You are on page 1of 18

‫األبعاد السياسية لمشكلة المياه في حوض نهر النيل‪ 

‬‬
‫مقدمة عن نهر النيل‬
‫يعتبر نهــر النيل أطول أنهار العالم حيث يمتد من منابعه اإلستوائية‬
‫حتى مصبه في البحـــــــر المتوسط مسافة ‪ 6650‬كم (‪4157‬‬
‫ميال)‪ ،‬ويقع نهر النيل داخل تسع دول إفريقية (بروندى – رواندا –‬
‫زائير – تنزانيا – أوغاندا – كينياـ – أثيوبياـ وهى دول المنبع‪،‬ـ مصر‬
‫– السودان دول المصب)‪.‬‬
‫ينبع نهر النيل من العديد من البحيرات والنهيراتـ اإلفريقية مثل‬
‫بحيرةـ فيكتوريا اإلستوائية‪ ،‬بحيرةـ إدوارد اإلستوائية‪ ،‬بحيرةـ ألبرت‬
‫(موبوتو) وبحيرةـ تانا ثــم يخترق النيـــل أراضى السودان حيث‬
‫يلتقى النيل األبيض باألزرق ثم إلى نهر عطبرة ثم إلى أرض‬
‫مصر‪ .‬و تعتبر حصة مصر محصلة تاريخية وقانونية وهندسية‬
‫وتعاون مشتركـ تجسدت مــع دول حوض النيل من خالل جهود‬
‫االستفادة القصوى من مياه النيل واستقــر الرأى على أن تكون‬
‫حصة مصر سنويا بواقع ‪ 55,5‬مليار متر مكعب سنويا ونظمت‬
‫حصة مصر من خالل عدة معاهدات واتفاقيات (معاهدة أديس أبابا‬
‫‪ -1902‬معاهـدة لندن ‪ – 1906‬معاهدة ‪ 1925‬بين بريطانيا وإيطاليا‬
‫– اتفاقية ‪ 1959‬بين مصر والسودان)‬
‫المشهد اإلستراتيجى لدول حوض النيل‬
‫‪ -‬العالقات المائية المصرية األثيوبية تعتبر أثيوبيا أهــــــــــم دول‬
‫النبعـ بالنسبة لمصر نظرا لحجم اإليراد المائى الوارد منها في إطار‬
‫الحــوض الشرقى لنهر النيل ومع ذلك فـال ترتبط أثيوبيا مع مصر‬
‫بأى إتفــاق تنظيمى باستثناءـ اتفاقيـــة عام ‪ 1902‬م بين كل من‬
‫بريطـــانيا (المسئولة عن مصر والســــودان)‪ ،‬إيطــــاليا (المسئولة‬
‫عن الحبشة) في ذلك الوقت وهى اتفاقية تقضى بعدم قيام الحبشة‬
‫بأى أعمــال على بحيرةـ تانا أو النيل األزرق أو نهر السودان مما‬
‫يؤثر على حصة مصر والسودان ومن الجدير بالذكر أن مصر‬
‫وقعت مع أثيوبياـ عام ‪ 1993‬م إطار للتعاون يتناول موضوع‬
‫إستخـــــدام مياه نهر النيل تفصيال من خالل الخبراء على أساس‬
‫اتفاقـــى للمجـارى المائية الدولية المؤسس على االستغالل األمثل‬
‫والمنصف وعدم الضرر والتعاون بين دول النهر‪ .‬إال أن أثيوبيا‬
‫تقوم حاليا ببعض األعمال بشكل منفردـ ولكنهل ذات تأثير ضعيف‬
‫وال تؤثر على حصة مصر‪.‬‬
‫‪ -‬مصر ودول البحيرات العظمى يضم إقليم البحيراتـ العظمى كال‬
‫من (كينيا – رواندا – بوروندى –الكونغوـ –أوغاندا) وتاتى عالقات‬
‫مصر مع دول البحيرات العظمى في شكل مشروعــــــات مشتركة‬
‫وعالقات سياسية وثقافية واقتصادية‪ .‬أمثلة على ذلك ‪ :‬مساعدات في‬
‫مجال المياه الجوفية مع أوغاندا – استصالح األراضى في كينيا –‬
‫برامج األمن الغذائى في تنزانيا ومشروعات الربط الكهربائى مع‬
‫الكونغو‪.‬ـ و يمثل إقليم البحيرات العظمى أهمية إستراتيجية بالنسبة‬
‫لمصر والعديد من دول العـــــلم نظرا لكونه غنى الثروات الطبيعية‬
‫مما جعل مصر تحافظ على عالقات اإليخــــاء مع دول البحيرات‬
‫العظمى والعمــل على حــل مشكالتها في قضايا ‪( :‬السلم واألمن –‬
‫الديمقراطية وحقـــــوق اإلنسان – التنمية االقتصادية)‪.‬‬
‫تفاصيل الخالف داخل حوض النيل‬
‫‪ .1‬حجم مياه األمطار الهابطة داخل حوض النيل يبلغ نحو ‪1660‬‬
‫مليار متر مكعبـ سنويا ال يستغل منها ســوى ‪ %4‬تشمل حصة‬
‫مصر الثابتة منذ ‪ 50‬عاما والباقى يفقـــد إمـا بالبخر أو في‬
‫المستنقعاتـ واألحراش أو يذهب إلى المحيط‪.‬‬
‫‪ .2‬ورد في تقرير مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس‬
‫الوزراء المصري أن إحتياجات مصر من المياه ستفوق مواردها‬
‫المائية بحلول عام ‪ 2017‬م نظرا للنمو السكانى السريع ونتيجة‬
‫للتوسع التنموىـ فمصر ستحتاج بحلول عام ‪ 2017‬م نحو ‪86,2‬‬
‫مليار متر مكعب في حين أن مواردها لن تتجاوز في ذلك الوقت‬
‫‪ 71,4‬مليار متر مكعبـ‪.‬‬
‫و أضاف التقريرـ أن مصر حاليا تعتبر من الدول الداخلة تحت خط‬
‫الفقر المائى حيث يبلغ نصييب الفرد ‪ 860‬مترا مكعبا سنويا في‬
‫حين أن خط الفقر المائى يبدأ من ‪ 1000‬متر مكعبـ سنويا باإلضافة‬
‫إلى ذلك أن مصر تعتبرـ من الدول الفقيرةـ بمياه األمطار كما أن‬
‫مواردها من المياه الجوفية محدودة ومع األخذ في األعتبار نسبة‬
‫البخر داخل بحيرةـ ناصر التي تتشكل من الفائض عن حصة‬
‫السودان وأنه قد يقل بذلك المخزون اإلستراتيجى داخل بحيرة ناصر‬
‫نظرا لتوسع السودان في إنشاء السدود كسد مروى الذي أقامته‬
‫السودان في منطقة النوبة‪.‬‬
‫‪ .3‬هناك بعض المحاوالت المتكررة للقيام بمشروعات من طرف‬
‫واحد تقوم بها بعض الدول بحجة توقيع مصر والسودان التفاق عام‬
‫‪ 1959‬من جانب واحد دون التشاور مع باقى دول النهر ومثاال على‬
‫ذلك ‪ :‬سدى تيكيزى المقام على نهر التيكيزىـ والذي سيحتجز ‪9‬‬
‫مليارات متر مكعبـ ويولد طاقة قدرها ‪ 300‬ميجاوات قد تؤثرـ على‬
‫حصة مصر حسب بعض التقديراتـ وبذلك فاإلحتماالت قائمة بتذايد‬
‫مثل تلك المشروعات التي قد تؤثرـ على حصة مصر والسودان‪.‬‬
‫‪ .4‬أن هناك خالفا بين دول حوض النيل حيث تحاول بعض دول‬
‫حوض النيل التشكيكـ أو الطعن في اتفاقيات عام ‪ 1959 ،1929‬م‬
‫باعتبارأنها اتفاقيات وقعها االستعمارـ نيابة عن أطرافها وذلك مما قد‬
‫ينكرـ حقوق كال من مصر والسودان التاريخية في حصتيهما‪.‬‬
‫‪ .5‬قدمت مصر عام ‪ 1997‬م مبادرة حوض النيل لتعظيمـ االستفادة‬
‫من مياه النيل والتي أقرتها الجمعية العامة لألمم المتحدة ولكن‬
‫أخفقتـ بعض الدول في التوقيع عليها نتيجة لتمسك مصر والسودان‬
‫بثالثة بنود رئيسية‬
‫أولها ‪ :‬اإلعتراف بحقوق مصر والسودان التاريخية التي تنظمها‬
‫المعاهدات الدولية وتنظم التعاون بين الدول في دراسة وتنفيذ‬
‫مشروعات النيل‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬ضرورة اإلخطار المسبق لدول المصب بأى إنشاءات‬
‫ومشروعات تقام على النهر وفروعه بما يضمن تدفق مياه النهر‬
‫دون عوائـق باعتبار أن نهر النيل يخص جميع دول حوضه‬
‫ثالثها ‪ :‬إلتزام كل دول حوض النيل باحترام قاعدة التصويت‬
‫باإلجماع عند نظر تعديل أى من البنود األساسية لالتفاقية التي تمس‬
‫مصالح دول الحوض وأمنها المائى أما البنود األخرى األقل أهمية‬
‫فيمكن التصويتـ عليها وفق قاعدة األغلبية المطلقة وقي جميع‬
‫األحوال ينبغى أن تكون دولتى المصب (مصر والسودان) ضمن‬
‫هذه األغلبية حتى ال تنقسم دول حوض النيل إلى معسكرين‪.‬‬
‫‪ .6‬أن هناك محاوالت متعمدة من جانب بعض الدول لسوء التفسير‬
‫لمفهوم االستخدام العادل والمنصف من بعض دول النهر على‬
‫الرغم من توضيحها في اإلطار القانونى وهى ما يعنى اعتماد الدول‬
‫على المجرى المائى وعدد السكان وخطط التنمية‪.‬‬
‫‪ .7‬المشكلة من منظورـ مصري ليست في نقص مياه حوض النيل‬
‫ولكن في كيفية الحفاظ وحسن إدارة الثروةـ المائية في منطقة حوض‬
‫النيل مما يعود بفائض إضافى على جميع دول حوض النيل‪.‬‬
‫‪ .8‬ليس خفيا على أحد أن إسرائيل لها دور في هذه المشكلة نظرا‬
‫لرغبتها في الضغط على مصر وحصر دورها في المنطقة وذلك‬
‫من خالل نفوذها داخل حوض نهر النيل وذلك لتقديم المساعدات‬
‫المالية والفنية داخل حوض النهر وذلك للتأثير على حصة مصر‬
‫وبدعم عدم االستقرار واألمن بمنطقة البحيرات العظمى للتاثيرـ على‬
‫مستقبل دول حوض النيل‪.‬‬
‫مصر في أمان مائى تحت أى ظرف‬
‫هناك بعض الدالئل والحقائق التي ترقى إلى مرتبة الثوابتـ في شأن‬
‫خالف مصر مع دول حوض النيل حيث أن حصة مصر من مياه‬
‫نهر النيل المتاحة حاليا وهى ‪ 55,5‬مليار متر مكعبـ سنويا والتي لم‬
‫تعد تلبى إحتياجات مصر حاليا وهى تمثل الحد األدنى مأمونة‬
‫ومصونة من خالل ‪ .1 :‬الطبيعة الجغرافية ‪ :‬الماء متدفق من‬
‫الجنوبـ إلى الشمال دون تدخل أو إرادة لبشر فبالتالى يصعبـ على‬
‫أى دولة تغيير المنحنياتـ واإلنحناءات الصعبة التي يتخذها مجرى‬
‫النهر‪.‬‬
‫‪ .2‬المكتسبات التاريخية ‪ :‬إن استمرار واستقرار حصة مصر عدد‬
‫كبيرـ من العقود على نحو هادىء ورتيب وعلى مرآى ومسمعـ من‬
‫العالم كل ذلك يجعل األمر حقا مكتسبا‪ ،‬فإذا كان الفرد الطبيعى إذا‬
‫حاز شيئا لمدة ‪ 15‬عاما حيازة هادئة فإنه يكتسبـ ملكيته بالتقادم‬
‫وقياسا على ذلك من باب أولى حق مصر الدولة في حصتها من‬
‫المياه المستقرة لقرون طويلة وأكدتها العديد من اإلتقاقفيات‪.‬‬
‫‪ .3‬أن مصر لديها غطاء قانونى دولي قوى يحميها من أى تدخل في‬
‫مقدرات المياه بل ولديها غطاء عرفى وتنظيمىـ مع دول الحوض‬
‫التي وقعت مبادرة حوض النيل (بروتوكول روما ‪ – 1891‬معاهدة‬
‫أديس أبابا ‪ – 1902‬معاهدة لندن ‪ – 1906‬معاهدة بين كل من‬
‫إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ‪ – 1906‬تبادل مذكرات بين إيطاليا‬
‫وبريطانيا عام ‪ – 1925‬مذكرة القاهرة عام ‪ – 1929‬مذكرة عام‬
‫‪ – 1938‬مذكرة ‪ – 1953‬اتفاق مصر والسودان عام ‪– 1959‬‬
‫اتفاق أوغاندا عام ‪ – 1991‬اتفاق أثيوبياـ عام ‪.)1993‬‬
‫‪ .4‬مبادىء القانون وأحكام القضاء الدوليين المتمثلة في المعاهدات‬
‫الدولية التي تواجه الزعم بعدم اإللتزام باالتفاقيات التي أبرمت في‬
‫عهد االستعمارـ (اتفاقية فيينا لعام ‪ )1978‬المتعلقة بالتوارث الدولي‬
‫للمعاهدات واستمرار ما ترتبه من آثار مهما تغيرتـ أنظمتها‬
‫الحاكمة‪ .‬حكم محكمة العدل الدولية عام ‪ 1997‬م بين سلوفاكيا‬
‫والمجرحول احد المشروعات على نهر الدانوبـ وقد أكدت المحكمة‬
‫مبدأ توارث المعاهدات‪.‬‬
‫‪ .5‬القواعد التي تحكم مشاركة البنكـ الدولي في تمويل أى‬
‫مشروعات تقام على المجارى المائية الدولية أي التي تمر بأراض‬
‫وتقع على شواطىء أكثر من دولة إلى جانب تقديم المعونات‬
‫والمساعدات الفنية والذي يعنينا هنا هو أنه يلزم مشاركة البنك‬
‫الدولي في أى مشروعات تقام في إحدى دول النهر أن يحصل البنك‬
‫مسبقا على موافقة أو عدم ممانعة جميع دول الحوض أو ما يعرف‬
‫في السياق القانونى بالدول المتشاطئة‪.‬‬
‫‪ .6‬السد العالى وهو مشروع يوفر المخزون اإلستراتيجى من المياه‬
‫ويحمى مصر من خطر الفياضانات والجفاف بل ومشرع عظيم‬
‫لتوليد الطاقة الكهرومائية‪.‬‬
‫‪ .7‬حرص مصر على التعاون المائى مع دول حوض النيل بما لها‬
‫من خبرة فنية في إنشاء السدود فهى تقدم الدعم الفنى والمادى لدول‬
‫حوض النيل لتعظيم استفادتها من فواقد المياه لديها وتنشيطـ عملية‬
‫التنمية‪.‬‬
‫‪ .8‬من المؤكد أن سياسة مصر الهادئة مع دول حوض النيل ألكثر‬
‫من عشر سنوات سوف تثمر عن اتفاق مرضى لجميع األطراف فال‬
‫يوجد مجال للتصادم بين أبناء نهر النيل فهو شريان الحياة لدول‬
‫حوض النيل فهم يشكلون عائلة واحدة وارد بينهما اإلختالف‪.‬‬
‫مصادر البحث‬
‫§ أصول القانون الدولي العام (القسم الثاني) دكتور ‪ /‬حازم محمد‬
‫عتلم‪.‬‬
‫§ مصر ومياهـ نهر النيل مقال الدكتورـ ‪ /‬مغاورى شحاته دياب‬
‫جريدة األهرام ‪.8/6/2009‬‬
‫§ ال خوف على مخزوننا اإلستراتيجىـ مقال ‪ /‬أحمد نصر الدين‬
‫جريدة األهرام ‪.13/6/2009‬‬
‫§ مصر‪ ..‬وقضايا مياه النيل مقال المهندس ‪ /‬عادل أنور خفاجى‬
‫جريدة األهرام ‪.22/6/2009‬‬
‫§ تفاصيل الخالف داخل حوض النيل حول حقوق مصر التاريخية‬
‫مقال ‪ /‬مكرم محمد أحمد جريدة األهرام ‪.11/7/2009‬‬
‫§ حديث د كتور ‪ /‬مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية‬
‫والمجالس النيابية جريدة األهرام تاريخ ‪.25/7/2009‬‬
‫§ هل هناك بوادر أزمة مائية مصرية ؟ مقال ‪ /‬محمود شكرى‬
‫جريدة األهرام بتاريخ ‪.3/8/2009‬‬
‫§ مستفبل العالقات المائية بين مصر ودول حوض النيل مقال‬
‫الدكتور ‪ /‬مغاورى شحاته دياب جريدة األهرام ‪.5/8/2009‬‬
‫§ مصر في أمان مائى تحت أى ظرف ! حديث دكتور ‪ /‬محمد‬
‫نصر الدين عالم وزير الموارد المائية جريدة األهرام ‪.7/8/2009‬‬
‫§ اتفاقية ‪ ..1959‬في عيدها الخمسينى مقال المهندس ‪ /‬عادل أنور‬
‫خفاجى جريدة األهرام ‪.11/8/2009‬‬
‫§ التعاون المائى‪ ..‬والمهلة المنتظرةـ مقال ‪ /‬أيمن السيد عبد الوهاب‬
‫جريدة األهرام ‪.17/8/2009‬‬
‫§ نهر النيل يجمع وال يفرق مقال المستشار ‪ /‬عبد العاطى محمود‬
‫الشافعى جريدة األهرام ‪.18/8/2009‬‬
‫§ البنكـ الدولي وتمويل المشاريع على نهر النيل مقال السفير ‪/‬‬
‫محمد كامل عمرو جريدة األهرام ‪.19/8/2009‬‬
‫§ تحديات المشهد اإلستراتيجى في البحيراتـ العظمى مقال ‪/‬‬
‫الدكتورـ حمدى عبد الرحمن جريدة األهرام ‪.26/8/2009‬‬
‫‪www.ahram.org.eg‬‬
‫سبَةً بالنسبة لمياه النِّيل‪ ،‬وأنه‬ ‫ترى مصر أنَّ لها ُحقُوقًا تاريخيَّةً ُمكت َ‬
‫ب‬‫الحصول على نصي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ق في‬ ‫ض لها‪ ،‬وأنَّ لمص َر الح َّ‬ ‫التعر ُ‬‫ُّ‬ ‫ال يجوز‬
‫تنج ُم عن تقليل المفقود عند‬ ‫ي إيرادات إضافيَّة ُ‬ ‫معقول من أ ِّ‬
‫ٍ‬
‫المنابع‪ ،‬كما تؤ ِّكد على وجوب التشا ُور معها من قِبَ ِل دول حوض‬
‫أي ترتيبات من شأنها أن تؤثِّر على موار ِد ِ‪N‬ه‬ ‫النهر قبل الشروع في ِّ‬
‫الرؤية‬
‫الحاليَّ ِة وال ُمستقبليَّ ِة‪ ،‬وتعت ِم ُد مص ُر في تحقيق هذه ُّ‬
‫االستراتيجية على أداتين هما‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الهيئة الفنيَّة الدائمة المشتركة لمياه النيل‪ ،‬الَّتي أنشئت طبقًا‬
‫التفاقية عام ‪ 1959‬م بين مصر والسودان‪ ،‬ومهمتها دراسة‬
‫مناطق تَ َج ُّمع األمطار التي تُ َغ ِّذي‬
‫ِ‬ ‫سح‬ ‫األرصاد الجوية النَّ ْه ِريَّة‪ ،‬و َم ْ‬
‫بحيرات الهضبة االستوائية (فكتوريا‪ ،‬كيوجا‪ ،‬البرت)‪ ،‬وتحظى‬
‫الهيئة بدعم من برنامج األمم المتحدة اإلنمائي (‪،)  UNDP‬‬
‫ومنظمة األرصاد العالمية (‪ ،)  OMW‬وهدفها األساسي هو‬
‫تنظيم عملية استغالل مياه النهر بواسطة الدول ال ُم ِطلَّة عليه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬األندوجو‪ :‬وتعني الصداقة‪ ،‬أ ِو اإلخاء باللغة السواحلية‪ ،‬وهي‬
‫عبارة عن تَ َج ُّمع لدول َح ْوض النيل أنشئ عام ‪ 1983‬م؛ بناء على‬
‫سوداني‪ ،‬وأهدافُهُ التعاون والتنسيق‬ ‫ٍّ‬ ‫مصري وتأييد‬‫ٍّ‬ ‫اقتراح‬
‫والتشاور بين ُدول حوض النيل التسع‪ ،‬انطالقًا من خطة عمل‬
‫الجوس عام ‪ ،1980‬الّتي أ َّكدت على أنَّ األنهار اإلفريقية هي‬
‫البِ ْنيَة األساسية الضرورية للتعاون اإلقليمي‪ ،‬ويشارك في أعمال‬
‫المجموعة كل دول الحوض (باستثناء إثيوبيا) لوضع خطط العمل‬
‫المشترك في المجاالت المائية‪.‬‬
‫وتبر ُر مص ُر حقَّها الثابت هذا بأنَّه عندما كانتْ بريطانيا تحت ُّل‬ ‫ِّ‬
‫الجزء األكبر من حوض نهر النيل َوقَّ َعتْ بريطانيا – باعتبارها‬
‫عن السودان – مع إثيوبيا عام ‪1902‬م على معاهدة تنُ ُّ‬
‫ص‬ ‫مسؤولةً ِ‬
‫منابع نهر‬
‫ِ‬ ‫بالتزام إثيوبيا بعدم القيام بأية أعمال أو مشاري َع على‬
‫النيل‪ِ ،‬م َّما يؤدي إلى التأثير على َك ِّميَّ ِة المياه المت َدفِّقَة في النهر –‬
‫إال بعد الرجوع إلى الحكومتين البريطانية والسودانية‪ ،‬وتعتبر هذه‬
‫المعاهدة سارية المفعول من وجهة نظر القانون الدول ّي‪ ،‬برغم‬
‫اعتراض الحكومات اإلثيوبية المتعاقبة‪.‬‬
‫وقد سعتْ بعض الدول غير المشاركة بحوض النيل بالتَّنسيق مع‬
‫إحدى أو بعض دول الحوض؛ إلقامة مشاريع على النهر من باب‬
‫استثمار النهر‪ ،‬وعلى سبيل المثال ما حدث عام ‪1964‬م حينما‬
‫ت استصالح أراضي إثيوبيا؛‬ ‫استخدمت الواليات المتحدة مشروعا ِ‬
‫ت العالقة بين‬ ‫كورقة ضغط سياسي تجاه مصر في الوقت الذي كان ِ‬
‫أمريكا ومصر (في عهد الرئيس الراحل‪ N‬جمال عبدالناصر) سيئة‬
‫للغاية‪ ،‬وفي محاولة منها للرد على مشروع السد العالي اقترحت‬
‫ي‬ ‫س ًّدا َ‬
‫وخ َّزانًا؛ لتوفير مياه ال َّر ِّ‬ ‫أمريكا في الدراسة‪ N‬إنشاء ‪َ 26‬‬
‫إلثيوبيا‪ ،‬وبالتالي خفض تصريف النيل األزرق بنحو ‪ 5.4‬مليار‬
‫متر مكعب‪ِ ،‬م َّما يعني أنها ستخلق مشكلة لمصر والسودان‪ ،‬وقد‬
‫س ِّد فينشا)؛ ِم َّما‬
‫نفذت إثيوبيا مشرو ًعا واح ًدا منها فقط (مشروع َ‬
‫من الكوارث‪ ،‬أو العجز المائي لمصر‪.‬‬ ‫أي نوع َ‬ ‫لم يُ ْف ِ‬
‫ض إلى ِّ‬
‫ص َر في كيفية استخدام مياه النيل بداخل األراضي‪N‬‬ ‫وتنازع إثيوبيا ِم ْ‬
‫ص ُر بأنَّه أمر طبيعي قيا ُمها ِب َم ِّد تُرعة‬
‫المصرية‪ ،‬على حين ترى ِم ْ‬
‫صة أنَّ لها سابقةً فقد سبق‬ ‫من مياه النيل إلى صحراء سيناء‪ ،‬خا َّ‬
‫ق تُرعة اإلسماعيلية شرق َّي النيل‪ ،‬وحتى‬ ‫لمص َر أن قامت بش ِّ‬
‫وتبرر‬
‫ِّ‬ ‫الحدود الشرقية دون اعتراض من الدول النِّيلِيَّة األخرى‪،‬‬
‫مص ُر مشاريعها بأنها ال تعدو أن تكون تطوي ًرا مفي ًدا لالنتفاع‬
‫صة المائية المستمدَّة‬ ‫صتِها المائيَّ ِة في حدود المتاح لها من الح َّ‬‫بح َّ‬
‫ِ‬
‫صة أنَّها ال تسبب ضر ًرا لدول الحوض األخرى‪.‬‬ ‫من نهر النيل؛ خا َّ‬
‫والواقع أنه يوجد خالف مصري ‪ -‬إثيوبي قديم‪ ،‬مرجعه أنَّ أباطرة‬
‫س َخ لديهم منذ عدة قرون فكرة ُمؤدَّاها قدرتهم على‬ ‫الحبشة قد تَ َر َّ‬
‫تحويل مياه النيل عن مصر‪ ،‬وترتَّب على هذه الفكرة وجود نوع‬
‫من المخاوف أن تكون إثيوبيا مصد ًرا لتهديد مصر مائيًّا‪ ،‬أو أن‬
‫تكون مصر مصد ًرا إلثارة قلق إثيوبيا َأ ْمنِيًّا إذا ما سعتْ لتأمين‬
‫منابع النيل‪.‬‬
‫وظ َّل الموقف اإلثيوبي على هذا المنوال‪ ،‬الذي يشتد في فترة‬
‫ويضعف في أخرى‪ ،‬وذلك الرتباطه بالحكومة التي تتولَّى حكم‬
‫إثيوبيا وموقفها من مصر‪ ،‬ومدى خضوعها للضغط الصهيوني‪،‬‬
‫إلى أن تَ َّم عقد اتّفاق القاهرة في يونية ‪1993‬م‪ ،‬والذي وضع ح ًّدا‬
‫لهذا الخالف‪.‬‬
‫األطماع اإلسرائيلية‪:‬‬
‫تستند الحركة الصهيونية منذ بازل ‪1898‬م إلى استراتيجية محدَّدة‬
‫تضع المياه في رأس قائمة أولوياتها‪ ،‬باعتبار أ َه ّميَّتها القصوى‬
‫في هذه المنطقة من العالم المتَّسمة بالجفاف‪ ،‬فبدون المياه‬
‫ويتعذر تنفيذ برامج استيعاب‬‫َّ‬ ‫تستحيل الزراعة في مستوطناتها‪،‬‬
‫المهاجرين إليها في الريف والحضر‪ ،‬عدا ما تتطلَّبُه الصناعة‬
‫وخطَط تَ ْن ِميَتِها؛ ووضعتْ إسرائيل خريطتها مبك ًرا على أساس‬ ‫ُ‬
‫التح ُّكم في مجمل المصادر الطبيعية للمياه في المنطقة؛ بل وتغيير‬
‫ت النيل ضمن حساباتها‪ ،‬وهي‬ ‫خريطتها الطبيعية لحسابها‪ ،‬ووضع ِ‬
‫ال تضع ُخطَطَها على الورق؛ بل تَ ْع ِم ُد فَو ًرا لتنفيذها بشتَّى الطرق‪،‬‬
‫غير مبالية بالحقوق التاريخية‪ ،‬أو االتفاقيات القانونية الدولية‪.‬‬
‫وهكذا إذا كانت استراتيجية إسرائيل ترتكز على التهجير‪ ،‬الزراعة‪،‬‬
‫ظف سياستها المائية لتحقيق مجموعة من‬ ‫المستوطنات‪ ،‬فإنها تُ َو ِّ‬
‫األهداف‪ ،‬والمقاصد التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ – 1‬التحكم في مصادر المياه‪.‬‬
‫‪ – 2‬مضاعفة مواردها المائية بشتى الطرق‪.‬‬
‫‪ – 3‬تنمية مواردها من المياه الجوفية‪.‬‬
‫‪ – 4‬تدبير الموارد‪ N‬الالزمة لقنوات استهالكها‪.‬‬
‫‪ – 5‬تحقيق مشروعها بسحب مياه النيل إلى النقب‪.‬‬
‫‪ – 6‬العمل على إنشاء سوق للمياه في المنطقة‪.‬‬
‫‪ – 7‬اإلدارة‪ N‬المركزية المشتركة لمياه المنطقة‪.‬‬
‫صة بمياه النيل‪ ،‬فهي تعود إلى عام‬ ‫وفيما يتصل باستراتيجيتها الخا َّ‬
‫‪1903‬م أي إلى مشروع تأسيس الوطن القومي لليهود في سيناء‪،‬‬
‫وتتبناه اآلن في إطار فكرة محورية تستبدل بها برامجها لنقل‬
‫السكان إلى المياه بأخرى هي "نقل المياه إلى السكان"‪ ،‬ويتحدَّد‬
‫مشروعها بالنسبة للنيل في أنَّه يُم ِك ُن لنسبة قليلة من مياهه (ال‬
‫تتجاوز ‪ % 1‬من جملتها في مصر؛ أي من أصل الـ ‪ 55.54‬مليار‬
‫م‪ )3‬أن تحل مشاكل إسرائيل المائية ولفترة طويلة مقبلة‪ ،‬وأن ذلك‬
‫مج ٍد من الناحية االقتصادية للدولتين‪ ،‬حيث ستدفع إسرائيل ثمن ما‬
‫تشتريه من مياه (مثلما تدفع هونج كونج للصين‪ ،‬أو سنغافورة‬
‫لماليزيا)‪ ،‬وبالنسبة لما يمنحها ذلك المشروع مساحة مزروعة‬
‫تناهز ‪ 20‬مرة ما تزرعه اآلن بما يستوعب المستعمرات‪ ،‬ويحول‬
‫النقب إلى منطقة كثيفة السكان‪.‬‬
‫وقد برزتْ فكرة إنشاء سوق للمياه في المنطقة في ندوة عقدت في‬
‫جامعة تل أبيب (إبريل ‪ -‬مايو ‪1994‬م)‪ ،‬وفيها طُ ِرحت أفكار متعددة‬
‫حول تكلفة توفير المياه من مصادرها المختلفة‪ ،‬واستبعدت التحلية‬
‫الرتفاع التكلفة‪ ،‬وطرح اقتراح شراء المياه بواسطة سوق‬
‫للمناقصة‪ ،‬وتناولت الندوة موضوع جدوى جلب المياه من مصر أم‬
‫تركيا؟ وحسبت تكلفتها من النيل حتَّى قطاع غزة والنقب‪ ،‬وتكلِفَتها‬
‫من تركيا (الفرات) إلى طبرية‪ ،‬وتبيَّن أن جلبها من مصر أفضل‬
‫اقتصاديًّا (مشروع ترعة السالم)‪.‬‬
‫ولوال النقب لما كانتْ هناك – في الواقع – مشكلة مياه في إسرائيل‬
‫بعدما وضعت يدها وسرقت ونهبت معظم مصادر المياه في‬
‫المنطقة من حولها‪ ،‬والنقب صحراء تبلغ مساحتها نصف مساحة‬
‫فلسطين تقريبًا‪ ،‬وتش ّكل القسم الجنوبي منها‪ ،‬وهي في حاجة ماسة‬
‫ضا لملوحة تربتها‪.‬‬
‫للماء ليس فقط لكونها صحراء جافة؛ بل أي ً‬
‫وفي أثناء زيارته الشهيرة للقدس في سبتمبر ‪1979‬م‪ ،‬أعلن‬
‫الرئيس المصري ال َّراحل محمد أنور السادات اعتزامه مد مياه‬
‫النيل التي ستروي سيناء إلى صحراء النقب في إطار اتفاق عام‬
‫للسالم بين إسرائيل والبلدان العربية‪ ،‬ومعلو ٌم أنَّ الرئيس السادات‬
‫ضيَّة‬
‫كان قد استخدم فكرة مشروع "ترعة السالم" كورقة تفا ُو ِ‬
‫لحث إسرائي َل على احترام حقوق العرب ‪ -‬المسلمين في مدينة‬ ‫ِّ‬
‫االستيطاني في الضفة الغربية وغزة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫القدس‪ ،‬ووقف النشاط‬
‫والبدء في إزالة المستوطنات القائمة آنذاك‪ ،‬لكنَّ هذه الورقة‬
‫المصري قبل أن يموت‬
‫ِّ‬ ‫الوطني‬
‫ِّ‬ ‫الحس‬
‫ِّ‬ ‫احترقت تما ًما في لهيب‬
‫الرئيس السادات‪.‬‬
‫وفي عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك‪ ،‬تجدَّدت الخطة‬
‫ص‬
‫وطني خال ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الرئيسة لمشروع ترعة السالم في إطار منظو ٍر‬
‫لتنمية متكاملة تربط بين غرب قناة السويس والساحل الشمالي في‬
‫مرحلتين تم‬
‫ِ‬ ‫شرقها‪ ،‬وتقوم بري ‪ 600‬ألف فدان في سيناء على‬
‫بالفعل االنتهاء من المرحلة األولى منها في نهاية العام ‪1997‬م‪،‬‬
‫من المياه‬ ‫ص ٍة َ‬ ‫ي ح َّ‬ ‫أي إشارة إلى اشتراك إسرائيل في أ ِّ‬ ‫دون ِّ‬
‫ص ٍة من‬‫المصريَّ ِة‪ ،‬ونعتقد يقينًا أنَّ حصول إسرائيل على أدنى ِح َّ‬
‫إسرائيلي مستحي ٌل أن‬
‫ٍّ‬ ‫مياه النيل سوف يبقى كما بدأ‪ ،‬مج َّر َد ُح ْل ٍم‬
‫مصري أيًّا كان‪ .‬‬
‫ٍّ‬ ‫ي حاكم‬ ‫أي ظرف‪ ،‬وفي ظ ِّل أ ِّ‬
‫ق تحت ِّ‬‫يتحقَّ َ‬
‫طرحت دراسة جامعية مؤخراً تحت عنوان «الجوانب االقتصادية ألزمة المياه في دول حوض النيل ‪ -‬االستراتيجية المقترحة للعالج» استراتيجية‬
‫لحل أزمة المياه بين دول حوض النيل تتمثل في استعادة مصر لدورها اإلقليمي والدولي‪ ،‬وضرورة لجوئها للتحكيم الدولي لضمان حقها التاريخي‬
‫في حصة المياه مع العمل علي وقف تقسيم السودان‪.‬‬
‫وكشفت مناقشة الرسالة عن المأزق الذي يعاني منه المسئولون في مصر وبحثهم عن حلول لتلك األزمة‪ ،‬مما دفع وزارة البحث العلمي الستدعاء‬
‫رودينا ياسين بسيوني‪ ،‬صاحبة الرسالة‪ ،‬ومطالبتها بمناقشة رسالة الماجستير؛ نظراً ألهمية الموضوع بعد تأجيل دام ‪ 4‬سنوات‪.‬‬
‫وتكشف الدراسة التي حصلت علي تقدير امتياز ‪ -‬عن الدور اإلسرائيلي للضغط علي مصر ومحاصرتها حتي تتمكن من توصيل مياه النيل إلي‬
‫منطقة النقب‪ ،‬وإحياء مشروع ترعة السالم‪ ،‬وذلك من خالل دورها في التوغل بالدول األفريقية مستغلة ورقة الدعم المادي‪ ،‬ومساندة حكومات غير‬
‫شرعية إلي جانب دعمها لتغذيةـ الصراع في أفريقيا‪.‬‬
‫وتطالب الدراسة بتكوين مفوضية لدول حوض النيل علي غرار ما أطلق عليها في االتفاقية األخيرة ب«عنتيبي» تضم مصر والسودان وتعمل علي‬
‫لم الشمل األفريقي‪.‬‬
‫وحاولت الدراسة من خالل أربعة محاور رسم حقيقة الصراع وطرحت استراتيجية للتعامل مع األزمة‪ ،‬يأتي في مقدمتها ضرورة تعاون دول‬
‫حوض النيل العشر علي تأسيس منظومة شاملة لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية بين الدول‪ ،‬وكذلك المحافظة علي مياه النيل من األطماع‬
‫الخارجية وعدم السماح بأن تخترق وحدة حوض النيل بفصل القوي الخارجية المستهدفة التأثير في دول المنبع للحصول علي نصيب لها من مياه‬
‫النيل‪ ،‬فعلي المحور السياسي يتطلب األمر وفق الدراسة‪:‬‬
‫ضرورة تصحيح األوضاع والعالقات السياسية بين دول الحوض‪ ،‬وبناء هذه العالقات علي مجموعة من القوانين التي تحكم االلتزام باالتفاقات ونبذ‬
‫أي خالفات أو صراعات سياسية داخلية علي مستوي دول الحوض؛ خاصة الصراعات التي تحدث في السودان ودارفور‪ ،‬والتي تحدث في‬
‫العالقات المصرية اإلثيوبيةـ أو رواندا وبوروندي وإثيوبيا وإريتريا‪.‬‬
‫إضافة إلي تصحيح األوضاع السياسية بين دول الحوض لما لها من أهميته بالنسبة للحالة المصرية التي من مصلحتها تصحيح العالقات في‬
‫السودان‪.‬‬
‫وتؤكد الرسالة التي أشرف عليها كل من الدكتور محمد موسي رئيس قسم االقتصاد بكلية التجارة جامعة األزهر والدكتورة عبلة رجب رئيس قسم‬
‫االقتصاد بكلية االقتصاد والعلوم السياسية والدكتور صالح الدين فهمي عميد معهد الجزيرة علي ضرورة العمل بعيداً عن منهجية االستعالء ومنح‬
‫كل من السودان ومصر موضعا ً مهما ً لحل أي خالفات‪ ،‬ومواجهة الصراع سيحسم األمر دون الوصول إلي ما يستهدفه األعداء من نشوب الصراع‬
‫في حوض النيل‪.‬‬
‫وطالبت بإقامة عالقات تبادل تجاري بين دول حوض النيل التي تضم نحو ‪ 300‬مليون نسمة‪ ،‬عالوة علي ما يتاح في مجموعة الدول العشر من‬
‫موارد اقتصادية طبيعية تسهم بشكل كبير في عملية التنميةـ االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬خاصة وأن هذه الموارد تسمح بإضافة عالقات تبادل تجاري‬
‫بين الدول من خالل تبادل االتفاقات الخاصة بالتجارة البينية فيما بينها‪ ،‬أو عالقات االستثمار فيها‪.‬‬
‫كما طالبت الدراسة بإنشاء تكتل اقتصادي كبير علي غرار التكتالت في االتحاد األوروبي وهذا يتوقف علي مجموعة من المحددات تتمثل في‬
‫تحقيق نوع من التكامل في الحقوق والواجبات والبعدـ عن نهج الوصاية والعالقات شبه التدخلية أو االستعمارية والتي ال تحقق أي فرص للتقدم ‪-‬‬
‫التدرج في تخطيط المسار االقتصادي التكاملي‪ .‬باإلضافة إليجاد تكامل بين الخبرات والعمالة الماهرة المدربة‪ ،‬بما يقلل الفجوات بين الدول التي‬
‫تستهدف دعم برامج التدريب للعمالة الداخلة إلي دول أخري‪.‬‬
‫كما طالبت بإشراك القواعد الشعبية ديمقراطيا ً في مسيرة التكامل بدءا بالتصديق علي المبدأ ووصوال إلي المشاركة في اتخاذ القرارات‪ ،‬وعدم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التعارض مع االلتزامات اإلقليمية والدولية مع منظمة التجارة العالمية ومنظمة الكوميسا واالتحاد األفريقي‪ ،‬ومواكبة الدعم المؤسسي والمالي‬
‫لبرامج ومشروعات التكامل والعمل المشترك‪.‬‬
‫ض ا تفعيل ودراسة جميع االتفاقيات والمبادرات السابقة لما تتضمنه من استراتيجية للعمل المشترك بين دول حوض النيل والتي مرت من قبل‬ ‫وأي ً‬
‫بمحاوالت عدة للتنسيق والعمل المشترك لتوزيع مياه النيل‪ ،‬وذلك بعد استقالل العديد من الدول األفريقية ورفضها التعامل مع اتفاقيات سنت في‬
‫عهد االحتالل‪ ،‬ومن هذه المحاوالت التي ترصدها الدراسة (تجمع األندوجو ‪ )1983‬والذي عقد بالعاصمة السودانية «الخرطوم»‪ ،‬وكذلك تفعيل‬
‫أهداف النيكونيل لتنتهي بمبادرة دول حوض النيل في عام ‪ 1998‬كمبادرة لحل النزاع حول الموارد المائية النيلية‪.‬‬
‫كما جاءت المبادرة كمحاولة القتسام وتبادل المنافع الناتجة عن تنمية الموارد المائية المشتركة‪.‬‬
‫وترصد الدراسة إيجابيات المبادرة التي تحتاج لتفعيلها‪ ،‬والتي تتمثل في خلقها لفوائد مشتركة بين الدول تتمثل في تقليل التبخر بالتخزين في‬
‫األحراش العليا لنهر النيل سواء بالهضبة اإلثيوبية أو االستوائية حيث يقل التبخر‪ ،‬أي تقليل الفاقد في منطقة السدود بجنوب السودان دون التأثير‬
‫علي النظام اإلحيائي بالمنطقة‪.‬‬
‫وأكدت الدكتورة عبلة رجب ضرورة سعي مصر مشاركة الدول األفريقية في مشروعات صناعة الطاقة خاصة أن النقص في الطاقة الذي تعانيه‬
‫دول حوض النيل (عدا مصر) وفي ظل اإلمكانيات المتاحة بحوض النيل للتوليد الكهرومائي والتي تدفعها لبناء السدود يجعل التعاون في مجال‬
‫تجارة الطاقة ذا فائدة مشتركة للجميع‪ .‬وفي هذه الحالة ينبغي أن يتم تحديد المواقع التي تؤدي إلي تعظيم التوليد الكهرومائي وتقليل التبخر وأن تكون‬
‫ذات نفع مشترك لكل الدول‪ ،‬سواء في الطاقة المنتجة أو االستخدامات األخري للمياه‪.‬‬
‫وإذا أخذنا بناء السدود إلنتاج الكهرباء والتجارة فيها فإن منافع مشتركة أخري يمكن تحقيقها كحماية ألحواض األنهار التي تغذي هذه األحواض من‬
‫عوامل التعرية واالنجراف‪ ،‬وبالتالي زيادة كمية الطمي بحوض الخزانات‪ ،‬وكذلك تنظيم سريان األنهار وتحسين فرص الري والمالحة وتشجيع‬
‫الصناعات المصاحبة‪ .‬هذا النمط من المشروعات يفتح الباب أمام الدول في التفكير الكلي والدخول في سيناريوهات تعظم االستفادة من الموارد‬
‫المتاحة وتحقق النفع للجميع وتحافظ علي البيئة‪.‬‬
‫ً‬
‫وعن الدور اإلسرائيلي في اشتعال األزمة‪ ،‬رصدت الدراسة مبحثا كامالً لدراسة هذا األمر‪ ،‬جاء تحت عنوان «الدور اإلسرائيلي في إيجاد األزمة»‬
‫وتؤكد فيه أن األطماع الصهيونية في نهر النيل بدأت مع مطلع عام ‪ ،1903‬حين أرسلت بعثة صهيونية إلي مصر‪ ،‬لدراسة سيناء المقترح اعتبارها‬
‫مقر الوطن القومي لليهود ومنذ الخمسينيات‪ ،‬بدأت إسرائيل في وضع الدراسات الجيولوجية وتخطط من أجل معرفة حقيقة الخزان الحجري الهائل‬
‫الذي يقع في سيناء وصحراء النقب والذي يبلغ طوله مئات الكيلومترات‪.‬‬
‫وتقدر كمية المياه به حوالي ‪ 200‬مليون متر مكعب من المياه النقية الصالحة للشرب وتبدو األطماع الصهيونية في استغالل وسرقة هذه المياه حتي‬
‫يمكنها استصالح صحراء النقب وزراعتها وجذب مستوطنين جدد من جميع أنحاء العالم‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد أشار أحد مهندسي إسرائيل إلي أن نقل ‪ %1‬من مياه النيل أي حوالي ‪ 800‬مليون متر مكعب سنويا إلي النقب يعالج مشكلة مياه إسرائيل لفترة‬
‫زمنية طويلة‪.‬‬
‫ونجد أن مساعي إسرائيل تترجم شعارها «من النيل إلي الفرات أرضك يا إسرائيل»‬
‫وقد حرصت إسرائيل دائما ً علي إقامة نوع من التوازن بين خريطة أمنها وخريطة مياهها‪ ،‬وبين استمرار وجودها وإمكان توفير المياه لسكانها‪،‬‬
‫ولهذا كانت حدودها في الحلم أو الواقع هي حدود مائية ‪ -‬وال تتواني إسرائيل في السعي وراء نهر النيل‪ ،‬وفي الضغط علي الحكومة المصرية‬
‫للموافقة علي إعطائها حصة من مياه النهر لزراعة صحراء النقب‪ ،‬ومعالجة أزمتها المائية فمازالت تتصل بدول الحوض مثل إثيوبيا التي تساعدها‬
‫علي تنفيذ ‪ 33‬مشروعا ً مائيا ً لتوليد الكهرباء والري علي نهري النيل األزرق والسوباط وأجزاء من نهر عطبرة بتمويل من الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫ويشير التوجه اإلسرائيلي نحو أفريقيا إلي تعمدها في التعامل مع جماعات أفريقية معينةـ بهدف تدعيم استمرارها في البقاء وتوسيع دورها في بقاء‬
‫حالة عدم االستقرار السياسي في بعض الدول‪.‬‬
‫يعد مؤتمر دول عدم االنحياز بالنرويج ‪ 1955‬بداية لتغلغل إسرائيل في القارة األفريقية ورغم مقاطعة أكثر من ‪ 29‬دولة أفريقية إلسرائيل عام‬
‫‪ 1973‬فإنها ركزت في توغلها في القرن األفريقي‪ ،‬وكانت ورقة إقامة وتمويل مشروعات تنموية الورقة الرابحة التي لهث وراءها العديد من الدول‬
‫األفريقية في إقامة عالقاتها مع إسرائيل وكسب ودها‪.‬وقد كان للجاليات اإلسرائيلية في تلك الدول دور بارز في خدمة المخطط اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ :‬السياسة اإلسرائيلية تتبع استراتيجية االلتفاف حول حوض النيل بأنشطة عسكرية وأمنية مكثفة‪ ،‬وتأسيس سياسة الهيمنة في هذه‬
‫المنطقة لمحاصرة مصر واحتواء دول حوض النيل‪ .‬فالسياسة اإلسرائيلية تستهدف تهديد األمن العربي والمصري بمحاولة زيادة نفوذ إسرائيل في‬
‫الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه‪ ،‬مع التركيز علي إقامة مشروعات زراعية تعتمدـ علي سحب المياه من بحيرة فيكتوريا‪.‬‬
‫وتعتمد إسرائيل في سبيل تحقيق ذلك علي إيجاد المشاكل والتوترات بين األقطار العربية واألفريقية‪ ،‬بما يشغل مصر عن القضية الفلسطينية‪ .‬كما‬
‫تستهدف السياسة اإلسرائيلية الحصول علي تسهيالت عسكرية في دول منابع النيل واستخدام القواعد الجوية والبحرية‪ ،‬مثلما حدث من مساعدات‬
‫إلسرائيل من قواعد إثيوبيا في عدوان ‪ ،1967‬واستخدام الدول األفريقية كقاعدة للتجسس علي األقطار العربية‪ ،‬إضافة إلي تصريف منتجات‬
‫الصناعة العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬وإيجاد كوادر عسكرية أفريقية تدين لها بالوالء‪.‬‬
‫وإسرائيل تحاول إحياء حلم «ترعة السالم» الممتدة للنقب والذي مات بموت الرئيس السادات وتحاول إيجاد الفرصة المناسبة من أجل طرحه‬
‫واإللحاح عليه‪.‬‬
‫ولذلك اتجهت السياسة اإلسرائيلية لتركيز جهودها علي دول حوض النيل األخري‪ ،‬خاصة دول المنابع‪ ،‬من أجل االلتفاف ضد الرفض المصري‪.‬‬
‫وقد تكثفت الجهود اإلسرائيلية؛ من أجل اللعب بورقة المياه فساعدت دول المنابع في بناء السدود علي روافد النيل من أجل تصميم نظم جديدة للري‬
‫تقلل من تدفق المياه لمصر‪.‬‬
‫وقد شهدت نهاية التسعينيات تحر ًكا خطي ًر ا لتغيير القواعد القانونية الدولية المعمول بها في إطار توزيع مياه األنهار‪ ،‬فدخلت مفاهيم جديدة كلية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬تسعير المياه‪ ،‬وإنشاء بنك وبورصة للمياه‪ .‬تبنتها أطروحات البنك الدولي التي أهملت وجهة نظر األطراف العربية‪.‬‬
‫وتلبي احتياجات كل من تركيا وإثيوبيا وإسرائيل علي حساب الحقوق التاريخية المكتسبة للدول العربية في أحواض النيل ودجلة والفرات؛ بحيث‬
‫يكون الحل الوحيد أمام الدول العربية ‪-‬لتجنب الحروب حول المياه‪ -‬هو اضطرارها لقبول نقل خزين مياهها إلسرائيل‪ ،‬وإال تعرضت هي نفسها‬
‫النتقاص حقوقها المائية؛ ويكون مقتضي هذه الصفقات دخول إسرائيل فاعال أصيالً في مشروعات تنمية موارد األنهار الكبري في المنطقة من‬
‫خالل تحالفها المائي مع دول المنابع التي ستلتزم في هذه الحالة بالربط بين نقل المياه إلسرائيل‪ ،‬وبين التعاون مع دول الممرات والمصبات‪.‬‬
‫وتتحرك إسرائيل في منابع النيل في هضبة البحيرات (التي تمثل ‪ %15‬من إيرادات النيل) بمساندة أمريكا التي تعطي أولوية قصوي لدول منابع‬
‫النيل؛ فمجموعة القادة الجدد الذين ترعاهم السياسة األمريكية واإلسرائيلية هم زعماء دول حوض النيل أساسا‪ ،‬وهم زعماء‪:‬أوغندا ورواندا وإثيوبيا‬
‫وإريتريا والكونغو الديمقراطية وكينيا وتنزانيا والجيش الشعبي لتحرير السودان‪.‬‬
‫ت استصالح أراضي إثيوبيا؛ كورقة‬ ‫كما تلعب أمريكا دورا كبير في الضغط علي مصر لصالح إسرائيل ففي عام ‪ 1964‬استخدمت أمريكا مشروعا ِ‬
‫ت العالقة بين أمريكا ومصر (في عهد الرئيس جمال عبد الناصر) سيئة للغاية‪ ،‬وفي محاولة منها للرد‬ ‫ضغط سياسي تجاه مصر في الوقت الذي كان ِ‬
‫علي مشروع السد العالي اقترحت أمريكا في الدراسة إنشاء ‪َ 26‬س ًّدا و َخ َّزانًا؛ لتوفير مياه الرَّيِّ إلثيوبيا‪ ،‬وبالتالي خفض تصريف النيل األزرق بنحو‬
‫‪ 5.4‬مليار متر مكعب‪ِ ،‬م َّم ا يعني أنها ستخلق مشكلة لمصر والسودان‪ ،‬وقد نفذت إثيوبيا مشروعًا واحدًا منها فقط (مشروع سد فينشا)‪.‬‬
‫وال تقتصر خطورة الوجود اإلسرائيلي في دول أعالي النيل علي االستعانة بالخبراء والتعاون الفني في المشروعات‪ ،‬ولكنها تمتدـ إلي التعاون‬
‫أراض في المنطقة بدعوي إقامة مشاريع عليها‪ ،‬أو تحسين أراضيها‪ ،‬أو إقامة سدود بها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫االقتصادي الزراعي برأسمال يهودي‪ ،‬يهدف إلي تملك‬
‫وتحاول إسرائيل الضغط علي مصر بأشكال عدة فلجأت للتعاون مع إثيوبيا لعلمها بحصول مصر علي ‪ %85‬من حصتها من إثيوبيا لذلك قامت‬
‫إسرائيل بمشروعات في حوض النيل بلغت نحو ‪ 40‬مشروعا ً مائيا ً علي النيل األزرق لتنميةـ األراضي الواقعة علي الحدود السودانية اإلثيوبية‪.‬‬
‫وكذلك محاوالتها الحصول علي مياه النيل عن طريق «الشراء» من أي دولة من دول حوض النيل تستطيع إقامة عالقة واتفاق معها في هذا‬
‫الخصوص ‪-‬تشكيل ضغط سياسي علي مصر وذلك من خالل تهديدـ «المحور االستراتيجي لألمن القومي المصري» المتمثل في نهر النيل كلما‬
‫تعارض الموقف السياسي المصري مع المصالح اإلسرائيلية في المنطقة‪.‬تشكيل ضغط اقتصادي علي مصر من خالل إغراقها في عملية دفع مبالغ‬
‫هائلة إلي دول المنبع‪،‬ـ األمر الذي سيؤثر في تطوير المشاريع الزراعية المصرية حيث تعمل مصر حاليا ً علي استصالح أراض زراعية جديدة‬
‫تقدر بثالثة ماليين هكتار مما سيجعل حاجة مصر للمياه تزيد علي (‪ )60‬ستين مليار متر مكعب سنويا ً وفقا ً لتقديرات الخبراء المصريين‪.‬‬
‫وتطرح الدراسة استشرافا ً لمستقبل المياه في إطار استراتيجية السياسة المائية المصرية‪ ،‬والتي يمكن اعتبارها قاعدة أساسية لمواجهة أزمة حوض‬
‫النيل بعد انخفاض نصيب الفرد المصري من المياه لحوالي‪ 860‬وهو ما يقل عن المعايير الدولية ل«الحد األدني من الفقر المائي (‪1000‬م‪.»)3‬لذلك‬
‫تقدم الدراسة مجموعة من المقترحات لمساعدة صانعي القرار في الخروج من تلك األزمة حيث قدمت ‪ 3‬سيناريوهات هي‪ :‬سيناريو عصر ازدهار‬
‫المياه‪ ،‬سيناريو الوضع الراهن‪ ،‬وسيناريو الماء من أجل المال‪ .‬ويفترض سيناريو عصر ازدهار المياه التقدم الكبير في مجال العلم والتكنولوجيا‪،‬‬
‫مما سيؤدي إلي زيادة الموارد المائية من خالل المصادر غير التقليدية‪ ،‬إما بسبب انخفاض تكاليف تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة المتجددة‪ ،‬أو‬
‫انخفاض تكلفة استخدام تكنولوجيات معالجة المياه مما يؤدي إلي انخفاض تلوث المياه‪ ،‬وبالتالي تحسين االستفادة من الموارد المائية المتاحة‪ ،‬أو عن‬
‫طريق تنفيذ المشاريع الجديدة والمستحدثة تكنولوجيا ً التي تؤدي إلي زيادة هذه الموارد المائية‪ ،‬مثالً من خالل ربط نهر الكونغو مع نهر النيل‪ ،‬وهو‬
‫ما سيؤدي إلي وجود فائض في موارد المياه في مصر‪.‬‬
‫أما السيناريو الثاني وهو سيناريو استمرار الوضع الراهن‪ ،‬فيفترض أن يحدث تقدم طفيف في مجال العلوم والتكنولوجيا‪ ،‬مما يؤدي إلي استمرارية‬
‫مشكلة المياه بسبب معدالت النمو السكاني الكبيرة‪ .‬وباإلضافة إلي ذلك‪ ،‬فإن التحسن في خفض مستويات تلوث المياه بشكل طفيف سيؤدي إلي‬
‫استخدام أفضل للموارد المتاحة‪ ،‬إال أن ذلك لن يكفي لتلبية االحتياجات المستقبلية من المياه‪ .‬ولمواجهة هذه الفجوة في موارد المياه‪ ،‬ستقوم الحكومة‬
‫المصرية بمواصلة استراتيجياتها لتعزيز عالقتها مع دول حوض النيل وإقامة مشاريع مشتركة للحفاظ علي حصتها من نهر النيل‪ .‬وحيث يمثل‬
‫نقص المياه عقبة أمام النمو االقتصادي‪ ،‬فمن المتوقع أن يكون هناك تحسن طفيف في مستويات المعيشة‪.‬‬
‫أما السيناريو الثالث وهو سيناريو الماء من أجل المال‪ ،‬والذي يفترض تطبيق سياسة تسعير المياه في السوق الدولية‪ ،‬مما يضع ضغطا ً علي مصر‬
‫للدفع مقابل حصتها من المياه‪ .‬وبالطبع‪ ،‬فإن تطبيق سياسات تسعير المياه من شأنه أن يزيد من حدة التوتر بين دول حوض النيل ودول الشرق‬
‫األوسط‪ ،‬ويؤثر سلبيا ً في النمو االقتصادي في البلد الذي يعاني من شح المياه‪.‬‬
‫ومع استمرار النمو السكاني وندرة المياه وتطبيق سياسات تسعير المياه علي المستوي الدولي‪ ،‬ستقوم الحكومة المصرية بتطبيق سياسات تسعير‬
‫المياه علي المستوي المحلي‪ ،‬وهو األمر الذي سيؤدي بدوره إلي اضطرابات اجتماعية‪ ،‬حيث لن تكون هناك قدرة لدي المواطنين علي دفع‬
‫التعريفات العالية علي المياه بسبب انخفاض مستويات المعيشة‪ .‬كما أن تزاحم دول أخري في الشرق األوسط علي العرض المحدود من مياه النيل‬
‫سيرفع من أسعاره وربما يؤدي إلي توترات سياسية‪.‬‬
‫وتطالب الدراسة بضرورة تنمية ثقافة االستشراف المستقبلي وإنشاء وحدات لدراسة المستقبل داخل الوزارات المختلفة‪ ،‬وهناك حاجة إلي تنسيق‬
‫الجهود المبعثرة التي بذلت في مجال دراسات المستقبل في مصر‪.‬‬
‫إلي جانب ضرورة ظاهرة التغيرات المناخية وما يصاحبها من ارتفاع درجات الحرارة ومصير نهر النيل في ظل تلك الظاهرة‪،‬فبعض العلماء‬
‫يرجح ارتفاع منسوب مياهه مع تزايد تبخر المياه بينما يرجع البعض اآلخر جفاف نهر النيل نتيجة تبخر مياهه‪.‬‬
‫وهذا االختالف فيما بين العلماء يؤدي إلي تزايد القلق فانخفاض منسوب المياه بنهر النيل سيصاحبه عجز كبير في إطعام شعب مصر البالغ عدده‬
‫ماليين المواطنين كما سيصاحبه نقص حاد في الموارد الكهربائية‪.‬‬
‫وتوصي الدراسة بضرورة حتمية لجوء مصر إلي التحكيم الدولي للمحافظة علي حصتها الموروثة من مياه النيل أسوة بما حدث في قضية طابا‬
‫وذلك التخاذ قرار ملزم لدول المنابع مستنداً لالتفاقيات ومعاهدات دولية متعلقة باألنهار الدولية المشتركة للتأكيد علي حق مصر‪.‬‬
‫كما أنه ليس لمصر خيار آخر إال أن تقف موقفا ً إيجابيا ً للحيلولة دون تقسيم السودان وأن ذلك يعد من الواجبات القومية وإن تداعيات تقسيم السودان‬
‫ستؤدي إلي إضافة دولة جديدة إلي دول حوض النيل العشر ال نعرف ما الهوية الحقيقية ؟كما أن االنقسام سيجعل السودان تعمل علي زيادة حصتها‬
‫وتفقد مصر حليفا ً مهما ً ورئيسيا ً في المفاوضات مع دول الحوض‪.‬‬
‫كذلك حتمية التوجه االقتصادي والسياسي إلي أفريقيا برؤية جديدة بعيدة عن أسلوب االستعالء والوصايا والهيمنة‪ .‬والبد لمصر من استغالل القوي‬
‫الدولية غير المستغلة (مثل بعض دول االتحاد األوروبية والصين واليابان) لتفعيل اتفاقيات ثنائية معها تخدم دول الحوض من حيث المشروعات‬
‫الكبري واالستثمارات الضخمة والتي يمكن أن تسهم في التنمية‪.‬‬
‫وتطالب التوصيات بضرورة إنشاء هيئة مستقلة بدول حوض النيل يطلق عليها (مفوضية حوض النيل) كما أطلق عليها في االتفاقية األخيرة‬
‫بعنتيبي‪.‬‬
‫وتتمثل مهام هذه الهيئة في إدارة األزمات التي تنشأ بين دول حوض النيل والعمل علي احتوائها بأقصي سرعة ممكنة علي أن تضم جميع وزراء‬
‫الري لدول الحوض‪ ،‬وأن يكون من مهامها االهتمام اإلعالمي ومحاولة التقارب بين الشعوب من خالل وسائل اإلعالم المقروءة والمسموعة‬
‫والمرئية الموجهة إلي جميع أفراد المجتمع للتوعية بأهمية الماء كثروة وأهمية نهر النيل كشريان حياة وإيجاد الوعي بثقافة االهتمام بالمياه من‬
‫خالل االستخدام األمثل لها ومنع اإلسراف واإلهدار‪ -‬إجراء المسابقات الدولية للشباب لوضع تصوراتهم حول النموذج األمثل الحتواء األزمة‬
‫وحفظ المهدر من المياه‪.‬كما تقوم المفوضية بدور اقتصادي يتمثل استقطاب رجال األعمال في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بدول المنابع‬
‫وتدعيمها بالخبرات المصرية وسبل الشراكة المختلفة ونقل التكنولوجيا إلي جميع الدول الفقيرة في حوض النيل وهو دور لم تقم به مصر من قبل‪،‬‬
‫والعمل علي الربط ووجود توأمة بين مفوضيه حوض النيل ووزارات الخارجية في الدول المعنيةـ خاصة بالنسبة الختيار البعثات الدبلوماسية‬
‫العاملة في مجال المياه‪ .‬وأخيرا إعادة هيكلة التجارة الخارجية لالستفادة من الفرص المتاحة في أسواق دول حوض النيل من خالل تنشيط أسواق‬
‫قائمة وإيجاد أسواق جديدة‪.‬‬

You might also like