You are on page 1of 2

‫مادة الفلسفة ‪ -‬مجزوءة المعرفة ‪ /‬النظرٌة والتجربة ‪ -‬نموذج تطبٌقً حول صٌغة السؤال المفتوح المستوى ‪ :‬السنة الثانٌة

بكالورٌا‪ -‬ذ محمد بنعبو‬

‫م جزوءة المعرفة ‪ /‬النظرٌة والتجربة‬ ‫نموذج تطبٌقً حول صٌغة السؤال المفتوح‬

‫ما دور التجربة فً بناء النظرٌة العلمٌة ؟‬ ‫الموضوع‪:‬‬


‫(االمتحان الوطنً الموحد ‪/ 2016‬مسلك العلوم االنسانٌة)‬

‫(الفهم)‪ 4:‬ن‬
‫لقد شكل موضوع "بناء النظرٌة العلمٌة‪ ،‬ودور كل من التجربة والعقل فً ذلك" واحدا من القضاٌا الكبرى التً استرعت اهتمام الفالسفة‬
‫والعلماء‪ .‬ولئن كان هذا السؤال‪ :‬ما دور التجربة فً بناء النظرٌة العلمٌة؟ ٌبدو فً ظاهره بسٌطا فهو فً مضمونه ٌحمل نقاشا ابستٌمولوجٌا‬
‫عمٌقا تؤطره مجزوءة المعرفة كمجال عام‪ ،‬ومفهوم النظرٌة والتجربة كمجال خاص‪ ،‬وٌطرحنا أمام مفارقة مفتوحة على عدة أبعاد؛ بعد أول‬
‫ٌعطً للتجربة دورا أساسٌا وحاسما فً بناء النظرٌة العلمٌة‪ ،‬وبعد ثان ٌعطً للعقل الدور األساسً والجوهري فً بناء النظرٌة العلمٌة‪ ،‬وبعد‬
‫ثالث ٌعتبر أن بناء النظرٌة العلمٌة هو بناء جدلً‪ ،‬وهذا من ٌمكن أن نعبّر علٌه من خالل التساؤالت اإلشكالٌة التالٌة‪:‬‬
‫ما دور كل من التجربة والعقل فً بناء النظرٌة العلمٌة ؟ هل تلعب التجربة دورا حاسما أم أن العقل هو أساس بناء النظرٌة العلمٌة ؟ بأي‬
‫معنى ٌمكن اعتبار أن بناء النظرٌة العلمٌة هو عبارة عن حوار جدلً بٌن العقل والتجربة ؟ هل للعقل األولوٌة فً بناء النظرٌة العلمٌة ‪،‬أم أن‬
‫األولوٌة فً ذلك للتجربة أم هو حوار جدلً بٌنهما ؟‬

‫(التحلٌل) ‪ 5 :‬ن‬
‫بالعودة إلى منطوق السؤال اإلشكالً ‪،‬نجد أنه مكوّ ن من تركٌبة مفاهٌمٌة تتضمن مفهوم التجربة ومفهوم النظرٌة العلمٌة‪ ،‬وهنا ال بد من التمٌٌز‬
‫بداٌة بٌن التجربة فً داللتها العادٌة من حٌث هً "مجموعة من الخبرات الحسٌة التً ٌراكمها اإلنسان فً مجال حٌاتً ما" ‪، Expérience‬‬
‫والتجربة فً داللتها العلمٌة من حٌث هً "العملٌة التً ٌقوم من خاللها العالم بإعادة إحداث ظاهرة ما‪ ،‬تمت مالحظتها‪ ،‬فً ظروف وشروط‬
‫مختبرٌة صارمة ومضبوطة قصد الوصول التً نتٌجة تمكن من تفسٌر تلك الظاهرة والتنبؤ بها"‪( Expérimentation .‬التجرٌب العلمً )‪،‬‬
‫أما النظرٌة فهً "تركٌب عقلً مؤلف من تصورات منسقة تهدف إلى ربط المبادئ بالنتائج"‪ ،‬وهً فً مجال العلم "نسق من المبادئ والقوانٌن‬
‫ٌمكن من خاللها تفسٌر الظاهرة التً تشكل موضوع بحث علمً"‪ .‬فالتجربة إذن تحٌل على مجال الواقع الحسً‪ ،‬بٌنما النظرٌة تحلٌل على‬
‫التصور العقلً المجرد الذي ٌكون المعرفة العلمٌة‪.‬‬

‫هكذا إدن‪ٌ،‬مكن القول أن "للتجربة التً تستمد أسسها من الواقع دور حاسما فً بناء النظرٌة العلمٌة‪ ،‬بمعنى أن النظرٌة العلمٌة تبنى بناء تجرٌبٌا‬
‫واقعٌا" وهنا البد من االستناد إلى المنهج التجرٌبً الكالسٌكً الذي تأسس وتطور على ٌد مجموعة من العلماء (فرانسٌس بٌكون‪/‬غالٌلٌو‪/‬‬
‫ونٌوتن)‪ ،‬أما مع كلود برنار ‪ C. Bernard‬فإن هذا المنهج (التجرٌبً) سٌأخذ صٌغة صارمة ومضبوطة حصرها فً أربعة خطوات ومجموعة‬
‫من الشروط التً ال ٌمكن تجاوزها‪ ،‬وهً‪:‬‬
‫‪ -‬المالحظة ‪ :‬أي لحظة اللقاء األولى بٌن العالم والظاهرة المدروسة‪ ،‬بحٌث ٌقوم بمعاٌنتها بحٌاد وموضوعٌة تامٌن‪ ،‬فعلى العالم أن ال ٌتدخل فً‬
‫التأثٌر على مجرٌات الظاهرة وأن ٌسجل ما ٌالحظه بعٌدا عن كل إسقاط لمٌوالته ورغباته ‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضٌة‪ :‬أي الفكرة األولٌة التً ٌقترحها العالم كتفسٌر للظاهرة‪ ،‬وهً نقطة االنطالق األساسٌة لكل استدالل تجرٌبً‪ ،‬أي بدونها ال ٌمكن‬
‫الحصول على أٌة معرفة‪ ،‬وكل ما ٌمكن الحصول علٌه هو ركام من المالحظات العقٌمة‪ ،‬وهناك شرطان ٌجب توفرهما فً كل فرضٌة علمٌة‪،‬‬
‫وهما‪ :‬أن ٌكون لها سند واقعً مستوحاة من طبٌعة الظاهرة المدروسة‪ ،‬وأن تكون قابلة للتحقق التجرٌبً‪.‬‬
‫‪ -‬التجربة ‪ :‬أي العملٌة التً ٌقوم من خاللها العالم بإعادة إحداث الظاهرة المدروسة فً شروط مختبرٌة صارمة ومضبوطة‪ ،‬بحٌث ٌكون العالم‬
‫هو من ٌحدث الظاهرة وٌتحكم فً عواملها ومتغٌراتها‪ ،‬بهدف التحقق من الفرضٌة والوصول إلى نتٌجة‪ ،‬وٌجب أن تكون التجربة قابلة للتكرار‬
‫وإال فإنها ستفقد علمٌتها‪.‬‬
‫‪ -‬القانون ‪:‬وهو االستنتاج النهائً الذي ٌتوصل إلٌه العالم بعد تجاربه المتكررة‪ ،‬وٌمكن التعبٌر عنه من خالل مجموعة من الرموز (أرقام‪،‬‬
‫حروف ‪ )...‬تبٌّن العالقات الثابتة بٌن عناصر الظاهرة‪ ،‬وٌجب أن ٌكون القانون خاضعا لمبدأ الحتمٌة وإال فإنه سٌفقد علمٌته‪ ،‬إذ أن الحتمٌة هً‬
‫روح العلم‪ٌ .‬قول كلود برنار ‪" :‬إن صادف العالم خالل أبحاثه ظاهرة ال تقبل الحتمٌة‪،‬فإن علٌه أن ٌبعدها من طرٌقه " (ٌمكن االستدالل على كل‬
‫خطوة بمثال تجربة األرانب )‪.‬‬

‫هكذا إذن‪ ،‬تلعب التجربة دورا حاسما فً بناء النظرٌة العلمٌة والوصول إلى الحقائق العلمٌة‪.‬‬
‫مادة الفلسفة ‪ -‬مجزوءة المعرفة ‪ /‬النظرٌة والتجربة ‪ -‬نموذج تطبٌقً حول صٌغة السؤال المفتوح المستوى ‪ :‬السنة الثانٌة بكالورٌا‪ -‬ذ محمد بنعبو‬

‫(المناقشة )‪ 5 :‬ن‬
‫ال أحد من الدارسٌن أو المهتمٌن بتارٌخ العلم ٌمكنه أن ٌنكر أو ٌتجاهل ما للتجربة من أهمٌة تارٌخٌة‪ ،‬فبفضل صرامة المنهج التجرٌبً عرف‬
‫العلم تطورا نوعٌا ‪ ،‬فبات باإلمكان تمٌٌز الممارسة العلمٌة والتفسٌر العلمً عن غٌرها من أنماط التفسٌر األخرى كالالهوت والمٌتافٌزٌقا‪ ،‬كما أن‬
‫قٌمة أطروحة كلود برنار تتجلى فً كونها من أبرز األطروحات التً ساهمت فً إغناء النقاش الفلسفً والعلمً حول قضٌة أساس بناء المعرفة‬
‫العلمٌة‪ .‬لكنها تبقى اطروحة محدودة‪ ،‬فلقد ارتكز هذا المنهج على مفاهٌم وقوانٌن مرتبطة بالواقع الحسً القابل لإلدراك والمالحظة‪ .‬لكن التطور‬
‫العلمً كشف عن بعض الظواهر الدقٌقة والمعقدة انفلتت منه مما حتم مراجعة تلك القوانٌن والمفاهٌم التً ارتكزت علٌها التجربة‪ ،‬واستبدالها بما‬
‫هو قادر على استٌعاب هذه الظواهر الجدٌدة‪ ،‬فما الدور الذي ٌمكن أن ٌكون للعقل الرٌاضً فً بناء النظرٌة العلمٌة ؟‬
‫وٌعتبر أن بناء‬
‫ِ‬ ‫هنا البد من استحضار أطروحة ألبرت آٌنشتٌن ‪ A. Einstein‬الذي ٌعد من أبرز المعبرٌن عن العقالنٌة العلمٌة المعاصرة ‪،‬‬
‫النظرٌة العلمٌة ٌتوقف على دور العقل‪ .‬فالمعرفة العلمٌة تتكون من مفاهٌم وقوانٌن ٌنشئها العقل بما ٌملكه من قدرات ال محدودة (العقل الخالق) ‪،‬‬
‫وبالتالً فما تتوصل إلٌه التجربة ٌجب أن ٌكون بالضرورة تابعا للعقل ومنسجما مع مبادئه‪.‬‬

‫لقد أحدث ألبرت آٌنشتٌن ثورة كبرى فً مجال العلم بعدما قلب نظرة الناس إلى بعض المفاهٌم والمسلمات؛ ومعه انتقلنا من الثابت إلى المتغٌر‬
‫ومن المطلق إلى النسبً ( الزمان نسبً ومتغٌر‪ ،‬المكان نسبً ومتغٌر‪ ،‬الكتلة نسبٌة ومتغٌرة )‪ ،‬وهذا االنتقال كان بفضل العقل وما له من قدرات‬
‫وخصائص خالقة ومبدعة ‪ ،‬ولٌس بفضل التجربة التً هً محدودة وعاجزة‪ .‬إن بناء النظرٌة العلمٌة وفهم الموضوعات والظواهر‪ ،‬مهما كانت‬
‫دقتها ودرجة تعقٌدها‪ ،‬ال ٌمكن أن ٌتم إال من خالل االعتماد على العقل ومبادئه الرٌاضٌة‪ ،‬ألنه ٌتمٌز بمجموعة من الخصائص تجعل منه عقال‬
‫حرا وخالقا‪ ،‬وبالتالً فان النظرٌة العلمٌة هً معرفة عقالنٌة تبنً بناء رٌاضٌا خالصا‪.‬‬

‫أما بالنسبة لالبستٌمولوجً الفرنسً غاستون باشالر ‪ G. Bachelard‬أحد رواد العقالنٌة المنفتحة أو المطبقة‪ ،‬فهو ٌعتبر أن النظرٌة العلمٌة‬
‫تبنى بناء جدلٌا‪ ،‬أي‪:‬بناء قائم ا على حوار وتكافؤ العقل النظري ( الرٌاضً) والتجرٌب المطبق (الواقعً )‪(،‬أي حوار بٌن العقل والتجربة) ‪ ،‬من‬
‫حٌث أن الجدل هو عالقة تكامل بٌن التجرٌب العلمً والعقالنٌة العلمٌة‪ ،‬بمعنى أن النظرٌة والتجربة لٌسا نقٌضٌن فً الممارسة العلمٌة‪ ،‬وإنما‬
‫متكاملٌن ومتكافئٌن‪ ،‬وألن المعرفة العلمٌة ال ٌمكن أن تقوم إال ضمن تكامل هذٌن العنصرٌن‪ ،‬ال ضمن تضادهما‪ٌ ،‬قول باشالر‪" :‬ما أن نفكر فً‬
‫الممارسة العلمٌة حتى ندرك أن العقالنٌة والتجرٌبٌة ٌتبادالن النصائح بدون توقف"؛ فالعقالنٌة لوحدها تكون "منغلقة" و"فارغة"‪ ،‬والتجرٌبٌة‬
‫لوحدها تكون "ساذجة" و"عمٌاء"‪ .‬وهكذا فإن عالِم الفٌزٌاء ٌحتاج إلى ٌقٌن أن النظرٌة العلمٌة تبنى بناء مزدوجا‪ ،‬ألن كل منهما (العقل‬
‫والتجربة ) ٌكون أقدر من اآلخر فً بعض األحٌان على إلقاء الضوء على االكتشافات العلمٌة الجدٌدة‪ ،‬وهذه هً العقالنٌة المنفتحة أو المطبقة كما‬
‫ٌسمٌها باشالر‪( .‬فً كتبه وتحلٌالته اإلبستٌمولوجٌة)‬

‫(التركٌب)‪ 3 :‬ن‬
‫نستنتج إذن‪ ،‬بعد تحلٌلنا ومناقشنا لهذا الموضوع‪ ،‬أن االختالف والتعدد هما السمة الغالبة على هذا النقاش الفلسفً االبستٌمولوجً‪ ،‬فإذا كان هناك‬
‫من اعتبر أن النظرٌة العلمٌة تبنى بناء تجرٌبٌا مؤكدا على أهمٌة الواقع والتطبٌق فً الممارسة العلمٌة (كلود برنار )‪ ،‬فإن هناك من اعتبر أن‬
‫النظرٌة العلمٌة تبنى بناء نظرٌا مجردا ٌكون فٌه للعقل الرٌاضً الدور األساسً (ألبرت آٌنشتٌن )‪ ،‬وبٌن هذا الموقف وذاك وجدنا من ٌقول أن‬
‫النظرٌة العلمٌة تتأسس على ٌقٌن مزدوج و حوار جدلً ٌتكامل فٌه ما هو عقلً نظري مع ما هو تجرٌبً تطبٌقً (غاستون باشالر )‪ .‬وهكذا نجد‬
‫أنفسنا أمام رهان ابستٌمولوجً ٌعكس حجم النقاش العلمً التً عرفته الفلسفة عبر مراحل تطور المعرفة اإلنسانٌة‪ ،‬فغاٌة المعرفة هً أن تفسر‬
‫لنا نحن البشر كٌف نفهم صمٌم العالم الذي نحٌى فٌه ونعاٌشه بحسنا المشترك‪ ،‬دون إخالل بتوازنات الطبٌعة‪ ،‬وهو منطلق وجوهر وجودنا العاقل‬
‫فً هذا الكون‪.‬‬

‫الجوانب الشكلٌة ‪ 3 :‬ن‬

You might also like