You are on page 1of 123

‫تفصيل الخلق واألمر‬

‫في سؤال حوار األديان وتفرق المذاهب الفقهية‬

‫ابن سينا‬
‫بين‬
‫قصور المتفلسفة وافتراء المتقولة‬

‫الجزء الثاني‬

‫رشيد بلواد‬
‫المحتوى‬

‫‪4‬‬ ‫الباب األول المذاهب الفقهية بررية منفصلة نن السماء‬


‫‪5‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬اتخذوا مذاهبهم وأئمتهم أربابا من دون هللا تعالى‬
‫‪5‬‬ ‫‪ -1‬التشريع من قانون هللا تعالى في الخلق واألمر‬
‫‪11‬‬ ‫‪ - 2‬المذهبية وأد للعقل الفقهي وحد لسريان قانون الحق‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ال تاريخية المذاهب الفقهية أو الموات التاريخي‬
‫‪55‬‬ ‫العقل الفقهي والعقل الحضاري‬
‫‪42‬‬ ‫الباب الثاني المذاهب الفقهية ليست من نند هللا تعالى‬
‫‪45‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬حقيقة المذهبية جعل الدين عضين‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ضالالت االختالفات المذهبية‬
‫‪44‬‬ ‫التفاقم المعاييرى الصارخ‬
‫‪44‬‬ ‫االختالف في تعريف الطهارة‬
‫‪51‬‬ ‫في مبحث حكم الماء الطهور‬
‫‪54‬‬ ‫في شروط الوضوء‬
‫‪55‬‬ ‫فرائض الوضوء‬
‫‪55‬‬ ‫تكبيرة اإلحرام‪ :‬الفرض الثاني في الصالة‬
‫‪42‬‬ ‫الفرض الثالث في الصالة‪ :‬القيام‬
‫‪44‬‬ ‫الفرض الرابع‪ :‬قراءة الفاتحة‬
‫‪41‬‬ ‫الفرض الخامس من فرائض الصالة‪ :‬الركوع‬
‫‪15‬‬ ‫فرائض‪ :‬السجود وشروطه‪ -‬الرفع من الركوع‪ -‬االعتدا ‪ -‬الطمأنينة‬
‫‪14‬‬ ‫الفرض الحادي عشر‪ :‬القعود األخير‬
‫‪14‬‬ ‫الفرض الثاني عشر‪ :‬التشهد األخير‬
‫‪15‬‬ ‫الفرض الثالث عشر‪ :‬السالم‬
‫‪15‬‬ ‫الفرض الرابع عشر‪ :‬ترتيب األركان‬
‫‪14‬‬ ‫الفرض الخامس عشر‪ :‬الجلوس بين السجدتين‬
‫‪15‬‬ ‫واجبات الصالة‬
‫‪52‬‬ ‫سنن الصالة‬

‫‪2‬‬
‫‪55‬‬ ‫شرح بعض سنن الصالة‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -‬خصوص المبلغ عن اإلمام (المسمع)‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -‬خصوص القراءة في الصالة‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -‬السترة‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -‬العارض في الصالة‬
‫‪102‬‬ ‫الفصل الثالث وراء المذاهب شيطان يدعو إلى االختالف والتفرق‬
‫‪ -1‬دعوة التفرق المذهبي نقيض دعوة اإلسالم‪ :‬مثا الشروط التعجيزية لالجتماع‬
‫‪102‬‬ ‫على صالة الجمعة‬
‫‪104‬‬ ‫‪ -2‬قصور العقو المذهبية البشرية عن التشريع في دين هللا تعالى‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -5‬عدم اإلحاطة والتجزيئية النمطية التقليدية المحجورة للمذاهب الفقهية‬
‫‪112‬‬ ‫‪ -4‬السعة التشريعية المجيدة ال تنبغي إال هلل العليم الحكيم‬
‫‪111‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫‪3‬‬
‫الباب األول‬

‫المذاهب الفقهية بررية منفصلة نن السماء‬

‫‪4‬‬
‫الفصل األول‬

‫اتخذوا مذاهبهم وأئمتهم أربابا من دون هللا تعالى‬

‫‪ -1‬الترريع من قانون هللا تعالى في الخلق واألمر‬

‫الحمد هلل الذي به الحو والقوة‪ ،‬الهادي إلى الحق وإلى صراط مستقيم‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫محمد رسو هللا وخاتم النبيئين‪ ،‬أنز إليه القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه‪،‬‬
‫أما بعد؛‬
‫إذا تم لنا بحمد هللا تعالى واستوفى الوضوح للبيان حقه في كشف زيف مقولة حوار األديان‪،‬‬
‫المقولة التي ليست في حكم الشرع لمن يبصر إال سبيال عليه شيطان يدعو للكفر وإلى عذاب‬
‫السعير؛ ذلك أنهم يكذبون ويكفرون بالحقيقة الكبرى لتاريخ الكون والبشرية وقانون محور‬
‫الكتاب والنبوة‪ ،‬الذي يحيل إليه الحق سبحانه بصائر وتذكرة في قوله العلي الحكيم‪:‬‬
‫{إن ربكم هللا الذي خلق السماوات واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش'‬
‫يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره' أال له الخلق‬
‫واألمر' تبارك هللا رب العالمين' ادعوا ربكم تضرعا وخفية' إنه ال يحب المعتدين' وال‬
‫تفسدوا في األرض بعد إصالحها' وادعوه خوفا وطمعا' إن رحمة هللا قريب من‬
‫المحسنين' وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته' حتى إذا أقلت سحابا ثقاال‬
‫سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات' كذلك نخرج الموتى لعلكم‬
‫تذكرون' والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه' والذي خبث ال يخرج إال نكدا' كذلك‬
‫نصرف اآليات لقوم يشكرون' لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقا يا قوم اعبدوا هللا ما لكم‬
‫من إله غيره' إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم'} (األعراف‪)51..55‬‬
‫وكل ما سطرناه في هذا الكتاب وعرضنا له بشأن أو الكون وبدء الخلق‪ ،‬مجراته‬
‫ونجومه وكواكبه‪ ،‬وخلق بني آدم وعرض تاريخه‪ ،‬ومحور الرساالت والنبوة‪ ،‬كل ذلك‬
‫من نور وتالوة بالحق لهاته اآليات المحكمات‪ .‬وال شك أن القارئ اللبيب قد استشف‬

‫‪5‬‬
‫الوجه الذي أردناه من هذه المرافعة التاريخية والمعارفية‪ ،‬المرافعة والصدع بكلمة الحق‬
‫التي يدرك حجاجها وحجيتها كل إنسان ينعم بنعمة العقل والفؤاد‪ ،‬سواء كان فردا من‬
‫عامة الناس في حظه من العلم أو خاصتهم‪ ،‬مقال بنزر من التفكر أو فيلسوفا سار في‬
‫التفكر سيرا مؤصال للمشهود في العين والعقل من األشياء والحقائق إلى معين الصدور‬
‫ومشاربها األولى؛ فالمحور والقضية أساسها قانوني‪ ،‬هو المحور القانوني التي تحيل‬
‫إليه هذه اآليات لئال يبقى حجة بعد القرآن المجيد‪ .‬فقانون التفسير للتكوين المادي للكون‪،‬‬
‫وعلى افتراض أية نظرية‪ ،‬سواء نظرية االنفجار الكبير أو ما يكون من نظرية سواها‪،‬‬
‫وقانون الخلق البيولوجي إلى خلق اإلنسان‪ ،‬وقانون محور الكتاب والنبوة‪ ،‬وقانون‬
‫النفس البشرية إلى هذه اللحظة التي نقرأ فيها هذه الكلمة وكأنها دارة داللية يخترقها‬
‫وجودنا‪ ،‬واآلن الذي نحيا به ويعيشه حدثا وجوديا كل واحد منا بحو وقوته وقيوميته‬
‫عز وجل‪ ،‬كله قانون مفصل لقانون واحد‪ ،‬كما يفصل مسار الشعاع الضوئي حسب‬
‫الوسط الذي يخترقه‪ ،‬مثاال أبسط مثا على األبعاد والفضاءات الوجودية‪.‬‬
‫هذا هو الحق‪ ،‬وهو أعلى مستويات علم الكتاب‪ ،‬ومن ثمة ال تستغرب إذا قلنا وأكدنا على قولنا‬
‫بأن علماء بني إسرائيل اليوم يعلمون علم اليقين أن مقولة حوار األديان باطلة‪ ،‬ليس لها مثقا‬
‫ذرة من صدق إال الكفر‪ ،‬وإنهم ليكتمون الحق وهم يعلمون‪ .‬وما حقيقة علمائنا أو ممن لهم‬
‫ألقاب العالمية كثير منهم‪ ،‬إال الجهل المركب الفظيع‪ ،‬ركبوا تقليد تحريف آيات هللا تفسيرا‬
‫كالوسطية‪ ،‬فأصبح هذا الشعار عندهم ميسما للفقه ولالعتدا ‪ -‬وإنما الوسطية العدالة والشهود‬
‫ووسيط اإلبالغ واإلرسا ‪ -‬وال يعلمون أن بني إسرئيل أمسوا بعلم الكتاب والقرآن العظيم أعلم‬
‫منهم؛ ذلك أنهم بحقيقة التصديق والهيمنة للقرآن لما بين يديه من الكتاب أعلم‪ ،‬يعرفون أنه‬
‫الحق كما يعرفون أبناءهم‪ ،‬ويدركون حق اإلدراك بطالن مقولة حوار األديان بهذه الصيغة‪،‬‬
‫ألن قانون الوجود واحد ودين هللا واحد‪ .‬كما أن مجادلة أهل الكتاب منافية حقيقة وتركيبا لتعدد‬
‫األديان‪ ،‬ألن محورية الكتاب وجوهريته القانونية واحدة‪ ،‬وهذا هو المعنى الصحيح ال غيره‬
‫لشبه المفهوم (أهل الكتاب)؛ يقو هللا سبحانه وتعالى ومن أصدق من هللا قيال‪:‬‬
‫{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير'‬
‫قد جاءكم من هللا نور وكتاب مبين يهدي به هللا من اتبع رضوانه سبل السالم' ويخرجهم من‬
‫الظلمات إلى النور بإذنه' ويهديهم إلى صراط مستقيم'}(المائدة‪.)11..11‬‬
‫وكذلك إذا تم لنا‪ ،‬بقدر ما وفقنا إليه‪ ،‬إذا تم التحليل التاريخي للظاهرة التفرقية الكالمية‬
‫واستجالء نشوئها وبنيتها من خال أنجع المعايير النقدية العلمية‪..‬‬

‫‪6‬‬
‫فاآلن نحن على عزم بحو هللا وقوته‪ ،‬مستبصر صوب التحمل بواجب الحق في التنبيه وتعيين‬
‫أخطر وأشر ما بد في منهاج األمة وشريعتها‪ ،‬من حدثان ومما بد من بعد رسو هللا عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وما تقرر من ضال وباطل المذاهب الفقهية التي شاقت الحق على ما جاء‬
‫ونز من المعنى في أساس القرآن وأم الكتاب‪{:‬غير المغضوب عليهم وال‬
‫الضالين'}(الفاتحة‪.)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫نبدأ من حيث انتهى التأصيل الحقائقي‪ ،‬نبدأ من الحقيقة الوجودية الكبرى بالمعنى اإلدراكي‬
‫والعلمي‪ ،‬الحقيقة التي تلكأت الفلسفة الغربية في شقها المادي أن تقر بها‪ ،‬وتعلنها حقيقة وجب‬
‫على العقل إن أراد لنفسه العلمية التسليم بها قانونا مبدئيا‪ ،‬حقيقة الصلة بين الوجود الواعي وما‬
‫يعبر عنه بالتواجد‪ ،‬صلته بالحق‪ ،‬وسبحان هللا رب العرش الكريم‪.‬‬
‫روينا عن حذيفة بن اليمان وعن أبي ذر رضي هللا عنهما قاال‪ :‬كان رسو هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم إذا استيقظ قا ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫((الحمد هلل الذي أحيانا بعد ما أماتنا‪ ،‬وإليه النشور))‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قا ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫((إذا استيقظ أحدكم فليقل الحمد هلل الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره))‬
‫وإن الذكر ال يكون إال بالوعي‪ ،‬أي بالعقل المفكر؛ وهذا بالذات يتجاوز حدود التأصيل‬
‫الديكارتي للوجود حيث ليس يقف غاية في إثبات الوجود‪ ،‬بل يذهب تأصيال ليصل هذا الوجود‬
‫بصفته الحدثية والكينوناتية بالعرش الكريم‪ ،‬مرجعا وسلما بالبيان لما نتلوه من الحق في قوله‬
‫تعالى العلي العظيم‪{:‬الحي القيوم}‪.‬‬
‫هذا الخط العالئقي واالرتباطي‪ ،‬وهذا الشعاع على مثل حقيقة شعاع العمق الكوني الذي مثل‬
‫سلم الصعود‪ ،‬ومطية مفتاح البناء التكويني للكون المادي‪ ،‬مجراته وهاالته‪ ،‬ونجومه وكواكبه‪،‬‬
‫والذي يوجب من المسلمات ما يوجب شرطا ال مندوحة عنه‪ ،‬محتما مسلمة الوحدة االنتظامية‬
‫القانونية‪ ،‬بمعنى التوافق الكامل لجميع القوانين الجزئية المتخذة التكوينية؛ وبلفظ أكثر سدادا‬
‫من جهة المالءمة البيانية للحق تأصيال‪ :‬وحدة الروح القانونية‪ ،‬مصدرا قانونيا ومشكاة قانونية‬
‫واحدة‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه البخاري‬
‫‪ 2‬رواه ابن السني‬

‫‪7‬‬
‫كما أنه على نظام هذا القانون سلما للقو في بناء اإلنسان خلقة وبيئة وجودية‪ ،‬مستغرقة‬
‫الوجود كله‪ ،‬حتى آخر نقطة من نقاطه وآخر لحظة من لحظات وأنفاس وجود كل واحد منا‪،‬‬
‫كما تم تأصيله على نور العلم الحق والقرآن العظيم في السياق واآليات من سورة األعراف‪،‬‬
‫ابتداءا من حقيقة قوله تعالى‪{:‬إن ربكم الذي خلق السماوات واألرض} إلى مسار القصص‬
‫واالختراق القصصي للتاريخ الوجودي البشري‪ ،‬الممثل في قصص األنبياء عليهم السالم مع‬
‫أقوامهم‪ ،‬إلى مجا نبوة ورسالة نبينا محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مجا طورنا وتواجدنا‪ ،‬إلى‬
‫هذه اللحظة التي نعيش ونحيا بمرتكز وجودها وكينونتها الموصولة في قيوميتها بالعرش؛ فاهلل‬
‫تعالى ذو العزة والجبروت هو الصمد الذي تصمد إليه الكائنات والخالئق جميعا‪ ،‬وهو الحي‬
‫القيوم يمسك السماوات واألرض أن تزوال‪ ،‬ال حو وال قوة إال به‪ ،‬سبحانه وتعالى ذي الجال‬
‫واإلكرام‪ ،‬رب العرش العظيم‪ .‬وهو هللا سبحانه نور السماوات واألرض؛ فأشعة الخلق واألمر‬
‫ال واسط فيها بين المخلوقات وربها الكريم‪ ،‬فاطرها ومجبلها ومشرع وجودها ودينها‪ ،‬ال ملك‬
‫مقرب وال نبي وال حبر وال عالم‪ ،‬وال اإلمام مالك وال أبو حنيفة وال غيرهما‪ .‬ومن لم يبصر‬
‫بهذا الحكم والحق المبين فيما تلونا من الهدى والقرآن العظيم‪ ،‬بأن التشريع ومذهب القانون هو‬
‫هلل الواحد الصمد‪ ،‬ال شريك له في الملك وال يشرك في حكمه أحدا‪ ،‬فإن للسياق كما للسورة‬
‫بمجملها‪ ،‬وقد أشرنا إليه من قبل‪ ،‬إن جاز أن تحدد له آية تكاد تختز المعاني كلها فهي قوله‬
‫عز وجل‪:‬‬
‫{أال له الخلق واألمر' تبارك هللا رب العالمين'}‬
‫إن هذا الحكم العلي الحكيم‪ ،‬حكم الحق ممن خلق األرض والسماوات العلى‪ ،‬رب العرش‬
‫العظيم‪ ،‬ليكفي لمن كان له قلب يعقل به‪ ،‬وكان حفيا بأن يسمع قو الحق فيتبعه‪ ،‬أن ال يشكن‬
‫في بطالن المذهبية وفساد المذهبية الفقهية المقيتة؛ وما هي لو يعلمون بفقهية‪ ،‬ولكنها تفرقة‬
‫خاطئة ضالة مضلة‪ ،‬وكيف يكون للفقه أن يدعو إلى نقيض حقيقته وإلى خالف الحق في‬
‫أخص خصائصه‪ ،‬وميزة انتظامه والوحدة القانونية ألحكامه؟ أال إنه قد أنز بالحق قوله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫{أفال يتدبرون القرآن' ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪)11‬‬
‫{أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون'}(آ عمران‪)45‬‬
‫فالتشريع والفقه كأصل وامتداد استنباطي لزمه عدم االختالف ضرورة وشرطا الزبا محتما‪،‬‬
‫وال يتم من بعد ذلك القو وقبو الحكم به إال بشرط الكفاية كما سيأتي بعد الحديث عنه فيما‬
‫يلي‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫إن خاصة عدم اختالف الحق في قوانينه‪ ،‬والوحدة القانونية المنتظمة ألحكامه‪ ،‬تطرح بشكل‬
‫جدي وملفت سؤا المصداقية والمشروعية بالنسبة ألقوا عدة‪ ،‬وأحكام كثيرة منسوبة‬
‫للمذاهب هاته المسماة فقهية؛ لكن ما يلبث العجب أن يزو حين نولي وجوهنا ونتفحص الجهة‬
‫المقابلة لمسار األمة في االستخالف التاريخي‪ .‬فلئن كان المسلمون في قرون خلت قد بلغوا في‬
‫عمارة األرض شأوا عظيما‪ ،‬وسبقوا غيرهم من األمم في مضمار العلوم البحتة والطبيعية على‬
‫أعلى إمكان مستويات التوافق التاريخي للعقل والتفكير اإلنساني‪ ،‬فإنهم اليوم يا للحسرة معطل‬
‫تواجدهم موءودة عقولهم‪ ،‬عالة على غيرهم‪ ،‬يلبسون ما ال يصنعون ويركبون‪ ،‬رضوا بأن‬
‫يكونوا مع التابعين لعدوهم مستذلين‪ ،‬حقيقة دويالتهم الطوائفية أهل ذمة يتكفل األمريكيون‬
‫واليهود والنصارى بأمنهم‪ ،‬ويحجرون على ركازهم وأموالهم؛ فاهلل المستعان والواقع ال‬
‫يرتفع؛ وهو الحق شاخص إال من أعماه الدجل واتبع أعداء األمة في خيانتهم الكبرى وغيهم‬
‫وضاللهم؛ يحسبون األمر للقوة األرضية وقد خلت من قبلهم األمم‪ ،‬ولينصرن هللا من ينصره؛‬
‫إذا جاء أمره ال يؤخر‪ ،‬و إن هللا بالغ أمره‪ ،‬إنه قوي عزيز؛ يقو سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫{يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا اليهود والنصارى أولياء' بعضهم أولياء بعض' ومن يتولهم منكم‬
‫فإنه منهم' إن هللا ال يهدي القوم الظالمين' فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون‬
‫نخشى أن تصيبنا دائرة' فعسى هللا أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في‬
‫أنفسهم نادمين'}(المائدة‪.)54-55‬‬
‫إن هذا التخلف لشرط المالءمة التاريخية‪ ،‬لهو حاسم حكما عند الراسخين في العلم بالنظر للبعد‬
‫المقاصدي للشريعة‪ ،‬على زيف ادعاء الكفاء والتمثيلية التشريعية لما يدعى بالمذاهب الفقهية‪،‬‬
‫وأنها ليست في حقيقة أمرها إال واقع التبديل لما أنز من الكتاب من بعد ما جاءتهم البينات من‬
‫ربهم؛ يقو هللا تعالى محذرا هذه األمة من أن تحذو حذو المشركين وتضل ضال األمم من‬
‫قبلها‪:‬‬
‫{وال تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا' كل حزب بما لديهم‬
‫فرحون'}(الروم‪)51-50‬‬
‫{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء' إنما أمرهم إلى هللا' ثم ينبئهم بما كانوا‬
‫يفعلون'}(األنعام‪)110‬‬
‫يقو اإلمام محمد بن علي الشوكاني رحمه هللا‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫< ‪ ..‬فهل تزعمون أن رسو هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قا عليكم بسنة أبي حنيفة ومالك‬
‫‪3‬‬
‫والشافعي وابن حنبل حتى يتم لكم ما تريدون؟ ‪>..‬‬
‫والنتيجة الثانية من بعد أمر تفرق الدين بتلبيس المذاهب واستدراج الشيطان ومكره هي‬
‫المخالفة لسعة وامتداد سريان الحق وكتاب هللا سبحانه وأمره المجيد‪ .‬وهي مخالفة تؤو إلى‬
‫خطب جلل وأمر عظيم‪ ،‬هو التوقيف الفعلي لشريعة الكتاب المنز أمرا من عند هللا العزيز‬
‫الحكيم‪ ،‬يسع العالمين إلى يوم الدين‪ ،‬بالرغم مما يدعونه ويزعمونه ويحسبون أنهم على شيء؛‬
‫فالمذهبية بالمنطق الصارم والحق الذي تقوم عليه السماء واألرض إنما تعني سلب عامل‬
‫السريان المطلق المجيد‪ ،‬أي وجود حد حتمي قريب إلمكان وشرط االجتهاد‪ .‬يقو األستاذ‬
‫محمد محجوبي‪:‬‬
‫<ومن نتائج التعصب المذهبي أن انتشرت ظاهرة االلتزام الكامل بمذهب معين دون الخروج‬
‫عنه إلى مذهب آخر‪ ،‬وباألحرى استنباط األحكام الشرعية من األدلة التفصيلية مباشرة‪ ،‬وإال‬
‫‪4‬‬
‫اعتبر ذلك من أنواع االنحراف والخروج عن الجماعة>‬
‫واألنكى من ذلك كله مما يحق القو به بسنة هللا تعالى التي ال تتبد وال تتحو كنتيجة حتمية‬
‫لحصر امتداد سريان الحق هو تعطيل العقل الحضاري واالستخالفي‪ ،‬مما يعني الخروج للفرد‬
‫والمؤسسات االجتماعية والعمرانية من المسار القانوني للكون وللتاريخ‪ .‬وههنا نرى موضعا‬
‫مسددا للقو العلمي ومقا د‪ .‬ريتا فرج الكاتبة والباحثة اللبنانية بعنوان (اإلسالم والحداثة‬
‫والواقع المأزوم)‪ 5‬الذي ننقل منه شطره األو وجاء فيه‪:‬‬
‫<هل اإلسالم في أزمة؟هل النصوصية تتجاوز أسئلة الواقع؟ ما معنى أن يتحو اإلسالم‬
‫التاريخي إلى نص مقدس؟ ما هي حدود الشراكة العلمية بين الدين والعلم؟ ولماذا ينظر إلى‬
‫اإلسالم من قبل بعض الدوائر الغربية كونه غير قابل إلحداث التحوالت الكبرى كما جرى مع‬
‫المسيحية الغربية؟ وما معنى هذا الحضور الكثيف للتيارات اإلسالموية في األزمنة الراهنة؟‬
‫أال يمكن المواءمة بين الحداثة واإلسالم المصدري؟‬
‫إشكاليات متشابكة يمكن طرحها والبناء عليها‪ .‬ولعل المعطى األبرز الجامع لها يتجلى في‬
‫الشراكة بين اإلسالم والحداثة‪ .‬وإذا ما قاربنا إرهاصات التحديث في العالم العربي سياسيا‬
‫وثقافيا ومجتمعيا لوجدنا حراكا بطيئا لم يصل حتى اللحظة إلى درجة الثورة على التقليد‬

‫‪ 3‬انظر مفهوم الحكمة والمنهاج في الجزء األو من تذكرة العلماء في الربانية والمنهاج‬
‫‪ 4‬محمد محجوبي‪ :‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي‪ -‬طبع ونشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمملكة المغربية ‪ -1552‬ص‪245‬‬
‫‪ 5‬القدس العربي‪ -‬العدد ‪2010\1\14 -1551‬‬

‫‪10‬‬
‫والتنصيص‪ ،‬كالذي وقع في أوروبا إبان الثورة الفرنسية وبعدها‪ ،‬ولكنه يخفي في بنيته‬
‫مؤشرات مرتقبة سيطا أمدها لإلجابة عن واقع مأزوم وصل إلى طريق مسدود بفعل عوامل‬
‫تاريخية مختلفة لم يقدم الجواب الديني حلوال لها‪ .‬واالنسداد الالهوتي الراهن‪ ،‬إذا جاز التعبير‪،‬‬
‫ال يرتبط بالنص اإلسالمي فقط؛ فالمجتمعات حين تدخل في حالة من االستالب المعرفي‬
‫والعلمي والسياسي‪ ،‬تعكس مأزقها على الدين وبالعكس‪ ،‬وإال كيف يمكن تفسير ما توصلت إليه‬
‫الحضارة اإلسالمية عشية ألقها زمن العباسيين؟ وكيف يمكن قراءة حركة االجتهاد ما قبل هذه‬
‫المرحلة وخاللها؟‬
‫واليوم حين نسأ عن المواءمة بين اإلسالم والحداثة‪ ،‬بعد أن خلص عميد المستشرقين برناند‬
‫لويس في أطروحته الشهيرة(اإلسالم في أزمة)‪ ،‬ال ينطلق تساؤلنا من أسس واهية‪ ،‬فالمجا‬
‫العربي اإلسالمي يشهد حاالت من التذرير والتفكيك ال تقل خطورة عن عجز النصوص‬
‫الفقهية في محاكاة التغيير>‬
‫هذا ال شك ما يمثل شرط العقل االجتهادي‪ ،‬وأمكن أن نسميه للتدليل على حقيقته الجوهرية‬
‫الخطيرة والعظمى بالعقل التاريخي؛ ثم ليكون الربط على واقع ما هو في الحا بالمكون‬
‫السياسي هذا مما جاء في النصف الثاني من المقا السديد الثاقب‪:‬‬
‫<التجربة التركية‪ ،‬مع حزب العدالة والتنمية تمثل الفيصل؛ فهي تجربة راشدة تبرهن على أن‬
‫العجز ال يتعلق بالنص القرآني‪ ،‬وإنما يرتبط مباشرة بالواقع المأزوم‪ ،‬خصوصا في العالم‬
‫العربي؛ وإال كيف نشرح فشل الحركات اإلسالمية وعلى رأسها اإلخوانية المصرية في‬
‫صياغة طروحات حداثوية؟‬
‫األزمة عندنا أزمة بنيوية يطا تأثيرها االجتماع والسياسة واالقتصاد والثقافة‪ ،‬وال يمكننا في‬
‫هذا المجا أن نغفل قدرة األنظمة العربية السلطانية على عرقلة مطالب التحديث‪ ،‬التي‬
‫أصبحت في األزمنة المعاصرة حاجة ضرورية يفرضها القلق النهضوي في محيط عربي غير‬
‫قادر على استنهاض معاركه التنموية والعلمية>‬
‫بالطبع البد أن نتوقف هنا بقصد تحديد أمرين‪ ،‬أولهما أن معنى الحداثة مواءمة وانتظاما مع‬
‫مادة المقا ومنحاه التفكيري هو بمعنى التحديث‪ ،‬أي الحداثة المقابل للقدامة‪ .‬أما األمر الثاني‬
‫فلعله أكبر من أن يقرر ولو إشارة بهذه السطحية‪ ،‬نريد بالطبع سؤا بل وحقيقة فشل أو عدم‬
‫الفشل حقيقة للجهد اإلخواني‪ .‬هذا من جهة تحديد مستويات وأبعاد التأثير التي قد ال تتجلى إال‬
‫بمقاربات أكثر علمية وتحليال‪ ،‬كذلك من حيث تداخل العوامل المعاكسة للسير التاريخي‬
‫الطبيعي التي يبقى فيها عامل األنظمة الداخلية الحاكمة دون القوة الوهمية التي تعطى لها‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫والتي من المؤكد أنها دون قوة العامل التاريخي االجتماعي‪ ،‬الذي من المفترض أن ينجلي في‬
‫مفكريه الحقيقيين التاريخيين‪.‬‬
‫هكذا أوهنا بالذات تكمن عالقة اإلشكا الفقهي بالسياسي‪ .‬وبه نلفي تفسيرا واضحا ونافلة من‬
‫القو لما ذهبنا إليه في بناء وتحليل ظاهرة التفرق بمختلف مشاربه وصبغاته‪ ،‬وفي ارتباطه‬
‫وكذا تعليله بالتكتالت العصبية وسواها من التكتالت‪ .‬يقو األستاذ محجوبي‪:‬‬
‫<أما في عصر التعصب المذهبي فإن الوالة والحكام أنفسهم لم يكونوا يختارون لتولي القضاء‬
‫إال من تمذهب بمذهبهم الفقهي الذي يرتاحون إليه ويعتقدون أنه المذهب المفضل على غيره‬
‫من سائر المذاهب األخرى‪ ،‬مما شجع على اهتمام الفقهاء بمذهب واحد بحسب البلد الذي هم‬
‫‪6‬‬
‫فيه>‬
‫فيكفي إذا دخو هذه النسبية العاملية في كينونة وقيام المذهبية‪ ،‬نسبية ليست من الحق في‬
‫شيء‪ ،‬للحسم في حكم ردها ونبذها‪ ،‬وذلك بالقوة االعتبارية والتقديرية للموضوع وخطره‬
‫وشأنه‪.‬‬
‫وكما أشرنا إليه‪ ،‬يعلل الفقيه القرطبي المشهور‪ ،‬فقيه المسلمين الكبير رحمه هللا‪ ،‬يعلل ابن حزم‬
‫انتشار كل مذهب من المذاهب الفقهية بتقريب األمراء لفقهاء هذا المذهب ويقو ‪:‬‬
‫< مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان مذهب أبي حنيفة في المشرق‪ ،‬فإنه لما‬
‫ولي قضاء القضاة أبو يوسف كان القضاة من قبله‪ ،‬فكان ال يولي قضاء البالد من أقصى‬
‫المشرق إلى أقصى أعما إفريقيا إال أصحابه والمنتمين إلى مذهبه‪ .‬ومذهب مالك بن أنس‬
‫عندنا‪ ،‬فإن يحيى بن يحيى كان مكينا من السلطان مقبو القو في القضاة‪ ،‬فكان ال يلي قاض‬
‫من أقطارنا إال بمشورته واختياره‪ ،‬وال يشير إال بأصحابه ومن كان على مذهبه‪ ،‬والناس‬
‫سراع إلى الدنيا والرياسة فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به>‪-‬الحميدي‪-‬جذوة‬
‫‪7‬‬
‫المقتبس‪-‬ص‪>-511‬‬
‫وطبعا فقد تم البيان واستوفى بخصوص هذه العالقة التكوينية للتفرق الموهن أهله‪ ،‬عالقته‬
‫بالعوامل التكتلية التي ال أساس لها من الحق تقوم عليه‪ ،‬وذلك في تفسيرنا وتطرقنا للتفرقين أو‬
‫النوعين األولين من التفرق‪.‬‬
‫كما أن الجدلية في العالقة بين الشيع السياسية وفتاوى معينة لها قيمة مؤشراتية وبيانية لهذه‬
‫العالقة في كينونتها وطبيعتها المقاصدية التي تبقى مرجوحة ألن تعتبر مقاصد شرعية‪ .‬وعلى‬

‫‪ 6‬محمد محجوبي‪ :‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي‪ -‬ص‪245‬‬


‫‪ 7‬دراسات في تاريخ األندلس وحضارتها من الفتح حتى الخالفة‪ -‬أحمد بدر‪ -‬ط‪ -2‬ص‪141‬‬

‫‪12‬‬
‫أي فإن التأثير البيني المنعكس بين الوظيفة الحقة والتكتالت األرضية‪ ،‬أي التأثير ما بين الديني‬
‫والسياسي‪ ،‬على معنى القاموس المتداو المبتسر‪ ،‬إذ الوجود مطلقه ديني‪ ،‬هذا التأثير متضمن‬
‫بيانيا في ما تلونا قبل حين من آيات القرآن المجيد المسطرة على عالقة تفرق الدين بالتشيع‪،‬‬
‫أي التفرق التكتالتي‪ .‬وليس يعدم المتفحص على اختالف درجات الدراسة ومستويات النظر‬
‫من كم هائل واف من الوضوح واإلثبات لهذا االرتباط العضوي السياسي االجتماعي‪ ،‬الذي‬
‫غالبا ما تأتي مقولة (الشعوب على دين ملوكها) لإلعراب والتعبير عنه‪ .‬غير أن األمر الواجب‬
‫ذكره واستحضاره حيثما لزم محاجة دعاة ربوبية البشر وعبوديتهم‪ ،‬وهم يزعمون ملبسين‬
‫االقتداء بالعلماء أئمة ورثة األنبياء‪ ،‬هو معنى الربانية وشرطها المتمثل في الجمع بين الحكمة‬
‫واألصو بما نز من الحق والعلم المبين في قوله عز وجل‪{:‬ولكن كونوا ربانيين بما كنتم‬
‫تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون'}(آ عمران‪ )41‬مما تناولنا إطاره الفقهي في الجزء األو‬
‫من المنهاج‪ ،‬ضمن النظمة المفاهيمية للسنة واالتباع والنمطية والربانية‪.‬‬
‫ولو ذهبنا في مطلق البيان وحكم العلم بغية تسوير الموضوع في جوانب تحديده وحقيقته‪ ،‬لقلنا‬
‫بأن كل ما يناقض ويخالف خاصة المجد في الحق من حيث مجا سريانه‪ ،‬والقرآن مجيد‬
‫ومبارك كما مجا رسالته صلى هللا عليه وسلم إلى يوم الدين‪ ،‬فكل ما يخالفها ويناقض أحادية‬
‫المشكاة القانونية والتشريعية‪ ،‬ووحدة األمة وتكتلها الموحد على صبغة الحق‪ ،‬ال على ما دونها‬
‫وما سواها‪ ،‬من عصبية أو قومية أو قطرية جاهلية معتبرة غاية ومستقرا لذاتها‪ ،‬كل ذلك‬
‫باطل‪ ،‬وإنها ال تعمى األبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‪ .‬وإن أيا وكال من يدعو‬
‫إلى ذلك بأي حا كان وادعاء‪ ،‬فحقيقته شيئية يسخرها الباطل كيف يشاء‪ .‬وكذلك كان فيمن‬
‫قبلنا من اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون هللا‪ ،‬ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا جميعا عن‬
‫سواء السبيل‪ ،‬ملبسين أمرهم على الناس يدعون الحق واالقتداء بالعلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وهم‬
‫يعلمون تلبيسهم الحق بالباطل وكذب دعواهم وكذب ما يزعمون‪.‬‬
‫هذا الشرط الرباني‪ ،‬وهو ضمن آية المنهاج من سورة آ عمران‪ ،‬هو شرط الكفاية؛ والشرط‬
‫الضروري الذي يسبقه الذي اعتبرناه في عدم االختالف التوافقي مع األصو ومع الحق‪ ،‬لن‬
‫يكون منتجا عنه حتما التحديد الحل للسؤا أو النازلة الفقهية‪ .‬فكل حقائق المجا والحق ال‬
‫تناقض بينهما‪ ،‬وال تختلف مع المجا ككل؛ لكنها ال تبقى كذلك في متعلقها ومناطات مقوالتها‬
‫وقيمها‪ .‬وبناء عليه يتنز شرط الحكمة للتوافق الكامل مع الحق على تبع مناطاته بإمكاناتها‬
‫الالمعدودة والالمحدودة‪ ،‬حيث مجالها هو مجا التواجد واالستخالف‪ ،‬مجا العبادة الكلي‪.‬‬
‫فكما سلف في الجزء األو من المنهاج‪ ،‬وتم تأكيده في غيره من المواضع فها هنا بؤرة‬

‫‪13‬‬
‫اإلشكا ‪ .‬فبالنسبة لهذا الوصف الحقائقي وموافقته للحق وتطابقه مع الواقع‪ ،‬فالحكم فيه موحد‬
‫على الخط العلمي البين البارز‪ :‬ابن عباس والبخاري والعسقالني‪ ،‬خط ذي مرجع قوي‬
‫موصو بواثق العلم وعروته الوثقى‪ ،‬اآلية من سورة آ عمران التي أمكن إن أمكن وجاز‬
‫تسميتها بآية المنهاج‪.‬‬
‫وإذا تقرر هذا‪ ،‬وأبصرنا بهذه الحقيقة المحورية الكبرى في منهاج االستخالف‪ ،‬فال يبقى شأن‬
‫التحقيق وتفعيله إال في تعيين مكونات هذين الشرطين معا‪ ،‬شرطي ومكوني الربانية‪ ،‬اآللية‬
‫المنهاجية للفقه والتشريع وإنزا أمر هللا تعالى بالحق؛ وبتعبير واضح مبسط يكون السؤا ‪ :‬ما‬
‫هو اإلطار الضوابطي لعملية استنباط قو الحق وحكمه في مجا االستخالف‪ ،‬مجا االمتداد‬
‫التواجدي؟‬
‫إن البيان األولي لتحقيق االمتداد وعملية التنزيل واالستنباط نجعله أو نراه ممثال في األثرين‬
‫المحفوظين‪ ،‬األو المقترن ببعثه صلى هللا عليه وسلم معاذا بن جبل رضي هللا عنه إلى اليمن؛‬
‫هذا األثر يد على مكونية االجتهاد وعلى إطاره العملي‪ .‬والثاني رسالة أمير المؤمنين وخليفة‬
‫رسو هللا صلى هللا عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي هللا عنه إلى قاضيه أبي موسى‬
‫األشعري رضي هللا عنه التي نصها‪:‬‬
‫<بسم هللا الرحمان الرحيم‪ ،‬من عبد هللا عمر بن الخطاب إلى عبد هللا بن قيس‪ ،‬سالم عليك‪.‬‬
‫أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة‪ ،‬وسنة متبعة‪ ،‬فافهم إذا أدلي إليك‪ ،‬ال ينفع تكلم بحق ال نفاذ‬
‫له‪ ،‬وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى ال ييأس الضعيف من عدلك وال يطمع‬
‫الشريف في حيفك‪.‬‬
‫البينة على من ادعى واليمين على من أنكر‪ ،‬والصلح جائز بين المسلمين إال صلحا أحل حراما‬
‫أو حرم حالال‪ .‬ال يمنعك قضاء قضيته باألمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع‬
‫الحق؛ فإن الحق قديم‪ ،‬وإن الحق ال يبطله شيء‪ ،‬ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل‪.‬‬
‫الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب أو السنة‪ .‬اعرف األمثا واألشباه ثم‬
‫قس األمور عند ذلك؛ فاعمد إلى أحبها عند هللا وأشبهها بالحق فيما ترى‪ .‬واجعل للمدعي أمدا‬
‫ينتهي إليه؛ فإن أحضر بينة أخذ بحقه‪ ،‬وإال وجهت القضاء عليه؛ فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ‬
‫في العذر‪.‬‬
‫المسلمون عدو بعضهم على بعض إال مجلودا في حد أو مجربا في شهادة زور‪ ،‬أو ظنينا في‬
‫والء أو قرابة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إن هللا تولى منكم السرائر وأدرأ عليكم بالبينات‪ ،‬وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس‬
‫والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب هللا بها األجر ويحسن بها الذخر؛ فإنه من يصلح‬
‫نيته فيما بينه وبين هللا ولو على نفسه يكفه هللا ما بينه وبين الناس‪ ،‬ومن تزين للناس بما يعلم هللا‬
‫منه غير ذلك يشنه هللا؛ فما ظنك بثواب عند هللا في عاجل رزقه وخزائن رحمته‪ ،‬والسالم‬
‫‪8‬‬
‫عليك>‬
‫هذه الرسالة هي بمثابة نص قانوني إطار‪ ،‬إطار جامع مانع في ضوابط االستنباط والمعايير‬
‫المنجزة المتداد الحق‪ .‬والمكونات الداللية للنص تمثيلها بين جلي كالتالي‪:‬‬
‫شرط عدم االختالف يمثله‪(:‬إال صلحا أحل حراما أو حرم حالال)‬
‫والتوافق مع النازلة يمثله‪(:‬الفهم الفهم‪...‬إلى قوله‪ :‬وأشبهها بالحق فيما ترى)‬
‫والمعايير التأطيرية كأحكام مرتبطة بإطار اإلعما والحكم من اعتبار للبيئة االجتماعية‬
‫وأحكامها الشرعية واألخالقية العامة‪ ،‬كل ذلك ضمن الواصل الجامع بين الحكمة والدراسة‬
‫الممثل في شرط الربانية‪ .‬لكن التأصيل للموضوع في كليته وصلب حقيقته وماهيته‪ ،‬وبصفة‬
‫أساس وأخص نسبة درجته في الحق‪ ،‬تأصيل امتداد الحق المنوط تكليفا بالعبد علما مستنبطا‬
‫وتعيينا عمليا هو ما لزم إبرازه هنا مما يمثله ويد عليه قوله‪(:‬ال يمنعك قضاء قضيته‪ ...‬إلى‬
‫قوله خير من التمادي في الباطل)‬
‫فهذا هو المؤطر لقدر الحكم ونسبة القو اإلنساني مهما كان هذا اإلنسان في نفسه أو عند‬
‫الناس‪ .‬إن الحق قديم وبه تم الخلق وقامت السماوات واألرض‪ ،‬وإن مشكاته هي ذات مشكاة‬
‫رساالت الحق وكتبه سبحانه وتعالى إلى خلقه من بني آدم على مسار التاريخ ومساحة وجود‬
‫البشر على األرض كما هو في سياق سورة األعراف في قوله عز وجل‪{:‬ولقد جئناهم بكتاب‬
‫فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون'}(األعراف‪ )51‬حيث الضمير في (جئناهم) يعود‬
‫على بني آدم في األرض ومسار التاريخ جميعا‪.‬‬
‫وهذا اإلنسان كيفما اعتبر وجب عليه العمل بإمكان الرجوع في قضاء قضاه باألمس‪ ،‬وهو أمر‬
‫يوجبه الحق ويلزمه‪ .‬فانظر وقاني هللا وإياك إلى ما يؤو إليه استبدا أحكام وأقوا صرف‬
‫مذهبية منسوبة إلى رجا من الناس‪ ،‬وهي أحكام ال تخرج عن أسر شروطها التعيينية‬
‫والتحيينية محددة بها كأحكام قانونية‪ ،‬استبدالها بما هو من المشكاة المجيدة في قانون وتشريع‬
‫الخليقة إلى يوم الدين‪ ،‬بما نز من السماء في الكتاب وتم تبيانه بنبوته صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬

‫توثيق وتحقيق ودراسة ألحمد سحنون‪ -‬ص‪ -515‬طبع ونشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ -1552 -‬محمد محجوبي‪-‬‬
‫‪8‬ص‪245‬‬

‫‪15‬‬
‫مشكاة قانونا ونورا مجيدا منفتحا‪ ،‬من لدن حكيم خبير يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون‬
‫إلى يوم الدين؛ فماذا بعد الحق إال الضال ‪..‬‬
‫إن الحق قديم‪ ،‬وهذا هو المبدأ الثابت والقانون العروة؛ كل قوانين األمر والخلق في الكون مما‬
‫موضوعه العلوم تجليات له وتفصيل؛ هو الذي حملنا عليه هذا البناء من علم الحق في هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬قانون الكون المشهود وقانون الكتاب قرآنا منزال وتشريعا قانون واحد‪ ،‬وهذا هو دليل‬
‫الحسم في بطالن وباطل األرباب المذاهبية‪ ،‬المنسوبة والموسومة بأسماء علماء ورجا‬
‫صالحين برءاء من هذه المذاهب‪ ،‬التي لم تنشأ إال من بعدهم كدأب قوم نوح في صالحيهم‪ ،‬ود‬
‫وسواع ويغوث ويعوق ونسر‪ ،‬وزيغهم عن الحق وضاللهم‪.‬‬
‫<وقد فارق ابن القاسم الذي رويت عنه المدونة مالكا في حياته وتوطن مصر كما هو مبسوط‬
‫في كتب التاريخ‪ ،‬ويد على ذلك قو سحنون راويها‪ :‬كنت عند ابن القاسم وأجوبة مالك ترد‬
‫عليه‪ ،‬فقا لي ما يمنعك من السماع منه؟ قلت‪ :‬قلة الدراهم‪ .‬وروي عنه أنه قا ‪ :‬قبح هللا الفقر‪،‬‬
‫أدركنا مالكا وقرأنا على ابن القاسم‪ .‬وسحنون وصل إلى ابن القاسم سنة ثمان وسبعين ومائة‬
‫وهو ابن ثمان عشرة سنة‪ ،‬وتوفي مالك رضي هللا عنه في ربيع األو سنة تسع وتسعين‬
‫‪9‬‬
‫مائة‪>.‬‬
‫وكذلك باطل ترسيخ المذهبية تقليدا‪ ،‬فإنها حجة واهية كما نتلوه في حجة هللا البالغة والقرآن‬
‫المجيد‪{:‬ولقد آتينا إبراهيم رشده وكنا به عالمين' إذ قا ألبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم‬
‫لها عاكفون' قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين'}(األنبياء‪)55..51‬‬
‫يقو عفيف عبد الفتاح طبارة بخصوص هذا التعليل الباطل‪:‬‬
‫<كان تعليل هؤالء القوم لعبادتهم األصنام هو أنهم وجدوا آباءهم عابدين لها فاقتدوا بهم‪.‬‬
‫هذه هي الحجة الواهية التي يبرزها المفسدون في وجوه المصلحين في كل زمان‪ ،‬وما أوهاها‬
‫‪10‬‬
‫من حجة يعطلون بها عقولهم ويصبحون منقادين لسلفهم كالبهائم‪>.‬‬
‫وإنه يكفي استدالال بما نز من الحق لمن ابتغى الهدى وتحرى الحق في أحادية ناموس الخلق‬
‫واألمر‪ ،‬حجة داحضة لمن قا وجدنا آباءنا على مذهب فنحن على آثارهم مقتدون‪ ،‬كما كان‬
‫حجة داحضة لمن قا بحوار األديان‪ ،‬أن نتلو قوله تعالى مؤمنين به‪:‬‬
‫{أال له الخلق واألمر'}(األعراف‪)55‬‬

‫محمد بن أبي مدين الشنقيطي‪ :‬الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪-‬ص‪-52‬ط‪1555-2‬ه‪1545-‬م‪-‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫‪9‬اإلسالمية بالمغرب‬
‫‪ 10‬مع األنبياء في القرآن الكريم‪ -‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪-‬فصل 'إبراهيم وعبادة األصنام'‪-‬ص‪-101‬ط‪-14‬دار العلم للماليين‪ -‬بيروت‬

‫‪16‬‬
‫{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه'}(الشورى‪)11‬‬
‫وهذا قوله سبحانه وتعالى أتى على الذي أحسن بيانا في وحدة ناموس الطبيعة والشريعة‪:‬‬
‫{إن ربكم هللا الذي خلق السماوات واألرض في ستة أيام ثم استوى على العرش' يدبر األمر'‬
‫ما من شفيع إال من بعد إذنه' ذلكم هللا ربكم' فاعبدوه' أفال تذكرون'}(يونس‪)5‬‬
‫وقوله سبحانه‪:‬‬
‫{ألمر' تلك آيات الكتاب' والذي أنز إليك من ربك الحق' ولكن أكثر الناس ال يؤمنون' هللا الذي‬
‫رفع السماوات بغير عمد' ترونها' ثم استوى على العرش' وسخر الشمس والقمر' كل يجري‬
‫ألجل مسمى' يدبر األمر' يفصل اآليات لعلكم بلقاء ربكم توقنون'}(الرعد‪.)2-1‬‬
‫وكذلك على هذه الحقيقة السابقة للحقائق أمرا مسلما بها واآلية العلمية معلم الحق في العلوم‬
‫كلها تم على بصيرة وبرهان من الحق دحض المعنى الخاطئ للربوبية في مقولة التقسيم‬
‫الجائرة الفاصلة بغير الحق فصال غير جائز للربوبية عن األلوهية‪.11‬‬
‫وإيجاز التذكرة بهذه الحقيقة المنتظمة ألمر الخلق والتشريع‪ ،‬قانونا واحدا نصا وإحالة‪ ،‬نذارة‬
‫بالغة‪ ،‬هذا قو هللا تعالى فيه لمن ألقى السمع وهو شهيد‪:‬‬
‫{حم' تنزيل الكتاب من هللا العزيز الحكيم' ما خلقنا السماوات واألرض وما بينهما إال بالحق‬
‫وأجل مسمى' والذين كفروا عما أنذروا معرضون'}(األحقاف‪)2-1‬‬
‫{وبالحق أنزلناه' وبالحق نز '}(اإلسراء‪)105‬‬
‫بناء عليه لو سعينا في تمثيل ووضع قضية المذاهب الفقهية المضلة أهلها على حذو من قبلهم‪،‬‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعا‪ ،‬موضعها على نسبة الحق والصراط المستقيم‪ ،‬فأمره جلي ساطع‬
‫برهانه وحاسم دليله من خال العالقة التأصيلية لهذا االرتباط واألحادية القانونية الممثلة كما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ 11‬انظر الجزء األو من تذكرة العلماء في الربانية والمنهاج‬

‫‪17‬‬
‫قانون الوجود‬
‫‪-‬الحق‪-‬‬

‫قانون الشرع‬ ‫قانون الخلق‬

‫من هنا يتبين لنا أن عمل الفقيه هو الدراسة وبذ الجهد في تحديد تقاطع القانون مع المجا‬
‫التواجدي‪ .‬وجلي أن الطبيعة مجا عمل العالم الطبيعي والتواجد الحياتي ونوازله إذا لم يكن‬
‫فيها حكم أصل‪ ،‬فهذا من عمل ووظيفة الفقيه والعالم الرباني‪ ،‬العالم باألصو والمستنبط‬
‫المحقق بالحكمة‪ .‬وهذا التعريف أدق تحديدا وانطباقا لغيره من التعاريف التي ال تخرج عن‬
‫تعريف الفارابي رحمه هللا تعالى كون <صناعة الفقه – هي التي بها يقتدر اإلنسان على أن‬
‫يستنبط تقدير شيء مما لم يصرح واضع الشريعة بتحديده على األشياء التي صرح فيها‬
‫بالتحديد والتقدير‪ ،‬وأن يتحرى حسب غرض واضع الشريعة بالعلة التي شرعها في األمة لها‬
‫شرع>‪ 12‬وكما قا ابن خلدون رحمه هللا تعالى‪< :‬الفقه معرفة أحكام هللا تعالى في أفعا‬
‫المكلفين بالوجوب والجذر والندب والكراهة واإلباحة‪ .‬وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصه‬
‫‪13‬‬
‫الشارع لمعرفتها من األدلة‪ ،‬فإذا استخرجت األحكام من تلك األدلة قيل لها فقه>‬

‫‪ - 2‬المذهبية وأد للعقل الفقهي وحد لسريان قانون الحق‬

‫هذا وإذا كان للعالم وللعلم فضل عظيم ومزية تفضل كل المزايا مما جاء تقريره وعلمه في‬
‫حديث رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك هللا به طريقا من طرق الجنة‪ .‬وإن المالئكة لتضع‬
‫أجنحتها رضى لطالب العلم‪ .‬وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في األرض والحيتان‬

‫‪ 12‬أبو نصر الفارابي‪ :‬إحصاء العلوم‪ -‬ص‪ -15‬قدم له وشرحه وبوبه الدكتور علي بوم لحم‪ -‬دار ومكتبة الهال ‪-‬ط‪1551-1‬‬
‫‪ 13‬نفس المصدر‪ -‬أسفل نفس ص‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫في جوف الماء‪ ،‬وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب‪ .‬وإن‬
‫العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وإن األنبياء لم يورثوا دينارا وال درهما‪ ،‬وإنما ورثوا العلم‪ ،‬فمن أخذه‬
‫‪14‬‬
‫أخذ بحظ وافر))‬
‫وعن أبي أمامة الباهلي رضي هللا عنه قا ‪:‬‬
‫((ذكر لرسو هللا صلى هللا عليه وسلم رجالن أحدهما عابد واآلخر عالم‪ ،‬فقا رسو هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم‪ .‬ثم قا رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫إن هللا ومالئكته وأهل السماوات واألرض حتى النملة في جحرها‪ ،‬وحتى الحوت‪ ،‬ليصلون‬
‫‪15‬‬
‫على معلم الناس الخير))‬
‫فلئن كان هذا الفضل العظيم والدرجة العليا ما صح به الخبر فضال للعالم عما سواه‪ ،‬موثوقا‬
‫بأصدق تقييم وأحق معيار‪ ،‬فشأن الفقيه والرباني أعظم‪ ،‬ألنه واسطة الوصل بين التنزيل‬
‫المجيد والنواز المحدثة المستجدة المنفتحة اإلمكان؛ هو المترجم‪ ،‬وهو القارئ القانوني لقانون‬
‫الكون وظواهر الطبيعة‪ ،‬ومعادالته المتجلية وكتاباتها‪ ،‬وفقهها العلمي والتصوري؛ القارئ لهذا‬
‫القانون في مجا حياة واجتماع اإلنسان‪ ،‬وسياسته ومؤسساته اإلدارية واالجتماعية وغيرها‪.‬‬
‫وإن هذا التحديد والتمييز الفقهي العلمي مستلزم وموجب التسطير عليه تذكرة علمية مقررة‪،‬‬
‫حقيقة وقوال مبدئيا‪ ،‬مؤصال ومبنيا عليه ما يليه وما بعده من األقوا واألحكام‪ ،‬ونسج الحقائق‬
‫والفكر والمقو ‪ ،‬في التقرير المثبت البن حجر العسقالني والبخاري وابن عباس في الفصل‬
‫بين العالم والفقيه أو بين الحافظ والرباني بيانا نتلوه في قوله تعالى‪{:‬ولكن كونوا ربانيين بما‬
‫كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون'}(آ عمران‪.)41‬‬
‫فيستنبط إذا بكفل استيفاء البصيرة والبينة في العلم أن القوة القارئية‪ ،‬بله التشريعية‪ ،‬المالئمة‬
‫والالزمة لمجا تعاصري وباألحرى لقرن أو قرنين أو ما يزيد‪ ،‬ال يسطيعها إنسان وال أي‬
‫مخلوق كان‪ ،‬ألن شرط مجد السريان ال يكفله إال مطلق العلم‪ ،‬مما ليس يختص به غير هللا‬
‫سبحانه وتعالى وسع علمه السماوات واألرض‪ ،‬وهو الحكيم الخبير‪ .‬وبناء عليه فحقيقة وشأن‬
‫هؤالء الرجا والصالحين من األئمة والعلماء‪ ،‬اإلمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي‬
‫حنيفة وغيرهم‪ ،‬ال يعدو وال ينبغي له أن يجاوز سقف الوظيفة وشرف الفضل الذي كتبه هللا‬

‫‪ 14‬عن أبي الدرداء رضي هللا عنه‪ :‬أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي‪ -‬باب العلم من األبواب المنتخبة‬
‫‪ 15‬رواه الترمذي‬

‫‪19‬‬
‫تعالى العزيز الحكيم لذرى ورثة األنبياء وأعلم أهل األرض المثبت في حديث رسو هللا صلى‬
‫‪16‬‬
‫هللا عليه وسلم‪((:‬إن هللا يبعث لهذه األمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها))‬
‫هذه الحقيقة والقانون الحق ال ريب فيه‪ ،‬هو الذي يفسر ذلكم المسار والصعود العلمي والفقهي‬
‫البن تيمية في معراج قانون الكتاب والشريعة كما يقو الدكتور محمد يوسف موسى في مؤلفه‬
‫(ابن تيمية) من سلسلة (أعالم العرب)‪:‬‬
‫<‪ ..‬وكان من الطبيعي أن يكون ترتيب آرائه وفتاويه على هذا النحو‪ ،‬فقد كان أو أمره حنبليا‬
‫كما عرفنا‪ ،‬ومن تم كان يتقيد غالبا بمذهب إمامه بعد بحث واقتناع بأدلته‪ .‬ثم انتقل به الزمن‬
‫والبحث خطوة أخرى‪ ،‬فطوف في محيط المذاهب المعروفة‪ ،‬وحلق في سماواتها‪ ،‬فكان يفتي‬
‫بما يراه الحق غير متقيد بمذهب واحد منها‪ ،‬وإن كانت فتاواه في هذه الحقبة ال تخرج عن‬
‫دائرتها جميعا‪.‬‬
‫وحين صارت دراساته عميقة كل العمق‪ ،‬واستحصد عقله تفكيره‪ ،‬كانت له اجتهادات بعقله في‬
‫‪17‬‬
‫دائرة النصوص ومقاصد الشريعة العامة‪ ،‬خالف فيها المذاهب جميعا‪>. .‬‬
‫بل وإننا هنا نهيب بأولي البصائر والراسخين في العلم الذين ال يخافون في هللا لومة الئم‬
‫وما كان لهم أن تأخذهم العزة بما وجدوا عليه قومهم من هذه المذاهب‪ ،‬نهيب بهم ونستنهضهم‬
‫إن هم رأوا شيئا مما أخذ هللا عليهم الميثاق بتبيانه للناس وعدم كتمانه‪ ،‬من كون أو صيحة‬
‫بالحق صادعة بأمره كانت هي كلمة ما أمسى بعد حين من اختالط الحق بباطل البيان‪ ،‬يسمى‬
‫ويوصد عليه بهذا الحصر والوصف بالمذهب الظاهري‪ ،‬الذي < أو من نشر مبادئه في‬
‫األندلس وعرف به أهله هو عبد هللا بن محمد بن قاسم بن هال المتوفى سنة ‪242‬ه‪115 -‬م‪،‬‬
‫وكان من أوائل الظاهريين عامة؛ كان في بدايته مالكيا‪ ،‬لكنه رحل إلى المشرق وتتلمذ على‬
‫صاحب المذهب داود الظاهري‪ ،‬ونسخ كتبه بخطه‪ ،‬وأقبل إلى األندلس‪ ،‬وكان يجمع بين‬
‫المذهبين الشافعي والظاهري‪ ،‬غير أنه في نهاية المطاف انقطع إلى المذهب الظاهري فاجتهد‬
‫في نشره‪.‬‬
‫وإذا كان عبد هللا لم يؤثر بشكل واضح في نشر المذهب الظاهري‪ -‬ألن هذا المذهب لم يظهر‬
‫بوضوح إال في القرن الثالث الهجري‪ -‬فإن الفقيه الشهير القاضي منذر بن سعيد البلوطي يعتبر‬
‫‪18‬‬
‫المدافع الحقيقي عن المذهب الظاهري في األندلس)‬

‫‪ 16‬أبو داود عن أبي هريرة رضي هللا عنه‬


‫‪ 17‬الدكتور محمد يوسف موسى‪ :‬سلسلة أعالم العرب‪ -‬ابن تيمية‪-‬ص ‪221‬‬
‫‪(18‬ابن حزم الظاهري‪ -‬حياته وعصره‪ -‬محمد محجوبي‪ -‬ص‪)104‬‬

‫‪20‬‬
‫وجاء على حاشية النص والقو ما هو أجدر بالتنصيص عليه أكثر من غيره حكمة للبيان‬
‫والمقصد والغاية في استجالء الصورة‪:‬‬
‫<هو منذر بن سعيد بن عبد هللا بن عبد الرحمان البلوطي(‪ ...)511 -111( )555-242‬رحل‬
‫إلى المشرق ودرس على شيوخه‪ :‬فقد سمع بمكة من محمد بن المنذر النيسابوري‪ ،‬وروى‬
‫بمصر عن أبي العباس بن والد‪ ،‬كما روى عن أبي جعفر النحاس(راجع‪ :‬المقري في‬
‫النفح‪ .)221\2:‬وعندما عاد إلى بلده أنكر تقليد المالكيين‪ ،‬واجتهد في إذاعة مبدإ دراسة‬
‫األصو بحرية (وهو الذي قا به داود‪)..‬‬
‫يقو سعيد بن منذر البلوطي رحمه هللا (معيبا على المالكية تقليدهم األعمى لإلمام مالك‬
‫وتابعيه ما يلي‪:‬‬
‫طلبت دليال‪ -‬هكذا قا مالك‬ ‫عذيري من قوم يقولون‪ -‬كلما‬
‫وقد ال تخفى عليه المسالك‬ ‫فإن عدت قالوا‪ :‬هكذا قا أشهب‬
‫فإن زدت قالوا‪ :‬قا سحنون ومثله ومن لم يقل ما قاله فهو آفك‬
‫فإن قلت‪ :‬قا هللا‪ ،‬ضجوا وأكثروا وقالوا جميعا‪ :‬أنت قرن ماحك‬
‫‪19‬‬
‫)‬ ‫أتت مالك في ترك ذاك المسالك‬ ‫وإن قلت‪ :‬قا الرسو ‪ ،‬فقولهم‬
‫وإذا تبين أن األمر هاهنا مرده السعة العلمية‪ ،‬وجاء ذلك يؤكده القرآن العظيم بقوة حتى ال تز‬
‫األهواء بأصحابها‪ ،‬وفيمن قبلنا العبرة والمثالت‪ ،‬جاء حكما ثابتا وأصال للمعرفة والعلم كال‬
‫ومطلقا‪ ،‬حيث أتى دليال في اختصاص هللا تعالى الذي يعلم والناس ال يعلمون‪ ،‬اختصاصه‬
‫سبحانه بالتشريع‪:‬‬
‫{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنز هللا قالوا نتبع ما ألفينا عليه آباءنا' أو لو كان آباؤهم ال يعقلون شيئا‬
‫وال يهتدون'}(البقرة ‪)115‬‬
‫{وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنز هللا وإلى الرسو قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا' أو لو كان‬
‫آباؤهم ال يعلمون شيئا وال يهتدون'}(المائدة ‪)105‬‬
‫{كتب عليكم القتا وهو كره لكم' وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم' وعسى أن تحبوا شيئا‬
‫وهو شر لكم' وهللا يعلم' وأنتم ال تعلمون'}(البقرة ‪)214‬‬
‫إذا تبين هذا حكما صريحا بنصه‪ ،‬فإن ما يستنبط فقها من آيات القرآن الحكيم من سورة الكهف‬
‫في شأن قصة موسى عليه السالم مع الرجل الصالح‪ ،‬ينطبق به دليل األقصى واألحرى لمن‬
‫رضي باهلل ربا وبمحمد رسوال‪ ،‬ولم يغش قلبه وتعم بصيرته المذهبية المفرقة للدين‪ ،‬التي هي‬

‫‪( 19‬نفس المصدر‪-‬ص‪)101‬‬

‫‪21‬‬
‫في حقيقتها حذو ما حذا من قبلنا من اتخاذ العلماء واألحبار أربابا من دون هللا وإن اختلفت‬
‫أسماء مكونات هذه الحقيقة وصيغتها‪.‬‬
‫فدعوة داود (الظاهري) إذا هي دعوة للحق في فقه الشريعة اإلسالمية ودين هللا الحق‪ ،‬ليس‬
‫يصح أن تعتبر هذا االعتبار المغرض كونها مذهبا على غرار ومعنى ما يسمى بالمذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬مع تقرير الحكم ببطالن وضال ابن حزم المجزوم به في رده للقياس‪ < :‬نجده ينطلق‬
‫في (كتابه األحكام) في الرد على القائلين بالقياس من قو <ال إله إال هللا> أي أن هللا واحد وال‬
‫معبود غيره‪ ،‬بعث رسوله صلى هللا عليه وسلم إلى الجن واإلنس من أجل التوحيد الذي ينبني‬
‫عليه اإلسالم‪ .‬وقبل نزو الشرائع كان كل شيء مباحا‪ ،‬وبعدها أتى تعالى باألوامر والنواهي‪،‬‬
‫فما أمر به فهو واجب‪ ،‬وما نهى عنه فهو حرام‪ ،‬وما لم يأمر به وال نهى عنه فهو مباح مطلق‬
‫حال كما كان‪ .‬هذا أمر معروف بفطرة العقو من كل أحد‪ ،‬ففي ماذا يحتاج إلى القياس أو إلى‬
‫الرأي؟>‬
‫ثم يضيف‪:‬‬
‫<أليس من أقر بما ذكرنا‪ ،‬ثم أوجب ما ال نص بإيجابه‪ ،‬أو حرم ما ال نص بالنهي عنه‪ ،‬قد‬
‫‪20‬‬
‫شرع في الدين ما لم يأذن به هللا تعالى؟ وقا ما ال يحل القو به؟>‬
‫ال جدا في تعصب ابن حزم هنا لحكم خاطئ جلي خطؤه يرده صريح القرآن وما ال يقوم‬
‫التشريع به للبيئة التكليفية المنفتحة والمتسعة إال به‪ ،‬فالخطاب القرآني مجيد واالعتبار‬
‫واالستنباط من الكتاب والسنة شريعة ذلك وطريقه‪ ،‬ومنواله وسبيله الذي به يحصل تنزيله‬
‫وتحقيقه‪ .‬وال جدا كذلك أن رد أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي على ابن حزم كان فيه‬
‫البيان األوفى واألبلج‪.‬‬
‫ولنعد إلى ما قاله الشوكاني رحمه وإلى إنكاره‪ ،‬ولنتدبر كالمه جيدا‪ ،‬وإنه الحق ال ريب لمن‬
‫أراد أن يذكر وأسلم وجهه هلل رب العالمين‪ ،‬ال لوالءات ضيقة محدودة وإن تلبست كما هو دأب‬
‫الباطل وتلبيس إبليس‪ ،‬ولو تلبست بالحق وبمسمى المذهب الفقهي‪:‬‬
‫<‪ ...‬فهل تزعمون أن رسو هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قا عليكم بسنة أبي حنيفة ومالك‬
‫والشافعي وابن حنبل حتى يتم لكم ما تريدون؟‪>..‬‬
‫عن مالك بن أنس رحمه هللا أنه قا ‪:‬‬
‫<إنما أنا بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬فانظروا في رأيي‪ ،‬فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه‪ ،‬وكل ما‬
‫‪21‬‬
‫لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه>‬

‫‪( 20‬نفس المصدر‪-‬ص‪)124‬‬

‫‪22‬‬
‫وعن الشافعي رحمه هللا قوله‪:‬‬
‫<كل مسألة يصح فيها الخبر عن رسو هللا صلى هللا عليه وسلم عند أهل النقل بخالف ما قلت‬
‫‪22‬‬
‫فأنا راجع عنها في حياتي ومماتي>‬
‫يقو القاضي محمد سويد جزاه هللا تعالى عن المسلمين خير الجزاء في كتابه (المذاهب‬
‫اإلسالمية الخمسة والمذهب الموحد)‪:‬‬
‫<ولست أنكر أو أتنكر لسادتنا األئمة‪ ،‬ولكنهم هم الذين سينكرونني وينكرونك لو قدر لهم أن‬
‫يعودوا أحياء إلينا‪ ،‬وهم الذين سيقولون لك ولي‪ :‬أردنا لكم الهداية وأردتم الضال ‪ .‬فتحنا لكم‬
‫‪23‬‬
‫األبواب فأقفلتموها‪ .‬لم نقل لكم بالمذهبية ولم نقل لكم اجعلوها دينكم‪>.‬‬
‫والحق إنهم جعلوها دينا‪ ،‬كل مذهب هو في الواقع والحقيقة دين مهما سموا الحقائق وواقع بغير‬
‫صفته وحقيقته‪ ،‬فهم بدلوا من بعد رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وفرقوا دينهم وكانوا شيعا‪،‬‬
‫أي فرقا ومذاهب‪ ،‬وهذا صنيع وسبيل ما أضل به الشيطان من قبلهم من األمم‪ .‬يقو محمد بن‬
‫أبي مدين الشنقيطي في كتابه القيم 'الصوارم واألسنة في الذب عن السنة'‪:‬‬
‫<وفي الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد في كل عصر فرض للسيوطي ما‬
‫نصه‪ :‬قا ابن حزم‪ :‬ويكفي في إبطا التقليد أن القائلين به مقرون على أنفسهم بالباطل ألن كل‬
‫طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرة بأن التقليد ال يحل‪ ،‬وأئمتهم الثالثة قد نهوا عن‬
‫تقليدهم ثم مع ذلك خالفوهم وقلدوهم وهذا عجب ما مثله عجب حيث أقروا ببطالن التقليد ثم‬
‫‪24‬‬
‫دانوا هللا به‪ .‬ا ه المراد منه بلفظه>‬
‫وهذا والعياذ باهلل السميع العليم‪ ،‬هذا ما يرى بواحا في هذه المذاهب التي فرق أصحابها الدين‬
‫الذي بعث به محمد صلى هللا عليه وسلم دينا قيما وجعلوه شيعا‪ ،‬فينشئون األطفا والنشء وهم‬
‫برءاء ال يعلمون ما يفعل بهم هؤالء الرهط‪ ،‬ينشئونهم على دين مذهب اإلمام الذي للحوزة‬
‫وللقطر‪ ،‬وما هو بدين هللا الحق يقينا‪.‬‬
‫<وفي الجزء الثاني من زاد المعاد البن قيم الجوزية في فصل ألفاظ كان صلى هللا عليه وسلم‬
‫يكره أن تقا ‪ ،‬ما نصه‪ :‬ومنها الدعاء بدعوى الجاهلية والتعزي بعزائهم كالدعاء إلى القبائل‬

‫‪ 21‬الرسائل السلفية‪ ،‬انظر مفهوم الحكمة والمنهاج في الجزء األو من تذكرة العلماء في الربانية والمنهاج‬
‫‪ 22‬نفس المرجع‬
‫المذاهب اإلسالمية الخمسة والمذهب الموحد‪ :‬القاضي محمد سويد‪ -‬العبادات والمعامالت في أدق تفاصيلها عند المذاهب الخمسة‪-‬‬
‫‪23‬دار التقريب بين المذاهب اإلسالمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ -‬ط‪ -1554 -2‬ص‪504‬‬
‫الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪ :‬محمد بن أبي مدين الشنقيطي‪ -‬ص‪-115‬ط‪-2‬طبع وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫‪24‬بالمغرب‬

‫‪23‬‬
‫والعصبية لها ولألنساب‪ ،‬ومثله التعصب للمذاهب والطرائق والمشايخ وتفضيل بعضها على‬
‫بعض بالهوى والعصبية وكونه منتسبا إليه فيدعو إلى ذلك ويوالي ويعادي عليه ويزن الناس به‬
‫‪25‬‬
‫كل هذا من دعوى الجاهلية‪.‬ا ه المراد منه بلفظه>‬
‫إن الحق قديم وإن هللا سبحانه نور السماوات واألرض‪ ،‬ال إله إال هو الحي القيوم‪ .‬فالفقه‬
‫موصو أبدا بالحق‪ ،‬وبالحق تكون الحياة‪ ،‬وبه يكون ويتحقق قوام الكينونة والسيرورة الحقة‬
‫والقوية في الوجود وفي التاريخ‪ .‬بل إن هؤالء ينقضون القرآن كونه مباركا‪ ،‬والمبارك والمجيد‬
‫خاصتان متسايرتان في الحق‪ .‬هكذا يأتي تفسير اقتران الموات التاريخي بكبت الفقه وحصره‬
‫أن ينطلق ويسير كما هو الحق منفتحا مجيدا ال يحده من أمر الوجود شيء‪ .‬وإنما يحصر الفقه‬
‫ويضيق على الحق من أجل المذاهب وركودها الفقهي‪ ،‬قربانا للعالقة العضوية بالعصبة‬
‫السياسية والحزبية‪ ،‬ومصلحة الذات الحاكمة والمستبدة‪.‬‬
‫وإن من أهم مقوالت محمد الغزالي رحمه هللا كون االستبداد السياسي منتجا للشلل الفكري‬
‫والعقلي‪ .‬ها هنا موقع ومعنى المقولتين الجامعتين في قاموس التاريخ الفكري والسياسي‪ ،‬مقولة‬
‫(روح القوانين) ومقولة (عدو الشعب)؛ ذلك أنه من جهة وجانب مكون المسؤولية وعنصره‬
‫الجوهري في قيام وكينونة االجتماعي كبناء‪ ،‬وكذا من جهة وجوب ولزوم درء أي علة قد‬
‫تسبب االختال لهذا النظام والبناء‪ ،‬وقد تأتي عليه من قواعده وتؤدي بتراكم متوالي إلى تخلفه‬
‫وانحطاطه؛ من أجل هذا كله فإن الوصل البياني والبنيوي بحديث السفينة حق وثابت؛ فإنه لو‬
‫ترك هذا الرهط من المفسدين في األرض والتاريخ‪ ،‬لو تركوا وشأنهم لوقع المحذور‪ ،‬ولحل‬
‫الهالك والتخلف والهوان باألمة جميعا‪ ،‬وإن يكاد الحا والواقع يا للحسرة يكون هو حا األمة‬
‫اليوم‪ .‬اليوم األمة مستباحة طوال وعرضا من شرقها إلى مغربها‪ ،‬يقتل وينكل برجالها‪،‬‬
‫ويستحيى مغتصبات نساؤها على هو مريع أشد من رعب القاصفات والزالز ‪ ،‬ينوء كالكل‬
‫رعبها شيوخا ونساء وأطفاال رضعا؛ والراسخون في العلم أولو التأويل للحقائق ال يقصرون‬
‫الفاعل الحقيقي لذا الدمار والهالك حزب الشيطان أعداء هللا ورسوله اليهود والصليبيين‪ ،‬الذين‬
‫يعلمهم كل مؤمن ال زا له من نور الحق قبس يبصر به؛ ولكن السبب كل السبب فيمن أغرى‬
‫باألمة أعداءها وغدا بعد أمة من الدهر طابورا خامسا عدوا للشعب وإن ادعى ما ادعى هو‬
‫وسدنته‪ ،‬مفكرو الوظيفية األرضية البحتة والنفعية‪ ،‬الذين ال يعرفون منطقا للوجود وال يفقهون‬
‫له وجودا؛ ولكنها أكبر المفارقات حين يرون حقيقة أنفسهم امتدادا للوجود المطلق‪ ،‬ويعلمون‬
‫أنهم كانوا أجهل الكائنات بالكون وأبعدها عن المعرفة والعلم الحق‪ .‬إن روح االستبداد هي‬

‫‪ 25‬نفس المصدر‪-‬ص‪151‬‬

‫‪24‬‬
‫العدو‪ ،‬آثر ويؤثر الحفاظ على نفسه ولو على حساب السير التاريخي ألمة بأكملها‪ ،‬يختز‬
‫عقلها في عقله وروح نظامه‪ ،‬فتعطل روح اإلبداع والخلق‪ ،‬الذي ال مندوحة عنه في السير قدما‬
‫على قوة التاريخ واألمم ودار الحرب في الحرب والسالم؛ فإن عدوك الحقيقي هو من جردك‬
‫من سالحك فجعلك مؤخرة األمم في الصناعة وفي طاقة وقدرة الذود عن حياض وبيضة‬
‫اإلسالم‪ ،‬فترك الما والعرض والدين والعقل والمسلمين جميعا شيئا مكشوفا مستباحا للكفار؛‬
‫فبربك أي صفة شرعية باقية لهؤالء؟ وال يدافع عنهم إال عدو للحق أو جاهل أراه غباؤه قوال‬
‫ما يقو ومداهنته لعين الباطل حكمة ودعوة بمقصدها بالتي هي أحسن؛ وإن أو ما يسري‬
‫وينطلي عليه الدجل هؤالء المسمون علماء ذوو األلقاب‪ ،‬المفتقدون لنور القلب وشعلة العقل‬
‫المعبر عنه في القرآن بالفؤاد‪.‬‬
‫في هذه العالقة وارتباط االقتطاع السيادي ووأد وحصر العقل الفقهي باالستبداد السياسي يقو‬
‫األستاذ محمد محجوبي‪:‬‬
‫<ويمكن إجما األسباب الداعية إلى ظاهرة التقليد فيما يلي‪:‬‬
‫أوال ضعف السلطان السياسي للخلفاء العباسيين‪ ،‬فلم تعد دولتهم في وحدتها ومجدها كما كانت‬
‫من قبل‪ ،‬وإنما انقطعت أجزاؤها وقامت في أنحائها دويالت‪ ،‬مما أثر في حياة الفقه والفقهاء‪.‬‬
‫ففي هذا العصر انقطعت الروابط السياسية بين أقاليم االمبراطورية اإلسالمية‪ .‬ففي األندلس‬
‫استقلت الدولة األموية عن الخالفة اإلسالمية‪ ،‬فأطلق عبد الرحمان الناصر على نفسه لقب‬
‫''أمير المؤمنين'' بعدما أحس بضعف الدولة العباسية؛ وفي تونس أسس الشيعة اإلسماعيلية‬
‫دولتهم ''الفاطمية'' بزعامة عبيد هللا المهدي الفاطمي‪ ،‬الذي لقب هو اآلخر بأمير المؤمنين؛‬
‫وفي مصر ظهر محمد اإلخشيد؛ وبالموصل وحلب ظهر بنو حمدان؛ وباليمن ازدهر المذهب‬
‫الشيعي الزيدي؛ أما في بغداد فإن دولة الديلم‪ ،‬المعروفة بدولة بني بويه‪ ،‬فكانت هي صاحبة‬
‫األمر والنهي‪ ،‬أما بنو العباس فلم يبق لهم من الدولة إال مجرد اإلسم؛ وفي شرق العراق وجدت‬
‫الدولة الساسانية؛ وهكذا في باقي األقاليم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فلم يأفل نجم العلماء كما أفل نجم‬
‫السياسيين‪ ،‬إال أن ضعف حرية التعبير كان له األثر الواضح على كبت قرائح العلماء عامة‬
‫‪26‬‬
‫والفقهاء خاصة؛ فأجبروا على تقليد المذهب السائد في إقليمهم>‬
‫وهاهنا يبرز ويظهر بشكل واضح واقع اختال التوازن‪ ،‬التوازن واالنتظام الحق لالجتماع‬
‫التاريخي سيرورة تواجدية واستخالفا‪ ،‬بعلة وعامل غلبة التكتل األرضي الذي غدا بسنن‬
‫االجتماع الفاعل والمؤثر والموجه‪ ،‬وأصبحت الحقيقة الشرعية والفقهية تابعة محض تابعة؛‬

‫‪ 26‬محمد محجوبي‪ :‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي‪ -‬ص‪240‬‬

‫‪25‬‬
‫فكيف والحا هاته أن يكون المكون الشرعي والفقهي متوافقا مع طبيعة ووجوب سريانه‬
‫وانفتاحه انفتاح هيمنة الحق الذي به قيومية الكون ونور السماوات واألرض وما فيهن‪،‬‬
‫والتاريخ الكوني‪ ،‬واالجتماع اإلنساني على وجه التخصيص؟‬
‫لقد أولى المسلمون وببداهة الحق اهتماما عظيما بالجانب المعرفي والعلمي توافقا مع كونه‬
‫قوام كل شيء في بيئتهم الكونية‪ ،‬تحقيقا حثيثا لشروط االستخالف على هدي الناموس والميزان‬
‫الذي به الخلق واألمر؛ فقد تم منذ أو عصر التصنيف والتدوين القيام بأعما التدبر‬
‫واالستقراء والتقعيد وغيرها من وسائل وآليات النهج المعرفي؛ فتم على هذا المنوا حصو‬
‫كم كاف وغزير من التعريفات والتقعيدات المؤسسة لنشأة صرح عظيم في مسار المعرفة‬
‫والعلم اإلنساني‪ ،‬وعلى صلة أقرب وثوقا بالمصادر العليا لمعايير العقل والعلم اإلنسانيين‪،‬‬
‫نظام متكامل مما موضوعه الفقه في أصوله وأحكامه وضوابط اجتهاده وربانيته على مطلق‬
‫الشروط اإلنسانية‪ ،‬له امتداد حق في تجديد المنهاج اإلنساني العلمي‪ ،‬ونقله بأمر ربه من‬
‫التفكير المجرد إلى المنهاج التجريبي‪ ،‬بارزة آياته في تاريخ العلم وأعالمه الكبار األجالء‬
‫جزاهم هللا خير الجزاء وتجاوز عن سيآتهم‪ ،‬إنه سبحانه ولي ذلك وقادر عليه‪ ،‬فله الحمد في‬
‫األولى واآلخرة‪ ،‬وهو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫وليس عجبا أن يقترن هذا اإلبداع التحديدي والقواعدي‪ ،‬واإلنشاء التعييني لألحكام والحقائق‬
‫المميزة في الحقل الفقهي والتشريعي باإلنشاء واإلبداع العلمي في شتى حقو الخلق الطبيعي‪،‬‬
‫في الطب والفلك والفيزياء وفي علوم الطبيعة‪ ،‬بكل ما ينجلي من مستوياتها ويظهر من هيآتها؛‬
‫فكل اإلنراء واإلبداع أمر واحد وحقيقة واحدة‪ ،‬حقيقة الصعود في مدارج الناموس وسلم‬
‫الحق‪ .‬فالفقيه أو اإلبدانية والتحري واالجتهاد الفقهي الحق والموزون‪ ،‬واإلبدانية‬
‫الرياضية كما نظرنا في ذلك وبيناه من خالل النظريات المعيارية في إنرائها الخلقي نلى‬
‫سلم الصعود في القوانين التي ترد إليه الظواهر الطبيعية الفيزيائية‪ ،‬هما من جهة البعد‬
‫القانوني أمر واحد وحقيقة واحدة‪.‬‬
‫ولن نكون أبعد عن التأطير لقيمة هذا اإلنتاج الفقهي والعلمي لإلنسانية بالعقل اإلسالمي‬
‫والديني المحض‪ ،‬الذي بحق كان اإلضافة الالزمة للتمهيد للتفكير والنهج التطبيقي أساس‬
‫الطفرة الحديثة والمعاصرة في تكنولوجيا الحضارة‪ ،‬لن نكون أبعد عن التأطير من جانب‬
‫المعيار التقييمي إذا ما أولينا االعتبار حقيقته‪ ،‬اعتبار جوار وحقل الرسالة والذكر المنز من‬
‫السماء ووهجها نورها المحرر للتفكير اإلنساني من إصر وتبعية التكتالت األرضية‪ ،‬عصبية‬
‫كانت أو سياسية أو استبدادية؛ بهذا الشرط وقوة االجتماع وتحرر العقل اإلنساني‪ ،‬فطرة هللا‬

‫‪26‬‬
‫التي فطر الخلق والتفكير عليها‪ ،‬بلغت اإلنسانية في هذا الطور اإلسالمي شأوا عظيما‪ .‬وإنها‬
‫لحقيقة أعظم وأكبر من أن يعتم عليها‪ .‬ومؤخرا أحدث كتاب المؤرخ سيلفان غوغنهايم الذي‬
‫أنكر إسهام التاريخ والفكر اإلسالمي في مسار العقل والعلم اإلنسانيين‪ ،‬أحدث ضجة مدوية‪،‬‬
‫وردة فعل ثائرة مستنكرة‪ ،‬ال من مفكرينا وكتابنا الذين بات عندهم صهوة الشهرة عين اإلنكار‬
‫واالنسالخ من الحقيقة والهوية‪ ،‬ولكن من متحرري وحقيقي العلمية من مؤرخي وأساتذة‬
‫جامعات وجمعيات من مختلف بلدان أوروبا ومعاهدها‪ ،‬فكل أوالء النفر من أحرار اإلنسانية‬
‫يشهدون بمرور نسق العلم اإلنساني وعقله إلى الطور الحضاري الغربي وهجا بعديا للطور‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والعطاء الكبير لعلمائه ومفكريه وفالسفته‪ ،‬حامال للنتاج اليوناني باقتدار عقلي‬
‫جدير بالتقدير والتنويه‪.‬‬
‫شاهدنا من هذا كله هو التأطير‪ ،‬وتحديد حركة العقل الفقهي وتواجده بدرجته الصحيحة وقدره‬
‫الحق والصحيح؛ فالشريعة والتنزيل وتعيين األحكام الفقهية وقيمها‪ ،‬ذلك يعلو درجة األشخاص‬
‫واألزمنة العمرية لهذا الجيل‪ ،‬وهذا العالم وذاك‪ .‬إنما درجة الفقه والتشريع هي درجة وقوة‬
‫هيمنة الحق قانونا ليس لإلنسان فحسب ولطور محصور من األطوار‪ ،‬بل للكون كله جميعا‪،‬‬
‫ليس يخرج من هيمنته حين أو حا من أحيان وأحوا الخلق‪ ،‬كل في كتاب‪ .‬فالفقه والحدس‬
‫العلمي الطبيعي أبدا موصو بفقه قوله تعالى‪:‬‬
‫{أال له الخلق واألمر' تبارك هللا رب العالمين'}(األعراف‪)55‬‬
‫وإن لمسنا استحسان قو بالحق مبين‪ ،‬فنقو بأن هذه اآلية العظيمة من حيث الضبط الظاهر‬
‫المحدد لبيانها‪ ،‬جامعة ألمور عظيمة وحقائق ثالثة‪ ،‬نورا ومبادئ ألي تفكر (فلسفة) يربأ بنفسه‬
‫عن االنحصار في كبرياء الزيف وفي هذه الضآلة واألفق المحدود للتفكر اإلنساني مصدرا‬
‫للحقائق المبدئية‪:‬‬
‫أولها االختصاص في الخلق واألمر المستنبط منه الوحدة القانونية‪.‬‬
‫ثانيها مكون الربوبية لكل الكون والخلق داللة وفاقا بالحق لشأن المبدإ األو ‪.‬‬
‫ثالثها المجد لشأنه تعالى الخالق العليم‪.‬‬
‫هكذا إذن يتبين لنا أن أي عطل أو إخال بالتوازن سيحو دون السريان ويحصر إعما الحق‬
‫في المجا التواجدي ويحو دون االمتداد الطبيعي لنور الحق والتشريع المساير؛ ويبدأ عصر‬
‫الموات القانوني في االجتماع والعمران‪ ،‬ويحل التقليد والجمود؛ وبهذا الصدد يقو محمد‬
‫محجوبي‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫<يبدأ هذا العصر من حوالي منتصف القرن الرابع الهجري إلى بداية القرن العشرين‪ .‬ولم يبق‬
‫الفقه على حالته وإنما اعتراه الضعف والركود شيئا فشيئا‪ .‬فأفتى العلماء بسد باب االجتهاد‬
‫‪27‬‬
‫ودعوا إلى تقليد فقهاء المذاهب وعدم التحو عنها>‬
‫هذا الجمود التقليداني وإبدا المجا الفقهي المطلق للحق بالمذهبية التي مهما كانت فمجالها‬
‫محدود الستنادها لمرجع وعقل بشري محدود‪ ،‬هو في الحقيقة تجلي واضح لموات الحركة‬
‫الفقهية الصحيحة‪ ،‬ألن الفقه هو مطابقة الحق‪ ،‬والحق ال انحسار له‪ .‬ولألسف تم تحييد المعنى‬
‫الصحيح للفقه وللفقيه‪ ،‬وعلى أثره السيئ ومقتضاه اختفت الحقيقة العلمية وحاق بوارها وتم‬
‫إعدام األثر العلمي‪ ،‬ذلك أن األصو وعلمها إنما هو بغاية توظيفها الفقهي كأطراف أولى‬
‫وأولية‪ ،‬كأصو تحديدية لمسالك وخطوط الحق ومنحاه على غرار تحديد مناحي وخطوط‬
‫المجاالت الفيزيائية‪.‬‬
‫لقد أمسى الفقه ممثال باألشخاص‪ ،‬ومساره الذي يستوجب أن يكون حقال اتساعيا مستمرا‬
‫ومتصال من الحقائق والقيم والتحديدات العلمية‪ ،‬مختزال في طبقات العلماء المذهبية؛ كل‬
‫مذهب بطبقاته‪ ،‬مما هو على أشد الصور مخالفة ألخص ما به الحق عما سواه من الباطل‬
‫واألرباب المتعددين يتحدد‪ ،‬خاصة عدم االختالف‪ .‬والحق واحد‪ ،‬والحق ال يحده شيء‪.‬‬
‫وسبحان هللا رب العالمين‪.‬‬
‫إن هللا بالغ أمره و هو العزيز الحكيم‪ ،‬مهما كانت المقاومة السلبية ألهل الكفر وكوابح المذاهب‬
‫المتخذة أربابا آلهة من دون هللا بصبغتها التقليدانية التي ال تنبغي للحق‪ ،‬فاهلل واسع عليم متم‬
‫نوره‪ ،‬وبالغ الدين إنما تحققه المجلي لحقيقته هو من ذات بالغه وبيانه‪ .‬فهاهنا موقع الخبر‬
‫ونبإ العلم الحق الذي تلونا آنفا الذي مفاده أن هللا سبحانه وتعالى يبعث لهذه األمة على رأس كل‬
‫مائة سنة من يجدد لها دينها‪.28‬‬
‫بعث لنور الفقه والعلم الرباني الحصيف‪ ،‬واستمرارية لظهور علماء مجددين‪ ،‬عرى وحججا‬
‫للحق ظاهرة‪ ،‬تذكرة يجليها هؤالء الشهود من أجلة العلماء الربانيين من شعلة الرعيل األو‬
‫من أمثا الشافعي ومالك وأبي حنيفة وابن حنبل‪ ،‬أوالء الذين اتخذهم الجهلة والمضلون بزعم‬
‫االقتداء أربابا‪ ،‬وما الدين في الحق إال التشريع‪ ،‬وهذه السلسلة من نور الربانية المجيد امتدت‬
‫على مسار القرون جميعا لكل طور علماؤه وأعالمه مثل أبي حامد الغزالي وابن حزم وابن‬
‫العربي وابن تيمية وصوال إلى محمد بن علي الشوكاني والكثيرين من زمرة خير البرية من‬

‫‪ 27‬نفس المصدر‪ -‬ص‪251‬‬


‫‪ 28‬رواه أبو داود‪ -‬كتاب العلم‪ -‬األبواب المنتخبة‬

‫‪28‬‬
‫الفقهاء المجددين والعلماء‪ ،‬إلى طور العاملين في هذا المنوا الحق المنير‪ ،‬الممثل بحق‬
‫بيوسف القرضاوي والسالكين صراط الحق المستقيم من العلماء والدعاة‪ ،‬وهللا عز وجل على‬
‫كل شيء وكيل‪ ،‬وعنده تعالى خير الجزاء وأحسن الثواب‪ ،‬وهو سبحانه وتعالى أعلم بالمهتدين‪.‬‬
‫وفي صلة بهذا التنازع في العقل اإلسالمي‪ ،‬التنازع األصل والمنهاج الحق وبين ما جبلت عليه‬
‫النفوس من التقليد بغض النظر عن الخلفيات بريئة كانت أو غير بريئة لها مصالح معينة‬
‫مسطورة‪ ،‬نسوق هنا نصا تأريخيا قيما‪:‬‬
‫<علي بن سليمان البجمعاوي نسبة إلى قرية آيت بوجمعة من ربع آيت واودانوست‪ ،‬قد كان‬
‫ناصري الطريقة‪ .‬كان البجمعاوي المذكور أكبر فقهاء إينولتان في القرن الماضي‪ ،‬فقد رحل‬
‫إلى الشرق وأخذ عن عدد من علمائه‪ ،‬وكتب عددا من الشروح على مصنفات فقهية‬
‫و‪29‬حديثية‪ .‬ووضع سنة‪1212‬ه رسالة غريبة في مضمونها‪ ،‬ووجهها إلى علماء اآلفاق‬
‫ومشايخهم وملوكهم ليؤلفوا في عدم تفضيل مذهب (فقهي) أو طريق (صوفية)‪ .‬وعلل ذلك‬
‫بكون كل أهل طريق أو مذهب يزعمون أنهم األهل باألفضلية واألولى بالتقديم على من خالفهم‬
‫وباينهم‪ ،‬فكثرت بذلك دعاويهم‪ ،‬فلم يدر من كان محقا أو عابثا‪ ،‬فتفرقت بذلك األقوا وتمزقت‬
‫هنالك األحوا حتى أنه وقع من سفهاء تلك المذاهب والطرق السباب بعضهم لبعض‪ .‬وقد‬
‫اقترح على ملوك المسلمين أن يأمروا العلماء بوضع تصانيف غير مطولة في الموضوع‪ .‬فإن‬
‫اتفق أعالم كل مذهب على النهج الذي ينبغي سلوكه‪ ،‬لكي ال تتعارض المذاهب‪ ،‬بعثوا بما‬
‫كتبوه إلى حضرة من الحضرات كأحد الحرمين الشريفين أو مصر‪ ،‬حيث يجتمع أولئك األعالم‬
‫لتصفح المصنفات قصد اعتماد واحد منها يكون مرجع المسلمين‪ .‬وقد اقترح البجمعاوي أن يتم‬
‫‪30‬‬
‫ذلك االجتماع بعد مضي أربع سنين على ألف ومائتين واثنين وثمانين‪>>.‬‬
‫الشاهد لدينا هو دعوة هذا الرجل رحمه هللا تعالى وغفر له‪ ،‬وإبصاره بباطل التفرق المذهبي‪،‬‬
‫وإن لم يقف على الحق في بطالن التصوف والصوفية‪ ،‬وكذلك استغراب الكاتب المؤرخ لهذه‬
‫الدعوة‪ ،‬الدعوة التي لم تكن األولى في موطن هذا الرجل وبيئته العلمية‪ ،‬وإن اتخذت أشكاال‬
‫مختلفة وعلى درجات متباينة ال يستشفها إال التحليل العلمي للفكر التاريخي‪ ،‬التحليل‬
‫الموضوعي والمجرد عن خلفيات المواقف وإصر اإلكراهات االنتمائية واألفكار والدعائم‬
‫التكوينية‪.‬‬

‫‪ 29‬كتبت (أو حديثية)‬


‫المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر‪( :‬إنولتان ‪ -)1512-1150‬ص‪-451‬أحمد التوفيق‪ -‬جامعة محمد الخامس أكدا ‪ -‬منشورات‬
‫‪30‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ -‬سلسلة‪ :‬رسائل وأطروحات‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن المجا العلمي بصبغته النقدية الفاحصة للنهج الفقهي وآللياته التي تتحكم فيه‪ ،‬كان ابن حزم‬
‫رحمه هللا هو مشكاته وشعلته ومركزه‪ ،‬وهنا نعني بالضبط الحقل التاريخي والجوار المباشر‪.‬‬
‫هذا بالذات هو ما جعل التساؤ له أسبابه في مدى تأثير ابن حزم على المهدي بن تومرت الذي‬
‫ال مرية قد أبصر بالضال الفقهي المذهبي الملبس لبوس المالكية‪ ،‬المخالف لصحيح العلم‬
‫والفقه‪ ،‬والذي ليس له كما هو شأن غيره وقبيله بالكتاب والسنة من صلة إال االدعاء والحكم‬
‫على المخالف بالضال والزندقة‪ .‬فابن تومرت أثار قضية المكون البياني األعلى ممثال بقوة‬
‫في الصفات‪ ،‬وخرق المجا المذهبي بتقليديته وجليديته المتكلسة‪ ،‬وهذا ما يوجب النظر فيمن‬
‫يقو بأن ابن تومرت عاش مالكيا‪ ،‬ذلك أن الحقل والروح التجددية في فقه الدين التي نشأ فيها‬
‫هي التي‪ ،‬بعد جدلية تاريخية‪ ،‬أنتجت وتمخض عنها شعلة التجديد الفقهي في عهد يعقوب‬
‫المنصور الموحدي حفيد عبد المؤمن بن علي الكومي خليفة المهدي بن تومرت‪ ،‬الذي يقو‬
‫بشأنه أحد الذين كتبوا عن الدعوة الموحدية بالمغرب‪ ،‬األستاذ عبد هللا علي عالم‪:‬‬
‫< يعقوب المنصور يأخذ بالمذهب الموحدي‪:‬‬
‫لم يظهر إعجاب الموحدين بالحزمية في عهد المهدي بن تومرت‪ ،‬الذي عاش مالكيا ومات‬
‫مالكيا‪ ،‬كما لم يظهر هذا اإلعجاب في عهد عبد المؤمن بن علي خليفة المهدي‪ ،‬إذ كان ابن‬
‫حزم أشد علماء المسلمين كراهية للمهدوية والعصمة واإلمامة‪ ،‬ألنه اعتبر هذه المبادئ‬
‫متسربة إلى المسلمين من عقائد اليهود والنصارى كما قلنا‪.‬‬
‫فلما كان عهد الخليفة الثالث يعقوب المنصور‪ ،‬ذلك الخليفة المتحرر؛ الذي كان أو خليفة‬
‫موحدي سخر بالمهدوية ومبادئها على نحو ما سخر منها ابن حزم تماما‪ ،‬وجدت الحزمية‬
‫طريقها إلى المغرب الموحدي‪ ،‬إذ اشتدت محاربة يعقوب المنصور لمذهب مالك‪ 31‬ال كراهية‬
‫آلثار المرابطين‪ ،‬بل رغبة صادقة في نشر المذهب الحزمي الظاهري‪.‬‬
‫ويذكر المراكشي أن المنصور اشتد في حملته على العلماء المالكية‪ ،‬وأمر بإحراق كتب‬
‫المذهب بعد أن يؤخذ ما فيها من حديث رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومن آيات القرآن‬
‫الكريم‪ .‬وقد أحرق من كتب المالكية أعظمها في أنحاء البالد كمدونة سحنون‪ ،‬وكتاب ابن‬
‫‪32‬‬
‫يونس‪ ،‬ونوادر ابن أبي زيد ومختصره‪ ،‬وكتاب التهذيب للبرادعي‪ ،‬وواضحة ابن حبيب ‪.‬‬

‫‪ 31‬المراكشي‪ :‬المعجب‪ :‬ص‪.252-251‬‬


‫‪ 32‬المعجب ص‪.245‬‬

‫‪30‬‬
‫ويقو المراكشي‪ :‬لقد شهدت منها وأنا يومئذ بمدينة فاس‪ ،‬يؤتى منها (أي من هذه الكتب)‬
‫باألحما ‪ ،‬فتوضع ويطلق فيها النار‪.33‬‬
‫ويزيد المراكشي قائال‪ :‬وتقدم المنصور إلى الناس في ترك االشتغا بعلم الرأي والخوض في‬
‫شيء منه‪ ،‬وتوعد في ذلك بالعقوبة الشديدة‪ ،‬وأمر جماعة ممن عنده من العلماء المحدثين بجمع‬
‫األحاديث من المصنفات العشرة في الصالة وما يتعلق بها على نحو األحاديث التي جمعها‬
‫‪35 34‬‬
‫محمد بن تومرت في الطهارة ‪>.‬‬
‫إن بالغ ابن حزم التاريخي سيبقى صوتا مدويا حجة للحق على المقلدين الذين ال يلوون على‬
‫شيء‪ ،‬يقولون وجدنا آباءنا على مذهب وأحكام رجل صالح من أئمة المسلمين وعلمائهم فنحن‬
‫على مذهبهم عابدون‪ . .‬وإنما الحق في كل ذلك األصو والدراسة والفقه منفتح إلى كل اآلفاق‬
‫إلى يوم الدين‪ ،‬ومن غير ركون إلى الرأي وال إلى األهواء‪.‬‬
‫إن هذا الفقه السوي الحكيم‪ ،‬وهو الشأن العظيم الذي بدوره لم يسلم من كيد اللعين وأعوانه‬
‫وأشيائه ولسانه‪ ،‬هذا الفقه والضبط الصحيح للدين واالتباع والشريعة‪ ،‬بدوره تعرض ويتعرض‬
‫إلى اليوم لمحاولة الحجب والكفر والستر‪ ،‬بتسميته وجعله مذهبا قسيما للمذاهب أو قل األديان‬
‫التي تفرق إليها الدين الحق شيعا‪ ،‬فسمي بالمذهب الظاهري‪ .‬وإنما هو الدعوة إلى العودة‬
‫والتشريع بالكتاب والسنة المعين الذي ال ينضب والنور المجيد الذي يسع العالمين في اآلفاق‬
‫وأطوار االستخالف والعمران إلى يوم الدين‪ ،‬وهاتان الخاصتان المجد والمباركة ال تنبغيان إال‬
‫لنور هللا تعالى‪.‬‬
‫وإن هذا ليكفل توحيد األمة بنسف المذاهب المفرقة أهلها شيعا‪ .‬وبمعنى واضح فالحق والحل‬
‫لهذا اإلشكا التفرقي هو عين الحل الذي تبناه يعقوب المنصور الموحدي‪ ،‬ويكون الحل الذي‬
‫خلص إليه صاحب كتاب المذاهب اإلسالمية الخمسة والمذهب الموحد‪ ،‬وهو الحل الظاهر‬
‫الذي ينادي به أمناء هذه األمة الناصحين لدينها‪ ،‬وهو ما دعا إليه كما أشرنا آنفا الفقيه‬
‫البوجمعاوي‪ ،‬يكون هذا الحل متضمنا ومرحلة أولى الزمة‪ .‬يقو القاضي محمد سويد‪:‬‬
‫<ال أريد أن أهدم يا أخي بل أريد من المؤتمرات اإلسالمية التي تقام هنا وهناك أن تختار‬
‫األفضل من أقوا أئمتنا واألكثر التصاقا بالشريعة‪ ،‬واألكثر مالءمة للعقل ومقتضيات العصر‬

‫‪ 33‬المصدر السابق ص‪.245‬‬


‫هذه المصنفات العشرة هي‪ :‬الصحيحان‪ ،‬الترمذي‪ ،‬الموطأ‪ ،‬سنن أبي داود‪ ،‬سنن النسائي‪ ،‬سنن البزار‪ ،‬مسند بن أبي شيبة‪ ،‬سنن‬
‫‪34‬الدار القطني‪ ،‬سنن البيهقي‪ ،‬أحاديث ابن تومرت في الطهارة‪.‬‬
‫الدعوة الموحدية في المغرب‪ -‬عبد هللا علي عالم‪-‬ص ‪ -504‬دار المعرفة‪ 15-‬شارع صبري أبو علم‪ -‬القاهرة‪-‬الطبعة األولى‪-‬‬
‫‪.151435‬‬

‫‪31‬‬
‫ثم تقدم مذهبا واحدا جامعا ال مفرقا‪ ،‬شامخا ال يعلوه شموخ‪ ،‬ومتينا ال تنا منه ثغرة‪ ،‬الصقا‬
‫باإلسالم ال بالسياسة‪ ،‬ذلك هو مذهب اإلسالم‪ .‬ومتى أصبح ذلك حقيقة اطمأنت قلوبنا وهدأت‬
‫نفوسنا ورددنا قوله تعالى‪:‬‬
‫‪36‬‬
‫{وأن هذه أمتكم أمة واحدة' وأما ربكم فاتقون'}(المؤمنون‪>)52‬‬
‫ويقو ‪:‬‬
‫<إن الحث على توحيد األمة ذات الرسالة الواحدة واللغة الواحدة واألرض الواحدة والتاريخ‬
‫الواحد واآلما واألهداف الواحدة واجب على كل من يهتم بها ويفكر بتطورها إلى األفضل‬
‫لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس‪ .‬ومن هنا ننطلق القتراح الحلو التي تساهم في توحيد‬
‫األمة فنقو ‪:‬‬
‫إن األمر ينحصر في نظرنا في توحيد المحاكم الشرعية وتوحيد دور اإلفتاء بالدرجة األولى‬
‫وفي المجالس الشرعية العليا وفي دوائر األوقاف اإلسالمية ما دامت أركانها قائمة على الخير‬
‫‪37‬‬
‫واإلعمار‪>.‬‬

‫ومن بديهي الحكم وجلي االستنباط أنه لما كان الحق واسعا مجيدا ال يحق فيه الوقف وال ينبغي‬
‫له االنحسار‪ ،‬فاإلشكا الحقيقي أو لنقل من أهمها وأخطرها على وجه الفرض واللزوم بقصد‬
‫مسار االستخالف القوي العزيز‪ ،‬هو إزاحة ونسف كل الحواجز وشتى المقاومات السلبية‪ ،‬أنى‬
‫كان أصلها ومصدرها‪ ،‬من صرف نظام األمة في خدمة االستبداد أو غيرها من العوامل‬
‫المهلكات‪ ،‬ولو كان وضعها الرسمي أضفي عليه ما يضفى على المقدسات‪ ،‬ومن جعل الفقه‬
‫تابعا للقطرية والتكتالت واألغراض محض أرضية والسياسية في صيغة مذهبية يعلم هللا تعالى‬
‫باطلها وزيفها‪ ،‬ويعلمونه هم كذلك‪ ،‬ويتخذونها وليجة وشعارات وظيفية لمآرب الطاغوت الذي‬
‫هم تمثيالته وتجلياته البشرية‪ ،‬ولكن أكثر الناس ال يعلمون‪.‬‬
‫إذا علم هذا ثبت الحكم من غير مرية من أن ما يزعمونه فقها إنما هو محض الوهم‪ ،‬ألن الفقه‬
‫إنما هو حركة المسايرة للحق‪ ،‬وإذ علم إعدام هذا المجا علم يقينا عدمية أية حركية فيه‪.‬‬
‫وبقو مبين فالفقه كتحقق للحق تابع أبدا إيجابا وسلبا للسير الطبيعي في التاريخ واالستخالف‪.‬‬
‫حقيقة معبرة ومكون قد يكفي بسبيل المثل في توضيح الصورة وحقيقة هذا الواقع‪ ،‬تطالعك‬
‫وأنت تقف على أبواب المساجد ملصقات تعلن تأطير مسابقات ودورات مباريات لألطفا ‪،‬‬

‫‪ 36‬المذاهب اإلسالمية الخمسة والمذهب الموحد‪ -‬ص‪504‬‬


‫‪ 37‬نفس المصدر‪ -‬ص‪505‬‬

‫‪32‬‬
‫مخصوصة في فقه اإلمام مالك قصرا دون غيره‪ ،‬أال إن هذا تلبيس عظيم ‪ ..‬ودعوة باسم الدين‬
‫للجاهلية التي نهى عنها اإلسالم وعلى روح مخالفة لما جاء به محمد رسو هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم؛ هي دعوة بالمعايير الواضحة للحق هدفها ترسيخ التفرقة خدمة للقطرية السياسية‬
‫والتكتالت محض أرضية ودنيوية‪ .‬ثم إن هذا كما هو الصحيح أن كل مذهب إذا أخذ لوحده‬
‫ليس هو اإلسالم قطعا‪ ،‬وإنما اإلسالم هو كل ما جاء به الشرع جميعا‪ ،‬وهو من عند هللا العليم‬
‫الخبير‪ ،‬أصله محدد مكمل بالقرآن وسنة محمد األمين رسو هللا صلى هللا عليه وسلم خاتم‬
‫النبيئين والرسل‪ ،‬منفتح إلى يوم الدين بعلم الكتاب والدراسة والربانيين‪ ،‬ليس منحصرا في قو‬
‫رجل من الناس وال رجا من الناس علمهم ال يجاوز أرنبة أنفه؛ وهللا واسع عليم‪< .‬قا أبو‬
‫العباس تقي الدين بن تيمية في فتاويه ما نصه‪ :‬جاءني بعض فقهاء الحنفية فقا لي‪ :‬أستشيرك‬
‫في أمر‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هو؟ قا ‪ :‬أريد أن أنتقل عن مذهبي‪ .‬قلت له‪ :‬لم؟ قا ‪ :‬ألني أرى األحاديث‬
‫الصحيحة كثيرا تخالفه ‪ 38>...‬وقصة مالك مع الخليفة العباسي بشأن الموطإ مشهورة‪.‬‬
‫ولئن ثبت أن ليس كل ما يصح يستد به وليس كل ما تصدره الخصوم كاذبا فال يؤخذ به‪ ،‬فإنه‬
‫بخصوص هذه النقاط الثالثة‪ ،‬دالئل الضال البعيد للمذهبية‪ ،‬التي أوالها االختالف‪ ،‬ألن الفقه‬
‫والتشريع لنفس األمة الواحدة هو امتداد لسريان الحق الذي ال ينبغي له االختالف‪ .‬والثانية‬
‫إحال دين مبتدع وشريعة ابتدعوها محل الدين الحق والشريعة الواحدة التي جاء بها رسو‬
‫هللا صلى هللا عليها وسلم واضحة نقية ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬وهي شريعة األمة جميعا‪،‬‬
‫ووحدة األمة التي سطرها القرآن العظيم الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪،‬‬
‫سطرها حقيقة ال يماري فيها وال يجاد فيها بأية حا وصيغ االستدراك إال من أعماه هللا من‬
‫بعد ما جاءه العلم أو سعى بالضال في دين هللا العزيز الحكيم؛ يقو سبحانه وتعالى في مثل‬
‫هؤالء منكرا ومحذرا‪{:‬أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون'}(آ عمران‪)45‬؛ فإن اتخاذ شرائع‬
‫مبتدنة باسم مذاهب فقهية محض تلبيس‪ ،‬ويكفي أن التشريع نظمة متجانسة متوافقة‪ ،‬نظمة‬
‫لها روحها التشريعي‪ ،‬يكفي للحكم في شأنها‪ ،‬وال يلتفت على الملبس عليهم المقتفين أثر‬
‫الضالين ممن زين لهم سوء عملهم ويحسبون أن هذه المذاهب هي داخل إطار اإلسالم‪ ،‬ولكنها‬
‫في الحق شرائع شتى واإلسالم برئ منها‪ ،‬فاإلسالم نظام تشريعي من عند هللا تعالى‪ ،‬وهذه‬
‫المذاهب نظمات وتشريعات مغلقة‪ ،‬روحها مختلفة عن دين هللا تعالى العليم الحكيم‪ .‬والنقطة‬

‫الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪ -‬محمد بن أبي مدين‪ -‬ص‪-154‬ط‪1555-2‬ه‪1545-‬م‪-‬طبع وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫‪38‬بالمغرب‬

‫‪33‬‬
‫الثالثة هي تبعية هذه المذاهب التي أحلها أصحابها محل الدين‪ ،‬تبعيتها للتكتالت األرضية‬
‫ودونيتها‪ ،‬وهذه أقصى حدود ودركات األمر بالمنكر والنهي عن المعروف‪.‬‬
‫لنسمع إلى بيانات من حق ظاهر‪ ،‬والمقو أدنى في درجات الحقائق من الحكمة التي أجاز‬
‫الشرع الحنيف األخذ بها استقالال عن مصدرها‪:‬‬
‫يقو شيخ الشيعة د‪ .‬محمد التيجاني في مؤلفه (الشيعة هم أهل السنة‪-‬ص‪:)14‬‬
‫<كيف ال نعجب من الذين يزعمون بأنهم أهل السنة والجماعة وهم جماعات متعددة مالكية‬
‫‪39‬‬
‫وحنفية وشافعية وحنبلية‪ ،‬يخالفون بعضهم في األحكام الفقهية>‬
‫ويقو نعمة هللا الجزائري في مؤلفه (قصص األنبياء)‪:‬‬
‫‪40‬‬
‫<‪ ..‬وقد جعلوا المذاهب األربعة وسائط وأبوابا بينهم وبين ربهم‪>..‬‬
‫ويقو محمد التيجاني في المؤلف نفسه المذكور أعاله كما نقلناه عن ذات المصدر‪:‬‬
‫<‪ ..‬وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب أهل‬
‫السنة والجماعة>‬
‫وقا مبينا ومؤكدا‪:‬‬
‫< والذي يهمنا في هذا البحث أن نبين باألدلة الواضحة بأن المذاهب األربعة ألهل السنة‬
‫والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة‪>..‬‬

‫‪ 39‬نقال عن‪ :‬ال ننخدع ‪ ،‬عبد هللا الموصلي‬


‫‪ 40‬نفس المصدر‪ -‬ص‪101‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫ال تاريخية المذاهب الفقهية أو الموات التاريخي‬

‫العقل الفقهي والعقل الحضاري‬

‫إذا كان الحكم بالرد إلى البعد القانوني وحيثياثه ومعاييره على اعتبار وحكم الماهية القانونية‬
‫للفقه والتشريع حكما حاسما وظاهرا‪ ،‬إال لمن طمس عقله وضمرت بفعل التهجين والتقليد ما‬
‫أنعم الخالق الكريم عليه من نعمة الفؤاد وملكة التمييز‪ ،‬التي لو يعلم بها قوة الحياة الكريمة‬
‫حقا‪ ،‬تحمله في فضاءات الكون الواسع‪ ،‬على قدر تحرره من قيود العبودية لغير هللا والتقليد‬
‫المخالف لشريعة الحق التي بعث بها هللا تعالى رسوله محمدا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬شريعة‬
‫واحدة موحدة‪ ،‬ال مذاهب شذر مدر تدعو للتفرقة‪ ،‬وتنقض بواحا صراحا صريح الوحي وقد‬
‫نز فيه قوله تعالى لسانا عربيا مبينا‪:‬‬
‫{وأن هذه أمتكم أمة واحدة' وأنا ربكم فاتقون' فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا' كل حزب بما لديهم‬
‫فرحون'}(المؤمنون‪)54-55‬‬
‫{وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدهم جاءهم البينات' وأولئك لهم عذاب عظيم}(آ‬
‫عمران‪)105‬‬
‫وهنا ال مندوحة للصدع بأمر من الحق مبين من القو جزما من غير تلكؤ وال نظر خرص من‬
‫بعيد‪ ،‬كون أي من قائل في حيز الخالف واالختالف ما يناقض التنزيل‪ ،‬كما هو شأن من يأخذ‬
‫بسبق االختالف على المذاهبية أصال في اعتباره لشريعة اإلسالم ودين هللا تعالى العزيز‬
‫الحكيم؛ فهذا قد تبين أنه ليس أهال لدرجة هذا األمر ولو نودي في قوم أبطأ بهم نور عقل‬
‫االستخالف والتاريخ بأعلى األلقاب‪ .‬فالدين الذي جاء به الرسو صلى عليه وسلم دين واحد‬
‫شريعته واحدة‪ ،‬األصل في فقهها الوحدة‪ ،‬ومن قدم عليها مكون االختالف أصال فهو إن اعتقد‬
‫في نفسه اإليمان والصالح وكان أمر سريرته وقلبه اإلسالم‪ ،‬إنما هو جاهل استعصى عليه‬

‫‪35‬‬
‫نسق في اإلدراك وتمثل الحقائق‪ ،‬فليمسك وليحجم‪ ،‬فذاك أمر وقدر أواله الحق سبحانه خلقا من‬
‫عباده‪ ،‬فضال واصطفاء وابتالء‪..‬‬
‫إذا كان هذا الحكم حاسما واضحا وضوح اختالف الليل والنهار‪ ،‬ومثبتا إثبات عدم تساوي‬
‫المتعدد للواحد‪ ،‬وبينا على قدر مباينة الحق للباطل‪ ،‬فإن ما أفضت إليه المذاهبية‪ ،‬وهي وإن‬
‫ادعت ما ادعت بشرية في حقيقتها‪ ،‬إنما هو العطل والتوقف عن مسايرة التاريخ‪ .‬فدين هللا‬
‫تعالى وشريعته هي من عنده سبحانه‪ ،‬وأحوا الخلق والكون كل يوم في تجدد وفي كل آن‪ ،‬فال‬
‫ينبغي بالحق حكما لها وتقنينا وتشريعا إال هللا سبحانه‪ ،‬وهللا واسع عليم‪ .‬فانظر إلى أي‬
‫الضال ‪ ،‬هذا الذي حل باألمة بهذا التلبيس والتضليل كما حاق بالذين من قبلنا من تفرقهم‬
‫ومذاهبهم المختلقة على فترة من نزو الكتاب‪.‬‬
‫ما كان للمذهبية أن تتحمل أكثر من طاقتها‪ ،‬وما كان لها أن تسير أكثر من حدود وسعة‬
‫نظرها‪ ،‬فمرجع نظرها بشري‪ ،‬وكل ما هو بشري محدود‪ ،‬وأفقه له منتهى قريب محتوم‪ .‬فترى‬
‫ما قد يكون وراء هذه االستمرارية واإلقرار بذينك التخلف والجمود بالفقه‪ ،‬وهو الدين‬
‫والشريعة‪ ،‬وهو الحقيقة واإلسالم عن الربانية شرط االستخالف؟‬
‫أما ذات اإلشكا الفقهي هذا الذي كنهه االستيعابية والمسايرة القانونية والتشريعية‪ ،‬فهو ذو‬
‫طبيعة متصلة حقيقة وجوهرا بالنظمة التشريعية التي عنصر ماهيتها العلم‪ .‬فلو كانت علة‬
‫العطل التاريخي وعرقلة أن يعود الناس إلى شريعة هللا الواسعة التي ال شريعة تقبل عند هللا‬
‫سواها‪ ،‬لو كانت العلة في هذا اإلطار لكان األمر هينا‪ ،‬ألن إشكاالت الفكر موضعها الفكر‬
‫وخطبها مهما عسر حله استجالء األفكار‪ .‬إذن فليس من تفسير إال أن التفرق المبقي على‬
‫العطل والجمود مشدود وأسير وظيفي لبنية روحها تفرقية‪ ،‬ليس منادح لها عنه‪ ،‬التفرق‬
‫والقطرية والمذهبية إكسير حياتها والشرط اللئيم البقائها واستمراريتها‪ ،‬وحدة األمة الذي أمر‬
‫به هللا تعالى نقيض لمنظارها‪ ،‬ال تحفل بمحاربة أمر قدر احتفالها بمحاربتها إياه ولو كانت‬
‫كلمة وشعار سلطانها اإلسالم‪ ،‬وليس لإلسالم في هذه األمة حقيقة مسارية في التاريخ‬
‫واالستخالف‪ ،‬والصدقية والعزة والمنعة‪ ،‬إال بقدر ما تحققه لنفسها من الوحدة والشريعة‬
‫اإلسالمية الحقة‪ .‬ثم إن اإلسالم نظاما وشريعة هو نقيض االستبداد ونقيض الكسروية في أية‬
‫صورة كانت‪ ،‬وأحكام الكتاب واإلسالم التي أرسل بها هللا تعالى محمدا صلى هللا عليه وسلم ال‬
‫تتوافق البتة وال ينبغي لها ذلك‪ ،‬فالنقيضان ال يجتمعان‪ ،‬ولو اتبع الحق أهواءهم لفسد أمر الدين‬
‫والتبس الحق بالباطل في واقع األمة‪ ،‬تحسب نفسها على دين هللا وما هي عليه‪ ،‬وترى‬

‫‪36‬‬
‫المغضوب عليه والضالين هم اليهود والنصارى وقد حل بها وحذت حذوهم‪ ،‬وهو الحق‪ ،‬ولن‬
‫تجد لسنة هللا تحويال ولن تجد لسنة هللا تبديال‪.‬‬
‫وهب جدال‪ ،‬وذلك ما يدعيه القوم أنهم على المحجة البيضاء‪ ،‬وأنهم على آثار السلف والجماعة‬
‫سائرون وبهم مقتدون‪ ،‬وإنما ما يقا عنهم من تعطيل حقيقة الدين قربانا للحفاظ على نظام‬
‫الملوكية وتوريث األمر والسلطان‪ ،‬وكونهم آثروا ملك الدنيا ال يبغون عنها غيرها‪ ،‬إنما ذلك‬
‫فسوق عن إهاب الحق وباطل من القو ‪ ،‬بغيا وحسدا‪ ،‬وإرجافا غرضه بث الفتنة في دار‬
‫السالم واألمن‪ ،‬والرخاء والرفاه‪ ،‬نعما مترعة أبوابها فضال لسياسة أولي األمر المصطفين‬
‫ملوكا أبد الدهر ذرية ليس على األرض وتحت السماء أهل وال بشر من األمة كفؤا لها عنصرا‬
‫ونبوغا‪ :‬رضع أمراء على المهد دون الفصا ‪ ،‬شيوخ تسلب هيبة الوقار‪ ،‬علماء يدعون على‬
‫المنابر بالفردوس األعلى‪ ،‬والوالء للرضع األمراء‪..‬‬
‫هذا واقع وحقيقة ملء الفضاء ليس ينكرها حتى جدران بيوت هللا والليل والنهار؛ ولكن إن نحن‬
‫سلمنا بقولهم وذهبنا جدال في تصديق دعواهم‪ ،‬أنخنا بكاهل القضية على مقتضى هذا االدعاء‬
‫والقو قد أقررنا به وسلمنا به‪ ،‬فلزم بمقتضاه حقيقته‪ ،‬وإن لكل شيء حقيقة‪ ،‬وحقيقة اإلسالم‬
‫وشريعته قد نالت وأجمع المجتهدون والربانيون من علماء اإلسالم تحققها على ضوء المقاصد‬
‫في الكليات الخمس‪ .‬فأين هي الكليات‪ ،‬وما هو حالها‪ ،‬وما البقية فيها؟؟‬
‫كل بالد المسلمين والعُرْ ب خاصة استبيحت‪ ،‬استحر القتل بأهلها وانتهكت أعراضهم‪ ،‬وهل‬
‫بقي من دين لحكومات تبرم على األشهاد بعث نساء أمة اإلسالم سبايا االرتزاق ألهل الكفر‪،‬‬
‫إماء وكواعب أترابا من غير خيل وال ركاب‪ ،‬سياسة لمن يدعون السنية والجماعة‪ ،‬غيدا يجني‬
‫التوت في حقو البين‪ ،‬ليس مسافة يوم وليلة‪ ،‬نزيالت نزال بأراضي منخفضات؛ هذا بيان‪..‬‬
‫أما الما فكله ظاهره وباطنه‪ ،‬ركازه ومتداوله‪ ،‬جامده وسائله جميعه تحت تصرف عدو‬
‫اإلسالم‪ ،‬عنوة تارة وأخرى في صفقات خيالية يغني علم العالمين بها أن نذكر منها‪ ،‬سواء في‬
‫صيغ العبث العمراني الذي انقلب آية عبثا‪ ،‬أضحوكة تاريخية حين يتفاقم ويكون التفاقم كبيرا‬
‫جدا بين اإلنسان في بعد مدنيته الذي ال تخطئه معايير اللسان واالجتماع‪ ،‬وما يدعيه لنفسه‬
‫ويراد له من نمط تواجدي‪ ،‬بهلوانا تاريخيا ومسخا ال منتسخا حضاريا‪ ،‬أو فيما ظاهره‬
‫تعامالت تجارية في مختلف المناحي الممكنة والمالئمة لهذا الحجر واالستعمار كصفقات‬
‫األسلحة والمهمات األمنية والعسكرية‪.‬‬
‫وذكرى فقهية فالكليات الخمس هي مناط حقيقة الدين والغاية المقصد في تحقق الشريعة على‬
‫داللة القانون والكتاب والتنزيل‪ ،‬المعبر عنه عموما ومطلقا باألحكام‪ .‬فهي بحق شاهد الحقيقة‬

‫‪37‬‬
‫ومرآة صدق لئال يكون للناس على هللا حجة بعدها؛ وكيف يصرف قوم عن شاهد بين ودليل‬
‫ظاهر حين يكون هذا الدليل والشاهد هو عين الحا وذات الواقع الذي يعيشونه ويشهدونه‪.‬‬
‫في هذا الليل الذي آذن أن يعقب غلسه إسفار‪ ،‬وتذهب إلى األبد العبودية السياسية لغير هللا الذي‬
‫خلق وله اختصاص الحكم حكما بالحق قائما بعلم مطلق حكيما خبيرا‪ ،‬يسع علمه سبحانه‬
‫وتعالى أبعاد الوجود كلها واألحوا ‪ ،‬يهيمن على التاريخ وعلى كل آن وحدث وجودي بالحق‪،‬‬
‫هو األو سبحانه رب العرش العظيم رب العالمين‪ ،‬ال يكون أمر في التاريخ والوجود في‬
‫األرض حتى يفصل ويدبر شأنه في السماء‪ ،‬فأنى توفك العقو النيرة وتصرف األفئدة المدعية‬
‫للتفكر األعلى عن حل سؤا ما العمل؟ وما الصبغة األسمى في االجتماع البشري ومنحاه‬
‫األمثل في الحضارة والتاريخ‪..‬‬
‫في هذا الحيز من الوجود التاريخي‪ ،‬واإلنسان مسؤو عن عمله فذاك حقيقة االستخالف‪ ،‬وكل‬
‫من عند هللا‪ ،‬ليس ينقض الحق الحق‪ ،‬سالت دماء االنعتاق في الباستيل فأعتقت أرواحا بشرية‬
‫من عبودية الملوك‪ ،‬والناس بعضهم لبعض وكانوا يدعون الكذب أنهم أهل دين وعدالة‪ ،‬ولكنها‬
‫عدالة كل الشعب فيها موؤود‪ ،‬والدين سلطان‪ .‬حررت الثورة الفرنسية نحو السواسية في‬
‫االحتكام للقانون‪ ،‬ولو كان قانونا ليس يستمد روحه إال من قوة الوضع واإلجماع‪ .‬وعلى هذه‬
‫السنة المحمودة عند هللا القوي العزيز بوجوب عدم الركون للظالمين واالستكانة التاريخية‬
‫المهينة والرضا بها للنفس والذرية واألحفاد‪ ،‬والسعي في تحقق الحق قانونا وجوديا على قدر‬
‫التحري والجهد واإلمكان كان من شأن الثورة البلشفية ما غير تاريخ البشرية برمته‪ ،‬فأرعبت‬
‫قوة الحق ولو في حدود إسقاطها المدرك عند البالشفة ورجا الثورة برغم المثالب التي ال‬
‫يخلو عنها ومنها أي مسار تاريخي‪ ،‬وما يجهله األعداء أو يتجاهلونه هو أنه بقدر قوة المسار‬
‫وعظمته تكون مقاومة أمشاج أزمات وعراقيل‪ ،‬أرعب الحق في صورة بناء ثوري محض‬
‫بشري صروح االستعمار الرهيب واالمبريالية المتوحشة بمختلف ألوانها الفاشية وديمقراطيتها‬
‫الكاذبة وإنسانيتها التمساحية‪ .‬وهل ثمة اليوم خير من أمن األوطان وحفظ الما والولد‪ ،‬وأي‬
‫شيء في الدين يبقى؟ وإنما الدين أحكاما مقامها اإلعالم‪ ،‬أمة لها سيادة على وطنها وطن ودار‬
‫اإلسالم‪..‬‬
‫وعلى هذه السنة التاريخية المجيدة التي ستبقى ما بقي رجا في بقعة أية بقعة من بقاع‬
‫األرض‪ ،‬زهق باطل البشر الذين يريدون استعباد الناس‪ ،‬وتبين للعالمين‪ ،‬وقد مكر كبراء العالم‬
‫على مشارف انتهاء الحرب العالمية الثانية مكرا وجهلوا جهال مستخفا بكرامة الشعوب‬
‫فشيأوها وأوطانها ومصيرها‪ ،‬مقايضة ال يولون على شيء من مبادئ ثوراتهم وديمقراطياتهم‪،‬‬

‫‪38‬‬
‫تبين أن إرادة الشعب إذا ما أراد الحياة قاهرة‪ ،‬تخسف على حين غرة بالملوك ويخر السقف من‬
‫فوقهم؛ قد برهن الحق من خال الثورة اإليرانية لمن شاء أن يذكر و يهتدي أن اإلسالم ال‬
‫يرضى أهله بغير ما جاء به رسو هللا صلى هللا عليه وسلم نظاما وسياسة لمجتمع المسلمين‪،‬‬
‫فما جاء اإلسالم إال ليقلع الكسروية والعبودية للبشر واالستئثار بخيرات األرض من دونهم‬
‫وأكل أموالهم‪ ،‬فهذه وإن ادعى أهلها الكذب أنهم يعبدون هللا ويخدمون دينه شاكلة الملوك‬
‫والكهنوت ال تنبغي في دين هللا تعالى الذي له الكبرياء ذي العزة والجبروت‪ ..‬وإنها لثورة‬
‫وقومة لتحرير البالد والعباد من العبادة المكرهة للشاه والسقف الحمائي إلى القانون المطلق‬
‫طريق الحياة الفاضلة في التاريخ‪..‬سننه ونسقه‪ ،‬من أدق خاطرة تخالج اآلن التواجدي ألية خلية‬
‫في وجود اإلنسان‪ ،‬إلى أكبر عامل توجيهي وجودي من مدرك ومفترض من مؤسسات الفكر‬
‫واالجتماع اإلنساني‪..‬‬
‫يقو الكاتب والسياسي السوري ميشيل كيلو في مقا له وبعنوان يفي بداللة الواقع (رجا‬
‫السلطة يقامرون بالوطن؟) وإن كان االستفهام يسلب تمام تقرير الحا ‪ ،‬وهو واقع حقيقة على‬
‫أم األشهاد‪ ،‬فإذا ما شهد باألعيان فصل األمر في األقوا ؛ يقو الشاهد بالحق على هذه العالقة‬
‫التي ما هي بحقيقة عالقة الحاكم بالمواطن وال بالرعية‪ ،‬ولكن بصاحب المتاع بمتاعه يتصرف‬
‫فيه كيفما شاء‪ ،‬وهي ال شك عالقة تغييب تاريخي ألمة استحالت من بعد عدالة العمرين‪ ،‬ومن‬
‫بعد زمن كان كل مولود ذكر فيها يمكن أن يصبح خليفة رئيسا للدولة اإلسالمية‪ ،‬استحالت‬
‫بعده بشقاء فروق الدماء والقبلية الجاهلية األولى غثاء كغثاء السيل‪ ،‬يقو الكاتب‪:41‬‬
‫< ثمة اقتناع رسخته التجارب‪ ،‬جعل مواطنين عربا كثيرين يعتقدون أن القوى الحاكمة في‬
‫عديد من بلدانهم تعطي سلطتها األولوية على وطنها‪ ،‬بل وتضعها في مواجهته‪ .‬وثمة تطبيقات‬
‫فاقعة لهذه الظاهرة برزت مؤخرا بصورة سافرة‪ ،‬لمس المواطن وجودها في مناطق عديدة‬
‫أهمها السودان والعراق‪ ،‬وبدرجة أقل في اليمن ولبنان‪.‬‬
‫هناك‪ ،‬بخصوص ترجيح كفة السلطة على كفة الوطن‪ ،‬رواية قديمة عن آخر خلفاء بني‬
‫‪42‬‬
‫العباس‪ ،‬الذي قا ردا على تحذيره من غزو مغولي كان يكتسح العراق‪ (:‬بغداد تكفيني) ‪.‬‬
‫فكشف بقوله هذا وجود نوع من الحكام ال يرى من وطنه غير سلطته وكرسيه‪ .‬وصار هذا‬
‫الخليفة بعد ذلك التاريخ نموذجا يشهد على خيانة أمانة الحكم‪ ،‬جعلته العرب مضرب األمثا‬
‫وتخوفت من تكراره واعتبره وصمة عار في جبين كل من يفعل شيئا مشابها في أي حين وأية‬

‫‪ 41‬القدس العربي‪ -‬العدد الصادر ليوم ‪2010\1\14‬‬


‫‪ 42‬هذا ما سيكرره ويعيده إلى التاريخ بشار األسد بعد فترة قصيرة أمام ثورة الحق في األرض ليكتفي بضاحية من ضواحي دمشق‬

‫‪39‬‬
‫أرض‪ ،‬باعتبار أن تفضيل السلطة على الوطن‪ ،‬إن تعارضت مصالحهما أو تناقض وضعهما‪،‬‬
‫يعد جريمة ال تغتفر ألي حاكم‪ ،‬بما أن للسلطة مهاما محددة تتصل حصرا بإدارة شؤون وطنها‬
‫بأكثر الصور فاعلية‪ ،‬وحمايته من أي عدو داخلي أو خارجي‪ .‬فليس من حقها إذن وضع نفسها‬
‫فوق وطنها أو في مواجهته‪ .‬وإال انقلبت من جهة تحميه إلى خطر يهدد وجوده‪ ،‬وصار‬
‫التخلص منها مصلحة وطنية عليا>‬
‫هذا على دليل الفقه باعتباره تحري الحق في إقامة الدين وتحقيق األحكام مما يعبر عنه‬
‫بالكليات الخمس‪ .‬فهذه حقائق ثالث دليل الصدق بعضها لبعض؛ الدين إنما هو واقع وحقيقة‬
‫ونظام‪ ،‬يعاش على مستوى الفرد والمجتمع والمؤسسات جميعها‪ ،‬السياسي منها والمالي‪ ،‬ومن‬
‫سعى للتفرقة بينهما فإنما هو عدو هلل ولرسوله ولروح النظام االجتماعي ألمة اإلسالم‪ .‬ثم إنه ال‬
‫يمكن البتة الحديث عن حياة فقهية دونما وجود لبيئة هذه الحياة التي جعل هللا تعالى أهم سننها‬
‫الالنمطية والسيرورة قدما في التاريخ فقها ودينا قيما مجيدا في فضاء الوجود مطلقا ليس يحده‬
‫من البريئة إال كافرا أو جهوال‪.‬‬
‫كذلك مما يعلمه رجا الفكر التاريخي االجتماعي والسياسي أن الفقه باعتباره هو عين تحقق‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬ال يمكن له أن يجد شروطه إال في بنيات محددة وداخل أنظمة سياسية‬
‫واقتصادية؛ أما مقوالت المستبد العاد فإنما هي دليل تهافت وال علمية كلمات ونتاجات‬
‫أصحابها‪ ،‬ولو حشر بعضهم في ثلة مقاالت األنوار والموسوعيين‪ ،‬فإنه بالحتم الحق تتوافق‬
‫طباقا أنظمة االجتماع بعالقات اإلنتاج؛ وإننا نتلو من محكم الحق واآليات قو هللا تعالى العليم‬
‫الحكيم‪{:‬ما أفاء هللا على رسوله من أهل القرى فلله وللرسو ولذي القربى واليتامى‬
‫والمساكين وابن السبيل كي ال يكون دولة بين األغنياء منكم'}(الحشر‪ )4‬وكما قا أبو بكر‬
‫الصديق رضي هللا عنه بصرامة الموقن في الحق والعلم اليقين‪<:‬وهللا ألقاتلن من فرق بين‬
‫الصالة والزكاة>؛ وأن هذين الشرطين كفيالن على بعد المالءمة البنيوية لضمان وكفل‬
‫عالقات إنتاجية متزنة متطورة غير نمطية‪ ،‬وعادلة غير استغاللية واستعبادية‪ ،‬ال ينبغي فيها‬
‫الملوكية وال االستبداد‪ ،‬ال السياسي وال المالي‪ ،‬بله أن تصبح الشعوب قطعانا تورث واألرض‬
‫وما فيها وما أنز هللا الرزاق فيه من رزق ليكون أصال لكل الناس سواء‪.‬‬
‫هناك ارتباط تواجدي للفقه كحقيقة بالوضعية التاريخية التي هي حا وواقع االستخالف‬
‫األرضي‪ ،‬فالعقل الفقهي والعقل الحضاري كالهما نلى ذات السلم‪ ،‬وال حركة لألول دون‬
‫الثاني أبدا‪ ،‬ومن ادنى غير ذلك فقد افترى افتراء بينا‪ ،‬ألنه ببساطة ال حركة في غير وسيط؛‬
‫وما يذكر إال البصائر واأللباب‪ .‬فحفظ أقوال السلف من الفقهاء شيء والكينونة أو الحقيقة‬

‫‪40‬‬
‫الفقهية شيء آخر‪ .‬فال انفتاح وال انطالق للعقل الفقهي من غير شرط انفتاح الرباني‬
‫لالستخالف في العصر والتاريخ؛ وأي إخالل ببنية الحق فيهما معا قد تؤدي إلى توقفهما‬
‫جميعا‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فدعوى أن هناك حياة وتواجدا فقهيا مسايرا دعوى باطلة‪ ،‬وهذه حالة األمة بين‬
‫تخلفها‪ ،‬ظاهر توقف عقلها في مسايرة العالمين في التقانة والصناعة‪ ،‬حتي مكبرات الصوت‬
‫في المساجد ومكيفات الهواء في القر والحر تثير في قرارة النفس وفي قلب كل مسلم حي أيما‬
‫اشمئزاز وأيما استفزاز بالحروف الالتينية الدالة على األمم المصنعة لها‪ ،‬وكأن لهم عقوال غير‬
‫عقولنا وأعينا غير عيوننا‪ ،‬وكأن ابن سينا رحمه هللا لم يكن من أمتنا‪ .‬فاللهم ربنا رب العالمين‪،‬‬
‫فرج كربة هذه األمة وحل عطلها الفقهي والحضاري‪ ،‬وأهلك اللهم أعداءها من بني جلدتها‬
‫المستبدين وسدنتهم الضالين المضلين‪..‬‬
‫الواقع شاهد على نفسه‪ ،‬وإنما ما بقي هو خيط رفيع بقية من العلماء الربانيين الصالحين شهودا‬
‫وحجة للناس وتذكرة لعلهم يرجعون من بعد هذا الموات المسجى بباطل المذاهب الفقهية‪ ،‬التي‬
‫ركن إليها ووجد فيها المستند المفرقون أمتهم عددا؛ كل رهط من دهاة الغصب بمصر وقطر‬
‫من أقطار أمة الشهود هو السيد والرب‪ ،‬دينه المذهب حتى ال يقو ديني غير دين أولئك‪ ،‬وهذا‬
‫مكمن التلبيس العظيم للحق بالباطل‪ ،‬الدين المذهب والمذهب غير المذهب‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الباب الثاني‬

‫المذاهب الفقهية ليست من نند هللا تعالى‬

‫‪42‬‬
‫الفصل األول‬

‫حقيقة المذهبية جعل الدين نضين‬

‫تجزئة األحكام التي في كليتها هي اإلسالم دين هللا الذي بعث به نبيه محمدا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬تجزئتها أو باألصح تعبيرا وبيانا تجزئة الدين وجعله مذاهب وأجزاء عضين لن يبقي‬
‫حقيقته؛ إنما هي وإن سميت على أسماء أحبار من هذه األمة وعباد صالحين‪ ،‬فهي بشرية‬
‫محضة وال يماري فيها إال من ذهب نوره واتبع هواه وأضله هللا على علم من بعد ما جاءتهم‬
‫البينات‪ .‬هذا االنفصا وهذا الفسوق عن إهاب وحقيقة الدين كما أنزله هللا العليم الحكيم‪،‬‬
‫سيجعل ال ريب هذه المذاهب المزعومة دينا أنظمة محدودة السعة‪ ،‬ال ينبغي لها االمتداد ال في‬
‫األحوا وال اآلماد؛ هي منفصلة منقطعة عن الروح الموحى‪ ،‬الذي هو القوة والسعة المجيدة‬
‫لإلسالم‪ ،‬دينا قيما مسايرا‪ ،‬يسع الوجود ومجا التاريخ واالستخالف إلى يوم الدين؛ فال جرم‬
‫أن يصيب هذه المذاهب التي يدعي أصحابها أنها من عند هللا وما هي من عند هللا‪ ،‬ألن تجزيء‬
‫الشيء أو اعتباره التجزيئي ال يبقي على حقيقته أبدا‪ ،‬ال جرم أن يصيبها العطل ويبلس الذين‬
‫فرقوا دينهم وأمتهم شيعا بغيا على بني جلدتهم ومن أجل أنظمة تاريخية سياسية باطلة‪ ،‬ومكر‬
‫أولئك هو يبور‪ ،‬وليتبين أنها ليست من عند هللا الحكيم الخبير‪ ،‬وأن هللا تعالى يسمع من يشاء‬
‫وما أنت بمسمع من القبور‪.‬‬
‫أما وقد وقفنا على هذه الحقيقة واألمر الجلي عساه أن يجلي عن األبصار غشاوة ما جبلت عليه‬
‫النفوس من الركون إلى التقليد‪ ،‬فإننا نهيب بأمر حري بنا أن ننتبه إليه‪ ،‬واخلولق وأشدد بقوة‬
‫البرهان المستمد منه‪ ،‬ذلكم اتباع النور وتالوة الحق واآلية من قوله تعالى‪ ،‬وهو هللا ال إله إال‬
‫هو رب العرش العظيم‪ ،‬وسع كل شيء علما‪ ،‬وهللا يعلم وأنتم ال تعلمون‪ ،‬قوله سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫{أفال يتدبرون القرآن' ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪)11‬‬
‫وإن تعجب فعجب من يدعي أن هذه المذاهب‪ ،‬كل مذهب منها هو من عند هللا‪ ،‬وأنظمة بشرية‬
‫في العلم والفكر أقل منها خطال واختالفا‪ ،‬فهي تعج باالختالف والتناقض‪ ،‬فما أعظمها فرية أن‬
‫يدعى أنها الدين والشريعة؛ وإنما دين اإلسالم وشريعة مصدره الحق ومرجعه علي حكيم‪.‬‬
‫وأما البشري وما اختلط به مما في األرض فسرعان ما تعتريه عوارض الحدثان‪ ،‬فيقصر‬

‫‪43‬‬
‫وينحسر عن السير واالمتداد في مطلق األرض وواسع اآلفاق‪ ،‬فالجوهرية المباركة والمجيدة‬
‫هي لنور هللا تعالى؛ يقو هللا تعالى‪{:‬ق' والقرآن المجيد'}(ق‪{)1‬وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم‬
‫له منكرون'}(األنبياء‪ ،)50‬ومن يقو بالمذهبية سواء في األصو أو في الفروع كما يلبس‬
‫إبليس على بعضهم ألن الفروع إن هي إال قراءة وتنزيل لألصو على االمتداد واألحوا التي‬
‫ال تنحصر‪ ،‬من يقو بالمذهبية فقد زعم‪ ،‬أدرك ذلك أم لم يشعر به ولم يلق له با ‪ ،‬أن لهؤالء‬
‫األئمة البشر ميزات ليست لغيرهم وال لألنبياء عليهم السالم حتى‪.‬‬
‫ثم ال بد لنا من التحديد بدءا لما نعني به هنا من معنى التناقض واالختالف‪ ،‬وقد رأينا كثيرا مما‬
‫كتب حصرا حو هذا الموضوع‪ ،‬موضوع الخالف واالختالف؛ وإنه من غير التوجه رأسا‬
‫إلى جذر اإلشكا والسؤا لن يتوخى أكثر مما كان‪ ،‬إال قولين وإن كان حيز سريانهما‬
‫محدودا‪ ،‬أولهما‪ :‬االختالف بمعنى الالمطابقة مما هو متوافق مع التفسير التأصيلي للمذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬أي بحسب البيآت االستخالفية بأبعادها التاريخية االجتماعية والجغرافية‪ .‬والثاني‬
‫يذهب بمسافة أكثر نحو جذر اإلشكا وذلك بالرد لالعتبار السائد لألثر‪(:‬اختالف أمتى رحمة)‬
‫كما ذهب إليه علماء كبار وأئمة فقهاء؛ وبرهانهم في قولهم فاقع وحجتهم في ذلك ظاهرة‪ ،‬وهو‬
‫أن هذا االعتبار مناقض ألساس ظاهر من أسس الدين ولشرط قائم لقيام األمة‪ ،‬شرط الوحدة‬
‫والتوحد ال التفرق والتشرذم عضين‪ ،‬كما أفضى الحا بها اليوم بشعار المذاهب المبتدعة اآليلة‬
‫باألمة إلى مزيد من الضعف والوهن والضال ؛ فمن يرجح أثرا أو قراءة أو تأويال على القرآن‬
‫المحكم المبين فإنما يعني ذهوب نوره فال يكونن من الممترين‪.‬‬
‫إذا فشطر من اإلشكا وكثير مما كتب كان أمره مقضيا بالفصل المدرك لما بين االختالفين من‬
‫اختالف كبير‪ ،‬وبين بينهما شاسع كما يبين المشرق عن المغرب والشيء عن غيره ومما سواه‪.‬‬
‫فاالختالف التعددي بادئ الحكم ال ينبغي أن يختلط أمره في القلوب واألذهان باالختالف‬
‫البنيوي الذي نز اللفظ على معناه في اآلية الكريمة المحكم بيانها من القرآن العظيم؛ وإنه‬
‫يكفي درءا لهذا الخلط استحضار عامل التعدي واللزوم‪ ،‬فبه يبرز البون ويظهر أن شتان ما‬
‫بين المعنيين‪.‬‬
‫ال شك أن الصورة قد اتضحت‪ ،‬وأن رد العلماء لألثر اآلنف ذكرا هو في كنهه وإن احتمل‬
‫على ضعف ثبوته‪ ،‬رد ودرء للقراءة وحمل اللفظة على الداللة البنيوية التي هي داللة اآلية‬
‫البينة؛ ثم إن االختالف التعددي له كل اإلمكان في االعتبار حكما تشريعيا واحدا؛ فهذا من‬
‫أبجديات ما يعلم ويفقه في علم المنطق بما هو‪ ،‬ال كما يتصوره من يفتري على هللا الكذب‬
‫ويضل الناس عن علم الحق‪ ،‬ولكن بما هو علم أساس الحساب واألهلة‪ ،‬وميزان علم صناعة‬

‫‪44‬‬
‫والقيام بفريضة وأمر هللا ذي العزة والجبروت‪{:‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط‬
‫الخيل ترهبون به عدو هللا وعدوكم وآخرين من دونهم ال تعلمونهم' هللا يعلمهم' وما تنفقوا من‬
‫شيء في سبيل هللا يوف إليكم وأنتم ال تظلمون'}(األنفا ‪ )11‬وقوله عز وجل‪{:‬لقد أرسلنا‬
‫رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط' وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد‬
‫ومنافع للناس' وليعلم هللا من ينصره ورسله بالغيب' إن هللا قوي عزيز'}(الحديد‪ .)24‬ذلك‪ ،‬وقد‬
‫أمكن كذلك بالحق على بعد الحكمة في غير النقطة التشريعية الواحدة اعتبار التعددية‪ ،‬إال أن‬
‫تصغى وتنحو إلى حقيقة االختالف البنيوي‪ ،‬الذي يتحو االعتبار به والنظر إلى اإلطار‬
‫الواحد والكلية الواحدة‪ ،‬كنظمة ومرجعية قانونية وتشريعية واحدة‪ ،‬ال ينبغي لها التناقض‬
‫البنيوي والمعاييري؛ وذلكم بالضبط والتحديد ما سنقدم على رجاء التوفيق والسداد من هللا‬
‫العلي الحكيم‪ ،‬الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم‪ ،‬أن نبينه ونجلي ما تعج به المذاهب من‬
‫االختالف البنيوي‪ ،‬سواء باعتبارها مذهبا ونظمة دينية مستقلة لوحدها‪ ،‬أو بعدم إهما أنها في‬
‫الحقيقة تدعي كونها مذاهب دين واحد؛ واإلسالم وأحكام القرآن وبيان رسو هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم الذي ترك أمته على المحجة البيضاء براء من هذا التفرق واالختالف‪.‬‬
‫وموازاة مع ذلكم‪ ،‬والحا أن الدين كله قد تم بيانه واستكمل‪ ،‬وشأن الصالة خاصة قد استوفى‬
‫بالصحبة الشريفة والسنة المستفيض نقلها عمال وخبرا على نور وهدي أمره عليه الصالة‬
‫والسالم‪((:‬صلوا كما رأيتموني أصلي))‪ ،‬من أجل ذلك فكل ما تبين أنه الحكم الصحيح دللنا‬
‫عليه‪ .‬وإنه لمن دواعي لزوم النظر في مسمى المذاهب الفقهية وأحرى أن تسمى المذاهب‬
‫الدينية‪ ،‬أن يتفرق فيها الدين وأحكامه الشرعية البينة‪ ،‬وكل منها أقسم على أن يخالف قسيمه‪.‬‬
‫وهذا المنوا يأتي على توافق يفرضه إطار الدراسة والنقد الموجه أساسا في هذا القسم والحيز‬
‫منه استنادا على القراءة النقدية لمرجع فقهي على المذاهب األربعة وتحديدا‪(:‬كتاب الفقه على‬
‫المذاهب األربعة‪ -‬تأليف عبد الرحمان الجزيري‪ -‬إشراف مكتب البحوث والدراسات‪ -‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ -‬الطبعة األولى‪)1551‬؛ سيكون إذا نظرنا وبحسب ما يرى‬
‫مستوفيا الغرض وكفاية البرهان على ترتيب مباحث المصنف أوال بأو ‪ ،‬على أوضح صورة‬
‫وأبسط عرض لحقيقة المذاهب‪ ،‬التي تعالى هللا الحق أن تكون هي اإلسالم وشرعته‪ ،‬الشرعة‬
‫الواحدة الكاملة المنزهة عن كل نقيصة وعن كل اختالف‪ ،‬من سعى في تفرقتها كان سعيه‬
‫باطال مدحورا وكان من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا؛ فدين هللا ال يتجزأ؛ هي الحق من علي‬
‫حكيم؛ والحق محيط ال يتجزأ وال يختلف؛ ومن يستنكف ويتبع غير دين هللا الواحد األحد فليس‬
‫له في الدنيا وال في اآلخرة من ولي من بعده؛ وإن الدين عند هللا اإلسالم‪ ،‬والمذاهب هاته ليست‬

‫‪45‬‬
‫هي إياه يقينا؛ وال يغرنكم باهلل الغرور فإنما كان ضال اليهود والنصارى من بعد ما جاءهم‬
‫العلم بغيا بينهم؛ وهللا غني عن العالمين‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫لنشرع إذا في نقد القو المذهبي من غير إكسابه درجة العقل والنظمة التوليفية والفكرية ألنه‬
‫دونها وبعيد عنها كل البعد؛ وسنعتمد على مفهوم المعيار الدا في خصوصه على الفردانية‬
‫والتضارب والتغيير للموازين من غير استقرار على حا وميزان واحدة‪ ،‬مما يد بالطبع‬
‫والبديهة على افتقاد أي مرجع للحق والميزان‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫ضالالت االختالفات المذهبية‬


‫التفاقم المعاييري الصارخ‬

‫‪ -‬االختالف في تعريف الطهارة‬

‫هو عند الحنفية النظافة عن حدث أو خبث؛ وهو تعريف فاسد ظاهر وبين فساده‪ ،‬ألنها حكم‬
‫شرعي وصفة وحالة شرعية‪ ،‬ووجودها مستقل عنهما‪ ،‬نعني عن الحدث والخبث؛ كما أنها في‬
‫جوهر المعنى ومن جهة البيان والداللة ليست فعل نظافة؛ هي حالة تحصل به وليس هو إياها‪.‬‬
‫فساد هذا التعريف البنائي والتقعيدي لما بعده قد ولد وأنتج ضروبا من االختال والخطإ في‬
‫القو بعضها من بعض‪ ،‬وأودى باالبتعاد عن حقيقة الفقه وروحه‪ ،‬والتكلف والتمحل والسؤا‬
‫عن أشياء ليست منه‪ ،‬كالغاية وتكلف البحث والخرص في معرفة وتحديد مقاصد وحكمة‬
‫الشارع من أحكامه‪ ،‬فذلك ليس موضوعه الفقه كعلم مختص بأحكام الشريعة‪.‬‬
‫وتعريف الحنابلة والشافعية ال يبعد عن تعريف الحنفية وإن قا الحنابلة كونها ارتفاع الحدث‬
‫وقا الشارح أن معناه‪< :‬زوا الوصف المانع من الصالة ونحوها> فقد عرفت بما هي مستقلة‬
‫عنه وجودا؛ كما أن العالقة الشرطية ال تنتج أبدا وال تكفي في التعريف‪ ،‬وهذا معلوم في ميزان‬
‫الحق والمنطق‪.‬‬
‫هاهنا قو المالكية أصح األقوا وأقربها للحق بكون الطهارة صفة حكمية وإن كان التعريف‬
‫أو النقل الذي جاء عند المؤلف في شرحه غير صحيح‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫<المالكية‪ -‬قالوا‪ :‬الطهارة صفة حكمية توجب لموصوفها استباحة الصالة‪>..‬‬
‫فالصحيح والسليم هو‪ :‬تجيز ويصح معها‪.‬‬
‫وقد لمسنا نفس الخطإ في نوعه‪ ،‬ولعله اختال وقع عند المصنف في قوله وهو يعرض‬
‫لتعريف الشافعية بأنها (فعل شيء تستباح به الصالة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة نجاسة أو‬
‫فعل ما في معناهما‪ ،‬وعلى صورتهما‪ ،‬كالتيمم واألغسا المسنونة والوضوء على الوضوء)‬
‫قا ‪ <:‬وقوله ‪ :‬أو ما في معناهما‪ ،‬كالوضوء على الوضوء‪ ،‬واألغسا المسنونة‪ ،‬معناه أنها‬

‫‪47‬‬
‫طهارة شرعية‪ ،‬ومع ذلك لم يترتب عليها استباحة الصالة‪ ،‬ألن الصالة مستباحة بالوضوء‬
‫األو وبدون غسل مسنون‪ ،‬ألن الذي يمنع من الصالة الجنابة‪ ،‬واالغتسا منها واجب ال‬
‫مسنون‪ ،‬فال بد من إدخالها في التعريف حتى ال يخرج عنه ما هو منه>‬
‫أقو بأن لفظ‪ ،‬ولعله من قو المؤلف‪ ،‬لفظ‪( :‬يترتب) ينسف ويهدم صحة الكالم‪ .‬وكذلك‬
‫فالجنابة‪ ،‬أي الغسل منها‪ ،‬داخل في التعريف الوارد في مادة (غسل)‪.‬‬
‫وخالصة القو ‪ :‬إن كل هذا االختالف والخلط مرده البناء على تعريف للطهارة كونها فعال‪،‬‬
‫وهو تعريف فاسد بين فساده‪ ،‬غير صحيح‪.‬‬
‫أما قو المؤلف‪ <:‬وبهذا تعلم أن النجاسة تقابل الطهارة> على داللة اللفظ الشرعي والفقهي‬
‫فهو قو غير صحيح البتة وغير سليم تصورا‪ ،‬ألن الطهارة حكم شرعي‪ ،‬أما النجاسة وذلك‬
‫هو عموم ما تد عليه لغة وفقها‪ ،‬إنما هي محسوس من الذوات وشيء ماهيته نجسة‪ ،‬فكيف يا‬
‫ترى يسلم تصور من تساوت عنده الصفة والذات‪ ،‬وهما جوهران يتباينان تمايز الوجود‬
‫والعدم؟ فالحا ال تقابلها إال الحا ‪ .‬فهي كما جاء في 'مبحث النجاسة' عند عبد القادر الرحباوي‬
‫في كتابه 'الصالة على المذاهب األربعة مع أدلة أحكامها‪ :‬النجاسة هي القذارة التي يجب على‬
‫‪43‬‬
‫المسلم أن يتنزه عنها ويغسل ما أصابه منه‪>.‬‬
‫وبالطبع‪ ،‬وإن كان المعنى المعجمي لمادة (نجس) أصله الماهية والمحسوس‪ ،‬فقد يجوز‬
‫تصريفه على المجاز‪ ،‬وهذا ما نلفيه ونقرره إثباتا من قو المؤلف في اآلية من كتاب هللا تعالى‬
‫العزيز الحكيم‪{:‬إنما المشركون نجس}(التوبة‪< :)21‬فالمراد به النجاسة المعنوية التي حكم بها‬
‫الشارع‪ ،‬وليس المراد أن ذات المشرك نجسة كنجاسة الخنزير> وإن كان حكمه وقوله هذا‬
‫ليس مطلق االتفاق‪.‬‬
‫أما بخصوص الكالم في طهارة ونجاسة األعيان وميتتها ودمها‪ ،‬فاألصل الحديث وقوله عليه‬
‫الصالة والسالم‪ (( :‬أحلت لنا ميتتان ودمان‪ :‬السمك والجراد‪ ،‬والكبد والطحا )) أخرجه ابن‬
‫ماجة وأحمد‪ .‬كما أن اإلجماع في خصوص هذا الحيز والمسائل ليس بمتعسر بالدليل الفقهي‬
‫والمرجحات المختبرية الطبية والصيدلية ونحوها‪ ،‬وال عبرة لمن أراد الخالف للخالف‪.‬‬
‫أما سؤا تخليل الخمر فيجلي ويبرز الميز بين المسكر والمنجس؛ وكالهما في واقع الحا‬
‫مادة طبيعية إحداهما تؤثر في العقل لخاصات حيوية كيميائية‪ ،‬واألخرى خاصاتها كذلك‪ ،‬وبه‬
‫يظهر أو اختالف على مستوى العلم واإلدراك‪ .‬وإذا ما نظرنا إلى السؤا بغض النظر عن‬

‫كتاب الصالة على المذاهب األربعة مع أدلة أحكامها‪-‬عبد القادر الرحباوي‪-‬ص‪-55‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة‪-‬‬
‫‪-43‬القاهرة‬

‫‪48‬‬
‫وجود أو عدم وجود ألصو علمية من الكتاب والسنة قد تفصل في الحكم من أوله‪ ،‬فلئن كان‬
‫شيء في الشرع يتغير حكمه بتدخل اإلنسان فيلزم إبعاد شرط (بنفسه) في التخليل‪ ،‬ومن ثم‬
‫يكون قو المالكية والحنفية أصح‪.‬‬
‫ها هنا تناقض الشافعية ظاهر و مثا جلي مبرز ألولي األلباب في خروج المذهبية المجزئة‬
‫للدين عن روح الشريعة‪ ،‬فالعقل البشري وهو قصارى ما تبلغه المذهبية أمره كمن ال يهدي إال‬
‫أن يهدى‪ ،‬إنما اإلسالم شريعة مباركة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها‪ ،‬واسعة لما في السماوات‬
‫واألرض‪ ،‬ال تتجزأ أمرا من لدن حكيم عليم‪:‬‬
‫يقو الشافعية في تخليل الخمر‪<:‬ولو نزعت النجاسة في الحا >‪ .‬فهذا معياره المباينة القطعية؛‬
‫أما حكمهم في الصوف والشعر والريش والوبر بالنجاسة إال إذا انفصلت بنتف وكانت في‬
‫أصولها رطوبة أو دم أو قطعة لحم لم تقصد‪ ،‬أي ال قيمة لها في العرق‪ ،‬يعني أنها طاهرة‪ ،‬فهذا‬
‫ميزانه ومعياره التقدير‪ ،‬الذي هو معيار الحنفية في حكم تخليل الخمر‪.‬‬
‫فانظر إلى هذا التضارب المذهبي العجيب‪ ،‬وكل منها يدعي بحاله أنه نظمة ودين قائم بذاته؛‬
‫فالعبرة بالواقع ال بتلبيس الحق بالباطل وتسمية الحقائق والوقائع بغير أسمائها؛ فكل ما ليس‬
‫ينتظم ويعج باالختالف ليس من عند هللا تعالى العليم الحكيم‪.‬‬
‫كذلك نرصد هاهنا خروج الحنابلة عن ميزانهم ومعيارهم األو بأخذهم واعتبارهم للتقدير‪،‬‬
‫معيار الشافعية في الحكم في نجاسة الميتة بقولهم‪ <:‬ولكن يعفى عنها إذا وقع شيء منها بنفسه‬
‫في الماء أو المائع فإنه ال ينجسه إال إذا تغير>‬
‫هذا القو يؤكد ما قلناه من االختالف الكثير؛ ففي مسافة قد ال يختلف فيها عقل طفل لم يبلغ‬
‫الحلم نلفي هذا التفاقم المعاييري عند مذهب الشافعية الذي يدعي كما سواه من المذاهب وتزعم‬
‫لنفسها أنها الدين وأنها اإلسالم‪ ،‬في االنتقا من معيار المباينة القطعية ثنائي قيمة الحكم إلى‬
‫معيار غيره مضافا إليه قيم الشرط واالستثناء‪.‬‬
‫نعود للحنابلة‪ ،‬فاستشهادهم باآلية الكريمة‪{:‬ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى‬
‫حين'}(النحل‪ )10‬ال يتم إال باستحضار قوله صلى هللا عليه وسلم في شاة ميمونة رضي هللا‬
‫عنها‪ ((:‬إنما حرم أكلها)) وفي رواية ((لحمها))‪ ،‬فد على أن غير اللحم جائز كما جاء ذكره‬
‫عند المؤلف‪.‬‬
‫كذلك فاإلجماع هاهنا ميسر بالتحري الفقهي والفحص المختبراتي‪.‬‬
‫وأخذ الحنابلة بالتقدير في فضالت ما يؤكل لحمه هو خالف معيارهم وميزانهم في مسألة‬
‫تخليل الخمر‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫كذا قولهم بنجاسة القلس والقيء من غير تفصيل هو من غير مرية مخالف ألصل الدين‬
‫وأساس الشريعة‪ ،‬المنطبق بمبدإ رفع الحرج المنصوص عليه في محكم القرآن والبيان النبوي‬
‫الشريف لدين هللا القيم الحنيف وشريعته السمحاء‪.‬‬
‫أما في باب ومبحث ما يعفى عنه من النجاسة فيكاد يكون الميزان واحدا عند كل المذاهب‬
‫المفرقة ألمر دينها وهللا غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون‪.‬‬
‫ثم إنه على سبيل استيفاء حق القو والمقام في مبحث ما سبق أن نذكر باألصل والقاعدة‬
‫الفقهية األصولية المتمثلة في الحديث المتفق عليه وقوله عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫(( هو الطهور ماؤه الحل ميتته))‬

‫‪50‬‬
‫‪ -‬في مبحث حكم الماء الطهور‬

‫قبل مواصلة عرض هذا الخضم من التناقضات لألقوا المذهبية التي يريد لها أصحابها أن‬
‫تكون دينا‪ ،‬بل يزعمون أنها اإلسالم‪ ،‬لنتوقف قليال بقصد تبيان وتحديد معنى المعيار كمفهوم‬
‫أساس يتوقف عليه االستيعاب الصحيح لهذا النقد الدقيق والممحص للموضوع التشريعي لدى‬
‫المذاهب الفقهية‪.‬‬
‫نعني هنا بالمعيار كل أركان المقاربة والقياس مما يفيد تضمن عنصر المالءمة المعاييرية‪،‬‬
‫ليكون لكل حيز وطبيعة موضاعاتية صنفها المعاييري األحادي أو المتعدد‪ ،‬وسواء كان التعدد‬
‫على مطلق االختالف أو التباين أو التضاد أو التناقض‪ .‬ومثل المعيار الفقهي مثل المعيار‬
‫النظري العلمي مطلقا‪ ،‬فمثال ال يمكن أن نقبل بوجود نظرية فيزيائية موحدة‪ ،‬تارة تعتمد كثافة‬
‫مادية كونية معينة‪ ،‬وتارة أخرى في ذات البناء تعتمد قيمة أخرى تخالفها‪.‬‬
‫واقتضاء لمبدإ التناسق هناك صلة توافقية بين عناصر مطلق األصناف المعاييرية مما ينتج‬
‫عنه وجود شبه مصفوفات تميز المنتظم من الفكر واألحكام عما ليس منه‪.‬‬

‫في هذا المبحث بالخصوص‪ ،‬مبحث حكم الماء الطهور تتجلى الحقيقة الواقعية للفقه عند‬
‫الناس‪ ،‬بل عند من يعتبر نفسه فقيها ولربما عالما في مجاله‪ .‬ولخطر وأهمية هذا النقد يجب أن‬
‫نقدم الحد األدنى الالزم للبيان واإليضاح‪.‬‬
‫جاء عند المؤلف ما يلي‪:‬‬
‫حكم الماء الطهور‬ ‫<<‬

‫أما حكم الماء الطهور‪ ،‬فهو ينقسم إلى قسمين‪ :‬أحدهما‪ :‬األثر الذي رتبه الشارع عليه وهو أنه‬
‫يرفع الحدث األصغر واألكبر‪ ،‬فيصح الوضوء به واالغتسا من الجنابة والحيض‪ ،‬وتزا به‬
‫النجاسة المحسة وغيرها‪ ،‬وتؤدى به الفرائض والمندوبات وسائر القرب‪ ،‬كغسل الجمعة‬
‫والعيدين وغير ذلك من العبادات‪ ،‬وكذا يجوز استعماله في العادات من شرب وطبخ وعجن‬
‫وتنظيف ثياب وبدن وسقي زرع ونحو ذلك‪ .‬ثانيهما‪ :‬حكم استعماله‪ ،‬والمراد به ما يوصف به‬
‫استعماله من وجوب وحرمة‪ .‬ومن هذه الجهة تعتريه األحكام الخمسة‪ ،‬وهي الوجوب‪،‬‬
‫والحرمة‪ ،‬والندب‪ ،‬واإلباحة‪ ،‬والكراهة‪ .‬والمراد بالندب ما يشمل السنة‪ ،‬وذلك ألن المندوب‬

‫‪51‬‬
‫والمسنون شيء واحد <عند بعض األئمة> ومختلفان عند البعض اآلخر كما سيأتي في‬
‫مندوبات الوضوء‪ .‬فأما ما يجب فيه استعما الماء‪ ،‬فهو أداء فرض يتوقف على الطهارة من‬
‫الحدث األكبر واألصغر كالصالة‪ ،‬ويكون الوجوب موسعا إذا اتسع الوقت‪ ،‬ومضيقا إن ضاق‪.‬‬
‫وأما ما يحرم فيه استعما الماء فأمور‪ :‬منها‪ :‬أن يكون الماء مملوكا للغير ولم يأذن في‬
‫استعماله‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يكون مسبال للشرب‪ ،‬فالماء الموجود في األسبلة لخصوص الشرب يحرم‬
‫الوضوء منه‪ ،‬ومنها‪ :‬أن يترتب على استعماله ضرر‪ ،‬كما إذا كان الوضوء أو الغسل بالماء‬
‫يحدث عند الشخص مرضا أو زيادته‪ ،‬كما يأتي في مباحث التيمم وكذا إذا كان الماء شديد‬
‫الحرارة أو البرودة وتحقق الضرر باستعماله‪ .‬ومنها‪ :‬أن يترتب على استعما الماء عطش‬
‫حيوان ال يجوز إتالفه شرعا‪ ،‬فكل هذه األحوا يحرم استعما الماء فيها وضوءا أو غسال‪.‬‬
‫فإذا توضأ شخص من سبيل أعد ماؤه للشرب‪ ،‬أو توضأ من ماء يحتاج إليه لشرب حيوان ال‬
‫يصح إتالفه‪ ،‬أو توضأ وهو مريض مرضا يزيد بالوضوء فإنه يحرم عليه ذلك‪ ،‬ولكن هذا‬
‫الوضوء يكون صحيحا تصح الصالة به‪ .‬وأما ما يندب فيه استعما الماء فهو الوضوء على‬
‫الوضوء‪ ،‬وغسل يوم الجمعة‪ .‬وأما ما يباح فيه استعما الماء فهو األمور المباحة من شرب‬
‫وعجن وغير ذلك‪ .‬وأما ما يكره فيه استعما الماء‪ ،‬فأمور‪ :‬منها‪ :‬أن يكون شديد الحرارة أو‬
‫البرودة شدة ال تضر بالبدن‪ ،‬وعلة الكراهة أنه في هذه الحالة يصرف المتوضئ عن الخشوع‬
‫هلل ويجعله مشغوال بألم الحر والبرد‪ ،‬وربما أسرع في الوضوء أو الغسل فلم يؤدهما على‬
‫الوجه المطلوب‪ ،‬ومنها الماء المسخن بالشمس‪ ،‬فإنه يكره استعماله في الوضوء والغسل‬
‫بشرطين‪ :‬الشرط األو ‪ :‬أن يكون موضوعا في إناء من نحاس أو رصاص أو غيرهما من‬
‫المعادن غير الذهب والفضة‪ .‬أما الموضوع في إناء من ذهب أو فضة فإنه إذا سخن بالشمس‬
‫ال يكره الوضوء منه‪ .‬الشرط الثاني‪ :‬أن يكون في بلد حار‪ ،‬فإذا وضع الماء المطلق في إناء من‬
‫نحاس<حلة أو دست> ووضع في الشمس حتى سخن فإنه يكره الوضوء منه واالغتسا به‪،‬‬
‫كما يكره غسل ثوب به ووضعه على البدن مباشرة وهو رطب‪ .‬وقد علل بعضهم الكراهة بأن‬
‫استعماله على هذا الوجه ضار بالبدن‪ ،‬وهي علة غير ظاهرة ألن الضرر إذا تحقق كان‬
‫استعماله حراما ال مكروها‪ .‬والواقع أن الضرر ال يظهر إال إذا كان باإلناء صدأ واستعمل من‬
‫الداخل‪ .‬وعلل بعضهم الكراهة بأن هذا الماء توجد به زهومة تستلزم التنفير منه‪ ،‬فمتى وجد‬
‫غيره كره استعماله‪ ،‬وإال فال كراهة‪ ،‬وكذا سائر المياه المكروهة فإن كراهتها ترتفع إذا لم‬
‫يوجد غيرها‪ .‬هذا وقد ذكر الفقهاء مكروهات أخرى في المياه؛ فيها تفصيل المذاهب>>‬

‫‪52‬‬
‫إن الماء الطهور ليس موضوع الفعل الشرعي‪ ،‬إنما هو مادته؛ فما جاء في قو المؤلف‪:‬‬
‫<تعتريه األحكام الخمسة> ضرب من الخطل ومختل القو مما ال يخفى وما ال يفسر إال‬
‫باالفتقاد للعتبة الشرطية في آلية التفكير وأهلية الممارسة الفكرية والعلمية‪ ،‬وباألحرى أن يهم‬
‫ذلك شأنا عظيما مرتبطا بعلم الدين وفقه الشريعة‪.‬‬
‫إن ما توهمه المؤلف من اإلسنادات‪ ،‬فهي تهم شرعا عموم التصرف في األشياء ال خصوص‬
‫الماء؛ ولهذا أتى تناقضه في قوله‪ <:‬فإنه يحرم عليه ذلك‪ ،‬ولكن هذا الوضوء يكون صحيحا‬
‫تصح الصالة به> فكأن قوة جوهر السؤا كونه مرتبطا بحكم مادة ال بعمل قد ثقل وزنه وغلب‬
‫تصور المؤلف الخاطئ‪ .‬فالوجوب ال يكون إال في األعما ال في حكم الشرع على المواد‬
‫واألشياء؛ فهذه حكمها فيه يكون على شريط الحل والجواز والكراهية والحرمة؛ بل إن حكم‬
‫الماء الطهور مستنبط ومتصل مباشرة بتعريفه وتميزه عن غيره من الماء الطاهر غير‬
‫الطهور‪ ،‬والماء المتنجس‪ .‬فالطهور طهارته مطلقة؛ والطاهر دونه‪ ،‬يحل في العادات‪ ،‬وال يحل‬
‫في العبادات اصطالحا‪ .‬فاألصل فيهما إذا هو من تعريفهما وتمايزهما‪ ،‬وال يتغير هذا الحكم إال‬
‫بعروض أحوا تطرأ عليهما؛ وذلك ما يزيح الحكم من الحل والجواز إلى الحرمة والكراهة‪.‬‬
‫لزم التنبيه أن قو المالكية‪ ،‬وبه قا الحنابلة أيضا‪ ،‬بقصر الكراهة في الماء المستعمل على‬
‫وضوء الصالة المفروضة دون غيره من المندوب كوضوء النوم قو فيه مقا ‪ ،‬ألن الوضوء‬
‫حالة وحكم‪ ،‬فهو إما حاصل أو غير حاصل‪ ،‬ثنائي قيمة الحكم ال ثالث لهما‪ .‬وتحري رفع‬
‫الخالف ممكن بالرجوع إلى المستوفى من أصو الكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -‬في شروط الوضوء‬

‫من أشد اإلشكاالت وأكثرها تسببا في عدم استقامة وسالمة القو الفقهي عدم إدراك حقيقة الفقه‬
‫من حيث التصنيف لمجاالت القو والفكر بذات الميز بين البيان العلمي والبيان الشعري‪.‬‬
‫فالقو في مجا الفقه ال يكون إال علميا بالمعنى البحث للعلمية‪ ،‬واأللفاظ في القيم واألحكام‬
‫خاصة هي قاموس علمي‪ ،‬فأيما هفوة وزلة لعلة عارضة أو بنيوية هي بمثابة من يخطئ في‬
‫عدد أو رقم ما في بناء وتركيب حسابي أو إحصائي‪ .‬يقو المصنف‪:‬‬
‫< ولما كانت الصالة ال تحل إال بالوضوء أو ما يقوم مقامه‪ ،‬فإنه يفترض أن يتوضأ للصالة‪،‬‬
‫على أن الصالة تجب بدخولها وجوبا موسعا‪ ،‬فكذلك الوضوء التي ال تصح بدونه‪ ،‬ومعنى كون‬
‫الوجوب موسعا أن للمكلفين أن يصلوا أو الوقت ووسطه وآخره‪ ،‬فإذا لم يبق على الوقت إال‬
‫زمن يسير ال يسع إال الوضوء والصالة‪ ،‬فإنه في هذه الحالة يكون الوجوب مضيقا‪ ،‬بحيث‬
‫يجب عليه أن يتوضأ ويصلي فورا‪ .‬وإذا أخر الوضوء والصالة يأثم‪.‬‬
‫وكما أن الوضوء فرض على من يريد أن يصلي الفرض‪ ،‬فهو فرض على من يريد أن يصلي‬
‫النفل‪ ،‬فمتى عزم على الدخو في صالة النفل فإنه يجب عليه أن يتوضأ فورا‪ ،‬وإال حرم عليه‬
‫أن يصلي بدون وضوء‪.‬‬
‫وإذا عرفت أن دخو الوقت شرط لوجوب الوضوء فقط‪ ،‬تعرف أنه يصح الوضوء قبل دخو‬
‫الوقت‪ ،‬فليس دخو الوقت شرطا لصحة الوضوء‪ ،‬إال إذا كان المتوضئ معذورا>‬
‫اختال يلي اختالال وتفاقمات تترى حتى ولدت ضروبا من القو ال يستسيغه ال الفؤاد وال‬
‫اللسان‪ ،‬تارة في البناء وأخرى في المعنى والمقو كقوله‪ < :‬وإذا عرفت أن دخو الوقت‬
‫شرط لوجوب الوضوء فقط> إذ ال يحمل لفظ الوجوب إال على قاموسه الفقهي أي ليس يحمل‬
‫إال على المعنى االصطالحي الشرعي‪ ،‬وقوله‪ <:‬وإذا أخر الوضوء والصالة يأثم> فالسليم‬
‫واألصح‪< :‬وإذا أخر الصالة يأثم> وإذا لزم هاهنا من الجهة التعليمية أو التأصيلية حتى أصل‬
‫شاهد ومحدد فلنتل قوله تعالى في آية الوضوء من سورة المائدة‪{ :‬يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم‬
‫إلى الصالة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق' وامسحوا برؤوسكم' وأرجلكم إلى‬
‫الكعبين'}(المائدة ‪ )1‬فالقرآن العظيم هو الحق من ربك وأنز بالحق‪ ،‬كل لفظ فيه إنما هو‬
‫بالحق‪ ،‬والتأصيل العلمي والفقهي يكون على أساس التركيب اللغوي بميزان الرحمان واللسان‪.‬‬
‫فلفظ ومادة البيان(إذا) الواردة في اآلية تفيد الوصل االشتراطي والتبعي ألمر وفعل الوضوء‬

‫‪54‬‬
‫بالقيام إلى الصالة وقصده؛ فهو أمر غير مستقل ال ينفصل بذاته شرعا تعبديا حتى يناط له‬
‫اللفظ الدا على هذه الجوهرية المستقلة في الشرع التي يد عليها لفظ (فرض)‪.‬‬

‫‪ -‬ضالل وخالف مذهبي كبير ال يجوز في حق ترريع دين هللا العزيز الحكيم‬

‫المالكية‪ :‬اإلسالم شرط صحة فقط؛ '' فالكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة‪ ،‬فتجب عليهم‬
‫العبادات ويعاقبون على تركها‪ ،‬وال تصح منهم إال بعد اإلسالم‪ ،‬وإنما ال تصح منهم حا‬
‫الكفر‪ ،‬ألن العبادات جميعها متوقفة على النية عندهم‪ ،‬وستعرف قريبا أن من شروط صحة‬
‫النية اإلسالم‪.‬‬
‫الحنفية‪ :‬قالوا إن اإلسالم من شروط الوجوب فقط‪ ،‬ال من شروط الوجوب والصحة معا‪ ،‬عكس‬
‫المالكية‪ ،‬فالكافر غير مخاطب بفروع الشريعة عندهم‪ ،‬وإنما لم يعدوه من شرائط الصحة ألن‬
‫الوضوء عندهم ال يتوقف على نية‪ ،‬ألن النية ليست من فرائضه كما ستعرفه بخالف التيمم‪،‬‬
‫فإنه ال يصح من الكافر لتوقفه على النية‪ ،‬ألنه فرض في التيمم كما يأتي ''‬
‫على مرجع نظمة الصحة والوجوب بالسلب واإليجاب يكون هنا قوال الحنفية والمالكية‬
‫متضادين تضادا يجلي إلى أي حد هي بعيدة عن الحق هذه المذاهب سواء آعتبرت مذهبا مذهبا‬
‫أو اعتبرت جميعا‪ ،‬بعدها عن الحق في نوره وكفل صدق الحق في أحكامه وحفظ الميزان؛ هي‬
‫دليل بين على ضال حل باألمة حذت فيه حذو من قبلنا من أهل الكتاب بدلوا دينهم واتبعوا‬
‫أهواءهم من بعد ما تبين لهم الهدى وجاءهم الحق ورسو مبين؛ أال إن اإلسالم شريعة‬
‫وشرعة واحدة‪ ،‬ال مذاهب شرعات أديانا متضاربة‪ ،‬فتعالى هللا الحق‪ ،‬ورسوله الكريم األمين‬
‫عليه الصالة والسالم براء من أن يكون هذا هو األمر المنز إلى هذه األمة أمة واحدة؛ كفى‬
‫تنائيا عن الحق واألوبة لألمة أسلم؛ هو أمر جليل له أهله من رجا العزم المصطفون من‬
‫العلماء والدعاة‪ ،‬الذين يقا لهم إن الزمن غير ذاك الزمان‪ ،‬ورهان أهل الدين قوة وسلطانا‬
‫ضامر حكمته وحكمه الخرس والمداراة‪ ،‬فقالوا إنما نحن مادة الحق‪ ،‬نوقد لهيب النار من‬
‫الرماد‪ ،‬ونصدع و ال نكتم ذاك أفضل الجهاد‪ ،‬أال إن الحيوان ال هنالك بل هناك خلف الجدار‪...‬‬
‫ألن نهلك في سبيل الحق خير من نزعم أن هذه المذاهب هي دين هللا ‪...‬‬
‫إن البون شاسع والزعم كاذب من أن يدعي أحد أن هذه المذاهب مجتمعة وفرادى تصلح ألن‬
‫تكون منظومات قانونية ألي مجا وأيا كان موضوعها‪ ،‬بله أن تكون هي القانون المطلق‬
‫وشريعة هللا تعالى الذي له علم ما كان وما يكون وهو أعلم بما خلق الحكيم الخبير‪ .‬فإنك تجد‬

‫‪55‬‬
‫منظومة قانونية محدودة في مجا سريانها وموضوعها قد تستغرق في إعدادها وصياغتها‬
‫العمل المضني والجهد الكبير‪ ،‬تتضافر فيها وتجتمع جهود العدد الكبير الذي ال حصر له من‬
‫الكفاءات المعرفية والخبرات حتى تتم هذه المنظومة من المساطر كال واحدا‪ ،‬خلوا أو كذلك‬
‫هي الغاية‪ ،‬من أي تناقض أواختالف‪ ،‬ورغم كل ذلك يبقى الحديث عن عيوب مساطرية أو‬
‫بعد حين وأمد على جنب غير بعيد عن وجوب المالءمة أو التحيين القانونين‪.‬‬
‫فكيف إذا وهذه المذاهب كلها عيوب مساطرية‪ ،‬وضروب من القو واختالف كثير أن تقبل‪،‬‬
‫بل وأن يدعى ويرسخ أنها مذاهب إسالمية‪ ،‬بالمعنى الخطير أنها تمثل اإلسالم‪ ،‬وهي قد فسقت‬
‫عن أمره بتلبيس وكيد عظيم أنها مذاهب له‪ ،‬أال إن الذين يفترون على هللا الكذب ال يفلحون‪ .‬أال‬
‫يعلم هؤالء أن القرآن وبيانه النبوي الشريف هو نور الحق إلى يوم القيامة مبارك مجيد‪ ،‬وهذه‬
‫الخاصة ال تنبغي إلنس وال جان‪ ،‬ألن المستخلف عليه منفتح إلى قيام الساعة؟ وإن هؤالء وهللا‬
‫لمثل من قا فيهم هللا تعالى‪{:‬أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون'}( عمران‪.)45‬‬
‫وفي إإليقاظ للسنوسي كما ساقه ابن أبي مدين الشنقيطي في الصوارم‪:‬‬
‫<وقد علم من كالم األئمة رضي هللا عنهم أن من قلد واحدا منهم في نازلة بعد ظهور كون‬
‫رأيه فيها مخالف نص كتب أو سنة فهو كاذب في دعواه التقليد له‪ ،‬متبع لهواه وعصبيته‪ ،‬وهو‬
‫بريء منه‪ ،‬فهو معه بمنزلة أحبار أهل الكتاب مع أنبيائهم يدعون اتباعهم مع الكفر بمحمد‬
‫‪44‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم وقد أمروهم باتباعه واإليمان به ونصرته‪>.‬‬
‫فالمستنبط الجلي هنا لمن خاف مقام ربه أن ال موضع قدم أصال للفظ المذهب في دين هللا‬
‫تعالى‪ ،‬ومن يبد دين هللا من بعد ما جاءتهم البينات فإنما هو كما يعلم‪.‬‬
‫إن هذا االختالف العقيم والتضاد ال يستند في حقيقته إال للتجزئة والمذاهبية القائمة والمستندة‬
‫على حقيقة الخالف‪ ،‬إذ يعلم بادئ الرأي أن ال تعدد بغير اختالف؛ وذلك أن هذا التضاد لو رد‬
‫إلى الحق مرجع شريعة رب العالمين‪ ،‬المرجع الواحد الذي ال يتعدد وال يتجزأ‪ ،‬والمشكاة الحقة‬
‫لمطلق أحكام العباد في شتى النواز وعموم أقضية الخلق واألحوا ‪ ،‬الرتفع وحل بسبيل أيسر‬
‫من االستنباط على اإلمكان برفع الجهالة وتعيين الحكم األقرب إلى السداد‪ .‬فشرور انسداد سبل‬
‫االجتهاد ووأد قلوب العقل لعلوم التفكير وبناء هيئات السير في آفاق تسخير أبعاد األرض بسبر‬
‫ناموس الخلق وقوانين الذرة والفلك‪ ،‬ال ريب المذاهبية أم الشرور‪ ،‬بل إنها بتفريق الدين شيعا‬
‫انفصل أمرها نن روحه ومركاته‪.‬‬

‫‪ 44‬الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪-‬ص‪150‬‬

‫‪56‬‬
‫فالشريعة هي أحكام الكتاب أنز بالحق والميزان‪ ،‬وال يحق أن يفرض الالحق قبل السابق وال‬
‫التبعات على أساس وأصل مشروعيتها‪ .‬فالعبادة عمل وجهته المعبود جل وعال في مجا‬
‫تواجدي قانونه اإليمان‪ ،‬يتجلى تحققه في اإلسالم على نسق توجيه رسو هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم لمعاذ بن جبل رضي هللا عنه حين بعثه إلى اليمن‪ ،‬النسق التراتبي الممثل صيغة قانونية‬
‫وبيانا محددا واضحا بلفظ (فإن هم) أي بداللة التحيين الشرطي والمراحلي لنهج العمل‬
‫واألحكام‪ ،‬وهذا مكون قمن بالفقهاء وأهل العلم األخذ به وعدم إغفاله لما يترتب عليه خاصة‬
‫في أحكام الكفر واإليمان في صلتها بالفروض واألركان‪.‬‬
‫ويظهر تفاقم المالكية ومنطلقهم الفاسد على مستوى النتاج إذ قالوا‪< :‬ويعاقبون على تركها>‬
‫وهم أصال محكومون شرعا بشديد الوعيد جهنم خالدين فيها‪.‬‬
‫أما الحنفية فباإلضافة لما بيناه بخصوص(وجوب) الوضوء كحكم شرعي مستقل‪ ،‬ألنه مرتبط‬
‫بالصالة‪ ،‬والصالة ال تحل وال تصح إال من مسلم‪ .‬وهم إن قالوا الكافر غير مخاطب بفروع‬
‫الشريعة‪ ،‬فهم خاطئون خطأ فاحشا كبيرا بقولهم كون النية ليست من فرائض الوضوء‬
‫بزعمهم؛ فهو كقولهم الفكر أو العقل ليس من مكونات المرء‪ .‬فالنية أصل اكتسابي إرادي‬
‫وفكري في كل عبادة؛ ولهذا ال يقبل وال يعتبر عمل المجنون وقبيله‪ .‬كما أن صحة العمل ال‬
‫تكون إال في مجا اعتباره أوال‪ ،‬وهو ال اعتبار له دون إسالم‪ ،‬وإنما الوجوب يكون بعد‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫فهذا الخالف يبين ويجلي ضال الفريقين معا‪ .‬وكذا يبرز أثر خلفية الخالف ومكونه التأسيسي‬
‫ونزعته ما ذا نتاجها ومآلها على الدين‪ ،‬وعلى تصور وفهم الناس للشريعة‪ ،‬وهي أصال من‬
‫عند هللا تعالى أحكم الحاكمين‪.‬‬
‫يجدر بالتنبيه هنا أن بلوغ الدعوة إنما هو شرط زائد ألنه متضمن في شرط اإلسالم‪.‬‬
‫وبتحليل لعمق بنيتي القولين يظهر أنهما معا اختلقا الخالف اختالقا على نسق تام لجماعة‬
‫السفسطائيين من أهل يونان أو ظهورهم؛ ذلك أن المالكية في قولهم‪ :‬الكافرون أيضا‬
‫مخاطبون بفروع الشريعة‪ ،‬فقولهم الشريعة بما هي متضمنة في العبادة من قوله تعالى‪{:‬يا أيها‬
‫الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون'}(البقرة‪)20‬‬
‫وبما أن هذه العبادات بالتعريف الشرعي المنز هي ذات اإلسالم وحقيقته كما هو مسطر‬
‫ويعلم من حديث جبريل‪ ،‬فاألمر هذا والخطاب بأمر الشريعة كلها هو أمر بالدخو في دين هللا‬
‫تعالى اإلسالم‪ ،‬وبناء عليه يتبين أن كل مقولة تفصل بينهما كما هو الحا هنا في مقو المالكية‬

‫‪57‬‬
‫هو قو سفسطائي ال غبار عليه‪ ،‬ووضوحه حصو مفارقة اعتبار الشيء شرطا لذاته‪ ،‬وكل‬
‫ما زاد من القو كون العمل ال يقبل حا الكفر وموضوع النية إنما هو موصو بمنهدم أصال‪.‬‬
‫أما األحناف وهاهنا سر االختالف ومكمن التضليل وااللتباس‪ ،‬هو أن اعتبارهم لمفهوم فروع‬
‫الشريعة ليس هو ذاته اعتبار المالكية بإهما بياني لداللة (فروع) واعتباره بمعنى العبادة؛‬
‫فالحنفية عنوا بالخطاب معنى تفصيل حقيقة اإلسالم بمعنى يراد به هنا اإليمان والشهادة‬
‫بالحق‪ ،‬تفصيل التكليف والتشريع‪ ،‬وقولهم هذا تبعا لمادة البيان هو األصح‪ ،‬وهو الذي يساير‬
‫كذلك ويوافق التراتبية في التكليف‪ ،‬المؤصلة في كثير من آي القرآن الحكيم وفي وصيته صلى‬
‫هللا عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي هللا عنه في بعثته إلى اليمن‪ .‬لكن بالطبع وكما بيناه تم فصل‬
‫مكون من جوهره‪ ،‬أي النية كمكون جوهري لمطلق السلوك اإلنساني‪ ،‬ليتم البناء سفسطة على‬
‫جوهرين اثنين مختلفين هما في الحقيقة مكونان جوهريين لجوهر وحقيقة واحدة‪.‬‬
‫بيد أن األهم من الجهة التحليلية والنقدية هو الجامع الخطابي للقولين معا‪ ،‬ومدى بل والقدرة‬
‫التسويغية ألي قلب‪ ،‬بمعنى عقل مخاطب في استقبا هذا المجموع من األقوا قوال واحدا‬
‫معتبرا يا للعجب فقها وعلما‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬فرائض الوضوء‬

‫هاهنا يلزم التنبيه على كون قولنا فيما سبق بخصوص لفظ واسم (الفرض) بالنسبة للوضوء‪،‬‬
‫فقد سطرنا على االستقال لتقرير خطإ البيان؛ فصحة اللفظ استعماال تكون بحسب السياق؛‬
‫ومثاله داللة لفظ (الرب)‪ ،‬فقد يعني الخالق جل وعال وقد يراد به المعنى المطلق للسيد‬
‫والمالك‪ ،‬ولذا جاء النهي في الحديث عن استعما لفظ الرب في سياقات معينة‪.‬‬
‫أما هنا في تركيب فرائض الوضوء‪ ،‬فالبيان مستساغ متوازن‪ ،‬بل إن ما أوردناه من تحليل‬
‫هناك بخصوص الوضوء‪ ،‬وعدم ترادف والجواز المطلق في االستبدا بين الشرط والفرض‬
‫وغيره‪ ،‬نجده عند المؤلف تذكيرا وتفصيال في قوله‪ < :‬ثم إن الفقهاء اصطلحوا على أن‬
‫الفرض مساو للركن‪ ،‬فركن الشيء وفرضه شيء واحد‪ ،‬وفرقوا بينهما وبين الشرط بأن‬
‫الفرض أو الركن ما كان من حقيقة الشيء‪ ،‬والشرط ما توقف عليه وجود الشيء>‬
‫بالطبع فقولهم الفرض هنا مساو للركن مقيد بإضافته‪ ،‬أي فرض شيء ما أو أمر ما‪ ،‬ال داللته‬
‫مستقال غير مضاف‪ .‬وبما أنه ليس كل شرط فرض حقيقة ومعنى‪ ،‬فالوضوء ليس إال شرطا‬
‫للصالة ال يصح في الميزان والبيان القو بأنه من فرائض الصالة وال أن يقا هو فرض‬
‫شرعي‪ ،‬إن هو إال شرط نز تقريره وهو الهدي للعلم السوي الصحيح نتلوه في آية الوضوء‬
‫من القرآن العظيم‪ .‬إن المؤمن لوجل في عموم القو أن يقدم بين يدي هللا ذي العزة والجبروت‬
‫الذي له الخلق واألمر ورسوله النبي األمين صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فكيف إذا هم ذلك شأنا‬
‫خطيرا وبناء المكونات والحيثيات التقعيدية والتعريفات المؤسسة لعلم الفقه وعليها يقوم‬
‫التوجيه والتحديد حتى ألحكام الدين والشرع لعموم األمة واآلماد والعباد؟‬
‫وقو المؤلف‪ <:‬ومن شروط صحتها (أي الصالة) دخو الوقت‪ ،‬فإذا صلى قبل الوقت فإنه قد‬
‫يكون أتى بحقيقة الصالة‪ ،‬ولكنها تكون باطلة في نظر الشريعة>‬
‫هذا لعمري من أفسد األقوا المبرزة لفساد التصور لحقيقة األشياء ذاتها ولذات وحقيقة الصالة‬
‫على صفة التخصيص‪ .‬فإنما الفكر بالقلب واللسان‪ ،‬وإذا ما أصاب وكان مكمن العي والخلل‬
‫العقل فما يكون اللسان بعده إال بيان وترجمان‪ .‬ذلكم هو التقييم الصحيح لهذا القو وما جاء‬
‫على قبيله ومثله كثير ظال وأثرا لعوج في اإلدراك ومدى العقل لألمور‪.‬‬
‫أال إن حقيقة الشيء جوهره‪ ،‬وجوهر الصالة عباداتي‪ ،‬والعبادة عمل مخصوص موجه بإطار‬
‫هيآتي وزمني مخصوص‪ .‬إذن فالزمن من مكونات الجوهر‪ ،‬إذا افتقد استحا وصار الجوهر‬
‫إلى جوهر آخر غيره‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫وهذا المكون بالذات هو الذي يوجب إهما ما ذهب إليه الشافعية من زيادة شرط العلم بكيفية‬
‫الوضوء وتمييز الفرض عن غيره ومصاحبة النية؛ فذلك كله محصل بالنية األولى والقصد‬
‫والعقل‪ .‬فكل عمل وسلوك لإلنسان يتنز من سلم الهم واإلرادة ثم العزم ثم التحقق؛ فالصيغة‬
‫والهيئة إذا سابقة للتحقق‪ ،‬وكافل سيرورتها وتحققها العقل والبدن معا‪.‬‬
‫فهذا دليل بالحق إذن بأن النية مكون في حقيقة العمل ومن ثم في العبادة‪ .‬فهي على هذا فوق‬
‫درجة الشرط اصطالحا؛ ومنه يقضى على بينة وأساس من العلم والحق مكين بخطإ الحنابلة‬
‫الذين قالوا بالشرطية والحنفية الذين قالوا بسنيتها‪ ،‬أي جعلوها دون الركن‪ .‬كذلك قو الحنابلة‬
‫بوجوب تقدم االستجمار أو االستنجاء على الوضوء قو ال أساس له وال أصل له‪ ،‬فهو قو‬
‫مردود‪.‬‬
‫نفس المكون‪ ،‬المكون الجوهري للنية المثبت بدليل العلم والبرهان ومما ليس فيه حظ قطميرا‬
‫للرأي‪ ،‬الذي أهمل قو الشافعية في شروطهم الزائدة‪ ،‬كذلك يهمل قو المالكية بشروطهم في‬
‫النية‪ :‬التمييز والجزم‪ ،‬فهما من حقيقتها‪ ،‬وال حقيقة لها من دونهما؛ فال يمكن أن نقو أن صبيا‬
‫غير مميز أو أن مجنونا بأنه نوى‪ ،‬ألن النية ال تصدر إال عن عقل مدرك ثابت‪.‬‬
‫والقو في النية ومصاحبتها وخاصة عند الشافعية إشكاله والكالم فيه رهين معرفة ومدى إلمام‬
‫الفقيه بالعلم العصبي والطبي في حد أدنى منه‪ ،‬وإال كان متكلما وخائضا في أمر بغير سلطان‬
‫من الحق وال أثارة من علم‪ ،‬وذلك ظلم بين وتعسف ظاهر؛ ذلك وإن كل قو في هذا شأنه شأن‬
‫كبير وخطره عظيم‪ ،‬ألنه القاعدة التأسيسية التي على أساسها يتشكل ويتوجه عموم القو في‬
‫الفقه وأحكام الدين‪.‬‬
‫اختال الحقائق بخصوص النية وتجليه يبرز على مناحي عدة ويخلق نقاطا ظاهرة من التكلف‬
‫البعيد والتمحل كما هو في قو الحنابلة‪:‬‬
‫< إنها شرط لصحة الوضوء‪ ،‬فلو لم ينو لم يصح وضوؤه وإن كانت ليست فرضا داخال في‬
‫حقيقة الوضوء>‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫وأمكن استخالص وجمع أبرز نقاط االختالف أو الخالف بخصوص القو الفقهي للوضوء بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬النية؛ وهو إشكا معرفي بحث‪.‬‬
‫‪ -2‬الترتيب؛ والحنابلة أحق‪.‬‬
‫‪ -5‬مرجوحية قو الحنابلة في اعتبارهم الفم واألنف من الوجه‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ومنه يستنبط اإلمكان الميسر بالحق في وحدة القول الفقهي التي هي الحق من ربك ال‬
‫التريع والتفرق في الدين‪ ،‬وما الدين في أصله إال شريعة وأحكام‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬
‫من أهم البؤر ضد‪ -‬بنائية ونقاط الخالف على مستوى أساس وقاعدة البناء الفقهي الصحيح‬
‫والسليم إشكا الخالف في تعريف وتحديد مفهوم السنة‪ ،‬خالف وإشكا ليس يرجع وغير‬
‫مرتبط باالصطالح الذي يتحتم فيه هنا مراعاة المعاني والفروق الدقيقة‪ ،‬إنما هو إشكا علمي‬
‫إدراكي بالدرجة األولى‪ .‬ومنه يتوصل ويتبين خطأ الشافعية والحنابلة في قولهم بالترادف بين‬
‫السنة والمندوب والمستحب والتطوع‪ .‬كذلك يتبين خطأ ترقية السنة إلى الواجب عند الحنفية‪.‬‬
‫والقو األكثر سدادا في تعريف السنة وغيرها من المندوب خاصة هو المسند للمالكية‪ .‬فالسنة‬
‫ما ثبت فعله ولم يحكم بفرضيته‪ ،‬فيثاب فاعله وال وزر على تاركه‪.‬‬
‫أما المندوب فهو دون السنة‪ ،‬وقد يأتي في حقيقته ومعناه مرادفا للمستحب‪.‬‬
‫كما أن الفرق بين السنة المؤكدة وغير المؤكدة ثابت ووارد عمال سنة وعلما‪ ،‬حكمهما إذا‬
‫مختلف‪ ،‬وقو الحنابلة فيه أكثر سدادا‪ ،‬وذلك في حكم كراهية ترك السنة المؤكدة عند القدرة‪.‬‬
‫ومن تفاقمات الحنفية والبرهان في حقيقة عدم ثباتهم على نظر مرجعي مستقر وميزان واحد‬
‫وقد قالوا بأن النية ليست فرضا في الوضوء ويكون صحيحا دونها ثم نلفيهم يقولون‪ <:‬إذا أراد‬
‫المتوضئ أن يضع يده في الماء القليل ويبقى على حاله طهورا غير مستعمل فعليه أن ينوي‬
‫االغتراف من هذا الماء دون الغسل‪ ،‬بمعنى أن يقو في نفسه‪ :‬نويت أن أغترف من هذا الماء‬
‫ثم يغسل به العضو الذي يريد غسله‪ ،‬وبذلك ال يستعمل الماء‪،‬ألنه إنما يستعمل إذا نوى أن‬
‫يتوضأ به من أو األمر‪ ،‬ألنك قد عرفت فيما مضى أن الماء ال يستعمل إال إذا أريد باستعماله‬
‫العبادة>‬
‫هذا بالطبع حين تعسر إفراغ الماء بغير إدخالها بدءا في اإلناء‪ .‬ورغم التكلف‪ ،‬وإن شئنا رغم‬
‫التنطع والغلو في هذه األمور الميسرة شرعا‪ ،‬فإننا هنا نناقش ونبين تناقضات قو البشر الذي‬
‫أراد به أصحابه والمقلدون لهم أن يكون دينا وشريعة للعباد يتعبد بها‪.‬‬
‫قولهم هنا في نية استعما الماء بنية غير نية العبادة حتى ال يكون الماء مستعمال حكما شرعيا‬
‫يعني ميزانا أن النية لها عاملية تغيير حقيقة العمل والشيء جوهرا وصبغة‪ ،‬وإن كل ما له هذه‬
‫العاملية والفعل والقوة فهو مكون؛ وبما أن ماهيته ليست مرتبطة بالمادة والشروط الخاصة‬
‫للعمل فهو مكون ثابت في عموم الشروط والمواد‪ ،‬وبالتالي هو ثابت للعمل مطلقا‪ .‬وإذا علم أن‬
‫الحنفية قالوا بعدم فرضيتها‪ ،‬أي النية‪ ،‬في الوضوء‪ ،‬وهو عمل‪ ،‬فهذا يد على تناقض صريح‬

‫‪61‬‬
‫ظاهر في إطار العقل أو القو الحنفي‪ ،‬ال يقبل وال يمكن بحا أن يقوم عليه بناء وهيكلة‬
‫علمية‪ .‬أما إن نحن حاولنا تصويبه وتصحيحه وقلنا بأن النية متضمنة بالقوة والفعل في العمل‪،‬‬
‫ألن العمل أصله ومبتدؤه الهم واإلرادة الممثالن بالعقل‪ ،‬لزم إذن عدم القو بالنية في اغتراف‬
‫الماء ألنها متضمنة في العمل‪ ،‬ولكن يحل محلها شرط العلم‪ .‬والناتج هو أن الحنفية تناقضوا‬
‫بين أمرين قريبين مسافة‪.‬‬
‫يقو المؤلف في حديثه عن النية في موضع تطرقه وعرضه لفرائض الصالة‪:‬‬
‫< الحنفية – قالوا‪ :‬إن النية شرط ثبتت شرطيتها باإلجماع ال بقوله تعالى‪ {:‬وما أمروا إال‬
‫ليعبدوا هللا مخلصين له الدين}(البينة‪ ،)5‬ألن المراد بالعبادة في هذه اآلية التوحيد‪ ،‬وال بقوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ((:‬إنما األعما بالنيات))‪ ،‬ألن المراد ثواب األعما ‪ .‬أما صحة األعما‬
‫فمسكوت عنها‪.‬‬
‫والواقع أن هذه األدلة تحتمل المعنى الذي قاله الحنفية‪ ،‬كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم‪ .‬أما‬
‫اآلية فألن عبادة هللا ليست مقصورة على التوحيد‪ ،‬بل المتبادر منها إخالص النية في عبادة هللا‬
‫مطلقا‪...‬‬
‫وأما الحديث فألن ثواب األعما إذا حبط فإنه ال يكون لها أية فائدة‪ ،‬وال معنى لقولهم‪ :‬إن‬
‫العمل صحيح مع بطالن ثوابه‪>...‬‬
‫قبل هذا وذاك ليس المجا هنا مجا تضارب األقوا ومضمارا لشعري الخطاب‪ ،‬إنما هو علم‬
‫على ميزان أقوم العلوم مسطرة قواعده وأحكامه بالمبين من البيان واللسان‪ .‬من أجل ذلك‬
‫فالمعيار الذي يجب أال يغفل طرفة عين عند المتصدي لهذا العلم‪ ،‬حديثا مصنفا أو مدرسا‬
‫شارحا‪ ،‬هو معيار البيان العلمي الدقيق في كل لفظة منه كما ال يبد في الخطاب العلمي‬
‫الطبيعي رقم بغيره‪.‬‬
‫نبين هذا بالقو كون المقو أعاله للمصنف هو خطاب وكالم غير علمي باالصطالح‬
‫والحقيقة‪ ،‬وذلك طبعا بتقرير خطإ الحنفية من الجوانب كلها جميعا‪ ،‬ألن زلتهم وخطأهم الفقهي‬
‫هنا مرده باألساس االفتقاد كلية هنا لحقيقة التفكير السوي المستحضر للقلب أي للعقل‪ .‬ونعني‬
‫بعدم علمية كالم المصنف تحديدا المواد البيانية والمعجمية في أصولها‪( :‬المتبادر) و(ال يكون‬
‫لها أية فائدة) و(ال معنى لقولهم)‪ .‬فهذا في التحليل اإلدراكي – األلسني ال سبيل إلسناده إلطار‬
‫القو العلمي‪.‬‬
‫وإليك التصويب تمثيال من بعد التعيين‪ :‬فالعنصر البياني (المتبادر منها) يبد ب( المراد بها)‬
‫أو (داللتها) أو ما كان من هذا المعنى على االنطباق‪ .‬وأما المادتان األخريان فمحمولتان‬

‫‪62‬‬
‫كلتاهما بالتصور واإلدراك الخاطئ للسؤا وموضوع اإلشكا ‪ ،‬وهذا يتصل بالعقل واإلدراك‬
‫ال بالعلم والمعرفة‪ ،‬وال بالبيان إال باعتباره ترجمانا لثاني األصغرين‪ .‬ذلك أن اإلشكا هنا‬
‫يخص العالقة الجوهرية للنية في العمل كمكون جوهري وموجه محدد صبغته في ذات اآلن؛‬
‫فالحنفية تجاوزوا ما ال يحق أبدا تجاوزه والقفز عليه من كون ثواب األعما محددا بجوهرها‬
‫صبغة ووجهة‪ ،‬وبهذا الجوهر يكون صالحها؛ فقولهم باطل مختل في جزئياته وفي كليته‪،‬‬
‫وتلك طبيعة من يسعى للخالف ألجل الخالف‪ ،‬فيناقض الحق ويخالف بدهي نسقه وهو يعلم‪.‬‬
‫وأما المؤلف فقد سايرهم حتى ضل موضوع السؤا وافتقد صلة الوعي به واإلدراك‪ ،‬وذلك ما‬
‫تد عليه كلماته بكل وضوح‪.‬‬
‫بيد أنه في إطار النقد العلمي والزم نصحه ليس األمر هنا عارضا‪ ،‬لكنه قد يكون معرفيا‬
‫متصال بعلم ميزان الحقائق أي المنطق‪ ،‬وهو علم حق؛ وإنما التبست المفاهيم والحقائق على‬
‫أناس فحصل به ضال وتضليل؛ وهللا تعالى إنما خلق السماوات واألرض بالحق وأجل‬
‫مسمى‪ ،‬وأنز الكتاب بالحق والميزان‪ ،‬جعل سبحانه االختالف لبنة أساسا في الخلق والتفكير؛‬
‫وهللا يعلم والناس ال يعلمون‪.‬‬
‫بإيجاز نقو إن اآلية الكريمة داللتها مبدئية إفادتها تحديد الدين وتعيين المعبود؛ فالنية بالنسبة‬
‫لمفهوم اآلية كنسبة النقطة إلى الفضاء‪ .‬فهي تحقق عناصري لها تحقق اآلني والمفرد للثابت‬
‫الشامل والدائم المطلق‪ .‬أما قو الحنفية بأن معنى العبادة بخصوص بيان اآلية وصلتها‬
‫بالموضوع هو التوحيد فقو فيه خبط وخلط‪ ،‬إذ أن التوحيد كما هو في االصطالح السائد هو‬
‫المأمور به في الخطاب واآلية‪ ،‬وتبعا لمكوناته وأيضا لما جاء في مواضع أخر من القرآن‬
‫فمعنى قوله تعالى‪{:‬مخلصين له الدين حنفاء} ليس متضمنا سياقا في مدلو وحمولة‬
‫{ليعبدوا}‪ ،‬وهذا مكمن االختال في قولهم‪ .‬بل إن عموم وشمولية توجيه العبادة هلل عز وجل‬
‫المأمور به في هذه اآلية‪ ،‬وبالنظر لبيانها وكفاية داللتها على كل أحوا العبادة وأحيانها‪ ،‬وفي‬
‫كل أمر من الحياة وكل آن ولحظة من لحظاتها‪ ،‬هو دليل على كون النية ليست شرطا بل هي‬
‫مكون في العمل مما تحقق بيانه قبل؛ ولقوة هذا األصل على مستوى التأسيس والبناء الصحيح‬
‫والحق لصرح علم الفقه‪ ،‬علما قائما على الذي أحق‪ ،‬كان كلما تعلق األمر بصلة بهذا األصل‪،‬‬
‫أصل التحديد والحكم الفقهي للنية إال واختلط األمر عند الحنفية‪.‬‬
‫وبخصوص تعبير المؤلف بشأن اآلية البينة‪< :‬والواقع أن هذه اآلية تحتمل المعنى الذي قاله‬
‫الحنفية‪ ،‬كما تحتمل المعنى الذي قاله غيرهم> فهذا قو بينه وبين تفسير اآلية وعلم التفسير‬
‫برزخ ال يتصالن‪ ،‬ألننا لسنا في سياق متغير نتحدث فيه عن الدالالت المعجمية للحقل الداللي‬

‫‪63‬‬
‫للفظ معين‪ ،‬ال بل نحن بشأن آية القو فيها معرفة علم أو جهل‪ .‬والبون على بون الكالم‬
‫اإلنشائي عن القو العلمي‪.‬‬
‫وإذا كان وصل النية باآلية تضمنيا‪ ،‬فالحديث إنما داللته وفحوى بيانه هو النية‪ .‬وفيه بيان‬
‫جوهريتها ودحض القو بشرطيتها‪ ،‬ألن الشرط ال يغير الجوهر‪ .‬كما أبى األحناف إال أن‬
‫يثبتوا من ذاتهم تناقضا جليا لموازينهم حين غيروا صبغة الماء بالنية‪ .‬أما ما ورد عندهم شرحا‬
‫للحديث وكالما بخصوصه وبيانا فهو بعيد خارج إطاره وليس من مراده وال مضمونه‪ ،‬فإن‬
‫موضوعه الماهية والجوهر‪ ،‬وليس الثواب متعلقا به إال على اللزوم والتبع‪ .‬أما صحة األعما‬
‫فليس مسكوتا عنها كما دللنا عليه بدءا‪ ،‬فهي من أساس الثواب وشرطه‪ ،‬وهو خاصة الحقة‬
‫لكينونة وحصو الماهية والجوهر‪.‬‬
‫إذن فاألمر ليس ما قاله الحنفية‪ ،‬ولكن النية صلتها باآلية تضمنية وبالحديث تطابقية‪ .‬وإن كان‬
‫هذا يجلي شيئا فإنما هي طبيعة الحق البنيوية ومناعته الذاتية‪ ،‬التي تجلي أي موضع وحدث من‬
‫االختال ‪ ،‬بحيث أن كل خلل ومخالفة لجادة الحق ال تنفك عن تبعات من الخلل متالحقة ناتجة‬
‫عنها‪ ،‬نظام إنذار ذاتي للحق ومبرزا مميزا للمنتظم من الفكر واألحكام عما ليس ببناء حق‪ ،‬كما‬
‫هو حقيقة هذه المسماة مذاهب فقهية وهللا تعالى بريء منها ورسوله والراسخون في العلم‪ ،‬ألنه‬
‫كما قلناه ونؤكده كل سبيل من السبل كان افتقد مكونا جوهريا من دين هللا العليم الحكيم‪،‬‬
‫كوحدته التشريعية شرعة ومذهبا‪ ،‬بمعنى دينا واحدا وإطارا فقهيا واحدا ال يتفرق وال يتجزأ‪،‬‬
‫دينا واحدا ألمة المسلمين جميعا‪ ،‬من سعى وذهب هذه المذاهب التفريقية للدين وعدد السبل‪،‬‬
‫فحكمه في القرآن صريح‪ ،‬وهو ليس من اإلسالم والحق في شيء؛ وإن أهل الكتاب وكان بينهم‬
‫علماؤهم وأحبارهم قد فرقوا دينهم واتبعوا السبل فضلوا عن صراط هللا المستقيم؛ ومن يضلل‬
‫هللا فلن تجد له سبيال‪.‬‬
‫ولمزيد من توضيح الصورة ولتستبين حقيقة هذه المذاهب وحقيقة خالفاتها الواهية المختلقة‬
‫بغرض التفرقة والتمايز‪ ،‬وبالنظر إلى موضع النية كموضع أمثل يجلي هذه الحقيقة ويبرزها‪،‬‬
‫وذلك ألولية اعتبارها وسبقها‪ ،‬وما كان أوليا في التقعيد والتحديد كان بسيطا وأقل مما يليه‬
‫تعقيدا؛ من أجل هذا نسوق مثال وضربا من االختالف بخصوص النية الذي يظهر جليا لمن‬
‫حباه هللا تعالى بحظ ولو يسير من الحكمة والمعايير البنيوية التي يقوم عليها العلم‪ ،‬أي علم‬
‫ككيان وبناء‪ ،‬لم يكن ليجد له موقعا لوال غياب الحقيقة العلمية خاصة في شرطيها األساسين‪:‬‬
‫شرط الوضوح وشرط االقتصاد؛ والوضوح متضمن طبعا ومتحصل لمكونات القو العلمي‬
‫المؤسسة على المرجع والدليل‪ .‬يقو الشارح‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫< أما طلبة العلم الذين يريدون أن يعرفوا اصطالح كل مذهب‪ ،‬فعليهم أن يعرفوا أن المالكية‬
‫والشافعية اتفقوا على أن النية ركن من أركان الصالة‪ ،‬فلو لم ينو الصالة فإنه ال يقا له قد‬
‫صلى أصال‪ .‬والحنفية اتفقوا على أنها شرط‪ ،‬بمعنى أنه إن لم يأت بها فإنه يكون قد صلى‬
‫صالة باطلة>‬
‫من األسس المجمع عليها لدى العالمين بالحق أن القواعد واألحكام في األبنية العلمية تستمد من‬
‫الغالب والعام‪ ،‬أما النادر فال حكم له‪ ،‬ويلحق على االستثناء المعين‪ .‬وقد علم بدليل الخبرة‬
‫ومجمع العلوم الطبية والتجريبية ذات الصلة أن كل عمل إنساني منطلقه األو الهم واإلرادة‬
‫مما موقعه ومحله الدماغ‪ ،‬المكافئ بيانا للفكر والقلب؛ وذلك بالذات هو ما ينطبق ويعبر عنه‬
‫بالنية‪ .‬فمن أدى عمال فمنطلقه مؤكد يقينا يقين اقتران الرأس بالجسد والمبدإ بالمتم‪ .‬ومن ثمة‬
‫يظهر مدى فساد القولين السابقين‪ ،‬ومدى ما أشرب القوم من التكلف والعسف البعيد عن‬
‫العلمية‪ ،‬وعن التفكير السوي‪ ،‬وإن شرع هللا تعالى منهم براء‪ .‬وكما أخبرنا رسو هللا صلى‬
‫عليه وسلم فإنه ما أوتي قوم الجد إال ضلوا؛ وأي ضال أعظم من القو ببطالن أمر عظيم‬
‫وهو عند هللا صحيح؛ والصالة بين العبد وربه الودود الرحيم‪ ،‬وهي قبل ذلك وبعده عمود‬
‫اإلسالم؟ وأي ضال أبعد من أن تشرب األقطار‪ ،‬وقد نز أمره وحكمه تعالى أن هذه أمتكم‬
‫أمة واحدة‪ ،‬أن تشرب المذهبية حتى أنز كل إمام في قوم مذهبه إلها من دون هللا وهم ال‬
‫يشعرون؟ وما العبرة إال بالواقع والحقيقة ال بتسمية األشياء بغير أسمائها‪ ،‬وإال ما معنى وما‬
‫الحقيقة أن ينشأ النشء منذ صغره على الحب والتقديس الذي ال يحق وال يجوز وال يكون إال‬
‫للرب المعبود‪ ،‬فيجعلونه لشخص إمام مذهب معين؟ وكما قلنا فالعبرة بالحا وبواطن وكنه‬
‫الحقائق‪ ،‬فما معنى هذه المباريات تحت مسمى االهتمام بالعلوم الشرعية والفقه‪ ،‬التي تقتصر‬
‫على مؤلف وحيد‪ ،‬مثال هاهنا عندنا موطأ اإلمام مالك دون غيره؟ وليعلم وسيذكر من يخشى‬
‫أن فرض وترسيخ وإشراب الناس هذا التصور للرسالة التي بعث بها محمد رسو هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬إن هذا أقرب للكفر منه إلى ما يزعمونه من االهتمام بدين هللا تعالى وبالعلوم‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫قبل هذا‪ ،‬وعلى مثل القيمة االستجالئية للنية في يسر إبرازها وكشفها لحقيقة الخالفات‬
‫المذهبية‪ ،‬خالف مثير ال يستسيغ عاقل أن يقره على خالفه في إطار أعلى من العلم ممثال لبيان‬
‫دين هللا تعالى وأسسه العلمية‪ ،‬خالف في تعريف وتحديد الصالة حتى‪ ،‬الصالة المعلومة‬
‫بالضرورة عند عموم المسلمين ركنا من اإلسالم‪ .‬وإنه يكفي أنها ركن من اإلسالم‪ ،‬وأنها‬
‫الفاصل العملي بين الكفر واإليمان‪ ،‬وأنها عمود الدين‪ ،‬ويكاد يكون العلم والفقه كله في حديثه‬

‫‪65‬‬
‫وأمره صلى هللا عليه وسلم‪ ((:‬صلوا كما رأيتموني أصلي))‪ ،‬إنه هذا ليكفي ليحسم ويحكم على‬
‫هذا الخالف وعلى موضعه بأنه محض االختالق والجهل يقينا‪ .‬فإن االختالف والخالف ليس‬
‫بممتنع إطالقا ولكن على مستوى دون مستوى القاعدة المتحراة المقررة أساسا علميا ألمر يعلم‬
‫يقينا أنه الدين‪ ،‬والدين إنما هو من عند هللا جل وعال‪.‬‬
‫إذا كان التعريف للصالة‪ ،‬أي االصطالح الشرعي عندهم‪ ،‬تابع موصو لحكمها فهذا فيه‬
‫الكفاية لتحديد وتقييم درجة العقل في بنائهم هذا الذين يزعمون ويريدون به الشريعة وعلم‬
‫الفقه؛ بل وعلى داللة االصطالح الشرعي سجود التالوة صالة لدى الحنابلة والمالكية‪.‬‬
‫أما قولهم في حكم النية والصالة غير المفروضة وكيفيتها‪ ،‬فهذا حيز كما كان شأن موضوع‬
‫النية كله يبرز بقوة ما حصل من االختالف الكثير عند هؤالء القوم في قولهم الذي يريدون به‬
‫ويزعمونه أنه هو الفقه وأنه الدين والشريعة؛ وإنما هو اختالف وجد بأقوالهم إلى عين‬
‫الدجل‪ ،‬ذلك أن ما يراد به فقها يستد به على الشرع محض خبط وخلط ال يميز مبدؤه عن‬
‫منتهاه‪.‬‬
‫وننقل هاهنا ما جاء في المرجع المعتمد على القدر المناسب والغاية المتوخاة من هذا النقد‪:‬‬
‫< الحنفية‪ -‬قالوا‪ :‬ال يشترط تعيين صالة النافلة‪ ،‬سواء كانت ستا أو ال‪ ،‬بل يكفي أن ينوي‬
‫مطلق الصالة‪ ،‬إال أن األحوط في السنن أن ينوي الصالة متابعا لرسو هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬كما أن األحوط في صالة التراويح أن ينوي التراويح‪ ،‬أو سنة الوقت‪ ،‬أو قيام الليل‪ ،‬وإذا‬
‫وجد جماعة يصلون وال يدري أهم في صالة التراويح أم في صالة الفرض وأراد أن يصلي‬
‫معهم فلينو صالة الفرض‪ ،‬فإن تبين أنهم في صالة الفرض أجزأه‪ ،‬وإن تبين أنهم في التراويح‬
‫انعقدت صالته‪.‬‬
‫الحنابلة‪ -‬قالوا‪ :‬ال يشترط تعيين السنة الراتبة بأن ينوي سنة عصر‪ ،‬أو ظهر كما يشترط تعيين‬
‫سنة التراويح‪ ،‬وأما النفل المطلق فال يلزم أن ينوي تعيينه‪ ،‬بل يكفي فيه نية مطلق الصالة‪.‬‬
‫الشافعية‪ -‬قالوا‪ :‬صالة النافلة إما أن يكون لها وقت معين كالسنن الراتبة وصالة الضحى‪ ،‬وإما‬
‫أن ال يكون لها وقت معين ولكن لها سبب كصالة االستسقاء‪ ،‬وإما أن تكون نفال مطلقا؛ فإن‬
‫كان لها وقت معين أو سبب فإنه يلزم أن يقصدها ويعينها بأن ينوي سنة الظهر مثال‪ ،‬وأنها‬
‫قبلية أو بعدية‪ ،‬كما يلزم أن يكون القصد والتعيين مقارنين ألي جزء من أجزاء التكبير‪ ،‬وهذا‬
‫هو المراد بالمقارنة واالستحضار العرفيين‪ ،‬وقد تقدم مثله في صالة الفرض‪ .‬وال يلزم فيها نية‬
‫النفلية‪ ،‬بل يستحب‪ .‬أما إن كانت نفال مطلقا‪ ،‬فإنه يكفي فيها مطلق قصد الصالة حا النطق‬
‫بأي جزء من أجزاء التكبير‪ ،‬وال يلزم فيها التعيين‪ ،‬وال نية النفلية‪ ،‬ويلحق بالنفل المطلق في‬

‫‪66‬‬
‫ذلك كل نافلة لها سبب‪ ،‬ولكن يغني عنها غيرها كتحية المسجد‪ ،‬فإنها سنة لها سبب وهو دخو‬
‫المسجد‪ ،‬ولكن تحصل في ضمن أي صالة يشرع فيها عقب دخوله المسجد‪.‬‬
‫المالكية‪ -‬قالوا‪ :‬الصالة غير المفروضة إما أن تكون سنة مؤكدة‪ ،‬وهي صالة الوتر والعيدين‬
‫والكسوف واالستسقاء‪ ،‬وهذا يلزم تعيينها في النية بأن ينوي صالة الوتر أو العيد‪ ،‬وهكذا؛ وإما‬
‫أن تكون رغيبة‪ ،‬وهي صالة الفجر ال غير‪ ،‬ويشترط فيها التعيين أيضا بأن ينوي صالة الفجر؛‬
‫وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد‪ ،‬وهذه يكفي فيها نية مطلق‬
‫الصالة‪ ،‬وال يشترط تعيينها‪ ،‬ألن الوقت كاف في تعيينها>‬
‫إن الذي هو أجدر بالفصل في هذه األمور واألسئلة ليس كل الناس وال مطلق من نا لقب‬
‫العالم أو اعتبر عندهم من العلماء‪ ،‬بل الربانيون أولو العلو في درجات العلم والحكمة على‬
‫مقتضى سلم األحكام بالحق المنصوص عليه في قوله تعالى‪:‬‬
‫{قل أأنتم أعلم أم هللا'}(البقرة‪)155‬‬
‫{أو لو كان آباؤهم ال يعلمون شيئا وال يهتدون'}(المائدة‪)101‬‬
‫{أو لو كان آباؤهم ال يعقلون شيئا وال يهتدون'}(البقرة‪)140‬‬
‫فليس كل المسائل والقضايا العلمية والنواز حلها ومردها من جهة مدى العلم ودرجته مستوى‬
‫واحدا‪ ،‬بل هي في ذلك درجات‪ ،‬ودرجة ما ارتبط منها بالصالة خاصة هو أعالها‪.‬‬
‫عالوة على ما أثبتناه من الحكم في شأن النية مكونا جوهريا للعمل‪ ،‬لو تم عرض هذه األقوا‬
‫على أهل المعرفة والخبراء المختصين بعلم الدماغ وبالشبكة العصبية التي تربط بين الفكر‬
‫والخاليا الدماغية من ناحية كبؤرة محركاتية أصل‪ ،‬والعمل الجسدي كانبثاق وفيض حركي‬
‫جسدي وفعلي تحققي‪ ،‬لتبين أنه ضرب من الكالم بعيد كل البعد عن الحق وال صلة له بما‬
‫تتأسس عليه العلوم من األحكام واألقوا ‪.‬‬
‫إن قصر النية عند الشافعية على السنن الراتبة دون مطلق النفل بعدمها يرده كل عقل سوي‬
‫بأدنى معطى العلم‪ ،‬بله أن يكون مختصا بالفقه حرفته العلم والفكر ممن ال أقرب حقيقة ومعنى‬
‫للميزان فيه من العقل‪.‬‬
‫ولهؤالء جميعا‪ ،‬أصحاب هذه األقوا والذين أقروهم عليها وجعلوها يا للعجب فقها وعلما يقوم‬
‫دين الناس وتوجيه قلوبهم عليها‪ ،‬ليأخذ كل واحد منهم على عاتقه وليسأ نفسه هل حدث له‬
‫مرة أن هم وعزم الذهاب إلى المسجد خارجا من بيته فوجد نفسه في السوق مثال أو في مكان‬
‫آخر غير المسجد‪ .‬وإن مثل العالقة بين هذه األسئلة والكفاءة العقلية كما جاء ذكر شرطها في‬
‫اآلية من سورة البقرة صريحا حتى ال يكون للملبسين الملحدين في هذا الشرط العظيم في‬

‫‪67‬‬
‫الخلق واالستخالف حظ مما هو دأبهم‪ ،‬مثل ما بينه رسو هللا صلى هللا عليه وسلم في سؤا‬
‫وشأن الجهر بالدعاء والذكر في حديث الصحيحين عن أبي موسى األشعري رضي هللا عنه‪:‬‬
‫(( كنا مع رسو هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة‪ ،‬فجعلنا ال نصعد شرفا وال نهبط واديا إال‬
‫رفعنا أصواتنا بالتكبير‪ ،‬قا ‪ :‬فدنا منا فقا ‪ :‬يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم‪ ،‬فإنكم ال تدعون‬
‫أصم وال غائبا‪ ،‬إنما تدعون سميعا بصيرا‪ ،‬إن الذين تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‪،‬‬
‫‪45‬‬
‫يا عبد هللا بن قيس أال أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ ال حو وال قوة إال باهلل))‬
‫إن القرآن العظيم بالحق نز ‪ ،‬والنية بالحق مكون في سلوك اإلنسان‪ ،‬والشريعة كلها بالحق من‬
‫عند هللا العليم الحكيم؛ فبذلك تبوأت النية من حيث العلم مكان الصدر واألولية ألنها هي نواة‬
‫العمل بصبغته‪ ،‬ومن ران على قلبه غشاوة المذهبية بغير هدى من الحق فإنما نذكره عسى‬
‫يتذكر بقوله تعالى المبين‪{:‬قل أتحاجوننا في هللا وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم'‬
‫ونحن له مخلصون'}(البقرة‪)151‬‬
‫فذلكم الشأن العظيم للنية‪ ،‬وقد رشد البخاري ‪-‬وقد آتاه هللا الحكمة‪ -‬حين أصدر مصنف الصحيح‬
‫بحديث النيات اقتضاء حكيما وترتيبا نظيما نبه إليه منوها الفقيه العالم ابن حجر العسقالني‪،‬‬
‫الذي قل من العلماء قاطبة من بلغ ما بلغ من دقة البيان وسداد التفسير وسعة العلم‪.‬‬
‫ثم إن لم يرعو من أشرب من هؤالء حب المذهبية حتى نسوا الذكر ونبذوا على حين من الدهر‬
‫ما هو من الحقائق أصل وبينات‪ ،‬فهذه أحاديث رسو هللا صلى هللا عليه وسلم فيها الكفاء كل‬
‫الكفاء تقريرا بالوحي الكريم يغني عن أي درس بشأن المكون الجوهري للنية في األعما ‪،‬‬
‫ومن لم يجعل هللا له نورا فما له من نور‪:‬‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه الخليفة الراشد الثاني لرسو هللا صلى هللا عليه وسلم قا ‪:‬‬
‫سمعت رسو هللا صلى هللا عليه وسلم يقو ‪:‬‬
‫(( إنما األعما بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى‪ :‬فمن كانت هجرته إلى هللا ورسوله فهجرته‬
‫إلى هللا ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها‪ ،‬أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر‬
‫إليه))‪.46‬‬
‫وفي الحديث القدسي فيما يرويه رسو هللا صلى هللا عليه وسلم عن ربه ذي الجال واإلكرام‪:‬‬
‫(( إن هللا كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‪:‬‬

‫‪ 45‬تفسير ابن كثير‪ -‬البقرة ‪115‬‬


‫‪ 46‬متفق عليه‬

‫‪68‬‬
‫فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها هللا تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة‪ ،‬وإن هم بها فعملها كتبها‬
‫هللا عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة‪ ،‬وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها هللا‬
‫‪47‬‬
‫عنده حسنة كاملة‪ ،‬وإن هم بها فعملها كتبها هللا سيئة واحدة))‬
‫وفيما رواه الشيخان أيضا عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي هللا عنه أن رسو هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قا ‪:‬‬
‫(( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتو في النار‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسو هللا هذا القاتل فما با‬
‫المقتو ؟ قا ‪:‬‬
‫‪-‬إنه كان حريصا على قتل صاحبه))‪.‬‬
‫فمن ينكر أن النية مكون جوهري في العمل فكأنما ينكر الوجود في حقائقه وتجليات الحق فيه‪،‬‬
‫بل ويؤو به المآ وقد آض به إلى اإللحاد في أمر أساس تقوم العبادة عليه؛ فأنى يصرفون؟‬
‫ونافلة في ذكر وتوضيح ما حصل عند أصحاب المذاهب من التفاقم جراء مخالفتهم لصريح‬
‫الحق قربانا للتمايز المذهبي وعصبيته الجاهلية‪ ،‬التفاقم الذي يعبر عنه قو المالكية‪:‬‬
‫< وإما أن تكون مندوبة كالرواتب والضحى والتراويح والتهجد‪ ،‬وهذا يكفي فيها نية مطلق‬
‫الصالة وال يشترط تعيينها‪ ،‬ألن الوقت كاف في تعيينها>‬
‫وإذا علمت أن النية من ذات العمل وأن الكون أساسه البنيوي مبدأ االختالف فهذا القو محض‬
‫خلط باطل هو للخرف أقرب منه لقو سوي البشر‪.‬‬
‫وما يؤكد هذا الحكم هو ما جاء عندهم من الخلط على حين من تراكم االختالف والتناقضات‬
‫في قولهم بالنية شرطا واستصحابا‪ ،‬جزئيا أو مستغرقا مستمرا‪ ،‬اسمع لما يقو من يدعي تعيين‬
‫الدين وانظر إلى شرط المرجع القانوني في لغته وبيانه‪ ،‬جاء في حكم التلفظ بالنية‪:‬‬
‫< يسن أن يتلفظ بلسانه بالنية‪ ،‬كأن يقو بلسانه أصلي فرض الظهر مثال ألن في ذلك تنبيها‬
‫للقلب‪ ،‬فلو نوى بقلبه صالة الظهر ولكن سبق لسانه فقا ‪ :‬نويت أصلي العصر فإنه ال يضر‪،‬‬
‫ألنك قد عرفت أن المعتبر في النية إنما هو القلب‪ ،‬والنطق باللسان ليس بنية وإنما هو مساعد‬
‫على تنبيه القلب‪ ،‬فخطأ اللسان ال يضر ما دامت نية القلب صحيحة>‬
‫أما قو الحنفية في من وجد قوما يصلون ولم تتعين له الصالة‪ ،‬فهو قو عار عن كل مرجح‬
‫يؤخذ به من أصل أو أثارة من علم‪ ،‬ومعارض ألساس القصد والوضوح في سلوك العبد‬
‫والعبادة واالستخالف‪ ،‬وهو قو كما تقرر له تبعات ال تتفق مع الشرع والعقل‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫متفق عليه‬

‫‪69‬‬
‫وأكثر ما يظهر فيه التفاقم هو أن يؤو تراكم األخطاء واالختالف منشأ غلو في الدين وإيغاال‬
‫في تكلف وعسر في الدين ليس منه في شيء وال أمر به سبحانه وتعالى وال رسوله الكريم‬
‫عليه الصالة والسالم‪ .‬هكذا نلفي الشارح يقو ‪:‬‬
‫< فعلى مقلدي الحنفية أن يراعوا ذلك‪ ،‬وال يفصلوا بين التكبيرة وبين النية‪ ،‬ألنه أفضل‪ ،‬ويرفع‬
‫الخلف>‬
‫< وإنما ذكرنا هذا الخالف ليعلم الناظر في هذا أن مقارنة النية لتكبيرة اإلحرام عند المالكية له‬
‫منزلة‪ ،‬فال يصح إهماله بدون ضرورة‪ :‬من نسيان أو نحوه>‬
‫< الشافعية‪ -‬قالوا‪ :‬إن النية ال بد أن تكون مقارنة لتكبيرة اإلحرام بحيث لو تقدمت عليها أو‬
‫تأخرت بزمن ما‪ ،‬فإن الصالة ال تصح كما بيناه في مذهبهم في مبحث كيفية النية>‬
‫إنه وهللا ليخشى من مجاراة ومسايرة هذه األقوا البعيدة كل البعد عما فطر هللا تعالى عليه‬
‫القلوب السوية ووهبها من سوي الفكر والميزان‪ ،‬يخشى أن يصاب العقل بشيء وذهوبه حتى‪.‬‬
‫إنه ال المحتوى وال تراكيب القو وكأنه نموذج في الطب األلسني لالختالالت العقلية بذي‬
‫موضع قبو فيما يراد به قوال علميا‪ ،‬بله أن تكون أو تدعي أنها الدين والفقه‪ .‬وهل لقوله‪( :‬ألنه‬
‫أفضل) و(عند المالكية له منزلة)‪ ،‬هل له من صلة بالقو العلمي وطبيعته؟ وهل على قو‬
‫حظه من العلم ال يساوي مثقا ذرة يريد الضالون المركب خطير جهلهم والملبس عليهم أن‬
‫يوجهوا ويؤسسوا علم الدين والفقه لدينهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم‪..‬‬
‫ولما كان الخطأ ال يفضي إال للخطإ والضال إال لما هو أضل وأبعد منه‪ ،‬فقد بلغ التفاقم عند‬
‫القوم بخصوص نية اإلمام إلمامته‪ ،‬وتبعية صالة المأمومين من جهة الصحة والبطالن سلبا‬
‫وإيجابا لنيته‪ ،‬مبلغا يعجب المرء من إجماعهم عليه وتقريره ومظاهر الفسوق عن السوية‬
‫والميزان فيه بارزة ظاهرة‪ .‬وهذا للتمثيل قو المالكية‪:‬‬
‫<< قالوا‪ :‬يشترط نية اإلمام في كل صالة تتوقف صحتها على الجماعة‪ ،‬وهي الجمعة‪،‬‬
‫والمغرب والعشاء المجموعتان ليلة المطر تقديما‪ ،‬وصالة الخوف وصالة االستخالف‪ ،‬فلو‬
‫ترك اإلمام نية اإلمامة في الجمعة بطلت عليه وعلى المأمومين‪ ،‬ولو تركها في الصالتين‬
‫المجموعتين بطلت الثانية‪ ،‬وأما إذا تركها في صالة الخوف فإنها تبطل على الطائفة األولى من‬
‫المأمومين فقط‪ ،‬ألنها فارقت في غير محل المفارقة‪ ،‬وتصح لإلمام وللطائفة الثانية‪ .‬أما صالة‬
‫االستخالف فإن نوى الخليفة فيها اإلمامة صحت له وللمأمومين الذين سبقوه‪ ،‬وإن تركها‬
‫صحت وبطلت على المأمومين>‬
‫ونحوه عند الشافعية‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫< ثانيها‪ :‬الصالة التي جمعت للمطر جمع تقديم‪ ،‬كالعصر مع الظهر‪ ،‬والعشاء مع المغرب‪،‬‬
‫فإنه يجب عليه أن ينوي اإلمامة في الصالة الثانية فقط بخالف األولى ألنها وقعت في وقتها>‬
‫هذه ال ريب أقوا ال مصداقية لها‪ ،‬فاسدة خاطئة ال تصح من أي وجه نظرت إليها‪ ،‬والسبب‬
‫في ذلك أنها نتاج إلدراك قد أضل النية في تحديدها ولتصور غير صحيح لحقيقتها‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -‬تكبيرة اإلحرام الفرض الثاني في الصالة‬

‫فرضية تكبيرة اإلحرام ومكونيتها الجوهرية في الصالة أمر من الدين معلوم بالضرورة سنة‬
‫عملية مثبتة متواترة على درجة أعلى أصو التشريع لما يفيده الخبر من أنه صلى هللا عليه‬
‫وسلم أوتي القرآن ومثله معه ولما نز من هدي الكتاب في قوله عز وجل‪:‬‬
‫{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نز إليهم ولعلهم يتفكرون'}(النحل ‪)44‬‬
‫قا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫‪48‬‬
‫(( مفتاح الصالة الطهور‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم)) أما قو الشارح بشأن هذا‬
‫الحديث‪ <:‬وهذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن> فمن وجه االستدال لحكم فرضية‬
‫تكبيرة اإلحرام هو قو ليس مستقيما وغير سديد إال أن يقيد بجانب الحديث‪ ،‬ومن حيث الحكم‬
‫الفقهي فالسنة المتواترة ال ينبغي لها هذا التعبير وهذا اللفظ أي قوله‪ ( :‬وهذا أصح شيء في‬
‫الباب وأحسن)‪ ،‬فهو قو ال يقبل وال يصح ال في منظار تقييمه وال في بيانه‪.‬‬
‫كذلك االستدال باآلية من القرآن الكريم‪{:‬وربك فكبر'}(المدثر‪ )5‬فبالرغم من شيوعه ترديدا‬
‫وتقليدا ليس استدالال صحيحا‪ ،‬وإن ما يرده بادئ األمر سبب نزو اآلية ثم إطار تفسيرها‬
‫البين‪.‬‬
‫والحنفية الذين شذوا بقولهم بشرطية تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وكذلك في لفظها‪ ،‬ليس لهم دليل إال‬
‫مذهب المخالفة وخلفية االختالف‪ ،‬ذلك أن الترجيح من أهم ما تتقرر به األحكام وتتأسس عليه‬
‫قواعد كليات العلم‪ ،‬وإن قو الحنفية هنا ليس مرجوحا فحسب بل مخالف لما ثبت من الحق‬
‫والسنة‪ .‬يقو الشارح ناقال لقولهم ومعلقا‪:‬‬
‫<إن تكبيرة اإلحرام ليست ركنا على الصحيح‪ ،‬وإنما هي شرط من شروط صحة الصالة‪ ،‬وقد‬
‫يقا ‪ :‬إن التكبيرة يشترط لها ما يشترط للصالة من طهارة وستر عورة إلخ‪ ،‬فلو كانت شرطا لم‬
‫يلزم لها ذلك‪ ،‬أال ترى أن نية الصالة تصح من غير المتوضئ ومن مكشوف العورة عند من‬
‫يقو أنها شرط‪ .‬والجواب عن ذلك أن تكبيرة اإلحرام متصلة بالقيام الذي هو ركن من أركان‬
‫الصالة‪ ،‬فلذا اشترط لها ما اشترط للصالة من طهارة ونحوه‪.‬‬
‫وقد عرفت أن هذا فلسفة فقهية ال يترتب عليها فائدة عملية إال لطلبة العلم الذين قد يبنون على‬
‫هذا أحكاما دقيقة في الصالة ونحوه‪ ،‬وإال فتكبيرة اإلحرام أمر الزم ال بد منه باتفاق الجميع كما‬
‫كررنا غير مرة>‬

‫‪ - 48‬أخرجه الترمذي وأبو داود‪-‬‬

‫‪72‬‬
‫إننا هنا في الحقيقة أمام متاهات من الكالم ليس لها ميزان ينتظمها وال منحى‪ ،‬بل ما هو جلي‬
‫من مثلها هو قانون التوليد المجاالتي كل اختالف على مستوى ما من الحقائق إذا ما بلغ حدا‬
‫معينا ولد اختالفا على مستوى أكبر منه وأعقد‪ ،‬فالتفاقم ومناقضة الحق وسوي القو والميزان‬
‫عندهم انفرط عقده وتفاحش تراكما حتى استساغ فكرهم وأصبح مقبوال عندهم كما تلفظ به‬
‫الشارح‪ :‬قالوا (أي الحنفية)‪ :‬إن تكبيرة اإلحرام ليست ركنا على الصحيح‪.‬‬
‫ومثل هذا كمثل ما قبله من األقوا التي ال هي مقبولة في الفقه وال هي مقبولة أصال في أي‬
‫إطار علمي‪ ،‬حيث شرط الحكم العلمي تقريرا وتقعيدا عدم البناء على الالمحدد والمبهم‪.‬‬
‫كما أن الغالب في طبيعة هذه التراكيب‪ ،‬وكما هو الحا هنا‪ ،‬هو تركيبها المتناقض داخليا بفعل‬
‫أقطاب داللية غير متناسقة ومتعارضة أحيانا؛ وهذا هو الذي يفسر اعتماد المذهبية عليها‪،‬‬
‫فقطبيتها مولد لالختالف وكافل الستمراره‪.‬‬
‫واستدال الحنفية هنا المركب والمعلل حجة عليهم ال لهم مما هو عند المناطقة معارضة على‬
‫السبيل القلب؛ وبيانه نقطتان‪:‬‬
‫‪ -‬األولى‪ :‬بطالن وفساد حجية القو ‪< :‬أال ترى أن نية الصالة تصح من غير المتوضئ ومن‬
‫مكشوف العورة عند من يقو إنها شرط>‬
‫وبطالنه من عدم سالمة تصور حقيقة النية التي ليست بمادة لفظية يحتويها اللفظ وال منوطا‬
‫حكمها وما يترتب عنه بالتلفظ كما هو شأن ألفاظ المعامالت والخطوبة والنكاح والطالق‬
‫وألفاظ القبو واإليجاب‪ .‬ولقد بينا من قبل بناء على هذا الجهل والتصور الملتبس والخاطئ‪،‬‬
‫بينا فساد وعدم صحة القو بشرطية النية‪.‬‬
‫إنما النية هم معقود في القلب المتضمن للحقيقة البيولوجية للعقل‪ ،‬هم على إنشاء عمل ما‪ ،‬ال‬
‫تزا قائمة حتى يكون مبدأ العمل منها وهي منطلقه ومن جوهره‪.‬‬
‫‪ -‬الثانية‪ :‬أن التالزم الوجودي بين تكبيرة اإلحرام والطهارة الشرعية ملزم لمكونيتها في‬
‫الصالة ال استقالليتها وال شرطيتها تبعا‪ ،‬ألن استقاللها مع تالزمها والطهارة الشرعية يوجب‬
‫كونها عبادة مستقلة وعمال تعبديا مستقال كالصالة والطواف وقراءة القرآن من المصحف‬
‫ومسه؛ ولما كان العلم بالفرائض والعبادات متواترا محفوظا‪ ،‬ولم يثبت أن التكبير تعبد شرعي‬
‫يتقرب به عبادة موجبا أو مشترطا الوضوء‪ ،‬د هذا استدالال واستنادا على األصو التي ال‬
‫مرية فيها أن تكبيرة اإلحرام ركن من أركان الصالة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فقو الحنفية واستداللهم عليه كل ذلك باطل مردود عليهم‪ .‬يقو هللا تعالى الذي أنز الكتاب‬
‫وبعث رسوله الكريم صلى هللا عليه وسلم ليبين للناس ما نز إليهم وقد أكمل به الدين وأتم به‬
‫النعمة‪ ،‬وما هذه المذاهب إال شرائع بشرية وضال مبين‪ ،‬يقو الحق سبحانه‪:‬‬
‫{ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪.)11‬‬
‫كما أن أساس قولهم مبناه مقولة إفادة عدم شرطية الوضوء في تكبيرة اإلحرام من عدميتها في‬
‫النية‪ ،‬وهذه وإن ساقوها ليعللوا عدم تحققها‪ ،‬فهي منقوضة شرعا ومنطقا‪ ،‬ألن من الزمها تبعا‬
‫لمرجعهم الشرطي في اعتبار النية وتكبيرة اإلحرام أن يكون عدم شرطية الوضوء شرط‬
‫ضروري في كل شرط للصالة‪ ،‬وهذا فاسد ليس أقوى عليه داللة من شرطية الوضوء ذاته في‬
‫الصالة‪.‬‬
‫استدال الحنفية هذا إذن بناء أسس على جرف هار صنف خالص من األبنية السوفسطائية‪.‬‬
‫وحين تكون الوحدة أهم أسس الدين وأمرا عظيما يدعو الكتاب والسنة أكثر مما يدعو إليه‪ ،‬نجد‬
‫نزعة الفرقة هاهنا عند الحنفية كما هو دأب المذاهب هاته كلها جميعا تدعو للتفرقة وتنزع إليها‬
‫صبغة نقيضا لصبغة الحق ولما يدعو إليه‪ ،‬فهذا قولهم وإن شئت قل خوضهم بغير وازع من‬
‫خوف ووجل من هللا ذي العزة والجبروت الذي أنز الكتاب وأكمل الدين وأتم النعمة‪ ،‬قا‬
‫الشارح‪:‬‬
‫< ولم يشترط الحنفية أن تكون تكبيرة اإلحرام باللغة العربية‪ ،‬فلو نطق بها بلغة أخرى فإن‬
‫صالته تصح سواء كان قادرا على النطق بها بالعربية أو عاجزا‪ ،‬إال أنه إن كان قادرا يكره له‬
‫تحريما أن ينطق بها بغير العربية>‬
‫ها هنا يالحظ األسلوب التقطيبي بقوة لغرض المذهبية‪ ،‬ذلك وأنه قد جاء وتقرر القو عندهم‬
‫بغير االقتصار على اللفظ الشرعي للتكبير(هللا أكبر) وجواز كل لفظ دا على التعظيم‪،‬‬
‫باستنادهم وتحويرهم لسياقات الكالم بوصله بقوله سبحانه وتعالى{وربك فكبر}(المدثر‪ ،)5‬وقد‬
‫تبين وأشرنا إلى عدم صحة هذا الوصل المراد به وصال تاما انطباقيا بتكبيرة اإلحرام‪.‬‬
‫واتباعا للحق وتوافقا مع الشرع الحنيف ومقاصده التي يبقى أبرزها رفع الحرج ودرء المفاسد‬
‫والمشقة والعنت‪ ،‬فشريعة الحق‪،‬شريعة اإلسالم التي نز ها القرآن وبينها رسو هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬حنيفية سمحة رحمة للعالمين ومن ابتغى غير هدي هللا ورسوله وشدد على الناس‬
‫في أمر دينهم فقد استنكف عن الحنيفية السمحة والدين الحق واتبع السبل وضل سواء السبيل؛‬
‫توافقا مع ذلك واقتضاء فإن ما أسند قوال للمالكية هو األصح؛ فاأللفاظ الشرعية من تكبيرة‬
‫اإلحرام واألذان واإلقامة والصالة والتلبية وغيرها‪ ،‬كل ذلك مأمور به على التسديد والتقريب‬

‫‪74‬‬
‫في األداء والنطق من غير تقصير وال سعي في اإلخال ببنية األلفاظ ومخارجها ومنطقها؛ وقد‬
‫أوفينا البيان بصدده في الجزء والكتاب الرابع المخصص لألداء القراءاتي للقرآن الكريم‪ .‬قا‬
‫هللا تعالى‪{:‬يا أيها الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم' وإن تسألوا عنها حين‬
‫ينز القرآن تبد لكم عفا هللا عنها' وهللا غفور حليم' قد سألها قوم من قبلكم فأصبحوا بها‬
‫كافرين'}(المائدة‪ .)104-105‬في معرض بيانه وتفسيره لهذه اآلية ساق ابن كثير رحمه هللا‬
‫حديث رسو هللا صلى هللا عليه وسلم الذي أخرجه ابن جرير رحمه هللا تعالى عن أبي أمامة‬
‫الباهلي رضي هللا عنه قا ‪:‬‬
‫(( قام رسو هللا صلى هللا عليه وسلم في الناس فقا ‪ :‬كتب عليكم الحج؛ فقام رجل من‬
‫األعراب فقا ‪ :‬أفي كل عام؟ قا ‪ :‬فعال كالم رسو هللا صلى هللا عليه وسلم وأسكت وأغضب‬
‫واستغضب ومكث طويال ثم تكلم فقا ‪ :‬من السائل؟ فقا األعرابي‪ :‬أنا ذا؛ فقا ‪ :‬ويحك‪ ،‬ما ذا‬
‫يؤمنك أن أقو نعم؟ وهللا لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لكفرتم؛ أال إنه إنما أهلك الذين من‬
‫قبلكم أئمة الحرج‪ ،‬وهللا لو أني أحللت جميع ما في األرض وحرمت عليكم منها موضع خف‬
‫لوقعتم فيه؛ قا ‪ :‬فأنز هللا عند ذلك{يا أيها الذين آمنوا ال تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}‬
‫إلى آخر اآلية))‬
‫وإذا علمنا أن المذاهب المسماة تلبيسا عظيما بالفقهية إن هي إال حذو من سبقنا في التفرق شيعا‬
‫وتبديل الدين بشتى المسميات والذرائع وقد أضل الشيطان من قبلهم جبال كثيرا‪ ،‬فإنها سدنتها‬
‫وأقوالها عين ما حذر هللا تعالى منه ورسوله المرسل رحمة للعالمين من أئمة الحرج ممن أهلك‬
‫من قبلنا‪ .‬وهذا لمن التمس الحقيقة في هذا الحكم‪ ،‬هذا كما أورده المصنف قو الحنفية ومذهبهم‬
‫في تكبيرة اإلحرام مثال ويزعمون بيان الدين للناس كما هو في الحق وليس سواه‪:‬‬
‫<‪ -‬أن ال يحذف الهاء من لفظ الجاللة‪ ،‬فإن حذفها بطلت صالته‪.‬‬
‫‪ -‬أن يمد الالم الثانية من لفظ الجاللة‪ ،‬فإذا لم يمدها اختلف في صحة تكبيرته‪ ،‬وفي حل ذبيحته‪،‬‬
‫فينبغي اإلتيان بذلك المد احتياطا‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال يمد همزة هللا وهمزة أكبر‪ ،‬فلو قا ‪ :‬هللا أكبر بالمد لم تصح صالته‪ ،‬ألن المد معناه‬
‫االستفهام‪ ،‬ومن يستفهم عن وجود هللا فال تصح صالته‪ ،‬وإن تعمد هذا المعنى يكفر؛ فالذين‬
‫يذكرون هللا بمد الهمزة مخطئون خطئا فاحشا لما فيه من اإليهام وإن كان غرضهم النداء‪ .‬أما‬
‫إذا كان غرضهم االستفهام فإنهم يرتدون عن اإلسالم‪ .‬وعلى كل حا فإن المد في الصالة‬
‫‪49‬‬
‫مبطلها‪ ،‬وقد عرفت أن الشافعية موافقون على هذا>‬
‫‪49‬‬
‫ص ‪215‬‬

‫‪75‬‬
‫إنه ال يستقيم شأن امرئ في التصدي للعلم والفقه إال أن يكون له نصيب معلوم من الحكمة‪،‬‬
‫وهؤالء وهللا ال حظ لهم منها ولو كان القدر الذي يميز به الطفل الصغير وينظم الكلم وبنات‬
‫األفكار فيخرج كالمه سويا معقوال‪ .‬إن هذا الحد الفاحش من التنطع في إثارة ما ليس مفكرا فيه‬
‫والسؤا وبث تردد الوسوسة وإشكا الصحة والبطالن فيما ال يمكن للعاقل أن يطرحه البتة‬
‫ليس مرده الغلو وإن كان شجية ونزعة عند هؤالء‪ ،‬إنما هو سفل اإلدراك وفساد آليته وكأنه‬
‫خبل وعته على مستوى العقل والتفكير واهتماماته المعقولة والموزونة‪ .‬ثم إنه ليس من العقل‬
‫في شيء والمقام مقام مؤمن متوجه إلى ربه في الصالة أن يفترض مثل هاتيك االفتراضات‬
‫البعيدة إال عمن اختلط عليه عقله‪ .‬فهذا ال شك مذهب بعيد في خلق بؤر االختالف من خال‬
‫مكونات قطبية غير متناسقة متعارضة أو حتى غير معقولة كما هو األمر هنا‪.‬‬
‫إن القصور البشري الذي تمثله هذه المذاهب في ادعائها ما ال ينبغي إال لمرجع من علي حكيم‬
‫جلي أبدا ال ينفك بالنسبة للمستبصر الحصيف ظاهرا يتخذ أحيانا حالة تناقضات صارخة دالة‬
‫على أن هذه األقوا من الضال نسبتها لدين هللا الحق المنزه عن كل تناقض واختالف‪.‬‬
‫والحنفية هنا الذين يقولون هذا بالنسبة لتكبيرة اإلحرام وشددوا على العباد في أمر النطق بغير‬
‫سلطان أتاهم هم الذين يقولون وقالوا بعدم ركنيتها‪ ،‬فكيف جاز وانتظم عندهم التكفير أو‬
‫البطالن فحسب لمن أخل بمخرج في حرف من حروفها مع كونها ليست ركنا في الصالة‬
‫وجاز عندهم إبدالها بأي لفظ دا على التعظيم‪ ،‬بل وإن كان بغير العربية‪ ،‬وإن كان قادرا‬
‫عليها‪ .‬إن هذا ما عنينا به وأسميناه لفظا علميا على مدلو ملموس بالتقطيبية البيانية وإن من‬
‫البيان لسحرا على جهتي السلب واإليجاب‪ ،‬ناهيك عن التناقض الفاحش المنكر والفظيع تحت‬
‫كنف أشرف العلوم وأخطرها علم بيان الدين والشريعة‪ ،‬وهللا عزيز حكيم‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -‬الفرض الثالث في الصالة القيام‬

‫يقو المؤلف‪ < :‬اتفقت المذاهب على أن القيام فرض على المصلي في جميع ركعات الفرض‬
‫بشرط أن يكون قادرا على القيام‪ ،‬فإن عجز عن القيام لمرض ونحوه فإنه يسقط عنه‪ ،‬ويصلي‬
‫على الحالة التي يقدر عليها كما سيأتي في مبحث صالة المريض‪.‬‬
‫أما صالة السنن والمندوبات ونحوها فإن القيام ال يفترض فيها‪ ،‬بل تصح من قعود ولو كان‬
‫المصلي قادرا على القيام‪ ،‬وهذا الحكم متفق عليه‪ ،‬إال أن الحنفية لهم تفصيل في بعض الصالة‬
‫غير المفروضة‪ ،‬فانظره تحت الخط‪.‬‬
‫والقيام فرض ما دام المصلي واقفا لقراءة مفروضة أو مندوبة‪ ،‬فكل ما يطلب منه فعله حا‬
‫القيام فإنه يقع في قيام مفروض‪ ،‬وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية والحنابلة‪ ،‬أما الحنفية‬
‫والمالكية فانظر مذهبهما تحت الخط>‬
‫وما تحت الخط من قو الحنفية الذي ذكر هو أنهم جعلوا حكم القيام للقراءة حكمها‪ ،‬ففرضه‬
‫للقراءة المفروضة‪ ،‬وهي عندهم ما قدره آية طويلة او ثالث قصار‪ ،‬وبالنسبة للواجب منها‬
‫وهو عندهم دون الفرض حكمها حكمه وكذلك للمندوب‪ ،‬لكنهم في هذا كله لم يجيزوا تجزئتها‬
‫بين القيام والقعود‪ ،‬وهو حكم متفق عليه‪ ،‬ألن ذلك من شأنه اإلخال بهيئة الصالة‪.‬‬
‫من أهم ما سطرنا عليه أن التفاقم األبعد والضال المبين ال يأتي مرة واحدة ولكن على نقاط‬
‫من التفاوت يلي بعضها بعضا حتى يتولد وينتج عن تراكمها وتسلسل إخالالتها بالميزان‬
‫والحق أمرا باطال منكرا وعجبا‪ ،‬وتتسوغ حينه ضروب من القو واألحكام حتى وهي محض‬
‫الباطل المؤطرة بالخطإ والمبنية عليه‪ .‬وكذلك يبقى أشد الشروط في األهلية العلمية والفقهية‬
‫خاصة هو الحكمة المحددة هنا في ملكة التمييز على بعدي أو باألصح فضاءي الحقائق‬
‫والبيان‪ ،‬فيميز بإحقاق هذا الشرط األدعياء من المغرضين‪ .‬أما األدعياء فباإلهما واإلسقاط‬
‫قانونا‪،‬وأما المغرضون فمن سفسطة األبنية واختالق مرتكزات خاطئة باطلة خال هذه األبنية‬
‫أنوية اإلنتاج التسلسلي للباطل‪.‬‬
‫إن من يقرأ قو الشارح يخرج بإفادة الخيار مطلقا في القيام في صالة غير الفريضة‪ ،‬وهذا‬
‫ليس الفقه والضبط الصحيح لعبادة الصالة وهيئتها‪ ،‬فاألصل القيام فيها جميعا‪ ،‬ومن تيسير‬
‫الشرع الحكيم أن أجاز على صيغة ورتبة التوسعة والرخصة‪ ،‬أجاز الصالة من قعود في‬
‫النافلة‪ ،‬لكن ما يلزم هؤالء علمه والتسطير عليه هو أن حكم هذه التوسعة والرخصة ليس‬
‫ينطبق بحا من األحوا رتبة وحكم الخيار مطلقا‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬الفرض الرابع قراءة الفاتحة‬

‫خالف الحنفية الجميع بقولهم بعدم فرضية قراءة الفاتحة‪ ،‬وزعموا أن دليلهم هو في قوله‬
‫تعالى{فاقرأوا ما تيسر منه'}(المزمل‪ )11‬وفي حديث المسيء صالته المثبت في الصحيحين‬
‫وقوله عليه الصالة والسالم‪ ((:‬إذا قمت إلى الصالة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم اقرأ ما‬
‫تيسر من القرآن)) وفي قوله صلى هللا عليه وسلم‪ ((:‬ال صالة إال بقراءة)) أي على معنى‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫إن هذا لعمري لهو الصنف والسبيل المزعوم استشهادا‪ ،‬وإن هو إال باطل من القو ‪ ،‬مصدر‬
‫تفاقم بناء الفقه اإلسالمي كما هو في مدونات والمقو المذهبي‪ .‬ومثل هذا االستشهاد كمثل من‬
‫تساء عن سيء من الخلفية والطوية عن عدم إشارة القرآن للشأن والنظم السياسية وفيه قوله‬
‫سبحانه وتعالى‪ {:‬ما فرطنا في الكتاب من شيء'}(األنعام‪)55‬؛ ذلك أن أخطر التلبيسات‬
‫المغرضة في أي خطاب كان هو ما توسل موضوعا ووليجة في تلبيسه التباسا مهجنا مقررا‬
‫شائعا إن إهماال أو تقليدا‪ ،‬وهذا غالبه المادة المعجمية المتمثلة شيوعا على غير اإلدراك‬
‫لداللتها الصحيحة‪ ،‬أو بإخال خفي على مستوى نسيج القو مما يعبر عنه بالهيكلة المنطقية‬
‫وإن شئت قل القلبية أو العقلية لهذا القو والحكم‪ .‬وتشابه هاتين الطريقتين الماكرتين‬
‫وخطرهما ال يكمن في سهولة االعتماد عليهما فحسب‪ ،‬بل في المجا الخطابي المستهدف بهذا‬
‫الخداع والتلبيس الذي قد يصل أحيانا فيسري وينطلي على العموم إال قليال منهم‪.‬‬
‫طبيعة الخطإ األو بخصوص لفظ الكتاب في اآلية الكريمة يكفي فيه التذكير من كون علماء‬
‫أو ممن يعتبرون كذلك عند الناس يأخذون معنى الكتاب بنسق سكوني معجمي داللته القرآن؛‬
‫وإن أدنى تحو متدبر كما هو مأمور به شرعا كفيل بتحديد المعنى الذي نز به اللفظ في هذه‬
‫اآلية وفي سياقها الحكيم‪ ،‬إن معنى الكتاب فيه الكتاب السجل الجامع الحافظ للسماوات‬
‫واألرض‪ ،‬فال شيء يضل وي ُُنسى‪ ،‬الخلق والوقائع كلها؛ وقد تم بحمد هللا العليم الحكيم القيام‬
‫بدرس دقيق لهذا المبحث في المؤلف الثالث ضمن رباعية المنهاج‪ .‬يقو هللا تعالى‪:‬‬
‫{إنما يستجيب الذين يسمعون' والموتى يبعثهم هللا' ثم إليه يرجعون' وقالوا لوال نز عليه آية‬
‫من ربه' قل إن هللا قادر على أن ينز آية' ولكن أكثرهم ال يعلمون' وما من دابة في األرض‬
‫وال طائر يطير بجناحيه إال أمم' ما فرطنا في الكتاب من شيء' ثم إلى ربهم يحشرون'}‬
‫(األنعام‪.)55..54‬‬

‫‪78‬‬
‫وكذلك ما يزعمه الحنفية على الناس هاهنا بخصوص عدم فرضية قراءة الفاتحة في الصالة‬
‫استشهادا واستدالال ليس كذلك‪ ،‬فهي صروف ومناحي من المغالطات المعتمد فيها والمعو‬
‫عليه تكامل اإلخالالت الجزئية الموزعة على مساحة ومسار القو حتى يكون تجميعها الباطل‬
‫على حين غرة بمنزلة الحكم المستنبط‪.‬‬
‫ولئن كان السبب الرئيس هو الجهل بصفة عامة وبلفظ جامع‪ ،‬فإننا نقو على مستوى الظاهر‬
‫وبادئ التحليل والتفسير إن التحريف هنا يعتمد أو علته التباسان بخالف األو الذي كان لبسا‬
‫واحدا‪ ،‬وهو اللبس اللغوي‪ ،‬فعالوة على بطالن اعتبار التكافؤ الداللي الشرعي للقرآن‬
‫بالصالة‪ ،‬ألن مجرد توسط المجاز ينفي االنطباق سواء سببيا أو عناصريا تمثيليا أو بنيويا‬
‫محاكاتيا‪ ،‬من ثمة فالذين يبتغون الشاهد لزعم الحنفية في قوله سبحانه{وال تجهر بصالتك وال‬
‫تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيال'}(اإلسراء‪ )105‬أي بمعنى (وال تجهر بقراءتك) هو دليل على‬
‫القلب ال دليال لهم‪ ،‬إذ المعلوم أن الصالة في لسان العرب تعني الدعاء وتنتقل باالصطالح‬
‫لتعبر عن الهيئة التعبدية المعلومة بالضرورة‪ ،‬ذانك معنيان‪ ،‬هما الداللتان اللسانيتان للفظ‪ ،‬مما‬
‫يوجب ويحتم أن ال تكون إفادة الصالة معنى القراءة والعكس إال عن طريق وتوسط المجاز‪،‬‬
‫والمجاز يوجب ويلزم عدم االنطباق؛ عالوة على هذا اإلخال ‪ ،‬الذي وإن اعتبرناه جزئيا فهو‬
‫بدوره نتاج وتجميع إخالالت واختالالت معرفية دونه تسلسال ونتاجا‪ ،‬نجد على مستوى‬
‫الوصل بالحديثين إخالال مركبا متصال بالحكمة كشرط أكيد ال مندوحة عنه للفقيه‪ ،‬متمثلة هنا‬
‫في حقيقتها الكاملة أي بمكونيها‪ :‬األصو كمكون معرفي علمي‪ ،‬واإلدراك والتصور كمكون‬
‫آلياتي وعملي الذي يدخل ضمنه مفهوم الحكمة العملية العقلية والمنطقية‪ .‬وبالطبع فمن دون‬
‫هذا ليس إال التضليل والتحريف كما هو الواقع والشأن هاهنا‪ .‬فالنص الشرعي‪ ،‬أي نص‪ ،‬ال‬
‫يعتبر وال يؤخذ إال في اإلطار الكلي للدين بما هو مجموع من األحكام منزلة بالحق ال ينبغي‬
‫لها التعارض وال االختالف‪ .‬ولما كانت قراءة الفاتحة معلوم أمرها ثابت بالسنة المتواترة‬
‫المحفوظة باالتباع المتصل عن رسو هللا صلى هللا عليه وسلم فال مثقا ذرة من الحق لمن‬
‫يقو بما يعارض هذا اإلطار ويسعى سعيا مناقضا لثبوتية هذا األصل من الدين‪ .‬وقصارى ما‬
‫يجوز كما أشار إليه ابن رشد رحمه هللا هو ابتغاء تقرير النص بسبيل من التأويل في حدود‬
‫ضوابطه ومساطره‪.‬‬
‫لكن األمر هنا ليس ببعيد عن منا التمحيص بمرجع الحق وساطع البرهان والتفسير المبين‪.‬‬
‫سئل الصحابي الجليل عبد هللا بن مسعود رضي هللا عنه فيما ساقه ابن كثير من رواية األعمش‬
‫عن إبراهيم‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫(( لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك؟‬
‫فقا ‪ :‬لو كتبتها لكتبتها في أو كل سورة‪..‬‬
‫قا أبو بكر بن أبي داود‪ :‬يعني حيث يقرأ في الصالة‪.‬‬
‫قا ‪ :‬واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها‪)).‬‬
‫فهذا هو التصور والضبط واالعتبار الصحيح والسوي الذي تم به الدين وعلمه وفقهه‪ ،‬وهو‬
‫مرسخ في تقريره ذكرى لمن أراد أن يتذكر من صحابي من أو كتاب الوحي ومن أو من‬
‫صدع به في مكة ونا في سبيله ما نا من األذى من مشركي قريش وصناديدهم؛ وهو‬
‫االعتبار والتصور الذي عليه إدراك أولي األبصار والسلف من الفقهاء بل والمتواتر عمليا‬
‫ومعلوما بالضرورة عند أهل اإلسالم كما أفاده البيان الواضح البن أبي داود في هذا األثر؛‬
‫إذن فقوله عليه الصالة والسالم‪ (( :‬ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) متضمن بالضرورة‬
‫للفاتحة‪.‬‬
‫قا ابن كثير في معرض تفسيره لسورة المزمل في رد ودحض االستشهاد المزعوم للحنفية‪:‬‬
‫< وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت‪ ،‬وهو في الصحيحين أيضا‪ ،‬أن رسو هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قا ‪:‬‬
‫(( ال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))‬
‫وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسو هللا صلى هللا عليه وسلم قا ‪:‬‬
‫(( كل صالة ال يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام))‬
‫وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا‪:‬‬
‫(( ال تجزئ صالة من لم يقرأ بأم القرآن))>‬
‫كذلك فلفظ وداللة (أم القرآن ) في الحديثين معا هي على توافق حقائقي وداللي مع هذا‬
‫االعتبار الذي هو االعتبار المستفاض تقريرا بالعلم والعمل ومتفق عليه تناسقا واتساقا مع‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وما يجاد في برهان الصدق إال المبطلون‪.‬‬
‫ثم إنه ال غرابة من قو الحنفية هذا‪ ،‬فعلى شاكلته وبالخلفية ذاتها المستشفة من التواطؤ على‬
‫سلوكها ونهجها‪ ،‬خلفية السعي في المخالفة لمحض ومجرد غاية تكريس االختالف وقد جاء‬
‫التحذير من ذلك بيانا بليغا في قوله تعالى وهو العزيز الحكيم‪{:‬وال تكونوا كالذين تفرقوا‬
‫واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات' وأولئك لهم عذاب عظيم}(آ عمران‪ ،)105‬كذلك تمت‬
‫قراءتهم لألصل العلمي وقوله وحكمه عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫(( من كان له إمام فقراءة األمام له قراءة))‬

‫‪80‬‬
‫وحتى ال ننساق فنسرف ونطنب‪ ،‬فإن مجرد اإلجماع واالتفاق على وجود وشرعية ثنائية‬
‫مفهومي المطلق والمقيد وكونها معيارا وأداة ووسيلة شرعية مثبتة ومقررة بسلطان الحق‪،‬‬
‫ومن دونها ال يمكن ألية نظرية أن تؤسس للبناء الفقهي اإلسالمي على وجه التحديد‬
‫والتخصيص‪ ،‬إن ذلكم وهو الحق من هللا ذي العزة والجال ليكفي لرد االستلزام بالقراءة‬
‫المطبقة للحنفية ومن شاكلهم‪.‬‬
‫إن السديد بمعايير البناء العلمي المطلق أن يحدد توازن النقطة بأي وزانة كانت من خال‬
‫الفضاء ككل ال العكس‪ ،‬ومن ثمة يحمل الحديث لزوما علميا بالحق بقصره أوال على الجماعة‬
‫بداهة ثم للصالة الجهرية‪ ،‬ذلك أنه بالحق الذي تقوم عليه السماوات واألرض والخلق جميعا‬
‫واإلنسان بفؤاده‪ ،‬أي دماغه وعقله‪ ،‬وسمعه وبصره كما تم تفصيله العلمي في الجزء الرابع‬
‫المخصص لألداء القراءاتي‪ ،‬يعتبر حدوث القراءة جهرا أثرا واقعيا وحقيقة قراءة للجمع‬
‫وللجماعة؛ أما في عدم الجهر فقراءة اإلمام سرا تعتبر قراءة وحدوثا قراءاتيا مفردا مستقال‪،‬‬
‫ألنه معزو صوتيا ولسانيا عن المأمومين‪ .‬وهذا التداخل والتقاطع الداللي بين النصوص هو‬
‫الذي يوجب االعتبار الكلي ال الفردي المستقل للنص كما كان شأن الحنفية آنفا‪.‬‬
‫على هذا السير السوي والمسلك العلمي األقوم نجد أنفسنا من غير فسوق عن فضاء الفقه الحق‬
‫ال مجرد األهواء الذاهبة بأهلها كل مذهب ال يلوون على شيء وقد جاءهم من ربهم الهدى‬
‫ورسو من هللا وكتاب مبين‪ .‬نجد أنفسنا في كما موضع االتفاق والحق مع ما هو ثابت‬
‫محفوظ مما رواه اإلمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى األشعري قا ‪ :‬قا رسو هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪ ،‬وإذا قرأ فأنصتوا))‬
‫وذكر بقية الحديث‪ .‬وهكذا رواه بقية أهل السنة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن‬
‫أبي هريرة عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قا ‪ ((:‬وإذا قرأ فأنصتوا )) وقد صححه مسلم‬
‫بن الحجاج أيضا‪ ،‬فد هذان الحديثان على صحة هذا القو ؛ وهو قو قديم للشافعي رحمه هللا‪-‬‬
‫وهللا أعلم‪ -‬ورواية عن اإلمام أحمد بن حنبل رحمه‪ .‬أورد هذا ابن كثير في تفسيره بخصوص‬
‫سورة الفاتحة‪.‬‬
‫مقابل هذا هناك تطرف يقو بوجوب قراءة الفاتحة في كل األحوا استنادا أو كما جاء في‬
‫األثر الذي ر واه مسلم في صحيحه أنه قيل ألبي هريرة رضي هللا عنه‪ ( :‬إنا نكون خلف‬
‫اإلمام‪ ،‬فقا ‪ :‬إقرأ بها في نفسك)‪ .‬ومنهم من قا بقراءتها مدة سكتة اإلمام‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫ولئن كان إشكا االستدال والتعارض والترجيح قد فصلنا فيه القو وبيناه وهلل الحمد بشكل‬
‫واضح في معرض إشكا (كفر دون كفر) في الجزء الثاني‪ ،‬وأوضحنا وسطرنا على خطر‬
‫ووجوب االعتبار والفقه الصحيح لدالالت االصطالحات الحديثية‪ ،‬فرب حديث هو على‬
‫معايير الحديث في أعلى درجات الصحة قد يكون في الحق غير ثابت‪ ،‬ورب حديث ضعيف‬
‫واه بمعايير المحدثين هو في الحق ثابت حق‪ .‬كما أن قو الصحابي وإن ثبت ليس مسلما‬
‫بصحته وأحقيته‪ ،‬وإال حقت العصمة للصحابي مطلقا‪ ،‬وهذا ال يحق فقد عارض الصحابة‬
‫رضي هللا عنهم بعضهم بعضا‪ ،‬وليس في ذلك ما يخالف الحق‪ ،‬فإن العصمة ليست إال للوحي‬
‫الكريم كتابا وسنة ثابتة صحيحة‪ .‬هذا معيار من ناقضه نقض الحق من مبدئه وأصوله‪.‬‬
‫لئن كان هذا أمرا بينا‪ ،‬فقولهم بوجوب قراءة الفاتحة مطلقا‪ ،‬بل وتحديدا في آنات السكت‬
‫لإلمام‪ ،‬أمر ال شك يجلي أثر التقليد والترديد في األقوا على ملكة العقل حتى وكأنه ال يبقي‬
‫من أثرها شيئا وال يذر‪ ،‬ذلك أن هللا تعالى خلق اإلنسان وجعل نظمة إدراكه بالنسبة لبعد الزمن‬
‫نقطاتية‪ ،‬بمعنى أنه ال يمكن إلدراك اإلنسان أن يتواجد في نقطتين مختلفتين في آن زمني‬
‫واحد‪ ،‬وهذا أمر مجمع عليه في العالمين إال من ال يعقل وال يفقه معنى ما يقو ‪ .‬من ثمة‬
‫وبحقيقة وما تقرر من انطباق اإلدراك بكل آن من تماس الحواس ممثال في آنية التمركز‬
‫العصبي التجميعي‪ ،‬فال يمكن أن يحصل السماع بل اإلنصات لقراءة اإلمام مع القراءة القلبية‬
‫في ذات اآلن‪ .‬أما السعة الزمنية التي قد يرجوها البعض في آنات السكت لإلمام فهي ليست‬
‫شرطا أصال قبل أن تشترط كفايتها ابتداعا وتكلفا‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬الفرض الخامس من فرائض الصالة الركوع‬

‫لئن كان الركوع من حيث إيحائه وتمثيله الداللي أقرب أو كأنه ذات التجسيد لإلطاعة‬
‫والخضوع الذي نز بيانه في قوله سبحانه وتعالى‪{:‬وقالوا سمعنا وأطعنا'}(البقرة‪ ،)214‬فقد‬
‫جاءت األقوا كلها بخصوصه قوال واحدا مجسدة لالتباع واإلئتمار لما جاء في بيانه وهيئته‬
‫في صالته وسنته عليه الصالة والسالم‪ ،‬واجتمع القو في هيئته وحصوله باالنحناء بوصل‬
‫اليدين للركبتين وتسوية الظهر إال الحنفية الذين قالوا‪ <:‬يحصل الركوع بطأطأة الرأس‪ ،‬بأن‬
‫ينحني انحناء يكون إلى حا الركوع أقرب‪ .‬فلو فعل ذلك صحت صالته‪ .‬أما كما الركوع‬
‫فهو انحناء الصلب حتى يستوي الرأس بالعجز>‬
‫عالوة على شقوة النزعة الخالفية كمكون جوهري ظاهر وجلي عند الحنفية غير خفي‪ ،‬وكذا‬
‫انتقاض القو وانحالله داخليا في تركيب (يكون إلى حا الركوع أقرب) وهو بصدد تحديد‬
‫الركوع ذاته‪ ،‬فإن عرض هذا القو على األصل الممثل في حكم الشارع وقوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ((:‬صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعلى الحجية المجمع عليها تأصيال وفقها لحديث‬
‫المسيء صالته‪ ،‬فقو األحناف هذا مردود ال يلتفت إليه وليس له من مكونات القو الذي يراد‬
‫به حكما فقهيا ذرة من أهلية وال مشروعية‪ ،‬إنما هو قو أريد به بث الخالف ال غير‪ ،‬ذلك أن‬
‫الحق هنا بين ال سبيل لالختالف فيه‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬فرائض ‪-‬السجود وشروطه‬
‫‪-‬الرفع من الركوع‬
‫‪-‬الرفع من السجود‬
‫‪-‬االنتدال‬
‫‪-‬الطمأنينة‬

‫هنا ال موجب لالختالف‪ ،‬ويكفي الدليل العملي لفرضية السجدتين العامل الحاسم في تقييم‬
‫األقوا وتصحيحها ورد ما ال يوافق لزومتيها ومقتضى هذه الفرضية مما كان من قبيل قو‬
‫الحنفية في الركوع‪ .‬كما أننا نجد في قو الشافعية موجها لهذه كله في شرطية عدم إطالة‬
‫الجلوس بين السجدتين‪ .‬نعني بهذا أن المؤطر سواء في الحكم أو في الهيئة هو التالزم البيني‬
‫في استيفاء وحصو حقيقة الركوع والسجدتين والرفع منهما واالعتدا والطمأنينة‪ ،‬وكذلك‬
‫بين السجدة ثم الرفع منها والجلوس والسجدة الثانية واالعتدا والطمأنينة‪.‬‬

‫‪ -‬الفرض الحادي نرر القعود األخير‬

‫كل األقوا مع فرضية الجلوس األخير بقدر حصو السالم المفروض والتسليمة على األدنى‪،‬‬
‫وذلك تبعا لحديث عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما إذ قا له رسو هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪:‬‬
‫(( إذا رفعت رأسك من السجدة األخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صالتك))‬

‫‪ -‬الفرض الثاني نرر الترهد األخير‬

‫هو فرض عند الشافعية والحنابلة ال عند األحناف والمالكية الذين يعتبرونه سنة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -‬الفرض الثالث نرر السالم‬
‫‪ -‬الفرض الرابع نرر ترتيب األركان‬

‫تواطأ فقه الكل وأجمعوا على أن التسليم المحل ال يكون إال بلفظ السالم‪ ،‬وإال بطلت الصالة‪،‬‬
‫إال الحنفية فسقوا عن هذا التواطؤ الفقهي واإلجماع وقالوا يخرج من الصالة بكل عمل مناف‬
‫ولو كان بنقض الوضوء؛ ثم هم يقولون‪ :‬ولفظ السالم ليس فرضا وإنما هو واجب؛ وما كان‬
‫دليلهم إال أنهم قالوا‪ :‬لقد قا الرسو صلى هللا عليه وسلم حين علمه التشهد‪ ((:‬إذا قلت هذا فقد‬
‫قضيت صالتك‪ ،‬إن شئت أن تقوم فقم‪ ،‬وإن شئت أن تقعد فاقعد)) فلم يأمره – يقو الحنفية‪-‬‬
‫بالخروج من الصالة بلفظ السالم‪.‬‬
‫هذا عين ما سلكوه من طريق الباطل بشأن قراءة الفاتحة مما يعلمون بطالنه أكثر من غيرهم‬
‫ألن المخادع والمدلس أو من يعلم بهذا الزيف والتدليس؛ وإنه في علم البيان المتفق عليه لدى‬
‫بني اإلنسان والعالمين ظاهر عدم االستلزام ومن تم التلبيس المتعمد فيما يخادعون به‬
‫المخاطب الساذج أنه استشهاد وإن هو في حقيقته إال محض الخداع وبين االستجها ‪ .‬إن هللا‬
‫تعالى خلق اإلنسان وعلمه البيان‪ ،‬ومكون الحكمة في البيان كمكونها في خلق ذات اإلنسان‬
‫جبلة وخلقا‪ ،‬وإذا كان أبرز ميزات الحكمة القصد واالختزا ‪ ،‬فإنما ذلك تناسقا مع البنية‬
‫العالئقية للحقائق واألشياء والحيثيات المؤثثة والمركبة لكل أبعاد األحوا واألحداث‪ ،‬ليكون‬
‫بإدراك القلب السوي الذي يعقل بعضها مستلزما لبعض؛ فإن أيقظك أحد من نومك وقا لك‪:‬‬
‫إذهب فصل؛ فالوضوء بالبداهة وميزان البيان اإلنساني متضمن مستلزم ألن طرفي الخطاب‬
‫عنصران معرفيان مجاليان‪ .‬إن الخروج من الصالة ولفظه وصيغته مكون جوهري من حقيقة‬
‫وجوهر الصالة‪ ،‬والصالة عبادة وأمر العبادة توقفي‪ ،‬ومن يضلل هللا فال هادي له‪.‬‬
‫أما بخصوص الترتيب‪ ،‬فبعد ذكر االتفاق الحاصل فيه إال األحناف قا المؤلف وهو يعرض‬
‫قولهم‪:‬‬
‫<الحنفية قالوا‪ :‬إن الترتيب المذكور شرط لصحة الصالة ال فرض‪ ،‬وعلى كل حا فال بد منه‪،‬‬
‫إال أنهم قالوا إذا ركع قبل القيام‪ ،‬ثم سجد وقام فإن ركوعه هذا ال يعتبر‪ ،‬فإذا ألغى الركوع‬
‫األو ثم ركع وسجد فإن الركعة تعتبر له‪ ،‬وعليه أن يسجد للسهو إن وقع منه ذلك سهوا‪ ،‬فإن‬
‫فعله عمدا بطلت صالته‪ .‬وهذا إذا ركع بدون أن يقوم‪ .‬أما إذا قام ولم يقرأ ثم ركع فإن صالته‬

‫‪85‬‬
‫تكون صحيحة ألن القراءة ليست فرضا في جميع الركعات‪ ،‬بل هي فرض في ركعتين‪ ،‬فإذا‬
‫أدى ركعتين بدون قراءة فإنه يفترض عليه الترتيب في الركعتين الباقيتين>‬
‫التحليل العلمي الفقهي المتضمن لبعدي العقل والمنطق لهذا القو مادة ونصا‪ ،‬العقل نور‬
‫والمنطق ميزانه وأنسقه‪ ،‬وبغض النظر عن افتقاد الشرط البياني ضمن شروط األهلية العلمية‪،‬‬
‫يفضي ويخلص أمر بين وحقيقة ظاهرة هو البنية السفسطية المتوسلة والمعتمدة في تحويرها‬
‫وخداعها بأصح المعنى على إقحام المباين في موضوع القضية ثم جعل حكمه يسري ويمتد‬
‫على الموضوع األصل‪.‬‬
‫الحديث هنا إنما هو على الترتيب في البناء الفعلي للصالة الذي يختز أوليا في بنية الركعة إذ‬
‫كل صالة وحدتها البنيوية هي الركعة‪ .‬بيد أن الحنفية‪ ،‬وقد أبانوا هنا على غلبة شقوة التفرقة‬
‫والمخالفة شرعة خالصة هي طريقة وشارع الهم والفكر عندهم‪ ،‬نراهم أقحموا ‪-‬ذاك ما تفتق‬
‫عنه نظرهم وبئس النظر‪ -‬أقحموا القراءة على غير صلة موزونة وجعلوها موضوع سؤا‬
‫الترتيب‪ ،‬وهذا لعمري أخس شواكل الخداع ويكفي تذكرة ألهل الخطاب أن نستحضر فقط‬
‫مقولة وتركيب الفقهاء بالنسبة للمسبوق‪ ،‬مقولتهم‪ :‬البناء في األفعا والقضاء في األقوا ‪ ،‬حتي‬
‫يمتاز المكونان وينجلي واضحا أكثر ما يكون الوضوح هذا الخداع والتلبيس المراد عند‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫ورغم كل هذا فالحق له حصانته ومناعته بدرء بنيته وحقائقه لكل ما ليس منه وال يستقيم‬
‫وسوي األفئدة والميزان‪ ،‬فهم أبدا مرجوحون محاصرون بهذا القهر تراهم قد استحالت أقوالهم‬
‫ضربا من الخلط عوجا كله وأمتا‪ ،‬وهذا قولهم في الترتيب رغم ما سعوا في نقضه‪ ،‬يقولون‬
‫بخصوصه‪(:‬وعلى كل حا فال بد منه) فالحق في استلزام وتناسق األركان الفعلية بعضها‬
‫ببعض ملزم بالحق في ترتيبها‪ ،‬ومن أذهب هللا عقله وقد وأده بالتقليد فما له من نور‬

‫‪86‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ -‬الفرض الخامس نرر الجلوس بين السجدتين‬

‫حقيقة الحنفية كما هي في الحق حقيقة هاتيك المذاهب كلها‪ ،‬وما اإلسالم إال دين واحد وما‬
‫األمة في أمر هللا سبحانه إال أمة واحدة‪ ،‬تبرز هنا ماثلة بوضوح نزعة االختالف بأين كان‬
‫سبيله ولو كان هذا السبيل هو التحريف المغرض المتعمد‪ ،‬فإننا هنا نرى ذات الطريقة في‬
‫السفسطة واإلخال بالحق والميزان‪ ،‬نعني عند الحنفية في الجلوس بين السجدتين‪ ،‬التي‬
‫سلكوها في إبطالهم لفرضية قراءة الفاتحة في الصالة‪ ،‬حيث زعموا الدليل قائما واالستشهاد‬
‫منجزا بالحديث الثابت الصحيح المتفق عليه وفيه أن رسو هللا صلى هللا عليه وسلم رأى رجال‬
‫يصلي صالة ناقصة (هذا هو التعبير الوارد هنا) فعلمه كيف يصلي فقا له‪:‬‬
‫(( إذا قمت إلى الصالة فكبر‪ ،‬ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‪ ،‬وفي بعض الروايات (فاقرأ بأم‬
‫القرآن) وقا ‪ :‬ثم اركع حتى تطمئن راكعا‪ ،‬ثم ارفع حتى تعتد قائما‪ ،‬ثم اسجد حتى تطمئن‬
‫ساجدا‪ ،‬ثم ارفع حتى تستوي قائما‪ ،‬ثم افعل ذلك في صالتك كلها))‬
‫في عرضه لقو الحنفية وشرحه يقو المؤلف‪:‬‬
‫< إن الحديث المذكور ال يد على الفرضية‪ ،‬وإنما يد على أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يريد تعليم الرجل الصالة الكاملة المشتملة على الفرائض والواجبات والسنن‪ ،‬وليس المقام‬
‫محتمال للشرح والبيان‪ ،‬ولهذا لم يذكر في الحديث النية والقعود األخير مع أنه فرض باتفاق‪،‬‬
‫وكذلك لم يذكر التشهد األخير مع أنه فرض عند بعض األئمة‪ ،‬وكذلك لم يشتمل الحديث على‬
‫أشياء كثيرة كالتعوذ ونحوه؛ فد ذلك كله على أن الغرض إنما هو تعليم الرجل كيفية الصالة‬
‫بطريق عملي‪ ،‬حتى إذا تعلمها أمكنه أن يفهم ما هو فرض وما هو واجب أو مسنون>‬
‫وذكر رد األئمة الثالثة في قولهم‪:‬‬
‫<إن طلب هذه األعما من الرجل دليل على فرضيتها‪ ،‬وإنما لم يذكر له باقي الفرائض ألن‬
‫الرجل أتي بها‪ ،‬وهذا حسن>‬
‫وأردف معقبا‪:‬‬
‫< وهذا حسن إذا د عليه دليل في الحديث‪ ،‬ولكن أين الدليل؟ على أن االحتياط إنما هو في‬
‫اتباع رأي األئمة الثالثة‪ ،‬خصوصا أن الحنفية قالوا‪ :‬إنها واجبة بمعنى أن الصالة تصح بدونها‬
‫مع اإلثم كما تقدم>‬

‫‪87‬‬
‫بالطبع ما ورد هنا قوال لألئمة الثالثة ال يتجاوز درجة الفصل على االحتما وال يقوم مقام‬
‫الفصل في الحجاج؛ كذلك المادة البيانية الواردة عند المؤلف (االحتياط) ال ينبغي أن تكون وأن‬
‫توجه األقوا الفقهية بها في حيز ودرجة علمية كهذا الشأن‪ .‬فمن خال هذا وبناء من جهة‬
‫التصويب على ما سلف بيانه في فرضية قراءة الفاتحة في توضيح وتحديد مكمن التغليط‬
‫والتلبيس على الناس وإضاللهم بدجل من القو وتحريف الكلم وأنساق الفؤاد والعقل التي‬
‫عليها يكب وينسج الفكر حتي يصبح جمال من البيان وأقواال وأحكاما؛ من خال هذا وذاك ال‬
‫يسعنا وقد أضنانا وقد استشعرنا قدرا من اإلسراف كما عبر عنه الشوكاني ومن قبله ابن حزم‬
‫رحمهما هللا في مجادلة ال الجهل فحسب وإنما قوم بات من بعد حين على إشرابهم عبادة‬
‫المذهبية‪ ،‬بات همهم كله االختالف والعمل على االختالف فقط‪ ،‬نقو بأن هذا الكالم الصادر‬
‫عنهم وهذا المستوى الذي هو السائد والواقع في اعتبار العلم الشرعي والفقهي‪ ،‬يكفي أن نقو‬
‫كونه عينة لهذا الواقع ولهذه الحقيقة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫واجبات الصالة‬

‫يذكر المؤلف هاهنا ويعرض للتحديد المفاهيمي واالصطالحات الفقهية للمذاهب المبتدعة التي‬
‫أبت إال الخالف وقد نز في الذكر أن دين هللا واحد وأن أمة اإليمان واإلسالم أمة واحدة‪.‬‬
‫فالمالكية والشافعية عندهم الفرض والواجب عموما بمعنى واحد‪ ،‬وليس عندهم إال الفرض‬
‫والسنة إال في حيز وفقه الحج فهناك فرق بين الفرض والواجب‪ ،‬حيث الفرض ما يبطل به‬
‫الحج بتخلفه والواجب ما يلزم عليه الهدي‪ .‬لكن الحنفية عندهم دوما الواجب دون الفرض‬
‫وفوق السنة؛ وقالوا واجبات الصالة ال تبطل الصالة بتركها الذي يوجب سجود السهو‪ ،‬وإن‬
‫تركها عمدا وجب عليه إعادة الصالة‪ ،‬وإن لم يعد صحت صالته مع اإلثم؛ وقالوا دليل وجوبها‬
‫مواظبة النبي صلى هللا عليه وسلم عليها‪.‬‬
‫لنحلل ولندرس مكونات هذا القو في أوله‪ ،‬أي قبل الدخو في تحديد هذه الواجبات‪.‬‬
‫إن قولهم يكون دليل وجوبها هو مواظبة النبي صلى هللا عليه وسلم هو إقرار بالتحقق الواقعي‬
‫لمكون عملي من خال دليل الثبوت واالطراد‪ ،‬ألن حقيقة المكون المباينة والمميز له عن‬
‫العارض في اإلعما هو درجة تحققه العملي وظهوره المطرد‪.‬‬
‫فيظهر هنا جليا نزوعهم الجحودي وسعيهم الحثيث في إبطاء الحق وناموسه بشكل صارخ‬
‫صريح‪ ،‬ذلك أن الصالة في تحديدها إنما هي بالنص واألصل الشرعي في قوله وأمره صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( صلوا كما رأيتموني أصلي))‬
‫والبعد العملي أو الماهية القانونية لهذا المحدد الشرعي هو نفسه وهو ذاته في قوله وأمره عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ((:‬خذوا عني مناسككم))‬
‫لكن وكما أخبرنا عليه الصالة والسالم وحذرنا منه ومن سوء الوقوع فيه هو أنه ما أوتي قوم‬
‫الجد إال ضلوا؛ فإنك تجد االختالف قد بدأ هينا أو ما بدأ ربما يجد له مسوغا ومنشئا طبيعيا‬
‫بحكم االختالف البداهي للعقو وسعة أفقها ومداركها‪ ،‬لكن ما يلبث الخالف أن يمتد ويتسع ال‬
‫بحق المسوغات العلمية والمعاييرية‪ ،‬وإنما بغيا ومجادلة إلبقاء شروخ التفرقة والشقاق‬
‫واالختالف‪.‬‬
‫وإن هم قالوا هنا استدالال لحجية الواجب بدليل السنة والمواظبة‪ ،‬فدليل األحرى يلزمهم أن‬
‫تكون قوة الدليل والحجة أكبر بل ألزم وأجدر أال يخسروا فيها ميزان الحق بالنسبة لقراءة‬

‫‪89‬‬
‫الفاتحة وللترتيب؛ كيف واألمر أمر تنز من السماء؛ أال يظن أوالء أن لعملهم وضاللهم هذا‬
‫وإضاللهم تبعات جلال عظاما ويوم القيامة حمال ثقيال أوزارا‪.‬‬
‫إن تناقضاتهم بخصوص تحديد واجبات الصالة كأنها الفراش حو نار متطاير‪ .‬أوال قولهم‬
‫بالصفة الواجبية أي الوجوب في قراءة الفاتحة وبضم السورة لها واجبين مستقلين‪ .‬فماذا يعني‬
‫هذا تحليليا؟‬
‫أوال االعتبار التعددي المختلف للواجبين‪ -‬درجة السنية المؤكدة عندهم‪ -‬للفاتحة وللسورة (أي‬
‫قراءتيهما) تعني الوزن أو الكتلة غير المنعدمة للعنصرين في القاموس الفقهي‪ ،‬الذي هو‬
‫قاموس علمي بحث‪.‬‬
‫وعدم فرضية – بمعنى سنية ‪ -‬قراءة الفاتحة يجيز تبعا لهم عدم تحققها‪ ،‬وبالتالي فالضم هنا‬
‫مقيد بالتحقق للمفهوم إليه‪ ،‬وعدمه يفرض تبعا لهم انتقا قراءة السورة من الوجوب – السنة‪-‬‬
‫إلى الفرضية؛ ها هنا تصبح السنية والفرضية سواء في قراءة الفاتحة أو قراءة السورة‬
‫محتملتين قيمة الحكم‪ ،‬وهذا باطل إال أن نرجع إلى قولهم األو كون الفرض هو القراءة مطلقا‬
‫أي بما قرأوا به وتأولوا به تحكما ال بعلم وبحق‪ ،‬بما تأولوا به اآلية والحديث‪{:‬اقرأوا من تيسر‬
‫منه} و(( اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) ولكنهم قرروا بكون (السورة) و(الضم) لفظين‬
‫قاموسيين علميين غير منعدمي الكتلة‪ ،‬كما قوتهما التحققية هي قوة المواظبة‪ ،‬وهل شيء أقوى‬
‫في اإلعما إثباتا وصدقا من مطرد التحقق‪.‬‬
‫ثم إنهم قالوا بوجوب‪< :‬قراءة التشهد الذي رواه ابن مسعود ويجب القيام إلى الركعة الثالثة‬
‫عقب تمامه فورا‪ ،‬فلو زاد الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم سهوا سجد للسهو‪ ،‬وإن تعمد‬
‫وجبت إعادة الصالة وإن كانت صحيحة> وهذا بالطبع في القعود األو ‪.‬‬
‫ورود هذا ضمن واجبات الصالة يفيد ويعني أن درجة وحكم نفي والمنع من الصالة على النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم في القعود األو أعلى عندهم من درجة قراءة الفاتحة‪ ،‬غير ثابتة‬
‫الفرضية‪ ،‬وقد يستغنى ويستكفى بغيرها وتصح الصالة من غير وجوب إعادة‪.‬‬
‫ولئن كان عدم إتمام ذكر التشهد كما ذكرناه وجعله أولو العلم من عالمات الفقه والغور في ثنايا‬
‫العلم وحكمته‪ ،‬فإن هذا االعتبار عندهم أعوج غير قوم‪ ،‬تمادوا وخالوا الغي يسيرا فأرخى الليل‬
‫ظلمته وليس الحطب بليل سرى فيحمد‪ ،‬هم الذين سعوا في الحق مجادلين يبتغون الفرقة‬
‫والخالف ويجحدون حتى سقط في أيديهم وأبلسوا وأظلم عليهم وذهب نورهم‪.‬‬
‫إن هللا تعالى وهو العزيز الحكيم أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله‪،‬‬
‫واصطفى سبحانه وتعالى لصحبته صفوة الناس حكمة بالغة وحفظا للدين متواترا على االتباع‬

‫‪90‬‬
‫بالشهود‪ ،‬وإن كان طائفة من أمتنا نسوا على حين من الدهر‪ ،‬فإننا نذكرهم بأن إطار الصحبة‬
‫واالجتماع النبوي الشريف‪ ،‬االجتماع المؤسساتي الحق واألمثل واقعا ونموذجا تاريخيا‬
‫للعالمين‪ ،‬وكل ذي علم راسخ في الوجود هو عليه من الشاهدين؛ هذا اإلطار واالعتبار للسنة‬
‫والجتماعها الوظيفي متصل في الحق بقوله عز وجل‪{:‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم اإلسالم دينا'}(المائدة‪)4‬؛ المعنى التأكيدي والمسطر عليه لالصطفاء‬
‫التأسيسي والوظيفة البيانية للدين كله في أحكام وأركانه‪ ،‬وهيئة عبادات ومناسكه‪ ،‬هذا الشأن‬
‫العلمي والفقهي العظيم الذي من افتقده وتر العلم والفقه كله الممثل في حقيقة هذه اآلية البينة‬
‫العظيمة كان نورا على هديه رسخت قدم علم وفقه إمام اليمن الرباني محمد بن علي‬
‫الشوكاني‪ ،‬الذي لم يشك أبدا في ضال المذاهبية وافترائها ودعواها الكاذبة المضلة والمفرقة‬
‫لألمة‪ ،‬دعواها تمثيل اإلسالم‪ ،‬وإنما اإلسالم شريعة واحدة‪ ،‬وإن المذهب في الحقيقة اللغوية هو‬
‫الشريعة‪ ،‬وإن أمة اإلسالم أمة واحدة‪ .‬يقو هللا تعالى‪:‬‬
‫{ألم أعهد إليكم يا بني آدم أال تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني' هذا صراط‬
‫مستقيم' ولقد أضل منكم جبال كثيرا' أفلم تكونوا تعقلون'}(يس' ‪)11. . 55‬‬

‫‪91‬‬
‫سنن الصالة‬

‫يقو المؤلف‪:‬‬
‫<ولعل قائال يقو ‪ :‬لماذا جعل الشارع بعض أفعا الصالة فرضا الزما وبعضها غير الزم؟‬
‫والجواب‪ :‬أن هللا تعالى أراد أن يخفف عن عباده ويجعل لهم الخيار في بعض األعما ليجز‬
‫لهم الثواب عليها‪ ،‬فإذا تركوها باختيارهم فقد حرموا من الثواب وال عقوبة عليهم‪ ،‬وذلك من‬
‫محاسن الشريعة اإلسالمية التي رفعت عن الناس الحرج في التكاليف‪ ،‬ورغبتهم في الجزاء‬
‫الحسن ترغيبا حسنا>‬
‫هاهنا ال شك ينجلي أحد اإلشكاالت الكلية التي تهم البناء الفقهي واعتباره وتصوره عند من‬
‫يمثله في مدرك الناس سواء طلبة العلم منهم أو عامتهم‪ ،‬هو إشكا معياري له صلة بالبعد‬
‫والملكة الترتيبية لألشياء والحقائق‪.‬‬
‫فالصحيح هو أن الصالة سابقة في التحديد‪ ،‬وأن من تحديدها وجوهرها وحقيقتها التي ال تتجزأ‬
‫ما نسميه اصطالحا فقهيا بالسنن‪ ،‬ال أن الشارع قا ‪ :‬انظروا فهذا الجزء المفروض من أداه‬
‫كان مصليا‪ ،‬وهذه من شاء أتى بها ومن لم يشأ فال إثم عليه‪ .‬بمعنى أن تصور المؤلف الذي‬
‫يعرض هنا للمذاهب الفقهية األربعة‪ ،‬تصوره للسنة وتمثله لمفهومها كحكم شرعي على‬
‫مستوى ثان ليس يطابق حقيقتها‪ ،‬وبمعنى أوضح تمثله إياها معجميا ليس صحيحا‪ .‬ويكفي بيانا‬
‫في بعد هذا التصور وهذا االعتبار لحقيقة السنن في الصالة‪ ،‬يكفي عدم مسايرته الحقائقية وال‬
‫توافقه ال اقتضاء وال تأصيال مع األصل الشرعي المحكم الجامع‪:‬‬
‫((صلوا كما رأيتموني أصلي))‬
‫العابد ليس في خيرة من أمر العبادة؛ ورحمة هللا تعالى كتبت عنوانا معلقا فوق العرش قبل أن‬
‫يخلق سبحانه السماوات واألرض‪ ،‬تجليها مطلق سار في خلقه والدين كله رحمة ويسر‪ ،‬يقو‬
‫سبحانه‪:‬‬
‫{إن هللا بالناس لرؤوف رحيم'}(البقرة‪)142‬‬
‫{وما جعل عليكم في الدين من حرج'}(الحج ‪)41‬‬
‫{يريد هللا بكم اليسر وال يريد بكم العسر'}(البقرة‪)114‬‬
‫فاللفظ وقولهم إياه (من محاسن الشريعة) ينبغي مراجعته وباعتبار أمر هللا تعالى كله حسن‬
‫وكما وباعتبار شيوع التقليد حتى في األقوا وافتقاد الغالب للدقة في معرفة فروق المعاني‬
‫والتراكيب‪ ،‬فالخطأ والسوء بجهالة وارد راجح‪ ،‬من أجله وجب الرد لهذا التعبير مطلقا‪ .‬وكما‬

‫‪92‬‬
‫قلنا فالسنن من ذات الصالة وحقيقتها‪ ،‬والصالة سابقة لالصطالح الذي غايته عالقة معرفية‬
‫وعقلية بمعنى فقهية علمية‪.‬‬
‫إن هللا جل وعال‪ ،‬وهو سبحانه الود الرحيم‪ ،‬جعل التسديد والتقريب قانونا تواجديا متجليا أكثر‬
‫ما يكون التجلي في نظام النسق المهيكلة لهذا التواجد الممثلة في الدين وتشريعاته من حيث هي‬
‫تكاليف محددة من ضمن ما هي محددة به بأبعاد الزمن والكم والهيئة‪ ،‬وهذا القانون هو رحمة‬
‫من هللا تعالى أحكم الحاكمين بالحق‪ ،‬وهو في كنهه يختز العالقة العظيمة بين التشريع والعلم‪.‬‬
‫فاإلنسان في صلته الوجودية والتواجدية بهذا الفضاء وبهذه األبعاد خاضع ألسره الخلقي‬
‫ومحدودية الضبط واالنضباط مما أسميناه بالمسألة البعدية‪ .‬وفي هذا المعنى ورد وبه يفسر‬
‫ويأو قو رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ((:‬ولكن سددوا وقاربوا)) الذي يتضح مغزاه‬
‫ومدلوله أكثر بربطه ووصله بتسوية الصف في الصالة‪ ،‬فأمر التسوية ثابت ولكن درجة‬
‫التسوية هي على التقريب والتسديد‪.‬‬
‫وعلى بعد تعميمي في مستوى التكليف ورحمته تعالى ودين هللا كله رحمة وهو الحق نز قوله‬
‫عز وجل‪:‬‬
‫{علم أن لن تحصوه فتاب عليكم' فاقرأوا ما تيسر من القرآن' علم أن سيكون منكم مرضى‬
‫وآخرون يضربون في األرض يبتغون من فضل هللا وآخرون يقاتلون في سبيل‬
‫هللا'}(المزمل‪)11‬‬
‫فقوله تعالى{لن تحصوه} يد ويفيد سعة التكليف وطاقته رحمة منه سبحانه إنه كان عليما‬
‫حكيما‪.‬‬
‫فهذا معيار حق‪ ،‬معيار العلم بحقيقة وقانون التسديد والتقريب في الشريط األدائي للتكليف‬
‫والعبادة‪ ،‬ال ما تصوروه عن محدودية في اإلدراك وقصور في فهم واستيعاب الحقائق وكأن‬
‫السنن أشياء وأمور زائدة ليست من ذات وجوهر الصالة‪ .‬ولمزيد من اإليضاح بغاية إزالة هذا‬
‫االلتباس وتداخل المفاهيم والمدركات نقو بأن ضابطه اعتبار صلة مسمى السنة في هيئة‬
‫وأداء حقيقة الصالة والسنة المرادف حكما للنافلة والرواتب اعتبارا منحوا إلى االشتراك‬
‫اللفظي فحسب‪ ،‬فذلك قمن أن يرفع اللبس ويصوب ضبط هذه األشياء في التصور واإلدراك‪.‬‬
‫هذا العقد واالرتباك المفضي حتما للتفاقم واالختالف وإن كان ذلك غير جلي لعسر تفسيره‬
‫وارتباطه بالجذر اإلدراكي والبياني الذي هو نواة ومشكاة الفكر وأصل كل ما يلفظ من الكلم‬
‫والقو سليما كان أو سقيما‪ ،‬وإنما لسان ترجمان القلب دليل على محض السريرة والعقل؛ هذا‬
‫االختالف نلمسه ونراه ظاهرا وواضحا أكثر عند الشافعية في اصطالحهم المتداخل‪(:‬الركن‪-‬‬

‫‪93‬‬
‫الهيئة‪ -‬األبعاض) واختالله وعدم انتظامه‪ ،‬فجعلوا السنة قسمين أبعاضا وهيئات‪ ،‬بيد أنهم‬
‫عرفوها بإضافة سلبية بعضها إلى البعض اآلخر‪ .‬والمالحظ أكثر من غيره هو تفاوت‬
‫الدرجات السلمية وتداخله بين عناصر األبعاض والهيئات‪ ،‬منها جعلهم دعاء القنوت وأيضا‬
‫الصالة على النبي صلى هللا عليه وسلم بعده بعضا أي من األبعاض‪ ،‬والتشهد األو كذلك‪،‬‬
‫فسووا بينهما في سلم ودرجة الحكم؛ وهذا يعود بنا إلى تمايز السنية الذي أشرنا إليه‪.‬‬
‫وسووا في ذلك أيضا بين الجلسة الخفيفة بين يدي القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة‪ ،‬وهذه من‬
‫أهم دالئل الخلل المعياري عند القائلين بهذه الجلسة الخفيفة التي في الحق لم تصح ولم تثبت إال‬
‫بقيد التحيين‪ ،‬أي أنه صلى هللا عليه وسلم لم يكن يفعلها إال في فترة من حياته عليه الصالة‬
‫والسالم مما يعلمه كل من سار ونا حظا عتبة فقهية وعلمية‪.‬‬
‫قلنا بأنهم سووا في الدرجة بين حكم هذه الجلسة وحكم قراءة السورة والخشوع في الصالة‪،‬‬
‫قالوا هي كلها سواء عناصر هيئاتية‪ .‬وهذا القو من حيث حدة تفاقمه وبروز وصريح هذا‬
‫التفاقم يضاهي الحدة غير الخفية للحنفية حتى كأنه شيء يراد‪ ،‬وببساطة ألن هذا ال يختلف وال‬
‫يقبل عند طفل ال يزا في زمن اللهو يسيل من أنفه المخاط‪.‬‬
‫ثم هم يقولون من شأن اإلمام بداهة أمرا حاصال أن يترك زمنا يتيح فيه للمأموم قراءة الفاتحة‪،‬‬
‫ويكون له هو ذكرا وتسبيحا وشيئا مثله‪.‬‬
‫وإن تعجب فعجب من يفسر ويقو بأن إسدا اليدين وعدم وضع اليد اليمنى على اليسرى‬
‫معلل بداللة وتأصيل أن االعتماد في حفظ شيء إذا خيف عليه ال يكون باليدين كما هو العادة‬
‫وإنما هو يكون بالقلب‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫شرح بعض سنن الصالة‬

‫‪ -‬خصوص المبلغ نن اإلمام (المسمع)‬


‫قولهم بأن على المبلغ والمسمع عن اإلمام في المسجد أن ينوي برفع صوته اإلحرام للصالة‬
‫لتكبيرة اإلحرام‪ ،‬أما لو قصد التبليغ فقط فإن صالته ال تنعقد‪ ،‬أي عليه أن يقصد من تكبيرة‬
‫اإلحرام الدخو في الصالة والتبليغ‪ ،‬فهذا ال عليه؛ أما غير تكبيرة اإلحرام <فإنه إن نوى بها‬
‫التبليغ فقط فإن صالته ال تبطل‪ ،‬ولكن يفوته الثواب>‪.‬‬
‫من جهة الحق والعلم المهيمن علة البطالن بخصوص تكبيرة اإلحرام النية والقصد‪ .‬بيد أن‬
‫األصل هو تضمن قيام الهيئة لنية الدخو في الصالة هيمنة وتالزما وجوديا‪ .‬لكن جدليا‬
‫وبحسب ومنحى قولهم نقو بوجوب اجتماع نية الدخو في الصالة إلى نية وقصد التبليغ‪.‬‬
‫غير أن اعتبارهم االقتصار الوجودي للتبليغ في باقي التكبيرات ما سوى تكبيرة اإلحرام معناه‬
‫عدم انتماء العمل لفعل الصالة‪ ،‬وكل عمل أصله اإلرادة‪ ،‬واإلرادة تكون بالعمد‪ ،‬والعمد والعمل‬
‫هنا متخلل مستغرق غير يسير‪ ،‬فالبطالن آكد حكما ومقرر‪.‬‬
‫يتبين إذن أن قولهم وتفكيرهم مختل ليس يوافق بعضه بعضا‪ .‬فالقو الفقهي هنا يقوم على‬
‫أساس اقتران النية بالهيئة؛ فلو قلنا إن فالنا مشى إلى المسجد‪ ،‬فضرورة للهيئة والوجود أنه‬
‫قام بحركة على قدميه وأنه ضرورة عبر المسافة وأن ذلك كان بإرادة منه؛ فهذا هو االقتران‬
‫على الضرورة في الهيئة والوجود‪.‬‬
‫فالسؤا إذا والقو يقتصر على التبليغ فقط‪ ،‬وذلك مؤطر بقواعد الشرع وسعته‪ ،‬ورحمته‬
‫ورفع الحرج فيه‪ ،‬وأخذا بمقاصده وتحصيل غاياته بتحديد الضرورات وتقديرها‪.‬‬

‫‪ -‬خصوص القراءة في الصالة‬


‫يلزم التأكيد على األهمية الدراسية النقدية لما يعتبر فقها أو بناء فقهيا‪ ،‬أهمية واعتبار ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬قو الحنفية بعدم قراءة المأموم وراء اإلمام مطلقا‪.‬‬
‫‪ -‬قو الشافعية ببطالن صالة من لم يأت بالبسملة ألنها آية من الفاتحة‪.‬‬
‫‪ -‬قو المالكية في هذا بالكراهية‪.‬‬
‫فلئن كانت الحقائق وكان كل بناء إنما ينبني على أساسه‪ ،‬والقراءة في شأن الصالة كذلك‪،‬‬
‫وقراءة الفاتحة بحكم أخص‪ ،‬فالقو بين بأن الشيطان الذي أضل من قبل هذه األمة جبال كثيرا‬
‫ركب النزعات المتناقضة للمذاهب هاته المسماة فقهية وما هي إال موجات محض بشرية‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫ركب اختالفها لتختلف األمة وتفرق دينها وتتبع السبل فتضل عن سبيل هللا ويحق عليها القو‬
‫في أمم من خال من أمم التاريخ‪..‬‬
‫متجهات التأسيس للدين عند هذه المذاهب كما هو ظاهر جلي كأنه وجودهم من األقوا بشأن‬
‫فرض ومكون جوهري أولي للصالة التي هي أساس للدين كله وعماده‪ ،‬هذه الموجهات‬
‫المؤسسة لكل ما يلي للبناء وللفقه كله ألن الحقائق عند هللا أحكم الحاكمين لها انتظام ال ينفطر‬
‫وال يختلف انتظام موزون‪ ،‬هذه الموجهات عالقتها الوجودية التناقض والتنافر فال ينبني عليها‬
‫اجتماع وال اتفاق‪ ،‬بل هي أبدا مفرقة ودين هللا ال اختالف فيه وأمة اإلسالم أمة واحدة‪..‬‬
‫إن مجرد هذه الموجهات كافية في الحق ليعلم ويقطع باليقين أن هذه المذاهب هي بذات سبيل‬
‫مقيم‪ ،‬وما كان هللا أن يأمر بالكفر بعد اإليمان ويستبد شرائع مذاهب متناقضة بالدين الحق‬
‫الذي نز به القرآن العظيم وبينه محمد رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫هللا تعالى ذو العزة والجبروت يقو ‪:‬‬
‫{إن هذه أمتكم أمة واحدة' وأنا ربكم فاعبدون'}'األنبياء‪)51‬‬
‫ويقو سبحانه‪ ،‬وما كان لمؤمن وال مؤمنة أن تكون لهم الخيرة‪ ،‬وما كان لمؤمن سوي العقل‬
‫يخاف ربه أن يخالف أمره ويسعى في عصيان أمره‪ ،‬يقو سبحانه‪:‬‬
‫{وال تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا' كل حزب بما لديهم‬
‫فرحون'}(الروم ‪)50‬‬
‫{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه'}(الشورى‪)41‬‬
‫وهؤالء أجمعوا أمرهم أن يفرقوا الدين ويدعون الناس أن يفرقوا أمرهم ويكونوا شيعا‪ ،‬أجمعوا‬
‫على عدم االجتماع في صالة واحدة ألنه ببساطة ال يصلون جميعا بعضهم ببعض أو مع بعض‬
‫كما يتبين من اختالفهم في شروط انعقاد الجمعة وصحتها إال ببطالن صالة بعضهم أو صالتهم‬
‫جميعا‪ ،‬والصالة عماد الدين والدين روح االجتماع البشري الحق الذي أرسل به الخالق سبحانه‬
‫وتعالى مالئكته ورسله وأنبياءه‪ ،‬فهل من شك وهل يرتاب عاقل من بعده في كون ما تدعو إليه‬
‫المذاهب هذه؟ إنما هي دعوة الشيطان لعنه هللا‪ ،‬فهذا بناؤها وهذا ما تدعو إليه‪ ،‬وهللا ال يهدي‬
‫القوم الفاسقين‪.‬‬
‫هذا ال شك فيه قل من كثير من مظاهر االختالف واالختال إن على مستوى المذهب والحزب‬
‫الواحد أو علو المستوى الجامع الذي يبقى لزوم تمثيله اإلسالم وشريعة المسلمين‪ ،‬يبقى أمرا‬
‫مفروضا من قبل ومن بعد‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -‬السترة‬
‫على هذا المنوا في وضع الصورة المذاهبية في حقيقتها حتى ال يغتر بها‪ ،‬هذا مثل من هذه‬
‫التفاقمات التي حاشا أن تكون من ذات ومشكاة شرع هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫ألن الحق أبدا سوي مستقيم ال عوج فيه وال تناقض؛ هو مثل قو الشافعية وإن شئت قلت‬
‫اختالف واختالط الشافعية في السترة للصالة على الذي يلي‪:‬‬
‫<ال يحرم المرور بين يدي المصلي إال إذا اتخذ سترة بشرائطها المتقدمة وإال فال حرمة وال‬
‫كراهة وإن كان خالف األولى‪ .‬فإذا تعرض المصلي للمرور بين يديه ولم يتخذ سترة ومر أحد‬
‫بين يديه‪ ،‬فال إثم على أي واحد منهما؛ نعم يكره للمصلي أن يصلي في مكان يكون فيه عرضة‬
‫لمرور أحد بين يديه سواء مر أحد بين يديه أو لم يمر>(المؤلف المرجع‪ -‬حكم المرور بين يدي‬
‫المصلي)‬
‫هذا والشافعية هم أشد تقييدا في شروط السترة من غيرهم‪ ،‬فقد علقوا صحة أنواعها بتراتبها‪ ،‬ال‬
‫يصح نوع إال بعد الذي قبله‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫<فالمرتبة األولى‪ :‬هي األشياء الثابتة الطاهرة كالجدران والعمد؛ والمرتبة الثانية‪ :‬العصا‬
‫المغروزة ونحوها‪ ،‬كاألثاث إذا جمعه أمامه بقدر ارتفاع السترة؛ المرتبة الثالثة‪ :‬المصلى التي‬
‫يتخذها للصالة عليه‪ ،‬سجادة وعباءة ونحوهما‪ ،‬بشرط أن ال تكون من فرش المسجد‪ ،‬فإنها ال‬
‫تكفي في السترة؛ الرابعة‪ :‬الخط في األرض بالطو أو بالعرض‪ ،‬وكونه بالطو أولى‪.‬‬
‫ويشترط في المرتبة األولى والثانية أن تكون ارتفاع ثلثي ذراع فأكثر‪ ،‬وأن ال يزيد ما بينهما‬
‫وبين المصلي عن ثالثة أذرع فأقل من رؤوس األصابع بالنسبة للقائم‪ ،‬ومن الركبتين بالنسبة‬
‫للجالس‪ .‬ويشترط في المرتبة الثالثة والرابعة أن يكون امتدادهما جهة القبلة ثلتي ذراع فأكثر‪،‬‬
‫وأن ال يزيد ما بين رؤوس األصابع ونهاية ما وضعه من جهة القبلة عن ثالثة أذرع>‬
‫هم يقولون أوال‪ ،‬أي الشافعية‪ ،‬بأن ال حرمة وال كراهية في المرور بين يدي المصلي في حين‬
‫عدم اتخاذه سترة بالطبع بشروطها؛ هذا معناه حقائقيا ويستنبط منها حكم كون المرور محايدا‬
‫تأثيريا سواء على المصلي أو على المار؛ ثم هم يقولون يكره للمصلي أن يصلي في طريق‬
‫الناس بالطبع لعلة احتما مرور الناس بين أيديهم‪ ،‬وبالتالي فالمرور أسند إليه الكراهة مما‬
‫يعني أنه غير محايد تأثيريا‪ ،‬وهذا خلف؛ وهو تحقق جلي لقوله تعالى وهللا واسع عليم‪{:‬ولو‬
‫كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪)11‬‬
‫واإلشكا هنا فيما يخص إطارات القو هذه‪ ،‬إطارات ما يعتبر ويسمى مذاهب فقهية هو‬
‫اختالط حقيقتي ومفهومي االجتهاد المطلق بما هو أقوا وآراء اجتهادية وبشرية محضة يعتب‬

‫‪97‬‬
‫فيها على السعة طبيعتها هاته‪ ،‬واالجتهاد في إطار يراد له أن يكون تقعيدا مفصال للشرع بما له‬
‫صلة بالتنزيل والفتوى به‪ ،‬وهذا المعنى الثاني هو الذي ورد فيه الوعيد والتحذير من القو فيه‬
‫إسرافا من غير رد إلى الحق والميزان في البيان بما هو هنا قواعد للنحو‪ ،‬وفي الفروض‬
‫والواجبات بما هي أداء في الهيئة والتوقيت والكم‪ ،‬وفي المعاني والمقوالت بما هي ميزان‬
‫صحة أنحاء وتراكيب التفكير والقو المنطبق بحقيقة المنطق‪.‬‬
‫إن الوجوب أو الفرضية ثم السنة فالندب ثم الكراهية فالنهي ثم الحرمة‪ ،‬هي أحكام الشريط‬
‫الفقهي لألفعا ‪ ،‬وهي متماثلة زوجيا‪:‬‬
‫‪(-‬الوجوب‪ ،‬الحرمة)‬
‫‪(-‬السنة‪ ،‬النهي)‬
‫‪(-‬الندب‪ ،‬الكراهية)‬
‫هذه األحكام بطبيعة الحا وكذا موضعها من الشريط األحكامي الفقهي سابقة سبق الحق للقو‬
‫البشري‪ ،‬فال جرم أن الذين يخالفون ويعملون بما ينقض النظمة الحق لهذا الشريط ويبطلون‬
‫مقتضاه هم يخسرون الميزان وينكرون الحق ويبطلونه إما جهال مبينا أو مكرا مرادا مبيتا‪،‬‬
‫فمثلهم كمن ينكر الوجود ذاته ألن هذه تجليات قاهرة لإلدراك أعالم ومعالم الوجود‪ .‬من أجل‬
‫ذلك كتب في الحق أن الحكم يتبع ويدور مع علته‪ ،‬ومن ثمة هاهنا يؤو االختالف في األحكام‬
‫إلى عدم تطابق اإلدراك والفقه لدين هللا وسنة رسوله عليه الصالة والسالم‪ .‬فيتبين أن اإلشكا‬
‫فقط هو في شرط الكفاءة العلمية واألهلية االستنباطية كما نتلوه في قوله تعالى‪:‬‬
‫{أفال يتدبرون القرآن' ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا' وإذا جاءهم أمر من‬
‫األمن أو الخوف أذاعوا به' ولو ردوه إلى الرسو وإلى أولي األمر منهم لعلمه الذين‬
‫يستنبطونه منهم'}(النساء‪)12-11‬‬
‫فالتثبث في تعيين القو الحق تشريعا‪ ،‬وتحصيل شروطه العلمية وكثافة هذه الشروط وتداخلها‪،‬‬
‫استخراج القو الحكم من عمق هذا الحقل وتحصيل عدم االختالف في ذلك امتدادا لعدم‬
‫اختالف الحق كفله الربانية المحققة للكتاب والدراسة مما ال يضفي على الحافظ صفتها حتى‬
‫يستوفي الحكمة شرطا الزبا مؤكدا؛ وهذا هو الذي يطرح ال شيء دونه في حقيقة الفقيه كما‬
‫سطر عليه وأكده أعلم الناس من بعد رسو هللا صلى هللا عليه وسلم وأفقهم وأكثر من تجلت‬
‫الحكمة في لسانهم ومصنفاتهم حبر األمة عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬واإلمام البخاري‬
‫وابن حجر العسقالني رحمهما هللا تعالى‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫إن االشتراط بل والتشدد في تراتبية السترة لدى الشافعية يتفاقم وال يتناسق مع حكم المشترط له‬
‫الذي هو الندب وال كراهة في سلبه‪ ،‬ألن الميل أو الحد لهذا القو يؤو ويصير إلى وصف‬
‫الالموجود بصفة الموجود‪ ،‬وطرفه األقصى االشتراط والتراتبية حتى الصحة إيجابا في ما هو‬
‫مكروه أو منهي عنه من األمور‪ .‬كما أن هذه الكثافة التوزيعية والفقهية التي مركز ثقلها في‬
‫المندوب وفيما ال كراهة في تركه هي حقيقة انخرام الحكمة‪ ،‬والغلو الناتج عن افتقاد ملكة‬
‫التقدير‪.‬‬
‫والواقع أن جل األقوا المقدمة عند أصحابها كونها فقها لم تعين اإلشكا الحقيقي فيما يخص‬
‫السترة‪ ،‬وهذا بين ظاهر يد عليه االعتبار المقترن بين أقوالهم في الحكم الشرعي لها‬
‫والشروط غير المناسبة للحكم‪ ،‬وقولهم في حكم المرور بين يدي المصلين في المسجد‪ ،‬القو‬
‫الذي يرد بقوة كل هذه األقوا رغما عنها للقوة التسديدية والمرجعية التصحيحية للثابت من‬
‫األصو والحق الوارد في بيان السنة وحكمه صلى هللا عليه وسلم بشأن السترة في الصالة‪،‬‬
‫الذي هو الحكم الصحيح وغيره مما يخالفه أو ال يتوافق معه ال يصح‪.‬‬

‫‪ -‬العارض في الصالة‬
‫<الكالم إلنقاذ أعمى من الوقوع في هالك أو نحوه مبطل للصالة باتفاق‪ ،‬ويجب على المصلي‬
‫في مثل هذه الحالة أن يتكلم ويقطع الصالة‪ ،‬أما المخطئ‪ ،‬وهو الذي يسبق لسانه إلى كلمة غير‬
‫القرآن فإن صالته ال تبطل بذلك عند ثالثة من األئمة‪ ،‬وخالف الحنفية الذين قالوا ببطالن‬
‫‪50‬‬
‫صالته كذلك>‬
‫اعتبارا لعدم وجود أصل ودليل مثبت يناط إليه هذا القو أو باألصح هذا الحكم‪ ،‬فالرد أولى به‬
‫والحكم السديد عدم قبوله‪ ،‬ألنه في موضع المخالفة لما استفاض من أسس الشريعة علمه وتقرر‬
‫في الفقه مبدءا ومعيارا العمل به‪ ،‬مبدأ رفع الحرج وقاعدة تقديم درء المفاسد‪ .‬فالقو البشري‬
‫لم يكن له أبدا أن يستمد صحته من وجاهة إطاره واالعتبار المعنوي لمصدره‪ ،‬إنما هو بذاته‬
‫وبقيمته من جهة الحق‪.‬‬
‫عالوة على هذا يرجع خطأ الحكم عند المذاهب كلها ها هنا إلى القصور في التصور والتقدير‪،‬‬
‫وخاصة لعنصر العارض واختالف أحواله من جهة التكليف عمال باألصل وقوله تعالى‪:‬‬
‫{ولكن ليبلوكم في ما آتاكم'}(المائدة‪)50‬‬
‫{ال يكلف هللا نفسا إال ما آتاها'}(الطالق‪)4‬‬
‫‪50‬‬
‫المرجع‬

‫‪99‬‬
‫فعالقة عارض األعمى ليست كعالقة السهو بالتكليف سواء‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كنا بيناه بدءا بالنسبة لقو المذاهب الثالثة غير الحنفية‪ ،‬فإن عدم التصور‬
‫المستوعب للمسألة وإدراك أهمية واختالف عامل العرض الذي بدوره يحكم بخطإ وبطالن‬
‫هذه األقوا المفتقدة للسداد‪ ،‬فسوف يظهر أثر هذا اإلهما لعنصر وعاملية العارض في قو‬
‫المذاهب كلها إال الحنفية ببطالن صالة المنفرد إذا ما فتح إليه من غيره وكذا في االمتثا ألمر‬
‫غيره بسد فرجة في الصف في صالة الجماعة‪ ،‬فإن أحكام األعما مرتبطة بمجا التكليف‬
‫والعالقة به‪ ،‬وهو الحق الذي يظهر أكثر بعد أقوا المالكية والحنابلة هنا عن الطبيعة التناسقية‬
‫للحق خاصة وأنهم يقرون باألصل المبين والصريح الذي يقو ويقرر‪:‬‬
‫( إذا نابت أحدكم نائبة في الصالة فليسبح)‬
‫فتناقضهم واختالفهم وخلطهم في قو عارض األعمى وفتح الغير في الصالة وأمره بوصل‬
‫الصف وسد الفرجة تبرزه عالقة التماثل المعكوس‪.‬‬
‫وإن أردت أن تعيش العجب أمدا وأنت تعجب فاعلم أن الحنفية الذين أبطلوا صحة الصالة كما‬
‫المذاهب كلها وحتى في حالة الخطر ودرء الهالك عن األعمى‪ ،‬والذين كما الحنابلة أبطلوا‬
‫صحة صالة من يدعو بخير الدنيا بما أمكن نوله من المخلوق أو بغير األلفاظ الواردة في بيان‬
‫الشرع‪ ،‬إنهم هم الذين أجازوا عن اإلحرام في الصالة بتكبيرة اإلحرام بأي لفظ فيه معنى‬
‫التعظيم ونحوه ك<سبحان هللا أو الحمد هلل أو ال إله إال هللا أو يقو ‪ :‬هللا رحيم أو هللا كريم‪،‬‬
‫‪51‬‬
‫ونحو ذلك من الصيغ التي تد على تعظيم اإلله جل وعز خاصة>‬
‫قا الحنفية بخصوص ما يبطل من الدعاء في زعمهم‪< :‬أن ال يكون واردا في الكتاب الكريم‬
‫وال في السنة> و<إن كان ال يستحيل طلبه من العباد نحو‪ :‬اللهم أطعمني تفاحا أو زوجني‬
‫بفالنة‪ ،‬فإنه يبطل الصالة>‬
‫فعن أنس رضي هللا عنه قا ‪ :‬قا رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(( ليسأ أحدكم ربه حاجته كلها‪ ،‬حتى شسع نعله إذا انقطع))‬
‫‪52‬‬
‫زاد في رواية عن ثابت البناني مرسال‪ ((:‬حتى يسأله الملح‪ ،‬حتى يسأله شسعه إذا انقطع))‬
‫واعلم كذلك أن المالكية والحنابلة قالوا بعدم بطالن صالة من يسبق إمامه بركن عمدا‪ ،‬وأنهم‬
‫جميعهم قالوا بعدم بطالن صالة من يجيب المؤذن‪ .‬أما الحكم الثاني فباعتبار جدلي هو أوال‬
‫مكذب لحكم إبطا عارض األعمى وثانيا يحصل بالحكمين تناقض واختالف لجهة العارضين‬

‫‪ 51‬المرجع‬
‫‪ 52‬رواه الترمذي (كتاب الدعوات من األبواب المنتخبة من مشكاة المصابيح)‬

‫‪100‬‬
‫من التكليف؛ أما الحكم الثاني في سبق اإلمام العمد فهو والحكم الثاني معا يردان إلى حصو‬
‫أو عدم حصو االستيعاب والفقه للعبادة من كل وجوهها وكنه حقيقتها وأنساقها على ضوء‬
‫ومنحى أولى داللة اإلمامة ونسقها المشتمل والدا عليه قوله صلى هللا عليه وسلم‪((:‬إنما جعل‬
‫اإلمام ليؤتم به))‪.‬‬
‫وباختزا وإجما فالعمد في السبق حكمه اإلبطا والسهو بتقديره؛ وما هذه األقوا المتهافتة‬
‫التي ال تخضع لخاصات الحق والميزان للمذاهب هاته جميعا وكقو األحناف المصححين‬
‫لصالة الوتر مقدما على العشاء سهوا‪ ،‬قولهم ببطالن صالة من يسبق إمامه بركن سهوا‬
‫ونسيانا ويقولون إال أن إذا عاد وأعاد بعد اإلمام وتبعه في صالته وسلم معه فإن صالته‬
‫تصح‪،‬هذه األقوا إنما تد بنفسها على أنها ليست أهال وما كان لها وما ينبغي أن تشرع للعباد‬
‫من دون هللا ولو أنها ال تصرح ذلك‪ ،‬ولكنه الحا في لبوس وكذب أنها تمثل مذاهب ال مانع‬
‫الختالفها داخل إطار وحضيرة اإلسالم‪ ،‬وهو أمر حتى لو زعموه يخالف حقيقة اإلسالم التي‬
‫من آكد وأخص جوهريتها عدم التبعيض والتجزيء وجعل الدين فرقا مذاهب عضين‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫وراء المذاهب شيطان يدنو إلى االختالف والتفرق‬

‫‪ -1‬دنوة التفرق المذهبي نقيض دنوة اإلسالم مثال الرروط التعجيزية لالجتماع نلى‬
‫صالة الجمعة‬

‫لنجعل خالصة ما أثبتناه وأوردناه من واضح األدلة والبيان في صيغة مختصرة ما أمكن لنا‬
‫ذلك وعلى نحو مختز جامع سواء على مستوى المادة والموضوع أو على مستوى المخاطب‬
‫الهدف الرئيس والمعني بهذا الخطاب فنقو بحمد هللا وتوفيقه‪:‬‬
‫إن المفاهيم التي تد عليها المواد البيانية وألفاظ‪ :‬الشيطان والباطل والطاغوت في التفصيل‬
‫البياني التشريعي تلفى متطابقة بتأصيل علي حكيم كون الدين هو الحق‪ ،‬والحق قوام السماوات‬
‫واألرض وما فيهن‪ .‬ومن ثمة فمن اتبع الحق وما أنز من الكتاب على أنبياء هللا ورسله عليهم‬
‫الصالة والسالم فقد اهتدى وهدي إلى صراط مستقيم‪ ،‬ومن نكب عن شرعه عز وجل فقد اتبع‬
‫السبل‪ ،‬وإن على كل سبيل منها شيطانا يدعو إلى الكفر وإلى عذاب السعير‪.‬‬
‫إن هللا تعالى هو الحق وإن ما يدعون من دونه هو الباطل‪.‬‬
‫واعلم أن أهم وأخص خصائص دين الحق الوحدة التشريعية ألن المشكاة المرجع واحدة‪ ،‬فما‬
‫عسى أن يقو من له قلب‪ ،‬والقلب في البيان القرآني متضمن للعقل‪ ،‬ما عسى حكمه أن يكون‬
‫فيمن أجمع أمره على أن تكون الفرقة واالختالف العنوان الذي يجمعهم‪.‬‬
‫كذلك وإن حق القو وحسم لمن يعقل بخصوص هذه المذاهب المفتراة من دون هللا وما لها من‬
‫سلطان إال كما قا األولون {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون'}‬
‫(الزخرف‪ ،)21‬ليس لها مما تقوم عليه إال التقليد والتكريس‪ ،‬إن حسم في ذلك حسما قاطعا‬
‫للتفاوت المعياري الدا على افتقاد االنتظام التفكيري القلبي بمعنى العقلي‪ ،‬هذا االنتظام الذي‬
‫هو المميز لكتاب هللا العليم الحكيم وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم النبي األمين‪ .‬بل إن ما‬
‫يتخلل ما يزعمه هؤالء األدعياء فقها هو حقيقة ضرب من الخلط ال ريب فيه‪ .‬فاالختالف‬
‫المعاييري يكفي لمن له قلب وألقى السمع وهو شهيد أن ينبذ هذه األرباب اآللهة المسماة تلبيسا‬
‫وتوهيما وتسمية لألشياء بغير أسمائها بالمذاهب الفقهية اإلسالمية‪ ،‬واإلسالم منها براء ألن‬

‫‪102‬‬
‫اإلسالم دين واحد في إطاره ال يتجزأ ودين واحد في مشكاته التي هي عقله المشرع وسبحان‬
‫هللا رب العالمين‪{ :‬ولو كان من عند غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪ )11‬وهذه سبل‬
‫تدعو إلى نقيض ما يدعو إليه هللا تعالى الذي أنز الكتاب؛ يقو ذو هللا تعالى العزة والجال‬
‫وما كان لهم الخيرة من بعده وهو العزيز الحكيم‪:‬‬
‫{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى‬
‫وعيسى أن أقيموا الدين وال تفرقوا فيه' كبر على المشركين ما تدعوهم إليه' هللا يجتبي إليه من‬
‫يشاء ويهدي إليه من ينيب' وما تفرقوا إال من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم'}(الشورى‪)12-11‬‬
‫{وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد جاءتهم البينات' وأولئك لهم عذاب عظيم}(آ‬
‫عمران‪)105‬‬
‫ولئن كانت المذهبية وقد غلبت عليها شقوة وهوى الخالف حتى خالفت ونبذت صريح الكتاب‬
‫والسنة وراء ظهرها واتبعت ما يقتضيه نزوع الشقاق‪ ،‬فإن المقاصد الشرعية وظاهر الحكمة‬
‫من العبادات والمحصل الدالة عليه أركانها‪ ،‬يرد ويدحض أيما دحض كثيرا من األقوا الباطلة‬
‫المرتبطة بأحكام وأركان ظاهرة أبرز دالالتها والمقصد منها‪ ،‬كفرضية الفاتحة في كل ركعة‬
‫من الصالة وفرضية صالة الجمعة المنصوص على فرضيتها في الكتاب والسنة إجماعا‪ ،‬وإن‬
‫أساس الدين االجتماع وأبرز ما يقصد به نسقا مفروضا وحكمة جلية لكفل هذا النسق في‬
‫االجتماع اإلسالمي وكفل حقيقة الدين وتجليها هي صالة الجمعة‪.‬‬
‫هذا أمر بين ال يستطيع أحد أن يرده‪ ،‬وال سبيل له إن أراد في رده؛ لكن انظر ما هي العالقة‬
‫في السلب واإليجاب وما موقف هذا الذي نسميه المذاهب اإلسالمية من هذا األمر العظيم الذي‬
‫ال مرية من عمل به كان مؤمنا حقيقة وللدين نصيرا‪ ،‬ومن سعى سعيا غيره ظاهرا أو خفية‬
‫مقنعا بأسامي ومكر‪ ،‬فبئس السعي سعيه وكفى بجهنم سعيرا؛ ولنذكر مرة أخرى أن التأصيل‬
‫والمعيار التقييمي لزم رده على هذا المستوى المعيار المرجعي أن الحق من هللا سبحانه وأن‬
‫الباطل نقيض الحق من الشيطان‪.‬‬
‫إذا اعتبرنا هذا المسمى مذاهب فقهية نظمة لها روح قانونية بمقاصد بالطبع محددة‪ ،‬ونظرنا‬
‫في مقصدها المرجو والمراد من خال عناصر القو بشأن صالة الجمعة المفرق طبعا على‬
‫هذه األطراف األخطبوطية نجده سعيا حثيثا في عدم حصو االجتماع‪ ،‬وبصورة علنية‬
‫فاحشة‪ ،‬وذلك بنسف الحقيقة والمقصد الظاهر الذي أجمع عليه الراسخون في العلم والمؤمنون‬
‫الذي يريده هللا جلت قدرته وبينه وأكده الرسو صلى هللا عليه وسلم من صالة الجمعة‪ ،‬الذي‬
‫هو االجتماع‪{ :‬واعتصموا بحبل جميعا' وال تفرقوا'}آ عمران‪)105‬‬

‫‪103‬‬
‫{وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات'}(آ عمران‪)104‬‬
‫{وال تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم'}(األنفا ‪)44‬‬
‫<الحنفية‪ -‬قالوا‪ :‬يشترط في الجماعة التي تصح بها الجمعة أن تكون بثالثة غير اإلمام وإن لم‬
‫يحضروا الخطبة‪ .‬فلو خطب بحضور واحد ثم انصرف قبل الصالة وحضر ثالثة رجا بعد‬
‫ذلك وصلى بهم صحت من غير أن يعيد عليهم الخطبة؛ ويشترط فيها أن يكونوا رجاال ولو‬
‫كانوا عبيدا أو مرضى أو مسافرين أو أميين أو بهم صمم‪ ،‬ألنهم يصلحون لإلمامة في الجمعة‪،‬‬
‫إما لكل واحد‪ ،‬وإما لمثلهم في األمي واألخرس بعد أن يخطب واحد غيرهم‪ ،‬إذ ال يشترط أن‬
‫يكون الخطيب هو إمام الجمعة‪ ،‬فصالحيتهم لالبتداء لغيرهم أولى‪ ،‬بخالف النساء أو الصبيان‪،‬‬
‫فإن الجماعة في الجمعة ال تصح بهم وحدهم لعدم صالحيتهم لإلمامة بمثلهم فيها‪ ،‬ويشترط أن‬
‫يستمروا مع اإلمام حتى يسجد السجدة األولى‪ .‬فإن تركوه بعد ذلك بطلت صالتهم وحدهم‬
‫وأتمها هو جمعة؛ وإن تركوه قبل أن يسجد بطلت صالة الجميع عند أبي حنيفة؛ ويشترط في‬
‫اإلمام أن يكون ولي األمر الذي ليس فوقه ولي أو من يأذنه بإقامة الجمعة‪ ،‬وهذا شرط في‬
‫صحة الجمعة‪ .‬فلو لم يكن اإلمام ولي األمر أو نائبه لم تنعقد الجمعة وصالها الناس ظهرا‪،‬‬
‫ويجوز لمن أذنه اإلمام بإقامة الجمعة أن ينيب غيره‪ ،‬وأن يصرح له بذلك‪.‬‬
‫المالكية‪ -‬قالوا‪ :‬أقل الجماعة التي تنعقد بها الجمعة إثنا عشر رجال غير اإلمام‪ ،‬ويشترط فيهم‬
‫شروط؛ أحدها‪ :‬أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة‪ ،‬فال يصح أن يكون منهم عبد أو صبي أو‬
‫امرأة؛ الثاني‪ :‬أن يكونوا متوطنين‪ ،‬فال يصح أن يكون منهم مقيم ببلد الجمعة لتجارة مثال أو‬
‫مسافر نوى اإلقامة أربعة أيام؛ الثالث‪ :‬أن يحضروا من أو الخطبتين إلى تمام الصالة‪ ،‬فلو‬
‫بطلت صالة واحد منهم ولو بعد سالم اإلمام وقبل صالته هو فسدت الجمعة على الجميع؛‬
‫الرابع‪ :‬أن يكونوا مالكيين أو حنفيين‪ ،‬فإن كانوا من الشافعية أو الحنابلة الذين يشترطون أن‬
‫‪53‬‬
‫يكون عدد الجماعة أربعين‪ ،‬فال تنعقد الجمعة بهم إال إذا قلدوا مالكا أو أبا حنيفة>‬
‫أما داعي الفرقة فهو الشروط الصريحة في الحؤو دون االجتماع حتى في الدين والعبادة‬
‫واأليام والشعائر‪ ،‬واالجتماع في الدين قلب وحدة األمة وشرطها‪ ،‬فالروح المذاهبية وما تدعو‬
‫إليه هو الناقض االجتماعي المترجم بالتضاد الشرطي واالتفاق على عدم وحدة الشروط وعدم‬
‫االجتماع الذي يعبر عنه بصريح اللفظ الشرط الرابع أعاله‪.‬‬

‫‪ 53‬المرجع ص‪ :515‬الجماعة التي ال تصح الجمعة إال بها‬

‫‪104‬‬
‫وهذا الخبط والخلط الذي لم يتورع قائلوه من أن ينسبوه للفقه اإلسالمي ولشريعة دين هللا الذي‬
‫إنما هو الحق‪ ،‬وهو كما الحكمة كل أحكامه أمر موزون‪ ،‬تحتد درجة تفاقمه ويجلو ويتضح‬
‫عسفه في المقرر قوال للحنابلة‪:‬‬
‫<الحنابلة‪ -‬قالوا‪ :‬يشترط في جماعة الجمعة شروط‪ :‬األو ‪ :‬أن ال يقل عددهم عن أربعين‪ ،‬ولو‬
‫بإمام‪ ،‬الثاني‪ :‬أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم‪ ،‬وهم األحرار الذكور البالغون‬
‫المستوطنون بالمحل الذي يصح أن تقام فيه الجمعة‪ ،‬وهو البلد المبني بناء معتادا‪ ،‬فال يصح أن‬
‫يكون من جماعة الجمعة رقيق وال أنثى وال صبي وال مسافر وال مقيم غير مستوطن وال‬
‫مستوطن بمحل خارج عن بلد الجمعة وإن وجبت عليه تبعا‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكونوا قد حضروا الخطبة والصالة وال يشترط أن يحضروا جميع الصالة‪ .‬فلو‬
‫حضر األربعون جميع الخطبة وبعض الصالة قبل حضور ما يكمله‪ ،‬فإنها تبطل‪ .‬وتجب‬
‫إعادتها جمعة إن أمكن؛ ويستثنى من ذاك ما إذا كان المأمومون يرون بحسب مذهبهم أن‬
‫الجمعة تصح باثني عشر مثال‪ ،‬ثم نقص عدد األربعين حتى صاروا اثني عشر‪ ،‬فإن الصالة ال‬
‫تبطل عليهم‪ ،‬ويجب على اإلمام أن يستخلف منهم من يتم صالتهم‪ .‬أما هو فصالته باطلة حيث‬
‫كان مذهبه يشترط األربعين؛ فإن كان المأمومون أنه ال بد من أربعين واإلمام ال يرى ذلك‪ ،‬ثم‬
‫نقص عددهم عن األربعين قبل حضور ما يتم به العدد المذكور‪ ،‬فإن الصالة تبطل على‬
‫الجميع‪>.‬‬
‫باهلل عليكم هل هذه أقوا يصح أن تسند لدين اإلسالم وشريعته وفقه هذه الشريعة‪ ،‬وهل يصح‬
‫أو هل يمكن أن يقوم اجتماع قوم عليها‪ ،‬بله أن يحصل بها تحقق قوله تعالى {أن أقيموا الدين‬
‫وال تتفرقوا فيه}‪{ ،‬وأن هذه أمتكم أمة واحدة}؟‬
‫كال‪ ،‬إن هذه أقوا وسعي ال يجتمع عليه ثالثة وال تقوم عليه جماعة وال دين‪ .‬يقو فريد بن‬
‫أمين الهنداوي تعليقا وتحقيقا لكتاب 'فقه الكتاب والسنة ورفع الحرج عن األمة' البن تيمية في‬
‫'فصل في العدد للجمعة'‪:‬‬
‫<قا اإلمام العالمة الشوكاني في مصنفه الجليل 'السيل الجرار' (‪ -:)254\1‬هذا االشتراط‬
‫(يقصد اشتراط األربعين) لهذا العدد ال دليل عليه قط‪ ،‬وهكذا اشتراط ما فوقه من األعداد‪.‬‬
‫وأما االستدال بأن الجمعة أقيمت في وقت كذا وعدد من حضرها كذا‪ ،‬فهذا استدال باطل ال‬
‫يتمسك به من يعرف كيفية االستدال ‪ .‬ولو كان هذا صحيحا لكان اجتماع المسلمين معه صلى‬
‫هللا عليه وسلم في سائر الصلوات دليال على اشتراط العدد‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫والحاصل أن صالة الجماعة قد صحت بواحد مع اإلمام‪ ،‬وصالة الجمعة هي صالة من‬
‫الصلوات‪ .‬فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة فعليه الدليل‪ ،‬وال دليل‪ .‬وقد عرفناك‬
‫غير مرة أن الشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تد على انعدام شرطه‪ .‬فإثبات مثل هذه الشروط‬
‫بما ليس بدليل أصال فضال عن أن يكون دليال على الشرطية مجازفة بالغة وجرأة على التقو‬
‫على هللا وعلى رسوله وعلى شريعته‪ .‬والعجب من كثرة األقوا في تقدير العدد حتى بلغت إلى‬
‫خمسة عشر قوال‪ ،‬وليس على شيء منها دليل يستد به قط؛ ال قو من قا ‪ :‬إنها تنعقد جماعة‬
‫الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعات‪.‬انتهى‪.‬‬
‫وقا صديق حسن خان رحمه هللا تعالى‪:‬‬
‫فإذا لم يكن في المكان إال رجالن‪ ،‬قام أحدهما يخطب واستمع له اآلخر ثم قاما فصليا صالة‬
‫الجمعة‪[.‬نقال عن األجوبة النافعة‪]54:‬‬
‫وقا الصنعاني في 'سبل السالم'‪:)45\2(:‬‬
‫واإلثنان أقل ما تتم به الجماعة لحديث "اإلثنان جماعة" فتتم بهم في األظهر‪.‬انتهى‪.‬‬
‫ولتراجع البحث في بطون الكتب التي أشرنا إليها لتقف على حقيقة المذهبية وما افترضته في‬
‫‪54‬‬
‫هذه المسألة من أعاجيب وتضارب صارخ‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪>.‬‬
‫واألصح الثابت بالحق والميزان في هذا الباب في شروط الوجوب والصحة هو قوله تعالى‪{:‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر هللا وذروا البيع' ذلكم خير‬
‫لكم إن كنتم تعلمون'}(الجمعة‪ )5‬و<ما روي عن طارق بن شهاب‪ ،‬عن أبي موسى‪ ،‬عن النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪" :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة‪ :‬عبد مملوك‪ ،‬أو‬
‫امرأة‪ ،‬أو صبي‪ ،‬أو مريض‪".‬‬
‫‪55‬‬
‫رواه الحاكم وقا ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬عن طارق بن شهاب عن النبي صلى هللا عليه وسلم ولم يذكر أبا‬
‫موسى‪ ،‬وأعاله باإلرسا ؛ ألن طارقا رأى النبي عليه السالم ولم يسمع منه‪.56‬‬
‫إال أن رواية الحاكم التي ذكرها فيها أبا موسى تنفي هذه العلة؛ ومع قطع النظر عن رواية‬
‫الحاكم فإن عدم سماع طارق مع ثبوت صحبته ال تؤثر في صحة هذا الحديث؛ ألن غايته أنه‬

‫تعليقا‪ :‬فريد بن أمين الهنداوي على كتاب 'فقه الكتاب والسنة ورفع الحرج عن األمة' تقي الدين بن تيمية‪ -‬دار الكتب العلمية‪-‬‬
‫‪54‬بيروت‪-‬لبنان –ص‪155‬‬
‫‪ 55‬المستدرك‪211\1:‬‬
‫‪ 56‬سنن ابي داود‪ ،210\1:‬السنن الكبرى‪114\5:‬‬

‫‪106‬‬
‫مرسل صحابي‪ ،‬ومرسل الصحابي حجة على الراجح‪ .‬ثم إن له سواهد ذكرها البيهقي‬
‫‪57‬‬
‫والدارقطني وغيرهما‪>...‬‬
‫فالثابت المنصوص عليه ولم يقيده وال وجهه مؤصل من مؤصالت الحق <أن اآلية أوجبت‬
‫الجمعة على كل من اجتمعت فيه شرائط التكليف بها؛ فال يخرج من هذا الحكم أحد إال بنص أو‬
‫إجماع؛ وقد خرج الفذ باإلجماع‪58‬؛ التفاق العلماء على اشتراط الجماعة لصحة الجمعة؛‬
‫والجماعة تنعقد باثنين‪ ،‬ولم يرد دليل صحيح باشتراط عدد اكثر من ذلك لصحة الجمعة فتبقى‬
‫على األصل وهو‪ :‬انعقادها بما تنعقد به الجماعة‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫وفي المسألة مذاهب أخرى‪ ،‬أوصلها بعض العلماء إلى خمسة عشر مذهبا‪> .‬‬

‫‪ -2‬قصور العقول المذهبية البررية نن الترريع في دين هللا تعالى‬

‫هاهنا يبرز لنا ركن فاسد مما أسست عليه هذه االختالفات المذهبية الفاسدة الباطلة المخالفة‬
‫للحق والميزان‪ ،‬وهي الخلط بين الحكم بشرعية فعل وواقعة معينة وبين كونه أصال تشريعيا‬
‫وحكما ونصا مشرعا منصوصا‪ .‬وهذا مستند المضلين والمفرقين ليس فقط في شأن فقه الحق‬
‫في صالة الجمعة‪ ،‬بل في بناء هذه المذاهب المضلة المفرقة األمة شيعا‪ .‬فإن من يشترط عددا‬
‫بعينه استنباطا من عدد في جمعة علمت شرعيتها؛ فهذا ال يفقه وليس له من حقيقة الحق‬
‫والميزان من شيء‪ ،‬بله أن يتصدى للتشريع للناس وليمثل كما يزعمون مذهبا يدين الناس هلل‬
‫تعالى به‪ ،‬سبحانك هذا جهل وضال عظيم ‪..‬‬
‫هل لهؤالء قلوب يعقلون بها؟ وهل من مسحة ورع لهذه القلوب تحجزهم دون ادعاء أن أقواهم‬
‫هاته هي شريعة هللا تعالى؟ سبحان هللا عما يقولون ‪...‬‬
‫أال إن هللا تعالى هو أحكم الحاكمين‪ ،‬وشريعة هللا تعالى الحق‪ ،‬والحق ال يختلف‪ .‬فإن ما تمحلوه‬
‫وتكلفوه من القو نزوعا لحفظ التمايز بعضهم لبعض بغيا بينهم من بعد ما جاءهم البينات‪،‬‬
‫قولهم هنا في شرط انحفاظ العدد تقو على الحق بغير حق‪ ،‬وقو بلسان الشيطان يدعون إلى‬
‫الفرقة وإلى عكس الحكمة الجلية للشريعة الحنيفية من صالة الجمعة‪ .‬وأو ما يدحض هذا‬
‫السفه الذي ال زا يلقن بشتى ألوان التسويغ والتزيين من جعله مواد دراسية بل وشعبا قائمة‬

‫فقه اإلمام سعيد بن المسيب‪ -‬أو تدوين لفقه اإلمام مقارنا بفقه غيره من العلماء‪ -‬إعداد الدكتور هاشم جميل عبد هللا‪ -‬الجزء الثاني‪-‬‬
‫‪57‬الكتاب الثاني عشر‪-‬ص‪-15-12‬مطبعة اإلرشاد‪ -‬بغداد‪ -‬الطبعة األولى‪1554 -‬ه‪1544-‬م‬
‫‪ 58‬المحلى‪41\5 :‬‬
‫‪ 59‬فقه األمام سعيد بن المسيب‪-‬ص‪11‬‬

‫‪107‬‬
‫بذاتها وكأنها حق كالفقه المقارن الذي يضاهي علم الدين المقارن‪ ،‬نقضها المبين لمبدإ في‬
‫التشريع معلوم وأصل من الدين في الكتاب والسنة مسطر حكيم وذلك ما نتلوه من قوله‬
‫تعالى‪{:‬ليبلوكم فيما آتاكم'}(المائدة‪ )50‬الموجه تحديدا بالمنحى الداللي لقوله سبحانه‪{:‬أال تزر‬
‫وازرة وزر أخرى'}(النجم‪ )54‬وقوله عز وجل وهو اللطيف الخبير‪{:‬ال يكلف هللا نفسا إال ما‬
‫آتاها'}(الطالق‪.)4‬‬
‫والحكم الغاية من هذا كله لعلهم يذكرون أنه إذا كان العقل شرط التكليف ومن ال يعقل ال‬
‫يكلف‪ ،‬فكيف لمن يعقل والشروط بقدرها ونسبها‪ ،‬كيف له أن يشرع؟ وأمر نضيفه يضفى‬
‫بالحق على كل ما تقدم أننا نخاطب بكلماتنا المتواضعة هاته والتي ال ننزها أبدا عن مطلق‬
‫الخطإ‪ ،‬أننا نخاطب المؤمنين حقا‪ ،‬نخاطب من أسلم وجهه هلل حنيفا ولم يسلم عقله لألهواء‬
‫وكذلك ضل أكثر األولين بجعلهم الدين تقليدا لرجا منهم رهبان وأحبار؛ وإن مثل هذه‬
‫المذاهب المسماة كذبا وتلبيسا فقهية مثل ما أضل به الشيطان قوم نوح‪ ،‬وما كان بدء أمرهم‬
‫ومكره في استدراجهم إال دعوى اتباع أئمة صالحين منهم وتعظيم أمرهم حتى عبدوهم‬
‫واتخذوهم آلهة من دون هللا العزيز الحميد؛ إنما الدين الكتاب والسنة‪ ،‬والمؤمن الكيس‬
‫العاقل ال من وأد عقله فغدا مقتادا بغيره‪ ،‬وليكن نهجه نهج قلب يعقل‪ ،‬كما أفاد بحمد هللا جل‬
‫وعال أسيدا بن خضير رضي هللا عنه عقله وجعل نور الحق ميزانه وهو يتلقى خطاب‬
‫مصعب بن عمير رضي هللا عنه‪.‬‬
‫غاية األمر كله أن هذه المذاهب المسماة فقهية هي من باطل الشيطان عدو هللا الذي أقسم‬
‫ليُضلن الناس من بعد ما جاءتهم البينات كما أضل الذين من قبلهم‪ ،‬وهذا كالم واضح عربي‬
‫مبين‪ ،‬وقد أسهبنا فيه وأشار إليه وأنذر شره وضالله كثير من العلماء قديما وحديثا‪ ،‬فيضل‬
‫هللا تعالى من يشاء ويهدي من يشاء‪ .‬والقواعد الواهية التي يبنى عليه هذا البناء الشيطاني‬
‫والضال منها ما هو ذو طبيعة قانونية‪ ،‬أي من جهة الصحة والفساد بالنسبة للحق الذي‬
‫تقوم عليه السماء واألرض‪ ،‬مما يطلق عليه بالهيكلة المنطقية والميزان الذي به ال الشمس‬
‫ينبغي لها أن تدرك القمر وال الليل سابق النهار؛ ومنها ما اتصل بالعالقات والشروط‬
‫المجالية‪ ،‬وهي التي تمثل شرط التثبيت والسيرورة‪.‬‬
‫ً‬
‫أو الباطل اللبس في جعل حكم الشرعية لفعل معين بمثابة الحكم األصل في الشرع‪ ،‬وإنما هو‬
‫من دائرته‪ ،‬وهذا مثاله الواضح اعتبار العدد في جمعات مختلفة أصال تشريعيا‪ ،‬وهذا‬
‫قصور في الحكمة جلي‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ -3‬ندم اإلحاطة والتجزيئية النمطية التقليدية المحجورة للمذاهب الفقهية‬

‫الثاني الجزئية‪ ،‬فقد أجمع العلماء كلهم على أن العلم في المجموع‪ ،‬وذلك ما تجلى بحق في‬
‫تغيير فتاوى وأقوا علماء وفقهاء بتغير المعطى العلمي وبلوغ علم؛ وهذا قد يفي تقريره‬
‫تبرير مالك للخليفة العباسي الرشيد‪ 60‬بعدم حمل الناس على ما في الموطإ لكونه غير جامع‬
‫لتفرق العلم بتفرق أصحاب رسو هللا صلى هللا عليه وسلم في البالد‪ ،‬فلكل منها من العلم ما‬
‫ليس في غيرها‪ .‬وفي اإلعالم البن القيم ما نصه‪:‬‬
‫<ونحن نسأ المقلدين هل يمكن أن يخفى قضاء هللا ورسوله على من قلدتموه دينكم في كثير‬
‫من المواضع أم ال؟‬
‫فإن قالوا ال يمكن أن يخفى عليه ذلك أنزلوه فوق منزلة الخلفاء والصحابة كلهم؛ فليس أحد‬
‫منهم إال وقد خفي عليه بعض ما قضى هللا ورسوله به‪ ،‬فهذا الصديق أعلم األمة به خفي‬
‫عليه أن الشهيد ال دية له حتى أعلمه به عمر فرجع إلى قوله‪ ،‬وخفي على عمر وهو أعلم‬
‫األمة به بعد الصديق على اإلطالق تيمم الجنب فقا لو بقي شهرا لم يصل حتى يغتسل‪،‬‬
‫وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض فكان يردهن حتى يطهرن ثم يطفن حتى بلغه‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم خالف ذلك فرجع عن قوله‪ ،‬وخفي عليه شأن متعة الحج‬
‫وكان ينهى عنها حتى وقف على أن النبي صلى هللا عليه وسلم أمر بها فترك قوله وأمر‬
‫بها‪ ،‬وخفي عليه جواز التسمي بأسماء األنبياء فنهى عنه حتى أخبره طلحة أن النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم كناه أبا محمد فأمسك هذا وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو أيوب من أشهر‬
‫الصحابة فلم يمر بباله رضي هللا عنه أمر هو بين يديه حتى نهى عنه‪ ،‬وكما خفي عليه قوله‬
‫إنك ميت وإنهم ميتون وقوله وما محمد إال رسو قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل‬
‫انقلبتم على أعقابكم حتى قا ‪ :‬وهللا لكأني ما سمعتها قط قبل وقتي هذا‪ ،‬وكما خفي عليه حكم‬
‫الزيادة في المهر على مهور أزواجه صلى هللا عليه وسلم وبناته حتى ذكرته تلك المرأة‬
‫بقوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطار فال تأخذوا منه شيئا فقا كل أحد أفقه من عمر حتى‬
‫النساء‪ ،‬وكما خفي عليه أمر الجد والكاللة وبعض أبواب الربا فتمنى أن رسو هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم كان عهد إليهم فيها عهدا‪ ،‬وكما خفي عليه يوم الحديبية أو وعد هللا لنبيه‬
‫وأصحابه بدخو مكة مطلق ال يتعين لذلك العام حتى بينه له النبي صلى هللا عليه وسلمن‬
‫وخفي على عثمان أقل مدة الحمل حتى ذكره ابن عباس بقوله تعالى وحمله وفصاله ثالثون‬

‫‪ 60‬هناك من يقو أنه أبو جعفر المنصور ومنهم من يقو أنه المهدي‪ ،‬فكلهم عاصر مالك ولقيهم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫شهرا مع قوله والوالدات يرضعن أوالدهن حولين كاملين فرجع إلى ذلك‪ ،‬وخفي على ابي‬
‫موسى ميراث بنت االبن مع البنت السدس حتى ذكر له أن النبي صلى هللا عليه وسلم ورثها‬
‫ذلك‪ ،‬وخفي على ابن عباس تحريم الحمر األهلية حتى ذكر له أن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫حرمها يوم خيبر‪ .‬وهذا باب واسع لو تتبعناه لجاء سفرا كبيرا‪ ،‬فنسأ حينئذ فرقة التقليد‪ :‬هل‬
‫يجوز أن يخفى على من قلدتموه بعض شأن رسو هللا صلى هللا عليه وسلم كما خفي على‬
‫سادات األمة أو ال؟‬
‫فإن قالوا‪ :‬ال يخفى عليه وقد خفي على الصحابة مع قرب عهدهم بلغوا مبلغ مدعي العصمة في‬
‫األئمة‪.‬‬
‫وإن قالوا‪ :‬بل يجوز‪ ،‬وهو الواقع‪ ،‬وهم مراتب في الخفاء في القلة والكثرة‪ ،‬قلنا‪ :‬فنحن نناشدكم‬
‫هللا الذي هو عند لسان كل قائل ولبه إذا قضى هللا ورسوله أمرا خفي على من قلدتموه هل‬
‫تبقى لكم الخيرة بين قبو قوله ورده أم تنقطع خيرتكم وتوجبون العمل بما قضاه هللا‬
‫ورسوله عينا ال يجوز سواء؟‬
‫فاعدوا لهذا السؤا جوابا‪ ،‬وللجواب صوابا‪ ،‬فإن السؤا واقع والجواب الزم والمقصود أن‬
‫هذا هو منعنا من التقليد‪ ،‬فأين معكم حجة واحدة تقطع العذر وتسوغ لكم ما ارتضيتموه‬
‫‪61‬‬
‫ألنفسكم من التقليد؟>‬
‫هذا على بعد النقل بمعناه الصحيح الذي ال يعتبر إال شرطا ومكونا ضمن مكوني الدين الحق‬
‫والشريعة المنزلة من عند هللا تعالى على محمد صلى هللا عليه وسلم إلى مجا العالمين‬
‫وأطوار التاريخ إلى قيام الساعة‪ ،‬ال المعنى المغرض الملتبس‪ ،‬أما على البعد الثاني‬
‫المنصوص عليه قرآنا صريحا في آية المنهاج من سورة آ عمران‪{:‬ولكن كونوا ربانيين‬
‫بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون'}(آ عمران‪ )41‬فاآلليات الفقهية امتدادا على‬
‫المفهوم الواضح والبسيط في خفاء بعض السنن والعلم على األكابر ومعرفة األصاغر لها‬
‫من حيث التعليل‪ ،‬هذه اآلليات العلمية تزداد من حيث بلورتها وسعة ترتيبها‪ ،‬ويكفي في هذا‬
‫دليل تطور لفظ الحديث واصطالحه وفي طور علمي وتقني ال يخرج عن طوره التاريخي‬
‫ككل‪ ،‬وهللا تعالى جعل شريعة اإلسالم مجيدة وافية مهيمنة على التاريخ ونوازله وشروطه‬
‫انفتاحا غير محصور‪ .‬ومن حصر دين هللا تعالى وشريعته في األقوا المذهبية النمطية فقد‬
‫سلك شعر بذلك أم لم يشعر مسلك من كفر بأن القرآن مجيد وبأن بيان النبي صلى هللا عليه‬

‫نقال عن الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪ :‬محمد بن أبي مدين الشنجيطي‪-‬ط‪1555-2‬ه‪1545 -‬م طبع وزارة األوقاف والشؤون‬
‫‪61‬اإلسالمية بالمغرب‪ -‬ص‪141-144‬‬

‫‪110‬‬
‫وسلم مطلق كما صدع به الربانيون من العلماء لئال يكون للناس على حجة بعد البالغ‪ .‬قا‬
‫الشوكاني في كتابه القو المفيد في أدلة االجتهاد والتقليد ما نصه‪:‬‬
‫<وياهلل ما قنع هؤالء النوكى بما عليه من بدعة التقليد التي هي أم البدع حتى سدوا على أمة‬
‫محمد صلى هللا عليه وسلم معرفة الشريعة من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫وإنه ال سبيل إلى ذلك وال طريق حتى كأن األفهام البشرية قد تغيرت والعقو اإلنسانية قد‬
‫ذهبت‪ .‬وكل هذا حرص منهم على أن تعم بدعة التقليد كل األمة وأن ال يرتفع عن طريقهم‬
‫السافلة أحد من عباد هللا‪ ،‬وكأن هذه الشريعة التي بين اظهرنا من كتاب هللا وسنة رسوله قد‬
‫صارت منسوخة والناسخ لها ما ابتدعوه من التقليد في دين هللا‪ ،‬فال يعمل الناس بشيء مما‬
‫في الكتاب والسنة‪ ،‬بل ال شريعة لهم إال ما تقرر في المذاهب أذهبها هللا‪ .‬فإن يوافقها ما في‬
‫الكتاب والسنة فبها ونعمت‪ ،‬والعمل على المذاهب ال على ما وافقها منهما‪ .‬وإن يخالفها‬
‫أحدهما أو كالهما فال عمل عليه وال يحل التمسك به‪ ،‬هذا حاصل قولهم‪ ،‬ولكنهم رأوا‬
‫التصريح بمثل هذا يستنكره قلوب العوام فضال عن الخواص وتقشعر منه جلودهم‪ ،‬فعدلوا‬
‫عن هذه العبارة الكفرية والمقالة الجاهلية إلى ما يوافقها في المفاد ولكن ينفق على العوام‬
‫بعض نفاق‪ ،‬فقالوا قد انسد باب االجتهاد‪ .‬ومعنى االنسداد المفترى أنه لم يبق في أهل هذه‬
‫الملة اإلسالمية من يفهم الكتاب والسنة‪ ،‬وإذا لم لم يبق من هو كذلك لم يبق سبيل إليهما‪،‬‬
‫وإذا انقطع السبيل إليهما فكل حكم فيهما ال عمل عليه وال التفات إليه سواء وافق المذهب أو‬
‫خالفه ألنه لم يبق من يفهمه إلى آخر الدهر‪ ،‬فكذبوا على هللا وادعوا عليه سبحانه أنه ال‬
‫يتمكن من أن يخلق خلقا يفهمون ما شرعه لهم وتعبدهم به حتى كأن ما شرعه لهم من كتابه‬
‫وعلى لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم ليس بشرع مطلق بل شرع مقيد إلى غاية هي قيام‬
‫هذه المذاهب‪ ،‬وبعد ظهورها ال كتاب وال سنة‪ ،‬بل قد حدث من يشرع لهذه األمة شريعة‬
‫جديدة ويحدث لها دينا آخر وينسخ بما رآه من الرأي وما ظنه من الظن ما يقدمه من الكتاب‬
‫والسنة‪ .‬وهذا وإن أنكروه بألسنتهم فهو الزم لهم ال محيص لهم عنه وال مهرب‪ ،‬وإال فأي‬
‫معنى لقولهم قد انسد باب االجتهاد ولم يبق إال مجرد التقليد‪ ،‬فإنهم إن أقروا بأنهم قائلون‬
‫بهذا لزمهم اإلقرار بما ذكرناه‪ ،‬وعند ذلك نتلو عليهم‪ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من‬
‫دون هللا‪ ،‬وإن أنكروا القو بذلك وقالوا باب االجتهاد مفتوح والتمسك بالتقليد غير حتم‪ ،‬فقل‬
‫لهم فما بالكم يا نوكى ترمون كل من عمل بالكتاب والسنة وأخذ دينه منهما بكل حجر ومدر‬
‫وتستحلون عرضه وعقوبته وتجلبون عليه بخيلكم ورجلكم وقد علموا وعلم كل من يعرف‬
‫ما هم عليه مصممون من تغليق باب االجتهاد وانقطاع السبيل إلى معرفة الكتاب والسنة‬

‫‪111‬‬
‫فلزمهم ما ذكرناه بال تردد‪ ،‬فانظر أيها المنصف إلى هذه البدعة الشيطانية التي فرقت أهل‬
‫هذه الملة الشريفة وسيرتهم إلى ما تراه من التباين والتخالف‪ .‬فلو لم يكن من شؤم هذه‬
‫التقليدات والمذاهب المبتدعات إال مجرد هذه الفرقة بين أهل اإلسالم مع كونهم أهل ملة‬
‫واحدة ونبي واحد وكتاب واحد لكان ذالك كافيا في كونها غير جائزة‪ ،‬فكيف يحل لعالم أن‬
‫يقو بجواز التقليد الذي كان سبب فرقة أهل اإلسالم وانتشار ما كان عليه من النظام‬
‫‪62‬‬
‫والتقاطع بين أهله وإن كانوا ذوي أرحام ‪>..‬‬

‫‪ -4‬السعة الترريعية المجيدة ال تنبغي إال هلل العليم الحكيم‬

‫الثالث أن السعة التشريعية المنفتحة إلى يوم الدين ال تنبغي لنص من البشر أي كان‪ ،‬والحق‬
‫منفتح أبدا بهذه السعة في القرآن المجيد وسنة رسو هللا صلى هللا عليه وسلم بشرط الربانية‬
‫التي تنسف وتدحض بالحق كل ادعاء بسد باب االجتهاد‪ .‬فاهلل تعالى يقو ‪{:‬فآمنوا باهلل‬
‫ورسوله والنور الذي أنزلنا'}(التغابن‪{ )1‬فاتقوا هللا يا أولي األلباب' الذين آمنوا قد أنز هللا‬
‫إليكم ذكرا رسوال يتلو عليكم آيات هللا مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من‬
‫الظلمات إلى النور'}(الطالق‪ ،)11‬والمذهبية‪ ،‬وهذه حقيقتها واضحة جلية‪ ،‬تجعل وتحد هذا‬
‫النور وتحجزه في رجا بعينهم‪ .‬تاهلل قد زين لهم الشيطان ولبس عليهم فهو وليهم‪،‬‬
‫يضاهون قوم نوح في عبادة رجا صالحين بكيد ادعاء االتباع لصالح عملهم وعلمهم‪ .‬فهذا‬
‫هو الحق أبلج وليس لحسن النية وال الجهالة في اتباع ما وجدوا عليه آباءهم وأهواء ملوكهم‬
‫وضال علمائهم الذين أخذ هللا عليهم الميثاق ليبيننه للناس وال يكتمونه‪ ،‬ليس في ذلك من‬
‫حجة عند هللا تعالى العزيز ذي االنتقام‪ .‬فالسعة التشريعية المطلقة المستمرة التي هي‬
‫مصدر القانون والفقه المهيمن ال تنبغي إال هلل تعالى العليم الخبير‪ ،‬فقوله تعالى الحق والحق‬
‫مهيمن على ما كان وما سيكون‪ ،‬أما قو البشر فهو محصور على قدر حصر علمهم‬
‫ونسبته إلى علم هللا تعالى تعالى‪ ،‬وسبحان هللا رب العالمين ‪..‬؛ هذه الحقيقة العلمية والفقهية‬
‫العظيمة هي التي نز بها العلم الحق في قوله تعالى‪{:‬وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا'‬
‫ما كنت تدري ما الكتاب وال اإليمان' ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا' وإنك‬
‫لتهدي إلى صراط مستقيم صراط هللا الذي له ما في السماوات وما في األرض' أال إلى هللا‬
‫تصير األمور'}(الشورى‪)50-45‬‬

‫‪ 62‬نفس المصدر‪-‬ص‪251-254‬‬

‫‪112‬‬
‫يقو عفيف طبارة‪< :‬هذه الروحانية اشتملت على العلوم اإللهية‪ ،‬وأصو العقائد الدينية‪،‬‬
‫وقوانين الفضائل واآلداب‪ ،‬وقواعد التشريع السياسي والمدني واالجتماعي‪ ،‬وغيرها من‬
‫األصو التي أتى بها القرآن وسبق بها كل األوضاع البشرية التي من نوعها والتي يؤلف‬
‫‪63‬‬
‫مجموعها الصرح األدبي الضخم لهذه المدنية الحديثة‪>.‬‬
‫فالحق وحده هو المجيد والذي له سعة الفقه والتشريع إلى يوم الدين‪ ،‬وما كان لقو بشر أن‬
‫ينحصر فيه نور هللا وهذا الروح من أمره العلي الحكيم‪ ،‬ومنه يستبين أن الشيطان أتى‬
‫هؤالء حتى سلكوا في علمائهم وصالحي فقهائهم مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن‬
‫حنبل ما سلك قوم نوح في رجا من صالحي عبادهم وعلمائهم ود وسواع ويعوق ونسر؛‬
‫يقو هللا تعالى‪{:‬ولقد أضل منكم جبال كثيرا' أفلم تكونوا تعقلون'}(يس'‪)11‬‬
‫يقو الشيخ محمد أبو زهرة في تقديمه لكتاب 'نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية‬
‫األربعة'‪ 64‬وبعد أن نوه بتمايز هؤالء الرجا من علماء المسلمين مالك وأبي حنيفة‬
‫والشافعي وابن حنبل مما سارت عليه سنة خلق هللا تعالى من االختالف في الملكات‬
‫والخال ‪ ،‬حيث غلب على مالك االهتمام بالسنن‪ ،‬وأبي حنيفة استنباط علل األحكام والقياس‪،‬‬
‫والشافعي االستنباط من النصوص بالعامل اللغوي الذي كان بارزا فيه‪ ،‬وأحمد بحفظ‬
‫النصوص واآلثار؛ وبعد أن قا ‪:‬‬
‫<ومن هنا جاءت المذاهب الفقهية األربعة مكملة لبعضها البعض>‬
‫بعدها يصرح ويصدع بالحقيقة التي ال بد كل أهل العلم عنها يوم القيامة مسؤولون‪ ،‬يعلن‬
‫ويقو كلمة الحق دون مواربة عن هذه السبل المضلة أهلها‪ ،‬يقو عما جعله الذين بدلوا من‬
‫بعد رسو صلى هللا عليه وسلم دينا‪ ،‬والحقيقة والحا ال يرتفع‪ ،‬اتخذوها وهم ال يشعرون‪:‬‬
‫<أما آفتها الدخيلة عليها فهو التعصب المذهبي الذي يزعم أن الحق محصور في مذهب من‬
‫هذه المذاهب ليوجب على المسلمين التمذهب به‪ ،‬كالذي فعله صاحب كتاب (مغيث الخلق‬
‫في بيان المذهب الحق) في حصر المذهب الشافعي‪ ،‬وكالذي فعله صاحب (النكث الظريفة‬
‫في ترجيح مذهب أبي حنيفة) فهو أمر ال يتفق مع الدين أوال‪ ،‬وال مع المذاهب ثانيا‪ .‬فلو‬
‫عرضت هذه العصبيات على األئمة أنفسهم لحاربوها أشد المحاربة وعزروا أصحابها على‬
‫رؤوس األشهاد‪ .‬إن في سيرة األئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد قدوة لكل مسلم‬

‫‪ 63‬روح الدين اإلسالمي‪ :‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪-‬دار العلم للماليين‪ -‬الطبعة‪-1511-24‬ص‪( :41‬روح القرآن)‬
‫نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية األربعة‪ :‬تأليف العالمة أحمد تيمور باشا‪ -‬الطبعة األولى ‪1411‬ه‪1550 -‬م‪ -‬دار القادري‬
‫‪64‬للطباعة والنشر والتوزيع‪ -‬بيروت‬

‫‪113‬‬
‫غيور على الحق ناصح لدينه ليتعلم منهم آداب العلم والتلقي والحوار واالتفاق على الحق‬
‫واالختالف في طلبه‪ ،‬وما أجدر المسلمين اليوم أن ال يقتصروا في تعلم أحكام دينهم على‬
‫مذهب واحد بل يجعلوا المذاهب األربعة مذهبا واحدا وأقوا األئمة أقواال في المذهب‪،‬‬
‫المذهب اإلسالمي الجامع ويتخيروا منها ما قويت حجته ووضحت داللته‪>.‬‬
‫أما الشروط السلبية في تثبيت هذا الضال من بعد ما جاءهم البينات فأخطرها وأبرزها‬
‫التكتالت األرضية السياسية على قانون االنجذاب المجالي وسنة هللا تعالى في ترابط أبعاد‬
‫االجتماع البشري وتأثير بعضها في بعض وجدليتها التشكيلية‪ ،‬وهذا هو المعلل والمفسر‬
‫لتزامن ترسيخ المذاهب المسماة فقهية المفرقة لألمة مع انحال الدولة العباسية وحدة تقطع‬
‫أوصا البالد اإلسالمية إلى تكتالت وانجذابات مجالية متقطعة همها وعلتها التواجدية‬
‫التمايز ولو كان على حساب الدين‪ ،‬فهذا معلوم من سنن التاريخ‪ ،‬وال داعي لإلعادة في‬
‫بيانه‪ .‬فمن األمويين باألندلس وبؤر التولد السياسي القوية بشما إفرقيا الذي سيكون مهد‬
‫ظهور المهدوية بالعالم ومنشأ الدولة الفاطمية حيث بويع أو ما بويع عبيد هللا الفاطمي‬
‫بسجلماسة سنة ‪254‬ه‪ ،‬إلى اإلخشيديين بمصر وسورية وبني حمدان بالموصل وحلب‬
‫والقرامطة بالبحرين والديلم بجرجان والبويهيين ببغداد‪ ،‬وغيرها من التكتالت المجالية‬
‫المتقطعة األوصا ‪.‬‬
‫الشرط الثاني في تثبيت هذا الضال هو جبلة التقليد‪.‬‬
‫وبخصوص المستوى الثاني‪ ،‬مستوى التثبيت والترسيخ يقو أبو األعلى المودودي رحمه هللا‪:‬‬
‫<وحتى انقراض الدولة األموية لم يكن أحد يدعو نفسه حنفيا أو شافعيا‪ ،‬إنما كانوا يستنبطون‬
‫المسائل باألدلة الشرعية على طريقة أئمتهم وأساتذتهم‪ .‬ولما كان زمان الدولة العباسية اتخذ‬
‫كل واحد من المسلمين نسبة معينة له‪ .‬وبلغ من شدة تقليدهم أن لم يكونوا يحكمون في أمر‬
‫بحجج القرآن والسنة ما لم يجدوا فيه نصا من نصوص أكابر مذهبهم‪ ،‬وبذلك رسخت فيهم‬
‫واستحكمت بينهم االختالفات التي نشأت عن االختالف في تأويل القرآن والسنة بين علماء‬
‫السلف‪ .‬ثم لما انقضت الدولة العربية وقام مقامها الحكم التركي وانتشر الناس في شتى‬
‫الممالك‪ ،‬اتخذ كلهم ما كان يذكره من تعاليم مذهبه الفقهي أصال ومرجعا‪ ،‬فأصبح ما كان‬
‫قبل ذلك في حكم المذهب المستنبط سنة مستقرة‪ .‬وبقي مدار عملهم اآلن على أن يخرجوا‬
‫‪65‬‬
‫من ال ُمخرج ويُفرعوا من ال ُمفرع‪>.‬‬

‫معربا عن الفارسية ترجمه محمد عاصم حداد في‪ :‬أبو األعلى المودودي‪ -‬موجز تاريخ الدين وإحيائه وواقع المسلمين وسبيل‬
‫‪65‬النهوض بهم‪-‬ص‪ -54-51‬الدار السعودية للنشر والتوزيع‪1405 -‬ه‪1515-‬م‬

‫‪114‬‬
‫فالمستنبط العلمي وبالغ النظر في الضال المسوغ بشتى أساليب الشيطان عدو هللا ومكره‬
‫للتفرق المذاهبي‪ ،‬الذي يدعو إلى الفرقة وهللا تعالى يقو ‪{:‬وأن هذه أمتكم أمة واحدة' وأنا‬
‫ربكم فاعبدون'}(األنبياء‪ )51‬ويقو جل وعال وقوله تعالى أحق أن يتبع‪ ،‬ال لسان الواقع‬
‫المفرق للمذاهب الفقهية‪ ،‬يقو سبحانه‪{:‬وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه' وال تتبعوا‬
‫السبل فتفرق بكم عن سبيله' ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون'}(األنعام‪ ،)154‬المستنبط العلمي‬
‫وبالغ النظر فيه هو مستويات ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬مستوى تجلي فساد البناء باالختالف الكثير تحققا للحق في قوله تعالى‪{:‬ولو كان من عند‬
‫غير هللا لوجدوا فيه اختالفا كثيرا'}(النساء‪ ،)11‬واالختالف ليس فحسب في المقو‬
‫واألحكام التي يراد لها أن تكون دينا للناس وشريعة على المذهب‪ ،‬بل يتجلى ويظهر معه‬
‫فساد البناء المذاهبي وهو تفسيره على المستوى البنيوي الهيكلي في االختالف المعاييري‬
‫الذي هو مرجع الوزن وعير الحكم الذي ليس القو إال صورته ونطقه الخارجي‪ ،‬فالذي‬
‫يساهم ويحدد هو المعيار الفقهي والعقل مناط التكليف والحكمة شرط الربانية والفقيه ليس‬
‫بالحافظ ولكن الرباني كما هو في اآلية من سورة آ عمران وأكده ابن عباس رضي هللا‬
‫عنهما وساقه في مربط القو العلمي البخاري رحمه هللا في صحيحه‪.‬‬
‫‪ -2‬مستوى البنية القانونية المتصلة طبعا بالمعايير كماهية ال كتجلي‪ ،‬وهي الهيكلة للبناء‪ .‬هذا‬
‫المستوى مرتبط بالحق والميزان‪ ،‬وإذا فسد فسد كل شيء من بعده وال يرجى سالمة بناء‬
‫مختلة أسسه متفاقمة قواعده‪ ،‬فالقصور في الملكة القلبية أو العقلية سمها كيفما شئت حقيقة‪،‬‬
‫وإنما هي حظ مكون في الحكمة‪ ،‬القصور على مستوى افتقاد أدنى النسق كالقصور على‬
‫الميز بين الجزئي والكلي‪ ،‬ومن افتقد لهذا كان لغيره من األنساق كمن يخاطب بلغة غير‬
‫لغته‪ ،‬واللغة هنا درجات الحكمة واألنساق التفكيرية والتصورية‪ ،‬فهذا بالحق والميزان ليس‬
‫له شرط الملكة في استنباط األحكام من األصو ومعطيات النواز ‪ ،‬وكيف من يختلط عنده‬
‫األمر بين الجزئي والكلي أن يسمو قلبه أو عقله سمه كيفما شئت‪ ،‬أن يسمو إلى التمييز بين‬
‫البشري المحدود والمطلق المبارك المجيد؟؟‬
‫‪ -5‬المستوى الثالث‪ ،‬مستوى التثبيت لهذا البناء‪ ،‬الذي مرتكزاه األساسان التكتالت األرضية‬
‫الدنيوية والتقليد‪.‬‬
‫هذه الحقائق‪ ،‬وهذا البرهان العلمي بالحق الذي ال يزيغ عنه إال هالك داحض لباطل القو‬
‫واالحتجاج الخاطئ الذي يركن إليه المبررون والمسوغون لهذا الضال تلبيسا على غيرهم‬
‫أو التباسا على مستوى فقههم وعلمهم‪ ،‬كتبرير اختالف المذاهب‪ ،‬وكأنه أمر طبيعي ال‬

‫‪115‬‬
‫مناص منه وال مندوحة‪ ،‬الختالف هؤالء الرجا البشر من عباد هللا الصالحين في فهم‬
‫القرآن والحديث الختالف وجوه الداللة في البيان والختالف المعلوم وحظ كل واحد منهم‬
‫وسعته‪ ،66‬وإنه لسفه وجرم في جناب الحق عظيم أن تُجعل قراءة رجل من بعد رسو هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم وهي بالنسبة لنور هللا تعالى ومجا شريعته في القرآن والسنة كقطرة‬
‫من البحر‪ ،‬أن تُجعل مذهبا ودينا محل اإلسالم‪ ،‬وهذه حقيقتهم‪ ،‬ألن المذهب هو الذي يمثل‬
‫اإلسالم عندهم‪ ،‬فهم يقولون مثال ندين هللا بمذهب مالك والعقيدة األشعرية‪ .‬وال غرو فإن هذا‬
‫التبرير له نظائر على كل أسس المنهاج اإلسالمي وتصوراته كاالعتبار الخاطئ للقراءات‬
‫مما بينا باطله في كتاب وجزء مخصوص‪ ،‬ومثله في الخبر والصفات كقو أحمد بن محمد‬
‫بن المظفر بن المختار الرازي رحمه هللا الذي عاش في القرن السابع الهجري‪ ،‬في كتابه‬
‫'حجج القرآن'‪ ،‬وهو قو بين لبسه وضالله يقو فيه‪:‬‬
‫<فاستخرجت منه حجج كل طائفة على اختالف نحلهم وآرائهم وافتراق مللهم وأهوائهم‪،‬‬
‫(وأصلهم ثمان فرق)‪ :‬الجبرية وفي مقابلتها القدرية‪ ،‬والمرجئة وفي مقابلتها الوعيدية‪،‬‬
‫والصفاتية وفي مقابلتها الجهمية‪ ،‬والشيعة وفي مقابلتها الخوارج‪ .‬ومن هذه الفرق الثمان‬
‫تشعبت الفرق الثالث والسبعون‪ .‬وما من فرقة إال ولها حجة من الكتاب‪ ،‬وما من طائفة إال‬
‫وفيها علماء نحارير فضالء لهم في عقائدهم مصنفات‪ ،‬وفي قواعدهم مؤلفات‪ .‬وكل منهم‬
‫يُؤو دليل صاحبه على حسب عقيدته ووفق مذهبه‪ .‬وما منهم من أحد إال ويعتقد أنه هو‬
‫المحق السعيد وأن مخالفه لفي ضال بعيد‪{ :‬كل حزب بما لديهم فرحون}(الروم‪.)52‬‬
‫وليس قصدنا بيان معقوالت المتكلمين من المتأخرين والمتقدمين‪ ،‬ولكن القصد أن نذكر في‬
‫هذا الكتاب جميع حجج القرآن بطريق االستيعاب‪ ،‬ثم نذكر حجج الحديث لكل قوم من القديم‬
‫والحديث لكيال يعجل طاعن بطعنه في فرقة وال يغلو قادح بقدحه في طائفة؛ ويعلم أن هذه‬
‫األدلة ما تعارضت إال ليقضي أمرا كان مفعوال‪ ،‬من افتراق األمة على الثالث والسبعين‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫تصديقا لقو رسو هللا صلى هللا عليه وسلم‪" :‬ستفترق أمتي ثالثا وسبعين فرقة الحديث"‬
‫‪68‬‬
‫وقوله تعالى‪{ :‬وعلى هللا قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}>‬
‫إن هذا لتصور غير صحيح واعتقاد في الحق ليس برشيد‪ ،‬فاهلل تعالى يقو ‪:‬‬

‫انظر مثال‪ :‬كتاب الصالة على المذاهب األربعة مع أدلة أحكامها‪ :‬عبد القادر الرحباوي‪ -‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫‪66‬والترجمة‪ -‬القاهرة‪ -‬الطبعة الرابعة‪ -‬سبب اختالف األئمة‪-‬ص‪25‬‬
‫‪ 67‬الترقيم مني‬
‫كتاب حجج القرآن‪ :‬أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت –لبنان‪-‬ط‪1401-1‬ه‪1511-‬م‪-‬ص‪1‬‬
‫‪68‬‬

‫‪116‬‬
‫{إن هذه أمتكم أمة واحدة' وأنا ربكم فاعبدون' وتقطعوا أمرهم بينهم' كل إلينا‬
‫راجعون'}(األنبياء‪)52-51‬‬
‫فاآلية التي أوردها العالم في احتجاجه أعاله وحديث رسو هللا صلى هللا عليه وسلم داللته‬
‫توجه بالقرآن والسنة ال بغيرهما بله مما هو على نقيضهما‪ ،‬فما كان للحق أن يدعو إلى أمر‬
‫ثم ينقضه‪ ،‬إنما القراءة هنا لألصلين الكريمين قراءة النذر والوعيد مما قضاه الحق من‬
‫السنن التي ال تتخلف من أن يصيب هذه األمة بفعل البعد عن هللا تعالى والبغي بينهم‬
‫بعضهم على بعض فيحل الوعيد والمحذور كما أصاب األمم ممن قبلنا من اليهود‬
‫والنصارى؛ وهذا هو مناط السؤا وحيز االبتالء للعلماء خاصة‪ ،‬وفي هذا تنشر الصحف‬
‫يوم القيامة‪ .‬والشأن الثاني من الفقه أن الرجا ال يوجهون الحق‪ ،‬فإنه أعظم من ذلك‪،‬‬
‫والقرآن هو الذي أنبأنا هللا تعالى بأنه كتاب مبارك ومجيد؛ فليذكر هؤالء قو الفاروق عمر‬
‫بن الخطاب رضي هللا عنه في رسالته لقاضيه أبي موسى األشعري بأن الحق قديم‪.‬‬

‫تم بحمد هللا ومنته وتوفيقه يومه الخميس‬


‫‪ 14‬محرم‪1452‬الموافق ‪25‬دجنبر‪2010‬‬

‫‪117‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫‪ -‬القرآن الكريم‬
‫‪ -‬صحيح البخاري‬
‫‪ -‬فتح القدير‬
‫‪ -‬تفسير ابن كثير‬
‫‪ -‬األبواب المنتخبة من مشكاة المصابيح‬
‫‪ -‬كتاب حجج القرآن‪ :‬اإلمام أبو الفضائل أحمد بن محمد بن المظفر بن المختار الرازي‬
‫الحنفي‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت لبنان‪ -‬الطبعة األولى‬
‫‪ -‬كتاب الفقه على المذاهب األربعة‪ :‬عبد الرحمان الجزيري‪ -‬إشراف دار البحوث والدراسات‪-‬‬
‫دار الفكر ‪-‬للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫‪ -‬كتاب الصالة على المذاهب األربعة مع أدلة أحكامها‪ :‬عبد القادر الرحباوي‪ -‬دار السالم‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة القاهرة‬
‫‪ -‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي‪ :‬محمد محجوبي‪ -‬الطبعة األولى‪2010‬‬
‫‪ -‬دراسات في تاريخ األندلس وحضارتها من الفتح حتى الخالفة‪ :‬الدكتور أحمد بدر‪-‬الطبعة‬
‫الثانية‬
‫‪ -‬الدعوة الموحدية بالمغرب‪ :‬عبد هللا علي عالم‪ -‬الطبعة األولى‪ -‬دار المعرفة‬
‫‪ -‬المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر(إنولتان‪ :)1512-1150‬أحمد التوفيق‪ -‬جامعة محمد‬
‫الخامس أكدا ‪ -‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪ -‬سلسلة رسائل وأطروحات‬
‫‪ -‬ال ننخدع‪ :‬عبد هللا الموصلي‬
‫‪ -‬الصوارم واألسنة في الذب عن السنة‪ :‬محمد بن أبي مدين الشنقيطي‪ -‬وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية بالمغرب‬
‫‪ -‬مع األنبياء في القرآن الكريم‪ :‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪ -‬دار المالين ببيروت‬
‫روح الدين اإلسالمي‪ -‬عرض وتحليل ألصو اإلسالم وآدابه وأحكامه تحت ضوء العلم‬
‫والفلسفة‪ :‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪ -‬دار العلم للماليين‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ -‬الطبعة‪-24‬‬
‫حزيران‪1511‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -‬إحصاء العلوم‪ :‬أبو نصر الفارابي‪ -‬قدم له وشرحه وبوبه الدكتور علي بولحم‪ -‬دار ومكتبة‬
‫الهال ‪ -‬الطبعة األولى‪1551 -‬‬
‫‪ -‬ابن تيمية‪ -‬سلسلة أعالم العرب‪ :‬الدكتور محمد يوسف موسى‬
‫‪ -‬ابن حزم الظاهري –حياته وعصره‪ :‬محمد محجوبي‬
‫‪ -‬الرسائل السلفية في إحياء سنة خير البرية‪ :‬محمد بن علي الشوكاني‬
‫موجز تاريخ الدين وإحيائه وواقع المسلمين وسبيل النهوض بهم‪ :‬أبو األعلى المودودي‪ -‬معربا‬
‫عن الفارسية ترجمه محمد عاصم حداد‪ -‬دار السعودية للنشر والتوزيع‪1405 -‬ه‪1515 -‬م‬
‫‪ -‬فقه الكتاب والسنة ورفع الحرج عن األئمة‪ :‬تقي الدين بن تيمية‪ -‬دار الكتب العلمية‪ -‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ -‬تعليق فريد أمين الهنداوي‬
‫‪ -‬المذاهب اإلسالمية الخمسة والمذهب الموحد‪ :‬القاضي محمد سويد‪ -‬دار التقريب بين‬
‫المذاهب اإلسالمية‪ -‬بيروت‪ -‬لبنان‪ -‬الطبعة الثانية ‪1554‬‬
‫نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الفقهية األربعة‪ :‬أحمد تيمور باشا‪ -‬تقديم الشيخ محمد أبو‬
‫زهرة‪ -‬الطبعة األولى ‪1411‬ه‪1550 -‬م‪ -‬دار القادري للطباعة والنشر والتوزيع‪ -‬بيروت‬
‫‪ -‬القدس العربي العدد‪2010\1\14 -1551‬‬

‫‪119‬‬
120
121
122
123

You might also like