‫أصباغ الشعور‬

‫الطالب محمد نور عكاشة‬

‫تعريف الصبغ ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لغة‬ ‫‪‬‬

‫َأصباغٌ‬
‫والص ْب ُغ المصدر والجمع ْ‬ ‫صبَ ُغ به و ُتلَ َّو ُن به الثياب َّ‬
‫والص ْبغةُ ما يُ ْ‬
‫والصباغُ ِّ‬
‫والص ْب ُغ ِّ‬
‫قال ابن منظور ‪ِّ " :‬‬
‫صبِغَ ْ‬ ‫والصباغُ معالِج الصب ِغ ِ‬
‫صبَّغةٌ ِإذا ُ‬ ‫وَأصبِغةٌ ْ‬
‫واصطَبَ َغ اتَّ َخ َذ ِّ‬
‫‪1‬‬
‫ِّد للكثرة"‬
‫ت ُشد َ‬ ‫وثياب ُم َ‬
‫ٌ‬ ‫الصباغةُ‬
‫وح ْرفته ِّ‬ ‫الص ْب َغ ِّ ُ ُ ّ ْ‬ ‫ْ‬

‫اصطالحا ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫والذي قصد هنا هو عبارة عن ما يغرّي به لون الشعور من حنّاء وكتم وحنومها‪ .2‬وممكن أن نقسم هذه األحكام من‬
‫حيثية اللون@ ‪ ،‬أو املشروعية أو املكونات ‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬حكم الصبغ من حيثية اللون‬

‫وفيه أربعة فروع‬

‫الفرع األول ‪ :‬صبغ الشعر للرجل‬

‫وإذا ك@@ان للرج@@ل فننظ@@ر يف لون@@ه ‪ ،‬إذا ص@@بغه بل@@ون الس@@واد فيح@@رم على األص@ح وه@@و املخت@ار عن@@د الن@@واوي وقي@@ل‬ ‫‪.1‬‬
‫يكره وهذا يف حق غري اجملاهد وأما للمجاهد فاتفقوا على جوازه ‪.‬‬
‫النصوص ‪:‬‬
‫قال اإلمام النواوي يف اجملموع (فرع) اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد‪ ،‬ثم قال‬ ‫‪‬‬
‫الغزالي في االحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من االصحاب هو مكروه‪ :‬وظاهر‬
‫عباراتهم انه كراهة تنزيه‪ :‬والصحيح بل الصواب انه حرام‪ :‬وممن صرح بتحريمه‬
‫صاحب الحاوي في باب الصالة بالنجاسة‪ :‬قال اال أن يكون في الجهاد‪ :‬وقال في آخر‬

‫‪ 1‬لسان العرب‪.‬‬
‫‪ 2‬الموسوعة الفقهية الكويتية (‪.)2/656‬‬

‫‪1‬‬
‫كتابه االحكام السلطانية يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد اال المجاهد‪....‬‬
‫"‪. 1‬‬
‫وذكر يف شرح النواوي على املسلم ‪ " :‬ومذهبنا يحرم خضابه بالسواد على األصح وقيل ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫يكره كراهة تنزيه والمختار التحريم لقوله صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬واجتنبوا? السواد )‬
‫هذا مذهبنا" ‪.2‬‬
‫قال اإلمام الرملي يف غاية البيان ‪ ( " :‬وحرموا خضاب شعر بسواد لرجل وامرأة ) أي يحرم‬ ‫‪‬‬
‫خضاب شعر أبيض من رأس رجل أو امرأة أو لحية رجل بالسواد لخبر أبي داود‬
‫والنسائي وابن حيان في صحيحه والحاكم عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪( :‬يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام ال يريحون‬
‫رائحة الجنة ‪( ....‬ال للجهاد ) أي يجوز خضب الشعر األبيض بالسواد ألجل الجهاد لما‬
‫فيه من إرهاب العدو وخرج بالسواد خضبه بغيره كالحناء فال يحرم بل هو سنة للذكر‬
‫واألنثى" ‪. 3‬‬
‫ونقل الشرواين عن فتاوى السيوطي "خاتمة‪ :‬يسن لكل أحد من الناس أن يخضب الشعر‬ ‫‪‬‬
‫الشائب بالحمرة والصفرة وهو بالسواد حرام إال لمجاهد في الكفار فال بأس به"‪ .4‬مث قال ‪:‬‬

‫" قال ع ش قوله وهو بالسواد حرام أي للرجل والمرأة كما شمله إطالقه وقوله إال‬
‫لمجاهد أي بالنسبة للرجل فقط وقوله حرام أي ولو بعد الموت كذا في شرح بافضل‬
‫للشارح‪.5" .‬‬

‫خضاب الشعر للرجل بغير السواد ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬

‫فيجوز بل يسن إذا كان باحلناء ‪:‬‬

‫نقل الشرواين عن فتاوى السيوطي ‪ " :‬خضاب الشعر من الرأس واللحية بالحناء جائز‬ ‫‪‬‬

‫للرجل بل سنة صرح به النووي في شرح المهذب نقال عن اتفاق أصحابنا"‪.6‬‬

‫قال اإلمام النواوي يف اجملموع ‪" :‬يسن خضاب الشيب بصفرة أو حمرة اتفق عليه أصحابنا‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫وممن صرح به الصيمري والبغوي وآخرون لألحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك‪:‬‬
‫منها حديث أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال إن‬
‫اليهود والنصارى ال يصبغون فخالفوهم رواه البخاري ومسلم "‪.7‬‬

‫النواوي ‪ :‬المجموع (‪. )1/162‬‬ ‫‪1‬‬

‫النواوي شرح مسلم (‪.)14/69‬‬ ‫‪2‬‬

‫الرملي ‪ :‬غاية البيان (ص ‪.)62 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫الشرواني ‪ :‬حاشية على تحفة (‪. )12/302‬‬ ‫‪4‬‬

‫الشرواني ‪ :‬حاشية على تحفة (‪. )12/303‬‬ ‫‪5‬‬

‫الشرواني ‪ :‬حاشية على تحفة (‪. )5/103‬‬ ‫‪6‬‬

‫النواوي ‪ :‬المجموع (‪. )1/162‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪2‬‬
‫وذكر يف شرح النواوي على املسلم ‪ " :‬ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة‬ ‫‪‬‬
‫بصفرة أو حمرة"‪.1‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬صبغ الشعر للمرأة‬

‫بالسواد‬ ‫‪.1‬‬

‫إذا ك ان بإذن زوجه ا أو سيدها فيج@@وز الص@@بغ للم@@رأة عن@@د اإلم@@ام الش@@هاب ال@@رملي وتبع@@ه ابن@@ه ‪ ،‬وجيوز أيض @اً عن@@د‬
‫إس @@حاق بن رهوي @@ه لغ @@رض ال @@تزيني لزوجه @@ا ‪ .‬ولكن ذك @@ر الش @@يخ اإلس @@الم يف األس @@ىن عن اجملم @@وع على ع @@دم اجلواز‬
‫مطلقاً‬

‫قال اإلمام الرملي يف غاية البيان ‪ ( " :‬وحرموا خضاب شعر بسواد لرجل وامرأة ) أي‬ ‫‪‬‬

‫يحرم خضاب شعر أبيض من رأس رجل أو امرأة أو لحية رجل بالسواد‪ ...‬نعم‬
‫يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أو سيدها ألن له غرضا في تزيينها به وقد أذن لها‬
‫فيه" ‪. 2‬‬
‫ونقل عبد احلميد عن حاشية الكردي ‪ ":‬قال الكردي في حاشيته قوله ويحرم تسويد‬ ‫‪‬‬
‫الشيب ولو للمرأة الخ كذا في األسنى عن المجموع لكن قال الشهاب الرملي في‬
‫شرح الزبد يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أو سيدها الن له غرضا في تزيينها به‬
‫وقد أذن لها فيه انتهى ومثله عبارة ابنه في شرح الزبد" ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال اإلمام النواوي يف اجملموع ‪ " :‬اتفقوا? على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد‪ ...‬وال‬ ‫‪‬‬
‫فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة هذا مذهبنا‪ ..‬وحكي عن‬
‫‪4‬‬
‫اسحق بن راهوية انه رخص فيه للمرأة تتزين به لزوجها وهللا أعلم" "‬
‫وقال الشيخ االسالم يف األسىن ‪ ( " :‬وهو بالسواد حرام ) ‪ ....‬وعبر مع هذا في األصل‬ ‫‪‬‬
‫عن الغزالي بالكراهة ‪ ،‬وكذا عبر بها في المجموع ‪ ،‬ولعل مراده كراهة التحريم قال‬
‫‪5‬‬
‫‪ :‬ولم يفرقوا فيه بين الرجل والمرأة "‬

‫النواوي شرح مسلم (‪.)14/69‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرملي ‪ :‬غاية البيان (ص ‪.)62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشرواني ‪ :‬حاشية على تحفة (‪. )12/303‬‬ ‫‪3‬‬

‫النواوي ‪ :‬المجموع (‪. )1/162‬‬ ‫‪4‬‬

‫األنصاري ‪ :‬أسنى المطالب (‪ ، )3/368‬ولكن ذكر في باب الش;;روط الص;الة ‪ ( " :‬ف??رع وص??ل الش??عر ) من اآلدمي ( بش??عر نجس ‪ ،‬أو‬ ‫‪5‬‬

‫شعر آدمي حرام ) مطلقا للخبر السابق وللتغرير وللتعرض للتهمة ؛ وألنه في األول مس??تعمل للنجس العي??ني في بدن??ه كاإلده??ان بنجس واالمتش??اط‬
‫بعاج مع رطوبة وأما في الث?اني فألن??ه يح?رم االنتف??اع ب??ه وبس??ائر أج?زاء اآلدمي لكرامت??ه ( وك?ذا ش?عر غيرهم??ا و ) يح?رم ( تجعي??ده ) أي الش??عر‬
‫( ووشر األسنان ) أي تحديدها وترقيقها للتغرير وللتعرض للتهم??ة فيهم??ا وللخ??بر الس??ابق في الث??اني ( ‪ ،‬والخض??اب بالس??واد ( وتحم??ير الوجن??ة )‬
‫بالحناء ‪ ،‬أو نحوه ( وتطريف األصابع ) به مع السواد للتعرض للتهمة ( إال بإذن زوج أو سيد ) لها في جميع ما ذكر بع??د قول??ه ح??رام فيج??وز له??ا‬
‫ذلك ؛ ألن له غرضا في تزينها له ‪ ،‬وقد أذن لها فيه " أسنى المطالب (‪.)1/491‬‬

‫‪3‬‬
‫وذكر يف كتاب إمثد العينني يف بعض اختالف الشيخني ‪ ":‬يحرم تسويد الشيب ولو المرأة‬ ‫‪‬‬
‫كم?ا في الش?رح‪ 1‬وغ?يره لكن ق?ال الش?هاب م ر في ش?رح الزب?د وتبع?ه ابن?ه في ش?رحها‬
‫يجوز لها بإذن حليلها " ‪.2‬‬
‫وقال ابن حجر يف املنهج القومي ‪ " :‬وأن يخضب الشيب بحمرة أو صفرة لالتباع ‪ ،‬ويحرم‬ ‫‪‬‬
‫بالس?واد إال إلره?اب الكف?ار كغ?از" ‪ ، 3‬وق @@ال الرتمس @@ي يف ش @@رح ه @@ذه العب @@ارة ‪(" :‬إال‬
‫إلرهاب الكفار كغاز) فإنه يجوز له خضب الشعر األبيض بالسواد ؛ ألجل الجهاد ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫وسواء في حرمة الخضب الذكر واألنثى "‬

‫بغير السواد‬ ‫‪.2‬‬

‫أما بغري السواد فتسن‬

‫قال اإلمام النواوي يف شرحه على املسلم ‪ " :‬ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل‬ ‫‪‬‬
‫والمرأة بصفرة أو حمرة "‪. 5‬‬
‫وقال الرملي يف شرح غاية البيان ‪ " :‬وخرج بالسواد خضبه بغيره كالحناء فال يحرم بل هو‬ ‫‪‬‬
‫سنة للذكر واألنثى" ‪. 6‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬صبغ الشعر للخنثى‬

‫قال اإلمام الرملي يف غاية البيان ‪" :‬‬ ‫فحكمه كالرجل والمرأة بمعنى إذا مال إلى الرجل فكالرجل وإال فكالمرأة‬

‫( وحرموا خضاب شعر بسواد لرجل وامرأة ) أي يحرم خضاب شعر أبيض من رأس رجل أو‬
‫امرأة أو لحية رجل بالسواد لخبر أبي داود والنسائي وابن حيان في صحيحه والحاكم عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪( :‬يكون قوم يخضبون في آخر الزمان‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالسواد كحواصل الحمام ال يريحون رائحة الجنة) وكالرجل والمرأة الخنثى "‬

‫‪ 1‬ذكر اإلمام باصبرين في مقدمته ‪ " :‬واعلم أنه متى قيل عند حج فالرملي مخاف له ‪ ،‬ومتى قيل عند (م ر ) فـ (حج ) مخالف له ‪ ....‬والمراد‬
‫برمز (الشرح) شرح ابن حجر على منهج القويم" اهـ بالتصرف ‪ ،‬إثمد العينين في بعض اختالف الشيخين (ص‪. )478:‬‬
‫إثمد العينين في بعض اختالف الشيخين (ص‪. )432:‬‬ ‫‪2‬‬

‫المنهج القويم ( ص‪.)76 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫حاشية الترمسي المنهل العميم على المنهج القويم (‪.)1/418‬‬ ‫‪4‬‬

‫النواوي شرح مسلم (‪.)14/69‬‬ ‫‪5‬‬

‫الرملي ‪ :‬غاية البيان (ص ‪.)62 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫الرملي ‪ :‬غاية البيان (ص ‪.)62 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪4‬‬
 ‫الفرع الرابع ‪ :‬صبغ الشعر للصغير والصغيرة‬
‫ويف حكم الصغري فيحرم بالسواد وأما غريه فال ‪ .‬ذكر يف إمثد العينني ‪[ " :‬مسألة]‪ :‬يحرم‬
‫على الولي خضب شعر الصغير ولو أنثى إذا كان أصهب بالسواد لما فيه من تغيير الخلقة‬
‫اهـ " ‪ .1‬ق@@ال ال@@رملي يف غاي@@ة البي@@ان ‪ " :‬والظ?اهر كم?ا قال?ه بعض المت?أخرين أن?ه يح?رم على‬
‫الولي خضب شعر الصبي أو الصبية إذا كان أصهب بالسواد أي لما فيه من تغيير الخلقة‬
‫وإن عزى للناظم في شرحه لنظمه أنه قال إن الظاهر أنه ال يحرم انتهى" ‪. 2‬‬

‫إثمد العينين في بعض اختالف الشيخين (ص ‪. )105 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫الرملي ‪ :‬غاية البيان (ص ‪.)62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أحكام الصبغ الشعر من حيثية مشروعيته بمقابلة‬
‫عادة الفساق أو المبتدعة‬

‫خيتل@@ف حبس@@ب األح@@وال فاألصل ال نترك هذه السنية ‪ ،‬ب@@ل ال ب@@د لن@@ا مع@@ىن من مع@@اىن االع@@تزاز والتش@@رف بفع@@ل‬
‫هذه السنية وقد قال اإلمام الزركشي يف البحر احمليط ‪ " :‬مسألة ال يترك المندوب إذا صار شعارا‬
‫للمبتدعة وال يترك لكونه صار شعارا للمبتدعة خالفا البن أبي هريرة ‪ ،‬ولهذا ترك الترجيع‬
‫في األذان ‪ ،‬والجهر بالبسملة ‪ ،‬والقنوت في الصبح ‪ ،‬والتختم في اليمين ‪ ،‬وتسطيح القبور‬
‫محتجا بأنه صلى هللا عليه وسلم ترك القيام للجنازة لما أخبر أن اليهود تفعله ‪ .‬وأجيب بأن له‬
‫ذلك ؛ ألنه مشرع بخالف غيره ال يترك سنة صحت عنه ‪ ،‬وفصل الغزالي بين السنن المستقلة‬
‫وبين الهيئات التابعة ‪ ،‬فقال ‪:‬ال يترك القنوت إذا صار شعارا للمبتدعة بخالف التسطيح ‪،‬‬
‫والتختم في اليمين ونحوهما فإنها هيئات تابعة ‪ ،‬فحصل ثالثة أوجه ‪ ،‬والصحيح ‪ :‬المنع مطلقا‬

‫" ‪ . 1‬وقال اإلمام عز الدين بن عبد السالم ‪ " :‬اذا ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم سنة هل يجوز‬
‫تركها لكون المبتدع يفعلها ام ال ؟ الجواب ‪ :‬ال يجوز ترك السنة لمشاركة المبتدعين فيها اذ‬
‫ال يترك الحق ألجل الباطل وما زال العلماء والصالحون يقيمون السنن مع العلم بمشاركة‬
‫المبتدعين ‪ ،‬واذا لم يترك الحق ألجل الباطل ‪ ،‬فكيف يترك الحق ألجل المشاركة ‪ ،‬ولو ساغ‬
‫ذلك لترك األذان ‪ ،‬واالقامة والسنن الراتبة وصالة االعياد وعيادة المرضى والتسليم وتشميت‬
‫الع?اطس والص?دقات والض?يافات وجمي?ع الم?برات المن?دوبات وهللا? اعلم"‪ . 2‬وق@ال الزبي@دي‪ " :‬وق?د‬
‫نقل الرافعي عن بعض أئمة الشافعية أنه كان يقول ‪ :‬األولى ترك رفع اليدين في الصالة في‬
‫ديارنا‪ -‬يعني ديار العجم‪ ، -‬قال ‪ :‬ألنه صار شعارا للرافضة وله أمثلة كثيرة لكن قد يقال ليس‬
‫كل شيء يفعله الفساق يحرم فعله على غيرهم ولو كان هذا معتبرا لكان الضرب بالدفوف‬
‫والشبابة حراما‪ . ............‬فلما لم يحرم شيء من ذلك علمنا أن هذه العلة غير معتبرة‬
‫فتأمل" ‪. 3‬‬

‫ولكن ذكر اإلمام الغزالي على جواز الترك السنة لما أن ص@ار من ع@ادة أه@ل الفسق ‪ ،‬ق@ال اإلم@ام الغ@زايل‪" :‬‬
‫أن لما صار من عادة أهل الفسق فيمنع من التشبه بهم؛ ألن من تشبه بقوم فهو منهم ‪ ،‬وبهذه‬
‫العل?ة نق?ول ب?ترك الس?نة مهم?ا ص?ارت ش?عاراً أله?ل البدع?ة خوف?ا ً من التش?به بهم " ‪ . 4‬وذك@@ر‬
‫الكتاين يف كتابه " الدعامة" ‪ " :‬قال السيوطي من علم أن العذبة سنة وتركها استنكافا ً أثم‬

‫الزركشي البحر المحيط (‪.)235-234 /1‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى عز الدين بن عبد السالم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫الزبيدي ‪ :‬إتحاف السادة المتقين (‪.)7/591‬‬ ‫‪3‬‬

‫الغزالي ‪ :‬إحياء علوم الدين (‪.)4/425‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫وغير مستنكف فال أي فال يأثم ‪ ....‬إال أن يختص بفعلها في بعض األوقات أهل الفسق‬
‫والمجنون فتكره للتشبه بهم وألنه قد يراه من ال يعرفه فيظنه أنه منهم فيكون قد أعان على‬
‫إساءة الظن به ‪ ،‬وليس هذا مختصا ًّ بالعذبة بل هو عام في كل ما أصلته السنة كالخضاب‬
‫والخاتم ونحو ذلك فإذا اختص به أهل الظلم والدعارة فينبغي ألهل الفضل تركه حذراً من‬
‫التشبه بهم وقد قال القرطبي ‪ :‬لو اختص أهل الفسق والمجنون بلباس منه أي كره لبسه‬
‫لغيرهم فقد يظن به من ال يعرفه أنه منهم فيظن به ظن السوء فيأثم أي يعرض نفسه لإلثم‬
‫الظان والمظنون فيه لسبب العون عليه اهـ "‪ .1‬ونقل الكتاين ما قال اإلمام العز بن عبد السالم‪" :‬‬
‫" وهذا عند التأمل غير ما في نوازل المعيار من كتاب الجامع عن عز الدين من أنه سئل هل‬
‫يجوز ترك السنة لمشاركة مبتدع فيها فأجاب ال يجوز ترك السنة لذلك ‪ .....‬ولو ساغ ذلك‬
‫لترك األذن واإلقامة والسنن الراتبة اهـ ؛ ألنه ال يلزم من منع ما صار من شعار من ال خالق‬
‫له منه ما فيه مطلق المشاركة فقط وهللا أعلم"‪ . 2‬وهبذا عرفنا أن يف هذه املسألة خالف وممكن أن حنمل‬
‫هذه املسألة إىل سياق األحوال بني املصلحة واملفسدة ‪.‬‬

‫الكتاني ‪ :‬الدعامة (ص‪.)50-49:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الكتاني ‪ :‬الدعامة (ص‪.)50:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪7‬‬
 ‫المبحث الثالث ‪ :‬حكم الصبغ من حيثية مكوناته‬

‫الحكم ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إذا كان ذلك الصبغ مكونة من النجس فحرام وإال فال ‪ ،‬ذكر اإلمام القليويب يف حاشيته على كنز ‪ " :‬وأما‬ ‫‪‬‬
‫الخضاب وصبغ نحو الشعر والنقش وتطريف نحو األصابع وتحمير الوجه وتجعيد الشعر‬
‫فحرام بالنجس مطلقا وكذا بالسواد إال لحية الرجل المحارب إلرهاب العدو وكذا بغير‬
‫السواد إن منع منه حليل ‪ ،‬وإال فيجوز لكن مع الكراهة في الخلية "‪.1‬‬
‫وكل الصبغ الذي ال مينع وصول املاء إىل البشرة أو مينعه ومتكن إزالته عن@@د الطه@@ارة الواجبة فيج@@وز ‪ ،‬أم@@ا ال@@ذي‬ ‫‪‬‬
‫يغطي ج@رم البش@رة إن ك@ان ال ميكن زوال@ه باملاء عن@د الطه@ارة املذكورة فإن@ه حيرم فعله قب@ل دخ@ول ال@وقت وبع@ده‬

‫" ( تنبيه ) سأل ابن‬ ‫كما ذكر أيب العباس بن أمحد الرملي الكبري في حاشيته على أسنى المطالب ‪:‬‬
‫ظهيرة البلقيني ما الحكم في خضاب المرأة بالعفص هل يباح أو يفرق بين المكلفة بالصالة‬
‫وغيرها وما مراد األصحاب بالسواد الذي أباحوا الخضاب به للمرأة بشرطه ؟ فأجاب‬
‫الحكم فيها أن الخضاب المذكور الذي يغطي جرم البشرة إن كان ال يمكن زواله بالماء عند‬
‫الطهارة المذكورة فإنه يحرم فعله قبل دخول الوقت وبعده وهو قريب مما قدمناه من تعمد‬
‫تنجيس البدن مع تعذر الماء الذي يزيل به النجاسة ‪ ،‬ومراد األصحاب بالخضاب الذي‬
‫أباحوه الخضاب الذي ال يمنع وصول الماء إلى البشرة أو يمنعه وتمكن إزالته عند‬
‫الطهارة الواجبة انتهى "‪.2‬‬

‫ويف معرفة اخلضاب الذي ال مينع وصول املاء ذكر العالمة أيب بكر شطا ضابطه ‪ ( " :‬قوله حائل ) أي‬ ‫‪‬‬
‫جرم كثيف يمنع وصول الماء للبشرة ‪ ( .....‬قوله وأثر حبر وحناء ) أي وبخالف أثر‬
‫حبر وحناء فإنه ال يضر والمراد باألثر مجرد اللون بحيث ال يتحصل بالحت مثال منه‬
‫شيء"‪.3‬‬

‫‪ 1‬حاشيتا قليوبي وعميرة (‪.)1/183‬‬

‫‪ 2‬أسنى المطالب وبذيله حاشية أبي العباس بن أحمد الرملي الكبير (‪.)1/202‬‬
‫‪ 3‬شطا الدمياطي ‪ :‬إعانة الطالبين (‪. )1/61‬‬

‫‪8‬‬
 ‫خاتمة‬
‫وقد أصدر الفتوى دار اإلفتاء املصرية يف حكم صبغ الشعر ‪ " :‬سئل ‪ :‬هل يجوز للرجل أن يصبغ‬ ‫‪‬‬
‫شعره إذا ابيض ‪ ،‬وهل يجوز للمرأة ذلك أيضا ؟ أجاب ‪ :‬فى حديث عن النبى صلى هللا‬
‫عليه وسلم " "من كان له شعر فليكرمه " رواه أبو داود وتشهد له أحاديث أخرى ‪،‬‬
‫وصححه بعضهم ‪ ،‬ووجوه اإلكرام متعددة ‪ ،‬وهو للرجل والمرأة ‪ ،‬كل بما يليق به‪.‬‬
‫كالترجيل والتمشيط واالدهان ومنه تلوينه إلخفاء شيبه‪ .‬وقد تكلم العلماء قديما فى صبغ‬
‫الشعر باللون األسود‪ ،‬فمنعه األكثرون ‪ ،‬ولكن أدلتهم منصبة على الرجال ‪ ،‬أو على حالة‬
‫التدليس كالمرأه العجوز التى تريد أن تظهر شابة ‪ ،‬ليرغب فى زواجها ‪ ،‬أما المتزوجة‬
‫التى يعلم ذلك زوجها فال بأس بصبغ شعرها بما يروق لها‪ ،‬وله ‪ ،‬بل إن ابن الجوزى‬
‫أجازه للرجال ‪ ،‬وما ورد من النهى عنه فمحمول على اإلغراء والتهاون فى الطاعة التى‬
‫ينبغى للشيخ أن يكثر منها استعدادا? للقاء ربه‪ .‬قال شمس الدين أبو عبد هللا محمد بن‬
‫مفلح المقدسى الحنبلى المتوفى فى من رجب سنة ‪ 762‬هـ وتلميذ ابن تيمية‪ ،‬فى كتابه‬
‫سن تغيير الشيب ‪ ،‬وفيه حديث‬ ‫"اآلداب الشرعية والمنح المرعية" ‪ :‬مذهب الحنابلة ُي َ‬
‫الصحيحين "إن اليهود والنصارى ال يصبغون فخالفوهم " ويستحب بحناء وكتم ‪ ،‬لفعل‬
‫النبى صلى هللا عليه وسلم كما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد ثقات ‪ ،‬ولفعل أبى بكر وعمر‬
‫متفق عليهما ‪ ،‬ويكره بالسواد نص عليه أحمد قيل له ‪ :‬يكره الخصاب بالسواد؟ قال ‪ :‬إى‬
‫وهللا لقول النبى صلى هللا عليه وسلم عن والد أبى بكر "وجنبوه السواد" رواه مسلم‬
‫والسبب – كما صرح به بعضهم –أن الشيخ الهرم إذا خضب شعره بالسواد يكون ُم ْثلة ‪،‬‬
‫ورخص فيه إسحاق بن راهويه للمرأة تتزين به لزوجها ‪ ،‬وال يكره للحرب ‪ ،‬وعند‬
‫الشافعية ‪ :‬يستحب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم بالسواد على‬
‫األصح عندهم‪ .‬انتهى‪ .‬ومما ورد فى النهى عن الصبغ بالسواد ‪-‬إلى جانب حادثة والد أبى‬
‫بكر‪" -‬يكون فى أخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام ال يريحون رائحة‬
‫الجنة" رواه أبو داود والنسائى بإسناد جيد " ‪.1‬‬

‫برنامج موسوعة فتاوى دار اإلفتاء المصرية ‪ :‬الموضوع ‪ . 164 :‬صبغ الشعر‪ .‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عطية صقر‪ .‬مايو ‪. 1997‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪9‬‬
 ‫المراجع‬
‫الن;واوي محي ال;دين بن ش;رف (ت ‪676‬هـ) ‪ :‬ص;حيح مس;;لم بش;رح الن;واوي ‪ .‬دار الكتب العلمي;ة ‪ .‬ط ‪. 4 :‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪2010‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫النواوي محي الدين بن شرف (ت ‪676‬هـ) ‪ :‬المجموع ش;;رح المه;;ذب; ‪ .‬دار إحي;;اء ال;;تراث الع;;ربي ‪ .‬ط ‪. 1 :‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بيروت لبنان ‪.‬‬
‫األنصاري أبي يحيى زكريا (‪957‬هـ) ‪ :‬أسنى المطالب شرح روض الطالب وبذيله حاشية أبي العباس بن أحمد‬ ‫‪.3‬‬
‫الرملي الكبير ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ .‬ط ‪2001 . 1 :‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫الهيتمي أحمد بن محمد بن علي بن حجر (ت ‪973‬هـ) ‪ :‬المنهج القويم بشرح مسائل التعليم ‪ .‬دار المنهاج ‪ .‬ط ‪:‬‬ ‫‪.4‬‬
‫‪2006 . 1‬م‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫الرملي محمد بن أحمد (ت ‪1004‬هــ) ‪ :‬غاي;;ة البي;;ان ش;;رح زب;;د ابن رس;;الن ‪ .‬دار الكتب العلمي;;ة ‪ .‬ط ‪. 3 :‬‬ ‫‪.5‬‬
‫‪2012‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫القليوبي أحمد بن أحمد (ت ‪ 1069‬هـ ) و عميرة أحمد البرلسي (ت ‪ 958‬هـ) ‪ :‬حاشيتان على كنز الراغبين ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫مصطفى البابي الحلبي ‪ .‬ط‪1956 . 3 :‬م ‪.‬‬
‫الشرواني عبد الحميد والعبادي أحمد بن قاس;;م (ت ‪994‬هـ) حواش;;ي الش;;رواني وابن قاس;م العب;;ادي على تحف;;ة‬ ‫‪.7‬‬
‫المحتاج ‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ .‬ط ‪2007 .2 :‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫الدمياطي أبي بكر شطا عثمان بن محمد (ت ‪1300‬هـ) إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح االمعين ‪ .‬دار الكتب‬ ‫‪.8‬‬
‫العلمية ‪ .‬ط ‪ 1995 . 1 :‬هـ ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫باص;;برين خلي بن أحم;;د بن س;;عيد ‪ :‬إثم;;د العي;;نين في بعض اختالف الش;;يخين ‪ .‬دار الكتب العلمي;;ة ‪ .‬ط‪. 3:‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪2009‬م ‪ .‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫الترمس;;ي محم;;د محف;;وظ بن عب;;د هللا ‪ :‬حاش;;ية الترمس;;ي المس;;ماة; المنه;;ل العميم بحاش;;ية المنهج الق;;ويم ‪ .‬دار‬ ‫‪.10‬‬
‫المنهاج ‪ .‬ط ‪2011 .1 :‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫الغزالي محمد بن محمد بن محمد ‪:‬إحياء علوك الدين ‪ .‬دار المنهاج ‪ .‬ط ‪2011 ;. 1 :‬م ‪ .‬جدة المملكة العربية‬ ‫‪.11‬‬
‫السعودية ‪.‬‬
‫الزبي;;دي محم;;د بن محم;;د ‪ :‬إتح;;اف الس;;ادة المتقين بش;;رح إحي;;اء عل;;وم ال;;دين ‪ .‬دار الكتب العلمي;;ة ‪ .‬ط ‪. 4 :‬‬ ‫‪.12‬‬
‫‪2009‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫الكتاني الحسني جعفر ‪ :‬الدعامة في أحكام سنة العمامة ‪ .‬مكتبة الفيحاء ‪ .‬ط سنة ‪1342‬هـ‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫الزبيدي محم;د بن محم;د الحس;يني (ت ‪ 1205‬هـ )‪ :‬إتح;اف الس;ادة المتقين ‪ .‬دار الكتب العلمي;ة ‪ .‬ط ‪. 4 :‬‬ ‫‪.14‬‬
‫‪ 2009‬م ‪ .‬بيروت لبنان ‪.‬‬
‫برنامج موسوعة فتاوى دار اإلفتاء المصرية للمجلس األعلى للشؤون اإلسالمية ‪ .‬جمهورية مصر العربية ‪.‬‬ ‫‪.15‬‬

‫‪10‬‬