You are on page 1of 20

‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬

‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬

‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬

‫أ ‪ .‬قرطي العياشي‬ ‫أ ‪ .‬بوسكرة بوعالم‬


‫جـ ـامعة األغواط‪.‬‬ ‫ج ــامعة قسنطينة‪.‬‬

‫ملخص‪:‬‬

‫هتتم الدول مجيعا ساحلية كانت أو غري ساحلية بالبحار‪ ،‬اليت هي مصدر ثراء البشرية‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫أن اإلنسان استخدم البحار منذ القدم إال أن تنظيم استغالهلا حديث النشأة نسبيا‪ ،‬فال نكاد جند تنظيما متكامال‬
‫هلذا الفرع القانوين يف القانون الدويل الكالسيكي بل ما ميكن الوصول إليه هو جمموعة من النظريات الفقهية‬
‫واملعاهدات اليت تعاجل وضعيات خاصة أو تدون بعض األعراف الدولية‪.‬‬
‫فمن جهة جند أن النظريات الفقهية قد تراوحت ما بني إمكانية امتالك الدولة الشاطئية جزء من البحر‬
‫للدفاع عن نفسها‪ ،‬وبقاء البحر العام » مفتوحا « وحرا الستعمال اجلميع‪ ،‬إىل نظرية إمكانية امتالك البحار‬
‫ومساحات شاسعة منها‪.‬‬
‫ومن هنا متخض عن أول مؤمتر لقانون البحار اتفاقيات جنيف األربعة ‪ 1958‬اليت نظمت البحر اإلقليمي‬
‫واستغالل البحار وحق املرور يف املمرات الدولية والصيد واليت استخلفتها اتفاقية األمم املتحدة ‪ 1982‬بعد مسرية‬
‫طويلة من املفاوضات‪.‬‬
‫وقد اعتربت اتفاقية قانون البحار اجلديدة لعام ‪ 1982‬كل ما يقع خارج االختصاص الوطين من قاع‬
‫البحار واحمليطات وباطنها‪ ،‬إرثا مشرتكا لإلنسانية‪ ،‬بعد أن كانت تتمتع مبركز الشيوع‪.‬‬
‫‪Rèsumè‬‬
‫‪Intéressé dans tous les Etats si mers côtières ou enclavés, qui sont la source de‬‬
‫‪richesse humaine, et malgré le fait que l'utilisation humaine de la mer depuis les‬‬
‫‪temps anciens, mais l'organisation exploitées naissante relativement, pas difficile‬‬
‫‪de trouver un structuré intégré cette branche juridique en droit international‬‬
‫‪classique, mais ce peut être consulté est un ensemble de théories de la‬‬

‫‪803‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪jurisprudence et des traités qui traitent de situations spéciales ou écrire quelques‬‬
‫‪normes internationales .‬‬
‫‪D'une part, nous constatons que les théories jurisprudentielles ont varié de la‬‬
‫‪possibilité de posséder un État côtier est partie de la mer de se défendre, et la‬‬
‫‪survie de la mer publique ouvert et libre pour tout le monde à utiliser, à la théorie‬‬
‫‪de la possibilité de posséder les mers et les vastes étendues d'entre eux.‬‬
‫‪Il en résulta à la première Conférence sur le droit de la mer des quatre‬‬
‫‪Conventions de Genève de 1958, qui a organisé la mer territoriale et de‬‬
‫‪l'exploitation de la mer et le droit de passage dans les couloirs et la pêche‬‬
‫‪internationaux, qui Astkhalaftha Convention des Nations Unies de 1982 après une‬‬
‫‪longue route des négociations .‬‬
‫‪Nouveau droit de la Convention de la mer en 1982 a été considérée comme‬‬
‫‪tout est situé en dehors de la juridiction nationale des mers et des océans et de son‬‬
‫‪fond intérieur, patrimoine commun de l'humanité, après avoir profité du centre‬‬
‫‪commun.‬‬

‫مقدم ـ ــة‬
‫القانون الدويل للبحار من القوانني املهمة يف الوقت احلاضر‪ ،‬فالبحار هتم الدول مجيعا ساحلية كانت‬
‫أو غري ساحلية‪ ،‬والبحار مصدر ثراء البشرية إذ تعتمد غالبية الشعوب يف مواردها الغذائية على ما جيود به هذا‬
‫الفضاء من مصادر مهمة‪ ،‬كما أن البحار من أفضل وسائل النقل وأرخصها‪ ،‬وهو يشكل حاجزا دفاعيا اسرتاتيجيا‪،‬‬
‫حيث حصنت األمم شواطئها على مر التاريخ لردع األعداء‪ ،‬والدول احملظوظة متلك منفذا على البحر‪ ،‬وباتساعه‬
‫تزداد قدرهتا على االتصال بالشعوب األخرى والتعامل معها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن اإلنسان استخدم البحار منذ القدم إال أن تنظيم استغالهلا حديث النشأة نسبيا‪ ،‬فال‬
‫نكاد جند تنظيما متكامال هلذا الفرع القانوين يف القانون الدويل الكالسيكي بل ما ميكن الوصول إليه هو جمموعة من‬
‫النظريات الفقهية واملعاهدات اليت تعاجل وضعيات خاصة أو تدون بعض األعراف الدولية‪.‬‬
‫فمن جهة جند أن النظريات الفقهية قد تراوحت ما بني إمكانية امتالك الدولة الشاطئية جزء من البحر‬
‫للدفاع عن نفسها‪ ،‬وبقاء البحر العام » مفتوحا « وحرا الستعمال اجلميع‪ ،‬إىل نظرية إمكانية امتالك البحار‬
‫ومساحات شاسعة منها‪ ،‬ووصل بعضهم إىل وضع خريطة يوزع مبوجبها حبار وحميطات العامل بني بعض اإلمرباطوريات‬
‫والدول الكربى‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى اهتمت بعض املعاهدات الدولية بالبحار من الناحية السياسية واألمنية‪ ،‬بغلق املضائق‬
‫الدولية يف وجه مالحة السفن احلربية‪ ،‬أو حياد بعض البحار ألمهيتها اإلسرتاتيجية "معاهدة باريس لعام ‪ ،"6591‬أو‬

‫‪803‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫تنظيم احلرب البحرية والقصف من البحر " تنظيمات الهاي ‪ "... 6591-6955‬كما حضر قانون البحار فيما‬
‫‪1‬‬
‫بني احلربني لكن مل يكتب له امليالد‪.‬‬
‫إن تدوين النظام القانوين للبحار وحتديد جماالهتا وحقوق الدول وواجباهتا فيها مل يتجسد إال بعد احلرب‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬أي يف عصر التنظيم الدويل والقانون الدويل املعاصر‪ ،‬ويعد القانون الدويل للبحار أول موضوع للجنة‬
‫القانون الدويل التابعة ملنظمة األمم املتحدة وذلك بالنظر إىل األمهية اليت حيتلها هذا الفرع القانوين‪ ،‬السيما مع كل ما‬
‫ميثله هذا اجملال بالنسبة للمجموعة الدولية‪ ،‬وما تشهده اإلنسانية من تطور تقين مس السفن الناقلة للبضائع‪ ،‬وسائل‬
‫الصيد‪ ،‬والسفن اخلاصة بتصنيع األمساك وتعليبها‪ ،‬وتقدم وسائل البحث العلمي والتطبيقي لقاع البحار‪ ،‬واستثمار‬
‫باطنها‪ ،‬وما فوقها واجلو الذي يعلوها‪.‬‬

‫ومن هنا متخض عن أول مؤمتر لقانون البحار اتفاقيات جنيف ‪ 6599‬األربعة اليت نظمت البحر اإلقليمي‬
‫واستغالل البحار وحق املرور يف املمرات الدولية والصيد واليت استخلفتها اتفاقية مونتيغوباي ‪ 6591‬بعد مسرية طويلة‬
‫من املفاوضات‪ ،2‬وقد اعتربها الفقه الدويل اتفاقية القرن ملا استطاعت أن تصل إليه من تنظيم قانوين متكامل للبحار‪.‬‬

‫وإذا كان البحر يتميز بالوحدة من حيث طبيعته‪ ،‬إال أن هذه اخلاصية اليت أضفتها عليه الطبيعة ال تنعكس‬
‫مرآهتا على النظام القانوين الدويل الذي حيكم البحر فهو مقسم يف عرف هذا القانون إىل عدة مناطق‪ ،3‬ازداد عددها‬
‫مع تطور هذا القانون لتشمل‪ :‬البحر اإلقليمي‪ ،‬املنطقة املتامخة‪ ،‬املنطقة االقتصادية اخلالصة‪ ،‬اجلرف القاري‪ ،‬أعايل‬
‫البحار‪.‬‬

‫وإذا كانت للدولة الساحلية سيادة كاملة على حبرها اإلقليمي وحقوقا سيادية على كل من املنطقة املتامخة‬
‫لبحرها اإلقليمي واملنطق االقتصادية اخلالصة وجرفها القاري‪ ،‬فإن أعايل البحار وما يعلوها وقاعها وباطنها ال ختضع‬
‫لسيادة أي دولة بل هي منطقة مشاعة للدول مجيعا‪ ،‬لذا من الوارد أن تكون هذه املنطقة مركز إثارة املنازعات بني‬
‫الدول ومن هنا تدخل القانون الدويل لتنظيمها على وجه الدقة وجند أن هذا التنظيم قد تطور بتطور القانون الدويل‬
‫بصفة عامة وقانون البحار بصفة خاصة‪ ،‬وتوازيا مع هذا تطورت احلريات اليت تتمتع هبا الدول يف هذا الفضاء‬
‫البحري‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد بوسلطان‪ .‬مبادئ القانون الدولي العام‪.‬ج‪ ،6.‬ط‪ .4.‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ .1999 ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ -2‬الفتالوي سهيل حسني‪ .‬القانون الدولي للبحار‪ .‬ط‪ .6.‬األردن‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ .1995 ،‬ص‪.5.‬‬
‫‪ -3‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير‪ .‬جامعة اجلزائر‪ :‬كلية‬
‫احلقوق‪ .6591 ،‬ص‪.59.‬‬

‫‪882‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫وسنحاول يف عرضنا هذا تسليط الضوء على مراحل تطور حريات الدول يف أعايل البحر بني القانون الدويل‬
‫الكالسيكي والقانون الدويل املعاصر‪ ،‬فما مضمون هذا التطور؟ وهل ميكن القول أن هذه احلريات قد تقلصت أم‬
‫ازدادت واتسعت؟‪.‬‬

‫يف حماولة لإلجابة على ما يطرحه هذا املوضوع من إشكاليات‪ ،‬اعتمدنا على خطة عمل مزدوجة التقسيم‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حريات أعالي البحار في القانون الدولي الكالسيكي‪.‬‬
‫‪ -‬املطلب األول‪ :‬ظروف نشأة مبدأ حرية أعايل البحار‪.‬‬

‫‪ -‬املطلب الثاين‪ :‬مضمون مبدأ حرية أعايل البحار يف القانون الدويل الكالسيكي‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حريات أعالي البحار في القانون الدولي المعاصر‪.‬‬


‫‪ -‬املطلب األول‪ :‬حريات أعايل البحار يف اتفاقيات جنيف ‪.8591‬‬

‫‪ -‬املطلب الثاين‪ :‬حريات أعايل البحار يف اتفاقية مونتيغوباي ‪.8511‬‬

‫والعربة هبذا التقسيم املزدوج هو إضفاء أكرب قدر من التوازن على هذه الدراسة التحليلية‪ ،‬كما أن كل حبث‬
‫قانوين غايته معرفة مراحل تطور أي فرع قانوين أو حىت قاعدة قانونية ال يكاد خيلو من مرحلة ال مفر منها‪ ،‬وهي‬
‫الظروف اليت نشأ فيها موضوع الدراسة لذا فالبد علينا لزاما أن نعرج على هذه الظروف كجزء أول من احملور األول‬
‫املتعلق حبريات أعايل البحار يف القانون الدويل الكالسيكي‪ ،‬مث كجزء ثان من نفس احملور سنتطرق إىل ما كانت‬
‫تتضمنه هذه القاعدة من حريات يف ظل ذات القانون‪ .‬أما عن الشق الثاين فسيتم تسليط الضوء على موضوعنا بعد‬
‫دخول القانون الدويل مرحلته املعاصرة‪ ،‬وألن هذه املرحلة عرفت أهم اتفاقييت قانون البحار يف تاريخ اإلنسانية‪ ،‬وألن‬
‫ما نصت عليه األوىل مل جنده دون تغيري يف الثانية جاء احملور الثاين هو اآلخر مرتكزا على عمودين ومرتبا حسب‬
‫تاريخ كل اتفاقية‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حريات أعالي البحار في القانون الدولي الكالسيكي‪.‬‬
‫إن جمموع احلريات اليت تتمتع هبا الدول يف أعايل البحار ليست وليدة الصدفة‪ ،‬وإمنا استطاع القانون الدويل‬
‫انتزاعها بعد خماض عسري جلملة من الظروف التارخيية‪ ،‬ليعلن بفضلها والدة قاعدة قانونية جديدة بدأت عرفية‬
‫وتطورت مبرور الزمن لتصبح مبدأً من املبادئ الثابتة للقانون الدويل العام‪.‬‬

‫‪880‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫وسنتناول يف هذا اجلزء من الدراسة تلك الظروف اليت يعود إليها الفضل يف اعرتاف القانون الدويل‬
‫الكالسيكي بوجود هذه القاعدة‪ ،‬وكذا ما اشتملت عليه من حريات متتع هبا اجملتمع الدويل يف هذا الفضاء البحري‬
‫قبل أن تعرف التطور الذي شهدته يف ظل القانون الدويل املعاصر‪ .‬وذلك من خالل مطلبني كما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ظروف نشأة مبدأ حرية أعالي البحار‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون مبدأ حرية أعالي البحار في القانون الدولي الكالسيكي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ظروف نشأة مبدأ حرية أعالي البحار‪.‬‬
‫ابتداءً من القرون الوسطى سادت فكرة البحر املغلق‪ ،‬حيث سيطرت آنذاك على احمليطات والبحار بعض‬
‫الدول على رأسها اسبانيا والربتغال واستمرت الوضعية ملا يقارب القرنني‪ .‬ولكن نظرا ألمهية البحر يف النقل والتنقل‬
‫وكونه يشكل ثلثي الكرة األرضية‪ ،‬باإلضافة إىل أسباب أمنية واقتصادية أخرى بدأت نظرية البحر املغلق تزيح اجملال‬
‫لنظرية احلر املفتوح الذي ال ميكن متلكه بل هو مفتوح الستعمال اجلميع‪ ،1‬ففي القرن اخلامس عشر كان للدول‬
‫البحرية القوية وحدها القدرة على امتالك حقوق يف البحار‪ ،‬مستمدة أساس هذه اهليمنة من تأييد الكنيسة فاملنشور‬
‫البابوي " الكسندرين" قام بتقسيم البحار واحمليطات يف ‪ 6455‬و‪ 6991‬بني اسبانيا والربتغال‪ 2 .‬وقد أراد ملوك‬
‫اجنلرتا جماراة اإلسبان والربتغال يف زعمهم التملك على أساس االستكشاف ولكنهم تغالوا إىل حد أهنم كانوا يقضون‬
‫على كل سفينة أجنبية تسري يف حبر اهلند مما جعل الكثري من الدول تضيق ذرعا هبذه التصرفات‪ .‬وكان من بني التجارة‬
‫اليت عانت األمرين من جراء هذا التعرض جتارة هولندا مع جزر اهلند الشرقية اليت كانت تقوم بالنصيب األكرب فيها‬
‫شركة اهلند اهلولندية فطلب مسامهوا هذه الشركة إىل الفقيه غروسيوس "‪ 3"Grotius‬أن يدافع عن حقوقهم ضد‬
‫الربتغاليني‪ ،‬فكتب مؤلفه "عن حق الغنيمة" "‪ "De Jure Praede‬سنة ‪ 6199‬ضمنه فصال عن البحر احلر‬
‫"‪ "Mare Liberum‬ذكر فيه أن البحر ال يمكن أن يكون محل ملكية‪ ،‬فالشيء الذي يقبل امللكية هو الشيء‬
‫الذي يقبل االحتباس املستمر حىت ميكن للمالك أن يتمتع عليه بسلطان االستعمال واالستغالل والتصرف‪.‬‬
‫أما البحر فال يقبل امللكية لسببني‪:‬‬
‫‪ .8‬عدم إمكانية حيازته حيازة مستمرة‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد بوسلطان‪ .‬مبادئ القانون الدويل العام‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.852.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI, Droit international public avec références à la pratique‬‬
‫‪algérienne « territoire et espaces » , Office des publications universitaires, Algérie, 1987, p.127.‬‬
‫‪ -3‬هيغو غروسيوس "‪ (8552 –1646) "Hugo Grotius‬فقيه ودبلوماسي هولندي يعد من مؤسسي القانون الدويل احلديث‪ ،‬يلقبه البعض بأب‬
‫القانون الدويل‪ ،‬يعد مؤلفه "قانون السلم واحلرب" من أوىل حماوالت تدوين قواعد القانون الدويل اليت كانت موجودة آنذاك‪ ،‬متسك باالعتبارات األخالقيةيف‬
‫عالقات الدول ببعضها البعض السيما فكرة مساواة البشر يف األرض‪ ،‬إضافة إىل أنه باشر البحث الدويل بالدفاع عن مبدأ حرية البحار املبين على حرية‬
‫املواصالت والتجارة‪ ،‬وجعل من البحار طريقا مفتوحا أمام العالقات القائمة بني الشعوب‪.‬‬

‫‪880‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪ .1‬عدم قابلية ما حيويه من ثروات النفاذ واالستهالك‪.‬‬
‫وقام الفقيه االجنليزي "‪ "John Selden‬باصدار كتابه "البحر املغلق" أو "‪ "Mare Clausum‬يف ‪6151‬‬
‫الذي هاجم فيه فكرة البحر احلر ودافع عن صالحية البحر للحيازة اخلاصة وامللكية‪ ،‬مؤيدا قوله مبا ثبت على مر‬
‫التاريخ من سيادة كافة ملوك اجنلرتا للبحار وسيادهتم الفعلية عليها دون قيد من حيث احلدود‪ ،‬كما ذكر أن إقرار‬
‫اجلماعة الدولية بفكرة البحار التارخيية اليت تفيد متلك بعض الدول خللجان متتد مسافات بعيدة يف البحر تؤيد نظريته‪.‬‬
‫وملا عجز "‪ "Selden‬من أن يصل بأطروحته عن البحر املغلق إىل هنايتها‪ ،‬اعترب بأن على الدول رغم متلكها‬
‫للبحار أن تسمح حبرية املالحة لسفن الدول األخرى وإال كانت خملة بالتزاماهتا الدولية‪.‬‬
‫ومن املفارقات أن اجنلرتا اليت احتضنت كتابات "‪ "Selden‬هي اليت اختذت أول خطوة يف سبيل إقرار مبدأ حرية‬
‫البحار‪ ،‬على يد امللكة "اليزابيت األوىل "‪ "Elisabeth I‬مبناسبة اإلحتجاج القومي الذي تقدمت به اسبانيا سنة‬
‫‪ 6999‬خبصوص الرحلة اليت قام هبا "‪ "Drake‬يف "‪ ،"GOLD-HIND‬وردت ملكة بريطانيا على السفري‬
‫اإلسباين بأن استعمال البحار وما يعلوها من هواء حر للبشرية قاطبة وال ميكن ألي دولة أن تزعم لنفسها حقا‬
‫انفراديا فيه‪ .‬ونشري هنا أنه البد من الذكر يف هذا الصدد دفاع امللكة "كاثرين الثانية" عن مبدأ حرية البحار سنة‬
‫‪ 6199‬عندما كونت أول مجاعة حياد مسلح‪.1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مضمون مبدأ حرية أعالي البحار في ظل القانون الدولي الكالسيكي‪.‬‬
‫لقد عرف مبدأ حرية البحار مكانه الثابت بني قواعد القانون الدويل الكالسيكي استنادا إىل منطق‬
‫غروسيوس‪ ،‬واستنادا إىل اعتبارات أخرى غايتها بالدرجة األوىل املصاحل التجارية واملالحية الدولية‪ .‬لكن هذه احلرية مل‬
‫تشمل كل اجملال البحري‪ ،‬فلدو ِاع ِِ أمنية كان البد من امتالك الدول ملياه إقليمية إال أن عرض هذا اجلزء املقتطع من‬
‫البحار مل خيضع يف بادئ األمر إىل حتديد‪ ،‬بل ارتبط بإمكانية الدفاع عنها‪ ،‬حيث كانت الدولة الساحلية تبسط‬
‫نفوذها على كل املناطق اليت ميكن الدفاع عنها بواسطة املدفع من التحصينات الساحلية‪ ،‬ولذلك مسيت بقاعدة طلقة‬
‫املدفع‪ .‬واعتبارا أن املدفع كان مداه ال يتجاوز ‪ 5‬أميال‪ ،‬اصطلح على أن البحر اإلقليمي ميتد إىل ‪ 5‬أميال من شاطئ‬
‫‪2‬‬
‫الدولة الساحلية‪ .‬أما ما تبقى من حبار فيخضع ملبدأ حرية أعايل البحار‪.‬‬
‫ويف حتديد له ملضمون هذه احلرية يقول جيدال "‪ "Gidel‬أن "حرية أعايل البحار سلبية أساسا ميكنها أن‬
‫تشمل بعض اآلثار اإلجيابية‪ .‬فبتوجهها ضد اإلنفراد أو االستئثار باالستعمال تتلخص إىل فكرة املساواة يف‬
‫االستعمال‪ ...‬كل السفن متساوية قانونا من كل استعماالت أعايل البحار‪ ،‬ولكن فكرة املساواة ال تأيت إال يف‬
‫الدرجة الثانية‪ .‬الفكرة الرئيسية ملبدأ أعايل البحار هي منع اعرتاض أي سفينة طريق سفينة أخرى يف حالة السلم"‪.‬‬

‫‪ -1‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.63-63 :‬‬
‫‪ -2‬حممد بوسلطان‪ .‬مبادئ القانون الدويل العام‪ .‬ص‪.852 - 883:‬‬

‫‪888‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫من هنا يتبني لنا أن مبدأ حرية أعايل البحار يف القانون الدويل التقليدي قد ترسخ يف قواعد عرفية تضمنت‬
‫بالدرجة األوىل حرية املالحة‪ ،‬حيث ألي سفينة احلق يف املالحة البحرية أو أي استعمال آخر ألعايل البحار سواء‬
‫كان غرضه التجارة أو غريها‪ ،‬وسواء كانت السفينة لنقل األشخاص أو البضائع أو حىت للصيد البحري ) فالصيد‬
‫مثال يف أعايل البحار كان نشاطا حرا متارسه مجيع الدول وسفن الصيد ماعدا احلاالت اليت اتفقت على خالفها‬
‫الدول املعنية هبا مبوجب معاهدات حمدودة األطراف ومتعلقة ببعض أجزاء البحار العالية(‪ .1‬وليس ألية سفينة أخرى‬
‫اعرتاض طريقها يف حالة السلم‪ ،‬ذلك أنه جمال غري مملوك ألحد"‪ ."Res Nullus‬لكن املالحظ أنه يف ظل القانون‬
‫الدويل الكالسيكي اقتصرت استعماالت البحار على اجملاالت املذكورة سابقا وذلك بالنظر إىل مستوى التطور‬
‫وحاجات اإلنسانية آنذاك‪ ،‬ومنه مشلت حريات أعايل البحار هذه اجملاالت فقط‪ ،‬إال أهنا كانت حريات مطلقة وغري‬
‫مقيدة‪.‬‬
‫هذا ويصف جيدال مضمون حرية أعايل البحار بأهنا متعددة األشكال وغير ثابتة‪ ،‬وبأهنا مبدأ عام يف‬
‫القانون الدويل‪ ،‬ومنه ميكن استنباط قواعد خاصة‪ .‬فوفقا للمصاحل والظروف وموازين القوى ميكن أن نعترب بعض‬
‫املمارسات يف أعايل البحار مطابقة للمبدأ ويف نفس الوقت غري عادلة‪ ،‬وبالتايل فان القيام بتجارب لألسلحة فيها قد‬
‫‪2‬‬
‫يعتربه البعض من مضامني هذه احلرية‪ ،‬يف حني يعتربه البعض اآلخر إضرارا حقيقيا بنفس املبدأ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حريات أعالي البحار في القانون الدولي المعاصر‪.‬‬
‫إن حقيقة القانون الدويل يف وقتنا احلايل تتميز وختتلف كثريا عن واقعه القدمي‪ ،‬أي عن القانون الدويل‬
‫الكالسيكي‪ ،‬ذلك أن القانون الدويل املعاصر قد نشأ وتطور وسط ظروف ختتلف من جوانب شىت عن تلك اليت‬
‫سادت يف املاضي‪ ،‬فبعد أن شهد العامل حروبا عامليةَ األطراف والنتائج‪ ،‬اقتنعت اجملموعة الدولية بضرورة وحاجة‬
‫احلياة الدولية إىل تنظيم عاملي حيقق السلم واألمن الدوليني وحيميهما‪ ،‬ومن هنا جاءت منظمة األمم املتحدة‬
‫مستخلفة عصبة األمم بعد أن فشلت هذه األخرية يف مسعاها وأهدافها‪ ،‬لتُ ِ‬
‫دخل العالقات الدولية عصرا جديدا‬
‫تطورت فيه قواعد قانونية كانت موجودة سابقا‪ ،‬وظهرت قواعد ومبادئ جديدة استحدثتها الدول ملسايرة متطلبات‬
‫الظروف والزمن‪ .‬وسعيا من هذه املنظمة يف سبيل الوصول إىل أهدافها املسطرة يف ميثاقها‪ ،‬عمدت إىل إنشاء وكاالت‬
‫وجلان متخصصة يف ميادين متعددة‪ ،‬ومن أهم جلاهنا لجنة القانون الدولي اليت كونتها مجعية املنظمة العامة يف ‪16‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- M.DAHMANI, The fisheries regime of the exclusive economic zone: A study of recent‬‬
‫‪developments in‬‬ ‫‪the international law of fisheries, thesis submitted to the university of‬‬
‫‪Wales in candidacy for the degree‬‬ ‫‪of Doctor of Philosophy, 1983, p.1.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Op, Cit, p.127- 128.‬‬

‫‪883‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫نوفمرب ‪ 6541‬مبوجب إعالن ‪ (II) 654‬من أملع فقهاء القانون العام واليت كانت مهمتها إقامة الدراسات حول أهم‬
‫مواضيع القانون الدويل‪ ،‬وحتضري مشاريع االتفاقيات الدولية وبصفة عامة كل ما حيتاجه التقنني والتطوير املطرد للقانون‬
‫الدويل‪.1‬‬
‫إن موضوع دراستنا أي حريات أعايل البحار املنطوي حتت لواء قانون البحار قد نال نصيبه من االهتمام من‬
‫طرف منظمة األمم املتحدة‪ ،‬حيث أنه كان من أولويات جلنة القانون الدويل‪ ،‬وتأكد ذلك من خالل إعداد هذه‬
‫اللجنة التفاقيات جنيف األربعة املؤرخة يف ‪ 15‬أفريل ‪ 26599‬واليت متخضت عن املؤمتر األول لقانون البحار"‪،‬‬
‫وتعلقت بـ‪:‬‬
‫‪ /6‬اتفاقية أعايل البحار‪.‬‬
‫‪ /1‬اتفاقية البحر اإلقليمي واملنطقة املتامخة‪.‬‬
‫‪/5‬اتفاقية اجلرف القاري‪.‬‬
‫‪ /4‬اتفاقية الصيد وموارد الثروة البحرية يف أعايل البحار‪.‬‬
‫إال أن اجمل تمع الدويل متكن بعد مسرية طويلة من املفاوضات دامت أكثر من ‪ 69‬سنوات من عقد اتفاقية األمم‬
‫املتحدة لقانون البحار يف مونتيغوباي (جاميكا) املؤرخة يف ‪ 69‬ديسمرب ‪ ،6591‬وبالنظر إىل اختالف ما نصت عليه‬
‫كل من اتفاقيات جنيف واتفاقية مونتيغوباي من حريات حيق للدول التمتع هبا يف أعايل البحار سنتناول يف هذا‬
‫احملور الثاين كل منهما على حدا وذلك يف مطلبني كما يلي‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حريات أعالي البحار في اتفاقيات جنيف ‪.8591‬‬


‫المطلب الثاني‪ :‬حريات أعالي البحار في اتفاقية مونتيغوباي ‪.8511‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حريات أعالي البحار في اتفاقيات جنيف ‪.8591‬‬


‫يقصد بأعايل البحار تلك األجزاء اليت ال تدخل يف تكوين االمتدادات البحرية اخلاضعة لسيادة أو والية أو‬
‫سلطان أي دولة ساحلية‪ ،3‬ولقد جاء يف املادة األوىل من معاهدة جنيف ‪ 6599‬املتعلقة بأعايل البحار أن "املقصود‬

‫‪ -1‬حممد بوسلطان‪ .‬فعالية املعاهدات الدولية‪ .‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ .8225 ،‬ص‪.83.‬‬
‫‪ -2‬جاءت هذه االتفاقيات اختتاما وتتوجيا للمؤمتر األول لقانون البحار املنعقد يف جنيف يف الفرتة املمتدة بني ‪ 85‬فيفري إىل ‪ 83‬أفريل ‪.8252‬‬
‫‪ -3‬عمر سعد اهلل‪ .‬معجم يف القانون الدويل املعاصر‪ .‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ .8003 ،‬ص‪.56.‬‬

‫‪882‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫بأعايل البحار كل املساحات البحرية اليت تقع خارج املياه اإلقليمية واملياه الداخلية للدول"‪ .‬يف حني عددت املادة‬
‫الثانية من نفس االتفاقية احلريات اليت منحت الدول حق التمتع هبا يف أعايل البحار‪ ،1‬وقد جاء يف نصها‪:‬‬
‫» ملا كانت أعايل البحار مفتوحة جلميع الشعوب فإنه ال جيوز ألية دولة أن تدعي قانونيا إخضاع أي جزء منها‬
‫لسيادهتا‪ ،‬ويكون استعمال حرية أعايل البحار وفقا للشروط املبينة يف هذه املواد ولقواعد القانون الدويل‪ .‬وهي تتضمن‬
‫خاصة بالنسبة للدول الساحلية أو غريها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬حرية املالحة‪.‬‬
‫‪ -‬حرية الصيد‪.‬‬
‫‪ -‬حرية مد الكابالت واألنابيب حتت املاء‪.‬‬
‫‪ -‬حرية التحليق أو الطريان‬
‫هذه احلريات‪ ،‬وكل احلريات اليت تعرتف هبا املبادئ العامة للقانون الدويل‪ ،‬متارسها كل الدول على حنو‬
‫معقول آخذة بعني االعتبار املصلحة اليت متثلها أعايل البحار لباقي الدول «‪.‬‬
‫إن هذا النص إن دل على شيء فهو أن استعماالت البحر قد ازدادت وتعددت‪ ،‬فلم تعد هذه املساحة من‬
‫الكرة األرضية تستغل للمالحة والصيد البحري فقط‪ ،‬بل مس هذا االستغالل التطور الذي صنعه وعاشه اإلنسان‪،‬‬
‫والذي اضطر بسببه إىل متديد جماالت االستعمال هذه‪ ،‬وبالتايل إضافة حريات أخرى إىل أعايل البحار اليت تشكل‬
‫القسم األكرب من اجملال البحري‪ ،‬ذلك أن اجملموعة الدولية حتتاج إىل التمتع هبا حىت تستفيد على أكمل وجه من‬
‫جمال ال خيضع ألي سيادة‪.‬‬
‫إال أن هذه املادة مل تأت على ذكر خمتلف احلريات‪ ،‬فقد ذهب قسم من الفقه إىل أن احلريات املنصوص‬
‫عليها صراحة هنا مل تذكر على سبيل احلصر بل على سبيل املثال‪ 2‬على اعتبار أن ما ذكر صراحة ال يعدو أن يكون‬
‫االستعمال واالستغالل الشائع للبحار وقت وضع معاهدة جنيف‪ ،‬وذلك ال يستبعد صورا أخرى لالستغالل احلر‬
‫هلذه البحار ومواردها عمال باملبدأ العام الذي حيكمها وهو مبدأ احلرية‪ ،‬بل إن صياغة املادة املذكورة تفيد هذا املعىن‬
‫ألهنا قررت أن »‪ ..‬هذه احلريات‪ ،‬وكل احلريات اليت تعرتف هبا املبادئ العامة للقانون الدويل‪ ، «..‬إضافة إىل هذا‬
‫فإن الرجوع إىل األعمال التحضريية ملعاهدة جنيف تفيد –كما يبدو لبعض أنصار مبدأ حرية أعايل البحار‪ -‬إمكان‬
‫إخضاع استغالل موارد قاع البحار وما حتتها خارج حدود الوالية الوطنية إىل مبدأ احلرية‪ ،‬فلقد جاء يف التعليق األول‬
‫للجنة القانون الدويل على املادة الثانية من مشروع املعاهدة اخلاصة بأعايل البحار الذي أعدته اللجنة أن‪ " :‬تعداد‬
‫احلريات الواردة يف املادة الثانية ليس على سبيل احلصر‪ ،‬إذ أن اللجنة مل تفعل أكثر من بيان احلريات الرئيسية فحسب‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Op, p.128- 129.‬‬
‫‪ -2‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.62 .‬‬

‫‪883‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫ولعل من البديهي أن هناك حريات أخرى‪ ،‬مثل حرية استكشاف واستغالل موارد قاع البحار العالية وما حتتها وحرية‬
‫إجراء األحباث العلمية‪".‬‬
‫أما التعليق الثاين للجنة املذكورة فلقد ورد يف تقريرها للجمعية العامة لألمم املتحدة املرفق مبواد مشروع‬
‫املعاهدة وجاء فيه‪" :‬إن اللجنة مل تذكر صراحة حرية استكشاف واستغالل موارد قاع البحار وما حتتها والسبب يف‬
‫ذلك أنه إىل جانب أن اللجنة قد أوردت تنظيما خاصا الستكشاف واستغالل موارد قاع االمتداد القاري وما حتته‪...‬‬
‫فإهنا رأت أن مثل ذلك االستغالل –أي استغالل موارد قاع البحار العالية وما حتتها‪ -‬مل يكتسب بعد أمهية تقتضي‬
‫وضع نظام خاص هلا‪".‬‬
‫ويف مقابل هذا الرأي‪ ،‬فإن الرأي املخالف له آنذاك قال بصعوبة التسليم مببدأ حرية استغالل موارد قيعان‬
‫البحار على إطالقه مؤسسا حجته على أسباب نوجزها يف اآليت‪:‬‬
‫من املعروف أن اللجوء لألعمال التحضريية يف تفسري نصوص املعاهدات بوجه عام ينبغي أن حياط بأكرب‬
‫قدر من احلذر فضال عن أنه ال يلجأ إليها إال بالقدر الذي يعرفنا على مقاصد األطراف املتعاقدة‪.‬‬
‫فعن الفقرة األوىل من التعليق املذكور ميكن القول أهنا جاءت يف سياق رغبة جلنة القانون الدويل السرتضاء‬
‫الفريق من أعضائها الذي شن هجوما حادا على فكرة االمتداد (أو اجلرف) القاري ومن بني هذا الفريق جورج سال‬
‫"‪ "Gorges Scelle‬الذي بذل جهودا معترب للحيلولة دون وضع نظام خاص الستكشاف واستغالل موارد االمتداد‬
‫القاري يتقرر مبقتضاه بعض احلقوق السيادية للدول الساحلية‪ ،‬على اعتبار أن مثل ذلك النظام اخلاص يعترب انتهاكا‬
‫للمبدأ التقليدي الذي حيكم البحار العالية وهو مبدأ احلرية‪.‬‬

‫كما هاجم جورج سال جلنة القانون الدويل لفشلها يف النص صراحة على حرية استكشاف واستغالل موارد‬
‫قاع البحار العالية وما حتتها بني احلريات األربع املذكورة يف النص حمل التعليق‪.‬‬
‫أم ا الفقرة الثانية من التعليق الذي تضمنه تقرير جلنة القانون الدويل إىل اجلمعية العامة عن مشروع معاهدة‬
‫أعايل البحار فإنه يوحي بعكس ما أراد أنصار مبدأ احلرية االستناد إليه لتأييد وجهة نظرهم‪.‬‬
‫وبنظرة إىل التعليق املذكور جند أن اللجنة واجهت فرضيتني‪:‬‬
‫‪ -0‬فعن قاع االمت داد القاري وما حتته فلقد رأت اللجنة أنه قد اكتسب أمهية عملية على حنو اقتضى وضع نظام‬
‫خاص به أخرجه عن نطاق مبدأ حرية أعايل البحار وقرر للدول الساحلية صاحبة االمتداد القاري جمموعة‬
‫من احلقوق السيادية عليه‪.‬‬

‫‪883‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪ -0‬أما عن قاع البحار العالية فيما وراء االمتداد القاري فإهنا مل تكن قد اكتسبت يف نظر اللجنة أمهية عملية‬
‫تقتضي وضع نظام قانوين خاص هبا‪ ،‬ومعىن ذلك أنه من الوقت الذي يكتسب فيه هذا اجلزء من البيئة‬
‫‪1‬‬
‫البحرية أمهية متزايدة فإنه يصبح من الضروري وضع نظام خاص به خيرج هو بالتايل عن مبدأ احلرية‪.‬‬
‫حينما عرض هدا املشروع على مؤمتر األمم املتحدة األول للبحار إلقراره مل يعرض املؤمترون لوضع نظام قانوين‬
‫الستغالل موارد قاع البحار العالية استنادا ملبدأ احلرية رغم أن نص املادة الثانية من املعاهدة كان أمامهم‪ .‬وأكثر من‬
‫ذلك فإن املؤمتر قد تلقى اقرتاحا تقدم به املندوب الربتغايل إلدراج استغالل موارد قاع البحار العالية ضمن احلريات‬
‫اليت تضمنتها املادة الثانية من املعاهدة إال أن املؤمتر رفض ذلك االقرتاح‪ ،‬وهذا إن دل على شيء فإمنا يدل على اجتاه‬
‫إرادة املؤمترين إىل التمييز بني النطاق املائي ألعايل البحار وبني قاعها وما حتتها من حيث النظام القانون الذي‬
‫حيكمها‪.‬‬
‫إن التأمل يف التعريف الذي وضعته معاهدة جنيف ‪ 6599‬ألعايل البحار يدل على انصراف التعريف إىل‬
‫املاء دون القاع‪ ،‬فقد أكدت املادة األوىل أن جمال التعريف هو النطاق املائي ومل يدخل يف إطاره الرتبة وما حتتها ومن‬
‫مث فإن النظام القانوين الذي وضعته املعاه دة ليحكم أعايل البحار ينصرف على ما يبدو إىل اجلزء املائي من هذه‬
‫البحار‪.‬‬
‫ولعلنا نستنتج ذلك أيضا من أن املعاهدة حينما أرادت أن توجد النظام القانوين الذي ينطبق على‬
‫جزء من أجزاء البيئة البحرية وهو البحر اإلقليمي ليسري على النطاق املائي وما يعلوه من طبقات اجلو وما يأيت حتته‬
‫من قاع فإن هذه املعاهدة مل ترتدد يف ذكر ذلك صراحة‪ .‬فاملادة األوىل من اتفاقية جنيف اخلاصة بالبحر اإلقليمي‬
‫تنص صراحة على أن‪ " :‬سيادة الدولة متتد خارج إقليمها الربي ومياهها الداخلية إىل حزام البحر املالصق لشاطئها‬
‫يوصف بأنه البحر اإلقليمي"‪.‬‬
‫وتنص املادة الثانية من نفس املعاهدة على أن‪ " :‬سيادة الدولة متتد إىل النطاق اهلوائي فوق حبرها اإلقليمي كما‬
‫متتد إىل القاع وإىل ما حتت القاع‪".‬‬
‫إن املادة الثانية من معاهدة جنيف ألعايل البحار لعام ‪ 6599‬حينما قررت مبدأ وضع الكوابل واألنابيب على‬
‫قاع الب حار العالية مل تقصد سحب مبدأ احلرية إىل أي استعمال لقاع البحار العالية وإال كيف نفسر تقرير ذات‬
‫املعاهدة هذه احلرية لكي متارسها الدول على قاع االمتداد القاري للدول رغم أنه من املؤكد أن هذه الدول ال تستطيع‬
‫أن تستغل قاع االمتداد القاري نظرا لتعلق حقوق سيادية للدول الساحلية يف استغالله استغالال اقتصاديا‪ .‬إذن فمن‬

‫‪ -1‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.50-62:‬‬

‫‪883‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫الصعب جدا القول بأن معاهدة جنيف لعام ‪ 6599‬حينما قررت مبدأ حرية أعايل البحار قد جعلت منه مبدأ حيكم‬
‫قاع البحار العالية وما حتتها‪.1‬‬
‫إن مبدأ حرية أعايل البحار يقتضي يف مفهومه حتقيق املساواة يف االنتفاع بني أعضاء اجملتمع الدويل يف كل‬
‫جزء من مواردها ويصبح من غري املعقول أن تقوم دولة ما بدعوى استنادها إىل مبدأ حرية أعايل البحار باستغالل‬
‫منطقة ما منها واالستفادة مبا تتيحه من عائدات دون باقي الدول خاصة وأن اجملاالت البحرية الدولية يف السابق كان‬
‫ينظر إليه نظرة الثروة غري الزائلة أما ومع دخول العامل عصره اجلديد فقد تأكد عدم صواب هذه النظرة‪ .‬ومن غري‬
‫الواقعي أيضا القول بأن تقوم الدول باستغالل جزئي ملوارد منطقة ما من مناطق البحر العايل وإتاحة الفرصة بعد ذلك‬
‫للدول األخرى أن تتبعها يف هذا الصدد إذ أن ذلك متوقف على توافر الوسائل التقنية والقدرة املالية ملمارسة هذا‬
‫النوع من االستغالل وهو أمر ال يتوافر لدى كافة الدول‪ .‬وبالنظر إىل كل هذا مل جيد القانون الدويل املعاصر من حل‬
‫سوى إجياد تنظيم هلذه احلريات وحماولة إخضاعها إىل قواعد قانونية تنظم هذا االستغالل وتقرب من نسب استفادة‬
‫خمتلف الدول منه‪ .‬وتطبيقا هلذا احلل جند إحدى اتفاقيات جنيف لعام ‪ 6599‬قد تعلقت بالصيد وحماية الموارد‬
‫البيولوجية في أعالي البحار‪ ،2‬فلم تعد حرية الصيد يف أعايل البحار مطلقة كما كانت عليه يف القانون الدويل‬
‫الكالسيكي‪ ،‬بل استوجبت الظروف اجلديدة كما أشارت إىل ذلك ديباجة‪ 3‬هذه املعاهدة إىل ضرورة وضع تنظيم‬
‫دويل يعىن بتنظيم هذه احلرية‪ .‬وقد اختذت يف سبيل ذلك إجراءات دولية عديدة وحيدة اجلانب‪ ،‬ثنائية ومجاعية مثل‬
‫حتديد نسب وكميات الصيد وكمثال على ذلك مت عقد اتفاقية يف ‪ 6541‬حددت ألطرافها النسب والكميات اليت‬
‫عليهم احرتامها يف صيد احلوت مث ومبوجب اتفاق ابرم يف ‪ 9‬أكتوبر ‪ 6515‬مت إجياد ميكانيزم رقابة دولية أين مت وضع‬
‫مالحظني حياديني على ظهر سفن صيد احلوت‪.4‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حريات أعالي البحار في اتفاقية مونتيغوباي ‪.8511‬‬
‫إن التطورات اليت أعقبت مؤمتر األمم املتحدة لقانون البحار لعام ‪ ( 6599‬نشري إىل أنه قد مت عقد املؤمتر‬
‫الثاين يف ‪ 6519‬لكن اجلهود املبذولة فيه قد كللت بالفشل) قد أبرزت احلاجة إىل اتفاقية جديدة لقانون البحار‪،‬‬
‫فلقد شهدت هذه الفرتة ميالد وتطور تصفية ظاهرة االستعمار‪ ،‬وما نتج عن ذلك من تزايد أعضاء اجملتمع الدويل‪،‬‬
‫ومنه ارتفاع عدد الدول األعضاء يف منظمة األمم املتحدة الذي مل يتجاوز ‪ 96‬دولة سنة ‪ 6549‬ليصبح ‪ 691‬دولة‬

‫‪ -1‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.58-50:‬‬
‫‪ -2‬نشري على سبيل املثال هنا إىل اتفاقية ‪ 80‬فيفري ‪ 8252‬املتعلقة حبماية الصيادين يف مشال غرب األطلسي اليت سبقت اتفاقية جنيف ‪8252‬‬
‫حول الصيد ومحاية املوارد البيولوجية ألعايل البحار‪.‬‬
‫‪ -3‬جاء يف نص الديباجة ‪ " :‬إن التطور يف التقنيات احلديثة الستغالل املوارد البيولوجية البحرية‪ ،‬وارتفاع اإلمكانيات البشرية الشباع حاجات‬
‫سكان العامل املتزايدين‪ ،‬عرضت بعض هذه املوارد خلطر االستغالل مفرط‪".‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Op, p.143- 144.‬‬

‫‪883‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫سنة ‪ " 6591‬يف سنة ‪ 6519‬قبلت عضوية ‪ 61‬دولة افريقية"‪ ،‬ويف إطار موضوع حريات أعايل البحار دارت‬
‫مفاوضات مل تتوقف منذ بداية الستينات حول استغالل أعايل البحار واالستفادة من الثروات املعدنية املوجودة‬
‫بقاعها‪ ،‬وقد لعبت دول العامل الثالث دورا بالغ األمهية يف هذا اجملال‪ .‬إن ما توصلت إليه املفاوضات الدبلوماسية‬
‫بشأن قانون البحار منذ سنة ‪ 6515‬إىل عام ‪ 6591‬أدى مبؤمتر قانون البحار إىل تبين اتفاقية جديدة يف دورته‬
‫األخرية سنة ‪ ،6591‬إن نصوص االتفاقية اجلديدة تعكس مدى الصراع الكبري الذي قام بني الدول املصنعة والدول‬
‫‪1‬‬
‫النامية وما توصلت إليه هذه األخرية من نتائج ملموسة يف هذا امليدان‪.‬‬
‫بداية جتاوز النظام اجلديد التعريف الذي وضعته اتفاقية جنيف ‪ 6599‬ألعايل البحار فقد جاء يف نص املادة‬
‫‪ 91‬منه على‪ ... »:‬مجيع أجزاء البحر اليت ال تشملها املنطقة االقتصادية اخلالصة أو البحر اإلقليمي أو املياه‬
‫الداخلية لدولة ما‪ ،‬أو ال تشملها املياه األرخبيلية لدولة أرخبيلية‪« ...‬‬
‫إن هذه املادة تؤكد على أن أعايل البحار قد تقلصت مساحتها واقتطع منها ليضاف إىل جمموع اجملاالت‬
‫الدولية اليت اعرتفت هبا اتفاقيات جنيف لعام ‪ 6599‬فضاءات أخرى ويتعلق األمر هنا على وجه خاص باملنطقة‬
‫االقتصادية اخلالصة اليت أُقر للدول الساحلية فيها ببعض احلقوق السيادية حددهتا نصوص املعاهدة (املادة ‪ 99‬وما‬
‫بعدها)‪.‬‬
‫إن مبدأ حرية أعايل البحار بقي حمافظا على جوهره الرئيسي حبسب نص املادة ‪ 91‬وهو أن أعايل البحار‬
‫مفتوحة لسفن مجيع الدول مبا يف ذلك الدول احلبيسة‪ ،‬وهي حرية متارس طبقا لقواعد القانون العام‪ .‬إال‬
‫»‪ .../8‬تشتمل فيما تشتمل بالنسبة إىل كل من الدول الساحلية وغري الساحلية على‪:‬‬
‫أ) حرية املالحة‪.‬‬
‫ب) حرية التحليق‪ .‬نفس املادة عددت حريات أخرى مل تذكرها اتفاقية ‪ 0323‬ألعايل البحار حيث جاء فيها‪:‬‬
‫ج) حرية وضع الكابالت وخطوط األنابيب املغمورة‪...‬‬
‫د) حرية إقامة اجلزر االصطناعية وغريها مبوجب القانون الدويل‪...‬‬
‫ه) حرية صيد األمساك ‪...‬‬
‫و) حرية البحث العلمي‪...‬‬

‫‪ -1‬حممد بوسلطان ; محان بكاي‪ .‬القانون الدويل العام وحرب التحرير اجلزائرية‪ .‬اجلزائر‪ :‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ .8223 ،‬ص‪.50-62 :‬‬

‫‪832‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪ /1‬متارس هذه احلريات من قبل مجيع ا لدول مع إيالء املراعاة الواجبة ملصاحل الدول األخرى يف ممارستها‬
‫حلرية أعايل البحار‪ ،‬وكذلك االعتبار الواجب ملا تنص عليه هذه االتفاقية من حقوق فيما يتعلق باألنشطة يف‬
‫املنطقة‪. «.‬‬
‫إن هذه املادة تؤكد لنا أن هناك تطورا ملحوظا يف القانون الدويل يف اجتاه أكرب لتحديد مفهوم مبدأ حرية أعايل‬
‫البحار وشروط تطبيقه‪ ،1‬فإذا كانت هذه املادة ذكرت حرية املالحة والطريان دون استثناء أو قيد يف نص املادة نفسها‬
‫إال أنه ميكن القول أن حرية المالحة تتمتع هبا مجيع السفن فلها احلق يف املالحة احلرة يف أعايل البحار"املادة ‪ 59‬من‬
‫املعاهدة" من دون أن ختضع يف ذلك لغري ما تفرضه على كل منها قوانني الدول التابعة هلا من إجراءات أو شروط‪،‬‬
‫إمنا البد أن يكون لكل سفينة علم يدل على جنسيتها"املادة ‪ 56‬من املعاهدة وما يليها"‪ ،‬حىت تسهل معرفة الدولة‬
‫وإما ملطالبتها بالتعويض إذا كانت‬
‫اليت تتبعها والرجوع إليها عند االقتضاء‪ ،‬إما حلماية السفينة إذا كانت حمل اعتداء‪ّ ،‬‬
‫معتدية‪ ،2‬وال تتعارض حرية املالحة مع تنظيم بعض املسائل املتصلة هبا تنظيماً دولياً بغرض ضمان سالمة السفن‬
‫وصيانة األرواح يف البحار‪ ،‬وقد بدأ هذا التنظيم بتوافق الدول على إتباع قواعد معينة الستعمال األضواء واإلشارات‬
‫من سفن كل منها‪ ،‬وصار هناك جمموعة قواعد دولية لإلشارات تأخذ هبا الدول البحرية مجيعها‪.‬‬
‫واألمر ذاته بالنسبة حلرية التحليق أو الطريان‪ ،‬فللطائرات التابعة ألي دولة حرية الطريان‪ ،‬سواء كانت عامة أو‬
‫خاصة‪ ،‬فوق أعايل البحار وأن حتلق يف أجوائها‪ ،‬ما شاءت وعلى أي ارتفاع تستطيع الوصول إليه‪ ،‬دون أن تتقيد يف‬
‫ذلك إال بأنظمة الدولة اليت تتبعها وبتعليماهتا‪ ،‬وما تفرضه عليها االتفاقيات الدولية العامة اليت أبرمت بغرض ضمان‬
‫الطريان وسالمته‪.‬‬
‫إال أنه وإذا كان األمر كذلك بالنسبة حلرية املالحة والطريان فإنه وباإلضافة إىل أن الفقرة الثانية من املادة قد‬
‫أشارت إىل االعتبار الواجب أخذه حول النظام القانوين للمنطقة أي قاع البحار واحمليطات‪ ،‬فإن حرية وضع‬
‫الكابالت واألنابيب (اليت تقضي بأن يكون لكل دولة احلق يف مد أسالك التلغراف واهلاتف وأنابيب البرتول عرب‬
‫أعايل البحار مع احملافظة على هذه األسالك من العبث هبا أو إتالفها حسب املواد ‪ 669-661‬من اتفاقية‬
‫مونتيغوباي )‪ ،‬وكذا إقامة اجلزر االصطناعية (وغريها من املنشآت املسموح هبا مبوجب القانون الدويل العام حسب‬
‫املادة ‪ 616‬من اتفاقية مونتيغوباي) البد أن تراعي حدود اجلرف القاري‪.‬‬
‫يف حني أن حرية الصيد (وهو مباح للجميع يف أعايل البحار اعتماداً على حرية هذه البحار‪ ،‬وال حيق ألي‬
‫دولة أن متنع سفن غريها من الصيد فيما وراء مياهها اإلقليمية ومنطقتها االقتصادية اخلالصة استناداً إىل أي سبب‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Op, p.130.‬‬
‫‪ -2‬حيظر على السفن يف أعايل البحار‪ :‬أن تستعمل يف نقل الرقيق‪ ،‬أو يف أعمال القرصنة‪ ،‬أو يف االجتار غري املشروع يف املخدرات أو املواد اليت تؤثر‬
‫على العقل‪ ،‬أو يف البث اإلذاعي أو التلفزي غري املصرح به وذلك مبوجب املواد من ‪ 22‬إىل ‪ 802‬من االتفاقية‪.‬‬

‫‪830‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫وعلى سفن كل دولة عند ممارستها الصيد يف البحر العام أال تثري صعوبات يف وجه مراكب الدول األخرى اليت تقوم‬
‫بالصيد يف املنطقة نفسها‪ ،‬وأال تستخدم وسائل من شأهنا أن تؤدي إىل انقراض األمساك يف هذه املنطقة) ختضع هي‬
‫األخرى لنظام خاص وضعته املواد ‪ 619 -661‬املتعلقة حبفظ املوارد احلية ألعايل البحار‪ ،‬أما حرية البحث العلمي‬
‫فعليها أن تراعي ما يتعلق باجلرف القاري واملواد ‪ 119 -159‬احملددة للنظام القانوين للبحث العلمي البحري‪.‬‬
‫مما نراه ميكن القول أن معاهدة مونتيغوباي زادت من عدد احلريات املذكورة يف اتفاقية جنيف لعام ‪6599‬‬
‫لكنها يف نفس الوقت قيدت ممارسة كل حرية منها بنصوص حمددة ونظام معني على وجه الدقة واستعمال ال جيب أن‬
‫خيرج عن األغراض السلمية‪ 1‬لكن يف كليت املعاهدتني حنن أمام حريات مشروطة استوجب الواقع الدويل املعاصر أن‬
‫تتم ممارستها مع مراعاة تعدد االستعماالت واملستعملني‪.2‬‬

‫أخريا‪ ،‬وباإلضافة إىل كل ما جاءت به اتفاقية ‪ 6591‬البد أن نضيف أن قاع أعايل البحار مل يعد خيضع‬
‫حلرية االستغالل بل له نظام خاص به‪ ،3‬ذلك أن هذا اجلزء من أعايل البحار أو ما أطلق على تسميته املنطقة قد‬
‫عرف االهتمام الكبري وذلك يعود إىل الثروات اهلائلة اليت تزخر هبا كاحلديد‪ ،‬النحاس‪ ،‬الكوبالت‪ ،‬املنغنيز‪ ،...‬وخاصة‬
‫يف األطلسي‪ ،‬اهلادي واهلندي‪ ،‬فلقد تبني أن احمليط اهلادي وحده حيوي من النحاس ما يكفي حاجة البشرية بأكملها‬
‫من هذه املادة ملدة مخسني ألف سنة ومن الكوبالت ملدة مائيت ألف سنة ومن املنغنيز ملدة أربع مائة ألف سنة‪.4‬‬
‫ويف هذا الصدد اعتربت اتفاقية قانون البحار اجلديدة كل ما يقع خارج االختصاص اإلقليمي الوطين جملموع‬
‫الدول من قاع البحار واحمليطات وباطنها‪ ،‬ملكا مشرتكا جلميع الدول أو "‪ "Res communis‬أو كما اصطلح على‬
‫تسميته اإلرث المشتـرك لإلنسـانيـة »‪.»patrimoine commun de l’humanité‬‬

‫ولقد كان خوف اجملموعة الدولية على مصاحلها السبب الرئيسي لتدخلها قبل أن تربم هذه االتفاقية عن طريق‬
‫اجلمعية العامة لألمم املتحدة سنة ‪ ،6519‬للفصل يف ذلك‪ ،‬حماولة وضع حد لزحف االختصاص الوطين‪ ،‬وينص‬
‫اإلعالن ‪ (xxv) 1145‬الصادر يف ‪ 61‬ديسمرب ‪ 6519‬يف فقراته األوىل اليت حتدد مبادئه األساسية على ما يلي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- M.Mehdi, L’affectation des espaces nouveaux à des fins pacifiques, article exposée dans le‬‬
‫‪colloque‬‬ ‫‪d’université d’Oran sur les espaces nouveaux et le Droit international,‬‬
‫‪11-13 décembre 1986, office des‬‬ ‫‪publications universitaire, Algérie, 1986, p. 231.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Op, p.130.‬‬
‫‪ -3‬حممد بوسلطان‪ .‬مبادئ القانون الدويل العام‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.852.‬‬
‫‪ -4‬خري الدين مشامة‪ .‬العالقات اإلسرتاتيجية بني قوى املستقبل‪ ،‬دراسة آلفاق القرن ‪ ،88‬من حدود القانون الدويل إىل جماهل النظام العاملي اجلديد‪.‬‬
‫حبث مقدم لنيل شهادة دكتوراه دولة يف القانون‪ .‬اجلزائر‪ :‬جامعة اإلخوة منتوري قسنطينة‪ .8005/8005 ،‬ص‪.55.‬‬

‫‪830‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫» ‪ /8‬قاع البحار واحمليطات وجوفها وراء حدود االختصاص الوطين‪ ،‬مبا يف ذلك من ثروات طبيعية تعترب إرثا‬
‫مشرتكا لإلنسانية‪.1‬‬
‫‪ /1‬ال ميكن امتالك هذه املنطقة بأية وسيلة من طرف الدول أو األشخاص‪ ،‬طبيعية كانت أو معنوية‪ ،‬وال‬
‫ميكن للدول املطالبة بالسيادة أو حقوق سيادية‪ ،‬أو ممارسة ذلك على أي جزء من هذه املنطقة‪.‬‬
‫‪ /5‬ال ميكن للدول أو األشخاص ‪ ...‬املطالبة بالسيادة أو احلصول على حقوق غري متالئمة مع التنظيم الدويل‬
‫الذي سيوضع طبقا ملبادئ هذا اإلعالن بالنسبة للمنطقة ومواردها «‬
‫هذه املبادئ وغريها‪ ،‬أعلنت حتت ضغط سياسي من قبل دول العامل الثالث اليت كانت آنذاك يف أوج تالمحها‬
‫السياسي يف األمم املتحدة‪ 2‬وهي حجر أساس اجلزء احلادي عشر من االتفاقية هذا اجلزء الذي نال القسط األكرب من‬
‫املفاوضات اليت سبقت إبرام املعاهدة‪ .‬ولعل أهم ما ميكن اإلشارة إليه مما جاء يف هذه املعاهدة النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أكدت ديباجة االتفاقية ع لى أن تلك األهداف النبيلة اليت تسعى الدول إىل حتقيقها من خالل االتفاقية مثل‬
‫محاية البيئة البحرية‪ ،‬استخدام أعايل البحار واحمليطات لألغراض السلمية والتوزيع العادل ملواردها‪ ،‬تندرج ضمن وعي‬
‫مجيع الدول بأن بلوغ هذه األهداف سيساهم يف يف حتقيق نظام اقتصادي دويل عادل ومنصف يراعي مصاحل‬
‫واحتياجات اإلنسانية مجعاء‪ ،‬السيما املصاحل واالحتياجات اخلاصة للبلدان النامية‪ ،‬ساحلية كانت أو غري ساحلية‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد حقوق والتزامات أطراف االتفاقية كحرية املالحة‪ ،‬التحليق فوق املنطقة‪ ،‬إقامة األسالك واألنابيب‪،...‬‬
‫ولكن مع األخذ بعني االعتبار مصاحل الدول األخرى وكذا احلقوق املعرتف هبا من االتفاقية فيما يتعلق باألنشطة‬
‫املباشرة يف املنطقة‪.‬‬
‫‪ -‬استحالة إخضاع أي جزء من املنطقة للسيادة الوطنية‪.‬‬
‫‪ -‬ممارسة األنشطة يف منطقة أعايل البحار واحمليطات لصاحل اإلنسانية مجعاء مع إعطاء أمهية خاصة ملصاحل‬
‫وحاجيات الدول النامية وتلك اليت مل تستقل بعد (املادة ‪ 649‬من املعاهدة ف‪.)6‬‬
‫‪ -‬تقسيم الفوائد املالية واالقتصادية ملنطقة أعايل البحار واحمليطات بعدالة بني مجيع الدول‪ ،‬وذلك مهما كانت‬
‫اآللية املختارة ألداء املهمة (املادة ‪ 649‬من املعاهدة ف‪.3)1‬‬
‫بعد استعراض ما سبق البد لنا من إبداء املالحظات التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬جاء النص على مبدأ اإلرث املشرتك لإلنسانية يف املادة ‪ 863‬من اتفاقية قانون البحار لعام ‪.8228‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Philip (RICHARD) Pays du tiers monde et gestion des espaces stratégiques, article exposée‬‬
‫‪dans le colloque‬‬ ‫‪d’université d’Oran sur les espaces nouveaux et le Droit international, Op.‬‬
‫‪p.245.‬‬
‫‪ -3‬خري الدين مشامة‪ .‬العالقات اإلسرتاتيجية بني قوى املستقبل‪ ،‬دراسة آلفاق القرن ‪ ،88‬من حدود القانون الدويل إىل جماهل النظام‬
‫العاملي اجلديد‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.55.‬‬

‫‪838‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪ -‬تتعلق األوىل بصعوبة االستفادة من اعتبار أعايل البحار واحمليطات تراثا مشرتكا لإلنسانية مجعاء‪ ،‬فصحيح أن‬
‫ذلك املبدأ ميثل تقدما هائال من الناحية القانونية‪ ،‬فقد جنم عن ذلك رفض كل ادعاء بالتملك أو االستيالء على‬
‫أي جزء من تلك املنطقة وضرورة توزيع عائداهتا بالعدل على كافة الدول‪ ،‬مهما كان موقعها اجلغرايف وكذا إعطاء‬
‫أمهية خاصة ملصاحل الدول النامية‪ ،‬كل ذلك كان بإمكانه أن جيعل املبدأ املشار إليه متماشيا مع أهداف النظام‬
‫االقتصادي الدويل اجلديد الذي طالبت به الدول النامية‪.‬‬
‫انطالقا مما سبق ذكره‪ ،‬رحب بعض الفقهاء باملبدأ املذكور‪ ،‬فاجلزائري عمر سعد اهلل يرى أن ذلك املبدأ‬
‫خيتلف عن فكرة املال املشرتك‪ ،‬ذلك املفهوم القدمي الذي "ال يلتفت إىل القدرات احلقيقية لكل دولة يف جمال‬
‫استكشاف واستغالل أعايل البحار"‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪" :‬هناك قبول عاملي ملفهوم الرتاث املشرتك لإلنسانية حىت‬
‫من قبل الفقه الدويل‪ ،‬سيما وأنه يقوم على توزيع احلقوق والواجبات على الدول توزيعا واضحا‪ ،‬منصفا وآخذا بعني‬
‫االعتبار عدم التكافؤ الذي تستحق الدول النامية التعويض عنه"‪.‬‬
‫يف حني ذهب جانب آخر من الفقه ورغم تسليمه بأمهية ذلك املبدأ لو طبق بصورة صحيحة‪ ،‬إىل إبداء الكثري من‬
‫املخاوف وذلك ألسباب عديدة‪.‬‬
‫لقد انتهى األستاذ جميد بن الشيخ الذي انطلق من الواقع القانوين املعاصر‪ ،‬إىل التسليم بأنه " من مجيع‬
‫الوجوه‪ ،‬يبدو النظر إىل مفهوم الرتاث املشرتك لإلنسانية مجعاء كوسيلة للتنمية االقتصادية واالجتماعية للدول النامية‬
‫صعب جدا‪ ،‬إذا ما نظرنا إليه منغمسا يف عالقات وتقنيات القانون الدويل احلايل"‪ .1‬فمن املؤكد أن حالة الالمساواة‬
‫الصارخة بني الدول الكربى والصغرى ستنزع السلطة احلقيقية من يد "السلطة الدولية" ليستويل عليها الكبار من‬
‫خالل مؤسساهتم املتعددة اجلنسيات‪ .‬ذلك ما حدث بالفعل حيث رفضت الدول املتقدمة التصديق على اتفاقية‬
‫‪ 0330‬وذلك بسبب اعرتاضها على النظام القانوين ألعماق أعايل البحار الذي جاء يف اجلزء احلادي عشر منها‪.‬‬
‫لقد رأت أن هذا األخري ال يتالءم مع مبادئ اقتصاد السوق‪ ،‬وجيعل تكلفة املؤسسات باهضة جدا كما يقيم‬
‫اختالال يف التوازن بالنسبة إىل سلطة اختاذ القرارات لصاحل البلدان النامية‪ ،‬كل ذلك أدى يف هناية املطاف إىل تعديل‬
‫الفصل املشار إليه يف ‪.20333‬‬
‫إن اكتشاف واستغالل أعماق أعايل البحار اليت هي حرية من احلريات اليت تتمتع هبا الدول يف هذا اجلزء من‬
‫الفضاءات البحرية أم يتطلب تكنولوجيا راقية جدا‪ ،‬ال متلكها سوى الشركات العمالقة التابعة إىل الدول الكربى‪.‬‬
‫وإذا كانت مهام السلطة الدولية مراقبة حرية وامتيازات االستكشاف واالستغالل لكن السؤال املطروح هو‪ :‬هل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mohammed Abdelwahab BEKHECHI, Op, p.150.‬‬
‫‪ -2‬وذلك مبوجب االتفاق املتعلق بتنفيذ اجلزء احلادي عشر من اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار املؤرخة ‪ 80‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪.8228‬‬
‫نيويورك‪ 82 ،‬متوز‪/‬يوليه ‪.8225‬‬

‫‪833‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫ستشغل هذه األخرية نفسها بالدفاع عن مصاحل الفقراء أم الدول الغنية‪ ،‬اليت ال تعدو أن تكون وسيلة يف يدها؟ كل‬
‫ذلك من شأنه أن يقلب املبدأ السابق الذكر إىل جمرد تقسيم ألعايل البحار واحمليطات‪ .‬ولقد بدأت عالمات ذلك‬
‫التقسيم تلوح منذ سنوات‪ .‬فقد شرعت اللجنة التحضريية خالل هذه املرحلة االنتقالية مبنح شهادات استغالل‬
‫للمستثمرين الرواد‪ ،‬ويعت رب مستثمرا رائدا كل من استثمر ثالثني مليون دوالر كحد أدىن قبل الفاتح من جانفي‬
‫‪ 0338‬أو ‪ 0332‬بالنسبة للبلدان النامية‪ .‬ومبجرد احلصول على هذا الوصف‪ ،‬يبدأ التوزيع‪ ،‬فلقد استتبع حصول‬
‫فرنسا عليه يف ‪ 0333‬منحها موقع استغالل باحمليط اهلادي يقدر خبمسة وسبعني ألف كيلومرت مربع‪.1‬‬
‫‪ -‬أما املالحظة الثانية فتخص االستفادة من تلك املساواة املزعومة بني كافة الدول مهما كان موقعها اجلغرايف‪،‬‬
‫وهنا الحظت جلنة االستخدامات السلمية لقاع البحار واحمليطات أن املساواة العادية ال تكتفي ملراعاة مصاحل‬
‫الدول النامية‪ ،‬فلقد جاء يف تقريرها املقدم إىل الدورة الرابعة والعشرين للجمعية العامة لألمم املتحدة ما يلي‪ " :‬إن‬
‫حاجيات ومصاحل الدول النامية اليت متثل عنصرا جوهريا يف ذلك النظام‪ ،‬تتطلب ليس املساواة العادية يف احلظوظ‪،‬‬
‫بل إن التقسيم الفعلي للمزايا النامجة عن استكشاف واستغالل موارد أعماق أعايل البحار"‪.‬‬
‫‪ -‬أيضا‪ ،‬نالحظ غياب اإلرادة احلسنة للدول الكربى لتنفيذ مجيع الرتتيبات اليت جاءت هبا االتفاقية‪ ،‬وإال كيف‬
‫نفسر حماوالهتا إلجهاض االتفاقية بإصدار تشريعات وطنية (القانون األمريكي جوان ‪ ،0332‬األملاين سبتمرب‬
‫‪ ،0332‬الربيطاين سبتمرب ‪ ،0332‬والفرنسي ديسمرب ‪ )0330‬حتدد اإلطار القانوين لشركاهتا ومواطنيها للشروع‬
‫يف استغالل املنطقة الدولية أثناء سري املفاوضات اخلاصة باتفاقية قانون البحار؟‪.‬‬

‫‪ -‬أخريا جتدر اإلشارة إىل صعوبة استنفاع البلدان الصغرى من حرية الوصول إىل أعماق أعايل البحار واحمليطات‪ ،‬مبا‬
‫يف ذلك حرية التحليق واملالحة وبناء اجلزر االصطناعية‪ ،...‬فهي يف احلقيقة جمرد حريات مزعومة ختفي بصورة سيئة‬
‫تفوق عالقات السيطرة‪ ،‬فاحلرية من أكثر احلقوق اتصاال باإلمكانات اليت يتمتع هبا املعين باألمر‪ ،‬لذلك ليس من‬
‫الغريب أن يطرح البعض التساؤل حول مضمون بعض هذه احلريات قائال‪ :‬ماذا تعين حرية التجارة‪ ،‬وحرية املالحة‪...‬‬
‫وغريمها بالنسبة إىل الدول النامية اليت ال تتحكم يف مواصالهتا ويف أنشطتها االقتصادية؟ وميكننا احلصول على جزء‬
‫من اإلجابة عن االستفسار السابق من خالل التساؤل التايل‪ :‬من املنتفع من حرية البحار‪ ،‬إن مل يكن أولئك الذين‬
‫ميلكون الوس ائل الالزمة الستعماهلا واستغالهلا أو القوى الرأمسالية؟ فحىت لو افرتضنا أن الدول النامية متلك بعض‬
‫تلك املبالغ الطائلة الضرورية يف هذا االستغالل فأين هي التكنولوجيا املتقدمة جدا اليت يتطلبها التعامل مع أعماق‬
‫‪2‬‬
‫أعايل البحار واحمليطات؟ أكيد أهنا حكر للقوى االقتصادية دون غريها‪.‬‬

‫‪ -1‬خري الدين مشامة‪ .‬العالقات اإلسرتاتيجية بني قوى املستقبل‪ ،‬دراسة آلفاق القرن ‪ .88‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.55.‬‬
‫‪ -2‬خري الدين مشامة‪ .‬العالقات اإلسرتاتيجية بني قوى القانون الدويل إىل جماهل النظام العاملي اجلديد‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص‪.53 -53:‬‬

‫‪832‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫خـاتـمـ ـ ـ ــة‪:‬‬
‫لقد كانت أعايل البحار وال تزال أعظم اجملاالت اليت يدرك العامل فوائدها وحاجته إليها‪ ،‬ويف سبيل إجياد‬
‫حلول مناسبة لطرق استغالهلا‪ ،‬حبيث تتفادى اجملموعة الدولية ما قد ينجم عن هذا االستغالل واالستعمال من‬
‫منازعات هي يف غىن عنها‪ ،‬أعلن القانون الدويل التقليدي ميالد فكرة حرية أعايل البحار‪ ،‬وما إن مت ذلك بدأ‬
‫االعرتاف هبا على املستوى الدويل لتتحول مع منتصف القرن التاسع عشر من جمرد فكرة نادى هبا كبار فقهاء القانون‬
‫الدويل إىل قاعدة من قواعد القانون الدويل التقليدي العرفية املسلم هبا عاملياً‪ .‬وقد ظلت هذه القاعدة مع كل ما‬
‫تضمنته من حريات يف ظل القانون الدويل الكالسيكي مطلقة‪ ،‬حيث مل تكن حتد الدول يف ممارستها أي حدود‪ ،‬كما‬
‫أهنا مشلت كل أنواع املمارسات اليت ميكن للدول القيام هبا مبا يف ذلك حرية استعمال أعايل البحار ألغراض غري‬
‫سلمية‪.‬‬
‫ومع دخول القانون الدويل عصره احلايل‪ ،‬مل جتد الدول أمامها من سبيل إال تنظيم هذه احلريات‪ ،‬ومن هنا‬
‫عاجلت هذا التنظيم بصفة عامة على مرحلتني رئيسيتني‪ ،‬جاءت األوىل ختاما للمؤمتر األول لقانون البحار ‪6599‬‬
‫بإبرام اتفاقيا ت جنيف األربعة السيما اتفاقية أعايل البحار أين ذكرت أربع حريات على سبيل املثال وتركت اجملال‬
‫مفتوحا لكل احلريات اليت تعرتف هبا مبادئ القانون الدويل الذي يضع حدود ممارستها‪.‬‬
‫أما الثانية فتوجت املؤمتر الثالث لقانون البحار املنعقد مبونتيغوباي يف ‪ ،0330‬أين عرف قانون البحار بصفة‬
‫عامة وأعايل البحار بصفة خاصة مرحلته األكرب يف اجتاه التنظيم والتقنني فباإلضافة إىل اقتطاع أجزاء من أعايل‬
‫البحار وإخضاعها حلقوق سيادية للدول الساحلية والنص على حريات أخرى مل تذكرها اتفاقيات ‪ 0323‬استدعتها‬
‫ظروف التطور واحلاجة‪ ،‬تأكد االعرتاف مببدأ‪ :‬أعايل البحار وقاعها وباطنها هي تراث مشرتك لإلنسانية‪ ،‬مبدأ‬
‫حيكمه نظام حمدد ودقيق ال ميكن إال أن يكون لألغراض السلمية وليس للدول سوى إتباعه واحرتامه‪ .‬فأعايل البحار‬
‫مل تعد تلك املنطقة احلرة اليت للدول استعماهلا واستغالهلا والتمتع فيها بكل احلريات املمكنة‪ ،‬بل أصبحت ختضع‬
‫أكثر فأكثر ويوما بعد يوم إىل قيود وأنظمة تعدى فيها جمرد التفكري يف االستغالل اآلين هلا إىل التفكري يف حقوق‬
‫األجيال القادمة بعد أن تأكد العامل أن مواردها ثروة مآهلا الزوال‪.‬‬
‫قـ ـ ـ ـائمة المراجع‬
‫‌أ‪ .‬باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ /8‬الكتب‪:‬‬
‫‪ .8‬الفتالوي سهيل حسني‪ .‬القانون الدولي للبحار‪ .‬ط‪ .8.‬األردن‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪.1005 ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ .1‬عمر سعد اهلل‪ .‬معجم في القانون الدولي المعاصر‪ .‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪1991 ،‬‬
‫‪ .5‬حممد بوسلطان‪ .‬فعالية المعاهدات الدولية‪ .‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪.6559 ،‬‬

‫‪833‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬
‫جملة الدراسات القانونية و السياسية – العدد ‪ 20‬جوان ‪0202‬‬
‫تطور حري ــة أعالــي البحــار في ضوء أحكام القانون الدولي‬
‫‪ .4‬حممد بوسلطان‪ .‬مبادئ القانون الدولي العام‪.‬ج‪ ،6‬ط‪ .4.‬اجلزائر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪.1999 ،‬‬
‫‪ .9‬حممد بوسلطان‪ ،‬محان بكاي‪ .‬القانون الدولي العام وحرب التحرير الجزائرية‪ .‬اجلزائر‪ :‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪.6591 ،‬‬
‫‪/1‬الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫‪ .8‬محادو اهلامشي‪ .‬السلطة الدولية ودورها يف استغالل واستكشاف موارد املنطقة‪ .‬رسالة مقدمة لنيل شهادة‬
‫الماجستير‪ .‬جامعة اجلزائر‪ :‬كلية احلقوق‪.8511 ،‬‬
‫‪ .1‬خري الدين مشامة‪ .‬العالقات اإلسرتاتيجية بني قوى املستقبل‪ ،‬دراسة آلفاق القرن ‪ ،18‬من حدود القانون الدويل إىل‬
‫جماهل النظام العاملي اجلديد‪ .‬بحث مقدم لنيل شهادة دكتوراه دولة في القانون‪ .‬اجلزائر‪ :‬جامعة اإلخوة منتوري‬
‫قسنطينة‪.1009/1002 ،‬‬
‫‪ /3‬المعاهدات والمواثيق الدولية‪:‬‬
‫‪ -0‬اتفاقية البحر اإلقليمي واملنطقة املتامخة‪ .‬جنيف‪ 03 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.0323‬‬
‫‪ -0‬اتفاقية أعايل البحار‪ .‬جنيف‪ 03 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.0323‬‬
‫‪ -8‬اتفاقية صيد األمساك وحفظ املوارد احلية يف أعايل البحار‪ .‬جنيف‪ 03 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.0323‬‬
‫‪ -3‬اتفاقية اجلرف القاري‪ .‬جنيف‪ 03 ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.0323‬‬
‫‪ -3‬اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار‪ .‬مونتيغو باي‪ ،‬يف ‪ 02‬كانون األول‪/‬ديسمرب ‪.0330‬‬
‫‪ -3‬االتفاق املتعلق بتنفيذ اجلزء احلادي عشر من اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار املؤرخة ‪ 02‬كانون‬
‫األول‪/‬ديسمرب ‪ .0330‬نيويورك‪ 03 ،‬متوز‪/‬يوليه ‪.0333‬‬
‫‪ -3‬قرار اجلمعية العامة املتضمن اإلعالن ‪ (xxv) 0333‬الصادر يف ‪ 03‬ديسمرب ‪ 0332‬واملتعلق باملبادئ اليت حتكم‬
‫قاع وباطن البحار واحمليطات خارج السيادة اإلقليمية للدول‪.‬‬
‫ب‪ .‬باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‌‬
‫‪1/ ouvrages et thèses :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Mohammed Abdelwahab BEKHECHI , Droit international public avec références à la‬‬
‫‪pratique algérienne « territoire et espaces » , Office des publications universitaires,‬‬
‫‪Algérie, 1987.‬‬
‫‪ M. DAHMANI, The fisheries regime of the exclusive economic zone: A study of‬‬
‫‪recent developments in the international law of fisheries, thesis submitted to the‬‬
‫‪university of Wales in candidacy for the degree of Doctor of Philosophy, 1983.‬‬
‫‪2/ articles:‬‬
‫‪ M. Mehdi, L’affectation des espaces nouveaux à des fins pacifiques, article exposée‬‬
‫‪dans le colloque d’université d’Oran sur les espaces nouveaux et le Droit international,‬‬
‫‪11-13 décembre 1986, office des publications universitaire, Algérie, 1986.‬‬
‫‪ Philip RICHARD, Pays du tiers monde et gestion des espaces stratégiques, article‬‬
‫‪exposée dans le colloque d’université d’Oran sur les espaces nouveaux et le Droit‬‬
‫‪international, 11-13 décembre 1986, office des publications universitaire, Algérie,‬‬
‫‪1986.‬‬
‫‪833‬‬

‫مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في مج ال العلوم القانونية والسياسية تصدر عن كليـة الحقـوق والعلوم السياسية جامعة عمار ثليجي باألغواط‬

You might also like