Professional Documents
Culture Documents
مقدمة عن نهر النيل
يعتبر نهــر النيل أطول أنهار العالم حيث يمتد من منابعه اإلستوائية
حتى مصبه في البحـــــــر المتوسط مسافة 6650كم (4157
ميال) ،ويقع نهر النيل داخل تسع دول إفريقية (بروندى – رواندا –
زائير – تنزانيا – أوغاندا – كينياـ – أثيوبياـ وهى دول المنبع،ـ مصر
– السودان دول المصب).
ينبع نهر النيل من العديد من البحيرات والنهيراتـ اإلفريقية مثل
بحيرةـ فيكتوريا اإلستوائية ،بحيرةـ إدوارد اإلستوائية ،بحيرةـ ألبرت
(موبوتو) وبحيرةـ تانا ثــم يخترق النيـــل أراضى السودان حيث
يلتقى النيل األبيض باألزرق ثم إلى نهر عطبرة ثم إلى أرض
مصر .و تعتبر حصة مصر محصلة تاريخية وقانونية وهندسية
وتعاون مشتركـ تجسدت مــع دول حوض النيل من خالل جهود
االستفادة القصوى من مياه النيل واستقــر الرأى على أن تكون
حصة مصر سنويا بواقع 55,5مليار متر مكعب سنويا ونظمت
حصة مصر من خالل عدة معاهدات واتفاقيات (معاهدة أديس أبابا
-1902معاهـدة لندن – 1906معاهدة 1925بين بريطانيا وإيطاليا
– اتفاقية 1959بين مصر والسودان)
المشهد اإلستراتيجى لدول حوض النيل
-العالقات المائية المصرية األثيوبية تعتبر أثيوبيا أهــــــــــم دول
النبعـ بالنسبة لمصر نظرا لحجم اإليراد المائى الوارد منها في إطار
الحــوض الشرقى لنهر النيل ومع ذلك فـال ترتبط أثيوبيا مع مصر
بأى إتفــاق تنظيمى باستثناءـ اتفاقيـــة عام 1902م بين كل من
بريطـــانيا (المسئولة عن مصر والســــودان) ،إيطــــاليا (المسئولة
عن الحبشة) في ذلك الوقت وهى اتفاقية تقضى بعدم قيام الحبشة
بأى أعمــال على بحيرةـ تانا أو النيل األزرق أو نهر السودان مما
يؤثر على حصة مصر والسودان ومن الجدير بالذكر أن مصر
وقعت مع أثيوبياـ عام 1993م إطار للتعاون يتناول موضوع
إستخـــــدام مياه نهر النيل تفصيال من خالل الخبراء على أساس
اتفاقـــى للمجـارى المائية الدولية المؤسس على االستغالل األمثل
والمنصف وعدم الضرر والتعاون بين دول النهر .إال أن أثيوبيا
تقوم حاليا ببعض األعمال بشكل منفردـ ولكنهل ذات تأثير ضعيف
وال تؤثر على حصة مصر.
-مصر ودول البحيرات العظمى يضم إقليم البحيراتـ العظمى كال
من (كينيا – رواندا – بوروندى –الكونغوـ –أوغاندا) وتاتى عالقات
مصر مع دول البحيرات العظمى في شكل مشروعــــــات مشتركة
وعالقات سياسية وثقافية واقتصادية .أمثلة على ذلك :مساعدات في
مجال المياه الجوفية مع أوغاندا – استصالح األراضى في كينيا –
برامج األمن الغذائى في تنزانيا ومشروعات الربط الكهربائى مع
الكونغو.ـ و يمثل إقليم البحيرات العظمى أهمية إستراتيجية بالنسبة
لمصر والعديد من دول العـــــلم نظرا لكونه غنى الثروات الطبيعية
مما جعل مصر تحافظ على عالقات اإليخــــاء مع دول البحيرات
العظمى والعمــل على حــل مشكالتها في قضايا ( :السلم واألمن –
الديمقراطية وحقـــــوق اإلنسان – التنمية االقتصادية).
تفاصيل الخالف داخل حوض النيل
.1حجم مياه األمطار الهابطة داخل حوض النيل يبلغ نحو 1660
مليار متر مكعبـ سنويا ال يستغل منها ســوى %4تشمل حصة
مصر الثابتة منذ 50عاما والباقى يفقـــد إمـا بالبخر أو في
المستنقعاتـ واألحراش أو يذهب إلى المحيط.
.2ورد في تقرير مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس
الوزراء المصري أن إحتياجات مصر من المياه ستفوق مواردها
المائية بحلول عام 2017م نظرا للنمو السكانى السريع ونتيجة
للتوسع التنموىـ فمصر ستحتاج بحلول عام 2017م نحو 86,2
مليار متر مكعب في حين أن مواردها لن تتجاوز في ذلك الوقت
71,4مليار متر مكعبـ.
و أضاف التقريرـ أن مصر حاليا تعتبر من الدول الداخلة تحت خط
الفقر المائى حيث يبلغ نصييب الفرد 860مترا مكعبا سنويا في
حين أن خط الفقر المائى يبدأ من 1000متر مكعبـ سنويا باإلضافة
إلى ذلك أن مصر تعتبرـ من الدول الفقيرةـ بمياه األمطار كما أن
مواردها من المياه الجوفية محدودة ومع األخذ في األعتبار نسبة
البخر داخل بحيرةـ ناصر التي تتشكل من الفائض عن حصة
السودان وأنه قد يقل بذلك المخزون اإلستراتيجى داخل بحيرة ناصر
نظرا لتوسع السودان في إنشاء السدود كسد مروى الذي أقامته
السودان في منطقة النوبة.
.3هناك بعض المحاوالت المتكررة للقيام بمشروعات من طرف
واحد تقوم بها بعض الدول بحجة توقيع مصر والسودان التفاق عام
1959من جانب واحد دون التشاور مع باقى دول النهر ومثاال على
ذلك :سدى تيكيزى المقام على نهر التيكيزىـ والذي سيحتجز 9
مليارات متر مكعبـ ويولد طاقة قدرها 300ميجاوات قد تؤثرـ على
حصة مصر حسب بعض التقديراتـ وبذلك فاإلحتماالت قائمة بتذايد
مثل تلك المشروعات التي قد تؤثرـ على حصة مصر والسودان.
.4أن هناك خالفا بين دول حوض النيل حيث تحاول بعض دول
حوض النيل التشكيكـ أو الطعن في اتفاقيات عام 1959 ،1929م
باعتبارأنها اتفاقيات وقعها االستعمارـ نيابة عن أطرافها وذلك مما قد
ينكرـ حقوق كال من مصر والسودان التاريخية في حصتيهما.
.5قدمت مصر عام 1997م مبادرة حوض النيل لتعظيمـ االستفادة
من مياه النيل والتي أقرتها الجمعية العامة لألمم المتحدة ولكن
أخفقتـ بعض الدول في التوقيع عليها نتيجة لتمسك مصر والسودان
بثالثة بنود رئيسية
أولها :اإلعتراف بحقوق مصر والسودان التاريخية التي تنظمها
المعاهدات الدولية وتنظم التعاون بين الدول في دراسة وتنفيذ
مشروعات النيل.
ثانيها :ضرورة اإلخطار المسبق لدول المصب بأى إنشاءات
ومشروعات تقام على النهر وفروعه بما يضمن تدفق مياه النهر
دون عوائـق باعتبار أن نهر النيل يخص جميع دول حوضه
ثالثها :إلتزام كل دول حوض النيل باحترام قاعدة التصويت
باإلجماع عند نظر تعديل أى من البنود األساسية لالتفاقية التي تمس
مصالح دول الحوض وأمنها المائى أما البنود األخرى األقل أهمية
فيمكن التصويتـ عليها وفق قاعدة األغلبية المطلقة وقي جميع
األحوال ينبغى أن تكون دولتى المصب (مصر والسودان) ضمن
هذه األغلبية حتى ال تنقسم دول حوض النيل إلى معسكرين.
.6أن هناك محاوالت متعمدة من جانب بعض الدول لسوء التفسير
لمفهوم االستخدام العادل والمنصف من بعض دول النهر على
الرغم من توضيحها في اإلطار القانونى وهى ما يعنى اعتماد الدول
على المجرى المائى وعدد السكان وخطط التنمية.
.7المشكلة من منظورـ مصري ليست في نقص مياه حوض النيل
ولكن في كيفية الحفاظ وحسن إدارة الثروةـ المائية في منطقة حوض
النيل مما يعود بفائض إضافى على جميع دول حوض النيل.
.8ليس خفيا على أحد أن إسرائيل لها دور في هذه المشكلة نظرا
لرغبتها في الضغط على مصر وحصر دورها في المنطقة وذلك
من خالل نفوذها داخل حوض نهر النيل وذلك لتقديم المساعدات
المالية والفنية داخل حوض النهر وذلك للتأثير على حصة مصر
وبدعم عدم االستقرار واألمن بمنطقة البحيرات العظمى للتاثيرـ على
مستقبل دول حوض النيل.
مصر في أمان مائى تحت أى ظرف
هناك بعض الدالئل والحقائق التي ترقى إلى مرتبة الثوابتـ في شأن
خالف مصر مع دول حوض النيل حيث أن حصة مصر من مياه
نهر النيل المتاحة حاليا وهى 55,5مليار متر مكعبـ سنويا والتي لم
تعد تلبى إحتياجات مصر حاليا وهى تمثل الحد األدنى مأمونة
ومصونة من خالل .1 :الطبيعة الجغرافية :الماء متدفق من
الجنوبـ إلى الشمال دون تدخل أو إرادة لبشر فبالتالى يصعبـ على
أى دولة تغيير المنحنياتـ واإلنحناءات الصعبة التي يتخذها مجرى
النهر.
.2المكتسبات التاريخية :إن استمرار واستقرار حصة مصر عدد
كبيرـ من العقود على نحو هادىء ورتيب وعلى مرآى ومسمعـ من
العالم كل ذلك يجعل األمر حقا مكتسبا ،فإذا كان الفرد الطبيعى إذا
حاز شيئا لمدة 15عاما حيازة هادئة فإنه يكتسبـ ملكيته بالتقادم
وقياسا على ذلك من باب أولى حق مصر الدولة في حصتها من
المياه المستقرة لقرون طويلة وأكدتها العديد من اإلتقاقفيات.
.3أن مصر لديها غطاء قانونى دولي قوى يحميها من أى تدخل في
مقدرات المياه بل ولديها غطاء عرفى وتنظيمىـ مع دول الحوض
التي وقعت مبادرة حوض النيل (بروتوكول روما – 1891معاهدة
أديس أبابا – 1902معاهدة لندن – 1906معاهدة بين كل من
إيطاليا وفرنسا وبريطانيا – 1906تبادل مذكرات بين إيطاليا
وبريطانيا عام – 1925مذكرة القاهرة عام – 1929مذكرة عام
– 1938مذكرة – 1953اتفاق مصر والسودان عام – 1959
اتفاق أوغاندا عام – 1991اتفاق أثيوبياـ عام .)1993
.4مبادىء القانون وأحكام القضاء الدوليين المتمثلة في المعاهدات
الدولية التي تواجه الزعم بعدم اإللتزام باالتفاقيات التي أبرمت في
عهد االستعمارـ (اتفاقية فيينا لعام )1978المتعلقة بالتوارث الدولي
للمعاهدات واستمرار ما ترتبه من آثار مهما تغيرتـ أنظمتها
الحاكمة .حكم محكمة العدل الدولية عام 1997م بين سلوفاكيا
والمجرحول احد المشروعات على نهر الدانوبـ وقد أكدت المحكمة
مبدأ توارث المعاهدات.
.5القواعد التي تحكم مشاركة البنكـ الدولي في تمويل أى
مشروعات تقام على المجارى المائية الدولية أي التي تمر بأراض
وتقع على شواطىء أكثر من دولة إلى جانب تقديم المعونات
والمساعدات الفنية والذي يعنينا هنا هو أنه يلزم مشاركة البنك
الدولي في أى مشروعات تقام في إحدى دول النهر أن يحصل البنك
مسبقا على موافقة أو عدم ممانعة جميع دول الحوض أو ما يعرف
في السياق القانونى بالدول المتشاطئة.
.6السد العالى وهو مشروع يوفر المخزون اإلستراتيجى من المياه
ويحمى مصر من خطر الفياضانات والجفاف بل ومشرع عظيم
لتوليد الطاقة الكهرومائية.
.7حرص مصر على التعاون المائى مع دول حوض النيل بما لها
من خبرة فنية في إنشاء السدود فهى تقدم الدعم الفنى والمادى لدول
حوض النيل لتعظيم استفادتها من فواقد المياه لديها وتنشيطـ عملية
التنمية.
.8من المؤكد أن سياسة مصر الهادئة مع دول حوض النيل ألكثر
من عشر سنوات سوف تثمر عن اتفاق مرضى لجميع األطراف فال
يوجد مجال للتصادم بين أبناء نهر النيل فهو شريان الحياة لدول
حوض النيل فهم يشكلون عائلة واحدة وارد بينهما اإلختالف.
مصادر البحث
§ أصول القانون الدولي العام (القسم الثاني) دكتور /حازم محمد
عتلم.
§ مصر ومياهـ نهر النيل مقال الدكتورـ /مغاورى شحاته دياب
جريدة األهرام .8/6/2009
§ ال خوف على مخزوننا اإلستراتيجىـ مقال /أحمد نصر الدين
جريدة األهرام .13/6/2009
§ مصر ..وقضايا مياه النيل مقال المهندس /عادل أنور خفاجى
جريدة األهرام .22/6/2009
§ تفاصيل الخالف داخل حوض النيل حول حقوق مصر التاريخية
مقال /مكرم محمد أحمد جريدة األهرام .11/7/2009
§ حديث د كتور /مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية
والمجالس النيابية جريدة األهرام تاريخ .25/7/2009
§ هل هناك بوادر أزمة مائية مصرية ؟ مقال /محمود شكرى
جريدة األهرام بتاريخ .3/8/2009
§ مستفبل العالقات المائية بين مصر ودول حوض النيل مقال
الدكتور /مغاورى شحاته دياب جريدة األهرام .5/8/2009
§ مصر في أمان مائى تحت أى ظرف ! حديث دكتور /محمد
نصر الدين عالم وزير الموارد المائية جريدة األهرام .7/8/2009
§ اتفاقية ..1959في عيدها الخمسينى مقال المهندس /عادل أنور
خفاجى جريدة األهرام .11/8/2009
§ التعاون المائى ..والمهلة المنتظرةـ مقال /أيمن السيد عبد الوهاب
جريدة األهرام .17/8/2009
§ نهر النيل يجمع وال يفرق مقال المستشار /عبد العاطى محمود
الشافعى جريدة األهرام .18/8/2009
§ البنكـ الدولي وتمويل المشاريع على نهر النيل مقال السفير /
محمد كامل عمرو جريدة األهرام .19/8/2009
§ تحديات المشهد اإلستراتيجى في البحيراتـ العظمى مقال /
الدكتورـ حمدى عبد الرحمن جريدة األهرام .26/8/2009
www.ahram.org.eg
سبَةً بالنسبة لمياه النِّيل ،وأنه ترى مصر أنَّ لها ُحقُوقًا تاريخيَّةً ُمكت َ
بالحصول على نصي ٍ ِ ق في ض لها ،وأنَّ لمص َر الح َّ التعر ُُّ ال يجوز
تنج ُم عن تقليل المفقود عند ي إيرادات إضافيَّة ُ معقول من أ ِّ
ٍ
المنابع ،كما تؤ ِّكد على وجوب التشا ُور معها من قِبَ ِل دول حوض
أي ترتيبات من شأنها أن تؤثِّر على موار ِد ِNه النهر قبل الشروع في ِّ
الرؤية
الحاليَّ ِة وال ُمستقبليَّ ِة ،وتعت ِم ُد مص ُر في تحقيق هذه ُّ
االستراتيجية على أداتين هما:
أ -الهيئة الفنيَّة الدائمة المشتركة لمياه النيل ،الَّتي أنشئت طبقًا
التفاقية عام 1959م بين مصر والسودان ،ومهمتها دراسة
مناطق تَ َج ُّمع األمطار التي تُ َغ ِّذي
ِ سح األرصاد الجوية النَّ ْه ِريَّة ،و َم ْ
بحيرات الهضبة االستوائية (فكتوريا ،كيوجا ،البرت) ،وتحظى
الهيئة بدعم من برنامج األمم المتحدة اإلنمائي (،) UNDP
ومنظمة األرصاد العالمية ( ،) OMWوهدفها األساسي هو
تنظيم عملية استغالل مياه النهر بواسطة الدول ال ُم ِطلَّة عليه.
ب -األندوجو :وتعني الصداقة ،أ ِو اإلخاء باللغة السواحلية ،وهي
عبارة عن تَ َج ُّمع لدول َح ْوض النيل أنشئ عام 1983م؛ بناء على
سوداني ،وأهدافُهُ التعاون والتنسيق ٍّ مصري وتأييدٍّ اقتراح
والتشاور بين ُدول حوض النيل التسع ،انطالقًا من خطة عمل
الجوس عام ،1980الّتي أ َّكدت على أنَّ األنهار اإلفريقية هي
البِ ْنيَة األساسية الضرورية للتعاون اإلقليمي ،ويشارك في أعمال
المجموعة كل دول الحوض (باستثناء إثيوبيا) لوضع خطط العمل
المشترك في المجاالت المائية.
وتبر ُر مص ُر حقَّها الثابت هذا بأنَّه عندما كانتْ بريطانيا تحت ُّل ِّ
الجزء األكبر من حوض نهر النيل َوقَّ َعتْ بريطانيا – باعتبارها
عن السودان – مع إثيوبيا عام 1902م على معاهدة تنُ ُّ
ص مسؤولةً ِ
منابع نهر
ِ بالتزام إثيوبيا بعدم القيام بأية أعمال أو مشاري َع على
النيلِ ،م َّما يؤدي إلى التأثير على َك ِّميَّ ِة المياه المت َدفِّقَة في النهر –
إال بعد الرجوع إلى الحكومتين البريطانية والسودانية ،وتعتبر هذه
المعاهدة سارية المفعول من وجهة نظر القانون الدول ّي ،برغم
اعتراض الحكومات اإلثيوبية المتعاقبة.
وقد سعتْ بعض الدول غير المشاركة بحوض النيل بالتَّنسيق مع
إحدى أو بعض دول الحوض؛ إلقامة مشاريع على النهر من باب
استثمار النهر ،وعلى سبيل المثال ما حدث عام 1964م حينما
ت استصالح أراضي إثيوبيا؛ استخدمت الواليات المتحدة مشروعا ِ
ت العالقة بين كورقة ضغط سياسي تجاه مصر في الوقت الذي كان ِ
أمريكا ومصر (في عهد الرئيس الراحل Nجمال عبدالناصر) سيئة
للغاية ،وفي محاولة منها للرد على مشروع السد العالي اقترحت
ي س ًّدا َ
وخ َّزانًا؛ لتوفير مياه ال َّر ِّ أمريكا في الدراسة Nإنشاء َ 26
إلثيوبيا ،وبالتالي خفض تصريف النيل األزرق بنحو 5.4مليار
متر مكعبِ ،م َّما يعني أنها ستخلق مشكلة لمصر والسودان ،وقد
س ِّد فينشا)؛ ِم َّما
نفذت إثيوبيا مشرو ًعا واح ًدا منها فقط (مشروع َ
من الكوارث ،أو العجز المائي لمصر. أي نوع َ لم يُ ْف ِ
ض إلى ِّ
ص َر في كيفية استخدام مياه النيل بداخل األراضيN وتنازع إثيوبيا ِم ْ
ص ُر بأنَّه أمر طبيعي قيا ُمها ِب َم ِّد تُرعة
المصرية ،على حين ترى ِم ْ
صة أنَّ لها سابقةً فقد سبق من مياه النيل إلى صحراء سيناء ،خا َّ
ق تُرعة اإلسماعيلية شرق َّي النيل ،وحتى لمص َر أن قامت بش ِّ
وتبرر
ِّ الحدود الشرقية دون اعتراض من الدول النِّيلِيَّة األخرى،
مص ُر مشاريعها بأنها ال تعدو أن تكون تطوي ًرا مفي ًدا لالنتفاع
صة المائية المستمدَّة صتِها المائيَّ ِة في حدود المتاح لها من الح َّبح َّ
ِ
صة أنَّها ال تسبب ضر ًرا لدول الحوض األخرى. من نهر النيل؛ خا َّ
والواقع أنه يوجد خالف مصري -إثيوبي قديم ،مرجعه أنَّ أباطرة
س َخ لديهم منذ عدة قرون فكرة ُمؤدَّاها قدرتهم على الحبشة قد تَ َر َّ
تحويل مياه النيل عن مصر ،وترتَّب على هذه الفكرة وجود نوع
من المخاوف أن تكون إثيوبيا مصد ًرا لتهديد مصر مائيًّا ،أو أن
تكون مصر مصد ًرا إلثارة قلق إثيوبيا َأ ْمنِيًّا إذا ما سعتْ لتأمين
منابع النيل.
وظ َّل الموقف اإلثيوبي على هذا المنوال ،الذي يشتد في فترة
ويضعف في أخرى ،وذلك الرتباطه بالحكومة التي تتولَّى حكم
إثيوبيا وموقفها من مصر ،ومدى خضوعها للضغط الصهيوني،
إلى أن تَ َّم عقد اتّفاق القاهرة في يونية 1993م ،والذي وضع ح ًّدا
لهذا الخالف.
األطماع اإلسرائيلية:
تستند الحركة الصهيونية منذ بازل 1898م إلى استراتيجية محدَّدة
تضع المياه في رأس قائمة أولوياتها ،باعتبار أ َه ّميَّتها القصوى
في هذه المنطقة من العالم المتَّسمة بالجفاف ،فبدون المياه
ويتعذر تنفيذ برامج استيعابَّ تستحيل الزراعة في مستوطناتها،
المهاجرين إليها في الريف والحضر ،عدا ما تتطلَّبُه الصناعة
وخطَط تَ ْن ِميَتِها؛ ووضعتْ إسرائيل خريطتها مبك ًرا على أساس ُ
التح ُّكم في مجمل المصادر الطبيعية للمياه في المنطقة؛ بل وتغيير
ت النيل ضمن حساباتها ،وهي خريطتها الطبيعية لحسابها ،ووضع ِ
ال تضع ُخطَطَها على الورق؛ بل تَ ْع ِم ُد فَو ًرا لتنفيذها بشتَّى الطرق،
غير مبالية بالحقوق التاريخية ،أو االتفاقيات القانونية الدولية.
وهكذا إذا كانت استراتيجية إسرائيل ترتكز على التهجير ،الزراعة،
ظف سياستها المائية لتحقيق مجموعة من المستوطنات ،فإنها تُ َو ِّ
األهداف ،والمقاصد التي يمكن حصرها فيما يلي:
– 1التحكم في مصادر المياه.
– 2مضاعفة مواردها المائية بشتى الطرق.
– 3تنمية مواردها من المياه الجوفية.
– 4تدبير الموارد Nالالزمة لقنوات استهالكها.
– 5تحقيق مشروعها بسحب مياه النيل إلى النقب.
– 6العمل على إنشاء سوق للمياه في المنطقة.
– 7اإلدارة Nالمركزية المشتركة لمياه المنطقة.
صة بمياه النيل ،فهي تعود إلى عام وفيما يتصل باستراتيجيتها الخا َّ
1903م أي إلى مشروع تأسيس الوطن القومي لليهود في سيناء،
وتتبناه اآلن في إطار فكرة محورية تستبدل بها برامجها لنقل
السكان إلى المياه بأخرى هي "نقل المياه إلى السكان" ،ويتحدَّد
مشروعها بالنسبة للنيل في أنَّه يُم ِك ُن لنسبة قليلة من مياهه (ال
تتجاوز % 1من جملتها في مصر؛ أي من أصل الـ 55.54مليار
م )3أن تحل مشاكل إسرائيل المائية ولفترة طويلة مقبلة ،وأن ذلك
مج ٍد من الناحية االقتصادية للدولتين ،حيث ستدفع إسرائيل ثمن ما
تشتريه من مياه (مثلما تدفع هونج كونج للصين ،أو سنغافورة
لماليزيا) ،وبالنسبة لما يمنحها ذلك المشروع مساحة مزروعة
تناهز 20مرة ما تزرعه اآلن بما يستوعب المستعمرات ،ويحول
النقب إلى منطقة كثيفة السكان.
وقد برزتْ فكرة إنشاء سوق للمياه في المنطقة في ندوة عقدت في
جامعة تل أبيب (إبريل -مايو 1994م) ،وفيها طُ ِرحت أفكار متعددة
حول تكلفة توفير المياه من مصادرها المختلفة ،واستبعدت التحلية
الرتفاع التكلفة ،وطرح اقتراح شراء المياه بواسطة سوق
للمناقصة ،وتناولت الندوة موضوع جدوى جلب المياه من مصر أم
تركيا؟ وحسبت تكلفتها من النيل حتَّى قطاع غزة والنقب ،وتكلِفَتها
من تركيا (الفرات) إلى طبرية ،وتبيَّن أن جلبها من مصر أفضل
اقتصاديًّا (مشروع ترعة السالم).
ولوال النقب لما كانتْ هناك – في الواقع – مشكلة مياه في إسرائيل
بعدما وضعت يدها وسرقت ونهبت معظم مصادر المياه في
المنطقة من حولها ،والنقب صحراء تبلغ مساحتها نصف مساحة
فلسطين تقريبًا ،وتش ّكل القسم الجنوبي منها ،وهي في حاجة ماسة
ضا لملوحة تربتها.
للماء ليس فقط لكونها صحراء جافة؛ بل أي ً
وفي أثناء زيارته الشهيرة للقدس في سبتمبر 1979م ،أعلن
الرئيس المصري ال َّراحل محمد أنور السادات اعتزامه مد مياه
النيل التي ستروي سيناء إلى صحراء النقب في إطار اتفاق عام
للسالم بين إسرائيل والبلدان العربية ،ومعلو ٌم أنَّ الرئيس السادات
ضيَّة
كان قد استخدم فكرة مشروع "ترعة السالم" كورقة تفا ُو ِ
لحث إسرائي َل على احترام حقوق العرب -المسلمين في مدينة ِّ
االستيطاني في الضفة الغربية وغزة،
ِّ القدس ،ووقف النشاط
والبدء في إزالة المستوطنات القائمة آنذاك ،لكنَّ هذه الورقة
المصري قبل أن يموت
ِّ الوطني
ِّ الحس
ِّ احترقت تما ًما في لهيب
الرئيس السادات.
وفي عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك ،تجدَّدت الخطة
ص
وطني خال ٍ ٍّ الرئيسة لمشروع ترعة السالم في إطار منظو ٍر
لتنمية متكاملة تربط بين غرب قناة السويس والساحل الشمالي في
مرحلتين تم
ِ شرقها ،وتقوم بري 600ألف فدان في سيناء على
بالفعل االنتهاء من المرحلة األولى منها في نهاية العام 1997م،
من المياه ص ٍة َ ي ح َّ أي إشارة إلى اشتراك إسرائيل في أ ِّ دون ِّ
ص ٍة منالمصريَّ ِة ،ونعتقد يقينًا أنَّ حصول إسرائيل على أدنى ِح َّ
إسرائيلي مستحي ٌل أن
ٍّ مياه النيل سوف يبقى كما بدأ ،مج َّر َد ُح ْل ٍم
مصري أيًّا كان .
ٍّ ي حاكم أي ظرف ،وفي ظ ِّل أ ِّ
ق تحت ِّيتحقَّ َ
طرحت دراسة جامعية مؤخراً تحت عنوان «الجوانب االقتصادية ألزمة المياه في دول حوض النيل -االستراتيجية المقترحة للعالج» استراتيجية
لحل أزمة المياه بين دول حوض النيل تتمثل في استعادة مصر لدورها اإلقليمي والدولي ،وضرورة لجوئها للتحكيم الدولي لضمان حقها التاريخي
في حصة المياه مع العمل علي وقف تقسيم السودان.
وكشفت مناقشة الرسالة عن المأزق الذي يعاني منه المسئولون في مصر وبحثهم عن حلول لتلك األزمة ،مما دفع وزارة البحث العلمي الستدعاء
رودينا ياسين بسيوني ،صاحبة الرسالة ،ومطالبتها بمناقشة رسالة الماجستير؛ نظراً ألهمية الموضوع بعد تأجيل دام 4سنوات.
وتكشف الدراسة التي حصلت علي تقدير امتياز -عن الدور اإلسرائيلي للضغط علي مصر ومحاصرتها حتي تتمكن من توصيل مياه النيل إلي
منطقة النقب ،وإحياء مشروع ترعة السالم ،وذلك من خالل دورها في التوغل بالدول األفريقية مستغلة ورقة الدعم المادي ،ومساندة حكومات غير
شرعية إلي جانب دعمها لتغذيةـ الصراع في أفريقيا.
وتطالب الدراسة بتكوين مفوضية لدول حوض النيل علي غرار ما أطلق عليها في االتفاقية األخيرة ب«عنتيبي» تضم مصر والسودان وتعمل علي
لم الشمل األفريقي.
وحاولت الدراسة من خالل أربعة محاور رسم حقيقة الصراع وطرحت استراتيجية للتعامل مع األزمة ،يأتي في مقدمتها ضرورة تعاون دول
حوض النيل العشر علي تأسيس منظومة شاملة لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية بين الدول ،وكذلك المحافظة علي مياه النيل من األطماع
الخارجية وعدم السماح بأن تخترق وحدة حوض النيل بفصل القوي الخارجية المستهدفة التأثير في دول المنبع للحصول علي نصيب لها من مياه
النيل ،فعلي المحور السياسي يتطلب األمر وفق الدراسة:
ضرورة تصحيح األوضاع والعالقات السياسية بين دول الحوض ،وبناء هذه العالقات علي مجموعة من القوانين التي تحكم االلتزام باالتفاقات ونبذ
أي خالفات أو صراعات سياسية داخلية علي مستوي دول الحوض؛ خاصة الصراعات التي تحدث في السودان ودارفور ،والتي تحدث في
العالقات المصرية اإلثيوبيةـ أو رواندا وبوروندي وإثيوبيا وإريتريا.
إضافة إلي تصحيح األوضاع السياسية بين دول الحوض لما لها من أهميته بالنسبة للحالة المصرية التي من مصلحتها تصحيح العالقات في
السودان.
وتؤكد الرسالة التي أشرف عليها كل من الدكتور محمد موسي رئيس قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر والدكتورة عبلة رجب رئيس قسم
االقتصاد بكلية االقتصاد والعلوم السياسية والدكتور صالح الدين فهمي عميد معهد الجزيرة علي ضرورة العمل بعيداً عن منهجية االستعالء ومنح
كل من السودان ومصر موضعا ً مهما ً لحل أي خالفات ،ومواجهة الصراع سيحسم األمر دون الوصول إلي ما يستهدفه األعداء من نشوب الصراع
في حوض النيل.
وطالبت بإقامة عالقات تبادل تجاري بين دول حوض النيل التي تضم نحو 300مليون نسمة ،عالوة علي ما يتاح في مجموعة الدول العشر من
موارد اقتصادية طبيعية تسهم بشكل كبير في عملية التنميةـ االقتصادية واالجتماعية ،خاصة وأن هذه الموارد تسمح بإضافة عالقات تبادل تجاري
بين الدول من خالل تبادل االتفاقات الخاصة بالتجارة البينية فيما بينها ،أو عالقات االستثمار فيها.
كما طالبت الدراسة بإنشاء تكتل اقتصادي كبير علي غرار التكتالت في االتحاد األوروبي وهذا يتوقف علي مجموعة من المحددات تتمثل في
تحقيق نوع من التكامل في الحقوق والواجبات والبعدـ عن نهج الوصاية والعالقات شبه التدخلية أو االستعمارية والتي ال تحقق أي فرص للتقدم -
التدرج في تخطيط المسار االقتصادي التكاملي .باإلضافة إليجاد تكامل بين الخبرات والعمالة الماهرة المدربة ،بما يقلل الفجوات بين الدول التي
تستهدف دعم برامج التدريب للعمالة الداخلة إلي دول أخري.
كما طالبت بإشراك القواعد الشعبية ديمقراطيا ً في مسيرة التكامل بدءا بالتصديق علي المبدأ ووصوال إلي المشاركة في اتخاذ القرارات ،وعدم
ً ً
التعارض مع االلتزامات اإلقليمية والدولية مع منظمة التجارة العالمية ومنظمة الكوميسا واالتحاد األفريقي ،ومواكبة الدعم المؤسسي والمالي
لبرامج ومشروعات التكامل والعمل المشترك.
ض ا تفعيل ودراسة جميع االتفاقيات والمبادرات السابقة لما تتضمنه من استراتيجية للعمل المشترك بين دول حوض النيل والتي مرت من قبل وأي ً
بمحاوالت عدة للتنسيق والعمل المشترك لتوزيع مياه النيل ،وذلك بعد استقالل العديد من الدول األفريقية ورفضها التعامل مع اتفاقيات سنت في
عهد االحتالل ،ومن هذه المحاوالت التي ترصدها الدراسة (تجمع األندوجو )1983والذي عقد بالعاصمة السودانية «الخرطوم» ،وكذلك تفعيل
أهداف النيكونيل لتنتهي بمبادرة دول حوض النيل في عام 1998كمبادرة لحل النزاع حول الموارد المائية النيلية.
كما جاءت المبادرة كمحاولة القتسام وتبادل المنافع الناتجة عن تنمية الموارد المائية المشتركة.
وترصد الدراسة إيجابيات المبادرة التي تحتاج لتفعيلها ،والتي تتمثل في خلقها لفوائد مشتركة بين الدول تتمثل في تقليل التبخر بالتخزين في
األحراش العليا لنهر النيل سواء بالهضبة اإلثيوبية أو االستوائية حيث يقل التبخر ،أي تقليل الفاقد في منطقة السدود بجنوب السودان دون التأثير
علي النظام اإلحيائي بالمنطقة.
وأكدت الدكتورة عبلة رجب ضرورة سعي مصر مشاركة الدول األفريقية في مشروعات صناعة الطاقة خاصة أن النقص في الطاقة الذي تعانيه
دول حوض النيل (عدا مصر) وفي ظل اإلمكانيات المتاحة بحوض النيل للتوليد الكهرومائي والتي تدفعها لبناء السدود يجعل التعاون في مجال
تجارة الطاقة ذا فائدة مشتركة للجميع .وفي هذه الحالة ينبغي أن يتم تحديد المواقع التي تؤدي إلي تعظيم التوليد الكهرومائي وتقليل التبخر وأن تكون
ذات نفع مشترك لكل الدول ،سواء في الطاقة المنتجة أو االستخدامات األخري للمياه.
وإذا أخذنا بناء السدود إلنتاج الكهرباء والتجارة فيها فإن منافع مشتركة أخري يمكن تحقيقها كحماية ألحواض األنهار التي تغذي هذه األحواض من
عوامل التعرية واالنجراف ،وبالتالي زيادة كمية الطمي بحوض الخزانات ،وكذلك تنظيم سريان األنهار وتحسين فرص الري والمالحة وتشجيع
الصناعات المصاحبة .هذا النمط من المشروعات يفتح الباب أمام الدول في التفكير الكلي والدخول في سيناريوهات تعظم االستفادة من الموارد
المتاحة وتحقق النفع للجميع وتحافظ علي البيئة.
ً
وعن الدور اإلسرائيلي في اشتعال األزمة ،رصدت الدراسة مبحثا كامالً لدراسة هذا األمر ،جاء تحت عنوان «الدور اإلسرائيلي في إيجاد األزمة»
وتؤكد فيه أن األطماع الصهيونية في نهر النيل بدأت مع مطلع عام ،1903حين أرسلت بعثة صهيونية إلي مصر ،لدراسة سيناء المقترح اعتبارها
مقر الوطن القومي لليهود ومنذ الخمسينيات ،بدأت إسرائيل في وضع الدراسات الجيولوجية وتخطط من أجل معرفة حقيقة الخزان الحجري الهائل
الذي يقع في سيناء وصحراء النقب والذي يبلغ طوله مئات الكيلومترات.
وتقدر كمية المياه به حوالي 200مليون متر مكعب من المياه النقية الصالحة للشرب وتبدو األطماع الصهيونية في استغالل وسرقة هذه المياه حتي
يمكنها استصالح صحراء النقب وزراعتها وجذب مستوطنين جدد من جميع أنحاء العالم.
ً
وقد أشار أحد مهندسي إسرائيل إلي أن نقل %1من مياه النيل أي حوالي 800مليون متر مكعب سنويا إلي النقب يعالج مشكلة مياه إسرائيل لفترة
زمنية طويلة.
ونجد أن مساعي إسرائيل تترجم شعارها «من النيل إلي الفرات أرضك يا إسرائيل»
وقد حرصت إسرائيل دائما ً علي إقامة نوع من التوازن بين خريطة أمنها وخريطة مياهها ،وبين استمرار وجودها وإمكان توفير المياه لسكانها،
ولهذا كانت حدودها في الحلم أو الواقع هي حدود مائية -وال تتواني إسرائيل في السعي وراء نهر النيل ،وفي الضغط علي الحكومة المصرية
للموافقة علي إعطائها حصة من مياه النهر لزراعة صحراء النقب ،ومعالجة أزمتها المائية فمازالت تتصل بدول الحوض مثل إثيوبيا التي تساعدها
علي تنفيذ 33مشروعا ً مائيا ً لتوليد الكهرباء والري علي نهري النيل األزرق والسوباط وأجزاء من نهر عطبرة بتمويل من الواليات المتحدة
األمريكية.
ويشير التوجه اإلسرائيلي نحو أفريقيا إلي تعمدها في التعامل مع جماعات أفريقية معينةـ بهدف تدعيم استمرارها في البقاء وتوسيع دورها في بقاء
حالة عدم االستقرار السياسي في بعض الدول.
يعد مؤتمر دول عدم االنحياز بالنرويج 1955بداية لتغلغل إسرائيل في القارة األفريقية ورغم مقاطعة أكثر من 29دولة أفريقية إلسرائيل عام
1973فإنها ركزت في توغلها في القرن األفريقي ،وكانت ورقة إقامة وتمويل مشروعات تنموية الورقة الرابحة التي لهث وراءها العديد من الدول
األفريقية في إقامة عالقاتها مع إسرائيل وكسب ودها.وقد كان للجاليات اإلسرائيلية في تلك الدول دور بارز في خدمة المخطط اإلسرائيلي.
ويمكن القول :السياسة اإلسرائيلية تتبع استراتيجية االلتفاف حول حوض النيل بأنشطة عسكرية وأمنية مكثفة ،وتأسيس سياسة الهيمنة في هذه
المنطقة لمحاصرة مصر واحتواء دول حوض النيل .فالسياسة اإلسرائيلية تستهدف تهديد األمن العربي والمصري بمحاولة زيادة نفوذ إسرائيل في
الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه ،مع التركيز علي إقامة مشروعات زراعية تعتمدـ علي سحب المياه من بحيرة فيكتوريا.
وتعتمد إسرائيل في سبيل تحقيق ذلك علي إيجاد المشاكل والتوترات بين األقطار العربية واألفريقية ،بما يشغل مصر عن القضية الفلسطينية .كما
تستهدف السياسة اإلسرائيلية الحصول علي تسهيالت عسكرية في دول منابع النيل واستخدام القواعد الجوية والبحرية ،مثلما حدث من مساعدات
إلسرائيل من قواعد إثيوبيا في عدوان ،1967واستخدام الدول األفريقية كقاعدة للتجسس علي األقطار العربية ،إضافة إلي تصريف منتجات
الصناعة العسكرية اإلسرائيلية ،وإيجاد كوادر عسكرية أفريقية تدين لها بالوالء.
وإسرائيل تحاول إحياء حلم «ترعة السالم» الممتدة للنقب والذي مات بموت الرئيس السادات وتحاول إيجاد الفرصة المناسبة من أجل طرحه
واإللحاح عليه.
ولذلك اتجهت السياسة اإلسرائيلية لتركيز جهودها علي دول حوض النيل األخري ،خاصة دول المنابع ،من أجل االلتفاف ضد الرفض المصري.
وقد تكثفت الجهود اإلسرائيلية؛ من أجل اللعب بورقة المياه فساعدت دول المنابع في بناء السدود علي روافد النيل من أجل تصميم نظم جديدة للري
تقلل من تدفق المياه لمصر.
وقد شهدت نهاية التسعينيات تحر ًكا خطي ًر ا لتغيير القواعد القانونية الدولية المعمول بها في إطار توزيع مياه األنهار ،فدخلت مفاهيم جديدة كلية،
مثل :تسعير المياه ،وإنشاء بنك وبورصة للمياه .تبنتها أطروحات البنك الدولي التي أهملت وجهة نظر األطراف العربية.
وتلبي احتياجات كل من تركيا وإثيوبيا وإسرائيل علي حساب الحقوق التاريخية المكتسبة للدول العربية في أحواض النيل ودجلة والفرات؛ بحيث
يكون الحل الوحيد أمام الدول العربية -لتجنب الحروب حول المياه -هو اضطرارها لقبول نقل خزين مياهها إلسرائيل ،وإال تعرضت هي نفسها
النتقاص حقوقها المائية؛ ويكون مقتضي هذه الصفقات دخول إسرائيل فاعال أصيالً في مشروعات تنمية موارد األنهار الكبري في المنطقة من
خالل تحالفها المائي مع دول المنابع التي ستلتزم في هذه الحالة بالربط بين نقل المياه إلسرائيل ،وبين التعاون مع دول الممرات والمصبات.
وتتحرك إسرائيل في منابع النيل في هضبة البحيرات (التي تمثل %15من إيرادات النيل) بمساندة أمريكا التي تعطي أولوية قصوي لدول منابع
النيل؛ فمجموعة القادة الجدد الذين ترعاهم السياسة األمريكية واإلسرائيلية هم زعماء دول حوض النيل أساسا ،وهم زعماء:أوغندا ورواندا وإثيوبيا
وإريتريا والكونغو الديمقراطية وكينيا وتنزانيا والجيش الشعبي لتحرير السودان.
ت استصالح أراضي إثيوبيا؛ كورقة كما تلعب أمريكا دورا كبير في الضغط علي مصر لصالح إسرائيل ففي عام 1964استخدمت أمريكا مشروعا ِ
ت العالقة بين أمريكا ومصر (في عهد الرئيس جمال عبد الناصر) سيئة للغاية ،وفي محاولة منها للرد ضغط سياسي تجاه مصر في الوقت الذي كان ِ
علي مشروع السد العالي اقترحت أمريكا في الدراسة إنشاء َ 26س ًّدا و َخ َّزانًا؛ لتوفير مياه الرَّيِّ إلثيوبيا ،وبالتالي خفض تصريف النيل األزرق بنحو
5.4مليار متر مكعبِ ،م َّم ا يعني أنها ستخلق مشكلة لمصر والسودان ،وقد نفذت إثيوبيا مشروعًا واحدًا منها فقط (مشروع سد فينشا).
وال تقتصر خطورة الوجود اإلسرائيلي في دول أعالي النيل علي االستعانة بالخبراء والتعاون الفني في المشروعات ،ولكنها تمتدـ إلي التعاون
أراض في المنطقة بدعوي إقامة مشاريع عليها ،أو تحسين أراضيها ،أو إقامة سدود بها. ٍ االقتصادي الزراعي برأسمال يهودي ،يهدف إلي تملك
وتحاول إسرائيل الضغط علي مصر بأشكال عدة فلجأت للتعاون مع إثيوبيا لعلمها بحصول مصر علي %85من حصتها من إثيوبيا لذلك قامت
إسرائيل بمشروعات في حوض النيل بلغت نحو 40مشروعا ً مائيا ً علي النيل األزرق لتنميةـ األراضي الواقعة علي الحدود السودانية اإلثيوبية.
وكذلك محاوالتها الحصول علي مياه النيل عن طريق «الشراء» من أي دولة من دول حوض النيل تستطيع إقامة عالقة واتفاق معها في هذا
الخصوص -تشكيل ضغط سياسي علي مصر وذلك من خالل تهديدـ «المحور االستراتيجي لألمن القومي المصري» المتمثل في نهر النيل كلما
تعارض الموقف السياسي المصري مع المصالح اإلسرائيلية في المنطقة.تشكيل ضغط اقتصادي علي مصر من خالل إغراقها في عملية دفع مبالغ
هائلة إلي دول المنبع،ـ األمر الذي سيؤثر في تطوير المشاريع الزراعية المصرية حيث تعمل مصر حاليا ً علي استصالح أراض زراعية جديدة
تقدر بثالثة ماليين هكتار مما سيجعل حاجة مصر للمياه تزيد علي ( )60ستين مليار متر مكعب سنويا ً وفقا ً لتقديرات الخبراء المصريين.
وتطرح الدراسة استشرافا ً لمستقبل المياه في إطار استراتيجية السياسة المائية المصرية ،والتي يمكن اعتبارها قاعدة أساسية لمواجهة أزمة حوض
النيل بعد انخفاض نصيب الفرد المصري من المياه لحوالي 860وهو ما يقل عن المعايير الدولية ل«الحد األدني من الفقر المائي (1000م.»)3لذلك
تقدم الدراسة مجموعة من المقترحات لمساعدة صانعي القرار في الخروج من تلك األزمة حيث قدمت 3سيناريوهات هي :سيناريو عصر ازدهار
المياه ،سيناريو الوضع الراهن ،وسيناريو الماء من أجل المال .ويفترض سيناريو عصر ازدهار المياه التقدم الكبير في مجال العلم والتكنولوجيا،
مما سيؤدي إلي زيادة الموارد المائية من خالل المصادر غير التقليدية ،إما بسبب انخفاض تكاليف تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة ،أو
انخفاض تكلفة استخدام تكنولوجيات معالجة المياه مما يؤدي إلي انخفاض تلوث المياه ،وبالتالي تحسين االستفادة من الموارد المائية المتاحة ،أو عن
طريق تنفيذ المشاريع الجديدة والمستحدثة تكنولوجيا ً التي تؤدي إلي زيادة هذه الموارد المائية ،مثالً من خالل ربط نهر الكونغو مع نهر النيل ،وهو
ما سيؤدي إلي وجود فائض في موارد المياه في مصر.
أما السيناريو الثاني وهو سيناريو استمرار الوضع الراهن ،فيفترض أن يحدث تقدم طفيف في مجال العلوم والتكنولوجيا ،مما يؤدي إلي استمرارية
مشكلة المياه بسبب معدالت النمو السكاني الكبيرة .وباإلضافة إلي ذلك ،فإن التحسن في خفض مستويات تلوث المياه بشكل طفيف سيؤدي إلي
استخدام أفضل للموارد المتاحة ،إال أن ذلك لن يكفي لتلبية االحتياجات المستقبلية من المياه .ولمواجهة هذه الفجوة في موارد المياه ،ستقوم الحكومة
المصرية بمواصلة استراتيجياتها لتعزيز عالقتها مع دول حوض النيل وإقامة مشاريع مشتركة للحفاظ علي حصتها من نهر النيل .وحيث يمثل
نقص المياه عقبة أمام النمو االقتصادي ،فمن المتوقع أن يكون هناك تحسن طفيف في مستويات المعيشة.
أما السيناريو الثالث وهو سيناريو الماء من أجل المال ،والذي يفترض تطبيق سياسة تسعير المياه في السوق الدولية ،مما يضع ضغطا ً علي مصر
للدفع مقابل حصتها من المياه .وبالطبع ،فإن تطبيق سياسات تسعير المياه من شأنه أن يزيد من حدة التوتر بين دول حوض النيل ودول الشرق
األوسط ،ويؤثر سلبيا ً في النمو االقتصادي في البلد الذي يعاني من شح المياه.
ومع استمرار النمو السكاني وندرة المياه وتطبيق سياسات تسعير المياه علي المستوي الدولي ،ستقوم الحكومة المصرية بتطبيق سياسات تسعير
المياه علي المستوي المحلي ،وهو األمر الذي سيؤدي بدوره إلي اضطرابات اجتماعية ،حيث لن تكون هناك قدرة لدي المواطنين علي دفع
التعريفات العالية علي المياه بسبب انخفاض مستويات المعيشة .كما أن تزاحم دول أخري في الشرق األوسط علي العرض المحدود من مياه النيل
سيرفع من أسعاره وربما يؤدي إلي توترات سياسية.
وتطالب الدراسة بضرورة تنمية ثقافة االستشراف المستقبلي وإنشاء وحدات لدراسة المستقبل داخل الوزارات المختلفة ،وهناك حاجة إلي تنسيق
الجهود المبعثرة التي بذلت في مجال دراسات المستقبل في مصر.
إلي جانب ضرورة ظاهرة التغيرات المناخية وما يصاحبها من ارتفاع درجات الحرارة ومصير نهر النيل في ظل تلك الظاهرة،فبعض العلماء
يرجح ارتفاع منسوب مياهه مع تزايد تبخر المياه بينما يرجع البعض اآلخر جفاف نهر النيل نتيجة تبخر مياهه.
وهذا االختالف فيما بين العلماء يؤدي إلي تزايد القلق فانخفاض منسوب المياه بنهر النيل سيصاحبه عجز كبير في إطعام شعب مصر البالغ عدده
ماليين المواطنين كما سيصاحبه نقص حاد في الموارد الكهربائية.
وتوصي الدراسة بضرورة حتمية لجوء مصر إلي التحكيم الدولي للمحافظة علي حصتها الموروثة من مياه النيل أسوة بما حدث في قضية طابا
وذلك التخاذ قرار ملزم لدول المنابع مستنداً لالتفاقيات ومعاهدات دولية متعلقة باألنهار الدولية المشتركة للتأكيد علي حق مصر.
كما أنه ليس لمصر خيار آخر إال أن تقف موقفا ً إيجابيا ً للحيلولة دون تقسيم السودان وأن ذلك يعد من الواجبات القومية وإن تداعيات تقسيم السودان
ستؤدي إلي إضافة دولة جديدة إلي دول حوض النيل العشر ال نعرف ما الهوية الحقيقية ؟كما أن االنقسام سيجعل السودان تعمل علي زيادة حصتها
وتفقد مصر حليفا ً مهما ً ورئيسيا ً في المفاوضات مع دول الحوض.
كذلك حتمية التوجه االقتصادي والسياسي إلي أفريقيا برؤية جديدة بعيدة عن أسلوب االستعالء والوصايا والهيمنة .والبد لمصر من استغالل القوي
الدولية غير المستغلة (مثل بعض دول االتحاد األوروبية والصين واليابان) لتفعيل اتفاقيات ثنائية معها تخدم دول الحوض من حيث المشروعات
الكبري واالستثمارات الضخمة والتي يمكن أن تسهم في التنمية.
وتطالب التوصيات بضرورة إنشاء هيئة مستقلة بدول حوض النيل يطلق عليها (مفوضية حوض النيل) كما أطلق عليها في االتفاقية األخيرة
بعنتيبي.
وتتمثل مهام هذه الهيئة في إدارة األزمات التي تنشأ بين دول حوض النيل والعمل علي احتوائها بأقصي سرعة ممكنة علي أن تضم جميع وزراء
الري لدول الحوض ،وأن يكون من مهامها االهتمام اإلعالمي ومحاولة التقارب بين الشعوب من خالل وسائل اإلعالم المقروءة والمسموعة
والمرئية الموجهة إلي جميع أفراد المجتمع للتوعية بأهمية الماء كثروة وأهمية نهر النيل كشريان حياة وإيجاد الوعي بثقافة االهتمام بالمياه من
خالل االستخدام األمثل لها ومنع اإلسراف واإلهدار -إجراء المسابقات الدولية للشباب لوضع تصوراتهم حول النموذج األمثل الحتواء األزمة
وحفظ المهدر من المياه.كما تقوم المفوضية بدور اقتصادي يتمثل استقطاب رجال األعمال في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بدول المنابع
وتدعيمها بالخبرات المصرية وسبل الشراكة المختلفة ونقل التكنولوجيا إلي جميع الدول الفقيرة في حوض النيل وهو دور لم تقم به مصر من قبل،
والعمل علي الربط ووجود توأمة بين مفوضيه حوض النيل ووزارات الخارجية في الدول المعنيةـ خاصة بالنسبة الختيار البعثات الدبلوماسية
العاملة في مجال المياه .وأخيرا إعادة هيكلة التجارة الخارجية لالستفادة من الفرص المتاحة في أسواق دول حوض النيل من خالل تنشيط أسواق
قائمة وإيجاد أسواق جديدة.