Professional Documents
Culture Documents
Document (11) الحق والعدالة
Document (11) الحق والعدالة
-3خالصة نقدية :إذا كانت العدالة هي المثل األعلى للحق ،فإنها ال تختزل إلى القوانين الوضعية
من منظ ور الوض عية القانوني ة ،يص بح الح ق وض عيا متج ذرا في الثقاف ة بمح دداتها اإلجتماعي ة
واإلقتصادية والتاريخية ،غير مطلق بل نسبي بنسبية هذه المحددات .ولكن إلى أي ح د يمكن المض ي في
المطابقة بين الحق والقانون الوضعي ،أي بين المشروع والق انوني؟ ي رى لي و س تراوس أن رفض فك رة
الحق الطبيعي يعني أن كل حق فهو وض عي من ص نع المش رعين ومح اكم مختل ف البل دان ،لكن وج ود
قوانين وقرارات جائرة كقوانين المستعمر والطغاة ،يلزم عنه وجود معيار للعدل والظلم يستقل عن الح ق
الوضعي ويسمح بتقييمه .وق ديما أعلن شيش رون أن ه م ا لم يقم الح ق على الطبيع ة ف إن جمي ع الفض ائل
ستتالشى ،ألننا النملك قاعدة غير الطبيعة لتمييز َح َس ِن القوانين عن قبيحها.
يتبين مما سبق أن الحق قيمة مركبة شأنها شأن باقي القيم األساسية التي تحكم الفاعلية البش رية :فه و
ط بيعي وثق افي ،ك وني ونس بي في نفس ال وقت .ط بيعي ك وني ألن ه يمس الماهي ة اإلنس انية ،ويخ اطب
اإلنس ان بم ا ه و إنس ان؛ وثق افي نس بي ألن بتحول ه من فك رة ومب دأ إلى واق ع معيش يتج ذر في القيم
والمؤسسات والتاريخ الخاص بهذا المجتمع أو ذاك.
المحور الثاني :العدالة كأساس للحق
تمهيد للمحور:
يقول المفكر األمريكي المعاصر ليو ستروس ”:إن رفض الحق الطبيعي يعني أن كل حق هو وضعي،
وبعبارة أخرى أن الحق من وضع المشرعين ومحاكم مختلف البلدان دون سواهم ،ومن البديهي أن يكون
معقوال تماما وأحيانا من الضروري الكالم عن قوانين وقرارات جائرة”.
يتضح من هذا القول أنه إذا كان الحق يروم إقرار العدالة ،فإن القانون قد ال يرقى دائما إلى ذلك
الطموح ،وهذا ما يفسر كيف أن ما هو قانوني قد ال يكون بالضرورة حقا ،ويفسر كذلك وجود قوانين ق د
تعتبر جائرة .وهذا يعني أن الحق ال يختزل في ما هو قانوني ،بل هو ما يت وخى إق رار العدال ة .من ه ذا
المنطلق يتعين التفكير في العالقة بين العدالة والحق ،وما يمثله كل واحد منهما بالنسبة لآلخر :فما عالق ة
العدالة بالحق؟ و أيهما أساس لآلخر؟ و هل يمكن اعتبار العدال ة أساس ا للح ق ،أم أن االحتك ام إلى الح ق
هو الذي يحدد ما هو عادل و ما هو غير عادل؟
األطروحة 1لـ :باروخ اسبينوزا
يعرض اسبينوزا تصوره للحق و العدالة ،في إطار منظوره التعاقدي و تنظيره لما ينبغي أن تكون
علي ه الدول ة الحديث ة ،معتم دا في ذل ك على مجموع ة من المف اهيم كالديمقراطي ة و الق انون الم دني و
اإلنصاف والمساواة .فما عالقة الحق بالعدالة في نظر هذا الفيلسوف؟
يؤكد اسبينوزا أن غاية السلطة السياسية الديمقراطية هي “تخليص الناس من سيطرة الشهوة العمياء
واإلبقاء عليهم بقدر اإلمكان في حدود العقل بحيث يعيشون في وئام و س الم” .ذل ك أن تف ويض ك ل ف رد
لحقه الطبيعي ولحريته المطلقة للحاكم ،يجعله ملزما باحترام القانون المدني الذي يسنه هذا الحاكم ويسهر
على تطبيقه .والقانون المدني ،حسب اسبينوزا ،هو حرية الف رد في المحافظ ة على حالت ه كم ا ح ددتها و
ضمنتها له مراسيم السلطة العليا .و بهذا المعنى ،يكون حق الف رد ه و م ا يك ون باإلمك ان االس تفادة من ه
طبقا للقانون المدني .في حين أن العدالة هي“ استعداد دائم للفرد ألن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا
للقانون المدني” .و بذلك تكون العدالة هي إنصاف األفراد و المحافظ ة بق در متس او على ح ق ك ل واح د
منهم.
إن الحق ،باعتباره قائما على القانون المدني ،هو أساس العدالة ،فالعدالة تجسيد للحق وتحقيق له ،و ال
وجود لعدالة خارج الحق الذي تضمنه قوانين الدولة.
األطروحة 2لـ :أالن.
يؤكد الفيلسوف الفرنسي أالن(إميل شارتيي) ( )1951-1868أن المساواة أساس للحق .فصالحية
عقد تجاري مثال ،إنما تتأسس على مراعاته لحقوق كل األطراف على قدم المساواة .فالحق ،في نظر هذا
الفيلسوف ،وجد للتصدي لالمساواة .و بهذا فالقوانين العادل ة “هي ال تي يك ون الجمي ع أمامه ا سواس ية”،
على اعتبار أن المساواة هي ذلك الفعل ال ذي نعام ل ب ه الن اس بش كل متس او في جمي ع مج االت الحي اة،
بغض النظر عن تفاوتهم واختالفهم في السن أو الجنس أو المعرفة أو غيرها.
إن العدالة ،باعتبارها قوانين يتساوى أمامها كل الناس ،هي أساس الحق ،فالعدالة والحق ال يمكن
الحديث عنهما في غياب المساواة.
استنتاج محوري:
نستنتج في نهاية هذا المحور أن هناك ارتباطا وثيقا بين مفهومي الحق و العدالة ،فالحديث عن
أحدهما يقتضي بالضرورة الحديث عن اآلخر ،و كل واحد منهما يمكن أن يشكل أساسا لآلخر.
المحور الثالث :العدالة بين المساواة واإلنصاف.
طرح اإلشكال:
للعدال ة ع دة مع ان ،يعرفه ا المعجم الفلس في لجمي ل ص ليبا كالت الي”:المب دأ المث الي او الط بيعي او
الوضعي الذي يحدد معنى الحق… وتنقسم إلى عدالة تبادلية قائمة على أساس المساواة؛ وعدالة توزيعي ة
تتعلق بقسمة األموال والكرامات بين األفراد بحسب ما يستحقه كل واحد منهم” ونس تخدمها هن ا كمرادف ة
للحق ،منظورا إليه من حيث تعلقه ال بالذات في فرديتها ،بل في عالقتها بأقرانها داخل جماعة بشرية م ا
من حيث كونهم ذوات حقوقية متكافئة ومتماثل ة .وبه ذا المع نى ول ذلك قي ل ب أن العدال ة ته دف إلى خل ق
المساواة بين هذه الذوات ،ولكن هل الجميع متساوون فعال؟ إذا كانوا متساوين في االعتبار الق انوني فع ل
هم متساوون في المواهب والحهد المبذول؟ بعب ارة أخ رى ه ل يمكن للعدال ة كمس اواة أن تنص ف جمي ع
أفراده؟ وماذا نقصد باإلنصاف أوال؟
في الوقت الذي تهدف فيه المساواة إلى تحقي ق التماث ل والتك افؤ الرياض ي بين األف راد بغض النظ ر عن
اختالفاتهم وتفاوتاتهم محاولة طمس هذه االتفاوتات أو تحييدها ،فإن اإلنصاف يه دف إلى إعط اء ك ل ذي
حق حقه مراعيا بذلك مبدأ االستحقاق ،أي أنه يسعى إلى مكاف أة التفاوت ات من جه ة ،أو الح د من اله وة
التي قد تنتج عنها من جهة أخرى.
معالجة اإلشكال:
-1العدالة كمساواة
إذا كانت أغلب الدساتير واإلعالنات والنظم األخالقية المعاصرة تنص اليوم وبصراحة على المس اواة
االعتبارية لجميع أفراد النوع اإلنساني كحق طبيعي ،فإن هذا االعتراف ال ذي يب دو الي وم ب ديهيا ،لم يكن
كذلك في الماضي :إذ اعتبر المواطن أفضل من األجن بي ،والرج ل أس مى من الم رأة واألطف ال ،والس يد
أرقى من العبد.
ول ذلك يق ول الفيلس وف الفرنسي آالن “ :Alainم ا الح ق؟ إن ه المس اواة (…) لق د ابتك ر الح ق ض د
الالمساواة .والقوانين العادلة هي التي يكون الن اس أمامه ا سواس ية ،نس اءا ك انوا أم رج اال أو أطف اال أو
مرضى أو جهاال .أما أولئك الذين يقولون إن الالمساواة من طبيعة األشياء ،فهم يقولون قوال بئيسا”
وبعبارة أخرى ،فجوهر العدالة يكمن في هذه الحالة في التماثل والمساواة بل في المساواة الرياضية A=B
ومن أمثلة ذلك :المساواة أمام القضاء ،تكافؤ الحظوظ في نيل المناص ب ،الترش ح والتص ويت ،المس اواة
بين الرجل والمرأة…
وليس من الغريب أن يستأثر مبدأ المس اواة بجاذبي ة خاص ة بحيث رفعت ه الكث ير من الحرك ات النض الية
كمطلب وأيديولوجيا تعبوية ،ولكن الم آل الفاش ل لتجرب ة األنظم ة االقتص ادية االش تراكية في إص رارها
على تحقيق نوع من المساواة والالطبقية ،من خالل سياسة توحيد األجور وتق زيم الملكي ة الخاص ة ل درء
الفورارق والتي أدت إلى إبطال حوافز اإلنتاج واالبتكار وإضعاف القدرة التنافسية… هذا الفش ل ي دعونا
إلى التفكير مجددا في مدى مالءمة المساواة كمثل أعلى للعدالة.
-2العدالة كإنصاف
يتضح مما سبق أن فكرة المساواة تتضمن مبدءا عام ا وبس يطا بس اطة العالق ات الرياض ية كم ا ي رى
إرنست بلوخ ،ولكنها ال تنشغل بمدى قدرة الناس على االستفادة الفعلي ة من مب دأ المس اواة ،وباحتم ال أن
ينتج عن تطبيق المساواة خالف المقصود أي الظلم أو خراب النظام!
لذلك يرى جون راولز –بناءا على فرضية الوضعية األصلية وحج اب الجه ل – أن نظام ا ع ادال الب د
يق وم على مب دأي المس اواة والالمس اواة مع ا :المس اواة في الحق وق والواجب ات األساس ية ،والالمس اوة
االجتماعية واالقتصادية ،مثل الالمساواة في الثرورة والسلطة
بيد أن الالمساواة ال تكون عدال وإنصافا إال إذا استوفت ش رطا وحققت غاي ة .فأم ا الش رط فه و اس تفادة
األقل حظا من ثمار هذه الثروة والسلطة ،بواسطة مبدأ تك افؤ الف رص في إلمكاني ة جم ع ال ثروة أو تب وأ
المناصب كما يتجلى ذل ك أيض ا في دول ة الرعاي ة من خالل تق ديم خ دمات ومس اعدات اجتماعي ة لل ذين
يعيشون اإلقصاء على هامش نظام الرخاء لهذا السبب أو ذاك .وأما الغاية ،فهي ض مان التع اون اإلرادي
والعمل المشترك من أجل الرخاء ،ضمن ما يسميه راولز بالنظام المنصف للتعاون االجتماعي.
نق ول إذن أن اإلنص اف – بخالف المس اواة -يه دف إلى مراع اة الف روق والتفاوت ات وع دم طمس ها أو
تجاهلها إما بهدف مكافأة المجدين والمستحقين وتش جيع المنافس ة ،أو مس اعدة األق ل حظ ا ونص يبا .وق د
س بق ألرس@@طو في كت اب “األخالق إلى نيقوم اخوس” ،أن ذهب إلى “أن العدال ة مس اواة ،ولكن فق ط بين
المتكافئين؛ والالمساواة عدالة ولكن بين غير المتكافئين” .ولكن ما مص در ع دم تكافئهم ا؟ أن االس تحقاق
والتميز قد يدين بالفضل لالنتماء االجتماعي والرأسمال الرمزي أو المادي الذي يج د بعض المحظ وظين
أنفسهم مزودين به دون غيرهم وهم يخوضون غمار المنافسة مع األنداد.
يختلف اإلنصاف عن المساواة على مستوى آخر كما يختل ف الع ام عن الخ اص .يق ول أرس طو“ :تتجلى
الطبيعة الخاصة لإلنصاف في تص حيح الق وانين كلم ا ب دت ه ذه األخ يرة غ ير كافي ة بس بب عموميته ا”
ويدخل في هذا اإلنصاف ما يسمى مثال بــ “االجته اد القض ائي” ال ذي ي ترك للقاض ي في بعض األحي ان
فرصة تكييف القوانين وفق ظروف النازل ة ومس تجدات العص ر أو إعم ال مب دأ اإلنص اف عن د س كوت
النص القانوني؛ كما يدخل في ب اب اإلنص اف أيض ا “الم يز اإليج ابي” مث ل تخص يص نس ب مئوي ة من
مقاعد المجالس النيابية للنساء ،ألن تطبيق المساواة أظهر أن النساء وألس باب سوس يوثقافية وتاريخي ة ال
يستطعن أن يحرزن على أكثر من عشر المقاعد رغم أنهن يشكلن عدديا نصف المجتمع !.
إذا كان اإلنصاف فضيلة للمؤسسات لتجاوز عيوب المساواة ،فإن اإلحس ان Charitéه و تل ك الفض يلة
المطلوبة من الفرد عندما التفلح إجراءات المساواة واالنصاف معا.