You are on page 1of 1

‫السخرية عالج الخوف‬

‫في بابل القديمة اعتقد الناس بجنية اسمها الماشتو لها راس لبوة و جسم معلق به كلب و ذئب و تحمل بيمناها و يسراها‬
‫ثعبانين و لكل منهم معنى عميق ‪..‬هي عدوة االطفال و االمهات تمشي الطرقات ليال تشم االبواب فان احست ريح طفال او ام‬
‫ولدت حديثا فطارت الى داخل البيت و خطفت الطفل و قتلت االم ‪ ......‬و اعتقدو بان دواءها جنيا ذكر يدعى بازوز و كان‬
‫شديد القبح اال انه قزما و مضحك الى حد ما و قبحه هو سالحه فالماشتو متى تره تدبر وال تلو على شيء ‪....‬فكانو يصنعون‬
‫له تماثيل من حجر و معدن و يدفنونها تحت االبواب او في الحوائط او يعلقونها بحيث تراها الماشتو حين تعس عليهم في الليل‬
‫كالشرطة و قد اقتبس هذا المنطق في بناء الكنائس في اوروبا في العصور الوسطى حيث ترى تماثيل مضحكة و مخيفة لمخلوقات‬
‫قبيحة مع تماثيل القديسين و المالئكة يدعون بهذا الفعل بانها تطرد االرواح الشريرة من داخل حرم الكنيسة ؟ لكن الفنان فنان و‬
‫ال يعدم حيلة ينقد بها واقعه او ينقضه في اوروبا العصور الوسطى حيث كانت الكنيسة موسسة ذات سلطة تملك االرض و الناس و‬
‫تسير جيوش و ترفع ملوك و تنزل قياصرة! كان البناؤون يبحثون في المسموح عن باب يقضي الى الممنوع فاذا زرت متحف‬
‫الكلويستر في نيويورك للعصور الوسيطة فانك سوف ترى من هذه المخلوقات المرعبة التي يراد بها طرد االرواح الشريرة مضحكة و‬
‫ساخرة ال من شياطين الجن بل من شياطين االنس فترى مصارعين يمسك كل منهما بلحية االخر و لكن جسميهما معتنقان‬
‫كالجديلة فال تعرف ان كانا خصمين ام ان كانا صديقين ؟ و كانهما سخرية من تقاتل االمراء او الكهنة في ذلك الزمن على غير‬
‫طائل و ايضا من ذلك كرمة عنب ثمارها رؤوس الناس فانها تمثل ان الفالحين يحصدون مع ما زرعوا و ايضا اطلس العمالق‬
‫االسطوري في العهود اليونانية القديمة الذي حكم عليه زيوس كبير اله اوليمبوس في عهد ال له من الوجود شي بحمل االرض و‬
‫السماء على كتفيه فنجده منحوت بصورة بهلوان و كان االرض و السماء ما هي اال عرض ساخر عبثي في سرك و الذي يحملها و‬
‫يحكمها و يتحكم بسيرها بهلوان ؟!و قد سمي هذا النوع من الفن في اوروبا بالغروتيسك و اصل التسمية الجذوري معناه في‬
‫االيطالية من الكهف و يظن المؤرخون بان التسمية تشير الى الشبه بين هذه التماثيل و و بين رسوم المخلوقات االسطورية في‬
‫االثار الرومانية المهدمة و التي تبدو كالكهوف او الى ان هذه الرسوم تشبه المخلوقات التي تقطن هذه الكهوف ثم اصبح االسم علما‬
‫‪...‬على شكل شائه مبالغ في ابعاده الى حد االضحاك او االشمئزاز او الشفقة‬

‫لقد جسد البابليون حقيقة موت االطفال المرة المتكررة على هيئة الماشتو ثم عرفوا ان السخرية من الخوف عالجه االنجع‬
‫فاخترعوا جنيا اخرا اقبح من الماشتو و لكنهم جعلو دمامته مضحكة فعالجوا الخوف و القهر بالسخرية منهما و كذلك فعلوا النحاتون‬
‫‪ .....‬االوربيون‬
‫اقول ‪ :‬انك لن تجد طاغية خفيف الظل النهم مثل الماشتو يدركون ان خفة الظل تهددهم فكلما تجبروا كلما بدوا اصغر في‬
‫عيون ضحاياهم الساخرين منهم و الدم يؤلم القتيل و اهله اليوم و تشفى جراح احفاده احفادهم لكن جرح النكته على الطاغي‬
‫يبقى على مر التاريخ و ‪.....‬ان كافور االخشيدي مغتصب ُملك مصر في القرن العاشر الميالدي لم يبقى من ذكره شي اال هجاء‬
‫المتنبي تماما كما اختصر البابليون الجنية المخيفة في نظيرها المضحك و ان الطغاة يعرفون كيف يراهم الناس فيخافون من مراياهم‬
‫لذلك كلما رايت الطاغية و اتباعه يجوبون البالد في ظالم الليل يشمون االبواب كجنية بابلية براس لبوة تبسم و اعلم ان بسمتك‬
‫هذه على المدى الطويل هي الباقية و هي التي تغلبهم و انهم كالجنية وهم زائل من التاريخ و الذاكرة و مكانهم علبة زجاجية في‬
‫متحف بعيد‬

You might also like