬ويخ اطب‬
‫اإلنس ان بم ا ه و إنس ان؛ وثق افي نس بي ألن بتحول ه من فك رة ومب دأ إلى واق ع معيش يتج ذر في القيم‬
‫والمؤسسات والتاريخ الخاص بهذا المجتمع أو ذاك‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬العدالة كأساس للحق‬
‫تمهيد للمحور‪:‬‬
‫يقول المفكر األمريكي المعاصر‪ ‬ليو ستروس‪ ”:‬إن رفض الحق الطبيعي يعني أن كل حق هو وضعي‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى أن الحق من وضع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان دون سواهم‪ ،‬ومن البديهي أن يكون‬
‫معقوال تماما وأحيانا من الضروري الكالم عن قوانين وقرارات جائرة”‪.‬‬
‫يتضح من هذا القول أنه إذا كان الحق يروم إقرار العدالة‪ ،‬فإن القانون قد ال يرقى دائما إلى ذلك‬
‫الطموح‪ ،‬وهذا ما يفسر كيف أن ما هو قانوني قد ال يكون بالضرورة حقا‪ ،‬ويفسر كذلك وجود قوانين ق د‬
‫تعتبر جائرة‪ .‬وهذا يعني أن الحق ال يختزل في ما هو قانوني‪ ،‬بل هو ما يت وخى إق رار العدال ة‪ .‬من ه ذا‬
‫المنطلق يتعين التفكير في العالقة بين العدالة والحق‪ ،‬وما يمثله كل واحد منهما بالنسبة لآلخر‪ :‬فما عالق ة‬
‫العدالة بالحق؟ و أيهما أساس لآلخر؟ و هل يمكن اعتبار العدال ة أساس ا للح ق‪ ،‬أم أن االحتك ام إلى الح ق‬
‫هو الذي يحدد ما هو عادل و ما هو غير عادل؟‬
‫األطروحة ‪  1‬لـ ‪ :‬باروخ اسبينوزا‪ ‬‬
‫يعرض اسبينوزا تصوره للحق و العدالة‪ ،‬في إطار منظوره التعاقدي و تنظيره لما ينبغي أن تكون‬
‫علي ه الدول ة الحديث ة‪ ،‬معتم دا في ذل ك على مجموع ة من المف اهيم كالديمقراطي ة و الق انون الم دني و‬
‫اإلنصاف والمساواة‪ .‬فما عالقة الحق بالعدالة في نظر هذا الفيلسوف؟‬
‫يؤكد اسبينوزا أن غاية السلطة السياسية الديمقراطية هي “تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء‬
‫واإلبقاء عليهم بقدر اإلمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام و س الم”‪ .‬ذل ك أن تف ويض ك ل ف رد‬
‫لحقه الطبيعي ولحريته المطلقة للحاكم‪ ،‬يجعله ملزما باحترام القانون المدني الذي يسنه هذا الحاكم ويسهر‬
‫على تطبيقه‪ .‬والقانون المدني‪ ،‬حسب اسبينوزا‪ ،‬هو حرية الف رد في المحافظ ة على حالت ه كم ا ح ددتها و‬
‫ضمنتها له مراسيم السلطة العليا‪ .‬و بهذا المعنى‪ ،‬يكون حق الف رد ه و م ا يك ون باإلمك ان االس تفادة من ه‬
‫طبقا للقانون المدني‪ .‬في حين أن العدالة هي‪“  ‬استعداد دائم‪  ‬للفرد ألن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا‬
‫للقانون المدني”‪ .‬و بذلك تكون العدالة هي إنصاف األفراد و المحافظ ة بق در متس او على ح ق ك ل واح د‬
‫منهم‪.‬‬
‫إن الحق‪ ،‬باعتباره قائما على القانون المدني‪ ،‬هو أساس العدالة‪ ،‬فالعدالة تجسيد للحق وتحقيق له‪ ،‬و ال‬
‫وجود لعدالة خارج الحق الذي تضمنه قوانين الدولة‪.‬‬
‫األطروحة ‪  2‬لـ‪ :‬أالن‪.‬‬
‫يؤكد الفيلسوف الفرنسي أالن(إميل شارتيي) (‪ )1951-1868‬أن المساواة أساس للحق‪ .‬فصالحية‬
‫عقد تجاري مثال‪ ،‬إنما تتأسس على مراعاته لحقوق كل األطراف على قدم المساواة‪ .‬فالحق‪ ،‬في نظر هذا‬
‫الفيلسوف‪ ،‬وجد للتصدي لالمساواة‪ .‬و بهذا فالقوانين العادل ة “هي ال تي يك ون الجمي ع أمامه ا سواس ية”‪،‬‬
‫على اعتبار أن المساواة هي ذلك الفعل ال ذي نعام ل ب ه الن اس بش كل متس او في جمي ع مج االت الحي اة‪،‬‬
‫بغض النظر عن تفاوتهم واختالفهم في السن أو الجنس أو المعرفة أو غيرها‪.‬‬
‫إن العدالة‪ ،‬باعتبارها قوانين يتساوى أمامها كل الناس‪ ،‬هي أساس الحق‪ ،‬فالعدالة والحق ال يمكن‬
‫الحديث عنهما في غياب المساواة‪.‬‬

‫استنتاج محوري‪:‬‬
‫نستنتج في نهاية هذا المحور أن هناك ارتباطا وثيقا بين مفهومي الحق و العدالة‪ ،‬فالحديث عن‬
‫أحدهما يقتضي بالضرورة الحديث عن اآلخر‪ ،‬و كل واحد منهما يمكن أن يشكل أساسا لآلخر‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬العدالة بين المساواة واإلنصاف‪.‬‬
‫طرح اإلشكال‪:‬‬
‫للعدال ة ع دة مع ان‪ ،‬يعرفه ا المعجم الفلس في لجمي ل ص ليبا كالت الي‪”:‬المب دأ المث الي او الط بيعي او‬
‫الوضعي الذي يحدد معنى الحق… وتنقسم إلى عدالة تبادلية قائمة على أساس المساواة؛ وعدالة توزيعي ة‬
‫تتعلق بقسمة األموال والكرامات بين األفراد بحسب ما يستحقه كل واحد منهم” ونس تخدمها هن ا كمرادف ة‬
‫للحق‪ ،‬منظورا إليه من حيث تعلقه ال بالذات في فرديتها‪ ،‬بل في عالقتها بأقرانها داخل جماعة بشرية م ا‬
‫من حيث كونهم ذوات حقوقية متكافئة ومتماثل ة‪ .‬وبه ذا المع نى ول ذلك قي ل ب أن العدال ة ته دف إلى خل ق‬
‫المساواة بين هذه الذوات‪ ،‬ولكن هل الجميع متساوون فعال؟ إذا كانوا متساوين في االعتبار الق انوني فع ل‬
‫هم متساوون في المواهب والحهد المبذول؟ بعب ارة أخ رى ه ل يمكن للعدال ة كمس اواة أن تنص ف جمي ع‬
‫أفراده؟ وماذا نقصد باإلنصاف أوال؟‬
‫في الوقت الذي تهدف فيه المساواة إلى تحقي ق التماث ل والتك افؤ الرياض ي بين األف راد بغض النظ ر عن‬
‫اختالفاتهم وتفاوتاتهم محاولة طمس هذه االتفاوتات أو تحييدها‪ ،‬فإن اإلنصاف يه دف إلى إعط اء ك ل ذي‬
‫حق حقه مراعيا بذلك مبدأ االستحقاق‪ ،‬أي أنه يسعى إلى مكاف أة التفاوت ات من جه ة ‪ ،‬أو الح د من اله وة‬
‫التي قد تنتج عنها من جهة أخرى‪.‬‬
‫معالجة اإلشكال‪:‬‬
‫‪ -1‬العدالة كمساواة‬
‫إذا كانت أغلب الدساتير واإلعالنات والنظم األخالقية المعاصرة تنص اليوم وبصراحة على المس اواة‬
‫االعتبارية لجميع أفراد النوع اإلنساني كحق طبيعي‪ ،‬فإن هذا االعتراف ال ذي يب دو الي وم ب ديهيا‪ ،‬لم يكن‬
‫كذلك في الماضي‪ :‬إذ اعتبر المواطن أفضل من األجن بي‪ ،‬والرج ل أس مى من الم رأة واألطف ال‪ ،‬والس يد‬
‫أرقى من العبد‪.‬‬
‫ول ذلك يق ول الفيلس وف الفرنسي آالن‪ “ :Alain‬م ا الح ق؟ إن ه المس اواة (…) لق د ابتك ر الح ق ض د‬
‫الالمساواة‪ .‬والقوانين العادلة هي التي يكون الن اس أمامه ا سواس ية‪ ،‬نس اءا ك انوا أم رج اال أو أطف اال أو‬
‫مرضى أو جهاال‪ .‬أما أولئك الذين يقولون إن الالمساواة من طبيعة األشياء‪ ،‬فهم يقولون قوال بئيسا”‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فجوهر العدالة يكمن في هذه الحالة في التماثل والمساواة بل في المساواة الرياضية ‪A=B‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬المساواة أمام القضاء‪ ،‬تكافؤ الحظوظ في نيل المناص ب‪ ،‬الترش ح والتص ويت‪ ،‬المس اواة‬
‫بين الرجل والمرأة…‬
‫وليس من الغريب أن يستأثر مبدأ المس اواة بجاذبي ة خاص ة بحيث رفعت ه الكث ير من الحرك ات النض الية‬
‫كمطلب وأيديولوجيا تعبوية‪ ،‬ولكن الم آل الفاش ل لتجرب ة األنظم ة االقتص ادية االش تراكية في إص رارها‬
‫على تحقيق نوع من المساواة والالطبقية‪ ،‬من خالل سياسة توحيد األجور وتق زيم الملكي ة الخاص ة ل درء‬
‫الفورارق والتي أدت إلى إبطال حوافز اإلنتاج واالبتكار وإضعاف القدرة التنافسية… هذا الفش ل ي دعونا‬
‫إلى التفكير مجددا في مدى مالءمة المساواة كمثل أعلى للعدالة‪.‬‬
‫‪-2‬العدالة كإنصاف‬
‫يتضح مما سبق أن فكرة المساواة تتضمن مبدءا عام ا وبس يطا بس اطة العالق ات الرياض ية كم ا ي رى‬
‫إرنست بلوخ‪ ،‬ولكنها ال تنشغل بمدى قدرة الناس على االستفادة الفعلي ة من مب دأ المس اواة‪ ،‬وباحتم ال أن‬
‫ينتج عن تطبيق المساواة خالف المقصود أي الظلم أو خراب النظام!‬
‫لذلك يرى جون راولز –بناءا على فرضية الوضعية األصلية وحج اب الجه ل – أن نظام ا ع ادال الب د‬
‫يق وم على مب دأي المس اواة والالمس اواة مع ا‪ :‬المس اواة في الحق وق والواجب ات األساس ية‪ ،‬والالمس اوة‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مثل الالمساواة في الثرورة والسلطة‬
‫بيد أن الالمساواة ال تكون عدال وإنصافا إال إذا استوفت ش رطا وحققت غاي ة‪ .‬فأم ا الش رط فه و اس تفادة‬
‫األقل حظا من ثمار هذه الثروة والسلطة‪ ،‬بواسطة مبدأ تك افؤ الف رص في إلمكاني ة جم ع ال ثروة أو تب وأ‬
‫المناصب كما يتجلى ذل ك أيض ا في دول ة الرعاي ة من خالل تق ديم خ دمات ومس اعدات اجتماعي ة لل ذين‬
‫يعيشون اإلقصاء على هامش نظام الرخاء لهذا السبب أو ذاك‪ .‬وأما الغاية‪ ،‬فهي ض مان التع اون اإلرادي‬
‫والعمل المشترك من أجل الرخاء‪ ،‬ضمن ما يسميه راولز بالنظام المنصف للتعاون االجتماعي‪.‬‬
‫نق ول إذن أن اإلنص اف – بخالف المس اواة‪ -‬يه دف إلى مراع اة الف روق والتفاوت ات وع دم طمس ها أو‬
‫تجاهلها إما بهدف مكافأة المجدين والمستحقين وتش جيع المنافس ة‪ ،‬أو مس اعدة األق ل حظ ا ونص يبا‪ .‬وق د‬
‫س بق ألرس@@طو في كت اب “األخالق إلى نيقوم اخوس”‪ ،‬أن ذهب إلى “أن العدال ة مس اواة‪ ،‬ولكن فق ط بين‬
‫المتكافئين؛ والالمساواة عدالة ولكن بين غير المتكافئين”‪ .‬ولكن ما مص در ع دم تكافئهم ا؟ أن االس تحقاق‬
‫والتميز قد يدين بالفضل لالنتماء االجتماعي والرأسمال الرمزي أو المادي الذي يج د بعض المحظ وظين‬
‫أنفسهم مزودين به دون غيرهم وهم يخوضون غمار المنافسة مع األنداد‪.‬‬
‫يختلف اإلنصاف عن المساواة على مستوى آخر كما يختل ف الع ام عن الخ اص‪ .‬يق ول أرس طو‪“ :‬تتجلى‬
‫الطبيعة الخاصة لإلنصاف في تص حيح الق وانين كلم ا ب دت ه ذه األخ يرة غ ير كافي ة بس بب عموميته ا”‬
‫ويدخل في هذا اإلنصاف ما يسمى مثال بــ “االجته اد القض ائي” ال ذي ي ترك للقاض ي في بعض األحي ان‬
‫فرصة تكييف القوانين وفق ظروف النازل ة ومس تجدات العص ر أو إعم ال مب دأ اإلنص اف عن د س كوت‬
‫النص القانوني؛ كما يدخل في ب اب اإلنص اف أيض ا “الم يز اإليج ابي” مث ل تخص يص نس ب مئوي ة من‬
‫مقاعد المجالس النيابية للنساء‪ ،‬ألن تطبيق المساواة أظهر أن النساء وألس باب سوس يوثقافية وتاريخي ة ال‬
‫يستطعن أن يحرزن على أكثر من عشر المقاعد رغم أنهن يشكلن عدديا نصف المجتمع !‪.‬‬
‫إذا كان اإلنصاف فضيلة للمؤسسات لتجاوز عيوب المساواة‪ ،‬فإن اإلحس ان ‪ Charité‬ه و تل ك الفض يلة‬
‫المطلوبة من الفرد عندما التفلح إجراءات المساواة واالنصاف معا‪.‬‬

You might also like